You are on page 1of 305

‫ت�أليف‬
‫‪٨‬‬

‫ا�سم الكتاب‪ :‬التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬


‫ت�أليف‪ :‬ال�سيد ح�سني ال�سيد مرت�ضى القزويني‬
‫الإخراج الفني والتدقيق اللغوي‪ :‬منري احلزامي‬
‫الطبعة‪ :‬الأوىل‬
‫املطبعة‪ :‬دار الوارث للطباعة والن�شر ‪ /‬كربالء املقد�سة ‪ -‬العراق‬
‫�سنة الطبع‪1444 :‬هـ ‪2022 /‬م‬
‫القطع‪ :‬وزيري‬
‫عدد الن�سخ‪ )500( :‬ن�سخة‬

‫‪٨‬‬
‫املحتوى الإجمايل للكتاب‬
‫التمهيد‪:‬‬
‫‪ -1‬أمهية التحقيق يف املصادر الروائية‬

‫‪ -2‬حجية املراسيل‬

‫‪ -3‬حجية الوجادة‬

‫‪ -4‬االطمئنان بالنسخة الواصلة عرب الوجادة‬

‫‪ -5‬شهرة األصل ال تعني شهرة نسخه‬

‫‪ -6‬الطريق إىل األصل ال يعني الطريق إىل نسخة معينة‬

‫‪ -7‬الطرق احلقيقية والطرق التربكية‬

‫‪ -8‬احلر العاميل وعمله يف الوسائل‬

‫‪ -9‬املحدث النوري وعمله يف املستدرك‬

‫‪ -10‬املؤيد والشاهد‬

‫‪ -11‬فوائد ُأخرى للرواية‬

‫‪5٨‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪6‬‬

‫مباحث الكتاب‪:‬‬
‫‪ -1‬الفقه املنسوب إىل اإلمام الرضا‪‬‬
‫‪ -2‬مسائل عيل بن جعفر‬
‫‪ -3‬مستطرفات الرسائر‬
‫‪ -4‬اجلعفريات‬
‫‪ -5‬املحاسن‬
‫‪ -6‬دعائم اإلسالم‬
‫‪ -7‬قرب اإلسناد‬
‫‪ -8‬التفسري املنسوب إىل اإلمام احلسن العسكري‪‬‬
‫‪ -9‬العلل للفضل بن شاذان‬
‫‪ -10‬تفسري العيايش‬
‫‪ -11‬نوادر أمحد بن حممد بن عيسى‬
‫‪ -12‬االحتجاج عىل أهل اللجاج‬
‫‪ -13‬حتف العقول عن ال الرسول‬
‫‪ -14‬عوايل الآليل العزيزية يف األحاديث الدينية‬
‫‪ -15‬بصائر الدرجات‬
‫‪ -16‬مشيخة احلسن بن حمبوب‬
‫‪ -17‬كتاب سليم بن قيس اهلاليل‬
‫املقدمة‬

‫‪‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل خري خلقه حممد وآله الطيبني‬
‫الطاهرين‪ ،‬واللعن الدائم عىل أعدائهم أمجعني إىل قيام يوم الدين‪.‬‬

‫وبعد‪:‬‬

‫فهذا الكتاب عبارة عن حمارضات ألقيناها عىل ثلة من طلبة العلوم الدينية يف‬
‫كربالء املقدسة‪ ،‬وهو حيتوي عىل حتقيق متواضع حول الكتب الروائية غري الكتب‬
‫األربعة؛ كفقه الرضا‪ ‬ومستطرفات الرسائر واملحاسن وقرب اإلسناد ومسائل‬
‫عيل بن جعفر‪ ..‬وغريها من الكتب التي اعتمد عليها صاحب الوسائل وصاحب‬
‫املستدرك رضوان اهلل عليهام وغريمها من املصنفني‪ ،‬حيث وقع خالف حول مدى‬
‫إمكان االعتامد عىل رواياهتا يف مقام االستنباط‪.‬‬

‫‪7٨‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪8‬‬

‫وكان يف النية أن تُطبع هذه الدراسة يف املجلد الثاين من كتاب (دروس يف‬
‫علم الرجال)‪ ،‬إال أنه حصل البداء‪ ،‬ورأينا من املصلحة أن تُطبع بشكل مستقل‬
‫حتت عنوان‪( :‬التحقيق يف حال غري الكتب األربعة)‪.‬‬

‫نسأل اهلل أن جيعله نافع ًا‪ ،‬وأن يتقبل منا بأحسن القبول‪ ،‬إنه سميع جميب‪.‬‬

‫ح�سني بن ال�سيد مرت�ضى املو�سوي القزويني‬


‫كربالء املقد�سة‬
‫‪ / 15‬ربيع الآخر ‪١٤٤4 /‬هـ‬
‫التمهيد‬
‫• �أهمية التحقيق يف امل�صادر الروائية‬
‫• حجية املرا�سيل‬
‫• حجية الوجادة‬
‫• االطمئنان بالن�سخة الوا�صلة عرب الوجادة‬
‫• �شهرة الأ�صل ال تعني �شهرة ن�سخه‬
‫• الطريق �إىل الأ�صل ال يعني الطريق �إىل ن�سخة معينة‬
‫• الطرق احلقيقية والطرق التربكية‬
‫• احلر العاملي وعمله يف الو�سائل‬
‫• املحدث النوري وعمله يف امل�ستدرك‬
‫• امل�ؤيد وال�شاهد‬
‫• فوائد �أُخرى للرواية‬
‫التمهيد‬

‫�أهمية التحقيق يف امل�صادر الروائية‬


‫إن الفقيه كام ينبغي له أن ينقح مبانيه األُصولية قبل الدخول يف البحث الفقهي‬
‫ال كبري ًا يف عملية‬
‫ينبغي له أيض ًا أن ينقح مبانيه الرجالية والدرائية‪ ،‬فإن لذلك دخ ً‬
‫االستنباط‪.‬‬

‫بيان ذلك‪:‬‬

‫كيف يمكن للفقيه أن يستنبط حكام رشعي ًا من أخبار وردت يف كتاب مستطرفات‬
‫الرسائر مثالً‪ ،‬وهو مل يبحث عن صحة االعتامد عىل الكتاب املذكور‪ ،‬ومل ي ّطلع عىل‬
‫أن املصنف مل يذكر طرقه إىل املصنفات لرواياته‪ ،‬وهي يف الواقع تُعد من املراسيل أو‬
‫املرفوعات؟‬

‫إن التمسك بأخبار الكتاب املذكور واالستنباط منها قبل التنقيح يف مدى إمكان‬
‫ال واضح ًا يف عملية االستنباط‪ ،‬حاله حال َمن يستنبط من روايات الكايف‬
‫ذلك يعد خل ً‬
‫أو التهذيب من غري النظر يف أسانيد تلك الروايات‪ ،‬ال ّلهم إال إذا كان مبناه صحة‬
‫االعتامد عىل مجيع مرويات الكايف والتهذيب‪ .‬فكذا الكالم عن سائر الكتب الروائية‪،‬‬

‫‪11‬‬
‫‪٨‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪12‬‬

‫فينبغي النظر فيها قبل االستنباط منها ليتوصل الفقيه إىل إمكان االعتامد عليها أو عدم‬
‫اإلمكان أو التفصيل يف رواياهتا‪.‬‬

‫وأما َمن يعتمد عىل املشهور‪ ،‬فام َقبِ َله املشهور من الكتب يعتمد عليه‪ ،‬وما مل يقبله‬
‫فال يعتمد عليه‪ ،‬فهو يف الواقع يقلد املشهور يف املباين الرجالية والدرائية‪ ،‬والنتيجة تتبع‬
‫أخس املقدمات‪.‬‬
‫ّ‬

‫إن حال هذا اإلنسان كحال َمن مل ينقح مبانيه األُصولية‪ ،‬بل يعتمد عىل املشهور‬
‫يف األُصول‪ ،‬وهو كام ترى فإن هذا تقليد يف األُصول‪ ،‬وعُدّ مثل هذا اإلنسان يف ِعداد‬
‫الفقهاء حمل نظر‪.‬‬

‫وكم من فقيه اعتمد عىل كتاب روائي واستنبط منه األحكام الرشعية ثم بان له‬
‫عدم صحة االعتامد عليه؛ ألن رواياته تعد من املراسيل مثالً‪ ،‬أو ألن النسخة الواصلة‬
‫منه إىل املتأخرين وصلت عرب الوجادة‪ .‬ولربام حصل العكس‪ ،‬فقد يرتك العمل بأخبار‬
‫ٍ‬
‫كتاب ما ثم يتبني له صحة االعتامد عليه‪ .‬بينام كان بإمكانه أن يتجاوز هذا اخلطأ من‬
‫خالل البحث يف الكتب الروائية كام بحث يف األُصول قبل رشوعه يف البحث الفقهي‪.‬‬

‫من هنا‪ ،‬كان البحث يف الكتب الروائية يف غاية األمهية‪ ،‬ويعد من صميم عملية‬
‫االجتهاد واالستنباط‪ ،‬ومن دونه يكون االجتهاد ناقص ًا‪.‬‬

‫حجية املرا�سيل‬
‫إن علامء األُصول ذكروا بأن اخلرب املرسل ‪-‬وهو ما كان بعض وسائطه حمذوف ًا أو‬
‫غري مذكور يف السند‪ -‬ليس بحجة‪ ،‬إال إذا كان املرسل ممن ال يروي وال يرسل إال عن‬
‫‪13‬‬ ‫�أهمية التحقيق يف امل�صادر الروائية‬

‫الثقة؛ كابن أيب عمري وأخويه‪.‬‬

‫قال الشيخ‪ :‬وإذا كان أحد الراويني مسند ًا واآلخر مرسالً‪ ،‬نظر يف حال املرسل‪،‬‬
‫فإن كان ممن يعلم أنه ال يرسل إال عن ثقة موثوق به فال ترجح خلرب غريه عىل خربه‪،‬‬
‫وألجل ذلك سوت الطائفة بني ما يرويه حممد بن أيب عمري وصفوان بن حييى‪ ،‬وأمحد‬
‫بن حممد ابن أيب نرص وغريهم من الثقات الذين عرفوا بأهنم ال يروون وال يرسلون إال‬
‫عمن يوثق به وبني ما أسنده غريهم‪ ،‬ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية‬
‫غريهم‪ .‬فأما إذا انفرد وجب التوقف يف خربه إىل أن يدل دليل عىل وجوب العمل به(((‪.‬‬

‫وقال‪ :‬فأما إذا انفردت املراسيل فيجوز العمل هبا عىل الرشط الذي ذكرناه ودليلنا‬
‫عىل ذلك‪ :‬األدلة التي قدمناها عىل جواز العمل بأخبار اآلحاد‪ ،‬فإن الطائفة كام عملت‬
‫باملسانيد عملت باملراسيل‪ ،‬فام يطعن يف واحد منهام يطعن يف اآلخر‪ ،‬وما أجاز أحدمها‬
‫أجاز اآلخر‪ ،‬فال فرق بينهام عىل حال (((‪.‬‬

‫أقول‪:‬‬
‫يقصد بالرشط املذكور أن يعلم من حال ِ‬
‫املرسل أنه ال يرسل إال عن ثقة موثوق به‪.‬‬

‫من هنا يظهر التأمل فيام أفاده املحقق احليل‪ ،‬حيث قال‪ :‬إذا أرسل الراوي الرواي َة‪،‬‬
‫قال الشيخ‪ :‬إن كان ممن ُعرف أنه ال يروي إال عن ثقة‪ُ ،‬قبلت مطلق ًا‪ ،‬وإن مل يكن كذلك‪،‬‬
‫ُقبلت برشط أن ال يكون هلا معارض من املسانيد الصحيحة‪ .‬واحتج لذلك‪ :‬بأن الطائفة‬

‫((( العدة يف أصول الفقه‪.١٥٤/١ :‬‬


‫((( العدة يف أصول الفقه‪.155/١ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪14‬‬

‫عملت باملراسيل عند سالمتها عن املعارض كام عملت باملسانيد‪ ،‬فمن أجاز أحدمها‬
‫أجاز اآلخر(((‪.‬‬
‫وجه التأمل‪ :‬أن املحقق مل يفهم كالم الشيخ ظاهر ًا‪ ،‬فإن الشيخ مل ُي ِ‬
‫ـجز العمل‬
‫باملراسيل يف حال االنفراد مطلق ًا‪ ،‬بل برشط أن يكون ِ‬
‫املرسل ال يروي وال يرسل إال‬
‫عن الثقة‪.‬‬

‫وقال العالمة‪ :‬املراسيل ليست حجة خصوص ًا مع معارضة األدلة هلا(((‪.‬‬

‫وق��ال الشهيد‪ :‬وأم��ا املراسيل ف��إذا تأيدت بالشهرة ص��ارت يف قوة املسانيد‪،‬‬
‫وخصوص ًا مع ثقة املرسل(((‪ ،‬ومفهومه أهنا إن مل تتأيد بالشهرة ال تكون بقوة املسانيد‪.‬‬

‫وقال الشهيد الثاين‪ :‬واملرسل ليس بحجة مطلق ًا‪ ،‬سواء أرسله الصحايب أم غريه‪،‬‬
‫وسواء أسقط منه واحد أم أكثر‪ ،‬وسواء كان املرسل جلي ً‬
‫ال أم ال‪ ،‬يف األصح من األقوال‬
‫لألصوليني واملحدثني‪ ،‬وذلك للجهل بحال املحذوف‪ ،‬فيحتمل كونه ضعيف ًا‪ .‬ويزداد‬
‫االحتامل بزيادة الساقط‪ ،‬فيقوى احتامل الضعف‪ ،‬وجمرد روايته عنه‪ ،‬ليست تعدي ً‬
‫ال بل‬
‫أعم‪ .‬إال أن يعلم حترز ِ‬
‫مرسله عن الرواية عن غري الثقة؛ كابن أيب عمري من أصحابنا(((‪.‬‬

‫وقال الشيخ البهائي‪ :‬وال عمل باملرسل إال مع ظن عدم إرساله عن غري الثقة‪،‬‬
‫كابن أيب عمري‪ ،‬وال يقدح روايته عنه أحيان ًا كام ظن؛ إذ املنقول عدم إرساله عنه‪ ،‬ال عدم‬

‫((( معارج ُاألصول‪.١٥١ :‬‬


‫((( خمتلف الشيعة‪.١٧٨/٢ :‬‬
‫((( الذكرى‪.٢٢/٣ :‬‬
‫((( الرعاية يف علم الدراية ‪.١٣٧‬‬
‫‪15‬‬ ‫�أهمية التحقيق يف امل�صادر الروائية‬

‫روايته عنه(((‪.‬‬

‫َ‬
‫احلديث بأن رواه عن املعصوم‪ ‬ومل يلقه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫العدل‬ ‫وقال صاحب املعامل‪ :‬إذا أرسل‬
‫سواء ترك ذكر الواسطة رأس ًا‪ ،‬أو ذكرها مبهمة لنسيان أو غريه‪ ،‬كقوله‪« :‬عن رجل» أو‬
‫«عن بعض أصحابنا»‪ ،‬ففي قبوله خالف بني اخلاصة والعامة‪ .‬واألقوى عندي‪ :‬عدم‬
‫القبول مطلق ًا‪ ،‬وهو خمتار والدي‪ .‬وقال العالمة‪ ‬يف النهاية‪ :‬الوجه املنع‪ ،‬إال إذا‬
‫ُعرف أنه ال ِ‬
‫يرسل إال مع عدالة الواسطة؛ كمراسيل حممد بن أيب عمري من اإلمامية‪.‬‬

‫إىل أن قال‪ :‬لنا‪ :‬أن من رشط القبول‪ :‬معرفة عدالة الراوي كام تقدم بيانه‪ ،‬وهي‬
‫منتفية يف موضع النزاع؛ إذ مل يوجد ما يصلح للداللة عليها سوى رواية العدل عنه‪.‬‬
‫وهو غري مفيد؛ ألنا نعلم بالعيان أن العدل يروي عن مثله وغريه‪ .‬ومع فرض اقتصاره‬
‫عىل الرواية عن العدل‪ ،‬فهو إنام يروي عمن يعتقد عدالته‪ .‬وذلك غري كاف؛ جلواز أن‬
‫يكون له جارح ال يعلمه‪ ،‬كام ذكرناه آنف ًا‪ ،‬وبدون تعيينه ال يندفع هذا االحتامل فال‬
‫يتوجه القبول(((‪.‬‬

‫وقال أيض ًا‪ :‬حجة القائلني بالقبول مطلق ًا وجوه‪ ،‬منها‪ :‬أن رواية العدل عن األصل‬
‫املسكوت عنه تعديل له‪ ،‬ألنه لو روى عمن ليس بعدل ومل يبني حاله لكان ملبس ًا غاش ًا‪،‬‬
‫وعدالته تناىف ذلك‪ .‬ومنها‪ :‬أن إسناد احلديث إىل الرسول‪ ‬يقتيض صدقه؛ ألن إسناد‬
‫الكذب ينايف العدالة‪ .‬وإذا ثبت صدقه تعني قبوله‪ ،‬وذكروا وجوها ُأ َخر ردية تركنا نقلها‬

‫((( زبدة ُاألصول‪.٩٦ :‬‬


‫((( معامل الدين‪.٢١٤ -٢١٣ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪16‬‬

‫لظهور فسادها‪ .‬واجلواب عن هذين الوجهني‪ :‬ظاهر مما حققناه فال نطيل بتقريره(((‪.‬‬

‫وقال السيد اخلوئي عن مرفوعة زرارة‪ :‬أما املرفوعة فلكوهنا من املراسيل التي ال‬
‫يصح االعتامد عليها(((‪.‬‬

‫وقال حول مرسلة للصدوق‪ :‬لكن اإلنصاف عدم حجية مثل هذه املرسلة أيض ًا؛‬
‫ألن غاية ما يدل عليه هذا النحو من التعبري صحة اخلرب عند الصدوق‪ .‬وأما صحته‬
‫عندنا فلم تثبت‪ ،‬الختالف املباين يف حجية اخلرب(((‪.‬‬

‫ثم إن االعتامد عىل املراسيل كان مما يعاب عليه الرجل‪.‬‬

‫قال النجايش يف حممد بن أمحد بن حييى األشعري القمي‪ :‬كان ثقة يف احلديث‪ ،‬إال‬
‫أن أصحابنا قالوا‪ :‬كان يروي عن الضعفاء ويعتمد املراسيل وال يبايل عمن أخذ(((‪.‬‬

‫وقال يف أمحد بن خالد الربقي‪ :‬وكان ثقة يف نفسه‪ ،‬يروي عن الضعفاء واعتمد‬
‫املراسيل(((‪.‬‬

‫وقال ابن الغضائري يف حممد بن خالد الربقي‪ :‬حديثه ُيعرف و ُينكر‪ ،‬يروي عن‬
‫الضعفاء كثري ًا ويعتمد املراسيل(((‪.‬‬

‫((( معامل الدين‪.٢١٥ :‬‬


‫((( مصباح ُاألصول‪.١٤٢/٢ :‬‬
‫((( مصباح ُاألصول‪.٥٢٠/٢ :‬‬
‫((( رجال النجايش‪.٣٤٨ :‬‬
‫((( رجال النجايش‪.٧٦ :‬‬
‫((( رجال ابن الغضائري ‪.٩٣‬‬
‫‪17‬‬ ‫حجية الوجادة‬

‫وقال يف حممد بن عيل بن إبراهيم اهلمداين‪ :‬حديثه ُيعرف و ُينكر‪ ،‬ويروي عن‬
‫الضعفاء كثريا‪ ،‬ويعتمد املراسيل(((‪.‬‬

‫وقال العالمة يف احلسن بن حممد بن مجهور العمي‪ :‬ثقة يف نفسه‪ ،‬يروي عن الضعفاء‬
‫ويعتمد املراسيل‪ ،‬ذكره أصحابنا بذلك وقالوا‪ :‬كان أوثق من أبيه‪.‬‬
‫(((‬

‫أقول‪ :‬يوجد مطلبان ينبغي اإلشارة إليهام‪:‬‬

‫األول‪ :‬يكفي للقول بعدم حجية املراسيل عدم وجود الدليل عىل احلجية؛ إذ الشك‬
‫يف احلجية مساوق للقطع بعدم احلجية‪ .‬بيان ذلك‪ :‬إن عمدة الدليل عىل حجية خرب الثقة‬
‫سرية العقالء‪ ،‬والسرية دليل ُل ّبي ينبغي االقتصار فيها عىل القدر املتيقن‪ ،‬والقدر املتيقن‬
‫منها ما إذا كان الثقة ُمسنِد ًا؛ أي يذكر متام السند غري مرسل‪ .‬وأما املرسل فال نجزم‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ نفتقد الدليل عىل مرشوعية العمل باملراسيل‪.‬‬ ‫بجريان السرية عىل العمل به‪،‬‬

‫الثاين‪ :‬إن بعض الكتب الروائية املبحوث عنها يف هذا الفصل حتتوي عىل روايات‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ يشكل العمل بام‬ ‫مرسلة؛ كمستطرفات الرسائر وحتف العقول وعوايل الآليل‪،‬‬
‫رووه مرسالً‪ ،‬فكن عىل ٍ‬
‫ذكر من هذا‪.‬‬

‫حجية الوجادة‬
‫إن الرواية بالوجادة تعني أن الراوي مل يسمع احلديث من املصدر مبارشة‪ ،‬ومل‬
‫حيصل عىل إجازة يف النقل‪ ،‬وإنام وجد احلديث أو وجد الكتاب فروى عنه‪ .‬واملعروف‬

‫((( رجال ابن الغضائري ‪.٩٤‬‬


‫((( خالصة األقوال ‪.١٠٧‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪18‬‬

‫أن الوجادة هي أضعف أنواع حتمل الرواية‪.‬‬

‫إنسان كتاب ًا أو حديث ًا‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫قال الشهيد الثاين‪ :‬هذا النوع من أخذ احلديث ونقله‪ :‬أن جيد‬
‫مروي إنسان بخطه‪ ،‬معارص له أو غري معارص‪ ،‬ومل يسمعه منه هذا الواجد‪ ،‬وال له‬
‫إجازة منه‪ ،‬وال نحوها‪ ،‬فيقول‪( :‬وجدت) أو (قرأت بخط فالن) أو (يف كتاب فالن‬
‫بخطه‪ :‬حدثنا فالن)‪ ،‬ويسوق باقي األسناد واملتن‪ .‬أو يقول‪( :‬وجدت بخط فالن عن‬
‫فالن)‪ .‬هذا الذي استقر عليه العمل‪ ،‬قدي ًام وحديث ًا‪ ،‬وهو‪ :‬منقطع مرسل‪ .‬ولكن‪ ،‬فيه‬
‫شوب اتصال‪ ،‬بقوله‪( :‬وجدت بخط فالن)‪ .‬وربام دلس بعضهم‪ ،‬فذكر الذي وجد‬
‫بخطه وقال فيه‪( :‬عن فالن)‪ ،‬أو (قال فالن)‪ ،‬وذلك تدليس قبيح‪ ،‬إن أوهم سامعه منه‪.‬‬
‫وجازف بعضهم فأطلق يف هذا‪( :‬حدثنا)‪ ،‬و(أخربنا)‪ ،‬وهو غلط منكر‪ .‬هذا كله إذا وثق‬
‫بأنه خط املذكور أو كتابه(((‪.‬‬

‫وقال الشيخ عبد اهلادي الفضيل‪ :‬والوجادة أن جيد الراوي كتاب ًا أو حديث ًا مكتوب ًا‬
‫ٍ‬
‫لراو مل يسمعه منه‪ ،‬وليس لديه إجازة لروايته عنه‪ ،‬ومل يناوله راويه إياه فيقول‪( :‬وجدت‬
‫أو قرأت بخط فالن‪ ،‬أو يف كتاب فالن بخطه‪ :‬حدثنا فالن‪ )..‬ويسوق باقي األسناد‬
‫واملتن‪ ،‬أو يقول‪( :‬وجدت بخط فالن عن فالن‪ ..‬إلخ)(((‪.‬‬

‫وقد ذهب الشهيد الثاين‪ ‬إىل عدم حجية الرواية بالوجادة‪ ،‬بل ادعى عدم اخلالف‬
‫يف ذلك‪ .‬قال‪ :‬ويف جواز العمل بالوجادة املوثوق هبا قوالن للمحدثني واألُصوليني‪.‬‬
‫فنقل عن الشافعي ومجاعة من نظار أصحابه جواز العمل هبا‪ ،‬ووجهوه بأنه لو توقف‬

‫((( الرعاية يف علم الدراية ‪.٢٩٩ -٢٩٨‬‬


‫((( أصول احلديث ‪.٢٢٨‬‬
‫‪19‬‬ ‫حجية الوجادة‬

‫العمل فيها عىل الرواية النسد باب العمل باملنقول؛ لتعذر رشط الرواية فيها‪ .‬وحجة‬
‫املانع واضحة‪ ،‬حيث مل حيدث به لفظ ًا وال معنى‪ .‬وال خالف بينهم يف منع الرواية هبا؛‬
‫ملا ذكرناه من عدم اإلخبار(((‪.‬‬

‫وقال املال عيل كني‪ :‬أنه لو وجدنا كتاب ًا من كتب األخبار‪ ،‬سواء ذكر فيه أنه تأليف‬
‫فالن أو رواية فالن أو مل يذكر ومل يكن لنا علم بأنه لفالن‪ ،‬لكن شهد عندنا عدالن‬
‫بذلك‪ ،‬فهل يثبت ذلك بشهادهتام فيجوز لنا العمل به والرواية عنه ولو بقولنا‪( :‬روى‬
‫فالن) أو بإضافة (يف كتابه) أو (يف كتاب كذا)‪ ،‬وإن مل نقل‪( :‬أخربنا) أو (عنه) وغري‬
‫ذلك؟ وكذا لو شهدا بأنه من اإلمام‪ ‬بخطه الرشيف أو بغريه أو ال؟ الظاهر ذلك‪ ،‬ما‬
‫مل نعلم أو نظن بأن شهادهتام أو شهادة أحدمها من باب االجتهاد أو العلم باألمارات(((‪.‬‬

‫يستفاد من كالمه هذا‪ ‬أنه لوال شهادة العدلني ملا جاز لنا العمل بام وجد‪.‬‬

‫وقد أفاد سيدنا األُستاذ‪ ‬بأن قدماء األصحاب كانوا يتحرزون عن الرواية عن‬
‫طريق الوجادة‪ ،‬فقد قدح أيوب بن نوح يف روايات حممد بن سنان ورفض أن حيدث‬
‫عنه ألنه قال قبل موته‪( :‬كلام حدثتكم به مل يكن يل سامع وال رواية إنام وجدته)‪ .‬ولعل‬
‫الدس والتزوير‪ ،‬فقد‬
‫ِّ‬ ‫السبب يف رفضهم ذلك هو ما تعرض له كتب األصحاب من‬
‫روى يونس بن عبد الرمحن عن هشام بن احلكم عن أيب عبد اهلل‪ ‬من‪« :‬ان املغرية‬
‫دس يف كتب أصحاب أيب أحاديث مل حيدث هبا أيب»‪ ،‬وروى أيض ًا‬
‫بن سعيد لعنه اهلل َّ‬
‫عن الرضا‪ ‬أنه قال‪« :‬إن أبا اخلطاب كذب عىل أيب عبد اهلل‪ ،‬لعن اهلل أبا اخلطاب‪.‬‬

‫((( الرعاية يف علم الدراية ‪.٣٠٣ -٣٠١‬‬


‫((( توضيح املقال ‪.٢٦٣‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪20‬‬

‫يدسون هذه األحاديث إىل يومنا هذا يف كتب أصحاب‬


‫وكذلك أصحاب أيب اخلطاب ّ‬
‫أيب عبد اهلل‪.(((»‬‬

‫وعليه‪ ،‬فاألصل يف الوجادة هو أن ما عثر عليه وجادة من الكتب غري حجة‪ ،‬ما مل‬
‫حيصل االطمئنان والوثوق ‪-‬من خالل الشواهد والقرائن التي سيأيت ذكرها‪ -‬بصحة‬
‫النسخة وعدم وقوع الدس والتالعب فيها‪.‬‬

‫إذا عرفت ذلك‪ ،‬فاعلم أن مجلة من الكتب الروائية املبحوث عنها يف هذا املجلد‬
‫قد وصلت إىل املتأخرين ‪-‬كالعالمة املجليس واحلر العاميل‪ -‬عن طريق الوجادة‪ ،‬وذلك‬
‫ككتاب الفقه الرضوي وكتاب املحاسن وكتاب مسائل عيل بن جعفر وكتاب قرب‬
‫اإلسناد وكتاب نوادر ابن عيسى‪.‬‬

‫االطمئنان بالن�سخة الوا�صلة عرب الوجادة‬


‫ولكن هذا ال يعني أن كل ما وصل عرب الوجادة فهو غري حجة وينبغي طرحه‪،‬‬
‫كال‪ ،‬بل ينبغي النظر فيام عثر عليه عرب الوجادة وجتميع القرائن والشواهد‪ ،‬عسى أن‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ جيوز العمل باألخبار املتضمنة فيه بل‬ ‫حيصل االطمئنان بصحة تلك النسخة‬
‫جيب‪.‬‬

‫وما هي تلك القرائن التي يمكن االستناد إليها يف تصحيح النسخة الواصلة إىل‬
‫املتأخرين عن طريق الوجادة؟ نذكر بعض ًا منها‪-:‬‬

‫فمنها‪ :‬التطابق بني مجلة معتد هبا من األخبار الواردة يف النسخة الواصلة إلينا من‬

‫((( بحوث يف رشح مناسك احلج‪.٢٣٠ -٢٢٩/٢ :‬‬


‫‪21‬‬ ‫�شهرة الأ�صل ال تعني �شهرة ن�سخه‬

‫الكتاب‪ ،‬وبني ما روي عن ذلك الكتاب يف الكتب األربعة‪ ،‬فإذا وجدنا أن األخبار‬
‫متطابقة سند ًا ومتن ًا أمكن حصول الوثوق هبا‪ .‬وقد أشار سيدنا األُستاذ ‪-‬كام سيأيت‬
‫يف حمله‪ -‬بأن من خالل مراجعته كتاب املحاسن وجد تطابق ًا بينه وبني ما روي عنه يف‬
‫الكتب األربعة‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬شهادة العلامء واخلرباء بصحة تلك النسخة‪ ،‬فإن ذلك يورث االطمئنان‬
‫أيض ًا إذا كانت تلك الشهادات حسية غري حدسية‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬أن يكون الكتاب مشتهر ًا ومنترش ًا من خالل نسخه بني أصحابنا إىل زمان‬
‫وصول نسخه إىل النساخ‪.‬‬

‫من هنا قال سيدنا األُستاذ‪ :‬وباجلملة‪ ،‬إن جمرد كون نسخة الكتاب قد وصلت‬
‫إىل املتأخرين بطريق الوجادة‪ ،‬وكوهنا مصدّ رة باسم شخص أو أشخاص غري موثقني ال‬
‫يكون مانع ًا من االعتامد عليها‪ .‬نعم‪ ،‬ال بد من توفر قرائن وشواهد كافية تورث الوثوق‬
‫بصحتها‪ .‬ومن عوامل حصول الوثوق بصحة النسخة‪ :‬اشتهار الكتاب وتداول نسخه‬
‫بني األصحاب سامع ًا وقراءة ومناولة وكتابة وغري ذلك إىل عرص الناسخ‪ .‬ومنها‪ :‬كون‬
‫النسخة بخط أحد العلامء األثبات أو أن يكون عليها خ ّطه وتصحيحه‪ .‬ومنها تطابق‬
‫النصوص املنقولة عن الكتاب يف كتب السابقني مع ما يوجد يف النسخة الواصلة(((‪.‬‬

‫�شهرة الأ�صل ال تعني �شهرة ن�سخه‬


‫ثم إن بعض الكتب ا ُّدعي كوهنا مشهورة‪ ،‬أي يوجد تواتر بصحة انتساهبا إىل‬

‫((( وسائل اإلنجاب الصناعية‪.٥٤٩ :‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪22‬‬

‫أصحاهبا؛ كشهرة كتاب الكايف وتواتر انتسابه إىل الشيخ الكليني‪.‬‬

‫قال الصدوق‪ ‬يف ديباجة الفقيه‪ :‬بل قصدت إىل إيراد ما ُأفتي به وأحكم بصحته‬
‫وأعتقد فيه أنه حجة فيام بيني وبني ريب تقدس ذكره وتعالت قدرته‪ ،‬ومجيع ما فيه‬
‫مستخرج من كتب مشهورة‪ ،‬عليها املعول وإليها املرجع(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬إن شهرة األصل ال تعني أن نسخه مشهورة أيض ًا‪ ،‬وال تُغني عن طريق‬
‫معترب وصحيح إليها‪ ،‬وهذا واضح للمتأمل‪ .‬وعليه‪ ،‬فشهرة كتاب مسائل عيل بن جعفر‬
‫مث ً‬
‫ال ال تعني أنه لسنا بحاجة إىل البحث عن طريق معترب إىل نسخه‪ ،‬كال‪ ،‬بل ما زلنا‬
‫نحتاج إىل إثبات صحة النسخة املتداولة بني أيدينا اليوم‪.‬‬

‫الطريق �إىل الأ�صل ال يعني الطريق �إىل ن�سخة معينة‬


‫وهنا مطلب آخر من الرضوري اإلشارة إليه‪ ،‬وهو أن بعض املتأخرين له طرق‬
‫تـمر بالشيخ الطويس مثالً‪ ،‬إال أن تلك الطرق هي طرق إىل أصل‬
‫إىل أصحاب الكتب ّ‬
‫الكتاب‪ ،‬أي إىل معرفة وجود أصل الكتاب‪ ،‬وليست طرق ًا إىل نسخ معينة منه‪ .‬ولكي‬
‫تكون النسخة معتربة نحتاج إىل طريق معترب إىل نفس النسخة دون أصل الكتاب‪.‬‬

‫فمثالً‪ ،‬وصلت نسخ من كتاب قرب اإلسناد إىل املتأخرين؛ كاملجليس واحلر‬
‫تـمر بالشيخ الطويس‪،‬‬
‫العاميل‪ ،‬وهلم طرق إىل احلمريي صاحب كتاب قرب اإلسناد ّ‬
‫إال أن النسخ مل تصل إليهم عرب هذا الطريق‪ ،‬بل عىل األغلب أهنم وجدوا النسخ يف‬
‫األسواق أو يف مكان آخر‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن املتأخرين هلم سند إىل أصل الكتاب‪ ،‬وأما النسخ‬

‫((( َمن ال حي ُضرَ ُه الفقيه‪.٣/١ :‬‬


‫‪23‬‬ ‫�شهرة الأ�صل ال تعني �شهرة ن�سخه‬

‫فقد وصلت إليهم عرب الوجادة‪ ،‬وكم فرق بني اإلثنني‪.‬‬

‫إذا عرفت ذلك‪ ،‬فاعلم أن طرق صاحب الوسائل والعالمة املجليس واملحدث‬
‫النوري رمحهم اهلل هي عىل األغلب طرق إىل أصل الكتب دون النسخ التي وصلت‬
‫إليهم‪ .‬إن هؤالء األعاظم كانوا يرون شهرة الكتب التي وجدوها‪ ،‬فهم ‪-‬يف تصورهم‪-‬‬
‫يف غنى عن سند معترب إىل النسخ الواصلة إليهم حيث كانت حتصل هلم بعض الشواهد‬
‫والقرائن عىل صحة تلك النسخ‪.‬‬

‫من هنا قال سيدنا األُستاذ‪ :‬إن طريق ابن إدريس إىل جامع البزنطي عىل‬
‫النحو املذكور إنام هو طريق إىل أصل هذا الكتاب ال إىل النسخة التي وصلت إىل ابن‬
‫صحة النسخة‬
‫إدريس وكم فرق بني األمرين‪ ،‬فوجود الطريق إىل أصل الكتاب ال ُيثبت ّ‬
‫الواصلة بطريق الوجادة أو بطريق آخر غري معلوم لدينا‪ ،‬ولذا ال يمكن االعتامد عىل‬
‫األُصول التسعة عرش الواصلة إىل أيدي ّ‬
‫املتأخرين ملجرد وجود أسانيد صحيحة إىل هذه‬
‫الكتب بمالحظة الفهارس(((‪.‬‬

‫وقال يف موضع آخر‪ :‬فإن أسانيد صاحب الوسائل إىل مرويات الشيخ الطويس‪‬‬
‫من األُصول والكتب إنام هي طرقه إىل نسخ الشيخ من تلك املصنفات أو إىل عناوينها‬
‫املذكورة يف الفهرست ال إىل النسخ الواصلة إىل صاحب الوسائل منها‪ ،‬وكم فرق بني‬
‫األمرين‪ ،‬فوجود السند إىل أصل الكتاب ‪-‬مثالً‪ -‬ال يثبت صحة النسخة الواصلة‬
‫بطريق الوجادة(((‪.‬‬

‫((( بحوث فقهية ‪.١٤١‬‬


‫((( وسائل اإلنجاب الصناعية‪.٥٤٦ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪24‬‬

‫وقال يف موضع ثالث‪ :‬ومن الواضح أن وجود الطريق لشخص إىل كتاب باإلجازة‬
‫(((‬
‫ال يثبت صحة النسخة الواصلة إليه من ذلك الكتاب بطريق الوجادة أو ما بحكمه‪.‬‬

‫الطرق احلقيقية والطرق التربكية‬


‫حينام يذكر القدماء من األصحاب طريقهم إىل كتاب معني‪ ،‬فهم يقصدون منه‬
‫نسخة معينة‪ .‬هذه هي عادة الصدوق‪ ‬يف مشيخة الفقيه‪ ،‬وكذلك الشيخ يف مشيخة‬
‫التهذيبني‪ .‬إهنا طرق حقيقية إىل نسخ معينة‪.‬‬

‫ويدل عىل ذلك ما قاله الشيخ يف الفهرست يف ترمجة العالء بن رزين ونصه‪( :‬العال‬
‫بن رزين القال‪ ،‬ثقة‪ ،‬جليل القدر‪ .‬له كتاب‪ ،‬وهو أربع نسخ)(((‪ ،‬ثم ذكر طرق ًا أربعة إىل‬
‫النسخ األربع‪ ،‬أي لكل نسخة طريق‪.‬‬

‫وأما احلر العاميل والعالمة املجليس رمحهام اهلل فالظاهر أن طرقهام إىل أصحاب‬
‫الكتب طرق تربكية وليست حقيقية‪ ،‬بمعنى أهنا ليست طرق ًا إىل نسخة معينة‪ ،‬بل هي‬
‫طرق إىل أصل الكتاب‪ .‬فهي نظري الطرق واإلجازات التي تصدر يف هذه األزمنة‪ ،‬فهي‬
‫ليست طرق ًا حقيقية بل تربكية‪.‬‬

‫والذي يشهد عىل ذلك قول احلر العاميل يف الفائدة اخلامسة من قسم الفوائد الواقع‬
‫يف املجلد األخري من كتابه‪ :‬يف بيان بعض الطرق التي نروي هبا الكتب املذكورة عن‬
‫مؤلفيها‪ .‬وإنام ذكرنا ذلك تيمن ًا وتربك ًا‪ ،‬باتصال السلسلة بأصحاب العصمة‪ ،‬ال‬

‫((( بحوث يف رشح مناسك احلج‪.٣١٥/٤ :‬‬


‫((( الفهرست‪.١٨٣ -١٨٢ :‬‬
‫‪25‬‬ ‫احلر العاملي وعمله يف الو�سائل‬

‫لتوقف العمل عليه‪ ،‬لتواتر تلك الكتب وقيام القرائن عىل صحتها وثبوهتا كام يأيت إن‬
‫شاء اهلل تعاىل(((‪.‬‬

‫من هنا قال سيدنا األُستاذ حفظه اهلل‪ :‬وأما الطرق املذكورة يف البحار والوسائل‬
‫إىل هذه الكتب فإنام هي طرق إىل أصلها باالعتامد عىل اإلجازات والفهارس‪ ،‬ال إىل‬
‫خصوص النسخ التي وصلت إليهم‪ ،‬وهذا أمر يعرفه كل من له إملام بكيفية تأليف‬
‫املوسوعتني(((‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فنحن بحاجة إىل إثبات صحة الكتب التي اعتمد عليها احلر العاميل‬
‫والعالمة املجليس رمحهام اهلل ألن طرقهام ال تفي بذلك‪ ،‬حيث عرفت أهنا طرق تربكية‬
‫وليست حقيقية‪.‬‬

‫احلر العاملي وعمله يف الو�سائل‬


‫إن كثري ًا من العلامء يعتمدون عىل ما رواه احلر العاميل‪ ‬يف الوسائل عن الكتب‬
‫الروائية‪ ،‬إال أن املالحظ هو أن كثري ًا من تلك الكتب قد وصلت إليه عرب الوجادة‪،‬‬
‫وطرقه إليها طرق تربكية وليست طرق ًا إىل تلك النسخ التي وصلت إليه‪.‬‬

‫قال سيدنا األُستاذ‪ :‬إن معظم ما بقي من كتب السابقني ووصل إىل العالمة‬
‫املجليس وصاحب الوسائل و َمن تأخر عنهم مل يصل إليهم بطريق السامع أو القراءة أو‬
‫املناولة أو نحوها طبقة بعد طبقة إىل أن ينتهي إىل مؤلف الكتاب‪ ،‬بل وصل يف الغالب‬

‫((( وسائل الشيعة‪.١٦٩/٣٠ :‬‬


‫((( بحوث يف رشح مناسك احلج‪.١٢٢/١ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪26‬‬

‫بطريق الوجادة حيث كان يعثر عىل نسخة ‪-‬أو أزيد‪ -‬من كتاب فيتم االعتامد عليها‬
‫والنقل عنها وتداوهلا واستنساخها‪ ،‬وربام تصبح هي النسخة األُ ّم لعرشات النسخ‬
‫الالحقة‪ ،‬وخيرج الكتاب عن كونه نادر الوجود إىل كتاب شائع النسخ متداوهلا(((‪.‬‬

‫وقال يف موضع آخر‪ :‬وباجلملة‪ ،‬ال ريب يف أن صاحب الوسائل ريض اهلل عنه مل يكن‬
‫خيتلف عن باقي األعالم املتأخرين يف طريقة حصوله عىل كتب املتقدمني ومصنفاهتم‪،‬‬
‫وهي طريقة الوجادة مع االعتامد عىل القرائن والشواهد الداخلية واخلارجية يف صحة‬
‫النسبة واعتبار النسخة‪ ،‬وربام كان ‪-‬كام يقول املحدث النوري‪ -‬يتشبث يف االعتامد أو‬
‫النسبة بوجوه ضعيفة وقرائن خفية‪ ،‬كام لوحظ ذلك فيام سامه بنوادر أمحد بن حممد بن‬
‫عيسى(((‪.‬‬

‫وقال يف موضع ثالث‪ :‬إن كتاب املحاسن وجمموعة كبرية ُأخرى من املصادر التي‬
‫اعتمد عليها كل من العالمة املجليس واملحدث احلر العاميل يف تأليف موسوعتي البحار‬
‫والوسائل قد وصلت إليهم عن طريق الوجادة‪ ،‬أي عثروا عىل نسخة أو أزيد من هذه‬
‫الكتب يف بعض املكتبات أو عند بعض الباعة فاستنسخوها أو اشرتوها وأدرجوا ما‬
‫فيها من الروايات يف كتاهبم‪ ،‬ال أهنا وصلت إليهم بتلقيها عن الشيوخ بالقراءة عليهم أو‬
‫املناولة منهم ونحو ذلك‪ ،‬طبقة بعد طبقة إىل أن تصل إىل مؤلفيها ليعلم صحة انتساب‬
‫النسخ إليهم‪ ،‬كام هو احلال يف الكتب األربعة ونحوها‪ .‬وأما الطرق املذكورة يف البحار‬
‫والوسائل إىل هذه الكتب فإنام هي طرق إىل أصلها باالعتامد عىل اإلجازات والفهارس‪،‬‬

‫((( وسائل اإلنجاب الصناعية‪.٥٤٨ :‬‬


‫((( وسائل اإلنجاب الصناعية‪.٥٤7 :‬‬
‫‪27‬‬ ‫املحدث النوري وعمله يف امل�ستدرك‬

‫ال إىل خصوص النسخ التي وصلت إليهم‪ ،‬وهذا أمر يعرفه ُّ‬
‫كل َمن له إملام بكيفية تأليف‬
‫املوسوعتني(((‪.‬‬

‫وقال يف موضع رابع‪ :‬خرب أيب بصري عن أيب عبد اهلل‪ ‬قال‪« :‬وحيج الرجل من‬
‫الزكاة إذا كانت حجة اإلسالم»‪ .‬ولكن هذا اخلرب غري معترب سند ًا‪ ،‬فإن مصدره جمموعة‬
‫روائية كانت خمتلطة بأوراق ما يعرف بـ(فقه الرضا)‪ ،‬وقد أفرزها احلر العاميل واستظهر‬
‫أهنا نوادر أمحد بن حممد بن عيسى‪ ،‬وقد طبعت هبذا االسم‪ .‬ولكن العالمة املجليس‬
‫رجح أن تكون من تأليف احلسني بن سعيد‪ .‬وكان السيد األُستاذ يعتمد عليها؛ من جهة‬
‫أن لصاحب الوسائل طريق ًا صحيح ًا إىل أمحد بن حممد بن عيسى يمر بطريق الشيخ يف‬
‫الفهرست‪ .‬ولكن نسخة صاحب الوسائل موجودة بعينها يف مكتبة السيد احلكيم يف‬
‫النجف األرشف‪ ،‬وقد ذكر عىل ظهر الصفحة األوىل مجلة القرائن التي استند إليها يف‬
‫االعتامد عىل النسخة مما يؤكد أنه حصل عليها بطريق الوجادة‪ ،‬فال ينفع طريق الشيخ يف‬
‫اعتبارها كام هو واضح(((‪.‬‬

‫املحدث النوري وعمله يف امل�ستدرك‬


‫إن ما قام به املحدث النوري‪ ‬شبيه بام قام به صاحب الوسائل‪ ،‬فإنه عثر عىل‬
‫مجلة من الكتب وجادة ومل تصل إليه مناول ًة أو سامع ًا أو إجازةً‪ .‬وقد وصلته جمموعة‬
‫من الكتب من بالد اهلند كام ذكر هو‪ ‬يف مواضع عديدة‪ .‬وأما طرقه فهي ليست‬

‫((( بحوث يف رشح مناسك احلج‪.١٢٢/١ :‬‬


‫((( بحوث يف رشح مناسك احلج‪.٣٣٤/٤ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪28‬‬

‫أحسن حاالً من طرق صاحب الوسائل والعالمة املجليس رمحهام اهلل‪ ،‬فهي طرق تربكية‬
‫وليست طرق ًا حقيقية إىل نسخ معينة‪ .‬وعليه‪ ،‬فنحن بحاجة إىل البحث عن كل واحد من‬
‫تلك املصادر التي وصلته وجادة بشكل مستقل لنرى مدى إمكان حتصيل الوثوق هبا‪.‬‬

‫امل�ؤيد وال�شاهد‬
‫ثم اعلم أن روايات الكتب التي مل يتم إثبات صحتها‪ ،‬وإن مل تصلح لالستدالل‬
‫هبا مستقالً‪ ،‬إال أنه يمكن اإلتيان هبا كشاهد ومؤيد للحكم الفقهي‪ ،‬وهذه هي سرية‬
‫الفقهاء مع الروايات الضعيفة سند ًا‪ ،‬فإهنم وإن مل يستدلوا هبا مستق ً‬
‫ال إال أهنم يؤيدون‬
‫املطلب هبا ويأتون هبا كشاهد‪.‬‬

‫فوائد �أُخرى للرواية‬


‫ثم اعلم أن البحث عن الصحة واالعتبار هو ألجل فائدة االستنباط‪ ،‬فحيث مل‬
‫تثبت صحة النسخة من الكتاب ال يصح االستنباط منها‪ .‬ولكن هذا ال يعني أن تلك‬
‫الروايات ال فائدة فيها مطلق ًا‪ ،‬بل يمكن أن يستفاد منها املطالب األخالقية والتارخيية‬
‫وال َع َقدية‪ ،‬كام هو احلال يف كتاب حتف العقول مث ً‬
‫ال أو كتاب االحتجاج‪.‬‬

‫***‬
‫مباحث الكتاب‬

‫• نوادر �أحمد بن حممد بن عي�سى‬ ‫• الفقه املن�سوب �إىل الإمام الر�ضا‪‬‬


‫• االحتجاج على �أهل اللجاج‬ ‫• م�سائل علي بن جعفر‬
‫• حتف العقول عن �آل الر�سول‬ ‫• م�ستطرفات ال�سرائر‬
‫• عوايل اللآيل العزيزية يف الأحاديث الدينية‬ ‫• اجلعفريات‬
‫• ب�صائر الدرجات‬ ‫• املحا�سن‬
‫• م�شيخة احل�سن بن حمبوب‬ ‫• دعائم الإ�سالم‬
‫• كتاب �سليم بن قي�س الهاليل‬ ‫• قرب الإ�سناد‬
‫• التف�سري املن�سوب �إىل الإمام الع�سكري‪‬‬
‫• العلل للف�ضل بن �شاذان‬
‫• تف�سري العيا�شي‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪30‬‬
‫‪31‬‬ ‫الفقه املن�سوب �إىل الإمام الر�ضا‪‬‬

‫الفقه املن�سوب �إىل الإمام الر�ضا‪‬‬


‫إن كتاب الفقه املنسوب إىل اإلمام الرضا‪- ‬أو ما يعرف باسم كتاب الفقه‬
‫الرضوي أو فقه الرضا‪ -‬مما كثر فيه اخلالف بني األعالم‪ .‬فهل هو تأليف اإلمام‬
‫الرضا‪ ‬نفسه؟ أم أنه جتميع أحد الرواة لرواياته‪ ‬كجعفر بن بشري أو أمحد بن حممد‬
‫بن عيسى أو أمحد بن السكني؟ أم أنه عني رسالة عيل بن بابويه إىل ولده الصدوق رمحهام‬
‫اهلل املسامة بالرشائع؟ أم أنه كتاب التكليف للشلمغاين؟ فيه أقوال ووجوه‪.‬‬

‫القول الأول‪ :‬امل�ؤلف هو الإمام الر�ضا‪ ‬نف�سه‬


‫روج هلذه النظرية هو الشيخ حممد تقي املجليس ثم ولده الشيخ حممد باقر‬ ‫ّ‬
‫إن أول َمن ّ‬
‫املجليس رمحهام اهلل‪ ،‬ثم تبعهم يف ذلك الفاضل الكاشاين والوحيد البهبهاين واملحدث‬
‫البحراين والسيد بحر العلوم والسيد املجاهد والسيد صاحب الرياض والشيخ النراقي‬
‫والشيخ موسى كاشف الغطاء والشيخ األنصاري وغريهم‪ ،‬رمحهم اهلل مجيع ًا(((‪.‬‬

‫قال الشيخ النراقي‪( :‬فقد عرفت أن الفاضلني املجلسيني‪ ،‬والفاضل اهلندي‪،‬‬


‫ومجع ًا من مشاخينا العظام‪ ،‬ومنهم السيد السند األستاذ‪ ،‬ومنهم شيخنا الشيخ يوسف‬

‫((( كشف ابن الرضا عن فقه الرضا‪ ،‬للشيخ عيل كاشف الغطاء‪.٢٤ -٢٣ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪32‬‬

‫املرصين عىل ذلك‪ ،‬وجيعله حجة بنفسه‪،‬‬


‫ّ‬ ‫البحراين صاحب احلدائق النارضة وهو من‬
‫ومنهم شيخنا الفاضل السيد عيل الطباطبائي صاحب رياض املسائل رشح املخترص‬
‫النافع‪ ،‬ومنهم الوالد املاجد املحقق العالمة صاحب اللوامع واملعتمد ‪-‬ب��رد اهلل‬
‫مضاجعهم الرشيفة‪ -‬وبعض من تقدم عليهم‪ ،‬كالفاضل الكاشاين ‪-‬آقا هادي‪ -‬شارح‬
‫املفاتيح‪ :‬قد سلكوه يف سلك األخبار‪ ،‬وأدرجوه يف كتب أحاديث األئمة األطهار‪،‬‬
‫ونقلوه يف مؤلفاهتم بطريق الروايات‪ ،‬ومنهم من عبرّ عنه بالرضوي)‪.‬‬
‫(((‬

‫ثم إنه ينبغي أن ننقل كالم الشيخ حممد تقي املجليس‪ ،‬حيث قد عرفت أنه أول‬
‫من أشار إىل كتاب الفقه الرضوي وأول من ادعى نسبته لإلمام‪ ،‬فقد حكي عنه يف‬
‫عوائد األيام للموىل النراقي‪ ‬أنه قال‪( :‬من فضل اهلل سبحانه أنه كان السيد الفاضل‬
‫الثقة املحدث القايض أمري حسني طاب ثراه جماور ًا عند بيت اهلل احلرام سنني كثرية‪،‬‬
‫وبعد ذلك جاء إىل هذه البالد ‪-‬يعني أصفهان‪ -‬وملا ترشفت بخدمته وزيارته قال‪ :‬إين‬
‫جئتكم هبدية نفيسة‪ ،‬وهي الفقه الرضوي‪ .‬وقال‪ :‬ملا كنت يف مكة املعظمة جاءين مجاعة‬
‫من أهل قم مع كتاب قديم كتب يف زمان أيب احلسن عيل بن موسى الرضا‪ ،‬وكان‬
‫يف مواضع منه بخطه‪ ،‬وكان عىل ذلك إجازات مجاعة كثرية من الفضالء بحيث حصل‬
‫يل العلم العادي أنه من تأليفه‪ ،‬فانتسخت منه‪ ،‬وقابلته مع النسخة‪ .‬ثم أعطاين إياه‪،‬‬
‫واستنسخت منه نسخة أخذها بعض الفضالء ليكتب عنها‪ ،‬ونسيت اآلخذ‪ ،‬ثم جاءين‬
‫هبا بعد إمتامي للرشح العريب عىل الفقيه‪ ،‬املسمى بروضة املتقني‪ ،‬وقليل من الرشح‬
‫الفاريس‪ .‬ثم ملا تفكرت فيه وظهر يل أن هذا الكتاب كان عند الصدوق وأبيه‪ ،‬وكل‬

‫((( عوائد األيام‪.٧٢٦ -٧٢٥ :‬‬


‫‪33‬‬ ‫الفقه املن�سوب �إىل الإمام الر�ضا‪‬‬

‫ما ذكره عيل بن بابويه يف رسالته إىل ابنه فهو عبارته إال نادر ًا‪ ،‬وكل ما يذكره الصدوق‬
‫بدون السند فهو أيض ًا عبارته‪ ،‬فرأيت أن أذكر يف مواضعه أنه منه لتندفع اعرتاضات‬
‫األصحاب وشبهاهتم‪ .‬والظاهر أن هذا الكتاب كان موجود ًا عند املفيد أيض ًا‪ ،‬وكان‬
‫معلوم ًا عندهم أنه من تأليفه‪ ،‬ولذا قال الصدوق‪ُ :‬أفتي به وأحكم بصحته‪ ،‬واحلمد‬
‫هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة عىل حممد وآله األقدسني)(((‪.‬‬

‫وحكي عنه أيض ًا يف اللوامع ‪-‬وهو رشحه الفاريس للفقيه‪ -‬عند نقل الصدوق‬
‫عبارة أبيه يف رسالته إليه يف مسألة ختلل احلدث األصغر يف أثناء غسل اجلنابة ما هذه‬
‫ترمجته‪( :‬الظاهر أن عيل بن بابويه أخذ هذه العبارة وساير عباراته يف رسالته إىل ولده‬
‫من كتاب الفقه الرضوي‪ ،‬بل أكثر عبارات الفقيه‪ ،‬التي يفتي بمضموهنا ومل يسندها‬
‫إىل الرواية‪ ،‬كأهنا من هذا الكتاب‪ ،‬وهذا الكتاب ظهر يف قم وهو عندنا‪ .‬والثقة العدل‬
‫القايض أمري حسني استنسخ هذا الكتاب قبل هذا بنحو من عرش سنني‪ ،‬وكان يف عدة‬
‫مواضع منه خط اإلمام الرضا‪ ،‬وأنا أرشت ورسمت صورة خطه عىل ما رسمه‬
‫القايض‪ ،‬ومن موافقة الكتاب لكتاب الفقيه حيصل الظن القوي بأن عيل بن بابويه‬
‫وحممد بن عيل كانا عاملني بأن هذا الكتاب تصنيف اإلمام‪ ،‬وجعله الصدوق حجة بينه‬
‫وبني ربه)(((‪.‬‬

‫ثم إن ولده العالمة حممد باقر املجليس‪ ‬جعله من مصادر كتابه بحار األنوار‬
‫اعتامد ًا عىل والده وعىل السيد أمري حسني‪ .‬قال‪( :‬وكتاب فقه الرضا‪ ‬أخربين به السيد‬

‫((( عوائد األيام‪.٧١٩-٧١٨ :‬‬


‫((( عوائد األيام‪.٧١٩ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪34‬‬

‫الفاضل املحدث القايض أمري حسني طاب ثراه بعد ما ورد أصفهان‪ .‬قال‪ :‬قد اتفق يف‬
‫بعض سني جماوريت بيت اهلل احلرام أن أتاين مجاعة من أهل قم حاجني‪ ،‬وكان معهم‬
‫كتاب قديم يوافق تارخيه عرص الرضا صلوات اهلل عليه وسمعت الوالد‪ ‬أنه قال‪:‬‬
‫سمعت السيد يقول‪ :‬كان عليه خطه صلوات اهلل عليه‪ ،‬وكان عليه إجازات مجاعة‬
‫كثرية من الفضالء‪ ،‬وقال السيد‪ :‬حصل يل العلم بتلك القرائن أنه تأليف اإلمام‪‬‬
‫فأخذت الكتاب وكتبته وصححته فأخذ والدي قدس اهلل روحه هذا الكتاب من السيد‬
‫واستنسخه وصححه)(((‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬قد تبني أن املجلسيني رمحهام اهلل روجا هلذا الكتاب وادعيا أنه تأليف اإلمام‬
‫الرضا‪ .‬ثم بعد ذلك تبعهام مجاعة من األعالم يف ذلك‪.‬‬

‫قال السيد حممد املجاهد‪ ‬صاحب مفاتيح األُصول انتصار ًا لصحة انتساب‬
‫الكتاب إىل اإلمام الرضا‪ ‬يف املحكي عنه‪( :‬ومن أعظم الشواهد عىل ذلك مطابقة‬
‫رواية الشيخني اجلليلني الصدوقني لذلك‪ ،‬وشدة متسكهام به‪ ،‬حتى أهنام قدماه يف كثري‬
‫من املسائل عىل الروايات الصحيحة واألخبار املستفيضة‪ :‬واتفقا باختيار ما يف هذا‬
‫الكتاب‪ ،‬وخالفا ألجله َمن تقدمهام من األصحاب‪ ،‬وعبرّ ا يف الغالب بنفس عباراته‪،‬‬
‫وجعلها الصدوق يف الفقيه ‪-‬وهو كتاب حديث‪ -‬دراية ومل يسندها إىل الرواية‪ ،‬ويلوح‬
‫من الشيخ املفيد األخذ به والعمل بام فيه يف مواضع من املقنعة‪ ،‬ومعلوم أن هؤالء‬
‫األعاظم الذين هم أساطني الشيعة وأركان الرشيعة‪ ،‬ال يستندون إىل غري مستند‪ ،‬وال‬
‫يعتمدون عىل غري معتمد‪ ،‬وقد رست فتاواهم إىل َمن تأخر عنهم؛ حلسن ظنهم‪ ،‬وشدة‬

‫((( بحار األنوار‪.١١/١ :‬‬


‫‪35‬‬ ‫الفقه املن�سوب �إىل الإمام الر�ضا‪‬‬

‫اعتامدهم عليهم‪ ،‬وعلمهم بأهنم أرباب النصوص‪ ،‬وأن فتواهم عني النص الثابت عن‬
‫احلجج‪ ‬وقد ذكر الشهيد يف الذكرى أن األصحاب كانوا يعملون برشائع عيل بن‬
‫بابويه‪ ،‬ومرجع كتاب الرشائع ومأخذه هو هذا الكتاب‪ ،‬كام هو معلوم ملن تتبعهام‪،‬‬
‫وتفحص ما فيهام‪ ،‬وعرض أحدمها عىل اآلخر‪ .‬ومن هذا يظهر عذر الصدوق يف عده‬
‫لرسالة أبيه من الكتب التي إليها املرجع وعليها املعول‪ .‬فإن الرسالة مأخوذة من الفقه‬
‫الرضوي الذي هو حجة عنده‪ ،‬ومل يكن الصدوق ليقلد أباه فيام أفتاه حاشاه‪ ،‬وكذلك‬
‫اعتامد األصحاب عىل كتاب عيل بن بابويه‪ ،‬فإنه ليس تقليد ًا بل اجتهاد ًا‪ ،‬لوجود السبب‬
‫املؤدي إليه‪ ،‬وهو العلم بكون ما تضمنه هو عني كالم احلجة)(((‪.‬‬

‫وقال الشيخ النراقي‪( :‬والتحقيق‪ :‬أنه ال ينبغي الريب يف اندراجه حتت كتب‬
‫األخبار‪ ،‬وكونه معدود ًا من أحاديث األطهار‪ ،‬لصدق حد احلديث‪ ،‬واخلرب‪ ،‬وهو‪ :‬ما‬
‫حيكي قول املعصوم من حيث هو ال من حيث إنه رأي املجتهد وظنه‪ ،‬وحيتمل الصدق‪،‬‬
‫وال يعلم كذبه أو وضعه‪ ،‬بل ال يظن‪ .‬أما كونه مما حيكي قول املعصوم فظاهر‪ ،‬فإنه‬
‫رصح يف ديباجة الكتاب بقوله‪( :‬يقول عبد اهلل عيل بن موسى الرضا) ثم يذكر إىل آخر‬
‫الكتاب‪ ،‬وهذا عني حكاية قول املعصوم من حيث هو‪ ،‬وهو ينفي كونه من الكتب‬
‫املؤلفة لبعض العلامء‪ ،‬أو رسالة الصدوق‪ ،‬أو رشائعه‪ .‬ومما ينفي ذلك‪ ،‬أو كونه رسالة‬
‫الصدوق ونحوها‪ :‬تضمنه يف مواضع عديدة ومقامات متكثرة ملا ينايف ذلك‪ ،‬ويدل عىل‬
‫نسبته إىل اإلمام‪ .‬منها‪ :‬ما مر يف كالم شيخنا األُستاذ أن فيه قوله هذا‪« :‬ومما نداوم عليه‬

‫((( مقدمة فقه الرضا‪ ،١٨ :‬عن مفاتيح ُاألصول‪.٣٥٤ -٣٥٣ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪36‬‬

‫نحن معارش أهل البيت» )(((‪.‬‬

‫ثم ذكر مجلة من القرائن‪ ،‬ثم قال‪( :‬ومجيع ذلك شهادات ودالالت عىل أنه ليس‬
‫مؤلف ًا للعلامء‪ ،‬بل هو منسوب إىل اإلمام)(((‪.‬‬

‫وقال صاحب احلدائق‪( :‬ال خيفى عىل من وقف عىل ما قدمناه يف كتب العبادات‬
‫يف مواضع عديدة من أن الشيخ عيل بن بابويه‪ ‬أكثر ما نذكره سيام من الفتوى الغريبة‬
‫إنام هو مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي‪ ،‬وإن كان عىل خالف ما تكاثرت به األخبار‪...‬‬
‫وأنت خبري بأن اعتامد هذا الشيخ اجلليل عىل الفتوى بعبائر الكتاب مع خمالفتها لألخبار‬
‫الكثرية كام هنا‪ ،‬وقد تقدم أمثاله أيض ًا يف غري موضع أدل دليل عىل اعتامده عىل الكتاب‬
‫املذكور‪ ،‬وجزمه بأنه كالمه‪ ،‬ولكن متأخري أصحابنا رضوان اهلل عليهم حيث مل‬
‫يصل الكتاب إليهم تكلفوا لالستدالل له ببعض األخبار‪ ،‬واعرتضوا عليها كام هنا‬
‫بعدم الداللة أو بنحو ذلك‪ ،‬وهو غفلة عام ذكرناه مما و ّفقنا اهلل إليه‪ ،‬ويسرّ لنا الوقوف‬
‫عليه)(((‪.‬‬

‫ن�سخ �أُخرى للكتاب‬


‫ثم إنه قد ُيدّ عى وجود نسخة ثانية للكتاب غري نسخة السيد أمري حسني‪ ،‬فقد‬
‫ورد يف رياض العلامء أن كتاب الفقه قد كتبه اإلمام الرضا‪ ‬لصاحبه ومقربه أمحد بن‬

‫((( عوائد األيام‪.٧٢٦ :‬‬


‫((( عوائد األيام‪.٧٣٠ :‬‬
‫((( احلدائق الناظرة‪.٤٢٣ -٤٢٢/٢٢ :‬‬
‫‪37‬‬ ‫الفقه املن�سوب �إىل الإمام الر�ضا‪‬‬

‫السكني‪ ،‬وكانت النسخة موجودة يف الطائف يف مكة يف مكتبة السيد عيل خان‪ ،‬وهذه‬
‫نسخة ثانية للكتاب‪.‬‬

‫قال صاحب رياض العلامء املريزا األفندي األصفهاين عىل ما ُحكي عنه‪( :‬ثم‬
‫اعلم أن أمحد السكني ‪-‬وقد يقال‪ :‬أمحد بن السكني‪ -‬هذا الذي قد كان يف عهد موالنا‬
‫الرضا صلوات اهلل عليه وكان مقرب ًا عنده يف الغاية‪ .‬وقد كتب ألجله الرضا‪ ‬كتاب‬
‫فقه الرضا‪ .‬وهذا الكتاب بخط الرضا‪ ‬موجود يف الطائف بمكة املعظمة يف مجلة من‬
‫كتب السيد عيل خان املذكور التي قد بقيت يف بالد مكة‪ .‬وهذه النسخة باخلط الكويف‬
‫وتارخيها سنة مائتني من اهلجرة‪ ،‬وعليها إجازات العلامء وخطوطهم‪ .‬وقد ذكر األمري‬
‫غياث الدين املذكور نفسه أيض ًا يف بعض إجازاته بخطه هذه النسخة‪ ،‬ثم أجاز هذا‬
‫الكتاب لبعض األفاضل‪ ،‬وتلك اإلجازة بخطه أيض ًا موجود يف مجلة كتب السيد عيل‬
‫خان عند أوالده بشرياز)(((‪.‬‬

