You are on page 1of 29

‫مادات قراءة الكتب‬

‫مقدمة‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل الذي علّم بالقلم‪ ،‬علّم اإلنسان ما مل يعلم‪ ،‬و الصالة و السالم على من هنج‬

‫العربية منهج األدب و على آله و أصحابه و أتباعه الذين بلغوا الذروة الفضلى بالتعليم‬

‫و التأديب‪ ،‬و بعد‪.‬‬

‫فإن للغة العربية شأنا يزيدها أمهية و خطورة و جيعل اإلملام هبا أمرا يفرضه هذا‬

‫املوقع الفريد الذي متيزت به عن سائر اللغات‪ .‬فهي لغة القرآن الكريم و السنة الشريفة و لغة‬

‫اختارها رب العاملني لتكون لغة الوحي ألهل األرض مجيعا‪ .‬و لذلك كان اإلهتمام بتعليم اللغة‬

‫يف خمتلف مراحل التدريس أمرا ضروريا و السيما تعليم القراءة‪.‬‬ ‫العربية‬

‫و هذا هو الكتاب من مادة القراءة العربية‪ ،‬و هو ينظر إىل اللغة نظرة شاملة و‬

‫يتناوهلا بطريقة القواعد و األترجم ة‪ .‬فهو يعاجل أحد املهارات اللغوية األساسية األربع يف توازن‬

‫بيد أنه يقدم فهم املقروء حسب أهداف تعليمها فهم الكتب العربية‪.‬‬

‫و هذا الكتاب يضيف إىل تطوير طبيعي يف مسرية الطالب لدراسة اللغة العربية‪ .‬و‬

‫أنه يشمل على النصوص املناسبة بالعلوم الواردة‪ ،‬و يركز على ثروة معاني املفردات إذ أن هبا‬

‫تفهم النصوص‪ .‬فما من رجاء إال املوىل سبحانه أن جيعله سديد احلطى رشيد الغاية‪ ،‬إنه ويل‬

‫التوفيق‬

‫‪-1-‬‬
‫احملتويات‬

‫النص األول ‪ :‬فائدة القراءة ‪3 .......................................‬‬

‫النص الثاني ‪ :‬العلم و الفضاء ‪5 .....................................‬‬

‫النص الثالث ‪ :‬العلم قرية صغرية ‪7 ....................................‬‬

‫النص االرابع ‪ :‬أخالق املسلم ‪9 .....................................‬‬

‫النص اخلامس ‪ :‬أخالق الفتاة‪11 .......................................‬‬

‫النص السادس ‪ :‬األمانة ‪13 .........................................‬‬

‫النص السابع ‪ :‬نشأة املكتبات يف العصر اإلسالمي ‪14 ..........................‬‬

‫النص الثامن ‪ :‬ا اإلسالم دين العقل و العلم ‪15 ...............................‬‬

‫النص التاسع ‪ :‬اإلخالص ‪17 .........................................‬‬

‫النص العاشر ‪ :‬اإلجتهاد يف الشريعة اإلسالمية ‪19 .............................‬‬

‫النص احلادي عشر ‪ :‬صحة البيئة يف اإلسالم ‪21 .............................‬‬

‫النص الثاني عشر ‪ :‬اإلمام الشافعي ‪23 ...................................‬‬

‫النص الثالث عشر ‪ :‬تاريخ املدارس و املعاهد العلمية يف العامل اإلسالمي ‪25 ..............‬‬

‫النص الرابع عشر ‪ :‬حول تربية األبناء ‪26 .................................‬‬

‫النص اخلامس عشر ‪ :‬التعليم بني املاضي و احلاضر ‪27 .........................‬‬

‫النص اخلامس عشر ‪ :‬حيلة مفلس ‪28 ...................................‬‬

‫‪-2-‬‬
‫{النص األوّل}‬

‫فائدة القراءة‬
‫الفرق بني العلم و اجلهل كالفرق بني النور و الظالم‪ .‬ففي النور نرى األشياء و نعرفها‬

‫و نعرف ما نسري فيه من الطرق‪ .‬و يف النور منيّز الناس بعضهم من بعض‪ ،‬و منيّز األشياء مجيعها‪.‬‬

‫أما الظالم فال نرى فيه شيئا‪ ،‬ال نرى فيه وجوه الناس و ال نعرف فيه طريقتنا‪ ،‬و ال منيّز فيه بني‬

‫العدو و الصديق و ال منيّز فيه بني األشياء‪.‬‬

‫و العلم و اجلهل كذلك‪ ،‬فبالعلم نعرف احلياة و نعرف كيف نفكّر و كيف نطوّر حياتنا‪،‬‬

‫و نعرف قدرة اهلل يف خلقه و نعرف كيف نفرّق بني الصواب و اخلطأ‪ .‬و بالعلم نفهم أمور الدين‪،‬‬

‫و نفهم أسلوب الذي جيب أن نتّبعه يف التعامل مع الناس‪ ،‬و نفهم أمور اجملتمع الذي نعيش بني أفراده‪،‬‬

‫و نفهم الكثري من شئون حياتنا‪.‬أما اجلهل فنحن ال نعرف شيئا‪ ،‬و ال نفهم شيئا من كل أمور احلياة‪،‬‬

‫فنتخبّط و خنلط بني الصواب و اخلطأ‪ ،‬و تظلّ حياتنا كاملاء الراكد الذي ال نفع فيه بأيّ حال من‬

‫األحوال‪.‬‬

‫فما الوسيلة إىل العلم ؟ الوسيلة هي القراءة و ال شيء غريها‪ ،‬فالقراءة باب املعرفة‪.‬‬

‫هبا نعلم ما مل نكن نعلم‪ ،‬و هبا نعرف قدرة اهلل يف خلقه‪ ،‬و هبا نبين عقولنا و نصحّح أفكارنا‪ ،‬و هبا‬

‫نطّلع على أخبار السابقني‪ ،‬و هبا نعرف كيف نتعامل مع الناس‪ .‬و لوال القراءة ما تطوّرت حياة الناس‬

‫و تقدّموا‪ ،‬و لوالها ما وجد العلماء و ال املفكّرون و ال الفّنانون و ال األدباء‪ ،‬و لوالها ما عرفنا‬

‫تعاليم الدين الذي نعبد اهلل به‪ ،‬فهي النور الذي نرى فيه كل جوانب احلياة مباضيها و حاضرها‪.‬‬

‫‪-3-‬‬
‫بالقراءة نعرف تاريخ األمم اليت مضت و ما حدث هلا يف تأخّر و تقدّم‪ .‬و نعرف تاريخ‬

‫امللوك و ما دار بينهم من صراع و حروب‪ ،‬فنأخذ العرب و العظات‪ .‬و نعرف تاريخ العلم و العلماء‬

