You are on page 1of 8

‫(نبذة تمهيدية)‬

‫جعفر آل صويلح‬
‫نبذة تمهيدية‬
‫مما يحسن قبل الشروع في طرح أي مادة علمية تحديد مفهومها‬
‫وموضوعها الذي تدور حوله مسائل العلم ومن هنا ال بد من تحديد‬
‫مفهوم المعرفة التي سنتحدث عنها في هذه األبحاث والتي وقعت‬
‫محل بحث الفالسفة المعرفيين (االبستمولجيين) وقد اختار السيد‬
‫األستاذ تعريف كريم متي‪ 1‬للمعرفة‬
‫حيث عرف األخير المعرفة بأنها االدراك المتضمن ثالث عناصر‬
‫العنصر األول‪ :‬فعل الفكر‬
‫العنصر الثاني‪ :‬المحتوى للفكر‬
‫العنصر الثالث‪ :‬الموضوع‬

‫وإليضاح هذه العناصر الدخيلة في عملية اإلدراك الذي نسميه‬


‫معرفة فإننا نقول في بيانها‬

‫فعل الفكر‬
‫دور داخ ٌل في نشأة المعلومة فيه سوا ًء‬
‫ويقصد به أن يكون للذهن ٌ‬
‫أكان دور العقل بنحو اإلفاضة أم كان بنحو القبول للمعلومة أي‬
‫سوا ًء كان الذهن هو صانع وخالق الصورة أم كان قابالً ترتسم فيه‬
‫الصورة‬

‫الفلسفة الحديثة ‪ /‬وهو كتاب يقدم عرضا نقديا للفلسفة الحديثة معتمدا في دراستهعلى آثار الفكر الفلسفي‬ ‫‪1‬‬
‫العنصر الثاني المحتوى للفكر‬

‫أي أن ينظر للصور المرتسمة في الذهن على نحو ما ينظر به ال‬


‫ما ينظر إليه‬

‫وبعبارة أخرى فإن علماء المنطق قسموا لحاظ النظر للصور‬


‫نظر للصورة بما هي وجود ذهني‬
‫الذهنية على أساس مرآتيتها إلى ٍ‬
‫أي ما يحمل عليها حمالً أوليا ً ذاتيا ً‬

‫ونظر للصورة بما هي حاكية عن المصداق المنتزعة منه أي ما‬‫ٌ‬


‫‪32‬‬
‫يحمل عليها حمالً شائعا ً صناعي‬

‫فالعنصر الثاني للمعرفة هو النظر للمعلومة بما هي حاكية أي بنحو‬


‫الحمل الشائع الصناعي وبنحو حكايتها للواقع ونفس األمر‬

‫العنصر الثالث وهو الموضوع‬

‫أي ما وراء الصورة الذهنية والذي قد يكون أمرا ً خارجيا ً وقد‬


‫يكون أمرا ً ذهنيا ً‬
‫وبمعنى آخر فإن المعرفة هي اإلدراك الذي يقبل المطابقة للواقع‬
‫الخارجي ويعتقد صاحبها المطابقة‬

‫‪ 2‬المقرر في منطق المظفر صـ‪141‬‬


‫‪ 3‬والحمل الذاتي هو اتحاد المحمول والموضوع اتحادا مفهوميا أم الحمل الشائع الصناعي هو حمل الوجود والمصداق‬
‫فاإلدراك الذي ال يقبل المطابقة ال يسمى معرفة كإدراك الجمل‬
‫اإلنشائية‬

‫وكذا اإلدراك الذي يقبل المطابقة وال يعتقد صاحبه بمطابقته للواقع‬
‫ال يسمى معرفة‬
‫فاإلدراك ال بشرط من حيث قبول المطابقة وال بشرط من حيث‬
‫االنطباق‬
‫أما المعرفة فهي بشرط المطابقة واعتقاد االنطباق‬

‫فتحصل إلى هنا أن المعرفة هي حصةٌ خاصة من مطلق اإلدراك‬


‫دور للذهن في نشأة المدرك وينظر للصورة‬
‫والذي يتحقق فيه ٌ‬
‫الذهنية فيه بلحاظ حكايتها وتكون بشرط نعم من حيث قبول‬
‫المطابقة واعتقاد االنطباق‬

‫إال أن المعرفة بهذا التعريف ال تدخل كلها تحت موضوع البحث‬


‫في نظرية المعرفة‬

‫ٌ‬
‫إدراك‬ ‫فمثال معرفة الرسم والقيادة ينطبق عليها مفهوم المعرفة فهي‬
‫مشتم ٌل على عناصر المعرفة الثالثة‬

‫ولكنها ال تقع ضمن أبحاث نظرية المعرفة وال عالقة لنظرية‬


‫المعرفة ببحثها‬
‫ومن هنا ال بد من بيان المقدار من مفهوم المعرفة الذي يقع ضمن‬
‫دائرة بحوثنا في نظرية المعرفة فقد قسمت المعرفة إلى ثالث‬
‫‪4‬‬
‫أقسام‪:.‬‬

‫معرفة شخصية‬
‫وهي المعرفة الناتجة عن التماس مع الخارج‬

‫معرفة إجرائية‬
‫وهي المعرفة العملية الناتجة عن العمل كمعرفة الرسم والقيادة‬

‫المعرفة االفتراضية‬
‫وهي كل معرفة ال ينطبق عليها أنها معرفة شخصية أو إجرائية‬
‫كمعرفتنا بأن زوايا المثلث تساوي ‪ ١٨٠‬درجة ومعرفتنا بأن الطاقة‬
‫ال تفنى وال تستحدث من العدم‬

