You are on page 1of 150

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي و البحث العلمي‬


‫جامعة عبد الحميد بن باديس – مستغانم –‬
‫كلية العلوم االجتماعية‬
‫قسم العلوم االجتماعية‪.‬‬
‫تخصص‪ :‬فلسفة‬

‫مذكرة تخرج لنيل شهادة الماستر في الفلسفة العامة وتعليميتها الموسومة بـ‪:‬‬

‫إشكالية الحداثة في الفكر العربي المعاصر‬


‫دمحم أركون و طه عبد الرحمان‬
‫‪ -‬نموذجا‪-‬‬

‫إشراف الدكتور‬ ‫إعداد الطالبتين‪:‬‬


‫د‪ .‬بن جدية دمحم‬ ‫‪ -‬شرقية فضيلة‬
‫‪ -‬بن أحمد حليمة‬

‫السنة الدراسية‪:‬‬
‫‪6102/6102‬‬
‫الحمد هلل الذي أنار لنا درب العلم و المعرفة وأعاننا على أداء هذا الواجب ووفقنا إلى إنجاز‬
‫هذا العمل‬

‫أيام مضت من عمرنا بدأناها بخطوة وها نحن‬


‫اليوم نقطف ثمار مسيرة أعوام كان هدفنا فيها واضحا‬

‫وها نحن اليوم نقف أمامكم وها نحن وصلنا وبيدينا شعلة علم وسنحرص كل الحرص عليها‬
‫حتى ال تنطفئ‬
‫ونشكر هللا أوال وأخير على أن وفقنا وساعدنا على ذلك‬
‫و بأسمى معانً الشكر الجزٌل ‪ ،‬والعرفان الخالص ‪ ،‬نتوجه بجزٌل الشكر و االمتنان إلى‬
‫أستاذنا الفاضل الدكتور " دمحم بن جدية " على النصائح و توجٌهات علمٌة و منهجٌة ‪،‬‬
‫وعلى وقته الذي سخره لنا بصدر رحب ‪ ،‬كما ال ننسى أخالقه فً تعامله معنا الذي عهدنا‬
‫منذ دخولنا الجامعً ‪ ،‬فأخذنا منه رفعة الخلق و التواضع ‪.‬‬

‫كما ال ٌفوتنً أن أتوجه بالشكر أٌضا إلى جمٌع أساتذة شعبة الفلسفة ‪ ،‬وخاصة عمال‬
‫المكتبة على مجهوداتهم المبذولة لتسخٌر لنا مختلف الكتب‬

‫كما ال أنسى زمالء الدفعة ‪ 2017‬كل باسمه‪ ،‬فلهؤالء كل الشكر والتقدٌر‬

‫شرقية فضيلة و بن أحمد حليمة‬


‫أهدي ثمرة هذا الجهد الفكري المتواضع ‪ ،‬إلى أبي وإلى قندٌل دربً ‪ ،‬وسر‬
‫نجاحً أمي أطال هللا فً عمرهما‪ ،‬و جمٌع أفراد العائلة الكبٌرة إخوتي و أخواتي كل‬
‫باسمه وإلى حبٌبتً الصغٌرة " مريم" و إلى رفٌق دربً زوجً " عاللي دمحم " إلى أعز‬
‫صدٌقة إلتقٌتها من غٌر موعد فً رحلتً الدراسٌة" شرقية فضيلة" إلى من علمنً أن علم‬
‫النور إلى معلمتً " بوسكين خيرة" و إلى كل أساتذتً فً جمٌع األطوار ‪.‬‬

‫****‬ ‫بن أحمد حليمة‬ ‫****‬

‫أتقدم بالشكر إلى القلب الحنون من كانت بجانبً بكل المراحل إلى أمي الحبٌبة وإلى‬
‫من علمنا أن ال نقف وعلمنا أن نواصل إلى والدي شفاه هللا ‪.‬‬
‫إلى من لهم الفضل بإرشادنا إلى طرٌق العلم والمعرفة إلى أساتذتنا األفاضل‬
‫إلى إخوتي و أخواتي كل باسمه وإلى معلمً " عباس الشارف "و إلى أصدقائً خاصة‬
‫صدٌقتـــــــــً " بن أحمد حليمة "‪ ،‬وأحبتنا ومن سهروا معنا فً مسٌرتنا العلمٌة ‪ ،‬ولن‬
‫ننسى هذا المكان الذي جمعنا بمقاعده وأبوابه حتى فنائه إلى كل جزء به ونتمنى أن نعود له‬
‫فً مرحلة أخرى إن شاء هللا ‪.‬‬

‫*** شرقية فضيلة **‬


‫مقدمـــــــة‬

‫مقدمة ‪:‬‬

‫لعلنا‌ال‌نبالػ‌‌إذا‌للنا‌أن‌مصطلح‌الحداثة‌لد‌أصبح‌من‌المفاهٌم‌األكثر‌تداوال‌فً‌‬
‫الفكر‌العربً‌المعاصر‌‪‌،‬ذلن‌ألن‌العالم‌العربً‌عانى‌و‌ال ‌ٌزال ‌من‌ظاهرة‌تخلؾ‌جعلته‌‬
‫تابعا ‌لؽٌره ‌‪‌ ،‬تابعا ‌ألوربا ‌الحدٌثة ‌والمعاصرة ‌فكرٌا ‌و ‌مادٌا ‌‪‌ ،‬إذ ‌أصبحت ‌هذه ‌الظاهرة‌‬
‫تؤرق‌المفكر‌العربً‌‪‌،‬خصوصا‌أن‌العالم‌الٌوم‌أصبح‌ٌخضع‌لمنطك‌الحداثة‌و‌العولمة‌‪‌،‬‬
‫هذا‌ما‌جعل‌من‌الوالع‌العربً‌متأزما‌بالرؼم‌من‌المجهود‌المبذول‌فً‌سبٌل‌تحمٌك‌الحداثة‌‬
‫و‌التطور‌‪‌،‬ؼٌر‌أن‌الوالــــع‌ال‌ٌزال‌ٌكشــــؾ‌عن‌الهــــوة‌‌الفارلة‌بٌن‌العرب‌و‌الؽرب‌‪‌،‬‬
‫إذ‌أصبح‌العربً‌و‌المسلم‌ٌعانً‌من‌حالة‌اؼتراب‌بالرؼم‌من‌انتمائه‌لمجتمعه‌‪‌،‬اؼتــراب‌‬
‫على‌مستوى‌كل ‌ما‌ٌحٌط‌به ‌من ‌فلسفة‌و‌علم ‌و‌تكنولوجٌا ‌و‌ثمافة‌‪‌ ،‬هذا‌االؼتراب‌كان‌‬
‫مؤطرا‌للفكر‌العربً‌‪‌،‬إذ‌أخذ‌على‌عاتمه‌مهمة‌تحمٌك‌استمالل‌و‌تحرر‌فكري‌‪ٌ‌،‬عتبر‌مرآة‌‬
‫عاكسة‌لنظرته‌إلى‌الوالع‪‌ .‬‬

‫‌ إن ‌المشـارٌع ‌الفـكرٌـة ‌العربٌـة ‌المعاصرة ‌تعبر ‌عن ‌نظرة ‌عمٌمة ‌لتأزم ‌الذات‌‬
‫العربٌة‌ ‌‪‌،‬فً‌ مختلـؾ‌المضاٌــا‌الحضارٌة‌بحٌـث‌هً‌نظـرة‌شامـلة‌و‌متكـاملــة‌لمســائـل‌‬
‫ال حٌـاة ‌‪‌ ،‬اإلنسـان ‌‪،‬الثمافة ‌‪‌ ،‬الحداثة‪‌ ‌ ،‬التراث ‌‪‌ ،‬فمد ‌طرح ‌المفكرٌن ‌العرب ‌بعمك ‌األزمة‌‬
‫الحداثٌة‌للوالع‌العربً‌الذي‌ٌعانً‌من‌التخلؾ‌وفشل‌المشارٌع‌التنموٌة‌التً‌أخذت‌بمعاٌٌر‌‬
‫المادٌة ‌للتطور ‌و ‌النمو ‌مهملة ‌فً ‌ذلن ‌الجانب ‌الفكري ‌الذي ‌ٌعتبر ‌محرن ‌فكري ‌ألي‌‬
‫حضارة‌‪‌ .‬‬

‫من‌هذا‌المنطلك‌ٌتضح‌ان‌هنان‌أزمة‌فكرٌة‌ٌعانً‌منها‌العرب‌إذ‌تتجلى‌بوضوح‌‬
‫فً‌مختلؾ‌المشارٌع‌الفكرٌة‌التً‌أصبحت‌مستهلكة‌ال‌مبدعة‌‪‌،‬مستهلكة‌لفكر‌ؼٌرها‌البعٌد‌‬
‫كل‌البعد‌عن‌والعها‌العربً‌اإلسالمً‌‪‌،‬الذي‌من‌المفروض‌أن‌ٌكون‌فاعال‌فٌه‌‪‌،‬فً‌خضم‌‬
‫هذه‌األزمة‌ٌبرز‌فً‌األفك‌مشارٌع‌عربٌة‌تؤسس‌لحداثة‌عربٌة‌إسالمٌة‌‪‌،‬ترى‌أن‌المخرج‌‬
‫من ‌التخلؾ ‌مخرج ‌فكري ‌فً ‌األساس ‌ ‌‪‌ ،‬و ‌تسعى ‌بذلن ‌لبلوغ ‌الحداثة ‌والتحرر ‌من ‌كل‌‬
‫أشكال‌التخلؾ ‌و‌االنحطاط ‌و‌اإللرار ‌باالستمالل‌الفكري ‌‪ٌ‌ ،‬مك‌ن‌العرب‌من‌دخول‌مدار‌‬

‫‌أ‬
‫مقدمـــــــة‬

‫الحداثة‌ومساٌرة‌الركب‌الحضاري‌العالمً‌‪‌،‬الذي‌لد ‌دخل‌فً‌مرحلة‌أخرى‌هً‌مرحـــلة‌‬
‫ما‌بعد‌الحداثة‌‪‌ .‬‬

‫ل مد‌اختلفت‌اآلراء‌فً‌محاولة‌تبٌئة‌مفهوم‌الحداثة‌و‌مموماتها‌‪‌،‬هذا‌الوافد‌الؽرٌب‌‬
‫عن ‌المجال ‌التداولً ‌العربً ‌اإلسالمً ‌‪‌ ،‬رفعت ‌لواءها ‌نزعة ‌ترى ‌أن ‌أفضل ‌طرٌمة‌‌‬
‫لتأسٌس‌حداثة‌عربٌة‌إسالمٌة‌‌هً‌تلن‌التً‌تتمثل‌فً‌استٌعاب‌أثار‌الحداثة‌الؽربٌة‌و‌تمثل‌‬
‫منجازاتـــــها ‌و ‌مكاسبها ‌‪‌ ،‬متطلعٌن ‌إلى ‌توطٌن ‌مكتسباتها ‌المنهجٌة ‌و ‌المعرفٌة ‌فً ‌نسٌج‌‬
‫الثمافة‌العربٌة‌اإلسالمٌة ‌‪‌،‬و‌فً‌ممابل‌هذه‌النزعة‌هنان‌من‌المفكرٌن‌العرب‌من‌احترز‌‬
‫هذا‌الوافــد ‌الؽرٌب‌‪‌،‬وتحفظ‌بشأنه‌فعمل‌على‌تعاطً‌معه‌و‌هذا‌بتحلٌله‌و‌تتبع‌مساراته‌‬
‫ونمده‌وبٌان‌محدودٌته‌ولصور‌آلٌاته‌‪‌ .‬‬

‫‌ولد‌التصر‌بحثنا‌هذا‌على‌المفكر‌الجزائري"‌‌دمحم‌أركون‌"‌‪‌،‬والمفكر‌المؽربً‌"‌‬
‫طه‌عبد‌الرحمن‌"‌‪‌،‬ولد‌ ‌كان‌اختٌارنا‌لهما‌ممصودا‌كونهما‌ٌشتركان‌فً‌االنتماء‌للهوٌة‌‬
‫العربٌة‌ ‌اإلسالمٌة‌‪‌،‬فً‌حٌن‌ٌختلفان‌فً‌المناخ‌الفكري‌و‌التكوٌن‌األكادٌمً‌‪‌،‬و‌ٌحمالن‌‬
‫شؽؾ‌إزاحة‌الهموم‌العربٌة‌ومحاولة‌النهوض‌باألمة‌العربٌة‪،‬فلما‌كان‌للمشروعٌن‌‌أهمٌة‌‬
‫فً‌الدراسات‌العربٌة‌لتمٌزهما‌‪‌،‬ولوة‌طرحهما ‌و‌الت‌باٌن‌الملحوظ‌بٌــــن‌المشروعٌــــــن‌‬
‫هو ‌ما‌كان‌لنا‌‌دافعا ‌الختٌارنا‌الموضوع‌و ‌كذا‌النموذجٌن ‌بالتحدٌد‌‌‪‌،‬باإلضافة‌إلى‌رؼبتنا‌‬
‫فً‌إعادة‌توجٌه‌إشكالٌات‌البحث‌و‌الدراسات‌الجامعٌـــة‌من ‌مجال‌الفكــــــر‌الؽربــــــً‌‬
‫نحو‌االهتمام‌أكثر‌بالفكر‌العربً‌المعاصر‌‪‌،‬والرؼبة‌فً‌التعرؾ‌على‌السبل ‌و‌اإلمكانات‌‬
‫الممكنة‌للخروج‌من‌مأزق‌التخلؾ‌‪‌،‬كل‌من‌وجهة‌نظره‌و‌معرفة‌مدى‌تأثٌر‌المناخ‌الفكري‌‬
‫على‌صاحبه‌‪‌ .‬‬

‫أما‌عن‌أهمٌة‌موضوع‌البحث‌فهً‌من‌أهمٌة‌الحداثة‌ذاتها‌فهً‌بال‌شن‌طموح‌كل‌‬
‫أمة‌عانت‌من‌وٌالت‌التخلؾ‪‌ .‬‬

‫‌من‌أهداؾ‌هذا‌البحث‌محاولة‌الولوؾ‌على‌اإلمكانات‌ ‌الممترحة‌من‌طرؾ‌كل‌‌‌‬
‫الرحمن‪‌،‬لصد‌المواءمة‌بٌن‌فكرٌن‌ٌبدوان‌مختلفان‌تماما‌‪‌ .‬‬
‫مح ّمد أركون و طه عبد ّ‬

‫‌‬
‫ب‬
‫مقدمـــــــة‬

‫‌‌‌‌‌‌‌‌‌ و ‌إذا ‌كان ‌لكل ‌بحث ‌منهج ‌ٌتكئ ‌علٌه ‌فمد ‌التضت ‌طبٌعة ‌هذا ‌البحث ‌االستناد ‌إلى‌‌‬
‫المنهج‌التارٌخً‌من‌خالل‌ ‌تتبع‌كرونولوجٌا‌مفهوم‌الحداثة‌‪‌ ،‬مستأنسٌن‌بالمنهــج‌التحـلٌلً‌‬
‫النمدي‌الذي‌هٌمن‌على‌مساحة‌هذا‌البحث‌و‌ذلن‌لطبٌعة‌الموضوع‌مستعٌنٌن‌كذلن‌بالمنهج‌‬
‫الممارن‌فً‌مماربة‌كل‌من‌طه‌عبد‌الرحمن‌و‌دمحم‌أركون‌‪‌ ‌،‬‬

‫و ‌فً ‌دراستنا ‌هذه ‌آثرنا ‌أن ‌نرصد ‌أهم ‌المستجدات ‌الحداثٌة ‌فً ‌الفكر ‌العربً‌‬
‫المعاصر‌معالجين اإلشكالية التالية‪‌ ‌:‬‬

‫‪ -‬كيف تمت معالجة إشكالية الحداثة في الفكر العربي المعاصر؟وما هي اآلليات‬


‫لتجاوز التأخر السائد في الوطن العربي ؟وما السبيل إلى حداثة عربية إسالمية ؟‬

‫‌‪ -‬كما أدرجنا تساؤالت فرعية من ضمنها ‪ :‬ما مفهوم الحداثة ؟ و ما هو سياقها‬
‫التاريخي ؟ وعلى ماذا تقوم ؟ وكذا ما حدود و مصداقية وواقعية المشاريع العربية‬
‫الحداثية وكيف يمكن بناء حداثة تنبع من هويتنا و تنسجم مع ثوابتنا الحضارية‌؟‌ ‌‬

‫‌‌‌‌‌‌‌و‌لمعالجة‌هذه‌اإلشكالٌة‌و‌التساؤالت‌و‌بعد‌اإلطالع‌الواسع‌ألعمال‌المختلفة‌لكل‌من‌‬
‫دمحم‌أركون‌و‌طه‌عبد‌الرحمن‌‪‌،‬وزعنا‌‌خطة‌البحث‌كالتالً‌‪:‬‬

‫الفصل ‌التمهٌدي ‌المعنون ‌بالحداثة ‌الؽربٌة‪‌ :‬بٌن ‌طوباوٌة ‌المفهوم ‌و ‌تجاوزات ‌الممارسة‌‬
‫تحدثنا ‌فٌه ‌عن ‌مفهوم ‌الحداثة ‌لؽة ‌و ‌اصطالحا‪‌ ،‬و ‌المفاهٌم ‌المجاورة ‌لها ‌و ‌عن ‌سٌالها‌‬
‫التارٌخً‌و‌أهم‌مموماتها‌وتحدثنا‌عن‌أزمات‌الفكر‌الؽربً‌الحدٌث‌و‌تٌار‌ما‌بعد‌الحداثة‪‌ .‬‬

‫الفصل ‌األول ‌معنون ‌ب ‌" ‌مشروع ‌النهضة ‌العربٌة ‌" ‌‪‌ ،‬تطرلنا ‌من ‌خالله ‌إلى ‌السٌاق‌‬
‫التارٌخً‌‌الحاضن‌للمشروع‌‪‌،‬وإلى‌أهم‌مظاهر‌التحدٌث‌فً‌الفكر‌النهضوي‌العربً‌و‌إلى‌‬
‫محدودٌة‌مشروع‌النهضة‌العربٌة‌‪‌ .‬‬

‫‌‌‪-‬الفصل ‌الثاني ‌ المعنون‌ب‌‪‌:‬لراءة‌النص‌الدٌنً‌مدخل‌إلى‌الحداثة‌لدى‌دمحم‌أركون‌ ‌‪‌،‬لد‌‬


‫تناولنا ‌فٌه ‌ثالث ‌مباحث‪،‬األول ‌تناول ‌ ‌نمد ‌العمل ‌اإلسالمً ‌مشروع ‌طموح ‌أم ‌طموح‌‬
‫لمشروع‌ ‌‌ الذي‌ٌتضمن‌تارٌخٌة‌النص‌و‌مفهوم‌نمد‌العمل‌اإلسالمً‪،‬و‌نمد‌العمل‌اإلسالمً‌‬

‫‌‬
‫ت‬
‫مقدمـــــــة‬

‫فً ‌مختلؾ ‌مراحل ‌تشكله ‌بداٌة ‌من ‌العصر ‌التدشٌنً ‌ ‌ثم ‌العصر ‌الكالسٌكً ‌الذهبً ‌‪ٌ،‬لٌه‌‬
‫العصر‌اإلجتراري‌نهاٌة‌بالفكر‌المعاصر‪،‬ثم‌تناولنا‌مشروع‌اإلسالمٌات‌التطبٌمٌة‌‪،‬مفهومها‌‬
‫و‌مهامها‌‪،‬و‌مناهجها‌‪،‬ثم‌تطرلنا‌فً‌المبحث‌الثالث‌إلى‌أهم‌متطلبات‌المجتمع‌الحدٌث‌فً‌‬
‫نظر‌أركون‪‌.‬كما‌أضفنا‌مطبات‌الفكر‌األركونً‌الحداثً‌ ‌‬

‫‌‬

‫‪‌ -‬الفصل الثالث ‌‪‌ :‬المعنون ‌ب ‌الحداثة ‌فً ‌فكر ‌طه ‌عبد ‌الرحمن ‌ ‌‪‌ ،‬تناولنا ‌ ‌فٌه ‌ثالث‌‬
‫مبـــاحث‌‪،‬األول‌معنون‌ب‌‪:‬من‌التبعٌة‌إلى‌اإلبداع‌الفلسفً‌و‌الذي‌نتحدث‌فٌه‌عن‌مولفه‌‬
‫من‌التبعٌة‌و‌الحك‌فً‌االختالؾ‌الفلسفً‌‪،‬و‌المبحث‌الثانً‌والمعنون‌ب‪:‬عوائك‌االجتهاد‌و‌‬
‫التجدٌد‌و‌روح‌الحداثة‌و‌مبادئها‌و‌التجدٌد‌اإلسالمً‌‪،‬أما‌المبحث‌الثالث‌و‌الذي‌تناولنا‌فٌه‌‬
‫التطبٌك‌اإلسالمً‌لروح ‌الحداثة‌‪.‬كما‌تناولنا‌نمدا‌ألفكار‌طه‌عبد‌الرحمن‌‪‌ ،‬و‌لبل‌أن‌ننتهً‌‬
‫حاولنا‌‌عمد‌ممارنة‌بٌن‌المشروعٌن‌‌بتبٌان‌مواطن‌االختالؾ‌و‌التشابه‌بٌنها ‌‪‌ ‌ .‬و‌انتهٌنا‌‬
‫بخاتمة‌كانت‌بمثابة‌حوصلة‌عامة‌لنتائج‌‌البحث‌‪‌ .‬‬

‫‌‌‌‌‌‌‌‌و‌فً‌هذه‌الدراسة‌اعتمدنا‌دراسات‌سابمة‌‌للموضوع‌أفادتنا‌فً‌تناول‌البحث‌‪‌ ،‬و‌‬
‫منها ‌دراسة ‌فارح ‌مسرحً ‌المعنونة ‌ب ‌‪‌ "‌ :‬الحداثة ‌فً ‌فكر ‌محمد ‌أركون ‌"و ‌التً ‌تمثل‌‬
‫دراسة‌ملمة‌لمختلؾ‌أراء‌و أفكار‌أركون‌فً‌مسألة‌الحداثة‌مع‌مماربته‌بمفكرٌن‌ؼربٌٌن‌و‌‬
‫عرب‪،‬كما‌اعتمدنا‌دراسة‌ٌوسؾ‌بن‌عدي‌" ‌مشروع‌اإلبداع‌الفلسفً‌العربً ‌‪‌ -‬لراءة‌فً‌‬
‫مشروع‌طه‌عبد‌الرحمن‌"‌و‌التً‌تتخصص‌فً‌فكره‌عامة‌و‌الحداثة‌بصفة‌خاصة‪‌ .‬‬

‫‌ و ‌لكن ‌بحثنا ‌هذا ‌تناول ‌حدود ‌المشروعٌن ‌‪‌ ،‬كما ‌أضفنا ‌ممارنة ‌بٌن ‌المشروعٌن ‌وهذا ‌ما‌‬
‫أؼفلته‌الدراسة‌السابمة‌‪‌ .‬‬

‫‌‌‌‌‌‌‌‌و‌ال‌شن ‌أن‌لكل‌بحث‌‌صعوبات‌تعترضه ‌‪‌ ،‬فاتساع‌مجال‌البحث‌فً‌الحداثة‌الذي‌‬


‫ٌشؽل‌مساحة‌كبٌرة‌فً‌الدراسات‌العربٌة‌ٌشكل‌عائما‌‪،‬و‌ذلن‌لالختالؾ‌و‌التباٌن‌فً‌اآلراء‌‬
‫و‌صعوبة‌اإللمام‌بأفكارهم ‌‪‌‌،‬باإلضافة‌إلى‌العدة‌اللؽوٌة‌و‌الفلسفٌة‌لكل‌منهما ‌‪‌ ،‬فأركون‌‬
‫ٌستعٌن‌بما‌جادت‌به‌العلوم‌اإلنسانٌة‌و‌االجتماعٌة ‌المعاصرة‌من‌مفاهٌم‌جدٌدة‌‪‌،‬أما ‌طه‌‬

‫‌‬
‫ث‬
‫مقدمـــــــة‬

‫عبد ‌الرحمـــــن ‌فٌستعمل ‌اللؽة ‌المنطمٌـــة ‌فً ‌كتـــاباته ‌بحكم ‌تخص‌صـــه ‌فً ‌تدرٌس‌‬
‫المنطـــك ‌‪‌ ،‬و ‌هً ‌لؽة ‌ ‌تستعصً ‌على ‌الفهم ‌إال ‌بعد ‌لراءات ‌متعددة ‌‪،‬باإلضافة ‌انعدام‌‬
‫الدراسات‌الممارنة‌بٌن‌طه‌عبد‌الرحمن‌و‌دمحم‌أركون‌‪‌ .‬‬

‫‌‌‌‌‌‌بالرؼم‌من‌تلن‌الصعوبات‌إال‌أننا‌حاولنا‌ ‌تروٌضها‌بما‌تٌسر‌من‌الجهد‌و‌الطالة‌‪‌،‬‬
‫فإن‌أصبنا‌فمن‌هللا‌و‌إن‌أخفمنا‌فمن‌تمصٌرنا‌و‌عدم‌فهمنا‪‌ ‌.‬‬

‫‌‬

‫‌‬
‫ج‬
‫مدخل تمهيدي‪:‬‬
‫الحداثة الغربية ‪:‬‬
‫بين طوباوية المفهوم و تجاوزات الممارسة‬

‫‪ -1‬مفهوم الحداثة‬
‫‪ -2‬السياق التاريخي للحداثة الغربية‬
‫‪ -3‬مقومات الحداثة الغربية‬
‫‪ -4‬أزمات الفكر الغربي و تيارات ما بعد الحداثة‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫ٌشٌر مصطلح " الحداثة " إلى الؽرب األوربً ذلن ألنها بما هً ثورة على األوضاع‬
‫الكنسٌة و دعوة إلى التجدٌد و نبذ التملٌد كانت فً أوربا كان الهدؾ منها الخــــــــــــروج‬
‫من ظلمات العصر الوسٌط و انبالج عصر آخر عصر الحداثة ‪ .‬فرافمتها عدة تحوالت‬
‫فكرٌة و فلسفٌة و علمٌة كبرى أهمها العمل و العمالنٌـة ‪ ،‬الحرٌــة الفردٌــــــــــة و إخضاع‬
‫الطبٌعة لإلنسان ‪ ،‬وحما كان لهم ذلن ‪ ،‬فشهد الؽرب حضارة متمٌزة أصبحت مثاال ٌحتذى‬
‫به فً التمدم و التطور على الرؼم من ذلن االنفالت و الذي لالت به تٌارات ما بعد الحداثة‬
‫من أزمات الفكر الحداثً ‪ ،‬إال أن األمم األخرى وفً أول تماس لها مع هذه الحضارة‬
‫راحت تبذل ألصى ما لدٌها لتحدٌث مجتمعاتها و منها األمة العربٌة اإلسالمٌة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫‪ -1‬مفهوم الحداثة ‪Modernité :‬‬

‫لــــغة ‪ :‬فً اللؽــــة العربٌــة لفظ الحداثـــــــة مشتك من الفــعل الثالثـــــــً " حدث "‬
‫بمعنى " ولع " ‪ ،‬حدث الشًء و ٌحدث حدوثا و حداثة فهو محدث و حدٌث ‪ ،‬و حدث األمر‬
‫أي ولع و حصل ‪ ،‬و أحدث الشًء أوجده ‪ ،‬و المحدث هو الجدٌد من األشٌاء‪ ، 1‬كما نمول "‬
‫الحدوث كنمٌض للــــمدمة ‪ ،‬حدث الشًء ‪ٌ ،‬حدث حدوثا و حداثـــة و أحدثه هو فهو محدث‬
‫و حدٌث و كذلن استحدثه ‪ ،‬و أخذنً من ذلن ما لُدم و حدُث " ‪.2‬‬

‫ورجل حدث السن و حدٌثها بٌن الحداثة و الحدوثة ‪ ،‬ورجال أحداث السن و حدثاتها ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫ونمول الحدٌث أي الجدٌد من األشٌاء ‪ ،‬و الحدٌث كذلن هو الخبر و الجمع أحادٌث‬

‫أمـــــا فً اللؽـــــة الفرنسٌة كلمة حدٌـــــث "‪ " Moderne‬مشتمــــة من لفـظـــــة‬


‫" ‪" Modernus‬و التً ظهرت فً المرن السادس هذا اللفظ استعمل بكثرة من المــــرن‬
‫العاشر فً المساجالت الفلسفٌة و الدٌنٌة و ٌكاد ٌستعمل بمعــــنى انفتاح و حرٌـــة‬
‫‪4‬‬
‫‪.‬‬ ‫فكرٌــــــة ‪ ،‬و معرفة أحداث الولائع أو أحداث األفكار ‪ ،‬وؼٌاب الكسل‬

‫أما فً اللؽة الروسٌة " فؤخذت منذ المرن التاسع عشر معنى سٌاسٌا ٌدل على التمدمٌة‬
‫و الٌسار " ‪. 5‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬مج ‪ ،2‬دار بٌروت للطباعة و النشر ‪ ،‬لبنان ‪ ،5955 ،‬ص ‪.535‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬أبً الحسن علً ابن إسماعٌل بن سٌدة المرسً ‪ ،‬المحكم و المحٌط األعظم ‪ ،‬م ‪ ، 3‬دار الكتب العلمٌة ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط‪ ،2222 ، 5‬ص ‪.252‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.253‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬أندري الالند ‪ ،‬موسوعة الالند الفلسفٌة ‪ ،‬مج ‪ ، 2‬منشورات عوٌدات ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬بارٌس ‪ ،‬ط ‪ ، 2225 ، 2‬ص ‪.822‬‬
‫‪5‬‬
‫‪-‬جمال شحٌد ‪ ،‬ولٌد لصاب ‪ ،‬خطاب الحداثة فً األدب ‪ ،‬األصول و المرجعٌة ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬سورٌا ‪ ،‬ط ‪ ،2225 ، 5‬ص ‪.54‬‬

‫‪8‬‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫إصطالحا ‪ٌ :‬نفلت مصطلح الحداثة من تحدٌد مدلوالته و التعرٌؾ به و تحدٌد أصوله‬


‫التارٌخٌة ذلن ألنه مصطلح تشترن فٌه كل الحمول المعرفٌة من فلسفة و سٌاسة و دٌن‬
‫والتصاد و أدب و الفن وؼٌرها ‪.‬‬

‫فهً " لٌست مفهوما سوسٌولوجٌا أو سٌاسٌا أو تارٌخٌا ٌحضر المعنى و إنما هً‬
‫صٌؽة ممٌزة للحضارة ‪ ،‬تعارض صبؽة التملٌد أي أنها تعارض جمٌع الثمافات السابمة ‪،‬‬
‫فؤمام التنوع الجؽرافً و الرمزي لهذه الثمافات تفرض الحداثة نفسها كؤنها واحدة متجانسة‬
‫مشعة عالمٌا انطاللا من الؽرب و ٌتضمن هذا المفهوم إجماال اإلشارة إلى تطور تارٌخً‬
‫بؤكمله و إلى تبدل فً الذهنٌة " ‪.1‬‬

‫فالحداثة ثورة على التملٌد و التراث و ٌإكد هذا ٌورؼن هابرماس فً لوله " إن‬
‫الحداثة تعبٌر دائما ‪ ،‬عن وعً عصر ما ٌحدد نفسه (‪ )...‬و ٌفهم ذاته كنتٌجة انتمل من‬
‫‪2‬‬
‫‪ ،‬فإن كانت مهمة التملٌد الحفاظ على الموروث و السائد و الممدس‬ ‫المدٌم إلى الحدٌث "‬
‫فإن الحداثة تإسس للجدٌد و تنشد التؽٌٌر و التمدم هدفها دون المباالة بالماضً و مكنوناته ‪،‬‬
‫و بذلن تكون " الحداثة مشروع اجتماعً ثوري و تمدمً ومتفتح إلى ألصى حد ٌتمٌز‬
‫بالشمولٌة و التفاوت فً إحراز التمدم الحاصل فً كل لطاع من لطاعات الوجود‬
‫االجتماعً البشري " ‪. 3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬جون بودٌار ‪ ،‬نمال عن فارح مسرحً ‪ ،‬الحداثة فً فكر دمحم أركون ‪ ،‬منشورات االختالؾ ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ط ‪ ، 2226 ، 5‬ص ‪.25‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬فارح مسرحً ‪ ،‬الحداثة فً فكر دمحم أركون ‪ ،‬منشورات االختالؾ ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ط ‪ ، 2226 ، 5‬ص ‪.22‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬مصطفى خالل ‪ ،‬الحداثة و نمد األدلوجة األصولٌة ‪ ،‬رإٌة للنشر ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ط ‪ ، 2228 ، 5‬ص ‪.73‬‬

‫‪9‬‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫إن جل ما تسعى إلٌه الحداثة هو التؽٌٌر استنادا إلى لٌم جدٌدة " لٌم بدٌلة لمٌم‬
‫‪1‬‬
‫‪،‬‬ ‫التملــــــٌد المتوارثة و لٌم العمل الذهبً ‪ ،‬حٌث فجرت مؽامرة البحث اإلنسانً "‬
‫فالحداثة بما هو ثورة محددة تحدث انمالبا من رتابة األوضاع و تكرس الخلك و اإلبداع ‪،‬‬
‫فتعلن عن مٌالد مجموعة من المٌم المعرفٌة و األخاللٌة الجدٌدة فً النظر إلى الطبٌعـــــــة‬
‫‪2‬‬
‫و اإلنسان و المستمبل "‬

‫‪ 2-1‬لدى مختلف المفكرين الغرب ‪:‬‬

‫إن الفالسفة المعاصرٌن الؽربٌٌن و فً تناولهم لمسؤلة الحداثة و أزماتها و ما بعد‬


‫الحداثة أعطوا تعارٌؾ للحداثة و فٌما ٌلً نماذج عن تعارٌؾ لبعض الفالسفة ‪:‬‬

‫جياني فايتمو * " حالة و توجه فكري تسٌطر علٌها فكرة رئٌسٌة ‪ ،‬فحواها أن تارٌخ تطور‬
‫الفكر اإلنسانً ٌمثل عملٌة استثارة مطردة تتنامى و تسعى لدما نحو االمتالن الكامـــــــــل‬
‫و المتجدد ألسس الفكر و لواعده و الحداثة بهذا المعنى تتمٌز بخاصٌة الوعً بضرورة‬
‫تجاوز تفاسٌر ا لماضً و مفاهٌمه ‪ ،‬و السعً الدائب نحو استمرار هذا التجاوز فً المستمبل‬
‫‪ ،‬و ذلن لتحمٌك اإلدران المطرد عمما باألسس الحمٌمة و المتجددة التً تبطن الممارسات‬
‫االنسانٌة ‪ ،‬و تضفً الشرعٌة علٌها ‪ ،‬سواء فً مجاالت العلوم و الفنون و األخــــــــــــالق‬
‫و ؼٌرها من المجاالت الفكرٌة العلمٌة " ‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬كمال عبد اللطٌؾ ‪ ،‬أسئلة الحداثة فً الفكر العربً ‪ ،‬من إدران الفارق إلى وعً الذات ‪ ،‬الشبكة العربٌة لألبحاث ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط ‪، 2229 ، 5‬‬
‫ص ‪.58‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬دمحم شولً ‪ ،‬الزٌن ‪ ،‬إزاحات فكرٌة ‪ ،‬مماربات فً الحداثة و المثمؾ ‪ ،‬منشورات االختالؾ ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ط ‪ ، 2228 ، 5‬ص ‪.35‬‬
‫* فٌلسوؾ إٌطالً معاصر ‪ ،‬ولد فً تورٌنو عام ‪ ،5936‬مدرس علم الجمال من مإلفاته ‪ :‬الشكر و االنطولوجٌا ‪ ،‬مؽامرة االحتالل ‪ ،‬نهاٌة الحداثة‬
‫‪ -5‬نمال عن ‪ :‬دمحم محمود ٌس أحمد طه نور ‪ ،‬أعداء الحداثة ‪ ،‬دار الوعً ‪ ،‬السعودٌة ‪ ،‬ط ‪ 5434 ، 5‬ه ‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫** فٌلسوؾ و عالم إجتماع ألمانً ولد عام ‪ ، 5929‬أحد أعضاء مدرسة فرانكفورت ‪ ،‬من أهم كتبه المول الفلسفً للحداثة ‪ ،‬النظرٌة و الممارسة ‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫هابرماس يورغن ** ‪ " :‬مشروع ولده جهد ؼٌر عادي من جانب مفكري التنوٌر "‪.1‬‬

‫رايموند وليامز ***‪ " :‬الحداثة تشٌر بشكل أو بآخر إلى مرور الزمن فمن خالل الصفة‬
‫حدٌث تشٌر إلى نظام جدٌد ‪ ،‬و إلى تسارع ‪ ،‬و إلى المطٌعة و إلى الثورة فً الزمن وعندما‬
‫ت ظهر كلمات حدٌث ‪ ،‬تحدٌث ‪ ،‬تحدد من باب التضاد ماضٌا لدٌما و مستتبا (‪ )...‬فهً كلمة‬
‫تشٌر إلى كسر فً السٌر المنتظم للزمن ‪ ،‬وتشٌر أٌضا إلى معركة فٌها منتصرون و‬
‫المنهزمون " ‪.2‬‬

‫أالن تورين * " الحداثة هً بناء صورة عمالنٌة للعالم الذي ٌدمج اإلنسان بالطبٌعــة (‪)...‬‬
‫و ترفض كل أشكال الثنائٌة بٌن الجسد و النفس و بٌن عالم اإلنسان و العالم المفارق " ‪.3‬‬

‫بودلير ** " إن الحداثة هً المإلت و سرٌع الزوال و الجائز ‪ ،‬هً نصؾ الفن ‪ ،‬بٌنما‬
‫األبدي و الثابت هو النصؾ اآلخر "‪.4‬‬

‫‪ 3-1‬تعريف الحداثة عند المفكرين العرب ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬نمال عن ‪ :‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.58‬‬
‫*** أحد نماد اإلنجلٌز المعاصرٌن عاش بٌن (‪ ، ) 5988-5925‬من أعماله (الثمافة و المجتمع ‪ ،‬منابع األمل ‪ ،‬االشتراكٌة ‪ ،‬الدٌممراطٌة ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬دمحم محمود ٌس أحمد طه نور ‪ ،‬أعداء الحداثة ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ص ‪. 58-57‬‬

‫* مفكر و فٌلسوؾ و عالم اجتماع معاصر ؼربً ‪.‬‬


‫‪ -5‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫** ٌلمب بؤبو العصور الفرنسٌة الحدٌثة ‪ ،‬عاش بٌن (‪)5867-5825‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫*** مفكر مؽربً (‪ ، ) 2252-5935‬من أهم كتبه ( سلة نمد العمل العربً ‪ ،‬تكوٌن العمل العربً ‪ ،‬بنٌة العمل العربً ‪ ،‬العمل السٌاسً العربً ‪،‬‬
‫العمل األخاللً العربً )‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫‪ -‬دمحم عابد الجابري *** " لٌست هنان حداثة مطلمة ‪ ،‬كلٌة و عالمٌة و إنما هنان حداثات‬
‫تختلؾ من ولت آلخر و من مكان آلخر ‪ ،‬ومن تجربة تارٌخٌة ألخرى ‪ ،‬الحداثة فً أوربا‬
‫ؼٌرها فً الصٌن ‪ ،‬ؼٌرها فً الٌابان ‪...‬فً أوربا ٌتحدثون الٌوم عن ( ما بعد الحداثة )‬
‫باعتبار الحداثة ظاهرة انتهت مع نهاٌة المرن التاسع عشر بوصفها مرحلة تارٌخٌة لامت‬
‫فً أعماب " عصر األنوار " ( المرن الثامن عشر) هذا العصر الذي جاء هو نفسه فً‬
‫أعماب عصر النهضة ( المرن السادس عشر ) ‪ ...‬الحداثة لٌست من أجل ذاتها بل هً دوما‬
‫من أجل ؼٌرها ‪ ،‬من أجل عموم الثمافة التً تنبثك منها الحداثة من أجل الحداثة ال مـعنى‬
‫لها ‪ ،‬الحداثة رسالة و نزوع من أجل التحدٌث " ‪. 1‬‬

‫حسن حنفي **** " ٌرى أن الحداثة لد تعنً إتباع أسالٌب العصر و مناهجه فً تحلٌل‬
‫التراث ‪...‬و تعنً التجدٌد ‪ ،‬وهو تطوٌر للتراث من داخله طبما لحدٌث المجددٌن ‪ ،‬إن هللا‬
‫ٌبعث على رأس كل مائة سنة لهذه األمة من ٌجدد لها دٌنها ‪ ،‬فالحداثة ال تعنً الؽرب‬
‫بالضرورة ‪ ،‬و إنما تعنً لدرة التراث على أن ٌجتهد طبما لظروؾ العصر " ‪. 2‬‬

‫هشام شرابي * " ٌتجسد معنى الحداثة بالنسبة إلٌنا فً اتجاهٌن مترابطٌن و الحدٌث هو‬
‫الجدٌـــد و الطالئعً ‪ ،‬بمعنى المؽامرة نحو المستمبل و االنــفالت من لٌــــود الحـــــــاضر‬
‫و الماضً ‪ ،‬ؼٌر أن الحدٌث لٌس هربا من الحاضر بـــل تؤكٌد له ‪ ،‬فاإلبــــداع و الخلك ال‬
‫ٌــــ حدثان إال فً اللحظة الحاضرة ‪ ،‬فً اآلن التً تتحول إلى زمن جدٌد ‪ ،‬الحاضر هو‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬نمال عن ‪ :‬علً رحمومة سحبون ‪ ،‬إشكالٌة التراث و الحداثة فً الفكر العربً المعاصرٌن بٌن دمحم عابد الجابري ‪ ،‬و حسن حنفً ‪ ،‬منشؤ‬
‫المعارؾ ‪ ،‬مصر ‪ ،‬د ط ‪ ، 2227 ،‬ص ‪.32‬‬
‫**** مفكر مصري ولد عام ‪ ، 5935‬درس الفلسفة فً ج امعتً الماهرة و السورٌون فً فرنسا ‪ ،‬أهم كتبه ( التراث و التجدٌد ‪ ،‬من العمٌدة إلى‬
‫الثورة ‪ ،‬من النمل إلى اإلبداع ‪ ،‬من الفناء إلى البماء ‪ ،‬ممدمة فً علم االستؽراب )‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫* مفكر فلسطٌنً عاش بٌن (‪ ، )2225-5927‬من كتبه ‪ :‬ممدمات لدراسة المجتمع العربً ‪ ،‬أزمة المثمفٌن العرب ‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫أرض المستمبل و هدفه ‪ ،‬و دون العمل فً الحاضر و تؽٌٌره ال ٌمكن العمل فً المستمبـــل‬
‫و بنائه " ‪.1‬‬

‫الحداثة لدى أركون ‪ٌ :‬نفً أركون كون أن الحداثة خاصٌة ؼربٌة و هو بذلن ٌنفً تعٌٌن‬
‫زمان أو مكان الحداثة فهو ٌرى أنها لٌست سمة الحضارة الؽربٌة بل هً سمة تمٌز الجدٌد‬
‫عن المدٌم عبر مختلؾ الحمب الزمانٌة و فً مختلؾ الحضارات ‪ ،‬فالحداثة " لٌست‬
‫المعاصرة ‪ ،‬فمد ٌعاصرنا أشخاص ال عاللة لهم بنا و ال بالحداثة و العصر أناس ٌنتمون‬
‫عملٌا لمرحلة المرون الوسطى ‪ ،‬ولد توجد فً المرون السابمة شخصٌات تمثل الحداثة " ‪.2‬‬

‫على أنها " مولؾ فعلً و توتر روحً معٌن ٌتسم بالحٌوٌة الفكرٌة و االنفتاح الثمافً‬
‫‪3‬‬
‫‪ ،‬كما ٌعرفها فً كتابه الفكر األصولً و استحالة التؤصٌل على‬ ‫( النزعة االنسانٌة ) "‬
‫أنها " لٌست مسؤلة تحمٌب لتارٌخ الفكر بمدر ما هً مولؾ معٌن للعمل أمام السإال التالً ‪:‬‬
‫كٌؾ ٌمكن أن تعرؾ الوالع بشكل صحٌح " ‪. 4‬‬

‫الحداثة عند طع عبد الرحمن ‪ :‬إن الحداثة عبارة عن نهوض األمة ‪.‬كائنة ما كانت‬
‫‪.‬بواجبات واحد من أزمة التارٌخ االنسانً بما ٌجعلها تختص بهذا الزمن من دون ؼٌرها و‬
‫تتحمل مسإولٌة المصً به الى ؼاٌته فً تكمٌل االنسانٌة او لل أن الحداثة هً نهوض‬
‫االمة بواجبات زمنها ‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ضمن ‪ :‬دمحم سبٌال ‪ ،‬عبد السالم بن عبد العالً ‪ ،‬الحداثة ‪ ،‬دار توبمال ‪ ،‬المؽرب ‪ ،‬ط ‪ ،5996 ، 5‬ص‪.525‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.526‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.526‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬لضاٌا فً نمد العمل الدٌنً ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص‪.522‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬الحداثة و المماومة ‪،‬مصدر سبك ذكره ‪ ،‬ص ‪.22‬‬

‫‪53‬‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫‪ -2‬السياق التــــــــــــــاريخي للحداثة الغربية ‪:‬‬

‫إذا ما أردنا ضبط السٌاق التارٌخً الحاضن للحداثة فنجد صعوبة فً ذلن حتما‬
‫الختالؾ التعارٌؾ المسندة لمفهوم الحداثة و اختالؾ فاآلراء حولها ‪،‬فؽالبا ما ربطها‬
‫المفكرون و المإرخون لبعض األحداث المهمة التً حصلت فً تارٌخ أوروبا العام ‪،‬فهنان‬
‫من من ربطها "بوصول العلوم الٌونانٌة و العربية إلى أوربا الشمالٌة فً المرن الثانً‬
‫عشر" ‪ ،1‬كما ٌإرخ البعض لبداٌتها "عام ‪ 5436‬مع اختراع ؼوتنبرغ للطباعة المتحركة‬
‫وآخرون ٌإرخون لها عام ‪ 5522‬مع الثورة اللوثرٌة ضد سلطة الكنٌسة"‪ ،2‬كما نجد‬
‫"المفكر األمرٌكً البراؼماتً رٌتشارد روتً ٌلحك الحداثة بفكر دٌكارت فً المرن السادس‬
‫عشر و المفكر األلمانً ٌورؼن هابرماس ٌربطها بعصر األنوار فً المرن الثامن عشر‬
‫مٌالدي‪ ،‬وٌرجعها أحد النماد األمرٌكٌٌن إلى النصؾ األول من المرن العشرٌن"‪.3‬‬

‫مما سبك ٌمكننا المول بؤن نشأة الحداثة فً المجتمعات الؽربٌة كانت نتٌجة تحوالت‬
‫مهمة حددت فً أوربا منذ نهاٌة العصور الوسطى‪ ،‬وبداٌة عصر النهضة أو البعث والتً‬
‫انبثمت من الكنٌسة فً صورة إصالحات‪ ،‬مرورا بالمطائع التً أحدثها كــــل من ديكـــارت‬
‫و بيكون و انبالج عصر األنوار وفٌما ٌلً أهم المحطات التً شكلت الحداثة كسمة ؼربٌة ‪:‬‬

‫‪1-2‬عصر النهضة و اإلصالح الديني ‪:‬‬

‫تبدأ الحداثة مع النهضة و اإلصالح الدٌنً و هذا ما نستشفه من لول صاحب لصة‬
‫الحضارة "إن النهضة و إصالح البروتستانً هما ٌنبوعا التارٌخ الحدٌث‪ ،‬والمصدران‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬جٌمس بٌرن ‪ ،‬عندما ٌتؽٌر العالم ‪ ،‬ضمن دمحم سبٌال ‪ ،‬عبد السالم بن عبد العالً‪ :‬الحداثة‪ ،‬دفاتر فلسفٌة‪ ،‬دار توبمال‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬مصطفى حسٌبة‪ ،‬المعجم الفلسفً‪ ،‬دار أسامة‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪ ،2229 ،5‬ص ‪. 582‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬باسم علً خرٌسان‪ ،‬مابعد الحداثة‪ ،‬دراسة فً المشروع الثمافً الؽربً‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشك‪ ،‬سورٌا‪ ،‬ط‪ ،2226 ،5‬ص‪ ،‬ص ‪.25-22‬‬

‫‪54‬‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫المتنافسان للتجدٌد الفكري و الخلمً الذي طرأ على الحٌاة الحدٌثة "‪ ،1‬كذلن فً لول‬
‫المفكر األلمانً هابرماس فحسبه ٌشكالن "العتبة التارٌخٌة بٌن العصور الوسطى و األزمة‬
‫الحدٌثة "‪ ،2‬فعصر النهضة هو ممدمة الزمن الحدٌث و الممهد للحداثة األوربٌة وذلن لما هو‬
‫نهضة بالتراث الٌونانً و إعادة بعثه‪ ،‬و اإلصالح الدٌنً الذي طال الكنٌسة لذلن ٌعتبر‬
‫عصر النهضة زمن تحول من المدٌم فمد "كان الؽرب المسٌحً عالرا ال ٌنجب شٌئا فً‬
‫الفلسفة‪ ،‬أو كان ٌؽط فً نوم طوٌل لن ٌخرجه منه إال حركة نمل الدراسات و العلوم‪،‬و التً‬
‫‪3‬‬
‫انطلمت من الشرق اإلسالمً إلى الؽرب اإلسالمً و من هنان إلى الؽرب المسٌحً"‬

‫فالعرب كانوا حلمة وصل بٌن الؽرب فً ذلن الولت وبٌن أجدادهم الٌونان ‪ ،‬فمد‬
‫تعرفوا على علومهم و فلسفتهم عبر ترجمات الفالسفة المسلمٌن و شروحاتهم ‪.‬‬

‫أما عن اإلصالح الدٌنً الذي كان حالً ألزمة الكنٌسة فكان رائده " مارتن لوثر* فمد‬
‫ثار على الكنٌسة معتبرا نفسه مجددا للدٌانة (‪ )...‬الذي أعلن أن التبرٌر من خالل النعمة و‬
‫‪4‬‬
‫اإلٌمان (‪ )...‬و دعى إلى استبدال الوحً التملٌدي بالعاللة الشخصٌة مع هللا "‬

‫‪2-2‬مرحلة العلم الطبيعي‪:‬‬

‫تبدأ مرحلة العلم الطبٌعً فً عصر النهضة " وٌإرخ لها بٌن عام (‪-5622‬حتى عام‬
‫‪ ،)...( 5692‬كان اإلنجاز العظٌم صٌاؼة مناهج جدٌدة للبحث الفلسفً (‪ )...‬فمد لام هوبز‪،‬‬
‫ودٌكارت ‪ ،‬واسبٌنوزا ولٌبنتز ‪ ،‬الذٌن استطاعوا عن طرٌك منهاجهم أن ٌشٌدوا مناهجهم أن‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬وول دٌورانت ‪ ،‬نمال عن ‪ :‬دمحم أحمد سٌد أحمد ‪ ،‬أعداء الحداثة ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬نمال عن ‪ :‬دمحم محمود سٌد أحمد ‪ ،‬أعداء الحداثة‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪. 38‬‬
‫‪ - 3‬آال ندي لٌبٌرا ‪ ،‬نمال عن ‪ :‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪،‬ص ‪.44‬‬

‫‪55‬‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫ٌشٌدوا مذاهب لحالها تؤثٌرها حتى الٌوم الراهن (‪ )...‬فمد كان بعض هإالء الفالسفة و منهم‬
‫"بٌكون و هوبز" تجربٌٌن فً مناهجهم (‪ )...‬إنهم آمنوا بؤن المصدر األول ‪ ،‬األول لمعرفة‬
‫هو تجربة الحواس "‪ ،1‬فهذه المرحلة امتازت ببحثها عن مناهج علمٌة تخضع الطبٌعة‬
‫وتعرؾ أسرارها ‪.‬‬

‫‪ 3-2‬عصر التنوير‪:‬‬

‫آخر فترة فً العصر الحدٌث هً عصر األنوار‪ ،‬وتشٌر عبارة " األنوار" إلى النور‪،‬‬
‫وهذا لما ٌنسب إلٌها من تٌارات استنارة للعمل و لإلنسان ‪ٌ " ،‬إرخ لها عادة منذ ظهور‬

‫فالعرب كانوا حلمة وصل بٌن الؽرب فً ذلن الولت وبٌن أجدادهم الٌونان ‪ ،‬فمد تعرفوا‬
‫على علومهم و فلسفتهم عبر ترجمات الفالسفة المسلمٌن و شروحاتهم ‪.‬‬

‫أما عن اإلصالح الدٌنً الذي كان حالً ألزمة الكنٌسة فكان رائده " مارتن لوثر* فمد‬
‫ثار على الكنٌسة معتبرا نفسه مجددا للدٌانة (‪ )...‬الذي أعلن أن التبرٌر من خالل النعمة و‬
‫اإلٌمان (‪ )...‬و دعى إلى استبدال الوحً التملٌدي بالعاللة الشخصٌة مع هللا "‬

‫‪ 4-2‬مرحلة العلم الطبيعي‪:‬‬

‫تبدأ مرحلة العلم الطبٌعً فً عصر النهضة " وٌإرخ لها بٌن عام (‪-5622‬حتى عام‬
‫‪ ،)...( 5692‬كان اإلنجاز العظٌم صٌاؼة مناهج جدٌدة للبحث الفلسفً (‪ )...‬فمد لام هوبز‪،‬‬
‫ودٌكارت ‪ ،‬واسبٌنوزا ولٌبنتز ‪ ،‬الذٌن استطاعوا عن طرٌك منهاجهم أن ٌشٌدوا مناهجهم أن‬
‫ٌ شٌدوا مذاهب لحالها تؤثٌرها حتى الٌوم الراهن (‪ )...‬فمد كان بعض هإالء الفالسفة و منهم‬
‫"بٌكون و هوبز" تجربٌٌن فً مناهجهم (‪ )...‬إنهم آمنوا بؤن المصدر األول ‪ ،‬األول لمعرفة‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ولٌام كلً راٌت ‪ ،‬تر‪ :‬محمود سٌد أحمد‪ ،‬تارٌخ الفلسفة الحدٌثة‪ ،‬دار التنوٌر‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪،2252 ،5‬ص ‪.63‬‬

