Professional Documents
Culture Documents
إشكالية الحداثة في الفكر العربي المعاصر. محمد اركون و طه عبد الرحمان
إشكالية الحداثة في الفكر العربي المعاصر. محمد اركون و طه عبد الرحمان
مذكرة تخرج لنيل شهادة الماستر في الفلسفة العامة وتعليميتها الموسومة بـ:
السنة الدراسية:
6102/6102
الحمد هلل الذي أنار لنا درب العلم و المعرفة وأعاننا على أداء هذا الواجب ووفقنا إلى إنجاز
هذا العمل
وها نحن اليوم نقف أمامكم وها نحن وصلنا وبيدينا شعلة علم وسنحرص كل الحرص عليها
حتى ال تنطفئ
ونشكر هللا أوال وأخير على أن وفقنا وساعدنا على ذلك
و بأسمى معانً الشكر الجزٌل ،والعرفان الخالص ،نتوجه بجزٌل الشكر و االمتنان إلى
أستاذنا الفاضل الدكتور " دمحم بن جدية " على النصائح و توجٌهات علمٌة و منهجٌة ،
وعلى وقته الذي سخره لنا بصدر رحب ،كما ال ننسى أخالقه فً تعامله معنا الذي عهدنا
منذ دخولنا الجامعً ،فأخذنا منه رفعة الخلق و التواضع .
كما ال ٌفوتنً أن أتوجه بالشكر أٌضا إلى جمٌع أساتذة شعبة الفلسفة ،وخاصة عمال
المكتبة على مجهوداتهم المبذولة لتسخٌر لنا مختلف الكتب
أتقدم بالشكر إلى القلب الحنون من كانت بجانبً بكل المراحل إلى أمي الحبٌبة وإلى
من علمنا أن ال نقف وعلمنا أن نواصل إلى والدي شفاه هللا .
إلى من لهم الفضل بإرشادنا إلى طرٌق العلم والمعرفة إلى أساتذتنا األفاضل
إلى إخوتي و أخواتي كل باسمه وإلى معلمً " عباس الشارف "و إلى أصدقائً خاصة
صدٌقتـــــــــً " بن أحمد حليمة " ،وأحبتنا ومن سهروا معنا فً مسٌرتنا العلمٌة ،ولن
ننسى هذا المكان الذي جمعنا بمقاعده وأبوابه حتى فنائه إلى كل جزء به ونتمنى أن نعود له
فً مرحلة أخرى إن شاء هللا .
مقدمة :
لعلناالنبالػإذاللناأنمصطلحالحداثةلدأصبحمنالمفاهٌماألكثرتداوالفً
الفكرالعربًالمعاصر،ذلنألنالعالمالعربًعانىوال ٌزال منظاهرةتخلؾجعلته
تابعا لؽٌره ،تابعا ألوربا الحدٌثة والمعاصرة فكرٌا و مادٌا ،إذ أصبحت هذه الظاهرة
تؤرقالمفكرالعربً،خصوصاأنالعالمالٌومأصبحٌخضعلمنطكالحداثةوالعولمة،
هذاماجعلمنالوالعالعربًمتأزمابالرؼممنالمجهودالمبذولفًسبٌلتحمٌكالحداثة
والتطور،ؼٌرأنالوالــــعالٌزالٌكشــــؾعنالهــــوةالفارلةبٌنالعربوالؽرب،
إذأصبحالعربًوالمسلمٌعانًمنحالةاؼتراببالرؼممنانتمائهلمجتمعه،اؼتــراب
علىمستوىكل ماٌحٌطبه من فلسفةوعلم وتكنولوجٌا وثمافة ،هذااالؼترابكان
مؤطراللفكرالعربً،إذأخذعلىعاتمهمهمةتحمٌكاستماللوتحررفكريٌ،عتبرمرآة
عاكسةلنظرتهإلىالوالع .
إن المشـارٌع الفـكرٌـة العربٌـة المعاصرة تعبر عن نظرة عمٌمة لتأزم الذات
العربٌة ،فً مختلـؾالمضاٌــاالحضارٌةبحٌـثهًنظـرةشامـلةومتكـاملــةلمســائـل
ال حٌـاة ،اإلنسـان ،الثمافة ،الحداثة ،التراث ،فمد طرح المفكرٌن العرب بعمك األزمة
الحداثٌةللوالعالعربًالذيٌعانًمنالتخلؾوفشلالمشارٌعالتنموٌةالتًأخذتبمعاٌٌر
المادٌة للتطور و النمو مهملة فً ذلن الجانب الفكري الذي ٌعتبر محرن فكري ألي
حضارة .
منهذاالمنطلكٌتضحانهنانأزمةفكرٌةٌعانًمنهاالعربإذتتجلىبوضوح
فًمختلؾالمشارٌعالفكرٌةالتًأصبحتمستهلكةالمبدعة،مستهلكةلفكرؼٌرهاالبعٌد
كلالبعدعنوالعهاالعربًاإلسالمً،الذيمنالمفروضأنٌكونفاعالفٌه،فًخضم
هذهاألزمةٌبرزفًاألفكمشارٌععربٌةتؤسسلحداثةعربٌةإسالمٌة،ترىأنالمخرج
من التخلؾ مخرج فكري فً األساس ،و تسعى بذلن لبلوغ الحداثة والتحرر من كل
أشكالالتخلؾ واالنحطاط واإللرار باالستماللالفكري ٌ ،مكنالعربمندخولمدار
أ
مقدمـــــــة
الحداثةومساٌرةالركبالحضاريالعالمً،الذيلد دخلفًمرحلةأخرىهًمرحـــلة
مابعدالحداثة .
ل مداختلفتاآلراءفًمحاولةتبٌئةمفهومالحداثةومموماتها،هذاالوافدالؽرٌب
عن المجال التداولً العربً اإلسالمً ،رفعت لواءها نزعة ترى أن أفضل طرٌمة
لتأسٌسحداثةعربٌةإسالمٌةهًتلنالتًتتمثلفًاستٌعابأثارالحداثةالؽربٌةوتمثل
منجازاتـــــها و مكاسبها ،متطلعٌن إلى توطٌن مكتسباتها المنهجٌة و المعرفٌة فً نسٌج
الثمافةالعربٌةاإلسالمٌة ،وفًممابلهذهالنزعةهنانمنالمفكرٌنالعربمناحترز
هذاالوافــد الؽرٌب،وتحفظبشأنهفعملعلىتعاطًمعهوهذابتحلٌلهوتتبعمساراته
ونمدهوبٌانمحدودٌتهولصورآلٌاته .
ولدالتصربحثناهذاعلىالمفكرالجزائري"دمحمأركون"،والمفكرالمؽربً"
طهعبدالرحمن"،ولد كاناختٌارنالهماممصوداكونهماٌشتركانفًاالنتماءللهوٌة
العربٌة اإلسالمٌة،فًحٌنٌختلفانفًالمناخالفكريوالتكوٌناألكادٌمً،وٌحمالن
شؽؾإزاحةالهمومالعربٌةومحاولةالنهوضباألمةالعربٌة،فلماكانللمشروعٌنأهمٌة
فًالدراساتالعربٌةلتمٌزهما،ولوةطرحهما والتباٌنالملحوظبٌــــنالمشروعٌــــــن
هو ماكانلنادافعا الختٌارناالموضوعو كذاالنموذجٌن بالتحدٌد،باإلضافةإلىرؼبتنا
فًإعادةتوجٌهإشكالٌاتالبحثوالدراساتالجامعٌـــةمن مجالالفكــــــرالؽربــــــً
نحواالهتمامأكثربالفكرالعربًالمعاصر،والرؼبةفًالتعرؾعلىالسبل واإلمكانات
الممكنةللخروجمنمأزقالتخلؾ،كلمنوجهةنظرهومعرفةمدىتأثٌرالمناخالفكري
علىصاحبه .
أماعنأهمٌةموضوعالبحثفهًمنأهمٌةالحداثةذاتهافهًبالشنطموحكل
أمةعانتمنوٌالتالتخلؾ .
منأهداؾهذاالبحثمحاولةالولوؾعلىاإلمكانات الممترحةمنطرؾكل
الرحمن،لصدالمواءمةبٌنفكرٌنٌبدوانمختلفانتماما .
مح ّمد أركون و طه عبد ّ
ب
مقدمـــــــة
و إذا كان لكل بحث منهج ٌتكئ علٌه فمد التضت طبٌعة هذا البحث االستناد إلى
المنهجالتارٌخًمنخالل تتبعكرونولوجٌامفهومالحداثة ،مستأنسٌنبالمنهــجالتحـلٌلً
النمديالذيهٌمنعلىمساحةهذاالبحثوذلنلطبٌعةالموضوعمستعٌنٌنكذلنبالمنهج
الممارنفًمماربةكلمنطهعبدالرحمنودمحمأركون ،
و فً دراستنا هذه آثرنا أن نرصد أهم المستجدات الحداثٌة فً الفكر العربً
المعاصرمعالجين اإلشكالية التالية :
-كما أدرجنا تساؤالت فرعية من ضمنها :ما مفهوم الحداثة ؟ و ما هو سياقها
التاريخي ؟ وعلى ماذا تقوم ؟ وكذا ما حدود و مصداقية وواقعية المشاريع العربية
الحداثية وكيف يمكن بناء حداثة تنبع من هويتنا و تنسجم مع ثوابتنا الحضارية؟
ولمعالجةهذهاإلشكالٌةوالتساؤالتوبعداإلطالعالواسعألعمالالمختلفةلكلمن
دمحمأركونوطهعبدالرحمن،وزعناخطةالبحثكالتالً:
الفصل التمهٌدي المعنون بالحداثة الؽربٌة :بٌن طوباوٌة المفهوم و تجاوزات الممارسة
تحدثنا فٌه عن مفهوم الحداثة لؽة و اصطالحا ،و المفاهٌم المجاورة لها و عن سٌالها
التارٌخًوأهممموماتهاوتحدثناعنأزماتالفكرالؽربًالحدٌثوتٌارمابعدالحداثة .
الفصل األول معنون ب " مشروع النهضة العربٌة " ،تطرلنا من خالله إلى السٌاق
التارٌخًالحاضنللمشروع،وإلىأهممظاهرالتحدٌثفًالفكرالنهضويالعربًوإلى
محدودٌةمشروعالنهضةالعربٌة .
ت
مقدمـــــــة
فً مختلؾ مراحل تشكله بداٌة من العصر التدشٌنً ثم العصر الكالسٌكً الذهبً ٌ،لٌه
العصراإلجترارينهاٌةبالفكرالمعاصر،ثمتناولنامشروعاإلسالمٌاتالتطبٌمٌة،مفهومها
ومهامها،ومناهجها،ثمتطرلنافًالمبحثالثالثإلىأهممتطلباتالمجتمعالحدٌثفً
نظرأركون.كماأضفنامطباتالفكراألركونًالحداثً
-الفصل الثالث :المعنون ب الحداثة فً فكر طه عبد الرحمن ،تناولنا فٌه ثالث
مبـــاحث،األولمعنونب:منالتبعٌةإلىاإلبداعالفلسفًوالذينتحدثفٌهعنمولفه
منالتبعٌةوالحكفًاالختالؾالفلسفً،والمبحثالثانًوالمعنونب:عوائكاالجتهادو
التجدٌدوروحالحداثةومبادئهاوالتجدٌداإلسالمً،أماالمبحثالثالثوالذيتناولنافٌه
التطبٌكاإلسالمًلروح الحداثة.كماتناولنانمداألفكارطهعبدالرحمن ،ولبلأنننتهً
حاولناعمدممارنةبٌنالمشروعٌنبتبٌانمواطناالختالؾوالتشابهبٌنها .وانتهٌنا
بخاتمةكانتبمثابةحوصلةعامةلنتائجالبحث .
وفًهذهالدراسةاعتمدنادراساتسابمةللموضوعأفادتنافًتناولالبحث ،و
منها دراسة فارح مسرحً المعنونة ب " :الحداثة فً فكر محمد أركون "و التً تمثل
دراسةملمةلمختلؾأراءو أفكارأركونفًمسألةالحداثةمعمماربتهبمفكرٌنؼربٌٌنو
عرب،كمااعتمدنادراسةٌوسؾبنعدي" مشروعاإلبداعالفلسفًالعربً -لراءةفً
مشروعطهعبدالرحمن"والتًتتخصصفًفكرهعامةوالحداثةبصفةخاصة .
و لكن بحثنا هذا تناول حدود المشروعٌن ،كما أضفنا ممارنة بٌن المشروعٌن وهذا ما
أؼفلتهالدراسةالسابمة .
ث
مقدمـــــــة
عبد الرحمـــــن فٌستعمل اللؽة المنطمٌـــة فً كتـــاباته بحكم تخصصـــه فً تدرٌس
المنطـــك ،و هً لؽة تستعصً على الفهم إال بعد لراءات متعددة ،باإلضافة انعدام
الدراساتالممارنةبٌنطهعبدالرحمنودمحمأركون .
بالرؼممنتلنالصعوباتإالأنناحاولنا تروٌضهابماتٌسرمنالجهدوالطالة،
فإنأصبنافمنهللاوإنأخفمنافمنتمصٌرناوعدمفهمنا .
ج
مدخل تمهيدي:
الحداثة الغربية :
بين طوباوية المفهوم و تجاوزات الممارسة
-1مفهوم الحداثة
-2السياق التاريخي للحداثة الغربية
-3مقومات الحداثة الغربية
-4أزمات الفكر الغربي و تيارات ما بعد الحداثة
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
تمهيد:
ٌشٌر مصطلح " الحداثة " إلى الؽرب األوربً ذلن ألنها بما هً ثورة على األوضاع
الكنسٌة و دعوة إلى التجدٌد و نبذ التملٌد كانت فً أوربا كان الهدؾ منها الخــــــــــــروج
من ظلمات العصر الوسٌط و انبالج عصر آخر عصر الحداثة .فرافمتها عدة تحوالت
فكرٌة و فلسفٌة و علمٌة كبرى أهمها العمل و العمالنٌـة ،الحرٌــة الفردٌــــــــــة و إخضاع
الطبٌعة لإلنسان ،وحما كان لهم ذلن ،فشهد الؽرب حضارة متمٌزة أصبحت مثاال ٌحتذى
به فً التمدم و التطور على الرؼم من ذلن االنفالت و الذي لالت به تٌارات ما بعد الحداثة
من أزمات الفكر الحداثً ،إال أن األمم األخرى وفً أول تماس لها مع هذه الحضارة
راحت تبذل ألصى ما لدٌها لتحدٌث مجتمعاتها و منها األمة العربٌة اإلسالمٌة.
7
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
لــــغة :فً اللؽــــة العربٌــة لفظ الحداثـــــــة مشتك من الفــعل الثالثـــــــً " حدث "
بمعنى " ولع " ،حدث الشًء و ٌحدث حدوثا و حداثة فهو محدث و حدٌث ،و حدث األمر
أي ولع و حصل ،و أحدث الشًء أوجده ،و المحدث هو الجدٌد من األشٌاء ، 1كما نمول "
الحدوث كنمٌض للــــمدمة ،حدث الشًء ٌ ،حدث حدوثا و حداثـــة و أحدثه هو فهو محدث
و حدٌث و كذلن استحدثه ،و أخذنً من ذلن ما لُدم و حدُث " .2
ورجل حدث السن و حدٌثها بٌن الحداثة و الحدوثة ،ورجال أحداث السن و حدثاتها ،
3
ونمول الحدٌث أي الجدٌد من األشٌاء ،و الحدٌث كذلن هو الخبر و الجمع أحادٌث
أما فً اللؽة الروسٌة " فؤخذت منذ المرن التاسع عشر معنى سٌاسٌا ٌدل على التمدمٌة
و الٌسار " . 5
1
-ابن منظور ،لسان العرب ،مج ،2دار بٌروت للطباعة و النشر ،لبنان ،5955 ،ص .535
2
-أبً الحسن علً ابن إسماعٌل بن سٌدة المرسً ،المحكم و المحٌط األعظم ،م ، 3دار الكتب العلمٌة ،بٌروت ،ط ،2222 ، 5ص .252
3
-المرجع نفسه ،ص .253
4
-أندري الالند ،موسوعة الالند الفلسفٌة ،مج ، 2منشورات عوٌدات ،بٌروت ،بارٌس ،ط ، 2225 ، 2ص .822
5
-جمال شحٌد ،ولٌد لصاب ،خطاب الحداثة فً األدب ،األصول و المرجعٌة ،دار الفكر ،سورٌا ،ط ،2225 ، 5ص .54
8
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
فهً " لٌست مفهوما سوسٌولوجٌا أو سٌاسٌا أو تارٌخٌا ٌحضر المعنى و إنما هً
صٌؽة ممٌزة للحضارة ،تعارض صبؽة التملٌد أي أنها تعارض جمٌع الثمافات السابمة ،
فؤمام التنوع الجؽرافً و الرمزي لهذه الثمافات تفرض الحداثة نفسها كؤنها واحدة متجانسة
مشعة عالمٌا انطاللا من الؽرب و ٌتضمن هذا المفهوم إجماال اإلشارة إلى تطور تارٌخً
بؤكمله و إلى تبدل فً الذهنٌة " .1
فالحداثة ثورة على التملٌد و التراث و ٌإكد هذا ٌورؼن هابرماس فً لوله " إن
الحداثة تعبٌر دائما ،عن وعً عصر ما ٌحدد نفسه ( )...و ٌفهم ذاته كنتٌجة انتمل من
2
،فإن كانت مهمة التملٌد الحفاظ على الموروث و السائد و الممدس المدٌم إلى الحدٌث "
فإن الحداثة تإسس للجدٌد و تنشد التؽٌٌر و التمدم هدفها دون المباالة بالماضً و مكنوناته ،
و بذلن تكون " الحداثة مشروع اجتماعً ثوري و تمدمً ومتفتح إلى ألصى حد ٌتمٌز
بالشمولٌة و التفاوت فً إحراز التمدم الحاصل فً كل لطاع من لطاعات الوجود
االجتماعً البشري " . 3
1
-جون بودٌار ،نمال عن فارح مسرحً ،الحداثة فً فكر دمحم أركون ،منشورات االختالؾ ،الجزائر ،ط ، 2226 ، 5ص .25
2
-فارح مسرحً ،الحداثة فً فكر دمحم أركون ،منشورات االختالؾ ،الجزائر ،ط ، 2226 ، 5ص .22
3
-مصطفى خالل ،الحداثة و نمد األدلوجة األصولٌة ،رإٌة للنشر ،مصر ،ط ، 2228 ، 5ص .73
9
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
إن جل ما تسعى إلٌه الحداثة هو التؽٌٌر استنادا إلى لٌم جدٌدة " لٌم بدٌلة لمٌم
1
، التملــــــٌد المتوارثة و لٌم العمل الذهبً ،حٌث فجرت مؽامرة البحث اإلنسانً "
فالحداثة بما هو ثورة محددة تحدث انمالبا من رتابة األوضاع و تكرس الخلك و اإلبداع ،
فتعلن عن مٌالد مجموعة من المٌم المعرفٌة و األخاللٌة الجدٌدة فً النظر إلى الطبٌعـــــــة
2
و اإلنسان و المستمبل "
جياني فايتمو * " حالة و توجه فكري تسٌطر علٌها فكرة رئٌسٌة ،فحواها أن تارٌخ تطور
الفكر اإلنسانً ٌمثل عملٌة استثارة مطردة تتنامى و تسعى لدما نحو االمتالن الكامـــــــــل
و المتجدد ألسس الفكر و لواعده و الحداثة بهذا المعنى تتمٌز بخاصٌة الوعً بضرورة
تجاوز تفاسٌر ا لماضً و مفاهٌمه ،و السعً الدائب نحو استمرار هذا التجاوز فً المستمبل
،و ذلن لتحمٌك اإلدران المطرد عمما باألسس الحمٌمة و المتجددة التً تبطن الممارسات
االنسانٌة ،و تضفً الشرعٌة علٌها ،سواء فً مجاالت العلوم و الفنون و األخــــــــــــالق
و ؼٌرها من المجاالت الفكرٌة العلمٌة " .3
1
-كمال عبد اللطٌؾ ،أسئلة الحداثة فً الفكر العربً ،من إدران الفارق إلى وعً الذات ،الشبكة العربٌة لألبحاث ،بٌروت ،ط ، 2229 ، 5
ص .58
2
-دمحم شولً ،الزٌن ،إزاحات فكرٌة ،مماربات فً الحداثة و المثمؾ ،منشورات االختالؾ ،الجزائر ،ط ، 2228 ، 5ص .35
* فٌلسوؾ إٌطالً معاصر ،ولد فً تورٌنو عام ،5936مدرس علم الجمال من مإلفاته :الشكر و االنطولوجٌا ،مؽامرة االحتالل ،نهاٌة الحداثة
-5نمال عن :دمحم محمود ٌس أحمد طه نور ،أعداء الحداثة ،دار الوعً ،السعودٌة ،ط 5434 ، 5ه ،ص .26
** فٌلسوؾ و عالم إجتماع ألمانً ولد عام ، 5929أحد أعضاء مدرسة فرانكفورت ،من أهم كتبه المول الفلسفً للحداثة ،النظرٌة و الممارسة .
52
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
هابرماس يورغن ** " :مشروع ولده جهد ؼٌر عادي من جانب مفكري التنوٌر ".1
رايموند وليامز *** " :الحداثة تشٌر بشكل أو بآخر إلى مرور الزمن فمن خالل الصفة
حدٌث تشٌر إلى نظام جدٌد ،و إلى تسارع ،و إلى المطٌعة و إلى الثورة فً الزمن وعندما
ت ظهر كلمات حدٌث ،تحدٌث ،تحدد من باب التضاد ماضٌا لدٌما و مستتبا ( )...فهً كلمة
تشٌر إلى كسر فً السٌر المنتظم للزمن ،وتشٌر أٌضا إلى معركة فٌها منتصرون و
المنهزمون " .2
أالن تورين * " الحداثة هً بناء صورة عمالنٌة للعالم الذي ٌدمج اإلنسان بالطبٌعــة ()...
و ترفض كل أشكال الثنائٌة بٌن الجسد و النفس و بٌن عالم اإلنسان و العالم المفارق " .3
بودلير ** " إن الحداثة هً المإلت و سرٌع الزوال و الجائز ،هً نصؾ الفن ،بٌنما
األبدي و الثابت هو النصؾ اآلخر ".4
1
-نمال عن :المرجع نفسه ،ص .58
*** أحد نماد اإلنجلٌز المعاصرٌن عاش بٌن ( ، ) 5988-5925من أعماله (الثمافة و المجتمع ،منابع األمل ،االشتراكٌة ،الدٌممراطٌة .
2
-دمحم محمود ٌس أحمد طه نور ،أعداء الحداثة ،مرجع سابك ،ص ص . 58-57
55
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
-دمحم عابد الجابري *** " لٌست هنان حداثة مطلمة ،كلٌة و عالمٌة و إنما هنان حداثات
تختلؾ من ولت آلخر و من مكان آلخر ،ومن تجربة تارٌخٌة ألخرى ،الحداثة فً أوربا
ؼٌرها فً الصٌن ،ؼٌرها فً الٌابان ...فً أوربا ٌتحدثون الٌوم عن ( ما بعد الحداثة )
باعتبار الحداثة ظاهرة انتهت مع نهاٌة المرن التاسع عشر بوصفها مرحلة تارٌخٌة لامت
فً أعماب " عصر األنوار " ( المرن الثامن عشر) هذا العصر الذي جاء هو نفسه فً
أعماب عصر النهضة ( المرن السادس عشر ) ...الحداثة لٌست من أجل ذاتها بل هً دوما
من أجل ؼٌرها ،من أجل عموم الثمافة التً تنبثك منها الحداثة من أجل الحداثة ال مـعنى
لها ،الحداثة رسالة و نزوع من أجل التحدٌث " . 1
حسن حنفي **** " ٌرى أن الحداثة لد تعنً إتباع أسالٌب العصر و مناهجه فً تحلٌل
التراث ...و تعنً التجدٌد ،وهو تطوٌر للتراث من داخله طبما لحدٌث المجددٌن ،إن هللا
ٌبعث على رأس كل مائة سنة لهذه األمة من ٌجدد لها دٌنها ،فالحداثة ال تعنً الؽرب
بالضرورة ،و إنما تعنً لدرة التراث على أن ٌجتهد طبما لظروؾ العصر " . 2
هشام شرابي * " ٌتجسد معنى الحداثة بالنسبة إلٌنا فً اتجاهٌن مترابطٌن و الحدٌث هو
الجدٌـــد و الطالئعً ،بمعنى المؽامرة نحو المستمبل و االنــفالت من لٌــــود الحـــــــاضر
و الماضً ،ؼٌر أن الحدٌث لٌس هربا من الحاضر بـــل تؤكٌد له ،فاإلبــــداع و الخلك ال
ٌــــ حدثان إال فً اللحظة الحاضرة ،فً اآلن التً تتحول إلى زمن جدٌد ،الحاضر هو
1
-نمال عن :علً رحمومة سحبون ،إشكالٌة التراث و الحداثة فً الفكر العربً المعاصرٌن بٌن دمحم عابد الجابري ،و حسن حنفً ،منشؤ
المعارؾ ،مصر ،د ط ، 2227 ،ص .32
**** مفكر مصري ولد عام ، 5935درس الفلسفة فً ج امعتً الماهرة و السورٌون فً فرنسا ،أهم كتبه ( التراث و التجدٌد ،من العمٌدة إلى
الثورة ،من النمل إلى اإلبداع ،من الفناء إلى البماء ،ممدمة فً علم االستؽراب ).
2
-المرجع نفسه ،ص .34
* مفكر فلسطٌنً عاش بٌن ( ، )2225-5927من كتبه :ممدمات لدراسة المجتمع العربً ،أزمة المثمفٌن العرب .
52
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
أرض المستمبل و هدفه ،و دون العمل فً الحاضر و تؽٌٌره ال ٌمكن العمل فً المستمبـــل
و بنائه " .1
الحداثة لدى أركون ٌ :نفً أركون كون أن الحداثة خاصٌة ؼربٌة و هو بذلن ٌنفً تعٌٌن
زمان أو مكان الحداثة فهو ٌرى أنها لٌست سمة الحضارة الؽربٌة بل هً سمة تمٌز الجدٌد
عن المدٌم عبر مختلؾ الحمب الزمانٌة و فً مختلؾ الحضارات ،فالحداثة " لٌست
المعاصرة ،فمد ٌعاصرنا أشخاص ال عاللة لهم بنا و ال بالحداثة و العصر أناس ٌنتمون
عملٌا لمرحلة المرون الوسطى ،ولد توجد فً المرون السابمة شخصٌات تمثل الحداثة " .2
على أنها " مولؾ فعلً و توتر روحً معٌن ٌتسم بالحٌوٌة الفكرٌة و االنفتاح الثمافً
3
،كما ٌعرفها فً كتابه الفكر األصولً و استحالة التؤصٌل على ( النزعة االنسانٌة ) "
أنها " لٌست مسؤلة تحمٌب لتارٌخ الفكر بمدر ما هً مولؾ معٌن للعمل أمام السإال التالً :
كٌؾ ٌمكن أن تعرؾ الوالع بشكل صحٌح " . 4
الحداثة عند طع عبد الرحمن :إن الحداثة عبارة عن نهوض األمة .كائنة ما كانت
.بواجبات واحد من أزمة التارٌخ االنسانً بما ٌجعلها تختص بهذا الزمن من دون ؼٌرها و
تتحمل مسإولٌة المصً به الى ؼاٌته فً تكمٌل االنسانٌة او لل أن الحداثة هً نهوض
االمة بواجبات زمنها .5
1
-ضمن :دمحم سبٌال ،عبد السالم بن عبد العالً ،الحداثة ،دار توبمال ،المؽرب ،ط ،5996 ، 5ص.525
2
-المرجع نفسه ،ص .526
3
-المرجع نفسه ،ص .526
4
-دمحم أركون ،لضاٌا فً نمد العمل الدٌنً ،مرجع سابك ،ص.522
5
-طه عبد الرحمن ،الحداثة و المماومة ،مصدر سبك ذكره ،ص .22
53
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
إذا ما أردنا ضبط السٌاق التارٌخً الحاضن للحداثة فنجد صعوبة فً ذلن حتما
الختالؾ التعارٌؾ المسندة لمفهوم الحداثة و اختالؾ فاآلراء حولها ،فؽالبا ما ربطها
المفكرون و المإرخون لبعض األحداث المهمة التً حصلت فً تارٌخ أوروبا العام ،فهنان
من من ربطها "بوصول العلوم الٌونانٌة و العربية إلى أوربا الشمالٌة فً المرن الثانً
عشر" ،1كما ٌإرخ البعض لبداٌتها "عام 5436مع اختراع ؼوتنبرغ للطباعة المتحركة
وآخرون ٌإرخون لها عام 5522مع الثورة اللوثرٌة ضد سلطة الكنٌسة" ،2كما نجد
"المفكر األمرٌكً البراؼماتً رٌتشارد روتً ٌلحك الحداثة بفكر دٌكارت فً المرن السادس
عشر و المفكر األلمانً ٌورؼن هابرماس ٌربطها بعصر األنوار فً المرن الثامن عشر
مٌالدي ،وٌرجعها أحد النماد األمرٌكٌٌن إلى النصؾ األول من المرن العشرٌن".3
مما سبك ٌمكننا المول بؤن نشأة الحداثة فً المجتمعات الؽربٌة كانت نتٌجة تحوالت
مهمة حددت فً أوربا منذ نهاٌة العصور الوسطى ،وبداٌة عصر النهضة أو البعث والتً
انبثمت من الكنٌسة فً صورة إصالحات ،مرورا بالمطائع التً أحدثها كــــل من ديكـــارت
و بيكون و انبالج عصر األنوار وفٌما ٌلً أهم المحطات التً شكلت الحداثة كسمة ؼربٌة :
تبدأ الحداثة مع النهضة و اإلصالح الدٌنً و هذا ما نستشفه من لول صاحب لصة
الحضارة "إن النهضة و إصالح البروتستانً هما ٌنبوعا التارٌخ الحدٌث ،والمصدران
1
-جٌمس بٌرن ،عندما ٌتؽٌر العالم ،ضمن دمحم سبٌال ،عبد السالم بن عبد العالً :الحداثة ،دفاتر فلسفٌة ،دار توبمال ،مرجع سابك ،ص .56
2
-مصطفى حسٌبة ،المعجم الفلسفً ،دار أسامة ،األردن ،ط ،2229 ،5ص . 582
3
-باسم علً خرٌسان ،مابعد الحداثة ،دراسة فً المشروع الثمافً الؽربً ،دار الفكر ،دمشك ،سورٌا ،ط ،2226 ،5ص ،ص .25-22
54
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
المتنافسان للتجدٌد الفكري و الخلمً الذي طرأ على الحٌاة الحدٌثة " ،1كذلن فً لول
المفكر األلمانً هابرماس فحسبه ٌشكالن "العتبة التارٌخٌة بٌن العصور الوسطى و األزمة
الحدٌثة " ،2فعصر النهضة هو ممدمة الزمن الحدٌث و الممهد للحداثة األوربٌة وذلن لما هو
نهضة بالتراث الٌونانً و إعادة بعثه ،و اإلصالح الدٌنً الذي طال الكنٌسة لذلن ٌعتبر
عصر النهضة زمن تحول من المدٌم فمد "كان الؽرب المسٌحً عالرا ال ٌنجب شٌئا فً
الفلسفة ،أو كان ٌؽط فً نوم طوٌل لن ٌخرجه منه إال حركة نمل الدراسات و العلوم،و التً
3
انطلمت من الشرق اإلسالمً إلى الؽرب اإلسالمً و من هنان إلى الؽرب المسٌحً"
فالعرب كانوا حلمة وصل بٌن الؽرب فً ذلن الولت وبٌن أجدادهم الٌونان ،فمد
تعرفوا على علومهم و فلسفتهم عبر ترجمات الفالسفة المسلمٌن و شروحاتهم .
أما عن اإلصالح الدٌنً الذي كان حالً ألزمة الكنٌسة فكان رائده " مارتن لوثر* فمد
ثار على الكنٌسة معتبرا نفسه مجددا للدٌانة ( )...الذي أعلن أن التبرٌر من خالل النعمة و
4
اإلٌمان ( )...و دعى إلى استبدال الوحً التملٌدي بالعاللة الشخصٌة مع هللا "
تبدأ مرحلة العلم الطبٌعً فً عصر النهضة " وٌإرخ لها بٌن عام (-5622حتى عام
،)...( 5692كان اإلنجاز العظٌم صٌاؼة مناهج جدٌدة للبحث الفلسفً ( )...فمد لام هوبز،
ودٌكارت ،واسبٌنوزا ولٌبنتز ،الذٌن استطاعوا عن طرٌك منهاجهم أن ٌشٌدوا مناهجهم أن
1
-وول دٌورانت ،نمال عن :دمحم أحمد سٌد أحمد ،أعداء الحداثة ،مرجع سابك ،ص .38
2
-نمال عن :دمحم محمود سٌد أحمد ،أعداء الحداثة ،المرجع نفسه ،ص . 38
- 3آال ندي لٌبٌرا ،نمال عن :المرجع نفسه ،ص .3
4
-المرجع نفسه ،ص .44
55
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
ٌشٌدوا مذاهب لحالها تؤثٌرها حتى الٌوم الراهن ( )...فمد كان بعض هإالء الفالسفة و منهم
"بٌكون و هوبز" تجربٌٌن فً مناهجهم ( )...إنهم آمنوا بؤن المصدر األول ،األول لمعرفة
هو تجربة الحواس " ،1فهذه المرحلة امتازت ببحثها عن مناهج علمٌة تخضع الطبٌعة
وتعرؾ أسرارها .
3-2عصر التنوير:
آخر فترة فً العصر الحدٌث هً عصر األنوار ،وتشٌر عبارة " األنوار" إلى النور،
وهذا لما ٌنسب إلٌها من تٌارات استنارة للعمل و لإلنسان ٌ " ،إرخ لها عادة منذ ظهور
فالعرب كانوا حلمة وصل بٌن الؽرب فً ذلن الولت وبٌن أجدادهم الٌونان ،فمد تعرفوا
على علومهم و فلسفتهم عبر ترجمات الفالسفة المسلمٌن و شروحاتهم .
أما عن اإلصالح الدٌنً الذي كان حالً ألزمة الكنٌسة فكان رائده " مارتن لوثر* فمد
ثار على الكنٌسة معتبرا نفسه مجددا للدٌانة ( )...الذي أعلن أن التبرٌر من خالل النعمة و
اإلٌمان ( )...و دعى إلى استبدال الوحً التملٌدي بالعاللة الشخصٌة مع هللا "
تبدأ مرحلة العلم الطبٌعً فً عصر النهضة " وٌإرخ لها بٌن عام (-5622حتى عام
،)...( 5692كان اإلنجاز العظٌم صٌاؼة مناهج جدٌدة للبحث الفلسفً ( )...فمد لام هوبز،
ودٌكارت ،واسبٌنوزا ولٌبنتز ،الذٌن استطاعوا عن طرٌك منهاجهم أن ٌشٌدوا مناهجهم أن
ٌ شٌدوا مذاهب لحالها تؤثٌرها حتى الٌوم الراهن ( )...فمد كان بعض هإالء الفالسفة و منهم
"بٌكون و هوبز" تجربٌٌن فً مناهجهم ( )...إنهم آمنوا بؤن المصدر األول ،األول لمعرفة
1
-ولٌام كلً راٌت ،تر :محمود سٌد أحمد ،تارٌخ الفلسفة الحدٌثة ،دار التنوٌر ،لبنان ،ط،2252 ،5ص .63
56
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
هو تجربة الحواس " ،فهذه المرحلة امتازت ببحثها عن مناهج علمٌة تخضع الطبٌعة
وتعرؾ أسرارها .
5-2عصر التنوير:
آخر فترة فً العصر الحدٌث هً عصر األنوار ،وتشٌر عبارة " األنوار" إلى النور،
وهذا لما ٌنسب إلٌها من تٌارات استنارة للعمل و لإلنسان ٌ " ،إرخ لها عادة منذ ظهور
"ممال فً الفهم البشري " للوك عام ،5692و تنتهً بنشر كتاب كانط "نمد العمل
الخالص "عام ،)...(5785كان هنان فً كل مجال من مجاالت البحث ،دفاع كبٌر عن
حرٌــة الفكر ،و حرٌة الحدٌث و حرٌة النثر ،ولد نبذ كثٌر من الفالسفـــة جمٌع دعـــاوي
1
الكنٌسة و الدولة فً السلطة المطلمة للدٌن والسلون "
1
-المرجع نفسه ،ص .554
2
-أنظر :دمحم سبٌال ،عبد السالم بنعبد العالً ،الحداثة وما بعد الحداثة ،دفاتر فلسفٌة ،دار توبمال،المؽرب،ط،2226 ،5 ،ص .8
57
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
انمسم الفالسفة فً بحثهم عن طرق ومصدر المعرفة إلى تٌاران عمالنً و تجرٌبً
فديكارت والذي ٌلمب بؤب الفلسفة الحدٌثة " كان هدفه نمل المعرفة و موضوعاتها من
الكونٌات اإللهٌة إلى الفٌزٌاء ،ومن نظام العلل األولى إلى أنظمة المٌكانٌكا ( )...ومن
خالل كتابه "ممالة فً المنهج" وضع لواعد المنهج العمالنً الذي سار علٌه العدٌد من
الفالسفة كمالبرانش ( )5755-5638لٌبنٌز(،)5756-5646و سبٌنوزا (.1" )5777-5732
أما " فرانسيس بيكون فمد سعى إلى تخلٌص الفكر البشري من التمالٌد األفالطونٌة و
األرسطٌة بالتنظٌر المنهج التجرٌبً ( )...وٌعد أول من حاول وضع صورة كاملة للمنهج
اإلستمرائً المائم على المالحظة و التجربة ،والذي امتد إلى دافٌد هٌوم (،)5776-5755
جون لون ( ،)5824-5732جون ستٌوارت مل (.2" )5873-5823
- 2في الطبيعة:
واجهت األنظار فً الفترة الحدٌثة إلى الطبٌعة و ذلن بعد " التحول المفصلً فً
تارٌخ علم الطبٌعة تمثل فً االنتمال من مركزٌة األرض إلى مركزٌة الشمس مفتتحا
االنتمال من العالم المؽلك إلى الكون الالنهائً ،لكن النمطة الجوهرٌة فً هذا التحول هً
النظر إلى الطبٌعة كامتداد كمً هندسً و حسابً وهو التحول الذي حدث مــــع ؼالٌلو". 3
وفً هذه الفترة "نزع الطابع اإلحٌائً السحري عن الطبٌعة كما لال ؼالٌلو -كتابا
مكتوبا بلؽة المثلثات و المربعات و األشكال الهندسٌة " .4فنظر اإلنسان إلى الطبٌعة من
خالل مفاهٌم رٌاضٌة "فالعالم الذي ٌجب أن ننصرؾ إلٌه بؤذهاننا ونصب فٌه جهودنا ،إنه
لٌس عالما حمٌرا زائال ،ولٌس مجرد جسر نجوز به إلى العالم األخر الحمٌمً الثابت
1
-فارح مسرحً ،الحداثة فً فكر دمحم أركون ،مرجع سابك ،ص .32
2
-المرجع نفسه ،ص .35
3
-دمحم سبٌال ،عبد السالم بنعبد العالً ،الحداثة وما بعد الحداثة ،مرجع سابك ،ص .9
4
-المرجع نفسه ،ص .9
58
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
السرمدي ،بل له وجوده الخاص به الخلٌك بؤن ٌجتذب اهتمامنا " ،1إنه ٌنبؽً فن أسرار
الطبٌعة و إخضاعها لإلنسان.
-3مركزية اإلنسان :
من المموالت األساسٌة التً ترتكز علٌها الحداثة هً إعادة االعتبار لإلنسان وجعله
مركــزا للوجود و ذلن بتحرٌــره من سلطة الممدس من طرؾ حركــة اإلصالح
الدٌــــــــنً " فاإلنسان هو المٌمة األولى ،وله طابع ممدس لبل جمٌع المٌم ".2أي أن إنسان
العصور الوسطى كان مكبال بمٌود مٌتافٌزٌمٌة أما مع الحداثة أصبح ٌهتم بوجوده و لٌمته
فً هذا الوجود و مدى فاعلٌته و تفاعله مع معطٌات الحاضر و المستمبل ،وهذا ما أدى
إلى "ظهور نوع من التمٌز الفردي فً أوربا ( )...فظهر الفرد محبا للعمل ،ما أتاح كثرة
فً اإلنتاج و اإلبداع و االختراع ".3وبهذا ٌتضح أن المجتمع األوروبً لد شجع الفردانٌة
من خالل االهتمـــام باإلنسان وهذا من أجـل النهوض بمختلؾ المٌادٌـــن االجتماعٌــــــــة
و االلتصادٌة و السٌاسٌة و ؼٌرها ...