‫والظاهر أن هذه النسخة انتقلت إىل اخلزانة الرضوية‪ ،‬وهي تغاير النسخة الواصلة‬
‫إىل السيد أمري حسني‪.‬‬

‫وقد ُيدّ عى وجود نسخة ثالثة‪ ،‬وهي التي وصلت إىل العالمة املجليس من بالد‬
‫اهلند‪ .‬فقد نقل صاحب احلدائق عن املحدث السيد نعمة اهلل اجلزائري يف مقدمات‬
‫رشحه عىل التهذيب أنه قال‪( :‬وكم قد رأينا مجاعة من العلامء ردوا عىل الفاضلني بعض‬
‫فتاوهيم لعدم الدليل‪ ،‬فرأينا دالئل تلك الفتاوى يف غري األُصول األربعة‪ ،‬خصوص ًا‬
‫كتاب الفقه الرضوي الذي أيت به من بالد اهلند يف هذه األعصار إىل أصفهان‪ ،‬وهو اآلن‬

‫((( دراسات يف املكاسب املحرمة‪ ١١٨/١ :‬للشيخ املنتظري‪.‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪38‬‬

‫يف خزانة شيخنا املجليس‪ ،‬فإنه قد اشتمل عىل مدارك كثرية لألحكام وقد خلت عنها‬
‫هذه األُصول األربعة وغريها)(((‪.‬‬

‫اال�ستدالل ل�صحة ن�سبة الكتاب �إىل الإمام الر�ضا‪‬‬


‫الذي يمكن أن يعضد به هذا الوجه أمور‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬إن السيد أمري حسني الذي جاء بالكتاب إىل املجليس األب ثقة‪ ،‬فكيف‬
‫يشكك يف كالمه؟‪ ..‬إن خربه مشمول بأدلة حجية خرب الثقة‪ ،‬و َمن جاء ِمن ُقم وأخرب‬
‫السيد بكتاب اإلمام فهو ثقة أيض ًا جيب تصديقه‪.‬‬

‫قال يف حمكي املستدرك‪( :‬إن السيد الثقة الفاضل القايض أمري حسني أخرب بأن‬
‫هذا الكتاب له‪ ‬وأخربه بذلك ثقتان عدالن من أهل قم‪ .‬وهذا خرب صحيح داخل يف‬
‫عموم ما دل عىل حجية خرب العدل)(((‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬إن السيد املذكور واملجلسيني حصل هلم العلم بصحة نسبة الكتاب إىل‬
‫اإلمام‪ ،‬وال ينبغي أن ُيستهان بعلم أمثال هؤالء األعاظم‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬إنه توجد عبارات يف الكتاب تشري إىل صدوره من اإلمام‪ ،‬مثل قوله‪:‬‬
‫«يقول عبد اهلل عيل بن موسى الرضا‪ ،»‬و«نحن معارش أهل البيت»‪ ،‬و«أمرين أيب‪،»‬‬
‫و«جدنا أمري املؤمنني‪ ،»‬و«أروي عن أيب العامل‪.»‬‬

‫((( احلدائق النارضة‪ ٢٥/١ :‬ط‪ .‬مؤسسة النرش اإلسالمي‪.‬‬


‫((( ً‬
‫نقال عن دراسات يف املكاسب املحرمة‪.١٢١/١ :‬‬
‫‪39‬‬ ‫الفقه املن�سوب �إىل الإمام الر�ضا‪‬‬

‫رابع ًا‪ :‬إن مطابقة رسالة عيل بن بابويه إىل ولده الصدوق ‪-‬املسامة برسالة الرشائع‪-‬‬
‫ملا يف الفقه الرضوي خري شاهد عىل أن الكتاب كان موجود ًا عند عيل بن بابويه وقد نقل‬
‫عنه‪ ،‬واعتامد مثله وولده الصدوق يفيد الوثوق بصحة النسبة‪.‬‬

‫خامس ًا‪ :‬إنه يمكن االعتامد عىل النسخة الثانية املوثوق هبا لفقه الرضا‪ ‬بخطه‬
‫وهي التي كتبها ألمحد بن السكني وعليها إجازات العلامء‪ ،‬أو النسخة الثالثة التي‬
‫جاءت من بالد اهلند‪.‬‬

‫اجلواب عن اال�ستدالل‬
‫يمكن أن جياب عن االستدالل املذكور بام ييل‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬مل يذكر الشيخ والنجايش وال غريمها يف فهارسهم أن لإلمام الرضا كتاب ًا يف‬
‫الفقه‪ ،‬وذلك يض ّعف من احتامل صحة انتساب الكتاب إليه‪.‬‬

‫قال يف الفصول يف املحكي عنه‪( :‬ومما يبعد كونه تأليفه‪ ‬عدم إشارة أحد من‬
‫علامئنا السلف إليه يف يشء من املصنفات التي بلغت إلينا‪ ،‬مع ما يرى من خوضهم يف‬
‫مجع األخبار وتوغلهم يف ضبط اآلثار املروية عن األئمة األطهار‪ .‬بل العادة قاضية‬
‫َ‬
‫العمل به‬ ‫ولرجحوا‬
‫ّ‬ ‫بأنه لو ثبت عندهم مثل هذا الكتاب الشتهر بينهم غاية االشتهار‬
‫عىل العمل بسائر األُصول واألخبار)(((‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬كيف يمكن لنا الوثوق بالكتاب‪ ،‬واحلال أنه قد اختفى عىل الفقهاء والعلامء‬
‫املتقدمني؛ كالكُليني والصدوق والشيخ‪ ،‬فلم ينقلوا عنه شيئ ًا ومل يذكروه يف مشيختهم‬

‫((( ً‬
‫نقال عن دراسات يف املكاسب املحرمة‪.١٢٦ -١٢٥/١ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪40‬‬

‫بعض املتأخرين بعد قرابة ألف سنة من كتابته؟!‬


‫وفهارسهم‪ ،‬وقد وجده ُ‬

‫ثالث ًا‪ :‬سلمنا أن السيد أمري حسني ثقة جليل؛ إلخبار املجلسيني بذلك‪ ،‬لكن يبقى‬
‫السؤال أنه كيف عرف السيد أمري حسني بأن اخلط املكتوب هو خط اإلمام الرضا‪‬؟‬
‫وهل كان من معارصي اإلمام ومن امل ّطلعني عىل خطه ليعرف أنه خطه؟‬

‫إذن إخباره مبني عىل احلدس ال احلس‪ ،‬فال يكون مشموالً ألدلة حجية اخلرب‬
‫شخص بحدسه‬ ‫احليس‪ ،‬فال جيب األخذ به؛ إذ مل يصله الكتاب يد ًا بيد ِمن اإلمام‪ ،‬وإنام ّ‬
‫واجتهاده أن الكتاب لإلمام‪ .‬وكذلك األمر يف َمن جاء ِمن قم إىل مكة وأخرب السيد‬
‫بالكتاب‪ ،‬فإنه لو سلمنا وثاقتهام يبقى اإلشكال يف حدسية خربه بال حل‪.‬‬

‫من هنا قال السيد اخلوئي‪( :‬فإن األمور التي استند إليها السيد يف إخباره قابلة‬
‫للمنع‪ ،‬فإنه كيف يعلم أحد أن اخلطوط يف النسخة لإلمام‪ ،‬وأن اإلجازات لألعالم‪،‬‬
‫إال من طريق احلدس الشخيص‪ ،‬إذن فإن األمور املذكورة حدسية ال حسية)(((‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬وأما اجلامعة الذين جاؤوا بالكتاب إىل السيد أمري حسني فنحن نجهل‬
‫شخصهم‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن وثاقتهم‪.‬‬

‫خامس ًا‪ :‬إن العلم احلاصل للسيد أمري حسني واملجلسيني حجة عليهم وليس‬
‫حجة علينا‪ ،‬كام هو واضح‪ .‬والقول بأن علمهم يفيدنا الوثوق ليس دقيق ًا؛ فإن حصول‬
‫الوثوق خيتلف من شخص إىل شخص‪.‬‬

‫((( مصباح الفقاهة‪.٣٣/١ :‬‬


‫‪41‬‬ ‫الفقه املن�سوب �إىل الإمام الر�ضا‪‬‬

‫قال السيد اخلوئي‪( :‬ألن حصول العلم للسيد األجمد والسند األوحد من تلك‬
‫القرائن عىل صحة النسبة لديه ال يوجب حصول العلم لنا باعتباره‪ ،‬وعلمه بذلك ال‬
‫يفيد غريه بوجه) (((‪.‬‬

‫ال عن كونه معترب ًا‪ ،‬بل الكتاب‬


‫سادس ًا‪ :‬إنه ال يوجد سند متصل باإلمام‪ ،‬فض ً‬
‫حصل بالوجادة‪ .‬فحتى عىل فرض التسليم بأنه إمالء اإلمام‪ ،‬فمن يضمن عدم‬
‫الترصف فيه؟‬

‫سابع ًا‪ :‬وأما العبارات املذكورة يف الكتاب التي ا ُّد ِعي أهنا تكشف عن كون املصنف‬
‫هو اإلمام‪ ،‬ففيها‪ :‬إن داللتها عىل كون املؤلف هو اإلمام دوري‪ ،‬كام هو واضح‪ ،‬بل‬
‫حيتمل أن تكون هذه العبارات جمعولة وموضوعة‪ ،‬أو حيتمل أن يكون املصنف من نسل‬
‫اإلمام‪ ،‬فتصح منه تلك العبارات كقوله‪( :‬نحن معارش أهل البيت) و(جدنا أمري‬
‫املؤمنني)‪.‬‬

‫قال السيد اخلوئي‪( :‬أوالً‪ :‬إن احتامل الكذب ال دافع له مع اجلهل بمؤلفه‪،‬‬
‫وانفتاح باب اجلعل والفرية من املشمرين عن ساق اجلد للكذب عىل العرتة الطاهرة‪،‬‬
‫أفنسيت األخبار املجعولة يف أمر الوالية كيف قامت‪ ،‬وأن لكل واحد من األئمة‪َ ‬من‬
‫يدس عليه من الكذابني؟ ومن هذا ظهر فساد توهم الصدق يف نسبة الكتاب من جهة‬
‫موافقة تارخيه لزمان الرضا‪.‬‬

‫وثاني ًا‪ :‬لنفرض أن الكتاب ليس من جمعوالت الوضاعني‪ ،‬فهل يصح أن نتمسك‬
‫بقوله‪ :‬نحن معارش أهل البيت‪ ،‬أو جدنا أمري املؤمنني لتصحيح كون الكتاب لإلمام‪،‬‬

‫((( مصباح الفقاهة‪.32/١ :‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪42‬‬

‫ال علوي ًا بمكان من اإلمكان) (((‪.‬‬


‫أليس احتامل كون مؤلفه رج ً‬

‫ثامن ًا‪َ :‬من قال بأن عيل بن بابويه نقل عن الفقه الرضوي؟ وملاذا ال نقول العكس‪،‬‬
‫أي أن مصنف الفقه الرضوي قد نقل عن رسالة الرشائع؟ وإن قلت بأن ذلك ترجيح‬
‫مرجح‪ ،‬قلت‪ :‬املرجح موجود‪ ،‬إذ االحتامل األول يساوي نسبة الرسقة إىل عيل بن‬
‫بال ّ‬
‫بابويه‪ ،‬وهو واضح البطالن؛ إذ لو كان ينقل عن فقه اإلمام كان عليه أن يقول بأن‬
‫هذا كالم اإلمام الرضا‪ ،‬وإال لصار رسقة‪.‬‬

‫قال السيد اخلوئي‪( :‬أن هذا ال يوجب اعتبار الكتاب‪ ،‬الحتامل أخذ مؤلفه ذلك‬
‫من الرسالة املذكورة‪ ،‬بل هذا هو الظاهر‪ ،‬إذ من املستبعد جد ًا بل من املستحيل عادة‬
‫أن يسند عيل بن بابويه كتاب الرضا‪ ‬إىل نفسه من دون أن يشري هو أو ابنه الصدوق‪،‬‬
‫الذي كتب ألجله هذه الرسالة‪ ،‬إىل أن هذا الكتاب من تأليف الرضا‪ .‬وهل يرىض‬
‫أحد أن ينسب مثل هذه الرسقة إىل الصدوقني‪ ،‬فال بد وأن يكون األمر بالعكس‪ ،‬بأن‬
‫يكون هذا الكتاب مأخوذ ًا من رسالة عيل بن بابويه) (((‪.‬‬

‫وتاسع ًا‪ :‬يشتمل الكتاب عىل بعض الفتاوى املخالفة ملذهبنا‪ ،‬فقد ورد يف باب‬
‫التخيل والوضوء‪( :‬وإن غسلت قدميك ونسيت املسح عليهام فإن ذلك جيزيك‪ ،‬ألنك‬
‫قد أتيت بأكثر ما عليك وقد ذكر اهلل اجلميع يف القرآن‪ :‬املسح والغسل‪ ،‬قوله تعاىل‪﴿ :‬‬
‫وأرجلكم إىل الكعبني﴾ أراد به الغسل بنصب الالم‪ ،‬وقوله‪﴿ :‬وأرجلكم﴾ بكرس الالم‬

‫((( مصباح الفقاهة‪.٣4/١ :‬‬


‫((( مصباح الفقاهة‪.36/١ :‬‬
‫‪43‬‬ ‫الفقه املن�سوب �إىل الإمام الر�ضا‪‬‬

‫أراد به املسح‪ ،‬وكالمها جائزان‪ :‬الغسل واملسح)(((‪.‬‬

‫وورد يف باب اللباس وما يكره فيه الصالة يف حكم جلد امليتة قوله‪( :‬إن دباغته‬
‫طهارته)(((‪.‬‬

‫وورد قوله‪( :‬قد جيوز الصالة فيام مل تنبته األرض ومل حيل أكله؛ مثل السنجاب‬
‫والفنك والسمور واحلواصل)(((‪.‬‬

‫وورد يف حتديد الكر قوله‪( :‬والعالمة يف ذلك أن تأخذ احلجر فرتمي به يف وسطه‪،‬‬
‫فإن بلغت أمواجه من احلجر جنبي الغدير فهو دون الكر وإن مل يبلغ فهو كر)(((‪.‬‬

‫الرقية ليستا من‬


‫وورد هنيه عن قراءة املعوذتني يف الفريضة ألنه روي أهنام من ُّ‬
‫القرآن(((‪.‬‬

‫ِ‬
‫(وانو عند افتتاح الصالة ذكر اهلل وذكر رسول‬ ‫وورد يف بيان افتتاح الصالة قوله‪:‬‬
‫اهلل‪ ‬واجعل واحد ًا من األئمة نصب عينيك)(((‪.‬‬

‫واحلاصل‪ :‬إن القول األول ال يمكن أن ُيصار إليه‪.‬‬

‫((( فقه الرضا‪.٧٩ :‬‬


‫((( فقه الرضا‪.302 :‬‬
‫((( فقه الرضا‪.302 :‬‬
‫((( فقه الرضا‪.91 :‬‬
‫((( فقه الرضا‪.113 :‬‬
‫((( فقه الرضا‪.105 :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪44‬‬

‫القول الثاين‪ :‬امل�ؤلف هو ال�شلمغاين‬


‫أول َمن تن ّبه إىل ذلك السيد حسن الصدر‪ ‬يف رسالته فصل القضا يف الكشف‬
‫عن حال فقه الرضا‪ .‬وقد تبعه يف ذلك بعض األعالم‪.‬‬

‫قال املحقق الشيخ آغا بزرگ الطهراين‪ ‬يف الذريعة‪ :‬فصل القضا يف الكشف‬
‫عن حال فقه الرضا‪ ‬لسيدنا أيب حممد احلسن آل صدر الدين العاميل الكاظمي (م‬
‫‪١٣٥٤‬هـ)‪ .‬بنى فيه عىل أنه عني كتاب التكليف للشلمغاين(((‪.‬‬

‫وقال السيد حسن الصدر‪ ‬يف ديباجة رسالته (فصل القضا) ما نصه‪( :‬فاعلم‬
‫أنه الكتاب املعروف عند املتقدمني بكتاب التكليف ملحمد بن عيل الشلمغاين املعروف‬
‫بـ(ابن أيب عزاقر)‪ ،‬صنعه يف أيام استقامته وكانت الطائفة تعمل به وترويه عنه‪ ،‬وممن‬
‫رواه عنه وأخذه منه شيخ القميني عيل بن موسى بن بابويه‪ ،‬وجعله األصل لرسالة‬
‫الرشائع التي كتبها البنه الصدوق‪ ،‬والصدوق يرويه عن أبيه عنه‪ ،‬والشيخ املفيد يرويه‬
‫عن الشيخ الصدوق عن أبيه عنه‪ ،‬والشيخ الطويس يرويه عن مشاخيه األربع عن‬
‫الصدوق عن أبيه عنه‪ ،‬وملا محله احلسد أليب القاسم احلسني بن روح خرج عن املذهب‪،‬‬
‫ثم غال وظهرت منه مقاالت منكرة‪ ،‬فتربأت الشيع ُة منه وخرجت فيه التوقيعات من‬
‫الناحية املقدسة‪ ،‬بعد أن كان مستقيم الطريقة متقدم ًا يف أصحابنا)(((‪.‬‬

‫وقد وافقه يف الرأي عىل ذلك سيدنا األُستاذ‪ ،‬حيث قال‪( :‬وباجلملة‪ :‬احتامل‬
‫كون الكتاب املذكور ألمحد بن حممد بن عيسى مما ينبغي القطع بخالفه‪ ،‬بل هو كتاب‬

‫((( الذريعة‪.٢٣٤/١٦ :‬‬


‫((( فصل القضاء يف الكشف عن حال فقه الرضا‪.٨٧ :‬‬
‫‪45‬‬ ‫الفقه املن�سوب �إىل الإمام الر�ضا‪‬‬

‫مر)(((‪.‬‬
‫التكليف للشلمغاين كام ّ‬

‫ثم إنه قد وردت ترمجة الشلمغاين يف فهرست الشيخ‪ .‬قال الشيخ‪( :‬حممد بن عيل‬
‫الشلمغاين‪ ،‬يكنى أبا جعفر‪ ،‬ويعرف بـ(ابن أيب العزاقر)‪ ،‬له كتب ورواي��ات‪ ،‬وكان‬
‫مستقيم الطريقة‪ ،‬ثم تغري وظهرت منه مقاالت منكرة‪ ،‬إىل أن أخذه السلطان‪ ،‬فقتله‬
‫وصلبه ببغداد‪ .‬وله من الكتب التي عملها يف حال االستقامة كتاب (التكليف)‪ ،‬أخربنا‬
‫به مجاعة‪ ،‬عن أيب جعفر ابن بابويه‪ ،‬عن أبيه عنه‪ ،‬إال حديث ًا واحد ًا منه يف باب الشهادات‪،‬‬
‫أنه جيوز للرجل أن يشهد ألخيه إذا كان له شاهد واحد من غريه)(((‪.‬‬

‫وقال عنه النجايش‪( :‬حممد بن عيل الشلمغاين أبو جعفر املعروف بابن أيب العزاقر‪،‬‬
‫كان متقدم ًا يف أصحابنا‪ ،‬فحمله احلسد أليب القاسم احلسني بن روح عىل ترك املذهب‬
‫والدخول يف املذاهب الرديئة‪ ،‬حتى خرجت فيه توقيعات‪ ،‬فأخذه السلطان وقتله‬
‫وصلبه‪ .‬وله كتب‪ ،‬منها‪ :‬كتاب التكليف)(((‪.‬‬

‫ثم إنه يظهر من الشيخ يف كتاب ال َغيبة أن كتاب التكليف للشلمغاين قد كُتب حتت‬
‫إرشاف السفري أيب القاسم احلسني بن روح‪ .‬قال‪( :‬وأخربين أبو حممد املحمدي ريض‬
‫اهلل عنه‪ ،‬عن أيب احلسني حممد بن الفضل بن متام‪ ‬قال‪ :‬سمعت أبا جعفر بن حممد بن‬
‫أمحد الزكوزكي‪- ‬وقد ذكرنا كتاب التكليف‪ ،‬وكان عندنا أنه ال يكون إال مع ٍ‬
‫غال‪،‬‬
‫وذلك أنه أول ما كتبنا احلديث‪ -‬فسمعناه يقول‪ :‬وأيش كان البن أيب العزاقر يف كتاب‬

‫((( قبسات من علم الرجال‪.١٨٧/٢ :‬‬


‫((( الفهرست‪.٢٢٤ :‬‬
‫((( رجال النجايش‪.٣٧٨ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪46‬‬

‫التكليف؟! إنام كان يصلح الباب ويدخله إىل الشيخ أيب القاسم احلسني بن روح ريض‬
‫اهلل عنه‪ ،‬فيعرضه عليه وحيكمه فإذا صح الباب خرج فنقله وأمرنا بنسخه‪ ،‬يعني أن‬
‫الذي أمرهم به احلسني بن روح ريض اهلل عنه)(((‪.‬‬

‫يظهر من هذه الرواية أن كتاب التكليف قد كُتب حتت إرشاف احلسني بن روح‬
‫وأنه قام بتصحيحه‪ .‬ولكن احتمل سيدنا األُستاذ‪ ‬أن هذه الرواية فيها يشء من‬
‫املبالغة وأن كتاب التكليف مل يكن حتت إرشافه(((‪.‬‬

‫وروى الشيخ أيض ًا يف الغيبة‪( :‬وأخربين احلسني بن عبيد اهلل‪ ،‬عن أيب احلسن حممد‬
‫بن أمحد بن داوود القمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني سالمة بن حممد قال‪ :‬أنفذ الشيخ احلسني بن‬
‫روح ريض اهلل عنه كتاب التأديب إىل قم‪ ،‬وكتب إىل مجاعة الفقهاء هبا وقال هلم‪ :‬أنظروا‬
‫يف هذا الكتاب وانظروا فيه يشء خيالفكم؟ فكتبوا إليه‪ :‬إنه كله صحيح‪ ،‬وما فيه يشء‬
‫خيالف إال قوله‪ :‬يف الصاع يف الفطرة نصف صاع من طعام‪ ،‬والطعام عندنا مثل الشعري‬
‫من كل واحد صاع)(((‪.‬‬

‫وذهب سيدنا األُستاذ إىل كون كلمة (التأديب) فيها تصحيف‪ ،‬والصحيح هو‬
‫(التكليف)‪ .‬قال‪( :‬ولفظ (التأديب) يف هذه الرواية حمرف (التكليف)‪ .‬والقرينة عليه‬
‫أن املورد الذي استثناه فقهاء قم موجود بعينه يف هذا الكتاب‪ ،‬فلرياجع)(((‪.‬‬

‫((( الغيبة‪.٤١٠ :‬‬


‫((( قبسات من علم الرجال‪.١٨٣/٢ :‬‬
‫((( الغيبة‪.٤١١ :‬‬
‫((( قبسات من علم الرجال‪.١٨٣/٢ :‬‬
‫‪47‬‬ ‫الفقه املن�سوب �إىل الإمام الر�ضا‪‬‬

‫وروى الشيخ أيض ًا‪( :‬ملا عمل حممد بن عيل الشلمغاين كتاب التكليف‪ ،‬قال الشيخ‬
‫يعني أبا القاسم ريض اهلل عنه‪ :‬اطلبوه إ ّيل ألنظره‪ ،‬فجاؤوا به فقرأه من أوله إىل آخره‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ما فيه يشء إال وقد روي عن األئمة‪ ،‬إال موضعني أو ثالثة‪ ،‬فإنه كذب عليهم يف‬
‫روايتها لعنه اهلل)(((‪.‬‬

‫وروى أيض ًا‪( :‬وأخربين مجاعة‪ ،‬عن أيب احلسن حممد بن أمحد بن داوود وأيب عبد‬
‫اهلل احلسني بن عيل بن احلسني بن موسى بن بابويه أهنام قاال‪ :‬مما أخطأ حممد بن عيل يف‬
‫املذهب يف باب الشهادة‪ ،‬أنه روى عن العامل‪ ‬أنه قال‪ :‬إذا كان ألخيك املؤمن عىل‬
‫رجل حق فدفعه عنه‪ ،‬ومل يكن له من البينة عليه إال شاهد واحد‪ ،‬وكان الشاهد ثقة‬
‫رجعت إىل الشاهد فسألته عن شهادته‪ ،‬فإذا أقامها عندك شهدت معه عند احلاكم عىل‬
‫مثل ما يشهده عنده لئال يتوى حق امرئ مسلم)‪ .‬ثم قال الشيخ‪( :‬واللفظ البن بابويه‪،‬‬
‫وقال‪ :‬هذا كذب منه‪ ،‬ولسنا نعرف ذلك‪ .‬وقال يف موضع آخر‪ :‬كذب فيه)(((‪.‬‬

‫�أدلة هذا القول‪:‬‬


‫إن مما يشهد الحتاد كتاب الفقه الرضوي مع كتاب التكليف أن هذه الرواية‪ ،‬أي‬
‫(إذا كان ألخيك املؤمن عىل رجل حق فدفعه عنه ومل يكن له من البينة عليه إال شاهد‬
‫واحد‪ ،‬وكان الشاهد ثقة رجعت إىل الشاهد فسألته عن شهادته‪ ،‬فإذا أقامها عندك‬
‫شهدت معه عند احلاكم عىل مثل ما يشهده عنده لئال يتوى حق امرئ مسلم)‪ ،‬موجودة‬

‫((( الغيبة‪.٤٣٠ :‬‬


‫((( الغيبة‪.٤٣٠ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪48‬‬

‫أيض ًا يف الفقه الرضوي(((‪ ،‬وهذا يشهد باحتاد الكتابني‪.‬‬

‫َو ِم اَّـم يشهد له أيض ًا قوله يف الفقه الرضوي(((‪( :‬وروي‪ :‬الفطرة نصف صاع من‬

‫ُب ّـر‪ ،‬وسائره صاع ًا صاع ًا)‪ ،‬وهذا مما أشكل عليه القميون عىل كتاب (التأديب)‪ ،‬وقد ّ‬
‫مر‬
‫بأنه حمرف‪ ،‬والصحيح هو (التكليف)‪.‬‬

‫إذن هاتان قرينتان عىل احتاد كتاب الفقه الرضوي مع كتاب التكليف للشلمغاين‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد يرد عىل هذا القول‪ :‬بأنه ماذا نصنع بالعبارات الواردة يف الكتاب التي‬
‫تشري إىل كون املؤلف هو اإلمام‪ ،‬كقوله‪« :‬نحن معارش أهل البيت» مثالً؟‬

‫القول الثالث‪ :‬امل�ؤلف هو �أحمد بن حممد بن عي�سى الأ�شعري القمي‬


‫تبنى هذا الرأي املريزا النائيني‪ ‬يف رسالة الصالة يف املشكوك‪ ،‬قائالً‪( :‬الذي‬
‫أظنه قوي ًا أن أمحد بن حممد بن عيسى هو مؤلف هذا الكتاب الرشيف املوسوم بـ(الفقه‬
‫الرضوي)‪ ،‬ويشتمل عىل ما يف نوادره‪.‬‬

‫وال خيفى أن مجلة ما يتضمنه هذا الكتاب بني طوائف ثالث‪ ،‬األوىل‪ :‬ما يظهر‬
‫أن َمن نطق به يرى نفسه أنه اإلمام‪ ‬وابن األئمة‪ ،‬واملظنون قوي ًا أنه من‬
‫من سياقه ّ‬
‫إمالء الرضا‪ ‬وكتبه املؤلف املذكور‪ .‬الثانية‪ :‬روايات عن آبائه الطاهرين‪ ‬مجعها‬
‫طي هذا الكتاب ويف‬
‫‪-‬أي أمحد بن حممد بن عيسى‪ -‬عن الرواة عنهم‪ ،‬وأدرجها يف ّ‬
‫نوادره‪ .‬الثالثة‪ :‬ما اشتبه حاله‪ ،‬ويظن أن مجلة منه من اجتهادات املؤلف يف اجلمع بني‬

‫((( الفقه الرضوي‪.٣٠٨ :‬‬


‫((( الفقه الرضوي‪.210 :‬‬
‫‪49‬‬ ‫الفقه املن�سوب �إىل الإمام الر�ضا‪‬‬

‫ما تعارضت ظواهرها ونحو ذلك‪ .‬وال يبعد أن يكون اشتامل هذا املؤ َّلف اجلليل عىل‬
‫الطائفة األخرية‪ ،‬وعدم مت ّيزها عن األوىل هو الذي أوجب عدم اشتهار الكتاب بني‬
‫األصحاب)(((‪.‬‬

‫ويرد عىل هذا القول‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬إن النجايش والشيخ مل يذكرا هذا الكتاب من ضمن مؤلفات أمحد بن حممد‬
‫بن عيسى‪ .‬إن ابن عيسى كان شيخ القميني وفقيههم ومن ّ‬
‫أجل وأشهر الرواة‪ ،‬فلو كان‬
‫له مثل هذا الكتاب الشتهر وذاع‪.‬‬

‫إن قلت‪ :‬إن الظاهر من عبارة الشيخ والنجايش عدم احلرص‪ ،‬وإنام ذكرا بعض‬
‫كتب أمحد بن حممد بن عيسى‪ ،‬ولعله كتب هذا الكتاب ومل يذكراه‪.‬‬

‫قلت‪ :‬إن مثل األشعري القمي لو كان له مثل هذا الكتاب الشتهر وذاع جزم ًا؛‬
‫فعدم ذكره كاشف عن عدم انتسابه إليه‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬إنه‪ ‬وإن عارص اإلمام الرضا‪ ،‬إال أنه مل يثبت يف الكتب املعتربة أنه قد‬
‫روى عنه‪ .‬قال السيد اخلوئي‪( :‬أمحد بن حممد بن عيسى من أصحاب اجلواد‪‬‬
‫واهلادي‪ ،‬وإن لقي الرضا‪ ‬أيض ًا‪ ،‬عىل ما ذكره النجايش والشيخ‪ ،‬ولكن مل تثبت‬
‫روايته عنه‪.((()‬‬

‫وقال سيدنا األُستاذ‪( :‬مع أنه وإن لقي الرضا‪ ،‬إال أنه مل ترد له وال رواية‬

‫((( رسالة الصالة يف املشكوك للمريزا النائيني‪ ،١٠٨-١٠٥ :‬ط مؤسسة آل البيت‪ ‬إلحياء الرتاث‪.‬‬
‫((( معجم رجال احلديث‪.٨٦/٣ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪50‬‬

‫واحدة عنه‪ ،‬فكيف حيتمل أن اإلمام‪ ‬أمىل عليه الفقه من أوله إىل آخره وهو أدرجه‬
‫يف هذا الكتاب؟!!)(((‪.‬‬

‫وثالث ًا‪ :‬ما أشكله الشيخ املنتظري‪ ،‬قائالً‪( :‬نعم يرد عىل هذا القول أيض ًا ما ورد‬
‫عىل القول السابق من وجود عبارات يف الكتاب تدل عىل كون املؤلف من أهل بيت‬
‫النبوة‪ ،‬كقوله‪« :‬هي الليلة التي رضب فيها جدنا أمري املؤمنني‪ ،»‬وقوله‪« :‬نحن معارش‬
‫أهل البيت» )(((‪.‬‬

‫القول الرابع‪ :‬امل�ؤلف هو علي بن بابويه والد ال�صدوق‬


‫يعتقد البعض أنه قد حصل التباس يف أمر الكتاب‪ ،‬فإنه يف الواقع لعيل بن احلسني‬
‫بن موسى بن بابويه أي والد الصدوق‪ ،‬وهو عني كتابه (الرشائع) الذي كان رسالة البنه‬
‫الصدوق‪ ،‬ولكن لتشابه اسمه مع اسم اإلمام عيل بن موسى الرضا‪ ‬صار البعض‬
‫يعتقد أن الكتاب منسوب لإلمام‪ .‬وممن كان يرى هذا الرأي املريزا عبد اهلل أفندي‬
‫واملريزا حممد بن احلسن الشريواين(((‪.‬‬

‫قال املريزا األفندي يف رياض العلامء عىل ما ُحكي عنه‪( :‬وأما الفقه الرضوي‪ ،‬فقد‬
‫مر يف ترمجة السيد أمري حسني‪ ،‬احلق أنه بعينه كتاب (الرسالة) املعروفة لعيل بن موسى‬
‫بن بابويه القمي إىل ولده الصدوق حممد بن عيل‪ ،‬وأن االشتباه قد نشأ من اشرتاك اسم‬

‫((( قبسات من علم الرجال‪.١٨٧/٢ :‬‬


‫((( دراسات يف املكاسب املحرمة‪.١٣١/١ :‬‬
‫((( كشف ابن الرضا عن فقه الرضا‪ ،٢٧ :‬للشيخ عيل كاشف الغطاء‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫الفقه املن�سوب �إىل الإمام الر�ضا‪‬‬

‫الرضا‪ ‬معه يف كوهنام أبا احلسن عيل موسى‪ ،‬فتأمل)(((‪.‬‬

‫ثم إن الصدوق قد جعل رسالة (الرشائع) من مصادر كتابه َمن ال حيضرَ ُ ُه الفقيه‪.‬‬
‫قال يف الديباجة‪( :‬ومجيع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة‪ ،‬عليها املعول وإليها‬
‫املرجع‪ ،‬مثل كتاب حريز بن عبد اهلل السجستاين‪ ...‬إىل أن قال‪ :‬ورسالة أيب ريض اهلل‬
‫عنه إ ّيل وغريها من األُصول واملصنفات)(((‪.‬‬

‫وأحسن ما يمكن أن يستدل به هلذا القول هو‪ :‬أن عبارات الصدوق املنقولة عن‬
‫والده كثري ًا ما تتطابق مع ما ورد يف هذا الكتاب‪ ،‬فهو يكشف عن كون الكتاب له‪ ،‬أي‬
‫لعيل بن بابويه‪.‬‬

‫وفيه‪ :‬كام حيتمل ذلك حيتمل أيض ًا أن مؤلف كتاب (الفقه الرضوي) قد أخذ من‬
‫رسالة ابن بابويه وليس العكس‪ ،‬أو كالمها أخذا من كتاب ثالث‪ ،‬وال مرجح لالحتامل‬
‫األول عىل االحتاملني اآلخرين‪.‬‬

‫القول اخلام�س‪ :‬امل�ؤلف جمهول‬


‫اختاره رصحي ًا احلر العاميل‪ ‬يف أمل اآلمل‪ .‬قال‪( :‬وعندنا أيض ًا كتب ال نعرف‬
‫مؤلفيها منها‪ :‬كتاب إلزام النواصب بإمامة عيل بن أيب طالب‪ ،‬الفقه الرضوي ال يعرف‬
‫جامعه وراويه)(((‪.‬‬

‫((( خامتة املستدرك‪.٢٣٦/١ :‬‬


‫((( َمن ال حي ُضرَ ُه الفقيه‪.٤/١ :‬‬
‫((( أمل اآلمل‪.٣٦٤/٢ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪52‬‬

‫القول ال�ساد�س‪ :‬امل�ؤلف هو بع�ض �أ�صحاب الإمام الر�ضا‪‬‬


‫اختاره صاحب الفصول‪ ،‬قائ ً‬
‫ال يف املحكي عنه‪( :‬وال يبعد أن يكون الكتاب‬
‫املذكور من تصانيف بعض أصحاب الرضا‪ ،‬وقد أكثر فيه من نقل األخبار التي‬
‫سمعها منه‪ ‬بواسطة وبدوهنا‪ ،‬كام يستفاد من قوله‪ :‬روي عن العامل وأروي عن العامل‪،‬‬
‫بنا ًء عىل أن يكون املراد بالعامل هو الرضا‪ .‬ويصح نسبة الكتاب إليه‪ ‬نظر ًا إىل أن‬
‫الغالب حكاية كالمه‪ ،‬إذ ال يلزم يف النسبة أن يكون أصل النسخة بخطه‪.((()‬‬

‫أقول‪ :‬ما دمنا ال نعرف َمن هو الذي صنّف الكتاب فال يمكن القول باعتباره؛ إذ‬
‫لربام مل يكن ثقة‪ ،‬وحيتمل أيض ًا اإلرسال يف نقله كام احتمل ذلك صاحب الفصول‪،‬‬
‫مما يزيد يف اإلشكال عىل الكتاب‪.‬‬

‫القول ال�سابع‪� :‬إنه تلفيق بني �إمالء الإمام‪ ‬ونوادر �أحمد بن حممد بن‬
‫عي�سى‬
‫تبنى هذا القول املحدث النوري‪ ،‬حيث قال‪( :‬والذي أعتقده أن إمالء بعض‬
‫الكتاب منه‪ ،‬والباقي ألمحد بن حممد بن عيسى األشعري‪ ،‬وهو داخل يف نوادره)(((‪.‬‬

‫وفيه‪ :‬قد عرفت اإلشكال يف كون الكتاب لإلمام‪ ‬أو ألمحد بن حممد بن‬
‫عيسى‪ ،‬وهذا القول هو تلفيق بني القولني وقد اتضح ما فيه‪.‬‬

‫ور ّد عليه السيد اخلوئي‪ ‬قائالً‪( :‬وااللتزام بالتفصيل بأن بعض الكتاب إمالء‬

‫((( ً‬
‫نقال عن مقدمة فقه الرضا‪.١٧ :‬‬
‫((( خامتة املستدرك‪.٢٣٨/١ :‬‬
‫‪53‬‬ ‫الفقه املن�سوب �إىل الإمام الر�ضا‪‬‬

‫منه‪ ‬وبعضه اآلخر ألمحد بن حممد بن عيسى األشعري‪ ،‬وأن موارد التقية يف الكتاب‬
‫إنام هي فيام سمع منه‪ ،‬تكلف يف تكلف‪ ،‬وقول بال علم)(((‪.‬‬

‫القول الثامن‪� :‬إنه مو�ضوع على الإمام‪‬‬


‫احتمل ذلك صاحب الفصول‪ .‬قال فيام حكي عنه‪( :‬مع احتامل أن يكون‬
‫موضوع ًا‪ ،‬وال يقدح فيه موافقة أكثر أحكامه للمذهب‪ ،‬إذ قد يتعلق قصد الواضع‬
‫بدس القليل‪ ،‬بل هذا أقرب إىل حصول مطلوبه؛ لكونه أقرب إىل القبول)(((‪.‬‬

‫هذه هي أهم األقوال التي تسنى لنا العثور عليها حول مؤلف (الفقه الرضوي)‪.‬‬

‫خال�صة وا�ستنتاج‬
‫بعد هذا العرض يمكن أن نخرج بالنتائج التالية‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬إن الكتاب ليس تأليف ًا لإلمام‪‬؛ إذ لو كان له كتاب يف الفقه الشتهر عنه‬
‫وذاع‪ ،‬ولذكره القدماء من األصحاب‪ ،‬ولنقلوا عنه‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬إنه ال دليل عىل كونه من إمالء اإلمام‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬وكذلك ال دليل عىل كونه ألمحد بن حممد بن عيسى؛ إذ لو كان له مثل هذا‬
‫الكتاب ألشار إليه الرجاليون كالنجايش والشيخ‪.‬‬

‫ورابع ًا‪ :‬وأما احتامل نسبته إىل الشلمغاين فلها مؤيدات‪ ،‬ولكن يوجد يف نفس‬

‫((( مصباح الفقاهة‪.٣٨/١ :‬‬


‫((( ً‬
‫نقال عن مقدمة فقه الرضا‪.١٧ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪54‬‬

‫الوقت ما يبعده كام عرفت‪ .‬وعني هذا الكالم يرد عىل احتامل نسبته إىل عيل بن بابويه‪.‬‬

‫وكيف كان‪ ،‬فال يمكن االعتامد عىل هذا الكتاب عىل أساس أنه تأليف اإلمام أو‬
‫أنه كتاب روائي‪ ،‬بل الظاهر أنه كتاب فتوى‪ ،‬مع عدم إمكان تشخيص مؤلفه بشكل‬
‫قطعي‪.‬‬

‫قال السيد اخلوئي‪ ‬ونعم ما قال‪( :‬فإن يف الكتاب قرائن قطعية تدل عىل عدم‬
‫كونه ملثل موالنا الرضا‪ ،‬بل هو رسالة عملية ذكرت فيها الفتاوى والروايات بعنوان‬
‫اإلفتاء‪ ،‬كام يظهر ملن يالحظه‪ ،‬كيف وأكثر رواياته إما بعنوان روي وراوي ونحومها‪،‬‬
‫وإما نقل عن الرواة‪ ،‬خصوص ًا يف آخر الكتاب‪ ،‬فإنه ينقل فيه كثري ًا عن ابن أيب عمري‬
‫وزرارة واحللبي وصفوان وحممد بن مسلم ومنصور وغريهم‪ .‬عىل أن فيه عبارات‬
‫يقبح صدورها عن اإلمام‪ ،‬نظري قوله‪ :‬جعلني اهلل من السوء فداك‪ ،‬وقوله يف باب‬
‫القدر‪ :‬صف يل منزلتني‪ ،‬فإن هذا القول ظاهر يف جهل القائل‪ ،‬وهو مستحيل يف حق‬
‫اإلمام‪.((()‬‬

‫وقال‪( :‬إذن فحق القول‪ :‬إنه لو أنيطت األحكام الرشعية بمثل هذه املدارك‪ ،‬فبني‬
‫أيدينا البخاري ومسند أمحد وصحيح مسلم‪ ،‬وعىل هذا فعىل الفقه السالم)(((‪.‬‬

‫***‬

‫((( مصباح الفقاهة‪.٣٧/١ :‬‬


‫((( مصباح الفقاهة‪.٣٨/١ :‬‬
‫‪55‬‬ ‫م�سائل علي بن جعفر‬

‫م�سائل علي بن جعفر‬


‫إن عيل بن جعفر‪ ‬هو ابن اإلمام الصادق وأخو اإلمام الكاظم‪ ،‬وهو صاحب‬
‫كتاب (مسائل عيل بن جعفر)‪ ،‬والكتاب عبارة عن مسائل سأهلا عيل بن جعفر من أخيه‬
‫وأستاذه اإلمام موسى بن جعفر‪ .‬وال إشكال يف وثاقته‪ ،‬بل جاللة قدره‪ ،‬كام سيأيت‬
‫عن كتب الرجال‪.‬‬

‫نعم‪ ،‬يوجد رأي يقول بأن الكتاب عبارة عن مسائل سأهلا اإلمام موسى بن جعفر‬
‫من أبيه اإلمام الصادق‪ ،‬إال أن عيل بن جعفر قد روى تلك األسئلة مع أجوبتها‪ .‬لكن‬
‫الصحيح ما عرفت وما سيأيت من الشيخ آغا بزرگ الطهراين‪ ‬وغريه أن املسائل هي‬
‫ما سأهلا عيل بن جعفر من أخيه‪.‬‬

‫ثم إن لكتاب مسائل عيل بن جعفر نسختني‪ ،‬إحدامها مبوبة‪ ،‬وقد أوردها احلمريي‬
‫يف قرب اإلسناد عن عبد اهلل بن احلسن حفيد عيل بن جعفر‪ ،‬واألُخرى غري مبوبة قد‬
‫رواها الشيخ والصدوق والنجايش بأسانيد معتربة‪ .‬بل النجايش روى النسخة املبوبة‬
‫أيض ًا كام سيأيت‪.‬‬

‫قال الشيخ آغا بزرگ الطهراين‪ :‬مسائل عيل بن جعفر‪ ‬أيب احلسن العرييض من‬
‫نواحي املدينة املتوىف يف سنة (‪٢١٠‬هـ)‪ ،‬كام يف (الشذرات) و(مرآة اجلنان)‪ ،‬وتويف والده‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪56‬‬

‫يف سنة (‪١٤٨‬هـ)‪ ،‬يروهيا عن أخيه موسى بن جعفر‪ ‬وهي من األُصول املعتربة بني‬
‫الطائفة‪ ،‬بل استظهر الشيخ عبد اهلل السامهيجي يف إجازته الكبرية للشيخ نارص ما تفطن‬
‫به الشيخ املجاز ‪-‬يعني الشيخ نارص‪ -‬وهو أن املسائل تأليف اإلمام موسى الكاظم‪،‬‬
‫وعيل بن جعفر إنام رواها عن أخيه موسى‪ ،‬وذلك ألن السند ينتهى إىل عيل بن جعفر‬
‫وهو عن أخيه موسى بن جعفر‪ ،‬قال‪ :‬سألت أيب جعفر بن حممد‪ ...‬إلخ‪ ،‬وهذا القائل‬
‫هو موسى بن جعفر وهو يقول سألت أيب جعفر بن حممد يف الرواية األوىل وبعدها إىل‬
‫آخر الكتاب كلها سألته وسألته‪ ،‬وهو يقتيض أن يكون السائل يف اجلميع موسى بن‬
‫جعفر عن أبيه جعفر بن حممد‪ ،‬فيكون املسائل له يروهيا عنه أخوه عيل بن جعفر‪ .‬أقول‪:‬‬
‫لكن يف بعض مواضعه مثل مسألة رفع اليد بالتكبري ما لفظه‪ :‬قال عيل بن جعفر‪ ،‬قال‬
‫أخي‪« :‬عىل اإلمام أن يرفع يديه يف الصالة‪ ،‬وليس عىل غريه أن يرفع يديه يف التكبري»‪،‬‬
‫وقال‪ :‬قال أخي‪« :‬قال عيل بن احلسني‪ :‬وضع الرجل»‪ ،‬احلديث‪ .‬فيظهر أهنا روايات‬
‫لعيل بن جعفر عن أخيه الكاظم‪ ،‬وأخوه قد يذكر اجلواب عن نفسه وقد يذكر رواية‬
‫عن أبيه جعفر أو عن عيل بن احلسني‪ .‬أول مسائله السؤال عن رجل واقع امرأته قبل‬
‫طواف النساء متعمد ًا ما عليه؟ قال‪ :‬يطوف وعليه ُبدنة(((‪.‬‬

‫علي بن جعفر يف كتب القدماء‬


‫قال عنه النجايش‪ :‬عيل بن جعفر بن حممد بن عيل بن احلسني أبو احلسن‪ ،‬سكن‬
‫العريض من نواحي املدينة فنسب ولده إليها‪ .‬له كتاب يف احلالل واحلرام‪ ،‬يروي تارة‬

‫((( الذريعة‪.٣٦٠/٢٠ :‬‬


‫‪57‬‬ ‫م�سائل علي بن جعفر‬

‫غري مبوب وتارة مبوب ًا‪ .‬أخربنا القايض أبو عبد اهلل قال‪ :‬حدثنا أمحد بن حممد بن سعيد‬
‫قال‪ :‬حدثنا جعفر بن عبد اهلل املحمدي قال‪ :‬حدثنا عيل بن أسباط بن سامل قال‪ :‬حدثنا‬
‫عيل بن جعفر بن حممد قال‪ :‬سألت أبا احلسن موسى‪ ،‬وذكر املبوب‪ .‬وأخربنا أبو‬
‫عبد اهلل بن شاذان قال‪ :‬حدثنا أمحد بن حممد بن حييى قال‪ :‬حدثنا عبد اهلل بن جعفر قال‪:‬‬
‫حدثنا عبد اهلل بن احلسن بن عيل بن جعفر بن حممد قال‪ :‬حدثنا عيل بن جعفر‪ ،‬وذكر‬
‫غري املبوب(((‪.‬‬

‫هناك َمن يرى ضعف طريق النجايش إىل النسخة غري املبوبة؛ وذلك لوجود عبد‬
‫اهلل بن احلسن وهو غري موثق‪ ،‬وهو طريق احلمريي أيض ًا كام سيأيت‪ .‬إال أن الصحيح هو‬
‫إمكان االعتامد عليه وذلك لكثرة نقل احلمريي الثقة اجلليل عنه‪.‬‬

‫نعم‪ ،‬يوجد خالف أن هذه النسخة مل تكن مبوبة حق ًا أم ال! ادعى ذلك النجايش‬
‫ووافقه السيد اخلوئي‪ ،‬إال أن حمقق كتاب املسائل خالفهام يف ذلك كام سيأيت‪.‬‬

‫وذهب الشيخ آصف املحسني‪ ‬إىل ضعف طريق النجايش الثاين أيض ًا؛ وذلك‬
‫لعدم ثبوت وثاقة القايض أيب عبد اهلل بن شاذان(((‪ ،‬مع أنه من مشايخ النجايش‪ ،‬إال أن‬
‫املبنى غري مقبول عنده‪ ‬خالف ًا للمختار‪.‬‬

‫وقال النجايش أيض ًا يف ترمجة إسامعيل بن حممد بن إسحاق بن جعفر بن حممد بن‬
‫عيل بن احلسني‪ :‬ثقة‪ ،‬روى عن جده إسحاق بن جعفر وعن عم أبيه عيل بن جعفر‬

‫((( رجال النجايش‪.٢٥٢ -٢٥١ :‬‬


‫((( بحوث يف علم الرجال‪.٤١٩ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪58‬‬

‫صاحب املسائل(((‪.‬‬

‫واملقصود من الكتاب يف احلالل واحلرام الوارد يف ترمجة عيل بن جعفر هو نفس‬


‫كتاب املسائل الوارد يف ترمجة إسامعيل وال توجد مغايرة بينهام‪ ،‬فال تغفل‪.‬‬

‫وقال الشيخ يف الفهرست‪ :‬عيل بن جعفر‪ ،‬أخو موسى بن جعفر بن حممد بن عيل‬
‫بن احلسني بن عيل بن أيب طالب‪ ،‬جليل القدر‪ ،‬ثقة‪.‬‬

‫وله كتاب (املناسك)‪ ،‬ومسائل ألخيه موسى الكاظم بن جعفر‪ ‬سأله عنها‪،‬‬
‫أخربنا بذلك مجاعة‪ ،‬عن حممد بن عيل بن احلسني‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن حممد بن حييى‪ ،‬عن‬
‫العمركي اخلراساين البوفكي‪ ،‬عن عيل بن جعفر‪ ،‬عن أخيه موسى الكاظم‪ .‬ورواه‬
‫أبو جعفر حممد بن عيل بن احلسني بن بابويه‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد واحلمريي وأمحد بن‬
‫إدريس وعيل بن موسى‪ ،‬عن أمحد بن حممد‪ ،‬عن موسى بن القاسم البجيل‪ ،‬عنه(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬ال يوجد لعيل بن جعفر كتاب مستقل حتت عنوان (املناسك)‪ ،‬وإنام له كتاب‬
‫واحد وهو كتاب املسائل‪ ،‬وأما املناسك فهو جزء من كتاب املسائل‪.‬‬

‫وعدّ ه الشيخ يف رجاله يف أصحاب أبيه الصادق‪ ‬قائالً‪ :‬عيل بن جعفر بن حممد‬
‫بن عيل بن احلسني بن عيل بن أيب طالب‪ ،‬املدين(((‪.‬‬

‫وعدّ ه أيض ًا يف أصحاب الكاظم‪ ‬قائالً‪ :‬عيل بن جعفر‪ ،‬أخوه‪ ،‬له كتاب ما‬

‫((( رجال النجايش‪.٢٩ :‬‬


‫((( الفهرست‪.١٥١ :‬‬
‫((( رجال الشيخ‪.٢٤٤ :‬‬
‫‪59‬‬ ‫م�سائل علي بن جعفر‬

‫سأله عنه‪ ،‬وروى عن أبيه‪.(((‬‬

‫وعدّ ه أيض ًا يف أصحاب الرضا‪ ‬قائالً‪ :‬عيل بن جعفر بن حممد‪ ،‬له كتاب‪،‬‬
‫ثقة(((‪.‬‬

‫بل ستعرف أن عيل بن جعفر قد لقي اجلواد واهلادي‪ ‬أيض ًا‪ ،‬وعىل هذا فقد عارص‬
‫مخسة من األئمة املعصومني‪.‬‬

‫وقال عنه ابن شهرآشوب‪ :‬عيل بن جعفر الصادق‪ ،‬له كتاب مسائل(((‪.‬‬

‫وقال عنه الشيخ املفيد‪ :‬وكان عيل بن جعفر ريض اهلل عنه راوية للحديث‪،‬‬
‫سديد الطريق‪ ،‬شديد ال��ورع‪ ،‬كثري الفضل‪ ،‬ولزم أخاه موسى‪ ‬وروى عنه شيئ ًا‬
‫كثري ًا(((‪.‬‬

‫وهناك روايات تدل عىل ورعه وتسليمه الكامل ألمر اهلل وإذعانه إلمامة حفيد‬
‫أخيه اإلمام اجلواد‪ ،‬واإلمام طفل صغري وعيل بن جعفر شيخ كبري‪.‬‬

‫قال الكيش‪ :‬عيل بن جعفر بن حممد بن عيل بن احلسني بن عيل بن أيب طالب‪:‬‬
‫محدويه بن نصري‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا احلسن بن موسى اخلشاب‪ ،‬عن عيل بن أسباط وغريه‪،‬‬
‫عن عيل بن جعفر بن حممد‪ ،‬قال‪ :‬قال يل رجل ‪-‬أحسبه من الواقفة‪ :-‬ما فعل أخوك‬
‫أبو احلسن؟ قلت‪ :‬قد مات‪ ،‬قال‪ :‬وما يدريك بذلك؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬اقتُسمت أموا ُله‬

‫((( رجال الشيخ‪.٣٣٩ :‬‬


‫((( رجال الشيخ‪.٣٥٩ :‬‬
‫((( معامل العلامء‪.١٠٦ :‬‬
‫((( اإلرشاد‪.٢١٤/٢ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪60‬‬

‫الناطق من بعده‪ ،‬قال‪ :‬و َمن الناطق ِمن بعده؟ قلت‪ :‬ابنه عيل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫و ُأنكحت نساؤه ونطق‬
‫قال‪ :‬فام فعل؟ قلت له‪ :‬مات‪ ،‬قال‪ :‬ما يدريك أنه مات؟ قلت‪ُ :‬ق ّسمت أموا ُله ونُكحت‬
‫الناطق من بعده‪ ،‬قال‪ :‬و َمن الناطق ِمن بعده؟ قلت‪ :‬أبو جعفر ابنه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ُ‬ ‫نساؤه ونطق‬
‫فقال يل‪ :‬أنت يف ِسنّك وقدْ ِرك وأبوك جعفر بن حممد تقول هذا القول يف هذا الغالم؟!‬
‫قلت‪ :‬ما أراك إال شيطان ًا‪ ،‬قال‪ :‬ثم أخذ بلحيته فرفعها إىل السامء‪ ،‬ثم قال‪ :‬فام‬
‫قال‪ُ :‬‬
‫ال هلذا ومل تكن هذه الشيب ُة هلذا أهالً؟!(((‪.‬‬
‫حيلتي إن كان اهللُ رآه أه ً‬

‫وروى الكليني عن احلسني بن حممد‪ ،‬عن حممد بن أمحد النهدي‪ ،‬عن حممد بن خالد‬
‫الصيقل‪ ،‬عن حممد بن احلسن بن عامر‪ ،‬قال‪ :‬كنت عند عيل بن جعفر بن حممد جالس ًا‬
‫باملدينة‪ ،‬وكنت أقمت عنده سنتني‪ ،‬أكتب عنه ما يسمع من أخيه ‪-‬يعني أبا احلسن‪،-‬‬
‫إذ دخل عليه أبو جعفر حممد بن عيل الرضا‪ ‬املسجد مسجد الرسول‪ ،‬فوثب عيل‬
‫بن جعفر بال حذاء وال رداء فق ّبل يدَ ه وع ّظمه‪ ،‬فقال له أبو جعفر‪« :‬يا عم‪ ،‬اجلس‬
‫رمحك اهلل»‪ ،‬فقال‪ :‬يا سيدي كيف أجلس وأنت قائم؟ فلام رجع عيل بن جعفر إىل جملسه‬
‫جعل أصحا ُبه يو ّبخونه‪ ،‬ويقولون‪ :‬أنت عم أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل؟! فقال‪:‬‬
‫وأهل هذا‬
‫يؤهل هذه الشيبة‪ّ ،‬‬
‫اسكتوا‪ ،‬إذا كان اهلل عز وجل ‪-‬وقبض عىل حليته‪ -‬مل ّ‬
‫الفتى‪ ،‬ووضعه حيث وضعه‪ ،‬أنكر فضله؟! نعوذ باهلل مما تقولون‪ ،‬بل أنا له عبد(((‪.‬‬

‫((( معجم رجال احلديث‪.٣١٥/١٢ :‬‬


‫((( معجم رجال احلديث‪.٣١٥/١٢ :‬‬
‫‪61‬‬ ‫م�سائل علي بن جعفر‬

‫ن�سخ كتاب م�سائل علي بن جعفر واختالفها‬


‫قد عرفت من كالم النجايش أنه يوجد لكتاب املسائل نسختان‪ :‬إحدامها مبوبة‬
‫واألُخرى غري مبوبة‪ .‬وهل هناك اختالف بني النسختني؟ ذهب إىل ذلك حمقق كتاب‬
‫املسائل‪.‬‬

‫قال‪ :‬املالحظ وجود اختالف كبري بني النسختني‪ ،‬املبوبة وغري املبوبة من حيث‬
‫عدد املسائل املوجودة يف كل منهام‪ .‬فغري املبوبة حتتوي عىل ‪ ٤٢٩‬حديث ًا‪ ،‬وجمموع ما يف‬
‫املبوبة ‪ ٥٣٣‬حديث ًا‪ .‬وبني املوجود يف كل واحد مع اآلخر نسبة العموم واخلصوص من‬
‫وجه(((‪.‬‬

‫وهذا يعني أنه توجد روايات يف النسخة املبوبة ال جتدها يف غري املبوبة‪ ،‬وكذلك‬
‫توجد روايات يف النسخة غري املبوبة ال جتدها يف املبوبة‪.‬‬

‫وقال أيض ًا‪ :‬وقد يقرب هذا الرأي بالتفاوت الكبري امللحوظ بني عدد ما حيتويه‬
‫كل من النسختني املوجودتني‪ :‬املبوبة التي رواها احلمريي‪ ،‬وغري املبوبة التي أوردها‬
‫املجليس‪ ،‬فإن األوىل تزيد عىل الثانية بأكثر من ‪ ١٠٠‬حديث(((‪.‬‬

‫وقال سيدنا األُستاذ‪ :‬إن كتاب عيل بن جعفر قد روي من طرق عدة رواة‪،‬‬
‫وخيتلف الكتاب حسب اختالف رواياهتم‪ :‬فاملوجود يف رواية (عبد اهلل بن احلسن)‬
‫املدرجة يف قرب اإلسناد (‪ )533‬مسألة‪ ،‬واملوجود يف رواية (عيل بن احلسن) املدرجة‬

‫((( مقدمة كتاب مسائل عيل بن جعفر‪.٧٣ :‬‬


‫((( املصدر‪.٧٤ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪62‬‬

‫يف البحار والوسائل (‪ )429‬مسألة‪ ،‬والقدر اجلامع بينهام ما يقرب من (‪ )250‬مسألة‪،‬‬


‫ففي قرب اإلسناد ما يقرب من (‪ )283‬مسألة ال توجد يف رواية عيل بن احلسن‪ ،‬ويوجد‬
‫يف هذه النسخة (‪ )179‬مسألة ال توجد يف قرب اإلسناد‪ .‬وفيام رواه الكليني عن حممد‬
‫بن حييى عن العمركي بن عيل البوفكي ‪-‬الذي تقدم أنه أحد رواة كتاب عيل بن جعفر‪-‬‬
‫مسائل عديدة ال توجد يف قرب اإلسناد وال يف النسخة األُخرى‪ .‬وفيام رواه الصدوق‬
‫مبتدئ ًا باسم عيل بن جعفر ‪-‬الذي يبدو أنه أخذه من كتابه برواية العمركي وموسى‬
‫بن القاسم‪ -‬عدة مسائل ال توجد يف النسختني‪ .‬وفيام رواه الشيخ مبتدئ ًا باسم عيل‬
‫بن جعفر ‪-‬الذي أخذه من رواية العمركي كام يظهر من املشيخة‪ -‬روايات كثرية ال‬
‫توجد يف النسختني أيض ًا‪ .‬ويوجد فيام روي يف املحاسن والتهذيب بإسنادمها عن عيل‬
‫بن أسباط ‪-‬أحد رواة كتاب عيل بن جعفر‪ -‬روايات ال توجد يف النسختني كذلك‪.‬‬
‫وبذلك يظهر أن كتاب عيل بن جعفر كان له نسخ خمتلفة حسب اختالف الرواة له‪ ،‬شأنه‬
‫يف ذلك شأن كتب كثرية ُأخرى(((‪.‬‬

‫�أ�سانيد الن�سخ‬
‫إن الصدوق والشيخ رمحهام اهلل هلام طرق إىل كتاب مسائل عيل بن جعفر وطرقهم‬
‫معتربة عىل املختار‪.‬‬

‫أما الصدوق فله طريقان إىل الكتاب أوردمها يف مشيخة الفقيه قائالً‪ :‬وكل ما كان‬
‫يف هذا الكتاب عن عيل بن جعفر فقد رويته عن أيب ريض اهلل عنه‪ ،‬عن حممد بن حييى‬

‫((( وسائل اإلنجاب الصناعية‪.٥٨٦-٥٨٥ :‬‬


‫‪63‬‬ ‫م�سائل علي بن جعفر‬

‫العطار عن العمركي عن عيل بن جعفر‪ ،‬عن أخيه موسى بن جعفر‪ .‬ورويته عن‬
‫حممد بن احلسن بن أمحد بن الوليد ريض اهلل عنه‪ ،‬عن حممد بن احلسن الصفار‪ ،‬وسعد‬
‫بن عبد اهلل مجيع ًا عن أمحد بن حممد بن عيسى‪ ،‬والفضل بن عامر عن موسى بن القاسم‬
‫البجيل‪ ،‬عن عيل بن جعفر‪ ،‬عن أخيه موسى بن جعفر‪ .‬وقال‪ :‬وكذلك مجيع كتاب عيل‬
‫بن جعفر‪.(((‬‬

‫وقد حكم السيد اخلوئي‪ ‬عىل الطريقني بالصحة(((‪.‬‬

‫وأما الشيخ الطويس فطرقه يف الفهرست هي طرق الصدوق كام هو املالحظ مما‬
‫ذكرناه عن الفهرست‪ ،‬وقد حكم السيد اخلوئي‪ ‬عليها بالصحة أيض ًا(((‪.‬‬

‫وقال الشيخ املحسني‪ :‬ما نقله الشيخ الطويس عن هذا الكتاب نقبله ألجل‬
‫اعتبار سنده إليه يف املشيخة‪ ،‬دون سنده يف الفهرست عىل وجه‪.‬‬

‫أقول‪ :‬إن تأمله يف طرق الفهرست حيتمل فيه احتامالن‪:‬‬

‫‪ -1‬الطريق األول فيه جهالة‪.‬‬

‫‪ -2‬الطريق الثاين فيه إرسال‪.‬‬

‫قال الشيخ يف الفهرست‪ :‬عيل بن جعفر‪ ،‬أخو موسى بن جعفر بن حممد بن عيل‬
‫بن احلسني بن عيل بن أيب طالب‪ ،‬جليل القدر‪ ،‬ثقة‪ .‬وله كتاب املناسك‪ ،‬ومسائل‬

‫((( ً‬
‫نقال عن مقدمة كتاب مسائل عيل بن جعفر‪.٧٦ :‬‬
‫((( معجم رجال احلديث‪.٣١٥/١٢ :‬‬
‫((( معجم رجال احلديث‪.٣١٥/١٢ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪64‬‬

‫ألخيه موسى الكاظم بن جعفر‪ ‬سأله عنها‪ .‬أخربنا بذلك مجاعة‪ ،‬عن حممد بن عيل‬
‫بن احلسني‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن حممد بن حييى‪ ،‬عن العمركي اخلراساين البوفكي‪ ،‬عن عيل‬
‫بن جعفر‪ ،‬عن أخيه موسى الكاظم‪ .‬ورواه أبو جعفر حممد بن عيل بن احلسني بن‬
‫بابويه‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد واحلمريي وأمحد بن إدريس وعيل بن موسى‪ ،‬عن أمحد بن‬
‫حممد‪ ،‬عن موسى بن القاسم البجيل‪ ،‬عنه(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬قد يتوهم أن قوله‪( :‬أخربنا بذلك مجاعة) فيه جهالة حيث ال نعلم من هم‬
‫اجلامعة‪ .‬ولكن هذا مردود‪ ،‬إذ اجلامعة تصدق عىل ثالثة فام فوق‪ ،‬وهل حيتمل اجتامع‬
‫ثالثة من مشايخ الطويس عىل الكذب؟ وهل حيتمل أن ال يوجد يف هؤالء الثالثة ثقة؟!‬

‫وأما طريقه الثاين فقد بدأ بالصدوق‪ ،‬ومن املعلوم أنه ال يمكن للشيخ أن يروي‬
‫عن الصدوق مبارشة فقد يتوهم اإلرسال‪ .‬إال أن هذا اإلشكال أيض ًا مردود؛ فإن أغلب‬
‫مرويات الشيخ عن الصدوق هي بواسطة املفيد فيمكن حصول الوثوق بأن األمر هنا‬
‫كذلك‪.‬‬

‫وقد عرفت سابق ًا بأن السيد اخلوئي قد حكم عىل طريق الشيخ يف الفهرست‬
‫بالصحة‪ ،‬وكذلك صنع شيخنا األُستاذ اإليرواين‪ ‬وقال بأنه إذا كان يوجد إشكال‬
‫يف طرق الشيخ إىل عيل بن جعفر فهو يف طريقه يف املشيخة؛ وذلك لوجود احلسني بن‬
‫عبيد اهلل وأمحد بن حممد بن حييى‪ .‬أقول‪ :‬يمكن االعتامد عىل الرجلني مع ًا ألن األول من‬
‫الصدوق مرار ًا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫عليه‬ ‫مشايخ النجايش والثاين من مشايخ اإلجازة‪ ،‬وقد ترضىّ‬

‫((( الفهرست‪.١٥١ :‬‬


‫‪65‬‬ ‫م�سائل علي بن جعفر‬

‫وأما طريق العالمة املجليس يف البحار فهو ما ذكره بقوله‪ :‬ما وصل إلينا من أخبار‬
‫عيل بن جعفر‪ ،‬عن أخيه موسى‪ ‬بغري رواية احلمريي‪ ،‬نقلناها جمتمعة؛ ملا بينها وبني‬
‫أخبار احلمريي من اختالف يسري‪ ،‬وفرقنا ما ورد برواية احلمريي عىل األبواب‪ :‬أخربنا‬
‫أمحد بن موسى بن جعفر بن أيب العباس قال‪ :‬حدثنا أبو جعفر ابن يزيد بن النرض‬
‫اخلراساين من كتابه يف مجادى اآلخرة سنة إحدى وثامنني ومائتني قال‪ :‬حدثنا عيل بن‬
‫احلسن بن عيل بن عمر بن عيل بن احلسني بن عيل بن أيب طالب‪ ،‬عن عيل بن جعفر‬
‫بن حممد‪ ،‬عن أخيه موسى بن جعفر‪.(((‬‬