‫‪56‬‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫هو تجربة الحواس "‪ ،‬فهذه المرحلة امتازت ببحثها عن مناهج علمٌة تخضع الطبٌعة‬
‫وتعرؾ أسرارها ‪.‬‬

‫‪ 5-2‬عصر التنوير‪:‬‬

‫آخر فترة فً العصر الحدٌث هً عصر األنوار‪ ،‬وتشٌر عبارة " األنوار" إلى النور‪،‬‬
‫وهذا لما ٌنسب إلٌها من تٌارات استنارة للعمل و لإلنسان ‪ٌ " ،‬إرخ لها عادة منذ ظهور‬

‫"ممال فً الفهم البشري " للوك عام ‪ ،5692‬و تنتهً بنشر كتاب كانط "نمد العمل‬
‫الخالص "عام ‪ ،)...(5785‬كان هنان فً كل مجال من مجاالت البحث ‪ ،‬دفاع كبٌر عن‬
‫حرٌــة الفكر ‪،‬و حرٌة الحدٌث و حرٌة النثر‪ ،‬ولد نبذ كثٌر من الفالسفـــة جمٌع دعـــاوي‬
‫‪1‬‬
‫الكنٌسة و الدولة فً السلطة المطلمة للدٌن والسلون "‬

‫‪ -3‬مقومات الحداثة الغربية ‪:‬‬


‫باإلشارة إلى تعارٌؾ الحداثة المختلفة وإلى سٌالها التارٌخً الحاضن لها تكون‬
‫الحداثة أهم مرحلة فً تارٌخ أوربا بصفة خاصة و العالم بصفة عامة ‪ ،‬وذلن لمختلؾ‬
‫التحوالت التً طرأت على جمٌع األصعدة الحٌاتٌة وهدفها فما هً أهم هذه التحوالت ؟‬
‫‪- 1‬في المعرفة ‪:‬‬
‫تمٌزت فترة الحداثة بسإالها المركزي " كٌؾ أعرؾ ؟ " إذ راهنت على تطوٌر‬
‫طرائك و إٌجاد أسالٌب جدٌدة فً المعرفة إذ انتملت من المعرفة التؤملٌة إلى المعرفة التمنٌة‬
‫بما هً معرفة لائمة على إعمــــــال العمل بمعناه الحسابً أي معرفـــة عمادها المالحظـة‬
‫و التجرٌب والصٌاؼة الرٌاضٌة والتكمٌم ‪. 2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.554‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬أنظر‪ :‬دمحم سبٌال‪ ،‬عبد السالم بنعبد العالً ‪ ،‬الحداثة وما بعد الحداثة‪ ،‬دفاتر فلسفٌة‪ ،‬دار توبمال‪،‬المؽرب‪،‬ط‪،2226 ،5 ،‬ص ‪.8‬‬

‫‪57‬‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫انمسم الفالسفة فً بحثهم عن طرق ومصدر المعرفة إلى تٌاران عمالنً و تجرٌبً‬
‫فديكارت والذي ٌلمب بؤب الفلسفة الحدٌثة " كان هدفه نمل المعرفة و موضوعاتها من‬
‫الكونٌات اإللهٌة إلى الفٌزٌاء ‪ ،‬ومن نظام العلل األولى إلى أنظمة المٌكانٌكا (‪ )...‬ومن‬
‫خالل كتابه "ممالة فً المنهج" وضع لواعد المنهج العمالنً الذي سار علٌه العدٌد من‬
‫الفالسفة كمالبرانش (‪ )5755-5638‬لٌبنٌز(‪،)5756-5646‬و سبٌنوزا (‪.1" )5777-5732‬‬
‫أما " فرانسيس بيكون فمد سعى إلى تخلٌص الفكر البشري من التمالٌد األفالطونٌة و‬
‫األرسطٌة بالتنظٌر المنهج التجرٌبً (‪ )...‬وٌعد أول من حاول وضع صورة كاملة للمنهج‬
‫اإلستمرائً المائم على المالحظة و التجربة ‪ ،‬والذي امتد إلى دافٌد هٌوم (‪،)5776-5755‬‬
‫جون لون (‪ ،)5824-5732‬جون ستٌوارت مل (‪.2" )5873-5823‬‬
‫‪- 2‬في الطبيعة‪:‬‬
‫واجهت األنظار فً الفترة الحدٌثة إلى الطبٌعة و ذلن بعد " التحول المفصلً فً‬
‫تارٌخ علم الطبٌعة تمثل فً االنتمال من مركزٌة األرض إلى مركزٌة الشمس مفتتحا‬
‫االنتمال من العالم المؽلك إلى الكون الالنهائً ‪ ،‬لكن النمطة الجوهرٌة فً هذا التحول هً‬
‫النظر إلى الطبٌعة كامتداد كمً هندسً و حسابً وهو التحول الذي حدث مــــع ؼالٌلو"‪. 3‬‬
‫وفً هذه الفترة "نزع الطابع اإلحٌائً السحري عن الطبٌعة كما لال ؼالٌلو‪ -‬كتابا‬
‫مكتوبا بلؽة المثلثات و المربعات و األشكال الهندسٌة "‪ .4‬فنظر اإلنسان إلى الطبٌعة من‬
‫خالل مفاهٌم رٌاضٌة "فالعالم الذي ٌجب أن ننصرؾ إلٌه بؤذهاننا ونصب فٌه جهودنا ‪ ،‬إنه‬
‫لٌس عالما حمٌرا زائال ‪ ،‬ولٌس مجرد جسر نجوز به إلى العالم األخر الحمٌمً الثابت‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬فارح مسرحً‪ ،‬الحداثة فً فكر دمحم أركون ‪،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪.32‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬دمحم سبٌال‪ ،‬عبد السالم بنعبد العالً ‪،‬الحداثة وما بعد الحداثة‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.9‬‬

‫‪58‬‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫السرمدي ‪،‬بل له وجوده الخاص به الخلٌك بؤن ٌجتذب اهتمامنا "‪ ،1‬إنه ٌنبؽً فن أسرار‬
‫الطبٌعة و إخضاعها لإلنسان‪.‬‬
‫‪ -3‬مركزية اإلنسان ‪:‬‬
‫من المموالت األساسٌة التً ترتكز علٌها الحداثة هً إعادة االعتبار لإلنسان وجعله‬
‫مركــزا للوجود و ذلن بتحرٌــره من سلطة الممدس من طرؾ حركــة اإلصالح‬
‫الدٌــــــــنً " فاإلنسان هو المٌمة األولى ‪ ،‬وله طابع ممدس لبل جمٌع المٌم "‪.2‬أي أن إنسان‬
‫العصور الوسطى كان مكبال بمٌود مٌتافٌزٌمٌة أما مع الحداثة أصبح ٌهتم بوجوده و لٌمته‬
‫فً هذا الوجود و مدى فاعلٌته و تفاعله مع معطٌات الحاضر و المستمبل ‪ ،‬وهذا ما أدى‬
‫إلى "ظهور نوع من التمٌز الفردي فً أوربا (‪ )...‬فظهر الفرد محبا للعمل ‪ ،‬ما أتاح كثرة‬
‫فً اإلنتاج و اإلبداع و االختراع "‪.3‬وبهذا ٌتضح أن المجتمع األوروبً لد شجع الفردانٌة‬
‫من خالل االهتمـــام باإلنسان وهذا من أجـل النهوض بمختلؾ المٌادٌـــن االجتماعٌــــــــة‬
‫و االلتصادٌة و السٌاسٌة و ؼٌرها ‪...‬‬
‫لد كرست الحداثة للرإٌة الذاتٌة للعالم "فمد أصبح اإلنسان ٌستمد ٌمٌنٌاته من ذاته‬
‫ولٌس كما فً العصور الوسطى و الثورة األساسٌة فً الفلسفة الحدٌثة تتمثل فً نظرتها إلى‬
‫اإلنسان كذات هً ممر و مرجع الحمٌمة و الٌمٌن لكل شًء ‪،‬أي تنصٌب اإلنسان ككائن‬
‫مستمل واع ‪ ،‬فاعل ومالن الحمٌمة "‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪52‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬روالن ماركس و آخرون ‪،‬موسوعة تارٌخ أوربا العام ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬عوٌدات للنشر‪ ،‬بٌروت‪ ،‬ط‪ ،2225 ،2‬ص ‪.562‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.562‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬فارح مسرحً‪ ،‬الحداثة فً فكر دمحم أركون ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.38‬‬

‫‪59‬‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫كما ضمنت الحداثة الحرٌة للفرد و تتضمن " التسلٌم بؤن ٌنظر كل واحد بشكل إٌجابً‬
‫إلى وجود اآلخرٌن كما هم ‪ ،‬فً تعددٌة من المناعات و اآلراء وأن ٌعترؾ كل واحد بؤن‬
‫التشابه و االختالؾ من األمور الطبٌعٌة (‪ )...‬و تتطلب الحرٌة التوافك على مبدأ العدالة" ‪.1‬‬

‫‪ -4‬العقالنية ‪:‬‬
‫من أهم سمات الحداثة و الممومات التً ارتكزت علٌها هً العمالنٌة‪ "،‬فال ثمة إال‬
‫بالعمل بمعنى أن االختبار ؼٌر ممكن إال لفكر ٌملن عمال (‪ )...‬فالعمالنٌة هً اإللرار‬
‫بؤولوٌة العمل وبؤن المعرفة تنشؤ عن المبادئ العملٌة المبلٌة و الضرورٌة ال عن التجارب‬
‫الحسٌة ‪،‬فالعمالنٌة اتجاه إلى اإلٌمان بمدرة العمل فً االستدالل و البرهان مع االكتفاء بــــه‬
‫و تحكٌمه فً كل شًء‪ ،‬فهً بوجه عام مفهوم ٌمول بسلطان العمل و ٌرد األشٌاء معمولة"‪.2‬‬
‫صفة العمالنٌة هً إخضاع كل شًء لمحاكمة العمل ولدراته التً هً بحث دائم عن‬
‫العلل ‪ ،‬إذ ٌرتبط مبدأ العلة بمبدأ العمل الذي ٌعتبره مٌزة لإلنسان و تفوله ‪ ،‬فهو األداة‬
‫الوحٌدة التً إلى الحمٌمة وٌكون بذلن و ٌإلؾ لب حضارته و ٌصنع مجده"‪. 3‬‬
‫إذن هنان ترابط و تناسب شدٌد بٌن العمـــالنٌة و الحــداثة ‪ ،‬فكــالهما ٌشٌــر إلى‬
‫األخر ‪ ،‬والبحث فً الحداثة ٌستوجب البحث فً العمالنٌة أكٌد ‪ ،‬وذلن الن العمل هو مجالها‬
‫الذي تتحرن فٌه ‪ ،‬وهذا ما جعل من " الحداثة مصنع للعمل "‪ ، 4‬و أصبحت وظٌفة الوعً‬
‫األوروبً تحوٌل كل شًء إلى عمل حتى لمد اعتبر ماكس فٌبر و هوسرل التعمٌل أو‬
‫التنظٌر إحدى السمات الجوهرٌة للوعً األوروبً ٌتمٌز بها على ؼٌره من الشعوب التً‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬روالن ماركس و آخرون ‪ ،‬موسوعة تارٌخ أوربا العام ‪ ،‬ج ‪ ،3‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.566‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬دمحم أحمد سٌد أحمد طه نور ‪،‬أعداء الحداثة ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬أنظر لسطنطٌن زرٌك‪ ،‬خصائص الحداثة ‪،‬ضمن دمحم سبٌال ‪ ،‬عبد السالم بنعبد العالً‪ ،‬الحداثة ‪ ،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪.55‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬دمحم شولً الزٌن ‪،‬إزاحات فكرٌة ‪ ،‬مماربات فً الحداثة و المثمؾ ‪ ،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪.23‬‬

‫‪22‬‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫لم تصل إلى هذه الدرجة من المدرة على التنظٌر ‪ ،‬و التصرت على ممارسة المٌم العملٌة‬
‫فً األخالق و الدٌن ‪ ،‬ولم تثك حضارة بالعمل ثمة الحضارة العربٌة األوروبٌة (‪ )...‬سماه‬
‫دٌكارت الحس السلٌم ‪ ،‬وسماه كانط العمل النظري و سماه االنجلٌزي الحس المشترن‬
‫‪1‬‬
‫وأطلك علٌه هيغل لفظ الروح"‬

‫‪- 5‬في الزمن و التاريخ ‪:‬‬

‫انطاللا من مركزٌـــة اإلنسان نستخلص مفهوم الزمــن و بالتالً مفــــــــهوم التارٌــخ‬


‫و حركته‪ ،‬فؤصبح اإلنسان هو من ٌصنع التارٌخ من خالل فكرة التمدم وهكذا لامت الحداثة‬
‫على معمولة التحول وأفضت إلى تصور حركً للتارٌخ ٌحدد مراحل نموه وتطوره وفك‬
‫لمعٌار التمدم وهذا ما ٌتجاوز األطروحة المسحٌة حول التارٌخ التً تجعل بداٌتها مولد‬
‫المسٌح وصلبه ونهاٌته تتم بعودة المسٌح"‪.2‬‬

‫" ٌتمٌز زمن الحداثة بؤنه زمن كثٌؾ ضاؼط ومتسارع األحداث ‪ ،‬فهو ٌعاش كمادة‬
‫فرٌدة تتمركز حول حاضر مشرئب إلى اآلتً فالحاضر هو اللحظة التً ٌتم فٌها انتظار‬
‫االنتمال المتسارع لمستمبل مختلؾ كلٌا "‪ ،3‬وبهذا ٌكون الزمن الحداثة متجه نحو المستمبل‬
‫وٌنفتح على األتً عبر إحداث لطٌعة مع التراث و التملٌد السلؾ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬حسن حنفً ‪ ،‬ممدمة فً علم االستؽراب ‪ ،‬الدار التمنٌة للنشر‪ ،‬مصر ‪ ،‬د ط ‪ ،5995 ،‬ص ‪.623‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬فارح مسرحً‪ ،‬الحداثة فً فكر دمحم أركون ‪ ،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪.45‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬لسطنطٌن رزٌك‪ ،‬خصائص الحداثة‪،‬ضمن‪ ،‬دمحم سبٌال‪،‬الحداثة (دفاتر فلسفٌة )‪ ،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪.55‬‬

‫‪25‬‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫فالزمن ٌتطور وٌنمو حسب خط الماضً ثم الحاضر و ٌلٌه المستمبل متخذا طرٌك‬
‫الؽاٌة التً ٌتوخاها ‪ . 1‬فهً " حرص لوي على الوفاء لطبٌعة اإلنسان نفسه التً تتنافى مع‬
‫جمٌع أصناؾ الؽائٌات النهائٌة "‪.2‬‬

‫‪ -4‬أزمات أسس الفكر الغربي و تيار ما بعد الحداثة ‪:‬‬

‫إن الحداثة الؽربٌة لٌست سوى اجتهاد بشري انطلك من لٌم محدودة أنتجتها أفكار‬
‫إنسان ؼربً ‪ ،‬وذلن لحتمٌة تارٌخٌة تمثلت فً عصور الظالم الذي خٌم على العصور‬
‫الوسطى ‪ ،‬ورؼم أنها تتضمن جوانب إٌجابٌة ال ٌمكن إال اإلفادة منها ‪ ،‬وهذا ما ٌبرر‬
‫استدراجها من طرؾ األمم األخرى ‪ ،‬إال أنها فً الممابل تتضمن جوانب سلبٌة و مدمرة‬
‫وهذا تعانً منه الشعوب الؽربٌة الساعة ‪ ،‬وهذا ما دعى إلى بروز تٌار ما بعد الحداثة ‪.‬فما‬
‫هً معطٌات الحداثة ؟ وما هً أزمات الفكر الحداثً ؟ وماذا نمصد بما بعد الحداثة ؟‬

‫لد أبرز التٌار مابعد الحداثً أزمات الفكر الؽربً الحدٌث ‪ ،‬وفٌما ٌلً نبرز أهمها مع‬
‫التطرق إلى مفهوم مابعد الحداثة ‪.‬‬

‫‪ 1-4‬أزمة الفردية ‪ :‬تمع الفردٌة فً صلب المنظومة الحداثٌة و لد حممت نجاحا نسبٌا ‪ ،‬إذ‬
‫ولد وصلت فً مرحلة تطورها داخل الفكر الحداثً حتى كانت هً الفوضوٌة سواء ‪ ،‬مما‬
‫جعلها عالمة من عالمات األزمة الحداثٌة ‪ ،‬وعلى حد تعبٌر بتراند راسل* "أفضى التحرر‬
‫من الكنٌسة إلى النزعة الفردٌة حتى بلوغ حد الفوضوٌة "‪ .3‬فتحرر الفرد من كل سلطة‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬أنظر‪ :‬المرجع نفسه ‪،‬ص ‪.62‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬مصطفى جالل ‪ ،‬الحداثة و نمد األدلوجة األصولٌة ‪،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪.73‬‬
‫* فٌلسوؾ إنجلٌزي (‪ ،)5972-5872‬من مإلفاته "فلسفة لٌبنٌز" و مبادئ الرٌاضٌات ‪ ،‬أسس الرٌاضٌات ‪ ،‬التصوؾ‪ ،‬و المنطك ‪ ،‬و العلــم‬
‫(أنظر ‪ :‬رحٌم أبو ؼرٌؾ‪ :‬الدلٌل الفلسفً ‪ ،‬دار المحجة ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط‪ ،2253 ،5‬ص ‪.)53‬‬
‫‪ - 5‬دمحم محمود سٌد أحمد ‪ ،‬أعداء الحداثة‪ ،‬مراجعات العمل الؽربً فً تؤزم فكر الحداثة‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.568‬‬

‫‪22‬‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫حتى إلى الجانب السلبً بحٌث ساد نوع من االنضمام و الالرلابة "و الفردانٌة و ؼـــــرور‬
‫و تضخم األنا و ؼٌاب التواصل بٌن الناس (‪ )...‬جعلت اإلنسان ٌعٌش الؽربة وسط‬
‫االكتظاظ و الؽٌاب وسط الحضور "‪ 1‬وهذا هو السبب وراء ما تعٌشه المجتمعات األوربٌة‬
‫من انحالل فً العاللات األسرٌة و االجتماعٌة ‪ ،‬و االنحالل األخاللً ‪.‬‬

‫‪ 2-4‬أزمة العقالنية ‪:‬‬

‫لد نادت بالعمالنٌة التٌارات الفلسفٌة الحدٌثة لدرجة التمدٌس و التؤلٌه ‪ ،‬ولكن العمالنٌة‬
‫الحدٌثة حملت الالعمالنٌة فً رحمها ٌمول هردر* " ال ٌمكننً أن أفهم كٌؾ ٌمكن أن ٌكون‬
‫العمل كونٌا بوصفه الذروة الوحٌدة للحضارة اإلنسانٌة بؤسرها "‪ ،2‬فالحضارة الؽربٌة كانت‬
‫متمركزة حول العمل فً حٌن أن "الذات العاللة لم تمتلن حرٌتها ٌوما و بمٌت باستمرار‬
‫خاضعة لسلط ة المعنى (‪ )...‬بل إن الالوعً النٌتشوي و الالشعور الفروٌدي ٌبٌنان أن‬
‫الذات العاللة خاضعة لعوامل دفٌنة و خفٌة فً عمك النفس البشرٌة وهً التً تحـدد حركة‬
‫الذات و لٌس اإلنسان كائنـا عالال دائما تحـركه إمالءات العمل فحسب ‪ ،‬بل هنان عناصر‬
‫أخرى فً توجٌه حركة اإلنسان و فكره "‪.3‬‬

‫‪ 3-4‬أزمة العلم المادي‪ :‬اإلنسان الحداثً وفً محاولة إخضاع الطبٌعة ألجل‬
‫االستفادة منها ومن خٌراتها فمد أفسدها و خربها "وهو حول هذه الطبٌعة من نعمة إلى نممة‬
‫تنتج األمراض و األوبئة و الكوارث البٌئٌة و تؽٌرات المناخ التً ربما دفع اإلنسان أثمانا‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬لاسم شعٌب‪ ،‬فتنة الحداثة‪ ،‬صورة اإلسالم لدى الوضعٌٌن العرب ‪ ،‬المركز الثمافً العربً ‪ ،‬ط‪ ،2223 ،5‬ص ‪.32‬‬
‫* كاتب و فٌلسوؾ ألمــانً (‪ ، )5823-5746‬من مإلفاته ‪ :‬األسلوب و الفن ‪،‬األلمانٌٌن ‪ ،‬العمل و الحكم ‪. 5799‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬دمحم محمود ٌس أحمد ‪ ،‬أعداء الحداثة ‪ ،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪.575‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-‬لاسم شعٌب ‪ ،‬فتنة الحداثة ‪ ،‬صورة اإلسالم لدى الوضعٌٌن العرب ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.32‬‬

‫‪23‬‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫باهظة لها "‪ .1‬لد أفرزت العلوم الحدٌثة نتائجا مدمرة لإلنسان و الطبٌعة و الكون ‪ ،‬كما أن‬
‫العلم فً المنظومة الحـداثٌة " وصـل إلى حرج بـالػ فً مجال المـٌم من حٌث األهـداؾ و‬
‫الوسـائل و األسـ الٌب ‪ ،‬مما جعل العدٌد من مفكري الؽرب ٌراجعون أنفسهم فً مسؤلة‬
‫التمدم العلمً ‪ ،‬واعتبروه وهما من األوهام (‪ )...‬إن خلو العلم عن المٌم النبٌلة ضرره أكثر‬
‫من نفعه ‪ ،‬فان أي علم ٌتصور نفسه متحررا من المٌم هو علم با ٍل"‪ ،2‬فالعلم طؽى مجاله‬
‫على األخالق و الدٌن فال بد إذن من وجود أزمات روحٌة و أخاللٌة و أصبح اإلنسان ذو‬
‫بعد الواحد‪.‬‬

‫‪ 4-4‬أزمة الوعود الحداثية‪:‬‬

‫إن التارٌخ األوربً الحدٌث ووالعه ٌبٌن أن الحداثة وعود لم تؾ بها بحٌث بمٌت‬
‫مجرد أحالم " كانت مجرد أوهام ‪ ،‬فلم ٌتحمك ما زعمت به هذى المنظومة الفكرٌة من‬
‫تحمٌك السالم الدو لً ‪ ،‬وإٌجاد المجتمعات البشرٌة الفاضلة ‪ ،‬مجتمعات بدون كوارث او‬
‫حروب فشلت فً محاولة تحمٌك السعادة لمد أصبحت فكرة التمدم مجرد وهم و األصل فً‬
‫السالم مجرد حلم ضائع "‪ ،3‬والحداثة ركزت أٌما تركٌز على اإلنسانٌة و المحافظة على‬
‫حموق اإلنسان فً حٌن أنها " هً التً أنتجت األصولٌات المدمرة التً كانت أوربا أولى‬
‫ضحاٌاها منذ نابلٌون و حتى هتلر و موسٌلٌن (‪ )...‬بل إن ما ٌجري الٌوم فً العالم من‬
‫انهٌارات و حروب تمودها أنظمة شعارات الدٌممراطٌة و حموق اإلنسان ما هو إال نتاج‬
‫لفكر الحداثة "‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬دمحم محمود سٌد أحمد ‪ ،‬أعداء الحداثة ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.569‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.585‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬لاسم شعٌب‪ ،‬فتنة الحداثة‪ ،‬صورة اإلسالم لدى الوضعٌٌن العرب ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.33‬‬

‫‪24‬‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫‪ 5-4‬ما بعد الحداثة ‪Post - Modernité‬‬

‫ٌنفلت مصطلح ما بعد الحداثة من التحدٌد تماما مثلما ٌنفلت مصطلح الحداثة ‪ ،‬فمد‬
‫اختلؾ الفالسفة و المفكرون حوله ‪ ،‬فهنان من ٌنفً أصال وجود مرحلة ما بعد الحداثــــــة‬
‫و ٌعتبرها مجرد استمرار و تصحٌح للحداثة عٌنها و اتجاه أخر ٌمول بما بعد الحداثة‬
‫كمرحلة تالٌة و حتمٌة للحداثة ‪ ،‬فؤصحاب االتجاه األول ٌرى فً مرحلة ما بعد الحداثة إال‬
‫" الحداثة و لد و سعت مكتسباتها و رسختها ووسعت مفهومها للعمل لٌشمل الالعمل ‪،‬‬
‫ووسعت مفهومها عن المدرات اإلنسانٌة لتشمل المتخٌل و الوهم و العمٌدة ‪ ،‬و األسطورة ‪،‬‬
‫وهً الملكات التً كانت الحداثة الظاهرة (‪ )...‬لد استبعدتها "‪ ،1‬فهً الحداثة نفسها ولد‬
‫استدرجت أخطاءها و أعادت تصحٌحها فهً مجرد نمد ذاتً للحداثة من صلبها ولمد نشر "‬
‫هابرماس ممالة شهٌرة بعنوان مشروع الحداثة التً تزعم نهاٌة عصر الحداثة"‪ ،2‬فما هو‬
‫ٌسمى بما بعد الحداثة ما هو إال " حداثة أعمك و أرسخ لدما ‪ ،‬ألنها أصبحت أكثر مرونـــة‬
‫و أكثر لدرة على احتواء نمائضها و فً ذلن تجاوب عمٌك مع ماهٌة الحداثة منهـــا (‪)...‬‬
‫أو حسب تعبٌر آلالن تورٌن فً كتابه " نمد الحداثة " فإن العالمة األكٌد على الحداثة هً‬
‫اإلشارات المناهضة و المضادة للحداثة التً تطلمها هذه األخٌرة "‪ ،3‬كما ٌعتبرها ٌورؼن‬
‫هابرماس أنها تعبٌر عن عجز أصحابها الذٌن ٌمولون بها عن تسمٌة عصرهم أي أنها‬
‫ترتبط بتسمٌة زمانٌة و حسب"‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬دمحم سبٌال ‪ ،‬مخاضات الحداثة ‪ ،‬دار الهادي ‪ ،‬بٌروت ‪،‬ط ‪ ،2227،5‬ص ‪.85‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬السٌد ٌس ‪ ،‬الحداثة وما بعد الحداثة ‪ ،‬ضمن دمحم سبٌال ‪ ،‬بن عبد السالم بن عبد العالً ‪،‬الحداثة ‪ ،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪.559‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬دمحم سبٌال ‪ ،‬مخاضات الحداثة ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬أنظر‪ :‬عبد الرزاق بلعمروز‪ ،‬السإال الفلسفً و مسارات االنفتاح‪ ،‬منشورات االختالؾ ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ط‪، 2252 ،5‬ص ‪.535‬‬

‫‪25‬‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫أما االتجاه األخر أي الذي ٌعترؾ بمرحلة ما بعد الحداثة كمرحلة حتمٌة أعادت النظر‬
‫فً ما ؼٌبته الحداثة ‪ ،‬وهً تعبر عن عصر جدٌد و إشكالٌات جدٌدة ‪.‬‬

‫فالحداثة ال ٌمكن أن تصحح نفسها ‪ ،‬بل ال بد من نالدا لها " ٌنتمد الحداثة من منطك‬
‫أكثر جذرٌة محمما لطٌعة فكرٌة مع الحداثة ‪ ،‬وداعٌا إلى تجاوزها بالمرة وهذا هو سر لوة‬
‫‪1‬‬
‫الشك األول من المصطلح "ما بعد" الحداثة "‬

‫ظهرت كلمة ما بعد الحداثة فً الفكر الفلسفً "من طرؾ جان فرانسوا لٌوطار عندما‬
‫أكد فً كتابه " الوضع ما بعد الحداثً " الصادر سنة ‪ ،5999‬على ضرورة أن ٌتؤللم‬
‫اإلنسان فً العٌش من دون مٌتا رواٌات (‪ )...‬وهً بمثابة أساطٌر أو مذاهب تارٌخٌة فً‬
‫التمدم و التً ؼذت المجتمعات الحدٌثة حتى الفترة المعاصرة"‪2‬كما أن رورتً ٌعتبر" أن‬
‫منشؤ مابعد الحداثة ٌكمن فً الوعً التام (‪ )...‬بعدم وجود وجهة نظر ٌمكنها اإلفصاح عن‬
‫الحمٌمة المطلمة للولائع"‪.3‬‬

‫فالعصر الحدٌث لٌس فمط العصر الحاضر ‪ ،‬وإنما هو عصر هٌمنة العمل ‪ ،‬فمشروع‬
‫الحداثة ٌإرخ له منذ عصر األنوار ‪ ،‬وبما أن هذا العصر لد مضى ‪ ،‬فإننا سندخل إلى‬
‫مرحلة جدٌدة هً مرحلة ما بعد الحداثة تتمٌز بخصائص مناهضة تماما للحداثة ‪ ،‬فمرحلة‬
‫ما بعد الحـداثة جاءت " لتشـكن فً الحداثة ولٌمها و لتمول ‪ :‬إن الحداثة لد استنفذت ‪ ،‬ولد‬
‫لامت بوظائفها و استنفذت أؼراضها فالعمل و العمالنٌة و مفهوم التمدم و مفهوم التارٌخٌة و‬
‫العلمانٌة أصبحت مفاهٌم ضٌمة ال تحتمل النمو الذي ٌحدث االن‪ .‬مابعد الحداثة هذه تمثل‬
‫لحظة من لحظات النمد التارٌخً للحداثة و هً لحظة مشروعة بالمعنى المعرفً ألن‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬دمحم سبٌال‪ ،‬مخاضات الحداثة ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬دمحم جدٌدي‪ ،‬الحداثة و ما بعد الحداثة فً فلسفة ‪ ،‬رٌتشارد رورتً‪ ،‬منشورات االختالؾ ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ط ‪ ،2228 ،5‬ص ‪.565‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.562‬‬

‫‪26‬‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫الحداثة هذه و التً تؤسست فً النظام الرأسمالً و العاللات الرأسمالٌة ‪ ،‬وتطور العلوم و‬
‫التكنولوجٌا بشكل عاصؾ"‪.1‬‬

‫وٌمكن تلخٌص التحدٌدات العامة لما بعد الحداثة فٌما ٌلً ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ ‬نهاٌة عصر ابتكار النظرٌات‪.‬‬
‫‪ ‬فمدان نظرٌة مطلمة فً مجال األخالق و المٌم‪.‬‬
‫‪ ‬إعطاء أهمٌة إستثنائٌة للمعنى ‪.‬‬
‫‪ ‬التارٌخ عملٌة دائرٌة متشعبة المسارات و لٌس عملٌة خطٌة تتجه دوما فً مسار‬
‫تمدمً ‪.3‬‬

‫ٌمثل األلمانً فريديرك نيتشه* منعرجا هاما فً تارٌخ الفكر الؽربً فهو ٌعد النمطة‬
‫الفاصلة بٌن الفكر الحدٌث و الفكر المعاصر أو ما ٌعرؾ بما بعد الحداثة ‪ ،‬فمد وجه سهامه‬
‫الالذعة لكل ا لفلسفة الحدٌثة اإلرتكاسٌة التً ألهت العمل ووصفته على أنه الحاكم و الفٌصل‬
‫فً الحكم الذي كرس للعدمٌة لٌفسح المجال لعصر جدٌد تصنعه إرادة الموة و ٌتحمك بفعل‬
‫اإلنسان األعلى ‪ ،‬أو السوبرمان ‪ .‬لمد كان نٌتشه أول من " رمى بسهم فً صدر الحداثة‬
‫(‪ )...‬وهاجم الفلسفات الم ائمة على أساسها وهو الذي أسس لنمد المٌتافٌزٌما و تفكٌن الحمٌمة‬
‫و التمركز حول الذات ‪ ،‬وانطاللا من ستواجه فلسفة الحداثة نمدا ٌؤخذ اتجاهٌن ‪ :‬األول هو‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬أنظر ‪ :‬السٌد ٌس ‪ ،‬الحداثة و ما بعد الحداثة ‪ ،‬ضمن دمحم سبٌال‪ ،‬عبد السالم بن عبد العالً ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.557‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬الطٌب تزٌتً ‪ ،‬ما بعد الحداثة و العولمة ‪ ،‬ضمن ‪ :‬دمحم سبٌال وعبد السالم بن عبد العالً ‪ ،‬ما بعد الحداثة‪ ،‬تجلٌاتها و انتماداتـــها ‪ ،‬دار‬
‫توبمـــــال ‪ ،‬المؽرب ‪ ،‬ط‪ ،2227،5‬ص ‪.69‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬أنظر ‪ :‬حسن العجمً ‪ ،‬الحداثة وما بعد الحداثة ضمن‪ :‬مجلة االستؽراب ‪ ،‬العدد األول ‪ ،‬خرٌؾ ‪،2255‬ص ‪.325‬‬
‫*فٌلسوؾ ألمانً (‪ ،)5922-5844‬انتسب إلى جامعة بون ‪ ،‬تطوع فً الجٌش وفً عام ‪5875‬نشر أول أبحاثه ‪ ،‬درس فً جامعة بال وعاش‬
‫منتمال بٌن إٌطالٌا و سوٌسرا ‪ ،‬من كتبه ‪:‬هو ذا اإلنسان –هكذا تكلم زرادشت ‪ ،‬اإلنسان المفرط فً إنسانٌته (أنظر جورج طرابٌشً ‪ ،‬معجم‬
‫الفالسفة ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.)628-625‬‬

‫‪27‬‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫اتجاه إرادة الموة المإسسة على نظرٌة السلطة و ٌستخدم األنتروبولوجٌا لدى باتاي وعلم‬
‫النفس لدى الكان و التارٌخ لدى ميشال فوكو ‪ ،‬والثانً هو اتجاه نمد المٌتافٌزٌما الذي ٌعٌد‬
‫‪1‬‬
‫رسم تكوٌن فلسفة الذات مبتدئا من أصولها السابمة و ٌمثله هيدغر و دريدا"‬

‫من الفلسفات مابعد الحداثٌة نذكر‪:‬‬

‫الفلسفة الوجودية ‪ :‬نتٌجة لتؤزم أوضاع أوربا فً الفترة المعاصرة و ذلن‬ ‫‪‬‬
‫كانت الفلسفة الوجودٌة تعبر عن أزمة الوعً األوربً ككل " تعبر فً المركز عن أزمة‬
‫العصر ‪ ،‬وفً األطراؾ عن حاجة دفٌنة للتحرر من المهر الدٌنــــً و السٌاسً و‬
‫االجتماعً و تضم عددا من المفكرٌن* و أدباء فً كافة أرجاء المارة األوروبٌة خاصة فً‬
‫فرنسا و ألمانٌا و إسبانٌا" ‪.2‬‬
‫‪ ‬مدرسة فرانكفورت ‪:‬‬
‫اهتم رواد** المدرسة فرانكفورت بما ؼٌبته التٌارات الحداثٌة و داست التطورات‬
‫العلمٌة علٌه وهو البعد األخر فً اإلنسان البعد الروحً ‪ ،‬فحاولت إٌجاد بعد المستمبل‬
‫للظاهرة اإلنسانٌة دون ردها إلى ما هو أعلى منه كظاهرة صورٌة رٌاضٌة أو إلى ما هو‬
‫ألل منها كظاهرة مادٌة تجرٌبٌة (‪ )...‬و إٌجاد منطك خاص للظاهرة االجتماعٌة و نظرٌة‬
‫خاصة للعلوم اإلنسانٌة تتجاوز المثالٌة التملٌدٌة وفً نفس الولت ال تمع فً الوضعٌة‬
‫الساذجة‪ )...( ،‬و تموم مدرسة فرانكفورت بمراجعة شاملة للوعً األوروبً تكوٌن و بنٌـة‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬أنظر‪ :‬لاسم شعٌب ‪ ،‬فتنة الحداثة ‪ ،‬مرجع سابك ص ‪،‬ص ‪.24-23‬‬
‫* من بٌن الفالسفة الوجودٌٌن نذكر – سارتر و مٌرلوبونتً فً فرنسا و هٌدؼر فً ألمانٌا و كٌركجارد فً الدانمارن ‪،‬و أونامونو و أورتٌجا فً‬
‫اسبانٌا (أنظر ‪ :‬حسن حنفً ‪ ،‬ممدمة فً علم االستؽراب ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.)558‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬االمرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.558‬‬
‫** ماكس هوركهاٌمر(‪ )5973.5859‬مإسس معهد البحث اإلجتماعً ‪ ،‬من مإلفاته ‪:‬حسوؾ العمل‪ -‬فً نمد العمل األوالنً – النظرٌة النمدٌة –‬
‫أدورنو (‪ -)5969-5923‬أهم مإلفاته فً نظرٌة كٌركجارد فً الحب – فلسفة الموسٌمى الجدٌدة ‪ ،‬الجدل السلب ‪ ،‬ماركٌوز (‪ )5979-5898‬من‬
‫مإلفاته الثورة و الفلسفة ‪ ،‬دراسات فً الفلسفة النمدٌة (‪( )...‬أنظر‪ :‬االمرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪ ،‬ص ‪.)553-552‬‬

‫‪28‬‬
‫الحداثة الغربية ‪ :‬بين طىباوية المفهىم و تجاوزات الممارسة‬ ‫فصل تمهيدي‬

‫و تعٌد النظر فً أهم مذاهب الفلسفة الؽربٌة و تٌاراتها (‪ )...‬نشؤت مدرسة حول معهد‬
‫البحث االجتماعً فً جامعة فرنكفورت الذي تؤسس فً ‪.1"5923‬عرفت المدرسة‬
‫بالمدرسة النمدٌة ‪.‬‬
‫من الفلسفات الرائجة فً الفترة المعاصرة و األوسع انتشارا و التً تكون " آخر‬
‫صرخة للوعً األوروبً (‪ )...‬لٌست الحداثة بل ما بعد الحداثة ‪ ،‬ولٌست البنٌوٌة بل ما بعد‬
‫البنٌوٌة ‪ ،‬ولٌست الماركسٌة بل ما بعد الماركسٌة (‪ )...‬لٌس المهم فً التفكٌن هو اإلبداع‬
‫المركزي بل تهمٌش اإلبداع ‪ ،‬و البحث عن المركز فً األطراؾ ‪ ،‬لذلن ٌستعمل درٌدا‬
‫كلمات مثل ‪ :‬الهامش ‪ ،‬اإلطار ‪ ،‬الالمركز (‪ )...‬و ٌربط بٌن التركٌبة و العرلٌة األوربٌة‬
‫كما ٌربط بٌن التفكٌكٌة فً عصر تحرر األطراؾ من االستعمار و تفسخ المركز"‪ .2‬وهذا‬
‫ٌعنً أن التفكٌكٌة همها مراجعة الوعً األوروبً ومن خاللها ٌعمد جان درٌدا إلى تحطٌم‬
‫كل أصنام الحداثة بصفة خاصة و تارٌخ المٌتافٌزٌما بصفة عامة‪.‬‬
‫لمد كانت الحداثة الؽربٌة محطة تارٌخٌى فً أوربا و العالم بؤسره و هذا ألن لوامها‬
‫اإلنسان و الفرد و العمل و الحرٌة و التمدم كؽائٌة للتارٌخ فً حٌن أن والعها هو الفرد‬
‫المسحوق و سٌادة العمالنٌة و الحرب ‪ ،‬واإلستبداد ‪،‬و النكوص ‪ ،‬وهذا ما استدركه الخطاب‬
‫ما بعد حداثً ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ -552‬ص ‪.554‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪ ،‬ص ‪.627-626‬‬

‫‪29‬‬
‫الفصل األول‪:‬‬

‫مشروع النهضة العربية بين الطموح و اإلمكان‬

‫المبحث األول ‪ :‬السياق التاريخي لمشروع النهضة العربية‬


‫المبحث الثاني ‪ :‬مظاهر التحديث في الفكر النهضوي العربي‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬محدودية المشروع النهضوي العربي‬
‫مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان‬ ‫الفصل األول‬

‫تمهٌد ‪:‬‬

‫إذا كانت الحداثة الغربية أحدثت تغيرات فكرية وسياسية واجتماعية وإلتصادية فهذا ال يعني‬
‫إحتكار تلن الحداثة للمجتمع الغربي لوحده ‪ ،‬فكان مشروع الحداثة يستمطب المفكرين‬
‫العرب من رغم الصعوبات التي يواجهونها ‪ ،‬فكان همهم النهوض باألمة العربية في‬
‫مختلف الميادين السياسية والفكرية و االجتماعية و مختلف المجاالت ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -3‬السٌاق التارٌخً للمشروع النهضة العربٌة ‪:‬‬

‫إن العرب و على غرار األمم أخرى استهوتهم تجربة الحداثة الغربية و ما حممته من‬
‫ازدهار و تطور و لوة على مختلف مناحي الحياة إذ راح المفكرين العرب ينظرون‬
‫محاولين النهوض باألمة العربية اإلسالمية و تجاوز فترة االنحطاط ‪ ،‬و أول تجربة بدأت‬
‫مع ما يسمى بمشروع النهضة العربي "إذ يؤرخ لها بحـــادث االتصال بيــــــــــــن الشــرق‬
‫و الغرب "‪ ،1‬عن طريك االستعمار و بالذات " في عهد دمحم علي باشا في مصر في النصف‬
‫األ ول من المرن التاسع عشر الميالد بمصر باعتبارها التجربة التي كان يمكن أن تؤس‬
‫الدولة العربية الحديثة و تحرن التمدم و التحديث في المجتمعات العربيـــــــــة "‪. 2‬‬

‫إذ ترجع عوامل مشروع النهضة العربية إلى ‪:‬‬

‫‪ ‬الحملة الفرنسية على مصر (‪ )8188-8971‬و ما حملت معها من مبادئ سياسية و‬


‫أنظمة إدارية و علوم و طباعة و صحافة و هي مخالفة تماما طبعا لألنظمة السائدة و‬
‫في مصر ذلن الولت‪.‬‬
‫‪ ‬البعثات العلمية إلى أوربا التي ابتدأ بها دمحم علي باشا ثم استمدم الخبراء و الفنيين إبتدا ًء‬
‫من ‪ ،8978‬و تشير بعض اإلحصائيات إلى أن عد َد أعضاء البعثة المصرية األولى‬
‫إلى فرنسا (‪ )8111-8179‬كان يمدر بمائة و أربعة عشر طالبا ‪ ،‬وهذا ما يشير إلى‬
‫االهتمام بالجانب العلمي و التعليمي و محاولة النهوض به "‪.3‬‬
‫"شهد المرن التاسع عشر حركة تبشرية واسعة في البالد العربية كالجمعية السورية‬
‫في بيروت (‪ )8189‬و الكلية السورية البروتستانتية ‪ ،8111‬فنشطت هذه المؤسسات في‬
‫الترجمة و تحديث اللغة العربية مما كان له األثر الكبير في نهضة فكرية لومية "‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمن يعموبي ‪ ،‬الحداثة الفكرية في التأليف الفلسفي المعاصر ‪ ،‬مرجع سابك‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬زكي ميالد ‪،‬اإلسالم و الحداثة ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬أنظر ‪:‬عبد الرحمن يعموبي ‪ :‬الحداثة الفكرية في التأليف الفلسفي العربي المعاصر ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪. 81‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬محمود لاسم ‪ ،‬فجوة الحداثة العربية ‪ ،‬دار الحرير ‪ ،‬مصر ‪ ،‬د ط‪ ،7881 ،‬ص ‪.889‬‬
‫‪13‬‬
‫مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان‬ ‫الفصل األول‬

‫الطباعـــة التي ساهمت في نشر مؤلفـــات عـــــدة و كتب سواء من الثراث العـــربي‬
‫و اإلسالمي أومن ترجمات كتب الغرب و بذلن تم التعرف على العلوم الحديثة و األدب‬
‫الحديث"‪.1‬‬

‫ومن خالل عرض أهم األسباب التي سمحت بظهور بوادر حداثية لدى العرب يمكننا المول‬
‫بأن " الحداثة العربية اإلسالمية لم تكن اختيار ذاتيا ‪ ،‬ولم تنتج عن مخاضات داخلية ‪ ،‬أ لم‬
‫تكن نتيجة تطور و ارتماء ذاتي ‪ ،‬بمدر ما كانت و سيلته و أداته (‪ )...‬لمد ارتبط دخول‬
‫الحداثة إلى الفضاء العربي اإلسالمي منذ البداية بصدمتين لويتين‪ :‬صدمة الحداثة ذاتها‬
‫بحدثها و غرابتها و غرائبيتها (‪ )...‬ملفوفة في صدمة أخرى هي صدمة االستعمار وزوال‬
‫السيادة ‪ ،‬مع ما ولدته هذه الصدمة من شعور بالدونية و التأثير وكل المشاعر اإلرتكاسية‬
‫العاكسة للصدمة من النرجسية الموية للثمافة المحلية"‪. 2‬‬

‫وكانت من أهم النتائج التي ولدتها هذه الصدمة المزدوجة على مستوى وعي األنتلجسيا‬
‫العربية " ردود فعل متباينة من إحياء العضوية الرافضة و الداعية إلى العودة إلى األصول‬
‫و االحتماء بالتراث و تمجيد الماضي (‪ )...‬و الدعـــوة إلى االعتـــداء باآلخر و التبا‬
‫علمه و تمنيته و نمط تدبيره السياسي و ثمافته ونمط نظرته للوجود "‪ ،3‬أ أنه تمخض عن‬
‫هذه الصدمة تيارين تيار سلفي متمسن بأجداده و أمجادهم و تيار متغرب منبهر بحداثة‬
‫األوربيين و معجب بحضاراتهم المتطورة ‪ ،‬فالحداثة تدخل " المجتمع في صراع بين المديم‬
‫و الجديد ‪ ،‬وبين التمليد ‪ ،‬و العصر "‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمن يعموبي ‪ ،‬الحداثة الفكرية في التأليف الفلسفي العربي المعاصر ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬دمحم سبيال ‪،‬عبد السالم بن عبد العالي ‪ ،‬الحداثة و انتماداتها ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪ ،‬ص ‪.1 -1‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.1‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫‪11‬‬
‫مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -3‬مظاهر التحدٌث فً الفكر النهضوي العربً ‪:‬‬

‫أ‪ -‬االنتقال من مقولة األمة اإلسالمٌة إلى مقولة األمة العربٌة ‪:‬‬

‫كنتيجة الحتكان العربي بالغرب سواء عن طريك االستعمار أو البعثات الدراسية تمبلوا‬
‫العيش مع غير المسلم ‪ ،‬فبعد ما كان اإلسالم يجمع األمة أصبح المعيار و المحن هو‬
‫العروبة ‪ "،‬إذ يمول أمين الريحاني في رسائله ال حياة لنا و ال لوة وال عز يتحدد إال في‬
‫توحيد الكلمة و توحيد الزعامة و توحيد الملن و لست أرى غير المومية العربية العدنانية‬
‫المحطانية لتوحيد الكلمة "‪ ،1‬فالسبيل الذ يمكن األمة من النهوض هو المومية من اإلسالمية‬
‫إلى العربية بحيث تجمعهم راية العروبة دون اإلسالم و هذا ضمن تمبل اآلخر غير المسلم و‬
‫يضيف لائال في 'كتابه الموميات' "المومية العربية واحدة يتساوى فيها المسيحي و المسلم و‬
‫العلو و ال تمبل في مظهرها الحديث التجزئة إلى أكثريات و ألليات" ‪.2‬‬

‫و بهذه الفكرة " حلت المومية محل الملة و صارت ممومات المومية هي التاريخ و اللغة و‬
‫األرض و العادات و التماليد و لم يعد الدين هو المموم األساسي األوحد"‪.3‬و بمعنى أن أعيد‬
‫النظر في العاللة ا لتي تجمع أفراد األمة و أصبح الدين كحرية فردية ‪ ،‬و إسالم كدين ال‬
‫يعتبر معيارا النتماء إلى األمة ‪ ،‬وبذلن تتوسع رلعتها و تنفتح على اآلخر و تتعايش معه‬
‫ضمن أفاق السلم و السالم و الحرية ‪.‬‬

‫ب‪ -‬إعادة النظر إلى التراث‪:‬‬

‫كنتيجة الحتكان العالم اإلسالمي بالغرب و التعرف على الثمافات و اإلديولوجيات الوافدة‬
‫من الخارج عن طريك االستعمار أو البعثات العلمية طرحت عدة إشكاليات من بينها العاللة‬
‫مع التراث الديني ‪ ،‬و من بين المفكرين الذين نادوا بذلن دمحم عبده* " فاإلسالم كما فهمه هو‬
‫مبدأ ردع من شأنه أن يمكن المسلمين من التميز بين الصالح و الطالح (‪ )...‬لذلن كانت‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬جمال شحيد ‪ ،‬وليد لصاب ‪ ،‬خطاب الحداثة في األدب ‪ ،‬األصول المرجعية مرجع سابك ‪ ،7881 ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫* مفكر ديني إصالحي مصر ‪ ،) 8781-8187(،‬در المنطك و الفلسفة و الالهوت الصوفي ‪ ،‬من مؤلفاته ‪ ،‬رسالة التوحيد ‪ ،‬اإلسالم والردة‬
‫على منتمديه ‪ ،‬تفسير المرآن ‪ ،‬نهج البالغة (أنظر‪ :‬رحيم أبو غريف ‪ ،‬الدليل الفلسفي الشامل ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.)771‬‬
‫‪13‬‬
‫مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان‬ ‫الفصل األول‬

‫المهمة التي اضطلع بها هي إعادة تحديد ماهية اإلسالم الحميمي (‪ )...‬و النظر في ممتضياته‬
‫بالنسبة للمجتمع الحديث "‪. 1‬‬

‫وفي هذا الصدد يمول دمحم عبده‪ " :‬ارتفع صوتي بالدعوة إلى تحرير الفكر من ليد التمليد و‬
‫فهم الدين على طريمة سلف األمة لبل ظهور الخالف و الرجوع في كسب معارف إلى‬
‫إعادة الرجوع إلى النص الديني في حرفيته و إعادة لراءته حسب‬ ‫ينابيعه األولى" ‪ . 2‬أ‬
‫المناهج المعاصرة ‪ ،‬دون اللجوء إال للمرآن و السنة دون و وساطة رجال الدين و الفمهاء ‪،‬‬
‫صاحب الرسالة و أصحابه‬ ‫أ " العودة بالمسلمين إلى الدين الصحيح كما جاء على يد‬
‫في تأويله و تفريغه" ‪ ،3‬أ لبل ظهور الفرق الكالمية ‪.‬‬ ‫األوائل لبل أن يختلف النا‬

‫و التراث األدبي و الشعر لم يسلم من النظرة التجديدية ‪ ،‬فطه حسين * وفي أكثر مؤلفاته‬
‫تطرفا وهو الشعر الجاهلي الذ يصفه بأنه ال يمثل حياة العرب الوالعية وبل هو ضرب‬
‫من االختالف و االصطناع فهو بعيد عن الحميمة (‪ )..‬إضافة إلى نمد التراث العربي‬
‫اإلسالمي بتطبيك المناهج التاريخية التي طبمت على النصوص الدينية اليهودية و المسحية‬
‫متأثرا بالشن الديكارتي "‪. 4‬‬

‫ج‪ -‬النزوع نحو التعقل و العقالنٌة ‪:‬‬

‫إن العمالنية كسمة أساسية للحداثة الغربيىة تبناها المفكرين العرب المحدثين بغية‬
‫إصالح شأن األمة و النهوض بها و االنضمام إلى الركب العالمي المتطور ‪ ،‬ومن بين من‬
‫نادوا بإعمال العمل و استباله في فهم الطبيعة و مكنوناتها ‪ ،‬جمال الدين األفغاني **إذ يمول‬
‫في هذا الصدد ‪ " :‬إن اإلنسان من أكبر أسرار هذا الكون و لسوف سيستجلي بعمله ما‬
‫غمض و خفي من أسرار الطبيعة و لسوف يصل بالعلم و بإطالق سراح العمل إلى تصديك‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬عبد الكريم بوصفاف ‪ ،‬الفكر العربي المعاصر الحديث ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬دار مداد ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ط ‪،7887، 8‬ص ‪.171‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.171‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬رحيم أبو غريف ‪ ،‬الدليل الفلسفي الشامل ‪ ،‬ج ‪ ،7‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.781‬‬
‫* ‪ -‬مفكر مصر ‪ ،‬يلمب بعميد األدب العربي ‪ ،‬عرف بدعوته إلى التغريب ‪ ،‬من مؤلفاته ‪ ،‬مستمبل الثمافة في مصر ‪ ،8711‬على هامش السيرة‬
‫‪ ،8711‬الفتنة الكبرى ‪( ،‬أنظر‪ :‬رحيم أوغريف ‪ ،‬الدليل الفلسفي الشامل ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.)781‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬السيد ولد أباه ‪ ،‬أعالم الفكر العربي ‪ ،‬الشبكة العربية لألبحاث ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪ ،7888 ،8‬ص ‪.18‬‬
‫**‪ -‬كاتب و مصلح و سياسي من أصل أفغاني ‪ ، )8179-8111(،‬عاش في مصـــر ‪ ،‬من مؤلفاته ‪ :‬رســـالة في الرد على الدهرييـــــن ‪ ،‬العرو‬
‫الوثمي ‪ ،‬ضياء الخافمين‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان‬ ‫الفصل األول‬

‫تصوراته ‪ ،‬فيرى ما كان مستحيال من التصورات لد صار ممكنا " ‪ ،1‬فاستعمــال العمــــل‬
‫و إطالق العنان له يسمح بمجاراة ممتضيات العصر‪.‬‬