‫فنستفيد من جتارب أولئك العلماء‪ ،‬و ندرك ما فكّروا فيه و ما مل يفكّروا فيه‪ .‬و بالقراءة نعرف‬

‫أسرار الكون بفضائه و ما فيه من كواكب و جنوم‪ ،‬و نعرف أحوال األرض و ما فيها من يابسة‬

‫و ما فيها من حبار‪ ،‬و نعرف كنوزها يف الرب و البحر‪.‬‬

‫و بالقراءة نعرف جسم اإلنسان و ما فيه من أسرار‪ ،‬و نعرف النفس البشرية و ما فيه‬

‫من أسرار‪ .‬و بالقراءة نعرف كيف نزرع و كيف نصنع و كيف نبين‪ ،‬و هبا نستفيد من جتارب‬

‫اجملتمعات يف العلم و الف ّن و األد‪ ،‬فنطوّر ما لدينا و نضيف اجلديد‪ .‬و يف القراءة جمال للرتويح‬

‫عن النفس مبا نقرؤه من أخبار الظرفاء و ما لديهم من حكايات طريفة‪.‬‬

‫و قد يسأل سائل ‪ :‬ما الذي جيب أن أقرأه؟ و اجلواب أن القراءة ال حدود هلا‪ ،‬فليس‬

‫هناك كتاب جتب قراءته و كتاب ال جتب قراءته‪ .‬فكل كتاب سوف يكون مفيدا إال إذا اشتمل‬

‫على ما يفسد الدين و األخالق‪ .‬فإذا عرفنا كتابا يشتمل على ما يفسد الدين و األخالق‪ ،‬فلذلك‬

‫كتاب ال نقرؤه‪ .‬و ما عدا هذا فباب القراءة مفتوح‪ ،‬و كل ما نقرؤه حيمل لنا فائدة‪.‬‬

‫لتقرأْ كل شيء يف الدين و التاريخ و الفنون و األدب و اجلغرافيا و الزراعة و الصناعة‬

‫و الفلك و التكنولوجيا و الرحالت و املوسيقي‪ .‬لتقرأ يف كل ما يقع بني يديك من الكتب و اجلرائد‬

‫و األوراق‪ .‬و يف كل موضوع و عن كل شيء‪ ،‬فكلّ ما تقرؤه يفيدك يف جماالت احلياة املختلفة‪.‬‬

‫فتخرج من ظالم اجلهل إىل نور العلم و املعرفة‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪-4-‬‬
‫{النص الثاني}‬

‫العمل و الفضاء‬
‫الفضاء ميدان رحب فسيح ال يعرف اإلنسان هنايته‪ ،‬مليء باألسرار‪ ،‬و حييطه الغموض‪،‬‬

‫تسبح فيه النجوم و الكواكب يف نظام إهلي دقيق‪ .‬و لقد جذب أنظار العلماء منذ زمن بعيد‪،‬‬

‫فتتبّعوا أحوال النجوم‪ ،‬و رصدوا حركاهتا‪ ،‬و رصدوا الشمس و القمر بأحواهلما‪ .‬إال أنّ علماء‬

‫الفلك القدامى مل يكن لديهم األجهزة العلمية اليت تتيح هلم أن يعرفوا املزيد عن عامل الفضاء‪ ،‬لكنّ‬

‫حبوث الفضاء مل تتوقّف‪.‬‬

‫ثمّ جاء العصر احلديث و قد بلغ فيه علم الفضاء مبلغا عظيما‪ ،‬فاتسع جمال البحث‪،‬‬

‫و تطوّرت وسائل البحث كما تطوّرت وسائل الطريان‪ ،‬فأرسل العلماء أول مركبة فضائية تدور حول‬

‫األرض و قد محلت أول رائد من روّاد الفضاء‪ .‬ثم اتسعت دائرة العلوم الفضائية فأرسل العلماء‬

‫مركبة فضائية حتمل رواد الفضاء إىل القمر‪ .‬و مع كل مرحلة من مراحل البحث و الدراسة‪ ،‬يأتي‬

‫العلماء باجلديد يف جمال الفضاء‪.‬‬

‫و قد استفادت البشرية من تنافس العلماء يف بعض الدول الكربى حول السبق إىل معرفة‬

‫املزيد من أحوال الفضاء بغرض االستفادة من الفضاء يف تطوير احلياة البشرية على األرض‪ ،‬فاألحباث‬

‫العلمية مجيعها إمنا يقوم هبا العلماء خلدمة الناس يف كثري من شئون حياهتم‪ .‬فاألغراض اليت تقف‬

‫وراء أحباث الفضاء عديدة متوعة‪ ،‬منها‪ :‬دراسة األرض وطبقاهتا و دراسة البحار و تيسري وسائل‬

‫‪-5-‬‬
‫اإلتصال بني املواقع األرضية املختلفة‪ ،‬و توسيع دائرة البث اإلعالمي إىل جانب الفضائية األخرى اليت‬

‫يدرس فيها العلماء أحوال الكواكب‪ ،‬و هل هناك حياة أخرى على هذه الكواكب أم ال‪.‬‬

‫كل هذه األحباث تفتح أمام اإلنسان مزيدا من أبواب املعرفة‪ .‬و املزيد من املعرفة يؤدي إىل‬

‫تقدم احلياة اإلنسانية يف خمتلف اجلوانب‪ .‬و قد كان لظهور األقمار الصناعية دور كبري يف تطوير‬

‫احلياة على األرض يف نواح عديدة كالتجارة و الزراعة و الصناعة و اجملال األعالمي و اجملال‬

‫العسكري و اجملال التعليمي و كذلك اجملال الثقايف‪ ،‬حيث استطاع اإلنسان يف أي مكان على األرض‬

‫أن يعرف الكثري عن بقية بالد الكرة األرضية بعاداهتا و تقليدها و أحوال شعوهبا‪ .‬فعلوم الفضاء‬

‫كانت بداية عظيمة لتطوير احلياة اإلنسانية على األرض‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪-6-‬‬
‫{النص الثالث}‬

‫العمل قرية صغرية‬


‫يف زمان مضى كان الناس ينتقلون من مكان إىل آخر على الدواب أو سريا على األقدام‪،‬‬

‫مل يكن االتصال بني الناس قائما إال عند الضرورة‪ ،‬و ذلك لبعد املسافات و عدم وجود وسائل السفر‬

‫السريعة‪ .‬ثم ظهرت السفن فساعدت على االنتقال بني األماكن اليت تفصلها األهنار و البحار‪.‬‬

‫و بظهور الطائرات أصبح االنتقال بني الدول أمرا ميسورا‪ ،‬و هبذا ضاقت املسافات‪.‬‬

‫و بعد تطور االتصاالت التلفونية الالسلكية‪ ،‬صار االتصال بني األفراد يف أي مكان على أي‬