لد كرست الحداثة للرإٌة الذاتٌة للعالم "فمد أصبح اإلنسان ٌستمد ٌمٌنٌاته من ذاته
ولٌس كما فً العصور الوسطى و الثورة األساسٌة فً الفلسفة الحدٌثة تتمثل فً نظرتها إلى
اإلنسان كذات هً ممر و مرجع الحمٌمة و الٌمٌن لكل شًء ،أي تنصٌب اإلنسان ككائن
مستمل واع ،فاعل ومالن الحمٌمة ".4
1
-المرجع نفسه ،ص 52
2
-روالن ماركس و آخرون ،موسوعة تارٌخ أوربا العام ،ج ، 3عوٌدات للنشر ،بٌروت ،ط ،2225 ،2ص .562
3
-المرجع نفسه ،ص .562
4
-فارح مسرحً ،الحداثة فً فكر دمحم أركون ،مرجع سابك ،ص .38
59
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
كما ضمنت الحداثة الحرٌة للفرد و تتضمن " التسلٌم بؤن ٌنظر كل واحد بشكل إٌجابً
إلى وجود اآلخرٌن كما هم ،فً تعددٌة من المناعات و اآلراء وأن ٌعترؾ كل واحد بؤن
التشابه و االختالؾ من األمور الطبٌعٌة ( )...و تتطلب الحرٌة التوافك على مبدأ العدالة" .1
-4العقالنية :
من أهم سمات الحداثة و الممومات التً ارتكزت علٌها هً العمالنٌة "،فال ثمة إال
بالعمل بمعنى أن االختبار ؼٌر ممكن إال لفكر ٌملن عمال ( )...فالعمالنٌة هً اإللرار
بؤولوٌة العمل وبؤن المعرفة تنشؤ عن المبادئ العملٌة المبلٌة و الضرورٌة ال عن التجارب
الحسٌة ،فالعمالنٌة اتجاه إلى اإلٌمان بمدرة العمل فً االستدالل و البرهان مع االكتفاء بــــه
و تحكٌمه فً كل شًء ،فهً بوجه عام مفهوم ٌمول بسلطان العمل و ٌرد األشٌاء معمولة".2
صفة العمالنٌة هً إخضاع كل شًء لمحاكمة العمل ولدراته التً هً بحث دائم عن
العلل ،إذ ٌرتبط مبدأ العلة بمبدأ العمل الذي ٌعتبره مٌزة لإلنسان و تفوله ،فهو األداة
الوحٌدة التً إلى الحمٌمة وٌكون بذلن و ٌإلؾ لب حضارته و ٌصنع مجده". 3
إذن هنان ترابط و تناسب شدٌد بٌن العمـــالنٌة و الحــداثة ،فكــالهما ٌشٌــر إلى
األخر ،والبحث فً الحداثة ٌستوجب البحث فً العمالنٌة أكٌد ،وذلن الن العمل هو مجالها
الذي تتحرن فٌه ،وهذا ما جعل من " الحداثة مصنع للعمل " ، 4و أصبحت وظٌفة الوعً
األوروبً تحوٌل كل شًء إلى عمل حتى لمد اعتبر ماكس فٌبر و هوسرل التعمٌل أو
التنظٌر إحدى السمات الجوهرٌة للوعً األوروبً ٌتمٌز بها على ؼٌره من الشعوب التً
1
-روالن ماركس و آخرون ،موسوعة تارٌخ أوربا العام ،ج ،3مرجع سابك ،ص .566
2
-دمحم أحمد سٌد أحمد طه نور ،أعداء الحداثة ،مرجع سابك ،ص .22
3
-أنظر لسطنطٌن زرٌك ،خصائص الحداثة ،ضمن دمحم سبٌال ،عبد السالم بنعبد العالً ،الحداثة ،مرجع سابك ،ص .55
4
-دمحم شولً الزٌن ،إزاحات فكرٌة ،مماربات فً الحداثة و المثمؾ ،مرجع سابك ،ص .23
22
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
لم تصل إلى هذه الدرجة من المدرة على التنظٌر ،و التصرت على ممارسة المٌم العملٌة
فً األخالق و الدٌن ،ولم تثك حضارة بالعمل ثمة الحضارة العربٌة األوروبٌة ( )...سماه
دٌكارت الحس السلٌم ،وسماه كانط العمل النظري و سماه االنجلٌزي الحس المشترن
1
وأطلك علٌه هيغل لفظ الروح"
" ٌتمٌز زمن الحداثة بؤنه زمن كثٌؾ ضاؼط ومتسارع األحداث ،فهو ٌعاش كمادة
فرٌدة تتمركز حول حاضر مشرئب إلى اآلتً فالحاضر هو اللحظة التً ٌتم فٌها انتظار
االنتمال المتسارع لمستمبل مختلؾ كلٌا " ،3وبهذا ٌكون الزمن الحداثة متجه نحو المستمبل
وٌنفتح على األتً عبر إحداث لطٌعة مع التراث و التملٌد السلؾ.
1
-حسن حنفً ،ممدمة فً علم االستؽراب ،الدار التمنٌة للنشر ،مصر ،د ط ،5995 ،ص .623
2
-فارح مسرحً ،الحداثة فً فكر دمحم أركون ،مرجع سابك ،ص .45
3
-لسطنطٌن رزٌك ،خصائص الحداثة،ضمن ،دمحم سبٌال،الحداثة (دفاتر فلسفٌة ) ،مرجع سابك ،ص .55
25
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
فالزمن ٌتطور وٌنمو حسب خط الماضً ثم الحاضر و ٌلٌه المستمبل متخذا طرٌك
الؽاٌة التً ٌتوخاها . 1فهً " حرص لوي على الوفاء لطبٌعة اإلنسان نفسه التً تتنافى مع
جمٌع أصناؾ الؽائٌات النهائٌة ".2
إن الحداثة الؽربٌة لٌست سوى اجتهاد بشري انطلك من لٌم محدودة أنتجتها أفكار
إنسان ؼربً ،وذلن لحتمٌة تارٌخٌة تمثلت فً عصور الظالم الذي خٌم على العصور
الوسطى ،ورؼم أنها تتضمن جوانب إٌجابٌة ال ٌمكن إال اإلفادة منها ،وهذا ما ٌبرر
استدراجها من طرؾ األمم األخرى ،إال أنها فً الممابل تتضمن جوانب سلبٌة و مدمرة
وهذا تعانً منه الشعوب الؽربٌة الساعة ،وهذا ما دعى إلى بروز تٌار ما بعد الحداثة .فما
هً معطٌات الحداثة ؟ وما هً أزمات الفكر الحداثً ؟ وماذا نمصد بما بعد الحداثة ؟
لد أبرز التٌار مابعد الحداثً أزمات الفكر الؽربً الحدٌث ،وفٌما ٌلً نبرز أهمها مع
التطرق إلى مفهوم مابعد الحداثة .
1-4أزمة الفردية :تمع الفردٌة فً صلب المنظومة الحداثٌة و لد حممت نجاحا نسبٌا ،إذ
ولد وصلت فً مرحلة تطورها داخل الفكر الحداثً حتى كانت هً الفوضوٌة سواء ،مما
جعلها عالمة من عالمات األزمة الحداثٌة ،وعلى حد تعبٌر بتراند راسل* "أفضى التحرر
من الكنٌسة إلى النزعة الفردٌة حتى بلوغ حد الفوضوٌة " .3فتحرر الفرد من كل سلطة
1
-أنظر :المرجع نفسه ،ص .62
2
-مصطفى جالل ،الحداثة و نمد األدلوجة األصولٌة ،مرجع سابك ،ص .73
* فٌلسوؾ إنجلٌزي ( ،)5972-5872من مإلفاته "فلسفة لٌبنٌز" و مبادئ الرٌاضٌات ،أسس الرٌاضٌات ،التصوؾ ،و المنطك ،و العلــم
(أنظر :رحٌم أبو ؼرٌؾ :الدلٌل الفلسفً ،دار المحجة ،لبنان ،ط ،2253 ،5ص .)53
- 5دمحم محمود سٌد أحمد ،أعداء الحداثة ،مراجعات العمل الؽربً فً تؤزم فكر الحداثة ،مرجع سابك ،ص .568
22
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
حتى إلى الجانب السلبً بحٌث ساد نوع من االنضمام و الالرلابة "و الفردانٌة و ؼـــــرور
و تضخم األنا و ؼٌاب التواصل بٌن الناس ( )...جعلت اإلنسان ٌعٌش الؽربة وسط
االكتظاظ و الؽٌاب وسط الحضور " 1وهذا هو السبب وراء ما تعٌشه المجتمعات األوربٌة
من انحالل فً العاللات األسرٌة و االجتماعٌة ،و االنحالل األخاللً .
لد نادت بالعمالنٌة التٌارات الفلسفٌة الحدٌثة لدرجة التمدٌس و التؤلٌه ،ولكن العمالنٌة
الحدٌثة حملت الالعمالنٌة فً رحمها ٌمول هردر* " ال ٌمكننً أن أفهم كٌؾ ٌمكن أن ٌكون
العمل كونٌا بوصفه الذروة الوحٌدة للحضارة اإلنسانٌة بؤسرها " ،2فالحضارة الؽربٌة كانت
متمركزة حول العمل فً حٌن أن "الذات العاللة لم تمتلن حرٌتها ٌوما و بمٌت باستمرار
خاضعة لسلط ة المعنى ( )...بل إن الالوعً النٌتشوي و الالشعور الفروٌدي ٌبٌنان أن
الذات العاللة خاضعة لعوامل دفٌنة و خفٌة فً عمك النفس البشرٌة وهً التً تحـدد حركة
الذات و لٌس اإلنسان كائنـا عالال دائما تحـركه إمالءات العمل فحسب ،بل هنان عناصر
أخرى فً توجٌه حركة اإلنسان و فكره ".3
3-4أزمة العلم المادي :اإلنسان الحداثً وفً محاولة إخضاع الطبٌعة ألجل
االستفادة منها ومن خٌراتها فمد أفسدها و خربها "وهو حول هذه الطبٌعة من نعمة إلى نممة
تنتج األمراض و األوبئة و الكوارث البٌئٌة و تؽٌرات المناخ التً ربما دفع اإلنسان أثمانا
1
-لاسم شعٌب ،فتنة الحداثة ،صورة اإلسالم لدى الوضعٌٌن العرب ،المركز الثمافً العربً ،ط ،2223 ،5ص .32
* كاتب و فٌلسوؾ ألمــانً ( ، )5823-5746من مإلفاته :األسلوب و الفن ،األلمانٌٌن ،العمل و الحكم . 5799
2
-دمحم محمود ٌس أحمد ،أعداء الحداثة ،مرجع سابك ،ص .575
3
-لاسم شعٌب ،فتنة الحداثة ،صورة اإلسالم لدى الوضعٌٌن العرب ،مرجع سابك ،ص .32
23
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
باهظة لها " .1لد أفرزت العلوم الحدٌثة نتائجا مدمرة لإلنسان و الطبٌعة و الكون ،كما أن
العلم فً المنظومة الحـداثٌة " وصـل إلى حرج بـالػ فً مجال المـٌم من حٌث األهـداؾ و
الوسـائل و األسـ الٌب ،مما جعل العدٌد من مفكري الؽرب ٌراجعون أنفسهم فً مسؤلة
التمدم العلمً ،واعتبروه وهما من األوهام ( )...إن خلو العلم عن المٌم النبٌلة ضرره أكثر
من نفعه ،فان أي علم ٌتصور نفسه متحررا من المٌم هو علم با ٍل" ،2فالعلم طؽى مجاله
على األخالق و الدٌن فال بد إذن من وجود أزمات روحٌة و أخاللٌة و أصبح اإلنسان ذو
بعد الواحد.
إن التارٌخ األوربً الحدٌث ووالعه ٌبٌن أن الحداثة وعود لم تؾ بها بحٌث بمٌت
مجرد أحالم " كانت مجرد أوهام ،فلم ٌتحمك ما زعمت به هذى المنظومة الفكرٌة من
تحمٌك السالم الدو لً ،وإٌجاد المجتمعات البشرٌة الفاضلة ،مجتمعات بدون كوارث او
حروب فشلت فً محاولة تحمٌك السعادة لمد أصبحت فكرة التمدم مجرد وهم و األصل فً
السالم مجرد حلم ضائع " ،3والحداثة ركزت أٌما تركٌز على اإلنسانٌة و المحافظة على
حموق اإلنسان فً حٌن أنها " هً التً أنتجت األصولٌات المدمرة التً كانت أوربا أولى
ضحاٌاها منذ نابلٌون و حتى هتلر و موسٌلٌن ( )...بل إن ما ٌجري الٌوم فً العالم من
انهٌارات و حروب تمودها أنظمة شعارات الدٌممراطٌة و حموق اإلنسان ما هو إال نتاج
لفكر الحداثة ".4
1
-المرجع نفسه ،ص .33
2
-دمحم محمود سٌد أحمد ،أعداء الحداثة ،مرجع سابك ،ص .569
3
-المرجع نفسه ،ص .585
4
-لاسم شعٌب ،فتنة الحداثة ،صورة اإلسالم لدى الوضعٌٌن العرب ،مرجع سابك ،ص .33
24
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
ٌنفلت مصطلح ما بعد الحداثة من التحدٌد تماما مثلما ٌنفلت مصطلح الحداثة ،فمد
اختلؾ الفالسفة و المفكرون حوله ،فهنان من ٌنفً أصال وجود مرحلة ما بعد الحداثــــــة
و ٌعتبرها مجرد استمرار و تصحٌح للحداثة عٌنها و اتجاه أخر ٌمول بما بعد الحداثة
كمرحلة تالٌة و حتمٌة للحداثة ،فؤصحاب االتجاه األول ٌرى فً مرحلة ما بعد الحداثة إال
" الحداثة و لد و سعت مكتسباتها و رسختها ووسعت مفهومها للعمل لٌشمل الالعمل ،
ووسعت مفهومها عن المدرات اإلنسانٌة لتشمل المتخٌل و الوهم و العمٌدة ،و األسطورة ،
وهً الملكات التً كانت الحداثة الظاهرة ( )...لد استبعدتها " ،1فهً الحداثة نفسها ولد
استدرجت أخطاءها و أعادت تصحٌحها فهً مجرد نمد ذاتً للحداثة من صلبها ولمد نشر "
هابرماس ممالة شهٌرة بعنوان مشروع الحداثة التً تزعم نهاٌة عصر الحداثة" ،2فما هو
ٌسمى بما بعد الحداثة ما هو إال " حداثة أعمك و أرسخ لدما ،ألنها أصبحت أكثر مرونـــة
و أكثر لدرة على احتواء نمائضها و فً ذلن تجاوب عمٌك مع ماهٌة الحداثة منهـــا ()...
أو حسب تعبٌر آلالن تورٌن فً كتابه " نمد الحداثة " فإن العالمة األكٌد على الحداثة هً
اإلشارات المناهضة و المضادة للحداثة التً تطلمها هذه األخٌرة " ،3كما ٌعتبرها ٌورؼن
هابرماس أنها تعبٌر عن عجز أصحابها الذٌن ٌمولون بها عن تسمٌة عصرهم أي أنها
ترتبط بتسمٌة زمانٌة و حسب".4
1
-دمحم سبٌال ،مخاضات الحداثة ،دار الهادي ،بٌروت ،ط ،2227،5ص .85
2
-السٌد ٌس ،الحداثة وما بعد الحداثة ،ضمن دمحم سبٌال ،بن عبد السالم بن عبد العالً ،الحداثة ،مرجع سابك ،ص .559
3
-دمحم سبٌال ،مخاضات الحداثة ،مرجع سابك ،ص .85
4
-أنظر :عبد الرزاق بلعمروز ،السإال الفلسفً و مسارات االنفتاح ،منشورات االختالؾ ،الجزائر ،ط، 2252 ،5ص .535
25
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
أما االتجاه األخر أي الذي ٌعترؾ بمرحلة ما بعد الحداثة كمرحلة حتمٌة أعادت النظر
فً ما ؼٌبته الحداثة ،وهً تعبر عن عصر جدٌد و إشكالٌات جدٌدة .
فالحداثة ال ٌمكن أن تصحح نفسها ،بل ال بد من نالدا لها " ٌنتمد الحداثة من منطك
أكثر جذرٌة محمما لطٌعة فكرٌة مع الحداثة ،وداعٌا إلى تجاوزها بالمرة وهذا هو سر لوة
1
الشك األول من المصطلح "ما بعد" الحداثة "
ظهرت كلمة ما بعد الحداثة فً الفكر الفلسفً "من طرؾ جان فرانسوا لٌوطار عندما
أكد فً كتابه " الوضع ما بعد الحداثً " الصادر سنة ،5999على ضرورة أن ٌتؤللم
اإلنسان فً العٌش من دون مٌتا رواٌات ( )...وهً بمثابة أساطٌر أو مذاهب تارٌخٌة فً
التمدم و التً ؼذت المجتمعات الحدٌثة حتى الفترة المعاصرة"2كما أن رورتً ٌعتبر" أن
منشؤ مابعد الحداثة ٌكمن فً الوعً التام ( )...بعدم وجود وجهة نظر ٌمكنها اإلفصاح عن
الحمٌمة المطلمة للولائع".3
فالعصر الحدٌث لٌس فمط العصر الحاضر ،وإنما هو عصر هٌمنة العمل ،فمشروع
الحداثة ٌإرخ له منذ عصر األنوار ،وبما أن هذا العصر لد مضى ،فإننا سندخل إلى
مرحلة جدٌدة هً مرحلة ما بعد الحداثة تتمٌز بخصائص مناهضة تماما للحداثة ،فمرحلة
ما بعد الحـداثة جاءت " لتشـكن فً الحداثة ولٌمها و لتمول :إن الحداثة لد استنفذت ،ولد
لامت بوظائفها و استنفذت أؼراضها فالعمل و العمالنٌة و مفهوم التمدم و مفهوم التارٌخٌة و
العلمانٌة أصبحت مفاهٌم ضٌمة ال تحتمل النمو الذي ٌحدث االن .مابعد الحداثة هذه تمثل
لحظة من لحظات النمد التارٌخً للحداثة و هً لحظة مشروعة بالمعنى المعرفً ألن
1
-دمحم سبٌال ،مخاضات الحداثة ،مرجع سابك ،ص .82
2
-دمحم جدٌدي ،الحداثة و ما بعد الحداثة فً فلسفة ،رٌتشارد رورتً ،منشورات االختالؾ ،الجزائر ،ط ،2228 ،5ص .565
3
-نفس المرجع ،ص .562
26
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
الحداثة هذه و التً تؤسست فً النظام الرأسمالً و العاللات الرأسمالٌة ،وتطور العلوم و
التكنولوجٌا بشكل عاصؾ".1
وٌمكن تلخٌص التحدٌدات العامة لما بعد الحداثة فٌما ٌلً :
2
نهاٌة عصر ابتكار النظرٌات.
فمدان نظرٌة مطلمة فً مجال األخالق و المٌم.
إعطاء أهمٌة إستثنائٌة للمعنى .
التارٌخ عملٌة دائرٌة متشعبة المسارات و لٌس عملٌة خطٌة تتجه دوما فً مسار
تمدمً .3
ٌمثل األلمانً فريديرك نيتشه* منعرجا هاما فً تارٌخ الفكر الؽربً فهو ٌعد النمطة
الفاصلة بٌن الفكر الحدٌث و الفكر المعاصر أو ما ٌعرؾ بما بعد الحداثة ،فمد وجه سهامه
الالذعة لكل ا لفلسفة الحدٌثة اإلرتكاسٌة التً ألهت العمل ووصفته على أنه الحاكم و الفٌصل
فً الحكم الذي كرس للعدمٌة لٌفسح المجال لعصر جدٌد تصنعه إرادة الموة و ٌتحمك بفعل
اإلنسان األعلى ،أو السوبرمان .لمد كان نٌتشه أول من " رمى بسهم فً صدر الحداثة
( )...وهاجم الفلسفات الم ائمة على أساسها وهو الذي أسس لنمد المٌتافٌزٌما و تفكٌن الحمٌمة
و التمركز حول الذات ،وانطاللا من ستواجه فلسفة الحداثة نمدا ٌؤخذ اتجاهٌن :األول هو
1
-أنظر :السٌد ٌس ،الحداثة و ما بعد الحداثة ،ضمن دمحم سبٌال ،عبد السالم بن عبد العالً ،مرجع سابك ،ص .557
2
-الطٌب تزٌتً ،ما بعد الحداثة و العولمة ،ضمن :دمحم سبٌال وعبد السالم بن عبد العالً ،ما بعد الحداثة ،تجلٌاتها و انتماداتـــها ،دار
توبمـــــال ،المؽرب ،ط ،2227،5ص .69
3
-أنظر :حسن العجمً ،الحداثة وما بعد الحداثة ضمن :مجلة االستؽراب ،العدد األول ،خرٌؾ ،2255ص .325
*فٌلسوؾ ألمانً ( ،)5922-5844انتسب إلى جامعة بون ،تطوع فً الجٌش وفً عام 5875نشر أول أبحاثه ،درس فً جامعة بال وعاش
منتمال بٌن إٌطالٌا و سوٌسرا ،من كتبه :هو ذا اإلنسان –هكذا تكلم زرادشت ،اإلنسان المفرط فً إنسانٌته (أنظر جورج طرابٌشً ،معجم
الفالسفة ،مرجع سابك ،ص .)628-625
27
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
اتجاه إرادة الموة المإسسة على نظرٌة السلطة و ٌستخدم األنتروبولوجٌا لدى باتاي وعلم
النفس لدى الكان و التارٌخ لدى ميشال فوكو ،والثانً هو اتجاه نمد المٌتافٌزٌما الذي ٌعٌد
1
رسم تكوٌن فلسفة الذات مبتدئا من أصولها السابمة و ٌمثله هيدغر و دريدا"
الفلسفة الوجودية :نتٌجة لتؤزم أوضاع أوربا فً الفترة المعاصرة و ذلن
كانت الفلسفة الوجودٌة تعبر عن أزمة الوعً األوربً ككل " تعبر فً المركز عن أزمة
العصر ،وفً األطراؾ عن حاجة دفٌنة للتحرر من المهر الدٌنــــً و السٌاسً و
االجتماعً و تضم عددا من المفكرٌن* و أدباء فً كافة أرجاء المارة األوروبٌة خاصة فً
فرنسا و ألمانٌا و إسبانٌا" .2
مدرسة فرانكفورت :
اهتم رواد** المدرسة فرانكفورت بما ؼٌبته التٌارات الحداثٌة و داست التطورات
العلمٌة علٌه وهو البعد األخر فً اإلنسان البعد الروحً ،فحاولت إٌجاد بعد المستمبل
للظاهرة اإلنسانٌة دون ردها إلى ما هو أعلى منه كظاهرة صورٌة رٌاضٌة أو إلى ما هو
ألل منها كظاهرة مادٌة تجرٌبٌة ( )...و إٌجاد منطك خاص للظاهرة االجتماعٌة و نظرٌة
خاصة للعلوم اإلنسانٌة تتجاوز المثالٌة التملٌدٌة وفً نفس الولت ال تمع فً الوضعٌة
الساذجة )...( ،و تموم مدرسة فرانكفورت بمراجعة شاملة للوعً األوروبً تكوٌن و بنٌـة
1
-أنظر :لاسم شعٌب ،فتنة الحداثة ،مرجع سابك ص ،ص .24-23
* من بٌن الفالسفة الوجودٌٌن نذكر – سارتر و مٌرلوبونتً فً فرنسا و هٌدؼر فً ألمانٌا و كٌركجارد فً الدانمارن ،و أونامونو و أورتٌجا فً
اسبانٌا (أنظر :حسن حنفً ،ممدمة فً علم االستؽراب ،مرجع سابك ،ص .)558
2
-االمرجع نفسه ،ص .558
** ماكس هوركهاٌمر( )5973.5859مإسس معهد البحث اإلجتماعً ،من مإلفاته :حسوؾ العمل -فً نمد العمل األوالنً – النظرٌة النمدٌة –
أدورنو ( -)5969-5923أهم مإلفاته فً نظرٌة كٌركجارد فً الحب – فلسفة الموسٌمى الجدٌدة ،الجدل السلب ،ماركٌوز ( )5979-5898من
مإلفاته الثورة و الفلسفة ،دراسات فً الفلسفة النمدٌة (( )...أنظر :االمرجع نفسه ،ص ،ص .)553-552
28
الحداثة الغربية :بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة فصل تمهيدي
و تعٌد النظر فً أهم مذاهب الفلسفة الؽربٌة و تٌاراتها ( )...نشؤت مدرسة حول معهد
البحث االجتماعً فً جامعة فرنكفورت الذي تؤسس فً .1"5923عرفت المدرسة
بالمدرسة النمدٌة .
من الفلسفات الرائجة فً الفترة المعاصرة و األوسع انتشارا و التً تكون " آخر
صرخة للوعً األوروبً ( )...لٌست الحداثة بل ما بعد الحداثة ،ولٌست البنٌوٌة بل ما بعد
البنٌوٌة ،ولٌست الماركسٌة بل ما بعد الماركسٌة ( )...لٌس المهم فً التفكٌن هو اإلبداع
المركزي بل تهمٌش اإلبداع ،و البحث عن المركز فً األطراؾ ،لذلن ٌستعمل درٌدا
كلمات مثل :الهامش ،اإلطار ،الالمركز ( )...و ٌربط بٌن التركٌبة و العرلٌة األوربٌة
كما ٌربط بٌن التفكٌكٌة فً عصر تحرر األطراؾ من االستعمار و تفسخ المركز" .2وهذا
ٌعنً أن التفكٌكٌة همها مراجعة الوعً األوروبً ومن خاللها ٌعمد جان درٌدا إلى تحطٌم
كل أصنام الحداثة بصفة خاصة و تارٌخ المٌتافٌزٌما بصفة عامة.
لمد كانت الحداثة الؽربٌة محطة تارٌخٌى فً أوربا و العالم بؤسره و هذا ألن لوامها
اإلنسان و الفرد و العمل و الحرٌة و التمدم كؽائٌة للتارٌخ فً حٌن أن والعها هو الفرد
المسحوق و سٌادة العمالنٌة و الحرب ،واإلستبداد ،و النكوص ،وهذا ما استدركه الخطاب
ما بعد حداثً .
1
-المصدر نفسه ،ص -552ص .554
2
-المرجع نفسه ،ص ،ص .627-626
29
الفصل األول:
تمهٌد :
إذا كانت الحداثة الغربية أحدثت تغيرات فكرية وسياسية واجتماعية وإلتصادية فهذا ال يعني
إحتكار تلن الحداثة للمجتمع الغربي لوحده ،فكان مشروع الحداثة يستمطب المفكرين
العرب من رغم الصعوبات التي يواجهونها ،فكان همهم النهوض باألمة العربية في
مختلف الميادين السياسية والفكرية و االجتماعية و مختلف المجاالت .
13
مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان الفصل األول
إن العرب و على غرار األمم أخرى استهوتهم تجربة الحداثة الغربية و ما حممته من
ازدهار و تطور و لوة على مختلف مناحي الحياة إذ راح المفكرين العرب ينظرون
محاولين النهوض باألمة العربية اإلسالمية و تجاوز فترة االنحطاط ،و أول تجربة بدأت
مع ما يسمى بمشروع النهضة العربي "إذ يؤرخ لها بحـــادث االتصال بيــــــــــــن الشــرق
و الغرب " ،1عن طريك االستعمار و بالذات " في عهد دمحم علي باشا في مصر في النصف
األ ول من المرن التاسع عشر الميالد بمصر باعتبارها التجربة التي كان يمكن أن تؤس
الدولة العربية الحديثة و تحرن التمدم و التحديث في المجتمعات العربيـــــــــة ". 2
1
-عبد الرحمن يعموبي ،الحداثة الفكرية في التأليف الفلسفي المعاصر ،مرجع سابك ،ص .81
2
-زكي ميالد ،اإلسالم و الحداثة ،مرجع سابك ،ص .81
3
-أنظر :عبد الرحمن يعموبي :الحداثة الفكرية في التأليف الفلسفي العربي المعاصر ،مرجع سابك ،ص . 81
4
-محمود لاسم ،فجوة الحداثة العربية ،دار الحرير ،مصر ،د ط ،7881 ،ص .889
13
مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان الفصل األول
الطباعـــة التي ساهمت في نشر مؤلفـــات عـــــدة و كتب سواء من الثراث العـــربي
و اإلسالمي أومن ترجمات كتب الغرب و بذلن تم التعرف على العلوم الحديثة و األدب
الحديث".1
ومن خالل عرض أهم األسباب التي سمحت بظهور بوادر حداثية لدى العرب يمكننا المول
بأن " الحداثة العربية اإلسالمية لم تكن اختيار ذاتيا ،ولم تنتج عن مخاضات داخلية ،أ لم
تكن نتيجة تطور و ارتماء ذاتي ،بمدر ما كانت و سيلته و أداته ( )...لمد ارتبط دخول
الحداثة إلى الفضاء العربي اإلسالمي منذ البداية بصدمتين لويتين :صدمة الحداثة ذاتها
بحدثها و غرابتها و غرائبيتها ( )...ملفوفة في صدمة أخرى هي صدمة االستعمار وزوال
السيادة ،مع ما ولدته هذه الصدمة من شعور بالدونية و التأثير وكل المشاعر اإلرتكاسية
العاكسة للصدمة من النرجسية الموية للثمافة المحلية". 2
وكانت من أهم النتائج التي ولدتها هذه الصدمة المزدوجة على مستوى وعي األنتلجسيا
العربية " ردود فعل متباينة من إحياء العضوية الرافضة و الداعية إلى العودة إلى األصول
و االحتماء بالتراث و تمجيد الماضي ( )...و الدعـــوة إلى االعتـــداء باآلخر و التبا
علمه و تمنيته و نمط تدبيره السياسي و ثمافته ونمط نظرته للوجود " ،3أ أنه تمخض عن
هذه الصدمة تيارين تيار سلفي متمسن بأجداده و أمجادهم و تيار متغرب منبهر بحداثة
األوربيين و معجب بحضاراتهم المتطورة ،فالحداثة تدخل " المجتمع في صراع بين المديم
و الجديد ،وبين التمليد ،و العصر ".4
1
-عبد الرحمن يعموبي ،الحداثة الفكرية في التأليف الفلسفي العربي المعاصر ،مرجع سابك ،ص .81
2
-دمحم سبيال ،عبد السالم بن عبد العالي ،الحداثة و انتماداتها ،مرجع سابك ،ص ،ص .1 -1
3
-المرجع نفسه ،ص .1
4
-المرجع نفسه ،ص .87
11
مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان الفصل األول
أ -االنتقال من مقولة األمة اإلسالمٌة إلى مقولة األمة العربٌة :
كنتيجة الحتكان العربي بالغرب سواء عن طريك االستعمار أو البعثات الدراسية تمبلوا
العيش مع غير المسلم ،فبعد ما كان اإلسالم يجمع األمة أصبح المعيار و المحن هو
العروبة "،إذ يمول أمين الريحاني في رسائله ال حياة لنا و ال لوة وال عز يتحدد إال في
توحيد الكلمة و توحيد الزعامة و توحيد الملن و لست أرى غير المومية العربية العدنانية
المحطانية لتوحيد الكلمة " ،1فالسبيل الذ يمكن األمة من النهوض هو المومية من اإلسالمية
إلى العربية بحيث تجمعهم راية العروبة دون اإلسالم و هذا ضمن تمبل اآلخر غير المسلم و
يضيف لائال في 'كتابه الموميات' "المومية العربية واحدة يتساوى فيها المسيحي و المسلم و
العلو و ال تمبل في مظهرها الحديث التجزئة إلى أكثريات و ألليات" .2
و بهذه الفكرة " حلت المومية محل الملة و صارت ممومات المومية هي التاريخ و اللغة و
األرض و العادات و التماليد و لم يعد الدين هو المموم األساسي األوحد".3و بمعنى أن أعيد
النظر في العاللة ا لتي تجمع أفراد األمة و أصبح الدين كحرية فردية ،و إسالم كدين ال
يعتبر معيارا النتماء إلى األمة ،وبذلن تتوسع رلعتها و تنفتح على اآلخر و تتعايش معه
ضمن أفاق السلم و السالم و الحرية .
كنتيجة الحتكان العالم اإلسالمي بالغرب و التعرف على الثمافات و اإلديولوجيات الوافدة
من الخارج عن طريك االستعمار أو البعثات العلمية طرحت عدة إشكاليات من بينها العاللة
مع التراث الديني ،و من بين المفكرين الذين نادوا بذلن دمحم عبده* " فاإلسالم كما فهمه هو
مبدأ ردع من شأنه أن يمكن المسلمين من التميز بين الصالح و الطالح ( )...لذلن كانت
1
-جمال شحيد ،وليد لصاب ،خطاب الحداثة في األدب ،األصول المرجعية مرجع سابك ،7881 ،ص .11
2
-المرجع نفسه ،ص .19
3
-المرجع نفسه ،ص .19
* مفكر ديني إصالحي مصر ،) 8781-8187(،در المنطك و الفلسفة و الالهوت الصوفي ،من مؤلفاته ،رسالة التوحيد ،اإلسالم والردة
على منتمديه ،تفسير المرآن ،نهج البالغة (أنظر :رحيم أبو غريف ،الدليل الفلسفي الشامل ،مرجع سابك ،ص .)771
13
مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان الفصل األول
المهمة التي اضطلع بها هي إعادة تحديد ماهية اإلسالم الحميمي ( )...و النظر في ممتضياته
بالنسبة للمجتمع الحديث ". 1
وفي هذا الصدد يمول دمحم عبده " :ارتفع صوتي بالدعوة إلى تحرير الفكر من ليد التمليد و
فهم الدين على طريمة سلف األمة لبل ظهور الخالف و الرجوع في كسب معارف إلى
إعادة الرجوع إلى النص الديني في حرفيته و إعادة لراءته حسب ينابيعه األولى" . 2أ
المناهج المعاصرة ،دون اللجوء إال للمرآن و السنة دون و وساطة رجال الدين و الفمهاء ،
صاحب الرسالة و أصحابه أ " العودة بالمسلمين إلى الدين الصحيح كما جاء على يد
في تأويله و تفريغه" ،3أ لبل ظهور الفرق الكالمية . األوائل لبل أن يختلف النا
و التراث األدبي و الشعر لم يسلم من النظرة التجديدية ،فطه حسين * وفي أكثر مؤلفاته
تطرفا وهو الشعر الجاهلي الذ يصفه بأنه ال يمثل حياة العرب الوالعية وبل هو ضرب
من االختالف و االصطناع فهو بعيد عن الحميمة ( )..إضافة إلى نمد التراث العربي
اإلسالمي بتطبيك المناهج التاريخية التي طبمت على النصوص الدينية اليهودية و المسحية
متأثرا بالشن الديكارتي ". 4
إن العمالنية كسمة أساسية للحداثة الغربيىة تبناها المفكرين العرب المحدثين بغية
إصالح شأن األمة و النهوض بها و االنضمام إلى الركب العالمي المتطور ،ومن بين من
نادوا بإعمال العمل و استباله في فهم الطبيعة و مكنوناتها ،جمال الدين األفغاني **إذ يمول
في هذا الصدد " :إن اإلنسان من أكبر أسرار هذا الكون و لسوف سيستجلي بعمله ما
غمض و خفي من أسرار الطبيعة و لسوف يصل بالعلم و بإطالق سراح العمل إلى تصديك
1
-عبد الكريم بوصفاف ،الفكر العربي المعاصر الحديث ،ج ، 8دار مداد ،الجزائر ،ط ،7887، 8ص .171
2
-المرجع نفسه ،ص .171
3
-رحيم أبو غريف ،الدليل الفلسفي الشامل ،ج ،7مرجع سابك ،ص .781
* -مفكر مصر ،يلمب بعميد األدب العربي ،عرف بدعوته إلى التغريب ،من مؤلفاته ،مستمبل الثمافة في مصر ،8711على هامش السيرة
،8711الفتنة الكبرى ( ،أنظر :رحيم أوغريف ،الدليل الفلسفي الشامل ،مرجع سابك ،ص .)781
4
-السيد ولد أباه ،أعالم الفكر العربي ،الشبكة العربية لألبحاث ،بيروت ،ط ،7888 ،8ص .18
** -كاتب و مصلح و سياسي من أصل أفغاني ، )8179-8111(،عاش في مصـــر ،من مؤلفاته :رســـالة في الرد على الدهرييـــــن ،العرو
الوثمي ،ضياء الخافمين.
13
مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان الفصل األول
تصوراته ،فيرى ما كان مستحيال من التصورات لد صار ممكنا " ،1فاستعمــال العمــــل
و إطالق العنان له يسمح بمجاراة ممتضيات العصر.
كما نادى المفكر 'دمحم عبده ' بضرورة إعمال العمل في النص الديني و تخليصه
من مثالب المراءات الثراثية كما يبين لوله " ارتفع صوتي بالدعوة لدعوة إلى تحرير الفكر
من ليد التمليد و فهم الدين على طريمة سلف األمة لبل ظهور الخالف ( ، )...و اعتبـاره من
2
ضمن موازين العمل البشر التي وضعها هللا لترد من شطحه و تملل من خلطه و خبطه "
لد دعا االتجاه السلفي إلى االحتكام إلى العمل في " تحرير الفكر من ليد التمليد ،و فهم الدين
على طريمة سلف األمة لبل ظهور الخالف ،ورجوع إلى كسب معارفه إلى ينابيعها األولى
،و اعتباره من ضمن موازين العمل البشر ،التي وضعها هللا لترد من شططــــه و تملل
من خلطه و خبطه " . 3وهكذا يصبح العمل " على هذا الوجه صديما للعلم ،باعثا على
البحث في أسرار الكون ،واعيا إلى احترام الحمائك الثانية ،مطالبا بالتحويل عليها في
و إصالح العمل ".4 النف
كان موضوع المرأة من المواضيع المتداولة في فترة النهضة العربية ،فمد لوحظ
الفرق بين وضع المرأة الغربية و المرأة الشرلية األولى متحررة و الثانية مكبلة بالـــعادات
و التماليد و انحصار دورها في البيت و التربية"،فمد بدأت الدعوات إلى تحرير المرأة من
بعض الميود ا الجتماعية في منتصف المرن التاسع عشر مع الطهطاو في كتابه 'المرشد
األمين للبنات و البنين '8191وفيه دعا إلى تعليم المرأة ،ولد اعتبرت حرية المرأة أهم
مطلب حداثي أساسي في النهضة " هي حبيبة إلى للب كل عربي مستنير ،ألن أبرز ما
يفصل بين الشعوب العربية و الغربية هو حال المرأة بينهما ( )...و عبارة تحرير المرأة
1
-جمال شحيّد ،وليد المصاب ،خطاب الحداثة في األدب ،مرجع سابك ،ص .11
2
-عبد الكريم بوصفات ،الفكر العربي الحديث و المعاصر ،مرجع سابك ص .171
3
-أبو حامد دمحم بن دمحم الغزالي ،نمال عن :دمحم عابد الجابر ،الفكر العربي المعاصر ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،ط ،8778 ،1
ص .77
4
-دمحم عبده ،نمال عن :المصدر نفسه ،ص .77
13
مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان الفصل األول
وفي صدد تحرير المرأة العربية و تحديثها يمول أمين الريحاني " على المرأة
إذا تخلت في هذا السبيل الشرلية أن تسعى لبل كل شيء إلى تحرير نفسها ،وال بأ
حرية المرأة و يعتبرها مجدا المجيد عن بعض أوكل أخاللها التمليدية". 2وهو بذلن يمد
عليها تحميمه ولو ضحت بتماليدها وأخاللها الموروثة ،ولد ساهمت المرأة العربية في الرفع
من شأن المرأة و المطالبة بالحرية فها هي ' مي زيادة ' تمول " المرأة ! لمد جعلتها الهمجية
حيوانا بيتيا و حسبها الرجل متاعا ممتلكا للرجل يستعمله كيفما شاء و يهجــــــــره إذا أراد
و يحطمه إذا خطر له في تحطيمه خاطر بعد ذلن عبدة شمية و أسيرة ذليلة " ،3فمد دعا
المفكرين المحدثين النساء للخروج من اإلطار الذ رسمته األعراف و العادات فلن تكون
زوجة و أم وربة بيت ،فمد تكون في العمل و السياسة فهي مخولة لتمليد مختلف المناصب
كما الرجل .
رفاعة الطهطاو يشرح فكرة "سائر الفرنسيين مستوون إذ نجد المفكر المصر
لدام الشريعة " فيمول " :معناه سائر من يوجد في بالد فرنسا من رفيع ووضيع ال يختلفون
في إجراء األحكام المذكورة في المانون حتى أن الدعوة الشرعية تمام على الملن و ينفذ
1
-سالمة موسى ،ما هي النهضة ،تمديم ،مصطفى ماضي ،موفم للنشر ،الجزائر ،ط ،8778 ،7ص .787
2
-جمال شحيد ،وليد المصاب ،خطاب الحداثة في األدب ،مرجع سابك ،ص .88
3
-المرجع نفسه ،ص .87
13
مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان الفصل األول
عليه الحكم كغيره " و يستنتج لائال إذا كانت الحرية مبنية على لوانين حسنة عدلية كانت
واسطة عظمى في راحة األهالي وإسعادهم في بالدهم و كانت سببا في حبهم للوطن ".1
كما تبين الممولة األخيرة لدر ربط الطهطاو حب الوطن بمدى سعادة األهــــالي
و الحرية الشرط األول لتحميك ذلن .