‫كما نادى المفكر 'دمحم عبده ' بضرورة إعمال العمل في النص الديني و تخليصه‬
‫من مثالب المراءات الثراثية كما يبين لوله " ارتفع صوتي بالدعوة لدعوة إلى تحرير الفكر‬
‫من ليد التمليد و فهم الدين على طريمة سلف األمة لبل ظهور الخالف (‪ ، )...‬و اعتبـاره من‬
‫‪2‬‬
‫ضمن موازين العمل البشر التي وضعها هللا لترد من شطحه و تملل من خلطه و خبطه "‬

‫لد دعا االتجاه السلفي إلى االحتكام إلى العمل في " تحرير الفكر من ليد التمليد ‪ ،‬و فهم الدين‬
‫على طريمة سلف األمة لبل ظهور الخالف ‪ ،‬ورجوع إلى كسب معارفه إلى ينابيعها األولى‬
‫‪ ،‬و اعتباره من ضمن موازين العمل البشر ‪ ،‬التي وضعها هللا لترد من شططــــه و تملل‬
‫من خلطه و خبطه "‪ . 3‬وهكذا يصبح العمل " على هذا الوجه صديما للعلم ‪ ،‬باعثا على‬
‫البحث في أسرار الكون ‪ ،‬واعيا إلى احترام الحمائك الثانية ‪ ،‬مطالبا بالتحويل عليها في‬
‫و إصالح العمل "‪.4‬‬ ‫النف‬

‫د‪ -‬تحرٌر المرأة ‪:‬‬

‫كان موضوع المرأة من المواضيع المتداولة في فترة النهضة العربية ‪ ،‬فمد لوحظ‬
‫الفرق بين وضع المرأة الغربية و المرأة الشرلية األولى متحررة و الثانية مكبلة بالـــعادات‬
‫و التماليد و انحصار دورها في البيت و التربية‪"،‬فمد بدأت الدعوات إلى تحرير المرأة من‬
‫بعض الميود ا الجتماعية في منتصف المرن التاسع عشر مع الطهطاو في كتابه 'المرشد‬
‫األمين للبنات و البنين ‪ '8191‬وفيه دعا إلى تعليم المرأة ‪ ،‬ولد اعتبرت حرية المرأة أهم‬
‫مطلب حداثي أساسي في النهضة " هي حبيبة إلى للب كل عربي مستنير ‪ ،‬ألن أبرز ما‬
‫يفصل بين الشعوب العربية و الغربية هو حال المرأة بينهما (‪ )...‬و عبارة تحرير المرأة‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬جمال شحيّد ‪ ،‬وليد المصاب ‪ ،‬خطاب الحداثة في األدب ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬عبد الكريم بوصفات ‪ ،‬الفكر العربي الحديث و المعاصر ‪ ،‬مرجع سابك ص ‪.171‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬أبو حامد دمحم بن دمحم الغزالي ‪ ،‬نمال عن ‪:‬دمحم عابد الجابر ‪ ،‬الفكر العربي المعاصر‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪ ،‬بيروت ‪،‬ط ‪،8778 ،1‬‬
‫ص ‪.77‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬دمحم عبده ‪ ،‬نمال عن ‪:‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.77‬‬
‫‪13‬‬
‫مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان‬ ‫الفصل األول‬

‫تعني تحريرها من الجهل بالتعليم و تحريرها من التماليد بإلغاء الحجاب ثم مساواتها‬


‫بالرجال في الحموق الدستورية و المدنية"‪.1‬‬

‫وفي صدد تحرير المرأة العربية و تحديثها يمول أمين الريحاني " على المرأة‬
‫إذا تخلت في هذا السبيل‬ ‫الشرلية أن تسعى لبل كل شيء إلى تحرير نفسها ‪ ،‬وال بأ‬
‫حرية المرأة و يعتبرها مجدا‬ ‫المجيد عن بعض أوكل أخاللها التمليدية"‪. 2‬وهو بذلن يمد‬
‫عليها تحميمه ولو ضحت بتماليدها وأخاللها الموروثة ‪ ،‬ولد ساهمت المرأة العربية في الرفع‬
‫من شأن المرأة و المطالبة بالحرية فها هي ' مي زيادة ' تمول " المرأة ! لمد جعلتها الهمجية‬
‫حيوانا بيتيا و حسبها الرجل متاعا ممتلكا للرجل يستعمله كيفما شاء و يهجــــــــره إذا أراد‬
‫و يحطمه إذا خطر له في تحطيمه خاطر بعد ذلن عبدة شمية و أسيرة ذليلة "‪ ،3‬فمد دعا‬
‫المفكرين المحدثين النساء للخروج من اإلطار الذ رسمته األعراف و العادات فلن تكون‬
‫زوجة و أم وربة بيت ‪ ،‬فمد تكون في العمل و السياسة فهي مخولة لتمليد مختلف المناصب‬
‫كما الرجل ‪.‬‬

‫ه‪ -‬المناداة بالحرٌة‪:‬‬

‫المفكرون النهضويون استصاغوا فكرة الحرية وراحوا يتكلمون عنها و عن‬


‫مختلف تطبيماتها على الصعيد الشخصي و االجتماعي و الفكر و السياسي وحتــى الديني‬
‫و أعاروا اهتماما‪.‬‬

‫رفاعة الطهطاو يشرح فكرة "سائر الفرنسيين مستوون‬ ‫إذ نجد المفكر المصر‬
‫لدام الشريعة " فيمول ‪ " :‬معناه سائر من يوجد في بالد فرنسا من رفيع ووضيع ال يختلفون‬
‫في إجراء األحكام المذكورة في المانون حتى أن الدعوة الشرعية تمام على الملن و ينفذ‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬سالمة موسى ‪،‬ما هي النهضة ‪ ،‬تمديم ‪ ،‬مصطفى ماضي ‪ ،‬موفم للنشر ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ط ‪ ،8778 ،7‬ص ‪.787‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬جمال شحيد ‪،‬وليد المصاب ‪ ،‬خطاب الحداثة في األدب ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫‪13‬‬
‫مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان‬ ‫الفصل األول‬

‫عليه الحكم كغيره " و يستنتج لائال إذا كانت الحرية مبنية على لوانين حسنة عدلية كانت‬
‫واسطة عظمى في راحة األهالي وإسعادهم في بالدهم و كانت سببا في حبهم للوطن "‪.1‬‬

‫كما تبين الممولة األخيرة لدر ربط الطهطاو حب الوطن بمدى سعادة األهــــالي‬
‫و الحرية الشرط األول لتحميك ذلن ‪.‬‬

‫الصدد نجد المفكر شبيلي الشميل لد نادى بالحرية واشترط لها التسامح‬ ‫وفي نف‬
‫الديني كأرضية ممهدة لها ‪ "،‬الحرية ال تكون إال إذا بلغ التسامح الديني ألصى ما تفرضه‬
‫المصلحة اإلجتماعية المشتركة "‪ ،2‬فالمصلحة العامة تبغي التعايش بين األديان و بذلن‬
‫تتحمك الحرية ‪.‬‬

‫و‪ -‬العلمانٌة ‪:‬‬

‫لصالح حال األمة العربية و النهوض بالمستوى اإلجتماعي و الثمافي و السياسي نادى‬
‫المفكرون العرب المحدثين بفكرة العلمانية كنموذج ناجح في أوربا ‪ ،‬وحاولوا تطبيمها في‬
‫الوطن العربي ‪ ،‬فهذا شبيلي ال شميل ينظر لفصل الدين عن الدولة ‪ ،‬فيمول ال يصلح حال‬
‫األمة إال كلما ضعفت فيها شوكة الديانة ‪ ،‬و ال يموى شأن الديانة ‪ ،‬إال ضعفت فيها األمة"‪.3‬‬

‫كما نجد مفكر آخر وهو فرح أنطوان* يمول " لمد أصبحت الدولة الدينية دولة‬
‫الضعفاء و الجبناء و الكسالى في األمة "‪ ،4‬فمط ربط المفكرون العرب ومن خالل ممارنتهم‬
‫لحال األمة العربية بدول األوربية الموية و المتطورة بعلمانيتها أ كونها أبعدت الدين عن‬
‫الشؤون السياسية لألمة منحت فرصة للبالد بالتطور و االزدهار فال خير أن تخوض األمة‬
‫التجربة عسى أن تتطور ‪.‬‬ ‫العربية نف‬

‫‪1‬‬
‫‪-‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫* مفكر و طبيب و مصلح لبناني ‪ ،‬من مؤلفاته ‪ :‬فلسفة النشوء‪ ،‬و التطور ‪ ،‬رسالة في الحميمة (أنظر ‪ :‬رحيم أبو غريف ‪ ،‬الدليل الفلسفي الشامل ‪،‬‬
‫مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.817‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬جمال شحيد ‪ ،‬وليد المصاب‪ ،‬خطاب الحداثة في األدب ‪ ،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪.81‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪13‬‬
‫مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان‬ ‫الفصل األول‬

‫إن فكرة فصل الدين عن الدولة ساندها جل المفكرين العرب المحدثين " فطه حسين‬
‫يرى أن ال سبيل في الخالص من ذلن إال بإلامة حكومة ال دينية تموم على فكرة الوطنية و‬
‫التخلي عن الحكومة الدينية و النظريات الميتافيزيمية ‪ ،‬ثم انعطف في كتابه مستمبل الثمافة‬
‫عروبتها (‪ )...‬وأهم‬ ‫نشره ‪ 8711‬ذهب إلى تأكيد مصرية مصر و لي‬ ‫في مصر الذ‬
‫الوسائل لتحميك ذلن يتم بفصل الدين عن السياسة" ‪.1‬‬

‫إذن كان سبيل الوحيد للنهوض باألمة العربية هو لطع الصلة مع الدين و االحتكام إلى‬
‫العمل في شؤون دولتهم " فال شيء في الدين يمنع المسلمين أن يسابموا األمم األخرى ‪ ،‬في‬
‫علوم اال جتماع و السياسة وأن يهدموا النظام الذ استكانوا إليه و أن يبنوا لواعدهم حكمهم‬
‫(‪ )..‬على أحدث ما أنتجت العمول البشرية و أمتن ما دلت تجارب األمم على أنه خير‬
‫أصول الحكم "‪ ، 2‬أ أن الدين اإلسالمي ال يحرم بل يشرع لمنافسة األمم في تطورها في‬
‫مختلف المجاالت ‪ ،‬وأن يتخطوا النظام السائد و يأخذوا بالتجارب الناجحة لذلن‪.‬‬

‫‪ -1‬محدودٌة المشروع النهضوي العربً ‪:‬‬

‫إن مشروع النهضة العربية كما أسلفنا ارتبط باكتشاف النموذج األوروبي المتمدم ‪ ،‬حيث‬
‫تولدت الحاجة إلى اللحاق به أو إلى مجرد تمليص مسافة التخلف عنه و ذلن على المستوى‬
‫العربي‬ ‫التمني و المعيشي و السياسي و االجتماعي ‪ ،‬فمما ال شن أن الخطاب النهضو‬
‫حاول إيجاد مخرج من مأزق التخلف و اللحاق بركب التطور و مسايرة العصر ‪ ،‬إال أن‬
‫هذا الخطاب المتعلك " بالتغيير االجتماعي أو التطور االجتماعي تحول إلى إشكالية فكرية‬
‫الوالع و المجتمع"‪ ، 3‬فهذا المشروع حكم‬ ‫و فلسفية محيطها عالم النظريات و األفكار و لي‬
‫عليه أن يبمى مشروعا فكريا و حلما منشودا وهذا يرجع إلى أن العالم العربي الحديث لم‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬رحيم أبو رغيف الموسو ‪ ،‬الدليل الفلسفي الشامل ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬علي عبد الرزاق ‪ ،‬اإلسالم و أصول الحكم ‪ ،‬نمال عن‪ :‬دمحم سبيال ‪ ،‬عبد السالم بنعبد العالي ‪،‬الحداثة و انتماداتها ‪ ،‬دار توبمال ‪،‬المغرب ‪ ،‬ط‪،8‬‬
‫‪ ،7881‬ص ‪.77‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬زكي الميالد ‪ ،‬اإلسالم و الحداثة ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.77‬‬
‫‪13‬‬
‫مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان‬ ‫الفصل األول‬

‫يتمخض بعد عن فيلسوف عربي كبير من طراز أفالطون و أرسطو وابن سينا و ابن رشد‬
‫و ليبنز و اسبينوزا و كانت وبرغسون و معظم من اشتهروا فيه حتى اآلن ال يعدون في‬
‫نظرنا إال كواكب خفالة ‪ ،‬تستضيء بنور غيرها فتتألأل دون أن تضيء العالم بأشعتها‬
‫‪1‬‬
‫‪ ،‬فال وجود لمفكر عربي معاصر من طينة الفالسفة المسلمين في‬ ‫الذاتية إال لليال "‬
‫العصر الوسيط وال من طينة الغربيين المدامى وال المحدثين ‪ ،‬وهذا ما يبرره تسابمهم‬
‫الستيراد نظرياتهم جاهزة و التباسها و محاولة تطبيمها على الوالع العربي ‪ ،‬فهم إن أفلحوا‬
‫في فهم هذه النظريات فهم لم ينتمدوها لينسجوا فلسفة خاصتهم تمكنهم من الخروج من‬
‫مستنمع التخلف‪.‬‬

‫أما المفكر المغربي' دمحم عابد الجابر ' فرغم أنه يرى أن مشروع النهضة" لم يتحك‬
‫بعد "‪ 2‬بل ‪،‬مشروع لم يكتمل بعد حتى على الصعيد التصور الذهني "‪.3‬‬

‫يعترف بالجهود النهضويين و يمدر مسعاهم ألنهم " لد تصوروا‬ ‫إال أن الجابر‬
‫النهضة تصورا صحيحا على األلل من الناحية الشمولية ‪ ،‬فعالوة على ربطهم إياها بالتحرر‬
‫من سيطرة األجنبي و الوحدة المومية (‪ )...‬فمد رأوا في النهضة الفكرية ال مجرد مظهر من‬
‫أنهم‬ ‫لتحميمها"‪ ،4‬أ‬ ‫مظاهر النهضة المنشودة بل أيضا الشرط األساسي و الضرور‬
‫ا عتمدوا التنظير فكريا اإلعداد للنهضة فكريا و التمهيد لها لخلك فضاء رحب يستوعب‬
‫مستجدات الحداثة المنشودة و لتخفيف ولع التغيير و اإلصالح‪ ،‬وذلن من خالل " نشر‬
‫على تحكيم العمل بدل االستسالم للمكتوب و اإلذعان‬ ‫المعرفة و تعميم التعليم وحمل النا‬
‫للخرافة "‪،5‬‬

‫مفكر م شروع النهضة صحيح أنهم نالدين لألوضاع مطالبين بالتغيير و لكنهم "‬
‫لم يدركوا أن سالح النمد يجب أن يسبمه و يرافمه نمد السالح لمد أغفلوا نمد العمل ‪ ،‬فراحوا‬
‫يتصورون النهضة و يخططون لها (‪ )...‬إما بعمود أُعدت للماضي و إما بمفاهيم أنتجها‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬جميل صليبا نمال عن ‪ :‬دمحم عابد الجابر ‪،‬الخطاب العربي المعاصر‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.811‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.77‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.1‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫‪34‬‬
‫مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان‬ ‫الفصل األول‬

‫حاضرهم ‪ ،‬حاضر كان لد أصبح هو اآلخر في موطنه ثم تجاوزه"‪،1‬فسلطة النــــــموذج‬


‫للموروث‬ ‫النمد‬ ‫لذا لد غاب عنه الح‬ ‫هي التي سيطرت على الخطاب النهضو‬
‫اإلسالمــي أو الوافد الغربي‪.‬‬

‫كما أن هنان من يبرر فشل هذا المشروع الداعي إلى الحداثة كون هــــذه األخيرة‬
‫" مشروع غربي ‪ ،‬نشأ في مالبسات غربية خاصة ‪ ،‬وهو لد مثل لطيعة معرفية مع العلم ‪،‬‬
‫العمل و التطور ‪ ،‬فجاء هذا المشروع (‪ )...‬كرد فعل لذلن (‪ )...‬ليميم لطيعة معرفية مضادة‬
‫و حادة (‪ )...‬ال تعترف بالدين مصدرا للمعرفة (‪)...‬ألن الحداثة بهذا الوضع لد مثلت حال‬
‫غربيا لمشكلة غربية ‪ ،‬وألن المشروع االسالمي النهضو ‪ ،‬تاريخيا ‪...‬وكما يطرح اآلن‬
‫ليست لديه و ال فيه تلن المشكالت الكهنوتية ‪ ،‬فمن العبث أن نستعير لنهضتنا حـــــــــلوال‬
‫و العملي "‪ ،2‬فال جدوى من حلول هي في األصل حلوال‬ ‫ال تتطلبها في والعنا الفكر‬
‫في العلمانية* من خالل‬ ‫الجابر‬ ‫لمسائل غربية عن مجتمعاتنا وهذا ما يتطابك مع رأ‬
‫فيه كنيســـــة ‪ ،‬إذا اإلسالم‬ ‫"لوله بأن العلمانية هي فضل الكنيسة عن الدولة و اإلسالم لي‬
‫ال يحتاج إلى علمانية "‪ .3‬فأوربا إذا لجأت إلى العلمانية ذلن للحد من طــــــــاغوت الكنيسة‬
‫و طغيان رجالها ‪ ،‬في حين أن ال يوجد هذا في تاريخ اإلسالم ‪.‬‬

‫إن مرجعية الخطاب العربي في عصر النهضة تحكمت فيه مكانة تاريخ الفكر‬
‫اإلسالمي من جهة ومكانة الفكر العالمي الحديث و هذا ألن األمر يتعلك بعدم وجود أنساق‬
‫فلسفية ‪ ،‬من لبيل الديكارتية‬ ‫فلسفية بالمعنى التمليد (‪ )...‬فلم تنتج النهضة العربية مدار‬
‫و الكانطية "‪.4‬‬

‫أوراق التنظيـــر ولــــم يرق إلى‬ ‫إن النهضة حما مشروع لم يكتمل ‪ ،‬فمد بمي حبي‬
‫التطبيك على الوالع و ذلن حتما ألنــه ال ينطلــك في األصــل مــن والـــع عربي معاصر‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬أنظر ‪ :‬المصدر نفسه ‪،‬ص ‪.18‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬دمحم عمارة ‪،‬نمال عن ‪ :‬السيدي و آخرون ‪،‬الحداثة و ما بعد الحداثة ‪ ،‬جمعية الدعوة اإلسالمية ‪،‬طرابل ‪ ،‬د ط‪ ،8771 ،‬ص ‪.77‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬جورج طرابيشي ‪،‬هرطمات عن الديممراطية ‪ ،‬العلمانية و الحداثة ‪،‬دار السالي ‪ ،‬بيروت ‪،‬ط‪ ،7881،8‬ص ‪.11‬‬
‫* و هذا ما حكم عليه طرابيشي بأنه استدالل فاسد ألنه انطلك من ممدمة خاطئة فالعلمانية هي فصل الدين عن الدولة ‪ ( ،‬أنظر‪ :‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‬
‫‪)11‬‬

‫‪33‬‬
‫مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان‬ ‫الفصل األول‬

‫منا‬ ‫األعمى و بذلن أخذنا " كل لشرة على السطح نملناها ‪،‬و لم تم‬ ‫‪،‬فمد ‪،‬اكتفى االلتبا‬
‫للباب"‪ ، 1‬فما لحمنا من الحداثة الغربية إلى مظاهرها الالمعة فانخدعنا و ظنناها حميمة أنها‬
‫هي األصل ‪.‬‬

‫المفكرون النهضويون ظل " تفكير مشدود إلى الماضي ال إلى الحاضر أو‬
‫المستمبل"‪ ،2‬وذلن في نظرته إلى تراثه ‪ ،‬بحيث كال بمكيال أجداده فعوض أن يتناولها‬
‫بالدراسة و يكتسب من خاللها الملكة التي تمكنه من إعمال عمله ‪ ،‬في حل ما جد من‬
‫المسائل بمناهج جديدة و مستجدة كما ظل نسخة ممسوخة من فكر دخيل بدأ أصحابه أنفسهم‬
‫يتحولون عنهم"‪. 3‬‬

‫إن التجربة النهضوية العربية باعتبارها محاولة الستدران ما فات وإلحاق بركب‬
‫الحضارة الحديثة أخفت في نظر دمحم أركون ألسباب أهمها ‪ ":‬تغلب ضرورات الصراع‬
‫ضد الخارج على صراع عند الداخل ‪ ،‬أو تغلب التحرير الخارجي على التحريـــر الداخلي‬
‫و هكذا تشكلت إيديولوجيا الكفاح من أجل مواجهة التحديات الخارجية (‪ )...‬حل العمل‬
‫النضالي محل العمل الليبرالي (‪ )...‬وبالتالي فمشكلة هذا العمل أنه نمل العالم العربي‬
‫اإلسالمي إيديولوجيا ليست نتاج مجتمعات العالم العربي اإلسالمي كما أن هذه المجتمعات‬
‫‪4‬‬
‫لم تشهد التحوالت التي عرفتها أوربا من مثل التجربة الصناعية و الفتوحات التمنية"‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬زكي نجيب محمود ‪ ،‬نافذة على فلسفة العصر ‪ ،‬كتاب العربي ‪ ،‬الكويت ‪ ،‬دط ‪ ،8778 ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬دمحم لطب ‪ ،‬من لضايا الفكر اإلسالمي المعاصر ‪ ،‬في أمور الدين ‪ ،‬في التاريخ ‪ ،‬في االلتصاد ‪،‬في األدب ‪ ،‬دار الشروق ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ط‪،8‬‬
‫‪ ،7881‬ص ‪.79‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬أنظر ‪ ،‬المرجع نفسه ‪،‬ص ‪.71‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬نمال عن ‪ :‬كحيل مصطفى ‪ ،‬اآلنسة و التأويل في فكر دمحم أركون ‪ ،‬دار األمان ‪ ،‬المغرب ‪ ،‬ط‪ ،7888 ،8‬ص ‪.787‬‬
‫‪33‬‬
‫مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان‬ ‫الفصل األول‬

‫خاتمة للفصل ‪:‬‬

‫وفي ختام هذا الفصل يمكننا المول أن الحداثة الغربية لد تشكلت بعد عصر‬
‫السكوالستيكي ‪ ،‬إذ حملت عدة تغيرات على الصعيد العلمي و الفلسفي الفكر و اإلجتماعي‬
‫و السياسي ‪ ،‬و هذا من خــــالل جملة مماوماتها منها مركـــــــزية‬ ‫و كذا اإللتصاد‬
‫اإلنسان ‪ ،‬و العمالنية ‪ .....‬إذ ساهمت في تشكيل الحضارة األوروبية ‪ ،‬و هذا ما جعلها‬
‫مرغوبة لدى مختلف المجتمعات ‪ ،‬فالمجتمع العربي من بين هذه المجتمعات و تتجلى أولى‬
‫محاوالت تحديث المجتمع العربي في مشروع النهضة العربية ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫الفصل الثاني ‪:‬‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلى الحداثة لدى دمحم‬
‫أركون‬

‫المبحث األول ‪ :‬العقل اإلسالمي " مشروع طموح أم‬


‫طموح لمشروع"‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬اإلسالميات التطبيقية من اإلسالم‬
‫المطبق إلى اإلسالم التطبيقي‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬متطلبات المجتمع الحديث‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫تمهيد ‪:‬‬

‫إن لضٌة الحداثة و التحديث فً الفكر العربي عموما جاءت كرد فعل على صدمة‪،‬‬
‫فمد اختلفت المماربات فٌما ٌخص الكٌفٌة التً ٌمكن بها استدعاء الحداثة و التحدٌث إلى‬
‫المجتمعات العربٌة اإلسالمٌة ‪ ،‬فنجد أن هنان من رأى ّ‬
‫أن مدخل الحداثة ٌكمن فً استٌراد‬
‫التكنولوجٌا و العلوم األوروبٌة هذا ما حدث مع الدول العربٌة بعد االستمالل ‪ ،‬أما المفكرٌن‬
‫الحداثٌٌن العرب فرأوا أن تكون الحداثة مدخلها ال بد أن ٌكون فكرٌا ‪ ،‬وهذا نظرا لفشل‬
‫مشارٌع التحدٌث المادي فً الوطن العربً ‪ ،‬ومن بٌن هإالء نذكر ‪:‬دمحم عابد الجابري ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫‪( ،‬الذي سوف نخصص له الفصل الالحك‬ ‫هشام جعٌط ‪ ،‬دمحم أركون‪ 1‬و طه عبد الرحمن‬
‫)‪ ،‬وفٌما هذا الفصل نحاول أن نجول فً ثناٌا مشروع أركون الحداثً ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬مفكر جزائري معاصر ولد سنة ?‪ 8@9‬م بمنطمة المبائل الكبرى ‪ ،‬انتمل مع عائلته إلى الغرب الجزائري (بلدة عٌن األربعاء – عٌن تموشنت )‬
‫أٌن تلمى تعلٌمه االبتدائً ‪ ،‬لٌواصل تعلٌمه الثانوي بوهران ‪ ،‬فالتعلٌم الجامعً بالجزائر العاصمة أٌن التمى بالمستشرق الفرنسً ماسٌنون الذي‬
‫بواسطته لام بإعداد التبرٌر فً اللغة و اآلداب العربٌة فً جامعة السورٌون فً بارٌس كما كان موضوع أطروحته للدكتوراه حول فكر المإرخ و‬
‫الفٌلسوف ابن مسكوٌه و التوحٌدي‪ .‬شغل منصب أستاذ لتارٌخ الفكر اإلسالمً و الفلسفة بجامعة السورٌون منذ سنة ‪ 8@?1‬و باحث مرافك ببرلٌن‬
‫سنتً =?@‪ 8@?>-8‬ومنذ سنة ‪ 8@@:‬عضو فً مجلس إدارة معهد الدراسات اإلسالمٌة فً لندن توفً فً ;‪ 9181/1@/8‬عن عمر ٌناهز ‪?9‬‬
‫عاما بعد معاناة مع المرض فً العاصمة الفرنسٌة بارٌس‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬مفكر مغربً ولد سنة ;;@‪ ،8‬بمدٌنة الجدٌدة ‪،‬نشؤ فً بٌت علم وفمة ‪،‬التحك بالمدرسة العلٌا األساتذة بالرباط ‪،‬فتحصل منها على اإلجازة فً‬
‫الفلسفة ‪،‬وانخرط فً سلن التدرٌس دون إن ٌمطع الصلة بالبحث العلمً منذ عام ‪ ،8@>1‬تمكن من متابعة دراساته العلٌا خارج المملكة المغربٌة‬
‫حٌث انتسب إلى جامعة السورٌون ولدم أطروحته لنٌل شهادة الماجستٌر فً فلسفة اللغة عنوانها ‪ ":‬اللغة و الفلسفة " ‪:‬رسالة فً البنً اللغوٌة‬
‫لمبحث الوجود )وكان ذلن عام ‪،8@>9‬ومن الجامعة نفسها ‪،‬تحصل على دبلوم دكتوراه دولة فً الفلسفة عام <?@‪ ،8‬عمل األستاذ طه عبد الرحمن‬
‫أٌضا مستشارا ‪،‬كما اثري المكتبة العربٌة بمإلفات منها ‪ :‬فً أصول الحوار وتجدٌد علم الكالم (>?@‪)8‬العمل الدٌنً وتجدٌد العمل (@?@‪)8‬تجدٌد‬
‫المنهج فً تموٌم التراث (;@@‪ ،)8‬اللسان و المٌزان (?@@‪،)8‬فمه الفلسفة ‪،)8@@<-8@@@(9-8‬سإال األخالق (‪)9111‬الحك العربً فً االختالف‬
‫الفلسفً (‪ ،)9119‬الحك اإلسالمً فً االختالف الفكري (<‪،)911‬روح الحداثة (=‪،)911‬سإال العمل (‪،)9189‬روح الدٌن (ط‪)9189،9‬الحوار‬
‫أفما للفكر (‪.)918:‬‬

‫<;‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ -8‬نقد العقل اإلسالمي " مشروع طموح أم طموح لمشروع "‬

‫‪ -1‬تاريخية النص الديني ‪:‬‬

‫إن لضٌة النهضة و اإلصالح تعتبر من المهام الكبرى للمفكرٌن الحداثٌٌن العرب‬
‫المعاصرٌن إذ "حاولوا الدفاع العمالنٌة والنقد و بناء الفكر و إعادة قراءة التجربة‬
‫النهضوٌة و اإلصالحٌة و فً هذا كان البد من المرور عبر العودة إلى مراجعة التراث "‪،1‬‬
‫وذلن ألن النهضة تعنً المٌالد الجدٌد أي مٌالد الفكر المدٌم و إعادة بعثه من جدٌد مما‬
‫ٌجعل منها حركة تجدٌد بكل معنى الكلمة‪.‬‬

‫تعنً لضٌة النهضة و اإلصالح لدى 'دمحم أركون' ما ٌسمٌه " بالنمد العلمً للفكر‬
‫اإلسالمً أو المراءة النمدٌة للتراث اإلسالمي ‪ ،‬المواجهة ستكــون إذن بٌــــن منهجٌــــــــــن‬
‫فً التعامل مع التراث اإلسالمً ‪ ،‬تعامل لدٌم استغاللً للتراث و تعامل علمً انطاللــــا‬
‫من التطورات العلمٌة "‪ ،2‬و ٌمثل هذا مشروع هو مشروع نمد العمل اإلسالمً " إنه‬
‫مشروع ال ٌنتهً إال لكً ٌبدأ من جدٌد إنه ٌهدف إلى إصالح اإلنسان إلى تكوٌنه و تهذٌبه‬
‫من جدٌــــ د و تزوٌده بالوسائل التً تمكنه من أن ٌصبح لادرا على معانمة هللا على نٌل‬
‫مرتضـــاه "‪ ،3‬و هذه اللحظة تشبه اللحظة اللوثرٌة و الكلفٌنٌة التً دعت إلى ربط اإلنسان‬
‫باهلل دون واسطة ‪ ،‬فؤراد بها أركون نهضة تشبه نهضة أوربا ‪.‬‬

‫ٌبنً "أركون" مشروعه النمدي على مسلمة مفادها أن " اإلسالم ‪ -‬و المول ألركون‬
‫ٌشكل حداثة (‪ )...‬و لحظة انبثاق الخطابً المرآنً كان ٌمثل تغٌرا جذرٌا بالمٌاس إلى ما‬
‫لبله‪ ،‬و كان ٌمثل حركة مندفعة بكل لوة و انطاللا ‪ ،‬و على كافة األصعدة (‪ )...‬ثم تشكل‬
‫تدرٌجٌا فكر ثابت تحول بالتدرج إلى أرثوذكسٌة (‪ )...‬ألصد أنه تحول من طالة تغٌٌرٌة‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمن ٌعموبً ‪ ،‬الحداثة الفكرٌة فً التؤلٌف الفلسفً العربً المعاصر ‪ ،‬مركز نماء للبحوث و الدراسات ‪ ،‬بٌروت ‪،‬ط‪918; ،8‬‬
‫‪،‬ص ?=‪.8‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ?=‪.8‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬اإلسالم ‪ ،‬أوربا ‪ ،‬الغرب ‪ ،‬رهانات المعنى و إرادات الهٌمنة ‪ ،‬تر‪ :‬هاشم صالح ‪ ،‬دار السالً ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط‪ ،9118 ،9‬ص‬
‫‪.889‬‬
‫=;‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫انبثالٌة إلى تصور ملجوم و مسجون للحمٌمة "‪ ،1‬وهذا المول ٌشفع ألركون و ٌبرر تهجمه‬
‫على النص المرآنً و الذي ٌصفه بمجرد مدونة مغلمة لٌإكد على تارٌخٌته ‪ ،‬و هو بذلن‬
‫ٌنزه الدٌن الحك فً صفائه‪.‬‬

‫إذا كان الفكر النهضوي لد انطلك من مسلمتٌن هما " اإلصالح ال ٌتم إال بإعادة‬
‫إصالح الفكر الدٌنً و اإلصالح ال ٌتم إال بالعودة إلى المنابع الفكرٌة فً نماوتها ‪ ،‬فإن فكرة‬
‫الحداثة فً الفكر العربً المعاصر تنطلك من مسلمة مفادها أن الحداثة تمتضً إعادة قراءة‬
‫التراث لراءة ٌتواصل فٌها الماضً مع الحاضر الحضاري العلمً ‪ ،‬لتحمٌك الهوة بٌن‬
‫الجٌلٌن جٌل منتج و جٌل مستهلن فالتجدٌد ال ٌمكن أن ٌتم إال من الداخل تراثنا"‪.2‬‬

‫ال ٌفصل "دمحم أركون "بٌن النص الممدس (المرآن الكرٌم ) المحفوظ فً المصحف‬
‫وبٌن ما أنتج على مدى تارٌخ الفكر العربً اإلسالمً ‪ ،‬من لراءات و تؤوٌالت فً كل‬
‫الثمافة اإلسالمٌة ابتداءا من نزول الوحً إلى الفترة المعاصرة ‪ ،‬وهنا ٌتحدث أركون عن‬
‫النص الدٌنً و مولعه من كل التراث اإلسالمً ضمن مفاهٌم و التً توضح و تبرر‬
‫مشروعه ‪ ،‬إذ ٌجعلها مرتكزا أساسٌا لمعالجة حداثٌة للتراث ‪ ،‬وذلن من أجل إرساء دعائم‬
‫الحداثة الفكرٌة التً أساس التحدٌث المادي و االجتماعً و السٌاسً و االلتصادي ‪ ،‬إذ‬
‫نجده ٌمٌز بٌن الظاهرة المرآنٌة و التً هً الدٌن الحك و الظاهرة اإلسالمٌة إذ هً تجلً‬
‫للدٌن فً التارٌخ ‪.‬‬

‫أ ‪ -‬الظاهرة القرآنية ‪:‬‬

‫وهً النص المرآنً الشفهً لحظة تفوه الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وهً كما ٌمول أركون "المرآن‬
‫كحدث لخطاب شفهً فً زمان و مكان* محددٌن تماما ‪ ،‬ألح هنا على الطابع الشفهً‬
‫للمرآن فً البداٌة ‪ ،‬ألنه لم ٌكتب أول ما نزل إال فٌما بعد ‪ ،‬وهذا الخطاب الشفهً رافك‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬دمحم سبٌال ‪ ،‬الحداثة ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص <=‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمن ٌعموبً ‪ ،‬الحدا ثة الفكرٌة فً التؤلٌف الفلسفً العربً المعاصر‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص <‪.8:‬‬
‫* ‪ -‬الزمن هو بداٌات التبشٌر و البٌئة االجتماعٌة الثمافٌة التً ظهر فٌها هً الجزٌرة العربٌة‪.‬‬
‫>;‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الممارسة التارٌخٌة المتنوعة الجوانب طٌلة عشرٌن عاما"‪ ،1‬كما ٌشٌر دمحم أركون إلى أن‬
‫االنتمال مرحلة الخطاب الشفهً إلى مرحلة الخطاب المدون و المكتوب لم ٌإخذ بعٌن‬
‫االعتبار حتى اآلن ال من لبل المفشرٌن المسلمٌن المهتمٌن بؤسبـــاب النــــــزول و الناسخ و‬
‫المنسوخ من أجل بلورة األحكام الفمهٌة ‪ ،‬وال من لبل المسلمٌن المهتمٌن بؤسباب النزول و‬
‫الناسخ و المنسوخ من أجل بلورة األحكام الفمهٌة ‪ ،‬وال من لبل المستشرلٌن الذٌن ٌتبعون‬
‫المنهجٌة الفٌلولوجٌة ‪ ،‬الوضعٌة و التارٌخٌة ‪ ،‬فالخطاب الشفهً تلفظ به النبً طٌلة عشرٌن‬
‫سنة فً ظروف متغٌرة و أمام جمهور محدد من البشر ‪ ،‬ونحن ال ٌمكن أن نتواصل إلى‬
‫معرفة هذه الحالة األولٌة و الطازجة للخطاب مهما حاولنا "‪ ،2‬و بذلن ٌنفً دمحم أركون‬
‫المداسٌة و النزاهة عن المرآن المكتوب فً المصحف ‪ ،‬وهذا ما ٌتنافى مع لوله عز وجل "‬
‫إنا أنزلنا الذكرى و إنا له لحافظون " فمن البدٌهً أن كل مسلم ٌشهد بؤن ال إله إال هللا و‬
‫ٌشهد بؤن دمحم رسول هللا ٌإمن بالوحً اإللهً تعبٌرا مطلما مطابما لألصل و أنه المرآن‬
‫الكرٌم باللفظ و المعنى ‪ ،‬و ٌإمن بحجٌة السنة النبوٌة ‪ ،‬فهل الخلل فً النص أم فً سوء‬
‫فهمه؟ ‪.‬‬

‫ب‪ -‬الظاهرة اإلسالمية ‪:‬‬

‫تشكل ظاهرة المرآنٌة مجسدة فً التارٌخ لحظة التلفظ به من لبل النبً ملسو هيلع هللا ىلص وهً ‪":‬‬
‫عملٌة استمالن للمرآن المت ّلو و الممروء و المعاش بصفته نصا ً رسمٌا مغلمــا و ناجزا بشكل‬
‫نهائً ‪ ،‬إن عملٌة استهالن هذه تجًء كتلبٌة لطلب الدولة الموصوفة باإلسالمٌة ‪ ،‬ولطلب‬
‫األمة المفسرة التً تربط لدرها األرضً و نجاتها األبدٌة بما تدعوه كالم هللا أو الوحً‬
‫(‪ )...‬فتهتم فمط بالجانب التمدٌسً من الظاهرة المرآنٌة لكً تستغله من أجل خلع التمدٌس و‬
‫الروحانٌة و التعالً و االنطولوجٌا و األسطرة و األدلجة على كل التركٌبات العمائدٌة و كل‬
‫الموانٌن التشرٌعٌة و األخاللٌة و الثمافٌة و كل أنظمة المشروعة التً أنشؤها الفاعلون‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬لضاٌا فً نمد العمل الدٌنً ‪ ،‬أٌن هو الفكر اإلسالمً المعاصر ‪ ،‬تر ‪ ،‬هاشم صالح ‪ ،‬دار الطلٌعة ‪ ،‬د ط‪ ،8@>> ،‬ص =?‪.8‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص @?‪.8‬‬
‫?;‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫االجتماعٌون "‪ ،1‬فهً كل ما لحك الخطاب المرآنً من تؤوٌل و تفسٌر بعد لحظة انبثاله من‬
‫طرف لفمهاء و المتكلمون ‪ ،‬لذلن نجد أن " الظاهرة اإلسالمٌة على خالف الظاهرة المرآنٌة‬
‫تنمسم إلى خطوط و مذاهب عدة نذكر مثال الخط الشٌعً و الخط السنً و الخط الخارجً‬
‫"‪ ،2‬وهذا االختالف إن دل فإنما ٌدل على تارٌخٌتها ‪ ،‬وعلى شكلها التارٌخً ضمن زمن و‬
‫مكان معٌنٌن من طرف سلطة معٌنة‪.‬‬

‫فالظاهرة اإلسالمٌة كانت بداٌتها لحظة " االنتمال من الشفهً إلى مرحلة المدونة‬
‫النصٌة الرسمٌة المغلمة "‪ ،3‬وهذا االنتمال " لم ٌحصل إال بعد حصول الكثٌر من عملٌات‬
‫الحذف و االنتخاب و التالعبات اللغوٌة التً تحصل دائما فً مثل هذه الحاالت ‪ ،‬فلٌس لكل‬
‫الخطاب الشفهً ٌدون و إنما هنان أشٌاء تفمد فً الطرٌك (‪ )...‬ذلن ألن عملٌة الجمع تمت‬
‫فً ظروف حامٌة من الصراع السٌاسً على السلطة و المشروعٌة "‪ ،4‬وهذا ٌعنً أن‬
‫المرآن الذي بٌن أٌدٌنا نص محرف ولكن ٌبدو هذا الرأي مساس بالممدسات اإلسالمٌة " إذ‬
‫أن الخلل الحاصل فً ممارسة اإلسالم ناتج عن الشائبة البشرٌة التً علمت به نتٌجة الفهم‬
‫المغلوط اإلسماطً للنصوص ‪ ،‬فهذه النصوص اإلسالمية الربانٌة ‪ ،‬المرآن بلفظه و‬
‫مضمونه ‪ ،‬و السنة بالمضمون بإخبار المعصوم ‪ ،‬وهً تكتنز عٌن الحمٌمة فً حٌز‬
‫موضوعاتها ‪ ،‬لذلن فاإلصالح الدٌنً إن كان ثمة حاجة له ٌمتضً العودة إلى األصول بفهم‬
‫النصوص الممررة للدٌن عقيدة و أحكاما"‪.5‬‬

‫لبل الخوض فً المشروع النمدي األركوني لما أسماه بالعمل اإلسالمً ‪ ،‬تشٌر أوال‬
‫إلى مفهوم العمل اإلسالمً ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬أركون دمحم ‪ ،‬الفكر األصولً و استحالة التؤصٌل ‪ ،‬تر‪ :‬هاشم صالح ‪ ،‬دار السالً ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط ‪ ،911> ،:‬ص ‪. 981‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬ناٌلة أبً نادر‪ ،‬التراث و المنهج بٌن أركون و الجابري ‪ ،‬الشبكة العربٌة لألبحاث ‪ ،‬بٌروت ‪،‬ط‪ ،911? ،8‬ص <‪.89‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬لضاٌا فً نمد العمل اإلسالمً ‪ :‬أٌن هو الفكر اإلسالمً المعاصر ؟ مصدر سابك ‪ ،‬ص >?‪.8‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ??‪.8‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬زهٌر بٌطار ‪ ،‬لضاٌا إسالمٌة معاصرة ‪ ،‬دار الهادي ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط‪ ،911; ،8‬ص <>‪. 8‬‬
‫@;‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪-2‬مفهوم العقل اإلسالمي ‪:‬‬

‫من خالل تمٌزه بٌن العمل اإلسالمً و العقل العربي ٌتضح المفهوم إذ ٌتمٌد األول‬
‫بالوحً أو المعطى المنزل ‪ ،‬و ٌمر أن المعطى هو األول ألنه إلهً ‪ ،‬وأن دور العقل‬
‫ٌحصر فً خدمة الوحً أو المعطى المنزل أي فهم و تفهٌم ماورد فٌه من أحكام و تعالٌم و‬
‫إرشاد ثم االستنتاج و االستنباط منه‪ ،‬فالعمل تابع ولٌس بمتبوع اللهم إال بالمدر الذي ٌسمح‬
‫به اجتهاده المصٌب لفهم و تفهٌم الوحً ‪ ،‬ال ٌنفرد العمل اإلسالمً بهذا الوضع المعرفــــً‬
‫و االنطولوجً ‪ ،‬إذ ٌشاركه فٌه العمل المسٌحً و العمل الٌهودي ‪ ،‬كالهما ٌخضع للمعطى‬
‫المنزل مع أن التعرٌف الالهوتً للوحي ٌختلف عند المسلمٌن و المسحٌٌن و الٌهود"‪.1‬‬

‫أما العمل العربً فهو "الذي ٌعبر باللغة العربٌة أٌا تكن نوعٌة المعطى الفكري‬
‫الخارج عنـــه و الذي ٌتمٌد به و هكذا نجد المسحٌٌن و الٌهود ٌنتجون علومهم الدٌنٌة باللغة‬
‫العربٌة (‪ )...‬إن اللغة ال تختص بشعب أو عنصر من عناصر البشر ‪ ،‬إنــــما تتؤثر طبعا‬
‫بتارٌخ المـــ وم أو الجماعة أو األمة الناطمٌن بها ‪ ،‬ولكن التعامل بٌن العمل و اللغة أوسع و‬
‫أعمك و أكثر مرونة"‪.2‬‬

‫ومنه فالعمل اإلسالمً هو كل المعارف التً أنتجها الثمافة اإلسالمٌة و التً تتمٌد‬
‫بالوحً كمإطر ال ٌبتغً الخروج عنه كمثال أعلى ‪ ،‬وبهذا ٌدرج أركون كل النصوص التً‬
‫تحكمت فٌها تلن المواعد و المبادئ المإطرة للمعرفة ابتداء من فترة اإلسالم إلى غاٌة‬
‫الفترة المعاصرة من الفكر اإلسالمً ‪ ،‬وهذا ما استثناه العمل العربً الذي ال ٌهتم إال‬
‫بالنصوص المكتوبة بالغة العربٌة و ٌعرفه الجابري على أنه " جملة المبادئ و المواعد التً‬
‫تمدمها الثمافٌة العربٌة اإلسالمٌة للمنتمٌن إلٌها كؤساس الكتساب المعرفة و تفرضها علٌهم‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬أٌن هو الفكر اإلسالمً المعاصر ؟ من فٌصل التفرلة إلى فصل الممال ‪ ،‬تر ‪ :‬هاشم صالح دار السالً ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط‪،911: ،:‬‬
‫ص ‪.8:‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ;‪.8‬‬
‫‪<1‬‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ن " نظام معرفً " أي كجملة من المفاهٌم و اإلجراءات التً تعطً للمعرفة فً فترة‬
‫تارٌخٌة ما "‪.1‬‬

‫‪ -4‬نقد العقل اإلسالمي ‪ :‬مشروع طموح أم طموح لمشروع‬

‫معظم كتابات دمحم أركون متمحورة حول فكرة ‪ ،‬أال و هً نمد العمـــل اإلسالمً ‪ ،‬إذ‬
‫تطلع من خاللها إلى لراءة تؤوٌلٌة نمدٌة بالدرجة األولى للتراث ‪ ،‬و أوجب أن مفتوحة‬
‫منفتحة ‪ ،‬إذا ضمنه النصوص الممدسة " القرآن و السنة " و النصوص المفسرة لها بما فٌها‬
‫كل النصوص الالحمة إلى ٌومنا هذا ‪ ،‬فعماد مشروعه الحداثً هو تعرٌة العمل اإلسالمً‬
‫المشكل معمل األرثوذكسً* فهذا " العمل الدوغمائً أغلك ما كان مفتوحا و منفتحا و حول‬
‫ما كان ٌمكن التفكٌر فٌه ‪ ،‬بل و ٌجب التفكٌر أثناء لرون طوٌلة (‪ٌ )...‬مكن المول بؤن نزعة‬
‫التملٌد المذاهب األرثوذكسٌة و تكرارها لد تغلبت على إعادة التمٌٌم لجمٌع المذاهب‬
‫الموروثة التعسفٌة التً انبثت علٌها "‪ ،2‬وبهذا ٌرجع أركون أزمة الفكر اإلسالمً المعاصر‬
‫إلى تمدٌسه لألصل ‪ ،‬و اكتفاءه باجتهادات األولٌن و األخذ بها على أنها لواعد الزمة و ال‬
‫نماش فٌها ‪ ،‬فالنظرة الحداثية األركونية و إن رجعت إلى األصل فمط لتعٌــــــــــد النظـــر‬
‫و التمحٌص فً النصوص التؤسٌسٌة و الثوان للكشف عن الظروف الحاصنة لها ضمن‬
‫زمن كان معٌن ‪ ،‬واعتباره إنتاج فكري بشري مفتعل فً شبه الجزٌرة العربٌة ‪.‬‬

‫ٌشٌر أركون إلى اختالف مشروعه ( نمد العمل اإلسالمً ) عن غٌره من المشارٌع‬
‫اإلستشرالٌة و حتى اإلسالمٌة فهو " ال ٌكتفً بالبحث عما ٌخص اإلسالم كدٌن و فــــــكر‬
‫و ثمافة و مدنٌة و تارٌخ و نموذج من نماذج اإلنتاج التارٌخً لإلنسان و المجتمعات ‪ ،‬ولد‬
‫فرض اإلستشراق هذه النظرة المنكبة على اإلسالم ‪ ،‬المتواطئة مع نظرة المسلمٌن أنفسهم ‪،‬‬
‫إذ أجمع كالهما أن هنان إسالما جوهرٌا ذاتٌا ال ٌمبل التغٌر و ال ٌخضع للتارٌخٌة و ال‬
‫ٌزال مستمرا هو كاأللنوم اإللهً ٌإثر فً األذهان المجتمعات و ال ٌتؤثر بها "‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬نمال عن ‪ ،‬ناٌلٌة أبً نادر ‪ ،‬التراث و المنهج بٌن أركون و الجابري ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ;@‪.9‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬لضاٌا فً نمد العمل الدٌنً ‪ ،‬أٌن هو الفكر االسالمً ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص >‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬أٌن هو الفكر اإلسالمً المعاصر ؟ مصدر سابك‪ ،‬ص >‪.9‬‬
‫‪<8‬‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و فً نفس السٌـــــاق أال وهو البحث عن أزمة الفــكر المائـــم فً الساحة العربٌـــــة‬
‫و اإلسالمٌة ٌرجع المصري حسن حنفي لسبب التصدع إلى أسباب متعلمة بالماضً ‪،‬‬
‫مرتبطة " بتصفٌة االتجاه العمالنً فً الفلسفة اإلسالمٌة و بالتحدٌد فً المرن الخامس‬
‫الهجري تحمل التٌار األشعري و على رأسه الغزالً الهجوم على العلوم العملٌة و الدعوة‬
‫إلى التصوف "‪ ،1‬فساد االنمٌاد و التسلٌم عوض النظر و التمحٌص العملً ‪ ،‬وبهذا طمست‬
‫كل محاولة إرادة البحث و إعمال العمل فً النصوص الدٌنٌة ما خلف عمل أرثوذكسً‬
‫دوغمائً ال تارٌخً ‪.‬‬

‫إن نمد العمل اإلسالمً مفهوم ٌهدف إلى إعادة تمٌٌم شامل لكل التراث اإلسالمً‪،‬‬
‫فغاٌته لٌست " تفسٌر جدٌد ٌسد مسد التفسٌرات الكالسٌكٌة (‪ )...‬حٌث إن نمطة تفسٌر ذات‬
‫حمولة تٌولوجٌة ٌتعٌن تفكٌكها منذ البداٌة"‪ ،2‬بحٌث ٌصب النمد و التحلٌل على " األصول و‬
‫الفروع و ٌستخدم عدة منهجٌات دفعة واحدة كالمنهجٌـــة الجٌنٌالوجٌــــة والمنهجٌة الحفرٌة‬
‫و اللسانٌات ‪ ،‬ومنهجٌة تفكٌن أنظمة الفكر السائد (‪ )...‬عالوة على توظٌف علوم أخرى‬
‫كاألنثروبولوجٌا و علم النفس االجتماعً و التارٌخ و علم األدٌان الممارن (‪ )...‬و هذا النمد‬
‫ٌحمل معه برنامجا مكثفا فً نمد البنٌات التٌولوجٌة و األنتروبولوجٌة المإسسة لتارٌخ هذا‬
‫الفكر "‪.3‬‬

‫ال ٌكتفً مشروع نمد العمل اإلسالمً بنمد الفكر اإلسالمً ‪ ،‬أذ ٌتسع " بنمد عمل‬
‫األنوار الذي فرضته أوربا البرجوازٌة و الرأسمالٌة كنموذج عالمً بدٌل للنموذج الدٌنً‬
‫الذي شاع و سٌطر باسم الكنٌسة" ‪.4‬‬

‫وفٌما ٌلً ندرج نمده للمراحل المإسسة للعمل اإلسالمً إبتداءا بالمرآن إلى الفكر‬
‫اإلسالمً الراهن ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬علً رحمومة سحبون ‪ ،‬إشكالٌة التراث ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.8:1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬عبد المجٌد الشرفً ‪ ،‬لراءة فً النص الدٌنً عند دمحم أركون ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص @=‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص >;‪.8‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬أٌن هو الفكر اإلسالمً المعاصر ؟‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ?‪.9‬‬
‫‪<9‬‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪-1‬العصر التدشيني و تجدر الوعي الالتاريخي ‪:‬‬

‫لتحصٌل الممارسة العلمٌة للتراث اإلسالمً و بالتالً الولوج إلى فكر منفتح ‪ٌ ،‬لح‬
‫أركون على مساءلة نمدٌة لمختلف مراحل هذا العمل اإلسالمً ‪ ،‬وٌرى أن بداٌة تشكله‬
‫كانت مع " االجتهادات الفكرٌة و الدٌنٌة المعروفة فً التارٌخ (‪ )...‬و تعتبر رسالة الشافعً‬
‫(ت ‪)204‬المحاولة األولى لتؤسٌس ما ازدهر بعده بإسم أصول الفمه "‪ ،1‬وهذا لكونه "‬
‫اعتمد و ال ٌزال ٌعتمد على عملٌة التؤصٌل ‪ ،‬ونمصد به البحث عن ألوام الطرق‬
‫االستداللٌـــــــة و أصح الوسائل التحلٌلٌة و االستنباطٌة لربط بٌن األحكام الشرعٌة و‬
‫األصول التً تتفرع عنها ‪ ،‬أو لتبرٌر ما ٌجب اإلٌمان به وٌستمٌم استنادا إلى فهم صحٌح‬
‫للنصوص األولى المإسسة لألصول التً ال أصل لبلها وال بعدها ‪ ،‬وكان هاجس األئمة‬
‫مجتهدٌن منصبا على تؤسٌس حجٌة المرآن ثم السنة النبوٌة ( و سنة األئمة عند الشٌعة) و‬
‫إجماع ولٌاس"‪.2‬‬

‫فاللحظة الشافعٌة كانت بداٌة و نهاٌة اجتهاد فً المسائل الدٌنٌة بحٌث أغلك باب‬
‫االجتهاد وال ٌتم إال بالرجوع إلى لراءاته لكن من المرآن و الحدٌث الذي منحهما صفة‬
‫المدٌسٌة وبالتالً منحت تفسٌراته كذلن هذه الصفة ‪ ،‬بحٌث ٌعتبر مرجعٌة إسالمٌة أولى فً‬
‫تفسٌر ‪ ،‬ولد تم توظٌف الشافعٌة فً الخطاب العربً المعاصر مع جل ألطابها فهً" البناء‬
‫المعرفً و اإلٌدٌولوجً مرتبط بمنظومة فمهٌة و اجتماعٌة مشروطة ببعدها التارٌخً و‬
‫ٌجري هذا الكالم على مإسس للمذهب (الشافعً )‪ ،‬وعلى أتباعه من الشراح "‪.3‬‬

