You are on page 1of 3

‫دور القضاء في تحقيق التنمية‬

‫راهن المغرب منذ فجر اإلستقالل على إرساء اللبنات األساسية لبناء دولة حديثة تقوم على أساس‬
‫الديمقراطية و ترسيخ ثقافة حقوق اإلنسان ‪ ،‬و سمو القانون و سيادته‬
‫على الجميع‬
‫و يشكل القضاء أهم مرفق من المرافق العمومية التي حضيت باإلهتمام منذ الحصول على اإلستقالل‬
‫باعتياره المراة التي تعكس انشغاالت المواطن ‪ ،‬و معيار تقاس به حضارة األمة و رقيها ‪.‬‬
‫المالحظ أن دور القضاء لم يعد ينحصرفي البث في النزاعات بين الطرفين أحدهما ظالم و االخر مظلوم ‪،‬‬
‫بل أصبح يلعب دورا مهما على مستوى تحقيق التنمية الشاملة و ترسيخ دولة الحق و القانون‪ ،‬فالعالم‬
‫منذ ‪ ، 1989‬أصبح يتكلم لغة اقتصاد السوق و هيمنة عولمة اإلقتصاد و المغرب بمصادقته على اتفاقية‬
‫الكات يكون قد أعلن انخراطه ضمن موجة التحوالت التي يعرفها المجتمع الدولي‪.‬‬
‫و لقد أصبحت العالقة بين القضاء و التنمية أو التنمية و القضاء من الموضوعات التي تستأثر باهتمام‬
‫مجموعة كبيرة من رجال اإلقتصاد و القانون و السياسة و غيرهم من متتبعي الشأن العام‪ ،‬وقد عرف‬
‫هذا اإلهتمام محطتين رئيسيتين ‪ :‬األولى ‪ :‬قبل ‪ 1956‬و الثانية بعد ‪.1956‬‬
‫‪ -‬قبل ‪ 1956‬خالل القرنين ‪18‬و ‪ 19‬طرح الموضوع بحدة من خالل ما يسمى باتفاقيات اإلمتياز التي‬
‫تعطي امتيازات قانونية و قضائية لألجانب العاملين بالمغرب ‪ ،‬بحيث لم يكن لهذه اإلمتيازات أساس غير‬
‫األساس اإلقتصادي ‪ ،‬و ذلك بحجة أن الشريعة اإلسالمية لم تكن مالئمة لحاجيات الجهات المستفيدة ‪.‬‬
‫وفي بداية القرن العشرين و عند إبرام إتفاقية الحماية طرح نفس المشكل بصفة رسمية و سجل كشرط‬
‫من شروط إبرام هذه الحماية ‪ ،‬أي تحسين عطاء القضاء و هيكلته و مالءمته لمتطلبات تحديث الدولة‪.‬‬
‫‪ -‬بعد ‪ : 1956‬عاش المغرب طفرة مهمة شملت الجانب السياسي و اإلقتصادي ثم فيما بعد الجانب‬
‫اإلجتماعي ‪ ،‬و ال يمكن إنكار ذلك الزخم القانوني الذي اتصل بصفة مباشرة أو غير مباشرة باإلنسان‬
‫كمواطن‪.‬‬
‫و لكن هل الوضعية التي يعرفها القضاء المغربي تمكنه بالفعل من تحقيق التنمية؟‬
‫لماذا للقضاء دور في التنمية ؟ ما هو بالضبط اإلطار المرجعي لهذه العالقة؟‬
‫أوال ‪ :‬الوضعية التي يعرفها القضاء المغربي‪ :‬القضاء المغربي يعيش أزمة حقيقية ‪ ،‬و الدليل على ذلك‬
‫الخطابات السياسية التي يطلع بها الحقوقيون للمطالبة بإصالح القضاء ‪،‬على المستوى الوطني و البنك‬
‫الدولي على المستوى الدولي ‪ ،‬في هذا اإلطار هناك مجموعة من الوثائق التي تبرز العوائق التي تحول‬
‫دون تنمية موازية في المغرب و على رأس هذه العوائق هناك الدور الذي يلعبه القضاء ‪ ،‬و يمكن‬
‫اإلشارة لبعض هذه الوثائق ‪:‬‬
‫‪-1‬تقرير البنك الدولي لسنة ‪: 1992‬‬