الصدد نجد المفكر شبيلي الشميل لد نادى بالحرية واشترط لها التسامح وفي نف
الديني كأرضية ممهدة لها "،الحرية ال تكون إال إذا بلغ التسامح الديني ألصى ما تفرضه
المصلحة اإلجتماعية المشتركة " ،2فالمصلحة العامة تبغي التعايش بين األديان و بذلن
تتحمك الحرية .
لصالح حال األمة العربية و النهوض بالمستوى اإلجتماعي و الثمافي و السياسي نادى
المفكرون العرب المحدثين بفكرة العلمانية كنموذج ناجح في أوربا ،وحاولوا تطبيمها في
الوطن العربي ،فهذا شبيلي ال شميل ينظر لفصل الدين عن الدولة ،فيمول ال يصلح حال
األمة إال كلما ضعفت فيها شوكة الديانة ،و ال يموى شأن الديانة ،إال ضعفت فيها األمة".3
كما نجد مفكر آخر وهو فرح أنطوان* يمول " لمد أصبحت الدولة الدينية دولة
الضعفاء و الجبناء و الكسالى في األمة " ،4فمط ربط المفكرون العرب ومن خالل ممارنتهم
لحال األمة العربية بدول األوربية الموية و المتطورة بعلمانيتها أ كونها أبعدت الدين عن
الشؤون السياسية لألمة منحت فرصة للبالد بالتطور و االزدهار فال خير أن تخوض األمة
التجربة عسى أن تتطور . العربية نف
1
-المرجع نفسه ،ص .17
2
-المرجع نفسه ،ص .88
* مفكر و طبيب و مصلح لبناني ،من مؤلفاته :فلسفة النشوء ،و التطور ،رسالة في الحميمة (أنظر :رحيم أبو غريف ،الدليل الفلسفي الشامل ،
مرجع سابك ،ص .817
3
-جمال شحيد ،وليد المصاب ،خطاب الحداثة في األدب ،مرجع سابك ،ص .81
4
-المرجع نفسه ،ص .81
13
مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان الفصل األول
إن فكرة فصل الدين عن الدولة ساندها جل المفكرين العرب المحدثين " فطه حسين
يرى أن ال سبيل في الخالص من ذلن إال بإلامة حكومة ال دينية تموم على فكرة الوطنية و
التخلي عن الحكومة الدينية و النظريات الميتافيزيمية ،ثم انعطف في كتابه مستمبل الثمافة
عروبتها ( )...وأهم نشره 8711ذهب إلى تأكيد مصرية مصر و لي في مصر الذ
الوسائل لتحميك ذلن يتم بفصل الدين عن السياسة" .1
إذن كان سبيل الوحيد للنهوض باألمة العربية هو لطع الصلة مع الدين و االحتكام إلى
العمل في شؤون دولتهم " فال شيء في الدين يمنع المسلمين أن يسابموا األمم األخرى ،في
علوم اال جتماع و السياسة وأن يهدموا النظام الذ استكانوا إليه و أن يبنوا لواعدهم حكمهم
( )..على أحدث ما أنتجت العمول البشرية و أمتن ما دلت تجارب األمم على أنه خير
أصول الحكم " ، 2أ أن الدين اإلسالمي ال يحرم بل يشرع لمنافسة األمم في تطورها في
مختلف المجاالت ،وأن يتخطوا النظام السائد و يأخذوا بالتجارب الناجحة لذلن.
إن مشروع النهضة العربية كما أسلفنا ارتبط باكتشاف النموذج األوروبي المتمدم ،حيث
تولدت الحاجة إلى اللحاق به أو إلى مجرد تمليص مسافة التخلف عنه و ذلن على المستوى
العربي التمني و المعيشي و السياسي و االجتماعي ،فمما ال شن أن الخطاب النهضو
حاول إيجاد مخرج من مأزق التخلف و اللحاق بركب التطور و مسايرة العصر ،إال أن
هذا الخطاب المتعلك " بالتغيير االجتماعي أو التطور االجتماعي تحول إلى إشكالية فكرية
الوالع و المجتمع" ، 3فهذا المشروع حكم و فلسفية محيطها عالم النظريات و األفكار و لي
عليه أن يبمى مشروعا فكريا و حلما منشودا وهذا يرجع إلى أن العالم العربي الحديث لم
1
-رحيم أبو رغيف الموسو ،الدليل الفلسفي الشامل ،المرجع نفسه ،ص .11
2
-علي عبد الرزاق ،اإلسالم و أصول الحكم ،نمال عن :دمحم سبيال ،عبد السالم بنعبد العالي ،الحداثة و انتماداتها ،دار توبمال ،المغرب ،ط،8
،7881ص .77
3
-زكي الميالد ،اإلسالم و الحداثة ،مرجع سابك ،ص .77
13
مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان الفصل األول
يتمخض بعد عن فيلسوف عربي كبير من طراز أفالطون و أرسطو وابن سينا و ابن رشد
و ليبنز و اسبينوزا و كانت وبرغسون و معظم من اشتهروا فيه حتى اآلن ال يعدون في
نظرنا إال كواكب خفالة ،تستضيء بنور غيرها فتتألأل دون أن تضيء العالم بأشعتها
1
،فال وجود لمفكر عربي معاصر من طينة الفالسفة المسلمين في الذاتية إال لليال "
العصر الوسيط وال من طينة الغربيين المدامى وال المحدثين ،وهذا ما يبرره تسابمهم
الستيراد نظرياتهم جاهزة و التباسها و محاولة تطبيمها على الوالع العربي ،فهم إن أفلحوا
في فهم هذه النظريات فهم لم ينتمدوها لينسجوا فلسفة خاصتهم تمكنهم من الخروج من
مستنمع التخلف.
أما المفكر المغربي' دمحم عابد الجابر ' فرغم أنه يرى أن مشروع النهضة" لم يتحك
بعد " 2بل ،مشروع لم يكتمل بعد حتى على الصعيد التصور الذهني ".3
يعترف بالجهود النهضويين و يمدر مسعاهم ألنهم " لد تصوروا إال أن الجابر
النهضة تصورا صحيحا على األلل من الناحية الشمولية ،فعالوة على ربطهم إياها بالتحرر
من سيطرة األجنبي و الوحدة المومية ( )...فمد رأوا في النهضة الفكرية ال مجرد مظهر من
أنهم لتحميمها" ،4أ مظاهر النهضة المنشودة بل أيضا الشرط األساسي و الضرور
ا عتمدوا التنظير فكريا اإلعداد للنهضة فكريا و التمهيد لها لخلك فضاء رحب يستوعب
مستجدات الحداثة المنشودة و لتخفيف ولع التغيير و اإلصالح ،وذلن من خالل " نشر
على تحكيم العمل بدل االستسالم للمكتوب و اإلذعان المعرفة و تعميم التعليم وحمل النا
للخرافة "،5
مفكر م شروع النهضة صحيح أنهم نالدين لألوضاع مطالبين بالتغيير و لكنهم "
لم يدركوا أن سالح النمد يجب أن يسبمه و يرافمه نمد السالح لمد أغفلوا نمد العمل ،فراحوا
يتصورون النهضة و يخططون لها ( )...إما بعمود أُعدت للماضي و إما بمفاهيم أنتجها
1
-جميل صليبا نمال عن :دمحم عابد الجابر ،الخطاب العربي المعاصر ،مرجع سابك ،ص .811
2
-المصدر نفسه ،ص .78
3
-المصدر نفسه ،ص .77
4
-المصدر نفسه ،ص .1
5
-المصدر نفسه ،ص .87
34
مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان الفصل األول
كما أن هنان من يبرر فشل هذا المشروع الداعي إلى الحداثة كون هــــذه األخيرة
" مشروع غربي ،نشأ في مالبسات غربية خاصة ،وهو لد مثل لطيعة معرفية مع العلم ،
العمل و التطور ،فجاء هذا المشروع ( )...كرد فعل لذلن ( )...ليميم لطيعة معرفية مضادة
و حادة ( )...ال تعترف بالدين مصدرا للمعرفة ()...ألن الحداثة بهذا الوضع لد مثلت حال
غربيا لمشكلة غربية ،وألن المشروع االسالمي النهضو ،تاريخيا ...وكما يطرح اآلن
ليست لديه و ال فيه تلن المشكالت الكهنوتية ،فمن العبث أن نستعير لنهضتنا حـــــــــلوال
و العملي " ،2فال جدوى من حلول هي في األصل حلوال ال تتطلبها في والعنا الفكر
في العلمانية* من خالل الجابر لمسائل غربية عن مجتمعاتنا وهذا ما يتطابك مع رأ
فيه كنيســـــة ،إذا اإلسالم "لوله بأن العلمانية هي فضل الكنيسة عن الدولة و اإلسالم لي
ال يحتاج إلى علمانية " .3فأوربا إذا لجأت إلى العلمانية ذلن للحد من طــــــــاغوت الكنيسة
و طغيان رجالها ،في حين أن ال يوجد هذا في تاريخ اإلسالم .
إن مرجعية الخطاب العربي في عصر النهضة تحكمت فيه مكانة تاريخ الفكر
اإلسالمي من جهة ومكانة الفكر العالمي الحديث و هذا ألن األمر يتعلك بعدم وجود أنساق
فلسفية ،من لبيل الديكارتية فلسفية بالمعنى التمليد ( )...فلم تنتج النهضة العربية مدار
و الكانطية ".4
أوراق التنظيـــر ولــــم يرق إلى إن النهضة حما مشروع لم يكتمل ،فمد بمي حبي
التطبيك على الوالع و ذلن حتما ألنــه ال ينطلــك في األصــل مــن والـــع عربي معاصر
1
-أنظر :المصدر نفسه ،ص .18
2
-دمحم عمارة ،نمال عن :السيدي و آخرون ،الحداثة و ما بعد الحداثة ،جمعية الدعوة اإلسالمية ،طرابل ،د ط ،8771 ،ص .77
3
-جورج طرابيشي ،هرطمات عن الديممراطية ،العلمانية و الحداثة ،دار السالي ،بيروت ،ط ،7881،8ص .11
* و هذا ما حكم عليه طرابيشي بأنه استدالل فاسد ألنه انطلك من ممدمة خاطئة فالعلمانية هي فصل الدين عن الدولة ( ،أنظر :المرجع نفسه ،ص
)11
33
مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان الفصل األول
منا األعمى و بذلن أخذنا " كل لشرة على السطح نملناها ،و لم تم ،فمد ،اكتفى االلتبا
للباب" ، 1فما لحمنا من الحداثة الغربية إلى مظاهرها الالمعة فانخدعنا و ظنناها حميمة أنها
هي األصل .
المفكرون النهضويون ظل " تفكير مشدود إلى الماضي ال إلى الحاضر أو
المستمبل" ،2وذلن في نظرته إلى تراثه ،بحيث كال بمكيال أجداده فعوض أن يتناولها
بالدراسة و يكتسب من خاللها الملكة التي تمكنه من إعمال عمله ،في حل ما جد من
المسائل بمناهج جديدة و مستجدة كما ظل نسخة ممسوخة من فكر دخيل بدأ أصحابه أنفسهم
يتحولون عنهم". 3
إن التجربة النهضوية العربية باعتبارها محاولة الستدران ما فات وإلحاق بركب
الحضارة الحديثة أخفت في نظر دمحم أركون ألسباب أهمها ":تغلب ضرورات الصراع
ضد الخارج على صراع عند الداخل ،أو تغلب التحرير الخارجي على التحريـــر الداخلي
و هكذا تشكلت إيديولوجيا الكفاح من أجل مواجهة التحديات الخارجية ( )...حل العمل
النضالي محل العمل الليبرالي ( )...وبالتالي فمشكلة هذا العمل أنه نمل العالم العربي
اإلسالمي إيديولوجيا ليست نتاج مجتمعات العالم العربي اإلسالمي كما أن هذه المجتمعات
4
لم تشهد التحوالت التي عرفتها أوربا من مثل التجربة الصناعية و الفتوحات التمنية"
1
-زكي نجيب محمود ،نافذة على فلسفة العصر ،كتاب العربي ،الكويت ،دط ،8778 ،ص .88
2
-دمحم لطب ،من لضايا الفكر اإلسالمي المعاصر ،في أمور الدين ،في التاريخ ،في االلتصاد ،في األدب ،دار الشروق ،مصر ،ط،8
،7881ص .79
3
-أنظر ،المرجع نفسه ،ص .71
4
-دمحم أركون ،نمال عن :كحيل مصطفى ،اآلنسة و التأويل في فكر دمحم أركون ،دار األمان ،المغرب ،ط ،7888 ،8ص .787
33
مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان الفصل األول
وفي ختام هذا الفصل يمكننا المول أن الحداثة الغربية لد تشكلت بعد عصر
السكوالستيكي ،إذ حملت عدة تغيرات على الصعيد العلمي و الفلسفي الفكر و اإلجتماعي
و السياسي ،و هذا من خــــالل جملة مماوماتها منها مركـــــــزية و كذا اإللتصاد
اإلنسان ،و العمالنية .....إذ ساهمت في تشكيل الحضارة األوروبية ،و هذا ما جعلها
مرغوبة لدى مختلف المجتمعات ،فالمجتمع العربي من بين هذه المجتمعات و تتجلى أولى
محاوالت تحديث المجتمع العربي في مشروع النهضة العربية .
31
الفصل الثاني :
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلى الحداثة لدى دمحم
أركون
تمهيد :
إن لضٌة الحداثة و التحديث فً الفكر العربي عموما جاءت كرد فعل على صدمة،
فمد اختلفت المماربات فٌما ٌخص الكٌفٌة التً ٌمكن بها استدعاء الحداثة و التحدٌث إلى
المجتمعات العربٌة اإلسالمٌة ،فنجد أن هنان من رأى ّ
أن مدخل الحداثة ٌكمن فً استٌراد
التكنولوجٌا و العلوم األوروبٌة هذا ما حدث مع الدول العربٌة بعد االستمالل ،أما المفكرٌن
الحداثٌٌن العرب فرأوا أن تكون الحداثة مدخلها ال بد أن ٌكون فكرٌا ،وهذا نظرا لفشل
مشارٌع التحدٌث المادي فً الوطن العربً ،ومن بٌن هإالء نذكر :دمحم عابد الجابري ،
2
( ،الذي سوف نخصص له الفصل الالحك هشام جعٌط ،دمحم أركون 1و طه عبد الرحمن
) ،وفٌما هذا الفصل نحاول أن نجول فً ثناٌا مشروع أركون الحداثً .
1
-مفكر جزائري معاصر ولد سنة ? 8@9م بمنطمة المبائل الكبرى ،انتمل مع عائلته إلى الغرب الجزائري (بلدة عٌن األربعاء – عٌن تموشنت )
أٌن تلمى تعلٌمه االبتدائً ،لٌواصل تعلٌمه الثانوي بوهران ،فالتعلٌم الجامعً بالجزائر العاصمة أٌن التمى بالمستشرق الفرنسً ماسٌنون الذي
بواسطته لام بإعداد التبرٌر فً اللغة و اآلداب العربٌة فً جامعة السورٌون فً بارٌس كما كان موضوع أطروحته للدكتوراه حول فكر المإرخ و
الفٌلسوف ابن مسكوٌه و التوحٌدي .شغل منصب أستاذ لتارٌخ الفكر اإلسالمً و الفلسفة بجامعة السورٌون منذ سنة 8@?1و باحث مرافك ببرلٌن
سنتً =?@ 8@?>-8ومنذ سنة 8@@:عضو فً مجلس إدارة معهد الدراسات اإلسالمٌة فً لندن توفً فً ; 9181/1@/8عن عمر ٌناهز ?9
عاما بعد معاناة مع المرض فً العاصمة الفرنسٌة بارٌس.
2
-مفكر مغربً ولد سنة ;;@ ،8بمدٌنة الجدٌدة ،نشؤ فً بٌت علم وفمة ،التحك بالمدرسة العلٌا األساتذة بالرباط ،فتحصل منها على اإلجازة فً
الفلسفة ،وانخرط فً سلن التدرٌس دون إن ٌمطع الصلة بالبحث العلمً منذ عام ،8@>1تمكن من متابعة دراساته العلٌا خارج المملكة المغربٌة
حٌث انتسب إلى جامعة السورٌون ولدم أطروحته لنٌل شهادة الماجستٌر فً فلسفة اللغة عنوانها ":اللغة و الفلسفة " :رسالة فً البنً اللغوٌة
لمبحث الوجود )وكان ذلن عام ،8@>9ومن الجامعة نفسها ،تحصل على دبلوم دكتوراه دولة فً الفلسفة عام <?@ ،8عمل األستاذ طه عبد الرحمن
أٌضا مستشارا ،كما اثري المكتبة العربٌة بمإلفات منها :فً أصول الحوار وتجدٌد علم الكالم (>?@)8العمل الدٌنً وتجدٌد العمل (@?@)8تجدٌد
المنهج فً تموٌم التراث (;@@ ،)8اللسان و المٌزان (?@@،)8فمه الفلسفة ،)8@@<-8@@@(9-8سإال األخالق ()9111الحك العربً فً االختالف
الفلسفً ( ،)9119الحك اإلسالمً فً االختالف الفكري (<،)911روح الحداثة (=،)911سإال العمل (،)9189روح الدٌن (ط)9189،9الحوار
أفما للفكر (.)918:
<;
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
إن لضٌة النهضة و اإلصالح تعتبر من المهام الكبرى للمفكرٌن الحداثٌٌن العرب
المعاصرٌن إذ "حاولوا الدفاع العمالنٌة والنقد و بناء الفكر و إعادة قراءة التجربة
النهضوٌة و اإلصالحٌة و فً هذا كان البد من المرور عبر العودة إلى مراجعة التراث "،1
وذلن ألن النهضة تعنً المٌالد الجدٌد أي مٌالد الفكر المدٌم و إعادة بعثه من جدٌد مما
ٌجعل منها حركة تجدٌد بكل معنى الكلمة.
تعنً لضٌة النهضة و اإلصالح لدى 'دمحم أركون' ما ٌسمٌه " بالنمد العلمً للفكر
اإلسالمً أو المراءة النمدٌة للتراث اإلسالمي ،المواجهة ستكــون إذن بٌــــن منهجٌــــــــــن
فً التعامل مع التراث اإلسالمً ،تعامل لدٌم استغاللً للتراث و تعامل علمً انطاللــــا
من التطورات العلمٌة " ،2و ٌمثل هذا مشروع هو مشروع نمد العمل اإلسالمً " إنه
مشروع ال ٌنتهً إال لكً ٌبدأ من جدٌد إنه ٌهدف إلى إصالح اإلنسان إلى تكوٌنه و تهذٌبه
من جدٌــــ د و تزوٌده بالوسائل التً تمكنه من أن ٌصبح لادرا على معانمة هللا على نٌل
مرتضـــاه " ،3و هذه اللحظة تشبه اللحظة اللوثرٌة و الكلفٌنٌة التً دعت إلى ربط اإلنسان
باهلل دون واسطة ،فؤراد بها أركون نهضة تشبه نهضة أوربا .
ٌبنً "أركون" مشروعه النمدي على مسلمة مفادها أن " اإلسالم -و المول ألركون
ٌشكل حداثة ( )...و لحظة انبثاق الخطابً المرآنً كان ٌمثل تغٌرا جذرٌا بالمٌاس إلى ما
لبله ،و كان ٌمثل حركة مندفعة بكل لوة و انطاللا ،و على كافة األصعدة ( )...ثم تشكل
تدرٌجٌا فكر ثابت تحول بالتدرج إلى أرثوذكسٌة ( )...ألصد أنه تحول من طالة تغٌٌرٌة
1
-عبد الرحمن ٌعموبً ،الحداثة الفكرٌة فً التؤلٌف الفلسفً العربً المعاصر ،مركز نماء للبحوث و الدراسات ،بٌروت ،ط918; ،8
،ص ?=.8
2
-المرجع نفسه ،ص ?=.8
3
-دمحم أركون ،اإلسالم ،أوربا ،الغرب ،رهانات المعنى و إرادات الهٌمنة ،تر :هاشم صالح ،دار السالً ،بٌروت ،ط ،9118 ،9ص
.889
=;
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
انبثالٌة إلى تصور ملجوم و مسجون للحمٌمة " ،1وهذا المول ٌشفع ألركون و ٌبرر تهجمه
على النص المرآنً و الذي ٌصفه بمجرد مدونة مغلمة لٌإكد على تارٌخٌته ،و هو بذلن
ٌنزه الدٌن الحك فً صفائه.
إذا كان الفكر النهضوي لد انطلك من مسلمتٌن هما " اإلصالح ال ٌتم إال بإعادة
إصالح الفكر الدٌنً و اإلصالح ال ٌتم إال بالعودة إلى المنابع الفكرٌة فً نماوتها ،فإن فكرة
الحداثة فً الفكر العربً المعاصر تنطلك من مسلمة مفادها أن الحداثة تمتضً إعادة قراءة
التراث لراءة ٌتواصل فٌها الماضً مع الحاضر الحضاري العلمً ،لتحمٌك الهوة بٌن
الجٌلٌن جٌل منتج و جٌل مستهلن فالتجدٌد ال ٌمكن أن ٌتم إال من الداخل تراثنا".2
ال ٌفصل "دمحم أركون "بٌن النص الممدس (المرآن الكرٌم ) المحفوظ فً المصحف
وبٌن ما أنتج على مدى تارٌخ الفكر العربً اإلسالمً ،من لراءات و تؤوٌالت فً كل
الثمافة اإلسالمٌة ابتداءا من نزول الوحً إلى الفترة المعاصرة ،وهنا ٌتحدث أركون عن
النص الدٌنً و مولعه من كل التراث اإلسالمً ضمن مفاهٌم و التً توضح و تبرر
مشروعه ،إذ ٌجعلها مرتكزا أساسٌا لمعالجة حداثٌة للتراث ،وذلن من أجل إرساء دعائم
الحداثة الفكرٌة التً أساس التحدٌث المادي و االجتماعً و السٌاسً و االلتصادي ،إذ
نجده ٌمٌز بٌن الظاهرة المرآنٌة و التً هً الدٌن الحك و الظاهرة اإلسالمٌة إذ هً تجلً
للدٌن فً التارٌخ .
وهً النص المرآنً الشفهً لحظة تفوه الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وهً كما ٌمول أركون "المرآن
كحدث لخطاب شفهً فً زمان و مكان* محددٌن تماما ،ألح هنا على الطابع الشفهً
للمرآن فً البداٌة ،ألنه لم ٌكتب أول ما نزل إال فٌما بعد ،وهذا الخطاب الشفهً رافك
1
-دمحم سبٌال ،الحداثة ،مرجع سابك ،ص <=.
2
-عبد الرحمن ٌعموبً ،الحدا ثة الفكرٌة فً التؤلٌف الفلسفً العربً المعاصر ،مرجع سابك ،ص <.8:
* -الزمن هو بداٌات التبشٌر و البٌئة االجتماعٌة الثمافٌة التً ظهر فٌها هً الجزٌرة العربٌة.
>;
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
الممارسة التارٌخٌة المتنوعة الجوانب طٌلة عشرٌن عاما" ،1كما ٌشٌر دمحم أركون إلى أن
االنتمال مرحلة الخطاب الشفهً إلى مرحلة الخطاب المدون و المكتوب لم ٌإخذ بعٌن
االعتبار حتى اآلن ال من لبل المفشرٌن المسلمٌن المهتمٌن بؤسبـــاب النــــــزول و الناسخ و
المنسوخ من أجل بلورة األحكام الفمهٌة ،وال من لبل المسلمٌن المهتمٌن بؤسباب النزول و
الناسخ و المنسوخ من أجل بلورة األحكام الفمهٌة ،وال من لبل المستشرلٌن الذٌن ٌتبعون
المنهجٌة الفٌلولوجٌة ،الوضعٌة و التارٌخٌة ،فالخطاب الشفهً تلفظ به النبً طٌلة عشرٌن
سنة فً ظروف متغٌرة و أمام جمهور محدد من البشر ،ونحن ال ٌمكن أن نتواصل إلى
معرفة هذه الحالة األولٌة و الطازجة للخطاب مهما حاولنا " ،2و بذلن ٌنفً دمحم أركون
المداسٌة و النزاهة عن المرآن المكتوب فً المصحف ،وهذا ما ٌتنافى مع لوله عز وجل "
إنا أنزلنا الذكرى و إنا له لحافظون " فمن البدٌهً أن كل مسلم ٌشهد بؤن ال إله إال هللا و
ٌشهد بؤن دمحم رسول هللا ٌإمن بالوحً اإللهً تعبٌرا مطلما مطابما لألصل و أنه المرآن
الكرٌم باللفظ و المعنى ،و ٌإمن بحجٌة السنة النبوٌة ،فهل الخلل فً النص أم فً سوء
فهمه؟ .
تشكل ظاهرة المرآنٌة مجسدة فً التارٌخ لحظة التلفظ به من لبل النبً ملسو هيلع هللا ىلص وهً ":
عملٌة استمالن للمرآن المت ّلو و الممروء و المعاش بصفته نصا ً رسمٌا مغلمــا و ناجزا بشكل
نهائً ،إن عملٌة استهالن هذه تجًء كتلبٌة لطلب الدولة الموصوفة باإلسالمٌة ،ولطلب
األمة المفسرة التً تربط لدرها األرضً و نجاتها األبدٌة بما تدعوه كالم هللا أو الوحً
( )...فتهتم فمط بالجانب التمدٌسً من الظاهرة المرآنٌة لكً تستغله من أجل خلع التمدٌس و
الروحانٌة و التعالً و االنطولوجٌا و األسطرة و األدلجة على كل التركٌبات العمائدٌة و كل
الموانٌن التشرٌعٌة و األخاللٌة و الثمافٌة و كل أنظمة المشروعة التً أنشؤها الفاعلون
1
-دمحم أركون ،لضاٌا فً نمد العمل الدٌنً ،أٌن هو الفكر اإلسالمً المعاصر ،تر ،هاشم صالح ،دار الطلٌعة ،د ط ،8@>> ،ص =?.8
2
-المصدر نفسه ،ص @?.8
?;
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
االجتماعٌون " ،1فهً كل ما لحك الخطاب المرآنً من تؤوٌل و تفسٌر بعد لحظة انبثاله من
طرف لفمهاء و المتكلمون ،لذلن نجد أن " الظاهرة اإلسالمٌة على خالف الظاهرة المرآنٌة
تنمسم إلى خطوط و مذاهب عدة نذكر مثال الخط الشٌعً و الخط السنً و الخط الخارجً
" ،2وهذا االختالف إن دل فإنما ٌدل على تارٌخٌتها ،وعلى شكلها التارٌخً ضمن زمن و
مكان معٌنٌن من طرف سلطة معٌنة.
فالظاهرة اإلسالمٌة كانت بداٌتها لحظة " االنتمال من الشفهً إلى مرحلة المدونة
النصٌة الرسمٌة المغلمة " ،3وهذا االنتمال " لم ٌحصل إال بعد حصول الكثٌر من عملٌات
الحذف و االنتخاب و التالعبات اللغوٌة التً تحصل دائما فً مثل هذه الحاالت ،فلٌس لكل
الخطاب الشفهً ٌدون و إنما هنان أشٌاء تفمد فً الطرٌك ( )...ذلن ألن عملٌة الجمع تمت
فً ظروف حامٌة من الصراع السٌاسً على السلطة و المشروعٌة " ،4وهذا ٌعنً أن
المرآن الذي بٌن أٌدٌنا نص محرف ولكن ٌبدو هذا الرأي مساس بالممدسات اإلسالمٌة " إذ
أن الخلل الحاصل فً ممارسة اإلسالم ناتج عن الشائبة البشرٌة التً علمت به نتٌجة الفهم
المغلوط اإلسماطً للنصوص ،فهذه النصوص اإلسالمية الربانٌة ،المرآن بلفظه و
مضمونه ،و السنة بالمضمون بإخبار المعصوم ،وهً تكتنز عٌن الحمٌمة فً حٌز
موضوعاتها ،لذلن فاإلصالح الدٌنً إن كان ثمة حاجة له ٌمتضً العودة إلى األصول بفهم
النصوص الممررة للدٌن عقيدة و أحكاما".5
لبل الخوض فً المشروع النمدي األركوني لما أسماه بالعمل اإلسالمً ،تشٌر أوال
إلى مفهوم العمل اإلسالمً .
1
-أركون دمحم ،الفكر األصولً و استحالة التؤصٌل ،تر :هاشم صالح ،دار السالً ،بٌروت ،ط ،911> ،:ص . 981
2
-ناٌلة أبً نادر ،التراث و المنهج بٌن أركون و الجابري ،الشبكة العربٌة لألبحاث ،بٌروت ،ط ،911? ،8ص <.89
3
-دمحم أركون ،لضاٌا فً نمد العمل اإلسالمً :أٌن هو الفكر اإلسالمً المعاصر ؟ مصدر سابك ،ص >?.8
4
-المصدر نفسه ،ص ??.8
5
-زهٌر بٌطار ،لضاٌا إسالمٌة معاصرة ،دار الهادي ،بٌروت ،ط ،911; ،8ص <>. 8
@;
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
من خالل تمٌزه بٌن العمل اإلسالمً و العقل العربي ٌتضح المفهوم إذ ٌتمٌد األول
بالوحً أو المعطى المنزل ،و ٌمر أن المعطى هو األول ألنه إلهً ،وأن دور العقل
ٌحصر فً خدمة الوحً أو المعطى المنزل أي فهم و تفهٌم ماورد فٌه من أحكام و تعالٌم و
إرشاد ثم االستنتاج و االستنباط منه ،فالعمل تابع ولٌس بمتبوع اللهم إال بالمدر الذي ٌسمح
به اجتهاده المصٌب لفهم و تفهٌم الوحً ،ال ٌنفرد العمل اإلسالمً بهذا الوضع المعرفــــً
و االنطولوجً ،إذ ٌشاركه فٌه العمل المسٌحً و العمل الٌهودي ،كالهما ٌخضع للمعطى
المنزل مع أن التعرٌف الالهوتً للوحي ٌختلف عند المسلمٌن و المسحٌٌن و الٌهود".1
أما العمل العربً فهو "الذي ٌعبر باللغة العربٌة أٌا تكن نوعٌة المعطى الفكري
الخارج عنـــه و الذي ٌتمٌد به و هكذا نجد المسحٌٌن و الٌهود ٌنتجون علومهم الدٌنٌة باللغة
العربٌة ( )...إن اللغة ال تختص بشعب أو عنصر من عناصر البشر ،إنــــما تتؤثر طبعا
بتارٌخ المـــ وم أو الجماعة أو األمة الناطمٌن بها ،ولكن التعامل بٌن العمل و اللغة أوسع و
أعمك و أكثر مرونة".2
ومنه فالعمل اإلسالمً هو كل المعارف التً أنتجها الثمافة اإلسالمٌة و التً تتمٌد
بالوحً كمإطر ال ٌبتغً الخروج عنه كمثال أعلى ،وبهذا ٌدرج أركون كل النصوص التً
تحكمت فٌها تلن المواعد و المبادئ المإطرة للمعرفة ابتداء من فترة اإلسالم إلى غاٌة
الفترة المعاصرة من الفكر اإلسالمً ،وهذا ما استثناه العمل العربً الذي ال ٌهتم إال
بالنصوص المكتوبة بالغة العربٌة و ٌعرفه الجابري على أنه " جملة المبادئ و المواعد التً
تمدمها الثمافٌة العربٌة اإلسالمٌة للمنتمٌن إلٌها كؤساس الكتساب المعرفة و تفرضها علٌهم
1
-دمحم أركون ،أٌن هو الفكر اإلسالمً المعاصر ؟ من فٌصل التفرلة إلى فصل الممال ،تر :هاشم صالح دار السالً ،لبنان ،ط،911: ،:
ص .8:
2
-المصدر نفسه ،ص ;.8
<1
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
ن " نظام معرفً " أي كجملة من المفاهٌم و اإلجراءات التً تعطً للمعرفة فً فترة
تارٌخٌة ما ".1
معظم كتابات دمحم أركون متمحورة حول فكرة ،أال و هً نمد العمـــل اإلسالمً ،إذ
تطلع من خاللها إلى لراءة تؤوٌلٌة نمدٌة بالدرجة األولى للتراث ،و أوجب أن مفتوحة
منفتحة ،إذا ضمنه النصوص الممدسة " القرآن و السنة " و النصوص المفسرة لها بما فٌها
كل النصوص الالحمة إلى ٌومنا هذا ،فعماد مشروعه الحداثً هو تعرٌة العمل اإلسالمً
المشكل معمل األرثوذكسً* فهذا " العمل الدوغمائً أغلك ما كان مفتوحا و منفتحا و حول
ما كان ٌمكن التفكٌر فٌه ،بل و ٌجب التفكٌر أثناء لرون طوٌلة (ٌ )...مكن المول بؤن نزعة
التملٌد المذاهب األرثوذكسٌة و تكرارها لد تغلبت على إعادة التمٌٌم لجمٌع المذاهب
الموروثة التعسفٌة التً انبثت علٌها " ،2وبهذا ٌرجع أركون أزمة الفكر اإلسالمً المعاصر
إلى تمدٌسه لألصل ،و اكتفاءه باجتهادات األولٌن و األخذ بها على أنها لواعد الزمة و ال
نماش فٌها ،فالنظرة الحداثية األركونية و إن رجعت إلى األصل فمط لتعٌــــــــــد النظـــر
و التمحٌص فً النصوص التؤسٌسٌة و الثوان للكشف عن الظروف الحاصنة لها ضمن
زمن كان معٌن ،واعتباره إنتاج فكري بشري مفتعل فً شبه الجزٌرة العربٌة .
ٌشٌر أركون إلى اختالف مشروعه ( نمد العمل اإلسالمً ) عن غٌره من المشارٌع
اإلستشرالٌة و حتى اإلسالمٌة فهو " ال ٌكتفً بالبحث عما ٌخص اإلسالم كدٌن و فــــــكر
و ثمافة و مدنٌة و تارٌخ و نموذج من نماذج اإلنتاج التارٌخً لإلنسان و المجتمعات ،ولد
فرض اإلستشراق هذه النظرة المنكبة على اإلسالم ،المتواطئة مع نظرة المسلمٌن أنفسهم ،
إذ أجمع كالهما أن هنان إسالما جوهرٌا ذاتٌا ال ٌمبل التغٌر و ال ٌخضع للتارٌخٌة و ال
ٌزال مستمرا هو كاأللنوم اإللهً ٌإثر فً األذهان المجتمعات و ال ٌتؤثر بها ".3
1
-نمال عن ،ناٌلٌة أبً نادر ،التراث و المنهج بٌن أركون و الجابري ،مرجع سابك ،ص ;@.9
2
-دمحم أركون ،لضاٌا فً نمد العمل الدٌنً ،أٌن هو الفكر االسالمً ،مصدر سابك ،ص >.
3
-دمحم أركون ،أٌن هو الفكر اإلسالمً المعاصر ؟ مصدر سابك ،ص >.9
<8
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
و فً نفس السٌـــــاق أال وهو البحث عن أزمة الفــكر المائـــم فً الساحة العربٌـــــة
و اإلسالمٌة ٌرجع المصري حسن حنفي لسبب التصدع إلى أسباب متعلمة بالماضً ،
مرتبطة " بتصفٌة االتجاه العمالنً فً الفلسفة اإلسالمٌة و بالتحدٌد فً المرن الخامس
الهجري تحمل التٌار األشعري و على رأسه الغزالً الهجوم على العلوم العملٌة و الدعوة
إلى التصوف " ،1فساد االنمٌاد و التسلٌم عوض النظر و التمحٌص العملً ،وبهذا طمست
كل محاولة إرادة البحث و إعمال العمل فً النصوص الدٌنٌة ما خلف عمل أرثوذكسً
دوغمائً ال تارٌخً .
إن نمد العمل اإلسالمً مفهوم ٌهدف إلى إعادة تمٌٌم شامل لكل التراث اإلسالمً،
فغاٌته لٌست " تفسٌر جدٌد ٌسد مسد التفسٌرات الكالسٌكٌة ( )...حٌث إن نمطة تفسٌر ذات
حمولة تٌولوجٌة ٌتعٌن تفكٌكها منذ البداٌة" ،2بحٌث ٌصب النمد و التحلٌل على " األصول و
الفروع و ٌستخدم عدة منهجٌات دفعة واحدة كالمنهجٌـــة الجٌنٌالوجٌــــة والمنهجٌة الحفرٌة
و اللسانٌات ،ومنهجٌة تفكٌن أنظمة الفكر السائد ( )...عالوة على توظٌف علوم أخرى
كاألنثروبولوجٌا و علم النفس االجتماعً و التارٌخ و علم األدٌان الممارن ( )...و هذا النمد
ٌحمل معه برنامجا مكثفا فً نمد البنٌات التٌولوجٌة و األنتروبولوجٌة المإسسة لتارٌخ هذا
الفكر ".3
ال ٌكتفً مشروع نمد العمل اإلسالمً بنمد الفكر اإلسالمً ،أذ ٌتسع " بنمد عمل
األنوار الذي فرضته أوربا البرجوازٌة و الرأسمالٌة كنموذج عالمً بدٌل للنموذج الدٌنً
الذي شاع و سٌطر باسم الكنٌسة" .4
وفٌما ٌلً ندرج نمده للمراحل المإسسة للعمل اإلسالمً إبتداءا بالمرآن إلى الفكر
اإلسالمً الراهن .
1
-علً رحمومة سحبون ،إشكالٌة التراث ،مرجع سابك ،ص .8:1
2
-عبد المجٌد الشرفً ،لراءة فً النص الدٌنً عند دمحم أركون ،مرجع سابك ،ص @=.
3
-المرجع نفسه ،ص >;.8
4
-دمحم أركون ،أٌن هو الفكر اإلسالمً المعاصر ؟ ،مصدر سابك ،ص ?.9
<9
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
لتحصٌل الممارسة العلمٌة للتراث اإلسالمً و بالتالً الولوج إلى فكر منفتح ٌ ،لح
أركون على مساءلة نمدٌة لمختلف مراحل هذا العمل اإلسالمً ،وٌرى أن بداٌة تشكله
كانت مع " االجتهادات الفكرٌة و الدٌنٌة المعروفة فً التارٌخ ( )...و تعتبر رسالة الشافعً
(ت )204المحاولة األولى لتؤسٌس ما ازدهر بعده بإسم أصول الفمه " ،1وهذا لكونه "
اعتمد و ال ٌزال ٌعتمد على عملٌة التؤصٌل ،ونمصد به البحث عن ألوام الطرق
االستداللٌـــــــة و أصح الوسائل التحلٌلٌة و االستنباطٌة لربط بٌن األحكام الشرعٌة و
األصول التً تتفرع عنها ،أو لتبرٌر ما ٌجب اإلٌمان به وٌستمٌم استنادا إلى فهم صحٌح
للنصوص األولى المإسسة لألصول التً ال أصل لبلها وال بعدها ،وكان هاجس األئمة
مجتهدٌن منصبا على تؤسٌس حجٌة المرآن ثم السنة النبوٌة ( و سنة األئمة عند الشٌعة) و
إجماع ولٌاس".2
فاللحظة الشافعٌة كانت بداٌة و نهاٌة اجتهاد فً المسائل الدٌنٌة بحٌث أغلك باب
االجتهاد وال ٌتم إال بالرجوع إلى لراءاته لكن من المرآن و الحدٌث الذي منحهما صفة
المدٌسٌة وبالتالً منحت تفسٌراته كذلن هذه الصفة ،بحٌث ٌعتبر مرجعٌة إسالمٌة أولى فً
تفسٌر ،ولد تم توظٌف الشافعٌة فً الخطاب العربً المعاصر مع جل ألطابها فهً" البناء
المعرفً و اإلٌدٌولوجً مرتبط بمنظومة فمهٌة و اجتماعٌة مشروطة ببعدها التارٌخً و
ٌجري هذا الكالم على مإسس للمذهب (الشافعً ) ،وعلى أتباعه من الشراح ".3
ومن بٌن الدراسات التً تناولت رسالة الشافعً - :دراسة الكاتب رضوان سٌد المعنونــة
ب ":الشافعً ورسالة ،دراسة فً تكوٌن النظام الفمهً فً اإلسالم" 1990و " اإلمام
الشافعً لتؤسٌس إٌدٌولوجٌة الوسطٌة" -1994لنصر حامد أبو زٌد " ،تكوٌن العمل
العربً" -2000لدمحم عابد الجابري ،و" التشكٌالت اإلٌدٌولوجٌة فً اإلسالم ،االجتهادات
1
-دمحم أركون ،الفكر األصولً و استحالة التؤصٌل ،مصدر سابك ،ص >.