‫ومن بٌن الدراسات التً تناولت رسالة الشافعً‪ - :‬دراسة الكاتب رضوان سٌد المعنونــة‬
‫ب ‪ ":‬الشافعً ورسالة ‪ ،‬دراسة فً تكوٌن النظام الفمهً فً اإلسالم" ‪1990‬و " اإلمام‬
‫الشافعً لتؤسٌس إٌدٌولوجٌة الوسطٌة" ‪ -1994‬لنصر حامد أبو زٌد ‪ " ،‬تكوٌن العمل‬
‫العربً" ‪ -2000‬لدمحم عابد الجابري‪ ،‬و" التشكٌالت اإلٌدٌولوجٌة فً اإلسالم‪ ،‬االجتهادات‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬الفكر األصولً و استحالة التؤصٌل ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص >‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ٌ -‬وسف بن عدي ‪ ،‬أسئلة التنوٌر و العمالنٌة فً الفكر العربً المعاصر ‪ ،‬الدار العربٌة للعلوم ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط‪ ،9181 ،8‬ص ;‪.9‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬أنظر المرجع نفسه‪ ،‬ص ;‪.9‬‬
‫‪<:‬‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫والتارٌخ" ‪ – 1993‬لسالم حمٌش ‪ ،‬وكتاب عبد المجٌد الصغٌر المعنون ب ‪ " :‬الفكر‬
‫األصولً و إشكالٌة السلطة العلمٌة فً اإلسالم"‪ ،‬لراءة فً نشؤة علم األصـــــــــــول و‬
‫مماصد الشرٌعة ‪ ،1994-‬وفً هذه األخٌرة راجع صاحبها " تصورات زائفة عن علـــــم‬
‫األصول و فمه و الشرٌعة فً الخطاب االستشرالً و الخطاب العربً (‪ )...‬هإالء‬
‫الدارسٌن أغفلوا إغفاال مهوال لهاجس السلطة والشرعٌة التً كانت وراء الكتابات الفمهٌة‬
‫والكالمٌة فً اإلسالم (‪ )...‬فكانت المبادرة بتوحٌد الفمهاء لموالفهم العلمٌة أو المعرفٌة من‬
‫تلن األصــول و الضوابط التً تسري على الواعً نفسه (‪ )..‬إن نشؤة علم األصول (‪)...‬‬
‫إنماذ النص المإسس للشرعٌة فً اإلسالم من محاوالت االستغالل" ‪.1‬‬

‫كرس الشافعً الحترام السلطة العلٌا مفارلة للعمل فمنذ ذلن التارٌخ أصبح " العمل‬
‫خاضعا و تابعا للوحً ‪ ،‬محترما للسٌادة العلٌا و مطٌعا إٌاها ‪ ،‬منتجا بذلن تصورا محددا‬
‫عن العالم ‪ ،‬هذا التصور لائم على جملة مبادئ مرتبطة بالفضاء العملً المروسطً ألن هذا‬
‫األخٌر تابع لمرجعٌة معٌنة"‪ ،2‬وبذلن أحدثت لحظة تسجٌل و إشادة و هً نمطة تحول فً‬
‫العمل اإلسالمً من تارٌخً زمنً إلى مٌتا تارٌخً مفارق للزمنكان ‪ ،‬فال ٌخضع النص‬
‫المرآنً للفحص و حتى السنة النبوٌة بلغت مرتبة علٌا ثانٌة بعد المرآن الكرٌم‪.‬‬

‫وفً الفترة المعاصرة من الفكر المعاصر تجرأ ثلة من المفكرٌن على غرار دمحم‬
‫أركون هنان الجابري من خالل كتاب " مدخل إلى المرآن الكرٌم ‪ ،‬فً التعرٌف بالمـــرآن"‬
‫و فٌه ٌوضح هدف دراسته إذ نجده ٌمول‪" :‬تعاملنا مع هذا المعهود بكل ما نستطٌع من‬
‫الحٌاد و الموضوعٌة هو الطرٌك السلٌم فً نظرنا ‪ٌ ،‬جعل المرآن معاصرا لنا أٌضا ‪ ،‬ال‬
‫على صعٌد التجربة الدٌنٌة ‪ ،‬فذلن ماهو لائم دوما ‪ ،‬بل أٌضــا عـــلى صعٌد الفهم‬
‫والمعمولٌة "‪ ،3‬أما نصر حامد أبو زٌد من خالل كتابه " مفهوم النص فً علــــــوم‬
‫المرآن"‪ " ،‬فمد اندفع إلى البحث عن مفهوم النص من خالل علوم المرآن االلتراب من‬
‫صوغ الوعً العلمً للتراث فالبحث عن النص (‪ )...‬هو نفسه طرٌك إلى تحدٌد ماهٌة‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ص >‪.9?-9‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬فارح مسرحً ‪،‬الحداثة فً فكر دمحم أركون ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص @=‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬نمال ‪ :‬عن ٌوسف بن عدي ‪ ،‬أسئلة التنوٌر و العمالنٌة فً الفكر العربً المعاصر ‪،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.:1‬‬
‫;<‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المرآن ‪ ،‬وهكذا كان التؤوٌل هو الوجه اآلخر للنص ‪ ،‬و بالتالً المدخل المركزي فً دراسة‬
‫المرآن باعتباره نصا لغوٌا "‪.1‬‬

‫وفٌما ٌلً سنعرض ألركون نظرته إلى التراث اإلسالمً الذي هو النص القرآني‬
‫بخاصة ثم السنة النبوية‪.‬‬

‫ٌرى دمحم أركون النصوص التؤسٌسٌة فً اإلسالم بؤعٌن حداثٌة بغٌة الكشف عن‬
‫أبعادهما الخٌالٌة و عن شحناتها االنفعالٌة التً ٌراها سببا فً نزعات التطرف باســم الدٌن‬
‫و اإلسالم ‪ ،‬فالمرآن حسبه لٌس كالم هللا ّ‬
‫ألن " كالم هللا ال ٌنفذ و ال ٌمكن استنفاذه ‪ ،2‬ونحن‬
‫ال نعرفه بكلٌته فؤنواع الوحً التً أوحٌت بالتتالً إلى موسى (‪ )...‬وأخٌرا إلى دمحم لٌست‬
‫إالّ أجزاء متمطعة من كالمه الكلً ‪ ،‬و نظرٌة الكتاب السماوي التً نجهلها لٌست إال رمزا‬
‫للمول بؤن هنان كتابا آخر ٌحتوي على كلٌاته كالم هللا (أم الكتاب)" ‪ 3‬وبهذا المرآن الموجود‬
‫بٌن دفتً المصحف لٌس الرسالة الكاملة التً بعثها هللا إلى رسوله دمحم صلى هللا علٌــــه و‬
‫سلم ‪ ،‬ذ لن ألن لمجرد ارتباطه بالتارٌخ ٌصبح اإللهً إنسً و الممدس عادي و الالتارٌخً‬
‫تارٌخً و بذلن ٌنفتح على المراءات و التؤوٌالت عبر الزمن ‪.‬‬

‫إذن هنان تماٌز واضح بٌن الحدث المرآنً و الحدث اإلسالمً ‪ ،‬ألن " الممدس فً‬
‫ذاته لٌس فً متناول اإلنسان و أنه بمجرد ما ٌندرج فً البشرى حتى ٌفمد الكثٌر مـــن‬
‫سماته ‪ ،‬و ذلن تحت ضغوط لغوٌة و اجتماعٌة و ثمافٌة (‪ )...‬كما أن كالم هللا المطلك فً‬
‫كلٌته و نهائٌته ال ٌمكن معرفته و ما نعرفه هو مستوى كالم هللا الموحى إلى الناس بواسطته‬
‫األنبٌاء أي نحن نعرف الجزء المتجلً األرضً"‪ ،4‬ولهذا المعنى فإن نزع األلوهٌة عن‬
‫النص الممدس حلمة ضرورٌة لحداثة دٌنٌة نحاول ربط النص المرآنً بسٌاق تارٌخً محدد‬
‫و ظروف معٌنة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.:1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬أنظر ‪ :‬عبد المجٌد خلٌفً و آخرون ‪،‬لراءات فً مشروع دمحم أركون الفكري ‪ ،‬منتدى المعارف ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط‪ ،9188 ،8‬ص ‪.@1‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬العلمنة و الدٌن ‪ :‬اإلسالم ‪ ،‬المسٌحٌة و الغرب ‪ ،‬تر هاشم صالح ‪ ،‬دار السالً ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط‪ ، 8@@=، :‬ص ‪.?9‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬كٌحل مصطفى‪ ،‬األنسنة و التؤ وٌل فً فكر دمحم أركون ‪ ،‬دار األمان ‪ ،‬المغرب ‪ ،‬ط‪ ،9188 ،8‬ص ‪ ،‬ص =>‪.8>>-8‬‬
‫<<‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ٌعتبر دمحم أركون الخطاب المرآنً خطاب بشري تارٌخً استنادا للحظة التدوٌن‬
‫المتؤخرة نسبٌا عن عهد النبوة أي فً المرن الثالث للهجرة ( فً عهد عثمان بن عفان ) ‪،‬‬
‫فعملٌة التدوٌن ال ٌزال ٌكتنفها الغموض ‪ ،‬فمن وجهة نظر لسانٌة ٌمول أركون أن التحول‬
‫من الشفاهً إلى الكتابً ٌحدث بال شن أخطاء ‪ ،‬و الفرق بٌن الشفهً و المكتوب مهمل فً‬
‫العمل المسلم ألن تركٌبة هذا األخٌر من طبٌعة تٌولوجٌة ‪.1‬‬

‫إن السنة النبوٌة ثانً مرجعٌة تمدٌسا بعد المرآن الكرٌم و ثانً مصدر للتشرٌع‬
‫اإلسالمً ‪ ،‬فاهلل تعالى أمرنا بإتباع ألواله " ‪...‬و ما أتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه‬
‫فانتهوا سورة الحشر ‪ ،7‬وألجل هذه المكانة الممدسة للسنة لدى المسلمٌن ٌعتبرها أركون‬
‫إلى جانب المرآن الكرٌم "تراثا حٌا"‪ ،2‬فمنذ المرن السابع مٌالدي ال ٌزال دمحم صلى هللا علٌه‬
‫و سلم أسوة ٌمتدي بؤحادٌثه المدونة من طرف العلماء و المسلمٌن بعد وفاته عن طرٌك‬
‫الصحابة و التابعٌن ألن " الحدٌث شؤنه شؤن المرآن الكرٌم و الشرٌعة (‪ )...‬نمطة حساسة‬
‫فً الوعً اإلسالمً الذي ٌرى أن النمد الذي سبك البخاري و مسلم و الكلٌنً ‪ ،‬و الطوسً‬
‫كاف و نهائً و المدونات التً كونت على أساس هذا النمد رسمٌة و مغلمة مثل المدونة‬
‫المرآنٌة "‪.3‬‬

‫لذا ٌجد دمحم أركون فً السنة أو باألحرى فً كٌفٌة تدوٌنها شبهة تجعل منها مادة‬
‫أساسٌة للنمد و التحلٌل ‪ ،‬فٌرى " أن دراسة السٌرة النبوٌة تم فٌها التحوٌر فً شخص النبً‬
‫صلى هللا علٌه و سلم ‪ ،‬و فخمت تفخٌما كبٌرا ‪ ،‬ودرست دون مراعاة الشروط التارٌخٌة ‪،‬‬
‫بل كان درسها ٌتعالى على التارٌخ "‪ ،4‬لذا ٌمف دمحم أركون " عند درس السٌرة النبوٌة داعٌا‬
‫إلى إعادة النظر فٌه من خالل توظٌف علم النفس التارٌخً للكشف عن عاللتها بالتمدٌس‬
‫"‪ ، 5‬أي أن الخطاب النبوي بما هو خطاب صادر عن بشر هو خطاب و ضعً فً حٌن‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬أنظر ‪ ،‬مرزوق العمري ‪ ،‬إشكالٌة تارٌخٌة النص الدٌنً ‪ ،‬دار الطلٌعة ‪ ،‬بٌروت ص ص ‪.8=: -8=9‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬ص @=‪.8‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون نافذة على اإلسالم ‪ ،‬تر‪ :‬صباح الجهٌم ‪ ،‬دار عطٌة للنشر ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط‪ ،8@@= ،8‬ص <>‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬مرزوق العمري ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.8>8‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.8>8‬‬
‫=<‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أطبع بطابع تمدٌسً إشباعا لرغبة سلطة ما ‪ ،‬فٌدعو أركون إلى رفع هذه الهالة التمدٌسٌة‬
‫عنها تحت ممولة الحداثة‪.‬‬

‫‪ -2‬نقد العقل الكالسيكي ‪:‬‬

‫ٌشٌر أركون فً جل مإلفاته إلى العصر الكالسٌكً اإلسالمً‪ ،‬وٌعتبرها أرلى مرحلة‬
‫فً تارٌخ الحضارة اإلسالمٌة ذلن لما ٌتمٌز به من نشاط تٌاراتها العمالنٌة و اإلنسانٌــــــة‬
‫و العلمٌة و ذلن راجع إلى دخول علوم و فلسفة الٌونان عن طرٌك حركة النمل و الترجمة ‪.‬‬

‫وفً مشروعه هذا أراد أن ٌجلً ما تم طٌه فً الالمفكر فٌه من أسماء مهمة من هذا‬
‫العصر إذ " تم حذف األجزاء المبدعة فً التراث و نسٌان لفترته الكالسٌكٌــة و العمالنٌــة‬
‫أو اإلنسانٌة الخاللة ‪ ،‬وتحوٌل التراث و اإلسالمً إلى مجرد أداة إٌدٌولوجٌة من أجل‬
‫التوصل إلى السلطة "‪ ،1‬إذ عمدت الجهات السٌاسٌة إلى إلغاء النزعة المبدعة الداعٌة إلى‬
‫إعمال العمل حفاظا على مركزها و لضمان سٌطرتها على األوضاع ‪.‬‬

‫من بٌن التٌارات التً ظهرت فً سٌاق العصر الكالسٌكً اإلسالمً وهو " أبو حٌان‬
‫التوحٌدي "وهو " إحدى الشخصٌات الفكرٌة النادرة فً التارٌخ اإلسالمً و التً انتفضت‬
‫باسم اإلنسان ومن أجل اإلنسان (‪ )...‬و مولفه هذا ٌرهص بالحداثة ‪ ،‬وهو مإلف الكتاب‬
‫الشهٌر باسم اإلشارات اإللهٌة (‪ )...‬وهو ٌستكشفه عن طرٌك ذات الصرامـــة الفكرٌــــــة‬
‫و التماسن المنطمً الذي سٌستخدمه عندما ٌدرس العاللة بٌن اإلنسان – و هللا تدرس عن‬
‫طرٌك ذات المنهجٌة العلمٌة "‪ ، 2‬و سٌتحضر فً هذه الرإٌة مولف الفٌلسوف الفرنسً‬
‫بلٌز باسكال ‪ ،‬فكالهما ٌمول أركون " ٌعتنمان نزعة إنسانٌة متشابهة فً ظل العاللة مع هللا‬
‫"‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬دمحم أركــون ‪ ،‬النزعة األنسنة فً الفكر العربً‪ ،‬جٌل مسكوٌه و التوحٌدي ‪ ،‬تر ‪ :‬هاشم صالح ‪ ،‬دار السالً ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط ‪، 8@@> ، 8‬‬
‫ص ;‪.8‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص @‪.8‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه‪ ،‬ص @‪.8‬‬
‫><‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وفً نفس السٌاق ٌعرض أركون لشخصٌة أخرى فً العصر الذهبً اإلسالمً وهو "‬
‫ابن سٌنا" إن تمثل أفكاره " بذورا فلسفٌة واعدة بنزعة إنسانٌة جدٌدة و شدٌدة االنفتاح ‪ ،‬إنها‬
‫نزعة إنسانٌة تشتمل فً آن معا على ثالثة أشٌاء ‪ ،‬فهً تعترف أخٌرا بحك اإلنسان فً‬
‫مواصلة البحث العلمً المائم على التجرٌب و العٌان "‪ ،1‬ونلتمس هنا أن أركون ٌحبذ كل‬
‫نزعة لائمة على النظر و العلم و حب التجدٌد ز البحث العلمً ‪.‬‬

‫وفً مإلفه أٌن هو الفكر اإلسالمً المعاصر ؟ ‪ٌ ،‬ستشهد دمحم أركون بنصٌن لعلمٌن‬
‫إسالمٌٌن وهمـــــا ‪ :‬كتاب " فصل الممال وتمرٌر مابٌن الحكمــــــة و الشرٌعـــة من اتصال‬
‫‪2‬‬
‫" و " فصل التفرلة بٌن اإلسالم و الزندلة " لكل من ابن رشــد و الغزالً على التوالـــــً‬
‫و هذا بغرض " اإلشارة إلى مرحلة فائمة األهمٌة من مراحل الفكر اإلسالمً و التذكٌر بما‬
‫كان ٌتصف به هذا الفكر من التفوق العمالنً و اتساع العمل و مدى حرٌة البحث و اإلبداع‬
‫فً اإلشكالٌات المتصلة بالمضاٌا الدٌنٌة الحساسٌة ‪ ،‬ودرجة التسامح و اإللبال على‬
‫المناظرة ‪ ،‬واحترام شروط المناظرة بٌن األئمة المجتهدٌن ورفض الخلط بٌن العرض‬
‫العلمً للمضاٌا و موالف العالم و التمٌد بما ٌفرضه البرهان الساطع و الحجج الدامغة على‬
‫العمل ‪ ،‬ومتابعة البحث و االحتجاج على المستوى العلمً المحض دون االنحطاط إلى‬
‫مستوى الشتم و االفتراء و تحمٌل المناظر ما لم ٌفكر فٌه ولم ٌدعٌه ولم ٌنطك به لط "‪.3‬‬

‫و النموذجٌن المشار إلٌهما ٌدالن حسب أركون إلى ظاهرة المطٌعة مع الفكر الساءد و أطره‬
‫المعرفٌة و هذا ٌتضح أكثر من خالل عرضه لممتضٌات لكل منهما ‪.‬‬

‫أوال‪ٌ :‬مول الغزالً ‪ " :‬فؤما إن أردت أن تنتزغ هذه الحكمة من صدرن من هو فً‬
‫حالن ممن ال تحركه غواٌة الحسود وال تمٌده عماٌة التملٌد ‪ ،‬بل تعطشه إلى االستبصار‬
‫لحزازة إشكال أثارها ‪ ،‬فكر و هٌجها نظر ‪ ،‬فخاطب نفسن و صاحبن و طالبه بحد الكفر‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬أنظر ‪ :‬دمحم أركون ‪ ،‬أٌن هو الفكر اإلسالمً المعاصر ؟ من فصل التفرلة إلى فصل الممال ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.:‬‬
‫?<‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫فإن زعم أن حد الكفر ما ٌخالف مذهب األشعري أو مذهب المعتزلً أو مذهب الحنبلً أو‬
‫غٌرهم فاعلم أنه عر بلٌد ‪ ،‬لد لٌده التملٌد فهو أعمى من العمٌان ‪.1"...‬‬

‫و النص الثانً البن رشد ٌمول ‪ " :‬إن كان فعل الفلسفة لٌس شٌئا أكثر من النظر فً‬
‫الموجودات إنما تدل على الصانع لمعرفة صنعتها ‪ ،‬وأنه كلما كانت المعرفة بصٌغتها أتم ‪،‬‬
‫كانت المعرفة بالصانع أتم و كان الشرع لد ندب إلى اعتبار الموجودات و حث على ذلن ‪،‬‬
‫فبٌن أن ما ٌدل علٌه هذا االسم إما واجب بالشرع و إما مندوب لــــه "‪ ،2‬و الواضــح من‬
‫النصٌن الدعــــوة الملحة إلى إعمـــــال العمــــل و االستدالل و المٌاس و الرد و المعارضة‬
‫و التوفٌك بٌن العمل و النمل ممابل النزعات المتعالٌة الداعٌة إلى االنصهار فً الفكر‬
‫الدوغمائً الذي ٌنطك باسم الدٌن و ال غٌر الدٌن فٌه الحك ‪.‬‬

‫‪ - 3‬نقد العقل األرثوذكسي‪:‬‬

‫إن كان دمحم أركون ٌشهد بازدهار العمر الكالسٌكً اإلسالمً و ٌستشهد بؤعالمه فهو‬
‫ٌرى أن العصر الالحك له و الذي كان نتٌجة للممع و المحاربة التً تعرضوا لها الفالسفة و‬
‫علماء ذلن العصر ‪ ،‬فكانت لطعٌة تامة مع علومه و فلسفته و عمالنٌة ‪ ،‬وكان المرجع إلى‬
‫العصر التؤسٌسً و إلى التفسٌرات األولى للوحً ‪ ،‬لذا ٌرى أركون " أن التراث الكالسٌكً‬
‫السكوالستٌكً التكراري كان لد سار فً الخط الفكري نفسه الذي اختطه الغزالً بعد المرآن‬
‫الخامس للهجرة و الحادي عشر المٌالدي ‪ ،‬وعندئذ تغلب الفمه على غٌره من العلوم‬
‫اإلسالمٌة ‪ ،‬وتاللت فٌه االهتمامات األخاللٌة و السٌاسٌة و المانونٌة بــعد أن تموضعت‬
‫ضمن منظور أخروي "‪ ،3‬وهذا من خالل المضاء على كل نزعة عمالنٌة و ٌعتبر أركون "‬
‫الغزالً لد ساهم فً إعطاء األولوٌة لعلم الفمه و ذلن بتؤلٌف لكتاب المستصفً من علم‬
‫األصول الذي جاء فٌه ‪ ":‬و أشرف العلوم ما ازدوج فٌه العمل و السمع و اصطحب فٌه‬
‫الرأي و الشرع ‪ ،‬وعل م الفمه و أصوله من هذا المبٌل ‪ ،‬فإنه ٌؤخذ صفوف الشرع و العمل‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬نمال عن ‪:‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ;‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬نمال ‪ ،‬عن المصدر نفسه‪ ،‬ص <‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬اإلسالم ‪ ،‬األخالق و السٌاسة ‪ ،‬تر ‪:‬هاشم صالح ‪ ،‬دار النهضة العربٌة ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط‪ ،911> ،8‬ص @‪.89‬‬
‫@<‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫سواء التملٌد الذي ال ٌشهد له العمل بالتؤكٌد و التسدٌد ‪ ،‬وألجل شرف علم الفمه و سببه وفر‬
‫هللا دواعً الخلك على طلبه ‪ ،‬وكان العلماء بع أرفع مكانا ‪ ،‬وأجلهم شؤنا ‪ ،‬و أكثرهم إتباعا‬
‫و أعوانا "‪ ،1‬فمد منع تداول العلوم العملٌة و تعلٌمها و التصر التدرٌس على الفمه و أصوله‬
‫كما هو عند المفسرٌن األوائل " الذٌن لننوا المجموعة النصٌة الرسمٌة و إغاللها نهائٌا ‪،‬‬
‫ثم تنصٌبها كمرجعٌة علٌا أصلٌة و تؤسٌسه لكل المشروعٌات ‪ ،‬ثم أبمٌت و حفظت بمنؤى‬
‫عن كل التساإالت النمدٌة بعد أن تم لبول المجموعة المشتركة لالعتماد باإلجماع (‪ )...‬و لد‬
‫أشرفت على تسٌٌر أمور هذه المجموعة النصٌة االعتمادٌة إما مإسسات التعلٌم كاألزهر و‬
‫ا لزٌتونة و المروٌٌن و لم ‪ ،‬و إما األولٌاء الصالحون المحلٌون (المرابطون) و فً كلتا‬
‫الحالتٌن حصلت لطٌعة مع المرحلة التعددٌة للفكر الكالسٌكً الذي شهد مناظرات خصبة‬
‫بٌن العمل و النمل (‪ )...‬و هكذا ورثنا إرثا ثمٌال من المستحٌل التفكٌر فٌه و الالمفكر فٌه"‪.2‬‬

‫و بهذا ٌكون العمل المدرسً عمل تكراري متمولع على نفسه داخل إطار مذهب‬
‫أحادي خاص ‪ٌ ،‬كتفً بالتملٌد و التكرار و العٌش و فك مسار جٌل سابك على عصرهم و‬
‫هذا ما أدى بالضرورة ألى استبعاد كل وافد أجنبً فكانت ردة الفعل اتجاه الحداثة األوربٌة‬
‫عنٌفة ‪.‬‬

‫‪ - 4‬نقد العقل اإلسالمي المعاصر ‪:‬‬

‫ٌحدد أركون فترة الفكر العربً المعاصر ابتدا ًء من المرن التاسع كما و أن سبك وأن‬
‫ذكرنا (أي ابتدا ًء من مرحلة النهضة ) إلى غاٌة الٌوم مرورا بالثورة المومٌة و الثورة‬
‫اإلسالمٌـــــة ‪ ،‬ففــً هـــــذه الفتــرة ورث " المذهب المدرسانً (السكوالستٌكً )‬
‫المفمــــــر أو اـــضعف جـــدا ‪ ،‬كما ورث الثمافات الشعبٌة المتكفئة على نفسها ‪ ،‬و المتجمدة‬
‫أو المتحجرة فً أشكالها اإلللٌمٌة أو الطائفٌة" ‪ ،3‬فالفكر النهضوي ولد فً بٌئة كانت لد‬
‫أغلمت النظر العملً فً النصوص الدٌنٌة و اعتبرته كفرا وزندلة و حافظ على رتابة الفكر‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪8:1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬الفكر األصولً و استحالة التؤصٌل ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ;=‪.8‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬الفكر األصولً و إستحالة التؤصٌل ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ‪.:;:‬‬
‫‪=1‬‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الدٌنً و سكونه منذ الخامس و هذا ما أولعه فً ال تارٌخٌة فمد تخلى عن حك المراءة‬
‫النمدٌة الفاحصة‪ ،‬و انغمس فً التملٌد للمعرفة المتراكمة عبر لرون االنغالق الناتجة عن "‬
‫شبكة معمدة لجدلٌة السلطة و المعرفة " ‪.1‬‬

‫إن عدم جدوى الفكر اإلسالمً المعاصر ٌرجعها أركون إلى فمدانه لحموق المراءة‬
‫النمدٌة و العمالنٌة لمنتوجه المعرفً ‪ ،‬بل هو فكر بدون تؤسٌس و ال إعادة تؤسٌس ‪ ،‬بما أنه‬
‫ٌنطلك من ٌمٌنٌات غٌر ممحصة ‪ ،‬وٌسٌر فً طرٌك تبجٌلها ‪ ،‬ومن الجلً أن افتماد العمل‬
‫اإلسالمً المعاصر لمٌزة العمالنٌــــة لد أدى إلى صراع و حرب الكل ضد الكــــــــــــــل ‪،‬‬
‫و االستغالل اإلٌدٌولوجً ومن ثم تحول وظٌفة االجتهاد إلى النضال الخطابً و السٌاسً‬
‫الالمجددٌن " ‪.2‬‬

‫فاألزمة الفكرٌة المعاصرة هً ما دفعت دمحم أركون إلى شخصٌة للعمل اإلسالمً منذ‬
‫مرحلة التشكل و التؤسٌس أي مرحلة نزول المرآن إلى ما هو علٌه الٌوم ‪ ،‬فتحرٌر العمل‬
‫اإلسالمً ال ٌمكن أن ٌحصل ما لم " تمم بتفكٌن جذري لماضً كل أمة أو كل طائفة دٌنٌة‬
‫من أجل فهمه و إعادة تمٌٌمه من جدٌد " ‪.3‬‬

‫ٌبدأ أركون من حٌث ٌجب أن ٌبدأ بالفكر اإلسالمً المعاصر ‪ ،‬فالخطابات اإلسالمٌة‬
‫حسبه" ذائع و منشر أكثر من أي ولت مضى ‪ ،‬ووفرته و تكاثره و انتشاره الواسع كانت لد‬
‫أدت فً ولت لصٌر إلى غلبة الشخصٌة الجماعٌة على الشخصٌة الفردٌة"‪ 4‬إذ أنها تكرس‬
‫روح االنتماء إلى الجماعة و النطك باسم المومٌة فً حٌن غٌبت الفردٌة و ٌستشهد بؤحد‬
‫مإلفٌن المصرٌٌن وهو أنور الجندي و من خالل مإلفه " اإلسالم و الدعوات الهدامة "‬
‫بحٌث ٌتحدث صاحب الكتاب عن أبرز معطٌات اإلسالم و هً لدرته على معاٌشة‬
‫الحضارات و الثمافات المختلفة ‪ ،‬واستمراره فً مختلف األزمنة و البٌئات ‪ ،‬فهو لادر على‬
‫إجراء حركة التصحٌح من داخله ‪ ،‬ورد الشبهات و مماومتها ‪ ،‬ومحافظة الدائمة على طابعه‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬عبد المجٌد خلٌمً و أخرون ‪ ،‬لراءات فً مشروع أركون الفكري ‪ ،‬ص ;>‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬بوحناش نور‪ ،‬اإلجتهاد و جدل الحداثة ‪ ،‬منشورات اإلختالف ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ط‪ ،918= ،8‬ص @?‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬من اإلجتهاد إلى نمد العمل الدٌنً ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص <‪.99‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ - -‬دمحم أركون ‪ ،‬تارٌخٌة الفكر ‪ ،‬تر‪ :‬هاشم صالح ‪ ،‬دار االنماء لومً ‪ ،‬لبنان ‪،‬ط‪ ،8@@9 ،9‬ص ?‪.88‬‬
‫‪=8‬‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫اإلنسانً و أصله الربانً وإن مٌزة اإلسالم فً شموله و تكامله أنه جمع بٌن الحرٌـــــــات‬
‫و الضوابط ‪ ،‬وبٌن الفردٌة و الجماعٌة ‪،‬و بٌن العلم والدٌن ‪ ،‬وبٌن العمالنٌة و الوجدان ‪،‬‬
‫وبٌن الروح و المادة ‪ ،‬وبٌن الوحً و العمل ‪ ،‬وبٌن الدنٌـــا و اآلخـرة ‪ ،‬وبٌـــــــــن الغــٌب‬
‫و الشهادة ‪ ،‬وبٌن الثبات و التطور ‪ ،‬وبٌن الماضً و الحاضر ‪ ،‬وبٌن المحافظة و التجدد"‪.1‬‬

‫وهذا ما ٌدعوه دمحم أركون بالخطاب االستبدادي و المنالض ألبسط الحمائك العلمٌة ‪،‬‬
‫وٌكرس لنفس الفرضٌات و نفس التصورات و اعتمادات التً تفرض نفسها على الجمٌع‬
‫لكً تشكل خطابا اجتماعٌا ضخما ‪ ،‬فهً مسؤلة خطاب جماعً اجتماعً ‪ ،‬و لٌست مسؤلة‬
‫الخطاب فردي شخصً‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ ،‬وهما نوذج‬ ‫كما ٌشٌر أركون إلى نموذجٌن آخرٌن فً الفكر العربً المعاصر‬
‫الخوئي * و نموذج شحرور ‪ ،‬من خالل مإلفهما على التوالً ‪ " :‬الكتـــــــاب و المـــرآن "‬
‫و " ممدمة للمرآن " ‪ "،‬فكتاب دمحم شحرور ٌمثل نموذج الكتابة األسطورٌة التً تستخدم‬
‫بعض المماطع المتبعثرة من معرفة العلمٌة المعاصرة ‪..‬بهدف إعادة تمٌٌم الصحة‬
‫اإللهٌـــــــــــــة و الصالحٌة الكونٌة للمرآن بصفته كتاب الوحً مستبعدا إمكانٌة مساءلة‬
‫الوحً و أشكاله"‪.3‬‬

‫و سٌحصر أركون نموذجا ثانٌا لهذه الكتابة األسطورٌة التً تلغً التارٌخٌة و تمر‬
‫اإلطاللٌة و التعالً إذ ٌمول الخوئً فٌه " ٌجب على كل مسلم عالم كان أم غٌر عالم أن‬
‫ٌسعى إلى فهم المرآن ‪ ،‬فهو الكتاب الذي ٌضمن السالم و السعادة و النظام ‪ ،‬كما إنه مرجع‬
‫لكل علم اء اللغة و المعاجم و مستند أعلى للفمٌه المجتهد ‪ ،‬ومعلم للواعظ المبشر ‪ ،‬منه‬
‫اشتمت العلوم االجتماعٌة و مبادئ اإلرادة العامة للدولة ‪ ،‬وعلٌه ترتكز العلوم الدٌنٌة على‬
‫ضوء هداٌته اكتشفت أسرار الكون و لوانٌن الطبٌعة إنه المعجزة الخالدة للدٌن الخالد " ‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.89:‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.89:‬‬
‫* ابو لاسم الخوئً ‪ ، ) 8@@9-8?@@( ،‬مرجع دٌنً شٌعً ‪ ،‬فً النجف ‪ ( ،‬أنظر بوح ناش االجتهاد و الجدل و الحداثة ‪ ،‬ص ;?)‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬عبد المجٌد خلٌمً و آخرون ‪ ،‬لراءة فً النص الدٌنً ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص <>‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬نمال عن ‪ :‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص <> ‪.‬‬
‫‪=9‬‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و من خالل النماذج السابمة ٌبرهن أركــــون على ال تارٌخٌـــة هذا الفكـــر و ٌمتــرح‬
‫" المطٌعة المعرفٌة لٌنتمل من مرحلة اإلنتاج المٌثولوجً و االستهالن المخٌـــالً للمعانً‬
‫إلى مرحلة الربط بٌن المعانً و التارٌخٌة فً كل ما ٌطرحه و ٌعالجه من مشـــاكل‬
‫‪1‬‬
‫دٌنٌــــــــــة أو الهوتٌة أو فلسفٌة أو سٌاسٌة أو ثمافٌة "‬

‫‪ - 5‬نقد عصر األنوار ‪:‬‬

‫المارئ و المتتبع ألعمال دمحم أركون ٌالحظ و للوهلة األولى إعجابه و تؤثره بالفكر‬
‫الغربً ‪ ،‬فال ٌكاد أي صفحة من مإلفاته تخلو من استشهادات سواء بمستشرلٌن أو بمفكرٌن‬
‫و فالسفة هاموا فً الحداثة الغربٌة و بهذا هو ال ٌخفً تؤثره إال أنه واصل مسٌرة نمده‬
‫لتشمل العمل األنواري فهو و المول ألركون " عمل شدٌد الثمة بذاته فً حٌن أن هٌمنته‬
‫المادٌة ‪ ،‬التكنولوجٌة لد رمت بكل اعتبار أخاللً فً ما هو بال و لدٌم و عدٌم النفع "‪،2‬‬
‫وهذا ٌثبته الوالع الغربً المزري ‪ ،‬بحٌث ساد الفراغ الروحً و طغت المادة على جمٌع‬
‫الجوانب الحٌاتٌة ‪ ،‬فالفرد األوروبً و إن حمك الرفاه و العٌش الرغٌد افتمد إلى الطمؤنٌنة‬
‫النفسٌة باستالب اإلنسانٌة منه ‪ ،‬ذلن ألن األفراد أصبحوا " خاضعٌن للمٌود االلتصادٌة و‬
‫االجتماعٌة و السٌاسٌة التً تتزاٌد لسوة ‪ ،‬وتلعب الحداثة المادٌة هنا دورا مخربا ‪ ،‬إنها‬
‫تفرض على األكثرٌن تواضعا لواعدها االستهالكٌة "‪ ،3‬فاإلنسان الحداثً كما سبمنا الذكر‬
‫ذو بعد واحد وهو البعد المادي االستهالكً ‪.‬‬

‫ٌضمن أركون نمده للعمل األنواري نمده للخطاب االستشرالً أو كما ٌصطلح علٌها‬
‫اإلسالمٌات الكالسٌكٌة ‪ ،‬فهو ٌمول فً إحدى نصوصه " أتمنى أن تتسنح لً الفرصة‬
‫للتعبٌر عن اعتراضً لهم بالفصل"‪ ،4‬فهو ٌرى أن المستشرلٌن أتاحوا دراسات لٌمة حول‬
‫تارٌخ الفكر اإلسالمً فهم أول من تعرضوا له بالدراسة و لكنه ٌعٌب " نزعتهم اإلختزالٌة‬

‫‪1‬‬
‫‪-‬دمحم أركون ‪ ،‬أٌن هو الفكر اإلسالمً ؟ ‪ ،‬مصدر سابك‪ ،‬ص ;‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬نافذة على اإلسالم ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص @‪.98‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ;‪.98‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون نمال عن ‪ :‬فارح مسرحً ‪ ،‬الحداثة فً فكر دمحم أركون ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص @@‪.‬‬
‫‪=:‬‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫اإلنتمائٌة فً دراستهم للتراث (‪ )...‬و هذا ما ٌإدي إلى إهمال جوانب مهمة من التراث‬
‫اإلسالمً ‪ ،‬كالتراث الشفهً الخاص بالشعوب اإلسالمٌة التً ال تملن الكتابة " ‪ ،1‬إذ أهتم‬
‫المستشرلون بالنصوص الكبرى فً الفكر اإلسالمً و أهملوا التراث الشفهً و الشعائر‬
‫الدٌنٌة‪.‬‬

‫فدمحم أركون ٌإكد على نجاحات العمل األنواري ‪ ،‬فمد حرر العمل من هٌمنة الالهوت‬
‫الدوغمائً المدٌم فً حٌن ٌموم بعودة نمدٌة على هذا العمل ذلن ألنه على الرغم من عظمته‬
‫ٌظل محدودا فهو لٌس مطلما كما توهم الخطابات الحداثٌة الغربٌة ‪ ،‬فٌدعونا بذلن أن نمٌز‬
‫بٌن إٌجابٌات األنوار و سلبً‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.811‬‬
‫;=‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ -2‬في مفهوم اإلسالميات التطبيقية ‪:‬‬

‫دمحم أركون وفً إطار بحثه عن بدٌل ٌعمل على تحرير الفكر اإلسالمً و ٌخرجه من‬
‫سٌاج الدوغمائٌة التً أسهمت فً ترسٌخها العمل األرثوذوكسً الذي ٌعتمد على المراءة‬
‫السكونٌة للخطاب الدٌنً و باألخص النص المرآنً و السنة النبوٌة ‪ ،‬وهذا البدٌل ما أسماه‬
‫باإلسالمٌات التطبٌمٌة " كمناهض لإلسالمٌات الكالسٌكٌة باعتبارها خطابا غربٌا حول‬
‫اإلسالم "‪ ،1‬فما الذي نعنٌه باإلسالمٌات التطبٌمٌة ٌتساءل أركون فً مإلفه تارٌخٌة الفكر‬
‫العربً ‪ ،‬و ٌجٌب حول التسمٌة " استوحٌنا هذه التسمٌة مـــن كتـــاب صغٌــر لروجٌه‬
‫باستٌد ‪ :‬األنتروبولوجٌا التطبٌمٌة "‪.2‬‬

‫إن اإلسالميات التطبيقية " كعلم أرادها أركون أن تزاوج بٌن األداة و الغاٌة فهً‬
‫تعطً لألداة العلمٌة و المعرفٌة حمها من الدراسة حتى تصل إلى الهدف المنشود كما تتطور‬
‫و تتغٌر و فك ممتضٌات و معطٌات و خصوصٌات الحالة االجتماعٌة و الثمافٌة لكل بٌئة ‪،‬‬
‫و هو بهذا ٌرفض الدراسة التً تؤتً من خارج البٌئة المراد دراستها ‪ ،‬وهذا التوجه ٌجب‬
‫أن ال ٌفهم فهما عنصرٌا بمدر ما ٌجب أن ٌفهم على أنه نصف العالج ‪ ،‬فتشخٌص الداء ال‬
‫ٌكون إال من أهل االختصاص و الدارٌن بؤحوال المجتمع (‪ )...‬فاإلسالمٌات التطبٌمٌة تعمل‬
‫على فهم الحاضر ‪ ،‬انطاللا من الماضً من خالل العلم "‪ ،3‬فألجل الحاضر و مستجداته‬
‫ٌجب العودة إلى الماضً ‪ ،‬ماضً الشعوب اإلسالمٌة من خالل النصوص سواء أكانت‬
‫تؤسٌسه أو ثوان ‪ ،‬و ذلن لما له عاللة بٌن الفكرٌن ‪ ،‬الفكر اإلسالمً المدٌم و الحدٌث ‪ ،‬إذ لم‬
‫ٌتحرر هذا األخٌر من سلطة النموذج السلفً ‪.‬‬

‫و بهذا المعنى ٌكون المشروع األركوني " لد أصبح ملحا األن نظرا لتدهور التمدٌس‬
‫و شٌوع أشكال مستنفذة من فهمه و ممارسته فً كل أنحاء العالم اإلسالمً ‪ ،‬و للتعالً‬
‫تنزٌهه و سموه ‪ ،‬إال بعد وضع التجربة التٌولوجٌة اإلسالمٌة على محن النمد التارٌخً‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬عبد الغنً بارة ‪ ،‬الهٌرمونٌطٌما و الفلسفة ‪ ،‬نحو مشروع عمل تؤوٌلً ‪ ،‬منشورات االختالف ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ط‪ ،911? ،8‬ص =;<‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬تارٌخٌة الفكر العربً ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص <>‪.9‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬شاشو دمحم ‪ ،‬اإلسالمٌات التطبٌمٌة فً فكر دمحم أركون ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص @=‪ ،‬ص ‪.>8‬‬
‫<=‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الصارم ‪ ،‬عندئذ ٌتبٌن الخٌط األبٌض من الخٌط األسود"‪ ،1‬أي أ‪ ،‬الفكر العربً المعاصر‬
‫ٌرى فً االجتهادات الكالسكٌة لد استنفذت كل األحكام و لد أسدل الستار على النظر فً‬
‫المرآن و السنة ‪ ،‬بحٌث أصبحت لوانٌن ثابتة عمل بها السلف و علٌنا حك العمل بها دون‬
‫منالشة و ذلن للمكانٌة التً و ضعت فٌها فهً ممدسة منزهة عن الخطؤ ‪ ،‬فلذا على‬
‫اإلسالمٌات التطبٌمٌة أن تعمل عملها هنا لنزع هالة التمدٌس و إخضاع كل التراث اإلسالمً‬
‫إلى محن النمد التارٌخً و األنتروبولوجً و اللسانً و حل مناهج العلوم اإلنسانٌة‬
‫المعاصرة ‪.‬‬

‫تختلف اإلسالميات التطبيقية عن اإلسالمٌات الكالسكٌة إذ تهدف هذه األخٌـــــرة إلى‬


‫" تمدٌم مع لومات محددة حول دٌن معٌن (اإلسالم ) إلى جمهور غربً إن اإلسالمٌات‬
‫التطبٌمٌة ‪ ،‬على العكس من ذلن ‪ ،‬ندرس اإلسالم (‪ )...‬كفاعلٌة علمٌة داخلٌة للفكر‬
‫اإلسالمً ‪ ،‬ذلن أنها ترٌد أن نستبدل بالتراث اإلفتخاري و الهجومً الطوٌل الذي مٌز‬
‫مولف اإلسالم من األدٌان األخرى (‪ )...‬و كفاعلٌة متضامنة مع الفكر المعاصر له كله ‪،‬‬
‫إن اإلسالمٌات التطبٌمٌة تدرس اإلسالم ضمن منظور المساهمة العامة إلنجاز‬
‫األنتروبولوجٌا الدٌنٌة "‪ ،2‬فالدراسات اإلستشرالٌة لم تدرس اإلسالم ألجل دراسته علمٌة ‪،‬‬
‫ولكنها انطلمت من منطك المركزٌة الغربٌة إذ هدفها هو الكشف على العمل اإلسالمـــــــــً‬
‫و تشكٌن المسلمٌن فً دٌنهم إضافة إلى التمهٌد االستعماري و هذا ما هدفت إلٌه الدراسات‬
‫األنثروبولوجٌة فً شمال إفرٌمٌا ‪ ،‬فً حٌن أن أركون على العكس من ذلن ٌهدف إلى غاٌة‬
‫أخرى و ٌتطلع إلى مستوى فكري و معٌشً أحسن ‪ ،‬فالرجوع إلى التراث الدٌنً و إعادة‬
‫لراءته لراءة معاصرة أنتروبولوجٌة بغٌة و أمال فً تجاوز مرحلة التخلف و اللحاق‬
‫بالركب الحضاري الغربً و هذا لن ٌتحمك إال باالنكفاء عن تمجٌد التراث و االنهمام‬
‫باالنفتاح على الدراسات اإلنسانٌة و مناهجها المعاصرة ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬هاشم صالح ‪ ،‬أنظر ‪ ،‬علً هامش ‪ ،‬دمحم أركون ‪ ،‬من اإلجتهاد إلى نمد العمل اإلسالمً ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ?‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬تارٌخٌة الفكر العربً اإلسالمً ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص =<‪.‬‬
‫==‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫اإلسالميات التطبيقية هً " ممارسة علمٌة متعددة االختصاصات‪ ،‬وهذا ناتج عن‬
‫اهتمامات المعاصرة (‪ )...‬و المتطلبات الخاصة بموضوع دراستها " ‪ ،1‬فهً من جهة‬
‫تعاصر نجاحات الفكر المعاصرة فً حٌن تنشد إلى والع المجتمعات اإلسالمٌة فهً ال‬
‫تهدف إلى " إرضاء متطلبات الفكر المعاصر فحسب ‪ ،‬إنما هً فً ولت نفسه تجٌب‬
‫بالضبط على الحاجات العلمٌة الراهنة للفكر اإلسالمً "‪ ،2‬هذا األخٌر الذي ٌعانً من‬
‫تدهور ٌمر به هو نفسه بالمٌاس مع فكر سلفه ( العصر الكالسٌكً ) إضافة إلى ذلن‬
‫مدخالت أجنبٌة غربٌة عنه غربته عن زمنكانه‪.‬‬

‫ٌنبغً و المول ألركون " أن ٌستٌمظ المسلمون و أن ٌفتحوا عٌونهم ‪ ،‬أن ٌمرإوا المرآن‬
‫بعٌون جدٌدة أن ٌتموضعوا فً عصره و بٌئته لكً ٌفهموه على حمٌمته ‪ ،‬وعندئذ ال ٌعودون‬
‫ٌسمطون علٌه أفكار عصرهم وهمومه أو نظرٌاته و إٌدٌولوجٌاته (‪ )...‬المرآن ‪ ،‬أوال و لبل‬
‫كل شًء خطاب دٌنً ٌتحدث ببالغة عالٌة عن موضوعات أساسٌة تخص البشر أٌنــما‬
‫كانوا ‪ ،‬كالحٌاة و الموت ‪ ،‬واآلخرة و العمل الصالح ‪ ،‬و العدل و حب الجار ‪....‬وفٌه مبادئ‬
‫أخاللٌة ذات طابع كونً "‪ ،3‬و من خالل لراءة جدٌدة منفتحة على أفاق العصر تفشً ما‬
‫أُضمر عبر التارٌخ نحًٌ الدٌن ذلن أن " الدٌن الذي بٌن أٌدٌنا لٌس منزها عن العٌب ‪ ،‬فهو‬
‫اآلخر احتمل فً مسار الزمن الكثٌر من سمات التخلف التً طبعت حٌاة حاملٌه ‪ ،‬وال بد‬
‫إذن من النظر النمدي فً هذه النسخة من الدٌن الستبعاد كل ما ٌمٌت الهمم ‪ ،‬وما ٌتعارض‬
‫و ضرورات النهوض ‪ ،‬وهذا ال ٌنتمص من شؤن الدٌن الحنٌف ‪ ،‬بل أراه جوهر فكرة‬
‫التجدٌد فً الدٌن التً تروى عند سٌد المرسلٌن ‪ ،‬فمعنى التجدٌد فٌما أظن هو استفادة من‬
‫لٌود االرتهان إلى الوالع الخاص بحاملٌه "‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ><‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ?<‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬لضاٌا فً نمد العمل الدٌنً ‪ ،‬كٌف نفهم اإلسالم الٌوم ؟ ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ‪ ،‬ص <?‪. 9?= ، 9‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬توفٌك السٌف ‪ ،‬الحداثة كحاجة دٌنٌة ‪ ،‬الدار العربٌة للعلوم ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط‪ ،911= ، 8‬ص ‪.=1‬‬
‫>=‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ -2‬مهام اإلسالميات التطبيقية ‪:‬‬

‫ٌحدد أركون مهاما لمشروع " اإلسالمٌات التطبٌمٌة " و ٌتجلى فً الهدف الذي ٌسعى‬
‫إلٌه من خالل نمده للعمل اإلسالمً و هذا ما نستشفه فً جل مإلفاته ‪ ،‬فهً لبل كل شًء‬
‫إستراتجٌة مناهضة للفكر االستشرالً أو ما ٌسمٌه " باإلسالمٌات الكالسٌكٌة التً كانت لد‬
‫ولدت فً المرن التاسع عشر فً فرنسا على وجه الخصوص (‪ )...‬كلنا ٌعلم أن كتابات‬
‫غزٌرة لد تركزت فً ذلن الولت حول اإلسالم و المجتمعات اإلسالمٌة ‪ ،‬لام بهذه الكتابات‬
‫أو الدراسات عسكرٌون و إدارٌون كولونٌالٌون و مبشرون و أساتذة جامعٌون ‪ ،‬مهما تكن‬
‫المٌمة التثمٌفٌة لهذه الكتابات فإنها تبمى مع ذلن تعكس جهد نظرة خارجٌة ورإٌتها إنها فوق‬
‫ذلن متؤثر بنزعة عرلٌة مركزٌة مإكدة (‪)...‬وهذه الدراسات الجامعة تسبح فً المحٌط العام‬
‫لهذه العرلٌة المركزٌة ‪،‬ذلن أن تفسٌراتها و تحلٌالتها تعكس فً الغالب رإٌة سلبٌــة‬
‫لإلسالم "‪ ،1‬ونظرا لما تعانٌه المجتمعات اإلسالمٌة من تخلف ممابل التمدم فً العالم الغربً‬
‫وٌنتج بالضرورة هٌمنة األلوى على الضعٌف‪ ،‬إن اإلسالمٌات التطبٌمٌة والمول الموثمة‬
‫ألركون "ترٌد أن تنمص هذه الهٌمنة ذلن أن مهمتها ال تتخلص فمط فً إنتاج الدراسات‬
‫الموثمة والمحممة كما كان االستشراف لد فعل سابما و إنما ترٌد هً أٌضا أن تؤخذ على‬
‫عاتمها مهمة طرح المشاكل الفعلٌة التً تعانً منها المجتمعات اإلسالمٌة ثم محاولة حلها‬
‫والسٌطر ة علٌها من لبل المسار العلمً والمنهجٌة العلمٌة "‪.2‬‬

‫هذا من جهة ومن جهة أخرى "ترٌد التموضع داخل هذه المجتمعات اإلسالمٌة لكً‬
‫تتعرف علً مشاكلها المدٌمة والحدٌثة (‪ )...‬وتساهم فً اغناء البحث العلمً كما هو‬
‫ممارس الٌوم فً شتى البٌئات الثمافٌة مع تحمٌمهـــا لكل شروطه ومتطلباتــــه النظرٌــــــــة‬
‫‪ ،‬إن الباحث المتخصص فً مجال اإلسالمٌات التطبٌمٌة ٌنبغً علٌه أن ٌبمى مشدود إلى‬
‫ومنخرطا تماما فً الحمٌمة الوالعٌة المعاشة للمجتمعات اإلسالمٌة لكً ٌستطٌع أن ٌتحدث‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬تارٌخٌة الفكر العربً اإلسالمً ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص =>‪.9‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص =>‪.9‬‬
‫?=‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ٌتكلف به المشرق الذي عمد المراءة الفٌلولوجٌة‬ ‫وٌدعً المسإولٌة " ‪1‬وهذا ما لم‬
‫للنصوص الدٌنٌة وذلن من نظرة مسبمة مرجعٌتها األنا المتفوق واألخر الدونً‪.‬‬

‫إن 'أركون ' فً نمد للخطاب االستشرالً الذي شكل مجال معرفً متمحور حول‬
‫النصوص الدٌنٌة والذي امتنع فً الحمٌمة عن الوالع وغض النظر عنا المشاكل المعاشة ال‬
‫ٌنفً تواطإ الخطابات اإلسالمٌة حتى تكدٌس طبمات النسٌان علً الالمفكر فٌه وهذا ال‬
‫ٌعنً بؤن الخطابات اإلسالمٌة تنجح أكثر من االستشراف فً تحلٌل الوالع وتفسٌره كذلن‬
‫هً تكدس التشكالت والمعارف اإلٌدٌولوجٌة التً لم تحظ حتى اآلن بؤٌة دراسة علمٌة‬
‫مطابمة و دلٌمة ‪ ،‬فاالستشراق تماما الخطابات اإلسالمٌة استشفى نصوص و همشها فً‬
‫حٌن أعطى األولوٌة للنصوص الكبرى التً تعمدت العمل اإلسالمً إبرازها خالل تارٌخٌة‬
‫و ذلن من خالل تغٌبه لحركات و نصوص كادت أن تغٌر منحى الفكر اإلسالمً العربً‪.‬‬