‫سطح األرض أمرا ال مشقة فيه‪ .‬و مع تطور وسائل السفر و تطور وسائل االتصال التلفوني مل تعد‬

‫العامل أدنى مشكلة يف اتصال شخص بآخر مهما تباعدت املسافات‪ .‬و بعد ظهور األقمار الصناعية‬

‫استطاع الناس يف أي دولة أن يكونوا على معرفة مبا جيري يف أي دولة أخرى‪.‬‬

‫فحني نقول‪ :‬إن العامل اليوم قد صار قرية صغرية‪ ،‬فمعنى هذا أن ما حيدث يف مكان من العامل‬

‫يعلمه الناس يف كل مكان‪ ،‬فمن كان يف مشال الكرة األرضية يعلم ما جيري يف جنوهبا‪ ،‬و من كان‬

‫يف شرقها يعلم ما جيري يف غرهبا‪ ،‬و من امليسور أن يتصل كل إنسان بغريه يف أي مكان‪ ،‬بسبب‬

‫التقدم اإلعالمي الذي مشل وسائل االنتقال من سيارات و سفن و قطارات و هواتف إىل جانب ما‬

‫قدّمه العلم من وسائل اإلعالم املتطوّرة يف جمال اإلذاعة و التليفزيون‪ ،‬و إىل ما جانب ما قدّمه العلم‬

‫من شبكات اإلنرتنت‪.‬‬

‫‪-7-‬‬
‫بسبب هذا كله صار العامل مجيعه يشبه القرية الصغرية‪ ،‬و فيها يطّلع كل فرد يف أي مكان‬

‫منها على ما حيدث يف أي مكان آخر و يف أي وقت‪ ،‬و ذلك لضيق مساحتها‪ ،‬و تقارب املسافات‬

‫بني سكاهنا‪ ،‬و سهولة اتصال كل إنسان بغريه‪ ،‬فاألحداث اليت جتري يف القرية يعلمها أهل القرية‬

‫مجيعهم يف وقت واحد‪ .‬و كذلك صار العامل اليوم‪ ،‬فكل ما جتري فيه أحداث يعلمه سكان األرض‬

‫فكأنّ املسافات البعيدة قد اقرتب بعضها من بعض‪ .‬و هلذا شبّهنا العامل بالقرية الصغرية‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪-8-‬‬
‫{النص الرابع}‬

‫أخالق املسمل‬
‫األخالق هي الصفات اليت يعيش هبا اإلنسان بني الناس‪ ،‬فإن كانت أخالقه حسنة رضي‬

‫اهلل عنه و أحبّه الناس و سعوا إىل صحبته‪ .‬و إن كانت أخالقه سيّئة غضب اهلل عليه و نفر الناس‬

‫من صحبته‪ .‬و حني تكون أخالق الناس – مجيعا – حسنة‪ ،‬تسود املودة بينهم‪ ،‬و حييا اجملتمع‬

‫يف سالم‪ .‬فإن كانت عكس هذا‪ ،‬سادت البغضاء بينهم و عاش اجملتمع يف اضطراب و عمّ اخلوف‬

‫و ساءت احلياة‪.‬‬

‫لقد جاء الدين اإلسالمي ليجعل املسلم متصفا بأفضل الصفات يف كل أفعاله و أقواله‪،‬‬

‫فال يفعل إ ّال اخلري و ال يقول إالّ الصّدق‪ .‬فأخالق املسلم تشتمل على أمور ثالثة ال بد أن جتتمع كلها‬

‫يف حياته‪ .‬أما األمر األول‪ ،‬فهو اإلميان بأن اهلل واحد ال شريك له‪ ،‬و أنه حياسب كل إنسان على‬

‫أفعاله‪ .‬و إميان املسلم هبذا احلساب هو الذي يدفعه إىل كل فعل حسن و كل قول كريم‪.‬‬

‫و أما األمر الثاني‪ ،‬فهو حق نفسه عليه و حق بدنه عليه‪ .‬فحق نفسه عليه أن يعوّدها‬

‫اخلصال الكرمية فيطبعها على الشرف فال يكذب و ال يسرق و ال يفكّر يف إيذاء أحد‪ .‬و ال يتّجه‬

‫إىل معصية و ال يظلم و ال يكسل عن طلب الرزق ى و ال يهمل طلب العلم‪ .‬و أن خيتار أشرف‬

‫األعمال‪ ،‬و أن يكون حمبا اخلرب بك ّل أنواعه‪ ،‬كارها الشرّ بك ّل أنواعه‪.‬‬

‫و حق بدنه عليه أن حيفظ من العادات الضارة اليت تذهب بنشاطه و حيويّته‪ ،‬أو تذهب‬

‫عقله‪ ،‬و أن يعوّده النظام الصحّيّ يف املأكل‪ .‬فال يأكل إال إذا جاع‪ ،‬و إذا أكل ال يشبع و أالّ يدخل‬

‫‪-9-‬‬
‫طعاما على طعام‪ .‬و من حق البدن – أيضا أالّ يرهقه صاحبه باستمرار العمل‪ ،‬و أن ينشّطه‬

‫و يق ّويه بالرياضات البدنية اخلفيفة‪.‬‬

‫و أما األمر الثالث‪ ،‬فهو مراعاة حق اآلخرين‪ ،‬فمن حقوقهم أن حنرتم حريتهم و أن حنرتم‬

‫آراءهم‪ .‬و أن نؤدي ما جيب علينا حنو هم ‪ :‬حنرتم الكبري و نعطف على الصغري و نواسي املصاب‬

‫و نزور املريض و مندّ يد املساعدة ملن حيتاج إليها‪ .‬و أن جنعل حياتنا مصدر خري للوالدين‬

‫و للصديق و للجار و للزميل‪ .‬و أن نعفو و نصفح و أن يقبل العذر ممن يعتذر‪ .‬كل هذه األمور هي‬

‫األخالق احلسنة اليت أمر اإلسالم أن تكون منهجا للمسلم‪ ،‬و عمال بقول الرسول الكريم ‪{ :‬إمنا‬

‫بعثت ألمتّم مكارم األخالق}‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪- 10 -‬‬
‫{النص اخلامس}‬

‫أخالق الفتاة‬
‫حتدثت أم عن ابنتها الفتاة مفتخرة بأخالقها‪ ،‬فقالت ‪ :‬حني أحتدث عن ابنيت فإني أشعر‬

‫بالسعادة و أشعر بالفخر؛ ألهنا قد حققت كل كنت أنتظره من أخالقها الكرمية‪ ،‬و من سلوكها‬

‫يف املنزل و يف املدرسة و مع صديقاهتا و مع جرياهنا و مع كل الناس و مع نفسها‪ .‬فهي يف املنزل‬