2
ٌ -وسف بن عدي ،أسئلة التنوٌر و العمالنٌة فً الفكر العربً المعاصر ،الدار العربٌة للعلوم ،بٌروت ،ط ،9181 ،8ص ;.9
3
-أنظر المرجع نفسه ،ص ;.9
<:
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
والتارٌخ" – 1993لسالم حمٌش ،وكتاب عبد المجٌد الصغٌر المعنون ب " :الفكر
األصولً و إشكالٌة السلطة العلمٌة فً اإلسالم" ،لراءة فً نشؤة علم األصـــــــــــول و
مماصد الشرٌعة ،1994-وفً هذه األخٌرة راجع صاحبها " تصورات زائفة عن علـــــم
األصول و فمه و الشرٌعة فً الخطاب االستشرالً و الخطاب العربً ( )...هإالء
الدارسٌن أغفلوا إغفاال مهوال لهاجس السلطة والشرعٌة التً كانت وراء الكتابات الفمهٌة
والكالمٌة فً اإلسالم ( )...فكانت المبادرة بتوحٌد الفمهاء لموالفهم العلمٌة أو المعرفٌة من
تلن األصــول و الضوابط التً تسري على الواعً نفسه ( )..إن نشؤة علم األصول ()...
إنماذ النص المإسس للشرعٌة فً اإلسالم من محاوالت االستغالل" .1
كرس الشافعً الحترام السلطة العلٌا مفارلة للعمل فمنذ ذلن التارٌخ أصبح " العمل
خاضعا و تابعا للوحً ،محترما للسٌادة العلٌا و مطٌعا إٌاها ،منتجا بذلن تصورا محددا
عن العالم ،هذا التصور لائم على جملة مبادئ مرتبطة بالفضاء العملً المروسطً ألن هذا
األخٌر تابع لمرجعٌة معٌنة" ،2وبذلن أحدثت لحظة تسجٌل و إشادة و هً نمطة تحول فً
العمل اإلسالمً من تارٌخً زمنً إلى مٌتا تارٌخً مفارق للزمنكان ،فال ٌخضع النص
المرآنً للفحص و حتى السنة النبوٌة بلغت مرتبة علٌا ثانٌة بعد المرآن الكرٌم.
وفً الفترة المعاصرة من الفكر المعاصر تجرأ ثلة من المفكرٌن على غرار دمحم
أركون هنان الجابري من خالل كتاب " مدخل إلى المرآن الكرٌم ،فً التعرٌف بالمـــرآن"
و فٌه ٌوضح هدف دراسته إذ نجده ٌمول" :تعاملنا مع هذا المعهود بكل ما نستطٌع من
الحٌاد و الموضوعٌة هو الطرٌك السلٌم فً نظرنا ٌ ،جعل المرآن معاصرا لنا أٌضا ،ال
على صعٌد التجربة الدٌنٌة ،فذلن ماهو لائم دوما ،بل أٌضــا عـــلى صعٌد الفهم
والمعمولٌة " ،3أما نصر حامد أبو زٌد من خالل كتابه " مفهوم النص فً علــــــوم
المرآن" " ،فمد اندفع إلى البحث عن مفهوم النص من خالل علوم المرآن االلتراب من
صوغ الوعً العلمً للتراث فالبحث عن النص ( )...هو نفسه طرٌك إلى تحدٌد ماهٌة
1
-المرجع نفسه ،ص ص >.9?-9
2
-فارح مسرحً ،الحداثة فً فكر دمحم أركون ،مرجع سابك ،ص @=.
3
-نمال :عن ٌوسف بن عدي ،أسئلة التنوٌر و العمالنٌة فً الفكر العربً المعاصر ،مرجع سابك ،ص .:1
;<
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
المرآن ،وهكذا كان التؤوٌل هو الوجه اآلخر للنص ،و بالتالً المدخل المركزي فً دراسة
المرآن باعتباره نصا لغوٌا ".1
وفٌما ٌلً سنعرض ألركون نظرته إلى التراث اإلسالمً الذي هو النص القرآني
بخاصة ثم السنة النبوية.
ٌرى دمحم أركون النصوص التؤسٌسٌة فً اإلسالم بؤعٌن حداثٌة بغٌة الكشف عن
أبعادهما الخٌالٌة و عن شحناتها االنفعالٌة التً ٌراها سببا فً نزعات التطرف باســم الدٌن
و اإلسالم ،فالمرآن حسبه لٌس كالم هللا ّ
ألن " كالم هللا ال ٌنفذ و ال ٌمكن استنفاذه ،2ونحن
ال نعرفه بكلٌته فؤنواع الوحً التً أوحٌت بالتتالً إلى موسى ( )...وأخٌرا إلى دمحم لٌست
إالّ أجزاء متمطعة من كالمه الكلً ،و نظرٌة الكتاب السماوي التً نجهلها لٌست إال رمزا
للمول بؤن هنان كتابا آخر ٌحتوي على كلٌاته كالم هللا (أم الكتاب)" 3وبهذا المرآن الموجود
بٌن دفتً المصحف لٌس الرسالة الكاملة التً بعثها هللا إلى رسوله دمحم صلى هللا علٌــــه و
سلم ،ذ لن ألن لمجرد ارتباطه بالتارٌخ ٌصبح اإللهً إنسً و الممدس عادي و الالتارٌخً
تارٌخً و بذلن ٌنفتح على المراءات و التؤوٌالت عبر الزمن .
إذن هنان تماٌز واضح بٌن الحدث المرآنً و الحدث اإلسالمً ،ألن " الممدس فً
ذاته لٌس فً متناول اإلنسان و أنه بمجرد ما ٌندرج فً البشرى حتى ٌفمد الكثٌر مـــن
سماته ،و ذلن تحت ضغوط لغوٌة و اجتماعٌة و ثمافٌة ( )...كما أن كالم هللا المطلك فً
كلٌته و نهائٌته ال ٌمكن معرفته و ما نعرفه هو مستوى كالم هللا الموحى إلى الناس بواسطته
األنبٌاء أي نحن نعرف الجزء المتجلً األرضً" ،4ولهذا المعنى فإن نزع األلوهٌة عن
النص الممدس حلمة ضرورٌة لحداثة دٌنٌة نحاول ربط النص المرآنً بسٌاق تارٌخً محدد
و ظروف معٌنة.
1
-المرجع نفسه ،ص .:1
2
-أنظر :عبد المجٌد خلٌفً و آخرون ،لراءات فً مشروع دمحم أركون الفكري ،منتدى المعارف ،بٌروت ،ط ،9188 ،8ص .@1
3
-دمحم أركون ،العلمنة و الدٌن :اإلسالم ،المسٌحٌة و الغرب ،تر هاشم صالح ،دار السالً ،بٌروت ،ط ، 8@@=، :ص .?9
4
-كٌحل مصطفى ،األنسنة و التؤ وٌل فً فكر دمحم أركون ،دار األمان ،المغرب ،ط ،9188 ،8ص ،ص =>.8>>-8
<<
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
ٌعتبر دمحم أركون الخطاب المرآنً خطاب بشري تارٌخً استنادا للحظة التدوٌن
المتؤخرة نسبٌا عن عهد النبوة أي فً المرن الثالث للهجرة ( فً عهد عثمان بن عفان ) ،
فعملٌة التدوٌن ال ٌزال ٌكتنفها الغموض ،فمن وجهة نظر لسانٌة ٌمول أركون أن التحول
من الشفاهً إلى الكتابً ٌحدث بال شن أخطاء ،و الفرق بٌن الشفهً و المكتوب مهمل فً
العمل المسلم ألن تركٌبة هذا األخٌر من طبٌعة تٌولوجٌة .1
إن السنة النبوٌة ثانً مرجعٌة تمدٌسا بعد المرآن الكرٌم و ثانً مصدر للتشرٌع
اإلسالمً ،فاهلل تعالى أمرنا بإتباع ألواله " ...و ما أتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه
فانتهوا سورة الحشر ،7وألجل هذه المكانة الممدسة للسنة لدى المسلمٌن ٌعتبرها أركون
إلى جانب المرآن الكرٌم "تراثا حٌا" ،2فمنذ المرن السابع مٌالدي ال ٌزال دمحم صلى هللا علٌه
و سلم أسوة ٌمتدي بؤحادٌثه المدونة من طرف العلماء و المسلمٌن بعد وفاته عن طرٌك
الصحابة و التابعٌن ألن " الحدٌث شؤنه شؤن المرآن الكرٌم و الشرٌعة ( )...نمطة حساسة
فً الوعً اإلسالمً الذي ٌرى أن النمد الذي سبك البخاري و مسلم و الكلٌنً ،و الطوسً
كاف و نهائً و المدونات التً كونت على أساس هذا النمد رسمٌة و مغلمة مثل المدونة
المرآنٌة ".3
لذا ٌجد دمحم أركون فً السنة أو باألحرى فً كٌفٌة تدوٌنها شبهة تجعل منها مادة
أساسٌة للنمد و التحلٌل ،فٌرى " أن دراسة السٌرة النبوٌة تم فٌها التحوٌر فً شخص النبً
صلى هللا علٌه و سلم ،و فخمت تفخٌما كبٌرا ،ودرست دون مراعاة الشروط التارٌخٌة ،
بل كان درسها ٌتعالى على التارٌخ " ،4لذا ٌمف دمحم أركون " عند درس السٌرة النبوٌة داعٌا
إلى إعادة النظر فٌه من خالل توظٌف علم النفس التارٌخً للكشف عن عاللتها بالتمدٌس
" ، 5أي أن الخطاب النبوي بما هو خطاب صادر عن بشر هو خطاب و ضعً فً حٌن
1
-أنظر ،مرزوق العمري ،إشكالٌة تارٌخٌة النص الدٌنً ،دار الطلٌعة ،بٌروت ص ص .8=: -8=9
2
-المرجع نفسه ،ص @=.8
3
-دمحم أركون نافذة على اإلسالم ،تر :صباح الجهٌم ،دار عطٌة للنشر ،بٌروت ،ط ،8@@= ،8ص <>.
4
-مرزوق العمري ،مرجع سابك ،ص .8>8
5
-المرجع نفسه ،ص .8>8
=<
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
أطبع بطابع تمدٌسً إشباعا لرغبة سلطة ما ،فٌدعو أركون إلى رفع هذه الهالة التمدٌسٌة
عنها تحت ممولة الحداثة.
ٌشٌر أركون فً جل مإلفاته إلى العصر الكالسٌكً اإلسالمً ،وٌعتبرها أرلى مرحلة
فً تارٌخ الحضارة اإلسالمٌة ذلن لما ٌتمٌز به من نشاط تٌاراتها العمالنٌة و اإلنسانٌــــــة
و العلمٌة و ذلن راجع إلى دخول علوم و فلسفة الٌونان عن طرٌك حركة النمل و الترجمة .
وفً مشروعه هذا أراد أن ٌجلً ما تم طٌه فً الالمفكر فٌه من أسماء مهمة من هذا
العصر إذ " تم حذف األجزاء المبدعة فً التراث و نسٌان لفترته الكالسٌكٌــة و العمالنٌــة
أو اإلنسانٌة الخاللة ،وتحوٌل التراث و اإلسالمً إلى مجرد أداة إٌدٌولوجٌة من أجل
التوصل إلى السلطة " ،1إذ عمدت الجهات السٌاسٌة إلى إلغاء النزعة المبدعة الداعٌة إلى
إعمال العمل حفاظا على مركزها و لضمان سٌطرتها على األوضاع .
من بٌن التٌارات التً ظهرت فً سٌاق العصر الكالسٌكً اإلسالمً وهو " أبو حٌان
التوحٌدي "وهو " إحدى الشخصٌات الفكرٌة النادرة فً التارٌخ اإلسالمً و التً انتفضت
باسم اإلنسان ومن أجل اإلنسان ( )...و مولفه هذا ٌرهص بالحداثة ،وهو مإلف الكتاب
الشهٌر باسم اإلشارات اإللهٌة ( )...وهو ٌستكشفه عن طرٌك ذات الصرامـــة الفكرٌــــــة
و التماسن المنطمً الذي سٌستخدمه عندما ٌدرس العاللة بٌن اإلنسان – و هللا تدرس عن
طرٌك ذات المنهجٌة العلمٌة " ، 2و سٌتحضر فً هذه الرإٌة مولف الفٌلسوف الفرنسً
بلٌز باسكال ،فكالهما ٌمول أركون " ٌعتنمان نزعة إنسانٌة متشابهة فً ظل العاللة مع هللا
".3
1
-دمحم أركــون ،النزعة األنسنة فً الفكر العربً ،جٌل مسكوٌه و التوحٌدي ،تر :هاشم صالح ،دار السالً ،بٌروت ،لبنان ،ط ، 8@@> ، 8
ص ;.8
2
-المصدر نفسه ،ص @.8
3
-المصدر نفسه ،ص @.8
><
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
وفً نفس السٌاق ٌعرض أركون لشخصٌة أخرى فً العصر الذهبً اإلسالمً وهو "
ابن سٌنا" إن تمثل أفكاره " بذورا فلسفٌة واعدة بنزعة إنسانٌة جدٌدة و شدٌدة االنفتاح ،إنها
نزعة إنسانٌة تشتمل فً آن معا على ثالثة أشٌاء ،فهً تعترف أخٌرا بحك اإلنسان فً
مواصلة البحث العلمً المائم على التجرٌب و العٌان " ،1ونلتمس هنا أن أركون ٌحبذ كل
نزعة لائمة على النظر و العلم و حب التجدٌد ز البحث العلمً .
وفً مإلفه أٌن هو الفكر اإلسالمً المعاصر ؟ ٌ ،ستشهد دمحم أركون بنصٌن لعلمٌن
إسالمٌٌن وهمـــــا :كتاب " فصل الممال وتمرٌر مابٌن الحكمــــــة و الشرٌعـــة من اتصال
2
" و " فصل التفرلة بٌن اإلسالم و الزندلة " لكل من ابن رشــد و الغزالً على التوالـــــً
و هذا بغرض " اإلشارة إلى مرحلة فائمة األهمٌة من مراحل الفكر اإلسالمً و التذكٌر بما
كان ٌتصف به هذا الفكر من التفوق العمالنً و اتساع العمل و مدى حرٌة البحث و اإلبداع
فً اإلشكالٌات المتصلة بالمضاٌا الدٌنٌة الحساسٌة ،ودرجة التسامح و اإللبال على
المناظرة ،واحترام شروط المناظرة بٌن األئمة المجتهدٌن ورفض الخلط بٌن العرض
العلمً للمضاٌا و موالف العالم و التمٌد بما ٌفرضه البرهان الساطع و الحجج الدامغة على
العمل ،ومتابعة البحث و االحتجاج على المستوى العلمً المحض دون االنحطاط إلى
مستوى الشتم و االفتراء و تحمٌل المناظر ما لم ٌفكر فٌه ولم ٌدعٌه ولم ٌنطك به لط ".3
و النموذجٌن المشار إلٌهما ٌدالن حسب أركون إلى ظاهرة المطٌعة مع الفكر الساءد و أطره
المعرفٌة و هذا ٌتضح أكثر من خالل عرضه لممتضٌات لكل منهما .
أوالٌ :مول الغزالً " :فؤما إن أردت أن تنتزغ هذه الحكمة من صدرن من هو فً
حالن ممن ال تحركه غواٌة الحسود وال تمٌده عماٌة التملٌد ،بل تعطشه إلى االستبصار
لحزازة إشكال أثارها ،فكر و هٌجها نظر ،فخاطب نفسن و صاحبن و طالبه بحد الكفر
1
-المصدر نفسه ،ص .91
2
-أنظر :دمحم أركون ،أٌن هو الفكر اإلسالمً المعاصر ؟ من فصل التفرلة إلى فصل الممال ،مصدر سابك ،ص .8
3
-المصدر نفسه ،ص .:
?<
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
فإن زعم أن حد الكفر ما ٌخالف مذهب األشعري أو مذهب المعتزلً أو مذهب الحنبلً أو
غٌرهم فاعلم أنه عر بلٌد ،لد لٌده التملٌد فهو أعمى من العمٌان .1"...
و النص الثانً البن رشد ٌمول " :إن كان فعل الفلسفة لٌس شٌئا أكثر من النظر فً
الموجودات إنما تدل على الصانع لمعرفة صنعتها ،وأنه كلما كانت المعرفة بصٌغتها أتم ،
كانت المعرفة بالصانع أتم و كان الشرع لد ندب إلى اعتبار الموجودات و حث على ذلن ،
فبٌن أن ما ٌدل علٌه هذا االسم إما واجب بالشرع و إما مندوب لــــه " ،2و الواضــح من
النصٌن الدعــــوة الملحة إلى إعمـــــال العمــــل و االستدالل و المٌاس و الرد و المعارضة
و التوفٌك بٌن العمل و النمل ممابل النزعات المتعالٌة الداعٌة إلى االنصهار فً الفكر
الدوغمائً الذي ٌنطك باسم الدٌن و ال غٌر الدٌن فٌه الحك .
إن كان دمحم أركون ٌشهد بازدهار العمر الكالسٌكً اإلسالمً و ٌستشهد بؤعالمه فهو
ٌرى أن العصر الالحك له و الذي كان نتٌجة للممع و المحاربة التً تعرضوا لها الفالسفة و
علماء ذلن العصر ،فكانت لطعٌة تامة مع علومه و فلسفته و عمالنٌة ،وكان المرجع إلى
العصر التؤسٌسً و إلى التفسٌرات األولى للوحً ،لذا ٌرى أركون " أن التراث الكالسٌكً
السكوالستٌكً التكراري كان لد سار فً الخط الفكري نفسه الذي اختطه الغزالً بعد المرآن
الخامس للهجرة و الحادي عشر المٌالدي ،وعندئذ تغلب الفمه على غٌره من العلوم
اإلسالمٌة ،وتاللت فٌه االهتمامات األخاللٌة و السٌاسٌة و المانونٌة بــعد أن تموضعت
ضمن منظور أخروي " ،3وهذا من خالل المضاء على كل نزعة عمالنٌة و ٌعتبر أركون "
الغزالً لد ساهم فً إعطاء األولوٌة لعلم الفمه و ذلن بتؤلٌف لكتاب المستصفً من علم
األصول الذي جاء فٌه ":و أشرف العلوم ما ازدوج فٌه العمل و السمع و اصطحب فٌه
الرأي و الشرع ،وعل م الفمه و أصوله من هذا المبٌل ،فإنه ٌؤخذ صفوف الشرع و العمل
1
-نمال عن :المصدر نفسه ،ص ;.
2
-نمال ،عن المصدر نفسه ،ص <.
3
-دمحم أركون ،اإلسالم ،األخالق و السٌاسة ،تر :هاشم صالح ،دار النهضة العربٌة ،بٌروت ،ط ،911> ،8ص @.89
@<
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
سواء التملٌد الذي ال ٌشهد له العمل بالتؤكٌد و التسدٌد ،وألجل شرف علم الفمه و سببه وفر
هللا دواعً الخلك على طلبه ،وكان العلماء بع أرفع مكانا ،وأجلهم شؤنا ،و أكثرهم إتباعا
و أعوانا " ،1فمد منع تداول العلوم العملٌة و تعلٌمها و التصر التدرٌس على الفمه و أصوله
كما هو عند المفسرٌن األوائل " الذٌن لننوا المجموعة النصٌة الرسمٌة و إغاللها نهائٌا ،
ثم تنصٌبها كمرجعٌة علٌا أصلٌة و تؤسٌسه لكل المشروعٌات ،ثم أبمٌت و حفظت بمنؤى
عن كل التساإالت النمدٌة بعد أن تم لبول المجموعة المشتركة لالعتماد باإلجماع ( )...و لد
أشرفت على تسٌٌر أمور هذه المجموعة النصٌة االعتمادٌة إما مإسسات التعلٌم كاألزهر و
ا لزٌتونة و المروٌٌن و لم ،و إما األولٌاء الصالحون المحلٌون (المرابطون) و فً كلتا
الحالتٌن حصلت لطٌعة مع المرحلة التعددٌة للفكر الكالسٌكً الذي شهد مناظرات خصبة
بٌن العمل و النمل ( )...و هكذا ورثنا إرثا ثمٌال من المستحٌل التفكٌر فٌه و الالمفكر فٌه".2
و بهذا ٌكون العمل المدرسً عمل تكراري متمولع على نفسه داخل إطار مذهب
أحادي خاص ٌ ،كتفً بالتملٌد و التكرار و العٌش و فك مسار جٌل سابك على عصرهم و
هذا ما أدى بالضرورة ألى استبعاد كل وافد أجنبً فكانت ردة الفعل اتجاه الحداثة األوربٌة
عنٌفة .
ٌحدد أركون فترة الفكر العربً المعاصر ابتدا ًء من المرن التاسع كما و أن سبك وأن
ذكرنا (أي ابتدا ًء من مرحلة النهضة ) إلى غاٌة الٌوم مرورا بالثورة المومٌة و الثورة
اإلسالمٌـــــة ،ففــً هـــــذه الفتــرة ورث " المذهب المدرسانً (السكوالستٌكً )
المفمــــــر أو اـــضعف جـــدا ،كما ورث الثمافات الشعبٌة المتكفئة على نفسها ،و المتجمدة
أو المتحجرة فً أشكالها اإلللٌمٌة أو الطائفٌة" ،3فالفكر النهضوي ولد فً بٌئة كانت لد
أغلمت النظر العملً فً النصوص الدٌنٌة و اعتبرته كفرا وزندلة و حافظ على رتابة الفكر
1
-المصدر نفسه ،ص 8:1
2
-دمحم أركون ،الفكر األصولً و استحالة التؤصٌل ،مصدر سابك ،ص ;=.8
3
-دمحم أركون ،الفكر األصولً و إستحالة التؤصٌل ،مصدر سابك ،ص .:;:
=1
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
الدٌنً و سكونه منذ الخامس و هذا ما أولعه فً ال تارٌخٌة فمد تخلى عن حك المراءة
النمدٌة الفاحصة ،و انغمس فً التملٌد للمعرفة المتراكمة عبر لرون االنغالق الناتجة عن "
شبكة معمدة لجدلٌة السلطة و المعرفة " .1
إن عدم جدوى الفكر اإلسالمً المعاصر ٌرجعها أركون إلى فمدانه لحموق المراءة
النمدٌة و العمالنٌة لمنتوجه المعرفً ،بل هو فكر بدون تؤسٌس و ال إعادة تؤسٌس ،بما أنه
ٌنطلك من ٌمٌنٌات غٌر ممحصة ،وٌسٌر فً طرٌك تبجٌلها ،ومن الجلً أن افتماد العمل
اإلسالمً المعاصر لمٌزة العمالنٌــــة لد أدى إلى صراع و حرب الكل ضد الكــــــــــــــل ،
و االستغالل اإلٌدٌولوجً ومن ثم تحول وظٌفة االجتهاد إلى النضال الخطابً و السٌاسً
الالمجددٌن " .2
فاألزمة الفكرٌة المعاصرة هً ما دفعت دمحم أركون إلى شخصٌة للعمل اإلسالمً منذ
مرحلة التشكل و التؤسٌس أي مرحلة نزول المرآن إلى ما هو علٌه الٌوم ،فتحرٌر العمل
اإلسالمً ال ٌمكن أن ٌحصل ما لم " تمم بتفكٌن جذري لماضً كل أمة أو كل طائفة دٌنٌة
من أجل فهمه و إعادة تمٌٌمه من جدٌد " .3
ٌبدأ أركون من حٌث ٌجب أن ٌبدأ بالفكر اإلسالمً المعاصر ،فالخطابات اإلسالمٌة
حسبه" ذائع و منشر أكثر من أي ولت مضى ،ووفرته و تكاثره و انتشاره الواسع كانت لد
أدت فً ولت لصٌر إلى غلبة الشخصٌة الجماعٌة على الشخصٌة الفردٌة" 4إذ أنها تكرس
روح االنتماء إلى الجماعة و النطك باسم المومٌة فً حٌن غٌبت الفردٌة و ٌستشهد بؤحد
مإلفٌن المصرٌٌن وهو أنور الجندي و من خالل مإلفه " اإلسالم و الدعوات الهدامة "
بحٌث ٌتحدث صاحب الكتاب عن أبرز معطٌات اإلسالم و هً لدرته على معاٌشة
الحضارات و الثمافات المختلفة ،واستمراره فً مختلف األزمنة و البٌئات ،فهو لادر على
إجراء حركة التصحٌح من داخله ،ورد الشبهات و مماومتها ،ومحافظة الدائمة على طابعه
1
-عبد المجٌد خلٌمً و أخرون ،لراءات فً مشروع أركون الفكري ،ص ;>.
2
-بوحناش نور ،اإلجتهاد و جدل الحداثة ،منشورات اإلختالف ،الجزائر ،ط ،918= ،8ص @?.
3
-دمحم أركون ،من اإلجتهاد إلى نمد العمل الدٌنً ،مصدر سابك ،ص <.99
4
- -دمحم أركون ،تارٌخٌة الفكر ،تر :هاشم صالح ،دار االنماء لومً ،لبنان ،ط ،8@@9 ،9ص ?.88
=8
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
اإلنسانً و أصله الربانً وإن مٌزة اإلسالم فً شموله و تكامله أنه جمع بٌن الحرٌـــــــات
و الضوابط ،وبٌن الفردٌة و الجماعٌة ،و بٌن العلم والدٌن ،وبٌن العمالنٌة و الوجدان ،
وبٌن الروح و المادة ،وبٌن الوحً و العمل ،وبٌن الدنٌـــا و اآلخـرة ،وبٌـــــــــن الغــٌب
و الشهادة ،وبٌن الثبات و التطور ،وبٌن الماضً و الحاضر ،وبٌن المحافظة و التجدد".1
وهذا ما ٌدعوه دمحم أركون بالخطاب االستبدادي و المنالض ألبسط الحمائك العلمٌة ،
وٌكرس لنفس الفرضٌات و نفس التصورات و اعتمادات التً تفرض نفسها على الجمٌع
لكً تشكل خطابا اجتماعٌا ضخما ،فهً مسؤلة خطاب جماعً اجتماعً ،و لٌست مسؤلة
الخطاب فردي شخصً.
2
،وهما نوذج كما ٌشٌر أركون إلى نموذجٌن آخرٌن فً الفكر العربً المعاصر
الخوئي * و نموذج شحرور ،من خالل مإلفهما على التوالً " :الكتـــــــاب و المـــرآن "
و " ممدمة للمرآن " "،فكتاب دمحم شحرور ٌمثل نموذج الكتابة األسطورٌة التً تستخدم
بعض المماطع المتبعثرة من معرفة العلمٌة المعاصرة ..بهدف إعادة تمٌٌم الصحة
اإللهٌـــــــــــــة و الصالحٌة الكونٌة للمرآن بصفته كتاب الوحً مستبعدا إمكانٌة مساءلة
الوحً و أشكاله".3
و سٌحصر أركون نموذجا ثانٌا لهذه الكتابة األسطورٌة التً تلغً التارٌخٌة و تمر
اإلطاللٌة و التعالً إذ ٌمول الخوئً فٌه " ٌجب على كل مسلم عالم كان أم غٌر عالم أن
ٌسعى إلى فهم المرآن ،فهو الكتاب الذي ٌضمن السالم و السعادة و النظام ،كما إنه مرجع
لكل علم اء اللغة و المعاجم و مستند أعلى للفمٌه المجتهد ،ومعلم للواعظ المبشر ،منه
اشتمت العلوم االجتماعٌة و مبادئ اإلرادة العامة للدولة ،وعلٌه ترتكز العلوم الدٌنٌة على
ضوء هداٌته اكتشفت أسرار الكون و لوانٌن الطبٌعة إنه المعجزة الخالدة للدٌن الخالد " .4
1
-المصدر نفسه ،ص .89:
2
-المصدر نفسه ،ص .89:
* ابو لاسم الخوئً ، ) 8@@9-8?@@( ،مرجع دٌنً شٌعً ،فً النجف ( ،أنظر بوح ناش االجتهاد و الجدل و الحداثة ،ص ;?).
3
-عبد المجٌد خلٌمً و آخرون ،لراءة فً النص الدٌنً ،مرجع سابك ،ص <>.
4
-نمال عن :المرجع نفسه ،ص <> .
=9
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
و من خالل النماذج السابمة ٌبرهن أركــــون على ال تارٌخٌـــة هذا الفكـــر و ٌمتــرح
" المطٌعة المعرفٌة لٌنتمل من مرحلة اإلنتاج المٌثولوجً و االستهالن المخٌـــالً للمعانً
إلى مرحلة الربط بٌن المعانً و التارٌخٌة فً كل ما ٌطرحه و ٌعالجه من مشـــاكل
1
دٌنٌــــــــــة أو الهوتٌة أو فلسفٌة أو سٌاسٌة أو ثمافٌة "
المارئ و المتتبع ألعمال دمحم أركون ٌالحظ و للوهلة األولى إعجابه و تؤثره بالفكر
الغربً ،فال ٌكاد أي صفحة من مإلفاته تخلو من استشهادات سواء بمستشرلٌن أو بمفكرٌن
و فالسفة هاموا فً الحداثة الغربٌة و بهذا هو ال ٌخفً تؤثره إال أنه واصل مسٌرة نمده
لتشمل العمل األنواري فهو و المول ألركون " عمل شدٌد الثمة بذاته فً حٌن أن هٌمنته
المادٌة ،التكنولوجٌة لد رمت بكل اعتبار أخاللً فً ما هو بال و لدٌم و عدٌم النفع "،2
وهذا ٌثبته الوالع الغربً المزري ،بحٌث ساد الفراغ الروحً و طغت المادة على جمٌع
الجوانب الحٌاتٌة ،فالفرد األوروبً و إن حمك الرفاه و العٌش الرغٌد افتمد إلى الطمؤنٌنة
النفسٌة باستالب اإلنسانٌة منه ،ذلن ألن األفراد أصبحوا " خاضعٌن للمٌود االلتصادٌة و
االجتماعٌة و السٌاسٌة التً تتزاٌد لسوة ،وتلعب الحداثة المادٌة هنا دورا مخربا ،إنها
تفرض على األكثرٌن تواضعا لواعدها االستهالكٌة " ،3فاإلنسان الحداثً كما سبمنا الذكر
ذو بعد واحد وهو البعد المادي االستهالكً .
ٌضمن أركون نمده للعمل األنواري نمده للخطاب االستشرالً أو كما ٌصطلح علٌها
اإلسالمٌات الكالسٌكٌة ،فهو ٌمول فً إحدى نصوصه " أتمنى أن تتسنح لً الفرصة
للتعبٌر عن اعتراضً لهم بالفصل" ،4فهو ٌرى أن المستشرلٌن أتاحوا دراسات لٌمة حول
تارٌخ الفكر اإلسالمً فهم أول من تعرضوا له بالدراسة و لكنه ٌعٌب " نزعتهم اإلختزالٌة
1
-دمحم أركون ،أٌن هو الفكر اإلسالمً ؟ ،مصدر سابك ،ص ;.
2
-دمحم أركون ،نافذة على اإلسالم ،مصدر سابك ،ص @.98
3
-المصدر نفسه ،ص ;.98
4
-دمحم أركون نمال عن :فارح مسرحً ،الحداثة فً فكر دمحم أركون ،مرجع سابك ،ص @@.
=:
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
اإلنتمائٌة فً دراستهم للتراث ( )...و هذا ما ٌإدي إلى إهمال جوانب مهمة من التراث
اإلسالمً ،كالتراث الشفهً الخاص بالشعوب اإلسالمٌة التً ال تملن الكتابة " ،1إذ أهتم
المستشرلون بالنصوص الكبرى فً الفكر اإلسالمً و أهملوا التراث الشفهً و الشعائر
الدٌنٌة.
فدمحم أركون ٌإكد على نجاحات العمل األنواري ،فمد حرر العمل من هٌمنة الالهوت
الدوغمائً المدٌم فً حٌن ٌموم بعودة نمدٌة على هذا العمل ذلن ألنه على الرغم من عظمته
ٌظل محدودا فهو لٌس مطلما كما توهم الخطابات الحداثٌة الغربٌة ،فٌدعونا بذلن أن نمٌز
بٌن إٌجابٌات األنوار و سلبً
1
-المرجع نفسه ،ص .811
;=
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
دمحم أركون وفً إطار بحثه عن بدٌل ٌعمل على تحرير الفكر اإلسالمً و ٌخرجه من
سٌاج الدوغمائٌة التً أسهمت فً ترسٌخها العمل األرثوذوكسً الذي ٌعتمد على المراءة
السكونٌة للخطاب الدٌنً و باألخص النص المرآنً و السنة النبوٌة ،وهذا البدٌل ما أسماه
باإلسالمٌات التطبٌمٌة " كمناهض لإلسالمٌات الكالسٌكٌة باعتبارها خطابا غربٌا حول
اإلسالم " ،1فما الذي نعنٌه باإلسالمٌات التطبٌمٌة ٌتساءل أركون فً مإلفه تارٌخٌة الفكر
العربً ،و ٌجٌب حول التسمٌة " استوحٌنا هذه التسمٌة مـــن كتـــاب صغٌــر لروجٌه
باستٌد :األنتروبولوجٌا التطبٌمٌة ".2
إن اإلسالميات التطبيقية " كعلم أرادها أركون أن تزاوج بٌن األداة و الغاٌة فهً
تعطً لألداة العلمٌة و المعرفٌة حمها من الدراسة حتى تصل إلى الهدف المنشود كما تتطور
و تتغٌر و فك ممتضٌات و معطٌات و خصوصٌات الحالة االجتماعٌة و الثمافٌة لكل بٌئة ،
و هو بهذا ٌرفض الدراسة التً تؤتً من خارج البٌئة المراد دراستها ،وهذا التوجه ٌجب
أن ال ٌفهم فهما عنصرٌا بمدر ما ٌجب أن ٌفهم على أنه نصف العالج ،فتشخٌص الداء ال
ٌكون إال من أهل االختصاص و الدارٌن بؤحوال المجتمع ( )...فاإلسالمٌات التطبٌمٌة تعمل
على فهم الحاضر ،انطاللا من الماضً من خالل العلم " ،3فألجل الحاضر و مستجداته
ٌجب العودة إلى الماضً ،ماضً الشعوب اإلسالمٌة من خالل النصوص سواء أكانت
تؤسٌسه أو ثوان ،و ذلن لما له عاللة بٌن الفكرٌن ،الفكر اإلسالمً المدٌم و الحدٌث ،إذ لم
ٌتحرر هذا األخٌر من سلطة النموذج السلفً .
و بهذا المعنى ٌكون المشروع األركوني " لد أصبح ملحا األن نظرا لتدهور التمدٌس
و شٌوع أشكال مستنفذة من فهمه و ممارسته فً كل أنحاء العالم اإلسالمً ،و للتعالً
تنزٌهه و سموه ،إال بعد وضع التجربة التٌولوجٌة اإلسالمٌة على محن النمد التارٌخً
1
-عبد الغنً بارة ،الهٌرمونٌطٌما و الفلسفة ،نحو مشروع عمل تؤوٌلً ،منشورات االختالف ،الجزائر ،ط ،911? ،8ص =;<.
2
-دمحم أركون ،تارٌخٌة الفكر العربً ،مصدر سابك ،ص <>.9
3
-شاشو دمحم ،اإلسالمٌات التطبٌمٌة فً فكر دمحم أركون ،مرجع سابك ،ص @= ،ص .>8
<=
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
الصارم ،عندئذ ٌتبٌن الخٌط األبٌض من الخٌط األسود" ،1أي أ ،الفكر العربً المعاصر
ٌرى فً االجتهادات الكالسكٌة لد استنفذت كل األحكام و لد أسدل الستار على النظر فً
المرآن و السنة ،بحٌث أصبحت لوانٌن ثابتة عمل بها السلف و علٌنا حك العمل بها دون
منالشة و ذلن للمكانٌة التً و ضعت فٌها فهً ممدسة منزهة عن الخطؤ ،فلذا على
اإلسالمٌات التطبٌمٌة أن تعمل عملها هنا لنزع هالة التمدٌس و إخضاع كل التراث اإلسالمً
إلى محن النمد التارٌخً و األنتروبولوجً و اللسانً و حل مناهج العلوم اإلنسانٌة
المعاصرة .
1
-هاشم صالح ،أنظر ،علً هامش ،دمحم أركون ،من اإلجتهاد إلى نمد العمل اإلسالمً ،مصدر سابك ،ص ?.
2
-دمحم أركون ،تارٌخٌة الفكر العربً اإلسالمً ،مصدر سابك ،ص =<.
==
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
اإلسالميات التطبيقية هً " ممارسة علمٌة متعددة االختصاصات ،وهذا ناتج عن
اهتمامات المعاصرة ( )...و المتطلبات الخاصة بموضوع دراستها " ،1فهً من جهة
تعاصر نجاحات الفكر المعاصرة فً حٌن تنشد إلى والع المجتمعات اإلسالمٌة فهً ال
تهدف إلى " إرضاء متطلبات الفكر المعاصر فحسب ،إنما هً فً ولت نفسه تجٌب
بالضبط على الحاجات العلمٌة الراهنة للفكر اإلسالمً " ،2هذا األخٌر الذي ٌعانً من
تدهور ٌمر به هو نفسه بالمٌاس مع فكر سلفه ( العصر الكالسٌكً ) إضافة إلى ذلن
مدخالت أجنبٌة غربٌة عنه غربته عن زمنكانه.
ٌنبغً و المول ألركون " أن ٌستٌمظ المسلمون و أن ٌفتحوا عٌونهم ،أن ٌمرإوا المرآن
بعٌون جدٌدة أن ٌتموضعوا فً عصره و بٌئته لكً ٌفهموه على حمٌمته ،وعندئذ ال ٌعودون
ٌسمطون علٌه أفكار عصرهم وهمومه أو نظرٌاته و إٌدٌولوجٌاته ( )...المرآن ،أوال و لبل
كل شًء خطاب دٌنً ٌتحدث ببالغة عالٌة عن موضوعات أساسٌة تخص البشر أٌنــما
كانوا ،كالحٌاة و الموت ،واآلخرة و العمل الصالح ،و العدل و حب الجار ....وفٌه مبادئ
أخاللٌة ذات طابع كونً " ،3و من خالل لراءة جدٌدة منفتحة على أفاق العصر تفشً ما
أُضمر عبر التارٌخ نحًٌ الدٌن ذلن أن " الدٌن الذي بٌن أٌدٌنا لٌس منزها عن العٌب ،فهو
اآلخر احتمل فً مسار الزمن الكثٌر من سمات التخلف التً طبعت حٌاة حاملٌه ،وال بد
إذن من النظر النمدي فً هذه النسخة من الدٌن الستبعاد كل ما ٌمٌت الهمم ،وما ٌتعارض
و ضرورات النهوض ،وهذا ال ٌنتمص من شؤن الدٌن الحنٌف ،بل أراه جوهر فكرة
التجدٌد فً الدٌن التً تروى عند سٌد المرسلٌن ،فمعنى التجدٌد فٌما أظن هو استفادة من
لٌود االرتهان إلى الوالع الخاص بحاملٌه ".4
1
-المصدر نفسه ،ص ><.
2
-المصدر نفسه ،ص ?<.
3
-دمحم أركون ،لضاٌا فً نمد العمل الدٌنً ،كٌف نفهم اإلسالم الٌوم ؟ ،مصدر سابك ،ص ،ص <?. 9?= ، 9
4
-توفٌك السٌف ،الحداثة كحاجة دٌنٌة ،الدار العربٌة للعلوم ،لبنان ،ط ،911= ، 8ص .=1
>=
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
ٌحدد أركون مهاما لمشروع " اإلسالمٌات التطبٌمٌة " و ٌتجلى فً الهدف الذي ٌسعى
إلٌه من خالل نمده للعمل اإلسالمً و هذا ما نستشفه فً جل مإلفاته ،فهً لبل كل شًء
إستراتجٌة مناهضة للفكر االستشرالً أو ما ٌسمٌه " باإلسالمٌات الكالسٌكٌة التً كانت لد
ولدت فً المرن التاسع عشر فً فرنسا على وجه الخصوص ( )...كلنا ٌعلم أن كتابات
غزٌرة لد تركزت فً ذلن الولت حول اإلسالم و المجتمعات اإلسالمٌة ،لام بهذه الكتابات
أو الدراسات عسكرٌون و إدارٌون كولونٌالٌون و مبشرون و أساتذة جامعٌون ،مهما تكن
المٌمة التثمٌفٌة لهذه الكتابات فإنها تبمى مع ذلن تعكس جهد نظرة خارجٌة ورإٌتها إنها فوق
ذلن متؤثر بنزعة عرلٌة مركزٌة مإكدة ()...وهذه الدراسات الجامعة تسبح فً المحٌط العام
لهذه العرلٌة المركزٌة ،ذلن أن تفسٌراتها و تحلٌالتها تعكس فً الغالب رإٌة سلبٌــة
لإلسالم " ،1ونظرا لما تعانٌه المجتمعات اإلسالمٌة من تخلف ممابل التمدم فً العالم الغربً
وٌنتج بالضرورة هٌمنة األلوى على الضعٌف ،إن اإلسالمٌات التطبٌمٌة والمول الموثمة
ألركون "ترٌد أن تنمص هذه الهٌمنة ذلن أن مهمتها ال تتخلص فمط فً إنتاج الدراسات
الموثمة والمحممة كما كان االستشراف لد فعل سابما و إنما ترٌد هً أٌضا أن تؤخذ على
عاتمها مهمة طرح المشاكل الفعلٌة التً تعانً منها المجتمعات اإلسالمٌة ثم محاولة حلها
والسٌطر ة علٌها من لبل المسار العلمً والمنهجٌة العلمٌة ".2
هذا من جهة ومن جهة أخرى "ترٌد التموضع داخل هذه المجتمعات اإلسالمٌة لكً
تتعرف علً مشاكلها المدٌمة والحدٌثة ( )...وتساهم فً اغناء البحث العلمً كما هو
ممارس الٌوم فً شتى البٌئات الثمافٌة مع تحمٌمهـــا لكل شروطه ومتطلباتــــه النظرٌــــــــة
،إن الباحث المتخصص فً مجال اإلسالمٌات التطبٌمٌة ٌنبغً علٌه أن ٌبمى مشدود إلى
ومنخرطا تماما فً الحمٌمة الوالعٌة المعاشة للمجتمعات اإلسالمٌة لكً ٌستطٌع أن ٌتحدث
1
-دمحم أركون ،تارٌخٌة الفكر العربً اإلسالمً ،مصدر سابك ،ص =>.9
2
-المصدر نفسه ،ص =>.9
?=
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
ٌتكلف به المشرق الذي عمد المراءة الفٌلولوجٌة وٌدعً المسإولٌة " 1وهذا ما لم
للنصوص الدٌنٌة وذلن من نظرة مسبمة مرجعٌتها األنا المتفوق واألخر الدونً.