‫وهذا الطريق ال خيلو من إشكال؛ وذلك لوجود عيل بن احلسن بن عيل بن عمر‬
‫بن عيل بن احلسني بن عيل بن أيب طالب‪‬؛ فإنه مل تثبت وثاقته‪ .‬نعم‪ ،‬قال عنه السيد‬
‫املرتىض يف النارصيات بأنه عامل فاضل(((‪ ،‬إال أن هذا املدح ال يدل عىل وثاقته‪ ،‬بل‬
‫يثبت احلسن‪ .‬هذا مضاف ًا إىل عدم ثبوت وثاقة أمحد بن موسى بن جعفر بن أيب العباس‬
‫وكذلك أمحد بن يزيد بن النرض اخلراساين‪.‬‬

‫بل وهناك إشكال ثالث وهو كثرة األخطاء الواقعة يف هذه النسخة‪ .‬قال سيدنا‬
‫األُستاذ‪ :‬وأما نسخة (عيل بن احلسن) املدرجة يف البحار ويف الوسائل فهي ال تقل‬
‫أيض ًا عن تلك النسخة يف السقط والغلط‪ ،‬ويتضح ذلك بمقارنة ما ورد فيهام مع ما ورد‬
‫من مسائل عيل بن جعفر يف سائر املصادر احلديثية(((‪.‬‬

‫((( بحار األنوار‪.٢٤٩/١٠ :‬‬


‫((( النارصيات‪.١٧٨ :‬‬
‫((( وسائل اإلنجاب الصناعية‪.٥٨٨ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪66‬‬

‫ويبدو من الشيخ املحسني‪ ‬أنه كان يرى صحة طريق املجليس إىل مسائل عيل بن‬
‫جعفر ثم تراجع عن ذلك لألسباب املذكورة وغريها التي ستأيت‪.‬‬

‫قال‪ :‬هذا السند مرسل أوالً‪ ،‬ورجاله مهملون ثاني ًا‪ ،‬عىل أنك قد عرفت أن صحة‬
‫طريق الشيخ إىل عيل‪ ،‬وصحة طريق املجليس إىل الشيخ‪ ،‬ال تكفي للحكم بصحة‬
‫النسخة‪ ،‬فتصبح أحاديث كتاب املسائل املذكور مرسلة غري حجة‪ ،‬خالف ًا ملا بنينا عليه‬
‫سابق ًا تبع ًا ملا هو املشهور من اعتباره‪ ،‬ألجل صحة الطريقني املشار إليهام‪ ،‬وقد ذكرنا‬
‫أحاديثه يف بعض أجزاء كتابنا معجم األحاديث املعتربة‪ ،‬ثم حذفنا منه حتى اإلمكان‬
‫وبقي فيه ما طبع بالكومبيوتر‪ ،‬ولكن نبهنا عىل ضعفه يف بعض مواضع املعجم‪.‬‬

‫وقال‪ :‬وكتبت هذا األمر إىل سيدنا األُستاذ اخلوئي‪ ‬قبل هذا بسنني أيام حياته يف‬
‫النجف األرشف‪ ،‬فإنه كان يعتمد عىل كتاب املسائل فلم يصل إ ّيل جوابه‪ ،‬ولكن حكى‬
‫يل بعض الفضالء الصاحلني من تالمذته بعد وفاته أنه قرأ كتابك‪ ،‬وقال يل‪ :‬اكتب له‬
‫جواب ًا‪ ،‬قلت له‪ :‬ما كان جوابه‪‬؟ قال‪ :‬الظاهر أنه كان يقول إن املجليس لعله رواه‬
‫بعدة طرق معتربة‪ ،‬وغري معتربة‪ ،‬فاقترص يف بحاره عىل سند واحد ضعيف‪.‬‬

‫أقول‪ :‬وهذا بعيد من مثله‪ ‬فإن االعتامد عىل جمرد االحتامل غري صحيح‪ ،‬لكن‬
‫رسخ اعتقاد صحة املسائل يف ذهنه طيلة عمره‪ ،‬فرأى السؤال ضعيف ًا فر ّده بام ذكر‪.‬‬

‫وقال‪ :‬ولقد أحسن السيد السيستاين دام عمره حيث ذكر يل شفاهي ًا حني لقائي إياه‬
‫يف النجف األرشف سنة (‪١٤١٤‬هـ) عدم اعتامده عليه؛ لعدم حصول االطمئنان بصحة‬
‫نسبة هذه النسخة الواصلة إىل املجليس إىل عيل بن جعفر ريض اهلل عنه وأهنا هي بعينها‬
‫‪67‬‬ ‫م�سائل علي بن جعفر‬

‫كتابه‪ ،‬بل ادعى القطع بعدم حتقق املناولة يف أمثاله‪ .‬أقول‪ :‬دعوى القطع ال بأس هبا(((‪.‬‬

‫رواية قرب الإ�سناد عن م�سائل علي بن جعفر‬


‫وأما طريق احلمريي يف قرب اإلسناد فهو ما ذكره هو‪ ،‬قائالً‪ :‬حدثنا عبد اهلل بن‬
‫احلسن العلوي‪ ،‬عن جده عيل بن جعفر‪ ،‬قال‪ :‬سألت أخي موسى بن جعفر‪.(((‬‬
‫واإلشكال هو يف عبد اهلل بن احلسن فإنه مل يوثق‪ ،‬فهو جمهول‪.‬‬

‫إن قلت‪ :‬كان بإمكان احلمريي أن يروي مسائل عيل بن جعفر بطريق آخر غري‬
‫رواية عبد اهلل بن احلسن؛ كرواية العمركي بن عيل البوفكي ‪-‬وهو من مشايخ احلمريي‪-‬‬
‫وموسى بن القاسم البجيل وعيل بن أسباط بن سامل وأيب قتادة عيل بن حممد بن حفص‬
‫وغريهم من الثقات‪ .‬وهذا يكشف عن ثبوت وثاقة عبد اهلل بن احلسن عند احلمريي‪.‬‬

‫قلت‪ :‬لعل سبب اعتامد احلمريي عىل رواية عبد اهلل بن احلسن ‪-‬املجهول احلال‪-‬‬
‫هو ألجل قرب اإلسناد وقلة الوسائط بينه وبني اإلمام املعصوم‪ ،‬فإن عبد اهلل بن‬
‫احلسن يروي املسائل عن جده عيل بن جعفر عن اإلمام موسى بن جعفر‪ ،‬وهذا ما‬
‫حيقق الغاية للحمريي‪.‬‬

‫إن قلت‪ :‬إن البوفكي شيخ من مشايخ احلمريي وروايته ملسائل عيل بن جعفر‬
‫كرواية عبد اهلل بن احلسن تتصف بقرب اإلسناد‪ ،‬فلامذا ترك احلمريي الرواية عن شيخه‬
‫الثقة واعتمد عىل رواية عبد اهلل بن احلسن املجهول؟ أال يدل ذلك عىل وثاقة عبد اهلل‬

‫((( بحوث يف علم الرجال‪.٤٢٠ :‬‬


‫((( قرب اإلسناد‪.١٧٦ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪68‬‬

‫بن احلسن عند احلمريي؟‬

‫قلت‪ :‬صحيح أن احلمريي تلميذ البوفكي‪ ،‬لكن َمن قال أنه روى عنه مسائل عيل‬
‫بن جعفر؟ فإن تتلمذ احلمريي عىل يد البوفكي ال يدل عىل أن احلمريي قد وصلته‬
‫ٍ‬
‫تلميذ قد فاتته ُأمور من ُأستاذه‪.‬‬ ‫نسخة املسائل عن أستاذه‪ .‬وكم من‬

‫ويمكن أن يقال أيض ًا‪ :‬إن احلمريي اعتمد عىل رواية عبد اهلل بن احلسن ألهنا كانت‬
‫مبوبة بخالف النسخ األُخرى للكتاب‪ .‬وأما ما يف رجال النجايش من كون رواية عبد‬
‫اهلل بن احلسن مل تكن مبوبة وإنام املبوب من النسخ هي رواية عيل بن أسباط فهو خطأ‬
‫بل العكس هو الصحيح‪ ،‬وقد تنبه لذلك حمقق كتاب املسائل(((‪.‬‬

‫إال أن بعض األعالم طاب ثراه كان يرى صحة دعوى النجايش من كون نسخة‬
‫رواية عبد اهلل بن احلسن غري مبوبة‪ .‬وأما التبويب املوجود يف روايات قرب اإلسناد‬
‫عن مسائل عيل بن جعفر فهو من اجتهادات احلمريي‪ .‬فقد ورد يف املستند يف رشح‬
‫العروة يف اهلامش‪ :‬ال خيفى أن كتاب عيل بن جعفر ‪-‬عىل ما يظهر من النجايش‪ -‬يروى‬
‫مبوب ًا تارة وغري مبوب ُأخرى‪ ،‬والذي وصل إىل عبد اهلل بن جعفر احلمريي إنام هو‬
‫غري املبوب‪ .‬وعليه‪ :‬فالتبويب الذي يشاهد يف اجلزء الثاين من قرب اإلسناد عند إيراده‬
‫مسائل عيل بن جعفر كأنه اجتهاد من احلمريي نفسه وال عربة به؛ كاجتهادات الكليني‬
‫وأرضابه يف إيراد األحاديث يف بعض األبواب حسب أنظارهم املقدسة وما يفهمونه‬
‫من الروايات(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬مقدمة مسائل عيل بن جعفر‪.٦٨ :‬‬


‫((( املستند يف رشح العروة الوثقى كتاب الصالة‪ :‬ج‪/٥‬ق‪/٢‬ص‪.٢٦٣‬‬
‫‪69‬‬ ‫م�سائل علي بن جعفر‬

‫هذا ولكن يمكن أن يقال‪ :‬إن إكثار احلمريي من النقل عن عبد اهلل بن احلسن‬
‫يكشف عن وثاقته عنده‪ ،‬وإال ملا نقل عنه هبذا القدر‪.‬‬

‫ثم يوجد إشكال آخر‪ :‬وهو كثرة األخطاء الواقعة يف رواية عبد اهلل بن احلسن‬
‫املوجودة يف قرب اإلسناد‪ .‬قال الشيخ حسن صاحب املعامل يف املنتقى‪ :‬ولكني راجعت‬
‫كتاب قرب اإلسناد ملحمد بن عبد اهلل احلمريي فإنه متضمن لرواية كتاب عيل بن‬
‫جعفر‪ ،‬إال أن املوجود من نسخته سقيم جد ًا باعرتاف كاتبها الشيخ حممد بن إدريس‬
‫العجيل‪ ،‬والتعويل عىل ما فيه مشكل(((‪.‬‬

‫م�سائل علي بن جعفر برواية احلر العاملي‬


‫إن احلر العاميل يروي عن كتاب مسائل عيل بن جعفر‪ ،‬ولكن السؤال هو أنه كيف‬
‫وصل إليه الكتاب؟‬

‫توجد احتامالت ثالثة‪:‬‬

‫االحتامل األول‪ :‬أنه وصلت إليه نسخة عن طريق الشيخ الطويس‪.‬‬

‫االحتامل الثاين‪ :‬قد حصل احلر العاميل عىل نسخة من الكتاب عن طريق الوجادة‪.‬‬

‫االحتامل الثالث‪ :‬أن النسخة الواصلة إىل احلر العاميل هي نفس النسخة الواصلة‬
‫إىل العالمة املجليس وبنفس الطريق‪.‬‬

‫ومن الواضح أنه ‪-‬بنا ًء عىل االحتامل الثاين والثالث‪ -‬ال يمكن االعتامد عىل ما‬

‫((( منتقى اجلامن‪.١٧٦/٣ :‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪70‬‬

‫رواه يف الوسائل عن املسائل‪ ،‬حيث يدور األمر بني جهالة الطريق بنا ًء عىل االحتامل‬
‫الثاين‪ ،‬وضعفه بنا ًء عىل االحتامل الثالث‪.‬‬

‫أما االحتامل األول فالظاهر من السيد اخلوئي‪ ‬البناء عليه وقبوله‪ .‬توضيحه‪:‬‬
‫قد اعتمد السيد اخلوئي وكذلك السيد الشهيد قدس رسمها ‪-‬عىل ما حكى عنه شيخنا‬
‫األُستاذ اإليرواين‪ ‬يف جملس درسه بتاريخ (‪١٤٣٦/٤/١٨‬هـ)‪ -‬عىل كتاب مسائل‬
‫عيل بن جعفر بالتقريب التايل‪ :‬إن كتاب مسائل عيل بن جعفر كان موجود ًا عند احلر‬
‫العاميل‪ ،‬وإن لصاحب الوسائل طريق ًا معترب ًا إىل مرويات الشيخ الطويس‪ ،‬والشيخ له‬
‫طريق معترب إىل كتاب مسائل عيل بن جعفر‪ ،‬وهبذا يمكن اعتبار ما رواه يف الوسائل عن‬
‫كتاب مسائل عيل بن جعفر‪.‬‬

‫قال السيد اخلوئي يف موضع من املستند‪ :‬كام وقع الترصيح بذلك يف روايتني‬
‫إحدامها معتربة‪ ،‬ومها رواية زرارة ‪-‬الضعيفة بالقاسم بن عروة‪ -‬وصحيحة عيل بن‬
‫جعفر التي رواها صاحب الوسائل عن كتابه وطريقه إىل الكتاب صحيح(((‪.‬‬

‫وقال يف موضع من املعتمد‪ :‬وهو صحيح عيل بن جعفر‪ ،‬قال‪( :‬سألته عن الرجل‬
‫إذا هم باحلج يأخذ من شعر رأسه وحليته وشاربه ما مل حيرم؟ قال‪ :‬ال بأس)‪ ،‬والرواية‬
‫صحيحة سند ًا‪ ،‬كام عرب عنها يف اجلواهر بالصحيحة؛ ألن طريق الوسائل إىل الشيخ‬
‫صحيح‪ ،‬وطريق الشيخ إىل كتاب عيل بن جعفر صحيح‪ ،‬فال جمال للتأمل يف صحة‬
‫السند(((‪.‬‬

‫((( املستند‪ ،‬كتاب الصالة‪.٣٣٠/٣ :‬‬


‫((( املعتمد‪ ،‬كتاب احلج‪.٤٤٧/٢ :‬‬
‫‪71‬‬ ‫م�سائل علي بن جعفر‬

‫وقال يف موضع آخر من املستند‪ :‬أما من حيث السند فهي صحيحة كام ذكرنا‪،‬‬
‫فإن صاحب الوسائل وإن حكاها عن قرب اإلسناد بطريق ضعيف الشتامله عىل عبد‬
‫اهلل بن احلسن‪ ،‬إال أن صاحب احلدائق رواها عن كتاب عيل بن جعفر وطريقه إليه‬
‫املنتهي إىل طريق الشيخ صحيح كام أرشنا إليه غري مرة‪ ،‬والظاهر أن اقتصار صاحب‬
‫الوسائل عىل الطريق األول يف املقام‪ ،‬وعدم التعرض للطريق الثاين غفلة منه‪ ،‬إذ قد‬
‫ذكر السؤال واجلواب الواقعني قبل هذا احلديث يف الباب اخلامس والثالثني من أبواب‬
‫القراءة احلديث الثالث وأشار هناك إىل الطريقني مع ًا‪ ،‬حيث قال‪ :‬ورواه عيل بن جعفر‬
‫يف كتابه فالحظ‪ .‬وكيف كان فال شبهة يف صحة السند(((‪.‬‬

‫وفيه‪ :‬حيتمل قوي ًا أن كتاب املسائل وصل إىل احلر العاميل عن طريق الوجادة ال‬
‫اإلجازة‪ ،‬وهو االحتامل الثاين‪ .‬وأما طريق صاحب الوسائل إىل الشيخ الطويس فهو‬
‫طريق تربكي وليس إىل نسخ معينة‪ ،‬ومعه كيف يمكن االعتامد عىل ما رواه عنه؟‬

‫ولكن ما القرينة عىل أن طرق صاحب الوسائل إىل الشيخ طرق تربكية؟ أي هي‬
‫طرق إىل أصل الكتب ال إىل نسخها؟ القرينة عىل ذلك ما قاله احلر يف خامتة الوسائل‪،‬‬
‫كتب متواتر ٌة مشهور ٌة ال حتتاج إىل سند‪ ،‬وإنام يذكر السند‬
‫مصادر كتابه ٌ‬
‫َ‬ ‫حيث ادعى ّ‬
‫أن‬
‫ألجل التربك والتيمن‪ .‬قال‪ ‬يف الفائدة اخلامسة من خامتة الوسائل‪ :‬يف بيان بعض‬
‫الطرق التي نروي هبا الكتب املذكورة عن مؤلفيها‪ .‬وإنام ذكرنا ذلك تيمن ًا وتربك ًا‪،‬‬
‫باتصال السلسلة بأصحاب العصمة‪ ،‬ال لتوقف العمل عليه لتواتر تلك الكتب وقيام‬

‫((( املستند‪ ،‬كتاب الصالة‪.٣٨٤ -٣٨٣/٣ :‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪72‬‬

‫القرائن عىل صحتها وثبوهتا(((‪.‬‬

‫إن قلت‪ :‬لو حصل لنا الشك بأن احلر العاميل ينقل عن كتاب املسائل عن طريق‬
‫احلس ‪-‬كام إذا وصلته النسخة يد ًا ٍ‬
‫بيد من كابر عن كابر‪ -‬أو عن طريق احلدس ‪-‬كام إذا‬
‫عثر عىل النسخة عن طريق الوجادة فقامت عنده القرائن بأنه كتاب املسائل‪ -‬فأصالة‬
‫احلس العقالئية هي احلاكمة‪.‬‬

‫قلت‪ :‬إن العقالء قد ال تكون هلم مثل هذه السرية فيام إذا تباعد الزمان بني مؤلف‬
‫الكتاب والراوي له كام فيام نحن فيه‪ ،‬حيث حيتمل احلدس احتامالً عقالئي ًا‪.‬‬

‫قال شيخنا األُستاذ اإليرواين‪ ‬يف جملس درسه بتاريخ ‪١٤٣٦/٤/١٨‬هـ‪:‬‬

‫أن طرق صاحب الوسائل إىل الشيخ الطويس طرق تربك ّية‪ ،‬وأقصد‬ ‫إنّا نحتمل ّ‬
‫طرق تتّصل بالشيخ‬‫نسخة مع ّي ٍنة‪ ،‬وإنام هي ٌ‬
‫ٍ‬ ‫من الطرق التربكية يعني هي ليست عىل‬
‫الطويس وليس اهلدف منها إال التربك باتصال السلسة باإلمام‪ ،‬كام هي العادة يف‬
‫زماننا كإجازات األغا بزرگ الطهراين‪ ،‬ال أنّه توجد عنده نسخة مع ّينة يدفعها إىل‬
‫الشخص ويقول له‪ :‬أجزت لك رواية هذه النسخة‪ ،‬ونحن نحتمل ّ‬
‫أن طرق صاحب‬
‫مثبت لكوهنا عىل النسخة وما دام ال يوجد‬
‫ٌ‬ ‫الوسائل هي من هذا القبيل‪ ،‬فال يوجد‬
‫مثبت‪ ،‬فكيف نأخذ هبا؟ بل تسقط عن االعتبار‪ ،‬ويكفيني إبداء هذا االحتامل وال‬
‫ٌ‬
‫نصه‪:‬‬
‫أحتاج إىل مؤشرّ ات‪ ،‬ولكن إضافة إىل ذلك توجد بعض املؤرشات‪ ،‬حيث قال ما ّ‬

‫((( وسائل الشيعة‪.١٦٩/٣٠ :‬‬


‫‪73‬‬ ‫م�سائل علي بن جعفر‬

‫(يف بيان بعض الطرق التي نروي هبا الكتب املذكورة عن مؤلفيها وإنام ذكرنا ذلك‬
‫تيمن ًا وتربك ًا باتصال السلسة بأصحاب العصمة‪ ،‬ال لتو ّقف العمل عليه؛ لتواتر تلك‬
‫ّ‬
‫صحتها وثبوهتا)‪.‬‬
‫الكتب وقيام القرائن عىل ّ‬

‫والتيمن‪ ،‬والتربك‬
‫ّ‬ ‫إذن هو يعرتف ّ‬
‫أن هذه الطرق التي يذكرها هي من باب التربك‬
‫والتيمن إنام حيصل باتصال صاحب السلسلة‪ ،‬فإذن ليس املهم عنده أن تكون عىل‬
‫ّ‬
‫نسخة مع ّينة‪ ،‬ومعه سوف يسقط هذا الطريق الصحيح الذي ذكره السيد اخلوئي‬
‫والسيد الشهيد عن االعتبار؛ ّ‬
‫ألن طرق صاحب الوسائل إىل الكتب التي ينقل عنها هي‬
‫طرق تربك ّية ومل يثبت أهنا طرق عىل النسخة‪.‬‬

‫وقد ذكر الشيخ ه��ادي آل رايض يف جملس درس��ه بتاريخ (‪١٤٣٦/٨/٥‬ه���ـ)‬


‫االحتامل الثاين والثالث مع تضعيفهام‪.‬‬

‫قال‪ :‬وقد ذكرنا يف حمله أن طريق صاحب الوسائل لكتاب عيل بن جعفر ليس‬
‫تام ًا‪ ،‬بل أكثر من ذلك حيث قلنا بأن طريق صاحب الوسائل إىل كتاب عيل بن جعفر‬
‫إما ضعيف‪ ،‬إذا كان هو نفس طريق العالمة املجليس صاحب البحار؛ ألنه ضعيف بال‬
‫إشكال وإما جمهول‪ .‬ومن هنا‪ ،‬نستشكل بالروايات التي يروهيا صاحب الوسائل عن‬
‫كتاب عيل بن جعفر مبارشة‪.‬‬

‫وقريب من ذلك ما حكاه السيد منري اخلباز يف جملس درسه بتاريخ (‪١٤٣٧/٤/٧‬هـ)‬
‫عن املحقق لكتاب املسائل لعيل بن جعفر وحاصله‪:‬‬

‫إن النسخة التي بني يدي صاحب الوسائل والتي نقل عنها وعليها تعليقاته‪ ،‬إنام‬
‫وصلته وجاد ًة أو باإلجازة برواية عيل بن احلسن بن عيل وهو شخص مل يو ّثق‪ ،‬وبالتايل‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪74‬‬

‫مع اإلطالل عىل ذلك يشكل االعتامد عىل ما يرويه صاحب الوسائل يف الوسائل‪ ،‬عن‬
‫كتاب عيل بن جعفر مبارشة‪.‬‬

‫نعم‪ ،‬إذا روى عن الكايف أو التهذيب عن عيل بن جعفر فاملدار عىل السند الذي‬
‫بني أيدهيام‪ .‬إنام الكالم إذا روى عن كتاب عيل بن جعفر باملبارشة‪ ،‬فإننا ال نحرز أن ما‬
‫يرويه من النسخة املشهورة بالنسبة إىل الشيخ الطويس وهي النسخة الواصلة عن طريق‬
‫العمركي البوفكي‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد جزم سيدنا األُستاذ‪ ‬بأن النسخة التي اعتمد عليها احلر العاميل هي‬
‫برواية عيل بن احلسن‪ ،‬ولمَ يعتمد عىل النسخة التي كانت عند الشيخ‪ .‬قال‪ :‬ألن نسخة‬
‫صاحب الوسائل من هذا الكتاب موجودة بعينها إىل هذا الوقت‪ ،‬وهي برواية عيل بن‬
‫احلسن املذكور‪ ،‬يف حني أن نسخة الشيخ‪ ‬كانت بروايتي العمركي بن عيل البوفكي‬
‫وموسى بن القاسم كام يعلم بمراجعة املشيخة والفهرست(((‪.‬‬

‫مع �شيخنا ال�سند‪‬‬


‫قال شيخنا السند‪ ‬يف جملس درسه بتاريخ (‪١٤٣٥/٧/١٧‬هـ)‪ :‬واملالحظ أن‬
‫كتاب مسائل عيل بن جعفر ليس الطريق إليه آحاد بل الطريق إليه طريق مستفيض‪.‬‬
‫فالطريق إىل الكتاب إذا كان خرب آحاد ولو صحيح فهذا درجة من اعتبار الكتاب‪،‬‬
‫بخالف ما إذا كان الطريق إىل الكتاب طرق مستفيضة ومشهورة‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن أهنا‬
‫متواترة‪ ،‬فهذا يعرب عنه صحة الكتاب‪ ،‬وختتلف أحد معاين وزواي��ا صحة الكتاب‬

‫((( وسائل اإلنجاب الصناعية‪.٥٨٥ :‬‬


‫‪75‬‬ ‫م�سائل علي بن جعفر‬

‫املختلفة عن صحة الطريق فهو الطرق إىل الكتاب‪ ،‬فمسائل عيل بن جعفر ال يظن الظان‬
‫أن الطرق إليه آحاد‪ ،‬بل إن الطرق إليه مشهورة‪ .‬وأما الطرق فيه فإنه ينقل مبارشة عن‬
‫املعصوم‪.‬‬

‫أقول‪ :‬قد يكون أصل الكتاب مشهور ًا‪ ،‬لكن ليس من الرضوري أن تكون نسخه‬
‫كذلك‪ ،‬والسؤال املهم هو‪ :‬كيف وصلت نسخته إىل صاحب الوسائل؟‬

‫وقد عرفت االحتامالت يف ذلك‪ ،‬فال نعيد‪.‬‬

‫وقال أيض ًا يف جملس درسه بتاريخ (‪١٤٣٤/١١/٩‬هـ)‪:‬‬

‫إن كتاب عيل بن جعفر هو دورة فقهية كاملة رواها عن أخيه موسى بن جعفر‬
‫الكاظم‪ ،‬وإن حديث عيل بن جعفر حديثه املدين قد رواه قناتان؛ فقناة إىل الكوفة‬
‫بل إىل قم‪ ،‬وهو صاحب قرب اإلسناد احلمريي األشعري الكويف القمي‪ ،‬فقد روى‬
‫الكثري من روايات عيل بن جعفر‪ ،‬وقناة ثانية هو حفيد عيل بن جعفر وهو عبد اهلل بن‬
‫احلسن بن عيل بن جعفر‪ ،‬والصحيح هو مدفون يف املدينة‪ .‬ووجه االعتامد عىل عبد اهلل‬
‫بن احلسن مع عدم التوثيق اخلاص من قبل الطويس والنجايش فاالعتامد عليه‪ ،‬بشهادة‬
‫أن عبد اهلل بن احلسن هو من بيت هاشمي‪ ،‬كام أن رواية عبد اهلل بن احلسن عن جده‬
‫عيل بن جعفر قد رواها غري عبد اهلل بن احلسن مطابقة ملا رواه عبد اهلل بن احلسن‪ ،‬بل‬
‫كذلك إذا طوبق كتاب مسائل عيل بن جعفر مع ما رواه عبد اهلل بن احلسن عن جده‪.‬‬
‫هذا فض ً‬
‫ال عن أن عبد اهلل بن احلسن قد اعتمده احلمريي الفقيه اجلزل‪ ،‬وأن (قرب‬
‫اإلسناد) هو كتاب يعتمد عليه من جهة قرب إسناده‪ ،‬ففيه علو اإلسناد فاملفروض أن‬
‫يعتمد عىل شخص ثقة‪.‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪76‬‬

‫أقول‪ :‬أفاد شيخنا السند‪ ‬أنه يمكن االعتامد عىل عبد اهلل بن احلسن ‪-‬الذي‬
‫روى عنه احلمريي يف قرب اإلسناد روايات املسائل‪ -‬لوجوه ثالثة‪ :‬األول‪ :‬كونه من‬
‫بيت هاشمي‪ .‬الثاين‪ :‬روايته للكتاب تتطابق مع كتاب مسائل عيل بن جعفر‪ .‬الثالث‪:‬‬
‫اعتامد احلمريي عليه وروايته عنه‪.‬‬

‫أما كونه من بيت هاشمي فال يقتيض كونه من الثقات‪ ،‬كام هو واضح‪ .‬وأما دعوى‬
‫تطابق روايته مع ما يف املسائل فال ينفع كثري ًا؛ وذلك الختالف نسخ الكتاب عىل نحو‬
‫العموم من وجه كام مر‪ ،‬فالذي يمكن األخذ به هو الروايات التي ذكرت يف مجيع‬
‫النسخ‪ ،‬وأما ما تفردت به بعض النسخ فال ينفع‪ .‬وأما اعتامد احلمريي عليه ففيه داللة‬
‫مر سابق ًا‪ ،‬فام أفاده هنا جيد‪.‬‬
‫عىل وثاقة عبد اهلل بن احلسن كام ّ‬

‫وقال‪ ‬أيض ًا بتاريخ (‪١٤٣٣/١٢/٢٧‬ه���ـ)‪ :‬أن بعض األع�لام املعارصين‬


‫‪-‬وربام تنسب هذه النكتة للسيد الربوجردي‪ -‬قد ادعى أن كتاب مسائل عيل بن‬
‫جعفر من تراث أهل البيت‪ ‬املدين‪ ،‬أي مل يروه الكوف ّيون وال البرص ّيون وال القم ّيون‬
‫وال الشام ّيون وال اخلراسان ّيون‪ ،‬بل رواه املدن ّيون‪ ،‬فإن عيل بن جعفر العرييض‪ ‬قد‬
‫روى تراث ًا ضخ ًام عن أخيه اإلمام موسى بن جعفر‪ ،‬ويعرب عنه بفقه أهل البيت‪‬‬
‫املدين‪ .‬فقد ادعى البعض أن كتاب عيل بن جعفر بام أنه مدين وليس بكويف فإن رواياته‬
‫التي انفرد هبا ال يعمل هبا عند الطائفة‪ ،‬وتنسب هذه الدعوى للسيد الربوجردي‪.‬‬

‫ولكننا نستبعد صحة هذه النسبة إىل السيد الربوجردي؛ فقد يكون تالميذه مل‬
‫يفهموا كالمه بل نقول بالعكس‪ ،‬فإن للسيد الربوجردي مبنى ظريف جد ًا خيالف هذه‬
‫الدعوى‪ .‬املهم توجد هكذا دعوى وهي أن كتاب عيل بن جعفر إذا انفرد بالرواية فال‬
‫‪77‬‬ ‫م�سائل علي بن جعفر‬

‫يعمل هبا أو أن غري الكتب األربعة احلديثية ال يعمل هبا إذا انفردت‪.‬‬

‫وهذه دعوى خطرية جد ًا؛ وذلك‪ :‬أوالً‪ :‬أن دعوى نسبة هذا الديدن إىل األصحاب‬
‫مدحوضة بشكل كبري‪ .‬ثاني ًا‪ :‬أن الكتب األُخ��رى احلديثية غري الكتب األربعة هي‬
‫متواترة أيض ًا‪ ،‬وال خيتص التواتر بالكتب األربعة‪ .‬ثالث ًا‪ :‬أن كتاب احلديث لو فرض عدم‬
‫تواتره لصاحبه‪ ،‬لكنه ذو سند صحيح إىل صاحبه‪ ،‬فال جيوز تركه؛ ألنه بمثابة الرواية‬
‫الصحيحة املعتربة‪ ،‬فكيف به إذا كان كتاب ًا مستفيض ًا متواتر ًا؟‬

‫أقول‪ :‬قد عرفت اجلواب عن هذا الكالم‪ ،‬فإن النسخة الواصلة من كتاب مسائل‬
‫عيل بن جعفر إىل صاحب الوسائل مل يثبت كوهنا متواترة‪ ،‬ولمَ تصل إليه عرب طريق معترب‬
‫مر‪ ،‬فكيف يمكن االعتامد عىل نقل احلر العاميل عنه؟ نعم‪ ،‬قد يكون أصل الكتاب‬
‫كام ّ‬
‫متواتر ًا إال أن نسخه ليست كذلك‪ ،‬بل قد عرفت االختالف والتفاوت بني نسخه وعدد‬
‫روايات كل منها‪ ،‬ومعه كيف يمكن االعتامد عىل القول بأن الكتاب متواتر؟!‬

‫خال�صة وا�ستنتاج‬
‫الصحيح هو التفصيل يف اعتبار روايات كتاب مسائل عيل بن جعفر‪ ،‬فنقول‪:‬‬

‫أما ما يرويه الشيخ والصدوق رمحهام اهلل يف كتبهام عن مسائل عيل بن جعفر فهو‬
‫معترب؛ لوجود طريق صحيح هلام إليه‪.‬‬

‫وأما ما يرويه احلمريي يف قرب اإلسناد والعالمة املجليس واحلر العاميل عنه فال‬
‫يمكن االعتامد عليه؛ وذلك‪ :‬أوالً‪ :‬الختالف نسخ الكتاب اختالف ًا كبري ًا‪ .‬وثاني ًا‪ :‬لضعف‬
‫نسخة املجليس من املسائل‪ .‬وثالث ًا‪ :‬لعدم إحراز أن للحر طريق ًا معترب ًا إىل الكتاب‪ ،‬بل‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪78‬‬

‫حيتمل قوي ًا أنه يروي الكتاب عن طريق الوجادة‪ ،‬وهي أضعف أنواع حتمل الرواية‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فمتى بدأ احلر العاميل السند باسم عيل بن جعفر‪ ،‬فهذا يعني أنه قد أخذ اخلرب‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ ال يمكن االعتامد عليه‪ .‬وأما إذا روى عنه لوجود الرواية يف الكايف‬ ‫من كتابه‪،‬‬
‫أو التهذيب أو الفقيه فال إشكال يف األخذ هبا‪ .‬نعم‪ ،‬لو وجدت رواية عن املسائل يف‬
‫الوسائل ورواها أيض ًا احلمريي يف قرب اإلسناد‪ ،‬وحصل تطابق بينهام‪ ،‬أمكن حصول‬
‫الوثوق هبا‪ .‬ويمكن أيض ًا االعتامد عىل الروايات التي اتفقت مجيع النسخ عىل روايتها‪.‬‬

‫من هنا قال سيدنا األُستاذ‪ :‬فتلخص من مجيع ما تقدم أنه ال يوجد وجه وجيه‬
‫لالعتامد عىل ما ورد يف كتاب قرب اإلسناد أو يف النسخة األُخرى من مسائل عيل بن‬
‫جعفر‪ ،‬فهام ال يصلحان إال للتأييد‪ ،‬نعم ربام حيصل الوثوق بام يتفقان عليه وال سيام مع‬
‫ضم بعض القرائن األُخرى فإن حصل كان هو احلجة فتدبر(((‪.‬‬

‫***‬

‫((( وسائل اإلنجاب الصناعية‪.٥٨٨ :‬‬


‫‪79‬‬ ‫م�ستطرفات ال�سرائر‬

‫م�ستطرفات ال�سرائر‬
‫وهو ما استطرفه الشيخ حممد بن إدريس احليل‪ ‬يف آخر كتابه الرسائر من كتب‬
‫بعض األصحاب‪ ،‬ومعلو ٌم أن ابن إدريس هو من كبار فقهاء اإلمامية يف القرن السادس‪.‬‬

‫قال احلر العاميل عنه يف تذكرة املتبحرين‪ :‬وقد أثنى عليه علامؤنا املتأخرون‪،‬‬
‫واعتمدوا عىل كتابه‪ ،‬وعىل ما رواه يف آخره من كتب املتقدمني وأصوهلم‪ ،‬يروي عن‬
‫خاله أيب عيل الطويس بواسطة وغري واسطة‪ ،‬وعن جده ألُمه أيب جعفر الطويس‪ ،‬و ُأم‬
‫ُأمه بنت املسعود ورام‪ ،‬وكانت فاضلة صاحلة‪ ،‬ومن مؤلفاته الرسائر احلاوي لتحرير‬
‫الفتاوى‪ ،‬وهو الذي تقدم ذكره‪ ...‬وقد ذكر أقواله العالمة وغريه من علامئنا يف كتب‬
‫االستدالل وقبلوا أكثرها(((‪.‬‬

‫وقد اعتمد احلر العاميل عىل مستطرفات الرسائر يف الوسائل‪ .‬قال يف الفائدة الثالثة‬
‫يف خامتة الوسائل‪ :‬كتاب الرسائر تأليف الشيخ اجلليل حممد بن إدريس احليل فإنه ذكر‬
‫يف آخره أحاديث كثرية من أصول القدماء(((‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وتشري بعض الكلامت إىل وجود ختليط واشتباهات كثرية يف املستطرفات‪.‬‬

‫((( معجم رجال احلديث‪.٦٧/١٦ :‬‬


‫((( الوسائل‪.٤٦/١ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪80‬‬

‫قال الشيخ منتجب الدين يف فهرسته عن ابن إدريس‪ :‬الشيخ حممد بن إدريس العجيل‬
‫باحللة‪ ،‬له تصانيف‪ ،‬منها‪ :‬كتاب الرسائر‪ ،‬شاهدته باحللة‪ ،‬وقال شيخنا سديد الدين‬
‫(حممود احلميص) رفع اهلل درجته‪ :‬هو خملط ال يعتمد عىل تصنيفه(((‪.‬‬

‫وقال السيد اخلوئي‪ ‬تعليق ًا عىل كالم سديد الدين احلميص‪ :‬أما ما ذكره الشيخ‬
‫حممود احلميص من أن ابن إدريس خملط ال يعتمد عىل تصنيفه‪ ،‬فهو صحيح من جهة‬
‫وباطل من جهة‪ .‬أما إنه خملط يف اجلملة فمام ال شك فيه‪ ،‬ويظهر ذلك بوضوح من‬
‫الروايات التي ذكرها فيام استطرفه من كتاب أبان بن تغلب‪ ،‬فقد ذكر فيها عدة روايات‬
‫ممن مل يدرك الصادق‪ ،‬وكيف يمكن أن يروي أبان املتوىف يف حياة الصادق‪ ‬عمن‬
‫هو متأخر عنه بطبقة أو طبقتني‪ .‬ومن مجلة ختليطه أنه ذكر روايات استطرفها من كتاب‬
‫السياري‪ ،‬وقال‪ :‬واسمه أبو عبد اهلل صاحب موسى‪ ‬والرضا‪ ‬عليهام من اهلل آالف‬
‫التحية والثناء‪ ،‬وهذا فيه خلط واضح‪ ،‬فإن السياري هو أمحد بن حممد بن السيار أبو‬
‫عبد اهلل‪ ،‬وهو من أصحاب اهلادي‪ ‬والعسكري‪ ،‬وال يمكن روايته عن الكاظم‪‬‬
‫والرضا‪ .‬وأما قوله ال يعتمد عىل تصنيفه فهو غري صحيح‪ ،‬وذلك فإن الرجل من‬
‫أكابر العلامء وحمققيهم‪ ،‬فال مانع من االعتامد عىل تصنيفه يف غري ما ثبت فيه خالفه(((‪.‬‬

‫االعتماد على امل�ستطرفات‬


‫ما استطرفه ابن إدريس يف خامتة الرسائر هو‪:‬‬

‫((( معجم رجال احلديث‪.٦٧/١٦ :‬‬


‫((( املعجم‪.٦٧/١٦ :‬‬
‫‪81‬‬ ‫م�ستطرفات ال�سرائر‬

‫‪ -1‬ما استطرفه من كتاب موسى بن بكر الواسطي‪.‬‬

‫‪ -2‬ما استطرفه من كتاب معاوية بن عامر‪.‬‬

‫‪ -3‬ما استطرفه من نوادر البزنطي‪.‬‬

‫‪ -4‬ما استطرفه من كتاب أبان بن تغلب‪.‬‬

‫‪ -5‬ما استطرفه من كتاب مجيل بن دراج‪.‬‬

‫‪ -6‬ما استطرفه من كتاب السياري‪.‬‬

‫‪ -7‬ما استطرفه من جامع البزنطي صاحب الرضا‪.‬‬

‫‪ -8‬ما استطرفه من كتاب مسائل الرجال ومكاتباهتم الرضا‪.‬‬

‫‪ -9‬ما استطرفه من كتاب السجستاين‪.‬‬

‫‪ -10‬ما استطرفه من كتاب املشيخة للرساد‪.‬‬

‫‪ -11‬ما استطرفه من كتاب نوادر املصنف لألشعري‪.‬‬

‫‪ -12‬ما استطرفه من كتاب َمن ال حيضرَ ُ ُه الفقيه للصدوق‪.‬‬

‫‪ -13‬ما استطرفه من كتاب قرب اإلسناد للحمريي‪.‬‬

‫‪ -14‬ما استطرفه من كتاب جعفر بن حممد بن سنان الدهقان‪.‬‬

‫‪ -15‬ما استطرفه من كتاب معاين األخبار من اجلزء الثاين‪.‬‬

‫‪ -16‬ما استطرفه من كتاب هتذيب األحكام للطويس‪.‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪82‬‬

‫‪ -17‬ما استطرفه من كتاب عبد اهلل بن بكري بن أعني‪.‬‬

‫‪ -18‬ما استطرفه من رواية أيب القاسم بن قولويه‪.‬‬

‫‪ -19‬ما استطرفه من كتاب أنس العامل للصفواين‪.‬‬

‫‪ -20‬ما استطرفه من كتاب املحاسن للربقي‪.‬‬

‫‪ -21‬باب حمبة املسلمني واالهتامم هبم‪.‬‬

‫‪ -22‬باب األيام التي يكره فيها السفر‪.‬‬

‫‪ -23‬ما استطرفه من كتاب العيون واملحاسن للمفيد‪.‬‬

‫إن اإلشكال الواضح عىل روايات املستطرفات هو أن ابن إدريس مل يذكر طرقه إىل‬
‫هذه الكتب‪ ،‬وال توجد له مشيخة يف هناية الكتاب‪ ،‬فهو يف الواقع يروي تلك الروايات‬
‫ال بل منقطع ًا‪ ،‬فال ندري كيف وصلت إليه هذه الكتب؟ فكيف يمكن االعتامد‬
‫مرس ً‬
‫عليها؟‬

‫هذا‪ ،‬ولكن توجد بعض املحاوالت لتصحيح روايات املستطرفات‪.‬‬

‫املحاولة األوىل‪ :‬أن الشهيد األول قد ذكر يف إجازته البن اخلازن ‪-‬والتي أوردها‬
‫العالمة املجليس يف البحار‪ -‬بأن ابن إدريس يروي مجيع مرويات الشيخ بواسطة ابن‬
‫رطبة عن أيب عيل بن الشيخ الطويس امللقب باملفيد الثاين(((‪ ،‬والشيخ له طرق إىل األصول‬
‫والكتب كام هو واضح‪ .‬وعليه‪ ،‬فابن إدريس له طريق معترب إىل تلك األُصول والكتب‪.‬‬

‫((( قبسات من علم الرجال‪.٦٠٥/٢ :‬‬


‫‪83‬‬ ‫م�ستطرفات ال�سرائر‬

‫ويمكن أن يجُ اب عنه أوالً‪ :‬بأنه ال ندري هل طريق ابن إدريس إىل مرويات الشيخ‬
‫طريق تربكي أم أنه طريق إىل نسخ الكتب واألُصول؟ واملفيد هو الثاين دون األول‪،‬‬
‫والظاهر منه هو األول دون الثاين‪ ،‬فاحلاصل غري مفيد واملفيد غري حاصل‪ .‬وعليه‪،‬‬
‫فيحتمل أن ابن إدريس له طريق إىل أصل الكتب لكن حصل عىل النسخ عن طريق‬
‫الوجادة(((‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬ما أفاده شيخنا األُستاذ اإليرواين‪ ،‬وحاصله‪ :‬أن احتامل تعدد النسخ‬
‫موجود‪ ،‬فمن املحتمل أن الشيخ قد اعتمد عىل نسخة وابن إدريس اعتمد عىل نسخة‬
‫ُأخرى‪.‬‬

‫وثالث ًا‪ :‬إن طرق الشيخ إىل األُصول ليست كلها صحيحة‪ ،‬بل ال بد من مالحظة‬
‫أسانيده‪ ،‬فإذا كان هذا حال طرق الشيخ‪ ،‬فكيف يمكن االطمئنان بمرويات ابن‬
‫إدريس؟!‬

‫املحاولة الثانية‪ :‬إن الكتب واألُصول التي اعتمد عليها ابن إدريس كلها مشهورة‬
‫معلومة االنتساب إىل أصحاهبا‪ ،‬فهي ال حتتاج إىل سند معترب‪ .‬وهذا الكالم سيال ويأيت‬
‫يف مصادر الكتب األربعة أيض ًا‪.‬‬

‫وفيه أوالً‪ :‬إن تلك األُصول لو كانت كلها مشهورة فلامذا ذكر الشيخ طرقه إليها يف‬
‫الفهرست ويف املشيخة؟ وملاذا ذكر الصدوق مشيخته يف هناية الفقيه مع أنه ادعى شهرة‬
‫مصادره يف ديباجة الكتاب؟‬

‫((( قبسات من علم الرجال‪.٦٠٥/٢ :‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪84‬‬

‫وثاني ًا‪ :‬حتى لو سلمنا شهرة الكتاب فإهنا ال تغني النسخ عن سند معترب‪ ،‬فإن‬
‫ٍ‬
‫حينئذ إىل سند معترب‪.‬‬ ‫أصل الكتاب قد يكون مشهور ًا دون نسخه‪ ،‬فتحتاج النسخة‬
‫من هنا كان الشيخ الصدوق والشيخ الطويس بحاجة إىل ذكر مشيختهام يف هناية الفقيه‬
‫والتهذيبني‪ ،‬فإن املصادر التي اعتمدا عليها قد تكون مشهورة كام قال الصدوق‪ ،‬إال أن‬
‫نسخها ليست كذلك فتحتاج إىل سند معترب‪.‬‬

‫املحاولة الثالثة‪ :‬إن ابن إدريس ال يعمل بأخبار اآلحاد‪ ،‬وإنام يعمل بالتواتر أو‬
‫باخلرب املحفوف بقرائن تفيد القطع أو الوثوق‪ ،‬فمن هنا يمكن أن يقال‪ :‬إن روايات‬
‫املستطرفات تفيد القطع والوثوق‪.‬‬

‫وفيه‪ :‬إن تلك القرائن التي أفادت ابن إدريس الوثوق والقطع ‪-‬لو سلمنا هبذا‬
‫الكالم‪ -‬قد ال تفيدنا ذلك لو اطلعنا عليها‪ ،‬ومن الواضح أن القطع احلاصل البن‬
‫إدريس حجة عليه وليس حجة علينا‪.‬‬

‫إذن ال يوجد وجه يصحح لنا االعتامد عىل مجيع مرويات مستطرفات الرسائر‪،‬‬
‫ومن هنا فهي تعامل معاملة املرسالت‪ .‬نعم‪ ،‬قد وقع البحث يف بعضها حيث ذهب‬
‫البعض إىل إمكان االعتامد عليها كام سيأيت‪.‬‬

‫موقف ال�سيد اخلوئي وتراجعه‬


‫كان السيد اخلوئي يرى صحة االعتامد عىل مرويات ابن إدريس يف مستطرفات‬
‫الرسائر‪ ،‬فقد عبرّ عن أكثر من رواية وردت فيه بأهنا صحيحة‪ .‬قال يف موضع من‬
‫التنقيح‪ :‬ال إشكال يف سندها ألن ابن إدريس نقلها من كتاب املشيخة للحسن بن‬
‫‪85‬‬ ‫م�ستطرفات ال�سرائر‬

‫حمبوب عن عبد اهلل بن سنان(((‪ .‬وقال يف موض ٍع ٍ‬


‫ثان‪ :‬صحيحة حممد بن مسلم املروية يف‬
‫الرسائر عن كتاب البزنطي(((‪ .‬وقال يف موضع ثالث‪ :‬ومنها صحيحة البزنطي املروية‬
‫يف آخر الرسائر(((‪.‬‬

‫ويبدو أن السيد اخلوئي‪ ‬قد تبدل موقفه من مستطرفات الرسائر‪ ،‬فصار يرى‬
‫عدم إمكان االعتامد عىل رواياته‪ .‬قال‪ ‬بعد أن تبدل رأيه‪ :‬وما عن صاحب احلدائق‬
‫ال عن‬ ‫بالصحة‪ ،‬نظر ًا إىل ّ‬
‫أن ابن إدريس رواها يف مستطرفات الرسائر نق ً‬ ‫ّ‬ ‫من توصيفها‬
‫حممد بن عبد اهلل ليتأ ّمل من أجله كام ترى‪،‬‬
‫كتاب معاوية بن عماّ ر نفسه‪ ،‬فليس يف الطريق ّ‬
‫أن ابن إدريس مل يكن معارص ًا ملعاوية بن عماّ ر‪ ،‬فبينهام واسطة ال حمالة وهي‬
‫رضورة ّ‬
‫تعرضه إليه ال يف الرسائر وال يف غريه(((‪.‬‬
‫جمهولة‪ ،‬إذ مل يعلم طريقه إىل الكتاب‪ ،‬لعدم ّ‬

‫وقال يف موضع آخر‪ :‬هناك رواية واحدة ر ّبام يستظهر منها اعتبار الفقر‪ ،‬وهي ما‬
‫أورده ابن إدريس يف آخر الرسائر نق ً‬
‫ال من كتاب املشيخة للحسن بن حمبوب‪ ...‬وير ّده‬
‫‪-‬مضاف ًا إىل ضعف السند‪ ،‬جلهالة طريق ابن إدريس إىل كتاب املشيخة‪ّ :-‬‬
‫أن الداللة‬
‫أيض ًا قارصة(((‪.‬‬

‫((( التنقيح يف رشح العروة الوثقى‪.٣٣٥/٣ :‬‬


‫((( املصدر‪.٣٩٥/٣ :‬‬
‫((( املصدر‪.٢٦/٤ :‬‬
‫((( مستند العروة الوثقى‪.٢٢٠ -٢١٩/١٣ :‬‬
‫((( مستند العروة الوثقى‪.٨٨ -٨٧/١٤ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪86‬‬

‫ما ا�ستطرفه من كتاب نوادر امل�صنف ملحمد بن علي بن حمبوب‬


‫نعم‪ ،‬استثنى السيد اخلوئي‪ ‬من رفضه مستطرفات الرسائر ما نقله ابن إدريس عن‬
‫كتاب حممد بن عيل بن حمبوب‪ ،‬وذلك ألن ابن إدريس قال عنه‪ :‬من ذلك ما استطرفناه‬
‫القمي‪،‬‬
‫من كتاب نوادر املصنف تصنيف حممد بن عيل بن حمبوب األشعري اجلوهري ّ‬
‫وهذا الكتاب كان بخط شيخنا أيب جعفر الطويس‪ ‬مصنف كتاب النهاية‪ ،‬فنقلت‬
‫هذه األحاديث من خ ّطه من الكتاب املشار إليه(((‪.‬‬

‫ووجه اعتامده عىل هذا النقل واضح‪ ،‬فإن ابن إدريس قد اعتمد عىل نسخة الشيخ‬
‫الطويس حيث عرفها من خالل خطه ولمَ جيد الكتاب يف األسواق أو يف مكان آخر‪.‬‬

‫وقد وافقه عىل ذلك شيخنا األُستاذ اإليرواين‪ ‬يف جملس درسه‪ ،‬وقال‪ :‬إنه‬
‫خمتار السيد الشهيد الصدر‪ ‬أيض ًا‪ ،‬وكذلك هو خمتار سيدنا األُستاذ السيد حممد رضا‬
‫السيستاين يف بعض أبحاثه(((‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد يشكل عليه‪ :‬بأنه كيف عرف ابن إدريس بأن هذا خط الشيخ الطويس؟‬
‫إن ابن إدريس مل يعارص الشيخ جزم ًا‪ ،‬فال بد أنه حصل له االطمئنان بذلك من خالل‬
‫قرائن حصلت له‪ ،‬وهذا االطمئنان ليس حجة علينا؛ إذ من املمكن أنه لو اطلعنا عليها‬
‫ملا أفادتنا االطمئنان‪.‬‬

‫واجلدير بالذكر أن سنة وفاة ابن إدريس هي (‪٥٩٨‬هـ)‪ ،‬مع أن سنة وفاة الشيخ‬

‫((( مستطرفات الرسائر‪.٦٠١/١ :‬‬


‫((( قبسات من علم الرجال‪.٦٠٩/٢ :‬‬
‫‪87‬‬ ‫م�ستطرفات ال�سرائر‬

‫الطويس هي (‪٤٦٠‬هـ)‪ ،‬فالفارق الزمني بني وفاتيهام ‪ ١٤٠‬سنة تقريب ًا‪ .‬فكيف عرف ابن‬
‫إدريس أن هذا خط الشيخ؟ بل كيف يكون الشيخ جد ابن إدريس ألُمه مع هذا الفارق‬
‫الزمني الكبري بينهام؟ ولعله كان الشيخ جد ًا ألُم ابن إدريس‪.‬‬

‫ال ّلهم إال أن ُيقال‪ :‬أن ابن إدريس سبط الشيخ الطويس‪ ،‬فليس من الغريب أن‬
‫تصله نسخة بخط الشيخ‪ ،‬وال ُبعد يف معرفة خط اجلد من قبل السبط‪ ،‬لكنه كام ترى‪ ،‬إذ‬
‫هو وجيه فيام لو عارص السبط جده‪ ،‬ولكن األمر هنا ليس كذلك‪.‬‬

‫من هنا يظهر التأمل فيام أفاده الشيخ املحسني‪ ،‬حيث قال‪ :‬ومعرفة خط الشيخ‬
‫وإن كانت حدسية‪ ،‬فهي قريبة من احلس‪ ،‬يكفي يف إثباهتا قول احليل الثقة‪ ،‬فكأن الشيخ‬
‫أخربه بروايات النوادر من دون إرسال(((‪.‬‬

‫وجه التأمل‪ :‬إن مع الفاصل الزمني الكبري بني الشيخ وابن إدريس ال حيتمل أن‬
‫تكون شهادة ابن إدريس حسية‪ .‬من هنا أشكل سيدنا األُستاذ‪ ‬يف موضع آخر من‬
‫الزمني بني ابن إدريس والشيخ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫الفاصل‬ ‫أبحاثه عىل ما أفاده السيد اخلوئي‪ ،‬مبين ًا ّ‬
‫أن‬
‫كبري‪ ،‬فكيف عرف ابن إدريس أن هذا خط الشيخ؟‬
‫ٌ‬
‫قال‪ :‬إن االعتامد عىل شهادة ابن إدريس بأن نسخته من كتاب نوادر حممد بن عيل‬
‫بن حمبوب كانت بخط الشيخ من جهة قرب العهد بينهام ومعروفية الشيخ‪ ،‬مما يقتيض‬
‫معروفية خطه أيض ًا مشكل جد ًا‪ ،‬فإن الشيخ‪ ‬قد تويف سنة (‪460‬هـ) وابن إدريس‬
‫بلغ احللم عام (‪558‬هـ)‪ ،‬فالفاصل بينهام يقرب من ٍ‬
‫قرن من الزمن وكون الشيخ معروف ًا‬
‫جد ًا ال يقتيض معروفية خطه حتى بعد قرن من وفاته‪ .‬واحلقيقة أن معرفة خطوط‬

‫((( بحوث يف علم الرجال‪.٢٦٢ :‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪88‬‬

‫السابقني علم برأسه وليس كل شخص ُيتقن ذلك‪ ،‬ومل ُيعرف مدى متكن الشيخ ابن‬
‫إدريس‪ ‬من معرفة خطوط العلامء‪ ،‬فيصعب االطمئنان بصحة ما ذكره يف املقام(((‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وأشكل السيد مهدي اخلرسان‪ ‬عىل ما استطرفه ابن إدريس من كتاب‬
‫حممد بن عيل بن حمبوب بام حاصله‪ :‬أن اسم الكتاب هو (نوادر املصنفني) والظاهر أن‬
‫ابن إدريس ال يقبل مثل هذه األخبار ألهنا تكون من النوادر والغرائب(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬ال هيمنا ما إذا قبل ابن إدريس تلك األخبار أم مل يقبلها‪ ،‬وإنام املهم عندنا‬
‫وجود طريق معترب البن إدريس إىل ذلك الكتاب‪ .‬نعم‪ ،‬لو كانت أحاديث الكتاب‬
‫جمموعة من الغرائب فهذا سبب آخر لرفضها عىل بعض املباين‪.‬‬

‫ما ا�ستطرفه عن جامع البزنطي‬


‫قد يشكل عىل ما استطرفه ابن إدريس عن جامع البزنطي‪ ،‬مضاف ًا إىل إشكال‬
‫اإلرسال بام أفاده سيدنا األُستاذ‪ ‬من وقوع اخللط واالشتباه الكثري فيه‪ ،‬فإنه قد‬
‫روى بعض الروايات من كتاب قرب اإلسناد عن عيل بن جعفر ونسبها إىل جامع‬
‫البزنطي اشتباها‪.‬‬

‫النساخ فيام استطرفه من جامع‬


‫قال‪ :‬والظاهر وقوع االشتباه منه أو من بعض ّ‬
‫البزنطي أيض ًا‪ ،‬فإن املالحظ أن الروايات اخلمس عرشة األُ َول منه‪ ...‬تطابق روايات‬
‫عيل بن جعفر عن أخيه موسى‪ ،‬حسب ما أوردها احلمريي يف قرب اإلسناد وهي‬

‫((( بحوث يف رشح املناسك‪.٢٧٦/٨ :‬‬


‫((( موسوعة ابن إدريس احليل‪.١٥/١٤ :‬‬
‫‪89‬‬ ‫م�ستطرفات ال�سرائر‬

‫توجد يف املطبوع منه عىل التوايل يف عدة صفحات‪ .‬وجاء يف آخر هذه الروايات‪( :‬قال‬
‫عيل‪ :‬وسمعت أخي يقول‪ :‬من أبلغ سلطان ًا‪ ،)...‬وهذا رصيح يف كون السائل يف تلك‬
‫الروايات هو عيل بن جعفر واملسؤول عنه هو أخوه اإلمام الكاظم‪ ،‬فكيف يمكن أن‬
‫تعدّ من مرويات البزنطي عن الرضا‪‬؟(((‪ ،‬هذا إشكال‪.‬‬

‫وإشكال آخر‪ :‬أن ابن إدريس ذكر فيام استطرفه عن جامع البزنطي أنه يروي عمن‬
‫هو متأخر عنه يف الطبقة‪ ،‬فكيف يعقل رواياته عنه؟‬

‫قال سيدنا األُستاذ‪ :‬جاء يف احلديث الرابع واألربعني ما لفظه‪( :‬وعنه عن عيل‬
‫بن سليامن عن حممد بن عبد اهلل بن زرارة عن حممد بن الفضيل البرصي قال‪ :‬نزل بنا‬
‫أبو احلسن‪ ،)...‬وظاهره رواية البزنطي عن عيل بن سليامن مع أن عيل بن سليامن بن‬
‫ومتأخر طبق ًة عن البزنطي بكثري‪ ،‬بل إن حممد بن عبد‬
‫ّ‬ ‫رشيد هذا من أصحاب اهلادي‪‬‬
‫اهلل بن زرارة متأخر يف الطبقة عن البزنطي‪ ،‬وقد تكررت روايته عنه‪ ،‬فكيف يروي عنه‬
‫البزنطي بواسطة عيل بن سليامن؟!‬
‫(((‬

‫ما ا�ستطرفه عن كتاب �أبان بن تغلب‬


‫وأما ما رواه ابن إدريس عن كتاب أبان بن تغلب فقد حصل له خلط يف عدة‬
‫موارد‪:‬‬

‫منها‪ :‬أنه ذكر بأن أبان قد روى عن عيل بن أسباط‪ ،‬ولكن ال يمكن ألبان ‪-‬وهو من‬

‫((( قبسات من علم الرجال‪.٦٠٧/٢ :‬‬


‫((( املصدر‪.٦٠٨/٢ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪90‬‬

‫أصحاب الباقر والصادق‪ -‬أن يروي عن عيل بن أسباط‪ ،‬وذلك ألن الشيخ والربقي‬
‫قد عداه ‪-‬يف رجاهلام‪ -‬يف أصحاب الرضا واجلواد‪.(((‬‬

‫ومنها‪ :‬روايته عن إسامعيل بن مهران‪ ،‬فإن الربقي عدّ ه من أصحاب الرضا‪‬‬


‫وأنه روى عن اجلواد‪ ،(((‬فكيف يروي عنه أبان؟ نعم قد ذكر الشيخ يف رجاله أنه من‬
‫أصحاب الصادق‪ ،(((‬والرضا‪ ،(((‬ولكن من املطمأن به أن إدراجه يف أصحاب‬
‫الصادق‪ ‬حصل منه اشتباها‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬رواية أبان عن عيل بن احلكم بن الزبري الكويف‪ ،‬فإن الشيخ قد عدّ ه يف‬
‫أصحاب الرضا‪ ‬تارة(((‪ ،‬وفيِ أصحاب اجلواد‪ُ ‬أخرى(((‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬روايته عن صفوان بن حييى‪ ،‬فإنه من أصحاب الرضا واجلواد‪.(((‬‬

‫ومنها‪ :‬روايته عن ه��ارون بن مسلم‪ ،‬وقد ع��دّ ه الشيخ والربقي يف أصحاب‬


‫العسكري‪.(((‬‬

‫((( انظر‪ :‬معجم رجال احلديث‪.٢٥٨/١٢ :‬‬


‫((( معجم رجال احلديث‪.١٠٣/٤ :‬‬
‫((( رجال الشيخ‪.١٦١ :‬‬
‫((( املصدر‪.٣٥٢ :‬‬
‫((( رجال الشيخ‪.٣٦١ :‬‬
‫((( املصدر‪.٣٧٦ :‬‬
‫((( معجم رجال احلديث‪.١٣٥/١٠ :‬‬
‫((( املعجم‪.٢٥٢/٢٠ :‬‬
‫‪91‬‬ ‫م�ستطرفات ال�سرائر‬

‫ومنها‪ :‬روايته عن معمر بن خالد عن الرضا‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فالظاهر أن ابن إدريس قد استخرج هذه الروايات من كتاب شخص آخر‬
‫غري أبان بن تغلب‪ ،‬فإنه ال يعقل أن يروي أبان عن هؤالء الذين ذكرناهم‪.‬‬

‫قال سيدنا األُستاذ‪ :‬ولكن تنبه غري واحد من األعالم إىل أن ذلك الكتاب ال‬
‫يمكن أن يكون ألبان بن تغلب‪ ،‬فإن الرواة املبدوء بأسامئهم يف األحاديث املنتزعة منه‬
‫هم يف الغالب من الطبقة السادسة؛ كقاسم بن عروة وعيل بن أسباط وحممد بن عبد اهلل‬
‫بن زرارة وعبد الرمحن بن أيب نجران واحلسن بن عيل ابن بنت إلياس وعيل بن احلكم‬
‫بن الزبري وحممد بن الوليد وهارون بن مسلم ومعمر بن خالل [خالد] وصفوان بن‬
‫حييى‪ ،‬وبعضهم من الطبقة اخلامسة؛ كسعد بن ميمون‪ ،‬وبعضهم متأخر بعض اليشء‬
‫عن الطبقة السادسة؛ كحاتم بن إسامعيل وحممد بن عبد اهلل بن غالب‪ ،‬فمؤلف هذا‬
‫الكتاب ال يمكن أن يكون هو أبان بن تغلب الذي كان من كبار الطبقة الرابعة‪ ،‬بل ال‬
‫بد أن يكون من الطبقة السادسة أو السابعة‪ ...‬فالنتيجة‪ :‬أن مؤلف هذا الكتاب غري‬
‫معروف(((‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬ويوجد احتامالن قد ُطرحا يف املقام‪ ،‬األول‪ :‬ما نُسب إىل املحقق التسرتي‬
‫من كون صاحب الكتاب ليس أبان بن تغلب‪ ،‬وإنام هو تأليف شخص يقرب من‬
‫عرص الكليني‪ .‬الثاين‪ :‬ما نُسب إىل املعلق عىل كتاب الكايف طبعة دار احلديث‪ ،‬وهو أن‬
‫املصنف هو أبان بن حممد السندي؛ وذلك ألن بعض هؤالء الرواة الذين وردوا يف ما‬
‫نقله ابن إدريس عن الكتاب هم من مشايخ السندي؛ كصفوان وحممد بن الوليد وعيل‬

‫((( قبسات من علم الرجال‪.٦٢٠-٦١٩/٢ :‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪92‬‬

‫بن احلكم‪ ،‬فالكتاب له(((‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬ولكن أشكل سيدنا األُستاذ‪ ‬عىل األول منهام‪ :‬بأن أغلب الرواة الذين‬
‫بدأ السند هبم هم من الطبقة السادسة‪ ،‬والكليني من الطبقة التاسعة‪ ،‬ومن يقارب زمن‬
‫عمن‬
‫الكليني يفرتض أن يكون من الطبقة الثامنة‪ ،‬فكيف يروي َمن هو يف الطبقة الثامنة ّ‬
‫هو يف الطبقة السادسة بال واسطة(((؟ وعىل الثاين‪ :‬أن جمرد االشرتاك يف راويني أو ثالثة‬
‫ال يوجب الوثوق بكون الكتاب املذكور من تأليف أبان بن حممد(((‪.‬‬

‫ما ا�ستطرفه عن كتاب ال�سياري‬


‫قال ابن إدريس‪ :‬ومن ذلك ما استطرفناه من كتاب السياري‪ ،‬واسمه أبو عبد اهلل‬
‫صاحب موسى والرضا‪.(((‬‬

‫أقول‪ :‬إن ابن إدريس اشتبه يف حال السياري‪ ،‬فإنه قد جعله من أصحاب الكاظم‬
‫والرضا‪ ،‬مع أنه من أصحاب اهلادي واحلسن العسكري‪ ،‬كام ذكر ذلك الربقي‬
‫والشيخ يف رجاليهام(((‪.‬‬

‫ثم حتى عىل فرض عدم االشتباه ووجود سند متصل البن إدريس إىل السياري‬

‫((( قبسات من علم رجال ‪.٦٢٠-٦١٩/٢‬‬


‫((( املصدر‪.٦٢٠/٢ :‬‬
‫((( املصدر‪.٦٢٠/٢ :‬‬
‫((( مستطرفات الرسائر‪.٥٦٨ :‬‬
‫((( انظر‪ :‬معجم رجال احلديث‪.٧٢/٣ :‬‬
‫‪93‬‬ ‫م�ستطرفات ال�سرائر‬