‫تقسّم وقتها بني العبادة و أعمال املنزل و املذاكرة‪ .‬فمن ناحية العبادة حترص على الصالة و على‬

‫ذكر اهلل يف كل األوقات‪ ،‬فتعمل كل ما أمر به و ال تقدم على شيء هنى عنه‪ .‬و هي حريصة على‬

‫املساعدة يف أعمال املنزل من تنظيف و ترتيب و طبخ و غسل و خدمة الضيوف‪.‬‬

‫أما يف املدرسة فمظهرها حسن دائما‪ ،‬و كتبها الدراسية تالمزها‪ ،‬و عند شرح الدرس‬

‫ال ينشغل ذهنها بغري ما تسمعه من الشرح‪ ،‬حريصة على أدب احلوار مع املعلم أو املعلمة‪ ،‬و إذا‬

‫خفي عليها شيء من الدرس طلبت إعادة شرحه يف أدب جم‪ .‬و أما أخالقها مع صديقاهتا‪،‬‬

‫فهي خملصة يف صداقتها؛ فال تبخل على إحداهن بشيء يكون يف قدرهتا‪ ،‬و ال تبخل بنصيحة‬

‫أو منشورة‪ ،‬و ال تتحدث مع واحدة منهن إال يف األمور األخالقية الكرمية‪ ،‬و إذا مازحت فمزاحها‬

‫بالطرف اجلميلة املهذبة‪ ،‬و هي قبل هذا كله ال تصادق إال من كانت على خلق كريم‪.‬‬

‫و هي مع جرياهنا كثرية التودد إليهم‪ ،‬حترتم كبريهم و تعطف على صغريهم‪ ،‬و متد يد‬

‫املساعدة جلارهتا يف كثري من امل ناسبات و غري املناسبات‪ ،‬و ال يصدر منها ما يؤذي جارهتا‪.‬‬

‫و هي مع كل الناس على خلق كريم فيما تتعامل به معهم‪ ،‬فهي ال تنهر سائال‪ ،‬و ال تلفظ إال مبا هو‬

‫‪- 11 -‬‬
‫طيب‪ ،‬و ال تضمر شرا ألحد‪ ،‬حمبة للخري لدى الناس مجيعا‪ ،‬تصلح بني املتخاصمني‪.‬و لساهنا‬

‫ال يعرف النميمة و ال الوشاية‪ .‬و أما سلوكها مع نفسها فهي ال تعرف التقليد األعمى فال تقلد غريها‬

‫إال يف املظهر املهذب‪ ،‬و السلوك الرفيع و هي تنفر من كل فتاة متربجة‪ ،‬و هي قانعة مبا لديها‪،‬‬

‫فال تشتهي ما ال تقدر عليه‪ .‬ففي عموم أخالقها هي خري منوذج للفتاة‪.‬‬

‫ثم تابعت األم قائلة ‪ :‬و إني لسعيدة بابنيت‪ ،‬وسر سعادتي أهنا هبذه األخالق سوف تكون‬

‫أما صاحلة‪ ،‬و تعرف األسلوب الكريم الذي تنشىء عليه أوالدها‪ ،‬من الصدق و األمانة و حب اخلري‬

‫و غري هذا من الصفات الشريفة اليت جيب أن تكون طبعا أصيال لدى كل إنسان‪ .‬فرتبية الفتاة‬

‫على حسن اخللق هي تربية لألجيال القادمة اليت ترتبى على يديها ألن أثر األم يف تربية األوالد أقوى‬

‫من أثر األب‪ .‬ثم ختمت األم حديثها هبذه العبارة ‪ :‬زينة الفتاة يف األدب ال يف اجلواهر و النسب‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪- 12 -‬‬
‫{النص السادس}‬

‫األمانة‬
‫لألمانة معان كثرية منها ‪ :‬احملافظة على حقوق اآلخرين‪ ،‬و الوفاء بالعهد و الصدق يف نقل‬

‫األخبار و ر ّد الودائع إىل أصحاهبا‪ .‬فهي صفة من الصفات الكرمية اليت توجد لدى كل إنسان على‬

‫خلق كريم‪ .‬و اإلنسان األمني هو الذي حيرص على هذه الصفات و لو تعامل معه اآلخرون بغري‬

‫األمانة‪ ،‬فحني يكون اإلنسان صادقا يف أمانته‪ ،‬أي حني تكون األمانة يف طبعه‪.‬‬

‫ثم وجد خيانة من غريه‪ ،‬فإن هذه اخليانة من اآلخرين ال خترجه عن أمانته‪ ،‬أما إن كانت‬

‫أمانته مشروطة بأن يكون الناس معه أمناء‪ ،‬فمثل هذا الشخص ال يعترب أمينا‪ ،‬بل هو أقرب إىل‬

‫اخليانة‪ ،‬ألنه يقابل األمانة باألمانة‪ ،‬و يقابل اخليانة باخليانة‪ ،‬و ليس هذا من خلق األمني‪ ،‬ألن األمني‬

‫يظل أمينا يف كل األحوال‪ ،‬و قد قيل ‪" :‬أد األمانة إىل من ائتمنك و ال ختن من خانك"‪.‬‬

‫و األمانه صفة تدل على قوة النفس و عزهتا عند األمني‪ ،‬حني تكون لديه ودائع للناس‪.‬‬

‫فهما كانت الوديعة غالية الثمن و مهما كان فقريا‪ ،‬فإنّ الوديعة ال تغريه باإلستيالء عليها‪ .‬أما ضعيف‬

‫النفس فإنه ينكرها‪ .‬و كما تكون األمانة يف الودائع‪ ،‬تكون يف األسرار اليت يأمتنك عليها الناس‪.‬‬

‫فاألمني هو حيفظ أسرار الناس و ال يذيعها‪ ،‬و تكون يف العهد الذي جيري بني شخص و غريه‪.‬‬

‫فاألمني هو الذي حيفظ العهد و ال خيونه‪ .‬و تكون فيما ينقله الشخص من الكالم بني اثنني‬

‫أو أكثر‪ ،‬فاألمني حيدث مبا رأى أو مبا مسع من غري زيادة أو نقصان‪ .‬و من مثرات األمانة أنّ األمني‬

‫شخص يقبل الناس عليه‪ ،‬و يثقون يف كالمه و يف أفعاله وهو جدير هبذه الثقة‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪- 13 -‬‬
‫{النص السابع}‬

‫نشأة املكتبات يف العرص اإلساليم‬


‫الكتب قبل اخرتاع الطباعة غالية الثمن‪ ،‬ال يقتنيها إال األغنياء ألهنا كانت خمطوطات‬

‫مرتفعة التكاليف‪ .‬و لذلك قام القادرون من حميب العلم بإنشاء املكتبات جيمعون فيها الكتب‬