‫نجد أن الدراسة األركونية التطبيقية " تحررنا من التصورات الضٌمة الموروثة‬


‫بصفتها حمائك ال تمبل النماش و تفتح المجال لتصور جدٌد عن اإلسالم و التراث "‪ ،2‬إنها‬
‫بهذا المعنى " تجدٌد الفكر العربً اإلسالمً لكً ٌصبح أكثر لدرة على مواجهة مشاكل‬
‫مجتمعاتنا الحالٌة و ما أكثرها "‪ ،3‬و ألجل العبور إلى إسالم تطبٌمً ٌمول أركون " المرآن‬
‫لمحن النمد التارٌخً الممارن و للتحلٌل األلسنً التفكٌكً و للتؤمل الفلسفً المتعلك بإنتاج‬
‫المعنى و توسعاته و تحوالته و انهدامه ‪ ،‬و إن شغل موضوعا مركزٌا لهذا خاصا بالفكر‬
‫اإلسالمً ‪ ،‬فإننا نسهم فً الولت نفسه بتجدٌد الفكر اإلسالمً "‪ ، 4‬فالشرط الذي ٌحدده‬
‫أركون لتحدٌث الفكر اإلسالمً و هو مخاطرة تعرٌض النص األصل و هو المرآن الكرٌم‬
‫للمراءة النمدٌة و العلمٌة و فك خبرات معاصرة بتعرٌض الٌمٌن للمساءلة و الشن و التفكٌن‬
‫و من ثم العبور نحو التؤسٌس ‪ ،‬فال بد من اجتهاد بؤخذ بالنص التؤسٌسً األول لٌتخطى كل‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.9>9‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬هاشم صالح ‪ ،‬أنظر على‪ :‬هامش ‪ ،‬دمحم أركون ‪،‬من االجتهاد إلى نمد العمل اإلسالمً ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ?‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ?‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬تارٌخٌة الفكر اإلسالمً ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص =<‪.‬‬
‫@=‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪1‬‬
‫‪ ،‬التً لدست حتى الفترة المعاصرة و التً كانت مسمط رأس‬ ‫التفسٌرات و المراءات‬
‫العمل األرثوذكسً المشكل للتخلف المتؤزم للفكر اإلسالمً المعاصر و للمجتمعات العربٌة‬
‫و اإلسالمٌة و هذا لن ٌتم إال بالمساءلة و التمحٌص و الخضوع لمختلف المناهج المعاصرة‬
‫و التً ٌراها أركون السبب الكامن وراء التطور الغربً ‪.‬‬

‫إذن ٌسعى أركون من خالل إسالم تطبٌمً " إلى إرساء دعائم العمل النمدي فً لراءة‬
‫التراث األصولً و التفسٌري فً الثمافة العربٌة ‪ ،‬حٌث ٌرى بؤن علماء التفسٌر عملوا على‬
‫استعمال المرآن الكرٌم لتحمٌك دعاواهم ‪ ،‬ولٌس بمصد استكناه مكنونه ‪ ،‬فهم بصنٌعهم هذا‬
‫ٌكونوا لد أغلموا باب االجتهاد لمن ٌؤتً بعدهم ‪ ،‬و اعتبروا نصوصهم هً الواسطة بٌن‬
‫الباحثٌن و المرآن الكرٌم الذي ٌتجاوز صفة الثبات"‪ ،2‬فهو فً لول أركون " و فً اللحظة‬
‫األولٌة التً ظهر فٌها نجد أن كل شًء فٌه متحرن و متموج و مفتـــوح و ملًء‬
‫باإلحتماالت ‪ ،‬نجد أن اللغة و الفكر آنذان (‪ )...‬مرتبطان بشكل مباشر بالوالع المعــــاش ‪،‬‬
‫و أما عندما ننتمل إلــى التفاسٌر التً أنتجت فً الفتـــرة الكالسٌكٌــــة أو السكوالستٌكٌـــة‬
‫أو الراهنة فإننا نجد المفسرٌن ٌعالجون مموالت و مبادئ و تشكٌالت و تصورات ذات‬
‫أصول متنوعة و مختلفة ‪ ،‬وهم ٌربطون هذه المموالت و التصورات التً تنتمً إلى أزمان‬
‫أخرى باآلٌات المرآنٌة التً تصبح عندئذ حجة و ذرٌعة ٌمـــــول المفسرون من خاللهــــــا‬
‫ما ٌرٌدون لوله ال ما ترٌد هً أن تموله ‪ ،‬وٌحملونها ما ال تحتمل "‪ ، 3‬وبهذا ٌرى أركون‬
‫أن تحرٌر الفكر من لٌود التفاسٌر الكالسٌكٌة لن ٌتم إال بتعرضه للمناهج العلوم اإلنسانٌة‬
‫بالكشف عن تارٌخٌتها وعن المغٌب و الالمفكر فٌه و ما أودع للهامش و ذلن بإرادة مرٌــد‬
‫و لدرة لادر ‪.‬‬

‫من خالل هذا ٌمكننا المول بؤن المهمـــة النهائٌة هو خلك ظروف مالئمة لممارســـــة‬
‫فكـــر إسالمً معاصر متحرر من كل التابـوهات و المحرمات و الممدســـات ومن‬
‫المٌثولوجٌات و متحررا من اإلٌدٌولوجٌات و األفكار األصولٌة الدغمائٌة فهً تنطلك من‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬نورة بوحناش ‪ ،‬االجتهاد و جدل الحداثة ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص =?‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬عبد الغنً بارة ‪ ،‬الهرمٌنوطٌما و الفلسفة ‪ ،‬نحو مشروع عمل تؤوٌلً ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.<;9‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬تارٌخٌة الفكر العربً اإلسالمً ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ص =‪.8>-8‬‬
‫‪>1‬‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المشاكل الحاضرة و المعاشة من طرف المجتمعات اإلسالمٌة و تعود إلى األصل للكشف‬
‫عن الالمفكر فٌه و المستحٌل التفكٌر فٌه خالل مراحل تشكل العمل اإلسالمً إبتداءا من‬
‫النصوص األولى " المرآن و السنة "‪.‬‬

‫‪ -2‬مناهج قراءة النص الديني ‪:‬‬

‫وفً لراءته للنص الدٌنً ٌستخدم دمحم أركون مجموعة من مناهج العلوم اإلنسانٌة الغربٌة‬
‫منها نذكر ‪:‬‬

‫‪ -1‬المنهج اللساني ‪:‬‬

‫باعتبار أن النظرة الحداثٌة تعتبر النص المرآنً نص لغوي كغٌره من النصوص‬


‫الوضعٌة " إنه نص لغوي شؤن غٌره من النصوص اللغوٌة ال ٌمكن فهمه أو تحلٌله ‪ ،‬كما ال‬
‫ٌمكن اكتشاف لوانٌنه الذاتٌة إال من خالل تلن الموانٌن العامة ‪ ،‬لوانٌن إنتاج النصوص فً‬
‫لغة محددة و فً إطار ثمافة بعٌنها "‪ ،1‬فهو بلغة عربٌة و فً بٌئة عربٌة " تشبه جزٌرة‬
‫عربٌة " فلغته محكومة ببٌئة و خاضعة لمواعدها اللغوٌة و البالغٌة و الصرفٌة و خاضع‬
‫للظروف السٌاسٌة و السوسولوجٌة و الثمافٌة و كذا االلتصادٌة ‪ " ،‬فالتحلٌل اإللسنً (‪)...‬‬
‫ٌساعدنا على إلامة مسافة بٌننا وبٌن العمائد اإلٌمانٌة الموروثة منذ نعومة أظافرنا (‪ٌ )...‬موم‬
‫بعملٌة تحٌٌد أولى لكل األحكام التٌولوجٌة المسبمة الموروثة عن العصور الوسطى ‪ ،‬هذه‬
‫األحكام المسبمة التً تحول بٌننا وبٌن رإٌة كما هو "‪ ،2‬فألجل إعادة لراءة النص العتماد‬
‫على اللسانً تبعدنا عن التفسٌرات الكالسكٌة األرثوذكسٌة التً كدست طبمات الغبار على‬
‫معنى النص المرآنً و حتى السنة النبوٌة ‪ ،‬فال رٌب أن التفسٌر الكالسٌكً ٌجهل ألسنة‬
‫النص الحدٌث "‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬نصر حامد أبو زٌد ‪ ،‬النص و السلطة و الحمٌمة ‪ ،‬المركز الثمافً العربً ‪ ،‬المغرب ‪ ،‬ط ; ‪.9111 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬أٌن هو الفكر اإلسالمً المعاصر ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ‪.:‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬نافذة على اإلسالم ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ‪.>1‬‬
‫‪>8‬‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫التحلٌل األلسنً للمرآن عند دمحم أركون ٌموم على عدة مستوٌات " المستوى األول هو‬
‫التحلٌل النحوي أو المواعدي حٌث ٌهتم بدراسة صائغات الخطاب و مشكالته ‪ ،‬كشبكة‬
‫الضمائر و العاللات فٌما بٌنهما ‪ ،‬و األسماء و األفعال و النظم و اإلٌماع ‪ ،‬وهً ضرورٌة‬
‫فً لراءة النص المرآنً ألنها هً التً تفسر آلٌات االشتغال النحوٌة ‪ ،‬ثالثة جوانب كبرى‬
‫فً الخطاب المرآنً وهً تركٌبٌته المجازٌة ‪ ،‬وبنٌته السٌمٌائٌة أو الداللٌة " ‪ ،1‬أما المستوى‬
‫‪2‬‬
‫الثانً فهو استكشاف البنٌة الداللٌة النموذجٌة المحددة للمعنى الشمولً للخطاب المرآنً "‬
‫إذ ٌسعى التحلٌل السٌمٌائً إلى الكشف عن الزٌف و التالعب الذي طرأ على النص بعٌنه‬
‫توجٌهه لمصلحة معٌنة و سلطة أرادت لهذا المعنى التثبٌت و التمدٌس حفاظا على أوضــاع‬
‫و مصالح ‪.‬‬

‫فحسب دمحم أركون و غٌره ممن أرادوا دراسة المرآن دراسة لسانٌة تزامنٌة ‪ ،‬أرادوا‬
‫بعث الحٌاة فً النص المرآنً لتحمٌك معاصرة اإلسالم لنا كدٌن منفتح إلصالح حال األمم‬
‫العربٌة و اإلسالمٌة ‪.‬‬

‫ولكن هل ٌعنً أن المنهج اللسانً غربً عن العرب والمسلمٌن ‪،‬فهل العلماء المسلمٌن‬
‫أهملوا التحلٌل االلسنً فً تفاسٌر هم للنص الدٌنً ؟ ‪.‬‬

‫طبعا البد من إشارة والتؤكٌد على أن علماء العربٌة وعلماء اإلسالم إن لم ٌستخدموا‬
‫مصطلح "اللسانٌات " فمد كانت لدٌهم بحوث لغوٌة ودرسوا المرآن والسنة النبوٌة فً ضوء‬
‫البحث اللسانً ‪.3‬‬

‫‪ -2‬المنهج التاريخي ‪:‬‬

‫ٌتعلك األمر هنا بربط النص الدٌنً ‪ -‬المرآن و السنة – بمجاله التارٌخً و إلى‬
‫الظروف السٌاسٌة و االلتصادٌة و الثمافٌة و كذا االجتماعٌة ‪ ،‬إذ ٌإكد 'دمحم أركون' فً جل‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬عبد المجٌد خلٌمً و آخرون ‪ ،‬لراءات فً مشروع دمحم أركون ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص <‪.88‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص ?‪.88‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬أنظر مرزوق العمري ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ><;‪.‬‬
‫‪>9‬‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫مإلفاته على ضرورة العودة إلً التراث ولراءته عبر مناهج العلوم الحدٌثة إلعادة بعث‬
‫الحٌاة فٌه ‪،‬فٌلح على اآللٌة التارٌخٌة أو المنهج التارٌخً كؤداة لسٌر أغوار الماضً‬
‫اإلسالمً منذ اللحظة المرآنٌة ‪ ،‬و هذا ما أكد علٌه المفكر المغربً دمحم عابــد الجابري من‬
‫خالل محاولته لمراءة التراث لراءة إبستمولوجٌة بحٌث " ٌذهــب أن التحلٌل التارٌخً هو‬
‫مخبرنا الذي نمٌس به النتائج (‪ )...‬فنرجع إلى التارٌخ فً كلٌته السابك و الالحك ‪ ،‬و ٌهمنا‬
‫أن نجد فً تسٌره العام الشواهد التً تكشف عن هذه الموانٌن و األطروحة التــــً‬
‫نستخلصها "‪ ،1‬فبالعودة إلى التراث و الكشـــــف عن حٌثٌاته الحمٌمٌـــة ٌتٌح لنـــا الكشف‬
‫عن ما لم ٌفكر فٌه و عن مكنون الثراث الذي توارت علٌه األزمان و حجب تحت ظالم‬
‫سلطة ما ‪ ،‬و النمد و التحلٌل هنا لٌس معناه التسفٌه بل " إننا نخضع المرآن لمحن النمد‬
‫التارٌخً (‪ )...‬فإننا نؤمل أن نسهم فً الولت نفسه بتجدٌد الفكر اإلسالمً " ‪. 2‬‬

‫التجدٌد هو الغاٌة الموجودة من العودة بالنصوص إلى تارٌخها و ذلن بعد الكشف عن‬
‫الروابط التً تربط النص بالمصلحة اإلٌدٌولوجٌة الفردٌة أو الجماعٌة و البحث عن دور‬
‫السلطة السٌاسٌة فً التحوٌل لهذه المصالح نحو وجهة ممصودة ‪ ،‬أي أنها تكشف عن جدلٌة‬
‫‪3‬‬
‫عبـــر التارٌخ اإلسالمً فهً بذلن تختلف عن عملٌــــة التؤرٌـــخ ألن‬ ‫السلطة و المعرفة‬
‫" المماربة التارٌخٌة مماربة عصرٌة بالتمنٌات و االهتمامات و األسئلة العصرٌة التً نلمٌها‬
‫على أنفسنا ‪ ،‬أي لٌس التارٌخ سرد حوادث أو نسخ ما روي و ما لٌل ‪ ،‬وإنما هو نمد للتراث‬
‫و للمعطٌات التارٌخٌة و للمادة التارٌخٌة "‪.4‬‬

‫تسمح لنا باإلحاطة بمالب سات الفكر اإلسالمً و هذا ما سماه " دمحم الطالبً بالمراءة‬
‫المماصدٌة و هً المراءة التً تحاول فهم النص و تمثله فً ظروف نزوله أوال ثم لراءته‬
‫لراءة تارٌخٌة إنسانٌة ثانٌا "‪ ،5‬أي أنسنة الخطاب المرآنً و النبوي و رفع التمدٌس حتى‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬علً رحومة ‪ ،‬سحبون ‪ ،‬إشكالٌة التراث و الحداثة فً الفكر العربً المعاصر ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص >=‪.8‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬تارٌخٌة الفكر اإلسالمً ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص =<‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬أنظر ‪ ،‬علً هامش ‪ ،‬نورة بوخناش ‪،‬اإلجتهاد و جدل الحداثة ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ??‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬دمحم الطالبً ‪ ،‬نمال عن ‪ :‬فارح مسرحً ‪ ،‬الحداثة فً فكر دمحم أركون ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ;‪.88‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬عبد المجٌد خلٌمً و آخرون ‪ ،‬لراءات فً مشروع أركون الفكري ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.9:‬‬
‫‪>:‬‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫عن الفكر اإلسالمً من مذاهب و تفسٌرات التً تسمح لنا بالكشف الالمفكر فٌه و عن الفئة‬
‫التً همشت بفعل فاعل ‪.‬‬

‫‪ -3‬المنهج األنثربولوجي ‪:‬‬

‫ٌتسلح دمحم أركون بمنهج آخر ال ٌمل أهمٌة عن بالً مناهج العلوم اإلنسانٌة و هو‬
‫المنهج األنتروبولوجً " الذي ٌرمً إلى نزع هالة التمدٌس على النص الدٌنً ‪،‬و الكشف‬
‫عن النصوص التً صفّت على الهامش ‪ ،‬و دراسة كل ما أنتجه اإلنسان المسلم ‪ ،‬وبذلن‬
‫ٌتجاوز المفكر فٌه إلى الالمفكر فٌه و المستحٌل التفكٌر ‪ ،‬فتنكشف مبطنات الفكر اإلسالمً‬
‫و التً و ضعت على هامش التفكٌر " فالنمد بالمعنى اإلنتروبولوجً كما ٌمارسه أركون فً‬
‫دراسة المجتمعات اإلسالمٌة ٌنطلك من البحث فً نمط العاللة الكامنة بٌن الموى المركزٌة‬
‫من جهة ‪ ،‬ولوى الهوامش أو األطراف من جهة ثانٌة ‪ ،‬فٌجد أنها عاللة ذات طابع جدلً ‪،‬‬
‫إنه ٌلفت االنتباه إلى التضاد بٌن تشكٌلة الدولة و الكتابات الممدسة ‪ ،‬و النخب المتعلمة ‪ ،‬و‬
‫الثمافٌة المتمثلة باألرثوذكسٌة الدٌنٌة ‪ ،‬من جهة و بٌن المجتمعات المبلٌة المجزأة التً‬
‫اعتمدت على التراث الشفهً و التً أنتجت ثمافة شعبٌة "‪.1‬‬

‫فاألنثروبولوجٌا هنا تهتم بالجانب الشفهً من التراث إضافة إلى الرموز الدٌنٌـــــــــة‬
‫و ال طموس و الشعائر و كذلن بالجانب المخٌالً و ٌضاف إلٌها " عدم اختصار المجتمعات‬
‫اإلسالمٌة بكلمة إسالم أو الشرق اإلسالمً ‪ ،‬كما ٌفعل المستشرق التملٌدي ‪ ،‬ألن هنان فئات‬
‫عرلٌة – ثمافٌة متنوعة و مختلفة إلى حد ٌعٌد كالعرب مثال و البربر و األكراد و اإلٌرانٌٌن‬
‫و غٌرهم "‪ ،2‬فالتحلٌل األنثروبولوجً " ٌخلع نوعا من العملنة على رإٌا شعبوٌة أسطورٌة‬
‫تشٌعها فً أوساط الجماهٌر و توهمها األدبٌات اآلخروٌة" ‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ناٌلة أبً نادر ‪ ،‬التراث و المنهج ‪ ،‬بٌن أركون و الجابري ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص @;‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص @;‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬اإلسالم و األخالق ‪ ،‬و السٌاسة ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص @‪.89‬‬
‫;>‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ٌمر أن " الطرٌك صعب لتؤسٌس‬


‫رغم ثمة دمحم أركون فً مشروعه التحدٌثً إال أنه ّ‬
‫تارٌخ منفتح و تطبٌمً للفكر اإلسالمً (‪ )...‬منفتح على كل تجلٌات هذا الفكر و على كل‬
‫منتجاته التً تتجاوز الحدود و الحوافز التً فرضتها األدبٌات الهرطمٌة و التٌولوجٌة " ‪.1‬‬

‫وذلن حسبه أن " المشروع شدٌد الجدة وشدٌد التعمٌد إلى حد أنه ٌتعذر انجازه تماما‬
‫‪2‬‬
‫وهذا ما ٌعنى أن دمحم أركون ٌزعم أنه السباق إلى هذا المشروع‪،‬‬ ‫منذ المحاوالت األول "‬
‫فهذا األخٌر ٌنفرد باستخدامه لمناهج علوم اإلنسان المختلفة ورغم ذلن " ال ٌزال طوباوٌا‬
‫حتى اآلن‪ ،‬أي أنه بدون لاعدة سوسٌولوجٌة عرٌضة وبدون جماهٌر " ‪ ،3‬وذلن لنفور‬
‫الجمهور اإلسالمً من كل محاولة إلعادة لراءة المرآن أو حتى النصوص التراثٌة‬
‫التفسٌرٌة ‪ ،‬و ذلن بسبب هٌمنتة الخطاب األصولً المعتمد على " سٌاسة التترٌث " ‪.4‬‬

‫رغم إسهاب التنظٌر األركوني حول نمد العمل اإلسالمً واإلسالمٌات التطبٌمٌة إال أنه‬
‫محدود " بموة الرلابة والضبط اإلٌدٌولوجً الذي تمارسه األنظمة السٌاسٌة الحالٌة على كل‬
‫بحث علمً ٌخص اإلسالم و مشاكله هً اآلن أشد و ألسى مما كانت علٌه فً أي ولت‬
‫مضى ‪ ،‬وذلن ألن األنظمة السٌاسٌة الراهنة تمتلن وسائل فً الضبط والمســــر تفــــوق‬
‫ما شهدناه فً زمن السلطات أو زمن اإلمارات‪ ،‬ولم ٌعد أحد ٌستطٌع النجاة من عمابــــــها‬
‫أو تهدٌدها حتى ولو لضً عمره بعٌدا فً الخارج "‪5‬وهنا أركون ٌحكً عن معاناته مع‬
‫الحركات األصولٌة وعن مصٌر كل من حاول المساس بمدسٌة النص الدٌنً (مثال ما حدث‬
‫مع نصر حامد أبو زٌد) ‪.‬‬

‫ٌدرن دمحم أركون جٌدا مدى خطورة كتاباته حول تؤسٌس لعلم تطبٌمً لإلسالم و هذا‬
‫ما نستشفه من لوله " على الرغم من كل تحذٌراتً و تنبٌهاتً و كتاباتً التطبٌمٌة المتراكمة‬
‫منذ زمن طوٌل لتجسٌد المشروع عملٌا ( اإلسالمٌات التطبٌمٌة ) إال أن المسلمون ٌظلون‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬تارٌخٌٌة الفكر اإلسالمً ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬الفكر األصولً و استحالة التؤصٌل ‪ :‬نحو تارٌخ آخر للفكر اإلسالمً ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ‪.99:‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ;‪.99‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬اإلسالم و األخالق و السٌاسة ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ‪.8<9‬‬
‫<>‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫مترددٌن و معارضٌن للفكرة من أساسها ‪ ،‬ألصد ‪ :‬إنهم ال ٌزالون ٌرفضون أن تسلط‬


‫أضواء النمد التارٌخً على العمل اإلسالمً ذاته ‪ ،‬وفً الولت نفسه نالحظ المثمفٌــن‬
‫الغربٌٌن ‪ ،‬أو لسمــــا كبٌرا منهم ‪ٌ ،‬ــحاولون جاهدٌن التملٌل من أهمٌــــة مشروعــــــــً ‪،‬‬
‫بل و اعتباره تحصٌل حاصل إنهم ال ٌدركون مدى صعوبة هذا المشروع ‪ ،‬كم ٌكلفنً من‬
‫تعب و عناء ‪ ،‬فؤنا أرٌد تموٌة الوظٌفة النمدٌة للعلوم االجتماعٌة و إعطائها مصدالٌة أكبر‬
‫من خالل تطبٌمها على مثال آخر غٌر المثال المسٌحً األوروبً " ‪ ،1‬وهذا ٌعنً أن أركون‬
‫بٌن سندان الفكر اإلسالمً المعاصر و تعصبه تجاه أي لراءة تمس المرآن الكرٌم و مطرلة‬
‫المفكرٌن الغربٌٌن الذٌن ٌستهٌنون بمشروعه و ٌصغونه فً خانة المسلمٌن رغم الزمالة‬
‫التً بٌنهم و ٌنعتوه " بالمسلم " و " لهذا السبب وضع أركون دراسة بعنوان " التواصل‬
‫المستحٌل " ‪.2‬‬

‫‪ -3‬متطلبات المجتمع الحديث ‪:‬‬

‫ٌتبنى أركون ممومات الحداثة الدٌنٌة و االجتماعٌة و السٌاسٌة و ٌحاولها تجسٌدها فً‬
‫المجتمع العربً اإلسالمً بغٌة تحدٌثه ‪.‬‬

‫‪ -1‬فتح باب االجتهاد ‪:‬‬


‫إن الجدوى المصوى من إعادة لراءة النص الدٌنً و نمد التراث اإلسالمـــً لــــــدى‬
‫" دمحم أركون " هً فتح باب االجتهاد من جدٌد الذي كان لد أغلك منذ العصر التدشٌنً إلى‬
‫الٌوم و االجتهاد هو " بمثابة النظام المعرفً الذي ٌموم بمهمة ربط الدٌــن بالدنٌــــــــا و‬
‫الشرٌعة بالحٌاة ‪ ،‬و الفمه بالوالع و لد تبلور هذا النظام المعرفً فً حمل هو من أبرز‬
‫ثمرات العمل اإلسالمً الخالص فً عــصور إبـداعه و تــمدمه و هو حمل أصول الفمه " ‪.3‬‬
‫إذن مفهوم االجتهاد هو أحد مفاهٌم المنظومة اإلسالمٌة و الذي تنفرد به حضارتنا‬
‫اإلسال مٌة ‪ ،‬فمد نشؤ و تطور فً إطارها الزمانً و التارٌخً ‪ ،‬وترن تؤثٌرا مهما فً ثمافتنا‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬لضاٌا فً نمد العمل الدٌنً ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ‪.:8‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.:8‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬زكً مٌالد ‪ ،‬اإلسالم و الحداثة ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.898‬‬
‫=>‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ ،‬إذ هنان من ٌمارب هذا المفهوم بمفهوم الحداثة فهاهو حسن حنفً ٌعتبر االجتهاد ممابل‬
‫الحداثة ‪ ،‬و ذلن فً لوله " اإلسالم عن طرٌك االجتهاد هو أكبر دٌن حداثً ألنه ٌعطً‬
‫الفرع شرعٌة األصل ‪ ،‬وٌعترف بالزمان و المكان و التطور ‪ ،‬و إن إجماع كل عصر غٌر‬
‫ملزم للعصر المادم ‪ ،‬لدٌنا االجتهاد و هو اللفظ الذي أفضله "‪. 1‬‬
‫" دمحم أركـون " و من خالل مشروعه نمد العمل اإلسالمــــــــً ٌعرف االجتهاد على‬
‫أنه " فعل من أفعال الفكر النظري الموجه نحو المعرفة من أجل تبرٌر األحكام الشرعٌة ‪،‬‬
‫وهو بهذا المعنى ٌشكل ممارسة مشتركة لدى كل المإمنٌن الذٌن ٌمفون وجها لوجه أمام‬
‫الكتاب الموحى "‪ ، 2‬لذا ٌجب علٌنا تجاوز االجتهاد السابك و االنتمال من المفهوم‬
‫الكالسٌكً له و " النمد للعمل اإلسالمً ٌعتبر امتدادا لالجتهاد السابك كما تجلى لدى كبار‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬‬ ‫ممثلٌه فمطٌعة معه فً ذات الولت "‬
‫ٌرى " أركون " ضرورة فتح مسؤلة االجتهاد و التً ال تزال " معتبرة داخل تراث‬
‫الفكر اإلسالمً بصفتها امتٌاز ٌحتكره الفمهاء "‪ ، 4‬و ٌمصد بذلن األئمة المجتهدٌن‬
‫المإسسٌن للمذاهب الكبرى – الالهوتٌة و المانونٌة كما سبك و أن تطرلنا إلى رأٌه حول‬
‫رسالة االمام الشافعً بوصفها اللحظة التؤسٌسٌة للعمل األرثوذكسً اإلسالمً ‪.‬‬

‫ٌشٌر أركون فً هذا الصدد إلى محاولة فتح باب االجتهاد التً لال بها المشروع‬
‫النهضوي العربً و ذلن لمحاولة " مواجهة تحدٌات الحداثة العملٌة و الثمافٌة و المادٌة‬
‫المفروضـة من لبل الغـرب مـنذ المرن التــاسع عشر ‪ ،‬فإن العلمــاء الذٌــن كانـوا‬
‫إصالحٌٌن (‪ )...‬فمد حـــاولوا و ال ٌزالون ٌحاولون إعــادة فتح باب االجتهـــــــــــــــاد " ‪.5‬‬

‫ولكن ما حال دون ذلن هو " االنخراط فً الحركات السٌاسٌة النضالٌة بشكــل‬
‫‪6‬‬
‫‪ ،‬و ذلن ألن تــلن الفترة تــمٌزت بالحركات المـــماومة لالحتالل‬ ‫مبــاشر و مكشوف "‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬نمال عن ‪ :‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.889‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬من االجتهاد إلى نمد العمل اإلسالمً ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ‪.898‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص < ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫>>‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الغربً و ٌستشهد أركون هنا بمحــاولة " دمحم عبده " فً إعادة فتح بــاب االجتهــــــــاد و‬
‫التــً هً " عبـــارة عن منهجٌة ذرائعٌــة منفتحة على دمج و تمثــل المفاهـٌـم و األفكار و‬
‫الممارسات المعتبرة بمثابة البدع ضمن إطار التراث اإلسالمً السكوالستٌكً "‪.1‬‬

‫ٌدعو دمحم أركون إلى تجاوز ما ٌسمٌه المفهوم التملٌدي لالجتهاد و تجاوز الممارسة‬
‫العملٌة المحدودة و المرتبطة به ‪ ،‬و ذلن عن طرٌك النمد الذي ٌمنح مختلف و أنجع المناهج‬
‫العلمٌة الحدٌثة ذلن فً رأٌه " ألنه لم ٌعد ممكنا للفكر اإلسالمً أن ٌنغلك على نفســـــــــه‬
‫و ٌنغلك داخل إطار العمل األصولً و اإلطاللً " ‪ ،2‬وهو بهذا ٌــــــــــــرٌد االبتعـــــــــــاد‬
‫عن التصورات الضٌمة الموروثة و التً تمدم نفسها على أنها حمائك مطلمة و التً ساهم‬
‫التعلٌم الدٌنً فً ترسٌخها ‪.‬‬

‫‪ - 2‬العلمانية ‪laicité :‬‬

‫عرف الفكر األوربً العلمانٌة بما هً الفصل بٌن الدٌن و الدولة ‪ ،‬إذا كانت هً‬
‫المفصل األول نحو حداثته ‪ ،‬فهل هً شرط حداثتنا ؟ المشروع النهضوي العربً كما‬
‫أشرنا فً الفصل األول تبنى فكرة العلمانٌة و استهوته ‪ ،‬أما مع المفكرٌن الحداثٌٌن‬
‫المعاصرٌن فكذلن طرح إشكالٌة العلمنة ‪ ،‬فنجد دمحم عابد الجابري ٌنمم علٌها فً لولـــــه "‬
‫إنه ما من شعار من شعارات الفكر العربً الحدٌث كان و ال ٌزال – مدعاة للبس و سوء‬
‫التفاهم كشعار العلمانٌة "‪ ، 3‬أما دمحم أركون الذي ٌصف نفسه بؤنه علمانً ‪ ،‬فهً بالنسبة‬
‫لــه " شًء آخر أكبــر بكثٌر من التمسٌــم المانــــونً للكفاءات بٌــن الذرى المتــعددة فً‬
‫المجتمع ‪ ،‬إنها أوال و لبل كل شًء مسؤلة تخص المعرفة و مسإولٌة الروح ( أي الروح‬
‫البشرٌة ) ‪ ،‬هنا تكمن العلمنة أساسا و تفرض نفسها بشكل متساو و إجباري على الجمٌع‬
‫(‪ )...‬كتوتر مستمر من أجل االندماج فً العالم الوالعً ‪ ،‬و التً تساعد على نشر ما نعتمد‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬زكً مٌالد ‪ ،‬اإلسالم و الحداثة ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص >‪.88‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬نمال عن ‪ :‬فارح مسرحً ‪ ،‬الحداثة فً فكر دمحم أركون ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ;‪.89‬‬
‫?>‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أنه الحمٌمة فً الفضاء االجتماعً (‪ )...‬و كل ماعدا ذلن (‪ )...‬ناتج عن كل نوالصنا فً‬
‫عملٌة البحث العلمً من أجل معرفة الوالع ‪ ،‬وعن تواصلنا التربوٌة فً توصٌل هذه‬
‫المعرفة فً ما بعد إلى اآلخر أو اآلخرٌن " ‪ ،1‬إذ نلمس هنا أن أركون ٌتجاوز معنى‬
‫الكالسٌكً لمشكلة العلمنة و التً تعنً فصل الدٌن عن اإلدارة السٌاسٌة ‪ ،‬فهً تلن الموالف‬
‫التً ٌبدٌها المفكر فً طرح أفكاره دون االعتبار ألي جهة ‪ ،‬وال ألي اعتبار آخر للخلفٌات‬
‫و اإلٌدٌولوجٌات التً تإطر غالبا الفكر ‪.‬‬

‫ومن خالل مفهوم العلمنة بالمعنى األركــونً فـــهً " لرٌبـــة جدا مــن مفـهوم‬
‫الحرٌة ‪ ،‬و المولف ال ذي ٌتخذه أركون تجاه المعرفة ٌعبر عن انفتاح و حرٌة إلى أبعد‬
‫الحدود ‪ ،‬إذ أن اإلنسان بحاجة دائما لكً ٌفهم المزٌد و ٌنتمد ‪ ،‬فٌنبغً عدم منعه من تحمٌك‬
‫ذلن ‪ ،‬إن مــولفه االٌجابً هذا لد دفعــه إلى انتماد العلمنــة عندما أصبحت عمٌدة‬
‫إٌدٌولوجٌة و عملت على الحد من حرٌة التفكٌر " ‪ ، 2‬و بذلن تكون الحرٌة شرط للعلمنة ‪.‬‬

‫و بعد المسح الشامل الذي لام به أركون من خالل مشروعة النمدي للتراث اإلسالمً‬
‫و للكشف عن الالمفكر فٌه و المستحٌل التفكٌر و ذلن بتوسل إلى المناهج المعاصرة خلص‬
‫ألن " اإلسالم بحد ذاته لٌس مغلما فً وجه العلمنة ‪ ،‬ولكً ٌتوصل المسلمون إلى أبواب‬
‫العلمنة فإن علٌهم أن ٌتخلصوا من االكراهات و المٌود النفسٌة اللغوٌة و اإلٌدٌولوجٌة التً‬
‫تضغط علٌهم و تمتل كاهلهم " ‪.3‬‬

‫فاإلطار السٌاسً و االجتماعً له دور مهم فً إرساء دعائم العلمنة و هذا ٌبرر وجود‬
‫فً " أرض اإلسالم بٌن المرنٌٌن الثانً و الثالث للهجرة (حكم المؤمون ) حركة من المثمفٌن‬
‫ٌدعون المعتزلة (‪ )...‬فباإلضافة إلى دراستهم للوحً اإلسالمً فإنهم لد اهتموا بالمحور‬
‫اآلخر للفكر و تلن الممارسة األخرى للعمل (‪ )...‬و لد وصل بهإالء المفكرٌن إلى حد‬
‫طرح مشكلة ما دعوه " بالمرآن المخلوق " إن مجرد اعترافهم بؤن المرآن مخلوق ٌمثل‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬العلمنة و الدٌن ‪ ،‬اإلسالم المسٌحٌة ‪ ،‬الغرب ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬ناٌلة أبً نادر ‪ ،‬التراث و المنهج بٌن أركون و الجابري ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.988‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.988‬‬
‫@>‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫مولفا فرٌدا اتجاه ظاهرة الوحً ‪ ،‬إنه مولف حداثة (‪ )...‬وهذه الحركة الفكرٌة األصلٌة‬
‫‪1‬‬
‫‪ ،‬و لربما هذه الجرأة التً‬ ‫مرتبطة باألطر االجتماعٌة للمعرفة و لٌس باإلسالم كدٌن "‬
‫تمتعت بها االعتزالٌٌن فً طرح آرائهم دون اعتبار ألي سلطة أخرى ‪ ،‬كانت وراء تغٌٌبها‬
‫‪ ،‬ودفنها تحت طبمات النسٌان ‪ ،‬كً ال تكون بذورا للتغٌٌر و بالتالً تشكل عائما أمام‬
‫السلطات السٌاسٌة آنذان ‪.‬‬

‫أما فٌما ٌخص المجتمعات اإلسالمٌة المعاصرة فهً تمارس العلمنة الفعلٌة فً مختلف‬
‫موالفها و لكن " دون أن تشعر بذلن و هً تتغلغل الٌوم فً هذه المجتمعات ‪ ،‬إن خٌر دلٌل‬
‫على ذلن الرغبة فً حصول الوحدة الوطنٌة المومٌة (‪ )...‬فلم ٌعد أحد ٌحلم بإعادة السلطنة‬
‫العثمانٌة أو ٌشكل الوحدة اإلسالمٌة ‪ ،‬فالعرب علمانٌون فً أفكارهم و خٌر دلٌل على ذلن‬
‫ما ٌنشدونه نحو لومٌة موحدة ‪ ،‬ومن هنان كانت ضرورة المٌام بدراسة نمدٌة للوالع الراهن‬
‫من أجل إبراز نزعة العلمنة و لفت االنتباه إلٌها (‪ )...‬لكن ٌحذرنا مفكرنا فً الممابل من‬
‫‪2‬‬
‫‪ ،‬ذلن أنه كما ٌوجد أصولٌون‬ ‫االنسٌاق األعمى وراء الشعارات العلمانٌة المتطرفة "‬
‫متطرفون ٌوجد علمانٌون مغالون فً علمانٌتهم و هذا ما ال ٌرجى لصالح المجتمعات‬
‫اإلسالمٌة ‪.‬‬

‫ٌدعو أركون إلى تبنً العلمنة فً المجتمعات اإلسالمٌة المعاصرة ذلن ألنه " ٌحمك‬
‫‪3‬‬
‫‪ ،‬كما ٌدعو دمحم الطالبً ‪ :‬الذي ٌرى أنه " ٌجب‬ ‫حماٌة للدٌن ضد احتكار السلطة له "‬
‫الفصل المطعً بٌن السٌاسة و الدٌن ‪ ،‬بٌن الدولة و الدٌن ألن الدولة دائما توظف الدٌن‬
‫للمهر "‪ ، 4‬و بهذا ٌدعو أركون كما ٌدعو معظم المفكرٌن الحداثتٌن العرب إلى إرساء دعائم‬
‫العلمنة و ذلن بإبعاد الحمول العلمٌة و المعرفٌة عن متناول الساسة و السٌاسة بغٌة نزاهة‬
‫علمٌة فً طرح مشاكل المجتمع اإلسالمً ‪ ،‬دون أي اعتبار لردة فعل من أي جهة ‪.‬‬

‫‪ - 3‬العالقة مع اآلخر ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬العلمنة و الدٌن ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص =‪.9‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬ناٌلٌة أبً نادر ‪ ،‬التراث و المنهج بٌن أركون و الجابري ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص >‪.98‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬برهان غلٌون ‪ ،‬نمال عن ‪ ،‬فارح مسرحً ‪ ،‬ص @‪.89‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬نمال عن ‪ :‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.8:1‬‬
‫‪?1‬‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫من أبرز المضاٌا التً طرحت فً الفكر العربً المعاصر و لبله مع مشروع النهضة‬
‫هً عاللة األنا مع اآلخر و اهتموا بها أٌما اهتمام إذ تعبر اللحظة األولى للماء مع اآلخر‬
‫الغربً للعربً الحمالت االستعمارٌة و كما ٌصطلح علٌها " الصدمة "‪ ،‬فً هذا الصدد‬
‫ٌمول الجابري ‪ " :‬و كما نعرف جمٌعا فإن العامل الخارجً – الغرب – لم ٌمــــــدم نفسه‬
‫فً صورة واحدة ‪ ،‬بل لمد كان و ال ٌزال ٌحمل بالنسبة لمشروع النهضة العربٌة مظهرٌن‬
‫متنالضٌن ‪ :‬مظهر ٌمثل العدوان و الغزو االستعماري و االحتكار و الهٌمنة (‪ )...‬و مظهر‬
‫ٌمثل الحداثة و التمدم بكل لٌمتها العصرٌة المادٌة و المعنوٌة كالتمنٌة و العلم و التكنولوجٌا‬
‫و الحرٌة (‪ )...‬و من هنا كان الغرب ‪ ،‬وال ٌزال بالنسبة إلى العرب العدو الذي ٌجب‬
‫االحتراز منه و الولوف ضد مطامعه و سٌطرته من جهة ‪ ،‬و النموذج الذي ٌغري بإلتدائه‬
‫و السٌر فً ركابه من جهة أخرى "‪ ، 1‬فاآلخر من جهة غرٌب االنتماء و العمٌدة و الفكر‬
‫ٌجب عدم تملٌده و ترن مسافة بٌننا وبٌنه و من جهة ذلن المتفوق النموذج المثال الذي ال‬
‫سبٌل للحاق به إال باألخذ بؤفكاره ‪.‬‬

‫ٌجب اإلشارة إلى أن عاللة األنا باآلخر تجاوزت عاللة الشرق و الغرب ‪ ،‬المسلمون‬
‫و ا لمسٌحٌون و الٌهود ‪ ،‬فمد كانت هذه العاللة فً الفلسفة الوجودٌة ‪ ،‬تمثل عاللة إنسان‬
‫بغٌره إنسان آخر على حد لول جون بول سارتر " الجحٌم هو اآلخرون و اآلخر هو الذي‬
‫ال ٌمكن أن أتخلص منه و الذي ٌزعجنً و ٌإرلنً و ٌموٌنً ‪ ،‬كما تجدر‪ 2‬اإلشارة إلى‬
‫تعالٌم الدٌن السمحاء و حثه على المواعد التً تربط األفراد و العاللة التً تربط بٌن المسلم‬
‫و أخٌه المسلم ‪ ،‬بٌن الجار و الجار ‪ ،‬وغٌرها من لواعد تإطر هذه العاللة ‪.‬‬

‫فإذا ربط الجابري كما أسبمنا الذكر لضٌة العاللة مع اآلخر لدى العرب بمشروع‬
‫النهضة فاركون ٌعرض رأٌه " فً لضٌة البحث عن المعنى و عاللتــــها بالرغبـــــــــــة‬
‫فً السٌطرة و الهٌمنة داخل الفكر الدٌنً و اإلٌدٌولوجً ‪ ،‬ســـواء فً بعــــــــده التارٌخً‬
‫أو الوالعـــً ‪ٌ ،‬ـــحاول أن ٌمدم تصوره لألسس التً ٌجب أن تنبنً علٌهــــا العاللــــــــة‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬نمال عن ‪ ،‬عبد الرحمن ٌعموبً ‪ ،‬الحداثة الفكرٌة فً التؤلٌف الفلسفً ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.@9‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬أنظر‪ :‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ;@‪.‬‬
‫‪?8‬‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫مع الغرب ‪ ،‬وهنا ٌمٌز بٌن الغرب كفضاء فكري و بٌن أوربا كفضاء جغرافً " ‪ ،1‬من‬
‫أجل الهٌمنة و لكنها تمنع هذا و تغطً علٌه بواسطة التظاهر بالبحث عن رهانات المعنى‬
‫المتعالٌة " ‪. 2‬‬

‫‪ -4‬حقوق اإلنسان ‪:‬‬

‫ٌشٌر فً األدبٌات الغربٌة إلى إنجاز غربً محض ٌوحً لنا من‬ ‫إن مفهوم حموق‬
‫جهة النظري إلى اإلنسانٌة بصفة عامة ‪ ،‬أما من جهة الوالع فهً ال تعتبر إال عن حموق‬
‫اإلنسان الغربً فمط ‪ ،‬و لٌس كما ندعً ‪ " ،‬فالعدل و المساواة و المحبة و االحسان و‬
‫الحرٌة و حك الحٌاة و الرحمة و الصدق و األمانة ‪....‬الخ ‪ ،‬هذه المٌم هً المصدر األساسً‬
‫لحموق اإلنسان ‪ ،‬هً لٌم عنصرٌة فً الغرب ٌإمنون بها ألنفسهم ‪ ،‬و ال ٌرونها الزمة‬
‫لغٌرهم " ‪ ،3‬وهذا ماال ٌختلف فٌه اثنان و خٌر دلٌل على ذلن المضٌة الفلسطٌنٌة و التآمر‬
‫الصهٌونً األوروبً ‪ ،‬وصمت هٌئة األمم المتحدة و الشرعٌة التً تمنحها للكٌان‬
‫الصهٌونً ‪.‬‬

‫أما إذا عدنا إلى اإلسالم ‪ ،‬فلٌس غرٌب عنه أنه خطاب إنسانً ٌضمن حموق كل‬
‫األفراد بدون تمٌٌز " ٌا أٌها الناس إنا خلمناكم من ذكـر و أنثى و جعلناكم شعوبا و لبائل‬
‫لتعارفوا إن أكرمكم عند هللا أتماكم " الحجرات ‪. 13‬‬

‫غنى الدٌن اإلسالمً بالدعوة لحموق اإلنسان التفت إلٌها "دمحم أركون " و ٌولً‬
‫اإلسالم مرتبة الزٌادة فً تنصٌصه إذ ٌمول " لمد و هب اإلسالم العالم ‪ ،‬مدونة لانونٌة‬
‫مثالٌة لحموق اإلنسان ‪ ،‬منذ أربعة عشر لرنا ‪ ،‬و غرض هذه الحموق ‪ ،‬أن تمنح اإلنسانٌة‬
‫الشرف و الكرامة ‪ ،‬و أن تلغً االستغالل و االضطهاد و الظلم ‪ ،‬إن حموق اإلنسان متؤصلة‬
‫تؤصٌال لوٌا فً االلتناع بؤن هللا هو خالك المانون و مصدر جمٌع حموق اإلنسان ‪ ،‬وبالنظر‬
‫إلى هذا األصل اإللهً ال ٌجوز ألي لائد أو حكومة أو جمعٌة أو سلطة أن تمٌد أو تنتهن‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.8?:‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ;?‪.8‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬زهٌر بٌطار ‪ ،‬لضاٌا إسالمٌة معاصرة ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.8<9‬‬
‫‪?9‬‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫بؤٌة طرٌمة حموق اإلنسان التً منحها هللا "‪ ، 1‬وهذا أثبتته له دراساته االبستمولوجٌة للتراث‬
‫و النص المرآنً بصفة خاصة وهذا هو هدف أركون أن ٌعطً النظرة الحمٌمٌة لإلسالم‬
‫خاصة و أنه ٌعٌش فً بٌئة تتهم اإلسالم باإلرهاب و الالإنسانٌة‪.‬‬

‫و خالل دراسته للفكر العربً المعاصر ٌشٌر أركون إلى أن " اإلسالم المعاصر شؤنه‬
‫شؤن المسٌحٌة و الٌهودٌة ‪ٌ ،‬هتم بحموق اإلنسان و ٌبذل جهده لٌنظر أن تعالٌم المرآن ‪ ،‬و‬
‫تعالٌم النبً صلى هللا علٌه و سلم تمدم الرحم األصلً لثمافة حموق اإلنسان (‪ )...‬إن هذه‬
‫اإلرادة الستعادة رإٌا االنسان و الممارسة الحمولٌة ‪ -‬السٌاسٌة التً فرضت نفسها بالفعل ‪،‬‬
‫مع الثورات اإلنجلٌزٌة و األمرٌكٌة و الفرنسٌة على الخصوص تجلت بوضوح فً‬
‫الٌونسكو فً ‪ 19‬أٌلول عام ‪ ، 1991‬على مبادرة المجلس اإلسالمً و أمٌن سره العام "‬
‫سالم العزام " فً أن ٌصدر إعالن شامل عن حموق اإلنسان " ‪ ، 2‬فمد اعتمدت تعالٌم النص‬
‫المرآنً فً تحدٌد بنود لضمان حموق اإلنسان بالمعنى المطلك للكلمة " إذ المرآن – و المول‬
‫ألركون – كالم هللا ‪ ،‬لد حدد هذه الحموق فً بداٌة المرن السابع لبل ثـــــــــــورات الغرب‬
‫بكثٌر " ‪.3‬‬

‫لذا نجد أركون ٌدعو إلى " النضال من أجل احترام حموق الرجل و المرأة و الطفل ‪،‬‬
‫أصبح اآلن حمٌمة أو حاجة ملحة فً جمٌع البلدان أو األنظمة التً ٌهٌمن علٌها اإلسالم و‬
‫‪4‬‬
‫‪ ،‬و هذا ال ٌكون إال بإعادة الرجوع إلى النص المرآنً و تحدٌث‬ ‫تراثه و شرٌعته "‬
‫االجتهاد و تحمٌك فهم منزه عن كل الضغوطات و اإلكراهات الخارجٌة عنه ‪.‬‬

‫‪ -‬مطبات المشروع الحداثي األركوني ‪:‬‬

‫بعد عرض أهم مفاصل مشروع أركون الحداثً نالحظ كما ٌالحظ أي متطلع ألعماله‬
‫تلن الجرأة فً نمده للتراث اإلسالمً منذ اللحظة األولى العصر التدشٌنً للعمل اإلسالمً‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون نافذة على اإلسالم ‪ ،‬مصدر سابك ص ;?‪.8‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.8?9‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.8?9‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬دمحم أركون ‪ ،‬الفكر األصولً و استحالة التؤصٌل ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ‪.9:8‬‬
‫‪?:‬‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫من جهة و من جهة أخرى استدعائه لمناهج علوم اإلنسان الغربٌة بغٌة التطلع إلى حداثة‬
‫إسالمٌة عربٌة تضاهً أو تفوق الحداثة الغربٌة ‪ ،‬و هذا ما جعل أركون و أعماله محط‬
‫أنظار المفكرٌن العرب بخاصة فهنان للة من المفكرٌن من أعترف له بجرأته و جدٌــــــــة‬
‫و جدة مشروعه فهنان نجد المفكر اللبنانً علً حرب ٌشٌد بالترسنة المعرفٌة الجدٌــــــــدة‬
‫و ألفكار و دمحم أركون و مواكبته لتطورات المناهج العلمٌة الجدٌدة و ذلن من خالل لوله "‬
‫فال نتاج جدٌد إال و ٌكون أركون السباق إلى عرضه و استخدامه "‪ ،1‬وهذا ما نالحظــه من‬
‫تزود النصوص األركونٌة بؤهم مفكري الغرب المعاصرٌن و التمكــن من مفاهٌمهـــــم و‬
‫م ناهجهم ‪ ،‬وعلً حرب بدوره ٌعتبر هذا المشروع " مـــزعم أسطوري سحري هو الذي‬
‫ٌجٌز للفرد التصرٌح بؤنه ٌمتلن مشروعا لتحدٌث عالم متعدد كالعالم اإلسالمً أو التراث‬
‫ضخم كالتراث العربً ‪ ،‬إنه وهم من أوهام التً ٌتغذى منها طموح المثمفٌن الذٌن ٌعتمدون‬
‫بؤن األفكار تسٌر العالم وبؤنهم لادرون على لود البشر نحو دروب الحرٌة و السعادة "‪،2‬‬
‫فالحداثة الفكرٌة هً وهم من أوهام المثمفٌن العرب الذٌن أرادوا أن ٌحدثوا فً فترة وجٌزة‬
‫ما أحدثته أوربا فً عدة لرون ‪ ،‬كما ٌضٌف علً حرب عن أركون ‪ " :‬و الحك أن أركون‬
‫ٌبدو لً مبشرا بمدر ما هو مفكر ‪ ،‬و المبشر ٌطغى على المفكر فً أحٌان كثٌرة ‪ ،‬إذ ٌخٌّل‬
‫لً أنه ٌكرر نفس الدعوة إلى التحرر من العملٌات و الرإى المنهجٌة على طرٌمة الدعـــــاة‬
‫و المنظرٌن "‪.3‬‬

‫فمد ولع أركون فً مغالطة فهو ٌمع فً ما كان ٌدعو إلى مماطعته ‪ ،‬فؤراد أن ٌإسس‬
‫لعلم اإلسالمٌات التطبٌمٌة و هذا ما ٌتنافى مع مبادئ العمل النمدي الذي ٌنفلت من كل تحدٌد‬

‫ومن مآخذ المشروع األركوني أنّه و ّحد بٌن التراث و المرآن إن صح المول ‪ ،‬فهو كما‬
‫أسبمنا الذكر ٌعتبر نص المرآن تراث ‪ٌ ،‬جب تفكٌكه للكشف عن مالبسات إنتاجه فً تلن‬
‫الفترة " فالمرآن الكرٌم لم و لن ٌكون كتاب للتراث ‪ ،‬فهو كتاب عمٌدة و شرٌعة و باللغة‬
‫اإلٌتٌمٌة مرجعٌة تإسس مٌتافٌزٌما األخالق اإلسالمٌة و تحدٌد للواجب بصفة تزٌد فً تمتٌن‬

‫‪1‬‬
‫‪-‬نمال عن ‪ :‬فارح مسرحً ‪ ،‬الحداثة فً فكر دمحم أركون ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.8@8‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬نمال عن ‪ :‬عبد الغنً بارة ‪ ،‬الهٌرمونٌطٌما و الفلسفة ‪ ،‬نحو مشروع عمل تؤوٌلً ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص <<<‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫نمال عن ‪:‬المرجع نفسه ‪،‬ص =<<‪.‬‬
‫;?‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫عرى اإلنسانٌة (‪ )...‬فالمرآن لٌس كتاب فكر و ال علم إنه إرشاد لوٌم "‪ ،1‬لذتا ال ٌنبغً أن‬
‫تكون هنان ممارنة بٌن المرآن و المسٌحٌة الٌهودٌة ‪ ،‬فالمرآن محفوظ من كل التحرٌفات‬
‫بمدرة هللا عز وجل ‪.‬‬

‫نتفك جمٌعا على أن العمل اإلسالمً ٌعانً من الكسل و الفشل ذلن ألنه تخلى عن‬
‫تجدٌد العهد مع أسالفه وأصوله كما أن لراءته تعد لراءة ضعٌفة تتطلب التجدٌد و الكف "‬
‫لٌس خلخلة البنٌتٌن الشعورٌة و الالشعورٌة التً تحكم الصلة به ‪ ،‬ذلن أن مثل هذا‬
‫االنفكان سٌإدي إلى زوال سلطة الروحانً على الضمٌر اإلنسانً و من ثمة فمدان الوصلة‬
‫المٌمً " ‪ ،2‬وهذا ما أثبتته أزمات الفكر الحداثً الغربً بحٌث ٌشهد الغرب أزمة انحالل‬
‫لٌمتً متجلٌة تماما ممابل التطور الهائل فً الجانب المادي و هذا ما أدى إلى ظهور‬
‫حركات النمد فما الجدوى من التنصل من تارٌخنا و لٌمنا و أصلنا إن كان كما ٌمول أركون‬
‫ولٌد إبستٌمٌة عصره ‪.‬‬