‫ال يمكن االعتامد عىل ما استطرفه من كتابه؛ وذلك لثبوت ضعف السياري عند علامء‬
‫الرجال‪ .‬قال النجايش‪ :‬أمحد بن حممد بن سيار أبو عبد اهلل الكاتب برصي‪ ،‬كان من‬
‫كتّاب آل طاهر يف زمن أيب حممد‪ ،‬ويعرف بالسياري‪ ،‬ضعيف احلديث‪ ،‬فاسد‬
‫املذهب ‪-‬ذكر ذلك لنا‪ :‬احلسني بن عبيد اهلل‪ -‬جمفو الرواية‪ ،‬كثري املراسيل‪ ،‬له كتب‪.‬‬
‫وقال الشيخ‪ :‬أمحد بن حممد بن سيار أبو عبد اهلل الكاتب‪ ،‬برصي‪ ،‬كان من كتّاب آل‬
‫طاهر يف زمن أيب حممد‪ ‬ويعرف بالسياري‪ ،‬ضعيف احلديث‪ ،‬فاسد املذهب‪ ،‬جمفو‬
‫الرواية‪ ،‬كثري املراسيل‪ ،‬وصنف كتب ًا كثرية‪ .‬وض ّعفه حممد بن احلسن بن الوليد‪ ،‬وتبعه يف‬
‫ذلك أبو جعفر ابن بابويه الصدوق وأبو العباس بن نوح(((‪.‬‬

‫ما ا�ستطرفه عن كتاب امل�شيخة للح�سن بن حمبوب‬


‫أفاد سيدنا األُستاذ‪ ‬بأنه يمكن الوثوق من خالل بعض القرائن بأن ابن إدريس‬
‫قد استخرج ما استطرفه من كتاب املشيخة للحسن بن حمبوب من نفس كتابه‪.‬‬

‫قال‪ :‬وبمراجعتي إىل ما أورده من الروايات يمكن الوثوق بأن ذلك الكتاب كان‬
‫بالفعل كتاب املشيخة للحسن بن حمبوب‪ ،‬فإن كل األسامء التي ابتدأ هبا رواياته إنام‬
‫هم من مشايخ احلسن بن حمبوب‪ ،‬وله روايات عنهم يف جوامع احلديث‪ ،‬بل إن النسبة‬
‫األكرب من تلك الروايات موجودة يف الكتب األربعة وغريها مروية عن احلسن بن‬
‫حمبوب بنفس االسانيد التي أوردها ابن إدريس عن كتاب املشيخة‪ ،‬فيمكن استحصال‬
‫االطمئنان بأن تلك النسخة كانت بالفعل نسخة املشيخة للحسن بن حمبوب‪ ،‬وإن مل‬

‫((( انظر‪ :‬معجم رجال احلديث‪.٧٢/٣ :‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪94‬‬

‫يكن البن إدريس‪ ‬خربة عالية يف تشخيص الكتب كام تقدم يف بحث سابق‪ .‬وأما‬
‫احتامل وقوع الدس والتزوير فيها فيمكن نفيه؛ من جهة تداول نسخ هذا الكتاب‬
‫وشهرته الواسعة يف ذلك العرص‪ ،‬وأما احتامل وقوع اخلطأ واالشتباه فيها فيمكن نفيه‬
‫باألصل‪ ،‬كام يف سائر املوارد(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬إن شهرة كتاب املشيخة يف زمان ابن إدريس دعوى حتتاج إىل إثبات‪ ،‬وعىل‬
‫فرض التسليم بشهرة أصل الكتاب فالكالم يقع يف نسخه‪ ،‬ومن البعيد أن تكون كلها‬
‫مشهورة‪ .‬وأما ما ذكره سيدنا األُستاذ من القرائن فهو وإن كان وجيها ولكن قد ال يفيد‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫الكل الوثوق‪ .‬نعم‪َ ،‬من حصل له االطمئنان فهو حجة عليه‪ ،‬ويصح له االعتامد‬
‫عىل ما رواه ابن إدريس عن املشيخة‪.‬‬

‫ما ا�ستطرفه عن نوادر البزنطي‬


‫قد يقال‪ :‬يمكن القول باعتبار ما استطرفه ابن إدريس عن نوادر البزنطي؛ وذلك‬
‫لوجود طريق صحيح البن إدريس إىل مرويات الشيخ‪ ،‬وطريق الشيخ يف الفهرست إىل‬
‫نوادر البزنطي أيض ًا صحيح‪ ،‬فثبت املطلوب‪.‬‬

‫قال الشيخ يف الفهرست عن طريقه إىل نوادر البزنطي‪ :‬وله كتاب النوادر‪ ،‬أخربنا‬
‫به أمحد بن حممد بن موسى‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أمحد بن حممد بن سعيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حييى بن‬
‫زكريا بن شيبان‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أمحد بن حممد بن أيب نرص‪ .‬ومات أمحد بن حممد سنة‬

‫((( قبسات من علم الرجال‪.٦١٠/٢ :‬‬


‫‪95‬‬ ‫م�ستطرفات ال�سرائر‬

‫إحدى وعرشين ومائتني(((‪.‬‬

‫وهذا الطريق عند السيد اخلوئي تام؛ ألن أمحد بن حممد بن موسى بن الصلت‬
‫األهوازي من مشايخ النجايش‪ ،‬وقد بنى‪ ‬عىل أن مشايخ النجايش كلهم ثقات‪ .‬بل‬
‫كل من يقبل كربى وثاقة مشايخ النجايش سيكون هذا الطريق تام ًا عنده‪.‬‬

‫وأشكل عىل ذلك سيدنا األُستاذ‪ ‬بإشكالني‪ ،‬األول‪ :‬أنه مل تثبت كربى وثاقة‬
‫مشايخ النجايش‪ .‬والثاين‪ :‬أن طرق الشيخ يف الفهرست هي يف األعم األغلب ليست‬
‫إىل نسخ الكتب‪ ،‬وإنام هي إىل عناوينها(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬يمكن التأمل يف اإلشكال األول؛ حيث ّ‬


‫مر بنا يف اجلزء األول أن الصحيح‬
‫هو ثبوت وثاقة مشايخ النجايش فراجع‪ .‬وأما اإلشكال الثاين فظاهر ًا أنه تام‪ ،‬خالف ًا ملا‬
‫بنينا عليه يف كتاب (دروس يف علم الرجال)‪.‬‬

‫والصحيح يف اجلواب أن يقال‪ :‬نحن ال نعلم كيف حصل ابن إدريس عىل كتاب‬
‫نوادر البزنطي‪ ،‬ولعله كان عن طريق الوجادة‪ ،‬وأما وجود طريق معترب إىل أصل الكتاب‬
‫فال ينفع يف يشء ما دام ليس طريق ًا إىل نسخة معينة‪.‬‬

‫ر�أي ال�سيد اخلر�سان‪‬‬


‫يرى السيد مهدي اخلرسان‪ ‬يف مقدمته عىل املستطرفات أن ابن إدريس سمى‬
‫هذه املستطرفات بـ(النوادر) أو (الزيادات)‪ ،‬ومعنى (استطرفه) أنه يراه غريب ًا ونادر ًا‪.‬‬

‫((( الفهرست‪.٦٢ :‬‬


‫((( بحوث يف رشح مناسك احلج‪.٣١٥/٤ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪96‬‬

‫وهذا يعني أن ابن إدريس ال يعمل بمثل هذه األخبار التي هي يف الواقع جامعة للغرائب‬
‫والنوادر(((‪.‬‬

‫ومما يؤيد ذلك‪ :‬ما قاله العالمة املجليس عند ذكره مستطرفات الرسائر يف مقدمة‬
‫البحار حيث جعله من مصادر بحاره‪ :‬وكتاب الرسائر للشيخ الفاضل الثقة العالمة‬
‫حممد بن إدريس احليل‪ ،‬وقد أورد يف آخر ذلك الكتاب باب ًا مشتم ً‬
‫ال عىل األخبار وذكر‪:‬‬
‫(أين استطرفته من كتب املشيخة املصنفني‪ ،‬والرواة املحصلني)‪ ،‬ويذكر اسم صاحب‬
‫الكتاب ويورد بعده األخبار املنتزعة من كتابه‪ ،‬وفيه أخبار غريبة وفوائد جليلة(((‪.‬‬

‫ويرى السيد اخلرسان حفظه اهلل أيض ًا أن روايات املستطرفات ليست فقط مرسلة‬
‫وإنام هي منقطعة؛ إذ اإلرسال يف الرواية يعني وجود سند هلا إال أنه مل تُذكر الواسطة‪،‬‬
‫بينام االنقطاع يعني ما ال يتصل سنده باملعصوم(((‪.‬‬

‫ويرى حفظه اهلل أن الظاهر من املستطرفات أن ابن إدريس قد نقل عن تلك الكتب‬
‫مبارشة‪ ،‬وقد حصل عليها عن طريق الوجادة‪ ،‬ولمَ حيصل عليها من خالل مشاخيه‪.‬‬
‫حتمل الرواية(((‪.‬‬ ‫واملعروف أن الوجادة هي أضعف ٍ‬
‫نحو من أنحاء ّ‬

‫ثم إن السيد حفظه اهلل أصرّ عىل مطلب‪ ،‬وهو أن ابن إدريس مل يضمن صحة ما‬
‫أورده يف املستطرفات‪ ،‬ولمَ يلتزم باعتبار رواياته‪ ،‬وقد ذكر بعض الشواهد لتقوية ما‬

‫((( موسوعة ابن إدريس احليل‪.٩/١٤ :‬‬


‫((( بحار األنوار‪.١٦/١ :‬‬
‫((( موسوعة ابن إدريس احليل‪.١٢/١٤ :‬‬
‫((( املصدر‪.١3/١٤ :‬‬
‫‪97‬‬ ‫م�ستطرفات ال�سرائر‬

‫أفاده‪.‬‬

‫الشاهد األول‪ :‬بدأ ابن إدريس مستطرفاته بام استطرفه عن موسى بن بكر الواسطي‬
‫وهو واقفي‪ ،‬مع أنه ال يقبل روايات الرواة املنحرفني عن احلق؛ كعامر الساباطي وسامعة‬
‫وعيل بن احلسن بن فضال وزرعة‪ ،‬فإنه ر ّد أخبار هؤالء معل ً‬
‫ال بأهنم فطحية كفار‪.‬‬
‫والظاهر أنه ال فرق يف نظر ابن إدريس بني الفطحية والواقفة من ناحية الكفر وذلك‬
‫(((‬
‫لوحدة املناط‪ .‬ومع هذا‪ ،‬كيف يمكن أن يقال بقبول روايات موسى بن بكر؟‬

‫الشاهد الثاين‪ :‬ال يعقل من ابن إدريس أنه اعتمد عىل ما رواه عن كتاب السياري‪،‬‬
‫مر احلديث عنه(((‪.‬‬
‫وهو الذي َض َّعفه أغلب الرجاليني‪ ،‬وقد ّ‬

‫الشاهد الثالث‪ :‬أن ابن إدريس استطرف من كتاب جعفر بن حممد بن سنان بن‬
‫دهقان وهو رجل جمهول خلت املعاجم الرجالية عن ذكره‪ ،‬فكيف يمكن أن يقال بأن‬
‫ابن إدريس قد اعتمد عىل رواياته‪ ،‬مع أن املعروف عنه هو املوقف املتشدد بإزاء أخبار‬
‫اآلحاد؟‬
‫(((‬

‫ثم قال يف هناية املطاف‪:‬‬

‫وكانت النتيجة التي ال ينبغي أن نغفل عنها هي‪ :‬أن كل أحاديث املستطرفات‬
‫مقطوعة اإلسناد‪ ،‬كام أهنا مجيع ًا مثبتة يف باب النوادر‪ ،‬وما يثبت فيها ال ُيعمل به حسب‬

‫((( املصدر‪.٢٠ -١٩/١٤ :‬‬


‫((( املصدر‪.٢١ -٢٠/١٤ :‬‬
‫((( املصدر‪.٢٢ -٢١/١٤ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪98‬‬

‫رأي املصنف‪ ...‬ولعله إنام استطرفها لي ّطلع القراء عىل حقيقة أمرها لئال يخُ دعوا هبا(((‪.‬‬

‫أقول‪:‬‬

‫إن رفضه أخبار موسى بن بكر أو السياري أو الدهقان ال يستلزم رفضنا هلا‪ ،‬فإن‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ نأخذ بام رواه وال نعتني بام كان يراه‪ .‬ولعل‬ ‫املهم هو وجود طريق معترب إىل كتبه‪،‬‬
‫هناك َمن يعمل باألخبار الغريبة إذا وجد طريق ًا معترب ًا إليها‪ .‬وأما عدم عمل ابن إدريس‬
‫هبا فهو راجع إىل حدسه واجتهاده وليس ألهنا من املراسيل‪ ،‬فتأمل‪.‬‬

‫خال�صة وا�ستنتاج‬
‫يمكن أن نلخص بحثنا بالنقاط اآلتية‪:‬‬

‫األول‪ :‬إن مشكلة اإلرسال ال يمكن التغلب عليها مع األسف‪ ،‬وإن كانت هناك‬
‫بعض املحاوالت إلثبات وجود طرق البن إدريس إىل مرويات الشيخ‪ ،‬لكنك قد‬
‫عرفت أنه ال يوجد وثوق بأن تلك الطرق هي إىل النسخ الواصلة إىل ابن إدريس‪ .‬ومن‬
‫املحتمل جد ًا أن تكون تلك الكتب واصلة إليه عن طريق الوجادة‪ .‬ومع هذا االحتامل‪،‬‬
‫كيف نطمئن إىل صحة تلك النسخ وعدم طرو الزيارة والنقصان عليها؟‬

‫الثاين‪ :‬إن كثرة األخطاء والتخليط يف املستطرفات ال يمكن غض النظر عنها‪،‬‬


‫ومعها ال نجزم بجريان سرية العقالء عىل العمل بمثل هذه الروايات‪ ،‬مع أن سريهتم‬
‫هي عمدة الدليل عىل حجية أخبار اآلحاد‪.‬‬

‫((( املصدر‪.٢٤/١٤ :‬‬


‫‪99‬‬ ‫م�ستطرفات ال�سرائر‬

‫الثالث‪ :‬قد ال تكون هذه الروايات حجة حتى يف نظر املصنف‪ ،‬كام أفاد بعض‬
‫األعالم؛ ألهنا عبارة عن جمموعة من النوادر والغرائب‪.‬‬

‫وأخري ًا أقول‪:‬‬

‫وإن أشكل االعتامد عىل روايات الكتاب مستق ً‬


‫ال واالستناد إليها كدليل‪ ،‬لكن ال‬
‫بأس باالستشهاد هبا وجعلها مؤيدات للحكم الرشعي‪.‬‬

‫***‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪100‬‬

‫اجلعفريات‬
‫إن كتاب اجلعفريات ‪-‬ويسمى أيض ًا بـ(األشعثيات)‪ -‬من الكتب الروائية القديمة‪،‬‬
‫وقد ذكره الشيخ والنجايش‪ ،‬فهو كتاب معترب وثابت يف اجلملة إن أمكن توثيق بعض‬
‫رجال سنده كام سيأيت‪.‬‬

‫لكن وقع خالف حول النسخة املتداولة اليوم لكتاب اجلعفريات‪ ،‬واألكثر عىل‬
‫عدم اعتباره‪ .‬وذهب املحدث النوري‪ ‬إىل اعتبار النسخة الواصلة إليه‪ ،‬فقد وصلته‬
‫نسخة من الكتاب من بالد اهلند عرب بعض السادة‪ ،‬حسب تعبريه‪ .‬وقد جعله املحدث‬
‫النوري أول مصدر من مصادر كتاب املستدرك‪.‬‬

‫وقيل أن كتاب اجلعفريات صار سبب ًا لتأليف كتاب مستدرك الوسائل‪ .‬قال الشيخ‬
‫ٍ‬
‫حمرك له عىل هذا التأليف‪،‬‬ ‫آغا بزرگ الطهراين‪ :‬وكان حصوله عنده أول دا ٍع وأقوى‬
‫ولذا بدأ بذكره يف اخلامتة قبل سائر املصادر‪ .‬كام أنه قدم أحاديثه يف كل باب عىل سائر‬
‫األحاديث‪ ،‬فأصبح كتاب املستدرك من بركة هذا الكتاب ومصادره املعتربة كسائر‬
‫املجاميع احلديثية املتأخرة يف أنه جيب عىل عامة املجتهدين الفحول أن يطلعوا عليها(((‪.‬‬

‫ثم إن سند النسخة الواصلة إىل النجايش والشيخ هو هكذا‪ :‬احلسني بن عبيد اهلل‬

‫((( الذريعة‪.١١٠/٢ :‬‬


‫‪101‬‬ ‫اجلعفريات‬

‫الغضائري عن سهل بن أمحد عن حممد بن حممد بن األشعث عن موسى بن إسامعيل‬


‫عن أبيه إسامعيل بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن حممد‪.‬‬

‫يبدو من السيد اخلوئي أنه ال يرى إشكاالً يف هذا السند‪ ،‬حيث قال‪ :‬وأما ما ذكره‬
‫النجايش والشيخ يف ترمجة إسامعيل بن موسى بن جعفر‪ ‬من أن له كتب ًا يروهيا عن أبيه‬
‫عن آبائه منها كتاب الطهارة إىل آخر ما ذكراه‪ ،‬فهو وإن كان معترب ًا أيض ًا‪ ،‬فإن طريقهام‬
‫إىل تلك الكتب هو احلسني بن عبيد اهلل عن سهل بن أمحد بن سهل عن حممد بن حممد‬
‫األشعث عن موسى بن إسامعيل بن موسى بن جعفر عن أبيه إسامعيل عن أبيه عن‬
‫آبائهم‪ ،‬والطريق ال بأس به(((‪.‬‬

‫فعلينا أن نثبت وثاقة كل من‪:‬‬

‫‪ -1‬إسامعيل بن اإلمام موسى بن جعفر‪‬‬

‫‪ -2‬موسى بن إسامعيل بن موسى‪‬‬

‫‪ -3‬حممد بن حممد األشعث‬

‫‪ -4‬سهل بن أمحد الديباجي‬

‫‪ -5‬احلسني بن عبيد اهلل الغضائري‬

‫فإذا ثبتت وثاقتهم أمكن القول باعتبار الكتاب‪ ،‬وإال فال‪ .‬نعم‪ ،‬احلسني بن عبيد‬
‫اهلل ثقة ملا حققناه يف اجلزء األول عند البحث عن رجال ابن الغضائري‪ ،‬فإنه من مشايخ‬
‫النجايش‪ ،‬وقد ثبت أهنم ثقات‪.‬‬

‫((( مباين تكملة املنهاج ‪.٢٢٧ -٢٢٦/١‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪102‬‬

‫هذا كله بالنسبة إىل أصل الكتاب الذي كان موجود ًا عند القدماء‪ ،‬ولكن السؤال‬
‫وزع املحدث النوري أحاديثها يف كتابه‬
‫املهم هو عن النسخة املتداولة اليوم والتي ّ‬
‫املستدرك‪ :‬كيف وصلت هذه النسخة إىل املحدث النوري؟‬

‫إنه أجاب بنفسه عن هذا السؤال‪ ،‬قائالً‪ :‬وأما نحن فعثرنا عليه يف الكتب التي جاء‬
‫هبا بعض السادة من أهل العلم من بالد اهلند‪ ،‬وكان مع قرب اإلسناد‪ ،‬ومسائل عيل بن‬
‫جعفر‪ ،‬وكتاب سليم يف جملد‪ ،‬واحلمد هلل عىل هذه النعمة اجلليلة(((‪.‬‬

‫فهل يصح االعتامد عىل هذه النسخة التي وصلت إىل املحدث النوري‪ ‬هبذه‬
‫الكيفية؟ وهل يمكن االعتامد عىل رواة هذه النسخة؟ وهل هي عني الكتاب األصيل‬
‫الذي كان موجود ًا عند القدماء أم توجد بينهام مغايرة؟ هذا ما سنبحثه هنا إن شاء اهلل‪.‬‬

‫ثم إنه ال يتوهم املغايرة بني كتاب األشعثيات وكتاب اجلعفريات‪ ،‬بل مها كتاب‬
‫وس ّمي بـ(األشعثيات) نسبة‬
‫واحد‪ُ :‬س ّمي بـ(اجلعفريات) نسبة لإلمام الصادق‪ُ ،‬‬
‫ملحمد بن حممد بن األشعث‪ .‬قال املحدث النوري حول َمن توهم املغايرة‪ :‬وكأنه رمحه‬
‫اهلل تعاىل زعم أن األشعثيات غري اجلعفريات‪ ،‬فوقع يف هذا املحذور‪ ،‬مع أن احتادمها من‬
‫الواضحات ملن تأمل فيام نقلناه عنهم(((‪.‬‬

‫وال بأس باإلشارة إىل وجود بعض الروايات املهمة يف هذا الكتاب؛ كالرواية‬
‫القائلة بأن حلق اللحية من املثلة‪ ،‬وأنه ال حيق لغري اإلمام إجراء احلدود‪ .‬فإذا ثبت اعتبار‬
‫الكتاب أمكن االستدالل بأمثال هذه الروايات‪.‬‬

‫((( خامتة املستدرك‪.٣٣/١ :‬‬


‫((( خامتة املستدرك‪.٣١/١ :‬‬
‫‪103‬‬ ‫اجلعفريات‬

‫‪� -1‬إ�سماعيل بن مو�سى بن جعفر‪‬‬


‫أما إسامعيل بن موسى بن جعفر‪ ،‬فقد قال عنه النجايش‪ :‬إسامعيل بن موسى‬
‫وولده هبا‪ ،‬وله كتب يروهيا عن‬
‫بن جعفر بن حممد بن عيل بن احلسني‪ ،‬سكن مرص ُ‬
‫أبيه عن آبائه‪ ،‬منها‪ :‬كتاب الطهارة‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬كتاب الصوم‪ ،‬كتاب‬
‫احلج‪ ،‬كتاب اجلنائز‪ ،‬كتاب الطالق‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬كتاب احلدود‪ ،‬كتاب الدعاء‪ ،‬كتاب‬
‫السنن واآلداب‪ ،‬كتاب الرؤيا‪ .‬أخربنا احلسني بن عبيد اهلل‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو حممد سهل‬
‫بن أمحد بن سهل‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عيل حممد بن حممد بن األشعث بن حممد الكويف‬
‫بمرص قراء ًة عليه‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا موسى بن إسامعيل بن موسى بن جعفر قال‪ :‬حدثنا أيب‬
‫بكتبه(((‪.‬‬

‫وقال عنه الشيخ يف الفهرست‪ :‬إسامعيل بن موسى بن جعفر بن حممد بن عيل بن‬
‫احلسني بن عيل بن أيب طالب‪ ،‬سكن مرص‪ ،‬وولده هبا‪ .‬وله كتب يروهيا‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫آبائه‪ ‬مبوبة‪ ،‬منها‪ :‬كتاب الطهارة‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬كتاب الصوم‪ ،‬كتاب‬
‫احلج‪ ،‬كتاب اجلنائز‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬كتاب الطالق‪ ،‬كتاب احلدود‪ ،‬كتاب الديات‪،‬‬
‫كتاب الدعاء‪ ،‬كتاب السنن واآلداب‪ ،‬كتاب الرؤيا‪ .‬أخربنا بجميعها احلسني بن عبيد‬
‫اهلل‪ ،‬قال‪ :‬أخربنا أبو حممد سهل بن أمحد بن سهل الديباجي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عيل حممد‬
‫بن حممد بن األشعث بن حممد الكويف بمرص قراء ًة عليه من كتابه‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا موسى‬
‫ابن إسامعيل بن موسى بن جعفر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أيب إسامعيل(((‪.‬‬

‫((( رجال النجايش‪.٢٦ :‬‬


‫((( الفهرست‪.٤٦ -٤٥ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪104‬‬

‫يالحظ عىل هذه الكلامت أهنا‪:‬‬

‫‪ -1‬مل يذكر فيها توثيق رصيح إلسامعيل‪.‬‬

‫‪ -2‬ذكرا طريقهام إىل كتب إسامعيل وهو عني الطريق الذي ذكرناه سابق ًا‪.‬‬

‫‪ -3‬إهنام مل يذكرا كتاب ًا باسم اجلعفريات‪ ،‬وإنام ذكرا جمموعة من الكتب‪.‬‬

‫‪ -4‬إن الظاهر من كالمهام أن هذه عنوانني لكتب مستقلة وليست أبواب ًا لكتاب‬
‫ٍ‬
‫توضيح عند إشكال السيد اخلوئي‪ ‬عىل‬ ‫واحد اسمه اجلعفريات‪ ،‬وسيأيت مزيدُ‬
‫الكتاب‪.‬‬

‫وأما ما يمكن أن يستدل به عىل وثاقة إسامعيل فهو‪:‬‬

‫األول‪ :‬قول املفيد‪ ‬يف اإلرشاد ‪-‬بعد ذكر أوالد موسى‪ :-‬ولكل واحد من‬
‫ُولد أيب احلسن موسى‪ٌ ‬‬
‫فضل ومنقب ٌة مشهور ٌة(((‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬صحيحة عبد الرمحن بن احلجاج‪ ،‬حيث ورد فيها أن اإلمام موسى بن‬
‫جعفر‪ ‬أدخل إسامعيل يف وصيته‪ ،‬قائالً‪« :‬وجعل صدقته هذه إىل عيل وإبراهيم فإن‬
‫انقرض أحدمها دخل القاسم مع الباقي منهام‪ ،‬فإن انقرض أحدمها دخل إسامعيل مع‬
‫الباقي منهام‪ »...‬إلخ(((‪.‬‬

‫قال السيد اخلوئي‪ :‬وتقدم كالم املفيد‪ ،‬يف أوالد موسى بن جعفر‪ ،‬وأن لكل‬
‫ال ومنقب ًة مشهورة‪ ،‬ورواية التهذيب يف أن موسى بن جعفر‪ ،‬جعله متولي ًا‬
‫منهم فض ً‬

‫((( اإلرشاد‪.٢٤٦/٢ :‬‬


‫((( الكايف ‪.٥٤/٧‬‬
‫‪105‬‬ ‫اجلعفريات‬

‫عىل الوقف‪ ،‬يف ترمجة إبراهيم بن موسى‪ ،‬وذكرنا أنه ال داللة فيها عىل الوثاقة وال عىل‬
‫احلسن‪ .‬وطريق الشيخ إليه صحيح(((‪.‬‬

‫يظهر منه‪ ‬أنه يقبل داللة كالم املفيد عىل التوثيق دون صحيحة ابن احلجاج‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬ما ذكره السيد ابن طاووس يف إقبال األعامل حيث قال‪ :‬رأيت ورويت‬
‫ٍ‬
‫واحد عظيم الشأن إىل موالنا موسى بن‬ ‫من كتاب اجلعفريات وهي ألف حديث بإسناد‬
‫جعفر عن موالنا جعفر بن حممد عن موالنا حممد بن عيل عن موالنا عيل بن احلسني عن‬
‫موالنا احلسن بن عيل عن موالنا عيل بن أيب طالب(((‪.‬‬

‫إال أن هذا االستدالل يتوقف عىل أمرين‪ :‬كون قوله‪( :‬إسناد واحد عظيم الشأن)‬
‫ناظر ًا إىل َمن ورد قبل اإلمام موسى بن جعفر‪ ‬يف السند ال هو‪ ‬و َمن بعده‪ ،‬وأن‬
‫توثيقات املتأخرين معتربة‪ .‬أما األول فالظاهر من العبارة هو ذلك‪ ،‬أي أن السيد ابن‬
‫طاووس يف صدد توثيق َمن كان قبل اإلمام موسى بن جعفر‪ ،‬وهو يشمل إسامعيل‬

‫بل ولده موسى أيض ًا‪ .‬وأما توثيقات املتأخرين فقد ّ‬


‫مر يف كتاب (دروس يف علم الرجال)‬
‫أهنا معتربة‪ ،‬خالف ًا للسيد اخلوئي‪ ‬وغريه ممن أنكر حجية أقوال املتأخرين‪.‬‬

‫فالصحيح أن إسامعيل ثقة يمكن االعتامد عليه‪.‬‬

‫‪ -2‬مو�سى بن �إ�سماعيل بن مو�سى بن جعفر‪‬‬


‫وأما موسى بن إسامعيل‪ ،‬فقد قال عنه النجايش‪ :‬له كتاب جوامع التفسري‪ ،‬وله‬

‫((( معجم رجال احلديث‪.١٠١/٤ :‬‬


‫((( إقبال األعامل البن طاووس ‪.٢٤٨‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪106‬‬

‫كتاب الوضوء‪ ،‬روى هذه الكتب حممد بن األشعث(((‪.‬‬

‫وقال الشيخ‪ :‬له كتاب الصالة‪ ،‬وكتاب الوضوء‪ ،‬روامها عنه حممد بن األشعث‪،‬‬
‫وله كتاب جوامع التفسري(((‪.‬‬

‫وقال املحدث النوري تعليق ًا عىل كالمهام‪ :‬ويظهر منهام أنه من العلامء املؤلفني‪ ،‬مع‬
‫أنه ‪-‬يف املقام‪ -‬من مشايخ اإلجازة‪ ،‬والنسخة معلومة االنتساب إىل أبيه إسامعيل‪ ،‬ولذا‬
‫األصحاب بالقبول(((‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تل ّقاها‬

‫وفيه‪ :‬إن جمرد كونه من العلامء املؤلفني ال يثبت له توثيق ًا‪ ،‬وكذلك معلومية‬
‫انتساب النسخة ‪-‬لو سلمت‪ -‬فال تثبت التوثيق‪ .‬نعم‪ ،‬شيخوخة اإلجازة تنفع لو ثبتت‬
‫الصغرى‪.‬‬

‫وقال أيض ًا‪ :‬وأنت خبري أن رواية ثالثة من األجالء الثقات عن موسى ‪-‬وهم‪:‬‬
‫حممد بن األشعث‪ ،‬وابن حييى‪ ،‬وإبراهيم بن هاشم الذي رصح عيل بن طاووس يف‬
‫فالح السائل بأنه من الثقات باالتفاق‪ -‬مما يورث الظن القوي بكونه من الثقات(((‪.‬‬

‫وفيه‪ :‬إن هذا املقدار ال يكفي حلصول الظن القوي‪ ،‬خاصة وأن هؤالء الثالثة مل‬
‫ُيعرفوا بأهنم ال يروون إال عن الثقة‪ ،‬وعىل فرض حصول الظن فإن الظن ال يغني من‬
‫احلق شيئ ًا‪.‬‬

‫((( معجم رجال احلديث‪.٢٠/٢٠ :‬‬


‫((( معجم رجال احلديث‪.٢٠/٢٠ :‬‬
‫((( خامتة املستدرك‪.٢٦ -٢٥/١ :‬‬
‫((( خامتة املستدرك‪.٢٧/١ :‬‬
‫‪107‬‬ ‫اجلعفريات‬

‫وقال سيدنا األُستاذ السيد حممد رضا السيستاين‪ ‬حول وثاقة موسى بن‬
‫إسامعيل‪ :‬نعم ذكر ابن الغضائري يف ترمجة سهل بن أمحد الديباجي أنه ال بأس بام رواه‬
‫من األشعثيات‪ ،‬واألشعثيات هي اجلعفريات‪ُ ،‬سميت هبا؛ ألن حممد بن حممد األشعث‬
‫رواها عن موسى بن إسامعيل عن أبيه عن اإلمام موسى بن جعفر‪ ،‬وسهل الديباجي‬
‫رواها عن حممد بن األشعث واعتبار رواية الديباجي هلا يفيد ‪-‬ضمن ًا‪ -‬اعتبار السند‬
‫الذي رواها به‪ ،‬فتأمل(((‪.‬‬

‫وفيه‪ :‬إن كتاب ابن الغضائري ال خيلو من إشكال عىل ما حققناه يف اجلزء األول‬
‫من الرجال‪ ،‬وعىل فرض اعتباره ال يثبت كالم ابن الغضائري التوثيق الرصيح ملوسى‬
‫بن إسامعيل‪ ،‬ولعله من هذه اجلهة أمر األُستاذ بالتأمل‪.‬‬

‫أقول‪ :‬أفضل ما يمكن أن يتمسك به لتوثيق موسى بن إسامعيل ما ذكره السيد‬


‫ابن طاووس يف إقبال األعامل حيث وصف سند الكتاب بأنه (عظيم الشأن) كام مر يف‬
‫احلديث عن أبيه إسامعيل‪ .‬وكذلك كونه من مشايخ اإلجازة لو ثبتت الصغرى‪ .‬وأما‬
‫كونه حفيد ًا لإلمام املعصوم أو وروده يف كامل الزيارات فال ينفع يف إثبات وثاقته كام‬
‫ال خيفى‪.‬‬

‫‪ -3‬حممد بن حممد بن الأ�شعث‬


‫وأما حممد بن حممد بن األشعث‪ ،‬فقد قال عنه النجايش‪ :‬حممد بن حممد بن األشعث‬
‫أبو عيل الكويف‪ ،‬ثقة من أصحابنا سكن مرص‪ ،‬له كتاب احلج‪ ،‬ذكر فيه ما روته العامة‬

‫((( وسائل اإلنجاب الصناعية‪.٥٧٣ :‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪108‬‬

‫عن جعفر بن حممد‪ ‬يف احلج‪ .‬أخربنا احلسني بن عبيد اهلل‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سهل بن أمحد‬
‫عنه بالكتاب(((‪.‬‬
‫وقال الشيخ يف رجاله يف باب َمن مل ِ‬
‫يرو عنهم‪ :‬حممد بن حممد بن األشعث‬
‫الكويف‪ ،‬يكنى أبا عيل‪ ،‬ومسكنه مرص يف سقيفة جواد‪ ،‬روى نسخة عن موسى بن‬
‫إسامعيل بن موسى بن جعفر‪ ،‬عن أبيه إسامعيل بن موسى بن جعفر‪ ،‬عن أبيه موسى‬
‫بن جعفر‪ .‬قال التلعكربي‪ :‬أخذ يل والدي [أخذ يل ولوالدي] منه إجازة يف سنة‬
‫(‪٣١٣‬هـ)(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬يكفي لوثاقته توثيق النجايش إياه‪.‬‬

‫‪� -4‬سهل بن �أحمد بن عبد اهلل الديباجي‬


‫وأما سهل بن أمحد بن عبد اهلل الديباجي‪ ،‬فقد قال عنه النجايش‪ :‬سهل بن أمحد‬
‫بن عبد اهلل بن أمحد بن سهل الديباجي أبو حممد‪ ،‬ال بأس به‪ ،‬كان خيفي أمره كثري ًا‪ ،‬ثم‬
‫ظاهر بالدين يف آخر عمره‪ ،‬له كتاب إيامن أيب طالب رضوان اهلل عليه‪ ،‬أخربين به عدة‬
‫من أصحابنا وأمحد بن عبد الواحد(((‪.‬‬
‫وعده الشيخ يف رجاله يف َمن مل ِ‬
‫يرو عنهم‪ ،‬قائالً‪ :‬سهل بن أمحد بن عبد اهلل بن‬
‫سهل الديباجي‪ ،‬بغدادي‪ ،‬وكان ينزل درب الزعفراين ببغداد‪ ،‬سمع منه التلعكربي سنة‬

‫((( معجم رجال احلديث‪.٢٠٠/١٨ :‬‬


‫((( معجم رجال احلديث‪.٢٠٠/١٨ :‬‬
‫((( معجم رجال احلديث‪.٣٥٠/٩ :‬‬
‫‪109‬‬ ‫اجلعفريات‬

‫(‪٣٧٠‬هـ)‪ ،‬وله منه إجازة والبنه‪ ،‬أخربنا عنه احلسني بن عبيد اهلل‪ ،‬يكنى أبا حممد(((‪.‬‬

‫وقال ابن الغضائري‪ :‬سهل بن أمحد بن عبد اهلل بن سهل الديباجي أبو حممد‪ ،‬كان‬
‫ضعيف ًا يضع األحاديث‪ ،‬ويروي عن املجاهيل‪ ،‬وال بأس بام رواه عن األشعثيات وبام‬
‫جيري جمراها مما روى غريه(((‪.‬‬

‫وقال السيد اخلوئي‪ :‬الظاهر أن سه ً‬


‫ال الديباجي ال بأس به(((‪.‬‬

‫وقال املحدث النوري‪ :‬وال خيفى أن مدح النجايش‪ ،‬ورواية العدة والتلعكربي‬
‫وابنه عنه‪ ،‬وعدم إشارة الشيخ إىل ذم فيه‪ ،‬واعتامده والنجايش واحلسني بن عبيد اهلل‬
‫عليه يف الرواية عن األشعثيات‪ ،‬وذكره بالكنية يف مقام ذكر الطريق يوجب االعتامد‪،‬‬
‫ويوهن كالم ابن الغضائري‪ .‬وان استثنى روايته عن األشعثيات فإن جاللة شأهنم‪،‬‬
‫وعلو مقامهم‪ ،‬وتثبتهم‪ ،‬تأبى عن الرواية عن الوضاع‪ ،‬وجعله شيخ ًا لإلجازة(((‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن قول النجايش‪( :‬ال بأس به) ٍ‬
‫كاف يف التوثيق‪ ،‬وال يعارضه قول ابن‬
‫الغضائري‪( :‬كان ضعيف ًا يضع احلديث)؛ لعدم االعتبار بكالمه‪ ،‬وعىل فرض اعتباره‬
‫سهل‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫سهل ٌ‬ ‫فإنه قد استثنى ما رواه سهل عن األشعثيات‪ .‬واحلاصل‪ :‬أن األمر يف‬

‫((( املصدر السابق‪.‬‬


‫((( املصدر السابق‪.‬‬
‫((( املصدر السابق‪.‬‬
‫((( خامتة املستدرك‪.١٨ -١٧/١ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪110‬‬

‫رواية التلعكربي للكتاب‬


‫قال الشيخ يف رجاله يف باب َمن مل ِ‬
‫يرو عنهم‪ ‬يف ترمجة حممد بن داوود بن سليامن‪:‬‬
‫الكاتب‪ ،‬يكنى أبا احلسن‪ ،‬روى عنه التلعكربي‪ ،‬وذكر أن إجازة حممد بن حممد بن‬
‫األشعث الكويف وصلت إليه عىل يد هذا الرجل‪ ،‬يف سنة ثالث عرشة وثالثامئة‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫سمعت منه يف هذه السنة من األشعثيات ما كان إسناده متص ً‬
‫ال بالنبي‪ ،‬وما كان غري‬
‫ذلك مل يروه عن صاحبه‪ ،‬وذكر التلعكربي أن سامعه هذه األحاديث املتصلة األسانيد‬
‫من هذا الرجل‪ ،‬ورواية مجيع النسخة باإلجازة عن حممد بن حممد بن األشعث‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ليس يل من هذا الرجل إجازة(((‪.‬‬

‫�أدلة الراف�ضني الكتاب‬


‫قال صاحب اجلواهر يف كتاب األمر باملعروف من جواهره‪ :‬كتاب األشعثيات‪،‬‬
‫ملحمد بن حممد بن األشعث ‪-‬بإسناده عن الصادق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن عيل‪« :‬ال‬
‫يصلح احلكم‪ ،‬وال احلدود‪ ،‬وال اجلمعة إال باإلمام»‪ -‬الضعيف سند ًا‪ ،‬بل الكتاب املزبور‬
‫‪-‬عىل ما حكي عن بعض األفاضل‪ -‬ليس من األُصول املشهورة‪ ،‬بل وال املعتربة‪ ،‬ومل‬
‫حيكم أحد بصحته من أصحابنا‪ ،‬بل مل تتواتر نسبته إىل مصنفه‪ ،‬بل ومل تصح عىل ٍ‬
‫وجه‬
‫النفس هبا‪ ،‬ولذا مل ينقل عنه احلر يف الوسائل‪ ،‬وال املجليس يف البحار‪ ،‬مع‬
‫ُ‬ ‫تطمئن‬
‫شدة حرصهام ‪-‬خصوص ًا الثاين‪ -‬عىل كتب احلديث‪ ،‬ومن البعيد عدم عثورمها عليه‪،‬‬
‫والشيخ والنجايش وإن ذكرا أن مصنفه من أصحاب الكتب‪ ،‬إال أهنام مل يذكرا الكتاب‬

‫((( معجم رجال احلديث‪.٨٣/١٧ :‬‬


‫‪111‬‬ ‫اجلعفريات‬

‫املزبور بعبارة تشعر بتعيينه‪ ،‬ومع ذلك فإن تتبعه وتتبع كتب األُصول يعطيان أنه ليس‬
‫جاري ًا عىل منواهلا‪ ،‬فإن أكثره بخالفها‪ ،‬وإنام تطابق روايته يف األكثر رواية العامة(((‪.‬‬

‫ما يمكن أن يقال يف عدم اعتبار الكتاب ّ‬


‫يلخص يف أمور‪:‬‬

‫األول‪ :‬إنه مل ينقل عنه احلر العاميل يف الوسائل وال العالمة املجليس يف البحار مع‬
‫شدة تتبعهام‪ ،‬بل وال الشيخ الطويس‪.‬‬

‫قال الشيخ آغا بزرگ الطهراين‪ :‬هذا الكتاب مما مل يظفر به العالمة املجليس وال‬
‫املحدث احلر العاميل مع شدة تنقيبها للكتب وإنام ذخره اهلل تعاىل شيخنا العالمة النوري‬
‫و َم ّن عليه بحصول نسخة منه ضمن جمموعة عنده(((‪.‬‬

‫وقال السيد اخلوئي‪ :‬وأن الشيخ املجليس وصاحب الوسائل قدس رسمها مل‬
‫يرويا عن ذلك الكتاب شيئ ًا‪ ،‬ومل يصل الكتاب إليهام جزم ًا‪ ،‬بل الشيخ الطويس نفسه مل‬
‫يصل إليه الكتاب‪ ،‬ولذلك مل ِ‬
‫يرو عنه يف كتابيه شيئ ًا‪ .‬فالنتيجة أن الكتاب املوجود بأيدينا‬
‫ٍ‬
‫بوجه(((‪.‬‬ ‫ال يمكن االعتامد عليه‬

‫أقول‪ :‬لقد أجاب املحدث النوري‪ ‬عن عدم رواية احلر العاميل عنه‪ ،‬قائالً‪ :‬لعل‬
‫الكتاب مل يكن عنده أو كان عنده لكن الطريق إليه ضعيف أو مل تثبت عنده صحة‬
‫النسبة‪ ،‬وهذا ليس بعزيز؛ فإن هناك كتب ًا معتربة مل ينقل عنها احلر(((‪.‬‬

‫((( جواهر الكالم ‪.٣٩٨ -٣٩٧/٢١‬‬


‫((( الذريعة‪.١١٠/٢ :‬‬
‫((( مباين تكملة املنهاج ‪.٢٢٦/١‬‬
‫((( اخلامتة ‪.٣٠/١‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪112‬‬

‫وأما العالمة املجليس فإنه وإن مل ِ‬


‫يرو عن اجلعفريات ‪-‬ولعله لعدم وجود نسخة‬
‫منه عنده‪ -‬إال أن الظاهر أنه كان معترب ًا عنده‪ ،‬وذلك ملا قاله يف حق كتاب النوادر‪.‬‬

‫قال يف مقدمة البحار‪ :‬وأما كتاب النوادر فمؤلفه من األفاضل الكرام‪ .‬قال الشيخ‬
‫منتجب الدين يف الفهرست‪ :‬عالمة زمانه‪ ،‬مجع مع علو النسب كامل الفضل واحلسب‪،‬‬
‫وكان أستاذ أئمة عرصه‪ ،‬وله تصانيف شاهدته وقرأت بعضها عليه‪ ،‬انتهى‪ .‬وأكثر‬
‫أحاديث هذا الكتاب مأخوذ من كتب موسى بن إسامعيل بن موسى بن جعفر‪ ‬الذي‬
‫رواه سهل بن أمحد الديباجي‪ ،‬عن حممد بن حممد بن األشعث‪ ،‬عنه‪ ،‬فأما سهل فمدحه‬
‫النجايش‪ ،‬وقال ابن الغضائري بعد ذمه‪ :‬ال بأس بام روى من األشعثيات وما جيري‬
‫النجايش‪ ،‬وقال‪ :‬يروي نسخة عن موسى بن‬
‫ُّ‬ ‫جمراها مما رواه غريه‪ .‬وابن األشعث و ّثقه‬
‫إسامعيل‪ .‬وروى الصدوق يف املجالس من كتابه بسند آخر هكذا‪ :‬حدثنا احلسن بن أمحد‬
‫بن إدريس‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أمحد بن حممد بن عيسى‪ ،‬عن حممد بن حييى اخلزاز عن موسى‬
‫بن إسامعيل‪ .‬فبتلك القرائن يقوي العمل بأحاديثه(((‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬إنه كيف يمكن الوثوق بالنسخة الواصلة إىل املحدث النوري واحلال أنه ال‬
‫نعرف َمن جاء بتلك النسخة‪ ،‬وال نعرف شيئ ًا عن وثاقتهم؟‬

‫قال الشيخ آصف حمسني‪ ‬تعليق ًا عىل كالم املحدث النوري‪ ،‬حيث ذكر أن‬
‫النسخة وصلته من بالد اهلند‪ :‬وهذا الكالم أظهر شاهد عىل ضعف نسخة الكتاب؛ إذ مل‬
‫ُيع َلم كاتبها وال ناسخها وال سندها‪ .‬نعم‪ ،‬ليس كل ما جاؤوا به من بالد اهلند بمعترب(((‪.‬‬

‫((( بحار األنوار‪.٣٦/١ :‬‬


‫((( بحوث يف علم الرجال‪ ٢٦٨ :‬اهلامش ‪.٢‬‬
‫‪113‬‬ ‫اجلعفريات‬

‫وهذا ما أشكله أيض ًا شيخنا األُستاذ‪ ‬يف جملس درسه‪ ،‬حيث جعل عمدة‬
‫اإلشكال عىل الكتاب وصول نسخته إىل املحدث النوري عرب ُأناس نجهل شخصهم‬
‫فض ً‬
‫ال عن حاهلم من بالد اهلند‪.‬‬

‫أق��ول‪ :‬إنه إشكال وجيه حق ًا‪ .‬وأم��ا القول بأن املحدث النوري‪ ‬حصل له‬
‫االطمئنان بتطابق النسخة مع األصل فهو ينفعه هو وال ينفعنا نحن‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬إن نسخة األصل ختتلف عام وصل إىل املحدث النوري من اهلند‪.‬‬

‫قال السيد اخلوئي‪ :‬وأما األشعثيات املعرب عنها بـ(اجلعفريات) أيض ًا فهي أيض ًا‬
‫مل تثبت‪ ،‬بيان ذلك‪ :‬أن كتاب حممد بن حممد األشعث ‪-‬الذي وثقه النجايش وقال‪ :‬له‬
‫كتاب احلج‪ ،‬ذكر فيه ما روته العامة عن جعفر بن حممد‪ ‬يف احلج‪ -‬وإن كان معترب ًا‪،‬‬
‫إال أنه مل يصل إلينا ومل يذكره الشيخ يف الفهرست‪ ،‬وهو ال ينطبق عىل ما هو موجود‬
‫عندنا جزم ًا‪ ،‬فإن الكتاب املوجود بأيدينا مشتمل عىل أكثر أبواب الفقه‪ ،‬وذلك الكتاب‬
‫يف احلج خاصة ويف خصوص ما روته العامة عن جعفر بن حممد‪.(((‬‬

‫وقال‪ :‬وأما ما ذكره النجايش والشيخ يف ترمجة إسامعيل بن موسى‪ ...‬إال أن ما‬
‫ذكراه ال ينطبق عىل ما هو موجود بأيدينا‪ ،‬فإن املوجود بأيدينا مشتمل عىل كتاب اجلهاد‬
‫وكتاب التفسري وكتاب النفقات وكتاب الطب واملأكول وكتاب غري مرتجم‪ ،‬وهذه‬
‫الكتب غري موجودة فيام ذكره النجايش والشيخ‪ ،‬وكتاب الطالق موجود فيام ذكراه‬
‫وغري موجود فيام هو عندنا‪ ،‬فمن املطمأن به أهنام متغايران‪ ،‬وال أقل من أنه مل يثبت‬

‫((( مباين تكملة املنهاج ‪.٢٢٦/١‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪114‬‬

‫االحتاد‪ ،‬حيث إنه ال طريق لنا إىل إثبات ذلك(((‪.‬‬

‫وأشكل سيدنا األُستاذ‪ ‬عىل ما أفاده السيد اخلوئي‪ ‬بإشكاالت ثالثة‪،‬‬


‫حاصلها‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬إن اختالف نسخ الكتاب زيادة ونقيصة أمر معهود وال غرابة فيه‪ّ ،‬‬
‫وقل ما‬
‫جتد كتاب ًا نسخه ليست خمتلفة‪ ،‬بل حتى كتاب الكايف الذي ال خيتلف يف فضله اثنان‬
‫نسخه ختتلف زياد ًة ونقيص ًة(((‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬إن الفهارس قد ال تذكر مجيع فصول وأبواب الكتاب فيظن البعض املغايرة‬
‫بينها مع أنه كتاب واحد‪ ،‬وقد حصل مثل هذا يف الكايف‪ ،‬فإن بعض الفهارس مل تذكر‬
‫بعض أبوابه مع أهنا موجودة‪ .‬ولعل أصحاب الفهارس ال يقصدون احلرص(((‪.‬‬

‫وثالث ًا‪ :‬إن أصحاب الفهارس قد يذكرون كتب ًا عديدة للمرتجم مع أهنا أبواب‬
‫خمتلفة لكتاب واحد(((‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬إن املوجود يف النسخة الواصلة إلينا يشتمل عىل ألف وستامئة حديث‪ ،‬بينام‬
‫فمن أين‬‫ما ذكر يف إقبال األعامل البن طاووس وغريه هو اشتامله عىل ألف رواية فقط‪ِ ،‬‬

‫جاءت هذه الزيادة يف النسخة الواصلة إلينا؟‬

‫قال سيدنا األُستاذ‪ :‬ولكن يشكل ذلك بأن املذكور يف كلامت اخلاصة والعامة‬

‫((( مباين تكملة املنهاج ‪.٢٢٧ -٢٢٦/١‬‬


‫((( وسائل اإلنجاب الصناعية‪.٥٧٤ :‬‬
‫((( وسائل اإلنجاب الصناعية‪.٥٧٥ -٥٧٤ :‬‬
‫((( وسائل اإلنجاب الصناعية‪.٥٧٥ :‬‬
‫‪115‬‬ ‫اجلعفريات‬

‫أن كتاب اجلعفريات ألف حديث أو ما يقرب من ذلك بإسناد واحد‪ ،‬رصح بذلك‬
‫السيد ابن طاووس يف اإلقبال والعالمة يف إجازته لبني زهرة‪ ،‬والذهبي يف ميزان‬
‫االعتدال‪ ،‬مع أن النسخة املوجودة بأيدينا تشتمل عىل ما يناهز ألف ًا وستامئة حديث(((‪.‬‬

‫اخلامس‪ :‬إن النسخة الواصلة إلينا تشتمل عىل ما خيالف فقهنا‪.‬‬

‫قال سيدنا األُستاذ‪ :‬إن يف هذه النسخة روايات خمالفة ملا هو املعلوم من فقه‬
‫املصة‬
‫أئمة أهل البيت‪‬؛ كتصحيح احللف بالطالق‪ ،‬وصحة الطالق الثالث‪ ،‬وأن ّ‬
‫املحرم‪ ،‬والرتخيص يف الغناء والرضب عىل الطبول‪ ،‬وأن‬
‫ّ‬ ‫الواحدة تعدّ من الرضاع‬
‫مدة النفاس أربعون يوم ًا‪ ،‬واختالف داللة آية الوضوء يف املسح عىل الرجل أو غسلها‬
‫حسب اختالف قراءهتا‪ ،‬وأشياء ُأخرى نظري ذلك(((‪.‬‬

‫السادس‪ :‬إن النسخة الواصلة إىل املتأخرين رواهتا هم من رجال العامة‪ ،‬فالذي‬
‫يروي عن حممد بن حممد بن األشعث هو‪:‬‬

‫‪ -1‬أبو حممد بن عبد اهلل بن حممد بن عثامن الواسطي ابن السقا‪.‬‬

‫‪ -2‬والراوي عن ابن السقا هو أبو احلسن أمحد بن املظفر بن يزداد العطار‪.‬‬

‫‪ -3‬والراوي عن ابن العطار اثنان‪ :‬أحدمها أبو نعيم حممد بن إبراهيم بن حممد بن‬
‫خلف الواسطي اجلامري‪ ،‬واآلخر‪ :‬عيل بن حممد بن حممد بن الطيب اجلاليب الواسطي‪.‬‬

‫‪ -4‬والراوي عن اجلامري واجلاليب هو ابن األخري‪ :‬أبو عبد اهلل حممد بن عيل بن‬

‫((( وسائل اإلنجاب الصناعية‪.٥٧٩ :‬‬


‫((( وسائل اإلنجاب الصناعية‪.٥٨٠ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪116‬‬

‫حممد بن حممد بن الطيب ابن اجلاليب الواسطي املالكي املغازيل املعدل الرشوطي(((‪.‬‬

‫ثم إن سيدنا األُستاذ‪ ‬وإن مل يقبل اعتبار الكتاب لإلشكاالت السابقة‪ ،‬إال أنه‬
‫أفاد بأن تطابق ما نقله العامة واخلاصة عن كتاب اجلعفريات مع النسخة الواصلة إىل‬
‫املحدث النوري يفيد االطمئنان باعتبار النسخة‪ ،‬لوال وجود اإلشكاالت األُخرى فيها‪.‬‬

‫ولكن أشكل عليه شيخنا األُستاذ اإليرواين‪ ‬بأن التطابق يف عرشين أو ثالثني‬
‫رواية ال يفيد الوثوق بالتطابق يف ألف رواية ‪-‬وهو عدد روايات اجلعفريات‪ -‬فإن ذلك‬
‫املقدار ال يشكل معشار ًا من العدد األصيل من الروايات‪.‬‬

‫واحلاصل‪ :‬إنه ال يمكن الوثوق باعتبار النسخة الواصلة من كتاب اجلعفريات إىل‬
‫املحدث النوري‪ ‬من بالد اهلند عرب أناس جمهولني عندنا شخص ًا وحاالً‪ .‬نعم‪ ،‬ال بأس‬
‫أن تكون رواياته مؤيدة لبعض املطالب الفقهية‪.‬‬

‫***‬

‫((( وسائل اإلنجاب الصناعية‪.٥٨١ -٥٨٠ :‬‬


‫‪117‬‬ ‫املحا�سن‬

‫املحا�سن‬
‫وهو ألمحد بن حممد بن خالد الربقي‪ ،‬أو أمحد بن أيب عبد اهلل الربقي‪ .‬ال إشكال‬
‫يف وثاقته كام سيأيت‪ ،‬وعدّ ه الشيخ يف أصحاب اإلمام اجلواد‪ ‬حتت عنوان‪( :‬أمحد بن‬
‫حممد بن خالد) تارة(((‪ ،‬وفيِ أصحاب اإلمام اهلادي‪ ‬حتت عنوان‪( :‬أمحد بن أيب عبد‬
‫اهلل الربقي) ُأخرى(((‪.‬‬

‫ويذكر بعض الباحثني أن كتاب املحاسن هو أقدم املجاميع الروائية‪ ،‬فإنه قد سبق‬
‫الكليني وكذلك الصفار رمحهام اهلل(((‪.‬‬

‫وحكي عن القايض نور اهلل التسرتي‪ ‬أنه قال عن كتاب املحاسن يف كتاب‬
‫مصائب النواصب‪ :‬حرص كتب أحاديث اإلمامية يف األربعة املذكورة ليس بصحيح‪،‬‬
‫بل هي ستة‪ ،‬وخامسها كتاب املحاسن تأليف أمحد بن حممد بن خالد الربقي‪ ،‬وسادسها‬

‫((( رجال الشيخ‪.٣٧٣ :‬‬


‫((( رجال الشيخ‪.٣٨٣ :‬‬
‫‪(3) Andrew Newman, The Formative Period of Twelver Shiism,‬‬
‫‪pg. 51.‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪118‬‬

‫قرب اإلسناد تأليف حممد بن عبد اهلل بن جعفر احلمريي(((‪.‬‬

‫وذكر الصدوق يف ديباجة الفقيه بأن مجيع مصادر كتابه مشهورة ومنها كتاب‬
‫املحاسن‪ ،‬قائالً‪ :‬ومجيع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة‪ ،‬عليها املعول وإليها املرجع‪،‬‬
‫مثل كتاب حريز بن عبد اهلل السجستاين وكتاب عبيد اهلل بن عيل احللبي‪ ...‬وكتاب‬
‫املحاسن ألمحد بن أيب عبد اهلل الربقي(((‪.‬‬

‫وقد جعله العالمة املجليس من مصادر بحاره‪ ،‬قائالً‪ :‬وكتاب املحاسن للربقي من‬
‫األُصول املعتربة‪ ،‬وقد نقل عنه الكليني وكل َمن تأخر عنه من املؤلفني(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬ظاهر كالم الصدوق أن كتاب املحاسن كان مشهور ًا يف زمانه‪ ،‬وكالم‬
‫العالمة املجليس أيض ًا يظهر منه أن الكتاب كان مشهور ًا من زمان الكليني إىل زمانه‪.‬‬

‫ويبدو من سيدنا األُستاذ‪ ‬أن كتاب املحاسن كتاب كبري جد ًا‪ ،‬إال أن الواصل‬
‫إلينا منه ثلثه والباقي مل يصلنا(((‪ ،‬إال أن بعض الباحثني يرى أن الواصل منه سدسه أو‬
‫سبعه‪ ،‬وأحاديثه الواصلة إلينا هي (‪ )٢٦٠٦‬حديث ًا(((‪.‬‬

‫وقد روى الربقي كثري ًا عن أبيه حممد بن خالد‪ ،‬قد يصل إىل (‪ )٧٣٩‬حديث ًا‪ ،‬وروى‬
‫عن عيل بن احلسن بن فضال (‪ )١٠٧‬حديث ًا‪ ،‬وعن احلسن بن حمبوب ‪ ١٠٦‬حديث ًا‪ ،‬وعن‬

‫((( املحاسن (املقدمة) ‪.١٠/١‬‬


‫((( َمن ال حي ُضرَ ُه الفقيه‪.٤ -٣/١ :‬‬
‫((( بحار األنوار‪.٢٧/١ :‬‬
‫((( قبسات من علم الرجال‪.١٧٠/٢ :‬‬
‫‪(5) Andrew Newman pg. 53.‬‬
‫‪119‬‬ ‫املحا�سن‬

‫احلسني بن يزيد النوفيل (‪ )٩٧‬حديث ًا‪ ،‬وعن يعقوب بن يزيد (‪ )٥٤‬حديث ًا‪ ،‬وعن جعفر‬
‫بن حممد القمي (‪ )٥٣‬حديث ًا(((‪.‬‬

‫وال توجد مقدمة لكتاب املحاسن مع األسف‪ ،‬لكن الظاهر أنه قصد جتميع اآلثار‬
‫املعتربة ‪-‬يف نظره‪ -‬عن املعصومني‪ ‬يف مجيع األبواب‪ ،‬نظري ما صنع الكليني يف الكايف‪.‬‬

‫وثاقة �أحمد بن حممد بن خالد الربقي‬


‫ال إشكال يف وثاقة املصنف‪ ،‬إال أنه اتهُّ م بالرواية عن الضعفاء واالعتامد عىل‬
‫املراسيل‪ .‬من هنا‪ ،‬طرده أمحد بن حممد بن عيسى األشعري القمي من قم‪ ،‬وذلك لتشدد‬
‫القميني يف مسألة الرواية ولتحرزهم عن الرواية عن الضعاف‪ .‬إال أن األشعري القمي‬
‫ندم عىل ذلك وأعاده إىل قم ومشى يف جنازته حافي ًا حارس ًا‪.‬‬

‫قال الشيخ يف الفهرست‪ :‬أمحد بن حممد بن خالد بن عبد الرمحن بن حممد بن عيل‬
‫الربقي‪ ،‬أبو جعفر‪ ،‬أصله كويف‪ ...‬وكان ثقة يف نفسه‪ ،‬غري أنه أكثر الرواية عن الضعفاء‬
‫واعتمد املراسيل‪ .‬وصنف كتب ًا كثرية‪ ،‬منها املحاسن وغريها‪ ،‬وقد زيد يف املحاسن‬
‫ونقص‪ ،‬فمام وقع إ ّيل منها‪ :‬كتاب اإلبالغ‪ ،‬كتاب الرتاحم والتعاطف‪ ...‬ثم ذكر أبواب‬
‫كتاب املحاسن‪ .‬ثم قال‪ :‬وزاد حممد بن جعفر بن بطة عىل ذلك‪ :‬كتاب طبقات الرجال‪،‬‬
‫كتاب األوائل‪ ...‬وذكر مجلة ُأخرى من األبواب(((‪.‬‬

‫وقال عنه النجايش‪ :‬أمحد بن حممد بن خالد بن عبد الرمحن بن حممد بن عيل الربقي‬

‫‪(1) Andrew Newman pg. 53.‬‬


‫((( الفهرست‪.٦٤ – ٦٣ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪120‬‬

‫أبو جعفر أصله كويف‪ ...‬وكان ثقة يف نفسه‪ ،‬يروي عن الضعفاء واعتمد املراسيل‪.‬‬
‫وصنف كتب ًا‪ ،‬منها‪ :‬املحاسن وغريها‪ ،‬وقد زيد يف املحاسن ونقص‪ ،‬كتاب التبليغ‬
‫والرسالة‪ ...‬ثم ذكر أبواب املحاسن‪ ...‬إىل أن قال‪ :‬هذا الفهرست الذي ذكره حممد‬
‫بن جعفر بن بطة من كتب املحاسن‪ .‬وذكر بعض أصحابنا أن له كتب ًا ُأ َخر‪ ،‬منها‪ :‬كتاب‬
‫التهاين‪ ،‬كتاب التعازي‪ ،‬كتاب أخبار األمم(((‪.‬‬

‫وقال ابن الغضائري ‪-‬بنا ًء عىل صحة النسبة‪ -‬ما لفظه‪ :‬أمحد بن حممد بن خالد‬
‫بن حممد بن عيل‪ ،‬الربقي‪ ،‬يكنى أبا جعفر‪ .‬طعن القميون عليه‪ ،‬وليس الطعن فيه‪ ،‬إنام‬
‫الطعن يف َمن يروي عنه؛ فإنه كان ال يبايل عمن يأخذ‪ ،‬عىل طريقة أهل األخبار‪ .‬وكان‬
‫أمحد بن حممد بن عيسى أبعده عن قم‪ ،‬ثم أعاده إليها واعتذر إليه(((‪.‬‬

‫وقال العالمة يف اخلالصة‪ :‬أمحد بن حممد بن خالد بن عبد الرمحن بن حممد بن عيل‬
‫الربقي‪ ...‬وملا تويف مشى أمحد بن حممد بن عيسى يف جنازته حافي ًا حارس ًا ل ُيربئ نفسه‬
‫مما قذفه به‪ .‬وعندي أن روايته مقبولة(((‪.‬‬

‫وقال ابن داوود يف رجاله‪ :‬أمحد بن حممد بن خالد بن عبد الرمحن بن حممد بن عيل‬
‫الربقي‪ ...‬كان ثقة يف نفسه يروي عن الضعفاء ويعتمد املراسيل‪ ،‬صنف كثري ًا‪ .‬أقول‪:‬‬
‫ميش أمحد بن حممد بن‬
‫ويقوي عندي ثقته ُ‬
‫وذكرته يف الضعفاء؛ لطعن الغضائري فيه‪ّ ،‬‬

‫((( رجال النجايش‪.٧٧ :‬‬


‫((( رجال ابن الغضائري ‪.٣٩‬‬
‫((( خالصة األقوال ‪.٦٣‬‬
‫‪121‬‬ ‫املحا�سن‬

‫عيسى يف جنازته حافي ًا حارس ًا تنص ً‬


‫ال مما قذفه به(((‪.‬‬

‫واستظهر بعض الباحثني أن أدل دليل عىل وثاقة الربقي عند القميني هو رواية‬
‫كبارهم عنه‪ :‬كسعد بن عبد اهلل وحممد بن حييى العطار وحممد بن عيل بن حمبوب وأمحد‬
‫بن إدريس وحممد بن أمحد بن حييى وحممد بن احلسن الصفار وعيل بن إبراهيم القمي‬
‫وحممد بن احلسن بن الوليد وعبد اهلل بن جعفر احلمريي وعيل بن احلسني السعدآبادي(((‪.‬‬

‫إال أن الكليني قد روى ما يظهر منه اخلدشة يف وثاقة الربقي‪ ،‬فقد روى عن عدة‬
‫من أصحابنا‪ ،‬عن أمحد بن حممد الربقي‪ ،‬عن أيب هاشم داوود بن القاسم اجلعفري‪ ،‬عن‬
‫أيب جعفر الثاين‪ ‬قال‪:‬‬

‫«أقبل أمري املؤمنني‪ ‬ومعه احلسن بن عيل‪ ‬وهو متكئ عىل يد [سليامن] فدخل‬
‫املسجد احلرام فجلس‪ ،‬إذ أقبل رجل حسن اهليئة واللباس فسلم عىل أمري املؤمنني‪،‬‬
‫فرد‪ ‬فجلس‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا أمري املؤمنني أسألك عن ثالث مسائل‪ ،‬إن أخربتني هبن‬
‫علمت أن القو َم ركبوا من أمرك ما قىض عليهم‪ ،‬وأن ليسوا بمأمونني يف دنياهم‬
‫ُ‬
‫علمت أنك وهم رشع سواء‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وآخرهتم‪ ،‬وإن تكن األُخرى‬

‫فقال له أمري املؤمنني‪ :‬سلني عام بدا لك‪.‬‬

‫قال‪ :‬أخربين عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى؟‬
‫وعن الرجل كيف يشبه ُولده األعامم واألخوال؟‬

‫((( رجال ابن داوود ‪.٤٣‬‬


‫‪(2) Andrew Newman pg. 52.‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪122‬‬

‫فالتفت أمري املؤمنني‪ ‬إىل احلسن فقال‪ :‬يا أبا حممد أجبه‪ ،‬قال‪ :‬فأجابه احلسن‪.‬‬