‫و يفتحون أبواهبا للراغبني يف القراءة و البحث‪ .‬و هذه املكتبات تؤدي ما تؤديه معاهد العلم‬

‫و اجلامعات يف الوقت احلاضر‪.‬‬

‫و قد أنشأ هارون الرشيد بيت احلكمة و هو أول مكتبة عامة ذات شأن يف العامل‬

‫اإلسالمي‪ .‬فقد كان مركزا علميا جيتمع فيه العلماء للبحث و الدرس و يلجأ إليه الطالب‪ .‬و يعترب‬

‫عصر اخلليفة املأمون أزهى عصور بيت احلكمة حيث نقل إليها عددا كبريا من كتب اليونان‬

‫و الفرس و اهلند و كلّف املأترجم ين بأترجم هتا‪.‬‬

‫و من املكتبات املشهورة دار احلكمة اليت أنشئت يف آخر القرن الرابع اهلجري بالقاهرة‪.‬‬

‫و قد محلت إليها الكتب من خزائن القصور و مسح بدخلوهلا لعامة الشعب‪ .‬فمنهم من حيضر‬

‫للقراءة و منهم من حيضر للنسخ و منهم للدرس‪ .‬و البناء املخصص هلذه املكتبات عظيم جدا‬

‫إذ مشلت على أربعني خزانة تسع الواحدة حنو مثانية عشر ألف كتاب و كانت الرفوف مفتوحة‬

‫و الكتب يف متناول اجلميع‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪- 14 -‬‬
‫{النص الثامن}‬

‫اإلسالم دين العقل و العمل‬


‫كان اإلسالم مصدرا مفجرا للعلم و املعرفة و بيانا جليا يرشد اإلنسان يف اعمال الفكر‬

‫و العقل‪ .‬امتاز اإلنسان عن كائن آخر بالعقل و العلم حيث كان العقل مفتاحا لرشد األمور و العلم‬

‫سبيال لفهم شؤون احلياة‪ .‬إذا أمهل اإلنسان اعمال عقله كان أشبه بالبهائم و خاليا من أداة التمييز‬

‫بني اخلري و الشرّ و احلق و الباطل و النافع و الضار‪ ،‬و صار بدونه ضعيفا ال يعرف اهلداية من‬

‫الضاللة و احلسنة من السيئات‪.‬‬

‫مازال اإلنسان كرميا يف ميزان اإلسالم مادام عقله مستفادا يف اكتساب العلم و املعرفة‪.‬‬

‫و قد جمّد اإلسالم العلم و جعل أهله يف املرتبة الثالثة بعد اهلل و املالئكة‪ ،‬كما كان جمّد العقل أيضا‬

‫و جعل إمهاله سببا يف عذاب اآلخرة‪ .‬فيتطلّب من اإلنسان إعمال العقل يف كل ما هو خري و ترك‬

‫ما هو شرّ و بناء جمد حياته على أساس العلم و املعرفة‪.‬‬

‫ظلّ اإلسالم حيثّ الناس من خالل آيات القرآن الكرمية على إعمال العقل يف خمزونات الكون‬

‫و منافعه‪ ،‬و التفكري يف اإلستفادة من طاقاته‪ .‬فأصبح ذلك يدل على أن التفكري فريضة إسالمية‬

‫ال خيتلف عن بقية الفرائض اجلسدية اليت ميارسهما اإلنسان‪ ،‬بل ليس اإلميان قويا إال بدليل عقلي‬

‫يطمئن إليه كل مؤمن‪ ،‬و ال جيوز التقليد يف توارث العقائد‪ ،‬فصار اإلعتماد على احلجة و الربهان‬

‫ضروريا يف تكوين العقيدة الصحيحة‪.‬‬

‫أصبح من الواضح أن اإلسالم رسالة بناء جمد و عزة و كرامة‪ .‬و كان سبيل ذلك احلضارة‬

‫و التقدم‪ ،‬ال تقوم احلضارات إال بسلطان العلم و العقل‪ ،‬و يكون ختلف األمم و ضعفها بسبب اجلهل‬

‫‪- 15 -‬‬
‫و إمهال طاقات الفكر‪ .‬فيحرص اإلسالم على بناء جمد األمة و حتقيق عزهتا و كرامتها على أساس‬

‫الفكر و العقل و العلم و العمل‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪- 16 -‬‬
‫{النص التاسع}‬

‫اإلخالص‬
‫العمل جسم روحه اإلخالص‪ ،‬إن اجلسم متى فارقته روحه ‪-‬اليت هبا قوامه كان جثة‬

‫هامدة‪ -‬ال حراك فيها و ال فائدة ترجى منها‪ ،‬فكذلك العمل إذا زايله اإلخالص‪ .‬كم رأينا قوما‬

‫يعملون! غري أننا مل نر أثرا صاحلا لعملهم و كثري منهم مل يوفق فيما قصد إليه‪ ،‬فظل يف شاطئه‪،‬‬

‫أو خاض منه ضحضاحا و مل يستطع أن يصل إىل الغمر‪ ،‬فنكص على عقبيه خسر النصب‬

‫و الذهب‪.‬‬

‫و ليس هلذه األمر من سبب‪ ،‬إىل أن اإلخالص مل يكن رائد هذه الفئة‪ ،‬ألهنا مل تعمل‬

‫إال جلر مغنم مذموم أو كسب شرف موهوم‪ .‬و السر يف ذلك أن من يعمل خملصا يف عمله ألمته‬

‫و وطنه هتوى إليه أفئدة الناس و حيوطونه بالتشجيع و التحبيذ‪ ،‬أو باملعونة و التنفيذ‪ ،‬فيزداد بذلك‬

‫مهة و نشاطا و تنمو فيه روح اجلد و املثابرة على العمل‪.‬‬

‫أما من يعمل غري خملص فإنه و إن كتم ما يضمره حينا من الدهر‪ ،‬البد أن ينكشف عواره‪،‬‬

‫و يفتضح أمره‪ ،‬فينفر منه من كان له معينا‪ ،‬و يهمله من شجّعه و حبّذ عمله‪ .‬و بذلك تضعف‬

‫مهته‪ ،‬و تفرت عزميته‪ ،‬فيدع ما كان يعمله مضطرا‪ ،‬و تكون عاقبة أمره خسارة املادة و األدب‪،‬‬

‫و يعيش عيشة غري راضية‪.‬‬

‫و األمثال على ذلك كثرية ‪ :‬فكم رأينا مجعيات قامت؛ فما لبثت أن قعدت! و كم شاهدنا‬

‫مشروعات هنضت فما مكثت أن سقطت‪ .‬و تعداد هذه احلوادث حيتاج إىل صحفات‪ .‬فكن‬

‫‪- 17 -‬‬
‫خملصا يف عملك تبلغ أقصى أملك‪ ،‬واحذر أن تبيع الوجدان باألصفر الرنان‪ ،‬فذلك دأب املنافقني‬