‫إن كان الهم األساسً للتحلٌل األركونً هو اختراق الالّمفكر فٌه و الكشف عن‬
‫المستحٌل التفكٌر فٌه فً التراث اإلسالمً ‪ ،‬وذلن لغاٌة شرٌفة هً أن نحمك إسالما‬
‫معاصرا لنا نستطٌع من خالله اللحاق بركب الحضاري وهو ٌستند فً مهمتـــــــه هــــذه‬
‫إلى مناهج علوم اإلنسان ‪ ،‬مناهج غربٌة غرٌبة عنا ‪ ،‬وهذا هو الحل الوحٌد فً رأٌٌه لنعٌد‬
‫به المراءة تراثنا وهذا من منطلك نظرته كون أن هذه المناهج علمٌة محاٌدة موضوعٌـــــة‬
‫أو ما ٌسمى " كونٌة المناهج " أي عدم خضوعها للعرلٌة " لكن أي منهج و ما هً آلٌات‬
‫التً تعبر عن حالة كونٌة و لٌس عن نمط تفكٌر متمركز للغرب ‪ ،‬إن شبهته فً كل ذلن أن‬
‫ثمة وحدة جنس فً الثمافة ‪ ،‬بل لعل ما ٌعاٌنه العالم العربً الٌوم ‪ ،‬سبك و إن عاشه‬
‫المجتمع األوربً " ‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬نورة بوحناش ‪ ،‬اإلجتهاد و جدل الحداثة ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص =‪.8:‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص =‪.8:‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬هانً إدرٌس ‪ ،‬العرب و الغرب ‪ ،‬أٌة عاللة ‪ ،‬أي رهان ؟ دار االتحاد ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط‪ ،8@@? ، 8‬ص ==‪.‬‬
‫<?‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المشروع األركوني كما أسلفنا مشروعا حداثٌا ال ٌفصل بٌن الغرب و العرب من‬
‫خالل فكرة الكونٌة " كونٌة المناهج و كونٌة اإلشكالٌة لٌعطً لنفسه شرعٌة فهم الوالع‬
‫العربً و اإلسالمً من خالل الرإٌة الغربٌة إن تعمد الفكر و تشابكه فً عالمنا العربـــــً‬
‫و صعوبة السٌر فً طرلاته المتعبة أمر ال ٌعبر عن حالة إبداعٌة خاللة أو خاصٌة معٌنة ‪،‬‬
‫ذلن بؤن الفكر العربً شعار ٌخفً ّ‬
‫الالفكر ‪ ،‬هو نظر من زاوٌة معدة سلفا ‪...‬و مجهزة‬
‫بؤحدث الوسائل النمدٌة – مع للة استٌعاب – و بترسنة مفاهٌمٌة مكتملة ‪ ،‬إنه اجترار فكر‬
‫و تفكٌر تطبٌمً ‪ ،‬ولٌس تفكٌرا نهاجٌا خاللا ‪ ،‬نالحظ ذلن فً حالة أركون و هو ٌكتسب‬
‫تعمد و اشتبان كتاباته من حالة التمثل "‪ ،1‬فهو ٌتمثل بالكتابات المعاصرة كتابات فوكــــــو‬
‫و دريدا و ستراوس و هذا ماال ٌخفٌه أركون إذ ٌدعو إلٌها صراحة و ٌستشهد بنجاحاتها‬
‫فً معظم مإلفاته ‪.‬‬

‫لد حاول أركون التعرف على األوضاع الحاضنة للتراث اإلسالمً للكشف عن‬
‫الالمفكر فٌه و رغم ذلن ٌبمى بعٌدا كل البعد عن األصعدة االجتماعٌة التارٌخٌة ‪ ،‬وتركٌزا‬
‫على األزمة (‪ )...‬ألنه لم ٌبرح دائرة التؤمل الباطنً المحض للولائع التارٌخٌة ‪ ،‬ثمة تهمٌش‬
‫جدٌد للعوامل التارٌخٌة األخرى ‪ ،‬إذن هنان لوالب جاهزة ‪ ،‬ونســـك مفاهٌمــــــــــــً معد‬
‫و مكتمــل ‪ ،‬لكن ممارسة تبمى مدخولة باإلضافات األجنبٌة (‪ )...‬أي بحساسٌات منشإها‬
‫مولف إٌدٌولوجٌة خفٌة " ‪.2‬‬

‫فألن المناهج الحدٌثة مناهج غربٌة فلم ٌستطع أركون أن ٌتخلص من إٌدٌولوجٌاتها‬
‫النابعة منها ‪ ،‬فطفت على السطح و بدت للعٌان فنلمس ذلن التؤثٌر و التماهً فً علوم‬
‫الغرب ‪.‬‬

‫و على الرغم من نمد محـــمد أركون لــــــإلستشراق و طرله غٌر أنه اعتبــــــــــــر‬
‫" إسالمولوجً بل نحن اإلستشراق ٌتردد فً جنبات مشروعه مكرسا للنتائج نفسها ‪ ،‬بما‬
‫أنه ٌنظر إلى الفكر اإلسالمً من خارجه و ضمن مسلمات اإلسالمولوجٌا كتحول‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص >=‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ?=‪.‬‬
‫=?‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫اصطالحً لإلستشراق و ذلن مثال بافتراض التطابك غٌر المبرر بٌن الٌهودٌة و المسٌحٌة‬
‫واإلسالم ‪ ،‬و التوحٌد بٌن طبٌعة األدٌان و مسارها التارٌخً (‪ )...‬فلــــــم ٌتساءل أركون‬
‫عن البنٌة الخطابٌة لكل من التوراة و اإلنجٌل ‪ ،‬و كٌف تحوال إلى كتابة إنسانٌة "‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬نورة بوحناش ‪ :‬اإلجتهاد و جدل الحداثة ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص >‪.8:‬‬
‫>?‬
‫إعادة قراءة النص الديني مدخل إلي الحداثة لدى دمحم أركون‬ ‫الفصل الثاني‬

‫خاتمة الفصل‪:‬‬

‫ٌعد مشروع المفكر الجزائري دمحم أركون أحد أبرز المشارٌع الحداثٌة ‪ ،‬فمد أراّد أن‬
‫ٌكون مدخل الحداثة فكرٌا ال مادٌا ‪ ،‬منطلما فً ذلن من التراث ‪ ،‬و بدءا من النص المرآنً‬
‫‪ ،‬مستخدما فً ذلن المنهجٌة العلمٌة ‪ ،‬وهو إذ دعى إلى استثمار مناهج علوم اإلنسان‬
‫المعاصرة ‪ ،‬إنما رمى إلى تحدٌث الفكر العربً اإلسالمً ‪ ،‬وذلن بإعادة لراءته لراءة‬
‫تتوافك و العصر و مستجداته ‪ ،‬لٌحدث لطٌعة مع المراءات السكونٌة لإلسالمٌات الكالسٌكٌة‬
‫نحو إسالمٌات تطبٌمٌة ‪ ،‬فمشروع الطموح لم ٌكن سوى طموح لمشروع و ذلن راجع حتما‬
‫إلى طبٌعة العمل الذي تناوله بالنمد الذي ٌؤبى المساس بمرجعٌته الدٌنٌة و ٌرفض أن ٌكون‬
‫المرآن كتابا فً التراث ‪ ،‬فهل من مخرج غٌر ما خطط له أركون ٌؤخذ بعٌن االعتبار‬
‫الجانب الروحانً لإلسالم و المسلمٌن ؟‬

‫??‬
‫الفصل الثالث ‪:‬‬
‫الـــــمشروع الحــــــداثي فـــــي فــــــكر طه عبد‬
‫الرحمن‬

‫المبحث األول ‪ :‬من التبعية إلى اإلبداع في القول‬


‫الفلسفي‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬مشروع اإلبداع الفلسفي‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬التطبيق اإلسالمي لروح الحداثة‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫تمهٌد ‪:‬‬

‫" المصور عجز اإلنسان عن استخدام فهمه دون توجٌه اآلخرٌن ‪ ،‬ألن السبب ال‬
‫ٌرجع إلى عٌب فً الفهم ‪ ،‬وإنما ٌرجع إلى غٌاب المدرة على اتخاذ المولف و الشجاعة‬
‫فً استخدام الفهم دون لٌادة اآلخرٌن "‬

‫اٌمانوٌل كانط ‪.‬‬

‫إن مصطلح الحداثة من أكثر المفاهٌم تداوال فً الدراسات الفكرٌة واألدبٌـــة و النمدٌة‬
‫العربٌة و اإلسالمٌة‪ ،‬ولد شكل هذا المفهوم أرضا خصبة للدرس الفلسفـــــً و التحلٌـــــل‪،‬‬
‫و إطارا معرفٌا مركزٌا للحوار بٌن المشتؽلٌن فً حمل الثمافة و المنخرطٌن فً عالم الفكر‬
‫و التجدٌد الحضاري‪.‬‬

‫فنجد العالمة " طه عبد الرحمن " حمل هاجس الحداثة فً الفكر العربً ‪ ،‬فكان‬
‫مشروعه النهضوي ٌحمل هذا الهاجس ‪ ،‬فمشروع طه عبد الرحمن هو إحٌاء لممدمات‬
‫اإلبداع و االجتهاد فً الفكر اإلسالمً العربً ‪ ،‬ودرء آلفة التملٌد بكل أشكاله و الدعوة إلى‬
‫التحرر و اإلبداع ‪ ،‬فانحصر جهده فً النمد مع استكشاؾ ‪ ،‬وساهم فً رسم معالم المجتمع‬
‫المسلم الذي ؼابت فٌه معالم اإلبداع ‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ -1‬من التبعٌة إلى اإلبداع فً المول الفلسفً ‪:‬‬

‫إن الوالع الفكري للفلسفة العربٌة و إسالمٌة شهد طؽٌان التملٌد ‪،‬إذ أن الفكر دابما‬
‫مرهون ‪،‬بخلفٌات أخرى فهو ٌعتبر فكرا تابعا ؼٌر مستمل ولابم بذاته وهذا ما جعل الخطاب‬
‫الحداثً العربً عمٌمـا أو باألحرى لم ٌـنتــج شٌـبا ولـم ٌبـدع فكــــــرا خاص بـه ‪،‬فـنجـــد‬
‫أن التـملٌد طؽى على الفكر العربً للؽرب وأصبح محـاكٌا لفلسفتـه وعلومـه و أطروحاتـه‪.‬‬

‫‪ 1-1‬المولف من التبعٌة والتملٌد فً المول الفلسفً ‪:‬‬

‫"و بهذا ‪ ،‬أضحت آلفة التملٌد مشروعٌة فكرٌة و أٌدٌولوجٌة ٌطمبن إلٌها بعض‬
‫المفكرٌن العرب الٌوم ‪ ،‬ألم ٌعمل كل من الفارابً و ابن باجه و ابن رشد على تكرٌسس‬
‫تلن المشروعٌة فً التفاء آثار المنمول الٌونانً فً حله و ترحاله ‪ ،‬فً صناعته إنشابه "‬
‫‪1‬وهذا ما دفع بالمفكر المؽربً " طه عبد الرحــمن " لٌعلن حربـا على المشروع الحداثً‬
‫الؽربً حٌث ٌمول فً إمكاننا " خرق حجاب التملٌد الذي ظل مستبدا بالعمل الفلسفً‬
‫العربً بما ٌنٌؾ عن ألؾ سنة ‪ ،‬وتمكٌن المتفلسؾ العربً من المدرة على التصــــــــرؾ‬
‫فً المنمول الفلسفً على الوجه الذي ٌوافك مجاله العربً أو اختٌاره الفكري "‪.2‬‬

‫لـــمد أعـــلن " طــه عبد الرحـمن " حربـــا ال تراجع فٌــها على كل الممــلدٌن‬
‫العــصر ‪ ،‬و بهذا ٌكون مشروعه أن ٌكون حربا على التملٌد والتبعٌة ‪ ،‬وعلى المملدة‬
‫المنـتـمٌن إلى اإلسالم و " لـعل هذا الكالم ٌـؤتً فً سٌـاق معاٌـنة الوالـع الفـكري‬

‫‪1‬‬
‫‪ٌ -‬وسؾ بن عدي ‪ ،‬مشروع اإلبداع الفلسفً ‪ ،‬لراءة فً أعمال د‪ .‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬الشبكة العربٌة لألبحاث و النشر ‪،‬بٌروت – لبنان ‪ ،‬ط ‪، 1‬‬
‫‪ ،2012‬ص ‪.12‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.21‬‬

‫‪91‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫للـفلسفــــة العربٌـة و اإلسالمٌة المدٌمـة و الحدٌثـة من طؽٌـان التملٌـد واالتباعٌـة بــدال من‬
‫االستمـالل ‪ ،‬و التحرر المثمر و الخالق ‪ ،‬وهذا ٌمكن الدكتور طه أمام هذا الوضع المرتبن‬
‫و المشوش من توظٌــؾ منهجٌــات لؽوٌــة ومنطمٌــة تـؤخذ بعٌن االعتبـار خصوصٌـات‬
‫الثمافــــة اإلسالمــــــــــٌة ‪،‬وجدانٌـا و معرفٌـا ‪،‬وذولٌـا وعـمد ا " ‪.1‬‬

‫إن أكبر خطؤ ٌرتكبه المفكر العربً هو بمابه تابع للؽرب حٌث ٌبمى الفكر ٌحمل‬
‫خلفٌات اٌدٌولوجٌة وبهذا ٌصبح الفكر العربً اإلسالمً فكرا تابعا وؼٌر لابم بذاته فالتملٌد‬
‫و التبعٌة تعتبر آفة الفكر ‪.‬‬

‫لم ٌمتصر على هذا فمط وإنما أٌضا أصبحــوا كظالل لؽٌــرهم " كـل ذلن بحجــة أنه‬
‫ٌنهض بواجــب االنخــراط فً الحداثــة العالمٌــة أو أنه ٌنهض بواجب االستجابة للشمولٌة‬
‫الفلسفٌة " ‪.2‬‬

‫ٌــــــعتبر المثمـــــف العربً هو اللبنة األساسٌة لنبذ التبعٌة ‪ ،‬فعلى المثمــــــــــــؾ‬


‫أال ٌخوض فٌما خاض فٌه ؼٌره ‪ ،‬وٌفتعل أسبلة ؼٌـــــره ‪ ،‬ألن تلن األسبلة ال تمثل‬
‫حمٌمتــــــه و إنما تحصره فً العبودٌة لؽٌره وتإرله ‪ ،‬فالوالع العربً ملًء بالمعضالت‬
‫التً تستدعً حلها بطرق جدٌدة وطرق عصرٌة و استعمال مناهج ؼٌر المناهج المستخدمة‬
‫عند الؽرب ‪ ،‬فنحن الٌوم فً " أزمة فكرٌة تضرب فٌها آراإنا بعضها ببعض (‪)...‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪،‬ص ‪. 22‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬فمه الفلسفة ‪،‬ج‪، 2‬المول الفلسفً ‪ ،‬كتاب المفهوم و الثؤثٌل ‪،‬ط ‪ ، 2005، 2‬ص ‪.12‬‬

‫‪92‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫نـــــــحن فً فراغ فكري أتــــــــــى من موت أصــــــاب الذهن و الملب فٌنا (‪ )...‬ما نزل‬
‫بنـــتا هو ‪،‬على الحمٌمة تٌـــــه عظٌم فً عالم األفكار فنــــحن تابهون حابـــــرون " ‪، 1‬‬

‫" التٌه فً الفكر كالتٌه فً األرض (‪ )...‬فهذا والع تحت طابلة التملٌد ‪ ،‬داعٌا إلى التردٌد‬
‫واالنكماش ‪ ،‬وذان والع تحت طابلة التنمٌط ‪ )...( ،‬وذان ٌتملب مع كل جدٌد " ‪. 2‬‬

‫إن األزمة الفكرٌة التً نحن فٌها لزم علٌنا الخروج منها ؾ " الخروج من التٌه‬
‫الفكري العظٌم الذي نحن فٌه ال ٌتٌسر لنا إال بالتحصٌل األفـكار الكبرى ‪ ،‬إذ هً وحدها‬
‫التً تـثـمر األهـداؾ الصالحة ‪ ،‬و أٌضا بتحصٌل األفكار الطـولً ‪ ،‬إذ هً وحدها التً‬
‫تثـمر الوسابـل النافذة (‪ )...‬و اجلى مظاهر هذا الدرء إحٌاء المفاهٌم المنتـجة من مفاهٌمنا‬
‫وتوسٌعها وتـلوٌنها " ‪. 3‬‬

‫وهذا ال ٌكون إال إذا انؽمس المشتؽلٌن بالفلسفة الذٌن ٌسعون إلى بناء نظرٌات فلسفٌة‬
‫وبالتالً " البحث فً المنطلمات التً ٌمـكن أن تنطلك منها فلسفة عربـٌة معاصرة ‪ ،‬لكً‬
‫تصبح ألفكارها ونظرٌاتها لٌمة موضوعٌة على صعٌد الفكر اإلنسانً المعاصر " ‪ ، 4‬وكذا‬
‫كٌؾ ندمج العمل الفلسفً العربً فً العمل الفلسفً الؽربً إذ " تصبح المسؤلة المطروحة‬
‫إذن هً البحث فً اندراج الفٌلسوؾ العربً ضمن الفترة المعاصرة من تارٌخ الفلسفة ‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪،‬الحوار أفما للفكر ‪،‬الشبكة العربٌة لألبحاث والنشر ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط ‪، 2013، 1‬ص ‪. 87‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪،‬الحوار أفما للفكر ‪ ،‬مصدر سابك ‪،‬ص ‪. 87‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪،‬ص ‪. 10 - 9‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬دمحم ولٌدي ‪ ،‬بناء النظرٌة الفلسفٌة دراسات فً الفلسفة العربٌة المعاصرة ‪ ،‬دار الطلٌعة‪،‬بٌروت ‪،‬لبنان ‪،‬ط ‪ ، 1990، 1‬ص ‪.26‬‬

‫‪93‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وبنابه إلشكالٌة جدٌدة ‪،‬أو مساهمة أفكاره فً بناء بعض اإلشكالٌات على الصعٌد اإلنسانً‬
‫" ‪.1‬‬

‫لمد حان األوان إلحٌاء نزعــة هوسرل اإلصالحــٌة فً أن نخضع اإلنتـاج الفــلسفً ‪،‬‬
‫الذي تعج بـه ساحتنا الثمافٌة كما فعل " طه عبد الرحمن " " لمد أحدث ثورة منهجٌـة ترلى‬
‫– فً رأٌنا – إلى ثورة كانـط الكوبرنٌكٌة فً مجـال المٌتـافٌزٌمـا وإمكـانٌتـها ‪ ،‬تلن الثورة‬
‫التً تتجلى فً االنمالب الفلسفً الجدٌد بإعادة تموٌم التراث ومشكالته المنهجٌة والنظرٌة‬
‫فً دراسة التراث وبنٌاته اللؽوٌة والمنطمٌة بعبارة أدق ‪،‬لام المؽربً طه عبد الرحمن‬
‫بتموٌض مبادئ المول الفلسفً العربً ومسلماته التً لطالما ارتكن إلٌها ‪ ،‬بل دافع عنها‬
‫المدافعون فً المحافل (‪ )...‬بؤنها الخٌــار األوحد للتفلســــــــؾ و اإلبــــــــــــداع "‪. 2‬‬

‫إن الفلسفة العربٌة المعاصرة " ترٌد أن تموم على أساس تجاوز التنالض الذي ولع‬
‫فٌه الفكر الؽربً منذ انطاللته الحدٌثة بٌن دعواه الشمولٌة وطموحه فً ذلن ‪ ،‬وبٌن عدم‬
‫لدرته فً الولت الراهن على استٌعاب عمك كل المشكالت المطروحة على إنسانٌة الزمن‬
‫المعاصر " ‪.3‬‬

‫بحٌث " ٌعتبر مشروع تجدٌد الفكر الفلسفً اإلسالمً العربً للدكتور " طه عبد‬
‫الرحمن " من أ هم مشارٌع الفكرٌة العربٌة المعاصرة التً تسعى سعٌا جادا و أصٌال إلى‬
‫بناء ممومات وشرابط اإلبداع و التجدٌد عن طرٌـك التحـرر من براثن التملٌد وجاذبٌة‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ٌ -‬وسؾ بن عدي ‪ ،‬مشروع اإلبداع الفلسفً العربً ‪ ،‬لراءة فً أعمال طه عبد الرحمن ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬دمحم ولٌدي ‪ ،‬بناء النظرٌة الفلسفٌة ‪،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪. 28‬‬

‫‪94‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الحداثة ‪،‬وهذا ال ٌتحصل إال متى التزم المتفلسف العربً بمواعد وممتضٌات المجال‬
‫التداولً اإلسالمً العربً " ‪.1‬‬

‫على الوعً الفلسفً العربً المعاصر أن ٌكون نفسه بنفسه من خالل والعٌته‬
‫التارٌخٌة ‪ ،‬وعٌا جدٌدا ‪،‬ؼٌر تابع للوعً المدٌم ‪ ،‬ولكً ٌتم هذا الوعً الفلسفً العربً علٌه‬
‫أن ٌموم بمطٌعـة مع الوعً الؽربً " و ٌترتب على هذا ‪ ،‬دعوة الدكتور طه إلى لراءة‬
‫التراث وفك منطك التداول اإلسالمً العربً "‪. 2‬‬

‫كما ٌبٌن المفكر " طه عبد الرحمن " الصفات الجوهرٌة والممومات المحدد للحداثة‬
‫تتجلى فً خضوعها لفترة تارٌخٌة ما ‪ ،‬هً التً عرفت جملة من التؽٌرات فً أوربا‬
‫كاإلصالح الدٌنً و الثورة الصناعٌة ‪،‬وفً لٌامها على السٌطرة على سلطة الكنٌســـــــــــة‬
‫و الدعوة إلى العمالنٌة والتحرر من المٌود وإرجاع لٌمة اإلنسان التً كانت منحطة وإعطاء‬
‫الحرٌة للعمل ‪ ،‬كما أن الحداثة " هً جملة التحوالت العمٌمة التً طرأت على المجتمع‬
‫الؽربً منذ خمسة لرون ‪،‬ولكن السمة الممٌزة لهذه التحوالت هً أنها تحوالت إنمابٌة‬
‫تراكمٌة بحٌث نملت المجتمع الؽربً من طور حضاري إلى طور ٌعلوه تمدما ‪،‬وهذه سمة‬
‫أساسٌة " ‪ ،3‬إن الحداثة كانت ردة فعل النحطاط الذي عاٌشته أوربا آنذان فهً بمثابة ثورة‬
‫لألوضاع المزرٌة ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ٌ -‬وسؾ بن عدي ‪ ،‬مشروع اإلبداع الفلسفً العربً ‪،‬لراءة فً أعمال طه عبد الرحمن ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬الحوار أفما للفكر ‪،‬مرجع سبك ذكره ‪ ،‬ص ص ‪. 97- 96‬‬

‫‪95‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ولد لامت الحداثة على مجموعة من المبادئ ألنها " من وجهة النظر الفلسفٌة تموم‬
‫على الرإٌة الذاتٌة للوجود‪ ،‬و النزعة العمالنٌة فً المعرفة ‪،‬والمول بالعدمٌــــة و النسبٌــــة‬
‫فً مجال المٌم " ‪.1‬‬

‫كما هو واضح " لٌس بوسع أحد أن ٌنكر بؤن المول الفلسفً العربً – أن لفظا كان‬
‫أو جملة أو نصا – هو لول مستؽرق فً التملٌد ‪ ،‬وإذا كان هذا الوصؾ على المستوى‬
‫الفلسفً فكٌؾ ٌكون األمر بظـاهرة كالــحداثة التـً هً مضمون لـٌمً ‪ ،‬و حـــركة جــدلٌة‬
‫تارٌـــخٌة ‪،‬ومولؾ من الوجود و األشٌاء ففً مستوى المول الفلسفً ٌجد المتصفح له بؤن‬
‫المتفلسفة العرب ال لدرة لهم على إنشاء خطاب فلسفً مخصوص و مختلؾ " ‪. 2‬‬

‫و ٌتضح أن عجز المثمؾ العربً أن ٌنتج نصا فلسفٌا من إبداعه حٌث نجدهم "‬
‫ٌإولون إذا أول ؼٌرهم * ‪ ،‬وٌحفرون إذا حفر ؼٌرهم ‪ ،‬وٌفككون إذا فككوا ‪،‬وكؤن سبل‬
‫الفكر و المول ضالت علٌهم وأن أرض الفكر لم تكن واسعة فٌتفسحوا فٌها (‪)...‬إنه أكبر‬
‫إدانة لإلبداع الفلسفً وإلمكانات اإلنسان ‪،‬وحشر ألطراؾ عمله وأفاق مصٌره فً ؼاٌة‬
‫‪3‬‬
‫الضٌك و الحصار ‪ ،‬وإماتة لطالة االجتهاد الفلسفً العربً "‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬مسرحً فارح ‪ ،‬الحداثة فً فكر دمحم أركون ‪ ،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪. 43‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬عبد الرزاق بلعمروز‪ ،‬تحوالت الفكر الفلسفً المعاصر ‪،‬أسبلة المفهوم والمعنى و التواصل ‪،‬الدار العربٌة للعلوم ناشرون ‪،‬بٌروت لبنان ‪،‬ط ‪1‬‬
‫‪،2009‬ص ‪.48-47‬‬

‫* الظاهر أن طه عبد الرحمن ٌمصد المناهج التؤوٌلٌة (الهرمٌنوطٌما) ‪ herméneutique‬التً صارت أدوات معرفٌة و منهجٌة ٌوظفها النماد‬
‫العرب المعاصرون بخاصة فً لراءة النص الدٌنً وتؤوٌله كما نلمس ذلن فً نصوص نصر حامد أبو زٌد أو دمحم أركون‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪،‬ص ‪. 48‬‬

‫‪96‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وأٌضا تجدهم " سواء أصاب فً ذلن أم أخطؤ ‪ ،‬ولد كانوا منذ زمن ؼٌر بعٌد‬
‫‪1‬‬
‫‪ ،‬هذا ٌعنً فً نظر المفكر‬ ‫‪،‬توماوٌٌن أو وجودٌٌن أو شخصانٌٌن أو مادٌٌن جدلٌٌن "‬
‫المؽربً طه أن المتفلسفة العرب المعاصرٌن ال ٌضعون من المصطلحات إال ما جاء به‬
‫ؼٌرهم ‪ ،‬وال ٌستخدمون ألفاظ من إبداعهم وإنما استخدمت من لبل " وما ذلن إال ألن تملٌد‬
‫الفلسفة المنمولة بلػ من نفوسهم مبلؽا فمدوا معه المدرة على إمكان تصور خالؾ ما ٌملدون‬
‫فضال على ان ٌؤتوا بمثله "‪.2‬‬

‫فنجده ٌنتمد المتفلسفة من العرب المعاصرٌن الذٌن اعتمدوا على التفلسؾ على‬
‫طرٌمة ؼٌرهم ‪ ،‬فلم ٌذهبوا إلى مساءلة التفلسف الغربً ونمده بل انؽمسوا فٌه باسم‬
‫االنخراط فً الحداثة العالمٌة فعجزوا عن اإلبداع أو اإلنتاج كما أنتج ؼٌرهم انطاللا مما لد‬
‫ٌصنعونه من والعهم ‪،‬وهذا تملٌل لمٌمة اإلنسان بحٌث له عمل ٌفكر به لٌحدد أفاق مصٌره ‪،‬‬
‫فتجدهم ٌتعذرون بسبب خمود عملهم و شلل إرادتهم فاالنخراط فً الحداثة بالنسبة لهم ما‬
‫هو إال تملٌد ومحاكاة وانصهار فً الؽٌر " إن المفاهٌم و األحكام الفلسفٌة بلؽت النهاٌة فً‬
‫الشمول ‪،‬حتى ال ٌضاهٌها فً ذلن علو وال دٌن " ‪.3‬‬

‫فنجد طه عبد الرحمن اهتم وحمل عاتك الفكر العربً اإلسالمً فٌرى أن " الؽالب‬
‫على اإل نتاج الفلسفً المؽربً الولوع تحت طابلة تملٌد المنمول الفلسفً ‪،‬حتى بلػ عنده هذا‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬فمه الفلسفة ‪( ،‬المول الفلسفً ‪،‬كتاب المفهوم و التؤثٌل ) ‪،‬المركز الثمافً العربً ‪،‬بٌروت ‪،‬ط‪ ، 1999، 1‬ص ‪.12‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬عبد الرزاق بلمزٌز ‪ ،‬تحوالت الفكر الفلسفً المعاصر ‪،‬مرجع سابك‪،‬ص ‪.48‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬فمه الفلسفة ‪،‬مصدر سابك ‪،‬ص ‪.12‬‬

‫‪97‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫التملٌد ؼاٌته ‪،‬فصار المتفلسؾ المؽربً ٌتملب فً نظرته الفلسفٌة تملب هذا المنمول من ؼٌر‬
‫داع سوى طلب التملٌد " ‪. 1‬‬

‫ال شًء جدٌد فً اإلبداع الفلسفً العربً سوى إعادة ما كتب " فهذا ٌملد " اٌمانوٌل‬
‫مونٌه " و ذان ٌملد "هٌؽل " وهذا ٌملد "ماركس " و أتباعه ‪ ،‬وذان ٌملد "باشالر" وتالمذته‬
‫(‪ )...‬ولد ٌتملب الواحد منهم فً التملٌد ‪،‬فٌبدأ شخصانٌا ثم ٌصٌر أشبه بالمادي الجدلً أو‬
‫ٌبتدئ مادٌا جدلٌا " ‪.2‬‬

‫كما ٌتعجب بموله " كٌؾ ألمة جاءت بؽٌر علم واحد وبؽٌر معرفة واحدة ال ٌمدر‬
‫فالسفتها على أن ٌمولوا لوال فلسفٌا لم ٌمله ؼٌرهم ‪ ،‬وال أن ٌسمعوه ما لم ٌطرق سمعه ‪،‬إال‬
‫أن ٌحفظوه عنه و ٌنملوه إلٌه ‪ ،‬بضاعة مردودة إلى أهلها ‪ )...( ،‬وعلٌه فإن التصدي آلفة‬
‫التملٌد الفلسفً لن ٌتحمك إال بالولوؾ على أسرار المول الفلسفً عند أهله المجتهدٌن ال عند‬
‫ناللٌه المملدٌن‪.‬والولوؾ عند تلن األسرار ال ٌتحمك بطرٌك التفلسؾ‪ ،‬بل بطرٌك العلم‪ ،‬حتى‬
‫ٌصبح النظر فً الفلسفة كما ٌنظر العالم فً الظاهرة‪ ،‬رصدا ووصفا و شرحا "‪. 3‬‬

‫فالتملٌد عند " طه عبد الرحمن " هو "العمل بمول الؽٌر على سبٌل االتفاق أو على‬
‫سبٌل العادة أو باالستناد إلى دلٌل نظري " ‪ ،4‬هذا التعرٌؾ ٌوجهنا إلى أن التملٌد أنواع‬
‫وأصناؾ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الطٌب المختار الوزانً ‪" ،‬التنوٌر العربً ‪،‬أفاق ومعضالت "‪،‬ضمن مجلة مدارات فلسفٌة ‪،‬عدد ‪،1‬المؽرب ‪،1998،‬ص ‪.98-97‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬المرجع نفسه ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬فمه الفلسفة ‪،‬مرجع سابك ‪،‬ص ص ‪.13- 12‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬العمل الدٌنً وتجدٌد العمل ‪،‬المركز الثمافً العربً ‪،‬الرباط ‪ -‬المؽرب ‪،‬ط ‪ ، 1999، 2‬ص ‪. 83‬‬

‫‪98‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ 2-1‬أصناف التملٌد ‪:‬‬

‫أ‪-‬التملٌد اإلتفالً ‪.‬‬


‫ب‪-‬التملٌد النظري‪.‬‬
‫ج‪-‬التملٌد العادي ‪. 1‬‬

‫كذلن نجد دمحم عمارة ٌذهب إلى أن كل التٌارات الفكرٌة العربٌة اإلسالمٌة تدور فً‬
‫حلمة فارؼة ‪،‬ألنها تٌارات ولدت فً حضن التملٌد فهو فكر ٌحتضن التملٌد بكل أنواعه‬
‫فؤضحى هذا التٌار فمٌر من التجدٌد و اإلبداع ومن بٌن التٌارات الفكرٌة نجد ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬تٌار التملٌد للموروث ‪:‬‬

‫كان " شعاره العودة إلى الدٌن كمرجع لتحمٌك الٌمظة العربٌة ؼٌر أن هذا التوجٌه‬
‫كان لاصرا ولم ٌستطع مواجهة النماذج الؽربٌة وٌصرح بموله " لكن هذا التٌار ‪،‬الذي جفل‬
‫من الوافد الؽربً فانكفؤ على الذات لد ظل عاجزا عن صٌاؼة الخٌار الحضاري و النموذج‬
‫التجدٌدي المادر على منافسة النموذج الغربً (‪ )...‬لمد تحصن هذا التٌار بالماضً‪ ،‬ومن‬
‫ورابه أفبدة العامة و الجمهور‪ ،‬فترن الحاضر وعمول النخبة التً صنعها االستعمار فً‬
‫مإسساته الفكرٌة ‪ ،‬ووفك منهاجه الوضعٌة "‪. 2‬‬

‫ثانٌا ‪ :‬تٌار التملٌد للوافد الغربً‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪،‬ص ‪. 85‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬دمحم عمارة ‪ ،‬أزمة الفكر اإلسالمً المعاصر ‪،‬دار الشرق األوسط ‪،‬الماهرة ‪،‬ب ط‪،1990،‬ص ص ‪. 62-59‬‬

‫‪99‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫لمد جاء هذا التٌار مع الحملة الفرنسٌة على مصر " فكانت بداٌات فكرة االستمالل عن‬
‫الموروث ‪ ،‬ولطع حبال التواصل الحضاري ‪...‬واستبدل النموذج الؽربً بدال من المنابع‬
‫الحضارٌة االسالمٌة (‪ )...‬ولمد كان رواد مشروع اللحاق الحضاري (‪)...‬وكان تحركهم‬
‫‪1‬‬
‫‪ ،‬وٌعتبر هذا التٌار " التٌار الكافر بالشرق ‪ ،‬المإمن‬ ‫كراهٌة شدٌدة للدولة العثمانٌة "‬
‫بالؽرب " ‪.2‬‬
‫ثالثا ‪ :‬تٌار اإلحٌاء والتجدٌد‬
‫ٌدعو إلى الحفاظ على هوٌة األمة ألنها بحاجة للنهضة العربٌة " إنهم أرادوا مشروعا‬
‫تجدٌدٌا ال ٌمٌم لطٌعة مع التراث ‪،‬و إ نما ٌتجاوز المتخلؾ منه ‪،‬ذلن الذي تجاوزه التطور‬
‫وال ٌمٌم لطٌعة مع الحضارات األخرى "‪. 3‬‬

‫نجد " طه عبد الرحمن " من أعالم التٌار الفكري الذي ٌدعو إلى اإلبداع و‬
‫التجدٌد حٌث ٌدعو إلى خرق حجاب التملٌد الذي ظل مستبدا بالعمل الفلسفً العربً "ٌمسم‬
‫المفكر المؽربً المهتمٌن بالشؤن الفكري فً العالم العربً إلى مملدة للسلؾ ومملدة للؽرب‬
‫‪،‬أما هو فٌرى نفسه ذلن المبدع الذي ٌنحت المفاهٌم و المصطلحات "‪ ،4‬كما ٌبٌن أن " كال‬
‫النوعٌن من المملدة ال إبداع عنده ‪،‬إذ مملدة المتمدمٌن ٌتبعون ما أبدعه السلؾ من ؼٌر‬
‫تحصٌل األسباب التً جعلتهم ٌبدعون ما أبدعوه ‪ ،‬ومملدة المتؤخرٌن ٌتبعون ما أبدعه‬
‫الؽرب من ؼٌر تحصٌل األسباب التً جعلتهم ٌبدعون ما أبدعوه ‪ ،‬ولما كنا لد خالفنا عادة‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪،‬ص ص ص ‪. 64-63-62‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪،‬ص ‪. 66‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪،‬ص ‪.72‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬لاسم شعٌب ‪ ،‬فتنة الحداثة ‪،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪. 44‬‬

‫‪100‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫التملٌد السابدة ‪ ،‬و أبدعنا مفاهٌم إجرابٌة من داخل التراث اإلسالمً العربً "‪ ،1‬على المفكر‬
‫العربً أن ٌبدع من جوؾ تراثه وأن ال ٌملد الؽرب فً أفكارهم و معارفهم فالحداثة العربٌة‬
‫هً التً تنشؤ من حضن التراث العربً ‪.‬‬

‫إن جوهر مشروعه ‪،‬هو أنه وجب علٌنا ان نتؤلك ونتفوق على ؼٌرنا فً إنتاج‬
‫الخطاب الفكري ‪،‬حٌث ٌكون لنا الحك فً اإلبداع الفلسفً وبهذا الصدد جاء مشروعه فمه‬
‫الفلسفة لمطع التبعٌة عن فكرنا اإلسالمً " وإذا كان هذا هكذا فإن " طه عبد الرحمن "‬
‫ٌمترح منهجا جدٌدا فً كٌفٌة لراءة الفلسفة ‪ٌ،‬حرر فٌه المول الفلسفً العربً من رق اإلتباع‬
‫‪2‬‬
‫‪ ،‬و " المجتمع المسلم ما لم ٌهتد إلى إبداع مفاهٌمه ‪،‬أو‬ ‫إلى فضاء اإلبداع و االجتهاد "‬
‫إعادة إبداع مفاهٌم ؼٌره ‪،‬حتى كؤنها من إبداعه ابتداء فال مطمع فً أن ٌخرج من هذا التٌه‬
‫الفكري الذي أصاب العمول فٌه "‪.3‬‬

‫‪ 2-1‬الحك فً االختالف الفلسفً ‪:‬‬

‫كما نذكر من المشتؽلٌن فً الفلسفة والجادٌن فً البحث عن األسس التً تسمح‬


‫باإلبداع فً الثمافة العربٌة المعاصرة نجد " ناصٌؾ نصار" التً اهتم بمشروع النهضوي‬
‫الفلسفً فً العالم العربً المعاصر وسعى إلى االستمالل الفلسفً واعتبر أنه من حمنا أن‬
‫نستمل عن ؼٌرنا ونختلؾ حٌث ٌمول "المشاركة الحمٌمة فً الفلسفة تمتضً االستمالل و‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪،‬روح الحداثة ‪،‬المدخل إلى تؤسٌس الحداثة اإلسالمٌة ‪،‬المركز الثمافً العربً ‪،‬الدار البٌضاء المؽرب ‪،‬ط ‪، 1،2006‬ص ص‬
‫‪. 13-12‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬عبد الرزاق بلعمروز‪ ،‬تحوالت الفكر الفلسفً المعاصر ‪،‬مرجع سبك ذكره ‪،‬ص ص ‪. 49-48‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬روح الحداثة ‪ ،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪.11‬‬

‫‪101‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫اإلبداع "‪ ،1‬كما ٌدعو إلى تجاوز العمبات التً وضعها الؽرب إذ ٌلح على "ضرورة‬
‫الولوؾ مولؾ االستمالل من النظرٌات التً أنتجتها تارٌخ الفلسفة فً العصور المدٌمة و‬
‫الحدٌثة (‪ )...‬فهو شرط للمشاركة اإلبداعٌة فً الفلسفة و للمساهمة فً تؽٌٌر حٌاة االنسان‬
‫العربً من الداخل "‪. 2‬‬

‫‪ 1-2-1‬االختالف فً الحوار والتوافك فً العمك ‪:‬‬

‫ٌتمثل الحك عند العرب فً التفلسؾ حسب "طه عبد الرحمن " ‪ " ،‬الحك هو ما ٌجب‬
‫للعربً من نصٌب فلسفً ‪ ،‬بحٌث ٌنبؽً لؽٌره أن ٌمر بخصوصٌـــــــة هذا النصٌب‬
‫الفلسفً ‪ ،‬فالعربً ٌحتـــاج إلى االعتراؾ بحاجته إلى إٌجاد فلسفة ٌتمٌز بها هو كعربـً‬
‫عن ؼٌره من الشعوب ‪،‬ال تَ َمٌز انمطــاع وانزواء ‪ ،‬ولكن تَ َمــٌز تكمٌل و اؼناء "‪.3‬‬

‫وبذلن من حك كل عربً أن ٌبدع خطاب فكري متحرر من التبعٌة " وهكذا ‪ٌ،‬حك‬
‫لكل لــــــــوم أن ٌتفلسفوا على ممتضى خصوصٌتهم الثمافٌة ‪،‬مع االعتراف لسواهم بذات‬
‫الحك ‪،‬بحٌث ٌجب أن ٌنشؤ بٌن األلوام المختلفة تنوع فلسفً ٌوازي تنوعها الثمافً ‪ ،‬وكل‬
‫فلسفة تدعً لنفسها اإلنفراد بهذا الحك ال تكون إال فلسفة مستبدة أشبه بالعمٌدة المتسلطة منها‬
‫بالفكر المتحرر ‪)...(،‬ألن فلسفة مثل هذه تنتحل حٌازة الحمٌمة المطلمة "‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ناصٌؾ نصار ‪ ،‬طرٌك االستمالل الفلسفً ‪،‬سبٌل الفكر العربً إلى الحرٌة واإلبداع ‪ ،‬دار الطلٌعة للطباعة و النشر ‪،‬بٌروت ‪،‬لبنان ‪ ،‬ط‪2‬‬
‫‪، 1979،‬ص ‪. 25‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪،‬ص ص ‪. 31 - 30‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬الحوار أفما للفكر ‪ ،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪.115‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬الحك العربً فً االختالؾ الفلسفً ‪ ،‬المركز الثمافً العربً ‪،‬الدار البٌضاء ‪،‬المؽرب ‪،‬ط ‪،2002، 1‬ص ‪.21‬‬

‫‪102‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫ثم " إن حك االختالؾ‬


‫فالحك معطى طبٌعً ال ٌمكن سلبه ألنه ممنوح للجمٌع ومن َ‬
‫الثمافً حك ثابت لـــــكل أمم العالم ‪،‬فكذلن حك االختالؾ الفلسفً ٌنبؽً اإللرار بــــه‬
‫للجمٌع ‪ ،‬وكما أن حــــــك التفلســؾ ‪،‬على وجه العموم ‪،‬حك طبٌعً لإلنسان ال تخترعه‬
‫مإسسة وال ٌصنعه لانون (‪ )...‬فمتى أراد الموم أن ٌتفلسفوا على طرٌمتهـم الخاصة ‪،‬‬
‫أمكنهم أن ٌـفعلـــوا ذلن ‪ ،‬ال ٌبـــالون إن وافـــموا ؼٌــرهم أم لم ٌوافمــوه "‪ ، 1‬كـما أن "هذا‬
‫الحك ال ٌـموم إال مع وجـود الحرٌة كـــحك طبـٌعً ‪،‬وإذا كان األمر كـذلن ‪،‬وجب أن‬
‫ٌكــون أجلى مظهـر للحرٌـــة الفلسفٌة هو بالذات االختـالؾ الفلسـفً ‪ ،‬ونحن – العرب –‬
‫نرٌد أن نكون أحرارا فً فلسفتنا ‪،‬ولٌس من سبٌل إلى هذه الحرٌة إال بؤن نجتهد فً إنشاء‬
‫فلسفة خاصة بنا تختلؾ عن فلسفة أولبن الذٌن ٌسعون بشتى الدعاوى إلى أن ٌحولوا بٌننا‬
‫وبٌن ممارستنا لحرٌتنا الفكرٌة "‪ ،2‬وبهذا تكون الفلسفة كونٌة وال تمتصر على لوم ما وإذا‬
‫أعطٌنا هذا الحك لؽٌرنا وجب على ؼٌرنا أن ٌعترؾ بهذا الحك لنا نحن العرب أٌضا ‪.‬‬

‫لنتفك علٌنا أن نتحاور "إن الحوار ٌسهم فً توسٌع العمل وتعمٌك مداركه بما ال‬
‫ٌوسعه وال ٌعممه النظر الذي ال حوار معه ‪ )...( ،‬وإذا كانت الساحة السٌاسٌة المؽربٌة لد‬
‫اخذت تستؤنس فً اآلونة األخٌرة ببعض أسالٌب الممارسة الحوارٌة ‪،‬فإن الساحة الفكرٌة‬
‫مازالت تنؤى بنفسها عن هذا الفضاء الحواري الجدٌد "‪.3‬‬

‫إن االختالؾ ٌولد الحوار " فلما كان األصل فً الكالم – كما هو معلوم – هو الحوار‬
‫و التحاور و المحاورة ‪،‬ولد ٌمتد هذا الحوار إلى الحوار مع الذات أو الحوار بٌن زوجٌن‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪،‬ص ص ‪. 22- 21‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪،‬ص ‪. 22‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬حوارات مصدر سابك ‪،‬ص ص ‪. 9-8‬‬

‫‪103‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫متواجدٌن مع بعضهما بعضا‪،‬فالحوارٌة ال تستلزم شرط االتفاق والتوافك فً المماصد و‬


‫الوسابل واالعتمادات بمدر ما تشترط ‪،‬فً العمك "‪ ، 1‬ولما كان االختالؾ من حمنا وجب‬
‫علٌنا الحوار فال ٌكون الحوار إال إذا اختلفنا و كنا متعاكسان " إننا ال ندخل فً الحوار إال‬
‫ونحن مختلفان ‪ ،‬بل إننا ال نتحاور إال ونحن ضدان ‪ )...( ،‬فحٌثما وجد اثنان مختلفان ‪،‬بل‬
‫ضدان ‪،‬فثمة حوار اختالفً ‪ ،‬فإن كان الضدان متوجهان ‪ ،‬كان الحوار االختالفً حوارا‬
‫مباشرا أو لرٌبا ‪،‬وإن كان الضدان أحدهما واسطة إلى األخر (كالمٌاس على الممابل )‪،‬كان‬
‫الحوار االختالفً حوارا ؼٌر مباشر "‪.2‬‬

‫فنتوصل أن الحـــــوار أنواع " نتخٌر نوعـــــا متمٌزا من أنــــــواع الحوار‬


‫االختالفً ‪،‬إذ تضرب جذوره بعٌدا فً تارٌخ الفكر اإلنسانً عموما وفً تارٌخ الفكر‬
‫اإلسالمً خصوصا ‪،‬وهو ما ٌسمٌه منظرو الحوار المعاصرون ب " الحــــــوار النمدي "‬
‫أو "الحوار العملً " أو "الحوار اإللناعً " و لد نسمٌه كذلن ب "الحــوار االعتراضً "‬
‫ولد سماه علماء المسلمٌن من لبل ب ( المناظرة )* "‪. 3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ٌ -‬وسؾ بن عدي ‪ ،‬مشروع اإلبداع الفلسفً ‪،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪. 81‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬الحك فً االختالؾ الفلسفً ‪،‬ص ص ‪. 28،30‬‬

‫* المناظرة هً "فن تدمٌر الخصم "انظر ‪:‬علً أو ملٌل ‪"،‬المجالس و الثمافة العربٌة ‪:‬مجلس أبً سلٌمان السجستانً "‪،‬مجلة المناظرة ‪،‬العدد‬
‫‪(3‬حرٌزان ‪ٌ/‬ونٌو ‪ ،)1990‬ص ‪. 8‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 31‬‬

‫‪104‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وٌعرؾ الحوار النمدي كالتالً " هو الحوار االختالفً الذي ٌكون الؽرض منه دفع‬
‫االنتمادات –أو لل االعتراضات – التً ٌوردها أحد الجانبٌن المتحاورٌن على رأي – أو‬
‫لل دعوى – اآلخر بؤدلة معمولة و ممبولة عندهما معا "‪. 1‬‬

‫وبهذا "فإن الحوار االختالفً مع األمم و الحضارات األخرى ال ٌنفً على وجه‬
‫اإلطالق ‪،‬االستفادة منها وتبنً بعض التراحاتها وتصوراتها التً ال تجافً الفطرة اإلنسانٌة‬
‫وال تناهض الكرامة البشرٌة المتنوعة ‪ ،‬لذا كان للؽة االختالؾ دور حاسم فً مواجهة‬
‫أفات اجتماعٌة و سٌاسٌة و فكرٌة هابلة ومنها ‪ :‬العنؾ ‪ ،‬واالنؽالق ‪ ،‬و الصراع "‪. 2‬‬

‫ال ٌخفى عنا أن التعصب لرأي ٌسبب العنؾ لولؾ الحوار و المنازعة وذلن‬
‫باستخدام العنؾ المادي أي عن طرٌك الٌد أو العنؾ المعنوي وٌتمثل فً استخدام لوة‬
‫اللسان وهنان مولؾ آخر ألل عنفا وذلن عن طرٌك تدخل الوسٌط " باللجوء إلى الحل‬
‫الوسط أو بإجراء المرعة (‪ )...‬ومن هنا ٌتضح أن المنازعة التً تضاد الجماعة وتضعفها‬
‫إنما هً المنازعة التً تلجؤ إلى العنؾ "‪ ،3‬ولد وضع " طه عبد الرحمن " بعض الضوابط‬
‫للحوار االختالفً النمدي ولسمها إلى ثالثة ألسام وهً الضوابط الصارفة للعنؾ و‬
‫الضوابط الصارفة للخالؾ و الضوابط الصارفة للفرلة ‪.‬‬

‫الضوابط الصارفة آلفة العنف و متمثلة فً ‪:‬‬

‫‪ -‬ضابط حرٌة الرأي والنمد ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪. 33‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ٌ -‬وسؾ بن عدي ‪،‬مشروع اإلبداع الفلسفً ‪،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪. 83‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬الحك العربً فً االختالؾ الفلسفً ‪،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪. 34‬‬

‫‪105‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ -‬ضابط الحمابك المشتركة ‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫‪ -‬ضابط لواعد االستدالل‬
‫أما الضوابط الصارفة آلفة الخالف فهً ‪:‬‬
‫‪ -‬ضابط واجب اإلثبات‪.‬‬
‫‪ -‬ضابط االثبات األنسب ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬ضابط االعتراض األنسب‬
‫أما الضوابط الصارفة آلفة الفرلة " فتتجلى فً ضابط أحكام العبارة وضابط استمامة‬
‫السلون ‪،‬وضابط حصول الصواب ‪ ،‬وٌتحصل من هذا أن الحك فً االختالؾ الذي ٌتؤسس‬
‫على شروط أساسٌة كالنطمٌة ‪،‬و اإللناعٌة ‪،‬و اإلعتمادٌة من أجل بناء جسور العمل التعارفً‬
‫المفضً إلى تحصٌل الصواب والحك "‪ ،3‬كل هذه الضوابط ألجل إلرار أنه " ال مشروعٌة‬
‫علمٌة للتعصب فً الرأي الذي ٌكون نتاج الحوار العملً ‪ ،‬ولو كثر عدد المتحاورٌن‬
‫المشتركٌن فٌه ‪،‬عمالء ومجتهدٌن "‪. 4‬‬
‫نستخلص أن بنٌة الكالم تموم على الحوار وبنٌة الحوار أساسها االختالؾ ولٌس‬
‫االتفاق ‪،‬وأن االختالف فالرأي ال ٌحل بالعنؾ مهما كان شكله ألن بنٌة الحوار تموم على‬
‫االختالؾ الذي ٌإدي إلى الوفاق بٌن الطرفٌن ‪،‬ولتجنب العنؾ فً الحوار علٌنا أن نتمسن‬
‫بالضوابط المنهجٌة التً وضعها الدكتور " طه عبد الرحمن " للحد من المهلكات الثالث‬
‫"العنؾ "‪"،‬الخالؾ "‪"،‬الفرلة" ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪،‬ص ص ص ‪. 40-39-38‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪،‬ص ص ‪. 42-41‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ٌ -‬وسؾ بن عدي ‪،‬مشروع االختالؾ الفلسفً ‪ ،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪. 85‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬الحك العربً فً االختالؾ الفلسفً ‪،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪. 45‬‬

‫‪106‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫إن فابدة االختالؾ " ٌجلب الحوار وٌصون الجماعة ‪،‬فنحن حٌنما ندعو إلى االختالؾ‬
‫الفلسفً بٌن األلوام ‪ ،‬فإننا ندعو ‪ ،‬فً ذات الولت ‪،‬إلى الحوار الفلسفً بٌنها من جهتٌن‬
‫اثنٌن ‪ :‬أحداهما أن الفلسفة بموجب طبٌعتها االجتهادٌة ‪ ،‬تشترط االختالؾ ‪،‬واالختالؾ‬
‫ٌشترط الحوار "‪ ،1‬والثانٌة " أن االختالؾ الفلسفً ٌكون بٌن األلوام المختلفة أشد منه بٌن‬
‫األفراد المختلفٌن داخل الموم الواحد ‪ ،‬فٌكون أدعى إلى التفلسؾ ‪ ،‬وإذا على لـــدر‬
‫االختالؾ ‪ ،‬تكون الممارسة الفلسفٌة ‪ ،‬فإن زاد زادت وإن نمص نمصت ‪ٌ ،‬لزم من هذا أننا‬
‫نكون فً حالة اختالفنا الفلسفً مع األلوام األخرى أو َ‬
‫ؼ َل فً التفلسؾ منا فً حالة اختالفنا‬
‫مع أفراد من بنً لومنا "‪. 2‬‬

‫‪3‬‬
‫" إن االختالؾ ضرورة جدلٌة لتطور الفكر و التارٌخ كما أكـد على ذلن هٌؽل "‬
‫كما "من شروط االختالؾ الفكري التحرر من آفة التملٌد و التبعٌة و محاولة اإلتٌان بما لٌس‬
‫عند الؽٌر من مموالت (‪)...‬توافك ممتضٌات التداول اللؽوي و المعرفـــــً وحتى العمدي ‪،‬‬
‫إذ بذلن تكون األمة العربٌة و اإلسالمٌة على طرٌك اإلبـداع و التجدٌد وإن االختالؾ‬
‫الفكري ال ٌستوي إال إذا امتد إلى تموٌم اآلفات الخلمٌة ونــــمد المعضالت االجتماعٌــــــــة‬
‫و السٌاسٌة "‪. 4‬‬

‫‪ 3-1‬االعتراضات على الفكر الكونً ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪،‬ص ص ‪. 47-46‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 47‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمن الٌعموبً ‪،‬الحداثة الفكرٌة ‪ ،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪. 73‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ٌ -‬وسؾ بن عدي ‪ ،‬مشروع اإلبداع الفلسفً ‪،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪. 87‬‬