إن 'أركون ' فً نمد للخطاب االستشرالً الذي شكل مجال معرفً متمحور حول
النصوص الدٌنٌة والذي امتنع فً الحمٌمة عن الوالع وغض النظر عنا المشاكل المعاشة ال
ٌنفً تواطإ الخطابات اإلسالمٌة حتى تكدٌس طبمات النسٌان علً الالمفكر فٌه وهذا ال
ٌعنً بؤن الخطابات اإلسالمٌة تنجح أكثر من االستشراف فً تحلٌل الوالع وتفسٌره كذلن
هً تكدس التشكالت والمعارف اإلٌدٌولوجٌة التً لم تحظ حتى اآلن بؤٌة دراسة علمٌة
مطابمة و دلٌمة ،فاالستشراق تماما الخطابات اإلسالمٌة استشفى نصوص و همشها فً
حٌن أعطى األولوٌة للنصوص الكبرى التً تعمدت العمل اإلسالمً إبرازها خالل تارٌخٌة
و ذلن من خالل تغٌبه لحركات و نصوص كادت أن تغٌر منحى الفكر اإلسالمً العربً.
1
-المصدر نفسه ،ص .9>9
2
-هاشم صالح ،أنظر على :هامش ،دمحم أركون ،من االجتهاد إلى نمد العمل اإلسالمً ،مصدر سابك ،ص ?.
3
-المصدر نفسه ،ص ?.
4
-تارٌخٌة الفكر اإلسالمً ،مصدر سابك ،ص =<.
@=
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
1
،التً لدست حتى الفترة المعاصرة و التً كانت مسمط رأس التفسٌرات و المراءات
العمل األرثوذكسً المشكل للتخلف المتؤزم للفكر اإلسالمً المعاصر و للمجتمعات العربٌة
و اإلسالمٌة و هذا لن ٌتم إال بالمساءلة و التمحٌص و الخضوع لمختلف المناهج المعاصرة
و التً ٌراها أركون السبب الكامن وراء التطور الغربً .
إذن ٌسعى أركون من خالل إسالم تطبٌمً " إلى إرساء دعائم العمل النمدي فً لراءة
التراث األصولً و التفسٌري فً الثمافة العربٌة ،حٌث ٌرى بؤن علماء التفسٌر عملوا على
استعمال المرآن الكرٌم لتحمٌك دعاواهم ،ولٌس بمصد استكناه مكنونه ،فهم بصنٌعهم هذا
ٌكونوا لد أغلموا باب االجتهاد لمن ٌؤتً بعدهم ،و اعتبروا نصوصهم هً الواسطة بٌن
الباحثٌن و المرآن الكرٌم الذي ٌتجاوز صفة الثبات" ،2فهو فً لول أركون " و فً اللحظة
األولٌة التً ظهر فٌها نجد أن كل شًء فٌه متحرن و متموج و مفتـــوح و ملًء
باإلحتماالت ،نجد أن اللغة و الفكر آنذان ( )...مرتبطان بشكل مباشر بالوالع المعــــاش ،
و أما عندما ننتمل إلــى التفاسٌر التً أنتجت فً الفتـــرة الكالسٌكٌــــة أو السكوالستٌكٌـــة
أو الراهنة فإننا نجد المفسرٌن ٌعالجون مموالت و مبادئ و تشكٌالت و تصورات ذات
أصول متنوعة و مختلفة ،وهم ٌربطون هذه المموالت و التصورات التً تنتمً إلى أزمان
أخرى باآلٌات المرآنٌة التً تصبح عندئذ حجة و ذرٌعة ٌمـــــول المفسرون من خاللهــــــا
ما ٌرٌدون لوله ال ما ترٌد هً أن تموله ،وٌحملونها ما ال تحتمل " ، 3وبهذا ٌرى أركون
أن تحرٌر الفكر من لٌود التفاسٌر الكالسٌكٌة لن ٌتم إال بتعرضه للمناهج العلوم اإلنسانٌة
بالكشف عن تارٌخٌتها وعن المغٌب و الالمفكر فٌه و ما أودع للهامش و ذلن بإرادة مرٌــد
و لدرة لادر .
من خالل هذا ٌمكننا المول بؤن المهمـــة النهائٌة هو خلك ظروف مالئمة لممارســـــة
فكـــر إسالمً معاصر متحرر من كل التابـوهات و المحرمات و الممدســـات ومن
المٌثولوجٌات و متحررا من اإلٌدٌولوجٌات و األفكار األصولٌة الدغمائٌة فهً تنطلك من
1
-نورة بوحناش ،االجتهاد و جدل الحداثة ،مرجع سابك ،ص =?.
2
-عبد الغنً بارة ،الهرمٌنوطٌما و الفلسفة ،نحو مشروع عمل تؤوٌلً ،مرجع سابك ،ص .<;9
3
-دمحم أركون ،تارٌخٌة الفكر العربً اإلسالمً ،مصدر سابك ،ص ص =.8>-8
>1
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
المشاكل الحاضرة و المعاشة من طرف المجتمعات اإلسالمٌة و تعود إلى األصل للكشف
عن الالمفكر فٌه و المستحٌل التفكٌر فٌه خالل مراحل تشكل العمل اإلسالمً إبتداءا من
النصوص األولى " المرآن و السنة ".
وفً لراءته للنص الدٌنً ٌستخدم دمحم أركون مجموعة من مناهج العلوم اإلنسانٌة الغربٌة
منها نذكر :
1
-نصر حامد أبو زٌد ،النص و السلطة و الحمٌمة ،المركز الثمافً العربً ،المغرب ،ط ; .9111 ،
2
-دمحم أركون ،أٌن هو الفكر اإلسالمً المعاصر ،مصدر سابك ،ص .:
3
-دمحم أركون ،نافذة على اإلسالم ،مصدر سابك ،ص .>1
>8
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
التحلٌل األلسنً للمرآن عند دمحم أركون ٌموم على عدة مستوٌات " المستوى األول هو
التحلٌل النحوي أو المواعدي حٌث ٌهتم بدراسة صائغات الخطاب و مشكالته ،كشبكة
الضمائر و العاللات فٌما بٌنهما ،و األسماء و األفعال و النظم و اإلٌماع ،وهً ضرورٌة
فً لراءة النص المرآنً ألنها هً التً تفسر آلٌات االشتغال النحوٌة ،ثالثة جوانب كبرى
فً الخطاب المرآنً وهً تركٌبٌته المجازٌة ،وبنٌته السٌمٌائٌة أو الداللٌة " ،1أما المستوى
2
الثانً فهو استكشاف البنٌة الداللٌة النموذجٌة المحددة للمعنى الشمولً للخطاب المرآنً "
إذ ٌسعى التحلٌل السٌمٌائً إلى الكشف عن الزٌف و التالعب الذي طرأ على النص بعٌنه
توجٌهه لمصلحة معٌنة و سلطة أرادت لهذا المعنى التثبٌت و التمدٌس حفاظا على أوضــاع
و مصالح .
فحسب دمحم أركون و غٌره ممن أرادوا دراسة المرآن دراسة لسانٌة تزامنٌة ،أرادوا
بعث الحٌاة فً النص المرآنً لتحمٌك معاصرة اإلسالم لنا كدٌن منفتح إلصالح حال األمم
العربٌة و اإلسالمٌة .
ولكن هل ٌعنً أن المنهج اللسانً غربً عن العرب والمسلمٌن ،فهل العلماء المسلمٌن
أهملوا التحلٌل االلسنً فً تفاسٌر هم للنص الدٌنً ؟ .
طبعا البد من إشارة والتؤكٌد على أن علماء العربٌة وعلماء اإلسالم إن لم ٌستخدموا
مصطلح "اللسانٌات " فمد كانت لدٌهم بحوث لغوٌة ودرسوا المرآن والسنة النبوٌة فً ضوء
البحث اللسانً .3
ٌتعلك األمر هنا بربط النص الدٌنً -المرآن و السنة – بمجاله التارٌخً و إلى
الظروف السٌاسٌة و االلتصادٌة و الثمافٌة و كذا االجتماعٌة ،إذ ٌإكد 'دمحم أركون' فً جل
1
-عبد المجٌد خلٌمً و آخرون ،لراءات فً مشروع دمحم أركون ،مرجع سابك ،ص <.88
2
-مرجع نفسه ،ص ?.88
3
-أنظر مرزوق العمري ،مرجع سابك ،ص ><;.
>9
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
مإلفاته على ضرورة العودة إلً التراث ولراءته عبر مناهج العلوم الحدٌثة إلعادة بعث
الحٌاة فٌه ،فٌلح على اآللٌة التارٌخٌة أو المنهج التارٌخً كؤداة لسٌر أغوار الماضً
اإلسالمً منذ اللحظة المرآنٌة ،و هذا ما أكد علٌه المفكر المغربً دمحم عابــد الجابري من
خالل محاولته لمراءة التراث لراءة إبستمولوجٌة بحٌث " ٌذهــب أن التحلٌل التارٌخً هو
مخبرنا الذي نمٌس به النتائج ( )...فنرجع إلى التارٌخ فً كلٌته السابك و الالحك ،و ٌهمنا
أن نجد فً تسٌره العام الشواهد التً تكشف عن هذه الموانٌن و األطروحة التــــً
نستخلصها " ،1فبالعودة إلى التراث و الكشـــــف عن حٌثٌاته الحمٌمٌـــة ٌتٌح لنـــا الكشف
عن ما لم ٌفكر فٌه و عن مكنون الثراث الذي توارت علٌه األزمان و حجب تحت ظالم
سلطة ما ،و النمد و التحلٌل هنا لٌس معناه التسفٌه بل " إننا نخضع المرآن لمحن النمد
التارٌخً ( )...فإننا نؤمل أن نسهم فً الولت نفسه بتجدٌد الفكر اإلسالمً " . 2
التجدٌد هو الغاٌة الموجودة من العودة بالنصوص إلى تارٌخها و ذلن بعد الكشف عن
الروابط التً تربط النص بالمصلحة اإلٌدٌولوجٌة الفردٌة أو الجماعٌة و البحث عن دور
السلطة السٌاسٌة فً التحوٌل لهذه المصالح نحو وجهة ممصودة ،أي أنها تكشف عن جدلٌة
3
عبـــر التارٌخ اإلسالمً فهً بذلن تختلف عن عملٌــــة التؤرٌـــخ ألن السلطة و المعرفة
" المماربة التارٌخٌة مماربة عصرٌة بالتمنٌات و االهتمامات و األسئلة العصرٌة التً نلمٌها
على أنفسنا ،أي لٌس التارٌخ سرد حوادث أو نسخ ما روي و ما لٌل ،وإنما هو نمد للتراث
و للمعطٌات التارٌخٌة و للمادة التارٌخٌة ".4
تسمح لنا باإلحاطة بمالب سات الفكر اإلسالمً و هذا ما سماه " دمحم الطالبً بالمراءة
المماصدٌة و هً المراءة التً تحاول فهم النص و تمثله فً ظروف نزوله أوال ثم لراءته
لراءة تارٌخٌة إنسانٌة ثانٌا " ،5أي أنسنة الخطاب المرآنً و النبوي و رفع التمدٌس حتى
1
-علً رحومة ،سحبون ،إشكالٌة التراث و الحداثة فً الفكر العربً المعاصر ،مرجع سابك ،ص >=.8
2
-دمحم أركون ،تارٌخٌة الفكر اإلسالمً ،مصدر سابك ،ص =<.
3
-أنظر ،علً هامش ،نورة بوخناش ،اإلجتهاد و جدل الحداثة ،مرجع سابك ،ص ??.
4
-دمحم الطالبً ،نمال عن :فارح مسرحً ،الحداثة فً فكر دمحم أركون ،مرجع سابك ،ص ;.88
5
-عبد المجٌد خلٌمً و آخرون ،لراءات فً مشروع أركون الفكري ،مرجع سابك ،ص .9:
>:
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
عن الفكر اإلسالمً من مذاهب و تفسٌرات التً تسمح لنا بالكشف الالمفكر فٌه و عن الفئة
التً همشت بفعل فاعل .
ٌتسلح دمحم أركون بمنهج آخر ال ٌمل أهمٌة عن بالً مناهج العلوم اإلنسانٌة و هو
المنهج األنتروبولوجً " الذي ٌرمً إلى نزع هالة التمدٌس على النص الدٌنً ،و الكشف
عن النصوص التً صفّت على الهامش ،و دراسة كل ما أنتجه اإلنسان المسلم ،وبذلن
ٌتجاوز المفكر فٌه إلى الالمفكر فٌه و المستحٌل التفكٌر ،فتنكشف مبطنات الفكر اإلسالمً
و التً و ضعت على هامش التفكٌر " فالنمد بالمعنى اإلنتروبولوجً كما ٌمارسه أركون فً
دراسة المجتمعات اإلسالمٌة ٌنطلك من البحث فً نمط العاللة الكامنة بٌن الموى المركزٌة
من جهة ،ولوى الهوامش أو األطراف من جهة ثانٌة ،فٌجد أنها عاللة ذات طابع جدلً ،
إنه ٌلفت االنتباه إلى التضاد بٌن تشكٌلة الدولة و الكتابات الممدسة ،و النخب المتعلمة ،و
الثمافٌة المتمثلة باألرثوذكسٌة الدٌنٌة ،من جهة و بٌن المجتمعات المبلٌة المجزأة التً
اعتمدت على التراث الشفهً و التً أنتجت ثمافة شعبٌة ".1
فاألنثروبولوجٌا هنا تهتم بالجانب الشفهً من التراث إضافة إلى الرموز الدٌنٌـــــــــة
و ال طموس و الشعائر و كذلن بالجانب المخٌالً و ٌضاف إلٌها " عدم اختصار المجتمعات
اإلسالمٌة بكلمة إسالم أو الشرق اإلسالمً ،كما ٌفعل المستشرق التملٌدي ،ألن هنان فئات
عرلٌة – ثمافٌة متنوعة و مختلفة إلى حد ٌعٌد كالعرب مثال و البربر و األكراد و اإلٌرانٌٌن
و غٌرهم " ،2فالتحلٌل األنثروبولوجً " ٌخلع نوعا من العملنة على رإٌا شعبوٌة أسطورٌة
تشٌعها فً أوساط الجماهٌر و توهمها األدبٌات اآلخروٌة" .3
1
-ناٌلة أبً نادر ،التراث و المنهج ،بٌن أركون و الجابري ،مرجع سابك ،ص @;.
2
-المرجع نفسه ،ص @;.
3
-دمحم أركون ،اإلسالم و األخالق ،و السٌاسة ،مصدر سابك ،ص @.89
;>
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
وذلن حسبه أن " المشروع شدٌد الجدة وشدٌد التعمٌد إلى حد أنه ٌتعذر انجازه تماما
2
وهذا ما ٌعنى أن دمحم أركون ٌزعم أنه السباق إلى هذا المشروع، منذ المحاوالت األول "
فهذا األخٌر ٌنفرد باستخدامه لمناهج علوم اإلنسان المختلفة ورغم ذلن " ال ٌزال طوباوٌا
حتى اآلن ،أي أنه بدون لاعدة سوسٌولوجٌة عرٌضة وبدون جماهٌر " ،3وذلن لنفور
الجمهور اإلسالمً من كل محاولة إلعادة لراءة المرآن أو حتى النصوص التراثٌة
التفسٌرٌة ،و ذلن بسبب هٌمنتة الخطاب األصولً المعتمد على " سٌاسة التترٌث " .4
رغم إسهاب التنظٌر األركوني حول نمد العمل اإلسالمً واإلسالمٌات التطبٌمٌة إال أنه
محدود " بموة الرلابة والضبط اإلٌدٌولوجً الذي تمارسه األنظمة السٌاسٌة الحالٌة على كل
بحث علمً ٌخص اإلسالم و مشاكله هً اآلن أشد و ألسى مما كانت علٌه فً أي ولت
مضى ،وذلن ألن األنظمة السٌاسٌة الراهنة تمتلن وسائل فً الضبط والمســــر تفــــوق
ما شهدناه فً زمن السلطات أو زمن اإلمارات ،ولم ٌعد أحد ٌستطٌع النجاة من عمابــــــها
أو تهدٌدها حتى ولو لضً عمره بعٌدا فً الخارج "5وهنا أركون ٌحكً عن معاناته مع
الحركات األصولٌة وعن مصٌر كل من حاول المساس بمدسٌة النص الدٌنً (مثال ما حدث
مع نصر حامد أبو زٌد) .
ٌدرن دمحم أركون جٌدا مدى خطورة كتاباته حول تؤسٌس لعلم تطبٌمً لإلسالم و هذا
ما نستشفه من لوله " على الرغم من كل تحذٌراتً و تنبٌهاتً و كتاباتً التطبٌمٌة المتراكمة
منذ زمن طوٌل لتجسٌد المشروع عملٌا ( اإلسالمٌات التطبٌمٌة ) إال أن المسلمون ٌظلون
1
-دمحم أركون ،تارٌخٌٌة الفكر اإلسالمً ،مصدر سابك ،ص .88
2
-المصدر نفسه ،ص .88
3
-دمحم أركون ،الفكر األصولً و استحالة التؤصٌل :نحو تارٌخ آخر للفكر اإلسالمً ،مصدر سابك ،ص .99:
4
-المصدر نفسه ،ص ;.99
5
-دمحم أركون ،اإلسالم و األخالق و السٌاسة ،مصدر سابك ،ص .8<9
<>
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
ٌتبنى أركون ممومات الحداثة الدٌنٌة و االجتماعٌة و السٌاسٌة و ٌحاولها تجسٌدها فً
المجتمع العربً اإلسالمً بغٌة تحدٌثه .
1
-دمحم أركون ،لضاٌا فً نمد العمل الدٌنً ،مصدر سابك ،ص .:8
2
-المصدر نفسه ،ص .:8
3
-زكً مٌالد ،اإلسالم و الحداثة ،مرجع سابك ،ص .898
=>
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
،إذ هنان من ٌمارب هذا المفهوم بمفهوم الحداثة فهاهو حسن حنفً ٌعتبر االجتهاد ممابل
الحداثة ،و ذلن فً لوله " اإلسالم عن طرٌك االجتهاد هو أكبر دٌن حداثً ألنه ٌعطً
الفرع شرعٌة األصل ،وٌعترف بالزمان و المكان و التطور ،و إن إجماع كل عصر غٌر
ملزم للعصر المادم ،لدٌنا االجتهاد و هو اللفظ الذي أفضله ". 1
" دمحم أركـون " و من خالل مشروعه نمد العمل اإلسالمــــــــً ٌعرف االجتهاد على
أنه " فعل من أفعال الفكر النظري الموجه نحو المعرفة من أجل تبرٌر األحكام الشرعٌة ،
وهو بهذا المعنى ٌشكل ممارسة مشتركة لدى كل المإمنٌن الذٌن ٌمفون وجها لوجه أمام
الكتاب الموحى " ، 2لذا ٌجب علٌنا تجاوز االجتهاد السابك و االنتمال من المفهوم
الكالسٌكً له و " النمد للعمل اإلسالمً ٌعتبر امتدادا لالجتهاد السابك كما تجلى لدى كبار
3
. ممثلٌه فمطٌعة معه فً ذات الولت "
ٌرى " أركون " ضرورة فتح مسؤلة االجتهاد و التً ال تزال " معتبرة داخل تراث
الفكر اإلسالمً بصفتها امتٌاز ٌحتكره الفمهاء " ، 4و ٌمصد بذلن األئمة المجتهدٌن
المإسسٌن للمذاهب الكبرى – الالهوتٌة و المانونٌة كما سبك و أن تطرلنا إلى رأٌه حول
رسالة االمام الشافعً بوصفها اللحظة التؤسٌسٌة للعمل األرثوذكسً اإلسالمً .
ٌشٌر أركون فً هذا الصدد إلى محاولة فتح باب االجتهاد التً لال بها المشروع
النهضوي العربً و ذلن لمحاولة " مواجهة تحدٌات الحداثة العملٌة و الثمافٌة و المادٌة
المفروضـة من لبل الغـرب مـنذ المرن التــاسع عشر ،فإن العلمــاء الذٌــن كانـوا
إصالحٌٌن ( )...فمد حـــاولوا و ال ٌزالون ٌحاولون إعــادة فتح باب االجتهـــــــــــــــاد " .5
ولكن ما حال دون ذلن هو " االنخراط فً الحركات السٌاسٌة النضالٌة بشكــل
6
،و ذلن ألن تــلن الفترة تــمٌزت بالحركات المـــماومة لالحتالل مبــاشر و مكشوف "
1
-نمال عن :المرجع نفسه ،ص .889
2
-دمحم أركون ،من االجتهاد إلى نمد العمل اإلسالمً ،مصدر سابك ،ص .898
3
-المصدر نفسه ،ص < .
4
-المصدر نفسه ،ص .88
5
-المصدر نفسه ،ص .89
6
-المصدر نفسه ،ص .89
>>
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
الغربً و ٌستشهد أركون هنا بمحــاولة " دمحم عبده " فً إعادة فتح بــاب االجتهــــــــاد و
التــً هً " عبـــارة عن منهجٌة ذرائعٌــة منفتحة على دمج و تمثــل المفاهـٌـم و األفكار و
الممارسات المعتبرة بمثابة البدع ضمن إطار التراث اإلسالمً السكوالستٌكً ".1
ٌدعو دمحم أركون إلى تجاوز ما ٌسمٌه المفهوم التملٌدي لالجتهاد و تجاوز الممارسة
العملٌة المحدودة و المرتبطة به ،و ذلن عن طرٌك النمد الذي ٌمنح مختلف و أنجع المناهج
العلمٌة الحدٌثة ذلن فً رأٌه " ألنه لم ٌعد ممكنا للفكر اإلسالمً أن ٌنغلك على نفســـــــــه
و ٌنغلك داخل إطار العمل األصولً و اإلطاللً " ،2وهو بهذا ٌــــــــــــرٌد االبتعـــــــــــاد
عن التصورات الضٌمة الموروثة و التً تمدم نفسها على أنها حمائك مطلمة و التً ساهم
التعلٌم الدٌنً فً ترسٌخها .
عرف الفكر األوربً العلمانٌة بما هً الفصل بٌن الدٌن و الدولة ،إذا كانت هً
المفصل األول نحو حداثته ،فهل هً شرط حداثتنا ؟ المشروع النهضوي العربً كما
أشرنا فً الفصل األول تبنى فكرة العلمانٌة و استهوته ،أما مع المفكرٌن الحداثٌٌن
المعاصرٌن فكذلن طرح إشكالٌة العلمنة ،فنجد دمحم عابد الجابري ٌنمم علٌها فً لولـــــه "
إنه ما من شعار من شعارات الفكر العربً الحدٌث كان و ال ٌزال – مدعاة للبس و سوء
التفاهم كشعار العلمانٌة " ، 3أما دمحم أركون الذي ٌصف نفسه بؤنه علمانً ،فهً بالنسبة
لــه " شًء آخر أكبــر بكثٌر من التمسٌــم المانــــونً للكفاءات بٌــن الذرى المتــعددة فً
المجتمع ،إنها أوال و لبل كل شًء مسؤلة تخص المعرفة و مسإولٌة الروح ( أي الروح
البشرٌة ) ،هنا تكمن العلمنة أساسا و تفرض نفسها بشكل متساو و إجباري على الجمٌع
( )...كتوتر مستمر من أجل االندماج فً العالم الوالعً ،و التً تساعد على نشر ما نعتمد
1
-المصدر نفسه ،ص .89
2
-زكً مٌالد ،اإلسالم و الحداثة ،مرجع سابك ،ص >.88
3
-نمال عن :فارح مسرحً ،الحداثة فً فكر دمحم أركون ،مرجع سابك ،ص ;.89
?>
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
أنه الحمٌمة فً الفضاء االجتماعً ( )...و كل ماعدا ذلن ( )...ناتج عن كل نوالصنا فً
عملٌة البحث العلمً من أجل معرفة الوالع ،وعن تواصلنا التربوٌة فً توصٌل هذه
المعرفة فً ما بعد إلى اآلخر أو اآلخرٌن " ،1إذ نلمس هنا أن أركون ٌتجاوز معنى
الكالسٌكً لمشكلة العلمنة و التً تعنً فصل الدٌن عن اإلدارة السٌاسٌة ،فهً تلن الموالف
التً ٌبدٌها المفكر فً طرح أفكاره دون االعتبار ألي جهة ،وال ألي اعتبار آخر للخلفٌات
و اإلٌدٌولوجٌات التً تإطر غالبا الفكر .
ومن خالل مفهوم العلمنة بالمعنى األركــونً فـــهً " لرٌبـــة جدا مــن مفـهوم
الحرٌة ،و المولف ال ذي ٌتخذه أركون تجاه المعرفة ٌعبر عن انفتاح و حرٌة إلى أبعد
الحدود ،إذ أن اإلنسان بحاجة دائما لكً ٌفهم المزٌد و ٌنتمد ،فٌنبغً عدم منعه من تحمٌك
ذلن ،إن مــولفه االٌجابً هذا لد دفعــه إلى انتماد العلمنــة عندما أصبحت عمٌدة
إٌدٌولوجٌة و عملت على الحد من حرٌة التفكٌر " ، 2و بذلن تكون الحرٌة شرط للعلمنة .
و بعد المسح الشامل الذي لام به أركون من خالل مشروعة النمدي للتراث اإلسالمً
و للكشف عن الالمفكر فٌه و المستحٌل التفكٌر و ذلن بتوسل إلى المناهج المعاصرة خلص
ألن " اإلسالم بحد ذاته لٌس مغلما فً وجه العلمنة ،ولكً ٌتوصل المسلمون إلى أبواب
العلمنة فإن علٌهم أن ٌتخلصوا من االكراهات و المٌود النفسٌة اللغوٌة و اإلٌدٌولوجٌة التً
تضغط علٌهم و تمتل كاهلهم " .3
فاإلطار السٌاسً و االجتماعً له دور مهم فً إرساء دعائم العلمنة و هذا ٌبرر وجود
فً " أرض اإلسالم بٌن المرنٌٌن الثانً و الثالث للهجرة (حكم المؤمون ) حركة من المثمفٌن
ٌدعون المعتزلة ( )...فباإلضافة إلى دراستهم للوحً اإلسالمً فإنهم لد اهتموا بالمحور
اآلخر للفكر و تلن الممارسة األخرى للعمل ( )...و لد وصل بهإالء المفكرٌن إلى حد
طرح مشكلة ما دعوه " بالمرآن المخلوق " إن مجرد اعترافهم بؤن المرآن مخلوق ٌمثل
1
-دمحم أركون ،العلمنة و الدٌن ،اإلسالم المسٌحٌة ،الغرب ،مصدر سابك ،ص .88
2
-ناٌلة أبً نادر ،التراث و المنهج بٌن أركون و الجابري ،مرجع سابك ،ص .988
3
-المرجع نفسه ،ص .988
@>
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
مولفا فرٌدا اتجاه ظاهرة الوحً ،إنه مولف حداثة ( )...وهذه الحركة الفكرٌة األصلٌة
1
،و لربما هذه الجرأة التً مرتبطة باألطر االجتماعٌة للمعرفة و لٌس باإلسالم كدٌن "
تمتعت بها االعتزالٌٌن فً طرح آرائهم دون اعتبار ألي سلطة أخرى ،كانت وراء تغٌٌبها
،ودفنها تحت طبمات النسٌان ،كً ال تكون بذورا للتغٌٌر و بالتالً تشكل عائما أمام
السلطات السٌاسٌة آنذان .
أما فٌما ٌخص المجتمعات اإلسالمٌة المعاصرة فهً تمارس العلمنة الفعلٌة فً مختلف
موالفها و لكن " دون أن تشعر بذلن و هً تتغلغل الٌوم فً هذه المجتمعات ،إن خٌر دلٌل
على ذلن الرغبة فً حصول الوحدة الوطنٌة المومٌة ( )...فلم ٌعد أحد ٌحلم بإعادة السلطنة
العثمانٌة أو ٌشكل الوحدة اإلسالمٌة ،فالعرب علمانٌون فً أفكارهم و خٌر دلٌل على ذلن
ما ٌنشدونه نحو لومٌة موحدة ،ومن هنان كانت ضرورة المٌام بدراسة نمدٌة للوالع الراهن
من أجل إبراز نزعة العلمنة و لفت االنتباه إلٌها ( )...لكن ٌحذرنا مفكرنا فً الممابل من
2
،ذلن أنه كما ٌوجد أصولٌون االنسٌاق األعمى وراء الشعارات العلمانٌة المتطرفة "
متطرفون ٌوجد علمانٌون مغالون فً علمانٌتهم و هذا ما ال ٌرجى لصالح المجتمعات
اإلسالمٌة .
ٌدعو أركون إلى تبنً العلمنة فً المجتمعات اإلسالمٌة المعاصرة ذلن ألنه " ٌحمك
3
،كما ٌدعو دمحم الطالبً :الذي ٌرى أنه " ٌجب حماٌة للدٌن ضد احتكار السلطة له "
الفصل المطعً بٌن السٌاسة و الدٌن ،بٌن الدولة و الدٌن ألن الدولة دائما توظف الدٌن
للمهر " ، 4و بهذا ٌدعو أركون كما ٌدعو معظم المفكرٌن الحداثتٌن العرب إلى إرساء دعائم
العلمنة و ذلن بإبعاد الحمول العلمٌة و المعرفٌة عن متناول الساسة و السٌاسة بغٌة نزاهة
علمٌة فً طرح مشاكل المجتمع اإلسالمً ،دون أي اعتبار لردة فعل من أي جهة .
1
-دمحم أركون ،العلمنة و الدٌن ،مصدر سابك ،ص =.9
2
-ناٌلٌة أبً نادر ،التراث و المنهج بٌن أركون و الجابري ،مرجع سابك ،ص >.98
3
-برهان غلٌون ،نمال عن ،فارح مسرحً ،ص @.89
4
-نمال عن :المرجع نفسه ،ص .8:1
?1
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
من أبرز المضاٌا التً طرحت فً الفكر العربً المعاصر و لبله مع مشروع النهضة
هً عاللة األنا مع اآلخر و اهتموا بها أٌما اهتمام إذ تعبر اللحظة األولى للماء مع اآلخر
الغربً للعربً الحمالت االستعمارٌة و كما ٌصطلح علٌها " الصدمة " ،فً هذا الصدد
ٌمول الجابري " :و كما نعرف جمٌعا فإن العامل الخارجً – الغرب – لم ٌمــــــدم نفسه
فً صورة واحدة ،بل لمد كان و ال ٌزال ٌحمل بالنسبة لمشروع النهضة العربٌة مظهرٌن
متنالضٌن :مظهر ٌمثل العدوان و الغزو االستعماري و االحتكار و الهٌمنة ( )...و مظهر
ٌمثل الحداثة و التمدم بكل لٌمتها العصرٌة المادٌة و المعنوٌة كالتمنٌة و العلم و التكنولوجٌا
و الحرٌة ( )...و من هنا كان الغرب ،وال ٌزال بالنسبة إلى العرب العدو الذي ٌجب
االحتراز منه و الولوف ضد مطامعه و سٌطرته من جهة ،و النموذج الذي ٌغري بإلتدائه
و السٌر فً ركابه من جهة أخرى " ، 1فاآلخر من جهة غرٌب االنتماء و العمٌدة و الفكر
ٌجب عدم تملٌده و ترن مسافة بٌننا وبٌنه و من جهة ذلن المتفوق النموذج المثال الذي ال
سبٌل للحاق به إال باألخذ بؤفكاره .
ٌجب اإلشارة إلى أن عاللة األنا باآلخر تجاوزت عاللة الشرق و الغرب ،المسلمون
و ا لمسٌحٌون و الٌهود ،فمد كانت هذه العاللة فً الفلسفة الوجودٌة ،تمثل عاللة إنسان
بغٌره إنسان آخر على حد لول جون بول سارتر " الجحٌم هو اآلخرون و اآلخر هو الذي
ال ٌمكن أن أتخلص منه و الذي ٌزعجنً و ٌإرلنً و ٌموٌنً ،كما تجدر 2اإلشارة إلى
تعالٌم الدٌن السمحاء و حثه على المواعد التً تربط األفراد و العاللة التً تربط بٌن المسلم
و أخٌه المسلم ،بٌن الجار و الجار ،وغٌرها من لواعد تإطر هذه العاللة .
فإذا ربط الجابري كما أسبمنا الذكر لضٌة العاللة مع اآلخر لدى العرب بمشروع
النهضة فاركون ٌعرض رأٌه " فً لضٌة البحث عن المعنى و عاللتــــها بالرغبـــــــــــة
فً السٌطرة و الهٌمنة داخل الفكر الدٌنً و اإلٌدٌولوجً ،ســـواء فً بعــــــــده التارٌخً
أو الوالعـــً ٌ ،ـــحاول أن ٌمدم تصوره لألسس التً ٌجب أن تنبنً علٌهــــا العاللــــــــة
1
-نمال عن ،عبد الرحمن ٌعموبً ،الحداثة الفكرٌة فً التؤلٌف الفلسفً ،مرجع سابك ،ص .@9
2
-أنظر :المرجع نفسه ،ص ;@.
?8
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
مع الغرب ،وهنا ٌمٌز بٌن الغرب كفضاء فكري و بٌن أوربا كفضاء جغرافً " ،1من
أجل الهٌمنة و لكنها تمنع هذا و تغطً علٌه بواسطة التظاهر بالبحث عن رهانات المعنى
المتعالٌة " . 2
ٌشٌر فً األدبٌات الغربٌة إلى إنجاز غربً محض ٌوحً لنا من إن مفهوم حموق
جهة النظري إلى اإلنسانٌة بصفة عامة ،أما من جهة الوالع فهً ال تعتبر إال عن حموق
اإلنسان الغربً فمط ،و لٌس كما ندعً " ،فالعدل و المساواة و المحبة و االحسان و
الحرٌة و حك الحٌاة و الرحمة و الصدق و األمانة ....الخ ،هذه المٌم هً المصدر األساسً
لحموق اإلنسان ،هً لٌم عنصرٌة فً الغرب ٌإمنون بها ألنفسهم ،و ال ٌرونها الزمة
لغٌرهم " ،3وهذا ماال ٌختلف فٌه اثنان و خٌر دلٌل على ذلن المضٌة الفلسطٌنٌة و التآمر
الصهٌونً األوروبً ،وصمت هٌئة األمم المتحدة و الشرعٌة التً تمنحها للكٌان
الصهٌونً .
أما إذا عدنا إلى اإلسالم ،فلٌس غرٌب عنه أنه خطاب إنسانً ٌضمن حموق كل
األفراد بدون تمٌٌز " ٌا أٌها الناس إنا خلمناكم من ذكـر و أنثى و جعلناكم شعوبا و لبائل
لتعارفوا إن أكرمكم عند هللا أتماكم " الحجرات . 13
غنى الدٌن اإلسالمً بالدعوة لحموق اإلنسان التفت إلٌها "دمحم أركون " و ٌولً
اإلسالم مرتبة الزٌادة فً تنصٌصه إذ ٌمول " لمد و هب اإلسالم العالم ،مدونة لانونٌة
مثالٌة لحموق اإلنسان ،منذ أربعة عشر لرنا ،و غرض هذه الحموق ،أن تمنح اإلنسانٌة
الشرف و الكرامة ،و أن تلغً االستغالل و االضطهاد و الظلم ،إن حموق اإلنسان متؤصلة
تؤصٌال لوٌا فً االلتناع بؤن هللا هو خالك المانون و مصدر جمٌع حموق اإلنسان ،وبالنظر
إلى هذا األصل اإللهً ال ٌجوز ألي لائد أو حكومة أو جمعٌة أو سلطة أن تمٌد أو تنتهن
1
-المرجع نفسه ،ص .8?:
2
-المرجع نفسه ،ص ;?.8
3
-زهٌر بٌطار ،لضاٌا إسالمٌة معاصرة ،مرجع سابك ،ص .8<9
?9
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
بؤٌة طرٌمة حموق اإلنسان التً منحها هللا " ، 1وهذا أثبتته له دراساته االبستمولوجٌة للتراث
و النص المرآنً بصفة خاصة وهذا هو هدف أركون أن ٌعطً النظرة الحمٌمٌة لإلسالم
خاصة و أنه ٌعٌش فً بٌئة تتهم اإلسالم باإلرهاب و الالإنسانٌة.
و خالل دراسته للفكر العربً المعاصر ٌشٌر أركون إلى أن " اإلسالم المعاصر شؤنه
شؤن المسٌحٌة و الٌهودٌة ٌ ،هتم بحموق اإلنسان و ٌبذل جهده لٌنظر أن تعالٌم المرآن ،و
تعالٌم النبً صلى هللا علٌه و سلم تمدم الرحم األصلً لثمافة حموق اإلنسان ( )...إن هذه
اإلرادة الستعادة رإٌا االنسان و الممارسة الحمولٌة -السٌاسٌة التً فرضت نفسها بالفعل ،
مع الثورات اإلنجلٌزٌة و األمرٌكٌة و الفرنسٌة على الخصوص تجلت بوضوح فً
الٌونسكو فً 19أٌلول عام ، 1991على مبادرة المجلس اإلسالمً و أمٌن سره العام "
سالم العزام " فً أن ٌصدر إعالن شامل عن حموق اإلنسان " ، 2فمد اعتمدت تعالٌم النص
المرآنً فً تحدٌد بنود لضمان حموق اإلنسان بالمعنى المطلك للكلمة " إذ المرآن – و المول
ألركون – كالم هللا ،لد حدد هذه الحموق فً بداٌة المرن السابع لبل ثـــــــــــورات الغرب
بكثٌر " .3
لذا نجد أركون ٌدعو إلى " النضال من أجل احترام حموق الرجل و المرأة و الطفل ،
أصبح اآلن حمٌمة أو حاجة ملحة فً جمٌع البلدان أو األنظمة التً ٌهٌمن علٌها اإلسالم و
4
،و هذا ال ٌكون إال بإعادة الرجوع إلى النص المرآنً و تحدٌث تراثه و شرٌعته "
االجتهاد و تحمٌك فهم منزه عن كل الضغوطات و اإلكراهات الخارجٌة عنه .