‫فقال الرجل‪ :‬أشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬ومل أزل أشهد هبا‪ ،‬وأشهد أن حممد ًا رسول‬
‫اهلل‪ ،‬ومل أزل أشهد بذلك‪ ،‬وأشهد أنك ويص رسول اهلل‪ ‬والقائم بحجته ‪-‬وأشار إىل‬
‫أمري املؤمنني‪ -‬ومل أزل أشهد هبا‪ ،‬وأشهد أنك وصيه والقائم بحجته ‪-‬وأشار إىل‬
‫احلسن‪ -‬وأشهد أن احلسني بن عيل ويص أخيه والقائم بحجته بعده‪ ،‬وأشهد عىل عيل‬
‫بن احلسني أنه القائم بأمر احلسني بعده‪ ،‬وأشهد عىل حممد بن عيل أنه القائم بأمر عيل بن‬
‫احلسني‪ ،‬وأشهد عىل جعفر بن حممد بأنه القائم بأمر حممد‪ ،‬وأشهد عىل موسى أنه القائم‬
‫بأمر جعفر بن حممد‪ ،‬وأشهد عىل عيل بن موسى أنه القائم بأمر موسى بن جعفر‪ ،‬وأشهد‬
‫عىل حممد بن عيل أنه القائم بأمر عيل بن موسى‪ ،‬وأشهد عىل عيل بن حممد بأنه القائم‬
‫بأمر حممد بن عيل‪ ،‬وأشهد عىل احلسن بن عيل بأنه القائم بأمر عيل بن حممد‪ ،‬وأشهد‬
‫أمره‪ ،‬فيمألها عدالً كام ُملئت‬
‫يظهر ُ‬
‫َ‬ ‫سمى حتى‬
‫عىل رجل من ُولد احلسن ال ُيكنّى وال ُي ّ‬
‫جور ًا‪ ،‬والسالم عليك يا أمري املؤمنني ورمحة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫ثم قام فمىض‪ ،‬فقال أمري املؤمنني‪ :‬يا أبا حممد‪ ،‬اتبعه فانظر أين يقصد؟‬

‫فخرج احلسن بن عيل‪ ‬فقال‪ :‬ما كان إال أن وضع رجله خارج ًا من املسجد‪ ،‬فام‬
‫دريت أين أخذ من أرض اهلل‪ ،‬فرجعت إىل أمري املؤمنني‪ ‬فأعلمته‪.‬‬

‫فقال‪ :‬يا أبا حممد أتعرفه؟‬

‫قلت‪ :‬اهلل ورسوله وأمري املؤمنني أعلم‪ .‬قال‪ :‬هو اخلرض‪.(((»‬‬

‫((( الكايف ‪.٥٢٦ -٥٢٥/١‬‬


‫‪123‬‬ ‫املحا�سن‬

‫وبعد أن روى هذه الرواية التي يوجد الربقي يف سندها‪ ،‬قال‪ :‬وحدثني حممد بن‬
‫حييى‪ ،‬عن حممد بن احلسن الصفار‪ ،‬عن أمحد بن أيب عبد اهلل‪ ،‬عن أيب هاشم مثله سواء‪.‬‬
‫قال حممد بن حييى‪ :‬فقلت ملحمد بن احلسن‪ :‬يا أبا جعفر‪ ،‬وددت أن هذا اخلرب جاء من‬
‫غري جهة أمحد بن أيب عبد اهلل‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪ :‬لقد حدثني قبل احلرية بعرش سنني(((‪.‬‬

‫إن ظاهر كالم حممد بن حييى ملحمد بن احلسن الصفار هو أن الربقي مل يكن ثقة‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ولكن السيد اخلوئي‪ ‬أجاب عن هذه الشبهة بام حاصله‪ :‬إن حممد بن حييى مل‬
‫يقصد عدم وثاقة الربقي بكالمه هذا‪ ،‬وإنام كان يتمنى أن يكون الراوي للخرب شخص ًا‬
‫من املتقدمني ليكون كالمه حجة يف باب اإلمامة‪ ،‬فأجاب الصفار بأن رواية الربقي‬
‫بعض‬
‫سبقت زمان احلرية ‪-‬أي الفرتة التي تلت رحيل اإلمام العسكري‪ ،‬حيث وقع ُ‬
‫الناس يف حرية من أمر اإلمامة‪ ،‬ولمَ يعرفوا الويص من بعد العسكري‪ -‬فيمكن‬
‫االعتامد عليه‪.‬‬

‫قال‪ :‬هذه الرواية قد أشكلت عىل كثريين‪ ،‬أوهلم فيام نعلم‪ :‬السيد التفرييش‪،‬‬
‫فتخيلوا أن فيها ذم ًا عىل أمحد بن أيب عبد اهلل‪ ،‬ولكن التأمل يف الرواية يعطي أن معناها‬
‫ما ذكره بعض األفاضل‪ .‬بيان ذلك بتوضيح منا‪ :‬أن حممد بن حييى احتمل أن رواية أمحد‬
‫بن أيب عبد اهلل كان بعد وقوع الناس يف حرية من أمر اإلمامة‪ ،‬حيث كان مجاعة يقولون‪:‬‬
‫بأن احلسن العسكري‪ ‬مل يكن له ولد‪ ،‬وكانت الشيعة يعتقدون بوجود احلجة‪،‬‬
‫وأنه اإلمام بعد أبيه‪ ،‬فود حممد بن حييى أن يكون راوي هذه الرواية شخص ًا آخر‪ ،‬أي‬
‫إخباره إخبار ًا عن املغيب قبل وقوعه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫رج ً‬
‫ال كان من السابقني عىل زمان احلرية‪ ،‬ليكون‬

‫((( الكايف ‪.٥٢٧ -٥٢٦/١‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪124‬‬

‫فأجابه حممد بن احلسن‪ ،‬بأن إخبار أمحد بن أيب عبد اهلل كان قبل احلرية بعرش سنني‪ ،‬يعني‬
‫أنه كان قبل والدة احلجة بخمس سنني‪.‬‬

‫وعىل ذلك‪ ،‬فليس يف الرواية ما يدل عىل ذم أمحد بن أيب عبد اهلل أص ً‬
‫ال(((‪.‬‬

‫الطرق �إىل كتاب املحا�سن‬


‫قال الشيخ يف الفهرست‪ :‬أخربنا هبذه الكتب كلها وبجميع رواياته عدة من‬
‫أصحابنا‪ ،‬منهم الشيخ أبو عبد اهلل حممد بن حممد بن النعامن املفيد وأبو عبد اهلل احلسني‬
‫بن عبيد اهلل وأمحد بن عبدون وغريهم‪ ،‬عن أمحد بن حممد بن سليامن الزراري‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا مؤديب‪ :‬عيل بن احلسني السعدآبادي أبو احلسن القمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أمحد بن أيب‬
‫عبد اهلل‪ .‬وأخربنا هؤالء الثالثة‪ ،‬عن احلسن بن محزة العلوي الطربي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أمحد‬
‫بن عبد اهلل ابن بنت الربقي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا جدي أمحد بن حممد‪ .‬وأخربنا هؤالء إال الشيخ‬
‫أبا عبد اهلل وغريهم‪ ،‬عن أيب املفضل الشيباين‪ ،‬عن حممد بن جعفر بن بطة‪ ،‬عن أمحد‬
‫بن أيب عبد اهلل بجميع كتبه ورواياته‪ .‬وأخربنا هبا ابن أيب جيد‪ ،‬عن حممد بن احلسن بن‬
‫الوليد‪ ،‬عن سعد بن عبد اهلل‪ ،‬عن أمحد بن أيب عبد اهلل بجميع كتبه ورواياته(((‪.‬‬

‫املالحظ أن للشيخ طرق ًا أربعة إىل كتاب املحاسن‪ ،‬وبعضها صحيحة بال إشكال‪.‬‬
‫قال الشيخ املحسني‪ :‬وجمموع هذه األسانيد يكفي للحكم باعتبار الطريق إىل‬
‫املحاسن(((‪.‬‬

‫((( معجم رجال احلديث‪.٥٠/٣ :‬‬


‫((( الفهرست‪.٦٤ – ٦٣ :‬‬
‫((( بحوث يف علم الرجال‪.٤٢٤ :‬‬
‫‪125‬‬ ‫املحا�سن‬

‫وقال النجايش‪ :‬أخربنا بجميع كتبه احلسني بن عبيد اهلل قال‪ :‬حدثنا أمحد بن حممد‬
‫أبو غالب الزراري‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا مؤديب عيل بن احلسني السعدآبادي أبو احلسن القمي‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا أمحد بن أيب عبد اهلل هبا(((‪ .‬وهذا الطريق أيض ًا معترب‪.‬‬

‫وقال الصدوق يف مشيخة الفقيه‪ :‬وما كان فيه عن أمحد بن أيب عبد اهلل الربقي‬
‫فقد رويته عن أيب‪ ،‬وحممد بن موسى بن املتوكل ريض اهلل عنهام عن عيل بن احلسني‬
‫السعدآبادي‪ ،‬عن أمحد بن أيب عبد اهلل الربقي(((‪ .‬وهذا الطريق أيض ًا معترب‪.‬‬

‫وقال أيض ًا‪ :‬وما كان فيه عن أمحد بن أيب عبد اهلل الربقي فقد رويته عن أيب‪ ،‬وحممد‬
‫بن احلسن ريض اهلل عنهام عن سعد بن عبد اهلل‪ ،‬عن أمحد بن أيب عبد اهلل الربقي‪.‬‬
‫ورويته أيض ًا عن أيب‪ ،‬وحممد بن موسى بن املتوكل ريض اهلل عنهام عن عيل بن احلسني‬
‫السعدآبادي‪ ،‬عن أمحد بن أيب عبد اهلل الربقي(((‪ .‬وهذان الطريقان معتربان أيض ًا‪.‬‬

‫قال السيد اخلوئي‪ :‬وطريق الصدوق إليه‪ ...‬كطريق الشيخ إليه صحيح‪ ،‬وكذلك‬
‫يف املشيخة‪ ،‬فإن ابن أيب جيد من مشايخ النجايش‪ ،‬وكونه يف الطريق ال يرض بصحته(((‪.‬‬

‫وقال الشيخ يف املشيخة‪ :‬ومن مجلة ما ذكرته عن أمحد بن حممد بن خالد ما رويته‬
‫هبذه األسانيد عن حممد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أمحد بن حممد بن خالد(((‪.‬‬

‫((( رجال النجايش‪.٧٧ :‬‬


‫((( َمن ال حي ُضرَ ُه الفقيه‪.٤٣٨/٤ :‬‬
‫((( املصدر‪.٤٥٩/٤ :‬‬
‫((( املعجم‪.٥٠/٣ :‬‬
‫((( رشح مشيخة التهذيب ‪ ٤٤ -٤٣‬للسيد حسن اخلرسان‪.‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪126‬‬

‫وطريق الشيخ إىل الكليني هو املفيد عن ابن قولويه عنه‪ ،‬والغضائري عن أيب‬
‫غالب الزراري وعن هارون بن موسى التلعكربي وابن قولويه والصيمري والشيباين‬
‫كلهم عن الكليني(((‪.‬‬

‫وأما الكليني فقد روى عن الربقي من خالل العدة‪ ،‬وقد نقل العالمة يف خالصة‬
‫األقوال عن الكليني مراده من العدة عن الربقي‪ ،‬قائالً‪ :‬وقال ‪-‬أي الكليني‪ :-‬كلام‬
‫ذكرته يف كتايب املشار إليه عدة من أصحابنا عن أمحد بن حممد بن خالد الربقي‪ ،‬فهم‬
‫عيل بن إبراهيم وعيل بن حممد بن عبد اهلل ابن أذينة وأمحد بن عبد اهلل بن أمية وعيل بن‬
‫احلسن(((‪.‬‬

‫إال أن هذا النقل ال خيلو من إشكال‪ ،‬حيث ينقل العالمة عن الكليني مرسالً‪ ،‬وال‬
‫ندري من أين علم العالمة بام قاله الكليني‪ ،‬فإنه مل يرصح بذلك يف الكايف‪ ،‬وهو أدرى‬
‫بام قال‪.‬‬

‫وقال السيد بحر العلوم حول عدة الربقي‪:‬‬

‫ع���ل���ي ب�������ن احل������س������ن وأمح�������د‬ ‫وع���������دة ال���ب��رق������ي وه�������و أمح����د‬

‫واب�����ن إلب���راه���ي���م واس���م���ه ع��ل�ي‬


‫(((‬
‫وب����ع����د ذي������ن اب������ن أذي�����ن�����ة ع�لي‬

‫أقول‪ :‬ال مانع من االعتامد عىل ما رواه الكليني عن الربقي عرب العدة‪ ،‬وذلك ألن‬

‫((( املصدر‪.٢٣ -٥ :‬‬


‫((( خالصة األقوال ‪.٤٣٠‬‬
‫((( املحاسن (املقدمة) ‪.٤/١‬‬
‫‪127‬‬ ‫املحا�سن‬

‫العدة تطلق عىل الثالثة وما فوق‪ ،‬وهؤالء هم مشايخ الكليني‪ ،‬وال حيتمل أن الكليني‬
‫يروي عن ثالثة كلهم من الضعاف‪ ،‬بل نطمأن أن أحدهم عىل أقل تقدير من الثقات‪.‬‬

‫�إ�شكال الزيادة والنق�صان‬


‫قد يقال‪ :‬ال يمكن االعتامد عىل كتاب املحاسن وذلك ألن الشيخ والنجايش قاال‬
‫بأنه قد زيد فيه وقد نقص‪ .‬وهذا يعني أنه قد طالته يد الوضاعني بالتحريف‪ .‬وعليه‪،‬‬
‫فأي رواية يف املحاسن إذا أردنا أن نعمل هبا يأيت احتامل أهنا مما قد زيد فيها؛ للعلم‬
‫اإلمجايل بوجود الزيادة والنقصان‪.‬‬

‫واجلواب عن ذلك أن يقال‪ :‬ليس املقصود من العبارة ذلك‪ ،‬وإنام املقصود منه أن‬
‫بعض الفهارس ذكرت أبواب ًا للمحاسن مل تُذكر يف غريها من الفهارس وهكذا‪ .‬أي‬
‫إن أبواب املحاسن قد ُذكرت يف الفهارس بزيادة ونقصان‪ ،‬ال أن رواياته طرأت عليها‬
‫الزيادة والنقصان بحيث تسقط عن االعتبار‪.‬‬

‫والقرينة عىل ذلك قول الشيخ الطويس‪( :‬وصنف كتب ًا كثرية منها املحاسن‬
‫وغريها‪ ،‬وقد زيد يف املحاسن ونقص‪ ،‬فمام وقع إ ّيل منها كتاب اإلبالغ وكتاب الرتاحم‬
‫والتعاطف)‪ ،‬ثم قال بعد ذلك‪( :‬وزاد حممد بن جعفر بن بطة عىل ذلك كتاب طبقات‬
‫الرجال)(((‪.‬‬

‫قال سيدنا األُستاذ‪ :‬ولكن هذا اإلشكال غري وارد‪ ،‬ألن الظاهر أن مرادهم من‬
‫الوضاعني ونحوهم‪،‬‬
‫(زيد فيه ونقص) ليس زيادة بعض الروايات يف الكتاب من قبل ّ‬

‫((( الفهرست‪.٦٤ – ٦٣ :‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪128‬‬

‫النساخ وأرضاهبم‪ ،‬بل املراد اختالف أصحاب الفهارس‬


‫وإسقاط البعض منها من قبل ّ‬
‫وبعض آخر نقص منه(((‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فبعض زاد يف العدد‬
‫يف عدد الكتب التي يشتمل عليها‪ٌ ،‬‬

‫ولعل السبب يف الزيادة والنقصان يف أسامء األبواب هو أن البعض قد ختيل أن هذه‬


‫أسامء لكتب مستقلة‪ ،‬فلم يدرجها يف أبواب املحاسن فأنقص‪ ،‬و َمن تن ّبه إىل أهنا أبواب‬
‫وليست كتب ًا مستقلة زاد‪.‬‬

‫روايات املحا�سن يف و�سائل ال�شيعة وبحار الأنوار‬


‫حكم السيد اخلوئي‪ ‬بالصحة عىل عدة روايات رواها احلر العاميل عن املحاسن‪،‬‬
‫وهذا يعني أنه يرى صحة طريق احلر إىل الربقي عرب الشيخ‪ ،‬كام كان يرى ذلك يف كتاب‬
‫مسائل عيل بن جعفر‪.‬‬

‫فمثالً‪ ،‬قال حول رواية هشام بن سامل املروية يف املحاسن بأهنا صحيحة‪ ،‬قائالً‪:‬‬
‫وصحيحة هشام بن سامل عن أيب عبد اهلل‪ ‬قال‪« :‬يقول اهلل ع ّز ّ‬
‫وجل‪ :‬أنا خري رشيك‪،‬‬
‫فمن عمل يل ولغريي فهو ملن عمله غريي»(((‪ ،‬مع أن احلر نقلها عن املحاسن‪ً ،‬‬
‫قائال‪:‬‬ ‫َ‬
‫أمحد بن حممد بن خالد الربقي يف (املحاسن) عن أبيه‪ ،‬عن ابن أيب عمري‪ ،‬عن هشام‬
‫فمن عمل يل‬
‫بن سامل‪ ،‬عن أيب عبد اهلل‪ ،‬قال‪« :‬يقول اهلل عز وجل‪ :‬أنا خري رشيك‪َ ،‬‬
‫ولغريي‪ ،‬فهو ملن عمله غريي»(((‪.‬‬

‫((( قبسات من علم الرجال‪.١٦٩/٢ :‬‬


‫((( املستند يف رشح العروة‪ ،‬كتاب الصالة‪.٢٥/٤ :‬‬
‫((( الوسائل‪ ٧٢/١ :‬طبعة مؤسسة آل البيت‪.‬‬
‫‪129‬‬ ‫املحا�سن‬

‫أقول‪ :‬إن الكالم يف اعتبار كتاب املحاسن شبيه بالكالم عن كتاب مسائل عيل بن‬
‫جعفر‪ ،‬وحاصله‪ :‬إنه يمكن االعتامد عىل ما رواه القدماء يف كتبهم األربعة عن املحاسن‪،‬‬
‫إال أن ما رواه احلر العاميل واملتأخرون عنه ُيتأمل فيه؛ وذلك لالطمئنان بأهنم حصلوا‬
‫عىل الكتاب عن طريق الوجادة ال املناولة واإلجازة‪ .‬وأما طرق احلر العاميل إىل الشيخ‬
‫فهي طرق تربكية ال تنفع يف إخراج الروايات من اإلرسال إىل اإلسناد‪.‬‬

‫قال املحقق اخلوانساري يف مشارق الشموس‪ :‬وقد ذكر بعض العلامء ورود هذا‬
‫املضمون بطريق صحيح أيض ًا‪ ،‬ومل أره يف الكتب األربعة املشهورة‪ ،‬لكن رأيته يف كتاب‬
‫املحاسن للربقي‪ ،‬ولعله أراد ذلك وخيدش اجلواب بعد تسليم صحة االحتجاج بأمثال‬
‫هذه األسانيد(((‪.‬‬

‫وقال شيخنا األُستاذ اإليرواين‪ ‬يف جملس درسه بتاريخ (‪١٤٣٩/٢/٤‬هـ)‪:‬‬


‫ٍ‬
‫وحينئذ‬ ‫وهنا أيض ًا قال‪( :‬أمحد بن حممد بن خالد يف املحاسن)‪ ،‬فهو ينقل باملبارشة عنه‪،‬‬
‫يأيت السؤال‪ :‬ما هو سند صاحب الوسائل إىل هذا األصل؟ إىل أن قال‪ :‬إنام املشكلة‬
‫ٍ‬
‫نسخة معينة‪ ،‬مثل طرق األغا‬ ‫هي احتامل َّ‬
‫أن هذه الطرق تربكية‪ ،‬بمعنى أهنا ليست عىل‬
‫بزرگ الطهراين‪ ،‬فهو يعطي إجازات للبعض وغرضهم منها التربك‪ ...‬ومن املحتمل َّ‬
‫أن‬
‫طرق صاحب الوسائل هي من هذا القبيل‪ ،‬وال توجد مؤرشات تساعد عىل أهنا طرق‬
‫عىل نسخة معينة‪ ،‬فألجل ذلك ال يمكن االعتامد عليها‪.‬‬

‫وقال الشيخ آصف املحسني‪ :‬نحن نقلنا أحاديث املحاسن املعتربة سند ًا يف‬
‫معجم األحاديث املعتربة عن البحار غالب ًا‪ ،‬وقد تبني اآلن أنه ال جمال لالعتامد عليها‬

‫((( مشارق الشموس ‪.٣٤‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪130‬‬

‫بمجرد نقل املجليس وكذا احلر رمحهام اهلل‪ ،‬فإهنام أخذا بطريق الوجادة‪ ،‬فال بد العتبارمها‬
‫من ٍ‬
‫دليل آخر؛ كاشتهار الكتاب من عرص املؤلف إىل عرص املجليس واحلر العاميل مثالً‪،‬‬
‫إىل حدٍّ يوجب االطمئنان بنسبة الكتاب بتاممه سامل ًا إىل الربقي‪.‬‬

‫وقال‪ :‬ما نقله الصدوق والكليني عنه فال إشكال فيه‪ ،‬وأما ما نقله احلر العاميل‬
‫واملجليس منه فال نقبله ما مل حيرز صحة وصول نسخة الكتاب إليهام بطريق معترب‪ ،‬كام‬
‫ال نعتمد عىل النسخة املطبوعة يف األعصار األخرية(((‪.‬‬

‫وقد يقال‪ :‬إن كالم املجليس يف دعوى شهرة الكتاب ال بأس هبا‪ ،‬حيث قال‪:‬‬
‫وكتاب املحاسن للربقي من األُصول املعتربة‪ ،‬وقد نقل عنه الكليني وكل َمن تأخر عنه‬
‫ِمن املؤلفني(((‪.‬‬

‫إال أنه يمكن أن جياب عنه بام أفاده سيدنا األُستاذ‪ ،‬وحاصله‪ :‬إن أصل الكتاب ربام‬
‫يكون مشهور ًا‪ ،‬ولكن هذا ال يعني أن نسخه مشهورة أيض ًا‪ ،‬والذي ُيغني عن السند هو‬
‫شهرة النسخة وليس شهرة أصل الكتاب‪.‬‬

‫قال‪ :‬وكتاب املحاسن الذي عدّ ه الصدوق يف املقدمة من الكتب املشهورة قد نص‬
‫النجايش والشيخ عىل أنه قد زيد فيها ونُقص‪ ،‬وحكى النجايش يف ترمجة حممد بن عبد‬
‫اهلل بن جعفر احلمريي أنه ألف ستة من الكتب عندما الحظ أنه قد سقط عن نسخته‬
‫من كتاب املحاسن تلك الكتب الستة‪ ،‬وسأل إخوانه بقم وبغداد والري فلم جيدها‬
‫عند أحد منهم‪ ،‬فاضطر إىل أن يرجع إىل األُصول ويؤلف تلك الكتب لتكميل كتاب‬

‫((( بحوث يف علم الرجال‪.٤٢٥ :‬‬


‫((( بحار األنوار‪.٢٧/١ :‬‬
‫‪131‬‬ ‫املحا�سن‬

‫املحاسن‪ ،‬مما يشهد بوضوح عىل أن كتب املحاسن مل تكن كثرية النسخ حتى يف عرص‬
‫احلمريي(((‪.‬‬

‫وقال أيض ًا‪ :‬فرق شاسع بني كون كتاب من الكتب املشهورة من حيث تعويل‬
‫األصحاب عليه ورجوعهم إليه‪ ،‬وبني كون نسخه مشهورة متداولة غري خمتلفة‪،‬‬
‫بحيث يضعف احتامل وقوع الزيادة والنقيصة والدس والتحريف فيها‪ .‬وما يمكن أن‬
‫ُيـدّ عى أنه يوجب االستغناء عن السند هو ما يكون مشهور ًا من حيث نسخه إىل عرص‬
‫الصدوق(((‪.‬‬

‫وقال أيض ًا‪ :‬بأن كون كتاب املحاسن من الكتب املشهورة يف عرص الصدوق ال‬
‫يقتيض تداول نسخه بحيث يستغنى عن السند إىل النسخة التي اعتمدها الصدوق يف‬
‫النقل عنه‪ ...‬إن مجلة من كتب املحاسن للربقي مل تكن هلا نسخة يف عرص حممد بن عبد‬
‫اهلل احلمريي‪ ،‬فكيف لنا التأكد من أن نسخ املحاسن بعد ذلك بقليل يف عرص الصدوق‬
‫كانت مشهورة بحيث تستغني عن السند؟!‬
‫(((‬

‫إال أن سيدنا األُستاذ‪ ‬تغ ّلب عىل إشكال الوجادة وعدم شهرة النسخ بام‬
‫حاصله‪ :‬إن كتاب املحاسن وإن وصل إىل املتأخرين كالعالمة املجليس واحلر العاميل‬
‫عن طريق الوجادة ولمَ يصل إليهام مناولة‪ ،‬إال أنه يمكن حصول الوثوق بصحة النسخة‬
‫الواصلة إليهم من خالل مقارنتها بام نُقل عن كتاب املحاسن يف الكتب األربعة‪ ،‬فإن‬

‫((( قبسات من علم الرجال‪.٢٣٠/٢ :‬‬


‫((( قبسات من علم الرجال‪.٢٣١/٢ :‬‬
‫((( قبسات‪.٢٢٣ -٢٢٢/٢ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪132‬‬

‫املقارن سيجد املطابقة بني ما يف النسخة الواصلة إىل املتأخرين وما نقل عنه يف الكتب‬
‫األربعة‪ ،‬بل يف مستطرفات الرسائر أيض ًا‪ ،‬ومن خالله حيصل الوثوق بالنسخة(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬إن حصل اطمئنان من خالل التتبع بالتطابق أن النسخة الواصلة إلينا وإىل‬
‫املتأخرين هي نفس النسخة التي كانت عند القدماء فبها‪ ،‬وإال فال جمال لالستدالل‬
‫بروايات املحاسن الواردة يف الوسائل والبحار‪ ،‬ما مل تكن موجودة يف الكتب األربعة‪.‬‬

‫***‬

‫((( قبسات من علم الرجال‪.١٧٢ -١٧١/٢ :‬‬


‫‪133‬‬ ‫دعائم الإ�سالم‬

‫دعائم الإ�سالم‬
‫هو كتاب (دعائم اإلسالم وذكر احلالل واحلرام‪ ،‬والقضايا واألحكام عن أهل‬
‫بيت رسول اهلل عليه وعليهم أفضل السالم) للقايض أيب حنيفة النعامن بن حممد بن‬
‫منصور بن أمحد بن حيون التميمي املغريب املتوىف سنة (‪ ٣٦٣‬هـ)‪.‬‬

‫إن كتاب دعائم اإلسالم كُتب ليكون القانون الرسمي للدولة الفاطمية منذ عهد‬
‫املعز لدين اهلل إىل هناية الدولة‪ ،‬بل كان بعض سالطني الدولة الفاطمية يعطي ماالً ملن‬
‫حيفظ هذا الكتاب‪ .‬وهو اليوم من الكتب الفقهية املهمة لإلسامعيلية يف اهلند امللقبون‬
‫بـ(البهرة)‪.‬‬

‫أكثر روايات الكتاب هي عن اإلمام الصادق‪ ‬وبعنوان‪( :‬روينا عن جعفر بن‬


‫حممد‪ ،)‬وهي عموم ًا مراسيل ال يذكر املصنف أسانيده إىل األخبار‪ .‬وامللفت للنظر‬
‫أن كثري ًا من روايات الكتاب مأخوذة من كتاب اجلعفريات‪ ،‬وذلك ألن حممد بن حممد‬
‫بن األشعث ‪-‬الراوي لكتاب اجلعفريات عن إسامعيل بن موسى بن جعفر‪ -‬كان يف‬
‫مرص‪ ،‬وكان كتابه يف متناول اليد هناك‪.‬‬

‫قال العالمة املجليس‪ :‬وكتاب دعائم اإلس�لام‪ ،‬قد كان أكثر أهل عرصنا‬
‫يتومهون أنه تأليف الصدوق‪ ،‬وقد ظهر لنا أنه تأليف أيب حنيفة النعامن بن حممد بن‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪134‬‬

‫منصور قايض مرص يف أيام الدولة اإلسامعيلية‪ ،‬وكان مالكي ًا أوالً‪ ،‬ثم اهتدى وصار‬
‫إمامي ًا‪ .‬وأخبار هذا الكتاب أكثرها موافقة ملا يف كتبنا املشهورة‪ ،‬لكن مل ِ‬
‫يرو عن األئمة‬
‫بعد الصادق؛ خوف ًا من اخللفاء اإلسامعيلية‪ ،‬وحتت رس التقية أظهر احلق ملن نظر فيه‬
‫متعمق ًا‪ ،‬وأخباره تصلح للتأييد والتأكيد‪ .‬قال ابن خلكان‪ :‬هو أحد الفضالء املشار‬
‫إليهم‪ ،‬ذكره األمري املختار املسيحي يف تارخيه‪ ،‬فقال‪ :‬كان من العلم والفقه والدين‬
‫والنبل عىل ما ال مزيد عليه‪ ،‬وله عدة تصانيف منها‪ :‬كتاب اختالف أصول املذاهب‬
‫وغريه‪ ،‬انتهى‪ .‬وكان مالكي املذهب‪ ،‬ثم انتقل إىل مذهب اإلمامية‪ .‬وقال ابن زوالق‬
‫يف ترمجة ولده عيل بن النعامن‪ :‬كان أبوه النعامن بن حممد القايض يف غاية الفضل‪ ،‬من‬
‫أهل القرآن والعلم بمعانيه‪ ،‬وعامل ًا بوجوه الفقه‪ ،‬وعلم اختالف الفقهاء واللغة والشعر‬
‫واملعرفة بأيام الناس‪ ،‬مع عقل وانصاف‪ ،‬وألف ألهل البيت من الكتب آالف األوراق‬
‫بأحسن تأليف وأملح سجع‪ ،‬وعمل يف املناقب واملثالب كتاب ًا حسن ًا‪ ،‬وله ردود عىل‬
‫املخالفني‪ :‬له رد عىل أيب حنيفة وعىل مالك والشافعي وعيل بن رشيح‪ ،‬وكتاب اختالف‬
‫ينترص فيه ألهل البيت‪ .‬أقول‪ :‬ثم ذكر كثري ًا من فضائله وأحواله‪ ،‬ونحوه ذكر‬
‫اليافعي وغريه‪ ،‬وقال ابن شهرآشوب يف كتاب معامل العلامء‪ :‬القايض النعامن بن حممد‬
‫ليس بإمامي وكتبه ِح َسان‪ ،‬منها رشح األخبار يف فضائل األئمة األطهار‪ ،‬ذكر املناقب‬
‫إىل الصادق‪ ،‬االتفاق واالفرتاق‪ ،‬املناقب واملثالب‪ ،‬اإلمامة أصول املذاهب‪ ،‬الدولة‪،‬‬
‫اإليضاح‪ ،‬انتهى(((‪.‬‬

‫وأورد الشيخ آغا بزرگ الطهراين‪ ‬كتاب الدعائم يف الذريعة قائالً‪ :‬دعائم‬

‫((( بحار األنوار‪.٣٩ -٣٨/١ :‬‬


‫‪135‬‬ ‫دعائم الإ�سالم‬

‫اإلسالم يف معرفة احلالل واحلرام والقضايا واألحكام املأثورة عن أهل البيت‪ ‬أليب‬
‫حنيفة اإلمامي‪ ،‬وهو القايض نعامن بن حممد بن منصور بن أمحد بن حيون املغريب املرصي‬
‫املتوىف (‪٣٦٣‬هـ) مؤلف ابتداء الدعوة‪ ...‬وبسط القول يف اعتبار كتابه هذا شيخنا يف‬
‫خامتة املستدرك‪ .‬كان من الكتب املتداولة املعمول هبا يف مرص يف تلك األعصار‪ .‬قال يف‬
‫كشف الظنون‪( :‬ويف سنة (‪٤١٦‬هـ) أمر الظاهر (اخلليفة الفاطمي) فأخرج َمن بمرص‬
‫ِمن الفقهاء املالكيني‪ ،‬وأمر الدعاة الو ّعاظ أن ِ‬
‫يع ُظوا من كتاب دعائم اإلسالم‪ ،‬وجعل‬
‫ملن حفظه ماالً)‪ .‬أوله‪( :‬احلمد هلل استفتاح ًا حلمده‪ ،‬وصىل اهلل عىل رسوله وعىل األئمة‬
‫الطاهرين من أهل بيته)(((‪.‬‬

‫ثم إنه وقع خالف بني األعالم يف مدى إمكان األخذ بروايات الدعائم‪ ،‬واألكثر‬
‫عىل العدم‪ ،‬كام ستعرف؛ وذلك لإلرسال يف رواياته‪ ،‬وعدم ثبوت وثاقة املؤلف‪.‬‬

‫نعم‪ ،‬عمل به املحدث النوري‪ ‬وجعله مصدر ًا من مصادر كتابه املستدرك‪.‬‬


‫قال‪ :‬كتاب الدعائم كله يف فقه اإلمامية‪ ،‬وفروعها وأحكامها‪ ،‬مستدالً عليها بأخبار‬
‫أهل البيت‪ ،‬عىل أحسن نظم وترتيب‪ ،‬بل ليس يف أيدينا من علامء تلك األعصار ما‬
‫يشبهه يف الوضع والتنقيح‪ ،‬مفتتح ًا بمسائل يف اإلمامة ورشوطها‪ ،‬وفضائل األئمة‪‬‬
‫ووصاياهم‪ ،‬ورشح عدم جواز أخذ األحكام الدينية عن غريهم‪ ،‬كسائر كتب أصحابنا‬
‫يف هذا الباب‪ ...‬إلخ(((‪.‬‬

‫قسم كتابه إىل قسمني‪ :‬بحث يف القسم األول ما يعتقدها‬


‫ثم إن القايض النعامن ّ‬

‫((( الذريعة‪.١٩٨ -١٩٧/٨ :‬‬


‫((( خامتة املستدرك‪.١٤٨/١ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪136‬‬

‫اإلسامعيلية دعائم اإلسالم‪ :‬الوالية‪ ،‬والطهارة‪ ،‬والصالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصوم‪ ،‬واحلج‪،‬‬


‫واجلهاد‪.‬‬

‫وأما القسم الثاين فقد بحث فيه بعض املعامالت؛ كالبيع والنكاح واألطعمة‬
‫واألرشبة وغريها‪.‬‬

‫قال يف ديباجة الكتاب‪ :‬فقد روينا عن أيب جعفر حممد بن عيل أنه قال‪ُ « :‬بني اإلسالم‬
‫عىل سبع دعائم‪ :‬الوالية وهي أفضلها وهبا وبالويل يوصل إىل معرفتها‪ ،‬والطهارة‪،‬‬
‫والصالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصوم‪ ،‬واحلج‪ ،‬واجلهاد»‪ ،‬فهذه دعائم اإلسالم نذكرها إن شاء‬
‫اهلل بعد ذكر اإليامن الذي ال يقبل اهللُ تعاىل عم ً‬
‫ال إال به‪ ،‬وال يزكو عنده إال من كان‬
‫من أهله‪ ،‬ونشفعها بذكر احلالل واحلرام والقضايا واألحكام؛ ملا يف ذلك من التعبد‬
‫واملفروضات يف األرشية والبياعات واملأكوالت واملرشوبات والطالق واملناكحات‬
‫واملواريث والشهادات‪ ،‬وسائر أبواب الفقه املثبتات الواجبات‪ .‬وباهلل نستعني وإياه‬
‫نستوهب التوفيق ملا يزكو لديه ويزدلف به إليه‪ ،‬وهو حسبنا ونعم الوكيل(((‪.‬‬

‫والذي ينبغي أن يبحث يف هذه الدراسة هو األمور التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬هل كان القايض النعامن إمامي ًا اثني عرشي ًا أم ال؟‬

‫‪ -2‬هل كان ثق ًة يمكن االعتامد عىل نقله أم ال؟‬

‫‪ -3‬ما هو موقف األعالم من كتاب الدعائم؟‬

‫‪ -4‬هل يمكن االعتامد عىل كتاب الدعائم أم ال؟‬

‫((( دعائم اإلسالم ‪.٢/١‬‬


‫‪137‬‬ ‫دعائم الإ�سالم‬

‫ترجمة امل�ؤلف‬
‫عاش القايض أبو حنيفة النعامن بن حممد بن منصور بن أمحد بن حيون التميمي‬
‫املغريب يف النصف األول من القرن الرابع من اهلجرة (القرن العارش امليالدي) وال نعرف‬
‫سنة ميالده‪ ،‬وإن كان هناك ما يرجح أنه ولد يف أواخر سني القرن الثالث للهجرة‪،‬‬
‫وتويف بالقاهرة يف ‪ ٢٩‬من مجادى الثانية سنة (‪٣٦٣‬هـ) (‪ ٢٧‬مارس سنة ‪٩٧٤‬م)‪ ،‬وصىل‬
‫عليه املعز لدين اهلل(((‪.‬‬

‫إنه يعرف يف تاريخ أدب الدولة اإلسامعيلية بقايض القضاة وداعي الدعاة النعامن‬
‫بن حممد‪ ،‬وقد خيترص املؤرخون فيقولون‪( :‬القايض النعامن)؛ متييز ًا له عن صاحب‬
‫املذهب احلنفي‪ ،‬ويطلق عليه ابن خلكان (أبا حنيفة الشيعي)‪ .‬خدم املهدي باهلل‬
‫مؤسس الدولة الفاطمية التسع السنوات األخرية من حكمه‪ ،‬ثم ويل قضاء طرابلس‬
‫يف عهد القائم بأمر اهلل اخلليفة الثاين للفاطميني‪ ،‬ويف عهد اخلليفة الثالث املنصور باهلل‬
‫ُعني قاضي ًا للمنصورية‪ ،‬ووصل إىل أعىل املراتب يف عهد املعز لدين اهلل اخلليفة الفاطمي‬
‫الرابع‪ ،‬إذ رفعه إىل مرتبة قايض القضاة وداعي الدعاة(((‪.‬‬

‫وملا متتع بثقة املعز لدين اهلل جعله املعز مستشار ًا قضائي ًا له‪ ،‬فوضع أسس القانون‬
‫الفاطمي‪ ،‬وينظر إليه عىل أنه املرشع األكرب للفاطميني‪ .‬وهلذا كان هذا الكتاب هو‬
‫القانون الرسمي منذ عهد املعز حتى هناية الدولة الفاطمية‪ ،‬كام يتضح ذلك من رسالة‬
‫كتبها احلاكم بأمر اهلل إىل داعيه باليمن‪ ،‬بل ال يزال هذا الكتاب هو الوحيد الذي يسيطر‬

‫((( مقدمة كتاب دعائم اإلسالم ‪.١٢ -١١/١‬‬


‫((( املصدر‪.١٢ -١١/١ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪138‬‬

‫عىل حياة طائفة البهرة يف اهلند‪ ،‬وعليه املعول يف أحواهلم الشخصية‪ ،‬ومن العجب أن‬
‫الترشيع اإلسالمي باهلند اآلن حيافظ عىل يشء من القوانني التي كانت تطبق يف مرص يف‬
‫عهد الفاطميني(((‪.‬‬

‫وتتضح قيمة هذا الكتاب أيض ًا من أن عدد ًا كبري ًا من املخترصات له ُأ ّلفت لتكون‬
‫بني يدي القضاة والطلبة؛ مثل‪ :‬خمترص اآلثار‪ ،‬والينبوع‪ ،‬واالقتصار‪ ،‬وجمموع الفقه‪،‬‬
‫واحلوايش‪ ،‬وهي كلها خمترصات يف الفقه أخذت عن دعائم اإلسالم‪ .‬ويظهر أثر النعامن‬
‫وقوته يف تلك احلقيقة‪ ،‬وهي أن أبناءه اختصوا أيض ًا بام كان يتمتع به أبوهم من نفوذ‪،‬‬
‫فقد توىل ٌّ‬
‫كل من ولديه عيل واحلسني مرتبة قاىض القضاة‪ ،‬ووضعا كتب ًا يف الرشيعة‪.‬‬
‫وعىل اجلملة فقد كان النعامن مؤسس أرسة حمرتمة من القضاة املمتازين‪ ،‬كام كان مؤلف ًا‬
‫كثري اإلنتاج‪ُ .‬ينسب إليه أربعة وأربعون كتاب ًا‪ ،‬منها ثامنية عرش حيتفظ هبا إىل اآلن‪،‬‬
‫وأربعة يرجح وجودها‪ ،‬واثنان وعرشون ُفقدت ومل نعثر هلا عىل أثر(((‪.‬‬

‫هل كان القا�ضي النعمان �إمامي ًا؟‬


‫هناك خالف بني األعالم حول مذهب القايض النعامن‪ :‬هل كان إمامي ًا اثني عرشي ًا‬
‫أم كان إسامعيلي ًا؟‬

‫ذهب البعض إىل عدم كونه اثني عرشي ًا‪ ،‬منهم‪ :‬ابن شهرآشوب‪ .‬قال‪ :‬ليس‬

‫((( املصدر‪.١٢ -١١/١ :‬‬


‫((( املصدر‪.١٢ -١١/١ :‬‬
‫‪139‬‬ ‫دعائم الإ�سالم‬

‫بإمامي‪ ،‬وكتبه ِح َسان(((‪.‬‬

‫ومنهم‪ :‬املحقق اخلوانساري يف (روضات اجلنات)‪ .‬قال يف املحكي عنه‪ :‬ولكن‬


‫الظاهر عندي أنه مل يكن من اإلمامية احلقة‪ ،‬وإن كان يف كتبه يظهر امليل إىل طريقة أهل‬
‫البيت‪ ‬والرواية من أحاديثهم؛ من جهة مصلحة وقته والتقرب إىل السالطني من‬
‫أوالدهم(((‪.‬‬

‫ومنهم‪ :‬السيد اخلوئي‪ ،‬وسننقل نص كالمه عند احلديث عن وثاقته فانتظر‪.‬‬

‫ومنهم‪ :‬السيد السيستاين‪ .‬قال‪ :‬كتاب دعائم اإلسالم للقايض النعامن بن‬
‫حممد بن منصور بن حيون التميمي املغريب املتوىف سنة (‪٣٦٣‬ه��ـ)‪ ،‬وكان من علامء‬
‫اإلسامعيلية‪ ...‬وربام توهم بعضهم أن القايض نعامن من رجال الشيعة اإلمامية استناد ًا‬
‫إىل شبهات ضعيفة أجبنا عنها يف حمله(((‪.‬‬

‫وذكر املحقق الداوري‪ ‬أنه توجد قرائن عىل عدم كون القايض النعامن من‬
‫اإلمامية‪ ،‬منها‪ :‬أنه توىل القضاء لثالثة من السالطني الفاطميني حتى أصبح قايض‬
‫القضاة‪ ،‬ومنها‪ :‬أن ولديه أيض ًا وليا القضاء‪ ،‬ومنها‪ :‬أن كتابه الدعائم أصبح القانون‬
‫الرسمي للدولة الفاطمية‪ .‬ثم قال‪ :‬ولو كان إمامي ًا ملا قبل لنفسه أن يكون من دعاة‬
‫الباطل؛ فإن التقية وإن اضطرته إىل خمالفة احلق يف بعض األمور إال أهنا ال تصل إىل ما‬

‫((( معامل العلامء‪.١٦١ :‬‬


‫((( الفوائد الرجالية ‪ ١٠/٤‬يف اهلامش للسيد بحر العلوم‪.‬‬
‫((( قاعدة ال رضر وال رضار ‪.٦٤ -٦٣‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪140‬‬

‫وصل إليه القايض النعامن(((‪.‬‬

‫وممن يرى عدم كون القايض إمامي ًا الدكتور إسامعيل پوناواال املتخصص يف‬
‫القايض النعامن والذي رصف عمره يف دراسة تراثه‪ ،‬فقد قال يل شخصي ًا يف إحدى‬
‫وهم يف وه ٍم‪.‬‬
‫إمامي ٌ‬
‫ٌّ‬ ‫املؤمترات‪ :‬إن القول بأن القايض‬

‫بعض آخر إىل كون القايض النعامن إمامي ًا اثني عرشي ًا‪ ،‬وأنه كان يامرس‬
‫وذهب ٌ‬
‫التقية وخيفي مذهبه احلقيقي أمام السلطة الفاطمية ألجل نرش احلق‪ .‬واألصل يف ذلك‬
‫ما حكي عن ابن خلكان أنه كان يرى بأن القايض النعامن كان مالكي ًا‪ ،‬ثم اعتنق مذهب‬
‫اإلمامية(((‪.‬‬

‫وأورد عليه الشيخ املنتظري‪ :‬أن انتقاله إىل مذهب اإلمامية ال يدل عىل كونه‬
‫اثني عرشي ًا؛ إذ لفظ اإلمامية بحسب مفهومه يعم اإلسامعيلية أيض ًا؛ كلفظ الشيعة‪ ،‬وإن‬
‫تبادر منهام يف أعصارنا خصوص االثني عرشية(((‪.‬‬

‫وممن كان يرى أن القايض النعامن إمامي احلر العاميل‪ ،‬إذ قال‪ :‬وكان مالكي املذهب‪،‬‬
‫ثم انتقل إىل مذهب اإلمامية(((‪ .‬واملظنون أنه قد اعتمد عىل غريه يف ذلك كابن خلكان‪.‬‬

‫ومنهم‪ :‬ابن حجر العسقالين‪ ،‬حيث قال‪ :‬النعامن بن حممد بن منصور أبو حنيفة‪،‬‬
‫كان مالكي ًا ثم حتول إمامي ًا‪ ،‬وويل القضاء للمعز العبيدي صاحب مرص فصنف هلم‬

‫((( أصول علم الرجال‪.٢٥٨/١ :‬‬


‫((( الفوائد الرجالية ‪ ٥/٤‬يف اهلامش للسيد بحر العلوم‪.‬‬
‫((( دراسات يف املكاسب املحرمة‪.١٣٦/١ :‬‬
‫((( أمل اآلمل‪.٣٣٥/٢ :‬‬
‫‪141‬‬ ‫دعائم الإ�سالم‬

‫التصانيف عىل مذهبهم(((‪.‬‬

‫ومنهم‪ :‬السيد بحر العلوم‪ ،‬إذ قال‪ :‬وقد كان يف بدء أمره مالكي ًا‪ ،‬ثم انتقل إىل‬
‫مذهب اإلمامية وصنف عىل طريق الشيعة كتب ًا(((‪.‬‬

‫وحكى املحدث النوري عن املحقق الكاظمي قوله يف املقابس‪ :‬وهذا الرجل كام‬
‫يلوح يف كتابه من أفاضل الشيعة‪ ،‬بل اإلمامية‪ ،‬وإن مل ِ‬
‫يرو يف كتابه إال عن الصادق و َمن‬
‫قبله من األئمة‪.(((‬‬

‫وممن ذهب إىل كون القايض النعامن إمامي ًا املحدث النوري‪ ‬نفسه‪ ،‬واستدل‬
‫لذلك بأنه مل يذكر إسامعيل وال ولده حممد يف كتابه وال يذكر معتقدات اإلسامعيلية‪ ،‬بل‬
‫رصح بكفر الباطنية‪ ،‬وهذا يدل عىل كونه إمامي ًا(((‪.‬‬
‫ّ‬
‫وأورد عليه السيد اخلوئي‪ :‬أن تنزه النعامن من تلك األقاويل الكاذبة والعقائد‬
‫الفاسدة وترصحيه بكفر الباطنية ال يستلزم عدم كونه من اإلسامعيلية‪ ،‬ألن الباطنية قسم‬
‫منهم‪ ،‬وليس كل إسامعييل من الباطنية‪ ،‬وأن عدم ذكره إسامعيل وابنه يف عداد األئمة‬
‫ال يكشف عن عدم عقيدته بإمامتهام‪ ،‬مع أن عقائد اإلسامعيليني مل تصل إلينا بحقيقتها‬
‫حتى نالحظها مع ما ذكره النعامن ليتضح لنا أنه منهم أو ليس منهم(((‪.‬‬

‫((( ميزان االعتدال ‪.١٦٧/٦‬‬


‫((( الفوائد الرجالية ‪.١٤ -٥/٤‬‬
‫((( خامتة املستدرك‪.١٣٠/١ :‬‬
‫((( خامتة املستدرك‪.١٣٥/١ :‬‬
‫((( مصباح الفقاهة‪.٤٤ -٤٣/١ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪142‬‬

‫ومن األمارات التي اعتمد عليها املحدث النوري أن املؤلف ال يعتمد عىل لغة‬
‫األلغاز واإلشارات كام هو دأب اإلسامعيلية‪ .‬هذا مضاف ًا إىل عدم ذكره يف عداد علامء‬
‫اإلسامعيلية يف كتب الرجال مع أهنم تطرقوا إىل القايض النعامن‪ ،‬مما يكشف عن عدم‬
‫انتحاله ملذهبهم(((‪.‬‬

‫ومن مجلة األمارات التي ساقها النوري هو ما قاله املؤلف يف بعض املواضع‪ ،‬منها‬
‫ما ذكره يف آخر أدعية التعقيب‪( :‬وروينا عن األئمة‪ ‬أهنم أمروا بعد ذلك بالتقرب‬
‫لعقب كل صالة فريضة‪ ،‬والتقرب أن يبسط املصيل يديه‪ ،‬إىل أن ذكر الدعاء‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫«ال ّلهم إين أتقرب إليك بمحمد رسولك ونبيك‪ ،‬وبعيل ‪-‬وصيه‪ -‬وليك‪ ،‬وباألئمة من‬
‫ُولده الطاهرين احلسن واحلسني وعيل بن احلسني وحممد بن عيل وجعفر بن حممد‪،»...‬‬
‫ويسمي األئمة إمام ًا إمام ًا حتى يسمي إمام عرصه‪ .)‬قال املحدث النوري‪ :‬وغري‬
‫خفي عىل املنصف أنه لو كان إسامعيلي ًا لذكر بعده إسامعيل بن جعفر‪ ،‬ثم حممد بن‬
‫إسامعيل‪ ،‬إىل إمام عرصه املنصور باهلل‪ ،‬واملهدي باهلل‪ ،‬ومل يكن له دا ٍع إىل اإلهبام(((‪.‬‬

‫وذهب الشيخ املنتظري إىل كون القايض إمامي ًا‪ ،‬إال أن كلمة (اإلمامي) مل ُيراد منها‬
‫االثنا عرشي سابق ًا‪ ،‬وإنام يراد منها َمن يوايل علي ًا وأوالده يف اجلملة‪ ،‬فحتى اإلسامعيلية‬
‫كانوا يعتربون من اإلمامية‪ ،‬فقال‪ :‬وهذا اللفظ كان يطلق عىل َمن يعتقد بكون اإلمامة‬
‫حق ًا لعيل وأوالده املعصومني يف قبال املذاهب األُ َخر‪ ،‬فال ُيصغى إىل ما مر من ابن‬
‫شهرآشوب وصاحب الروضات من التشكيك يف ذلك‪ .‬نعم‪ ،‬يشكل إثبات كونه من‬

‫((( خامتة املستدرك‪.١٤١ -١٤٠/١ :‬‬


‫((( خامتة املستدرك‪.١٤٢/١ :‬‬
‫‪143‬‬ ‫دعائم الإ�سالم‬

‫اإلمامية االثني عرشية‪ .‬ومل يثبت كون اصطالح اإلمامية يف تلك األعصار ممحض ًا هلم‪،‬‬
‫بل اللفظ بإطالقه يشمل اإلسامعيلية أيض ًا(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬إن البحث عن مذهبه قليل اجلدوى‪ ،‬إذ املهم هو البحث عن وثاقته‪ ،‬فإن‬
‫كان ثقة أمكن االعتامد عليه وإن مل يكن إمامي ًا‪ ،‬وإن مل يكن ثقة فال يمكن االعتامد عليه‬
‫وإن كان إمامي ًا‪.‬‬

‫واإلنصاف أن قوهلم‪( :‬إمامي) ال يثبت أنه اثنا عرشي؛ ألن اإلسامعيلية وسائر‬
‫فرق الشيعة يف اجلملة أيض ًا كانوا يسمون بـ(اإلمامية)‪.‬‬

‫وثاقة القا�ضي النعمان‬


‫بعض إىل عدم ثبوت وثاقة القايض النعامن‪ ،‬فال يمكن االعتامد عىل أخباره‬
‫ذهب ٌ‬
‫حتى لو سلمت من اإلشكاالت األُخرى‪.‬‬

‫منهم‪ :‬السيد اخلوئي‪ ،‬قائالً‪ :‬إنه ال شبهة يف علو مكانة أيب حنيفة النعامن‪ ،‬صاحب‬
‫كتاب دعائم اإلسالم وغريه من الكتب الكثرية‪ ،‬ونبوغه يف العلم والفضل والفقه‬
‫واحلديث‪ ...‬إال أن الذي يقتضيه اإلنصاف أنـّا مل نجد بعد الفحص والبحث َمن يرصح‬
‫بكونه ثقة وال اثني عرشي ًا(((‪.‬‬

‫ومنهم‪ :‬الشيخ املنتظري‪ ،‬حيث قال‪ :‬والثابت من كتب التاريخ والرجال علم‬

‫((( دراسات يف املكاسب املحرمة‪.١٣٩/١ :‬‬


‫((( مصباح الفقاهة‪.٤٢ -٤١/١ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪144‬‬

‫ٍ‬
‫بنحو ُيعتمد عىل حديثه(((‪.‬‬ ‫الرجل ونبوغه ومذهبه إمجاالً‪ ،‬ومل يتعرضوا لوثاقته‬

‫ومنهم‪ :‬السيد السيستاين‪ ،‬حيث أشكل عىل خرب ورد يف دعائم اإلسالم وقال‪:‬‬
‫وهو كام ُعلم مما سبق ضعيف من جهتني‪ :‬من جهة اإلرسال‪ ،‬ومن جهة عدم وثاقة‬
‫مؤلف الدعائم عندنا(((‪.‬‬

‫ومنهم‪ :‬السيد صادق الروحاين‪ ،‬حيث قال‪ :‬إال أن كونه اثني عرشي ًا وثقة غري‬
‫ثابتني‪ ،‬لعدم ترصيح القوم بيشء منهام(((‪.‬‬

‫بل ُحكي عن املحقق الكاظمي يف املقباس أن وثاقته غري ثابتة عند األصحاب‪،‬‬
‫حيث قال‪ :‬ولعله لبعض ما ُذكر‪ ،‬ولعدم اشتهاره بني األصحاب‪ ،‬وعدم توثيقهم له‪،‬‬
‫وعدم تصحيحهم حلديثه أو كتابه‪ ،‬مل يورد صاحب الوسائل شيئ ًا من أخباره(((‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد بنى املحقق الداوري عىل وثاقته‪ ،‬قائالً‪ :‬إال أنه بنا ًء عىل وثاقته‪ ،‬ال فرق‬
‫عندنا بني كونه إمامي ًا أو إسامعيلي ًا يف األخذ بروايته(((‪.‬‬

‫وقال بعد أن ذكر بعض الكلامت يف حق القايض‪ :‬وعىل كل تقدير‪ ،‬مل يرد يف حقه‬
‫قدح أو ذم بل ورد الثناء عليه‪ ،‬وعليه فيمكن اعتباره وعدّ ه من املمدوحني الذين ال‬

‫((( دراسات يف املكاسب املحرمة‪.١٤٠/١ :‬‬


‫((( قاعدة ال رضر ‪.٦٥‬‬
‫((( منهاج الفقاهة‪.١٧/١ :‬‬
‫((( خامتة املستدرك‪.١٣١ -١٣٠/١ :‬‬
‫((( أصول علم الرجال‪.٢٥٩/١ :‬‬
‫‪145‬‬ ‫دعائم الإ�سالم‬

‫يقرصون عن الوثاقة(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬يبدو من الرتاجم والسري أن الرجل ممدوح‪ ،‬فقد ورد يف أمل اآلمل بأنه‬
‫(أحد األئمة الفضالء املشار إليهم)(((‪ ،‬وعن املحقق الكاظمي صاحب املقباس أنه (من‬
‫أفاضل الشيعة‪ ،‬بل اإلمامية)(((‪ ،‬وعن السيد حسني القزويني أنه (عامل فاضل)(((‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬ولكن هذه الكلامت مل تصدر من أحد القدماء‪ ،‬وال من أحد املتأخرين‪ ،‬بل‬
‫صدرت من بعض متأخري املتأخرين‪ ،‬فال اعتبار هبا‪ .‬فالصحيح أنه مل تثبت وثاقته‪.‬‬

‫�أقدم ن�سخة للكتاب‬


‫يقول حمقق كتاب الدعائم‪ :‬وأقدم نسخ كتاب دعائم اإلسالم التي عثرنا عليها‬
‫ترجع إىل القرن التاسع اهلجري (اخلامس عرش امليالدي)‪ ،‬أي أهنا كُتبت بعد وفاة‬
‫املؤلف بنحو مخسامئة سنة‪ .‬ومعنى هذا أننا ال نستطيع بأي ٍ‬
‫حال من األحوال أن نثق متام‬
‫الثقة بأنه مل حيدث يف الكتاب حتريف أو تغيري بعد أن كتبه املؤلف‪ ،‬ولكننا نطمئن متام ًا إىل‬
‫أنه مل حيدث يف اخلمسة القرون األخرية أي تغيري يف مادة الكتاب‪ ،‬إال ما كان من أخطاء‬
‫النساخ‪ ،‬أو أخطاء نحوية(((‪.‬‬

‫((( أصول علم الرجال‪.٢٥٧/١ :‬‬


‫((( أمل اآلمل‪.٣٣٥/٢ :‬‬
‫((( خامتة املستدرك‪.١٣٠/١ :‬‬
‫((( خامتة املستدرك‪.١٢٩/١ :‬‬
‫((( مقدمة كتاب دعائم اإلسالم ‪.١٣ -١٢/١‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪146‬‬

‫ويقول أيض ًا‪ :‬أرى أن أعرض ملوضوع لفت نظري‪ ،‬وهو أنه من املدهش أن ال نجد‬
‫نسخة واحدة من هذا الكتاب يف مكتبات مرص‪ ،‬إذ املوجود يف دار الكتب املرصية هي‬
‫صورة فوتوغرافية رقم (‪ ١٩٦٦٥‬ب) عن النسخة اخلطية التي حتتفظ هبا مكتبة مدرسة‬
‫اللغات الرشقية بلندن رقم (‪ ،)٢٥٤٣ ٥‬وقد اشرتت دار الكتب املرصية حديث ًا نسخة‬
‫من اجلزء األول فقط‪ ،‬وهناك نسخة ُأخرى خطية بمكتبة صديقي الدكتور حممد كامل‬
‫حسني‪ ،‬الذي ختصص منذ سنوات عديدة يف دراسة األدب الفاطمي ونرش يف ذلك‬
‫عدة كتب وأبحاث‪ ،‬وعلمت أن القريوان وتونس وفزان وغريها من بالد املغرب ال‬
‫تعرف شيئ ًا عن كتاب دعائم اإلسالم‪ .‬وليس لنا إال أن نعجب بحزم األيوبيني وقدرهتم‬
‫عىل حمو آثار الفاطميني وتعاليمهم‪ ،‬ولكن حرص بعض أتباع املذهب عىل نقل بعض‬
‫املخطوطات إىل اليمن‪ ،‬ومنها نقلت إىل اهلند(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬الظاهر من هذا الكالم أن سبب عدم وجود نسخة من الكتاب يف مكتبات‬
‫مرص هو ما قام به صالح الدين األيويب وغريه من إتالف كتب الدولة الفاطمية‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فأقدم نسخة للكتاب يرجع تارخيها إىل ‪ ٥٠٠‬سنة بعد وفاة املصنف‪،‬‬
‫ومعه هل ُيطمأن بصحة هذه النسخة وأهنا خالية عن الترصف والتصحيف والزيادة‬
‫والنقصان؟‬

‫وقال الشيخ آغا بزرگ الطهراين‪ ‬عن نسخ الكتاب‪ :‬يوجد يف جزأين يف اخلزانة‬
‫الرضوية تأريخ فراغ الكاتب من اجلزء الثاين (‪١٠٠٣‬هـ)‪ ،‬وتوجد نسخ جديدة اخلط‬
‫يف تربيز وطهران والنجف وغريها‪ ،‬ونسخة خط السيد عيل أكرب بن احلسني احلسيني‬

‫((( املصدر‪.١٤ -١٣ :‬‬


‫‪147‬‬ ‫دعائم الإ�سالم‬

‫القزويني املؤرخة (‪١٢٨٥‬هـ) يف كربالء يف كتب السيد إبراهيم بن هاشم بن حممد عىل‬
‫املوسوي القزويني املتوىف باحلائر (‪١٣٦٠‬هـ)‪ ،‬وطبع بمرص من تأليفه كتاب (اهلمة يف‬
‫آداب اتباع األئمة) حدود (‪١٣٦٦‬هـ)(((‪.‬‬

‫موقف الأعالم من الكتاب‬


‫ذهب املحدث النوري‪ ‬إىل اعتبار الكتاب وقد استند إليه يف املستدرك ودافع عن‬
‫صحته واعتباره يف خامتة املستدرك(((‪ ،‬كام هو املالحظ ملن راجع كالمه‪.‬‬

‫وأما العالمة املجليس فقد جعله من مصادر بحار األن��وار ولكنه مع ذلك قد‬
‫اعرتف بأن أخباره تصلح للتأييد فقط(((‪ .‬فالحظ كيف أنه‪ ‬وإن جعل الدعائم من‬
‫مصادر بحار األنوار إال أن قوله (وأخباره تصلح للتأييد والتأكيد) يدل عىل عدم إمكان‬
‫االستدالل برواياته مستقالً‪ ،‬وإال ملا جعلها صاحلة للتأييد‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد رفض طائفة من األعالم اعتبار كتاب دعائم اإلسالم‪ ،‬وجعل بعضهم‬
‫أخباره صاحلة للتأييد ال االستدالل‪.‬‬
‫منهم‪ :‬احلر العاميل‪ ،‬فإنه مل ِ‬
‫يرو عن الدعائم يف كتابه الوسائل‪ ،‬كام هو املالحظ ملن‬
‫يراجع اجلزء األخري من الوسائل الذي فيه ذكر ملصادر الكتاب‪.‬‬

‫منهم‪ :‬السيد اخلوئي‪ .‬قال‪ :‬إن كتاب دعائم اإلسالم فيه من الفروع عىل خالف‬

‫((( الذريعة‪.١٩٨ -١٩٧/٨ :‬‬


‫((( خامتة املستدرك‪.١٥٩ -١٢٨/١ :‬‬
‫((( بحار األنوار‪.٣٩ -٣٨/١ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪148‬‬

‫مذهب اإلمامية‪ ،‬قد ُذكر مجلة منها يف ذيل حمارضاتنا يف الفقه اجلعفري‪ ،‬ومع ذلك فقد‬
‫بالغ شيخنا املحدث النوري‪ ‬يف اعتبار الرجل وأنه كان من اإلمامية املحقة‪ ،‬فهو مل‬
‫يثبت‪ ،‬فالرجل جمهول احلال‪ ،‬وعىل تقدير الثبوت فكتابه دعائم اإلسالم غري معترب‪ ،‬ألن‬
‫رواياته كلها مرسلة(((‪.‬‬

‫ومنهم‪ :‬السيد السيستاين‪ ،‬إذ ق��ال‪ :‬ويالحظ أن أحاديث الكتاب كلها‬


‫مراسيل‪ ،‬بل مل يذكر فيه أسامي رواهتا من الطبقة األوىل غالب ًا‪ ،‬وقد تداول النقل عن‬
‫هذا الكتاب يف كتب متأخري املتأخرين من فقهائنا كاجلواهر وغريه‪ ،‬وهو أحد مصادر‬
‫كتاب املستدرك للمحدث النوري‪ .(((‬وقال يف موضع آخر أن الكتاب ضعيف من‬
‫جهتني‪ :‬اإلرسال‪ ،‬وعدم ثبوت وثاقة مصنفه(((‪.‬‬

‫وحكي عن صاحب اجلواهر‪ ‬يف مسألة من فاتته صلوات متعددة قوله بأن‬
‫دعائم اإلسالم مطعون فيه ويف صاحبه(((‪.‬‬

‫وحكى املحدث النوري عن السيد حسني القزويني يف كتابه جامع الرشائع أنه‬
‫قال‪ :‬وأخباره صاحلة للتأييد والتأكيد‪ ،‬وملا اشتهر من الفتوى بني العلامء الثقات ومل‬
‫يوجد له مستند منسوب إىل األئمة األطهار‪.(((‬‬

‫((( معجم رجال احلديث‪.١٨٥/٢٠ :‬‬


‫((( قاعدة ال رضر ‪.٦٤‬‬
‫((( قاعدة ال رضر ‪.٦5‬‬
‫((( معجم رجال احلديث‪.١٨٥/٢٠ :‬‬
‫((( خامتة املستدرك‪.١٣٠ -١٢٩/١ :‬‬
‫‪149‬‬ ‫دعائم الإ�سالم‬

‫وحكى أيض ًا عن املحقق الكاظمي يف املقباس قوله‪ :‬إال أنه مع ذلك خالف فيه‬
‫األصحاب يف مجلة من األحكام املعلومة عندهم‪ ،‬بل بعض رضوريات مذهبهم؛ ِ‬
‫كح ّلية‬
‫املتعة‪ ،‬فربام كان خمالفته هلم هنا‪ ،‬وبقاؤه عىل مذهب مالك من هذا الباب‪ ،‬ولعله لبعض‬
‫ما ذكر‪ ،‬ولعدم اشتهاره بني األصحاب‪ ،‬وعدم توثيقهم له‪ ،‬وعدم تصحيحهم حلديثه‬
‫أو كتابه‪ ،‬مل يورد صاحب الوسائل شيئ ًا من أخباره‪ ،‬ومل يعد الدعائم من الكتب التي‬
‫يعتمد عليها(((‪.‬‬

‫�أدلة اعتبار الكتاب‬


‫يمكن أن يستدل عىل اعتبار الكتاب باألدلة التالية‪:‬‬

‫األول‪ :‬إن مصنف الكتاب ادعى أن مجيع روايات كتابه صحيحة وثابتة‪ ،‬إذ قال يف‬
‫مقدمة كتابه‪ :‬فقد رأينا وباهلل التوفيق عند ظهور ما ذكرناه أن نبسط كتاب ًا جامع ًا خمترص ًا‬
‫يسهل حفظه ويقرب مأخذه‪ ...‬نقترص فيه عىل الثابت الصحيح مما رويناه عن األئمة من‬
‫أهل بيت رسول اهلل‪ ‬من مجلة ما اختلفت فيه الرواة عنهم يف دعائم اإلسالم‪ ،‬وذكر‬
‫احلالل واحلرام‪ ،‬والقضايا واألحكام(((‪.‬‬