‫أهم ما انتهى له هذا التقرير ما يلي ‪:‬‬
‫• تأثير الوضعية المادية للقضاة على استقالل القضاء و نزاهة األحكام ‪.‬‬
‫• سلطة وزير العدل في اإلنتداب‪.‬‬
‫• عدم استقرار اإلجتهاد القضائي مما يعطي لكل قاضي إمكانية واسعة لتأويل النص القانوني‪.‬‬
‫• ضعف البنية التحتية للمحاكم‪.‬‬
‫• التأخر في تنفيذ األحكام و الذي قد يستمر الى سنوات‪.‬‬
‫• قلة كتاب الضبط و الموظفين داخل المحاكم ‪.‬‬
‫‪ -2‬تقرير البنك الدولي ‪: 1996‬‬
‫أصبحت المعيقات التي أصدرتها تقارير البنك الدولي ذات صدى عالمي أثر باألساس على الفاعلين‬
‫اإلقتصاديين‪.‬و بما أن المغرب اختار اإلنخراط ضمن منظومة اقتصاد السوق ‪ ،‬و الدليل التوقيع على‬
‫اتفاقية الكات و كذا اتفاقية الشراكة مع اإلتحاد األوروبي و أيضا المشاركة في مؤتمر برشلونة ‪ ،‬كل‬
‫هذه المحطات فرضت على المغرب اإلنفتاح على المجتمع الدولي و السماح للمستثمرين األجانب‬
‫اإلطالع على حالته ووضعيته في جميع المجاالت ‪.‬لهذا فإن تصريح شخصية أمريكية ذات أهمية في‬
‫البيت األبيض يكون له وقع كبير و ربما حاسم في جلب اإلستثمار األجنبي الى المغرب من عدمه‪.‬‬
‫و غني عن البيان أن تصريحات بهذا الحجم لها وقع خطير على المستثمر األجنبي الذي يشترط من أجل‬
‫ضمان األموال التي يستثمرها خارج وطنه أن تكون تلك األموال محمية بجهاز قضائي نزيه كفء و‬
‫فعال‪.‬‬
‫‪/3‬تقرير وزارة الخارجية األمريكية ‪:1994‬‬
‫اعتبرت مصادر من وزارة الخارجية األمريكية في تقريرها السنوي حول حقوق اإلنسان في العالم تأكيدا‬
‫اخر على تدهور القضاء في المغرب‪ .‬ومعلوم أن التقرير الصادر عن وزارة الخارجية األمريكية يقدم‬
‫كوثيقة أساسية للكونغرس األمريكي ‪ ،‬باعتباره المهندس الرئيسي للسياسة الخارجية العامة ‪ ،‬و أكيد أن‬
‫التقرير سيكون ذو تأثير سلبي على المستثمرين األجانب و خصوصا الغربيين منهم‪.‬‬
‫و قد اهتم هذا التقرير بظاهرة الرشوة التي انتشرت بشكل كبير في ميدان القضاء إذ ورد في فقرته‬
‫الخامسة تحت عنوان‪" :‬الحرمان من المحاكمة العلنية النزيهة" ‪ ،‬ما يلي ‪" :‬تخضع جميع المحاكم‬
‫المغربية على ما يبدو لضغوطات من جهات غير قضائية و أجور القضاة هزيلة مما يجعل عديمي‬
‫الضمير منهم يقبلون تسلم أموال في قضايا روتينية ‪ ."...‬فإلحاح وزارة الخارجية األمريكية على ظاهرة‬
‫الرشوة في القضاء المغربي تعتبر بمثابة الضربة القاضية لكل إمكانية جلب اإلستثمارات الخارجية‪،‬‬
‫فالمستثمر األجنبي ال يفهم ما معنى أن تكون الرشوة منتشرة في جهاز يفترض أن يعاقب من يستولي‬
‫على أموال اآلخرين ‪ ،‬و المثير أن الوضع لحد االن لم يعرف أي تغيير ‪ ،‬وهو ما وقع تأكيده في تقرير‬
‫وزارة الخارجية سنة ‪ ، 1997‬حيث يتهم التقرير القضاة المغاربة بالرشوة بكل وضوح و لم يصدر أي‬
