You are on page 1of 3

‫أشد األدعية رقة وحنانا وبالغة وبيانا‬

‫دعاء سيدنا إبراهيم الخليل عليه سالم هللا‬


‫َ‬ ‫ُ‬ ‫﴿ر َّب َنٓا إ ّن ٓى َأ ْس َك ُ‬
‫نت ِمن ذ ّ ِر َّي ِتى ِب َو ٍاد غ ْي ِر ِذى َز ْر ٍع‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫مْل ُ‬ ‫ع َ‬
‫ند َب ْي ِت َك ٱ َح َّر ِم‬ ‫ِ‬
‫َ َّ َ ُ ُ ْ َّ َ َ‬
‫ٱلصل ٰوة‬ ‫ربنا ِلي ِقيموا‬
‫َ‬
‫اس َت ْه ِو ٓى ِإل ْي ِه ْم‬ ‫ٱج َع ْل َأ ْف‪ِٔٔI‬ـ َد ًة ّم َن َّ‬
‫ٱلن‬ ‫َف ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٱلث َم َٰرت َل َع َّل ُه ْم َي ْش ُك ُر َ‬
‫ون﴾‬
‫َ ْ ُ ْ ُ ّ َ َّ‬
‫وٱرزقهم ِمن‬
‫ِ‬

‫هل الحظت عظمة هذه اآلية من قبل؟‬

‫﴿ر َّب َنا﴾‪ :‬والربوبية تتضمن أن هللا املالك‪ ،‬ونحن مماليكه‪ ،‬وفيها إشارة إلى تضمن معاني الرعاية‬
‫َ‬
‫والعناية وكمال الرفق باململوكين‪،‬‬
‫﴿ر َّب َنا﴾‪ :‬يخاطب إبراهيم عليه سالم هللا َّ‬
‫رب العاملين بضمير الجمع‪ ،‬وما يتضمنه من إفاضة‬ ‫َ‬
‫الرحمة على املشمولين بهذا العمل العظيم‪ ،‬والتضحية الجسيمة إلقامة غاية عظيمة!‬
‫ُ‬ ‫﴿ر َّب َنٓا إ ّن ٓى َأ ْس َك ُ‬
‫نت ِمن ذ ّ ِر َّي ِتى﴾‬ ‫َّ ِ ِ‬

‫بعض ذريتي؛ والذر هو صغار النمل!‬

‫فتلطف بهذا الصغير الذي هو من ذريتي‪ ،‬والذي أسكنته‪ ،‬أنزلته بهذا املنزل سكنى‪ ،‬وهذا املنزل‬
‫موحش‪ ،‬فهو واد‪ ،‬يمكن أن يجري فيه املاء املتجمع في الجبال فيجرف‪ ،‬وغير ذي زرع‪I،‬‬
‫َ‬
‫﴿ب َو ٍاد غ ْي ِر ِذى َز ْر ٍع﴾‪ ،‬لم يقل ال زرع فيه فيقال لم‬
‫وهذا املكان املوحش الذي تركتهم فيه‪ِ ،‬‬
‫يزرعه أحد من قبل!‬

‫بل ال يصلح إلنبات الزرع ألنه حجري وهي أشد داللة على النفي من ال زرع فيه‪،‬‬
‫لم نقصد مكانا يعج بالحياة فتكون لنا فيه مصالح دنيوية‪ ،‬أو منفعة مادية‪ ،‬بل اخترنا السكنى‬
‫مْل ُ‬ ‫﴿ب َواد َغ ْير ذى َز ْرع﴾‪ ،‬ولكن‪﴿ :‬ع َ‬
‫ند َب ْي ِت َك ٱ َح َّر ِم﴾‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ٍ ِ ِ‬
‫َ َّ َ ُ ُ ْ َّ َ َ‬
‫ٱلصل ٰوة﴾‪،‬‬ ‫﴿ربنا ِلي ِقيموا‬

‫يا لعظمة الصالة التي يتودد إبراهيم إلى ربه بإقامتها بأن تكون سببا لنزول رحمات هللا عليهم‪،‬‬
‫كما وأن فيها بيان ملدى التضحية ألجل الصالة وإقامتها‪ ،‬أترك رضيعا كصغار النمل في هذا‬
‫املكان الحجري الوادي‪ ،‬ألجل أمر عظيم وهو إقامة الصالة‬

‫ثم تأتي دفقات الحنان األبوي والعاطفة الرقيقة‪:‬‬


‫َ‬
‫اس َت ْه ِو ٓى ِإل ْي ِه ْم﴾‬ ‫ٱج َع ْل َأ ْف‪ِٔٔI‬ـ َد ًة ّم َن َّ‬
‫ٱلن‬
‫َ‬
‫﴿ف ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬

‫أسند الجعل إلى هللا تعالى‪ ،‬وهو الذي يملك نواصي القلوب واألفئدة‪ ،‬ويعلم خفايا ما في‬
‫الصدور‪ ،‬فيجعل‪ ،‬لم يقل‪ :‬فاختر أفئدة‪ ،‬بل فاجعل‪ ،‬شكلها يا رب أنت بقدرتك ورحمتك‪،‬‬

‫﴿أفئدة﴾!‬

‫قلوبا متوقدة شديدة الدفء حانية‪،‬‬


‫َ‬
‫﴿أ ْف‪ِٔٔI‬ـ َد ًة ّم َن َّ‬
‫اس﴾‪ :‬بما فيها من أنس يؤنس وحشتهم في هذا املكان‪ ،‬فاجعل أناسا أولي أفئدة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ٱلن‬ ‫ِ ِ‬
‫أناسا رحماء تهوي قلوبهم لهذا املكان وتؤنس ساكنيه بما وقر في قلوبهم من املحبة والرحمة‬
‫واملودة والعاطفة‪،‬‬
‫َ‬
‫﴿ َت ْه ِو ٓى ِإل ْي ِه ْم﴾‬
‫َ‬
‫كأنما تسقط من عل فال تتراجع‪ ،‬وال تتردد‪ ،‬تسيرها نحوهم‪ ،‬فتهوي نحوهم‪ ،‬بل ﴿ َت ْه ِو ٓى ِإل ْي ِه ْم﴾‬
‫إليهم هم‪ ،‬ذريتي‪ ،‬فتغيثهم وتؤنس وحشتهم وتختصهم بمكنوناتها من الحنان‪،‬‬

‫أفئدة بما فيها من معاني القلوب املتوقدة حبا وحنانا‪ I‬تهوي إلى ذريتي! وإلى هذا املكان العظيم‪،‬‬

‫وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون‬


‫هل رأيت أرق من هذا الدعاء قط؟‬
‫َ‬
‫اس َت ْه ِو ٓى ِإل ْي ِه ْم﴾‬ ‫ٱج َع ْل َأ ْف‪ِٔٔI‬ـ َد ًة ّم َن َّ‬
‫ٱلن‬ ‫﴿ َف ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬

You might also like