‫الذي يستبدلون الدنيا بالدين و الضالل باليقني‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪- 18 -‬‬
‫{النص العاشر}‬

‫اإلجهتاد يف الرشيعة اإلسالمية‬


‫يف مفاهيمنا اإلسالمية األصلية كلمتان مشتقتان من مادة واحدة‪ ،‬هلما أكرب األثر يف احلياة‬

‫اإلسالمية و يف مسرية األمة اإلسالمية على امتداد التاريخ‪ .‬هاتان الكلمتان مها اإلجتهاد و اجلهاد‬

‫و قد استقتا من مادة (ج هـ د) مبعنى بذل اجلهد (بضم اجليم) أي الطاقة‪ ،‬أو حتمل اجلهد (بفتح‬

‫اجليم) أي املشقة‪ .‬و الكلمة األوىل هدفها معرفة اهلدى و دين احلق الذي أرسل اهلل به رسوله‪،‬‬

‫و األخرى هدفها محايته و الدفاع عنه‪ .‬األوىل ميداهنا الفكر و النظر و األخرى العمل و السلوك‪.‬‬

‫و عند التأمل جند أن كال املفهومني يكمل األخر و خيدمه‪ .‬فاإلجتهاد إمنا هو لون من اجلهاد العلمي‪،‬‬

‫و اجلهاد إمنا هو نوع من اإلجتهاد العملي‪.‬‬

‫و مثرات اإلجتهاد ميكن أن تضيع إذا مل جتد من أهل القوة من يتبنى تنفيذها كما‬

‫أن مكاسب اجلهاد ميكن أن تضيع إذا مل جتد من أهل العلم من يضيئ هلا الطريق‪ .‬و يف عصورنا‬

‫اإلسالمية الزاهرة مضى هذان األمران جنبا إىل جنب ‪ :‬اإلجتهاد و اجلهاد‪ .‬فسعدت األمة بوفرة‬

‫اجملتهدين من محلة القلم و وفرة اجملاهدين من محلة السيف‪ .‬األولون لفهم ما أنزل اهلل من الكتاب‬

‫و امليزان‪ ،‬و األخرون حلمايته باحلديد ذي البأس الشديد‪ .‬و هو ما تشري إليه األية الكرمية ‪َ :‬لقَدْ‬

‫سطِ وَأَن َزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ َبأْسٌ‬


‫سلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَن َزلْنَا َمعَُهمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالِْق ْ‬
‫سلْنَا ُر ُ‬
‫أَ ْر َ‬

‫ِي َعزِيزٌ {احلديد ‪.}25:‬‬


‫ب إِ َّن اهللَ َقو ٌّ‬
‫صرُهُ وَ ُرسَُلهُ بِاْلغَيْ ِ‬
‫هلل مَن يَن ُ‬
‫شَدِيدٌ وَمَنَافِعَلِلنَّاسِ َولَِي ْعلَ َم ا ُ‬

‫و يف بعض العصور وجد اجلهاد لكن مل يصحبه اإلجتهاد فجمدت احلياة اإلسالمية‬

‫و حتجرت على حني كانت اجملتمعات غري املسلمة‪ ،‬قد بدأت يف اليقظة و التفتح و النهوض‪ .‬ثم تلت‬

‫‪- 19 -‬‬
‫عصور أخرى فقد املسلمون فيها اإلجتهاد و اجلهاد معا‪ .‬فغزوا يف عقر دارهم و فقدوا سيادهتم‬

‫و استقالهلم و وحدهتم‪.‬‬

‫الشريعة اإلسالمية هي خامتة الشرائع اليت حتمل اهلداية اإلهلية للبشر و قد خصها اهلل‬

‫بالعموم و اخللود و الشمول فهي رمحة اهلل للعاملني من كل أجناس و يف كل البيئات و كل األعصار إىل‬

‫أن تقوم الساعة‪ .‬و يف كل جمالت احليات املتنوعة‪ ،‬هلذا أودع اهلل فيها من األصول و األحكام‬

‫ما جيعلها قادرة على الوفاء حباجة اإلنسانية املتجددة على امتداد الزمان و اتساع املكان و تطور‬

‫اإلنسان‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪- 20 -‬‬
‫{النص احلادي عشر}‬

‫حصة البيئة يف اإلسالم‬


‫اهتم اإلسالم بالنظافة اهتماما عظيما‪ ،‬و إذا كان أول سورة نزلت يف القرآن الكريم‬

‫ك‬
‫قد حتدث عن العلم يف قوله "اقرأ" فقد جاءت بعدها سورة أمرت بالنظافة يف قوله تعاىل ‪ :‬وَثِيَابَ َ‬

‫فَطَِّهرْ {املدثر‪.}4:‬‬

‫و من أهم أنواع النظافة؛ نظافة مصادر املياه كمياه األهنار و اآلبار‪ .‬فقد شدّد اإلسالم‬

‫على عدم تلويثها بإلقاء القذارة أو النجاسة فيها‪ ،‬و هنى عن التربز أو التبول يف املاء‪ .‬فاملاء امللوث‬

‫ينقل الكولريا و التيفود و شلل األطفال‪ .‬فقد قال الرسول ‪ :‬ال يبولن أحدكم يف املاء الدائم الذي‬

‫ال جيري ثم يغتسل فيه {رواه البخاري}‪.‬‬

‫و دعا اإلسالم إىل نظافة املساكن و الشوارع و كل أرجاء املدينة‪ ،‬فيمنع إلقاء القذارة‬

‫أو مجعها يف البيوت أو تركها يف الشوارع و يأمر املسلم إذا وجد شيئا يف الطريق أن يزحيه و حيرم‬

‫التبول أو التغوط يف الطريق أو حتى البصق فيه‪.‬‬

‫اإلسالم جيعل النظافة جزءا من العبادة بل من أصول الدين نفسه‪ ،‬أال ترى أن الدخول‬

‫يف اإلسالم يستلزم بالطهارة و اإلستحمام قبل النطق بالشهادتني‪ .‬و ال تصح الصالة إال بالوضوء‬

‫أو التيمم و لكي يهتم الناس بالنظافة عبّر عنها اإلسالم بكلمة "الطهارة" و عبّر عن القذارة بكلمة‬

‫"النجاسة"‪.‬‬

‫و األيدي من أهم العوامل يف نقل اجلراثيم‪ ،‬و ذلك عند ملس طعام ملوث أو شيء فيه قذارة‬

‫أو بعد الذهاب إىل احلمام‪ .‬و من اجلراثيم اليت تنقلها اليد التيفود و الدوسنتاريا و غريمها‪.‬‬