بعد عرض أهم مفاصل مشروع أركون الحداثً نالحظ كما ٌالحظ أي متطلع ألعماله
تلن الجرأة فً نمده للتراث اإلسالمً منذ اللحظة األولى العصر التدشٌنً للعمل اإلسالمً
1
-دمحم أركون نافذة على اإلسالم ،مصدر سابك ص ;?.8
2
-المصدر نفسه ،ص .8?9
3
-المصدر نفسه ،ص .8?9
4
-دمحم أركون ،الفكر األصولً و استحالة التؤصٌل ،مصدر سابك ،ص .9:8
?:
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
من جهة و من جهة أخرى استدعائه لمناهج علوم اإلنسان الغربٌة بغٌة التطلع إلى حداثة
إسالمٌة عربٌة تضاهً أو تفوق الحداثة الغربٌة ،و هذا ما جعل أركون و أعماله محط
أنظار المفكرٌن العرب بخاصة فهنان للة من المفكرٌن من أعترف له بجرأته و جدٌــــــــة
و جدة مشروعه فهنان نجد المفكر اللبنانً علً حرب ٌشٌد بالترسنة المعرفٌة الجدٌــــــــدة
و ألفكار و دمحم أركون و مواكبته لتطورات المناهج العلمٌة الجدٌدة و ذلن من خالل لوله "
فال نتاج جدٌد إال و ٌكون أركون السباق إلى عرضه و استخدامه " ،1وهذا ما نالحظــه من
تزود النصوص األركونٌة بؤهم مفكري الغرب المعاصرٌن و التمكــن من مفاهٌمهـــــم و
م ناهجهم ،وعلً حرب بدوره ٌعتبر هذا المشروع " مـــزعم أسطوري سحري هو الذي
ٌجٌز للفرد التصرٌح بؤنه ٌمتلن مشروعا لتحدٌث عالم متعدد كالعالم اإلسالمً أو التراث
ضخم كالتراث العربً ،إنه وهم من أوهام التً ٌتغذى منها طموح المثمفٌن الذٌن ٌعتمدون
بؤن األفكار تسٌر العالم وبؤنهم لادرون على لود البشر نحو دروب الحرٌة و السعادة "،2
فالحداثة الفكرٌة هً وهم من أوهام المثمفٌن العرب الذٌن أرادوا أن ٌحدثوا فً فترة وجٌزة
ما أحدثته أوربا فً عدة لرون ،كما ٌضٌف علً حرب عن أركون " :و الحك أن أركون
ٌبدو لً مبشرا بمدر ما هو مفكر ،و المبشر ٌطغى على المفكر فً أحٌان كثٌرة ،إذ ٌخٌّل
لً أنه ٌكرر نفس الدعوة إلى التحرر من العملٌات و الرإى المنهجٌة على طرٌمة الدعـــــاة
و المنظرٌن ".3
فمد ولع أركون فً مغالطة فهو ٌمع فً ما كان ٌدعو إلى مماطعته ،فؤراد أن ٌإسس
لعلم اإلسالمٌات التطبٌمٌة و هذا ما ٌتنافى مع مبادئ العمل النمدي الذي ٌنفلت من كل تحدٌد
ومن مآخذ المشروع األركوني أنّه و ّحد بٌن التراث و المرآن إن صح المول ،فهو كما
أسبمنا الذكر ٌعتبر نص المرآن تراث ٌ ،جب تفكٌكه للكشف عن مالبسات إنتاجه فً تلن
الفترة " فالمرآن الكرٌم لم و لن ٌكون كتاب للتراث ،فهو كتاب عمٌدة و شرٌعة و باللغة
اإلٌتٌمٌة مرجعٌة تإسس مٌتافٌزٌما األخالق اإلسالمٌة و تحدٌد للواجب بصفة تزٌد فً تمتٌن
1
-نمال عن :فارح مسرحً ،الحداثة فً فكر دمحم أركون ،مرجع سابك ،ص .8@8
2
-نمال عن :عبد الغنً بارة ،الهٌرمونٌطٌما و الفلسفة ،نحو مشروع عمل تؤوٌلً ،مرجع سابك ،ص <<<.
3
نمال عن :المرجع نفسه ،ص =<<.
;?
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
عرى اإلنسانٌة ( )...فالمرآن لٌس كتاب فكر و ال علم إنه إرشاد لوٌم " ،1لذتا ال ٌنبغً أن
تكون هنان ممارنة بٌن المرآن و المسٌحٌة الٌهودٌة ،فالمرآن محفوظ من كل التحرٌفات
بمدرة هللا عز وجل .
نتفك جمٌعا على أن العمل اإلسالمً ٌعانً من الكسل و الفشل ذلن ألنه تخلى عن
تجدٌد العهد مع أسالفه وأصوله كما أن لراءته تعد لراءة ضعٌفة تتطلب التجدٌد و الكف "
لٌس خلخلة البنٌتٌن الشعورٌة و الالشعورٌة التً تحكم الصلة به ،ذلن أن مثل هذا
االنفكان سٌإدي إلى زوال سلطة الروحانً على الضمٌر اإلنسانً و من ثمة فمدان الوصلة
المٌمً " ،2وهذا ما أثبتته أزمات الفكر الحداثً الغربً بحٌث ٌشهد الغرب أزمة انحالل
لٌمتً متجلٌة تماما ممابل التطور الهائل فً الجانب المادي و هذا ما أدى إلى ظهور
حركات النمد فما الجدوى من التنصل من تارٌخنا و لٌمنا و أصلنا إن كان كما ٌمول أركون
ولٌد إبستٌمٌة عصره .
إن كان الهم األساسً للتحلٌل األركونً هو اختراق الالّمفكر فٌه و الكشف عن
المستحٌل التفكٌر فٌه فً التراث اإلسالمً ،وذلن لغاٌة شرٌفة هً أن نحمك إسالما
معاصرا لنا نستطٌع من خالله اللحاق بركب الحضاري وهو ٌستند فً مهمتـــــــه هــــذه
إلى مناهج علوم اإلنسان ،مناهج غربٌة غرٌبة عنا ،وهذا هو الحل الوحٌد فً رأٌٌه لنعٌد
به المراءة تراثنا وهذا من منطلك نظرته كون أن هذه المناهج علمٌة محاٌدة موضوعٌـــــة
أو ما ٌسمى " كونٌة المناهج " أي عدم خضوعها للعرلٌة " لكن أي منهج و ما هً آلٌات
التً تعبر عن حالة كونٌة و لٌس عن نمط تفكٌر متمركز للغرب ،إن شبهته فً كل ذلن أن
ثمة وحدة جنس فً الثمافة ،بل لعل ما ٌعاٌنه العالم العربً الٌوم ،سبك و إن عاشه
المجتمع األوربً " .3
1
-نورة بوحناش ،اإلجتهاد و جدل الحداثة ،مرجع سابك ،ص =.8:
2
-المرجع نفسه ،ص =.8:
3
-هانً إدرٌس ،العرب و الغرب ،أٌة عاللة ،أي رهان ؟ دار االتحاد ،بٌروت ،ط ،8@@? ، 8ص ==.
<?
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
المشروع األركوني كما أسلفنا مشروعا حداثٌا ال ٌفصل بٌن الغرب و العرب من
خالل فكرة الكونٌة " كونٌة المناهج و كونٌة اإلشكالٌة لٌعطً لنفسه شرعٌة فهم الوالع
العربً و اإلسالمً من خالل الرإٌة الغربٌة إن تعمد الفكر و تشابكه فً عالمنا العربـــــً
و صعوبة السٌر فً طرلاته المتعبة أمر ال ٌعبر عن حالة إبداعٌة خاللة أو خاصٌة معٌنة ،
ذلن بؤن الفكر العربً شعار ٌخفً ّ
الالفكر ،هو نظر من زاوٌة معدة سلفا ...و مجهزة
بؤحدث الوسائل النمدٌة – مع للة استٌعاب – و بترسنة مفاهٌمٌة مكتملة ،إنه اجترار فكر
و تفكٌر تطبٌمً ،ولٌس تفكٌرا نهاجٌا خاللا ،نالحظ ذلن فً حالة أركون و هو ٌكتسب
تعمد و اشتبان كتاباته من حالة التمثل " ،1فهو ٌتمثل بالكتابات المعاصرة كتابات فوكــــــو
و دريدا و ستراوس و هذا ماال ٌخفٌه أركون إذ ٌدعو إلٌها صراحة و ٌستشهد بنجاحاتها
فً معظم مإلفاته .
لد حاول أركون التعرف على األوضاع الحاضنة للتراث اإلسالمً للكشف عن
الالمفكر فٌه و رغم ذلن ٌبمى بعٌدا كل البعد عن األصعدة االجتماعٌة التارٌخٌة ،وتركٌزا
على األزمة ( )...ألنه لم ٌبرح دائرة التؤمل الباطنً المحض للولائع التارٌخٌة ،ثمة تهمٌش
جدٌد للعوامل التارٌخٌة األخرى ،إذن هنان لوالب جاهزة ،ونســـك مفاهٌمــــــــــــً معد
و مكتمــل ،لكن ممارسة تبمى مدخولة باإلضافات األجنبٌة ( )...أي بحساسٌات منشإها
مولف إٌدٌولوجٌة خفٌة " .2
فألن المناهج الحدٌثة مناهج غربٌة فلم ٌستطع أركون أن ٌتخلص من إٌدٌولوجٌاتها
النابعة منها ،فطفت على السطح و بدت للعٌان فنلمس ذلن التؤثٌر و التماهً فً علوم
الغرب .
و على الرغم من نمد محـــمد أركون لــــــإلستشراق و طرله غٌر أنه اعتبــــــــــــر
" إسالمولوجً بل نحن اإلستشراق ٌتردد فً جنبات مشروعه مكرسا للنتائج نفسها ،بما
أنه ٌنظر إلى الفكر اإلسالمً من خارجه و ضمن مسلمات اإلسالمولوجٌا كتحول
1
-المرجع نفسه ،ص >=.
2
-المرجع نفسه ،ص ?=.
=?
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
اصطالحً لإلستشراق و ذلن مثال بافتراض التطابك غٌر المبرر بٌن الٌهودٌة و المسٌحٌة
واإلسالم ،و التوحٌد بٌن طبٌعة األدٌان و مسارها التارٌخً ( )...فلــــــم ٌتساءل أركون
عن البنٌة الخطابٌة لكل من التوراة و اإلنجٌل ،و كٌف تحوال إلى كتابة إنسانٌة ".1
1
-نورة بوحناش :اإلجتهاد و جدل الحداثة ،مرجع سابك ،ص >.8:
>?
إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون الفصل الثاني
خاتمة الفصل:
ٌعد مشروع المفكر الجزائري دمحم أركون أحد أبرز المشارٌع الحداثٌة ،فمد أراّد أن
ٌكون مدخل الحداثة فكرٌا ال مادٌا ،منطلما فً ذلن من التراث ،و بدءا من النص المرآنً
،مستخدما فً ذلن المنهجٌة العلمٌة ،وهو إذ دعى إلى استثمار مناهج علوم اإلنسان
المعاصرة ،إنما رمى إلى تحدٌث الفكر العربً اإلسالمً ،وذلن بإعادة لراءته لراءة
تتوافك و العصر و مستجداته ،لٌحدث لطٌعة مع المراءات السكونٌة لإلسالمٌات الكالسٌكٌة
نحو إسالمٌات تطبٌمٌة ،فمشروع الطموح لم ٌكن سوى طموح لمشروع و ذلن راجع حتما
إلى طبٌعة العمل الذي تناوله بالنمد الذي ٌؤبى المساس بمرجعٌته الدٌنٌة و ٌرفض أن ٌكون
المرآن كتابا فً التراث ،فهل من مخرج غٌر ما خطط له أركون ٌؤخذ بعٌن االعتبار
الجانب الروحانً لإلسالم و المسلمٌن ؟
??
الفصل الثالث :
الـــــمشروع الحــــــداثي فـــــي فــــــكر طه عبد
الرحمن
تمهٌد :
" المصور عجز اإلنسان عن استخدام فهمه دون توجٌه اآلخرٌن ،ألن السبب ال
ٌرجع إلى عٌب فً الفهم ،وإنما ٌرجع إلى غٌاب المدرة على اتخاذ المولف و الشجاعة
فً استخدام الفهم دون لٌادة اآلخرٌن "
إن مصطلح الحداثة من أكثر المفاهٌم تداوال فً الدراسات الفكرٌة واألدبٌـــة و النمدٌة
العربٌة و اإلسالمٌة ،ولد شكل هذا المفهوم أرضا خصبة للدرس الفلسفـــــً و التحلٌـــــل،
و إطارا معرفٌا مركزٌا للحوار بٌن المشتؽلٌن فً حمل الثمافة و المنخرطٌن فً عالم الفكر
و التجدٌد الحضاري.
فنجد العالمة " طه عبد الرحمن " حمل هاجس الحداثة فً الفكر العربً ،فكان
مشروعه النهضوي ٌحمل هذا الهاجس ،فمشروع طه عبد الرحمن هو إحٌاء لممدمات
اإلبداع و االجتهاد فً الفكر اإلسالمً العربً ،ودرء آلفة التملٌد بكل أشكاله و الدعوة إلى
التحرر و اإلبداع ،فانحصر جهده فً النمد مع استكشاؾ ،وساهم فً رسم معالم المجتمع
المسلم الذي ؼابت فٌه معالم اإلبداع .
90
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
إن الوالع الفكري للفلسفة العربٌة و إسالمٌة شهد طؽٌان التملٌد ،إذ أن الفكر دابما
مرهون ،بخلفٌات أخرى فهو ٌعتبر فكرا تابعا ؼٌر مستمل ولابم بذاته وهذا ما جعل الخطاب
الحداثً العربً عمٌمـا أو باألحرى لم ٌـنتــج شٌـبا ولـم ٌبـدع فكــــــرا خاص بـه ،فـنجـــد
أن التـملٌد طؽى على الفكر العربً للؽرب وأصبح محـاكٌا لفلسفتـه وعلومـه و أطروحاتـه.
"و بهذا ،أضحت آلفة التملٌد مشروعٌة فكرٌة و أٌدٌولوجٌة ٌطمبن إلٌها بعض
المفكرٌن العرب الٌوم ،ألم ٌعمل كل من الفارابً و ابن باجه و ابن رشد على تكرٌسس
تلن المشروعٌة فً التفاء آثار المنمول الٌونانً فً حله و ترحاله ،فً صناعته إنشابه "
1وهذا ما دفع بالمفكر المؽربً " طه عبد الرحــمن " لٌعلن حربـا على المشروع الحداثً
الؽربً حٌث ٌمول فً إمكاننا " خرق حجاب التملٌد الذي ظل مستبدا بالعمل الفلسفً
العربً بما ٌنٌؾ عن ألؾ سنة ،وتمكٌن المتفلسؾ العربً من المدرة على التصــــــــرؾ
فً المنمول الفلسفً على الوجه الذي ٌوافك مجاله العربً أو اختٌاره الفكري ".2
لـــمد أعـــلن " طــه عبد الرحـمن " حربـــا ال تراجع فٌــها على كل الممــلدٌن
العــصر ،و بهذا ٌكون مشروعه أن ٌكون حربا على التملٌد والتبعٌة ،وعلى المملدة
المنـتـمٌن إلى اإلسالم و " لـعل هذا الكالم ٌـؤتً فً سٌـاق معاٌـنة الوالـع الفـكري
1
ٌ -وسؾ بن عدي ،مشروع اإلبداع الفلسفً ،لراءة فً أعمال د .طه عبد الرحمن ،الشبكة العربٌة لألبحاث و النشر ،بٌروت – لبنان ،ط ، 1
،2012ص .12
2
-المرجع نفسه ،ص .21
91
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
للـفلسفــــة العربٌـة و اإلسالمٌة المدٌمـة و الحدٌثـة من طؽٌـان التملٌـد واالتباعٌـة بــدال من
االستمـالل ،و التحرر المثمر و الخالق ،وهذا ٌمكن الدكتور طه أمام هذا الوضع المرتبن
و المشوش من توظٌــؾ منهجٌــات لؽوٌــة ومنطمٌــة تـؤخذ بعٌن االعتبـار خصوصٌـات
الثمافــــة اإلسالمــــــــــٌة ،وجدانٌـا و معرفٌـا ،وذولٌـا وعـمد ا " .1
إن أكبر خطؤ ٌرتكبه المفكر العربً هو بمابه تابع للؽرب حٌث ٌبمى الفكر ٌحمل
خلفٌات اٌدٌولوجٌة وبهذا ٌصبح الفكر العربً اإلسالمً فكرا تابعا وؼٌر لابم بذاته فالتملٌد
و التبعٌة تعتبر آفة الفكر .
لم ٌمتصر على هذا فمط وإنما أٌضا أصبحــوا كظالل لؽٌــرهم " كـل ذلن بحجــة أنه
ٌنهض بواجــب االنخــراط فً الحداثــة العالمٌــة أو أنه ٌنهض بواجب االستجابة للشمولٌة
الفلسفٌة " .2
1
-المرجع نفسه ،ص . 22
2
-طه عبد الرحمن ،فمه الفلسفة ،ج، 2المول الفلسفً ،كتاب المفهوم و الثؤثٌل ،ط ، 2005، 2ص .12
92
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
نـــــــحن فً فراغ فكري أتــــــــــى من موت أصــــــاب الذهن و الملب فٌنا ( )...ما نزل
بنـــتا هو ،على الحمٌمة تٌـــــه عظٌم فً عالم األفكار فنــــحن تابهون حابـــــرون " ، 1
" التٌه فً الفكر كالتٌه فً األرض ( )...فهذا والع تحت طابلة التملٌد ،داعٌا إلى التردٌد
واالنكماش ،وذان والع تحت طابلة التنمٌط )...( ،وذان ٌتملب مع كل جدٌد " . 2
إن األزمة الفكرٌة التً نحن فٌها لزم علٌنا الخروج منها ؾ " الخروج من التٌه
الفكري العظٌم الذي نحن فٌه ال ٌتٌسر لنا إال بالتحصٌل األفـكار الكبرى ،إذ هً وحدها
التً تـثـمر األهـداؾ الصالحة ،و أٌضا بتحصٌل األفكار الطـولً ،إذ هً وحدها التً
تثـمر الوسابـل النافذة ( )...و اجلى مظاهر هذا الدرء إحٌاء المفاهٌم المنتـجة من مفاهٌمنا
وتوسٌعها وتـلوٌنها " . 3
وهذا ال ٌكون إال إذا انؽمس المشتؽلٌن بالفلسفة الذٌن ٌسعون إلى بناء نظرٌات فلسفٌة
وبالتالً " البحث فً المنطلمات التً ٌمـكن أن تنطلك منها فلسفة عربـٌة معاصرة ،لكً
تصبح ألفكارها ونظرٌاتها لٌمة موضوعٌة على صعٌد الفكر اإلنسانً المعاصر " ، 4وكذا
كٌؾ ندمج العمل الفلسفً العربً فً العمل الفلسفً الؽربً إذ " تصبح المسؤلة المطروحة
إذن هً البحث فً اندراج الفٌلسوؾ العربً ضمن الفترة المعاصرة من تارٌخ الفلسفة ،
1
-طه عبد الرحمن ،الحوار أفما للفكر ،الشبكة العربٌة لألبحاث والنشر ،لبنان ،ط ، 2013، 1ص . 87
2
-طه عبد الرحمن ،الحوار أفما للفكر ،مصدر سابك ،ص . 87
3
-المرجع نفسه ،ص . 10 - 9
4
-دمحم ولٌدي ،بناء النظرٌة الفلسفٌة دراسات فً الفلسفة العربٌة المعاصرة ،دار الطلٌعة،بٌروت ،لبنان ،ط ، 1990، 1ص .26
93
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
وبنابه إلشكالٌة جدٌدة ،أو مساهمة أفكاره فً بناء بعض اإلشكالٌات على الصعٌد اإلنسانً
" .1
لمد حان األوان إلحٌاء نزعــة هوسرل اإلصالحــٌة فً أن نخضع اإلنتـاج الفــلسفً ،
الذي تعج بـه ساحتنا الثمافٌة كما فعل " طه عبد الرحمن " " لمد أحدث ثورة منهجٌـة ترلى
– فً رأٌنا – إلى ثورة كانـط الكوبرنٌكٌة فً مجـال المٌتـافٌزٌمـا وإمكـانٌتـها ،تلن الثورة
التً تتجلى فً االنمالب الفلسفً الجدٌد بإعادة تموٌم التراث ومشكالته المنهجٌة والنظرٌة
فً دراسة التراث وبنٌاته اللؽوٌة والمنطمٌة بعبارة أدق ،لام المؽربً طه عبد الرحمن
بتموٌض مبادئ المول الفلسفً العربً ومسلماته التً لطالما ارتكن إلٌها ،بل دافع عنها
المدافعون فً المحافل ( )...بؤنها الخٌــار األوحد للتفلســــــــؾ و اإلبــــــــــــداع ". 2
إن الفلسفة العربٌة المعاصرة " ترٌد أن تموم على أساس تجاوز التنالض الذي ولع
فٌه الفكر الؽربً منذ انطاللته الحدٌثة بٌن دعواه الشمولٌة وطموحه فً ذلن ،وبٌن عدم
لدرته فً الولت الراهن على استٌعاب عمك كل المشكالت المطروحة على إنسانٌة الزمن
المعاصر " .3
بحٌث " ٌعتبر مشروع تجدٌد الفكر الفلسفً اإلسالمً العربً للدكتور " طه عبد
الرحمن " من أ هم مشارٌع الفكرٌة العربٌة المعاصرة التً تسعى سعٌا جادا و أصٌال إلى
بناء ممومات وشرابط اإلبداع و التجدٌد عن طرٌـك التحـرر من براثن التملٌد وجاذبٌة
1
-المرجع نفسه ،ص .39
2
ٌ -وسؾ بن عدي ،مشروع اإلبداع الفلسفً العربً ،لراءة فً أعمال طه عبد الرحمن ،مرجع سابك ،ص .22
3
-دمحم ولٌدي ،بناء النظرٌة الفلسفٌة ،مرجع سابك ،ص . 28
94
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
الحداثة ،وهذا ال ٌتحصل إال متى التزم المتفلسف العربً بمواعد وممتضٌات المجال
التداولً اإلسالمً العربً " .1
على الوعً الفلسفً العربً المعاصر أن ٌكون نفسه بنفسه من خالل والعٌته
التارٌخٌة ،وعٌا جدٌدا ،ؼٌر تابع للوعً المدٌم ،ولكً ٌتم هذا الوعً الفلسفً العربً علٌه
أن ٌموم بمطٌعـة مع الوعً الؽربً " و ٌترتب على هذا ،دعوة الدكتور طه إلى لراءة
التراث وفك منطك التداول اإلسالمً العربً ". 2
كما ٌبٌن المفكر " طه عبد الرحمن " الصفات الجوهرٌة والممومات المحدد للحداثة
تتجلى فً خضوعها لفترة تارٌخٌة ما ،هً التً عرفت جملة من التؽٌرات فً أوربا
كاإلصالح الدٌنً و الثورة الصناعٌة ،وفً لٌامها على السٌطرة على سلطة الكنٌســـــــــــة
و الدعوة إلى العمالنٌة والتحرر من المٌود وإرجاع لٌمة اإلنسان التً كانت منحطة وإعطاء
الحرٌة للعمل ،كما أن الحداثة " هً جملة التحوالت العمٌمة التً طرأت على المجتمع
الؽربً منذ خمسة لرون ،ولكن السمة الممٌزة لهذه التحوالت هً أنها تحوالت إنمابٌة
تراكمٌة بحٌث نملت المجتمع الؽربً من طور حضاري إلى طور ٌعلوه تمدما ،وهذه سمة
أساسٌة " ،3إن الحداثة كانت ردة فعل النحطاط الذي عاٌشته أوربا آنذان فهً بمثابة ثورة
لألوضاع المزرٌة .
1
ٌ -وسؾ بن عدي ،مشروع اإلبداع الفلسفً العربً ،لراءة فً أعمال طه عبد الرحمن ،مرجع سابك ،ص .21
2
-المرجع نفسه ،ص .23
3
-طه عبد الرحمن ،الحوار أفما للفكر ،مرجع سبك ذكره ،ص ص . 97- 96
95
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
ولد لامت الحداثة على مجموعة من المبادئ ألنها " من وجهة النظر الفلسفٌة تموم
على الرإٌة الذاتٌة للوجود ،و النزعة العمالنٌة فً المعرفة ،والمول بالعدمٌــــة و النسبٌــــة
فً مجال المٌم " .1
كما هو واضح " لٌس بوسع أحد أن ٌنكر بؤن المول الفلسفً العربً – أن لفظا كان
أو جملة أو نصا – هو لول مستؽرق فً التملٌد ،وإذا كان هذا الوصؾ على المستوى
الفلسفً فكٌؾ ٌكون األمر بظـاهرة كالــحداثة التـً هً مضمون لـٌمً ،و حـــركة جــدلٌة
تارٌـــخٌة ،ومولؾ من الوجود و األشٌاء ففً مستوى المول الفلسفً ٌجد المتصفح له بؤن
المتفلسفة العرب ال لدرة لهم على إنشاء خطاب فلسفً مخصوص و مختلؾ " . 2
و ٌتضح أن عجز المثمؾ العربً أن ٌنتج نصا فلسفٌا من إبداعه حٌث نجدهم "
ٌإولون إذا أول ؼٌرهم * ،وٌحفرون إذا حفر ؼٌرهم ،وٌفككون إذا فككوا ،وكؤن سبل
الفكر و المول ضالت علٌهم وأن أرض الفكر لم تكن واسعة فٌتفسحوا فٌها ()...إنه أكبر
إدانة لإلبداع الفلسفً وإلمكانات اإلنسان ،وحشر ألطراؾ عمله وأفاق مصٌره فً ؼاٌة
3
الضٌك و الحصار ،وإماتة لطالة االجتهاد الفلسفً العربً "
1
-مسرحً فارح ،الحداثة فً فكر دمحم أركون ،مرجع سابك ،ص . 43
2
-عبد الرزاق بلعمروز ،تحوالت الفكر الفلسفً المعاصر ،أسبلة المفهوم والمعنى و التواصل ،الدار العربٌة للعلوم ناشرون ،بٌروت لبنان ،ط 1
،2009ص .48-47
* الظاهر أن طه عبد الرحمن ٌمصد المناهج التؤوٌلٌة (الهرمٌنوطٌما) herméneutiqueالتً صارت أدوات معرفٌة و منهجٌة ٌوظفها النماد
العرب المعاصرون بخاصة فً لراءة النص الدٌنً وتؤوٌله كما نلمس ذلن فً نصوص نصر حامد أبو زٌد أو دمحم أركون
3
-المرجع نفسه ،ص . 48
96
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
وأٌضا تجدهم " سواء أصاب فً ذلن أم أخطؤ ،ولد كانوا منذ زمن ؼٌر بعٌد
1
،هذا ٌعنً فً نظر المفكر ،توماوٌٌن أو وجودٌٌن أو شخصانٌٌن أو مادٌٌن جدلٌٌن "
المؽربً طه أن المتفلسفة العرب المعاصرٌن ال ٌضعون من المصطلحات إال ما جاء به
ؼٌرهم ،وال ٌستخدمون ألفاظ من إبداعهم وإنما استخدمت من لبل " وما ذلن إال ألن تملٌد
الفلسفة المنمولة بلػ من نفوسهم مبلؽا فمدوا معه المدرة على إمكان تصور خالؾ ما ٌملدون
فضال على ان ٌؤتوا بمثله ".2
فنجده ٌنتمد المتفلسفة من العرب المعاصرٌن الذٌن اعتمدوا على التفلسؾ على
طرٌمة ؼٌرهم ،فلم ٌذهبوا إلى مساءلة التفلسف الغربً ونمده بل انؽمسوا فٌه باسم
االنخراط فً الحداثة العالمٌة فعجزوا عن اإلبداع أو اإلنتاج كما أنتج ؼٌرهم انطاللا مما لد
ٌصنعونه من والعهم ،وهذا تملٌل لمٌمة اإلنسان بحٌث له عمل ٌفكر به لٌحدد أفاق مصٌره ،
فتجدهم ٌتعذرون بسبب خمود عملهم و شلل إرادتهم فاالنخراط فً الحداثة بالنسبة لهم ما
هو إال تملٌد ومحاكاة وانصهار فً الؽٌر " إن المفاهٌم و األحكام الفلسفٌة بلؽت النهاٌة فً
الشمول ،حتى ال ٌضاهٌها فً ذلن علو وال دٌن " .3
فنجد طه عبد الرحمن اهتم وحمل عاتك الفكر العربً اإلسالمً فٌرى أن " الؽالب
على اإل نتاج الفلسفً المؽربً الولوع تحت طابلة تملٌد المنمول الفلسفً ،حتى بلػ عنده هذا
1
-طه عبد الرحمن ،فمه الفلسفة ( ،المول الفلسفً ،كتاب المفهوم و التؤثٌل ) ،المركز الثمافً العربً ،بٌروت ،ط ، 1999، 1ص .12
2
-عبد الرزاق بلمزٌز ،تحوالت الفكر الفلسفً المعاصر ،مرجع سابك،ص .48
3
-طه عبد الرحمن ،فمه الفلسفة ،مصدر سابك ،ص .12
97
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
التملٌد ؼاٌته ،فصار المتفلسؾ المؽربً ٌتملب فً نظرته الفلسفٌة تملب هذا المنمول من ؼٌر
داع سوى طلب التملٌد " . 1
ال شًء جدٌد فً اإلبداع الفلسفً العربً سوى إعادة ما كتب " فهذا ٌملد " اٌمانوٌل
مونٌه " و ذان ٌملد "هٌؽل " وهذا ٌملد "ماركس " و أتباعه ،وذان ٌملد "باشالر" وتالمذته
( )...ولد ٌتملب الواحد منهم فً التملٌد ،فٌبدأ شخصانٌا ثم ٌصٌر أشبه بالمادي الجدلً أو
ٌبتدئ مادٌا جدلٌا " .2
كما ٌتعجب بموله " كٌؾ ألمة جاءت بؽٌر علم واحد وبؽٌر معرفة واحدة ال ٌمدر
فالسفتها على أن ٌمولوا لوال فلسفٌا لم ٌمله ؼٌرهم ،وال أن ٌسمعوه ما لم ٌطرق سمعه ،إال
أن ٌحفظوه عنه و ٌنملوه إلٌه ،بضاعة مردودة إلى أهلها )...( ،وعلٌه فإن التصدي آلفة
التملٌد الفلسفً لن ٌتحمك إال بالولوؾ على أسرار المول الفلسفً عند أهله المجتهدٌن ال عند
ناللٌه المملدٌن.والولوؾ عند تلن األسرار ال ٌتحمك بطرٌك التفلسؾ ،بل بطرٌك العلم ،حتى
ٌصبح النظر فً الفلسفة كما ٌنظر العالم فً الظاهرة ،رصدا ووصفا و شرحا ". 3
فالتملٌد عند " طه عبد الرحمن " هو "العمل بمول الؽٌر على سبٌل االتفاق أو على
سبٌل العادة أو باالستناد إلى دلٌل نظري " ،4هذا التعرٌؾ ٌوجهنا إلى أن التملٌد أنواع
وأصناؾ.
1
-الطٌب المختار الوزانً " ،التنوٌر العربً ،أفاق ومعضالت "،ضمن مجلة مدارات فلسفٌة ،عدد ،1المؽرب ،1998،ص .98-97
2
-المرجع نفسه .
3
-طه عبد الرحمن ،فمه الفلسفة ،مرجع سابك ،ص ص .13- 12
4
-طه عبد الرحمن ،العمل الدٌنً وتجدٌد العمل ،المركز الثمافً العربً ،الرباط -المؽرب ،ط ، 1999، 2ص . 83
98
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
كذلن نجد دمحم عمارة ٌذهب إلى أن كل التٌارات الفكرٌة العربٌة اإلسالمٌة تدور فً
حلمة فارؼة ،ألنها تٌارات ولدت فً حضن التملٌد فهو فكر ٌحتضن التملٌد بكل أنواعه
فؤضحى هذا التٌار فمٌر من التجدٌد و اإلبداع ومن بٌن التٌارات الفكرٌة نجد :
كان " شعاره العودة إلى الدٌن كمرجع لتحمٌك الٌمظة العربٌة ؼٌر أن هذا التوجٌه
كان لاصرا ولم ٌستطع مواجهة النماذج الؽربٌة وٌصرح بموله " لكن هذا التٌار ،الذي جفل
من الوافد الؽربً فانكفؤ على الذات لد ظل عاجزا عن صٌاؼة الخٌار الحضاري و النموذج
التجدٌدي المادر على منافسة النموذج الغربً ( )...لمد تحصن هذا التٌار بالماضً ،ومن
ورابه أفبدة العامة و الجمهور ،فترن الحاضر وعمول النخبة التً صنعها االستعمار فً
مإسساته الفكرٌة ،ووفك منهاجه الوضعٌة ". 2
1
-المصدر نفسه ،ص . 85
2
-دمحم عمارة ،أزمة الفكر اإلسالمً المعاصر ،دار الشرق األوسط ،الماهرة ،ب ط،1990،ص ص . 62-59
99
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
لمد جاء هذا التٌار مع الحملة الفرنسٌة على مصر " فكانت بداٌات فكرة االستمالل عن
الموروث ،ولطع حبال التواصل الحضاري ...واستبدل النموذج الؽربً بدال من المنابع
الحضارٌة االسالمٌة ( )...ولمد كان رواد مشروع اللحاق الحضاري ()...وكان تحركهم
1
،وٌعتبر هذا التٌار " التٌار الكافر بالشرق ،المإمن كراهٌة شدٌدة للدولة العثمانٌة "
بالؽرب " .2
ثالثا :تٌار اإلحٌاء والتجدٌد
ٌدعو إلى الحفاظ على هوٌة األمة ألنها بحاجة للنهضة العربٌة " إنهم أرادوا مشروعا
تجدٌدٌا ال ٌمٌم لطٌعة مع التراث ،و إ نما ٌتجاوز المتخلؾ منه ،ذلن الذي تجاوزه التطور
وال ٌمٌم لطٌعة مع الحضارات األخرى ". 3
نجد " طه عبد الرحمن " من أعالم التٌار الفكري الذي ٌدعو إلى اإلبداع و
التجدٌد حٌث ٌدعو إلى خرق حجاب التملٌد الذي ظل مستبدا بالعمل الفلسفً العربً "ٌمسم
المفكر المؽربً المهتمٌن بالشؤن الفكري فً العالم العربً إلى مملدة للسلؾ ومملدة للؽرب
،أما هو فٌرى نفسه ذلن المبدع الذي ٌنحت المفاهٌم و المصطلحات " ،4كما ٌبٌن أن " كال
النوعٌن من المملدة ال إبداع عنده ،إذ مملدة المتمدمٌن ٌتبعون ما أبدعه السلؾ من ؼٌر
تحصٌل األسباب التً جعلتهم ٌبدعون ما أبدعوه ،ومملدة المتؤخرٌن ٌتبعون ما أبدعه
الؽرب من ؼٌر تحصٌل األسباب التً جعلتهم ٌبدعون ما أبدعوه ،ولما كنا لد خالفنا عادة
1
-المرجع نفسه ،ص ص ص . 64-63-62
2
-المرجع نفسه ،ص . 66
3
-المرجع نفسه ،ص .72
4
-لاسم شعٌب ،فتنة الحداثة ،مرجع سابك ،ص . 44
100
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
التملٌد السابدة ،و أبدعنا مفاهٌم إجرابٌة من داخل التراث اإلسالمً العربً " ،1على المفكر
العربً أن ٌبدع من جوؾ تراثه وأن ال ٌملد الؽرب فً أفكارهم و معارفهم فالحداثة العربٌة
هً التً تنشؤ من حضن التراث العربً .
إن جوهر مشروعه ،هو أنه وجب علٌنا ان نتؤلك ونتفوق على ؼٌرنا فً إنتاج
الخطاب الفكري ،حٌث ٌكون لنا الحك فً اإلبداع الفلسفً وبهذا الصدد جاء مشروعه فمه
الفلسفة لمطع التبعٌة عن فكرنا اإلسالمً " وإذا كان هذا هكذا فإن " طه عبد الرحمن "
ٌمترح منهجا جدٌدا فً كٌفٌة لراءة الفلسفة ٌ،حرر فٌه المول الفلسفً العربً من رق اإلتباع
2
،و " المجتمع المسلم ما لم ٌهتد إلى إبداع مفاهٌمه ،أو إلى فضاء اإلبداع و االجتهاد "
إعادة إبداع مفاهٌم ؼٌره ،حتى كؤنها من إبداعه ابتداء فال مطمع فً أن ٌخرج من هذا التٌه
الفكري الذي أصاب العمول فٌه ".3
1
-طه عبد الرحمن ،روح الحداثة ،المدخل إلى تؤسٌس الحداثة اإلسالمٌة ،المركز الثمافً العربً ،الدار البٌضاء المؽرب ،ط ، 1،2006ص ص
. 13-12
2
-عبد الرزاق بلعمروز ،تحوالت الفكر الفلسفً المعاصر ،مرجع سبك ذكره ،ص ص . 49-48
3
-طه عبد الرحمن ،روح الحداثة ،مرجع سابك ،ص .11
101
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
اإلبداع " ،1كما ٌدعو إلى تجاوز العمبات التً وضعها الؽرب إذ ٌلح على "ضرورة
الولوؾ مولؾ االستمالل من النظرٌات التً أنتجتها تارٌخ الفلسفة فً العصور المدٌمة و
الحدٌثة ( )...فهو شرط للمشاركة اإلبداعٌة فً الفلسفة و للمساهمة فً تؽٌٌر حٌاة االنسان
العربً من الداخل ". 2
ٌتمثل الحك عند العرب فً التفلسؾ حسب "طه عبد الرحمن " " ،الحك هو ما ٌجب
للعربً من نصٌب فلسفً ،بحٌث ٌنبؽً لؽٌره أن ٌمر بخصوصٌـــــــة هذا النصٌب
الفلسفً ،فالعربً ٌحتـــاج إلى االعتراؾ بحاجته إلى إٌجاد فلسفة ٌتمٌز بها هو كعربـً
عن ؼٌره من الشعوب ،ال تَ َمٌز انمطــاع وانزواء ،ولكن تَ َمــٌز تكمٌل و اؼناء ".3
وبذلن من حك كل عربً أن ٌبدع خطاب فكري متحرر من التبعٌة " وهكذا ٌ،حك
لكل لــــــــوم أن ٌتفلسفوا على ممتضى خصوصٌتهم الثمافٌة ،مع االعتراف لسواهم بذات
الحك ،بحٌث ٌجب أن ٌنشؤ بٌن األلوام المختلفة تنوع فلسفً ٌوازي تنوعها الثمافً ،وكل
فلسفة تدعً لنفسها اإلنفراد بهذا الحك ال تكون إال فلسفة مستبدة أشبه بالعمٌدة المتسلطة منها
بالفكر المتحرر )...(،ألن فلسفة مثل هذه تنتحل حٌازة الحمٌمة المطلمة ".4
1
-ناصٌؾ نصار ،طرٌك االستمالل الفلسفً ،سبٌل الفكر العربً إلى الحرٌة واإلبداع ،دار الطلٌعة للطباعة و النشر ،بٌروت ،لبنان ،ط2
، 1979،ص . 25
2
-المرجع نفسه ،ص ص . 31 - 30
3
-طه عبد الرحمن ،الحوار أفما للفكر ،مرجع سابك ،ص .115
4
-طه عبد الرحمن ،الحك العربً فً االختالؾ الفلسفً ،المركز الثمافً العربً ،الدار البٌضاء ،المؽرب ،ط ،2002، 1ص .21
102
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
لنتفك علٌنا أن نتحاور "إن الحوار ٌسهم فً توسٌع العمل وتعمٌك مداركه بما ال
ٌوسعه وال ٌعممه النظر الذي ال حوار معه )...( ،وإذا كانت الساحة السٌاسٌة المؽربٌة لد
اخذت تستؤنس فً اآلونة األخٌرة ببعض أسالٌب الممارسة الحوارٌة ،فإن الساحة الفكرٌة
مازالت تنؤى بنفسها عن هذا الفضاء الحواري الجدٌد ".3
إن االختالؾ ٌولد الحوار " فلما كان األصل فً الكالم – كما هو معلوم – هو الحوار
و التحاور و المحاورة ،ولد ٌمتد هذا الحوار إلى الحوار مع الذات أو الحوار بٌن زوجٌن
1
-المرجع نفسه ،ص ص . 22- 21
2
-المصدر نفسه ،ص . 22
3
-طه عبد الرحمن ،حوارات مصدر سابك ،ص ص . 9-8
103
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
1
ٌ -وسؾ بن عدي ،مشروع اإلبداع الفلسفً ،مرجع سابك ،ص . 81
2
-طه عبد الرحمن ،الحك فً االختالؾ الفلسفً ،ص ص . 28،30
* المناظرة هً "فن تدمٌر الخصم "انظر :علً أو ملٌل "،المجالس و الثمافة العربٌة :مجلس أبً سلٌمان السجستانً "،مجلة المناظرة ،العدد
(3حرٌزان ٌ/ونٌو ،)1990ص . 8
3
-المصدر نفسه ،ص . 31
104
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
وٌعرؾ الحوار النمدي كالتالً " هو الحوار االختالفً الذي ٌكون الؽرض منه دفع
االنتمادات –أو لل االعتراضات – التً ٌوردها أحد الجانبٌن المتحاورٌن على رأي – أو
لل دعوى – اآلخر بؤدلة معمولة و ممبولة عندهما معا ". 1
وبهذا "فإن الحوار االختالفً مع األمم و الحضارات األخرى ال ٌنفً على وجه
اإلطالق ،االستفادة منها وتبنً بعض التراحاتها وتصوراتها التً ال تجافً الفطرة اإلنسانٌة
وال تناهض الكرامة البشرٌة المتنوعة ،لذا كان للؽة االختالؾ دور حاسم فً مواجهة
أفات اجتماعٌة و سٌاسٌة و فكرٌة هابلة ومنها :العنؾ ،واالنؽالق ،و الصراع ". 2
ال ٌخفى عنا أن التعصب لرأي ٌسبب العنؾ لولؾ الحوار و المنازعة وذلن
باستخدام العنؾ المادي أي عن طرٌك الٌد أو العنؾ المعنوي وٌتمثل فً استخدام لوة
اللسان وهنان مولؾ آخر ألل عنفا وذلن عن طرٌك تدخل الوسٌط " باللجوء إلى الحل
الوسط أو بإجراء المرعة ( )...ومن هنا ٌتضح أن المنازعة التً تضاد الجماعة وتضعفها
إنما هً المنازعة التً تلجؤ إلى العنؾ " ،3ولد وضع " طه عبد الرحمن " بعض الضوابط
للحوار االختالفً النمدي ولسمها إلى ثالثة ألسام وهً الضوابط الصارفة للعنؾ و
الضوابط الصارفة للخالؾ و الضوابط الصارفة للفرلة .