‫‪107‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫إن الفكر الشمولً الذي خلفه الوعً الفلسفً الؽربً ‪ ،‬لم ٌعد لادرا ‪ ،‬على معالجة كل‬
‫المشاكل اإلنسانٌة من رؼم اعتراؾ الٌونان بؤن الفلسفة كلٌة إجماال فً وحدة الطبٌعة‬
‫اإلنسانٌة ووحدة العمل ولكن هذا معارض ألن " مبدأ إتحاد الطبٌعة اإلنسانٌة ‪ ،‬على فرض‬
‫صحته ‪ ،‬ال ٌلزم منه بالضرورة إتحاد العمل (‪ )...‬مبدأ طبٌعة اإلنسان ال ٌوجــب اتحاد‬
‫العمل ‪ ،‬وكل ما ٌوجبه هو حصول االشتران فٌه ‪ ،‬واالشتران فً العمل ؼٌر اإلتحــــــــــاد‬
‫فٌه ‪،‬وإن مبدأ اتحاد العمل ‪ ،‬على تمدٌر صحته إن ال ٌلزم منه بالضرورة إتحــاد الفلسفة‬
‫‪،‬ذلن أن العمل ‪ ،‬لو فرضناه واحدا ‪ ،‬فإن فعالٌاته لٌست واحدة "‪.1‬‬

‫كما أن " العمل لٌس ذاتا لابمة بذاتها كما تصور الٌونـان بمدر مــا هو فعالٌـــة مثله‬
‫فً ذلن مثل اإلدراكــات اإلنسانٌة األخرى ‪ ،‬كــالسمع و البــــــصر وشــؤن الفعالٌـــة أن‬
‫‪2‬‬
‫‪ ،‬وإذا تمرر أن الملب مصــدر العمل فإن "‬ ‫تتؽٌـــر بتؽٌــر األسبــــاب و الظروؾ "‬
‫العمل الصـــادر عن المـــــلب هو عبارة عن التناص العاللات ‪ ،‬فالملب ٌموم بعملٌة ربط‬
‫األشٌاء بعضها مع بعض ممٌما عاللات فٌما بٌنها ‪ )...(،‬فالٌونان كـــانوا ٌنظرون إلى هـــذا‬
‫الـــربط على أنـــه شامل للكون ‪ ،‬بحٌث ٌشكل العمل نظام الكون ‪ )...(،‬فً حٌن أن العمل‬
‫عند المحدثٌن هو ربط بٌن وسابل وؼاٌات على أساس أن هنان أشٌاء تعتبر ؼاٌات (‪)...‬‬
‫والربط العملً هو أن تجعل لكل ؼاٌة وسٌلة "‪. 3‬‬

‫ٌتضح اعتبار المول بالكونٌة الكٌانٌة للفلسفة لول باطل ومبالػ فٌه فالفلسفة الٌونانٌة فلسفة‬
‫لومٌة خاصة بتارٌخ معٌن فكانت أساطٌرهم لومٌة و معارفهم لومٌة وحكمهم لومٌة‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬الحك العربً فً االختالؾ الفلسفً ‪ ،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪. 55‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ٌ -‬وسؾ بن عدي ‪ ،‬مشروع اإلبداع الفلسفً ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪. 87‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬الحوار أفما للفكر ‪ ،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪. 42‬‬

‫‪108‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وبهذا االعتبار "وضع الكاتب" طه عبد الرحمن " معاٌٌر لفحص وتموٌم تلن العمالنٌة‬
‫بمنحاهما األرسطً و الدٌكارتً ومنها ‪ »:‬معٌار الفاعلٌة ‪ ،‬ومعٌـــار التموٌم ‪ ،‬ومعٌار‬
‫التكامل « ولد تمت هذه المراجعة التموٌمٌة فً مناسبات كثٌرة و سٌالات مختلفة ‪ ،‬سواء‬
‫فً إطار الترجمة و الفلسفة ‪ ،‬أو فً معرض النمد األخاللً ‪ ،‬أو فً نطاق بناء ترتٌب رتب‬
‫العمالنٌات »المجردة أو المسددة أو المإٌدة« "‪.1‬‬

‫لمد سمحت هذه المعاٌٌر من " فسح المجال أمام فكرة التعدد فً الفلسفات ‪ ،‬و مشروعٌة‬
‫االختالؾ فً المفاهٌم و التنوع فً االحكام و المٌم ‪ ،‬بل أسهمت فً تكرٌس الحك العربً و‬
‫االسالمً فً االختالؾ الفكري و من ثمة فإذا بطل أن تكون الفلسفة كلٌة ‪ ،‬وجب أن تكون‬
‫جزبٌة ال تتعلك إال بفبة الفالسفة الذٌن نشؤوا فً حضن ثمافً خاص " ‪. 2‬‬

‫هنا ‪ٌ ،‬كون الطرٌك الملكً نحو بناء أو إنشاء فضاء فلسفً عربً جدٌد ال ٌعتمد فً الفلسفة‬
‫‪3‬‬
‫الخالصة و أسطورتها و ال تمٌل كل المٌل إلى العمالنٌة المجردة المفلسة "‬

‫إن "الفلسفة الكونٌة بنٌت على بنى ٌهودٌة التً أنتجها النظام العالمً الجدٌد والذي‬
‫أطلك علٌه اسم "العالمٌة فً الفلسفة " فكانت هذه الفلسفة ذات أصول ٌهودٌة تخدم المجال‬
‫السٌاسً فمط فؤصبح ما ٌسمى التهوٌد فً الفلسفة ‪ ،‬فالعالمٌة المفروضة هنا بنٌت لرلعة‬

‫‪1‬‬
‫‪ٌ -‬وسؾ بن عدي ‪ ،‬مشروع اإلبداع الفلسفً ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪. 88‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪88‬‬

‫‪109‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫جؽرافٌة ما ومكان معٌن وإذا انتشرت فتكون من خالل الهٌمنة االستعمارٌة أو الموة المادٌة‬
‫‪1‬‬
‫فعلى المفكر العربً أن ٌتحــــلى بمجموعة من المٌــم لٌتخلى عن هــذا اإلرث الٌهـــودي"‬

‫" إذ المٌم هً جملة المماصد التً ٌسعى الموم إلى إحمالها متى كان فٌها صالحهم ‪،‬‬
‫عاجال أو أجال (‪)...‬أما المعاٌٌر ‪ ،‬فهً جملة الوسابل التً ٌتوسل بـها الموم فً جلب المٌم‬
‫الصالحــــــة "‪.2‬‬

‫تعتبر الفلسفة على حسب إدعابهم أنها كونٌة ولكنها لامت على خلفٌات لذلن على المفكر‬
‫العربً المعاصر أن ال ٌمعد ساكنا " فمد آن األوان لكً نخوض معركة اصطالحٌة نواجه‬
‫فٌها مصطلحات الفضاء الفلسفً المتهود بمصطلحات تدفع عنا شرور التهوٌد ‪،‬فنفرق حٌث‬
‫لم ٌفرق أهل الفضاء ‪ ،‬ونجمع حٌث لم ٌجمعوا ‪ ،‬ونصرح بما أضمروا ونسمعهم ما لم‬
‫ٌسمعوا ‪ ،‬ونستشكل ما لم ٌستشكلوا ‪ ،‬ونفلسؾ ما لم ٌفلسفوا ‪ ،‬أو لل باختصار ننشا فً‬
‫‪3‬‬
‫الفكر ما لم ٌنشبوا ‪ ،‬فإن لوة االصطالح ؼدت ال تمل عن لوة السالح "‬

‫إن تارٌخ الفلسفة انبنى على االعتراؾ بالكونٌة الفلسفٌة واتخذ شكلٌن هما الصورة‬
‫اإلؼرٌمٌة التً تدعً بالكلٌة للفلسفة وثانٌا الصورة أوربٌة تدعً أن الفلسفة عالمٌة وعلى‬
‫أساس هذا ظهرت عدة انتمادات كارتباط الفلسفة بالسٌاق التارٌخً االجتماعً وارتباطها‬

‫‪1‬‬
‫‪-‬أنظر ‪ ،‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬الحك العربً فً االختالؾ الفلسفً ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ‪.65‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪،‬ص‪. 68‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪،‬ص ‪. 79‬‬

‫* المٌام ‪ :‬األصل فً المٌام هو الحركة والعمل ‪ ،‬وضد الفعل ‪ " :‬لام " هو " لعد " ‪ ،‬والمعود إنما هو سكون و جمود ‪.‬‬

‫** الموام ‪ :‬هو مجموعة المٌم التً ٌؤخذ بها بها الموم ‪.‬‬

‫*** المومة ‪ :‬هً عمل الجهاد و االجتهاد الذي ٌموم به الموم على بكرة أبٌهم ‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫بالسٌاق اللؽوي واختالؾ الفالسفة فٌما بٌنهم و ال مفر للفٌلسوؾ العربً إلى الولوؾ فً‬
‫وجه التهوٌد الجاري للفلسفة الحدٌثة ‪ ،‬إلى بخلك فضـاء فلسفً عربً ٌستند إلى لومٌة حٌة‬
‫تتصؾ بخصابص ثالث ‪" :‬المٌام* " ‪ "،‬الموام **"‪"،‬المومة ***" وعلٌنا أن نتسلح بمجموعة‬
‫من الخطط منها "خطة المماومة التً توجـــــــــب أن نمارس االعتراض على كل المفاهٌم‬
‫الفلسفٌة المنمولة ‪ ،‬وال نمبل منها إال ما تؤكدنا من صحته بواسطة األدلة الماطعة وتؤكدنا من‬
‫فابدته بواسطة المٌم النافعة ‪ ،‬وثانٌا ‪ ،‬خطة التموٌم التً توجب أن نحفظ الصلة بٌن المفاهٌم‬
‫الفلسفٌة وبٌن المٌم التً توجه العمل فً مجالنا التداولً أو بٌنها وبٌن المٌم التً تكون ثمرة‬
‫هذا العمل ‪ ،‬حتى تبمى هذه المفاهٌم حٌة تإدي وظٌفتها فً إٌماظ اإلنسان العربً "‪.1‬‬

‫على المفكر العربً أن ٌخلك فضاء فلسفً عربً مبدع تتوفر فٌه الخصوصٌة‬
‫المومٌة حٌث ٌكون مبنً على أسس ومفاهٌم وتصورات ؼٌر جامدة وعلى لواعد اللؽة‬
‫والمعرفة و العمٌدة ‪ ،‬كما أنه علٌنا أن نعٌد االعتبار إلى جانبٌن هما الجــانب اإلستنتـــــاجً‬
‫و التخٌلً فعلى المتفلسؾ لكً ٌبدع أن ٌتحمك فً الخصوصٌة االشارٌة " إن الطرٌك نحو‬
‫التحرر من التملٌد الفكر الكونً المزعوم ‪،‬بفعل ولاحة االستعالء وولاحة االجتثاث ‪،‬هو‬
‫تؤسٌس الفكر الفلسفً العربً على جملة من األمور األساسٌة ومنها ‪ :‬أن الفلسفة فً‬
‫جوهرها فلسفة تؤثٌلٌة بمعنى تؤخذ بالمدلول الفلسفً العربً وبناء المدلول االصطالحً علٌه‬
‫وضعا وتوظٌفا "‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪،‬ص ص ‪. 81- 80‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ٌ -‬وسؾ بن عدي ‪ ،‬مشروع اإلبداع الفلسفً ‪ ،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪. 90‬‬

‫‪111‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪112‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ -2‬مشروع اإلبداع الفلسفً‬

‫‪ 1-2‬عوائك االجتهاد و التجدٌد ‪:‬‬

‫هنان عوابك جعلت المثمؾ العربً ٌنحصر فً ركن الجمود العملً وتخبط فً التبعٌة‬
‫لذلن ٌرى "طه عبد الرحمن " أن التملٌد دخل على الفلسفة اإلسالمٌة من خالل الترجمة‬
‫التً ارتبطت صلتها بالفلسفة ‪ ،‬وهذا ما أنتج العاللة بٌن الفلسفة والترجمة ‪ ،‬فالسبب األول‬
‫الذي أدى إلى انطفاء الفلسفة أال وهو الترجمة " فلم ٌمترن شًء فً الفكر اإلسالمً العربً‬
‫‪ .1‬ففلسفتنا‬ ‫بالترجمة التران الفلسفة بها حتى ال فلسفة معترؾ بها بٌننا بؽٌر ترجمة "‬
‫فلسفة مترجمة ‪.‬‬

‫حٌاة الفلسفة تماس بمدى تمٌز الفلسفة باإلبداع وموتها ٌماس بفمدان هذا اإلبداع وهذا ما‬
‫جعلنا نحكم على أن الفلسفة العربٌة ال إبداع فٌها ‪ ،‬و سبب فً هذا هو الطرٌمة التً تمارس‬
‫بها هذه الترجمة "وال سبٌل إلى حٌاة الفلسفة إال بترجمة ناطمة ومبصرة ‪ ،‬وال ٌمكن أن‬
‫تكون الترجمة ناطمة حتى تتوسل بالبٌان العربً فً نمل ألفاظ األصل و تبلٌػ مضامٌنه ولو‬
‫التضى ذلن التصرؾ بحسب الحاجة فً هذه األلفاظ وهذه المضامٌن ‪،‬ألن النمل ‪ ،‬متى لم‬
‫ٌكن إال باأللفاظ المَ ِلمَة و المضامٌن المستؽلمة ‪ٌ ،‬صٌر ضرره أكثر من نفعه ‪،‬ألنه ٌَ ُ‬
‫شل لوة‬
‫الفهم عند المتلمً ‪ ،‬فٌزٌد فً جهله "‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬فمه الفلسفة ‪(،‬المول الفلسفً ‪ ،‬كتاب المفهوم و التؤثٌل )‪ ،‬المركز الثمافً العربً ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،1999 ،‬ص‬
‫‪.19‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬حوارات من أجل المستمبل ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ص ‪.106-105‬‬

‫‪113‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫كما أن " الترجمة الفلسفٌة العربٌة ولعت فً التملٌد ‪ ،‬مخلة بممتضى اإلبداع من‬
‫جهتٌن ‪ ،‬اذ ال ابتكار فٌها و ال جمال ‪ ،‬وهذا هو بالذات السبب الذي جعل الشروح تتسلسل‬
‫وال تنتهً ‪ ،‬ولٌس ذلن لعمك األفكار وجدتها ‪ ،‬وإنما لركاكة العبارة التً تجعل األفكار‬
‫ُمستؽلمة على األذهان فٌتعاطى ال ُ‬
‫ش َراح الواحد تلو األخر رفع ذلن االستؽالق ‪ ،‬كل على‬
‫لدره "‪.1‬‬

‫تمر ترجمة النص الفلسفً بمراحـــل وهً ‪ :‬الترجمة التحصٌلٌــــة * ‪ ،‬الترجمــــــة‬


‫التوصٌلٌــة * *‪ ،‬الترجمة التؤصٌلٌـــة ***‪ ،‬من هذه األنــواع الترجمــات نجــد "طه عبد‬
‫الرحمن " ٌفضل الترجمة التؤصلٌة ألنها األولى " حتى إذا تمكن المتلمً من استٌعاب‬
‫المنمول إلٌه على األلل فً الجوانب التً توافك عاداته اللؽوٌة و المعرفٌة ‪ ،‬جاز حٌنبذ‬
‫معاودة هذه الترجمة بإتباع الطرٌمة التوصٌلٌة "‪.2‬‬

‫كان اعتراض " طه عبد الرحمن " على الترجمة الواحدة للكتاب الواحد وحجته فً‬
‫ذلن أن الترجمة تختلؾ عبر الزمان والمكان و األحوال و الظروؾ و اختالؾ المترجمٌن‬
‫فٌما بٌنهم " أن تعدد ترجمات الكتاب الواحد بتعـــدد المترجمـٌن تكرار فٌه إهدار للجهد‬
‫(‪ ، )...‬وإن المترجمٌن لٌسوا صنفا واحدا ‪ ،‬بل أصنافا متعددة (‪ ، )...‬فنجد بٌنهم من ٌمدم‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪،‬ص ‪.69‬‬

‫* الترجمة التحصٌلٌة ‪ :‬التً تتمسن بحرفٌة اللفظ ‪ ،‬بحٌث ال لفظ من ألفاظ النص إال نملته ‪ ،‬ولد تزٌد األلفاظ عن نصها األصلً ‪ ،‬وال تنمص ‪.‬‬

‫** الترجمة التوصٌلٌة ‪ :‬التً تتمسن بحرفٌة المضمون دون حرفٌة اللفظ ‪،‬بحٌث ال معنى من المعانً النص إال نملته ‪.‬‬

‫* ** الترجمة التؤصٌلٌة ‪:‬وهً التً تتصرؾ فً المضمون كما تتصرؾ فً اللفظ ‪ ،‬بالمدر الذي ٌمكن المتلمً من اكتساب المدرة على التفلسؾ ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحن ‪ :‬فمه الفلسفة ‪( ،‬المول الفلسفً ‪ ،‬كتاب المفهوم و التؤثٌل )‪ ،‬مصدر سابك ‪،‬ص ‪. 20‬‬

‫‪114‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫لؽة األصل على لؽة النمل ‪ ،‬ومن ٌمدم لؽة النمل على لؽة األصل ‪ ،‬وأٌضا من ٌنظــــــــر‬
‫إلى النص بعٌن المإلؾ ومن ٌنظر إلٌه بعٌن المتلمً " ‪.1‬‬

‫" من المإكد أٌضا أن للترجمة أصوال وجذورا دٌنٌة مسٌحٌة و توراتٌة تسهم فً‬
‫تعارضها مع عمالنٌة الفلسفة و شمولٌتها " ‪،2‬فنجدها تعارض خصوصٌة الفلسفة " ٌحصل‬
‫التعارض بٌن شمولٌة الفلسفة و خصوصٌة الترجمة ‪ ،‬فالفلسفة تطمح إلى التناص المعانً‬
‫الكلٌة ‪ ،‬إذ ال علم إال بالكلٌات ‪ ،‬و الترجمة تنكب على لؽات خصوصٌة عند ممارستها على‬
‫النصوص الفلسفٌة مانعا ٌمنع الفلسفة من الوصول إلى ؼرضها فً التناص المعانـــــــــً‬
‫و الحمابك الكلٌة "‪.3‬‬

‫ٌلزم على مشتؽل الفلسفة تلمً النصوص الفلسفٌة عبر الترجمة التؤصٌلٌة حتى تحصل‬
‫له الملكة الفلسفٌة ‪ ،‬أو كما ٌطلك علٌها " الفلسفة الحٌة " * فالفلسفة لٌست تحفظ عن الؽٌر‬
‫وإنما هً إبداع أو لل باألحرى هً طرٌمة ٌتحمك بها االرتضاء فً الفكر و االتســــــــاع‬
‫فً العمل وإال كان ضرر المنمول فً الفلسفة أكثر من نفعها ‪.‬‬

‫ٌصنؾ "طه عبد الرحمن " فً المرتبة الثانٌة الترجمة التوصٌلٌة لٌدرن الفروق بٌن‬
‫المضامٌن الفلسفٌة ‪ ،‬فٌمتبس منها ما شاء و ٌصرؾ ما شاء بحسب طالته وحاجتــــــــــه ‪،‬‬
‫ثم الترجمة التحصٌلٌة ‪ ،‬لٌدرن الفروق بٌن التعابٌر الفلسفٌة فٌمٌس على ما شاء و ٌطرح ما‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬روح الحداثة‪ ،‬المدخل الى تؤسٌس الحداثة اإلسالمٌة المركز الثمافً العربً ‪ ،‬المؽرب الطبعة االولى ‪ ، 2006،‬ص‬
‫‪.151‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ٌ - -‬وسؾ بن عدي ‪ ،‬مشروع االبداع الفلسفً العربً ‪ ،‬مرجع سابك ‪.151،‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪،‬ص ‪.151‬‬

‫* الفلسفة الحٌة المراد بها الفلسفة التً تنتمل عن الؽٌر المضمون الفلسفً ‪ ،‬ناظرة فً أسبابه التداولٌة‬

‫‪115‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫شاء ‪ ،‬فٌكون المترجم حرا ال ممٌدا و مجددا ال مملدا " وهكذا اندفع بعض علماء األلسن‬
‫المعارضٌن إلى بناء لؽة جامعة و هو األمر الذي ٌجعل الترجمة تطمح إلى ما تطمح إلٌه‬
‫الفلسفة من تحمٌك الشمولٌة بحٌث ٌصرح وال تكون اللؽة الجامحة التً جعلها بعض‬
‫اللسانٌن مطٌة تخلع و صؾ الشمولٌة على الترجمة ‪ ،‬فً جوهرها إال اللؽة الكلٌة نفسها‬
‫التً تعمل الفلسفة على بنابها ‪ ،‬فتبمى الشمولٌة من نصٌب الفلسفة وحدها ‪ ،‬وتعود الترجمة‬
‫إلى سابك خصوصٌتها "‪.1‬‬

‫الواضح أن هنان عدة أسباب أدت إلى تعثر الترجمات العربٌة بسبب إنشابها للؽة‬
‫هجٌنة فؤفضى إ لى " مخالفة لواعد المجال التداولً العربً سواء على مستوى التعبٌــــــــر‬
‫و الصٌاؼة أم على مستوى التركٌب و البناء و بهذا انتشرت (‪ )...‬الترجمة الحرفٌـــــــــــة‬
‫و الترجمة الحرة ‪ ،‬هذه األخٌرة التً تشـــمل كما ٌمول " طه عبد الرحــمن " الترجمــة‬
‫التحصٌلٌــــــة و الترجمة الشرحٌة و الترجمة التفسٌرٌة و هً على الحمٌمة ضروب من‬
‫النمل تنــــــدرج مع هذه األنواع فً باب الترجمة الحرة "‪.2‬‬

‫وعلى هذا ٌعتبر "طه عبد الرحمن " أن الترجمة االستكشافٌة * هً التً تفتح األفك أمام‬
‫المترجم " إن الترجمة االستكشافٌة هً الترجمة التً تكشؾ للمتلمً طـــــرق إبـــــداع‬
‫نظٌر أو نظابر للنص األصلً ‪ ،3‬و ذلن لتحمٌك التكامل " الترجمة المنطمٌة و الترجمة‬
‫الداللٌة و الترجمة التركٌبٌة (‪ )...‬الترجمة المنطمٌة فهً تختص فً نــــمل البنى العملٌة‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 151‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 152‬‬

‫* الترجمة االستكشافٌة ‪ :‬هً الترجمة التً تتطلع إلى نمل هذه الطرق على الوجه الذي ٌوصل المتلمً إلى وضع نص ٌضاهً نص المإلؾ ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬روح الحداثة ‪،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ‪. 162‬‬

‫‪116‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫التً تشكل المحتوى الفكري للنص األصلً (‪ )...‬و أما الترجمة الداللٌة فهً التً تسعى‬
‫سعٌا جدا إلى نــمل البنى المعنوٌة التً توسلت بها – أو وردت لـــــــها – بنى المنــطمٌة‬
‫فً النــص األصلً (‪ )...‬و أما الترجمة التركٌبٌة فهً التً تنمل البنى النحوٌة التً توسلبها‬
‫– أو صٌؽت لها البنى الداللٌة "‪ ،1‬و نخلص من هذا " أن للمترجم و وظٌفتٌن أساسٌتٌـــــن‬
‫و هما ‪ :‬حفظ االختالؾ فً األصول الفلسفٌة الحاصلة بٌن الثمافات ‪ ،‬الثمافة الناللة و الثمافة‬
‫المنمولة ‪ ،‬والوظٌفة الثانٌة التً ٌنبؽً فٌها للمترجم أن ٌحفظ جوانب االتفاق و جوانب‬
‫االفتمار إلٌها و بالتالً ‪ ،‬تضحً تبعٌة الفلسفة و الترجمة تبعٌة اتصالٌة " ‪.2‬‬

‫ٌتضح " أن الترجمات التً الترحتها من شؤنها أن تخلصنا من نٌر التملٌد ‪ ،‬نظرا ألنها تصل‬
‫المترجمات بما عند المتلمً من أسباب التداول (‪ )...‬تستطٌع هذه الترجمات أن تحٌـــــــــى‬
‫فً الملوب والعمول وال ِمراء فً أن هذه الحٌاة من الداخل هً الشرط الذي ال ؼنى عنه فً‬
‫كل اجتهاد مجدد و كل إبداع مإصل "‪.3‬‬

‫‪ 2-2‬روح الحداثة و مبادئها ‪:‬‬

‫علٌنا التفرٌك بٌن روح الحداثة و الحداثة الغربٌة للخلط الداللً و اختالؾ التعارٌؾ‬
‫التً وضعت للحداثة عند الفالسفة العرب والغرب ‪ " ،‬فإن التفرٌك بٌن "روح الحداثــــــة "‬
‫و بٌن " الحداثة الؽربٌة " بوصفها أحد تجلٌاتها الوالعٌة أو التارٌخٌة أو الخلمٌة وٌمكننا من‬
‫رفع اللبس الذي ٌكتنؾ مفهوم "الحداثة " متسببا فً تهوٌله و تعجٌز الشعوب ؼٌر العربٌة‬

‫‪1‬‬
‫‪ٌ -‬وسؾ بن عدي ‪ ،‬مشروع اإلبداع الفلسفً ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ص ‪. 153- 152‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.159‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬حوارات من أجل المستمبل ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ‪.114‬‬

‫‪117‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫على النهوض بممتضٌاته ‪ٌ ،‬بمى إذا أن نمؾ على ماهٌة هذه الروح ‪ ،‬حتى نبٌن كٌؾ أنها ال‬
‫تختص بالحداثة الؽربٌة ‪ ،‬بل إنها تتعداها "‪ ، 1‬فلنسؤل إذن ما هً خصائص روح الحداثة ؟‬

‫أوال ‪ :‬مبادئ روح الحداثة‬

‫إن مفهوم الحداثة ال ٌخلو من صعوبة فً ضبط المعنى ‪ ،‬فلٌست هنان لوانٌن تخص‬
‫الحداثة وإنما لها سمات وخصابص تمٌزها " إنما الحداثة تجدٌد ال تملٌد‪ .‬وإنما المملد من إذا‬
‫لٌل له من أ ٌن لن هذا ٌمول سمعت الؽٌر ٌموله فملته ‪.‬ولذلن فإنه ألن ٌكون المرء "حداثٌا "‬
‫معناه أال ٌملد الحداثً فً شًء من أمره ‪ ،‬وإال إنملب هو إال " مملد " ‪ .‬ومن شؤن الحداثة‬
‫أ نها ال تمبل التملٌد ‪ .‬فكل مبدع حداثً وكل مملد ؼٌر حداثً حتى ولو للد الحداثة ‪ .‬فــمد‬
‫تحمك ‪ ،‬أن الحداثة ال ٌمكن أن تكون إال إبداعا ‪ ،‬و أن ما من تمالٌد لها إال وهو النسخ وما‬
‫من نسخ لها وإال و هو مسخ "‪.2‬‬

‫" إن روح الحداثة هً لـــــٌم كونٌة ‪ ،‬لكن دافـــع الحداثـة هو تـطبٌك مـحلً ولـٌس‬
‫كـونً ‪.‬بـــــــل أن ثمة ‪،‬على التحمـٌك ‪ ،‬ضربٌــــــن من الكونٌــــــــــــة ‪ " :‬كونٌة سٌالٌة "‬
‫‪ ،‬ومبناها على أن الشًء و إن هو أبدع فً مكان ما فمد ٌعاد إبداعه فً مجتمع آخر‪ .‬ومثال‬
‫ذلن ‪ :‬حــــموق اإلنسان ‪ ،‬كـــــونٌة ؼٌر سٌالٌة ‪ ،‬ومعناها أن الشًء إن هو أبدع فً مجتمع‬
‫فإنه ال ٌبدع فً مجتمع آخر ‪ ،‬بل ٌإخذ على أصله فتفهم "‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬الحداثة والمماومة ‪ ،‬معهد المعارؾ الحكمٌة ‪ ،‬سنتر صولً ‪ ،‬ط‪ ،2007، 1‬ص ‪.22‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬دمحم الشٌخ ‪ ،‬جاذبٌة الحداثة و مماومة التملٌد ‪،‬دار الهادي ‪،‬لبنان ‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،2005،‬ص ‪208‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬دمحم الشٌخ ‪ ،‬جاذبٌة الحداثة و مماومة التملٌد ‪ ،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪.210‬‬

‫* ممابله االنجلٌزي ‪principle of majority :‬‬

‫‪118‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫حددت مبادئ فً أسس ثالثة وهً ‪" :‬مبــدأ الرشد "* ‪" ،‬مبدأ النـــمد "**‪ " ،‬مـــبدأ‬
‫الشمول "*** المبدأ األول ‪ :‬هو "مبدأ الرشد فهذا المبدأ ٌتفك مع الحداثة ومع التصور‬
‫التداولً اإلسالمً ‪ . )...( ،‬وللذٌن ٌؤخذون بوالع الحداثة الؽربٌة من أبناء ألمة لم ٌحمموا‬
‫مبدأ الرشد علً اإلطالق ‪،‬ألنهم ظلوا لاصرٌن ومملدٌن لؽٌرهم ‪،‬فإذا ً ال تتـــحمك فٌهم‬
‫‪1‬‬
‫‪ ،‬إن عمل بهذا المبدأ ٌخرج صاحبه‬ ‫الحداثة ‪ ،‬بل حداثتهم مملدة ‪ ،‬وال رشد مع التملٌد "‬
‫من حالة لصور واإلتباع الى حـــالة الرشد ‪ ،‬وٌبنى هذا المبدأ على ركــــــنٌن أساسٌٌن هما‬
‫االستمالل * واإلبداع * ‪.‬‬

‫المـــــــبدأ الثانً ‪ :‬هو "مبدأ النمد ممتضى هذا المــــــــبدأ هو أن األصل فً الحداثة هو‬
‫االنتمال من حال االعتماد الى حال االنتماد (‪ )...‬وهو االستــدالل العملً على األشٌاء و‬
‫الفصل التمنً بٌن مجـــــــــــــــــــــاالتها (‪ )...‬إذ ال ٌكتفً الحـــداثً بؤن ٌعــرض أراء‬
‫ؼٌره على مـــحن العمل ‪ ،‬مناظرا له ‪ ،‬بل إنـــــه ٌـــــلتزم عند النـظر فً ظواهر العــالم و‬
‫مــإسسات المجتمع و سلوكات اإلنسان و موروثات التارٌخ كلها بممتضٌات العمـــالنٌة‬
‫وحــــــــــدها "‪ ،2‬وٌموم هذا المبدأ وٌتؤسس على المطالبة بالتــــدلٌل لكً ٌتحمك التــــسلٌم‬

‫** ممابله االنجلٌزي ‪Autonomy :‬‬

‫*** ممابله االنجلٌزي‪creativity :‬‬


‫‪1‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬الحوار أفما للفكر ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ‪.83‬‬

‫* االستمالل ‪ٌ :‬مصد به بلوغ مستوى ٌمكن من الوصاٌة على الذات والفكر بحٌث ٌستطٌع اإلنسان الراشد تحمٌك ذاتٌته فً التؤمل‬

‫* اإلبداع‪ :‬هو لدرة اإلنسان على السعً إلى أن ٌبدع أفكاره وألواله وأفعاله‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬الحداثة والمماومة ‪ ،‬مصدر سابك ‪،‬ص ‪.24‬‬

‫‪119‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫به ‪.‬ولذلن فـــــهو ضروري وأساسً ‪ ،‬ألنه ٌعكس مدة لدرة العمل وٌبنى على ركنٌن هما‬
‫التعمٌل * و التفصٌل* * ‪.‬‬

‫المبدأ الثالث ‪" :‬مبدأ الشمول "و "ممتضى هذا المبدأ األخٌر هو أن األصل فً الحداثة‬
‫االنتمال من حال الخصوص إلى حال الشمول ‪ ،‬و الراد بالخصوص هنا نوعٌن ‪ :‬خصوص‬
‫المــجال ‪ ،‬ذلن أن كـــل شًء ٌوجد فً مجــــــــــــــال مخصوص تحـــــده حدود معٌنة ‪،‬‬
‫و الثانً ‪ ،‬خصوص المجتمع ‪ ،‬ذلن أن أفراد كل مجتمع مخصوص ٌتمٌزون بصفات‬
‫حضارٌة وثمافٌة محدودة‪ٌ ،‬كون المراد بالشمول هو المدرة على تجاوز هاتٌن‬
‫الخصوصٌتٌن ‪ :‬خصوصٌة المجال وخصوصٌة المجتمع ‪،‬والتؤثٌر فً مختلؾ المجاالت‬
‫الحٌاتٌة ومختلؾ المجتمــعات اإلنسانٌة "‪ ،1‬وٌـــموم هـذا المبدأ على ركنٌن أسـاسٌٌن همـا‬
‫‪ :‬التوسع والتعمٌم ‪ ،‬فالتوسٌع ٌعنً أن أفعال الحداثة تطال كافة المجاالت ‪ ،‬وجمٌع‬
‫المستوٌات " ال تنحصر أفعال الحداثة فً مجال أو مجاالت بعٌنها ‪ ،‬بل إنها تنفذ فً كل‬
‫مجاالت الحٌاة و مستوٌات السلون ‪ ،‬فتإثر فً مجاالت الفكر و العلم و دٌن واألخالق "‪.2‬‬

‫أما التعمٌم فٌعنً إلى أ ن أفعال الحداثة تتعدى كل الحدود التارٌخٌة و الجؽرافٌة وحتى‬
‫الحضارٌة منها ‪ ،‬لتبدأ عملٌة محو الفروق بالتدرٌج وهذه هً العولمة " ال تبمً الحداثة‬
‫حبٌسة المجتمع الذي نشؤت فٌه ‪ ،‬بل إن منتجاتها التً تكون عالٌة التمنٌة ولٌمها التً تدعو‬
‫بموة إلً تحرٌر اإلنسان ترتحل إلً ما سواه من المجتمعات ‪،‬أٌا كانت الفروق التارٌخٌة‬

‫* التعمٌل ‪ :‬أو العملنة هو االستناد إلى المبادئ العمالنٌة ( التنبإ ‪ ،‬التجرٌب ‪ ،‬الحساب ‪ ،‬التطبٌك ) فعلى الظواهر العلمٌة و مإسسات االجتماعٌة‬
‫أن تخضع لهذه المبادئ ‪.‬‬

‫* * التفصٌل‪ :‬أو التفرق وهو تحوٌل العناصر المتشابهة فً شًء إلى عناصر متباٌنة من أجل ضبط آلٌات كل عنصر ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪،‬روح الحداثة ‪،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ‪. 28‬‬

‫‪120‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫والثمافٌة بٌن الطرفٌن ‪ ،‬ثم تـؤخذ علً التـدرٌج فً محو هـذه الفروق ‪ ،‬بـــــــــل ارتحال هذه‬
‫البضابع واألفكار ٌتزاٌد شدة وسرعة بتزاٌد أشكال التمدم التمنً فً وسابل النمل ووسابط‬
‫االتصال "‪.1‬‬

‫إن لروح الحداثة نتابج متعددة من بٌنها " تعدد تطبٌمـــــات روح الحـــداثة ‪ ،‬ذلــــن‬
‫أن التطبٌك ال ٌستنفذ المبدأ ‪ )...( ،‬وأٌضا التفاوت بٌن والع الحداثة وروحها (‪ )...‬و النتٌجة‬
‫الثالثة هً خصوصٌة والع الحداثة الؽربٌة (‪ ، )...‬أمــا النتٌجـــــة المركزٌة التً أوردها‬
‫" طه عبد الرحمن " فهً أننا نتساوى جمٌعا فً النتساب إلى روح الحداثة ‪،‬و ألن هــــذه‬
‫الروح لٌست ملكا ألمة بعٌنٌٌها‪،‬ؼرٌبة كانت أم شرلٌة "وإنما هً ملن لـكل أمة متحضرة‬
‫‪،‬أي لكل أمـــة نهضت بالفعلٌن الممومٌن لــــــكل تحضر ‪،‬وهما الفعل العمرانً وهو‬
‫الجانب المادي من هذا التحضر والفعل التارٌخً الذي هو الجانب المعنوي منه "‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬عبد الرزاق بلعمروز ‪ ،‬تحوالت الفكر الفلسفً المعاصر ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪. 55‬‬

‫‪121‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪ -3‬التطبٌك اإلسالمً لروح الحداثة ‪:‬‬

‫لـــمد كرم هللا عز وجل اإلنسان بملكة عملٌة وهً الحــــــــد الفاصل بٌن اإلنسانٌــــــة‬
‫و البهٌمٌة ‪ ،‬وٌجب أال تنملب هذه الملكة على اإلنسان بحٌث تجـــــــرده من‬
‫أخاللٌاتــــــــــــه و لٌمه ‪ ،‬فاألخالق هً وحدها التً تجعل أفك اإلنسان مستمال عن أفك‬
‫البهابم ‪ ،‬ومن المـــــــــعلوم أن العمالنٌة لسمٌن أولهما العمالنٌة المجردة من " األخاللٌة " ‪،‬‬
‫وهذه مشتركة بٌن اإلنسان و الحٌوان ‪ ،‬وهنان نوع أخر ٌطلك علٌه العمالنٌـــــة المســـددة‬

‫باألخالق ‪ ،‬وهً التً تختص باإلنسان فمط ‪ ،‬وخطاء المحدثٌن اعتبروا المسم األول خاص‬
‫باإلنسان والصواب هو األخاللٌة هً التً تجعل اإلنسان إنسانا ولٌست العمالنٌة كما‬
‫عرفناها منذ لرون بعٌدة " ولد التبس األمر على دعاة العمالنٌة من المحدثٌن ‪ ،‬فظنوا أن‬
‫العمالنٌة واحدة ال ثانٌة لها ‪ ،‬وأن اإلنسان ٌختص بها بوجه ال ٌشاركه فٌه ؼٌره‪.‬ولٌس‬
‫األمر كذلن ‪ ،‬إذ العمالنٌة على لسمٌن كبٌرٌن "‪ ،1‬األمر الذي ٌستدعً السإال حول‬
‫تطبٌمها فً المجال التداولً العربً ؼٌر أن استخدامها فً التطبٌك اإلسالمً لروح الحداثة‬
‫ٌستوجب شروط ‪ ،‬ولبل التطرق إلى الشروط نتطرق إلى آفات الحداثة‬

‫‪ 1-3‬آفات الحداثة ‪:‬‬

‫هنان مجموعة من اآلفات " فمد دخلت على لٌمة " االستمالل " آفة النسبٌة ‪ ،‬حٌث‬
‫ولع االستمالل عن المطلك الدٌنً ‪،‬فؤصبح الحداثً ٌإمن بالنسبٌة بدل المطلك ‪ ،‬فً حٌن‬
‫عرضت لمٌمة " اإلبداع " آفة االنفصالٌة ‪ ،‬إذ أصبح اإلبداع انفصاال عن كل تراث ولطعا‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬سإال االخالق _ مساهمة فً النمد األخاللً للحداثة الؽربٌة ‪ ،‬المركز الثمافً العربً ‪ ،‬الدار البٌضاء ‪ ،‬المؽرب ‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة ‪،2006،‬ص ‪. 14‬‬

‫‪122‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪1‬‬
‫‪ ،‬كما أنه دخلت آفات أخرى " وطرأت على لٌمة "العمالنٌة "آفة‬ ‫للصلة بكل ما سبك "‬
‫األداتٌة ‪ ،‬فتحولت إلى عمالنٌة وسابل ال تفكر إال فً تولٌد التمنٌات وتطوٌرها ‪ ،‬بٌنما‬
‫عرضت لمٌمة " الفصل " الحداثٌة آفة التجزٌئٌة ‪ ،‬وال نستؽرب أن ٌؤتً عهد ما بعد‬
‫الحداثة لٌطور التجزٌبٌة الى تفتٌتٌة "‪ .2‬واٌضا "دخال على لٌمة "التؤثٌر فً المجاالت "‬
‫آفـــة المادٌة ‪ ،‬فبدال من تنمٌة الروح المعنوٌة ‪ ،‬انحرؾ هذا التؤثٌر الى تنمٌة الــــروح‬
‫المادٌة ‪ ،‬بٌنما طرأت على لٌمة "التؤثٌر فً المجتمعات آفة الفردانٌة ‪ ،‬فبدال من تنمٌة‬
‫الروح الجمعٌة تحول التؤثٌر إلى تنمٌة الروح الفردانٌة فً المجتمع "‪. 3‬‬

‫هنـــــــان ســــت آفـــــــــــــــات تبٌن لنـــا مظاهر الحداثــة الؽربٌة و هً" النسبـة "‬
‫" االنفصالٌة " ‪ "،‬األداتٌة "‪ "،‬التجزٌئٌة "‪ "،‬المادٌة " ‪ "،‬الفردانٌة "‪،‬فٌتعٌن علٌنا أن نعمل‬
‫لدفع هذه اآلفات للخروج بتطبٌك جدٌد لروح الحداثة ‪ ،‬مخالؾ لتطبٌك الؽربً وهنا نطرح‬
‫السإال كٌف لنا ان ندرأ هذه االفات ؟‬

‫‪ 2-3‬درء المٌم االسالمٌة آلفات الحداثة الغربٌة ‪:‬‬

‫فنبدأ أوال بآفة النسبٌة التً تحتاج لدفعها إلى مفهوم "" اإلطالق " و ان التوجه الى‬
‫المطلك ال تحممه إال المٌمة اإلسالمٌة التً هً " اإلخالص "‪ ،‬ذلن أن المإمن ‪ ،‬كلما ازداد‬
‫إخالصا هلل فً أعماله (‪ )...‬ازدادا تحررا مما سواه ‪ ،‬حتى أنه ٌبلػ مرتبة ٌستوي عنده فٌها‬
‫الفمدان و الوجدان ‪ ،‬فاإلخالص هلل هو وحده الذي ٌورث الحرٌة الحمة "‪،4‬و "الحرٌة التً‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬الحوار أفما للفكر ‪ ،‬مصدر سابك ‪،‬ص ‪. 148‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.148‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.149‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬الحداثة والمماومة ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ‪.27‬‬

‫‪123‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫تنفتح على المطلك أكثر سعة وفسحة من الحرٌة التً ال تنفتح إال على النسبً و الممٌد كما‬
‫هً "الحرٌة اللٌبرالٌة " "‪ٌ ،1‬تضح من هنا الملبسات التً ولعت فٌها الحداثة الؽربٌـــــــــة‬
‫و "ٌتبٌن كٌؾ أن الحداثة الؽربٌة ولعت فً نمٌض مـمصودها ‪ ،‬فـمد ظنت أن االسـتمالل‬
‫عــن الدٌن هــو الـذي ٌفضً إلى الحرٌة ‪ ،‬فً حٌن أن اإلخالص فٌه هو الذي ٌفضً إلٌها‬
‫فتــــكون هذه الحداثة لد تسببت فً نوع من االستعباد لإلنسان حٌث كانـت تحسب أنها‬
‫تحرره "‪.2‬‬

‫إن مبدأ الرشد ٌموم على االستمالل و اإلبداع ‪ ،‬ؼٌر أن التطبٌك الؽربً اختزل مفهوم‬
‫االستمالل "فً تحكم الكنٌسة ورجال الدٌن فً حٌن أن اإلنسان ٌطمع فً االستمالل فً كل‬
‫النواحً هذا ما تدعو إلٌه الحداثة اإلسالمٌة ‪ ،‬وأما فٌما ٌخص اإلبداع نجده اختزل فً‬
‫االنفصال عن لٌم التراث ‪ ،‬ولكننا نطلب " لٌمة الكمال " فٌما نحممه من سلوكاتنا ‪.‬‬

‫إن المٌم اإلسالمٌة ترلً من سلوكات اإلنسان " ذلن أن المإمن ‪ ،‬كلما ازداد طلبا للكمال فً‬
‫صنعه ‪ ،‬ازداد إبداعا و تفننا فٌه ‪ ،‬ومتى علمنا أنه ال ٌلتمس هذا الكمال فً كــابنــات‬
‫المجردة (‪ٌ )...‬تـضح كٌؾ أن الحداثة الؽربٌة ولعت هنا أٌضا فً نمٌض ممصودها ‪،‬فمد‬
‫ظنت أن االنفصال عن التراث هو وحده الذي ٌفضً إلى اإلبداع الدال على الرشد "‪.3‬‬

‫ٌتضح من خالل لٌمة الكمال التنالض الذي ولعت فٌه الحداثة الؽربٌة بؤنها لطعت‬
‫األسباب باإلنسان لكً ٌبدع ‪،‬فحٌن تدعى أنها تصله بها ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬الحوار أفما للفكر ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ‪.149‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬الحداثة والمماومة ‪ ،‬مصدر سابك ‪،‬ص ‪27‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪،‬ص ‪.28‬‬

‫‪124‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫وذكرنا أٌضا مبدأ النمد الذي ٌستوجب " االستدالل العملً " فاختزلت الحداثة الؽربٌة‬
‫هذه المٌمة فً ممارسة العمل األداتً فٌستوجب علٌنا أن ندفع هذه العمالنٌة األداتٌة إلى‬
‫عمالنٌة مؽاٌرة لها "ونحتاج أٌضا أن نسند العمالنٌة األداتٌة إلى عمالنٌة أخرى هً‬
‫"عمالنٌة المماصد " أو " عمالنٌة المٌم " ‪ ،‬وال ٌوفر هذه العمالنٌة إال اإلٌمان ‪ ،‬فهو الذي‬
‫ٌزود اإلنسان بالمٌم التً تمدر على تهذٌب هذه األداة و توجٌهه إلى الصواب"‪ ، 1‬إذن‬
‫فالعمالنٌة التً تحل محل العمالنٌة االداتٌة هً العمالنٌة اإلٌمانٌة ‪ "،‬فمعلوم أن اإلٌمان‬
‫محله الملب كما هو محل لكل المعانً الباطنٌة ‪ ،‬ومن هذه المعانً الخفٌة العمل نفسه ‪،‬‬
‫بحٌث ٌكون هو الفعل الذي ٌختص به الملب "‪.2‬‬

‫إن المجاالت تتؤثر بعضها ببعض ‪ " ،‬فال ٌخفى علٌنا أن هذا الوجود فٌه أشٌاء تكمل‬
‫بعضها البعض فعلٌنا أن ندفع " بالتجزٌبٌة "‪ " ،‬بمٌمة التكامل " " وال ٌمكن حفظ هذا‬
‫االتصال إال باللجوء إلى المٌمة اإلسالمٌة التً تسمً " التكامل " ‪ ،‬ذلن أن مجاالت الحٌاة‬
‫فً اإلسالم ٌؤخذ بعضها بؤسباب بعض ‪ ،‬متبادلة التؤثر و التؤثٌر ‪ ،‬بل إن بــعضها ٌكمل‬
‫بعضا ‪ ،‬متداركا نمصه ودافعا عنه خلله "‪.3‬‬

‫وأخٌرا مبدأ الشمول ٌوجب التؤثٌر فً جمٌع المجاالت إال أن الحداثة الؽربٌة لصرت‬
‫هذا المفهوم على الفردانٌة فطؽت على المجتمعات ‪ ،‬فالمجتمع اإلسالمً بحاجة لمٌمة‬
‫روحانٌة لتدفع بالفردانٌة " فالروحانٌة لٌست ألطؾ المٌم و أشفها فمط ‪ ،‬بل إن فً كل لٌمة‬
‫نصٌبا منها ‪ ،‬حٌث أنها تشبه البإرة التً تنبعث منه كل المٌم التً ٌرتمً بها اإلنسان فً‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬الحوار افما للفكر ‪،‬مصدر سابك ‪،‬ص ‪.149‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬الحداثة و المماومة ‪ ،‬مصدر سابك ‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه ‪،‬ص ‪30‬‬

‫‪125‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫مراتب الكمال ‪ ،‬وإذا خالطت الروحانٌة األشٌاء المادٌة ‪،‬بثت فٌها الموة التً تجعلها‬
‫تتجـــاوز مادٌتها ‪،‬وإال فال ألل من أن تدفع عنها ؼلواءها و تخفؾ من كثافتها ‪،‬ذلن أن هذه‬
‫المادٌات تصٌر وسابل خادمة لمٌم أسمى "‪.1‬‬

‫آخر لٌمة هً "الرحمة" ‪ " ،‬ذلن أن الرحمة هً المظهر الذي تتجلى به عناٌة الفرد‬
‫بؽٌره لدر عناٌته بنفسه ‪ ،‬ال لكون هذا الؽٌر به حاجة أكثر من حاجته أو ألن ضررا لحمه‬
‫من دونه ‪ ،‬بل ألن إنسانٌته ال تتم إال بؤن ٌكون مع الؽٌر بوجدانه ‪ ،‬وأن ٌوصل المنافع إلٌه‬
‫كما ٌوصلها إلى نفسه "‪.2‬‬

‫مما طرحناه سابما ٌتضح لنا أن المٌم اإلسالمٌة لادرة على بناء نموذجا جدٌدا ال ٌكون‬
‫مجرد تطبٌك لروح الحداثة ‪ ،‬وإنما ٌرتمً بها أٌضا "فان الحداثة هً الروح التً تجعل‬
‫اإلنسان ٌتملب فً مدارج الرلً ‪ ،‬ومعنً هذا أن التارٌخ البشري عبارة عن تعالـب‬
‫األطوار ‪ ،‬محمما مزٌدا من التمدم الحضاري لإلنسانٌة ‪ ،‬فهذه الروح التً تتخذ ‪ ،‬فً كل‬
‫مرحلة شكال معٌنا من التطبٌك هً التً ٌنبؽً أن نؤخذ بها الٌوم ونتوسل بها فً تحمٌك‬
‫نهضتنا "‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬مصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬مصدر نفسه ‪،‬ص ‪.32‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬طه عبد الرحمن ‪ ،‬الحوار أفما للفكر ‪ ،‬ص ‪.151‬‬

‫‪126‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫الرحمن ‪:‬‬
‫‪ -‬حدود مشروع طه عبد ّ‬

‫الرحمن ‪ ،‬و دعوته‬


‫الحظنــا الصبؽة الخاصة للحداثة التً ٌدعو إلٌها طه عبد ّ‬
‫دربه للتملٌد و دعوته إلبداع عربً إسالمً تكرٌسا لحك االختالؾ الفكري ‪ ،‬فهاهو علً‬
‫حرب ٌثنً علٌه فً لوله ‪ " :‬فهو عالم كبٌر و عالمة لدٌر لو بمً فً مجال اختصاصــــه ‪،‬‬
‫و لو كانت الفلسفة هً فن الجدل و سوق الكالم الممنطك أو االستدالل المحكم ‪ ،‬لع ّد أكبر‬
‫سد فً ابتكار مموالت و صٌػ ٌتشابن‬
‫فٌلسوؾ ‪ .‬ؼٌر أن الفلسفة هً خبرة وجودٌة فذة تتج ّ‬
‫فٌها الحدس و االستدالل أو الذوق و المنطك أو الهوى و العمل ‪ ،‬بمدر ما تتداخل فٌها‬
‫المعرفة و السلطة أو االستحماق و االستماع ‪ 1" .‬و هو اعتراؾ بالترسنة اللؽوٌة و المنطمٌة‬
‫الرحمن فً حٌن ٌراها ؼٌر كافٌة ألن ٌكون‬
‫االستداللٌة التً تكتسً أسلوب طه عبد ّ‬
‫فٌلسوفا ‪ ،‬ذلن ألن الفلسفة تتطلب إبداع المفاهٌم و المصطلحات الفلسفٌة ‪ ،‬فهو بعٌد كل‬
‫البعد عن الفلسفة و أرضها ‪.‬‬

‫أما المفكر النالد المؽربً مح ّمد سبٌال و فً نطاق لراءته للمشروع الحداثً لطه‬
‫الرحمن ‪ ،‬فٌتفك معه فً انهمامه بالتفكٌر فً كٌفٌة الخروج من مؤزق التبعٌة الفكرٌـة‬
‫عبد ّ‬
‫و التملٌد األعمى ‪ ،‬كونها الؽاٌة التً ٌصبو إلٌها أي فكر و نستشؾ هذا من لوله ‪" :‬إن هذه‬
‫األصولٌة الفلسفٌة التً ٌدعو إلٌها األستاذ طه دعوة محمودة و مؽرٌة ‪ ،‬و ال شن أن التً‬
‫ٌصبو إلٌها ألنها تندرج فً سٌاق الدعوة إلى االستمالل االلتصادي الحضاري عن األخر ‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬نمال عن ‪،‬عبد الرزاق بلعمروز ‪ ،‬السإال الفلسفً و مسارات االنفتاح ‪ ،‬مرجع سابك ‪ ،‬ص ‪.157‬‬

‫‪127‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫و الذي ٌندرج ضمن مطالب االستمالل السٌاسً و االستمالل االلتصادي ـ و االستمالل‬


‫‪1‬‬
‫الثمافً ‪ ،‬و هً مطالب مرؼوبة بالتؤكٌد ‪ ،‬لكن ما هً حدودها و إمكانٌتها ؟ "‬

‫أما عن النماط التً ٌنتمده فٌها هً تبنٌه فً لراءته للتراث التً واجه بها المراءات‬
‫فهً دعوة كما ٌمول سبٌال‬ ‫التجزٌبٌة و التفاضلٌة للتراث آللٌات مستنبطة من التراث‬
‫إلى " إلامة ابستٌمولوجٌا ذاتٌة مستماة من التراث ذاته ‪ ،‬و كؤن الطرٌك األمثل إلى فهم‬
‫التراث هً المرأة الداخلٌة للتراث نفسه (‪ )...‬هذا ما ٌجعل جملة التساإالت تثور عن مدى‬
‫علمٌة دعوى لراءة و تموٌم التراث انطاللا من مرآته الخاصة "‪ 2‬و هذا ٌعنً أن سبٌال‬
‫ٌعٌب على طه إلى تؽٌٌبه لمناهج علوم اإلنسان المعاصرة ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-‬نمال عن ‪ :‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.159‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬المرجع نفسه ص ‪.159‬‬