‫وأورد خرب ًا يف باب الطهارة حول‪ّ :‬‬


‫أن َمن تيقن من الطهارة وشك يف احلدث يبني‬
‫وأن َمن تيقن ِمن احلدث وشك يف الطهارة يبني عىل احلدث‪ ،‬فقال‪ :‬فهذا‬
‫عىل الطهارة‪ّ ،‬‬
‫هو الثابت مما رويناه عن رسول اهلل‪ ،‬وعن األئمة من ُولده‪ ،‬دون ما اختلف فيه‬

‫((( خامتة املستدرك‪.١٣١ -١٣٠/١ :‬‬


‫((( دعائم اإلسالم ‪.٢/١‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪150‬‬

‫عنهم‪ ،‬وعىل ذلك جتري أبواب كتابنا هذا إن شاء اهلل‪ ،‬ملا قصدنا فيه إليه من االختصار(((‪.‬‬
‫فهو يرصح بأنه يروي ما كان ثابت ًا عن النبي واآلل‪.‬‬

‫من هنا صار املحدث النوري يدافع عن صحة أخبار الدعائم‪ ،‬قائالً‪( :‬وال بد من‬
‫ذكر ما صدر به الكتاب‪ ،‬ليعرف أنه ما أخرج فيه إال اخلرب الثابت الصحيح‪ ،‬عن األئمة‬
‫األطياب‪.((()‬‬

‫الثاين‪ :‬إن الكتاب مشهور وثابت النسبة إىل مؤلفه‪ ،‬فال حتتاج نسخه إىل طريق‬
‫معترب إىل املصنف‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬إن اإلرسال يف روايات الكتاب ال يرض باعتبارها‪ ،‬خاصة وأن الراوي هلا‬
‫من الثقات وهو القايض النعامن‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬إن مضمون روايات الكتاب يتوافق مع روايات اجلعفريات‪ ،‬وهذا مما‬
‫يكشف عن اعتباره‪.‬‬

‫اجلواب عن الأدلة‬
‫الصحيح أن يقال‪ :‬ال يمكن االعتامد عىل روايات الدعائم بشكل مستقل إلثبات‬
‫حكم رشعي؛ وذلك‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬ألن روايات الكتاب كلها مراسيل مل يذكر املصنف األسانيد‪ ،‬فكيف يمكن‬

‫((( الدعائم ‪.١٠٣/١‬‬


‫((( خامتة املستدرك‪.١٥٧/١ :‬‬
‫‪151‬‬ ‫دعائم الإ�سالم‬

‫االعتامد عليها؟ وأما القول بحجية مراسيل الثقات مطلق ًا فال يساعد عليه الدليل‪ ،‬إال‬
‫إذا علمنا بأن الثقة ال يروي إال عن ثقة آخر؛ كمحمد بن أيب ُعمري‪.‬‬

‫إن قلت‪ :‬إن روايات الدعائم توافق روايات كتب إمامية مشهورة كاجلعفريات‪ ،‬مما‬
‫يكشف عن أخذ القايض منها وهو من أمارات اعتباره‪ .‬قال السيد السيستاين‪ :‬ويمكن‬
‫معرفة بعض مصادره من كتب اإلمامية بمقارنته معها أو مع ما نقل من رواياهتا‪ ،‬ومنها‬
‫كتاب اجلعفريات فإن ما ورد فيه من األخبار يطابق يف موارد كثرية متون األخبار‬
‫الواردة يف الدعائم ‪-‬كام تنبه لذلك املحدث النوري‪ -‬وكتاب اجلعفريات إلسامعيل‬
‫بن موسى بن جعفر‪ ،‬قال الشيخ والنجايش‪( :‬سكن مرص وولده هبا‪ ،‬وله كتب يروهيا‬
‫عن أبيه عن آبائه)‪ .‬وقد روى اجلعفريات إسامعيل بن موسى ورواه عنه حممد بن حممد‬
‫ابن األشعث ‪-‬وكان ساكن ًا بمرص أيض ًا‪ -‬فهذا الكتاب كان موجود ًا يف مرص مقر‬
‫اإلسامعيلية آنذاك(((‪.‬‬

‫قلت‪ :‬إن جمرد موافقة رواياته لروايات كتاب اجلعفريات ال تصريه معتمد ًا‪ ،‬خاصة‬
‫وأن كتاب اجلعفريات ليس معترب ًا يف نفسه‪ ،‬فكيف تكون موافقة أخباره سبب ًا لالعتبار؟‬

‫ثاني ًا‪ :‬إنه عىل فرض وجود أسانيد لرواياته‪ ،‬فإن القايض النعامن مل تثبت وثاقته‪،‬‬
‫حيث مل ينص أرباب الرجال عىل وثاقته‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬وأما قول القايض النعامن يف مقدمة الكتاب (نقترص فيه عىل الثابت الصحيح‬
‫مما رويناه عن األئمة من أهل بيت رسول اهلل) فال يثبت اعتبار كتابه‪ ،‬فإن شهادته حدسية‬
‫اجتهادية ال حسية‪ ،‬وال يسع الفقيه أن يعتمد عليها‪.‬‬

‫((( قاعدة ال رضر وال رضار ‪.٦٥‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪152‬‬

‫من هنا قال السيد اخلوئي‪ :‬ثبوت الصحة عنده ال يوجب ثبوهتا عندنا‪ ،‬الحتامل‬
‫اكتفائه يف تصحيح الرواية بام ال نكتفي به نحن(((‪.‬‬

‫وقال الشيخ املنتظري‪ :‬ثبوت الصحة عنده ال يوجب الثبوت عندنا‪ ،‬الحتامل‬
‫اكتفائه يف تصحيح احلديث بام ال نكتفي به(((‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬إن الكتاب يشتمل عىل فروع كثرية خمالفة ملذهبنا‪ ،‬حيث يقول املحقق‬
‫الكاظمي يف حمكي املقباس‪ :‬إال أنه مع ذلك خالف فيه األصحاب يف مجلة من األحكام‬
‫املعلومة عندهم‪ ،‬بل بعض رضوريات مذهبهم(((‪..‬‬

‫منها‪ :‬جواز غسل القدم يف الوضوء ألجل النظافة‪ .‬قال‪ :‬و َمن غسل رجليه تنظف ًا‬
‫ومبالغة يف الوضوء والبتغاء الفضل وخلل أصابعه‪ ،‬فقد أحسن(((‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬جواز املسح عىل اخلفني يف الوضوء التجديدي‪ .‬قال‪ :‬فيجوز املسح عىل‬
‫اخلفني للرضورة عند ذلك‪ ...‬أو يكون املتوضئ توضأ وهو عىل طهارة ومل حيدث‪،‬‬
‫فأحب جتديد الوضوء البتغاء الفضل كام ذكرنا‪ ...‬وقد روينا عن احلسني بن عيل‬
‫صلوات اهلل عليه أنه سئل عن املسح عىل اخلفني‪ ،‬فسكت حتى مر بموضع فيه ماء‬
‫والسائل معه‪ ،‬فنزل فتوضأ ومسح عىل خفيه وعىل عاممته‪ ،‬وقال‪« :‬هذا وضوء َمن مل‬

‫((( مصباح الفقاهة‪.٤٣/١ :‬‬


‫((( دراسات يف املكاسب املحرمة‪.١٤٠/١ :‬‬
‫((( خامتة املستدرك‪.١٣١ -١٣٠/١ :‬‬
‫((( الدعائم ‪.١٠٨/١‬‬
‫‪153‬‬ ‫دعائم الإ�سالم‬

‫حيدث»(((‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬املسح عىل متام الرأس والعنق واألذنني‪ .‬قال‪ :‬ثم أمروا بمسح الرأس مقب ً‬
‫ال‬
‫ومدبر ًا‪ ،‬يبدأ من وسط رأسه فيمر يديه مجيع ًا عىل ما أقبل من الشعر إىل منقطعة من‬
‫اجلبهة‪ ،‬ثم يرد يديه من وسط الرأس إىل آخر الشعر من القفا‪ ،‬ويمسح مع ذلك األُذنني‬
‫ظاهرمها وباطنهام‪ ،‬ويمسح عنقه(((‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬جواز السجود عىل ما يصح لبسه يف الصالة‪ .‬قال‪ :‬وعن جعفر بن حممد‬
‫صلوات اهلل عليه أنه ّ‬
‫رخص يف الصالة عىل ثياب الصوف‪ ،‬وكل ما جيوز لباسه والصالة‬
‫فيه‪ ،‬جيوز السجود عليه‪ ،‬والكفان والقدمان والركبتان من الساجد‪ ،‬فإذا جاز لباس ثوب‬
‫الصوف والصالة فيه فذلك مما يسجد عليه‪ ،‬وكذلك جيزى السجود بالوجه عليه(((‪.‬‬

‫من هنا قال الشيخ املنتظري‪ :‬ولعله ألمثال ذلك مل يعتد أعاظم الفقهاء‬
‫واملحدثني من قبيل شيخ الطائفة ومعارصيه و َمن تابعه هبذا الكتاب وصار مرتوك ًا من‬
‫قبل أصحابنا‪ ،‬فتدبر(((‪.‬‬

‫خامس ًا‪ :‬لو تغاضينا عن اإلشكاالت السابقة‪ ،‬فيوجد إشكال آخر‪ ،‬وهو‪ :‬عدم‬
‫ثبوت النسخة املتداولة إىل املصنف‪ ،‬فإن أقدم نسخة من الكتاب ُوجدت يف القرن‬
‫التاسع اهلجري أي بعد وفاة املصنف بنحو ‪ ٥٠٠‬سنة‪ .‬ويقول حمقق كتاب الدعائم‪:‬‬

‫((( الدعائم ‪.١١٠/١‬‬


‫((( الدعائم ‪.١٠٨/١‬‬
‫((( الدعائم ‪.178/١‬‬
‫((( دراسات يف املكاسب املحرمة‪.١٤٢/١ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪154‬‬

‫ومعنى هذا أننا ال نستطيع بأي حال من األحوال أن نثق متام الثقة بأنه مل حيدث يف‬
‫الكتاب حتريف أو تغيري بعد أن كتبه املؤلف(((‪.‬‬

‫سادس ًا‪ :‬حتى لو أمكننا القول باعتبار هذه النسخة فإنه ال يوجد سند معترب هلا إىل‬
‫مصنفها‪ .‬وأما القول بشهرة أصل الكتاب فهو ال يغني أقدم نسخة منه ‪-‬والتي وجدت‬
‫بعد ‪ ٥٠٠‬سنة من وفاة املصنف‪ -‬من سند معترب هلا‪ ،‬فإن شهرة األصل ال تعني شهرة‬
‫النسخ‪.‬‬

‫وعليه‪ :‬ال تصلح روايات الكتاب لالستدالل ‪-‬مستقالً‪ -‬عىل احلكم الرشعي‪،‬‬
‫ولكن تصلح للتأييد كام قال العالمة املجليس‪.‬‬

‫فوائد �أُخرى للكتاب‬


‫وهل هناك فوائد ُأخرى للكتاب؟ ادعى ذلك الشيخ املنتظري‪ ،‬نذكر أمهها‪:‬‬

‫الفائدة األوىل‪ :‬يمكننا بربكة رواي��ات الدعائم أن نفهم ونفرس أخبار ًا ُأخرى‬
‫موجودة يف أصولنا والتي يصعب فهمها‪.‬‬

‫قال‪ :‬وقد عثرت أنا يف بعض األبواب من كتاب الدعائم عىل أخبار تفرس بعض‬
‫املشكالت املوجودة يف أخبارنا الصحاح‪ ،‬بحيث يرتفع هبا الشبهة املوجودة‪ ،‬وهذه‬
‫بنفسها فائدة مهمة‪ ،‬نظري روايات العيايش يف تفسريه مع كوهنا مراسيل أيض ًا(((‪.‬‬

‫((( مقدمة كتاب دعائم اإلسالم ‪.١٣ -١٢/١‬‬


‫((( دراسات يف املكاسب املحرمة‪.١٤٠/١ :‬‬
‫‪155‬‬ ‫دعائم الإ�سالم‬

‫الفائدة الثانية‪ :‬يمكن األخذ بأخبار الدعائم إذا ثبتت الشهرة العملية عىل طبقها‪.‬‬

‫قال‪ :‬وعىل هذا تكون رواياته يف الكتاب مراسيل‪ ،‬فال تفيد غالب ًا إال للتأييد‬
‫والتأكيد كام مر عن البحار‪ .‬ال ّلهم إذا فرض يف مورد خاص جرب اإلرس��ال بشهرة‬
‫عملية(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬إن قبول هذه الفائدة خيتلف من مبنى إىل مبنى‪َ ،‬‬
‫فمن ينكر جابرية الشهرة‬
‫للخرب الضعيف ال يسعه األخذ هبذه الفائدة‪ .‬بل يمكن أن يقال‪ :‬حتى َمن يرى اجلابرية‬
‫فال يمكنه أن يطبقها يف املقام؛ وذلك لوجود أكثر من إشكال عىل روايات الدعائم‪ .‬وأما‬
‫اإلرسال فهو إحدى مشكالته ومن أهوهنا‪ .‬هذا مضاف ًا إىل العلم بعدم عمل القدماء هبا‪،‬‬
‫ومن قال باجلابرية قاهلا يف خصوص عمل القدماء ال مطلق ًا‪.‬‬

‫***‬

‫((( دراسات يف املكاسب املحرمة‪.١٤٠/١ :‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪156‬‬

‫قرب الإ�سناد‬
‫وهو ملصنفه عبد اهلل بن جعفر احلمريي‪ ،‬وقيل إنه لولده حممد بن عبد اهلل‬
‫احلمريي‪ ،‬وسيأيت الكالم عن ذلك مفصالً‪ .‬وأما وجه التسمية فواضح‪ ،‬وذلك ألن‬
‫اإلسناد كلام كان أقرب كان احتامل صدقه وإصابته للواقع أكثر‪ ،‬وكلام تعددت الوسائط‬
‫ازداد احتامل اخلطأ واالشتباه‪.‬‬

‫من هنا كان لكتاب قرب اإلسناد امليزة العالية‪ ،‬وكان ٍّ‬
‫لكل من عيل بن إبراهيم‬
‫القمي وحممد بن عيسى اليقطيني وعيل بن بابويه كُتب ُس ِّميت بقرب اإلسناد كذلك‪،‬‬
‫إال أنه مل يصلنا اليوم غري كتاب ِ‬
‫احلميرَ ي‪.‬‬

‫ذكر املؤلف فيه (‪ )١٣٨٧‬حديث ًا‪ ،‬واقترص عىل أحاديث ثالثة من أئمة أهل‬
‫البيت‪ :‬اإلمام الصادق واإلمام الكاظم واإلمام الرضا‪.‬‬

‫قال الشيخ آغا بزرگ الطهراين‪ ‬حول الكتاب‪ :‬قرب اإلسناد جمموع من األخبار‬
‫املسندة إىل املعصوم‪ ‬لقلة وسايطه‪ ،‬وقد كان اإلسناد العايل عند القدماء مما يشد له‬
‫الرحال‪ ،‬ويتبهج به أعني الرجال‪ ،‬ولذا أفردوه بالتصنيف‪ ،‬مجع منهم شيخ القميني أبو‬
‫العباس عبد اهلل بن جعفر بن احلسني بن مالك بن جامع احلمريي‪ ،‬سمع منه أهل الكوفة‬
‫يف سنة نيف وتسعني ومائتني‪ .‬وقد مجع األسانيد العالية إىل كل إمام يف جزء‪ ،‬واملوجود‬
‫‪157‬‬ ‫قرب الإ�سناد‬

‫بعض منها وهو قرب اإلسناد إىل الصادق‪ ،‬وقرب اإلسناد إىل الرضا‪ ،‬وساير األجزاء ال‬
‫عني منها وال أثر فعالً‪ ،‬وذكر النجايش بعض األجزاء األخرية أيض ًا‪ ،‬وهو قرب اإلسناد‬
‫إىل أيب جعفر اجلواد‪ ،‬وقرب اإلسناد إىل صاحب األمر‪ ،‬لكنه أمهل ذكر قرب اإلسناد‬
‫إىل الكاظم والصادق‪ ،‬ومها أيض ًا موجودان بحمده تعاىل‪ ،‬وهو مما ينقل عنه يف (البحار)‬
‫معتقد ًا أنه لعبد اهلل بن جعفر احلمريي‪ ،‬كام رصح به النجايش‪ ،‬قال يف (البحار)‪ :‬ولو‬
‫كان لولده حممد بن عبد اهلل بن جعفر‪ ،‬كام رصح به ابن إدريس‪ ،‬فالوالد متوسط بينه‬
‫وبني ما أوردناه من أسانيد كتابه‪ ،‬قال‪ :‬وكتبته من نسخة مأخوذة من ابن إدريس‪ ...‬إىل‬
‫أن قال‪ :‬وكان موجود ًا يف خزانة كتب شيخنا النوري منض ًام إىل (األشعثيات) ومسائل‬
‫عيل بن جعفر وكتاب سليم بن قيس يف جملد واحد‪ ،‬أتاه به بعض السادة من اهلند(((‪.‬‬

‫الكتاب للوالد �أم الولد؟‬


‫هناك خالف حول كتاب قرب اإلسناد‪ :‬أنه لعبد اهلل بن جعفر أم لولده حممد بن‬
‫عبد اهلل؟ توجد أقوال متعددة‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬إنه للوالد عبد اهلل بن جعفر‪ .‬يظهر هذا القول من مجع‪ ،‬منهم‪:‬‬
‫النجايش والشيخ وابن شهرآشوب رمحهم اهلل‪ .‬وحكي عن صاحب احلدائق تبنيه هلذا‬
‫القول أيض ًا(((‪.‬‬

‫القول الثاين‪ :‬إنه للولد حممد بن عبد اهلل‪ .‬اختاره ابن إدريس احليل يف مستطرفاته‪،‬‬

‫((( الذريعة‪.٦٨ -٦٧/١٧ :‬‬


‫((( قرب اإلسناد (املقدمة)‪.١٢ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪158‬‬

‫حيث قال‪ :‬ومما استطرفناه من كتاب قرب اإلسناد تصنيف حممد بن عبد اهلل بن جعفر‬
‫احلمريي(((‪ .‬وحكي ذلك أيض ًا عن صاحبي املدارك واملنتقى(((‪.‬‬

‫القول الثالث‪ :‬إن الكتاب للوالد‪ ،‬وإنام رواه الولد عن أبيه‪ ،‬اختاره العالمة‬
‫املجليس‪ ،‬قائالً‪ :‬وكتاب قرب اإلسناد للشيخ اجلليل الثقة أيب جعفر حممد بن عبد اهلل‬
‫بن جعفر بن احلسني بن جامع بن مالك احلمريي القمي‪ .‬وظني أن الكتاب لوالده وهو‬
‫ٍ‬
‫راو له‪ ،‬كام رصح به النجايش‪ ،‬وإن كان الكتاب له كام رصح به ابن إدريس‪ ‬فالوالد‬
‫متوسط بينه وبني ما أوردناه من أسانيد كتابه(((‪.‬‬

‫وكذلك اختاره احلر العاميل‪ ،‬قائالً‪ :‬كتاب قرب اإلسناد للشيخ الثقة املعتمد عبد‬
‫اهلل بن جعفر احلمريي رواية ولده حممد(((‪.‬‬

‫القول الرابع‪ :‬التفصيل بني أجزاء الكتاب‪ ،‬ببيان‪ :‬أن الكتاب ينقسم إىل ثالثة‬
‫أجزاء‪ :‬اجلزء األول للولد أي حممد بن عبد اهلل‪ ،‬واجلزءان اآلخران لألب عبد اهلل بن‬
‫جعفر‪ .‬والقرينة عىل ذلك قوله يف بداية اجلزء األول من الكتاب‪ :‬حممد بن عبد اهلل بن‬
‫جعفر احلمريي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن هارون بن مسلم‪ ،‬عن مسعدة بن صدقة قال‪ :‬وحدثني‬
‫جعفر عن أبيه قال‪ ...‬إلخ(((‪ .‬بينام مل يرد مثل هذا التعبري يف اجلزأين األخريين‪.‬‬

‫((( مستطرفات الرسائر‪.٦٢٤ :‬‬


‫((( قرب اإلسناد (املقدمة)‪.١٢ :‬‬
‫((( بحار األنوار‪.٧/١ :‬‬
‫((( وسائل الشيعة‪ ٤٠/٢٠ :‬اإلسالمية‪.‬‬
‫((( قرب اإلسناد‪.١ :‬‬
‫‪159‬‬ ‫قرب الإ�سناد‬

‫إال أن حمقق الكتاب أورد عىل هذا التفصيل بأن النجايش والشيخ ذهبا إىل كون‬
‫الكتاب لألب عبد اهلل بن جعفر‪ ،‬ولو كان يوجد تفصيل يف األجزاء لذكراه(((‪.‬‬

‫ولعل الوجه الصحيح هو الثالث‪ ،‬أي ما اختاره العالمة املجليس واحلر العاميل‬
‫والشيخ آغا بزرگ الطهراين‪ ،‬وحاصله‪ :‬أن الكتاب هو تصنيف الوالد عبد اهلل بن‬
‫جعفر‪ ،‬إال أن ولده حممد بن عبد اهلل قد رواه عنه‪ .‬وال خيفى أن الوالد والولد كالمها‬
‫ثقة‪ ،‬فال ثمرة مهمة للبحث عن تشخيص املصنف بعد حرصه فيهام‪.‬‬

‫الأب‪ :‬عبد اهلل بن جعفر بن احل�سن‬


‫قال عنه النجايش‪ :‬عبد اهلل بن جعفر بن احلسن بن مالك بن جامع احلمريي أبو‬
‫العباس القمي‪ ،‬شيخ القميني ووجههم‪ ،‬قدم الكوفة سنة نيف وتسعني ومائتني‪ ،‬وسمع‬
‫أهلها منه فأكثروا‪ ،‬وصنف كتب ًا كثرية ُيعرف منها‪ :‬كتاب اإلمامة‪ ،‬كتاب الدالئل‪ ،‬كتاب‬
‫العظمة والتوحيد‪ ،‬كتاب ال َغيبة واحلرية‪ ،‬كتاب فضل العرب‪ ،‬كتاب التوحيد والبداء‬
‫واإلرادة واالستطاعة واملعرفة‪ ،‬كتاب قرب اإلسناد إىل الرضا‪ ،‬كتاب قرب اإلسناد‬
‫إىل أيب جعفر بن الرضا‪ ،‬كتاب ما بني هشام بن احلكم وهشام بن سامل‪ ،‬والقياس‬
‫[العباس]‪ ،‬واألرواح‪ ،‬واجلنة والنار‪ ،‬واحلديثني املختلفني‪ ،‬مسائل الرجال ومكاتباهتم‬
‫أبا احلسن الثالث‪ ،‬مسائل أليب حممد احلسن بن عيل‪ ،‬عىل يد حممد بن عثامن‬
‫العمري‪ ،‬كتاب قرب اإلسناد إىل صاحب األمر‪ ،‬مسائل أيب حممد وتوقيعات‪ ،‬كتاب‬

‫((( قرب اإلسناد (املقدمة)‪.١٥ :‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪160‬‬

‫الطب‪ ،‬أخربنا عدة من أصحابنا‪ ،‬عن أمحد بن حممد بن حييى العطار‪ ،‬عنه بجميع كتبه(((‪.‬‬

‫وذكر يف ترمجة العمركي بن عيل البوفكي‪ :‬أنه روى عنه شيوخ أصحابنا منهم‪ :‬عبد‬
‫اهلل بن جعفر احلمريي(((‪.‬‬

‫وقال عنه الشيخ يف الفهرست‪ :‬عبد اهلل بن جعفر احلمريي القمي يكنى أبا العباس‪،‬‬
‫ثقة‪ ،‬له كتب‪ ،‬منها‪ :‬كتاب الدالئل‪ ،‬كتاب الطب‪ ،‬وكتاب اإلمامة‪ ،‬وكتاب التوحيد‬
‫واالستطاعة واألفاعيل والبداء‪ ،‬وكتاب قرب اإلسناد‪ ،‬وكتاب املسائل والتوقيعات‪،‬‬
‫وكتاب الغيبة‪ ،‬ومسائله عن حممد بن عثامن العمري‪ ،‬وغري ذلك من رواياته ومصنفاته‬
‫وفهرست كتبه‪ ،‬وزاد ابن بطة‪ ،‬كتاب الفرتة واحلرية‪ ،‬وكتاب فضل العرب‪ ،‬أخربنا‬
‫بجميع كتبه ورواياته الشيخ املفيد‪ ،‬عن أيب جعفر ابن بابويه‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬وحممد بن‬
‫احلسن‪ ،‬عنه‪ ،‬وأخربنا هبا ابن أيب جيد‪ ،‬عن ابن الوليد‪ ،‬عنه(((‪.‬‬

‫إذن للشيخ طريقان إىل كتاب قرب اإلسناد يف الفهرست‪ ،‬األول‪ :‬عن املفيد‪ ،‬عن‬
‫الصدوق عن والد الصدوق وحممد بن احلسن بن الوليد عن احلمريي‪ ،‬وهذا طريق‬
‫معترب ال شك فيه‪ .‬وأما الثاين فهو بواسطة ابن أيب جيد عن احلمريي‪ ،‬وابن أيب جيد ال‬
‫فمن يرى وثاقة مشايخ النجايش يمكنه االعتامد‬
‫توثيق له سوى أنه من مشايخ النجايش‪َ ،‬‬
‫عىل الطريق الثاين أيض ًا‪.‬‬

‫وعدّ ه الشيخ يف رجاله يف أصحاب الرضا‪ ‬تارة‪ ،‬قائالً‪ :‬أبو العباس احلمريي‪،‬‬

‫((( املعجم‪.١٤٩/١١ :‬‬


‫((( املعجم‪.١٤٩/١١ :‬‬
‫((( املعجم‪.١٤٩/١١ :‬‬
‫‪161‬‬ ‫قرب الإ�سناد‬

‫و ُأخرى يف أصحاب اهلادي‪ ‬قائالً‪ :‬عبد اهلل بن جعفر احلمريي‪ ،‬وثالثة يف أصحاب‬
‫العسكري‪ ‬قائالً‪ :‬عبد اهلل بن جعفر احلمريي‪ :‬قمي‪ ،‬ثقة‪.‬‬

‫وعده الربقي يف أصحاب اهلادي‪ ‬تارة‪ ،‬و ُأخرى يف أصحاب العسكري‪،‬‬


‫قائ ً‬
‫ال يف املوضع الثاين‪ :‬عبد اهلل بن جعفر احلمريي الذي سمعت منه بالفتح(((‪.‬‬

‫وقال ابن شهرآشوب‪ :‬عبد اهلل بن جعفر احلمريي القمي‪ ،‬أبو العباس ثقة‪ ،‬من‬
‫كتبه‪ :‬كتاب الدالئل‪ ،‬الطب اإلمامة‪ ،‬التوحيد االستطاعة‪ ،‬األفاعيل والبداء‪ .‬قرب‬
‫اإلسناد‪ ،‬املسائل التوقيعات الغيبة‪ ،‬مسائله عن العمري‪ ،‬الفرتة واحلرية فضل العرب(((‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬واستقرب السيد اخلوئي‪ ‬أن إدراج عبد اهلل بن جعفر احلمريي يف أصحاب‬
‫الرضا‪ ‬ال خيلو من إشكال‪ ،‬وذلك ألن الرضا‪ ‬تويف سنة (‪٢٠٣‬هـ)‪ ،‬مع أن احلمريي‬
‫قدم الكوفة سنة نيف وتسعني ومائتني‪ ،‬فكيف يمكن له أن يدرك الرضا‪‬؟!‬

‫قال‪ :‬فإن عبد اهلل بن جعفر قدم الكوفة سنة نيف وتسعني ومائتني وسمع أهلها‬
‫منه فأكثروا‪ ،‬ومع ذلك كيف يمكن أن يكون من أصحاب الرضا‪ ‬املتوىف سنة ثالث‬
‫ومائتني ومما يؤكد ذلك‪ :‬أن املشايخ قد أكثروا الرواية عن عبد اهلل بن جعفر‪ ،‬فلو كان‬
‫مدرك ًا للرضا‪ ‬واجلواد‪ ‬لكانت له رواية عنهام‪ ‬ال حمالة‪ ،‬مع أن رواياته كلها عنهام‬
‫مع الواسطة وسامها بـ(قرب اإلسناد)(((‪.‬‬

‫((( املعجم‪.١٤٩/١١ :‬‬


‫((( معامل العلامء‪.١٠٨ :‬‬
‫((( املعجم‪.١٤٩/١١ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪162‬‬

‫وأما طريق الصدوق إىل احلمريي فهو‪ :‬أبوه‪ ،‬وحممد بن احلسن‪ ،‬وحممد بن موسى‬
‫بن املتوكل عن عبد اهلل بن جعفر بن جامع احلمريي‪ ،‬وهو طريق صحيح‪.‬‬

‫االبن‪ :‬حممد بن عبد اهلل بن جعفر‬


‫قال عنه النجايش‪ :‬حممد بن عبد اهلل بن جعفر بن احلسني بن جامع بن مالك‬
‫احلمريي أبو جعفر القمي‪ ،‬كان ثقة‪ ،‬وجه ًا‪ ،‬كاتب صاحب األمر‪ ،‬وسأله مسائل يف‬
‫أبواب الرشيعة‪ ،‬قال لنا أمحد بن احلسني‪ :‬وقعت هذه املسائل إ ّيل يف أصلها والتوقيعات‬
‫بني السطور‪ .‬وكان له إخوة‪ ،‬جعفر واحلسني وأمحد كلهم كان له مكاتبة‪ .‬وملحمد كتب‪،‬‬
‫منها‪ :‬كتاب احلقوق‪ ،‬كتاب األوائ��ل‪ ،‬كتاب السامء‪ ،‬كتاب األرض‪ ،‬كتاب املساحة‬
‫والبلدان‪ ،‬كتاب إبليس وجنوده‪ ،‬كتاب االحتجاج‪ .‬أخربنا أبو عبد اهلل بن شاذان‬
‫القزويني قال‪ :‬حدثنا عيل بن حاتم بن أيب حاتم قال‪ :‬قال حممد بن عبد اهلل بن جعفر‪:‬‬
‫كان السبب يف تصنيفي هذه الكتب أين تفقدت فهرست كتب املساحة التي صنفها أمحد‬
‫بن أيب عبد اهلل الربقي ونسختها ورويتها عمن رواها عنه‪ ،‬وسقطت هذه السنة الكتب‬
‫عني فلم أجد هلا نسخة‪ ،‬فسألت إخواننا بقم وبغداد والري فلم أجدها عند أحد منهم‬
‫فرجعت إىل األُصول واملصنفات فأخرجتها وألزمت كل حديث منه كتابه وبابه الذي‬
‫شاكله(((‪.‬‬

‫وقال الشيخ يف الفهرست‪ :‬حممد بن عبد اهلل بن جعفر احلمريي‪ .‬له مصنفات‬
‫وروايات‪ ،‬أخربنا هبا مجاعة عن أيب جعفر بن بابويه‪ ،‬عن أمحد بن هارون الفامي وجعفر‬

‫((( رجال النجايش‪.٣٥٥ -٣٥٤ :‬‬


‫‪163‬‬ ‫قرب الإ�سناد‬

‫بن احلسني‪ ،‬عنه(((‪.‬‬

‫ال تارة‪ :‬حممد بن عبد اهلل احلمريي أبو‬ ‫فيمن مل ِ‬


‫يرو عنهم‪ ،‬قائ ً‬ ‫وعده يف رجاله َ‬
‫جعفر قمي‪ .‬و ُأخرى‪ :‬حممد بن عبد اهلل بن جعفر احلمريي‪ ،‬روى عنه أمحد بن هارون‬
‫الفامي‪ ،‬وجعفر بن احلسني‪ ،‬روى عنهام حممد بن عيل بن احلسني بن بابويه‪ .‬وثالثة‪ :‬حممد‬
‫بن عبد اهلل بن جعفر احلمريي‪ ،‬روى ابن بابويه أبو جعفر‪ ،‬عن أمحد بن هارون الفامي‬
‫القايض‪ ،‬عنه(((‪.‬‬

‫مدى اعتبار الكتاب‬


‫قد يقال‪ :‬إن كتاب قرب اإلسناد من الكتب املشهورة املتواترة فال حيتاج إىل سند‬
‫معترب‪ .‬قال العالمة املجليس‪ :‬وكتاب قرب اإلسناد من األُصول املعتربة املشهورة‪،‬‬
‫وكتبناه من نسخة قديمة مأخوذة من خط الشيخ حممد بن إدريس‪ ،‬وكان عليها صورة‬
‫فصورته عىل‬
‫خطه هكذا‪ :‬األصل الذي نقلته منه كان فيه حلن رصيح وكالم مضطرب‪ّ ،‬‬
‫ما وجدته خوف ًا من التغيري والتبديل‪ ،‬فالناظر فيه يمهد العذر‪ ،‬فقد بينت عذري فيه(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬إن دعوى العالمة املجليس بأن الكتاب مشهور يعني أنه متواتر ومعلوم‬
‫االنتساب إىل مصنفه فال حاجة إىل سند معترب إىل نسخه‪.‬‬

‫لكن قد يرد عليه ما ورد عىل أمثاله‪ :‬وهو أن شهرة األصل ال تعني شهرة نسخه‪،‬‬

‫((( الفهرست‪.٢٣٧ -٢٣٦ :‬‬


‫((( معجم رجال احلديث‪.٢٤٧/١٧ :‬‬
‫((( البحار ‪.٢٧ -٢٦/١‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪164‬‬

‫فالنسخة حتتاج إىل طريق معترب‪ .‬وأما إذا مل تصل النسخة إىل املتأخرين عرب املناولة‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ ال يصح االعتامد عليها‪.‬‬ ‫واإلجازة وإنام وصلت إليهم وجاد ًة‬

‫هذا مضاف ًا إىل جهالة طريق ابن إدريس إىل كتاب قرب اإلسناد‪ ،‬فإنه ال يمكن‬
‫االعتامد عىل ما استطرفه ابن إدريس يف آخر الرسائر حيث ال توجد له مشيخة وال يذكر‬
‫طرقه إىل الكتب واألُصول‪ ،‬ومعه كيف يعتمد عىل ما نقله العالمة املجليس‪ ،‬مع أنه قد‬
‫اعتمد عىل نسخة ابن إدريس؟!‬

‫وغريب ما ذكره املحدث البحراين‪ ،‬حيث ادعى أن كتاب قرب اإلسناد من‬
‫الكتب املشهورة فال يرض ضعف ال��رواة فيه‪ .‬قال‪ :‬وروى احلمريي يف كتاب قرب‬
‫اإلسناد عن أمحد بن حممد عن ابن حمبوب عن أيب جرير الرقايش قال‪ :‬قلت أليب‬
‫احلسن موسى‪ ...‬والكتاب املذكور من األُصول املعتربة املشهورة فال يرض ضعف‬
‫الراوي(((‪.‬‬

‫وهو كام ترى‪ ،‬فإن حاله ليس أفضل من حال الكايف‪ ،‬مع أن الكايف ال يقبل مجيع‬
‫ما فيه إال إذا كان مروي ًا عن الثقات أو أفاد الوثوق‪ .‬مع أن شهرة الكتاب ‪-‬يف أحسن‬
‫األح��وال‪ -‬تغني عن سند معترب إىل صاحب الكتاب‪ ،‬وال تغني عن سند معترب من‬
‫صاحب الكتاب إىل اإلمام‪.‬‬

‫وهناك موارد عديدة مجعها حمقق كتاب قرب اإلسناد حكم فيها بعض األعالم‬
‫كصاحب كشف اللثام وصاحب الرياض بالصحة عىل بعض روايات قرب اإلسناد(((‪.‬‬

‫((( احلدائق ‪.٢٣٣/٢‬‬


‫((( قرب اإلسناد (املقدمة)‪.٢٥ :‬‬
‫‪165‬‬ ‫قرب الإ�سناد‬

‫ولكن قد عرفت مما سبق وستعرف مما سيأيت أنه ينبغي التفصيل بني املنقول عن قرب‬
‫اإلسناد ‪-‬وأمثاله من الكتب القديمة‪ -‬يف الكتب األربعة فيصح االعتامد عليه وبني‬
‫املنقول يف الوسائل والبحار فال يصح‪ ،‬وذلك لصحة طريق املشايخ القدماء؛ كالصدوق‬
‫والشيخ إىل الكتاب وجهالة طريق احلر العاميل والعالمة املجليس إليه‪ .‬بل املطمأن به أن‬
‫احلر واملجليس عثرا عليه عن طريق الوجادة‪ ،‬حاله حال غريه من كتب القدماء‪ ،‬فإهنا‬
‫مل تصلهم مناولة وإجازة بل وجادةً‪ .‬نعم‪ ،‬لو حصل االطمئنان بصحة النسخة وذلك‬
‫من خالل التطابق بني ما ورد فيها وما روي عن قرب اإلسناد يف الكتب األربعة أمكن‬
‫ٍ‬
‫حينئذ االعتامد عليها‪.‬‬

‫قال الشيخ آصف املحسني‪ :‬فإن املالك يف االعتبار هو وصول النسخة منه‬
‫بسند معترب‪ ،‬وهذا بعد غري ثابت‪ .‬وسمعت من بعض تالمذة السيد الربوجردي‪ ‬أن‬
‫السيد املذكور يذهب إىل قبول أحاديث قرب اإلسناد مؤ ِّيد ًة ال أدل ًة(((‪.‬‬

‫وقال أيض ًا‪ :‬كالم املجليس كالرصيح يف أن قرب اإلسناد مل يصل إليه‪ ،‬بل وإىل ابن‬
‫إدريس احليل بالسلسلة املعنعنة عن الشيخ الطويس‪ ،‬وإال ملا خيتلفا يف اسم املؤلف‪ ،‬بل‬
‫الكتاب وصل من سوق أو فرد فنقال منه بالوجادة(((‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬ويمكن أن يقال‪ :‬إن األعالم استثنوا من رواي��ات قرب اإلسناد ما رواه‬
‫احلمريي عن مسائل عيل بن جعفر‪ ،‬فإن احلمريي رواها بواسطة عبد اهلل بن احلسن‬
‫وهو جمهول احلال‪ ،‬واستثناؤهم هذا يدل عىل قبوهلم ملا سواها من الروايات‪.‬‬

‫((( بحوث يف علم الرجال‪.٤٢٨ :‬‬


‫((( املصدر‪.٤٢٨ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪166‬‬

‫والذي يظهر من سيدنا األُستاذ‪ ‬قبوله روايات قرب اإلسناد إذا كان السند‬
‫بني املصنف واإلمام‪ ‬معترب ًا‪ ،‬إال الروايات عن مسائل عيل بن جعفر ملا عرفت‪ ،‬فإنه‬
‫قد وصف بعض الروايات الواردة فيه ‪-‬أي قرب اإلسناد‪ -‬بأهنا صحيحة و ُأخرى‬
‫موثقة(((‪.‬‬

‫ثم إن هذا يتامشى مع ما بنى عليه سيدنا األستاذ‪ ،‬فإنه ال يشرتط وجود سند معترب‬
‫إىل نسخة الكتاب وإنام يعترب ذلك إحدى طرق حصول الوثوق بصحة النسخة‪ ،‬وهناك‬
‫طرق ُأخرى لتحصيل الوثوق بالنسخة كتطابق رواياهتا مع ما ورد يف مصادر معتربة‬
‫كالكتب األربعة‪ ،‬وكوصول النسخة بخط أحد العلامء اخلرباء‪ ،‬إىل غريها من األمارات‬
‫الدالة عىل صحة النسبة‪.‬‬

‫أقول‪ :‬ال بأس بتلك األمارات لو كانت وحصل من خالهلا الوثوق بالنسبة‪ ،‬وإنام‬
‫الكالم يف الصغرى‪.‬‬

‫تنبيهات‬
‫األول‪ :‬يروي احلمريي يف اجلزء الثاين عن عبد اهلل بن احلسن العلوي روايات عيل‬
‫بن جعفر عن أخيه اإلمام موسى بن جعفر‪ ،‬وذكرنا يف بحثنا عن كتاب مسائل عيل‬
‫بن جعفر أن عبد اهلل بن احلسن جمهول ال توثيق له‪.‬‬

‫وقد يقال‪ :‬إن رواية احلمريي ‪-‬األب أو االبن‪ -‬عن عبد اهلل بن احلسن العلوي‬
‫واعتامده عليه يدل عىل وثاقته‪ ،‬فإن احلمريي األب واالبن كالمها من الثقات األجالء‬

‫((( انظر عىل سبيل املثال‪ :‬بحوث يف رشح مناسك احلج‪.٤٧٨/١٠ :‬‬
‫‪167‬‬ ‫قرب الإ�سناد‬

‫ورواية مثلهام عن شخص تدل عىل وثاقته‪ ،‬خاصة إذا دونت رواياته يف كتاب يراد منه‬
‫أن يكون مرجع ًا للمؤمنني‪.‬‬

‫قال بعض األع�لام‪ :‬هذا‪ ،‬ولكن يمكن أن يقال‪ :‬إن أخبار هذا اجلزء تعد من‬
‫احلسان‪ ،‬إما لداللة رواية الثقة عنه أعني رواية حممد أو والده عن عبد اهلل املجهول‬
‫عندنا‪ ،‬ألن الظاهر أن رواية الثقة اجلليل عن شخص يدل عىل كونه موثق ًا معتمد ًا‬
‫عليه عند ذلك الثقة‪ ،‬وإن جهلنا حاله‪ ،‬بل عىل شاذ القول عىل ما ببايل كشف الوثاقة‬
‫املروي عنه إذا روى عنه ثقة جليل‪ ،‬وليس هذا ببعيد سيام يف الروايات املدونة يف الكتب‬
‫املوضوعة للرجوع إليها‪ ،‬ألهنا كانت يف األوائل كالرسائل العملية عندنا اليوم‪ ،‬وال‬
‫خيفى اهتامم املؤلفني من الشيعة يف أمثال روايات هذه الكتب‪ ،‬ألن مدارهم يف الصدر‬
‫األول ما كان إال عىل كتب الرواية واألُصول املدونة(((‪.‬‬

‫وفيه‪ :‬ال داللة لرواية الثقة عن شخص عىل وثاقته كام هو واضح‪ ،‬وليس من‬
‫الرضوري أن يكون عبد اهلل بن احلسن ثقة عند احلمريي‪ ،‬ولعله قد روى عنه لقرب‬
‫اإلسناد يف رواياته‪.‬‬

‫ٍ‬
‫كتاب يراد منه أن يكون مرجع ًا‬ ‫وأما القول بأن إيراد روايات ذلك الشخص يف‬
‫يكشف عن وثاقة ذلك الراوي عند املؤلف‪ ،‬ففيه‪ :‬إن أصحاب الكتب األربعة كثري ًا ما‬
‫رووا عن أشخاص ضعاف‪ ،‬مع أهنم ألفوا كتبهم لتكون مرجع ًا للناس‪.‬‬

‫من هنا استدرك بعض األعالم عىل كالمه‪ ،‬قائالً‪ :‬ال ّلهم إال أن ُيدّ عى أن عادة كثري‬
‫من أكابر السلف كانت عىل الرواية عن العدل وغريه‪ .‬واإلنصاف أن هذا التسامح قد‬

‫((( قرب اإلسناد (املقدمة)‪.٢٠ :‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪168‬‬

‫وقع عن أكثر األجالء واألكابر‪ ،‬بل يمكن أن يقال‪ :‬إن العادة جارية بالرواية عمن لو‬
‫سئل عن عدالته لتوقف فيها‪ ،‬فتأمل جيد ًا(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬إن رواية الثقة عن شخص ال تدل عىل وثاقة ذلك الشخص‪ ،‬ولكن إكثار‬
‫الثقة النقل عن ذلك الشخص يكشف عن سكونه إىل روايات ذلك الشخص‪ .‬من هنا‬
‫نقول‪ :‬إن إكثار احلمريي النقل عن عبد اهلل بن احلسن يف قرب اإلسناد يكشف عن‬
‫وثاقته عنده‪ ،‬فتأمل‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬ذكر النجايش أن للحمريي قرب اإلسناد إىل الرضا واجلواد وصاحب‬
‫األمر‪ .‬قال‪ :‬وصنف كتب ًا كثرية ُيعرف منها‪ ... :‬كتاب قرب اإلسناد إىل الرضا‪،‬‬
‫كتاب قرب اإلسناد إىل أيب جعفر بن الرضا‪ ...‬كتاب قرب اإلسناد إىل صاحب‬
‫األمر‪ .(((‬بينام املوجود بني أيدينا هو قرب اإلسناد إىل الصادق والكاظم والرضا‪،‬‬
‫فكيف نوجه االختالف؟‬

‫إن املحتمالت يف ذلك ثالثة‪:‬‬

‫‪ -1‬إنه حصل اشتباه عند النجايش‪.‬‬

‫‪ -2‬إن النجايش مل ي ّطلع عىل قرب اإلسناد إىل الصادق والكاظم‪.‬‬

‫‪ -3‬إنه مل يصلنا قرب اإلسناد إىل اجلواد وصاحب األمر‪.‬‬

‫ولعل الوجه الصحيح هو مزيج بني االحتامل الثاين والثالث كام يظهر من الشيخ‬

‫((( قرب اإلسناد (املقدمة)‪.21 :‬‬


‫((( املعجم‪.١٤٩/١١ :‬‬
‫‪169‬‬ ‫قرب الإ�سناد‬

‫آغا بزرگ الطهراين‪ ،‬فإنه حيتمل أن النجايش مل يطلع عىل قرب اإلسناد إىل الصادق‬
‫والكاظم‪ ،‬كام أنه حيتمل قوي ًا وجود قرب يف اإلسناد إىل اجلواد وصاحب األمر‪‬‬
‫إال أنه مل يصلنا‪ .‬وعليه‪ ،‬فبعض ما ذكره النجايش مل يصلنا‪ ،‬وبعض الذي وصلنا مل ي ّطلع‬
‫عليه النجايش‪.‬‬

‫ويظهر من بعض الباحثني أن قرب اإلسناد عن الصادق والكاظم‪ ‬مل يكن‬


‫ال بشكل هنائي يف حياة عبد اهلل بن جعفر‪ ،‬وإنام كانت بشكل مسودة ولمَ يوفق‬
‫مكتم ً‬
‫لنرشها‪ ،‬ولذا مل يذكرها النجايش‪ ،‬ولعلها قد نرشت بعد وفاته(((‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬إن النجايش وإن ذكر كتب ًا ثالثة حتت عنوان قرب اإلسناد إىل ثالثة من‬
‫املعصومني‪ ،‬إال أنه حيتمل قوي ًا أنه كان يقصد بذلك أبواب ًا ثالثة لكتاب واحد‪،‬‬
‫ويؤيده أن الشيخ وابن شهرآشوب وغريمها ذكروا كتاب ًا واحد ًا للحمريي حتت عنوان‬
‫قرب اإلسناد‪.‬‬

‫يتضمن الكتاب حال ّي ًا (‪ )1387‬حديث ًا‪ ،‬ويف الطبعة السابقة (‪)1404‬‬


‫ّ‬ ‫الرابع‪:‬‬
‫حديث ًا‪ ،‬وقد ُأ ِّلف يف ثالثة أبواب‪:‬‬

‫‪ -1‬باب قرب اإلسناد عن اإلمام الصادق‪ ،‬ويشمل قسمني‪:‬‬

‫أ‪ -‬روايات اإلمام الصادق‪ ‬يف األدعية (‪ 27‬رواية)‪.‬‬

‫ب‪ -‬الروايات املتفرقة املتعلقة باملسائل الفقهية والتارخيية وكذلك بعض املسائل‬
‫األخالقية (بداي ًة من الرواية ‪ 27‬حتى الرواية ‪.)645‬‬

‫‪(1) http://ansari.kateban.com/post/2161.‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪170‬‬

‫‪ -2‬باب قرب اإلسناد عن اإلمام الكاظم‪ ،‬ويشمل قسمني‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬الروايات التي ن ُِّس َقت حسب الكتب الفقهية‪ ،‬وقد ورد فيه أسئلة‬
‫عيل بن جعفر من أخيه اإلمام موسى بن جعفر (من الرواية ‪ 646‬حتى ‪.)1229‬‬
‫وأحاديث هذا القسم هي التي ُس ّم َيت و ُع ِرفت بمسائل عيل بن جعفر‪.‬‬

‫القسم الثاين‪ :‬روايات متفرقة عن اإلمام الكاظم‪( ‬من الرواية ‪ 1230‬حتى‬


‫‪.)1248‬‬

‫‪ -3‬باب قرب اإلسناد عن اإلمام الرضا‪.‬‬

‫يتضمن هذا القسم روايات اإلمام الرضا‪ ‬من غري تبويب‪ ،‬و ُمعظمها تتعلق‬
‫باملسائل الفقهية؛ كاإلرث والنكاح واجلهاد واحلج واخلراج والغناء و‪ ...‬كام يتضمن‬
‫روايات تارخيية؛ كأحاديث شأن النزول‪ ،‬أخبار نبي اهلل إبراهيم وآدم‪ ،‬أحوال الزمان ال‬
‫سيام املتعلق باملهدي القائم من أهل البيت والسفياين وبعض املسائل األخالقية (بداية‬
‫من الرواية ‪ 1249‬حتى النهاية)‪.‬‬

‫اخلامس‪ :‬يرى بعض الباحثني أن مجيع ن َُسخ الكتاب متأخرة‪ ،‬إال أهنا تعود يف‬
‫أصلها إىل نسخة قديمة ملحمد بن عبد اهلل ابن احلمريي‪ ،‬ويتبينّ ذلك من اإلجازة املروية‬
‫عنه واملوجودة يف كافة ن َُسخ الكتاب‪ .‬ويرى أنه مل َ‬
‫حيظ الكتاب يف بدء تأليفه بالذيوع‬
‫واالشتهار‪ ،‬ومل ِ‬
‫يرو الشيخ الصدوق يف كتابه عيون أخبار الرضا الكثري مما ورد يف قرب‬
‫وتلمذ والده‬
‫ّ‬ ‫اإلسناد عن اإلمام الرضا‪ ،‬رغم طرق الصدوق املتعددة إىل املؤلف‬
‫(عيل بن حسني بن بابويه) عىل يد احلمريي‪.‬‬
‫‪171‬‬ ‫قرب الإ�سناد‬

‫ِ‬
‫تواجده إال يف أماكن حمدودة (حوزة ابنه وأيب غالب‬ ‫ويبدو أن الكتاب مل تتّسع رقعة‬
‫الزراري)‪ ،‬ومل يصل إىل أيدي الكثريين‪ ،‬إال أنه كان معروف ًا نسب ّي ًا قبل العرص الصفوي‬
‫ومن َقبله ابن إدريس احليل(((‪.‬‬ ‫بالنسبة إىل الكتّاب‪ ،‬ال سيام ابن طاووس ِ‬

‫ٍ‬
‫بعض أن احلمريي كان يريد أن جيمع أحاديث جل املعصومني‪‬‬ ‫السادس‪ :‬يظهر من‬
‫‪-‬ابتداء من الباقر إىل صاحب األمر‪ -‬التي تتصف بقرب اإلسناد وقلة الوسائط حتت‬
‫نفس العنوان أي قرب اإلسناد أو حتت عنوان آخر كاملكاتبات أو املسائل‪ .‬ولعله قد‬
‫حقق تلك األمنية بشكل مسودات إال أهنا مل تصل إلينا(((‪.‬‬

‫***‬

‫((( ماهيت متن كنوين كتاب قرب اإلسناد‪ ،‬حسن األنصاري‪:‬‬

‫‪(http://ansari.kateban.com/post/2161).‬‬
‫((( املصدر نفسه‪.‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪172‬‬

‫التف�سري املن�سوب �إىل الإمام احل�سن الع�سكري‪‬‬


‫يوجد خالف حول التفسري املنسوب إىل اإلمام احلسن العسكري‪ ،‬ويمكن‬
‫تلخيصه يف ثالثة أقوال أساسية‪:‬‬

‫األول‪َ :‬من يرى أنه موضوع كلي ًا ال يمكن االعتامد عليه‪.‬‬

‫الثاين‪َ :‬من يرى أنه صحيح كلي ًا صادر من اإلمام‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬من يرى أن حاله حال الكتب األربعة‪ ،‬فيه الصحيح وفيه الضعيف‪.‬‬

‫ولعل من أشهر الروايات يف هذا التفسري هو قوله‪- ‬إن صحت النسبة‪« :-‬فأما‬
‫َمن كان من الفقهاء صائن ًا لنفسه‪ ،‬حافظ ًا لدينه‪ ،‬خمالف ًا عىل هواه‪ ،‬مطيع ًا ألمر مواله‪،‬‬
‫فللعوام أن يقلدوه‪ ،‬وذلك ال يكون إال بعض فقهاء الشيعة ال مجيعهم»‪.‬‬

‫ديباجة التف�سري‬
‫إنه قد ورد يف ديباجة التفسري املقطع اآليت‪:‬‬

‫أما بعد‪ ،‬قال حممد بن عيل بن حممد بن جعفر بن دقاق‪ :‬حدثني الشيخان الفقيهان‪:‬‬
‫أبو احلسن حممد بن أمحد بن عيل بن احلسن بن شاذان وأبو حممد جعفر بن أمحد بن عيل‬
‫القمي‪ ‬قاال‪ :‬حدثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر حممد بن عيل بن احلسني بن موسى بن بابويه‬
‫‪173‬‬ ‫التف�سري املن�سوب �إىل الإمام احل�سن الع�سكري‪‬‬

‫القمي‪ ‬قال‪ :‬أخربنا أبو احلسن حممد بن القاسم املفرس األسرتآباذي اخلطيب‪ ‬قال‪:‬‬
‫حدثني أبو يعقوب يوسف بن حممد بن زياد وأبو احلسن عيل بن حممد بن سيار ‪-‬وكانا‬
‫من الشيعة اإلمامية‪ -‬قاال‪ :‬كان أبوانا إماميني‪ ،‬وكانت الزيدية هم الغالبون بأسرتآباذ‪،‬‬
‫وكنا يف إمارة احلسن بن زيد العلوي امللقب بالداعي إىل احلق إمام الزيدية‪ ،‬وكان كثري‬
‫اإلصغاء إليهم‪ ،‬يقتل الناس بسعاياهتم‪ ،‬فخشينا عىل أنفسنا‪ ،‬فخرجنا بأهلينا إىل حرضة‬
‫اإلمام أيب حممد احلسن بن عيل بن حممد أيب القائم‪ ،‬فأنزلنا عياالتنا يف بعض اخلانات‪،‬‬
‫ثم استأذنا عىل اإلمام احلسن بن عيل‪ ‬فلام رآنا قال‪« :‬مرحب ًا باآلوين إلينا‪ ،‬امللتجئني‬
‫إىل كنفنا‪ ،‬قد تقبل اهلل تعاىل سعيكام‪ ،‬وآمن روعكام وكفاكام أعداءكام‪ ،‬فانرصفا آمنني‬
‫عىل أنفسكام وأموالكام»‪ .‬فعجبنا من قوله ذلك لنا‪ ،‬مع أنا مل نشك يف صدق مقاله‪ .‬فقلنا‪:‬‬
‫بلد خرجنا من هناك؟ وكيف‬‫فامذا تأمرنا أهيا اإلمام أن نصنع يف طريقنا إىل أن ننتهي إىل ٍ‬

‫ندخل ذلك البلد ومنه هربنا؟ وطلب سلطان البلد لنا حثيث ووعيده إيانا شديد؟!‬
‫عيل ولديكام هذين ألفيدمها العلم الذي يرشفهام اهلل تعاىل به‪ ،‬ثم ال‬
‫فقال‪« :‬خلفا ّ‬
‫بالسعاة‪ ،‬وال بوعيد املسعى إليه‪ ،‬فإن اهلل عز وجل (يقصم السعاة) ويلجئهم إىل‬
‫حتفال ُّ‬
‫شفاعتكم فيهم عند َمن قد هربتم منه»‪ .‬قال أبو يعقوب وأبو احلسن‪ :‬فامترا ملا أمرا‪،‬‬
‫و[قد] خرجا وخلفانا هناك‪ ،‬وكنا نختلف إليه‪ ،‬فيتلقانا برب اآلباء وذوي األرحام املاسة‪.‬‬

‫فقال لنا ذات يوم‪« :‬إذا أتاكام خرب كفاية اهلل عز وجل أبويكام وإخزائه أعداءمها‬
‫وصدق وعدي إيامها‪ ،‬جعلت من شكر اهلل عز وجل أن أفيدكام تفسري القرآن مشتم ً‬
‫ال‬
‫عىل بعض أخبار آل حممد‪ ،‬فيعظم اهلل تعاىل بذلك شأنكام»‪ .‬قاال‪ :‬ففرحنا وقلنا‪ :‬يا‬
‫بن رسول اهلل‪ ،‬فإذا نأيت (عىل مجيع) علوم القرآن ومعانيه؟ قال‪« :‬كال‪ ،‬إن الصادق‪‬‬
‫علم ‪-‬ما ُأريد أن ُأعلمكام‪ -‬بعض أصحابه ففرح بذلك‪.»...‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪174‬‬

‫إىل أن قال‪ :‬فلام سمع اإلمام‪[ ‬هبذا] قال‪« :‬هذا حني إنجازي ما وعدتكام من‬
‫تفسري القرآن»‪ ،‬ثم قال‪[« :‬قد] وظفت لكام كل يوم شيئ ًا منه تكتبانه‪ ،‬ف َا ِلز َماين‬
‫عيل يوفر اهلل تعاىل من السعادة حظوظكام»‪ .‬فأول ما أمىل علينا أحاديث يف فضل‬
‫وواظبا ّ‬
‫القرآن وأهله‪ ،‬ثم أمىل علينا التفسري بعد ذلك‪ ،‬فكتبنا يف مدة مقامنا عنده‪ ،‬وذلك سبع‬
‫سنني‪ ،‬نكتب يف كل يوم منه مقدار ما ننشط له‪ .‬فكان أول ما أمىل علينا وكتبناه‪[ :‬قال‬
‫اإلمام‪[« ]:‬فضل القرآن] حدثني أيب عيل بن حممد‪ ،‬عن أبيه حممد بن عيل عن أبيه‬
‫عيل بن موسى‪ ،‬عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن حممد الصادق‪ ،‬عن أبيه‬
‫الباقر حممد بن عيل عن أبيه عيل بن احلسني زين العابدين عن أبيه احلسني بن عيل سيد‬
‫املستشهدين عن أبيه أمري املؤمنني‪ ...‬عن رسول رب العاملني‪ ...‬قال‪َ :‬ح َـم َلة القرآن‬
‫املخصوصون‪.(((»...‬‬

‫نستفيد من هذا املقطع األمور اآلتية‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن سند التفسري يمر بالشيخ الصدوق‪ ،‬فهو الراوي له‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬أن الصدوق يروي عن حممد بن القاسم املفرس األسرتآبادي اخلطيب‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬حممد بن القاسم يروي التفسري عن يوسف بن حممد بن زياد وعيل بن حممد‬
‫بن سيار‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬إن يوسف وعيل مها َمن يرويان عن اإلمام وليس أبوهيام‪.‬‬

‫اخلامس‪ :‬أن التفسري مروي عن اإلم��ام أيب حممد احلسن بن عيل بن حممد أيب‬

‫((( تفسري اإلمام احلسن العسكري ‪.١٣ -٩‬‬


‫‪175‬‬ ‫التف�سري املن�سوب �إىل الإمام احل�سن الع�سكري‪‬‬

‫القائم‪ ،‬وليس اإلمام اهلادي‪.‬‬

‫السادس‪ :‬إن سهل الديباجي وأباه ال ذكر هلام يف هذا املقطع أبد ًا‪.‬‬

‫املوقف ال�سلبي من التف�سري‬


‫ذهب مجع من األعالم إىل كون التفسري موضوع ًا ال صحة فيه‪ ،‬وال يصح االعتامد‬
‫عليه‪.‬‬

‫يرى ابن الغضائري ‪-‬بنا ًء عىل صحة نسبة الكتاب إليه‪ -‬أن التفسري موضوع عىل‬
‫اإلمام‪ .‬قال يف ترمجة حممد بن القاسم‪ :‬املفرس‪ ،‬األسرتآبادي‪ .‬روى عنه أبو جعفر ابن‬
‫بابويه‪ .‬ضعيف‪ ،‬كذاب‪ .‬روى عنه تفسري ًا يرويه عن رجلني جمهولني‪ :‬أحدمها يعرف‬
‫بيوسف بن حممد بن زياد‪ ،‬واآلخر‪ :‬عيل بن حممد بن يسار عن أبيهام‪ ،‬عن أيب احلسن‬
‫الثالث‪ .‬والتفسري موضوع عن سهل الديباجي‪ ،‬عن أبيه بأحاديث من هذه املناكري(((‪.‬‬

‫وهنا مالحظات‪:‬‬

‫األوىل‪ :‬ذكر ابن الغضائري أن يوسف بن حممد بن زياد وعيل بن حممد بن يسار‬
‫رويا التفسري عن أبوهيام‪ .‬مع أن املوجود يف بداية تفسري اإلمام احلسن العسكري أهنام‬
‫رويا عن اإلمام العسكري‪ ‬مبارشة وليس عن أبوهيام‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬ذكر ابن الغضائري أن يوسف وعيل نسبا التفسري إىل أيب احلسن الثالث‪،‬‬
‫مع أنه منسوب إىل أيب حممد العسكري‪.‬‬

‫((( رجال ابن الغضائري ‪.٩٨‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪176‬‬

‫الثالثة‪ :‬ذكر ابن الغضائري أن التفسري موضوع عىل سهل الديباجي عن أبيه‪ ،‬مع‬
‫أن سه ً‬
‫ال مل يقع يف سند التفسري‪ ،‬وإنام رواه الصدوق عن حممد بن القاسم‪ ،‬عن يوسف‬
‫بن حممد بن زياد‪ ،‬وعيل بن حممد بن سيار‪ ،‬عن اإلمام العسكري‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬ونقل العالمة يف اخلالصة والتفرييش يف نقد الرجال واألسرتآبادي يف منهج‬


‫املقال واألردبييل يف جامع الرواة والقهبائي يف جممع الرجال نص كالم ابن الغضائري‬
‫مما يكشف عن تبنيهم هلذا االجتاه أيض ًا(((‪.‬‬

‫وقال املحقق الداماد يف املحكي عنه يف شارع النجاة‪ :‬وأما تفسري حممد بن القاسم‬
‫املفرس األسرتآبادي ‪-‬من مشايخ أيب جعفر بن بابويه وعده رجال احلديث ضعيف ًا‪-‬‬
‫فهو تفسري مروي عن رجلني جمهويل احلال‪ ،‬وأسنداه إىل أيب احلسن الثالث اهلادي‬
‫العسكري‪ ،‬وعد القارصون ‪-‬ال املتبحرون‪ -‬هذا اإلسناد معترب ًا‪ ،‬ولكن حقيقة‬
‫احلال أن هذا التفسري موضوع‪ ،‬ويسند إىل أيب حممد سهل بن أمحد الديباجي‪ ،‬وحيتوي‬
‫عىل أحاديث منكرة‪ ،‬وأخبار كاذبة‪ .‬وإسناده إىل اإلمام املعصوم اختالق وافرتاء‪ .‬وما‬
‫يتومهه املتوهم يف عرصنا هذا من أنه‪ :‬جيوز أن يكون تفسري العسكري هو تفسري عيل‬
‫بن إبراهيم بن هاشم القمي‪ ،‬هو أيض ًا وهم كاذب‪ ،‬وخيال باطل سببه ضعف اخلربة‪،‬‬
‫ونقصان املهارة‪ ،‬وقلة االطالع عىل كتب الرجال‪ .‬وجيب أن يعلم أن لعلامء العامة‬
‫تفسري ًا يقولون‪ :‬أنه تفسري العسكري ينقلون منه يف مؤلفاهتم وتصانيفهم ويعتمدون‬
‫عليه‪ ،‬ومصنف هذا التفسري هو أبو هالل العسكري صاحب هذا التفسري ومصنفات‬
‫أخر‪ ،‬كام هو مبني يف املعرب واملغرب وغريمها‪ .‬و(عسكر) حملة وقرية يف مرص‪ ،‬وحملة‬

‫((( تفسري اإلمام احلسن العسكري (اخلامتة)‪.٦٨٢ :‬‬


‫‪177‬‬ ‫التف�سري املن�سوب �إىل الإمام احل�سن الع�سكري‪‬‬

‫يف البرصة‪ ،‬وحملة يف نيشابور‪ ،‬وموضع يف خوزستان‪ ،‬وموضع يف نابلس‪ ،‬واسم سرُ ّ َمن‬
‫رأى(((‪.‬‬

‫وقال العالمة الشيخ حممد جواد البالغي يف حمكي تفسري آالء الرمحن‪ :‬وأما التفسري‬
‫املنسوب إىل اإلمام احلسن العسكري‪ ‬فقد أوضحنا يف رسالة منفردة يف شأنه أنه‬
‫مكذوب موضوع‪ ،‬ومما يدل عىل ذلك نفس ما يف التفسري من التناقض والتهافت يف‬
‫كالم الراويني وما يزعامن أنه رواية‪ ،‬وما فيه من خمالفة الكتاب املجيد‪ ،‬ومعلوم التاريخ‬
‫كام أشار إليه العالمة يف اخلالصة(((‪.‬‬

‫وقال املحقق التسرتي يف حمكي األخبار الدخيلة‪ :‬الفصل الثاين يف أخبار التفسري‬
‫الذي نسبوه إىل العسكري‪ ‬هبتان ًا‪ ،‬يشهد الفرتائها عليه‪ ‬وبطالن نسبتها إليه‪ ،‬أوالً‪:‬‬
‫شهادة ِخ ّريت الصناعة و ُن ّقاد اآلثار أمحد بن احلسني الغضائري أستاذ النجايش أحد‬
‫أئمة الرجال‪ ،‬وثاني ًا‪ :‬بسرب أخباره‪ ،‬فنراها واضحة البطالن خمتلقة بالعيان‪ ...‬ثم ذكر‬
‫نامذج من تلك األخبار‪.‬‬
‫َ‬