1
-المصدر نفسه ،ص . 33
2
ٌ -وسؾ بن عدي ،مشروع اإلبداع الفلسفً ،مرجع سابك ،ص . 83
3
-طه عبد الرحمن ،الحك العربً فً االختالؾ الفلسفً ،مرجع سابك ،ص . 34
105
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
1
-المصدر نفسه ،ص ص ص . 40-39-38
2
-المصدر نفسه ،ص ص . 42-41
3
ٌ -وسؾ بن عدي ،مشروع االختالؾ الفلسفً ،مرجع سابك ،ص . 85
4
-طه عبد الرحمن ،الحك العربً فً االختالؾ الفلسفً ،مرجع سابك ،ص . 45
106
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
إن فابدة االختالؾ " ٌجلب الحوار وٌصون الجماعة ،فنحن حٌنما ندعو إلى االختالؾ
الفلسفً بٌن األلوام ،فإننا ندعو ،فً ذات الولت ،إلى الحوار الفلسفً بٌنها من جهتٌن
اثنٌن :أحداهما أن الفلسفة بموجب طبٌعتها االجتهادٌة ،تشترط االختالؾ ،واالختالؾ
ٌشترط الحوار " ،1والثانٌة " أن االختالؾ الفلسفً ٌكون بٌن األلوام المختلفة أشد منه بٌن
األفراد المختلفٌن داخل الموم الواحد ،فٌكون أدعى إلى التفلسؾ ،وإذا على لـــدر
االختالؾ ،تكون الممارسة الفلسفٌة ،فإن زاد زادت وإن نمص نمصت ٌ ،لزم من هذا أننا
نكون فً حالة اختالفنا الفلسفً مع األلوام األخرى أو َ
ؼ َل فً التفلسؾ منا فً حالة اختالفنا
مع أفراد من بنً لومنا ". 2
3
" إن االختالؾ ضرورة جدلٌة لتطور الفكر و التارٌخ كما أكـد على ذلن هٌؽل "
كما "من شروط االختالؾ الفكري التحرر من آفة التملٌد و التبعٌة و محاولة اإلتٌان بما لٌس
عند الؽٌر من مموالت ()...توافك ممتضٌات التداول اللؽوي و المعرفـــــً وحتى العمدي ،
إذ بذلن تكون األمة العربٌة و اإلسالمٌة على طرٌك اإلبـداع و التجدٌد وإن االختالؾ
الفكري ال ٌستوي إال إذا امتد إلى تموٌم اآلفات الخلمٌة ونــــمد المعضالت االجتماعٌــــــــة
و السٌاسٌة ". 4
1
-المصدر نفسه ،ص ص . 47-46
2
-المصدر نفسه ،ص . 47
3
-عبد الرحمن الٌعموبً ،الحداثة الفكرٌة ،مرجع سابك ،ص . 73
4
ٌ -وسؾ بن عدي ،مشروع اإلبداع الفلسفً ،مرجع سابك ،ص . 87
107
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
إن الفكر الشمولً الذي خلفه الوعً الفلسفً الؽربً ،لم ٌعد لادرا ،على معالجة كل
المشاكل اإلنسانٌة من رؼم اعتراؾ الٌونان بؤن الفلسفة كلٌة إجماال فً وحدة الطبٌعة
اإلنسانٌة ووحدة العمل ولكن هذا معارض ألن " مبدأ إتحاد الطبٌعة اإلنسانٌة ،على فرض
صحته ،ال ٌلزم منه بالضرورة إتحاد العمل ( )...مبدأ طبٌعة اإلنسان ال ٌوجــب اتحاد
العمل ،وكل ما ٌوجبه هو حصول االشتران فٌه ،واالشتران فً العمل ؼٌر اإلتحــــــــــاد
فٌه ،وإن مبدأ اتحاد العمل ،على تمدٌر صحته إن ال ٌلزم منه بالضرورة إتحــاد الفلسفة
،ذلن أن العمل ،لو فرضناه واحدا ،فإن فعالٌاته لٌست واحدة ".1
كما أن " العمل لٌس ذاتا لابمة بذاتها كما تصور الٌونـان بمدر مــا هو فعالٌـــة مثله
فً ذلن مثل اإلدراكــات اإلنسانٌة األخرى ،كــالسمع و البــــــصر وشــؤن الفعالٌـــة أن
2
،وإذا تمرر أن الملب مصــدر العمل فإن " تتؽٌـــر بتؽٌــر األسبــــاب و الظروؾ "
العمل الصـــادر عن المـــــلب هو عبارة عن التناص العاللات ،فالملب ٌموم بعملٌة ربط
األشٌاء بعضها مع بعض ممٌما عاللات فٌما بٌنها )...(،فالٌونان كـــانوا ٌنظرون إلى هـــذا
الـــربط على أنـــه شامل للكون ،بحٌث ٌشكل العمل نظام الكون )...(،فً حٌن أن العمل
عند المحدثٌن هو ربط بٌن وسابل وؼاٌات على أساس أن هنان أشٌاء تعتبر ؼاٌات ()...
والربط العملً هو أن تجعل لكل ؼاٌة وسٌلة ". 3
ٌتضح اعتبار المول بالكونٌة الكٌانٌة للفلسفة لول باطل ومبالػ فٌه فالفلسفة الٌونانٌة فلسفة
لومٌة خاصة بتارٌخ معٌن فكانت أساطٌرهم لومٌة و معارفهم لومٌة وحكمهم لومٌة
1
-طه عبد الرحمن ،الحك العربً فً االختالؾ الفلسفً ،مرجع سابك ،ص . 55
2
ٌ -وسؾ بن عدي ،مشروع اإلبداع الفلسفً ،مرجع سابك ،ص . 87
3
-طه عبد الرحمن ،الحوار أفما للفكر ،مرجع سابك ،ص . 42
108
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
وبهذا االعتبار "وضع الكاتب" طه عبد الرحمن " معاٌٌر لفحص وتموٌم تلن العمالنٌة
بمنحاهما األرسطً و الدٌكارتً ومنها »:معٌار الفاعلٌة ،ومعٌـــار التموٌم ،ومعٌار
التكامل « ولد تمت هذه المراجعة التموٌمٌة فً مناسبات كثٌرة و سٌالات مختلفة ،سواء
فً إطار الترجمة و الفلسفة ،أو فً معرض النمد األخاللً ،أو فً نطاق بناء ترتٌب رتب
العمالنٌات »المجردة أو المسددة أو المإٌدة« ".1
لمد سمحت هذه المعاٌٌر من " فسح المجال أمام فكرة التعدد فً الفلسفات ،و مشروعٌة
االختالؾ فً المفاهٌم و التنوع فً االحكام و المٌم ،بل أسهمت فً تكرٌس الحك العربً و
االسالمً فً االختالؾ الفكري و من ثمة فإذا بطل أن تكون الفلسفة كلٌة ،وجب أن تكون
جزبٌة ال تتعلك إال بفبة الفالسفة الذٌن نشؤوا فً حضن ثمافً خاص " . 2
هنا ٌ ،كون الطرٌك الملكً نحو بناء أو إنشاء فضاء فلسفً عربً جدٌد ال ٌعتمد فً الفلسفة
3
الخالصة و أسطورتها و ال تمٌل كل المٌل إلى العمالنٌة المجردة المفلسة "
إن "الفلسفة الكونٌة بنٌت على بنى ٌهودٌة التً أنتجها النظام العالمً الجدٌد والذي
أطلك علٌه اسم "العالمٌة فً الفلسفة " فكانت هذه الفلسفة ذات أصول ٌهودٌة تخدم المجال
السٌاسً فمط فؤصبح ما ٌسمى التهوٌد فً الفلسفة ،فالعالمٌة المفروضة هنا بنٌت لرلعة
1
ٌ -وسؾ بن عدي ،مشروع اإلبداع الفلسفً ،مرجع سابك ،ص . 88
2
-المرجع نفسه ،ص .88
3
-المرجع نفسه ،ص 88
109
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
جؽرافٌة ما ومكان معٌن وإذا انتشرت فتكون من خالل الهٌمنة االستعمارٌة أو الموة المادٌة
1
فعلى المفكر العربً أن ٌتحــــلى بمجموعة من المٌــم لٌتخلى عن هــذا اإلرث الٌهـــودي"
" إذ المٌم هً جملة المماصد التً ٌسعى الموم إلى إحمالها متى كان فٌها صالحهم ،
عاجال أو أجال ()...أما المعاٌٌر ،فهً جملة الوسابل التً ٌتوسل بـها الموم فً جلب المٌم
الصالحــــــة ".2
تعتبر الفلسفة على حسب إدعابهم أنها كونٌة ولكنها لامت على خلفٌات لذلن على المفكر
العربً المعاصر أن ال ٌمعد ساكنا " فمد آن األوان لكً نخوض معركة اصطالحٌة نواجه
فٌها مصطلحات الفضاء الفلسفً المتهود بمصطلحات تدفع عنا شرور التهوٌد ،فنفرق حٌث
لم ٌفرق أهل الفضاء ،ونجمع حٌث لم ٌجمعوا ،ونصرح بما أضمروا ونسمعهم ما لم
ٌسمعوا ،ونستشكل ما لم ٌستشكلوا ،ونفلسؾ ما لم ٌفلسفوا ،أو لل باختصار ننشا فً
3
الفكر ما لم ٌنشبوا ،فإن لوة االصطالح ؼدت ال تمل عن لوة السالح "
إن تارٌخ الفلسفة انبنى على االعتراؾ بالكونٌة الفلسفٌة واتخذ شكلٌن هما الصورة
اإلؼرٌمٌة التً تدعً بالكلٌة للفلسفة وثانٌا الصورة أوربٌة تدعً أن الفلسفة عالمٌة وعلى
أساس هذا ظهرت عدة انتمادات كارتباط الفلسفة بالسٌاق التارٌخً االجتماعً وارتباطها
1
-أنظر ،طه عبد الرحمن ،الحك العربً فً االختالؾ الفلسفً ،مصدر سابك ،ص .65
2
-المصدر نفسه ،ص. 68
3
-المصدر نفسه ،ص . 79
* المٌام :األصل فً المٌام هو الحركة والعمل ،وضد الفعل " :لام " هو " لعد " ،والمعود إنما هو سكون و جمود .
** الموام :هو مجموعة المٌم التً ٌؤخذ بها بها الموم .
*** المومة :هً عمل الجهاد و االجتهاد الذي ٌموم به الموم على بكرة أبٌهم .
110
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
بالسٌاق اللؽوي واختالؾ الفالسفة فٌما بٌنهم و ال مفر للفٌلسوؾ العربً إلى الولوؾ فً
وجه التهوٌد الجاري للفلسفة الحدٌثة ،إلى بخلك فضـاء فلسفً عربً ٌستند إلى لومٌة حٌة
تتصؾ بخصابص ثالث " :المٌام* " "،الموام **""،المومة ***" وعلٌنا أن نتسلح بمجموعة
من الخطط منها "خطة المماومة التً توجـــــــــب أن نمارس االعتراض على كل المفاهٌم
الفلسفٌة المنمولة ،وال نمبل منها إال ما تؤكدنا من صحته بواسطة األدلة الماطعة وتؤكدنا من
فابدته بواسطة المٌم النافعة ،وثانٌا ،خطة التموٌم التً توجب أن نحفظ الصلة بٌن المفاهٌم
الفلسفٌة وبٌن المٌم التً توجه العمل فً مجالنا التداولً أو بٌنها وبٌن المٌم التً تكون ثمرة
هذا العمل ،حتى تبمى هذه المفاهٌم حٌة تإدي وظٌفتها فً إٌماظ اإلنسان العربً ".1
على المفكر العربً أن ٌخلك فضاء فلسفً عربً مبدع تتوفر فٌه الخصوصٌة
المومٌة حٌث ٌكون مبنً على أسس ومفاهٌم وتصورات ؼٌر جامدة وعلى لواعد اللؽة
والمعرفة و العمٌدة ،كما أنه علٌنا أن نعٌد االعتبار إلى جانبٌن هما الجــانب اإلستنتـــــاجً
و التخٌلً فعلى المتفلسؾ لكً ٌبدع أن ٌتحمك فً الخصوصٌة االشارٌة " إن الطرٌك نحو
التحرر من التملٌد الفكر الكونً المزعوم ،بفعل ولاحة االستعالء وولاحة االجتثاث ،هو
تؤسٌس الفكر الفلسفً العربً على جملة من األمور األساسٌة ومنها :أن الفلسفة فً
جوهرها فلسفة تؤثٌلٌة بمعنى تؤخذ بالمدلول الفلسفً العربً وبناء المدلول االصطالحً علٌه
وضعا وتوظٌفا ".2
1
-المصدر نفسه ،ص ص . 81- 80
2
ٌ -وسؾ بن عدي ،مشروع اإلبداع الفلسفً ،مرجع سابك ،ص . 90
111
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
112
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
هنان عوابك جعلت المثمؾ العربً ٌنحصر فً ركن الجمود العملً وتخبط فً التبعٌة
لذلن ٌرى "طه عبد الرحمن " أن التملٌد دخل على الفلسفة اإلسالمٌة من خالل الترجمة
التً ارتبطت صلتها بالفلسفة ،وهذا ما أنتج العاللة بٌن الفلسفة والترجمة ،فالسبب األول
الذي أدى إلى انطفاء الفلسفة أال وهو الترجمة " فلم ٌمترن شًء فً الفكر اإلسالمً العربً
.1ففلسفتنا بالترجمة التران الفلسفة بها حتى ال فلسفة معترؾ بها بٌننا بؽٌر ترجمة "
فلسفة مترجمة .
حٌاة الفلسفة تماس بمدى تمٌز الفلسفة باإلبداع وموتها ٌماس بفمدان هذا اإلبداع وهذا ما
جعلنا نحكم على أن الفلسفة العربٌة ال إبداع فٌها ،و سبب فً هذا هو الطرٌمة التً تمارس
بها هذه الترجمة "وال سبٌل إلى حٌاة الفلسفة إال بترجمة ناطمة ومبصرة ،وال ٌمكن أن
تكون الترجمة ناطمة حتى تتوسل بالبٌان العربً فً نمل ألفاظ األصل و تبلٌػ مضامٌنه ولو
التضى ذلن التصرؾ بحسب الحاجة فً هذه األلفاظ وهذه المضامٌن ،ألن النمل ،متى لم
ٌكن إال باأللفاظ المَ ِلمَة و المضامٌن المستؽلمة ٌ ،صٌر ضرره أكثر من نفعه ،ألنه ٌَ ُ
شل لوة
الفهم عند المتلمً ،فٌزٌد فً جهله ".2
1
-طه عبد الرحمن ،فمه الفلسفة (،المول الفلسفً ،كتاب المفهوم و التؤثٌل ) ،المركز الثمافً العربً ،بٌروت ،الطبعة االولى ،1999 ،ص
.19
2
-طه عبد الرحمن ،حوارات من أجل المستمبل ،مرجع سابك ،ص ص .106-105
113
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
كما أن " الترجمة الفلسفٌة العربٌة ولعت فً التملٌد ،مخلة بممتضى اإلبداع من
جهتٌن ،اذ ال ابتكار فٌها و ال جمال ،وهذا هو بالذات السبب الذي جعل الشروح تتسلسل
وال تنتهً ،ولٌس ذلن لعمك األفكار وجدتها ،وإنما لركاكة العبارة التً تجعل األفكار
ُمستؽلمة على األذهان فٌتعاطى ال ُ
ش َراح الواحد تلو األخر رفع ذلن االستؽالق ،كل على
لدره ".1
كان اعتراض " طه عبد الرحمن " على الترجمة الواحدة للكتاب الواحد وحجته فً
ذلن أن الترجمة تختلؾ عبر الزمان والمكان و األحوال و الظروؾ و اختالؾ المترجمٌن
فٌما بٌنهم " أن تعدد ترجمات الكتاب الواحد بتعـــدد المترجمـٌن تكرار فٌه إهدار للجهد
( ، )...وإن المترجمٌن لٌسوا صنفا واحدا ،بل أصنافا متعددة ( ، )...فنجد بٌنهم من ٌمدم
1
-المصدر نفسه ،ص .69
* الترجمة التحصٌلٌة :التً تتمسن بحرفٌة اللفظ ،بحٌث ال لفظ من ألفاظ النص إال نملته ،ولد تزٌد األلفاظ عن نصها األصلً ،وال تنمص .
** الترجمة التوصٌلٌة :التً تتمسن بحرفٌة المضمون دون حرفٌة اللفظ ،بحٌث ال معنى من المعانً النص إال نملته .
* ** الترجمة التؤصٌلٌة :وهً التً تتصرؾ فً المضمون كما تتصرؾ فً اللفظ ،بالمدر الذي ٌمكن المتلمً من اكتساب المدرة على التفلسؾ .
2
-طه عبد الرحن :فمه الفلسفة ( ،المول الفلسفً ،كتاب المفهوم و التؤثٌل ) ،مصدر سابك ،ص . 20
114
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
لؽة األصل على لؽة النمل ،ومن ٌمدم لؽة النمل على لؽة األصل ،وأٌضا من ٌنظــــــــر
إلى النص بعٌن المإلؾ ومن ٌنظر إلٌه بعٌن المتلمً " .1
" من المإكد أٌضا أن للترجمة أصوال وجذورا دٌنٌة مسٌحٌة و توراتٌة تسهم فً
تعارضها مع عمالنٌة الفلسفة و شمولٌتها " ،2فنجدها تعارض خصوصٌة الفلسفة " ٌحصل
التعارض بٌن شمولٌة الفلسفة و خصوصٌة الترجمة ،فالفلسفة تطمح إلى التناص المعانً
الكلٌة ،إذ ال علم إال بالكلٌات ،و الترجمة تنكب على لؽات خصوصٌة عند ممارستها على
النصوص الفلسفٌة مانعا ٌمنع الفلسفة من الوصول إلى ؼرضها فً التناص المعانـــــــــً
و الحمابك الكلٌة ".3
ٌلزم على مشتؽل الفلسفة تلمً النصوص الفلسفٌة عبر الترجمة التؤصٌلٌة حتى تحصل
له الملكة الفلسفٌة ،أو كما ٌطلك علٌها " الفلسفة الحٌة " * فالفلسفة لٌست تحفظ عن الؽٌر
وإنما هً إبداع أو لل باألحرى هً طرٌمة ٌتحمك بها االرتضاء فً الفكر و االتســــــــاع
فً العمل وإال كان ضرر المنمول فً الفلسفة أكثر من نفعها .
ٌصنؾ "طه عبد الرحمن " فً المرتبة الثانٌة الترجمة التوصٌلٌة لٌدرن الفروق بٌن
المضامٌن الفلسفٌة ،فٌمتبس منها ما شاء و ٌصرؾ ما شاء بحسب طالته وحاجتــــــــــه ،
ثم الترجمة التحصٌلٌة ،لٌدرن الفروق بٌن التعابٌر الفلسفٌة فٌمٌس على ما شاء و ٌطرح ما
1
-طه عبد الرحمن ،روح الحداثة ،المدخل الى تؤسٌس الحداثة اإلسالمٌة المركز الثمافً العربً ،المؽرب الطبعة االولى ، 2006،ص
.151
2
ٌ - -وسؾ بن عدي ،مشروع االبداع الفلسفً العربً ،مرجع سابك .151،
3
-المرجع نفسه ،ص .151
* الفلسفة الحٌة المراد بها الفلسفة التً تنتمل عن الؽٌر المضمون الفلسفً ،ناظرة فً أسبابه التداولٌة
115
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
شاء ،فٌكون المترجم حرا ال ممٌدا و مجددا ال مملدا " وهكذا اندفع بعض علماء األلسن
المعارضٌن إلى بناء لؽة جامعة و هو األمر الذي ٌجعل الترجمة تطمح إلى ما تطمح إلٌه
الفلسفة من تحمٌك الشمولٌة بحٌث ٌصرح وال تكون اللؽة الجامحة التً جعلها بعض
اللسانٌن مطٌة تخلع و صؾ الشمولٌة على الترجمة ،فً جوهرها إال اللؽة الكلٌة نفسها
التً تعمل الفلسفة على بنابها ،فتبمى الشمولٌة من نصٌب الفلسفة وحدها ،وتعود الترجمة
إلى سابك خصوصٌتها ".1
الواضح أن هنان عدة أسباب أدت إلى تعثر الترجمات العربٌة بسبب إنشابها للؽة
هجٌنة فؤفضى إ لى " مخالفة لواعد المجال التداولً العربً سواء على مستوى التعبٌــــــــر
و الصٌاؼة أم على مستوى التركٌب و البناء و بهذا انتشرت ( )...الترجمة الحرفٌـــــــــــة
و الترجمة الحرة ،هذه األخٌرة التً تشـــمل كما ٌمول " طه عبد الرحــمن " الترجمــة
التحصٌلٌــــــة و الترجمة الشرحٌة و الترجمة التفسٌرٌة و هً على الحمٌمة ضروب من
النمل تنــــــدرج مع هذه األنواع فً باب الترجمة الحرة ".2
وعلى هذا ٌعتبر "طه عبد الرحمن " أن الترجمة االستكشافٌة * هً التً تفتح األفك أمام
المترجم " إن الترجمة االستكشافٌة هً الترجمة التً تكشؾ للمتلمً طـــــرق إبـــــداع
نظٌر أو نظابر للنص األصلً ،3و ذلن لتحمٌك التكامل " الترجمة المنطمٌة و الترجمة
الداللٌة و الترجمة التركٌبٌة ( )...الترجمة المنطمٌة فهً تختص فً نــــمل البنى العملٌة
1
-المرجع نفسه ،ص . 151
2
-المرجع نفسه ،ص . 152
* الترجمة االستكشافٌة :هً الترجمة التً تتطلع إلى نمل هذه الطرق على الوجه الذي ٌوصل المتلمً إلى وضع نص ٌضاهً نص المإلؾ .
3
-طه عبد الرحمن ،روح الحداثة ،مصدر سابك ،ص . 162
116
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
التً تشكل المحتوى الفكري للنص األصلً ( )...و أما الترجمة الداللٌة فهً التً تسعى
سعٌا جدا إلى نــمل البنى المعنوٌة التً توسلت بها – أو وردت لـــــــها – بنى المنــطمٌة
فً النــص األصلً ( )...و أما الترجمة التركٌبٌة فهً التً تنمل البنى النحوٌة التً توسلبها
– أو صٌؽت لها البنى الداللٌة " ،1و نخلص من هذا " أن للمترجم و وظٌفتٌن أساسٌتٌـــــن
و هما :حفظ االختالؾ فً األصول الفلسفٌة الحاصلة بٌن الثمافات ،الثمافة الناللة و الثمافة
المنمولة ،والوظٌفة الثانٌة التً ٌنبؽً فٌها للمترجم أن ٌحفظ جوانب االتفاق و جوانب
االفتمار إلٌها و بالتالً ،تضحً تبعٌة الفلسفة و الترجمة تبعٌة اتصالٌة " .2
ٌتضح " أن الترجمات التً الترحتها من شؤنها أن تخلصنا من نٌر التملٌد ،نظرا ألنها تصل
المترجمات بما عند المتلمً من أسباب التداول ( )...تستطٌع هذه الترجمات أن تحٌـــــــــى
فً الملوب والعمول وال ِمراء فً أن هذه الحٌاة من الداخل هً الشرط الذي ال ؼنى عنه فً
كل اجتهاد مجدد و كل إبداع مإصل ".3
علٌنا التفرٌك بٌن روح الحداثة و الحداثة الغربٌة للخلط الداللً و اختالؾ التعارٌؾ
التً وضعت للحداثة عند الفالسفة العرب والغرب " ،فإن التفرٌك بٌن "روح الحداثــــــة "
و بٌن " الحداثة الؽربٌة " بوصفها أحد تجلٌاتها الوالعٌة أو التارٌخٌة أو الخلمٌة وٌمكننا من
رفع اللبس الذي ٌكتنؾ مفهوم "الحداثة " متسببا فً تهوٌله و تعجٌز الشعوب ؼٌر العربٌة
1
ٌ -وسؾ بن عدي ،مشروع اإلبداع الفلسفً ،مرجع سابك ،ص ص . 153- 152
2
-المرجع نفسه ،ص .159
3
-طه عبد الرحمن ،حوارات من أجل المستمبل ،مصدر سابك ،ص .114
117
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
على النهوض بممتضٌاته ٌ ،بمى إذا أن نمؾ على ماهٌة هذه الروح ،حتى نبٌن كٌؾ أنها ال
تختص بالحداثة الؽربٌة ،بل إنها تتعداها " ، 1فلنسؤل إذن ما هً خصائص روح الحداثة ؟
إن مفهوم الحداثة ال ٌخلو من صعوبة فً ضبط المعنى ،فلٌست هنان لوانٌن تخص
الحداثة وإنما لها سمات وخصابص تمٌزها " إنما الحداثة تجدٌد ال تملٌد .وإنما المملد من إذا
لٌل له من أ ٌن لن هذا ٌمول سمعت الؽٌر ٌموله فملته .ولذلن فإنه ألن ٌكون المرء "حداثٌا "
معناه أال ٌملد الحداثً فً شًء من أمره ،وإال إنملب هو إال " مملد " .ومن شؤن الحداثة
أ نها ال تمبل التملٌد .فكل مبدع حداثً وكل مملد ؼٌر حداثً حتى ولو للد الحداثة .فــمد
تحمك ،أن الحداثة ال ٌمكن أن تكون إال إبداعا ،و أن ما من تمالٌد لها إال وهو النسخ وما
من نسخ لها وإال و هو مسخ ".2
" إن روح الحداثة هً لـــــٌم كونٌة ،لكن دافـــع الحداثـة هو تـطبٌك مـحلً ولـٌس
كـونً .بـــــــل أن ثمة ،على التحمـٌك ،ضربٌــــــن من الكونٌــــــــــــة " :كونٌة سٌالٌة "
،ومبناها على أن الشًء و إن هو أبدع فً مكان ما فمد ٌعاد إبداعه فً مجتمع آخر .ومثال
ذلن :حــــموق اإلنسان ،كـــــونٌة ؼٌر سٌالٌة ،ومعناها أن الشًء إن هو أبدع فً مجتمع
فإنه ال ٌبدع فً مجتمع آخر ،بل ٌإخذ على أصله فتفهم ".3
1
-طه عبد الرحمن ،الحداثة والمماومة ،معهد المعارؾ الحكمٌة ،سنتر صولً ،ط ،2007، 1ص .22
2
-دمحم الشٌخ ،جاذبٌة الحداثة و مماومة التملٌد ،دار الهادي ،لبنان ،الطبعة االولى ،2005،ص 208
3
-دمحم الشٌخ ،جاذبٌة الحداثة و مماومة التملٌد ،مرجع سابك ،ص .210
118
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
حددت مبادئ فً أسس ثالثة وهً " :مبــدأ الرشد "* " ،مبدأ النـــمد "** " ،مـــبدأ
الشمول "*** المبدأ األول :هو "مبدأ الرشد فهذا المبدأ ٌتفك مع الحداثة ومع التصور
التداولً اإلسالمً . )...( ،وللذٌن ٌؤخذون بوالع الحداثة الؽربٌة من أبناء ألمة لم ٌحمموا
مبدأ الرشد علً اإلطالق ،ألنهم ظلوا لاصرٌن ومملدٌن لؽٌرهم ،فإذا ً ال تتـــحمك فٌهم
1
،إن عمل بهذا المبدأ ٌخرج صاحبه الحداثة ،بل حداثتهم مملدة ،وال رشد مع التملٌد "
من حالة لصور واإلتباع الى حـــالة الرشد ،وٌبنى هذا المبدأ على ركــــــنٌن أساسٌٌن هما
االستمالل * واإلبداع * .
المـــــــبدأ الثانً :هو "مبدأ النمد ممتضى هذا المــــــــبدأ هو أن األصل فً الحداثة هو
االنتمال من حال االعتماد الى حال االنتماد ( )...وهو االستــدالل العملً على األشٌاء و
الفصل التمنً بٌن مجـــــــــــــــــــــاالتها ( )...إذ ال ٌكتفً الحـــداثً بؤن ٌعــرض أراء
ؼٌره على مـــحن العمل ،مناظرا له ،بل إنـــــه ٌـــــلتزم عند النـظر فً ظواهر العــالم و
مــإسسات المجتمع و سلوكات اإلنسان و موروثات التارٌخ كلها بممتضٌات العمـــالنٌة
وحــــــــــدها " ،2وٌموم هذا المبدأ وٌتؤسس على المطالبة بالتــــدلٌل لكً ٌتحمك التــــسلٌم
* االستمالل ٌ :مصد به بلوغ مستوى ٌمكن من الوصاٌة على الذات والفكر بحٌث ٌستطٌع اإلنسان الراشد تحمٌك ذاتٌته فً التؤمل
* اإلبداع :هو لدرة اإلنسان على السعً إلى أن ٌبدع أفكاره وألواله وأفعاله.
2
-طه عبد الرحمن ،الحداثة والمماومة ،مصدر سابك ،ص .24
119
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
به .ولذلن فـــــهو ضروري وأساسً ،ألنه ٌعكس مدة لدرة العمل وٌبنى على ركنٌن هما
التعمٌل * و التفصٌل* * .
المبدأ الثالث " :مبدأ الشمول "و "ممتضى هذا المبدأ األخٌر هو أن األصل فً الحداثة
االنتمال من حال الخصوص إلى حال الشمول ،و الراد بالخصوص هنا نوعٌن :خصوص
المــجال ،ذلن أن كـــل شًء ٌوجد فً مجــــــــــــــال مخصوص تحـــــده حدود معٌنة ،
و الثانً ،خصوص المجتمع ،ذلن أن أفراد كل مجتمع مخصوص ٌتمٌزون بصفات
حضارٌة وثمافٌة محدودةٌ ،كون المراد بالشمول هو المدرة على تجاوز هاتٌن
الخصوصٌتٌن :خصوصٌة المجال وخصوصٌة المجتمع ،والتؤثٌر فً مختلؾ المجاالت
الحٌاتٌة ومختلؾ المجتمــعات اإلنسانٌة " ،1وٌـــموم هـذا المبدأ على ركنٌن أسـاسٌٌن همـا
:التوسع والتعمٌم ،فالتوسٌع ٌعنً أن أفعال الحداثة تطال كافة المجاالت ،وجمٌع
المستوٌات " ال تنحصر أفعال الحداثة فً مجال أو مجاالت بعٌنها ،بل إنها تنفذ فً كل
مجاالت الحٌاة و مستوٌات السلون ،فتإثر فً مجاالت الفكر و العلم و دٌن واألخالق ".2
أما التعمٌم فٌعنً إلى أ ن أفعال الحداثة تتعدى كل الحدود التارٌخٌة و الجؽرافٌة وحتى
الحضارٌة منها ،لتبدأ عملٌة محو الفروق بالتدرٌج وهذه هً العولمة " ال تبمً الحداثة
حبٌسة المجتمع الذي نشؤت فٌه ،بل إن منتجاتها التً تكون عالٌة التمنٌة ولٌمها التً تدعو
بموة إلً تحرٌر اإلنسان ترتحل إلً ما سواه من المجتمعات ،أٌا كانت الفروق التارٌخٌة
* التعمٌل :أو العملنة هو االستناد إلى المبادئ العمالنٌة ( التنبإ ،التجرٌب ،الحساب ،التطبٌك ) فعلى الظواهر العلمٌة و مإسسات االجتماعٌة
أن تخضع لهذه المبادئ .
* * التفصٌل :أو التفرق وهو تحوٌل العناصر المتشابهة فً شًء إلى عناصر متباٌنة من أجل ضبط آلٌات كل عنصر .
1
-المصدر نفسه ،ص .25
2
-طه عبد الرحمن ،روح الحداثة ،مصدر سابك ،ص . 28
120
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
والثمافٌة بٌن الطرفٌن ،ثم تـؤخذ علً التـدرٌج فً محو هـذه الفروق ،بـــــــــل ارتحال هذه
البضابع واألفكار ٌتزاٌد شدة وسرعة بتزاٌد أشكال التمدم التمنً فً وسابل النمل ووسابط
االتصال ".1
إن لروح الحداثة نتابج متعددة من بٌنها " تعدد تطبٌمـــــات روح الحـــداثة ،ذلــــن
أن التطبٌك ال ٌستنفذ المبدأ )...( ،وأٌضا التفاوت بٌن والع الحداثة وروحها ( )...و النتٌجة
الثالثة هً خصوصٌة والع الحداثة الؽربٌة ( ، )...أمــا النتٌجـــــة المركزٌة التً أوردها
" طه عبد الرحمن " فهً أننا نتساوى جمٌعا فً النتساب إلى روح الحداثة ،و ألن هــــذه
الروح لٌست ملكا ألمة بعٌنٌٌها،ؼرٌبة كانت أم شرلٌة "وإنما هً ملن لـكل أمة متحضرة
،أي لكل أمـــة نهضت بالفعلٌن الممومٌن لــــــكل تحضر ،وهما الفعل العمرانً وهو
الجانب المادي من هذا التحضر والفعل التارٌخً الذي هو الجانب المعنوي منه ".2
1
-المصدر نفسه ،ص .29
2
-عبد الرزاق بلعمروز ،تحوالت الفكر الفلسفً المعاصر ،مرجع سابك ،ص . 55
121
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
لـــمد كرم هللا عز وجل اإلنسان بملكة عملٌة وهً الحــــــــد الفاصل بٌن اإلنسانٌــــــة
و البهٌمٌة ،وٌجب أال تنملب هذه الملكة على اإلنسان بحٌث تجـــــــرده من
أخاللٌاتــــــــــــه و لٌمه ،فاألخالق هً وحدها التً تجعل أفك اإلنسان مستمال عن أفك
البهابم ،ومن المـــــــــعلوم أن العمالنٌة لسمٌن أولهما العمالنٌة المجردة من " األخاللٌة " ،
وهذه مشتركة بٌن اإلنسان و الحٌوان ،وهنان نوع أخر ٌطلك علٌه العمالنٌـــــة المســـددة
باألخالق ،وهً التً تختص باإلنسان فمط ،وخطاء المحدثٌن اعتبروا المسم األول خاص
باإلنسان والصواب هو األخاللٌة هً التً تجعل اإلنسان إنسانا ولٌست العمالنٌة كما
عرفناها منذ لرون بعٌدة " ولد التبس األمر على دعاة العمالنٌة من المحدثٌن ،فظنوا أن
العمالنٌة واحدة ال ثانٌة لها ،وأن اإلنسان ٌختص بها بوجه ال ٌشاركه فٌه ؼٌره.ولٌس
األمر كذلن ،إذ العمالنٌة على لسمٌن كبٌرٌن " ،1األمر الذي ٌستدعً السإال حول
تطبٌمها فً المجال التداولً العربً ؼٌر أن استخدامها فً التطبٌك اإلسالمً لروح الحداثة
ٌستوجب شروط ،ولبل التطرق إلى الشروط نتطرق إلى آفات الحداثة
هنان مجموعة من اآلفات " فمد دخلت على لٌمة " االستمالل " آفة النسبٌة ،حٌث
ولع االستمالل عن المطلك الدٌنً ،فؤصبح الحداثً ٌإمن بالنسبٌة بدل المطلك ،فً حٌن
عرضت لمٌمة " اإلبداع " آفة االنفصالٌة ،إذ أصبح اإلبداع انفصاال عن كل تراث ولطعا
1
-طه عبد الرحمن ،سإال االخالق _ مساهمة فً النمد األخاللً للحداثة الؽربٌة ،المركز الثمافً العربً ،الدار البٌضاء ،المؽرب ،الطبعة
الثالثة ،2006،ص . 14
122
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
1
،كما أنه دخلت آفات أخرى " وطرأت على لٌمة "العمالنٌة "آفة للصلة بكل ما سبك "
األداتٌة ،فتحولت إلى عمالنٌة وسابل ال تفكر إال فً تولٌد التمنٌات وتطوٌرها ،بٌنما
عرضت لمٌمة " الفصل " الحداثٌة آفة التجزٌئٌة ،وال نستؽرب أن ٌؤتً عهد ما بعد
الحداثة لٌطور التجزٌبٌة الى تفتٌتٌة " .2واٌضا "دخال على لٌمة "التؤثٌر فً المجاالت "
آفـــة المادٌة ،فبدال من تنمٌة الروح المعنوٌة ،انحرؾ هذا التؤثٌر الى تنمٌة الــــروح
المادٌة ،بٌنما طرأت على لٌمة "التؤثٌر فً المجتمعات آفة الفردانٌة ،فبدال من تنمٌة
الروح الجمعٌة تحول التؤثٌر إلى تنمٌة الروح الفردانٌة فً المجتمع ". 3
هنـــــــان ســــت آفـــــــــــــــات تبٌن لنـــا مظاهر الحداثــة الؽربٌة و هً" النسبـة "
" االنفصالٌة " "،األداتٌة " "،التجزٌئٌة " "،المادٌة " "،الفردانٌة "،فٌتعٌن علٌنا أن نعمل
لدفع هذه اآلفات للخروج بتطبٌك جدٌد لروح الحداثة ،مخالؾ لتطبٌك الؽربً وهنا نطرح
السإال كٌف لنا ان ندرأ هذه االفات ؟
فنبدأ أوال بآفة النسبٌة التً تحتاج لدفعها إلى مفهوم "" اإلطالق " و ان التوجه الى
المطلك ال تحممه إال المٌمة اإلسالمٌة التً هً " اإلخالص " ،ذلن أن المإمن ،كلما ازداد
إخالصا هلل فً أعماله ( )...ازدادا تحررا مما سواه ،حتى أنه ٌبلػ مرتبة ٌستوي عنده فٌها
الفمدان و الوجدان ،فاإلخالص هلل هو وحده الذي ٌورث الحرٌة الحمة "،4و "الحرٌة التً
1
-طه عبد الرحمن ،الحوار أفما للفكر ،مصدر سابك ،ص . 148
2
-المصدر نفسه ،ص .148
3
-المصدر نفسه ،ص .149
4
-طه عبد الرحمن ،الحداثة والمماومة ،مصدر سابك ،ص .27
123
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
تنفتح على المطلك أكثر سعة وفسحة من الحرٌة التً ال تنفتح إال على النسبً و الممٌد كما
هً "الحرٌة اللٌبرالٌة " "ٌ ،1تضح من هنا الملبسات التً ولعت فٌها الحداثة الؽربٌـــــــــة
و "ٌتبٌن كٌؾ أن الحداثة الؽربٌة ولعت فً نمٌض مـمصودها ،فـمد ظنت أن االسـتمالل
عــن الدٌن هــو الـذي ٌفضً إلى الحرٌة ،فً حٌن أن اإلخالص فٌه هو الذي ٌفضً إلٌها
فتــــكون هذه الحداثة لد تسببت فً نوع من االستعباد لإلنسان حٌث كانـت تحسب أنها
تحرره ".2
إن مبدأ الرشد ٌموم على االستمالل و اإلبداع ،ؼٌر أن التطبٌك الؽربً اختزل مفهوم
االستمالل "فً تحكم الكنٌسة ورجال الدٌن فً حٌن أن اإلنسان ٌطمع فً االستمالل فً كل
النواحً هذا ما تدعو إلٌه الحداثة اإلسالمٌة ،وأما فٌما ٌخص اإلبداع نجده اختزل فً
االنفصال عن لٌم التراث ،ولكننا نطلب " لٌمة الكمال " فٌما نحممه من سلوكاتنا .
إن المٌم اإلسالمٌة ترلً من سلوكات اإلنسان " ذلن أن المإمن ،كلما ازداد طلبا للكمال فً
صنعه ،ازداد إبداعا و تفننا فٌه ،ومتى علمنا أنه ال ٌلتمس هذا الكمال فً كــابنــات
المجردة (ٌ )...تـضح كٌؾ أن الحداثة الؽربٌة ولعت هنا أٌضا فً نمٌض ممصودها ،فمد
ظنت أن االنفصال عن التراث هو وحده الذي ٌفضً إلى اإلبداع الدال على الرشد ".3
ٌتضح من خالل لٌمة الكمال التنالض الذي ولعت فٌه الحداثة الؽربٌة بؤنها لطعت
األسباب باإلنسان لكً ٌبدع ،فحٌن تدعى أنها تصله بها .