‫‪128‬‬
‫المشروع الحداثي في فكر طه عبد الرحمن‬ ‫الفصل الثالث‬

‫خاتمة للفصل‬

‫سعى طه عبد الرحمن من خالل مشروعه أن ٌمدم كٌفٌة للخروج من التبعٌة العمٌاء‬
‫للحضارة الؽربٌة ‪ ،‬فكان همه الوحٌد أن ٌخرج اإلنسان المعاصر من ؼفلته و من ضٌاعه و‬
‫أن ٌحاول المتفلسؾ العربً أن ٌكون مبدعا ‪.‬‬

‫إن المشروع الفلسفً لطه عبد الرحمن ٌهدؾ إلى تؤكٌد على تماٌز الفكر العربً‬
‫اإلسالمً عن الفلسفة الؽربٌة وهذا ما لمسناه فً هذا الفصل ‪ ،‬وبهذا ٌصبح ممكنا أن تموم‬
‫لكل ثمافة فلسفة خاصة بها ‪ ،‬وفكر حداثً خاص و ممٌزا لها ‪ ،‬و أعاد االرتباط بٌن‬
‫األخالق باعتبارها عمال ولٌس نظرا وهذا ما تناوله خالل مشروعه التجدٌدي اإلحٌابً ‪.‬‬

‫كما حمل مشروعه الدعوة إلى التجدٌد التً تجعل من اإلنسان العربً أو اإلنسان‬
‫المسلم حرا مبدعا ال تابعا ممٌدا ‪ٌ ،‬حمل مجموعة من المٌم اإلسالمٌة األصٌلة ‪ ،‬وهـــــــــً‬
‫" االخالص " و " الكمال " و " االٌمان " و " التكامل " و " الروحانٌة " و الرحمة "‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫المقارنة بين المشروعين ‪:‬‬

‫"دمحم أركون " و" طه عبد الرحمن "‬


‫مقاروة بيه مشروعي دمحم أركون و طه عبد الرحمه‬

‫الرحمن ‪:‬‬
‫مقارنة بين مشروعي مح ّمد أركون و طه عبد ّ‬

‫من خالل ما تطرلنا إلٌه فً الفصلٌن ‪ ،‬الفصل الثانً و الخاص بفكرة الحداثة‬
‫لــــــــدى " مح ّمد أركون " و الثالث الذي خصصناه ل"طه عبد الرحمن" نالحظ للوهلة‬
‫األولى ذلن التماٌز و الت ّباٌن فً الطرح و المعالجة إلشكالٌة الحداثة فً الفكر العربً‬
‫المعاصر‪ ،‬رغم ذلن االختالف إال أننا نلمس نمــــاط تشـــــابه و اتفــــاق تجمع بٌنهمـــا‪،‬‬
‫فهما ّأوال و لبــــــال مفكـــــران عربٌـــــــــــــــــــــــــــــــــــان ‪ ،‬مغاربٌـــــــان‬
‫معاصـــــــران انشغال بهمــــــوم و مسائل الوطـــن العربـــً و اإلســـــالمـــً ‪ ،‬فهما‬
‫ٌتفمـــان على غرار بالً المفكرٌن العرب المعاصرٌن لهما فً كون الفكر العربً‬
‫المعاصــر ٌعٌش أزمـــة و حالة لصــور و جمود ‪،‬رغم كل محاوالت التحدٌث المادي التً‬
‫عرفها الوطن العربً غداة االستمالل‪،‬لذا ٌرى كالّ من مح ّمد أركون و طه عبد ّ‬
‫الرحمن أنّه‬
‫البد من أن تكون الحداثة العربٌّة حداثة فكرٌة لبل أن تكون مادٌّة ‪ ،‬فكل منهما الترح‬
‫مشروعا فكرٌا جدٌرا باالهتمام ‪ ،‬إذ ٌشخص لمواطن الضعف و الوهن العربً ‪،‬و ٌبٌّن‬
‫أسباب ركود و غٌاب الفكر العربً المعاصر من على واجهــــة الفكــر العالمـــً ‪،‬‬
‫فالتــرحــــــــا بدٌـــــــــال فً نظرهمـــا ٌستـــــطٌـــع أن ٌنهــــض بالفكــــــر العربـــــــً‬
‫و اإلسالمً ‪ ،‬و بالتالً بالوطن العربً ‪ ،‬ما ٌمكنه من مجاراة التطور الحضاري العالمً ‪،‬‬
‫األمر الذي ٌجعل كل منهما ٌكتب من مسؤولٌة أخاللٌة ٌحددها االنتماء العربً ‪ ،‬كما ّ‬
‫أن‬
‫كتاباتهما احتلت مساحة واسعة فً الوطن العربً‪ ،‬ل ّل نظٌرهما فً الكتاب العرب ‪ ،‬و هً‬
‫ال تخلو من جرأة و جدّة ‪،‬على الرغم من االنتمادات التً طالتهما‪.‬‬

‫و لتوضٌح أكثر نوجز فٌما ٌلً مدى اتفالهما و اختالفهما فً المسائل التالٌة‪:‬‬

‫‪ -1‬التراث ‪:‬‬

‫عولجت إشكالٌة الحداثة فً الفكر الغربً المعاصر من مضمار التراث ‪،‬ألن الحداثة‬
‫صص‬
‫هً تجدٌد ‪ ،‬و ال تجدٌد دون الماضً و السائد ‪ ،‬فالــمارئ ألركـــون ٌالحظ أنه خ ّ‬
‫ج ّل كتاباته لنمد التراث اإلسالمً‪،‬و التراث عنده كلً ٌشمل التراث المكتوب و الشفهـــــً‬

‫‪133‬‬
‫مقاروة بيه مشروعي دمحم أركون و طه عبد الرحمه‬

‫و أو ال ّ‬
‫شعبً ‪،‬وأهم ما ٌمٌّز مشروعه الفكري اعتبار النص المرآنً نص تارٌخً نص‬
‫كغٌره من النصوص خاضع لزمن و مكان معٌّنٌن ‪ ،‬كما ٌحاول رد االعتبار للنـــ ّصوص‬
‫ّ‬
‫الال مفكر فٌها و المغٌّبة فً تارٌخ الفكر اإلسالمً ‪ ،‬فٌكشف عن سمات الفكر الكالسٌكً‬
‫اإلسالمً المزدهر‪ ،‬لٌس إالّ لٌثبت ّ‬
‫أن الحداثة مولــــف لروح أما مشكلـــــة المعرفـــــــة ‪،‬‬
‫و باالستعانة بما جادت به مستجدات العلوم اإلنسانٌة الغربٌة من مناهج و نظرٌات ‪ٌ ،‬دعو‬
‫أركون إلى لراءة حداثٌــــة للنص الدٌنً ‪ ،‬و نزع هالة التمدٌس عنه ‪ ،‬لتحمٌك إسالم‬
‫‪1‬‬
‫معاصر لنا ‪ ،‬و للخروج من سباتنا الذي لبثنا بها و أطلنا لمرون دون جدوى ‪.‬‬

‫الرحمن فرؤٌته تختلف تماما عن رؤٌة أركون ‪ ،‬إذ ٌرى أنّه ال‬
‫أما المغربً طه عبد ّ‬
‫هوٌة للذات بغٌر االستناد إلى تراثها األصلً ‪ ،‬فال ب ّد للمفكر العربً المسلم أن ٌعود إلى‬
‫تراثه طالبا منه ما ٌمٌم و ٌموي به هوٌّته بدال من أن ٌطلب هوٌّة أجنبٌة عن تراثه ‪،‬‬
‫فاالهتمام بالتراث ال ٌعنً االهتمام بالماضً ‪،‬حتى نخشى على أنفسنا االستغراق فٌه فٌبعدنا‬
‫عن حاضرنا و مسائله‪.‬‬

‫الرحمن المراءات التجزٌئٌة للتراث و ٌدعو إلى لراءة تكاملٌة ‪،‬ال تفصل‬
‫ٌنتمد طه عبد ّ‬
‫بٌن أجزاءه ‪ ،‬و ال تفصله عن تارٌخه ‪ ،‬و دعوته هـــــذه ال تعنً االستغراق فً التــــــراث‬
‫و التمسن به و العٌش وفك ممتضٌاته ‪ ،‬و لطع الصلة بالحاضر‪ ،‬و إنما االستفادة من آلٌات‬
‫التراثٌٌن المٌمٌّة ‪ ،‬و ذلن بتمٌٌمها و مماومتها و إلامتها ‪ ،‬و ذلن اعترافا منه لحٌوٌة تراثنا‬
‫اإلسالمً ‪ ،‬و هذا ال ٌعنً إلغائه للمناهج المعاصرة الغربٌة الوافدة و إنما ٌرى ضرورة‬
‫اإلحاطة التامة بها ‪ ،‬و بسٌالها التارٌخً و المعرفً ‪ ،‬كما ٌرى أنه هنان ضرورة‬
‫إخضاعه ا لمحن النمد و الغربلة ‪ ،‬لتفادي أزمة البعد عن المجال التداولً العربً اإلسالمً‬
‫‪.‬ل‬

‫‪ -2‬نقد الفكر العربي المعاصر‪:‬‬

‫الرحمن مذهب كل المفكرٌن العرب‬


‫ذهب كل من مح ّمد أركون و طه عبد ّ‬
‫المعاصرٌن فً مسألة أزمة الفكر العربً الحدٌث و المعاصر ‪،‬و أشارا إلى أن ّهذا الخطاب‬
‫‪1‬‬
‫انظر ‪ :‬فارح مسرحً ‪،‬الحداثة فً فكر دمحم أركون ‪ ،‬مرجع سابك‪،‬ص ‪.49‬‬

‫‪134‬‬
‫مقاروة بيه مشروعي دمحم أركون و طه عبد الرحمه‬

‫شر بالنّهضة العربٌة طالما كان محكوم بالنموذج ‪،‬سواء فً صورته التراثٌة و التً أ ّكد‬
‫المب ّ‬
‫علٌها أركون أو فً صورته المغتربة و التً ألّح علٌها طه عبد ّ‬
‫الرحمن‪،‬فأركون كما أسلفنا‬
‫الذكر ٌشٌر إلى لدرة الخطاب العربً اإلسالمً على الحشد و التجٌٌش و استمالة الجماهٌر‬
‫الشعـــبٌة و ٌستم ّد ّ‬
‫لوته من تلن من كونه ٌمـــــدّم نفســـــه ممثال للحمٌمة اإللـــــهٌة‬
‫و الوحٌدة ‪ ،‬لذلن فهو ٌرفض كل الخطــــــابات األخرى‪ ،‬فهو ٌستثنً كــل‬ ‫المطـــــــلمة‬
‫النصــــوص األخرى و التً لد تكون هً المخرج من مأزله ‪،‬لذا نجده ٌر ّكز على نبذ‬
‫التملٌد للسلف و للفكر اإلجتراري للفكر اإلسالمً منذ عصر التدشٌن‪،‬و ٌحاول نزع تلن‬
‫المدسٌة التً أضفٌت على الفكر األرثوذكسً ‪،‬فٌدعو لالختالف عن السلف األول‪ ،‬و ٌدعو‬
‫إلى مجاراة الفكر العالمً و االلتزام بمناهجه العلمٌة و مصطلحاته الجدٌدة و المستجدّة ‪.‬‬

‫الرحمن ٌتوجه بسهام نمده للفئة المملّدة للفكر الغربً بشكل خاص و مكثّف ‪،‬إذ‬
‫أما طه عبد ّ‬
‫تنطلك هذه الفئة من منطلماته دون تمحٌص ‪ ،‬فٌطمئن إلٌها اطمئنانا ‪ ،‬هذا ما جعلها تبتعد‬
‫عن المجال التداولً العربً بإسم كونٌة الحداثة و الفلسفة العالٌتٌن ‪،‬و الجدٌر بالذكر أنه‬
‫ٌشٌر إلى مشروع أركون كمملّد للنموذج الغربً ‪.‬‬

‫‪ -3‬نقد الحداثة الغربية ‪:‬‬

‫الرحمن و أركون على أنه لٌست هنان حداثة‬


‫نشٌر أوال إلى اتفاق كل من طه عبد ّ‬
‫واحدة مطلمة بل هنان حداثات تختلف من ولت ألخر و من مكان ألخر ‪،‬و هذا ما ٌبرره‬
‫اعتراف أركون بحداثة اإلسالم لحظة انطالله ‪،‬باإلضافة إلى لحظات الفكر اإلسالمً‬
‫الكالسٌكً كلحظة "التوحٌدي" و "ابن مسكوٌه" و" ابن رشد "‪ ،‬و ٌبررها اجتهاده فً‬
‫الرحمن فبنفٌه لما ٌسمى بالفضاء الفلسفً‬
‫التنظٌر لحداثة عربٌة إسالمٌة ‪ ،‬أما طه عبد ّ‬
‫العالمً ‪ ،‬فٌدعو إلى تأسٌـــس حداثة عربٌــــــة ممابل حداثـــــة غربٌـــــــــة ‪ ،‬تنطــــــلك‬
‫من لومٌة عربٌـــــــة إسالمٌـــــة و تعبّر عن مجالها التداولً ‪.‬‬

‫ٌخص نمد الحداثة الغربٌة و كٌفٌة استمبالها لدى المجتمعات لعربٌة التً ٌعتبـــــر‬
‫ّ‬ ‫و فٌما‬
‫من النماط المشتركة ٌبن المشروعٌن االركونً و الطاهائً‪ ،‬لكن االختالف بٌّن و واضح‬

‫‪135‬‬
‫مقاروة بيه مشروعي دمحم أركون و طه عبد الرحمه‬

‫فً مختلف كتاباتهم ‪ ،‬فأركون ٌتحفظ علنا من نمد الفكر الحداثً و ذلن ربما راجع إلى‬
‫الوسط الذي ٌطرح فٌه أفكاره‪ ،‬فنجده فً مناسبات للٌلة و نادرة ففً كتابه "نمد العمل‬
‫اإلسالمً " ٌوضح سلبٌات الحداثة الغربٌة ‪،‬فهو ٌعترف بسلبٌاتها رغم إٌجابٌاتها ‪ ،‬و ذلن‬
‫‪2‬‬
‫من خالل لوله أن للحداثة مخالب تحت لفازات من حرٌر‪.‬‬

‫الرحمن ٌجهر بالنمد الالذع للحداثة الغربٌة فً كتابه "سؤال‬


‫أما المغربً طه عبد ّ‬
‫األخالق" ‪ ،‬إذ ٌبٌّن أن الحضارة الغربٌة هً حضارة لول و لٌس فعل ‪،‬كما ٌنتمد الداعٌن‬
‫للحداثة ‪،‬مؤكدا أنّهم توهموا أنها والع ال ٌزول و حتمٌة الب ّد منها ‪،‬و أنّها نافعة دائما‪،‬إذ‬
‫أخذوا بها على أنها النموذج الوحٌد و األوحد لجمٌع األمم فً كل األزمنة ‪،‬و ٌجب اإلحتذاء‬
‫به لبلوغ المبتغى و الخروج من براثٌن التخلف ‪،‬فتكلموا عن الحداثة كوالع فً حٌن كان‬
‫المفروض التحدث عنها كروح و لٌم ال والع‪،‬هذه األخٌرة أي الحداثة كوالع ٌجب نمدها و‬
‫نبذها و االبتعاد عنها تماما ألنها تمثل لٌم مجتمع غٌر مجتمعا اإلسالمً ‪،‬إذ روح الحداثة‬
‫هً المالذ الوحٌد لكل أمة ترٌد أن تد ّ‬
‫شن مرحلة حداثة لومٌة‪. 3‬‬

‫‪-4‬كونية الحداثة و خصوصيتها ‪:‬‬

‫فً محاولة التنظٌر لحداثة عربٌة إسالمٌة انطلك كال من مفكرٌنا من نظرة مختلفة‬
‫عن األخر حول مسألة كونٌة أو خصوصٌة الفكر الحداثً فً نموذجه الغربً ‪ ،‬فأركون‬
‫ٌصرح بالكونٌة و ٌنطلك منها فً مشروعه ‪ ،‬فٌأخذ بكونٌة المناهج العلمٌة‬
‫ّ‬ ‫كما هو جلً‬
‫الغربٌة الحدٌثة و المعاصرة ‪،‬كما ٌأخذ بفكرة كونٌة اإلشكالٌات الفلسفٌة ‪ ،‬إذ ٌساءل الفكر‬
‫العربً اإلسالمً من منظور غربً بامتٌاز‪ ،‬فنلمس فً جل ثناٌا مؤلفاته حضور األلسنٌة‬
‫و حفرٌات فوكو و‬ ‫والتفكٌن الدرٌدي‬ ‫النٌتشوٌة‬ ‫الدٌسوسٌرٌة ‪ ،‬و الجٌنٌالوجٌة‬
‫أنثربولوجٌة لٌفً ستراوس ‪....‬و غٌرها من مناهج و نظرٌات معاصرة و ذلن بدعوى‬
‫بمناعته ببراءة المناهج العلمٌة و حٌادٌة العلم و موضوعٌته‪ ،‬و التً حاول تطبٌمها على‬

‫‪ -2‬انظر‪ ،‬دمحم أركون ‪ ،‬لضاٌا فً نمد العمل الدٌنً ‪،‬مصدر سابك ص ‪.61‬‬
‫‪3‬‬
‫الرحمن ‪،‬سؤال األخالق ‪،‬مصدر سابك ‪،‬ص ‪.87‬‬
‫‪ -‬انظر ‪،‬طه عبد ّ‬

‫‪136‬‬
‫مقاروة بيه مشروعي دمحم أركون و طه عبد الرحمه‬

‫الفكر العربً اإلسالمً من منطلك أن ما ٌعٌشه المجتمع العربً لد عاشه المجتمع الغربً‬
‫‪4‬‬
‫األوروبً سابما ‪،‬لذا ٌو ّحد المناهج بأحادٌة موضوع الدراسة‪.‬‬

‫أما طه عبد الرحمن فٌنطلك من والع الفلسفة الغربٌة و ٌؤكد على أنها كانت دوما‬
‫لومٌة‪ ،‬إن الفلسفة الكونٌة بنٌت على أسس ٌهودٌة التً أنتجها النظام العالمً الجــــــدٌد‬
‫والذي أطلك علٌه اسم "العالمٌة فً الفلسفة " فكانت هذه الفلسفة ذات أصول ٌهودٌة تخدم‬
‫المجـــال السٌاسً ‪،‬الفلسفة العالمٌة المفروضـــة هنا بنٌت لرلعــة جغرافٌة ما ومكــــان‬
‫معٌن ‪ ،‬لذا على المفكـــــر العربً إن ٌتحلى بمجموعة من المٌم لٌتخلى عن هذا اإلرث‬
‫الٌهودي ‪ ،‬و ذلن من خالل التمتّع بالحك فً االختــــالف الفلسفً و تأسٌــس لفلسفــــة‬
‫تصورات و مفـــاهٌم و مصطلحات مستمــــدة من ثوابتها ‪،‬فلسفة‬
‫ّ‬ ‫عربٌة إسالمٌة مبنٌة على‬
‫‪5‬‬
‫مستملـــة برؤٌتها للمجــال التداولً ‪.‬‬

‫تماٌز و تباٌن الطرح األركـــــونً و الطــــــــاهائً ال ٌعنً تضادهما و إنما دلٌل على‬
‫التنوع و الجدّة ‪،‬فاألول ٌمثل تشخٌص ألزمة و تحلٌل لصدمة و دعوة إلى خلخلة و‬
‫استحداث منظومة نمدٌة صارمة للتراث اإلسالمً ‪ ،‬تمكننا من اجتٌاز عتبة التّخلف و تحمٌك‬
‫نهضة ‪ ،‬ثم ٌتم الولوج إلى لحظات أخرى لد تكون اللحظة الطاهائٌة هً األنسب و اللحظة‬
‫الضرورٌة لتأسٌس حداثة خاصتنا‪ ،‬حداثة عربٌة إسالمٌة ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ -‬انظر ‪،‬إدرٌس هانً ‪،‬العرب و الغرب ‪،‬مرجع سابك ص ‪.18‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬انظر مح ّمد الشٌخ ‪،‬جاذبٌة الحداثة و مماومة التملٌد ‪،‬مرجع سابك ‪،‬ص ‪.661‬‬

‫‪137‬‬
‫خاتــــمـــــــــــــــــــة‬

‫خـــــــــــــاتمة‪:‬‬

‫بناءا عمى ما تم عرضو في سياق ىذا البحث من إطار عام لمحداثة الغربية‪ ،‬و كذا‬
‫المشاريع الفكري ـ ـ ـ ـ ـة العربي ـ ـ ـ ـة التي طرحيا كل من محمـ ـد أرك ـ ـ ـون و طو عبد الرحمن ‪ ،‬نتوصل‬
‫إلى أنو من الصعب تحديد مفيوم لمحداثة ‪،‬ألنيا تتداخل مع مفاىيم مجاورة و مختمفة و مجاالت‬
‫متعددة ‪ ،‬منيا الفكرية والسياسية و االقتصادية و االجتماعية ‪.‬‬

‫و في مجمل القول ىي مرح ـ ـ ـ ـ ـمة تاريخي ـ ـ ـ ـة أعقبـ ـ ـ ـت عص ـ ـ ـر الظـ ـالم الذي خيـ ـ ـ ـم عمى أوروبـ ـا‬
‫خ ـ ـ ـالل العص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـور الوسـ ـ ـطى ‪،‬فيي حص ـ ـيمة لمجموع ـ ـ ـة من التحوالت الراديكـ ـالية التـ ـي مست‬
‫مخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتمف البنيـ ـ ـ ـ ـات التحتية و الفوقي ـة لممجتمع ـ ـات األوروبيـ ـ ـة ‪ ،‬محدثة قطيعة ال رجـ ـ ـوع فيـ ـيا مع‬
‫البنيات التقميدية السائدة ‪،‬غير أن ىذه البنية الحديثة بدورىا قابمة لمتغير كون أن الحداثة مش ـ ـ ـ ـروع‬
‫لم يكتمل‪ ،‬وربما غير قابل لالكتمال‬

‫الحداثة نمط عيش و طريقة في التفكير‪ ،‬تعبـ ـر عن موق ـف جدي ـد من ك ـ ـل ما يتعـ ـمـق باإلنس ـ ـان‬
‫و المجتمع و الطبيعة‪،‬مكرسة لقيم اإلنسانية و العقالنية و الفردية و الحرية و الذاتية ‪،‬مما جعمـ ـ ـ ـ ـ ـيا‬
‫محطة الزمة ألي أمة تريد الخروج من براثـ ـين التخـ ـمف و المحاق بالركب العالمي‪،‬فاجتازت الحدود‬
‫و قد اجتاحت الوطن العربي ‪ ،‬فك ـان ليا حيـ ـز ىـ ـام في ساحة الف ـك ـ ـر العرب ـ ـي المعاصـ ـر و كـ ــانت‬
‫البدايـ ــة مع مشـ ـ ــروع النيضـ ــة العربي ‪ ،‬بريادة رفاعة الطيطاوي و جم ــال الدين األفغـ ـ ـ ــاني وشبم ـ ـ ـي‬
‫الشميل‪ ،‬طو حسين ‪ ، ..‬و في ىذا اإلطار تبمورت أفـ ـ ـكار نيضـ ـوية كتعبـ ـ ـ ـ ـير عن الوعي بالف ـ ـ ـ ـارق‬
‫بين األنا و اآلخر ‪ ،‬تدع ـ ـ ـو إلى تبني المبادئ و المق ـ ـومات الحداثية ‪ ،‬التي من شأنـ ــيا الن ـ ــيوض‬
‫بالمجتم ـ ــع لعربي اإلسالمي‪ ،‬كالحرية و العقالنية و العممانية‪ .....‬و لكن تبقـ ـ ـى مجرد محـ ـ ـ ـ ـاولة لم‬
‫تصـ ـ ـل إلى الم ـ ـراد ‪ ،‬و أُرج ـ ـع فش ـميا إلى اغترابيا عن واقعيا العربي المسمم المعاصر ‪ ،‬إما تماىيا‬
‫مع الفكر الغربي ‪ ،‬أو التراث العربي اإلسالمي ‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫خاتــــمـــــــــــــــــــة‬

‫و في الفترة المتقدمة من الفكر العربي المعاصر‪،‬ظيرت مشاريع فكرية ‪ ،‬نظرت لتأسيس‬


‫حداثة ع عربية إسالمية ‪ ،‬منيا مشروع ـ ـ ـي محمد أركون و طو عبد الرحم ـ ـ ـ ـ ـ ـن ‪ ،‬فقد رك از فـ ـ ـ ـ ـ ـي‬
‫مشروعييما عمى نقـ ـد الفكر العربـ ـ ـي المعاصر الذي تميز بالتقمـ ــيد بصورتي ـ ــتو الغرب ـ ــي الحدي ـ ــث‬
‫و المعاصر أو التراثي السمفي ‪ ،‬فأركون و من خالل مشروعو نقد العقل اإلسالمي يقوم بمسح‬
‫شامل لمتراث اإلسالمي ‪ ،‬بدءا بمحظة نزول القرآن إلى الفترة المعاصرة ‪،‬و ذلك لنزع حالة التقديس‬
‫عن تراثنا و إثبات تاريخيتو ‪ ،‬لتحقيق إسالم معاصر لنا‪.‬‬

‫إذ ينظر أركون لقراءة حداثية لمقرآن و لمتراث عامة ‪ ،‬و ذلك من خ ـالل مشروع اإلسالميـ ـ ـات‬
‫التطبيقي ـ ـ ـة ‪ ،‬كدراسة عممية ينقـض ب ـيا القـ ـراءات االختزاليـة لمتراث التي قالـ ـ ـ ـت بيــا اإلسالميــات‬
‫الكالسيكيــة ‪ ،‬مستندا إلى مناىج عموم اإلنسان ‪ ،‬الول ـ ـ ـ ـوج في حداثــة ‪ ،‬ثم ينظر لتحدي ــث‬
‫المجتمـ ـ ـع اإلس ـ ــالمي بتبنيو لمقوالت حداثية اجتماعية و سياسية ‪ ،‬كفتح باب االجتياد و العممانية‬
‫و حقوق اإلنسان‪...‬‬

‫في حين أن المشروع الطاىائي يختمف عن األركوني و ذلك الختالف مشاربـ ـيم الفكرية ‪،‬‬
‫فطـ ـ ـو عبد الرحمن يدعو إلى مشروع كذلك شديد الجدة مزود بعدة منطقية و مفاىيمية تميزه ‪،‬‬
‫حاول من خاللو ىدم واق ـ ـع الحداثـ ـ ـة الغربيـ ـ ـ ـة ‪ ،‬الكش ـ ـ ـف عن مساوئو ‪ ،‬كمـ ـ ــا يش ـ ـ ــدد نقده‬
‫لممفكـ ـ ـرين العـ ـ ــرب المعاصرين المتسارعيـ ـن إلى تقميد االفكـ ــر الغربي دون اعتبار لمفارق في الدين‬
‫و االنتماء القومي‪.‬‬

‫يرى طو عبد الرحمن ضرورة تمحيص و إخضاع كل آليات الفكر إلى محك النقد و‬
‫التمحيص ‪ ،‬سـ ـ ـواء أ كانت مستخرجة من تراثنا اإلسالمي‪ ،‬تراثنــا الذي يعتبـ ـره أساســا لميوي ـة‬
‫العربية اإلسالميـ ـة أم الوافدة من الفكر الغربي الحديث و المعاصر ـو ذلك بأخذه بمبدأ المجال‬
‫التداولي ـ‬

‫‪139‬‬
‫خاتــــمـــــــــــــــــــة‬

‫يكشف طو عبد الرحمن عن خصوصية الفكر الغربي و إيديولوجيتو ‪ ،‬إذ ينف ـ ـ ـي وج ـ ـود مـ ـ ـ ـ ـا‬
‫يسمى بالفضاء الفمسفي العالمي ‪ ،‬و بيذا ىو يدع ـو إلى تحقيـ ـ ـق حداثة عربية إسالميـ ـ ـة خاصـ ـ ـ ـ ـة‬
‫بمنطمقاتيا ‪ ،‬و تنف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرد بمفاىيميا و مصطمحاتيا ‪ ،‬و مستم ـ ـدة من ثوابتـ ـيا األصيم ـ ـة ‪ ،‬حداث ـ ـ ـة‬
‫تستقل برؤيت ـ ـيا و بمجال ـ ـ ـ ـ ـ ـيا التداولي ‪ ،‬و ذلك باألخذ الواعي بقيم التراث اإلسالمي و قيـ ـ ـ ـ ــم روح‬
‫الحداثة ‪ ،‬إذ يستند طو عبد الرحمن بتمييزه بين واقع الحداثة و روح الحداثة ‪ ،‬األولى تمثل الحداثة‬
‫كواقع ـ ـ ـة متمثمـ ـ ـة في النم ـ ـ ـوذج الغرب ـ ـ ـ ـ ـي األوروب ـ ـ ـي ‪ ،‬و الثاني ـ ـ ـ ــة تمثـ ـ ـ ـل الحداثـ ـ ـ ـة كقيـ ـ ـم كوني ـ ـ ـ ـ ـة‬
‫في تجردىا من التطبيق‪ ،‬و من مبادئيا مبدأ الرشد و النقد ‪ ،‬و الشمول ‪ .‬فمتحقيـ ـ ـق حداثـ ـة عربي ـ ـة‬
‫يشترط طو عبد الرحمن ‪.‬‬

‫يبدو من خالل عرضنا لمفاصل الرؤية األركونيـ ـ ـة و الطيائيـ ـ ـة ‪ ،‬أن األول ـ ـ ـى دعـ ـ ـوة إلى‬
‫حداث ـ ـة إسالمي ـ ـة من منطمق كوني ـ ـ ـة الحداثـ ـ ـ ـ ـ ـة و العم ـ ــم ‪ ،‬و تعب ـ ـر عن حري ـ ـ ـ ــة التفكـ ـير الت ـ ـي‬
‫يتيح ــيا لو المن ـ ــاخ الفكـ ـ ـ ــري الذي يعيـ ـ ــش فيـ ـو ‪ ،‬كما يتيحيا لو ابتعاده عن المجتمع اإلسالمي ‪،‬‬
‫أما الثانية تدعو إلى قومية الحداثة ‪ ،‬إلى حداثة عربية إسالمية ‪ ،‬و نابعة من ذات متشبعة‬
‫بالثقافة العربيـ ـ ـ ـ ـة اإلسالمية ‪ ،‬كما يبدو أن ىميما في تنظيرىما لمحداثة الفكرية لم يكن سوى تمبية‬
‫و مجـ ـ ـاراة آلنية الفكر العربـ ـ ـي المعاصـ ـ ـر‪ ،‬فمم يتخطيا عتبة التقميـ ـ ـد ‪ ،‬فكـ ـالىما نيال من الف ـ ـكر‬
‫الغربـ ـ ـ ـي و تأث ار ب ـ ـو ‪ ،‬فكان ىميما فضح و كشف عورات أفكار بعضيم البعض ‪ ،‬و إبراز عيوبيا‬
‫فقط ‪ ،‬و ذلك كان عمى حساب االىتمام بكيفية الخروج من مأزق التخمف ‪.‬‬

‫ولنفرض أن ىذه المشاريع ص ـ ـ ـالحة لمتطبيق ‪ ،‬فال نتوفر عمى شروط تطبيقيا ‪ ،‬يرجـ ـ ـ ـع ذلك‬
‫إل ـ ـ ـ ـى السمعة السيئة لمحداثة كمرجعية غربي ـ ـ ـ ـة ‪ ،‬باإلضـ ـ ــافة إلـ ـ ــى البني ـ ـ ـ ــة االقتصادية اليش ـ ـ ــة‬
‫لموط ــن الع ـ ـ ـربي‪،‬إذ يرتبط الجانب المادي بالفكري ‪ ،‬ثم إلى البنية االجتماعية التقميدية التي تسيطر‬
‫عمى مجتمعاتنـ ـا العربيـ ـ ـ ـ ـة ‪ ،‬و إلى المنظوم ـ ــات التربويـ ـ ــة و التعميمية المستوردة من الغرب ‪ ،‬مما‬
‫أحدث فجوة بين الفكر و الواقع ‪ ،‬و إلى ابتعاد القوة السياسة العربية عن الفكر و الفمسفة‪...‬فإلى‬
‫متى تؤجل الحداثة العربية االسالمية ؟‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع ‪:‬‬

‫‪ )1‬المرآن الكرٌم‬
‫أ ) المصــــــادر‪:‬‬

‫‪ )1‬أركـــ ون دمحم ‪ ،‬الفكر األصولً و استحالة التأصٌل ‪ :‬تر‪ :‬هاشم صالح ‪ ،‬دار‬
‫السالً ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط‪ ،2002 ،3‬ص ‪.210‬‬

‫‪ )2‬أركون دمحم ‪ ،‬من االجتهاد إلى نمد العمل اإلسالمً ‪ ،‬تر‪ :‬هاشم صالح ‪ ،‬دار‬
‫السالً ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط ‪.1991 ،1‬‬

‫‪ )3‬أركون دمحم‪ ،‬اإلسالم ‪ ،‬أوربا ‪ ،‬الغرب ‪ ،‬رهانات المعنى و إرادات الهٌمنــة ‪ ،‬تر‪:‬‬
‫هاشم صالح ‪ ،‬دار السالً ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط‪.2001 ،2‬‬
‫‪ )4‬أركون دمحم‪ ،‬العلمنة و الدٌن ‪ ،‬اإلسالم ‪ ،‬المسٌحٌة و الغرب ‪ ،‬تر ‪ :‬هاشم صالح ‪،‬‬
‫دار السالً ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط ‪. 1996، 3‬‬
‫‪ )5‬أركون دمحم ‪ ،‬اإلسالم ‪ ،‬األخالق و السٌاسة ‪ ،‬تر ‪:‬هاشم صالح ‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربٌة ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط‪. 2007 ،1‬‬

‫‪ )6‬أركون دمحم ‪ ،‬أٌن هو الفكر اإلسالمً المعاصر ؟ من فٌصل التفرلة إلى فصل‬
‫الممال ‪ ،‬تر‪:‬هاشم صالح دار السالً ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط‪.2003 ،3‬‬
‫‪ )7‬أر كون دمحم ‪ ،‬تارٌخٌة الفكر ‪ ،‬تر‪.‬هاشم صالح ‪ ،‬دار االنماء لومً ‪ ،‬لبنان ‪،‬ط‪،2‬‬
‫‪.1992‬‬
‫‪ )8‬أركون دمحم ‪ ،‬لضاٌا فً نمد العمل الدٌنً ‪ ،‬أٌن هو الفكر اإلسالمً المعاصر ‪ ،‬تر ‪،‬‬
‫هاشم صالح ‪ ،‬دار الطلٌعة ‪ ،‬د ط‪. 1977 ،‬‬
‫‪ )9‬أركون دمحم ‪ ،‬نافذة على اإلسالم ‪ ،‬تر‪ :‬صباح الجهٌم ‪ ،‬دار عطٌة للنشر ‪ ،‬بٌروت ‪،‬‬
‫ط‪.1996 ،1‬‬
‫أركون دمحم ‪ ،‬نزعة األنسنة فً الفكر العربً اإلسالمً ‪ ،‬جٌل مسكوٌه و‬ ‫‪)10‬‬
‫التوحٌدي ‪ ،‬دار السالً ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط ‪1996، 1‬‬
‫‪141‬‬
‫طه عبد الرحمن ‪ ،‬الحداثة والمماومة ‪ ،‬معهد المعارف الحكمٌة ‪ ،‬سنتر صولً‬ ‫‪)11‬‬
‫‪ ،‬الطبعة االولى ‪. 2007،‬‬
‫طه عبد الرحمن ‪ ،‬الحك العربً فً االختالف الفلسفً ‪ ،‬المركز الثمافً‬ ‫‪)12‬‬
‫العربً ‪،‬الدار البٌضاء ‪،‬المغرب ‪،‬ط ‪.2002، 1‬‬
‫طه عبد الرحمـــن ‪ ،‬العمل الدٌنً وتجدٌـــد العمل ‪ ،‬المركــز الثمافــً‬ ‫‪)13‬‬
‫العربــً ‪ ،‬الرباط ‪ -‬المغرب ‪ ،‬ط ‪.1999 ، 2‬‬
‫طه عبد الرحــمن ‪ ،‬حوارات من أجــل المستمبل ‪ ،‬الشبكـــة العربٌة‬ ‫‪)14‬‬
‫لألبحــاث ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط‪.2011، 1‬‬
‫طه عبد الرحمن سؤال األخالق‪ ،‬مساهمة فً النمد األخـــاللً للحداثة‬ ‫‪)15‬‬
‫الغربٌــة ‪ ،‬المركز الثمافً العربً ‪ ،‬المغرب ‪ ،‬ط ‪.2006 ، 4‬‬
‫طه عبد الر حمن ‪ ،‬فمه الفلسفة ‪( ،‬المول الفلسفً ‪،‬كتاب المفهوم و التأثٌل )‬ ‫‪)16‬‬
‫‪،‬المركز الثمافً العربً ‪ ،‬بٌروت ‪،‬ط‪. 1999، 1‬‬
‫طه عبد الرحمــن ‪ ،‬فمـــه الفلسفــة ‪ ،‬ج‪، 2‬المول الفلسفــً ‪ ،‬كتاب المفهـــوم‬ ‫‪)17‬‬
‫و الثأثٌــل ‪ ،‬ط ‪. 2002 ، 2‬‬
‫طه عبد الرحمــن ‪،‬الحـــوار أفمــا للفكر ‪،‬الشبكـة العربٌـــة لألبحــاث‬ ‫‪)18‬‬
‫والنشــر ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط ‪. 2013 ، 1‬‬
‫طه عبد الرحمن ‪ ،‬روح الحداثة ‪ ،‬المدخل إلى تأسٌس الحداثة اإلسالمٌة‬ ‫‪)19‬‬
‫‪،‬المركز الثمافً العربً ‪ ،‬المغرب ‪ ،‬ط‪.2006 ، 1‬‬
‫طه عبد الرحمن ‪ ،‬فمه الفلسفة ‪،‬ج ‪ ، 2‬المفهوم و الثأثٌل ‪ ،‬المركز الثمافً‬ ‫‪)20‬‬
‫العربً ‪ ،‬ط ‪ ، 3‬بٌروت ‪. 2008 ،‬‬

‫‪142‬‬
‫‪ / 2‬قائـمة المراجع ‪:‬‬

‫‪ )1‬باســم علً خرٌسان ‪ ،‬مابعد الحداثــة‪ ،‬دراسة فً المشروع الثمافً الغربً ‪ ،‬دار‬
‫الفكـــر‪ ،‬دمشك‪ ،‬سورٌا‪ ،‬ط‪.2006 ،1‬‬
‫‪ )2‬بوحنــــاش نورة ‪ ،‬اإلجتهاد و جدل الحداثـــــة ‪ ،‬منشـــورات اإلختالف ‪ ،‬الجزائـــــر ‪،‬‬
‫ط‪. 2016 ،1‬‬
‫‪ )3‬توفٌك السٌف ‪ ،‬الحداثة كحاجة دٌنٌة ‪ ،‬الدار العربٌة للعلوم ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط‪. 2006 ،1‬‬
‫‪ )4‬جورج طرابٌشــً ‪ ،‬هرطمـــات عن الدٌممراطٌة ‪ ،‬العلمانٌــة و الحداثـــة ‪،‬دار‬
‫الســالــً ‪ ،‬بٌــروت ‪ ،‬ط‪. 2006 ،1‬‬
‫‪ )5‬حسن حنفً ‪ ،‬ممدمة فً علم االستغراب ‪ ،‬الدار التمنٌة للنشر‪ ،‬مصر ‪ ،‬د ط‪. 1991 ،‬‬
‫‪ )6‬زكً مٌالد ‪ ،‬اإلسالم و الحداثة ‪ ،‬من صدمة الحداثة إلى البحث عن حداثة إسالمٌة ‪،‬‬
‫مؤسسة اإلنتشار العربً ‪ ،‬بٌروت ‪،‬ط ‪.2010 ، 1‬‬
‫‪ )7‬زكً نجٌب محمود ‪ ،‬نافذة على فلسفة العصر ‪ ،‬كتاب العربً ‪ ،‬الكوٌت ‪ ،‬د ط ‪. 1990 ،‬‬
‫‪ )8‬سالمـــة موســـى‪ ،‬ماهً النهضــــة ‪ ،‬تمدٌم ‪ :‬مصطفى ماضً ‪ ،‬موفم للنشـــر ‪ ،‬الجزائر‬
‫‪ ،‬ط ‪.1990 ،2‬‬
‫‪ )9‬السٌد ولد أباه ‪ ،‬أعالم الفكر العربً ‪ ،‬الشبكة العربٌة لألبحاث ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط‪.2010 ،1‬‬
‫‪ )10‬السٌد ٌس و آخرون ‪ ،‬الحداثة و مابعد الحداثة ‪ ،‬جمعٌة الدعوة اإلسالمٌة ‪،‬طرابلس ‪ ،‬د‬
‫ط ‪. 1998 ،‬‬
‫‪ )11‬عبد الرحمن ٌعموبً ‪ ،‬الحداثة الفكرٌة فً التألٌف الفلسفً العربً المعاصر ‪ ،‬مركز‬
‫نماء للبحوث و الدراسات ‪ ،‬بٌروت ‪،‬ط‪. 2014 ،1‬‬
‫‪ )12‬عبــد الرزاق بلعمروز‪ ،‬تحوالت الفكــر الفلسفً المعاصر ‪،‬أسئلـــة المفهــوم والمعنى‬
‫و التواصل ‪ ،‬الدار العربٌة للعلوم ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط ‪. 2009 ، 1‬‬
‫‪ )13‬عبـــد الرزاق بلعمـــروز‪ ،‬السؤال الفلسفً و مســارات االنفتــاح‪ ،‬منشــورات‬
‫اإلختالف ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ط‪.2006 ،1‬‬

‫‪143‬‬
‫‪ )14‬عبد الغنً بارة ‪ ،‬الهٌرمونٌطٌما و الفلسفة ‪ ،‬نحو مشروع عمل تأوٌلً ‪ ،‬منشورات‬
‫االختالف ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ط‪2008 ،1‬‬
‫‪ )15‬عبد الكرٌم بوصفاف ‪ ،‬الفكر العربً المعاصر الحدٌث ‪،‬ج ‪ ،1‬دار مداد ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ط‬
‫‪.2009، 1‬‬
‫‪ )16‬عبد المجٌد خلٌفً و آخرون ‪،‬لراءات فً مشروع دمحم أركون الفكري ‪ ،‬منتدى‬
‫المعارف ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط‪. 1‬‬
‫‪ )17‬لاسم شعٌب ‪ ،‬فتنة الحداثة‪ ،‬صورة اإلسالم لدى الوضعٌٌن العرب ‪ ،‬المركز الثمافً‬
‫العربً ‪ ،‬ط‪.2003 ،1‬‬
‫‪ )18‬كحٌل مصطفى ‪ ،‬اآلنسة و التأوٌل فً فكر دمحم أركـــون ‪ ،‬دار األمـــان ‪ ،‬المغرب ‪،‬‬
‫ط‪.2011 ،1‬‬

‫‪ )19‬كمال عبد اللطٌف ‪ ،‬أسئلة الحداثة فً الفكر العربً ‪ ،‬من إدران الفارق إلى وعً‬
‫الذات ‪ ،‬الشبكة العربٌة لألبحاث ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط ‪. 2009 ، 1‬‬
‫‪)20‬‬
‫‪ )21‬دمحم جدٌدي‪ :‬الحداثة و مابعد الحداثة فً فلسفة ‪ ،‬رٌتشارد رورتً‪ ،‬منشورات اإلختالف‬
‫‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ط ‪. 2008 ،1‬‬

‫‪ )22‬دمحم سبٌال وعبد السالم بن عبد العالً ‪ ،‬مابعد الحداثة‪ ،‬تجلٌاتها و انتماداتها ‪،‬دار توبمال‬
‫‪ ،‬المغرب ‪ ،‬ط‪. 2007،1‬‬
‫‪ )23‬دمحم سبٌال ‪،‬مخاضات الحداثة ‪ ،‬دار الهادي ‪ ،‬بٌروت ‪،‬ط ‪. 2007،1‬‬
‫‪ )24‬دمحم سبٌال‪ ،‬عبد السالم بن عبد العالً‪ :‬الحداثة‪ ،‬دفاتر فلسفٌة‪ ،‬دار توبمال ‪2006 ،‬‬
‫‪ )25‬دمحم شولـــً الزٌن ‪ :‬إزاحات فكرٌة ‪ ،‬مماربات فً الحداثة و المثمف ‪ ،‬منشـــورات‬
‫االختالف ‪ ،‬ط ‪. 2008 ، 1‬‬
‫‪ )26‬دمحم عابـــد الجابــري ‪ ،‬الفكــر العربــً المعاصر‪ ،‬مركــز دراســــات الوحــــــدة‬
‫العربٌـــة ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط ‪.1994 ،5‬‬

‫‪144‬‬
‫‪ )27‬محمــد لطــــب ‪ ،‬من لضــــاٌا الفكـــر اإلســـالمً المعاصــــر ‪ ،‬فً أمـــور الدٌــــن‬
‫‪ ،‬فً التـــارٌخ ‪ ،‬فً اإللتصاد ‪ ،‬دار الشروق ‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪.2003 ،1‬‬
‫‪ )28‬دمحم ولٌدي ‪ ،‬بناء النظرٌة الفلسفٌة دراسات فً الفلسفة العربٌة المعاصرة ‪ ،‬دار‬
‫الطلٌعة ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬لبنان ‪،‬ط ‪. 1990، 1‬‬
‫‪ )29‬محمود لاسم ‪ ،‬فجوة الحداثة العربٌة ‪ ،‬دار الحرٌري ‪ ،‬مصر ‪ ،‬د ط ‪. 2005 ،‬‬
‫‪ )30‬مسرحً فارح ‪ ،‬الحداثة فً فكر دمحم اركون ‪،‬الدار العربٌة للعلوم ناشرون ‪ ،‬بٌروت‬
‫لبنان ‪ ،‬ط ‪. 2006 ، 1‬‬
‫‪ )31‬مصطـــفى جـــالل ‪ ،‬الحداثة و نمـــد األدلوجــــة األصولــــً ‪ ،‬رؤٌة للنشر ‪ ،‬مصــــر‬
‫‪ ،‬ط ‪2008 ، 1‬‬

‫‪ )32‬ناٌــلة أبً نــادر‪ ،‬التراث و المنهـج بٌن أركــون و الجابــري ‪ ،‬الشبكــــة العربٌــة‬
‫لألبحاث ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط‪. 2008 ،1‬‬
‫‪ )33‬نصــر حامــــد أبو زٌـــــد ‪ ،‬النـــص و السلطة و الحمٌمـــة ‪ ،‬المركـز الثمافً‬
‫العربــــً ‪ ،‬المغرب ‪ ،‬ط ‪.2000 ، 4‬‬
‫‪ )34‬هانً إدرٌس ‪ ،‬العرب و الغرب ‪ ،‬أي عاللة ‪...‬أي رهان ؟ دار االتحاد ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط‪1‬‬
‫‪. 1998 ،‬‬
‫‪ )35‬ولٌام كلً راٌت ‪ ،‬تر‪ :‬محمود سٌد أحمد ‪ ،‬تارٌخ الفلسفة الحدٌثة ‪ ،‬التنوٌر‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط‪1‬‬
‫‪.2010 ،‬‬
‫‪ٌ )36‬وسف بن عدي ‪ ،‬أسئلة التنوٌر و العمالنٌة فً الفكر العربً المعاصر ‪ ،‬الدار العربٌة‬
‫للعلوم ‪ ،‬بٌروت ‪ ،‬ط‪. 2010 ،1‬‬
‫‪ٌ )37‬وسف بن عدي ‪ ،‬مشروع اإلبداع الفلسفً العربً لراءة فً أعمال طه عبد‬
‫الرحمن‪،‬الشبكة العربٌة لألبحاث ‪ ،‬لبنان ‪،‬ط ‪. 2012، 1‬‬

‫‪145‬‬
‫المعاجم و الموسوعات ‪:‬‬

‫‪ )1‬ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬مج ‪ ،2‬دار بيروت للطباعة و النشر ‪ ،‬لبنان ‪.1555 ،‬‬
‫‪ )2‬أبــي الحســـن علي ابن إسماعيــل بن سيـــتدة المرسي ‪ ،‬المحكــــم و المحيــــط‬
‫األعظم ‪ ،‬م ‪ ، 3‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪. 2222 ، 1‬‬
‫‪ )3‬أندري الالند ‪ ،‬موســـوعة الالنـــد الفلسفية ‪ ،‬مج ‪ ، 2‬منشورات عويـــدات ‪ ،‬بيـــروت‬
‫‪ ،‬باريس ‪ ،‬ط ‪.2221 ، 2‬‬
‫‪ )4‬روالن ماركس و آخرون ‪ ،‬موسوعة تاريخ أوربا العام ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬عويدات للنشر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪. 2221 ، 2‬‬
‫‪ )5‬رحيم أبو غريف ‪ ،‬الدليل الفلسفي ‪ ،‬دار المحجة ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط‪. 2213 ،1‬‬

‫المجال ت و الدوريات ‪:‬‬

‫‪ )1‬مجلة التنوير العربي ‪ ،‬أفاق ومعضالت ‪ ،‬ضمن مجلة مدارات فلسفية ‪ ،‬عدد ‪،1‬‬
‫المغرب ‪. 1551 ،‬‬
‫‪ )2‬مجلة االستغراب ‪ ،‬العدد األول ‪ ،‬خريف ‪2215 ،‬‬

‫‪146‬‬
‫الفهرس‬

‫فهرس محتوٌات البحث‬

‫مقدمة‬

‫مدخل تمهٌدي ‪:‬الحداثة الغربٌة بٌن طوبوٌة المفهوم و تجاوزات الممارسة‬

‫تمهٌد ‪07..............................................................................................‬‬

‫‪ )1‬مفهوم الحداثة و المفاهٌم المجاورة ‪08.....................................................‬‬


‫‪ )2‬السٌاق التارٌخً للحداثة الغربٌة ‪14....................................................‬‬
‫‪ )3‬ممومات الحداثة الغربٌة ‪17…...........................................................‬‬
‫‪ )4‬أزمات الفكر الغربً و تٌار ما بعد الحداثة ‪22...........................................‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬مشروع النهضة العربٌة بٌن الطموح و اإلمكان‬
‫تمهٌد ‪31..........................................................................................‬‬
‫‪ )1‬السٌاق التارٌخً للمشروع النهضة العربٌة‪32.............................................‬‬
‫‪ )2‬مظاهر التحدٌث فً الفكر العربً ‪34.......................................................‬‬
‫‪ )3‬محدودٌة المشروع النهضوي العربً ‪39………………………………………………….‬‬
‫خاتمة الفصل ‪43.......................................................................................‬‬
‫الفصل الثانً ‪ :‬إعادة قراءة النص الدٌنً مدخل إلى الحداثة لدى دمحم أركون‬
‫تمهٌد ‪45...............................................................................................‬‬
‫‪ -1‬نقد العقل اإلسالمً " مشروع طموح أم طموح لمشروع "‬
‫‪ .1‬تارٌخٌة النص الدٌنً ‪46.............................................................‬‬
‫‪ .2‬مفهوم العمل اإلسالمً ‪50.............................................................‬‬
‫‪ .3‬نمد العمل اإلسالمً ‪51...............................................................‬‬
‫‪ -2‬اإلسالمٌات التطبٌقٌة من اإلسالم المطبق إلى اإلسالم التطبٌقً‬
‫‪ .1‬فً مفهوم اإلسالمٌات التطبٌمٌة‪65...............................................‬‬

‫‪147‬‬
‫الفهرس‬

‫‪ .2‬مهام اإلسالمٌات التطبٌمٌة‪68..................................................‬‬


‫‪ .3‬مناهج لراءة النص الدٌنً‪71.....................................................‬‬
‫‪ -3‬متطلبات المجتمع الحدٌث‬
‫‪ .1‬فتح باب االجتهاد‪76...............................................................‬‬
‫‪ .2‬العلمانٌة‪78.......................................................................‬‬
‫‪ .3‬العاللة مع اآلخر‪88.............................................................‬‬
‫‪ .4‬حموق اإلنسان ‪82................................................................‬‬
‫‪ .5‬مطبات المشروع األركونً ‪83..................................................‬‬
‫خالصة الفصل ‪88.......................................................................‬‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬مشروع الحداثة فً فكر طه عبد الرحمن‬
‫تمهٌد ‪98..................................................................................‬‬
‫‪ .1‬من التبعٌة إلى اإلبداع فً القول الفلسفً ‪.‬‬
‫‪ .2‬المولف من التبعٌة فً المول الفلسفً ‪92…………………….‬‬
‫‪ .3‬الحك فً اإلختالف الفلسفً …‪182………………………....‬‬
‫‪ .4‬اإلعتراضات على الفكر الكونً‪188……………………….‬‬
‫‪ -1‬مشروع اإلبداع الفلسفً‬
‫‪ .1‬عوائك اإلجتهاد و التجدٌد ‪114..........................................‬‬
‫‪ .2‬روح الحداثة و مبادئها ‪118.............................................‬‬
‫‪ .1‬التطبٌق اإلسالمً لروح الحداثة‬
‫‪ .2‬آفات الحداثة ‪123......................................................‬‬
‫‪ .3‬درء المٌم اإلسالمٌة ‪124.................................................‬‬
‫‪ .4‬حدود المشروع ……………………………………‪128‬‬
‫خالصة الفصل ‪138............................................................................‬‬
‫‪ ‬مقارنة بٌن مشروع طه عبد الرحمن و دمحم أركون‪133............................‬‬
‫خاتمة ‪138.......................................................................................‬‬

‫‪148‬‬
‫الفهرس‬

‫قائمة المراجع و المصادر‪141.................................................................‬‬


‫الفهرس ‪147....................................................................................‬‬

‫‪149‬‬

You might also like