‫ثم قال‪ :‬ما نقلت من هذه الكتاب نموذج منه‪ ،‬ولو أردت االستقصاء الحتجت إىل‬
‫نقل جل الكتاب لوال كله‪ ،‬فإن الصحيح فيه يف غاية الندرة‪.‬‬

‫وقال‪ :‬وأيض ًا لو مل يكن هذا الكتاب جع ً‬


‫ال لنقل هذه املعجزات العجيبة التي‬
‫نقلها عن النبي‪ ‬وأمري املؤمنني‪ ‬وباقي األئمة‪ ،‬ولرواها علامء اإلمامية‪ .‬وأيض ًا‬
‫لو كان الكتاب من العسكري‪ ‬لنقل شيئ ًا منه عيل بن إبراهيم القمي‪ ،‬وحممد بن‬

‫((( ً‬
‫نقال عن تفسري اإلمام احلسن العسكري (اخلامتة)‪.٦٨٤ -٦٨٣ :‬‬
‫((( ً‬
‫نقال عن تفسري اإلمام احلسن العسكري (اخلامتة)‪.٦ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪178‬‬

‫مسعود العيايش اللذان كانا يف عرصه‪ ‬وحممد بن العباس بن مروان الذي كان مقارب ًا‬
‫لعرصه‪ ‬يف تفاسريهم‪ ،‬والكل موجود ليس يف يشء منها أثر منه‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬وباجلملة هذا تفسري وإن كان مشتم ً‬


‫ال عىل ذكر معجزات كثرية ألمري‬
‫املؤمنني‪ ‬كالنبي‪ ‬وهو بمنزلة نفس النبي‪ ‬بشهادة القرآن‪ ،‬إال أنه ليس كل ما‬
‫نُسب إليهم‪ ‬صحيح ًا‪ ،‬فقد وضع مجع من الغالة أخبار ًا يف معجزاهتم وفضائلهم وغري‬
‫ذلك‪ ...‬كام أنه وضع مجع من النصاب واملعاندين أخبار ًا منكرة يف فضائلهم ومعجزاهتم‬
‫بقصد ختريب الدين‪ ،‬وألن يرى الناس الباطل منه فيكفروا باحلق منه‪ ،‬قال الباقر‪:‬‬
‫«ورووا عنا ما مل نقله‪ ،‬ومل نفعله‪ ،‬ليبغضونا إىل الناس‪.(((»...‬‬

‫وقال الشيخ املريزا أبو احلسن الشعراين يف حمكي حاشية جممع البيان‪ :‬ومل ينقل‬
‫املصنف عن التفسري املنسوب إىل العسكري‪ ...‬أقول‪ :‬ومن أغالطه أن احلجاج‬
‫حبس املختار بن أيب عبيدة وهم بقتله ومل يمكنه اهلل منه حتى نجاه وانتقم من قتلة‬
‫احلسني‪ ،‬مع أن إمارة احلجاج كان من سنة (‪٧٥‬هـ)‪ ،‬وقتل املختار قبل ذلك بسنني‬
‫مصعب بن زبري وقتل‬
‫ُ‬ ‫املختار‬
‫َ‬ ‫وكان ظهوره عىل قتلة احلسني سنة (‪٦٤‬هـ)‪ ،‬وإنام قتل‬
‫مصعب ًا عبدُ امللك‪ ،‬ويف ذلك قال له رجل‪ :‬هذا رأس مصعب لدى‪ ،‬ورأيت رأس املختار‬
‫هنا لدى مصعب‪ ،‬ورأس ابن زياد لدى املختار‪ ،‬ورأس احلسني‪ ‬لدى ابن زياد‪ ،‬فقال‬
‫عبد امللك‪ :‬ال أراك اهلل اخلامس‪ ،‬يف قصة خرب بسببها عبد امللك قرص األمارة بالكوفة‪.‬‬
‫واضع هذا التفسري عارف ًا بالتاريخ‪ .‬والعجب أن ما نقلنا عن التفسري موجود‬
‫ُ‬ ‫ومل يكن‬
‫يف البحار ومل يتعرض املجليس‪ ‬لرده‪ ...‬ومن أغالطه أيض ًا أنه توهم أن سعد بن أيب‬

‫((( ً‬
‫نقال عن تفسري اإلمام احلسن العسكري (اخلامتة)‪.٦٨٦ -٦٨٥ :‬‬
‫‪179‬‬ ‫التف�سري املن�سوب �إىل الإمام احل�سن الع�سكري‪‬‬

‫وقاص كان يف فتح هناوند‪ .‬وذكر يف تفسري ﴿ َوإِن كُنت ُْم فيِ َر ْي ٍ‬
‫ب ِّمـماَّ َن َّز ْلنَا‪ ﴾...‬ما ُيستحيى‬
‫من نقله ويشمئز الطبع من قراءته‪ ،‬نعوذ باهلل من الضالل‪ ،‬ونسأله اهلداية والصواب(((‪.‬‬

‫وقال السيد حممد هاشم اخلوانساري يف حمكي رسالته عن فقه الرضا‪ :‬والكتاب‬
‫ٍ‬
‫خال عام يوهم ذلك‪ ،‬بخالف غريه مما نُسب إىل األئمة‪ ‬كمصباح الرشيعة املنسوب‬
‫إىل موالنا الصادق‪ ،‬وتفسري اإلمام املنسوب إىل سيدنا أيب حممد العسكري‪ ،‬فإن َمن‬
‫أمعن النظر يف تضاعيفهام ا ّطلع عىل أمور عظيمة خمالفة ألصول الدين أو املذهب‪،‬‬
‫مغيرّ ة لطريقة األئمة‪ ‬وسياق كلامهتم(((‪.‬‬

‫وقال السيد اخلوئي يف ترمجته‪ :‬التفسري املنسوب إىل اإلمام العسكري‪ ،‬إنام‬
‫هو برواية هذا الرجل وزميله يوسف بن حممد بن زياد‪ ،‬وكالمها جمهول احلال‪ ،‬وال‬
‫يعتد برواية أنفسهام عن اإلمام‪ ‬اهتاممه‪ ‬بشأهنام‪ ،‬وطلبه من أبوهيام إبقاءمها عنده‪،‬‬
‫إلفادهتام العلم الذي يرشفهام اهلل به‪ .‬هذا مع أن الناظر يف هذا التفسري ال يشك يف أنه‬
‫(((‬
‫موضوع‪ ،‬وجل مقام عامل حمقق أن يكتب مثل هذا التفسري‪ ،‬فكيف باإلمام‪‬؟!‬

‫وقال الشيخ املنتظري‪ :‬والراوي هلذا التفسري هو الصدوق عليه الرمحة عن أيب‬
‫احلسن حممد بن القاسم املفرس األسرتآبادي اخلطيب‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو يعقوب يوسف‬
‫بن حممد بن زياد وأبو احلسن عيل بن حممد بن سيار‪ .‬والثالثة كلهم جماهيل وإن تكلف‬
‫يف تنقيح املقال لتوثيقهم‪ .‬وجمرد رواية الصدوق عنهم ال يدل عىل توثيقهم‪ ،‬فإنه يف غري‬

‫((( تفسري اإلمام احلسن العسكري (اخلامتة)‪.٦٨٧ -٦٨٦ :‬‬


‫((( ً‬
‫نقال عن تفسري اإلمام احلسن العسكري (اخلامتة)‪.٦٨٨ :‬‬
‫((( معجم رجال احلديث‪.١٥٦/١٣ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪180‬‬

‫الفقيه روى عن غري املوثقني كثري ًا‪ ،‬بل فيه أيض ًا‪ .‬وقد قطع مجع من األعالم منهم ابن‬
‫الغضائري بكون التفسري موضوع ًا‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن فيه مطالب ال يناسب صدورها عن‬
‫اإلمام‪.(((‬‬

‫املوقف الإيجابي من التف�سري‬


‫هذا‪ ،‬ويف املقابل اعتمد عىل التفسري املنسوب إىل العسكري‪ ‬مجع من األعالم‬
‫حيث ذهبوا إىل صحة ما فيه‪ ،‬وأن رواياته شاهدة عىل صدقه وصحة نسبته‪.‬‬

‫منهم‪ :‬الشيخ الصدوق‪ ،‬حيث روى عنه يف مجلة من كتبه‪ ،‬فهو كاشف عن اعتامده‬
‫عىل التفسري(((‪.‬‬

‫ومنهم‪ :‬الطربيس يف االحتجاج‪ ،‬حيث اعتمد عليه يف كتابه‪ ،‬وقال يف املقدمة‪ :‬وال‬
‫نأيت يف أكثر ما نورده من األخبار بإسناده‪ ،‬إما لوجود اإلمجاع عليه‪ ،‬أو موافقته ملا دلت‬
‫العقول عليه‪ ،‬أو الشتهاره يف السري والكتب بني املخالف واملؤالف‪ ،‬إال ما أوردته عن‬
‫أيب حممد احلسن العسكري‪ ‬فإنه ليس يف االشتهار عىل حد ما سواه‪ ،‬وإن كان مشتم ً‬
‫ال‬
‫عىل مثل الذي قدمناه‪ ،‬فألجل ذلك ذكرت إسناده يف أول جزء من ذلك دون غريه؛‬
‫ألن مجيع ما رويت عنه‪ ‬إنام رويته بإسناد واحد من مجلة األخبار التي ذكرها‪ ‬يف‬
‫تفسريه(((‪.‬‬

‫((( دراسات يف والية الفقيه ‪.٩١/٢‬‬


‫((( تفسري اإلمام احلسن العسكري (اخلامتة)‪.٦٨٨ :‬‬
‫((( االحتجاج‪.٤ :‬‬
‫‪181‬‬ ‫التف�سري املن�سوب �إىل الإمام احل�سن الع�سكري‪‬‬

‫ومنهم‪ :‬ابن شهرآشوب يف معامل العلامء‪ ،‬حيث ذكر أن احلسن بن خالد الربقي روى‬
‫التفسري عن اإلمام العسكري‪ ‬ونقل عنه روايات يف املناقب ونسبها إىل اإلمام(((‪.‬‬

‫ومنهم‪ :‬الشيخ حممد تقي املجليس‪ ،‬قال يف حمكي روضة املتقني‪ :‬املفرس األسرتآبادي‬
‫واعتمد عليه الصدوق وكان شيخه‪ .‬فام ذكره ابن الغضائري باطل‪ ،‬وتوهم أن مثل هذا‬
‫التفسري ال يليق أن ُينسب إىل املعصوم‪ ‬مردود‪ ،‬ومن كان مرتبط ًا بكالم األئمة‪‬‬
‫يعلم أنه كالمهم‪ .‬واعتمد عليه شيخنا الشهيد الثاين‪ ،‬ونقل أخبار ًا كثري ًة عنه يف كتبه‪،‬‬
‫واعتمد التلميذ الذي كان مثل الصدوق يكفي‪ ،‬عفى اهلل عنا وعنهم(((‪.‬‬

‫وقال يف حمكي الرشح الفاريس للفقيه‪ :‬وهذا احلديث ‪-‬أي حديث التلبية‪ -‬مأخوذ‬
‫من تفسري حرضة اإلمام احلسن العسكري‪ ‬الذي يرويه الصدوق عنه بثالثة وسائط‪،‬‬
‫والصدوق يروي عن أستاذه حممد بن القاسم‪ ،‬وهذا عن أساتذته‪ ،‬وملا كان للصدوق‬
‫معارشة مع حممد بن القاسم‪ ،‬فمن املمكن أن يكون له معارشة مع أساتذته‪ ،‬وحكم‬
‫بصحة هذا اخلرب وقال‪ :‬هو حجة بيني وبني اهلل‪ .‬وباليقني كان الصدوق أعرف بحاهلم‬
‫من ابن الغضائري الذي مل يوثقه العلامء رصاحة‪ ،‬ومل نعرف حاله‪ ،‬بل الظاهر أنه ال‬
‫ورع له‪ .‬فإنه قال‪ :‬إن املفرس األسرتآبادي كذاب‪ ،‬لنقله هذا اخلرب‪ .‬وال شك يف أن‬
‫األسرتآبادي يعرف أهل األسرتآباد أكثر من البغداديني‪ ،‬وكيف جيزم غري املعصوم أن‬
‫هذا التفسري موضوع‪ ،‬بل كل َمن كان له أقل ارتباط بكالم األئمة‪ ‬جيزم بأن التفسري‬
‫من املعصوم‪ .‬والصدوق روى هذا التفسري عن حممد‪ ،‬وأوصله إلينا فحول علامئنا‬

‫((( انظر‪ :‬تفسري اإلمام احلسن العسكري (اخلامتة)‪.٦٨٩ :‬‬


‫((( تفسري اإلمام احلسن العسكري (اخلامتة)‪.٦٩١ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪182‬‬

‫من الثقاة املعتمدين‪ ،‬حتى إن املحدثني اعتربوا هذا السند من أعىل األسانيد‪ ...‬وقال‪:‬‬
‫واحلقيقة أن هذا التفسري كنز من كنوز اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وإن شاء اهلل ال يفوتنا يشء‬
‫منه‪ ،‬وسنذكره كله يف جممع البحرين(((‪.‬‬

‫ومنهم‪ :‬العالمة الشيخ حممد باقر املجليس‪ ،‬حيث قال يف البحار‪ :‬كتاب تفسري‬
‫اإلمام من الكتب املعروفة‪ ،‬واعتمد الصدوق عليه وأخذ منه‪ ،‬وإن طعن فيه بعض‬
‫املحدثني‪ ،‬ولكن الصدوق أعرف وأقرب عهد ًا ممن طعن فيه‪ ،‬وقد روى عنه أكثر العلامء‬
‫من غري غمز فيه(((‪.‬‬

‫ومنهم‪ :‬احلر العاميل‪ ،‬حيث قال يف الوسائل‪ :‬ونروي تفسري اإلمام احلسن بن عيل‬
‫العسكري‪ ‬باإلسناد عن الشيخ أيب جعفر الطويس‪ ،‬عن املفيد‪ ،‬عن الصدوق‪ ،‬عن‬
‫حممد بن القاسم املفرس األسرتآبادي‪ ،‬عن يوسف بن حممد بن زياد‪ ،‬وعيل بن حممد بن‬
‫سيار ‪-‬قال الصدوق والطربيس‪ :‬وكانا من الشيعة اإلمامية‪ -‬عن أبوهيام‪ ،‬عن اإلمام‪،‬‬
‫وهذا التفسري ليس هو الذي طعن فيه بعض علامء الرجال؛ ألن ذلك يروي عن أيب‬
‫احلسن الثالث‪ ،‬وهذا عن أيب حممد‪ ،‬وذلك يرويه سهل الديباجي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬ومها‬
‫غري مذكورين يف سند هذا التفسري أصالً‪ ،‬وذاك فيه أحاديث من املناكري‪ ،‬وهذا ٍ‬
‫خال من‬
‫ذلك‪ .‬وقد اعتمد عليه رئيس املحدثني ابن بابويه‪ ،‬فنقل منه أحاديث كثرية يف كتاب َمن‬
‫ال حيضرَ ُ ُه الفقيه ويف سائر كتبه‪ ،‬وكذلك الطربيس وغريمها من علامئنا(((‪.‬‬

‫((( تفسري اإلمام احلسن العسكري (اخلامتة)‪.٦٩٢ -٦٩١ :‬‬


‫((( بحار األنوار‪.٢٨/١ :‬‬
‫((( الوسائل‪.٦٠ -٥٩/٢٠ :‬‬
‫‪183‬‬ ‫التف�سري املن�سوب �إىل الإمام احل�سن الع�سكري‪‬‬

‫ومنهم‪ :‬الفيض الكاشاين يف تفسري الصايف والسيد هاشم البحراين يف تفسري‬


‫الربهان وصاحب تفسري نور الثقلني والسيد نعمة اهلل اجلزائري(((‪.‬‬

‫رواة التف�سري‬
‫روى الصدوق‪ ‬هذا التفسري عن حممد بن القاسم‪ ،‬عن يوسف بن حممد بن‬
‫زياد‪ ،‬وعيل بن حممد بن سيار‪ ،‬عن اإلمام العسكري‪.‬‬

‫فينبغي الكالم يف هؤالء الثالثة‪:‬‬

‫‪ -1‬حممد بن القاسم األسرتآبادي‬

‫‪ -2‬عيل بن حممد بن سيار‬

‫‪ -3‬يوسف بن حممد بن زياد‬

‫حممد بن القا�سم الأ�سرت�آبادي‬


‫قال السيد اخلوئي‪ :‬هذا هو حممد بن القاسم املفرس األسرتآبادي‪ ،‬الذي روى عنه‬
‫الصدوق كثري ًا‪ ،‬ففي بعض املوارد عبرّ عنه بمحمد بن القاسم األسرتآبادي كام تقدم‪،‬‬
‫ويف بعض املوارد عرب عنه بمحمد بن القاسم املفرس‪.‬‬

‫وق��ال‪ :‬إن حممد بن القاسم هذا مل ينص عىل توثيقه أحد من املتقدمني‪ ،‬حتى‬
‫الصدوق‪ ‬الذي أكثر الرواية عنه بال واسطة‪ .‬وكذلك مل ينص عىل تضعيفه‪ ،‬إال‬

‫((( تفسري اإلمام احلسن العسكري (اخلامتة)‪.٦٩٤ -٦٩٣ :‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪184‬‬

‫ما ُينسب إىل ابن الغضائري‪ ،‬وقد عرفت غري مرة أن نسبة الكتاب إليه مل تثبت‪ ،‬وأما‬
‫املتأخرون فقد ضعفه العالمة‪ ،‬واملحقق الداماد‪ ،‬وغريمها‪ ،‬ووثقه مجاعة آخرون عىل‬
‫ما نُسب إليهم‪ .‬والصحيح أن الرجل جمهول احلال‪ ،‬مل تثبت وثاقته وال ضعفه‪ ،‬ورواية‬
‫الصدوق عنه كثري ًا ال تدل عىل وثاقته‪ ،‬وال سيام إذا كانت الكثرة يف غري كتاب الفقيه‪،‬‬
‫فإنه مل يلتزم بأن ال يروي إال عن ثقة‪ .‬نعم‪ ،‬ال يبعد دعوى أن الصدوق كان معتمد ًا‬
‫برتضيه وترحمّ ه عليه كثري ًا‪ ،‬ولكن اعتامد الصدوق‬
‫عليه لروايته عنه يف الفقيه‪ ،‬املؤيد ّ‬
‫ال يكشف عن الوثاقة‪ ،‬ولعله كان من جهة أصالة العدالة‪ .‬وعىل كل حال‪ ،‬فالتفسري‬
‫ٌ‬
‫جمهول حاهلام(((‪.‬‬ ‫املنسوب إىل اإلمام العسكري‪ ‬بروايته مل يثبت‪ ،‬فإنه رواه عن رجلني‬

‫أقول‪ :‬إن اعتامد الصدوق عليه ‪-‬باعرتاف السيد اخلوئي‪ -‬وروايته عنه مبارشة‬
‫وترمحه عليه كثري ًا ال حمالة كاشف عن وثاقته عنده‪ .‬وأما احتامل أن ذلك جلهة االعتامد‬
‫مر ‪-‬غري مرة‪ -‬أنه ال وجه لذلك‪ ،‬بل مل يثبت أن أحد القدماء‬
‫عىل أصالة العدالة فقد ّ‬
‫كان يعتمد عليها‪.‬‬

‫وأما تضعيف العالمة‪ ،‬ففيه‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬أنه مأخوذ من تضعيف ابن الغضائري‪ ،‬وحيث ثبت لنا عد ُم إمكان االعتامد‬
‫عىل النسخة الواصلة من كتابه‪ ،‬فال يمكن االعتامد عىل تضعيف العالمة‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬أن تضعيف العالمة يتعارض مع التوثيق العميل من قبل الصدوق‪ ،‬وال‬
‫ينبغي الشك يف تقديم توثيق الصدوق عىل تضعيف العالمة‪.‬‬

‫((( معجم رجال احلديث‪.١٦٢/١٨ :‬‬


‫‪185‬‬ ‫التف�سري املن�سوب �إىل الإمام احل�سن الع�سكري‪‬‬

‫حممد بن علي بن �سيار‬


‫قال السيد اخلوئي يف ترمجته‪ :‬التفسري املنسوب إىل اإلمام العسكري‪ ،‬إنام هو‬
‫برواية هذا الرجل وزميله يوسف بن حممد بن زياد‪ ،‬وكالمها جمهول احلال‪ ،‬وال يعتد‬
‫برواية أنفسهام عن اإلمام‪ ‬اهتاممه‪ ‬بشأهنام‪ ،‬وطلبه من أبوهيام إبقاءمها عنده‪،‬‬
‫إلفادهتام العلم الذي يرشفهام اهلل به‪ .‬هذا مع أن الناظر يف هذا التفسري ال يشك يف أنه‬
‫موضوع‪ ،‬وجل مقام عامل حمقق أن يكتب مثل هذا التفسري‪ ،‬فكيف باإلمام‪.(((‬‬

‫أقول‪ :‬يكفي جهالة الرجل يف عدم إمكان االعتامد عليه‪.‬‬

‫يو�سف بن حممد بن زياد‬


‫قال السيد اخلوئي يف ترمجته‪ :‬إنه رجل جمهول احلال(((‪.‬‬

‫وقد يقال‪ :‬إن يوسف بن حممد بن زياد وعيل بن حممد بن سيار وإن مل يو َّثقا‪ ،‬ولكن‬
‫قيل يف حقهام ‪-‬كام يف ديباجة التفسري‪ ،‬وكام عن الطربيس يف االحتجاج‪ -‬أهنام من الشيعة‬
‫ٍ‬
‫حينئذ تعد من‬ ‫قدح‪ ،‬وروايتهام‬
‫اإلمامية‪ ،‬فيمكن االعتامد عليهام حيث مل يرد يف حقهام ٌ‬
‫ِ‬
‫احلسان‪.‬‬

‫وفيه‪ :‬كوهنام من الشيعة اإلمامية ‪-‬لو ُس ّلم‪ -‬وعدم القدح فيهام‪ ،‬ال يدل عىل وثاقتهام‪،‬‬
‫بل نحتاج إىل دليل عىل وثاقتهام‪ ،‬وجمرد التشيع ال يكفي إلثبات ذلك‪ ،‬وال يف إثبات‬
‫حلسن؛ إذ قد يكون الرجل شيعي ًا إمامي ًا‪ ،‬ولكن يف نفس الوقت هو ضعيف غري ثقة‪.‬‬
‫ا ُ‬

‫((( معجم رجال احلديث‪.١٥٦/١٣ :‬‬


‫((( معجم رجال احلديث‪.١٨٦/٢١ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪186‬‬

‫هل يوجد طريق �آخر؟‬


‫قد يقال‪ :‬يوجد طريق آخر إىل التفسري‪ ،‬وهو برواية احلسن بن خالد الربقي عن‬
‫اإلمام احلسن العسكري‪ .‬قال ابن شهرآشوب يف معامل العلامء يف ترمجة احلسن بن‬
‫خالد‪ :‬من كتبه تفسري العسكري‪ ،‬من إمالء اإلمام‪ ‬عليه‪ ،‬مائة وعرشون جملد ًا(((‪.‬‬

‫واحلسن بن خالد هذا ثقة‪ ،‬و ّثقه النجايش قائالً‪ :‬احلسن بن خالد بن حممد بن عيل‬
‫الربقي‪ ،‬أبو عيل أخو حممد بن خالد‪ ،‬كان ثقة‪ ،‬له كتاب نوادر(((‪.‬‬

‫وقال الشيخ يف الفهرست‪ :‬احلسن بن خالد الربقي‪ ،‬أخو حممد بن خالد‪ ،‬يكنى أبا‬
‫عيل‪ ،‬له كتب‪ ،‬أخربنا هبا عدة من أصحابنا‪ ،‬عن أيب املفضل عن ابن بطة‪ ،‬عن أمحد بن‬
‫أيب عبد اهلل‪ ،‬عن عمه احلسن بن خالد(((‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ولكن عدّ ه الشيخ يف رجاله يف َمن مل ِ‬
‫يرو عنهم‪ .‬من هنا‪ ،‬يمكن أن يقال‪:‬‬
‫إنه لو كان قد روى التفسري عن العسكري‪ ،‬فلامذا عدّ ه الشيخ يف َمن مل ِ‬
‫يرو عنهم‪‬؟‬
‫(((‬

‫وقد يجُ اب عنه‪ :‬بأن كتاب الرجال للشيخ فيه أخطاء كثرية‪ ،‬وقد عدّ كثري ًا ممن روى‬
‫عنهم يف َمن مل ِ‬
‫يرو عنهم‪ ،‬فهذا ال خيدش فيام ذكره ابن شهرآشوب‪.‬‬

‫ثم إن احلر العاميل والعالمة املجليس يرويان التفسري بطريق الصدوق وليس‬
‫بطريق احلسن بن خالد الربقي‪ ،‬وهذا يعني أن النسخة الواصلة إىل املتأخرين ‪-‬وهي‬

‫((( معامل العلامء‪.٧٠ :‬‬


‫((( املعجم‪.٣٠٧/٥ :‬‬
‫((( املعجم‪.٣٠٧/٥ :‬‬
‫((( املعجم‪.٣٠٧/٥ :‬‬
‫‪187‬‬ ‫التف�سري املن�سوب �إىل الإمام احل�سن الع�سكري‪‬‬

‫عن طريق الوجادة‪ -‬هي ما كانت برواية الصدوق‪ ،‬وهذا الطريق ضعيف كام عرفت‪.‬‬

‫ولكن الصحيح ما تنبه إليه الشيخ آغا بزرگ الطهراين‪ ،‬وحاصله‪ :‬إن التفسري الذي‬
‫رواه احلسن بن خالد الربقي هو عن اإلمام اهلادي‪ ‬ال احلسن العسكري‪ ،‬واهلادي‬
‫أيض ًا ُيل ّقب بـ(العسكري)؛ ألنه سكن العسكر‪ ،‬أي سامراء‪ .‬واحلسن بن خالد الربقي مل‬
‫يدرك اإلمام احلسن العسكري‪ ،‬فال يمكن أن يروي عنه‪ .‬وهذا التفسري عن اإلمام‬
‫اهلادي‪ ‬مل يصل إلينا(((‪.‬‬

‫طريق الطرب�سي �صاحب االحتجاج �إىل التف�سري‬


‫بل حتى الطربيس يف االحتجاج حينام روى عن التفسري فقد روى عنه بسنده إىل‬
‫الصدوق ال الربقي‪ ،‬حيث قال‪ :‬فمن ذلك ما حدثني به السيد العامل العابد أبو جعفر‬
‫مهدي بن أيب حرب احلسيني املرعيش ريض اهلل عنه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الشيخ الصادق أبو‬
‫عبد اهلل جعفر بن حممد ابن أمحد الدوريستي رمحة اهلل عليه‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أيب حممد بن‬
‫أمحد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني الشيخ السعيد أبو جعفر حممد بن عيل بن احلسني بن بابويه القمي‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثني أبو احلسن حممد بن القاسم املفرس األسرتآبادي‪ ،‬قال حدثني أبو يعقوب‬
‫يوسف بن حممد بن زياد وأبو احلسن عيل بن حممد بن سيار ‪-‬وكانا من الشيعة اإلمامية‪-‬‬
‫قاال‪ :‬حدثنا أبو حممد احلسن بن عيل العسكري‪.(((‬‬

‫((( الذريعة‪.٢٨٥ -٢٨٣/٤ :‬‬


‫((( االحتجاج‪.٧ -٥ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪188‬‬

‫وقد عرفت أن هذا الطريق ضعيف لعدم ثبوت وثاقة ٍّ‬


‫كل من يوسف بن حممد بن‬
‫زياد وعيل بن حممد بن سيار‪.‬‬

‫�أدلة اعتبار الكتاب‬


‫يمكن أن يستدل العتبار الكتاب بالتايل‪:‬‬

‫األول‪ :‬إن الصدوق يروي كثري ًا عن حممد بن القاسم األسرتآبادي ويرتحم عليه‪،‬‬
‫فهو ثقة عنده‪ .‬وأما تضعيف ابن الغضائري فال اعتبار به‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬أن الراويني للتفسري ليسا جمهولني‪ ،‬بل مها من اإلمامية الشيعة‪ ،‬كام ذكر ذلك‬
‫يف أول التفسري‪ .‬وقد روى عنهام الصدوق يف َمن ال حيضرَ ُ ُه الفقيه‪ ،‬وهو يدل عىل اعتامده‬
‫عىل رواياهتام‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬إن مجلة من األعالم قد شهدوا بأن التفسري هو لإلمام احلسن العسكري‪‬؛‬
‫كابن شهرآشوب والشهيد الثاين والعالمة املجليس رمحهم اهلل‪.‬‬

‫قال السيد تقي القمي‪ ‬يف الغاية القصوى‪ :‬وال خيفى أنا رجعنا عن القول بعدم‬
‫اعتبار سند تفسري اإلمام العسكري‪ ،‬والتزمنا باعتباره‪ ،‬والوجه يف بنائنا عىل اعتبار‬
‫الكتاب‪ :‬شهادة مجلة من األعالم عىل كون الكتاب ملوالنا العسكري‪ ،‬وهم‪ :‬ابن‬
‫شهرآشوب يف املناقب والشهيد الثاين يف املنية واملجليس الثاين يف البحار وصاحب‬
‫املخترص‪ ،‬نقلنا هذه الشهادات عن خامتة تفسري اإلمام‪.‬‬

‫وأما االعرتاضات التي ذكرها ابن الغضائري عىل الكتاب فيمكن اإلجابة عنها‬
‫بالتايل‪:‬‬
‫‪189‬‬ ‫التف�سري املن�سوب �إىل الإمام احل�سن الع�سكري‪‬‬

‫أوالً‪ :‬إن سهل الديباجي غري واقع يف السند‪ ،‬فام ذكره ابن الغضائري من وضع‬
‫الكتاب عنه غري واضح‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬إن ابن الغضائري ذكر أن التفسري موضوع عىل اإلمام أيب احلسن الثالث‪،‬‬
‫أي اهلادي‪ ،‬مع أن التفسري منسوب إىل احلسن العسكري‪.‬‬

‫وثالث ًا‪ :‬ال توجد يف التفسري مناكري وأكاذيب كام ادعى ابن الغضائري‪.‬‬

‫التحقيق‬
‫الصحيح هو عدم إمكان االعتامد عىل الكتاب يف مقام االستنباط واالستدالل‬
‫مستقالً؛ وذلك ألمور‪:‬‬

‫األول‪ :‬إن الواسطة بني الصدوق واإلم��ام العسكري‪ ‬هم ثالثة أشخاص‪:‬‬
‫فاألول منهم يمكن القول باعتباره؛ وذلك لرتحم وتريض الصدوق عليه‪ .‬وأما اآلخران‬
‫فال يمكن االعتامد عليهام جلهالتهام‪ ،‬ومها‪ :‬يوسف بن حممد بن زياد‪ ،‬وعيل بن حممد بن‬
‫سيار‪ .‬وجمرد ورودمها يف كتب الصدوق ‪-‬حتى لو كان الفقيه‪ -‬ال يدل عىل وثاقتهام‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬وأما السند اآلخر الذي ذكره ابن شهرآشوب‪ ،‬وهو احلسن بن خالد الربقي‬
‫عن العسكري‪ ،‬فهو تفسري آخر منسوب إىل اإلمام اهلادي‪ ،‬وال ربط له بتفسري‬
‫اإلمام احلسن العسكري‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬اعرتف الطربيس يف مقدمة االحتجاج أن تفسري العسكري‪ ‬مل يكن‬


‫مشتهر ًا‪ ،‬ولذا يورد سنده‪ .‬فال جمال لدعوى أن التفسري متواتر‪.‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪190‬‬

‫الرابع‪ :‬حتى لو كان سند الصدوق إىل اإلمام العسكري‪ ‬ثابت ًا‪ ،‬فإنام الكالم فيام‬
‫رواه يف البحار والوسائل عن التفسري‪ ،‬فإن املطمأن به أن التفسري مل يصل إىل املجليس‬
‫واحلر العاميل مناول ًة‪ ،‬وإنام حصال عليه وجادةً‪.‬‬

‫واخلامس‪ :‬إن شهادة بعض األعالم بثبوت التفسري إىل اإلمام احلسن العسكري‪‬‬
‫ال ختلو من كوهنا شهاد ًة حدسي ًة اجتهادي ًة‪ ،‬فام مل تورث االطمئنان ال يمكن االعتامد‬
‫عليها‪.‬‬

‫من هنا قال سيدنا األُستاذ‪ :‬وأما الرابع‪ ،‬فهو خرب غري معترب سند ًا؛ ملا ن ّبه عليه‬
‫املحقق التسرتي والسيد األُستاذ‪ ‬وغريمها من املحققني من عدم إمكان االعتامد عىل‬
‫التفسري املنسوب لإلمام العسكري‪.(((‬‬

‫***‬

‫((( بحوث يف رشح مناسك احلج‪.٣٨٤/٨ :‬‬


‫‪191‬‬ ‫العلل للف�ضل بن �شاذان‬

‫العلل للف�ضل بن �شاذان‬


‫إن الفضل بن شاذان فقيه متكلم ثقة من أعاظم أصحابنا‪ ،‬ال يشك يف فضله اثنان‪.‬‬
‫قيل أنه صنّف مائة وثامنني كتاب ًا‪ ،‬وقد تويف سنة (‪٢٦٠‬هـ)(((‪.‬‬

‫قال عنه النجايش‪ :‬الفضل بن شاذان بن اخلليل أبو حممد األزدي النيشابوري‬
‫(النيسابوري) كان أبوه من أصحاب يونس‪ ،‬وروى عن أيب جعفر الثاين‪ ،‬وقيل [عن]‬
‫الرضا أيض ًا‪ ،‬وكان ثقة‪ ،‬أحد أصحابنا الفقهاء واملتكلمني‪ ،‬وله جاللة يف هذه الطائفة‪،‬‬
‫وهو يف قدره أشهر من أن نصفه(((‪.‬‬

‫وق��ال الشيخ يف الفهرست‪ :‬الفضل بن ش��اذان النيشابوري‪ ،‬فقيه متكلم‪،‬‬


‫جليل القدر(((‪ .‬وعدّ ه يف رجاله تارة يف أصحاب اهلادي‪ ،‬و ُأخ��رى يف أصحاب‬
‫العسكري‪.(((‬‬

‫وأما رسالته (العلل) فقد ذكرها الصدوق‪ ‬بتاممها يف كتابه عيون أخبار الرضا‪‬‬

‫((( الذريعة‪.٣١٢/١٥ :‬‬


‫((( رجال النجايش‪.٣٠٧ -٣٠٦ :‬‬
‫((( الفهرست‪.١٩٩-١٩٧ :‬‬
‫((( معجم رجال احلديث‪.٣١٠/١٤ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪192‬‬

‫يف اجلزء الثاين الباب ‪ ،٣٤‬وكذلك أوردها يف كتاب علل الرشائع‪.‬‬

‫ثم إنه توجد بعض التساؤالت حول رسالة العلل ينبغي اإلجابة عنها‪:‬‬

‫األول‪ :‬هل الكتاب رواية الفضل عن الرضا‪ ،‬أم أنه كتاب فتوائي للفضل‬
‫نفسه؟‬

‫‪ -‬مال السيد اخلوئي‪ ‬إىل األول‪ ،‬ومال السيد السيستاين‪ ‬إىل الثاين كام سيأيت‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬وعىل فرض ثبوت أنه كتاب روائي‪ ،‬فهل الطريق إليه معترب؟‬

‫‪ -‬يوجد خالف يف ذلك‪ ،‬وذلك لوقوع ابن عبدوس وعيل بن حممد بن قتيبة يف‬
‫السند‪ ،‬ومها ممن ال يوجد هلام توثيق رصيح‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬وعىل فرض أنه كتاب روائي‪ ،‬فهل روى الفضل عن الرضا‪ ‬مبارشة‪،‬‬
‫فتكون الرواية مسندة‪ ،‬أم أنه مل تثبت معارصته لإلمام‪ ،‬وحيث مل يذكر الواسطة بينه‬
‫وبني اإلمام‪ ‬تكون رواياته مرسلة أو مرفوعة؟‬

‫هل يروي الف�ضل بن �شاذان عن الإمام الر�ضا‪ ‬مبا�شرة؟‬


‫َ‬
‫الفضل ب َن شاذان يف أصحاب اهلادي والعسكري‪ ،‬ومل‬ ‫الطويس‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫الشيخ‬ ‫ذكر‬
‫يذكره يف أصحاب اجلواد والرضا‪ .‬وذكر النجايش أن والد الفضل قد روى عن‬
‫اجلواد‪ ،‬وقيل بأنه روى عن الرضا‪ ‬من دون جزم بذلك‪ .‬فإذا كان النجايش‬
‫مردد ًا يف رواية والد الفضل عن الرضا‪ ،‬فكيف نجزم بأن الفضل نفسه قد روى عن‬
‫الرضا‪‬؟! بل مل يثبت أن الفضل قد روى عن اجلواد‪!‬‬
‫‪193‬‬ ‫العلل للف�ضل بن �شاذان‬

‫إال أن الصدوق‪ ‬قد روى عن الفضل بن ش��اذان رواي��ات عن الرضا‪ ‬يف‬


‫كتابيه علل الرشائع وعيون أخبار الرضا‪ ،‬بل قد روى رسالة العلل للفضل بتاممها‬
‫يف الباب ‪ ٣٤‬من كتابه العيون‪ ،‬وهي كلها روايات عن الرضا‪ .‬قال يف بداية الباب‬
‫ُ‬
‫الفضل ب ُن شاذان يف آخرها أنه سمعها من الرضا‬ ‫‪ ٣٤‬من عيونه‪ :‬باب العلل التي ذكر‬
‫عيل بن موسى‪ ‬مرة بعده مرة‪ ،‬وشيئ ًا بعد يشء فجمعها وأطلق لعيل بن حممد بن‬
‫قتيبة النيسابوري روايتها عنه عن الرضا‪ .‬حدثنا عبد الواحد بن حممد بن عبدوس‬
‫النيسابوري العطار بنيسابور يف شعبان سنة اثنتني ومخسني وثالثامئة‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬
‫أبو احلسن عيل بن حممد بن قتيبة النيسابوري قال‪ :‬قال أبو حممد الفضل بن شاذان‬
‫النيسابوري وحدثنا احلاكم أبو حممد جعفر بن نعيم بن شاذان عن عمه أيب عبد اهلل‬
‫حممد بن شاذان قال‪ :‬قال‪ :‬الفضل بن شاذان‪ :‬إن سئل سائل‪ ...‬إلخ(((‪.‬‬

‫وقال يف هناية الباب املذكور‪ :‬حدثنا عبد الواحد بن حممد بن عبدوس النيسابوري‬
‫العطار ريض اهلل عنه قال‪ :‬حدثنا عيل بن حممد بن قتيبة النيسابوري قال‪ :‬قلت للفضل‬
‫بن شاذان ملا سمعت منه هذه العلل‪ :‬أخربين عن هذه العلل التي ذكرهتا عن االستنباط‬
‫واالستخراج‪ ،‬وهي من نتائج العقل أو هي مما سمعته ورويته؟ فقال يل‪ :‬ما كنت ألعلم‬
‫رشع وس ّن‪ ،‬وال ُأع ّلل ذلك من‬
‫مراد اهلل تعاىل بام فرض وال مراد رسول اهلل‪ ‬بام ّ‬
‫ذات نفيس‪ ،‬بل سمعتها من موالي أيب احلسن عيل بن موسى الرضا‪ ،‬املرة بعد املرة‬
‫واليشء بعد اليشء‪ ،‬فجمعتها‪ ،‬فقلت له‪ :‬فأحدث هبا عنك عن الرضا‪‬؟ قال‪ :‬نعم(((‪.‬‬

‫((( عيون أخبار الرضا ‪.١٠٦/٢‬‬


‫((( عيون أخبار الرضا ‪.١٢٧/٢‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪194‬‬

‫وقال أيض ًا‪ :‬حدثنا احلاكم أبو حممد جعفر بن نعيم بن شاذان النيسابوري ريض اهلل‬
‫عنه عن عمه أيب عبد اهلل حممد بن شاذان‪ ،‬عن الفضل بن شاذان أنه قال‪ :‬سمعت هذه‬
‫العلل من موالي أيب احلسن بن موسى الرضا‪ ،‬فجمعتها متفرقة وأ ّلفتها(((‪.‬‬

‫فام هو املوقف من ذلك؟ هل تقبل رواي��ات الفضل بن ش��اذان عن الرضا‪‬‬


‫مبارشة؟‬

‫ذهب السيد اخلوئي إىل صحة رواية الفضل عن الرضا‪ ،‬وعليه يمكن قبول‬
‫صح السند إىل الفضل؛ وذلك لسببني‪:‬‬
‫رسالة العلل إذا ّ‬

‫األول‪ :‬إن الصدوق أقرب عهد ًا إىل زمن الفضل من النجايش والشيخ‪ ،‬فهو أدرى‬
‫منهام بروايته عن الرضا‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬إن والد الفضل قد روى عن اإلمام الكاظم‪ ،‬فال ُبعد يف رواية ابنه عن‬
‫الرضا‪.(((‬‬

‫أقر السيد اخلوئي بأنه مل جيد يف الكتب األربعة رواية للفضل بن‬
‫هذا‪ ،‬ولكن ّ‬
‫شاذان عن الرضا‪ ،‬غري ما ذكره الصدوق عن علل الفضل يف كتبه‪ :‬العيون والعلل‬
‫والفقيه(((‪.‬‬

‫((( عيون أخبار الرضا ‪.١٢٨ -١٢٧/٢‬‬


‫((( املعجم‪.٣١٠/١٤ :‬‬
‫((( املعجم‪.٣١٠/١٤ :‬‬
‫‪195‬‬ ‫العلل للف�ضل بن �شاذان‬

‫كتاب العلل‪ :‬روائي �أم فتوائي؟‬


‫وأما السيد السيستاين‪ ‬فقد استبعد أن يكون الفضل قد روى عن اإلمام‬
‫الرضا‪ ‬مبارشة‪ ،‬وذهب إىل كون العلل كتاب ًا فتوائي ًا للفضل وليس روائي ًا‪ ،‬وتبعه يف‬
‫ذلك سيدنا األُستاذ حفظه اهلل‪ ،‬وقد يؤيد ما ذهب إليه باألمور التالية(((‪:‬‬

‫األول‪ :‬إن رسالة العلل تشتمل عىل تعابري يستحيل صدورها عن املعصوم‪‬؛‬
‫ألهنا إما خمالفة للواقع أو ال تناسب اإلمام أو تستلزم اجلهل عليه‪‬؛ كقوله‪( :‬روي‬
‫عن بعض األئمة)‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬إن أغلب روايات العلل تبدأ هكذا‪( :‬فإن قيل‪ ...‬قيل)‪ ،‬وهذا يتناسب مع‬
‫كون الكتاب كتاب فتوى‪ ،‬حيث إنه نسج عىل طريقة كتب القدماء‪ ،‬وال يناسب كونه‬
‫رواية عن املعصوم؛ حيث ال يعهد وجود روايات هبذا الشكل‪.‬‬

‫ومن العجيب أن احلر العاميل يف الوسائل قد حذف تلك املقاطع (فإن قيل‪ ...‬قيل)‬
‫لتكون العبارة أليق بالرواية‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬إن الصدوق نفسه قد غ ّلط الفضل يف بعض املواضع‪ ،‬وقال‪ :‬إن ما ذكره‬
‫الفضل غلط والصحيح هو كذا‪ .‬وهذا شاهد عىل أن الصدوق أيض ًا كان يرى أن هذه‬
‫فتاوى الفضل وليست روايات‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬إن ما نقله الصدوق عن الفضل يف كتاب العيون يف الباب ‪ ٣٤‬ال ينتهي إىل‬
‫اإلمام الرضا‪ ،‬بل ظاهره أنه فتوى للفضل ألن الروايات تنتهي إليه‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬مباحث رجالية‪ ،‬تقرير ًا ألبحاث السيد السيستاين‪ ،‬بقلم السيد مرتىض املطهري ‪.٣٩ -٥‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪196‬‬

‫فمثالً‪ :‬ورد يف اخلرب األول هكذا‪ :‬قال‪ :‬قال‪ :‬الفضل بن شاذان‪ :‬إن سئل سائل‬
‫فقال‪ :‬أخربين هل جيوز أن يكلف احلكيم عبده فع ً‬
‫ال من األفاعيل لغري علة وال معنى؟‬
‫ـم‬‫ِ‬
‫قيل له‪ :‬ال جيوز ذلك؛ ألنه حكيم غري عابث وال جاهل‪ .‬فإن قال قائل‪ :‬فأخربين ل َ‬
‫كلف اخللق؟ قيل‪ :‬لعلل كثرية‪ ...‬إلخ(((‪ .‬واملالحظ أنه ال يسند كالمه إىل اإلمام‪،‬‬
‫وكأنام هو فتواه‪.‬‬

‫نعم ذكر الصدوق يف هناية الباب عن عيل بن حممد بن قتيبة أنه سأل الفضل عن‬
‫مصدر هذه العلل فأجابه بأنه قد سمعها من الرضا‪ ‬مرة بعد ُأخرى‪.‬‬

‫اخلامس‪ :‬إن الفضل تفاخر بأنه وريث مدرسة هشام بن احلكم ويونس بن عبد‬
‫الرمحن‪ ،‬ولو كان قد صحب الرضا‪ ‬وروى عنه وتتلمذ عىل يده لكان ذلك أوىل‬
‫بالتفاخر‪.‬‬

‫ٌ‬
‫إشكال نقيض‪ ،‬وهو أن الفضل قد صحب اهلادي‪ ‬جزم ًا‬ ‫إال أن هذا قد يرد عليه‬
‫إال أنه مل يتفاخر بذلك‪.‬‬

‫السادس‪ :‬يظهر من الفضل ‪-‬عىل ما رواه الكيش‪ -‬أنه مل يدرك يونس بن عبد‬
‫الرمحن‪ ،‬ويونس من أصحاب الرضا‪ ،‬فكيف له أن يدرك الرضا‪‬؟‬
‫فضال يف ٍ‬
‫وقت كان‬ ‫السابع‪ :‬روى الكيش عن الفضل أنه أدرك احلسن بن عيل بن ّ‬
‫فضال شيخ ًا كبري ًا‪ ،‬مع أن ابن ّ‬
‫فضال من أصحاب‬ ‫الفضل يف عنفوان شبابه وكان ابن ّ‬
‫الكاظم والرضا‪ ،‬وهذا مؤرش عىل عدم دركه الرضا‪.‬‬

‫((( عيون أخبار الرضا ‪.١٠٦/٢‬‬


‫‪197‬‬ ‫العلل للف�ضل بن �شاذان‬

‫الثامن‪ :‬إنه ال توجد حتى رواية واحدة للفضل عن الرضا‪ ‬يف الكتب األربعة‪،‬‬
‫سوى ما نقله حممد بن عيل بن قتيبة عنه يف العلل‪ ،‬مع أن روايات الفضل بن شاذان يف‬
‫الكتب األربعة كثرية‪.‬‬

‫ثم جتدر اإلشارة إىل نقطة مهمة‪ ،‬وهي أنه لو ثبت أن كتاب العلل كتاب فتوائي ال‬
‫ٍ‬
‫حينئذ؟ كال‪ ،‬بل له قيمة علمية كبرية‪ ،‬وذلك واضح ملن يدرك‬ ‫روائي فهل يفقد قيمته‬
‫أمهية كتب القدماء وأصحاب األئمة‪ ‬يف الفتوى‪ ،‬حيث يمكن استكشاف موقف‬
‫الرقي يف املدرسة الشيعية‬
‫املعصوم من خالل كتبهم‪ .‬هذا‪ ،‬ويمكن من خالله اكتشاف ُّ‬
‫باملقارنة مع غريها من املدارس التي اعتمدت عىل القياس والعلل املستنبطة‪.‬‬

‫الطرق �إىل كتاب العلل‬


‫ٍ‬
‫فحينئذ نحتاج إىل البحث‬ ‫إذا ثبت أن رسالة العلل هي رواية الفضل عن الرضا‪‬‬
‫عن طريق معترب إىل الرسالة‪ .‬وعليه‪ ،‬فالبحث التايل مبني عىل هذا الفرض‪ ،‬فنقول‪:‬‬

‫قال النجايش‪ :‬وذكر الكنجي أنه صنف ِم ْائة وثامنني كتاب ًا‪ ،‬وقع إلينا منها‪ :‬كتاب‬
‫النقض عىل اإلسكايف يف تقوية اجلسم‪ ،‬كتاب العروس وهو كتاب العني‪ ،‬كتاب الوعيد‪،‬‬
‫كتاب الرد عىل أهل التعطيل‪ ،‬كتاب االستطاعة‪ ،‬كتاب مسائل يف العلم‪ ،‬كتاب األعراض‬
‫واجلواهر‪ ،‬كتاب العلل‪ ...‬ثم ذكر مجلة من كتبه إىل أن قال‪ :‬أخربنا أبو العباس بن نوح‬
‫قال‪ :‬حدثنا أمحد بن جعفر قال‪ :‬حدثنا أمحد بن إدريس بن أمحد قال‪ :‬حدثنا عيل بن أمحد‬
‫بن قتيبة النيشابوري (النيسابوري) عنه(((‪.‬‬

‫((( رجال النجايش‪.٣٠٧ -٣٠٦ :‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪198‬‬

‫وقال الشيخ يف الفهرست‪ :‬له كتب ومصنفات‪ ،‬منها‪ :‬كتاب الفرائض الكبري‪،‬‬
‫وكتاب الفرائض الصغري‪ ،‬وكتاب الطالق‪ ،‬وكتاب املسائل األربع يف اإلمامة‪ ،‬وكتاب‬
‫الرد عىل ابن كرام‪ ،‬وكتاب املسائل واجلوابات‪ ،‬وكتاب النقض عىل اإلسكايف يف اجلسم‪،‬‬
‫وكتاب املتعتني متعة النساء ومتعة احلج‪ ،‬وكتاب الوعيد واملسائل يف العامل وحدوثه‪،‬‬
‫وكتاب األعراض واجلواهر‪ ،‬وكتاب العلل‪ ...‬ثم ذكر مجلة من مصنفات‪ ،‬إىل أن قال‪:‬‬
‫وله غري ذلك مصنفات كثرية مل تُعرف أسامؤها‪ ...‬أخربنا برواياته وكتبه هذه أبو عبد‬
‫اهلل املفيد‪ ،‬عن حممد بن عيل بن احلسني بن بابويه‪ ،‬عن حممد بن احلسن‪ ،‬عن أمحد‬
‫بن إدريس‪ ،‬عن عيل بن حممد بن قتيبة‪ ،‬عنه‪ .‬ورواها أيض ًا حممد بن عيل بن احلسني بن‬
‫بابويه‪ ،‬عن محزة بن حممد العلوي‪ ،‬عن أيب نرص قنرب بن عيل بن شاذان‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عنه(((‪.‬‬

‫وقال الصدوق يف مشيخة الفقيه‪ :‬وما كان فيه عن الفضل بن شاذان من العلل التي‬
‫ذكرها عن الرضا‪ ‬فقد رويته عن عبد الواحد بن عبدوس النيسابوري العطار ريض‬
‫اهلل عنه‪ ،‬عن عيل بن حممد بن قتيبة‪ ،‬عن الفضل بن شاذان النيسابوري‪ ،‬عن الرضا‪.(((‬‬

‫واملالحظ‪ :‬أن الراوي عن الفضل بن شاذان يف رجال النجايش هو عيل بن أمحد بن‬
‫قتيبة‪ .‬ولكن املذكور يف فهرست الشيخ ومشيخته ومشيخة الفقيه وكتاب عيون أخبار‬
‫الرضا هو عيل بن حممد بن قتيبة‪ .‬والظاهر أن الصحيح هو حممد وليس أمحد وأن السهو‬
‫قد حصل يف قلم النجايش‪.‬‬

‫((( الفهرست‪.١٩٩ -١٩٧ :‬‬


‫((( َمن ال حي ُضرَ ُه الفقيه‪.٤٥٧/٤ :‬‬
‫‪199‬‬ ‫العلل للف�ضل بن �شاذان‬

‫وثاقة ابن عبدو�س وابن قتيبة‬


‫هناك طريقان للصدوق‪ ‬إىل علل الفضل بن شاذان‪.‬‬

‫األول‪ :‬بواسطة عبد الواحد بن حممد بن عبدوس النيشابوري العطار عن عيل بن‬
‫حممد بن قتيبة عن الفضل‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬بواسطة جعفر بن نديم بن شاذان عن حممد بن شاذان عن الفضل‪.‬‬

‫الطريق الأول‬
‫فيقع الكالم أوالً يف الطريق األول يف جهتني‪ ،‬األوىل‪ :‬يف وثاقة عبد الواحد بن‬
‫عبدوس‪ ،‬والثانية‪ :‬يف وثاقة عيل بن حممد بن قتيبة‪ ،‬ثم نتحدث عن الطريق الثاين‪.‬‬

‫أما عبد الواحد بن حممد بن عبدوس النيشابوري فهو من مشايخ الصدوق‪ ،‬وقد‬
‫ترىض عليه‪ .‬قال عنه يف العيون بعد أن روى رواية عنه‪ :‬وحديث عبد الواحد بن حممد‬
‫بن عبدوس ريض اهلل عنه عندي أصح‪ ،‬وال قوة إال باهلل(((‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقال السيد اخلوئي‪ :‬كالم الصدوق ال يدل عىل توثيق عبد الواحد‪ ،‬بل‬
‫وال عىل حسنه‪ ،‬فإن تصحيح الصدوق خربه غايته أنه يدل عىل حجيته عنده‪ ،‬ألصالة‬
‫العدالة التي بنى عليها غري واحد‪ ،‬وأما التوثيق أو املدح فال يستفاد من كالمه‪ .‬ومن‬
‫ذلك يظهر أن تصحيح العالمة يف التحرير رواية عبد الواحد بن حممد بن عبدوس‬
‫الواردة يف لزوم كفارة اجلمع عىل َمن أفطر يف شهر رمضان عىل حرام‪ ،‬ال يرتتب عليه‬

‫((( ً‬
‫نقال عن معجم رجال احلديث‪.٤٢/١٢ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪200‬‬

‫أثر‪ ،‬فالرجل جمهول احلال‪ ،‬واهلل العامل(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬توجد قرائن عديدة عىل وثاقته‪ ،‬وإذا ضممنا بعضها إىل بعض أمكن احلصول‬
‫وترضيه‪ ‬يدل عىل عدالته‬
‫ّ‬ ‫عىل الوثوق بوثاقة الرجل‪ ،‬منها‪ :‬قد ترضىّ عليه الصدوق‪،‬‬
‫ووثاقته عنده‪ .‬ومنها‪ :‬حكم الصدوق عىل خربه بأنه أصح‪ ،‬فإنه مشعر بكونه ثقة عنده‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬حكم العالمة عىل خربه بالصحة‪ ،‬فإن العالمة ال يمكن أن حيكم بالصحة عىل‬
‫خرب راويه ليس بثقة عنه‪ ،‬والصحيح إمكان االعتامد عىل توثيقات املتأخرين‪ .‬ومنها‪:‬‬
‫كونه شيخ إجازة‪ ،‬وشيخوخة اإلجازة تدل عىل الوثاقة بل فوقها‪.‬‬

‫واحلاصل‪ :‬ال يبعد أن يكون الرجل ثقة‪.‬‬

‫وأما عيل بن حممد بن قتيبة‪ ،‬فقال عنه النجايش‪( :‬عيل بن حممد بن قتيبة النيشابوري‪:‬‬
‫عليه اعتمد أبو عمرو الكيش يف كتاب الرجال‪ ،‬أبو احلسن‪ ،‬صاحب الفضل بن شاذان‪،‬‬
‫فيمن مل ِ‬
‫يرو عنهم‪ ،‬قائالً‪( :‬عيل بن حممد القتيبي‪:‬‬ ‫وراوية كتبه)‪ .‬وعده الشيخ يف رجاله َ‬
‫تلميذ الفضل بن شاذان‪ ،‬نيسابوري‪ ،‬فاضل)(((‪.‬‬

‫وعده العالمة يف الباب (‪ ،)١‬من حرف العني‪ ،‬وابن داوود يف القسم األول‪ .‬وقال‬
‫العالمة يف ترمجة يونس بن عبد الرمحن‪ :‬وروى الكيش حديث ًا صحيح ًا عن عيل بن حممد‬
‫القتيبي(((‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقال السيد اخلوئي‪ :‬وقع اخلالف يف اعتبار عيل بن حممد القتيبي وعدمه‪،‬‬

‫((( معجم رجال احلديث‪.٤٢/١٢ :‬‬


‫((( املعجم‪١٧٢/١٣ :‬‬
‫((( املعجم‪١٧٢/١٣ :‬‬
‫‪201‬‬ ‫العلل للف�ضل بن �شاذان‬

‫فقيل باعتباره‪ ،‬واستدل عىل ذلك بوجوه‪ ،‬األول‪ :‬اعتامد الكيش عليه؛ حيث إنه يروي‬
‫عنه كثري ًا‪ ،‬ويرد عليه ما يأيت عن النجايش يف ترمجته من أنه يروي عن الضعفاء كثري ًا‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬حكم العالمة بصحة روايته‪ ،‬وجوابه‪ :‬أن ذلك منه مبني عىل أصالة العدالة التي‬
‫ال نقول هبا‪ ،‬ومر ذلك مرار ًا‪ .‬الثالث‪ :‬حكم الشيخ عليه بأنه فاضل‪ ،‬فهو مدح يدخل‬
‫الرجل به يف احلسان‪ .‬اجلواب‪ :‬أن الفضل ال يعد مدح ًا يف الراوي بام هو ٍ‬
‫راو‪ ،‬وإنام هو‬
‫مدح للرجل يف نفسه باعتبار اتصافه بالكامالت والعلوم‪ ،‬فام عن املدارك من أن عيل بن‬
‫حممد بن قتيبة غري موثق‪ ،‬وال ممدوح مدح ًا يعتد به‪ ،‬هو الصحيح‪ ،‬واهلل العامل(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬ال يبعد حصول الوثوق بوثاقته من خالل القرائن التي ُذكرت‪ ،‬منها‪ :‬اعتامد‬
‫الكيش عليه يف الرجال‪ ،‬وال يرد عليه ما ذكره السيد اخلوئي‪ ‬من كثرة رواية الكيش‬
‫عن الضعفاء‪ ،‬وذلك ألنه يوجد فرق بني االعتامد عىل شخص والرواية عنه‪ ،‬فإن‬
‫االعتامد ليس جمرد رواية خرب أو خربين‪ ،‬بل هو كثرة النقل بحيث يكشف عن وثاقة‬
‫ِ‬
‫املعتمد‪ .‬ومنها‪ :‬حكم العالمة بالصحة عىل خربه‪ ،‬وال يرد عليه ما‬ ‫املعتمد عليه لدى‬
‫َ‬
‫ذكره السيد اخلوئي من اعتامد العالمة عىل أصالة العدالة يف كل ٍ‬
‫راو شيعي فإن ذلك مل‬
‫يثبت‪ .‬ومنها‪ :‬قول الشيخ يف حقه بأنه فاضل‪ ،‬فإنه يفيد املدح ويصيرّ حديثه حسن ًا إن مل‬
‫تثبت وثاقته‪ .‬ومنها‪ :‬إدراج ابن داوود إياه يف القسم األول من كتابه املعد للثقات‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فالصحيح أنه يمكن االعتامد عليه‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬ولكن رفض سيدنا األُستاذ‪ ‬داللة هذه القرائن عىل الوثاقة(((‪ .‬أما اعتامد‬

‫((( املعجم‪١٧٢/١٣ :‬‬


‫((( انظر‪ :‬قبسات من علم الرجال‪.١٩٧ -١٩٥/٢ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪202‬‬

‫الكيش عىل ابن قتيبة فألن االعتامد عىل الضعاف كان متعارف ًا‪ ،‬كام قيل ذلك يف حق أمحد‬
‫بن حممد بن خالد الربقي وسهل بن زياد وغريمها‪ ،‬من أهنم قد اعتمدوا عىل الضعاف‪.‬‬
‫بل قال النجايش يف حق الكيش أنه روى عن الضعاف ويف كتابه أغالط‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬ال فرق بني الرواية واالعتامد‪ ،‬فإنه كام حتصل الرواية عن ضعيف حيصل‬
‫االعتامد عليه أيض ًا فال داللة لالعتامد عىل الوثاقة‪ .‬وأما تصحيح العالمة ٍ‬
‫خلرب يف سنده‬
‫ابن قتيبة فهو اجتهاد منه وليس مبني ًا عىل توثيق املتقدمني‪ .‬وأما قول الشيخ يف حقه بأنه‬
‫فاضل‪ ،‬فأيض ًا ال داللة له عىل التوثيق‪ ،‬بل قد يقال أنه مدح يف مقابل التوثيق‪ ،‬حيث قال‬
‫الشيخ يف رجال آخرين‪ :‬ثقة فاضل أو زاهد فاضل‪ ،‬لكن اقترص يف حق ابن قتيبة عىل‬
‫قوله‪ :‬فاضل‪ ،‬فال يستفاد التوثيق‪.‬‬

‫أقول‪ :‬أوالً‪ :‬إن داللة اعتامد الكيش عىل ابن قتيبة يف كتاب الرجال عىل وثاقته عنده‬
‫غري قابلة لإلنكار‪ ،‬بل هي أقوى داللة من قوله‪( :‬ثقة)؛ وذلك ألن االعتامد يعني كثرة‬
‫النقل عن شخص للوثوق به وبخربه‪ ،‬وال حيتمل يف حق عاقل ‪-‬فض ً‬
‫ال عن عامل‪ -‬أن‬
‫يعتمد عىل شخص غري مو ّثق عنده‪.‬‬

‫وثاني ًا‪ :‬وأما تصحيح العالمة للخرب مع وجود ابن قتيبة يف السند فالظاهر أنه ألجل‬
‫وثاقة رجال السند عنده‪ ،‬وهذا أوضح من أن خيفى! وأما قوله بأن ذلك حدس واجتهاد‬
‫منه حيث ال يكشف عن توثيق املتقدين فمحل تأمل‪ ،‬وذلك ألن سيدنا األُستاذ يقبل‬
‫توثيقات املتأخرين وال يشرتط حصول التوثيق من قبل القدماء‪ ،‬وال مانع عنده من‬
‫قبول التوثيق املبني عىل احلدس ما دام حيصل منه الوثوق‪ ،‬فراجع كلامته‪ .‬وعليه‪،‬‬
‫ملاذا ال نقبل تصحيح العالمة للخرب الدال عىل توثيقه لرجال السند؟‬
‫‪203‬‬ ‫العلل للف�ضل بن �شاذان‬

‫وثالث ًا‪ :‬إن كلمة (فاضل) وإن مل تدل عىل الوثاقة إال أنه مدح‪ ،‬واملعروف أن‬
‫روايات اإلمامي املمدوح تعد من احلسان‪ .‬ولو تنزلنا عن ذلك فال أقل هو مدح يضاف‬
‫إىل القرائن األُخرى لينتج وثوق ًا بوثاقة الرجل‪.‬‬

‫من هنا يظهر التأمل فيام قاله السيد اخلوئي‪ ‬عن طريق الصدوق إىل علل الفضل‬
‫بترصف منا‪ :‬وكيف كان‪ ،‬فطريق الصدوق‪ ...‬ضعيف بعبد الواحد‪ ،‬وعيل بن حممد(((‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد يقال‪ :‬صحيح أنه ال يمكن توثيق رواة سند العلل‪ ،‬إال أنه يمكن حصول‬
‫الوثوق بصحته؛ وذلك ألن الصدوق أورده يف الفقيه‪ ،‬وهو قد تعهد يف ديباجة الفقيه‬
‫أن ال يورد إال ما يفتي به ويراه حجة بينه وبني ربه‪.‬‬

‫مر الكالم يف كتاب (دروس يف علم الرجال) عند حديثنا عن كتاب َمن‬
‫إال أنه قد ّ‬
‫ال حيضرَ ُ ُه الفقيه ومقدمته‪ ،‬أنه ال يمكن التعبد بشهادة الصدوق يف الديباجة؛ ألهنا مبنية‬
‫عىل حدسه واجتهاده‪.‬‬

‫الطريق الثاين‬
‫وأما الطريق الثاين فهو بواسطة جعفر بن نديم بن شاذان عن حممد بن شاذان عن‬
‫الفضل بن شاذان‪ .‬قال الصدوق‪ :‬وحدثنا احلاكم أبو حممد جعفر بن نعيم بن شاذان‬
‫عن عمه أيب عبد اهلل حممد بن شاذان قال‪ :‬قال‪ :‬الفضل بن شاذان‪ :‬إن سأل سائل‪...‬‬
‫إلخ(((‪.‬‬

‫((( املعجم‪.٣١٠/١٤ :‬‬


‫((( عيون أخبار الرضا ‪.١٠٦/٢‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪204‬‬

‫فيقع الكالم أيض ًا يف جهتني‪ ،‬اجلهة األوىل‪ :‬يف وثاقة جعفر بن نعيم بن شاذان‪.‬‬
‫واجلهة الثانية‪ :‬يف وثاقة حممد بن شاذان‪.‬‬

‫أما جعفر بن نعيم بن شاذان‪ ،‬فهو من مشايخ الصدوق ولمَ يثبت له توثيق رصيح‪،‬‬
‫ولكن قد ترضىّ عليه الصدوق‪ ،‬فيمكن القول باعتباره من هذه اجلهة‪ .‬قال الصدوق يف‬
‫العلل‪ :‬حدثنا احلاكم أبو حممد جعفر بن نعيم بن شاذان النيسابوري ريض اهلل عنه‪ ،‬عن‬
‫عمه أيب عبد اهلل حممد بن شاذان قال‪ :‬حدثنا الفضل بن شاذان‪ ،‬عن حممد بن أيب عمري‬
‫قال‪ :‬قلت ملوسى بن جعفر‪ ...‬إلخ(((‪.‬‬

‫وقال يف العيون‪ :‬حدثنا احلاكم أبو حممد جعفر بن نعيم بن شاذان ريض اهلل عنه‬
‫قال‪ :‬حدثني عمي حممد بن شاذان عن الفضل بن شاذان قال‪ :‬سمعت الرضا‪ ‬حيدث‬
‫عن أبيه عن آبائه عن عيل‪ ‬أن رسول اهلل‪ ‬احتجم وهو صائم حمرم‪ ...‬إلخ(((‪.‬‬