1
-طه عبد الرحمن ،الحوار أفما للفكر ،مصدر سابك ،ص .149
2
-طه عبد الرحمن ،الحداثة والمماومة ،مصدر سابك ،ص 27
3
-المصدر نفسه ،ص .28
124
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
وذكرنا أٌضا مبدأ النمد الذي ٌستوجب " االستدالل العملً " فاختزلت الحداثة الؽربٌة
هذه المٌمة فً ممارسة العمل األداتً فٌستوجب علٌنا أن ندفع هذه العمالنٌة األداتٌة إلى
عمالنٌة مؽاٌرة لها "ونحتاج أٌضا أن نسند العمالنٌة األداتٌة إلى عمالنٌة أخرى هً
"عمالنٌة المماصد " أو " عمالنٌة المٌم " ،وال ٌوفر هذه العمالنٌة إال اإلٌمان ،فهو الذي
ٌزود اإلنسان بالمٌم التً تمدر على تهذٌب هذه األداة و توجٌهه إلى الصواب" ، 1إذن
فالعمالنٌة التً تحل محل العمالنٌة االداتٌة هً العمالنٌة اإلٌمانٌة "،فمعلوم أن اإلٌمان
محله الملب كما هو محل لكل المعانً الباطنٌة ،ومن هذه المعانً الخفٌة العمل نفسه ،
بحٌث ٌكون هو الفعل الذي ٌختص به الملب ".2
إن المجاالت تتؤثر بعضها ببعض " ،فال ٌخفى علٌنا أن هذا الوجود فٌه أشٌاء تكمل
بعضها البعض فعلٌنا أن ندفع " بالتجزٌبٌة " " ،بمٌمة التكامل " " وال ٌمكن حفظ هذا
االتصال إال باللجوء إلى المٌمة اإلسالمٌة التً تسمً " التكامل " ،ذلن أن مجاالت الحٌاة
فً اإلسالم ٌؤخذ بعضها بؤسباب بعض ،متبادلة التؤثر و التؤثٌر ،بل إن بــعضها ٌكمل
بعضا ،متداركا نمصه ودافعا عنه خلله ".3
وأخٌرا مبدأ الشمول ٌوجب التؤثٌر فً جمٌع المجاالت إال أن الحداثة الؽربٌة لصرت
هذا المفهوم على الفردانٌة فطؽت على المجتمعات ،فالمجتمع اإلسالمً بحاجة لمٌمة
روحانٌة لتدفع بالفردانٌة " فالروحانٌة لٌست ألطؾ المٌم و أشفها فمط ،بل إن فً كل لٌمة
نصٌبا منها ،حٌث أنها تشبه البإرة التً تنبعث منه كل المٌم التً ٌرتمً بها اإلنسان فً
1
-طه عبد الرحمن ،الحوار افما للفكر ،مصدر سابك ،ص .149
2
-طه عبد الرحمن ،الحداثة و المماومة ،مصدر سابك ،ص .29
3
-المصدر نفسه ،ص 30
125
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
مراتب الكمال ،وإذا خالطت الروحانٌة األشٌاء المادٌة ،بثت فٌها الموة التً تجعلها
تتجـــاوز مادٌتها ،وإال فال ألل من أن تدفع عنها ؼلواءها و تخفؾ من كثافتها ،ذلن أن هذه
المادٌات تصٌر وسابل خادمة لمٌم أسمى ".1
آخر لٌمة هً "الرحمة" " ،ذلن أن الرحمة هً المظهر الذي تتجلى به عناٌة الفرد
بؽٌره لدر عناٌته بنفسه ،ال لكون هذا الؽٌر به حاجة أكثر من حاجته أو ألن ضررا لحمه
من دونه ،بل ألن إنسانٌته ال تتم إال بؤن ٌكون مع الؽٌر بوجدانه ،وأن ٌوصل المنافع إلٌه
كما ٌوصلها إلى نفسه ".2
مما طرحناه سابما ٌتضح لنا أن المٌم اإلسالمٌة لادرة على بناء نموذجا جدٌدا ال ٌكون
مجرد تطبٌك لروح الحداثة ،وإنما ٌرتمً بها أٌضا "فان الحداثة هً الروح التً تجعل
اإلنسان ٌتملب فً مدارج الرلً ،ومعنً هذا أن التارٌخ البشري عبارة عن تعالـب
األطوار ،محمما مزٌدا من التمدم الحضاري لإلنسانٌة ،فهذه الروح التً تتخذ ،فً كل
مرحلة شكال معٌنا من التطبٌك هً التً ٌنبؽً أن نؤخذ بها الٌوم ونتوسل بها فً تحمٌك
نهضتنا ".3
1
-مصدر نفسه ،ص .31
2
-مصدر نفسه ،ص .32
3
-طه عبد الرحمن ،الحوار أفما للفكر ،ص .151
126
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
الرحمن :
-حدود مشروع طه عبد ّ
أما المفكر النالد المؽربً مح ّمد سبٌال و فً نطاق لراءته للمشروع الحداثً لطه
الرحمن ،فٌتفك معه فً انهمامه بالتفكٌر فً كٌفٌة الخروج من مؤزق التبعٌة الفكرٌـة
عبد ّ
و التملٌد األعمى ،كونها الؽاٌة التً ٌصبو إلٌها أي فكر و نستشؾ هذا من لوله " :إن هذه
األصولٌة الفلسفٌة التً ٌدعو إلٌها األستاذ طه دعوة محمودة و مؽرٌة ،و ال شن أن التً
ٌصبو إلٌها ألنها تندرج فً سٌاق الدعوة إلى االستمالل االلتصادي الحضاري عن األخر ،
1
-نمال عن ،عبد الرزاق بلعمروز ،السإال الفلسفً و مسارات االنفتاح ،مرجع سابك ،ص .157
127
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
أما عن النماط التً ٌنتمده فٌها هً تبنٌه فً لراءته للتراث التً واجه بها المراءات
فهً دعوة كما ٌمول سبٌال التجزٌبٌة و التفاضلٌة للتراث آللٌات مستنبطة من التراث
إلى " إلامة ابستٌمولوجٌا ذاتٌة مستماة من التراث ذاته ،و كؤن الطرٌك األمثل إلى فهم
التراث هً المرأة الداخلٌة للتراث نفسه ( )...هذا ما ٌجعل جملة التساإالت تثور عن مدى
علمٌة دعوى لراءة و تموٌم التراث انطاللا من مرآته الخاصة " 2و هذا ٌعنً أن سبٌال
ٌعٌب على طه إلى تؽٌٌبه لمناهج علوم اإلنسان المعاصرة .
1
-نمال عن :المرجع نفسه ،ص .159
2
-المرجع نفسه ص .159
128
المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن الفصل الثالث
خاتمة للفصل
سعى طه عبد الرحمن من خالل مشروعه أن ٌمدم كٌفٌة للخروج من التبعٌة العمٌاء
للحضارة الؽربٌة ،فكان همه الوحٌد أن ٌخرج اإلنسان المعاصر من ؼفلته و من ضٌاعه و
أن ٌحاول المتفلسؾ العربً أن ٌكون مبدعا .
إن المشروع الفلسفً لطه عبد الرحمن ٌهدؾ إلى تؤكٌد على تماٌز الفكر العربً
اإلسالمً عن الفلسفة الؽربٌة وهذا ما لمسناه فً هذا الفصل ،وبهذا ٌصبح ممكنا أن تموم
لكل ثمافة فلسفة خاصة بها ،وفكر حداثً خاص و ممٌزا لها ،و أعاد االرتباط بٌن
األخالق باعتبارها عمال ولٌس نظرا وهذا ما تناوله خالل مشروعه التجدٌدي اإلحٌابً .
كما حمل مشروعه الدعوة إلى التجدٌد التً تجعل من اإلنسان العربً أو اإلنسان
المسلم حرا مبدعا ال تابعا ممٌدا ٌ ،حمل مجموعة من المٌم اإلسالمٌة األصٌلة ،وهـــــــــً
" االخالص " و " الكمال " و " االٌمان " و " التكامل " و " الروحانٌة " و الرحمة ".
129
المقارنة بين المشروعين :
الرحمن :
مقارنة بين مشروعي مح ّمد أركون و طه عبد ّ
من خالل ما تطرلنا إلٌه فً الفصلٌن ،الفصل الثانً و الخاص بفكرة الحداثة
لــــــــدى " مح ّمد أركون " و الثالث الذي خصصناه ل"طه عبد الرحمن" نالحظ للوهلة
األولى ذلن التماٌز و الت ّباٌن فً الطرح و المعالجة إلشكالٌة الحداثة فً الفكر العربً
المعاصر ،رغم ذلن االختالف إال أننا نلمس نمــــاط تشـــــابه و اتفــــاق تجمع بٌنهمـــا،
فهما ّأوال و لبــــــال مفكـــــران عربٌـــــــــــــــــــــــــــــــــــان ،مغاربٌـــــــان
معاصـــــــران انشغال بهمــــــوم و مسائل الوطـــن العربـــً و اإلســـــالمـــً ،فهما
ٌتفمـــان على غرار بالً المفكرٌن العرب المعاصرٌن لهما فً كون الفكر العربً
المعاصــر ٌعٌش أزمـــة و حالة لصــور و جمود ،رغم كل محاوالت التحدٌث المادي التً
عرفها الوطن العربً غداة االستمالل،لذا ٌرى كالّ من مح ّمد أركون و طه عبد ّ
الرحمن أنّه
البد من أن تكون الحداثة العربٌّة حداثة فكرٌة لبل أن تكون مادٌّة ،فكل منهما الترح
مشروعا فكرٌا جدٌرا باالهتمام ،إذ ٌشخص لمواطن الضعف و الوهن العربً ،و ٌبٌّن
أسباب ركود و غٌاب الفكر العربً المعاصر من على واجهــــة الفكــر العالمـــً ،
فالتــرحــــــــا بدٌـــــــــال فً نظرهمـــا ٌستـــــطٌـــع أن ٌنهــــض بالفكــــــر العربـــــــً
و اإلسالمً ،و بالتالً بالوطن العربً ،ما ٌمكنه من مجاراة التطور الحضاري العالمً ،
األمر الذي ٌجعل كل منهما ٌكتب من مسؤولٌة أخاللٌة ٌحددها االنتماء العربً ،كما ّ
أن
كتاباتهما احتلت مساحة واسعة فً الوطن العربً ،ل ّل نظٌرهما فً الكتاب العرب ،و هً
ال تخلو من جرأة و جدّة ،على الرغم من االنتمادات التً طالتهما.
و لتوضٌح أكثر نوجز فٌما ٌلً مدى اتفالهما و اختالفهما فً المسائل التالٌة:
-1التراث :
عولجت إشكالٌة الحداثة فً الفكر الغربً المعاصر من مضمار التراث ،ألن الحداثة
صص
هً تجدٌد ،و ال تجدٌد دون الماضً و السائد ،فالــمارئ ألركـــون ٌالحظ أنه خ ّ
ج ّل كتاباته لنمد التراث اإلسالمً،و التراث عنده كلً ٌشمل التراث المكتوب و الشفهـــــً
133
مقاروة بيه مشروعي دمحم أركون و طه عبد الرحمه
و أو ال ّ
شعبً ،وأهم ما ٌمٌّز مشروعه الفكري اعتبار النص المرآنً نص تارٌخً نص
كغٌره من النصوص خاضع لزمن و مكان معٌّنٌن ،كما ٌحاول رد االعتبار للنـــ ّصوص
ّ
الال مفكر فٌها و المغٌّبة فً تارٌخ الفكر اإلسالمً ،فٌكشف عن سمات الفكر الكالسٌكً
اإلسالمً المزدهر ،لٌس إالّ لٌثبت ّ
أن الحداثة مولــــف لروح أما مشكلـــــة المعرفـــــــة ،
و باالستعانة بما جادت به مستجدات العلوم اإلنسانٌة الغربٌة من مناهج و نظرٌات ٌ ،دعو
أركون إلى لراءة حداثٌــــة للنص الدٌنً ،و نزع هالة التمدٌس عنه ،لتحمٌك إسالم
1
معاصر لنا ،و للخروج من سباتنا الذي لبثنا بها و أطلنا لمرون دون جدوى .
الرحمن فرؤٌته تختلف تماما عن رؤٌة أركون ،إذ ٌرى أنّه ال
أما المغربً طه عبد ّ
هوٌة للذات بغٌر االستناد إلى تراثها األصلً ،فال ب ّد للمفكر العربً المسلم أن ٌعود إلى
تراثه طالبا منه ما ٌمٌم و ٌموي به هوٌّته بدال من أن ٌطلب هوٌّة أجنبٌة عن تراثه ،
فاالهتمام بالتراث ال ٌعنً االهتمام بالماضً ،حتى نخشى على أنفسنا االستغراق فٌه فٌبعدنا
عن حاضرنا و مسائله.
الرحمن المراءات التجزٌئٌة للتراث و ٌدعو إلى لراءة تكاملٌة ،ال تفصل
ٌنتمد طه عبد ّ
بٌن أجزاءه ،و ال تفصله عن تارٌخه ،و دعوته هـــــذه ال تعنً االستغراق فً التــــــراث
و التمسن به و العٌش وفك ممتضٌاته ،و لطع الصلة بالحاضر ،و إنما االستفادة من آلٌات
التراثٌٌن المٌمٌّة ،و ذلن بتمٌٌمها و مماومتها و إلامتها ،و ذلن اعترافا منه لحٌوٌة تراثنا
اإلسالمً ،و هذا ال ٌعنً إلغائه للمناهج المعاصرة الغربٌة الوافدة و إنما ٌرى ضرورة
اإلحاطة التامة بها ،و بسٌالها التارٌخً و المعرفً ،كما ٌرى أنه هنان ضرورة
إخضاعه ا لمحن النمد و الغربلة ،لتفادي أزمة البعد عن المجال التداولً العربً اإلسالمً
.ل
134
مقاروة بيه مشروعي دمحم أركون و طه عبد الرحمه
شر بالنّهضة العربٌة طالما كان محكوم بالنموذج ،سواء فً صورته التراثٌة و التً أ ّكد
المب ّ
علٌها أركون أو فً صورته المغتربة و التً ألّح علٌها طه عبد ّ
الرحمن،فأركون كما أسلفنا
الذكر ٌشٌر إلى لدرة الخطاب العربً اإلسالمً على الحشد و التجٌٌش و استمالة الجماهٌر
الشعـــبٌة و ٌستم ّد ّ
لوته من تلن من كونه ٌمـــــدّم نفســـــه ممثال للحمٌمة اإللـــــهٌة
و الوحٌدة ،لذلن فهو ٌرفض كل الخطــــــابات األخرى ،فهو ٌستثنً كــل المطـــــــلمة
النصــــوص األخرى و التً لد تكون هً المخرج من مأزله ،لذا نجده ٌر ّكز على نبذ
التملٌد للسلف و للفكر اإلجتراري للفكر اإلسالمً منذ عصر التدشٌن،و ٌحاول نزع تلن
المدسٌة التً أضفٌت على الفكر األرثوذكسً ،فٌدعو لالختالف عن السلف األول ،و ٌدعو
إلى مجاراة الفكر العالمً و االلتزام بمناهجه العلمٌة و مصطلحاته الجدٌدة و المستجدّة .
الرحمن ٌتوجه بسهام نمده للفئة المملّدة للفكر الغربً بشكل خاص و مكثّف ،إذ
أما طه عبد ّ
تنطلك هذه الفئة من منطلماته دون تمحٌص ،فٌطمئن إلٌها اطمئنانا ،هذا ما جعلها تبتعد
عن المجال التداولً العربً بإسم كونٌة الحداثة و الفلسفة العالٌتٌن ،و الجدٌر بالذكر أنه
ٌشٌر إلى مشروع أركون كمملّد للنموذج الغربً .
ٌخص نمد الحداثة الغربٌة و كٌفٌة استمبالها لدى المجتمعات لعربٌة التً ٌعتبـــــر
ّ و فٌما
من النماط المشتركة ٌبن المشروعٌن االركونً و الطاهائً ،لكن االختالف بٌّن و واضح
135
مقاروة بيه مشروعي دمحم أركون و طه عبد الرحمه
فً مختلف كتاباتهم ،فأركون ٌتحفظ علنا من نمد الفكر الحداثً و ذلن ربما راجع إلى
الوسط الذي ٌطرح فٌه أفكاره ،فنجده فً مناسبات للٌلة و نادرة ففً كتابه "نمد العمل
اإلسالمً " ٌوضح سلبٌات الحداثة الغربٌة ،فهو ٌعترف بسلبٌاتها رغم إٌجابٌاتها ،و ذلن
2
من خالل لوله أن للحداثة مخالب تحت لفازات من حرٌر.
فً محاولة التنظٌر لحداثة عربٌة إسالمٌة انطلك كال من مفكرٌنا من نظرة مختلفة
عن األخر حول مسألة كونٌة أو خصوصٌة الفكر الحداثً فً نموذجه الغربً ،فأركون
ٌصرح بالكونٌة و ٌنطلك منها فً مشروعه ،فٌأخذ بكونٌة المناهج العلمٌة
ّ كما هو جلً
الغربٌة الحدٌثة و المعاصرة ،كما ٌأخذ بفكرة كونٌة اإلشكالٌات الفلسفٌة ،إذ ٌساءل الفكر
العربً اإلسالمً من منظور غربً بامتٌاز ،فنلمس فً جل ثناٌا مؤلفاته حضور األلسنٌة
و حفرٌات فوكو و والتفكٌن الدرٌدي النٌتشوٌة الدٌسوسٌرٌة ،و الجٌنٌالوجٌة
أنثربولوجٌة لٌفً ستراوس ....و غٌرها من مناهج و نظرٌات معاصرة و ذلن بدعوى
بمناعته ببراءة المناهج العلمٌة و حٌادٌة العلم و موضوعٌته ،و التً حاول تطبٌمها على
-2انظر ،دمحم أركون ،لضاٌا فً نمد العمل الدٌنً ،مصدر سابك ص .61
3
الرحمن ،سؤال األخالق ،مصدر سابك ،ص .87
-انظر ،طه عبد ّ
136
مقاروة بيه مشروعي دمحم أركون و طه عبد الرحمه
الفكر العربً اإلسالمً من منطلك أن ما ٌعٌشه المجتمع العربً لد عاشه المجتمع الغربً
4
األوروبً سابما ،لذا ٌو ّحد المناهج بأحادٌة موضوع الدراسة.
أما طه عبد الرحمن فٌنطلك من والع الفلسفة الغربٌة و ٌؤكد على أنها كانت دوما
لومٌة ،إن الفلسفة الكونٌة بنٌت على أسس ٌهودٌة التً أنتجها النظام العالمً الجــــــدٌد
والذي أطلك علٌه اسم "العالمٌة فً الفلسفة " فكانت هذه الفلسفة ذات أصول ٌهودٌة تخدم
المجـــال السٌاسً ،الفلسفة العالمٌة المفروضـــة هنا بنٌت لرلعــة جغرافٌة ما ومكــــان
معٌن ،لذا على المفكـــــر العربً إن ٌتحلى بمجموعة من المٌم لٌتخلى عن هذا اإلرث
الٌهودي ،و ذلن من خالل التمتّع بالحك فً االختــــالف الفلسفً و تأسٌــس لفلسفــــة
تصورات و مفـــاهٌم و مصطلحات مستمــــدة من ثوابتها ،فلسفة
ّ عربٌة إسالمٌة مبنٌة على
5
مستملـــة برؤٌتها للمجــال التداولً .
تماٌز و تباٌن الطرح األركـــــونً و الطــــــــاهائً ال ٌعنً تضادهما و إنما دلٌل على
التنوع و الجدّة ،فاألول ٌمثل تشخٌص ألزمة و تحلٌل لصدمة و دعوة إلى خلخلة و
استحداث منظومة نمدٌة صارمة للتراث اإلسالمً ،تمكننا من اجتٌاز عتبة التّخلف و تحمٌك
نهضة ،ثم ٌتم الولوج إلى لحظات أخرى لد تكون اللحظة الطاهائٌة هً األنسب و اللحظة
الضرورٌة لتأسٌس حداثة خاصتنا ،حداثة عربٌة إسالمٌة .
4
-انظر ،إدرٌس هانً ،العرب و الغرب ،مرجع سابك ص .18
5
-انظر مح ّمد الشٌخ ،جاذبٌة الحداثة و مماومة التملٌد ،مرجع سابك ،ص .661
137
خاتــــمـــــــــــــــــــة
خـــــــــــــاتمة:
بناءا عمى ما تم عرضو في سياق ىذا البحث من إطار عام لمحداثة الغربية ،و كذا
المشاريع الفكري ـ ـ ـ ـ ـة العربي ـ ـ ـ ـة التي طرحيا كل من محمـ ـد أرك ـ ـ ـون و طو عبد الرحمن ،نتوصل
إلى أنو من الصعب تحديد مفيوم لمحداثة ،ألنيا تتداخل مع مفاىيم مجاورة و مختمفة و مجاالت
متعددة ،منيا الفكرية والسياسية و االقتصادية و االجتماعية .
و في مجمل القول ىي مرح ـ ـ ـ ـ ـمة تاريخي ـ ـ ـ ـة أعقبـ ـ ـ ـت عص ـ ـ ـر الظـ ـالم الذي خيـ ـ ـ ـم عمى أوروبـ ـا
خ ـ ـ ـالل العص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـور الوسـ ـ ـطى ،فيي حص ـ ـيمة لمجموع ـ ـ ـة من التحوالت الراديكـ ـالية التـ ـي مست
مخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتمف البنيـ ـ ـ ـ ـات التحتية و الفوقي ـة لممجتمع ـ ـات األوروبيـ ـ ـة ،محدثة قطيعة ال رجـ ـ ـوع فيـ ـيا مع
البنيات التقميدية السائدة ،غير أن ىذه البنية الحديثة بدورىا قابمة لمتغير كون أن الحداثة مش ـ ـ ـ ـروع
لم يكتمل ،وربما غير قابل لالكتمال
الحداثة نمط عيش و طريقة في التفكير ،تعبـ ـر عن موق ـف جدي ـد من ك ـ ـل ما يتعـ ـمـق باإلنس ـ ـان
و المجتمع و الطبيعة،مكرسة لقيم اإلنسانية و العقالنية و الفردية و الحرية و الذاتية ،مما جعمـ ـ ـ ـ ـ ـيا
محطة الزمة ألي أمة تريد الخروج من براثـ ـين التخـ ـمف و المحاق بالركب العالمي،فاجتازت الحدود
و قد اجتاحت الوطن العربي ،فك ـان ليا حيـ ـز ىـ ـام في ساحة الف ـك ـ ـر العرب ـ ـي المعاصـ ـر و كـ ــانت
البدايـ ــة مع مشـ ـ ــروع النيضـ ــة العربي ،بريادة رفاعة الطيطاوي و جم ــال الدين األفغـ ـ ـ ــاني وشبم ـ ـ ـي
الشميل ،طو حسين ، ..و في ىذا اإلطار تبمورت أفـ ـ ـكار نيضـ ـوية كتعبـ ـ ـ ـ ـير عن الوعي بالف ـ ـ ـ ـارق
بين األنا و اآلخر ،تدع ـ ـ ـو إلى تبني المبادئ و المق ـ ـومات الحداثية ،التي من شأنـ ــيا الن ـ ــيوض
بالمجتم ـ ــع لعربي اإلسالمي ،كالحرية و العقالنية و العممانية .....و لكن تبقـ ـ ـى مجرد محـ ـ ـ ـ ـاولة لم
تصـ ـ ـل إلى الم ـ ـراد ،و أُرج ـ ـع فش ـميا إلى اغترابيا عن واقعيا العربي المسمم المعاصر ،إما تماىيا
مع الفكر الغربي ،أو التراث العربي اإلسالمي .
138
خاتــــمـــــــــــــــــــة
إذ ينظر أركون لقراءة حداثية لمقرآن و لمتراث عامة ،و ذلك من خ ـالل مشروع اإلسالميـ ـ ـات
التطبيقي ـ ـ ـة ،كدراسة عممية ينقـض ب ـيا القـ ـراءات االختزاليـة لمتراث التي قالـ ـ ـ ـت بيــا اإلسالميــات
الكالسيكيــة ،مستندا إلى مناىج عموم اإلنسان ،الول ـ ـ ـ ـوج في حداثــة ،ثم ينظر لتحدي ــث
المجتمـ ـ ـع اإلس ـ ــالمي بتبنيو لمقوالت حداثية اجتماعية و سياسية ،كفتح باب االجتياد و العممانية
و حقوق اإلنسان...
في حين أن المشروع الطاىائي يختمف عن األركوني و ذلك الختالف مشاربـ ـيم الفكرية ،
فطـ ـ ـو عبد الرحمن يدعو إلى مشروع كذلك شديد الجدة مزود بعدة منطقية و مفاىيمية تميزه ،
حاول من خاللو ىدم واق ـ ـع الحداثـ ـ ـة الغربيـ ـ ـ ـة ،الكش ـ ـ ـف عن مساوئو ،كمـ ـ ــا يش ـ ـ ــدد نقده
لممفكـ ـ ـرين العـ ـ ــرب المعاصرين المتسارعيـ ـن إلى تقميد االفكـ ــر الغربي دون اعتبار لمفارق في الدين
و االنتماء القومي.
يرى طو عبد الرحمن ضرورة تمحيص و إخضاع كل آليات الفكر إلى محك النقد و
التمحيص ،سـ ـ ـواء أ كانت مستخرجة من تراثنا اإلسالمي ،تراثنــا الذي يعتبـ ـره أساســا لميوي ـة
العربية اإلسالميـ ـة أم الوافدة من الفكر الغربي الحديث و المعاصر ـو ذلك بأخذه بمبدأ المجال
التداولي ـ
139
خاتــــمـــــــــــــــــــة
يكشف طو عبد الرحمن عن خصوصية الفكر الغربي و إيديولوجيتو ،إذ ينف ـ ـ ـي وج ـ ـود مـ ـ ـ ـ ـا
يسمى بالفضاء الفمسفي العالمي ،و بيذا ىو يدع ـو إلى تحقيـ ـ ـق حداثة عربية إسالميـ ـ ـة خاصـ ـ ـ ـ ـة
بمنطمقاتيا ،و تنف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرد بمفاىيميا و مصطمحاتيا ،و مستم ـ ـدة من ثوابتـ ـيا األصيم ـ ـة ،حداث ـ ـ ـة
تستقل برؤيت ـ ـيا و بمجال ـ ـ ـ ـ ـ ـيا التداولي ،و ذلك باألخذ الواعي بقيم التراث اإلسالمي و قيـ ـ ـ ـ ــم روح
الحداثة ،إذ يستند طو عبد الرحمن بتمييزه بين واقع الحداثة و روح الحداثة ،األولى تمثل الحداثة
كواقع ـ ـ ـة متمثمـ ـ ـة في النم ـ ـ ـوذج الغرب ـ ـ ـ ـ ـي األوروب ـ ـ ـي ،و الثاني ـ ـ ـ ــة تمثـ ـ ـ ـل الحداثـ ـ ـ ـة كقيـ ـ ـم كوني ـ ـ ـ ـ ـة
في تجردىا من التطبيق ،و من مبادئيا مبدأ الرشد و النقد ،و الشمول .فمتحقيـ ـ ـق حداثـ ـة عربي ـ ـة
يشترط طو عبد الرحمن .
يبدو من خالل عرضنا لمفاصل الرؤية األركونيـ ـ ـة و الطيائيـ ـ ـة ،أن األول ـ ـ ـى دعـ ـ ـوة إلى
حداث ـ ـة إسالمي ـ ـة من منطمق كوني ـ ـ ـة الحداثـ ـ ـ ـ ـ ـة و العم ـ ــم ،و تعب ـ ـر عن حري ـ ـ ـ ــة التفكـ ـير الت ـ ـي
يتيح ــيا لو المن ـ ــاخ الفكـ ـ ـ ــري الذي يعيـ ـ ــش فيـ ـو ،كما يتيحيا لو ابتعاده عن المجتمع اإلسالمي ،
أما الثانية تدعو إلى قومية الحداثة ،إلى حداثة عربية إسالمية ،و نابعة من ذات متشبعة
بالثقافة العربيـ ـ ـ ـ ـة اإلسالمية ،كما يبدو أن ىميما في تنظيرىما لمحداثة الفكرية لم يكن سوى تمبية
و مجـ ـ ـاراة آلنية الفكر العربـ ـ ـي المعاصـ ـ ـر ،فمم يتخطيا عتبة التقميـ ـ ـد ،فكـ ـالىما نيال من الف ـ ـكر
الغربـ ـ ـ ـي و تأث ار ب ـ ـو ،فكان ىميما فضح و كشف عورات أفكار بعضيم البعض ،و إبراز عيوبيا
فقط ،و ذلك كان عمى حساب االىتمام بكيفية الخروج من مأزق التخمف .
ولنفرض أن ىذه المشاريع ص ـ ـ ـالحة لمتطبيق ،فال نتوفر عمى شروط تطبيقيا ،يرجـ ـ ـ ـع ذلك
إل ـ ـ ـ ـى السمعة السيئة لمحداثة كمرجعية غربي ـ ـ ـ ـة ،باإلضـ ـ ــافة إلـ ـ ــى البني ـ ـ ـ ــة االقتصادية اليش ـ ـ ــة
لموط ــن الع ـ ـ ـربي،إذ يرتبط الجانب المادي بالفكري ،ثم إلى البنية االجتماعية التقميدية التي تسيطر
عمى مجتمعاتنـ ـا العربيـ ـ ـ ـ ـة ،و إلى المنظوم ـ ــات التربويـ ـ ــة و التعميمية المستوردة من الغرب ،مما
أحدث فجوة بين الفكر و الواقع ،و إلى ابتعاد القوة السياسة العربية عن الفكر و الفمسفة...فإلى
متى تؤجل الحداثة العربية االسالمية ؟.
140
قائمة المصادر و المراجع :
)1المرآن الكرٌم
أ ) المصــــــادر:
)1أركـــ ون دمحم ،الفكر األصولً و استحالة التأصٌل :تر :هاشم صالح ،دار
السالً ،بٌروت ،ط ،2002 ،3ص .210
)2أركون دمحم ،من االجتهاد إلى نمد العمل اإلسالمً ،تر :هاشم صالح ،دار
السالً ،بٌروت ،ط .1991 ،1
)3أركون دمحم ،اإلسالم ،أوربا ،الغرب ،رهانات المعنى و إرادات الهٌمنــة ،تر:
هاشم صالح ،دار السالً ،بٌروت ،ط.2001 ،2
)4أركون دمحم ،العلمنة و الدٌن ،اإلسالم ،المسٌحٌة و الغرب ،تر :هاشم صالح ،
دار السالً ،بٌروت ،ط . 1996، 3
)5أركون دمحم ،اإلسالم ،األخالق و السٌاسة ،تر :هاشم صالح ،دار النهضة
العربٌة ،بٌروت ،ط. 2007 ،1
)6أركون دمحم ،أٌن هو الفكر اإلسالمً المعاصر ؟ من فٌصل التفرلة إلى فصل
الممال ،تر:هاشم صالح دار السالً ،لبنان ،ط.2003 ،3
)7أر كون دمحم ،تارٌخٌة الفكر ،تر.هاشم صالح ،دار االنماء لومً ،لبنان ،ط،2
.1992
)8أركون دمحم ،لضاٌا فً نمد العمل الدٌنً ،أٌن هو الفكر اإلسالمً المعاصر ،تر ،
هاشم صالح ،دار الطلٌعة ،د ط. 1977 ،
)9أركون دمحم ،نافذة على اإلسالم ،تر :صباح الجهٌم ،دار عطٌة للنشر ،بٌروت ،
ط.1996 ،1
أركون دمحم ،نزعة األنسنة فً الفكر العربً اإلسالمً ،جٌل مسكوٌه و )10
التوحٌدي ،دار السالً ،لبنان ،ط 1996، 1
141
طه عبد الرحمن ،الحداثة والمماومة ،معهد المعارف الحكمٌة ،سنتر صولً )11
،الطبعة االولى . 2007،
طه عبد الرحمن ،الحك العربً فً االختالف الفلسفً ،المركز الثمافً )12
العربً ،الدار البٌضاء ،المغرب ،ط .2002، 1
طه عبد الرحمـــن ،العمل الدٌنً وتجدٌـــد العمل ،المركــز الثمافــً )13
العربــً ،الرباط -المغرب ،ط .1999 ، 2
طه عبد الرحــمن ،حوارات من أجــل المستمبل ،الشبكـــة العربٌة )14
لألبحــاث ،لبنان ،ط.2011، 1
طه عبد الرحمن سؤال األخالق ،مساهمة فً النمد األخـــاللً للحداثة )15
الغربٌــة ،المركز الثمافً العربً ،المغرب ،ط .2006 ، 4
طه عبد الر حمن ،فمه الفلسفة ( ،المول الفلسفً ،كتاب المفهوم و التأثٌل ) )16
،المركز الثمافً العربً ،بٌروت ،ط. 1999، 1
طه عبد الرحمــن ،فمـــه الفلسفــة ،ج، 2المول الفلسفــً ،كتاب المفهـــوم )17
و الثأثٌــل ،ط . 2002 ، 2
طه عبد الرحمــن ،الحـــوار أفمــا للفكر ،الشبكـة العربٌـــة لألبحــاث )18
والنشــر ،لبنان ،ط . 2013 ، 1
طه عبد الرحمن ،روح الحداثة ،المدخل إلى تأسٌس الحداثة اإلسالمٌة )19
،المركز الثمافً العربً ،المغرب ،ط.2006 ، 1
طه عبد الرحمن ،فمه الفلسفة ،ج ، 2المفهوم و الثأثٌل ،المركز الثمافً )20
العربً ،ط ، 3بٌروت . 2008 ،
142
/ 2قائـمة المراجع :
)1باســم علً خرٌسان ،مابعد الحداثــة ،دراسة فً المشروع الثمافً الغربً ،دار
الفكـــر ،دمشك ،سورٌا ،ط.2006 ،1
)2بوحنــــاش نورة ،اإلجتهاد و جدل الحداثـــــة ،منشـــورات اإلختالف ،الجزائـــــر ،
ط. 2016 ،1
)3توفٌك السٌف ،الحداثة كحاجة دٌنٌة ،الدار العربٌة للعلوم ،لبنان ،ط. 2006 ،1
)4جورج طرابٌشــً ،هرطمـــات عن الدٌممراطٌة ،العلمانٌــة و الحداثـــة ،دار
الســالــً ،بٌــروت ،ط. 2006 ،1
)5حسن حنفً ،ممدمة فً علم االستغراب ،الدار التمنٌة للنشر ،مصر ،د ط. 1991 ،
)6زكً مٌالد ،اإلسالم و الحداثة ،من صدمة الحداثة إلى البحث عن حداثة إسالمٌة ،
مؤسسة اإلنتشار العربً ،بٌروت ،ط .2010 ، 1
)7زكً نجٌب محمود ،نافذة على فلسفة العصر ،كتاب العربً ،الكوٌت ،د ط . 1990 ،
)8سالمـــة موســـى ،ماهً النهضــــة ،تمدٌم :مصطفى ماضً ،موفم للنشـــر ،الجزائر
،ط .1990 ،2
)9السٌد ولد أباه ،أعالم الفكر العربً ،الشبكة العربٌة لألبحاث ،بٌروت ،ط.2010 ،1
)10السٌد ٌس و آخرون ،الحداثة و مابعد الحداثة ،جمعٌة الدعوة اإلسالمٌة ،طرابلس ،د
ط . 1998 ،
)11عبد الرحمن ٌعموبً ،الحداثة الفكرٌة فً التألٌف الفلسفً العربً المعاصر ،مركز
نماء للبحوث و الدراسات ،بٌروت ،ط. 2014 ،1
)12عبــد الرزاق بلعمروز ،تحوالت الفكــر الفلسفً المعاصر ،أسئلـــة المفهــوم والمعنى
و التواصل ،الدار العربٌة للعلوم ،لبنان ،ط . 2009 ، 1
)13عبـــد الرزاق بلعمـــروز ،السؤال الفلسفً و مســارات االنفتــاح ،منشــورات
اإلختالف ،الجزائر ،ط.2006 ،1
143
)14عبد الغنً بارة ،الهٌرمونٌطٌما و الفلسفة ،نحو مشروع عمل تأوٌلً ،منشورات
االختالف ،الجزائر ،ط2008 ،1
)15عبد الكرٌم بوصفاف ،الفكر العربً المعاصر الحدٌث ،ج ،1دار مداد ،الجزائر ،ط
.2009، 1
)16عبد المجٌد خلٌفً و آخرون ،لراءات فً مشروع دمحم أركون الفكري ،منتدى
المعارف ،بٌروت ،ط. 1
)17لاسم شعٌب ،فتنة الحداثة ،صورة اإلسالم لدى الوضعٌٌن العرب ،المركز الثمافً
العربً ،ط.2003 ،1
)18كحٌل مصطفى ،اآلنسة و التأوٌل فً فكر دمحم أركـــون ،دار األمـــان ،المغرب ،
ط.2011 ،1
)19كمال عبد اللطٌف ،أسئلة الحداثة فً الفكر العربً ،من إدران الفارق إلى وعً
الذات ،الشبكة العربٌة لألبحاث ،بٌروت ،ط . 2009 ، 1
)20
)21دمحم جدٌدي :الحداثة و مابعد الحداثة فً فلسفة ،رٌتشارد رورتً ،منشورات اإلختالف
،الجزائر ،ط . 2008 ،1
)22دمحم سبٌال وعبد السالم بن عبد العالً ،مابعد الحداثة ،تجلٌاتها و انتماداتها ،دار توبمال
،المغرب ،ط. 2007،1
)23دمحم سبٌال ،مخاضات الحداثة ،دار الهادي ،بٌروت ،ط . 2007،1
)24دمحم سبٌال ،عبد السالم بن عبد العالً :الحداثة ،دفاتر فلسفٌة ،دار توبمال 2006 ،
)25دمحم شولـــً الزٌن :إزاحات فكرٌة ،مماربات فً الحداثة و المثمف ،منشـــورات
االختالف ،ط . 2008 ، 1
)26دمحم عابـــد الجابــري ،الفكــر العربــً المعاصر ،مركــز دراســــات الوحــــــدة
العربٌـــة ،بٌروت ،ط .1994 ،5
144
)27محمــد لطــــب ،من لضــــاٌا الفكـــر اإلســـالمً المعاصــــر ،فً أمـــور الدٌــــن
،فً التـــارٌخ ،فً اإللتصاد ،دار الشروق ،مصر ،ط.2003 ،1
)28دمحم ولٌدي ،بناء النظرٌة الفلسفٌة دراسات فً الفلسفة العربٌة المعاصرة ،دار
الطلٌعة ،بٌروت ،لبنان ،ط . 1990، 1
)29محمود لاسم ،فجوة الحداثة العربٌة ،دار الحرٌري ،مصر ،د ط . 2005 ،
)30مسرحً فارح ،الحداثة فً فكر دمحم اركون ،الدار العربٌة للعلوم ناشرون ،بٌروت
لبنان ،ط . 2006 ، 1
)31مصطـــفى جـــالل ،الحداثة و نمـــد األدلوجــــة األصولــــً ،رؤٌة للنشر ،مصــــر
،ط 2008 ، 1
)32ناٌــلة أبً نــادر ،التراث و المنهـج بٌن أركــون و الجابــري ،الشبكــــة العربٌــة
لألبحاث ،بٌروت ،ط. 2008 ،1
)33نصــر حامــــد أبو زٌـــــد ،النـــص و السلطة و الحمٌمـــة ،المركـز الثمافً
العربــــً ،المغرب ،ط .2000 ، 4
)34هانً إدرٌس ،العرب و الغرب ،أي عاللة ...أي رهان ؟ دار االتحاد ،بٌروت ،ط1
. 1998 ،
)35ولٌام كلً راٌت ،تر :محمود سٌد أحمد ،تارٌخ الفلسفة الحدٌثة ،التنوٌر ،لبنان ،ط1
.2010 ،
ٌ )36وسف بن عدي ،أسئلة التنوٌر و العمالنٌة فً الفكر العربً المعاصر ،الدار العربٌة
للعلوم ،بٌروت ،ط. 2010 ،1
ٌ )37وسف بن عدي ،مشروع اإلبداع الفلسفً العربً لراءة فً أعمال طه عبد
الرحمن،الشبكة العربٌة لألبحاث ،لبنان ،ط . 2012، 1
145
المعاجم و الموسوعات :
)1ابن منظور ،لسان العرب ،مج ،2دار بيروت للطباعة و النشر ،لبنان .1555 ،
)2أبــي الحســـن علي ابن إسماعيــل بن سيـــتدة المرسي ،المحكــــم و المحيــــط
األعظم ،م ، 3دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط. 2222 ، 1
)3أندري الالند ،موســـوعة الالنـــد الفلسفية ،مج ، 2منشورات عويـــدات ،بيـــروت
،باريس ،ط .2221 ، 2
)4روالن ماركس و آخرون ،موسوعة تاريخ أوربا العام ،ج ، 3عويدات للنشر،
بيروت ،ط. 2221 ، 2
)5رحيم أبو غريف ،الدليل الفلسفي ،دار المحجة ،لبنان ،ط. 2213 ،1
)1مجلة التنوير العربي ،أفاق ومعضالت ،ضمن مجلة مدارات فلسفية ،عدد ،1
المغرب . 1551 ،
)2مجلة االستغراب ،العدد األول ،خريف 2215 ،
146
الفهرس
مقدمة
تمهٌد 07..............................................................................................
147
الفهرس
148
الفهرس
149