‫وهذا القسم الثالث من أقسام المعرفة هو ما يقع تحت بحث نظرية‬


‫المعرفة وموضوعا ً لمسائلها‬

‫‪ 4‬موقع الباحثون المصريون‬


‫قيمة المعرفة‬

‫بعد الفراغ من الحديث عن تعريف المعرفة والقسم الذي‬


‫يبحث عنه في نظرية المعرفة ويكون موضوعا ً لمسائله ال بد من‬
‫الحديث عن قيمة المعرفة فإن قيمة العلم بموضوعه الذي تدور‬
‫مسائله حوله‪.‬‬
‫(إن المعرفة هي السبيل الوحيد الذي يسلكه اإلنسان لفهم الواقع‬
‫الخارجي واكتشاف حقائقه وأسراره)‪ 5‬فلم يزل فكر اإلنسان منشغالً‬
‫منذ العهد اليوناني على أقل تقدير بمسائل ثالث ‪:‬‬

‫هل يمتلك اإلنسان القدرة واألدوات المعرفية التي توصله لمعرفة‬


‫الواقع الخارجي أم ال؟‬

‫ت توصله لمعرفة الواقع‬ ‫وعلى فرض أن اإلنسان يمتلك أدوا ٍ‬


‫الخارجي فما هو الضمان في مطابقتها للواقع ونفس األمر حتى‬
‫يبني عليها اإلنسان معارفه كالتوحيد والنبوة؟‬

‫ثم إذا كان سكون النفس وإذعانها للبرهان المعرفي الذي يعني‬
‫اليقين هو أعلى رتبة معرفية لذا اإلنسان فما هي قيمة هذا اليقين‪ ،‬إذ‬
‫أن اإلنسان لو أقام ألف دلي ٍل برهاني لما تحصل على أزيد من‬
‫اليقين فماهي قيمة هذا اليقين؟‬

‫‪ 5‬فلسفتنا للشهيد الصدر ص‪100‬‬


‫إن هذه التساؤالت الهامة لمعيارية المعرفة تضطرنا للبحث عن‬
‫الخيوط األولية التي نسج بها اإلنسان معارفه‬
‫(فال يمكن أن نضع فلسفة للكون أو الحياة وعالقة الدين بالحياة قبل‬
‫‪6‬‬
‫تحديد مصادر الفكر البشري)‬
‫أي أن أول سؤال يطرح في نظرية المعرفة‬
‫كيف نشأت المعرفة؟‬
‫إن هناك ألوان من التفكير يعتمد بعضها على بعض ويرتبط‪،‬‬
‫بعضها ببعض‪ ،‬فما هي الخيوط األولية لهذه المعرفة االفتراضية؟‬

‫‪7‬‬
‫ومن هنا قسم المناطقة العلم إلى تصور وتصديق‬
‫فالتصور عبارة ارتسام صورةٍ ال تستتبع حكما ً من النفس أو موقفا ً‬
‫إزاء مطابقتها وعدم مطابقتها‬

‫أما التصديق فهو التصور الذي يقترن بموقفٍ من النفس وحكم‬


‫سوا ًء أكان الحكم إيجابا ً وسلبا ً أم كان الحكم ترجيحا وشكا ً‬

‫وقد أخذ الفيلسوف سنورات ميلت موقفا ً مختلفا ً للتصديق حيث‬


‫أدخل التصديق في نظرية تداعي المعاني كالتضاد والتشابه‬
‫واالقتران‬

‫‪ 6‬فلسفتنا الشهيد الصدر ص‪55‬‬


‫‪ 7‬المقرر في منطق المظفر ص‪17‬‬
‫ويبحث األصوليون نظرية تداعي المعاني في بحث االقتران‬
‫الشرطي‪ 8‬والذي يمكن تمثيله بتجربة بافلوف ‪9‬عندما قرنوا إحضار‬
‫طعام الكلب بدق الجرس مدة زمنية حتى أصبح لعابه يسيل عند‬
‫سماعه دق الجرس حتى من دون إحضار الطعام‬

‫لكن تداعي المعاني شي ٌء مختلف عن التصديق فليس كل تداعٍ بين‬


‫المعاني يستتبع موقفا ً وحكما ً من النفس‬
‫فقد يدخل بعض مصاديق تداعي المعاني تحت التصور الساذج‬

‫وبالتالي فإن تفسير التصديق بتداعي المعاني يدخل التصديق في‬


‫قسيمه التصور الساذج‬
‫واألقسام منفصلة ليس بينها تداخل‬

‫إذا اتضحت هذه المقدمة فإننا نصل إلى السؤال المركزي‬


‫واألساسي في نظرية المعرفة‬
‫ما هو منبع وأساس التصورات األولية في ذهن اإلنسان‬
‫هل هو العقل وحده‬
‫أم الحس وحده‬
‫أم الحس والعقل معاً‪.‬‬

‫‪ 8‬تعرض لها السيد األستاذ في تقريراته في كتاب الرافد في األصول من ص‪145‬‬


‫‪ 9‬فان بتروفيتش بافلوف (‪ 14‬سبتمبر ‪ 27 -1849‬فبراير ‪ )1936‬هو عالم وظائف أعضاء روسي‪ ،‬حصل على جائزة نوبل في الطب‬
‫في عام ‪ 1904‬ألبحاثه المتعلقة بالجهاز الهضمي‪ ،‬ومن أشهر أعماله نظرية االستجابة الشرطية التي تفسر بها التعلم‬

You might also like