‫‪- 21 -‬‬
‫و ال يكتفى اإلسالم بغسل األيدي عند الوضوء بل يستحب غسل اليد قبل الطعام و بعده‪ ،‬و قبل‬

‫النوم و بعده‪ ،‬و قبل الدخول على املريض و بعد اخلروج من زيارته‪ ،‬و من املأثورات ‪ :‬اغسل يدك‬

‫قبل األكل و بعده‪.‬‬

‫لقد جاء اإلسالم يف وقت مل يكن الناس يعرفون شيئا عن أمهية النظافة يف القضاء على‬

‫األمراض‪ ،‬مل يكونوا يعرفون اجلراثيم و الطفيليات‪ ،‬فجاء اإلسالم يرشدهم إليها بعبارة سهلة‪ .‬و هكذا‬

‫نرى أن اإلسالم أوجد الطب الوقائي‪ ،‬و قد نفذه املسلمون قبل العامل كله بأربعة عشر قرنا‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪- 22 -‬‬
‫{النص الثاني عشر}‬

‫اإلمام الشافعي‬
‫اإلمام أبو حممد بن إدريس الشافعي القريشي‪ ،‬واحد من كبار مفكري العامل و أحد األئمة‬

‫األربعة بني الفقهاء املسلمني‪ .‬ولد يف غزة من فلسطني سنة ‪ 105‬هجرية‪ .‬و نشأ يف حجر أمه يتيما‪،‬‬

‫و محل إىل مكة و هو ابن سنتني‪ ،‬و فيها نشأ و تلقى العلم‪ .‬حفظ القرآن و هو ابن سبع سنني‪،‬‬

‫و درس اللغة و الشعر‪ ،‬ثم أقبل على الفقه و احلديث‪ ،‬و أخذ بالقسط األكرب من العلوم و املعارف‬

‫حتى ارتفع من كل عامل قبله‪.‬‬

‫أخذ فقه الكتاب و السنة من احلجاز‪ ،‬و حفظ "املوطّأ" لإلمام مالك‪ ،‬ثم سافر‬

‫إىل املدينة فسمعه منه و أخذ فقهه‪ .‬ثم رحل إىل العراق فأخذ من أهل الرأي علمهم و رأيهم‪.‬‬

‫و كان ذكيا قوي احلجة‪ ،‬مسّاه أهل مكة ناصر السنة ألنه كان يلزم أهل الرأي وجوب إتباع السنة‪،‬‬

‫و يفصل للناس طرق فهم القرآن الكريم‪.‬‬

‫كان اإلمام أمحد بن حنبل –بعد أن جلس إليه‪ -‬من املعجبني به حتى قال ‪" :‬ما رأيت‬

‫أحدا أفقه يف كتاب اهلل من هذا الفتى"‪ .‬و قال ‪" :‬لو ال الشافعي ما عرفنا فقه احلديث"‪ .‬كما ذكر‬

‫عنه أنه قال ‪":‬ما أحد ممن بيده حمربة أو ورق إال للشافعي يف رقبته منه"‪ .‬و كان الشافعي يعرتف‬

‫لإلمام أمحد بن حنبل و أصحابه بالعلم باحلديث‪ ،‬فقد روى منه أنه قال لإلمام ‪":‬أنتم أعلم باإلخبار‬

‫الصحاح منا‪ ،‬فإذا كان اخلرب صحيحا فأعلمين حتى أذهب إليه"‪.‬‬

‫فقد عاش الشافعي مع مالك تسع سنوات‪ ،‬تلقى عليه فقه املدينة‪ ،‬و لكنه كان مع ذلك يقوم‬

‫برحالت يف البالد العربية‪ ،‬يستفيد منها ما يستفيده املسافر العامل بأحوال الناس و شؤون جمتمعهم‪،‬‬

‫‪- 23 -‬‬
‫و كان من وقت إىل آخر يذهب إىل مكة يزور أمه‪ ،‬و يستفيد من نصائحها‪ ،‬و ملا مات مالك سنة‬

‫‪ 179‬هجرية عاد الشافعي إىل مكة‪ ،‬ثم سافر إىل جنران يف عمل‪ ،‬و منها إىل العراق‪ ،‬و أخريا انتهى‬

‫به املطاف إىل مصر سنة ‪ 199‬هجرية فهي تتوسط الديار اإلسالمية بني الشرق و الغرب‬

‫و األندلس‪ ،‬و كانت هلا مكانة علمية لإلقامة تالميذ مالك هبا‪ .‬أقام الشافعي بالفسطاط و أخذ‬

‫يلقى دروسه يف جامعتها‪ .‬و قد بلغ من إجادته القول أن مسّاه معاصروه (خطيب العلماء)‪.‬‬

‫خلّف اإلمام الشافعي مذهبا ضخما حيرتمه املسلمون مجيعا‪ ،‬و ترك مؤلفات شأهنا عظيم‬

‫وهي كثرية منها ‪ :‬األم يف سبعة جملدات و فيه فقهه‪ ،‬و املسند يف احلديث‪ ،‬و أحكام القرآن‪،‬‬

‫و الرسالة يف أصول الفقه‪ .‬تويف اإلمام الشافعي يف مصر سنة ‪ 204‬هجرية عن أربع و مخسني‬

‫سنة‪ .‬و قد سئل أحد العلماء ‪" :‬كيف و ضع الشافعي هذه الكتب و كان عمره يسريا ؟ فقال ‪:‬‬

‫"مجع اهلل له عقله لقلّة عمره"‪{ .‬الشايف للشيخ أبو زهرة}‬

‫‪‬‬

‫‪- 24 -‬‬
‫{النص الثالث عشر}‬

‫اترخي املدارس و املعاهد العلمية يف العامل اإلساليم‬


‫املسجد هو األساس األول للمدرسة يف حضارتنا‪ .‬فهو ليس مكان عبادة فحسب‬

‫بل مدرسة يتعلم فيها املسلمون القراءة و الكتابة و علوم الشريعة و اللغة و فروع العلوم املختلفة‪.‬‬

‫ثم أقيم جبانب املسجد الكتّاب و خصّص لتعليم القراءة و الكتابة و القرآن و شيء من علوم العربية‬

‫و الرياضيات‪.‬‬

‫و مل يكن املدرسون يف صدر اإلسالم يأخذون أجرا على تعليمهم حتى إذا تقدمت احلضارة‬

‫و بنيت املدارس فجُعل للمدرسني فيها رواتب شهرية كانت كافية ليعيشوا عيشة سعيدة‪ .‬و كان‬

‫للمدرسني مالبس خاصة هبم‪ .‬و قد أخذ الغربيون عن مدرسي األندلس زيّهم فهو أصل الزي‬

‫العلمي املعروف اآلن يف اجلامعات األوروبية‪.‬‬

‫يذكر التاريخ بأن نظامية بغداد أوىل املدارس النظامية و أمهها درس فيها مشاهر علماء‬