‫تكذيب أورد من الوزارة المعنية (وزارة العدل)‬
‫‪/5‬البحث الذي أعدته غرفة التجارة و الصناعة الفرسية ‪- :‬‬
‫كان الهدف من تكليف وزارة الدولة في الداخلية تكليف غرفة التجارة و الصناعة الفرنسية بإجراء بحث‬
‫و استقصاء الراء الفاعلين اإلقتصاديين حول معيقات التنمية بالمغرب ‪ ،‬و قد أبان ذلك البحث عن الماخد‬
‫التي يتخذها المستثمرون األجانب على اإلدارات و األبناك أقل قوة من تلك التي يوجهونها للقضاء ‪.‬‬
‫فإذا كانت هذه المشاكل يعاني منها جهاز يفترض أنه يحمي الحقوق و يدافع عنها فأمام من يرفع‬
‫المستثمر شكواه‪.‬؟‬
‫ثانيا ‪ :‬لماذا للقضاء دور في التنمية ؟ ‪ :‬عرف المغرب منذ بداية سنة ‪ 1989‬تحوالت سياسية لم تكن‬
‫مرتقبة بالشكل و السرعة التي تمت بهما ‪ ،‬و قد أدت تلك التحوالت إلى هيمنة نمط اقتصاد السوق أي‬
‫إعطاء األولوية المطلقة في التعامل التجاري و المالي للتوازن الذي قد ينتج عنه اصطدام العرض‬
‫بالطلب ‪ ،‬هذه اإللتفاته الجديدة هي التي دفعت العالم لإلسراع بالمصادقة على اتفاقية الكات بمدينة‬
‫مراكش سنة ‪ ، 1994‬باعتبارها الية لفتح األسواق الوطنية على الشركات المتعددة الجنسيات‪.‬‬
‫فاقتصاد السوق ال يعترف إال بما قرره السوق من توازن العرض و الطلب ‪ ،‬و في المغرب تجلت هيمنة‬
‫افتصاد السوق على جل القوانين التي تمت المصادقة عليها في االونة األخيرة كمدونة التجارة ‪ ،‬قانون‬
‫الشركات و قاون المحاكم التجارية‪.‬فاألصل أصبحت هيمنة اقتصاد السوق ‪ ،‬مما يستوجب وجود جهاز‬
‫قضائي كفء مؤهل و نزيه ‪ ،‬فلم يعد القضاء مطالبا بالقيام بالمهام الكالسيكية المتمثلة في إنزال العقوبة‬
‫بالمجرم و إنما فتحت له القوانين األخيرة مجاالت أوسع ‪.‬دور القضاء في التنمية سيتأكد في المستقبل‬
‫القريب ‪-‬إن لم يكن قد تأكد‪ -‬و إن عدم انتهاز هذه الفرصة في قيامه بمهامه على أكمل وجه سيؤدي‬
‫حتما الى فقد المستثمر األجنبي و المغربي أيضا نظرا النعدام وجود حامي و ضامن لمصلحته‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬اإلطار المرجعي لعالقة القضاء بالتنمية ‪:‬‬
‫العالقة بين القضاء و التنمية هي موضوع كوني وجد بوجود البشرية و تطور بتطور المجتمعات فالعدل‬
‫أساس الحضارة و اساس األمن و اإلستقرار ‪.‬في إطار تركيز اإلهتمام حول البحث عن سبل جديدة‬
‫للنهوض باإلقتصاد المغربي ساد اإلقتناع بأن اإلقتصاد الحر هو أفضل اختيار ‪ ،‬فأصبحت مبادرات‬
‫القطاع خصوصا تلك التي تأتي في صورة استثمارات مالية و مهارات فنية ‪ ،‬من األسس التي تقوم‬
‫عليها استراتيجية التنمية‪ .‬كان المغرب و ما يزال في حاجة الى العديد من اإلصالحات ‪ ،‬خصوصا‬
‫التشريعية‪ ،‬حيث كان البد للقضاء أن يتأثر بالتنمية االقتصادية بعد تحديث اإلطار القانوني لألنشطة‬
‫اإلقتصادية‪.‬‬

You might also like