‫املسلمني فيما بني القرن اخلامس و التاسع اهلجري‪ .‬و قد بلغ عدد طالهبا ستة آالف طالب يتعلمون‬

‫و رفع مستوى الثقافة‬ ‫باجملّان‪ .‬كم كانت حضارتنا رائعة و كم كان لإلسالم من فضل يف نشر العلم‬

‫العامة و تيسري سبلها جلميع أبناء الشعب‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪- 25 -‬‬
‫{النص الرابع عشر}‬

‫حول تربية األبناء‬


‫تقوم تربية الطفل تربية صحيحة على بثّ الثقة بالنفس و الطمأنينة يف نفسه حبيث يصبح‬

‫قادرا على حتمل املسؤولية‪ ،‬و اختاذ القرارات املتعلقة بشؤون اخلاصة‪ ،‬و حبيث يشعر بأمهيته ليقوم‬

‫بواجبه حنو نفسه أوال‪ ،‬و حنو جمتمعه ثانيا‪ .‬و يكون هذا بالسماح له باختيار مالبسه و تنظيم‬

‫مصروفه و تقديم رأيه يف كل ما خيصه‪ ،‬و مشاركته يف اختاذ القرار املتعلق به حتى يشعر أنه نافع‬

‫من ذاته و ليس مفروضا عليه‪ ،‬فال شيء أبعث للثقة يف النفس من أن ميارس املرء العمل بنفسه‪،‬‬

‫و أن حيقق النجاح فيه‪.‬‬

‫علينا أن مننح الطفل ثقّتنا و لكن حبيث يبقى حتت مراقبتنا إىل أن يبلغ رشده و يقدر على‬

‫حتمل مسؤولياته‪ .‬و من واجبنا كذلك أن نعدّ له جمال التجريب ليتعلم باملمارسة‪ ،‬و عن طريق‬

‫التجربة ما هو صواب و ما هو خطأ ألن أكثر أنواع التعليم ثباتا عند اإلنسان ما استطاع أن يكتشفه‬

‫بنفسه و يعمل إليه جبهده‪.‬‬

‫و كثريا ما يسلك بعضنا طريق ختويف الطفل من القيام بعمل معيّن و ال يهتم بتوجيهه‬

‫و إرشاده‪ ،‬فتنشأ عنه آثار ضارة يف نفسه‪ .‬إن ختويف الطفل من اجلن أو اللصوص أو الكالب يغرس‬

‫يف نفسه اخلوف‪ ،‬و قد يصبح يف املستقبل غري قادر على مواجهة مشكالته بثقة و اطمئنان‪ ،‬وكذلك‬

‫تضعف قدرته على مواجهة خمتلف األمور اليت حيتاج إليها يف كثري من األحيان يف ميادين احلياة‬

‫املختلفة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪- 26 -‬‬
‫{النص اخلامس عشر}‬

‫التعلمي بني املايض و احلارض‬


‫هناك اختالفات كثرية بني التعليم يف املاضي و التعليم يف احلاضر‪ .‬و من تلك اإلختالفات‬

‫أن فرص التعليم كانت قليلة يف املاضي‪ ،‬حيث كان يلتحق باملدارس طالب قليلون‪ ،‬هم يف الغالب‬

‫أبناء األغنياء و سكان املدن‪ .‬أما اليوم فقد أصبح التعليم حقا لكل مواطن؛ فكثر عدد الطالب‬

‫و انتشرت املدارس يف كل مكان‪ ،‬و شاع القول ‪" :‬التعليم كاملاء و اهلواء"‪.‬‬

‫كان طالب العلم يف املاضي يسافرون من بلد إىل بلد لطلب العلم‪ ،‬و كانوا يواجهون‬

‫يف سفرهم كثريا من التعب؛ هم يركبون اجلمال أياما و أشهرا‪ .‬أما اليوم‪ ،‬فاملدارس و اجلامعات كثرية‬

‫يف كل مدينة و قرية‪ ،‬حيث يذهب الطالب إىل مدرسته أو جامعته بالسيارة أو سريا على األقدام‪.‬‬

‫و من ناحية أخرى يستطيع الطالب أن يتعلم وهو يف بيته عن طريق الشبكة الدولية‪.‬‬

‫و من اإلختالفات أيضا‪ ،‬أن املعلم كان ال يطلب أجرا على عمله التعليمي يف املاضي؛ ألنه‬

‫كان يطل ب األجر من اهلل تعاىل‪ ،‬و كان هدف الطالب طلب العلم فحسب‪ .‬أما اليوم فقد اختلف‬

‫األمر‪ ،‬فاملعلم يطلب كثريا من األجر و الطالب يفكر يف الشهادة قبل العلم ألهنا وسيلة إىل العمل‬

‫الذي يدعم حياته‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪- 27 -‬‬
‫{النص السادس عشر}‬

‫حيةل مفلس‬
‫كثر الدين على رجل مفلس حتى اختفى من أصحاب الدين فوجده أحدهم‪ ،‬فقال له‪ :‬ماذا‬

‫تعطيين إن عرفتك حيلة ختلصك من أصحاب الدين ؟ قال ‪ :‬أعطيك حقك و أزيدك مبا أقدر‬

‫عليه‪ ،‬فصدّقه‪ ،‬فقال له ‪ :‬غدا قبل الصالة اجلس أمام دكانك‪ ،‬و إذا سلّم عليك أحد تنبح يف وجهه‬

‫كما ينبح الكلب‪ ،‬و إذا ذهبوا بك إىل احلاكم و كلّمك فانبح عليه أيضا‪ ،‬و ال تزد على النباح‪ ،‬فلن‬

‫يشك يف جنونك أحد‪.‬‬

‫و يف اليوم التايل جلس الرجل أمام دكانه‪ ،‬و صار ينبح يف وجه كل من يسلّم عليه‪ ،‬حتى‬

‫مسع بذلك أصحاب الدين فأتوه‪ ،‬فنبح يف وجوههم‪ ،‬فحدّثوا احلاكم‪ ،‬و أخربوه أنه ينبح كالكلب‪،‬‬

‫فأمرهم أن حيضروه‪ ،‬فلما سأله نبح يف وجهه و استمر ينبح حتى يئس منه‪ ،‬فأمر أصحاب الدين أن‬

‫يساحموه ألنه جمنون‪.‬‬

‫و بعد ذلك ذهب إليه صاحب الدين الذي علّمه هذه احليلة ليأخذ دينه الذي وعده‬

‫املفلس بالوفاء به‪ ،‬فنبح يف وجهه و استمر ينبح حتى يئس منه‪ ،‬فرتكه و انصرف نادما على‬

‫ما فعل‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪- 28 -‬‬

You might also like