‫وأما حممد بن شاذان‪ ،‬فقد روى الشيخ يف الغيبة عن مجاعة‪ ،‬عن جعفر بن حممد‬
‫بن قولويه‪ ،‬وأيب غالب الزراري وغريمها‪ ،‬عن حممد بن يعقوب الكليني‪ ،‬عن إسحاق‬
‫بن يعقوب‪ ،‬قال‪ :‬سألت حممد بن عثامن العمري‪ ‬أن يوصل يل كتاب ًا قد سألت فيه‬
‫عيل‪ ،‬فورد التوقيع بخط موالنا صاحب الدار‪« :‬أما ما سألت‬
‫عن مسائل أشكلت ّ‬
‫عنه‪( ،»...‬إىل أن قال)‪« :‬وأما حممد بن شاذان بن نعيم‪ ،‬فإنه رجل من شيعتنا أهل‬
‫البيت‪.(((»‬‬

‫((( علل الرشائع ‪.٦٧/١‬‬


‫((( عيون أخبار الرضا ‪.١٩/١‬‬
‫((( معجم رجال احلديث‪.٢٧/١٦ :‬‬
‫‪205‬‬ ‫العلل للف�ضل بن �شاذان‬

‫ولكن هذه الرواية ضعيفة سند ًا من جهة إسحاق بن يعقوب نفسه‪ .‬إال أن املدح‬
‫ٍ‬
‫رجل‬ ‫الوارد فيها يدل عىل قبول رواياته ال حمالة‪ ،‬وال يقرص عن قول النجايش يف حق‬
‫ما أنه ثقة‪.‬‬

‫وأما القول بأن كالم اإلمام‪ ‬يدل عىل كونه إمامي ًا شيعي ًا ال أكثر فغري منصف‪،‬‬
‫فإن اإلمام‪ ‬يف مقام مدحه وتزكيته كام هو ظاهر‪ .‬وكون الرجل من شيعتهم يعني أنه‬
‫تابع هلم يف أقواله وأفعاله وأخالقه‪ ،‬وإال ملا اعتربه اإلمام‪ ‬من شيعتهم‪.‬‬

‫فقد روى الكليني عن أيب عيل األشعري‪ ،‬عن حممد بن سامل‪ ،‬وأمحد بن أيب عبد اهلل‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬مجيع ًا عن أمحد بن النرض‪ ،‬عن عمرو بن شمر‪ ،‬عن جابر‪ ،‬عن أيب جعفر‪‬‬
‫قال‪ :‬قال يل‪« :‬يا جابر‪ ،‬أيكتفي َمن ينتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت؟ فواهلل ما‬
‫شيعتنا إال َمن اتقى اهلل وأطاعه‪ ،‬وما كانوا يعرفون ‪-‬يا جابر‪ -‬إال بالتواضع والتخشع‬
‫واألمانة وكثرة ذكر اهلل والصوم والصالة والرب بالوالدين والتعاهد للجريان من الفقراء‬
‫وأهل املسكنة والغارمني واأليتام وصدق احلديث وتالوة القرآن وكف األلسن عن‬
‫الناس إال من خري‪ ،‬وكانوا ُأمناء عشائرهم يف األشياء»(((‪.‬‬

‫من هنا‪ ،‬يظهر التأمل فيام أفاده السيد اخلوئي‪ ،‬حيث قال‪ :‬ثم إنه ال ينبغي‬
‫اإلشكال يف كون الرجل شيعي ًا إمامي ًا‪ ،‬وأما ُحسنه فلم يثبت‪ ،‬وذلك لضعف مجيع‬
‫الروايات املتقدمة‪ ،‬فالرجل جمهول احلال‪ ،‬واهلل العامل(((‪.‬‬

‫واحلاصل‪ :‬يوجد طريق معترب للصدوق إىل علل الفضل يف كتاب عيون أخبار‬

‫((( الكايف‪.٧٤/٢ :‬‬


‫((( معجم رجال احلديث‪.٢٧/١٦ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪206‬‬

‫ِ‬
‫يرتض الطريقني مع ًا؛ لعدم‬ ‫الرضا‪ ‬وهو الطريق األول‪ .‬إال أن السيد اخلوئي‪ ‬مل‬
‫ثبوت وثاقة رجال السندين عنده‪.‬‬

‫الوا�سطة املجهولة بني الف�ضل والإمام الر�ضا‪‬‬


‫هذا‪ ،‬ويوجد احتامل أن كتاب العلل كتاب روائي رواه الفضل بن شاذان عن‬
‫الرضا‪ ،‬لكن مع الواسطة ‪-‬إذا مل يثبت أنه عارص الرضا‪ ،-‬وعليه فيكون كتاب‬
‫العلل روائي ًا‪ ،‬إال أن رواياته مرسلة أو مرفوعة‪ .‬وال اعتبار بمراسيل الفضل‪ ،‬حيث مل‬
‫يثبت أنه ال يروي إال عن الثقة‪ ،‬بل ثبت العكس‪ ،‬فقد روى عن بعض الضعاف‪.‬‬

‫خال�صة وا�ستنتاج‬
‫يمكن ختليص األقوال يف علل الفضل بن شاذان بام ييل‪:‬‬

‫األول‪ :‬حكي عن السيد احلكيم‪ ‬أنه كان يراه رواية صحيحة عن الرضا‪.‬‬

‫روائي مروي عن الرضا‪،‬‬


‫ٌّ‬ ‫كتاب العلل‬
‫الثاين‪ :‬إن السيد اخلوئي‪ ‬كان يرى أن َ‬
‫إال أنه ال يمكن االعتامد عليه؛ وذلك لضعف طريق الصدوق إليه‪ .‬وحكي عن السيد‬
‫الربوجردي‪ ‬تبني هذا االجتاه أيض ًا‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬يرى السيد السيستاين حفظه اهلل أنه كتاب فتوى للفضل بن شاذان‪ ،‬وليس‬
‫كتاب ًا روائي ًا‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬إن الكتاب رواية مرسلة أو مرفوعة عن اإلمام الرضا‪ ،‬وال يمكن‬
‫االعتامد عليه ما مل حيصل االطمئنان بصحته‪.‬‬

‫***‬
‫‪207‬‬ ‫تف�سري العيا�شي‬

‫تف�سري العيا�شي‬
‫إنه تأليف حممد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي املعروف بـ(العيايش)‪،‬‬
‫وهو من أقدم كتب التفسري عند الشيعة اإلمامية‪.‬‬

‫قال الشيخ آغا بزرگ الطهراين‪ :‬تفسري العيايش أليب النرض حممد بن مسعود بن‬
‫حممد بن عياش السلمي السمرقندي‪ ،‬املؤ ِّلف ملا يزيد عىل ِمائتي كتاب يف عدة فنون‪:‬‬
‫احلديث‪ ،‬الرجال‪ ،‬التفسري‪ ،‬النجوم‪ ،‬وغريها‪ ،‬وهو من مشايخ الكيش‪ ،‬ومن طبقة‬
‫ثقة اإلسالم الكليني‪ ،‬ويروي كت َبه عنه ولدُ ه جعفر بن حممد بن مسعود‪ ،‬ومنها هذا‬
‫التفسري املوجود نص َفه األول إىل آخر سورة الكهف يف اخلزانة الرضوية‪ ،‬ويف تربيز عند‬
‫اخلياباين‪ ،‬ويف زنجان بمكتبة شيخ اإلسالم‪ .‬ويف الكاظمية بمكتبة سيدنا احلسن صدر‬
‫الدين‪ ،‬واستنسخ عن نسخته الشيخ شري حممد اهلمداين وغريه يف النجف‪ .‬لكنه مع‬
‫األسف حمذوف األسانيد(((‪.‬‬

‫وقد جعله العالمة املجليس مصدر ًا لبحاره‪ ،‬قائالً‪ :‬وكتاب تفسري العيايش روى‬
‫عنه الطربيس وغريه‪ ،‬ورأينا منه نسختني قديمتني‪ ،‬وعُدَّ يف كتب الرجال من كتبه‪ ،‬لكن‬

‫((( الذريعة‪.٢٩٥/٤ :‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪208‬‬

‫بعض الناسخني حذف أسانيده لالختصار وذكر يف أوله عذر ًا هو أشنع من جرمه(((‪.‬‬
‫َ‬

‫ترجمة العيا�شي‬
‫قال عنه النجايش‪ :‬حممد بن مسعود بن حممد بن عياش السلمي السمرقندي أبو‬
‫النرض املعروف بالعيايش‪ :‬ثقة‪ ،‬صدوق‪ ،‬عني من عيون هذه الطائفة‪ ،‬وكان يروي عن‬
‫ِ‬
‫العامة فأكثر منه‪ ،‬ثم‬ ‫َ‬
‫حديث‬ ‫عامي املذهب‪ ،‬وسمع‬ ‫الضعفاء كثري ًا‪ ،‬وكان يف ِ‬
‫أول أمره‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫وعبد‬ ‫أصحاب عيل بن احلسن بن فضال‪،‬‬ ‫َ‬
‫حديث السن‪ ،‬سمع‬ ‫تبصرّ وعاد إلينا‪ ،‬وكان‬
‫َ‬
‫اهلل بن حممد بن خالد الطياليس‪ ،‬ومجاع ًة من شيوخ الكوفيني‪ ،‬والبغداديني‪ ،‬والقميني‪.‬‬
‫سمعت القايض أبا احلسن عيل بن حممد‪ :‬قال لنا‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬أبو عبد اهلل احلسني بن عبيد اهلل‪:‬‬

‫أبو جعفر الزاهد‪ :‬أنفق أبو النرض عىل العلم واحلديث ترك َة أبيه َ‬
‫سائرها‪ ،‬وكانت ثالثامئة‬
‫مقابل‪ ،‬أو قارئ‪ ،‬أو ٍ‬
‫معلق‪ ،‬مملوة من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ناسخ‪ ،‬أو‬ ‫داره كاملسجد‪ ،‬بني‬
‫ألف دينار‪ ،‬وكانت ُ‬
‫الناس‪ .‬وصنف أبو النرض كتب ًا‪ ،‬منها‪ :‬كتاب التفسري‪ ...‬إلخ(((‪.‬‬

‫ب العيايش‪ ،‬وأخذ عنه‪ ،‬وخترج عليه‪ ،‬يف داره التي‬ ‫ِ‬


‫وقال يف ترمجة الكيش‪َ :‬صح َ‬
‫ِ‬
‫وأهل العلم(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫للشيعة‬ ‫كانت مرتع ًا‬

‫وقال الشيخ يف الفهرست‪ :‬حممد بن مسعود العيايش‪ ،‬من أهل سمرقند‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫إنه من بني متيم‪ ،‬يكنى أبا النرض‪ ،‬جليل القدر‪ ،‬واسع األخبار‪ ،‬بصري بالروايات‪ ،‬مطلع‬

‫((( بحار األنوار‪.٢٨/١ :‬‬


‫((( رجال النجايش‪.٣٥١ -٣٥٠ :‬‬
‫((( رجال النجايش‪.٣٧٢ :‬‬
‫‪209‬‬ ‫تف�سري العيا�شي‬

‫فهرست كتبِ ِه أبو إسحاق النديم‪،‬‬


‫َ‬ ‫ذكر‬ ‫ِ‬
‫كتب كثرية تزيد عىل مائتي مصنَّف‪َ ،‬‬
‫عليها‪ .‬له ٌ‬
‫منها‪ :‬كتاب التفسري‪ ...‬إلخ(((‪.‬‬
‫وقال يف رجاله يف باب َمن مل ِ‬
‫يرو عنهم‪ :‬حممد بن مسعود بن حممد بن عياش‬
‫ال يف‬ ‫أكثر ِ‬
‫أهل الرشق عل ًام وفضالً‪ ،‬وأدب ًا‪ ،‬وفه ًام‪ ،‬ونُب ً‬ ‫السمرقندي‪ ،‬يكنى أبا النرض‪ُ ،‬‬
‫جمل ٌس للخاص‪،‬‬ ‫زمانه‪ ،‬صنف أكثر من مائتي مصنف‪ ،‬ذكرناها يف الفهرست‪ ،‬وله ِ‬

‫وجملس للعام‪.(((‬‬
‫ٌ‬

‫الطرق �إليه‬
‫قال النجايش‪ :‬أخربين أبو عبد اهلل بن شاذان القزويني‪ ،‬قال‪ :‬أخربنا حيدر بن حممد‬
‫السمرقندي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حممد بن مسعود(((‪.‬‬

‫وقال الشيخ يف الفهرست‪ :‬أخربنا بجميع كتبه ورواياته مجاع ٌة من أصحابنا‪ ،‬عن‬
‫أيب املفضل‪ ،‬عن جعفر بن حممد بن مسعود العيايش‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬بجميع كتبه ورواياته(((‪.‬‬

‫وقال السيد اخلوئي‪ :‬وكيف كان‪ ،‬فطريق الشيخ إليه ضعيف بأيب املفضل‪ ،‬وجعفر‬
‫قلم األردبييل فذكر أن طريق الشيخ إليه ضعيف يف‬
‫بن حممد بن مسعود‪ .‬وقد سها ُ‬
‫الشيخ مل يذكر طري َقه إليه يف املشيخة‪.‬‬
‫َ‬ ‫املشيخة‪ ،‬وذلك فإن‬

‫((( الفهرست‪.٢١٢ :‬‬


‫((( رجال الشيخ‪.٤٤٠ :‬‬
‫((( رجال النجايش‪.٣٥٣ :‬‬
‫((( الفهرست‪.٢١٥ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪210‬‬

‫وطريق الصدوق إليه‪ :‬املظفر بن جعفر بن املظفر العلوي العمري ‪-‬ريض اهلل‬
‫عنه‪ -‬عن جعفر بن حممد بن مسعود‪ ،‬عن أبيه أيب النرض‪ ،‬عن حممد بن مسعود العيايش‪،‬‬
‫والطريق كطريق الشيخ إليه ضعيف(((‪.‬‬

‫اعتبار الكتاب‬
‫ورد يف بداية التفسري‪ :‬احلمدُ هلل عىل أفضاله والصال ُة عىل حممد وآله‪ ،‬قال العبد‬
‫الفقري إىل رمحة اهلل‪ :‬إين نظرت يف التفسري الذي صنفه أبو النرض حممد بن مسعود بن‬
‫حممد بن عياش السلمي بأسناده‪ ،‬ورغبت إىل هذا وطلبت َمن عندَ ه سامع ًا من املصنِّف‬
‫حذفت منه األسناد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫سامع أو إجاز ٌة منه‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫غريه فلم أجد يف ِ‬
‫ديارنا َمن كان عندَ ه‬ ‫أو ِ‬

‫وجدت بعد ذلك‬


‫ُ‬ ‫َ‬
‫أسهل عىل الكاتب والناظر فيه‪ ،‬فإن‬ ‫وكتبت الباقي عىل وجهه ليكون‬
‫ُ‬
‫سامع أو إجاز ٌة من املصنِّف اتبعت األسانيد‪ ،‬وكتبتها عىل ما ذكره املصنف‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫َمن عنده‬
‫أسأل اهلل تعاىل التوفيق إلمتامه‪ ،‬وما توفيقي إال باهلل عليه توكلت وإليه ُأنيب(((‪.‬‬

‫إن املستفاد من هذه املقدمة أمور‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬إن هذه الكلامت لغري العيايش‪ ،‬ولكن َمن هو هذا الشخص؟ وهل هو ثقة أم‬
‫ال؟ الظاهر أن شخصيتَه جمهول ٌة فض ً‬
‫ال عن حاله‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬ظاهر كالم هذا الناسخ أنه مل تصله نسخ ُة التفسري سامع ًا أو إجازةً‪ ،‬وإنام‬
‫حصل عليها وجادةً‪.‬‬

‫((( املعجم‪.٢٣٨/١٨ :‬‬


‫((( تفسري العيايش ‪.٢/١‬‬
‫‪211‬‬ ‫تف�سري العيا�شي‬

‫ثالث ًا‪ :‬إن هذا الشخص قام بحذف أسانيد الكتاب؛ ألنه مل جيد َمن كان عنده التفسري‬
‫إجاز ًة أو سامع ًا‪ ،‬وليكون أسهل عىل القارئ‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬إن ترصيح الناسخ بحذف األسانيد يكشف أن التفسري كان مسند ًا‪ ،‬أي أن‬
‫حتولت إىل مراسيل ملا قام‬
‫العيايش يذكر أسانيده إىل األئمة‪ ،‬إال أن روايات الكتاب قد ّ‬
‫به الناسخ‪ .‬وكوهنا مسندة قبل احلذف ال ينفع شيئ ًا؛ الحتامل أنا لو ا ّطلعنا عىل أسانيدها‬
‫ملا كانت موثقة عندنا‪ .‬هذا مضاف ًا إىل جهالة الناسخ من ناحية الشخصية والوثاقة‪ ،‬وأن‬
‫النسخة الواصلة إليه مل تكن باإلجازة وإنام كانت بالوجادة‪.‬‬

‫ثم توجد مشكلة ُأخرى وهو أن التفسري الواصل إلينا ناقص‪ ،‬حيث إن األصل‬
‫كان تفسري ًا كام ً‬
‫ال للقرآن‪ ،‬بينام الواصل هو من سورة الفاحتة إىل هناية سورة الكهف‪.‬‬

‫قال العالمة السيد الطباطبائي يف مقدمته لتفسري العيايش‪ :‬وقد ُأصيب الكتاب‬
‫ِ‬
‫بحذف‬ ‫بعض النساخ‬
‫جل رواياته كانت مسندةً‪ ،‬فاخترصه ُ‬ ‫من جهتني‪ ،‬أحدمها‪ :‬أن َّ‬
‫خمترص التفسري‪ .‬والثانية‪ :‬إن اجلز َء الثاين‬ ‫ِ‬
‫وذكر املتون‪ ،‬فالنسخ ُة املوجودة اآلن‬ ‫األسانيد‬
‫ُ‬
‫منه صار مفقود ًا بعده‪ ،‬حتى إن أرباب التفاسري الروائية واملحدثني مل ينقلوا منه إال ما‬
‫يف جزئه األول من الروايات؛ كالبحراين يف تفسري الربهان واحلويزي يف نور الثقلني‬
‫ِ‬
‫خزائن‬ ‫بعض‬
‫والكاشاين يف الصايف واملجليس يف البحار‪ .‬نعم‪ ،‬ربام يذكر ‪-‬فيام يذكر‪ -‬أن َ‬
‫ِ‬
‫الكتاب بجزأيه‪ ،‬ومل يتحقق ذلك وال اهتدينا‬ ‫الكتب من بالد إيران اجلنوبية حيتوي عىل‬
‫إليه بعد(((‪.‬‬

‫((( تفسري العيايش (املقدمة) ‪.٥/١‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪212‬‬

‫تفسري العيايش ك َّله مراسيل‪ :‬السيدُ السيستاين‪ ،‬إذ قال‪ :‬فإن‬


‫َ‬ ‫رصح َّ‬
‫بأن‬ ‫وممن ّ‬
‫تفسري العيايش ك ِّله مراسيل‪ ،‬أي إنه ابتدأ بآخر ٍ‬
‫راو(((‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫الواصل إلينا من‬

‫هذا مضاف ًا إىل اإلشكال العام الذي يرد عىل كثري من الكتب القديمة‪ ،‬وهو أن‬
‫النسخة الواصلة منه إىل املتأخرين؛ كاملجليس واحلر العاميل مل تصل مسندةً‪ ،‬وإنام ُعثِ َر‬
‫عليها عن طريق الوجادة‪ ،‬فاحلر العاميل حينام يروي يف الوسائل عن تفسري العيايش فهو‬
‫يروي عن طريق الوجادة‪.‬‬

‫ويظهر من بعض املعارصين أن الذي حذف أسانيد تفسري العيايش هو الشيخ‬


‫الطويس‪ ،‬حيث قال يف جملس درسه‪ :‬مشكل ُة كتاب تفسري العيايش لست أدري ملاذا‬
‫ِ‬
‫حذف األسناد يف هذا الكتاب‪ ،‬فاملوجود بني‬ ‫سبب‬ ‫ُ‬
‫الشيخ الطويس‪ ،‬ال نعرف‬ ‫حذف‬
‫َ‬
‫مقطوع اإلسناد‪ ،‬فكل األسانيد حمذوف ٌة وهو أعرف بام‬
‫ُ‬ ‫أيدينا اليوم من تفسري العيايش‬
‫فعل‪ ،‬ولكن سقطت القيم ُة العلمية لكل هذه الروايات(((‪.‬‬

‫وجه �آخر العتبار الكتاب يف اجلملة‬


‫هناك وجه لطيف ذكره سيدنا األُستاذ‪ ‬للقول باعتبار بعض روايات الكتاب‪،‬‬
‫وهي التي غفل املستنسخ عن حذف سندها فرتك السند بأكمله‪ ،‬فإذا كان ذلك السند‬
‫تام ًا أمكن العمل باخلرب‪ .‬وأما اإلشكال عىل نسخة التفسري وجمهولية الناسخ فيمكن أن‬

‫((( االجتهاد والتقليد واالحتياط للسيد السيستاين‪.٦٣ :‬‬


‫‪(2)http://www.eshia.ir/Feqh/Archive/text/bashir_najafi/‬‬
‫‪/370704/‬تفسير‪20%‬العياشي‪feqh/36‬‬
‫‪213‬‬ ‫تف�سري العيا�شي‬

‫يقال يف اجلواب عنه‪ :‬يمكننا أن نجري مقارنة بني النسخة الواصلة إلينا من التفسري مع‬
‫ٍ‬
‫بنسبة تفيدنا الوثوق‬ ‫ما روي عن التفسري يف الكتب الروائية القديمة‪ ،‬فإذا وجدنا تطابق ًا‬
‫بصحة النسخة أمكننا العمل عىل طبقها‪.‬‬

‫قال‪ :‬إن ما يعرف بتفسري العيايش الواصل إىل املتأخرين ليس مطابق ًا مع نسخة‬
‫املؤلف‪ ،‬بل هو خمترص القسم األول منها‪ ،‬حيث عمد الناسخ إىل حذف ما اشتملت‬
‫عليه من األسانيد‪ ...‬ولكن املالحظ أنه يف موارد نادرة غفل عن حذف السند‪ ...‬ويبدو‬
‫أنه كان خيترص األسانيد حني االستنساخ‪ ،‬فعند االنتهاء من رواية يتجاوز سند الرواية‬
‫الالحقة ويذكر اسم الراوي املبارش عن اإلمام‪ ‬ثم يذكر متن الرواية‪ .‬ولكنه أحيان ًا‬
‫يغفل عن حذف السند املتوسط بني متني روايتني فيستنسخه أيض ًا‪ ...‬ال ّلهم إال أن يقال‪:‬‬
‫إن اعتبار النسخة الواصلة منه إلينا غري معلوم‪ ،‬فإن املخترص هلذا الكتاب واملستنسخ‬
‫هلذه النسخة جمهول احلال‪ ،‬بل ال يعرف حتى اسمه فكيف يعتمد عىل نقله؟! ولكن‬
‫يمكن اجلواب عن هذا الكالم بأن املالحظ أن معظم ما بقي من كتب السابقني ووصل‬
‫إىل العالمة املجليس وصاحب الوسائل ومن تأخر عنهم مل يصل إليهم بطريق السامع أو‬
‫القراءة أو املناولة أو نحوها طبقة بعد طبقة إىل أن ينتهي إىل مؤلف الكتاب‪ ،‬بل وصل‬
‫ٍ‬
‫كتاب‪ ،‬فيتم االعتامد‬ ‫يف الغالب بطريق الوجادة‪ ،‬حيث كان يعثر عىل نسخة أو أزيد من‬
‫عليها والنقل عنها وتداوهلا واستنساخها‪ ،‬وربام تصبح هي النسخة األُم لعرشات النسخ‬
‫الالحقة‪ ،‬وخيرج الكتاب عن كونه نادر الوجود إىل كتاب شائع النسخ متداوهلا‪.‬‬

‫ويالحظ أحيان ًا أن النسخة األُم كانت مصدرة بطريق صاحبها إىل املؤلف وهو‬
‫شخص غري معروف أو يف الطريق شخص غري معروف‪ ،‬ولكن ذلك مل يمنع من‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪214‬‬

‫االعتامد عليها‪ ،‬كام هو احلال بالنسبة إىل فهرست الشيخ‪ ...‬ومع ذلك اعتمد األصحاب‬
‫عىل هذه النسخة من الفهرست‪ ،‬وما هو إال لتوفر القرائن والشواهد عىل صحتها‪ ،‬ومن‬
‫ذلك تطابق النصوص املنقولة عن الفهرست يف كتب السابقني مع ما يوجد يف النسخة‬
‫الواصلة‪ .‬وهذا املعنى يمكن ا ّدعاؤه بالنسبة إىل ما وصل إلينا من تفسري العيايش(((‪.‬‬

‫***‬

‫((( بحوث يف رشح مناسك احلج‪.٨٥ -٨٣/٤ :‬‬


‫‪215‬‬ ‫نوادر �أحمد بن حممد بن عي�سى‬

‫نوادر �أحمد بن حممد بن عي�سى‬


‫هو أمحد بن حممد بن عيسى األشعري القمي‪ُ ،‬‬
‫شيخ القميني ورئيسهم‪ ،‬وهو ثقة بال‬
‫شك‪ .‬وقع يف أسناد (‪ )٢٢٩٠‬رواية من روايات أهل البيت‪ .‬ويكفي قول النجايش‬
‫يف حقه‪ :‬أبو جعفر‪ ‬شيخ القميني‪ ،‬ووجههم‪ ،‬وفقيههم‪ ،‬غري مدافع‪ .‬وكان أيض ًا‬
‫الرئيس الذي يلقى السلطان هبا‪ ،‬ولقي الرضا‪ .‬وله كتب ولقي أبا جعفر الثاين‪‬‬
‫وأبا احلسن العسكري‪.(((‬‬

‫تصح هذه النسبة‬


‫كتاب النوادر‪ ،‬فهل ُّ‬
‫ُ‬ ‫ثم إن أمحد بن حممد بن عيسى قد نُسب إليه‬
‫حق ًا؟ وهل يمكن االعتامد عىل ما ن ُِق َل عن النوادر مطلق ًا؟ أم يوجد تفصيل ‪-‬كام يف‬
‫غريه‪ -‬بني ما نُقل عنه يف الكتب األربعة فيصح‪ ،‬وما نُقل عنه يف الوسائل والبحار فال‬
‫يصح؟ وجوه واحتامالت‪ ،‬ست ّطلع عليها مفص ً‬
‫ال إن شاء اهلل‪.‬‬

‫قال الصدوق يف ديباجة الفقيه‪ :‬ومجيع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة‪ ،‬عليها‬
‫ِ‬
‫وكتاب عبيد اهلل بن عيل‬ ‫ِ‬
‫كتاب حريز بن عبد اهلل السجستاين‬ ‫املعول وإليها املرجع‪ ،‬مثل‬
‫ِ‬
‫ونوادر أمحد بن‬ ‫ِ‬
‫وكتب احلسني بن سعيد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وكتب عيل بن مهزيار األهوازي‪،‬‬ ‫احللبي‬

‫((( رجال النجايش‪.٨٢ :‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪216‬‬

‫ِ‬
‫الكتب‬ ‫نوادر ِ‬
‫ابن عيسى من‬ ‫َ‬ ‫حممد بن عيسى‪ ...‬إلخ(((‪ .‬فاملالحظ أن الصدوق‪ ‬قد عدّ‬
‫املعول وإليها املرجع‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املشهورة التي عليها ّ‬

‫وعدّ ه احلر العاميل من املصادر املعتربة التي اعتمد عليها يف الوسائل‪ ،‬قائالً‪ :‬فهذه‬
‫ِ‬
‫املعتمدة التي وصلت إلينا ونقلنا منها يف هذا الكتاب(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الكتب‬ ‫مجل ٌة من‬
‫ِ‬
‫ألمحد بن حممد بن عيسى بن عبد‬ ‫النوادر‬ ‫وقال الشيخ آغا بزرگ الطهراين‪:‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫أشاعرة قم املتحفظني‪ .‬عده الطويس من أصحاب الرضا واجلواد‬ ‫اهلل بن سعد‪ُ ،‬‬
‫شيخ‬
‫رئيس قم الذي يلقى السلطان‪ ،‬وأنه من أوالد‬
‫ُ‬ ‫واهلادي‪ ،‬وقال يف الفهرست‪ :‬إنه‬
‫الرئيس األشعري هذا كان‬
‫َ‬ ‫األشعري الذي فتح قم لعمر‪ .‬ذكر الطويس والنجايش أن‬
‫يمتنع من الرواية عن ٍ‬
‫عدة من أصحابنا‪ ،‬وهم من املجمع عىل صحة رواياهتم مثل ابن‬
‫حمبوب ويونس بن عبد الرمحن‪ .‬وهو الذي طر َد أمحدَ بن حممد بن خالد الربقي من بلدة‬
‫قم حتى التجأ إىل أمحد بن احلسن املادراين صاحب الري والصادر له التوقيع‪ .‬وقد أخرج‬
‫األشعري هذا مجاعات من الشيعة من قم يتهمهم بالغلو كام ذكره الكيش يف أحوال‬
‫حسني بن عبد اهلل‪ .‬وكان أمحد بن حممد األشعري هذا من املقرصين كام سامهم املفيد‬
‫يف تصحيح االعتقاد‪ .‬وكان يرصح بتفضيل العرب عىل غريهم كام يظهر من الكليني يف‬
‫الكايف‪ ،‬وأ ّلف فيه كتابه (فضائل العرب)‪ ،‬مع أنه كان يستفيد من املوايل أمثال داوود‬
‫ابن كورة يف تبويب كتابه (النوادر)‪ُ .‬ف ِّص َلت أحوا ُل ُه يف مجيع الكتب الرجالية وخاصة‬

‫((( َمن ال حي ُضرَ ُه الفقيه‪.٣/١ :‬‬


‫((( وسائل الشيعة‪ ٤٧ -٤٦/٢٠ :‬اإلسالمية‪.‬‬
‫‪217‬‬ ‫نوادر �أحمد بن حممد بن عي�سى‬

‫(تنقيح املقال) للاممقاين وقد خصص الشفتي رسال ًة يف أحواله(((‪.‬‬

‫معنى النوادر‬
‫ما املقصود من (النوادر)؟‬
‫ِ‬
‫معان‪:‬‬ ‫قيل يف ذلك عد ُة‬

‫املعنى األول‪ :‬أهنا الروايات غري املشهورة‪.‬‬

‫املعنى الثاين‪ :‬أهنا تتضمن أحكام ًا خمالفة للقواعد وغري متداولة واستثنائية‪.‬‬

‫املعنى الثالث‪ :‬أهنا الروايات املتفرقة التي ال جيمعها موضوع واحد‪.‬‬

‫املعنى الرابع‪ :‬أهنا الروايات غري املبوبة‪.‬‬


‫ِ‬
‫مؤلفات‬ ‫قال املحقق الشيخ آغا بزرگ الطهراين‪ :‬النوادر عنوان عام لنو ٍع من‬
‫غري املشهورة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫األحاديث ُ‬ ‫األصحاب يف القرون األربعة األوىل للهجرة‪ ،‬كان يجُ َم ُع فيها‬
‫أو التي تشتمل عىل أحكا ٍم غري متداولة أو استثنائية ومستدركة لغريها‪ ...‬وللمعنى‬
‫االصطالحي املقصود لدى علامء القرن اخلامس (كاملفيد والنجايش والطويس) و َمن‬
‫ِ‬
‫كغموض معنى كلمتي (األصل) و(النسخة)‪ .‬لقد‬ ‫غموض‬
‫ٌ‬ ‫قب َلهم من كلمة (النوادر)‬
‫الطويس كلم َة (األصل) أكثر من النجايش‪ ،‬فكثري مما أسامه الطويس (أصالً)‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫استعمل‬
‫عكس ذلك‪ ،‬كام يف (أصل أيوب بن احلر) حيث‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫وقليل ما يتفق‬ ‫سامه النجايش (كتاب ًا)‪،‬‬
‫ال والطويس سامه كتاب ًا‪ .‬ولعله من غلط النساخ أيض ًا‪ .‬هذا واألمر يف‬
‫سامه النجايش أص ً‬

‫((( الذريعة‪.٣٢٢/٢٤ :‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪218‬‬

‫كلمة (النوادر) عىل عكس ذلك‪ ،‬فكثري مما سامه النجايش (النوادر) سامه الطويس كتاب ًا‪،‬‬
‫غري ُه كام يف (نوادر احلسن بن أيوب)‪ ،‬فالذي اتفق الطويس والنجايش‬ ‫ٌ‬
‫وقليل ما يتفق ُ‬
‫عىل تسميته (النوادر) قليل‪ ،‬وأقل من ذلك ما اتفقا عىل تسميته (أصالً)(((‪.‬‬

‫الروايات املتفرق ُة التي ال جيمعها‬


‫ُ‬ ‫وقال بعض املعارصين يف معنى النوادر‪ :‬هي‬
‫الغالب فيها عد ُم شهرتهِ ا وهي‬ ‫ٍ‬
‫مبوبة‪ ،‬كام أن‬ ‫غري‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الغالب ُ‬ ‫موضوع واحد‪ ،‬وهي يف‬
‫ٌ‬
‫ختتلف قل ًة وكثرةً‪ .‬ثم استشهد بقول النجايش يف ترمجة أمحد بن حممد بن عيسى‪ :‬له‬
‫ُ‬
‫كتاب النوادر غري مبوب وقد بوبه داوود بن كورة(((‪.‬‬

‫الطرق �إىل نوادر �أحمد بن حممد بن عي�سى‬


‫قال النجايش عند ذكر كتب أمحد بن حممد بن عيسى‪ :‬كتاب التوحيد‪ ،‬كتاب فضل‬
‫النبي‪ ،‬كتاب املتعة‪ ،‬كتاب النوادر‪ ،‬وكان غري مبوب‪ ،‬فبوبه داوود بن كورة‪...‬‬
‫أخربنا بكتبه الشيخ أبو عبد اهلل احلسني بن عبيد اهلل وأبو عبد اهلل بن شاذان قاال‪ :‬حدثنا‬
‫أمحد بن حممد بن حييى قال‪ :‬حدثنا سعد بن عبد اهلل عنه هبا‪ ،‬وقال يل أبو العباس أمحد بن‬
‫عيل بن نوح‪ :‬أخربنا هبا أبو احلسن بن داوود عن حممد بن يعقوب عن عيل بن إبراهيم‬
‫وحممد بن حييى وعيل بن موسى بن جعفر وداوود بن كورة وأمحد بن إدريس عن أمحد‬
‫بن حممد بن عيسى بكتبه(((‪.‬‬

‫((( الذريعة‪.٣١٦ -٣١٥/٢٤ :‬‬


‫((( أصول علم الرجال‪.٤٦٩/١ :‬‬
‫((( رجال النجايش‪.٨٣ -٨٢ :‬‬
‫‪219‬‬ ‫نوادر �أحمد بن حممد بن عي�سى‬

‫وقال الشيخ يف الفهرست‪ :‬وصنف كتب ًا‪ ،‬منها‪ :‬كتاب التوحيد‪ ،‬كتاب فضل‬
‫النبي‪ ،‬كتاب املتعة‪ ،‬كتاب النوادر ‪-‬وكان غري مبوب‪ ،‬فبوبه داوود بن كورة‪ -‬كتاب‬
‫الناسخ واملنسوخ‪ .‬أخربنا بجميع كتبه ورواياته عدة من أصحابنا‪ ،‬منهم احلسني بن‬
‫عبيد اهلل وابن أيب جيد‪ ،‬عن أمحد بن حممد بن حييى العطار‪ ،‬عن أبيه وسعد بن عبد اهلل‪،‬‬
‫عنه‪ .‬وأخربنا عدة من أصحابنا‪ ،‬عن أمحد بن حممد بن احلسن بن الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫حممد بن احلسن الصفار وسعد مجيع ًا‪ ،‬عن أمحد بن حممد بن عيسى‪ .‬وروى ابن الوليد‬
‫املبوبة‪ ،‬عن حممد بن حييى واحلسن بن حممد بن إسامعيل‪ ،‬عن أمحد بن حممد(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬الطريق األول معترب لوثاقة مجيع الرجال حتى أمحد بن حممد بن حييى عىل‬
‫املختار كام سيأيت‪ .‬والطريق الثاين أيض ًا معترب عندنا لوثاقة أمحد بن حممد بن احلسن بن‬
‫الوليد ألنه من مشايخ اإلجازة‪ ،‬خالف ًا للسيد اخلوئي‪ ‬حيث ال يراه ثق ًة‪ .‬وكذلك‬
‫الطريق إىل النسخة املبوبة فهو معترب‪ ،‬وال يرض عد ُم ثبوت وثاقة احلسن بن حممد بن‬
‫إسامعيل ألن حممد بن حييى أيض ًا يروي النسخة عن أمحد بن حممد‪.‬‬
‫ِ‬
‫نوادر ابن عيسى‪ ،‬قائالً‪ :‬وما ذكرته‬ ‫ِ‬
‫مشيخة التهذيب طريقني إىل‬ ‫ُ‬
‫الشيخ يف‬ ‫وقد ذكر‬
‫عن أمحد بن حممد بن عيسى الذي أخذته من نوادره‪ :‬فقد أخربين به الشيخ أبو عبد اهلل‬
‫(أي املفيد) واحلسني بن عبيد اهلل (أي الغضائري) وأمحد بن عبدون كلهم عن احلسن‬
‫بن محزة العلوي وحممد بن احلسني البزوفري عن أمحد بن إدريس عن أمحد بن حممد بن‬
‫عيسى‪ .‬وأخربين به أيض ًا احلسني بن عبيد اهلل وأبو احلسني بن أيب جيد مجيع ًا عن أمحد بن‬
‫حممد بن حييى عن أبيه حممد بن حييى العطار عن أمحد بن حممد بن عيسى‪.‬‬

‫((( فهرست الشيخ ‪.٦٩‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪220‬‬

‫أقول‪ :‬الطريق األول معترب لوثاقة كل من املفيد والغضائري بال إشكال‪ ،‬وال‬
‫إشكال يف وثاقة أمحد بن عبدون ‪-‬وهو أمحد بن عبد الواحد ويعرف بابن احلارش‪ -‬ألنه‬
‫ٍ‬
‫واحد منهم‪.‬‬ ‫من مشايخ النجايش وقد ترىض عليه الشيخ الطويس(((‪ ،‬بل تكفي وثاق ُة‬
‫ِ‬
‫ثبوت وثاقة حممد‬ ‫وكذلك ال إشكال يف وثاقة احلسن بن محزة العلوي‪ ،‬وال هيمنا عد ُم‬
‫بن احلسني البزوفري ألنه تكفي وثاقة العلوي‪ ،‬وأمحد بن إدريس ثقة‪ ،‬فثبت املطلوب‪.‬‬

‫وأما الطريق الثاين فهو أيض ًا معترب؛ لوثاقة احلسني بن عبيد اهلل الغضائري‪ ،‬وابن‬
‫أيب جيد وإن مل يوثق رصحي ًا إال أنه من مشايخ النجايش فهو ثقة‪ ،‬وحممد بن حييى العطار‬
‫ال شك يف وثاقته‪ .‬ولكن الكالم يف أمحد بن حممد بن حييى العطار‪ ،‬فهو عند السيد‬
‫غري موثق‪ ،‬ولكن املختار عندنا أنه يمكن االعتامد عليه؛ ألنه من مشايخ‬
‫اخلوئي‪ُ ‬‬
‫اإلجازة وهو ممن ترىض عليه الصدوق‪.‬‬

‫واحلاصل‪ :‬أنه ال مانع من االعتامد عىل ما روي عن نوادر أمحد بن حممد بن عيسى‬
‫يف الفقيه وفيِ التهذيبني‪ .‬وال مانع من االعتامد عىل ما رواه الكليني أيض ًا عن النوادر إن‬
‫صح سنده إليه‪.‬‬
‫ّ‬

‫داوود بن كورة‬
‫يظهر من كتب الرجال أن كتاب النوادر مل يكن مبوب ًا‪ ،‬وإنام ّبوبه داوود بن كورة‪.‬‬
‫قال النجايش‪ :‬داوود بن كورة أبو سليامن القمي‪ ،‬وهو الذي بوب كتاب النوادر ألمحد‬

‫((( معجم رجال احلديث‪.١٥٣/٢ :‬‬


‫‪221‬‬ ‫نوادر �أحمد بن حممد بن عي�سى‬

‫بن حممد بن عيسى وكتاب املشيخة للحسن بن حمبوب الرساد عىل معاين الفقه(((‪ .‬وقال‬
‫الشيخ يف الفهرست‪ :‬داوود بن كورة القمي‪ :‬بوب كتاب النوادر ألمحد بن حممد بن‬
‫عيسى‪ ،‬وله كتاب الرمحة مثل كتاب سعد بن عبد اهلل(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬ال يوجد توثيق رصيح لداوود بن كورة‪ ،‬وكونه من مشايخ الكليني ال داللة‬
‫فيه عىل وثاقته‪.‬‬

‫وقد يقال‪ :‬إن عد َم توثيقه ال يرض باألخذ بكتاب النوادر إذا ثبت أن الشيخ‬
‫والصدوق والكليني قد اعتمدوا عىل النسخة املبوبة‪ .‬أو يقال‪ :‬إن عدم ثبوت وثاقته ال‬
‫مبو ٌب للكتاب وليس راوي ًا له‪.‬‬
‫يرض؛ إذ هو ِّ‬

‫هذا‪ ،‬وقد ذكر الشيخ بأنه يروي النسخة املبوبة عن حممد بن احلسن بن الوليد‪،‬‬
‫عن حممد بن حييى واحلسن بن حممد بن إسامعيل‪ ،‬عن أمحد بن حممد‪ ،‬وهذا الطريق تام‪.‬‬

‫ن�سبة الكتاب �إىل �أحمد بن حممد بن عي�سى‬


‫حمقق كتاب النوادر جمموع ًة من األقوال يف حتقيق حال نسبة الكتاب‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ذكر ُ‬

‫‪ -١‬إن كتاب النوادر للحسني بن سعيد األهوازي‪.‬‬

‫‪ -٢‬إنه جزء من كتاب الزهد‪ ،‬وإنه بخط أمحد بن حممد بن عيسى‪.‬‬

‫‪ -٣‬إن راويه أمحد بن حممد بن عيسى‪.‬‬

‫((( معجم رجال احلديث‪.١٣٢/٨ :‬‬


‫((( املصدر السابق‪.‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪222‬‬

‫‪ -٤‬إنه منتخب من كتب احلسني بن سعيد‪.‬‬

‫‪ -٥‬إنه من الفقه املنسوب لإلمام الرضا‪.(((‬‬

‫ثم أخذ حمقق الكتاب باإلشكال عىل بعض هذه االحتامالت واختار االحتامل‬
‫الرابع‪ ،‬قائالً‪:‬‬

‫‪ -١‬إنه قد ذكر ُّ‬


‫كل َمن ترجم حياة احلسني بن سعيد‪ ،‬جمموع ًة كبرية من كتبه‪ ،‬ومل‬
‫أي منهم أن له كتاب ًا باسم (النوادر)‪.‬‬
‫يذكر ٌّ‬

‫والنسخ اخلطية معروف ٌة‪ ،‬ومل يعهد فيها نسخ ٌة بخط‬


‫َ‬ ‫مطبوع‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الزهد‬ ‫كتاب‬ ‫‪ -٢‬إن‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫رواية يف الزهد تتحد مع ُأخرى يف (النوادر)‪ .‬هذا مضاف ًا إىل‬ ‫أمحد‪ ،‬كام أنه ال توجد أي‬
‫كتاب فقهي‪.‬‬ ‫أن كتاب (الزهد) كتاب ٍ‬
‫والنوادر ‪-‬كام ترى‪ٌ -‬‬
‫َ‬ ‫زهد‪،‬‬ ‫ُ‬

‫‪ -٣‬لو كان الكتاب للحسني‪ ،‬وأمحد راويه‪ ،‬لذكر اسم األول يف بداية الكتاب‪ ،‬أو‬
‫ِ‬
‫بداية ِّ‬
‫كل باب‪ ،‬وباقي أسانيد الروايات تبدأ بـ(عنه) كام هو املتعارف عليه‪.‬‬

‫‪ُّ -٤‬‬
‫كل القرائن تدل عىل أنه ليس من الفقه املنسوب لإلمام الرضا‪.‬‬

‫وأي مانع من أن يكون منتخب ًا من كتب احلسني بن سعيد‪ ،‬التي بلغت ثالثون‬
‫‪ُّ -٥‬‬
‫ِ‬
‫كتاب ًا ويروي فيها (‪ )٥٠ ٢٦‬حديث ًا عن أهل البيت‪ ،‬وقد نُق َل ُ‬
‫أكثرها يف الكتب‬
‫األربعة‪ :‬الكايف‪ ،‬والتهذيب‪ ،‬واالستبصار‪ ،‬و َمن ال حيضرَ ُ ُه الفقيه(((‪.‬‬

‫((( النوادر (املقدمة)‪.٩ :‬‬


‫((( النوادر (املقدمة)‪.١٠ -٩ :‬‬
‫‪223‬‬ ‫نوادر �أحمد بن حممد بن عي�سى‬

‫ر�أي املريزا النائيني‬


‫وهناك َمن يرى بأن النوادر هو عني كتاب الفقه الرضوي‪ .‬تبنى هذا الرأي املريزا‬
‫النائيني‪ ‬يف رسالة (الصالة يف املشكوك)‪ ،‬قائالً‪( :‬الذي أظنه قوي ًا أن أمحد بن حممد‬
‫بن عيسى هو مؤلف هذا الكتاب الرشيف املوسوم بالفقه الرضوي‪ ،‬ويشتمل عىل ما‬
‫يف نوادره‪ .‬وال خيفى أن مجلة ما يتضمنه هذا الكتاب بني طوائف ثالث‪ .‬األوىل‪ :‬ما‬
‫يظهر من سياقه أن من نطق به يرى نفسه أنه اإلمام‪ ‬واب ُن األئمة‪ ،‬واملظنون قوي ًا‬
‫املؤلف املذكور‪ .‬الثانية‪ :‬روايات عن آبائه الطاهرين‪‬‬
‫ُ‬ ‫أنه من إمالء الرضا‪ ‬وكتبه‬
‫طي هذا الكتاب‬
‫مجعها ‪-‬أي أمحد بن حممد بن عيسى‪ -‬عن الرواة عنهم وأدرجها يف ّ‬
‫ويف نوادره‪ .‬الثالثة‪ :‬ما اشتبه حاله‪ ،‬ويظن أن مجل ًة منه من اجتهادات املؤلف يف اجلمع‬
‫املؤ َّل ِ‬
‫ف اجلليل‬ ‫بني ما تعارضت ظواهرها ونحو ذلك‪ .‬وال يبعد أن يكون اشتامل هذا َ‬
‫أوجب عد َم اشتهار الكتاب بني‬ ‫ِ‬
‫الطائفة األخرية وعد ُم مت ّي ِزها عن األوىل هو الذي‬ ‫عىل‬
‫َ‬
‫األصحاب)(((‪.‬‬

‫ر�أي العالمة املجل�سي وبع�ض املعا�صرين‬


‫كتاب النوادر هو كتاب الزهد املنسوب إىل احلسني بن سعيد‪ ،‬وقد‬
‫َ‬ ‫وقد يقال بأن‬
‫مال إىل ذلك أو تردد فيه العالمة املجليس يف البحار‪ ،‬قائالً‪ :‬وأصل من أصول عمدة‬
‫املحدثني الشيخ الثقة احلسني بن سعيد األهوازي‪ .‬وكتاب الزهد‪ ،‬وكتاب املؤمن له‬
‫ِ‬
‫بعض مواض ِع الكتاب األول أنه كتاب النوادر ألمحد بن حممد بن‬ ‫أيض ًا‪ ،‬ويظهر من‬

‫((( رسالة الصالة يف املشكوك‪ ١٠٨ -١٠٥ :‬للمريزا النائيني ط مؤسسة آل البيت‪ ‬إلحياء الرتاث‪.‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪224‬‬

‫عيسى القمي‪ ،‬وعىل التقديرين يف غاية االعتبار(((‪.‬‬

‫وقال‪ :‬وجاللة احلسني بن سعيد وأمحد بن حممد بن عيسى تُغني عن التعرض حلال‬
‫تأليفهام‪ ،‬وانتساب كتاب الزهد إىل احلسني معلوم‪ .‬وأما األصل اآلخر فكان يف أوله‬
‫هكذا‪ :‬أمحد بن حممد بن عيسى‪ ،‬عن احلسني بن سعيد‪ .‬ثم يبتدئ يف سائر األبواب‬
‫بمشائخ احلسني‪ ،‬وهذا مما يورث الظ َّن بكونه منه‪ .‬وحيتمل كونه من أمحد لبعض القرائن‬
‫كام أرشنا إليه‪ ،‬ولالبتداء به يف أول الكتاب(((‪.‬‬

‫إال أن احلر العاميل ر ّد عىل املجليس يف نسخة خطية للنوادر فيها خط احلر العاميل‪:‬‬
‫يروي املصنف عن احلسني بن سعيد‪ ،‬وعن مشاخيه أيض ًا‪ ،‬فإهنام رشيكان يف املشايخ‪.‬‬
‫ويروي أيض ًا عن أبيه كثري ًا‪ .‬وهو ينايف ظ َّن َمن ظن أنه من كتب احلسني بن سعيد‪ ،‬إذ‬
‫ليس له فيه رواي ٌة أصالً‪ .‬واعلم أين قد وجدت هلذا الكتاب نسختني صحيحتني عليهام‬
‫أكثرها منقول ًة‬
‫آثار الصحة واالعتامد‪ ،‬ثم إين تتبعت ما فيه من األحاديث‪ ،‬فوجدت َ‬ ‫ُ‬
‫يف الكتب األربعة وأمثالهِ ا من الكتب املشهورة املتواترة‪ ،‬والباقي قد روي يف الكتب‬
‫َ‬
‫أحاديث كثري ًة نقلها‬ ‫رأيت‬
‫ُ‬ ‫املعتمدة ما يوافق مضمونَه‪ ،‬فال وجه للتوقف فيه‪ .‬وقد‬
‫ِ‬
‫نوادر‬ ‫وغريهم يف مصنفاهتم من‬ ‫الشيخ والشهيد وابن طاووس واحلمريي والطربيس‬
‫ُ‬
‫أمحد بن حممد بن عيسى‪ ،‬وتلك األحاديث موجود ٌة هنا‪ .‬وباجلملة القرائ ُن عىل اعتباره‬
‫ِ‬
‫الكتب األربعة ونحوها‪،‬‬ ‫َ‬
‫األحاديث املروية يف‬ ‫كثريةٌ‪ ،‬وليس فيه ما ينكر وال ما خيالف‬
‫واهلل أعلم‪ ،‬حرره حممد احلر‪ .‬وكتب بخطه الرشيف أيض ًا يف الصفحة األخرية‪ :‬هذا ما‬

‫((( بحار األنوار‪.١٦/١ :‬‬


‫((( بحار األنوار‪.٣٤ -٣٣/١ :‬‬
‫‪225‬‬ ‫نوادر �أحمد بن حممد بن عي�سى‬

‫وجدناه من كتاب نوارد أمحد بن عيسى‪ ‬يف نسخة معتربة جد ًا‪ ،‬نفع اهلل هبا‪ .‬قوبل‬
‫ٍ‬
‫مجاعة من الفضالء‪ ،‬حرره حممد احلر(((‪.‬‬ ‫ُ‬
‫خطوط‬ ‫بنسختني صحيحتني عليهام‬

‫والظاهر أن نسخ َة احلر العاميل موجود ٌة يف مكتبة السيد احلكيم‪ ‬يف النجف‬
‫األرشف وعليها تلك التعليقات بخطه‪.‬‬

‫وقد ُي َع ّز ُز رأي العالمة املجليس ‪-‬من كون الكتاب هو للحسني بن سعيد‪ -‬ما‬
‫ذهب إليه بعض املعارصين‪ ،‬حيث أيده بأمور(((‪:‬‬

‫‪ -1‬إن كثري ًا من روايات الكتاب قد رويت عن مشايخ احلسني بن سعيد‪ ،‬وهذا‬


‫يقوي احتامل أنه له‪.‬‬

‫‪ -2‬إن مشايخ أمحد بن حممد بن عيسى مل يردوا كثري ًا يف روايات النوادر‪.‬‬

‫‪ -3‬بعد االستقراء الناقص قد ثبت أن أربعني خرب ًا من كتاب النوادر تتطابق مع ما‬
‫روي عن كتاب احلسني بن سعيد يف الكتب األربعة‪.‬‬

‫ثم ذكر الفاضل املعارص بعض املبعدات هلذا االحتامل مع الرد عليها‪.‬‬

‫أما املبعدات فأمران‪ ،‬األول‪ :‬إن احلسني بن سعيد قد ورد ذكره يف الكتاب كأحد‬
‫الرواة‪ ،‬فكيف يكون الكتاب له؟ والثاين‪ :‬توجد روايات يف النوادر عن عيل بن مهزيار‬
‫وهي تتطابق مع ما ورد عن كتاب عيل بن مهزيار يف الكتب األربعة‪ ،‬ومعه فهل ال بد‬
‫من نسبة الكتاب إىل عيل بن مهزيار؟‬

‫((( النوادر (املقدمة)‪.١٢ -١١ :‬‬


‫((( جملة االجتهاد والتجديد‪ :‬ع ‪.٣٥٠ -٣٤١/٤٤‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪226‬‬

‫ويرد األول‪ :‬أن الكتاب هو للحسني بن سعيد‪ ،‬وإنام الراوي للكتاب فهو أمحد بن‬
‫حممد بن عيسى فنُسب الكتاب إليه‪ .‬والظاهر أن السيد الشبريي الزنجاين‪ ‬قد تبنى‬
‫هذا القول‪ .‬والذي يؤيده‪ :‬أن اسم أمحد بن حممد بن عيسى قد ورد يف أول الكتاب فقط‪.‬‬

‫ويرد الثاين‪ :‬أن عيل بن مهزيار يروي كثري ًا عن احلسني بن سعيد‪ .‬فقد ذكر الشيخ يف‬
‫عيل بن مهزيار أخذ مصنَّفات‬
‫إن ّ‬‫ترمجة عيل بن مهزيار‪ :‬قال أمحد بن أيب عبد اهلل الربقي‪ّ :‬‬
‫احلسني بن سعيد‪ ،‬وزاد عليها يف ثالثة كتب منها زيادة كثرية أضعاف ما للحسني بن‬
‫سعيد(((‪.‬‬

‫فتحصل من مجيع ذلك ّ‬


‫أن هذا الكتاب للحسني بن سعيد‪ .‬والظاهر‬ ‫َّ‬ ‫وقال أخري ًا‪:‬‬
‫أنّه جز ٌء من كتبه املشتهرة بـ(الثالثني)‪ .‬فتحقيق هذا الكتاب طبق ًا عىل ما يقتضيه‬
‫التحقيق العرصي‪ ،‬من مقارنة رواي��ات هذا الكتاب مع سائر رواي��ات احلسني بن‬

‫رضوري جدّ ًا‪ ،‬ويرتتب عليه فوائد ّ‬


‫مهمة‪ ،‬منها‪ :‬معرفة‬ ‫ّ‬ ‫أمر‬
‫سعيد يف املجاميع الروائية ٌ‬
‫التصحيفات يف األسانيد واملتون‪ ،‬وال خيفى ما هلذا األمر من القيمة العلمية‪ .‬ومنها‪:‬‬
‫معرفة التقطيعات املخ ّلة يف فهم الروايات‪ ،‬وكيفية نشوء هذه التقطيعات‪.‬‬

‫اعتبار الن�سخة املتداولة اليوم‬


‫يظهر من السيد اخلوئي‪ ‬اعتامد ُه عىل ما نقله احلر العاميل يف الوسائل عن النوادر‪.‬‬
‫قال يف املستند كتاب اإلجارة‪ :‬ووجه االعتبار أن كتاب نوادر أمحد بن حممد بن عيسى‬
‫صاحب‬
‫ُ‬ ‫مصدر هذه األحاديث‪ -‬من الكتب املعتمدة‪ ،‬كام نص عليه‬
‫ُ‬ ‫‪-‬ال��ذي هو‬

‫((( معجم رجال احلديث‪.٢٠٧/١٣ :‬‬


‫‪227‬‬ ‫نوادر �أحمد بن حممد بن عي�سى‬

‫الوسائل(((‪.‬‬
‫ِ‬
‫البحار‬ ‫هذا‪ ،‬ولكن رفض مجل ٌة من أساطني علم الرجال املعارصين ما ن ُِق َل يف‬
‫ِ‬
‫والوسائل عن النوادر‪ ،‬حمتجني بأن النسخ َة الواصل َة إليهم من النوادر كانت عن طريق‬
‫الوجادة‪.‬‬
‫ِ‬
‫وصول النوادر إىل املجليس بسند معترب‪،‬‬ ‫قال الشيخ املحسني‪ :‬قد عرفت عد َم‬
‫وقد ذكرنا سابق ًا يف مقدمة معجم األحاديث املعتربة صح َة االعتامد عىل أحاديثها بنقل‬
‫املجليس واحلر العاميل دون نقل املحدث النوري‪ ،‬اغرتار ًا بصحة سندمها إىل الشيخ‪،‬‬
‫ِ‬
‫الطريق ال تالزم صحة‬ ‫ِ‬
‫وصحة طريق الشيخ إىل مؤلفها أمحد‪ ،‬غفل ًة عن أن صح َة‬
‫وصول نسخة الكتاب بوجه معترب‪ .‬واحلق عدم اعتبار أحاديثها املنقولة يف البحار‬
‫والوسائل واملستدرك‪ ،‬وما يوجد يف النسخة املطبوعة منه(((‪.‬‬

‫وقال‪ :‬عد ُم وصول كتاب النوادر خارج ًا إىل احلر العاميل بالسلسلة املعنعنة فال‬
‫تكون أحادي ُثه معترب ًة عند من ال يثق بالقرائن املذكورة يف كالمه‪ .‬إىل أن قال‪ :‬وأما ما‬
‫ينقله أرباب الكتب األربعة منه فهو مقبول إن صح السند(((‪.‬‬

‫وقال سيدنا األُستاذ‪ :‬ولكن الصحيح أن ما سامه صاحب الوسائل بكتاب‬


‫النوادر إنام هو جمموعة مشتملة عىل ٍ‬
‫مجلة من األخبار وصلت إليه بطريق الوجادة‪،‬‬
‫وقد اقتنع‪ ‬استناد ًا إىل بعض القرائن واملناسبات بأنه جزء من نوادر أمحد بن حممد‬

‫((( املستند‪ ،‬كتاب اإلجارة‪.٥١ :‬‬


‫((( بحوث يف علم الرجال‪.٤٢٢ :‬‬
‫((( املصدر‪.٤٢٣ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪228‬‬

‫نفسها ‪-‬التي هي أساس ًا منتزع ٌة من بعض‬


‫بن عيسى‪ ،‬يف حني وصلت هذه املجموعة ُ‬
‫النسخ الواصلة إىل املتأخرين من ما يعرف بفقه الرضا‪ -‬إىل العالمة املجليس فنقل‬
‫عنها يف البحار برمز (ين) إشارة إىل أنه من كتب احلسني بن سعيد(((‪.‬‬

‫وأم��ا شيخنا األُستاذ اإليرواين‪ ‬فقد ذكر يف جملس بحثه الفقهي بتاريخ‬
‫(‪١٤٣٧/٦/١٨‬هـ) ما حاصله‪:‬‬

‫إن احلر العاميل ينقل عن النوادر وجاد ًة وليس مناول ًة‪ ،‬وهذا إشكال ٌ‬
‫سيال عىل‬
‫كتاب الوسائل‪ ،‬وأما طري ُق ُه إىل الشيخ بواسطة الشهيد الثاين وابن إدريس فهو طريق‬
‫تربكي ال حقيقي‪ .‬وعليه‪ ،‬فال يمكن االعتامد عىل ما ينقله احلر العاميل عن األُصول‬
‫واملصنفات القديمة‪ .‬هذا‪ ،‬ولكن قد حيصل الوثوق بوجود الرواية حق ًا يف النوادر‪،‬‬
‫وذلك من خالل وجدان الرواية يف النسخة املطبوعة من النوادر‪ ،‬وعليه فوجود الرواية‬
‫يف نسختني من النوادر يفيد الوثوق بوجود الرواية يف األصل‪.‬‬

‫***‬

‫((( قبسات من علم الرجال‪.٢٠٤ -٢٠٣/٢ :‬‬


‫‪229‬‬ ‫االحتجاج على �أهل اللجاج‬

‫االحتجاج على �أهل اللجاج‬


‫إنه بقلم أيب منصور أمحد بن عيل بن أيب طالب الطربيس‪.‬‬

‫قال الشيخ آغا بزرگ الطهراين‪ :‬االحتجاج عىل أهل اللجاج للشيخ اجلليل أيب‬
‫ِ‬
‫رشيد الدين حممد بن عيل بن‬ ‫منصور أمحد بن عيل بن أيب طالب الطربيس‪ ،‬أستا ُذ‬
‫شهرآشوب الرسوي الذي تويف سنة (‪٥٨٨‬ه��ـ) عن ِم ْائة سنة إال عرشة أشهر‪ ،‬فهو‬
‫احتجاجات النبي‪‬‬
‫ُ‬ ‫من أهل املائة اخلامسة الذين أدركوا أوائل السادسة أيض ًا‪ .‬فيه‬
‫وأكثر أحاديثِ ِه‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وبعض الذرية الطاهرة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وبعض العلامء‬ ‫ِ‬
‫وبعض الصحابة‬ ‫واألئمة‪‬‬
‫رص َح به يف أولِه‪ ...‬إىل أن قال‪ :‬إىل آخر‬
‫مرسل إال ما رواه عن تفسري العسكري‪ ‬كام ّ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫املشهور املجمع عليه بني‬ ‫ِ‬
‫املستفيض‬ ‫كل ما أوصله فيه هو من‬‫كالمه الرصيح يف أن َّ‬
‫ِ‬
‫كالعالمة‬ ‫ِ‬
‫املعتربة التي اعتمد عليها العلام ُء األعالم‬ ‫ِ‬
‫الكتب‬ ‫املخالف واملؤالف‪ ،‬فهو من‬
‫ِ‬
‫واملحدث احلر‪ ‬وأرضابهِ ام(((‪.‬‬ ‫املجليس‪‬‬

‫وكتاب االحتجاج‪ ،‬وينسب‬


‫ُ‬ ‫ِ‬
‫مصادر بحاره‪ ،‬قائالً‪:‬‬ ‫وجعله العالمة املجليس‪ ‬من‬
‫هذا أيض ًا إىل أيب عيل وهو خطأ‪ ،‬بل هو تأليف أيب منصور أمحد بن عيل بن أيب طالب‬
‫الطربيس‪ ،‬كام رصح به السيد ابن طاووس يف كتاب كشف املحجة وابن شهرآشوب يف‬

‫((( الذريعة‪.٢٨٢ -٢٨١/١ :‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪230‬‬

‫معامل العلامء‪ ،‬وسيظهر لك مما سننقل من كتاب املناقب البن شهرآشوب أيض ًا(((‪.‬‬

‫معروف‬
‫ٌ‬ ‫رب‬
‫كتاب معت ٌ‬
‫وقال اخلوانساري يف روضات اجلنات‪ :‬إن كتاب االحتجاج ٌ‬
‫ِ‬
‫واألئمة‪ ،‬بل كثري من‬ ‫ِ‬
‫احتجاجات النبي‬ ‫ٌ‬
‫مشتمل عىل كل ما اطلع عليه من‬ ‫بني الطائفة‪،‬‬
‫أصحاهبم األجماد مع ٍ‬
‫مجلة من األشقياء واملخالفني(((‪.‬‬

‫ترجمة امل�صنف‬
‫هو أبو منصور أمحد بن عيل بن أيب طالب الطربيس املنتسب إىل مدينة طربستان أي‬
‫مازنداران‪ ،‬وقيل هي من أطراف أسرتآباد‪ ،‬وقيل هي من أطراف ُقم‪ ،‬وال يوجد إشكال‬
‫يف وثاقته وفضله‪.‬‬

‫قال ابن شهرآشوب يف املحكي عن معامل العلامء‪ :‬شيخي أمحد بن أيب طالب‬
‫الطربيس‪ ،‬له كتاب الكايف يف الفقه ‪-‬حسن‪ ،-‬االحتجاج‪ ،‬مفاخر الطالبية‪ ،‬تاريخ‬
‫األئمة‪ ،‬وفضائل الزهراء‪ ،‬كتاب الصالة(((‪.‬‬

‫وقال احلر العاميل يف املحكي عن تذكرة املتبحرين‪ :‬الشيخ أبو منصور أمحد بن‬
‫عيل بن أيب طالب الطربيس‪ :‬عامل‪ ،‬فاضل‪ ،‬فقيه‪ ،‬حمدث‪ ،‬ثقة‪ ،‬له كتاب االحتجاج عىل‬
‫أهل اللجاج‪ ،‬حس ٌن كثري الفوائد‪ .‬يروي عن السيد العامل العابد أيب جعفر مهدي بن‬
‫أيب حرب احلسيني املرعيش‪ ،‬عن الشيخ الصدوق أيب عبد اهلل جعفر بن حممد بن أمحد‬

‫((( بحار األنوار‪.٩/١ :‬‬


‫((( روضات اجلنات ‪.٦٥/١‬‬
‫((( معجم رجال احلديث‪.١٦٥/٢ :‬‬
‫‪231‬‬ ‫االحتجاج على �أهل اللجاج‬

‫الدوريستي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الشيخ أيب جعفر حممد بن عيل بن احلسني بن بابويه القمي‪،‬‬
‫وله طرق ُأخرى‪ ،‬ومؤلفات ُأ َخر تأيت(((‪.‬‬

‫اعتبار الكتاب‬
‫قال الطربيس‪ ‬يف مقدمة االحتجاج‪ :‬وال نأيت يف أكثر ما نورده من األخبار‬
‫بإسناده إما لوجود اإلمجاع عليه أو موافقته ملا دلت العقول إليه أو الشتهاره يف السري‬
‫والكتب بني املخالف واملؤالف‪ ،‬إال ما أوردته عن أيب حممد احلسن العسكري‪ ،‬فإنه‬
‫ليس يف االشتهار عىل حد ما سواه‪ ،‬وإن كان مشتم ً‬
‫ال عىل مثل الذي قدمناه‪ ،‬فألجل‬
‫ذكرت إسناده يف أول جزء من ذلك دون غريه‪ ،‬ألن مجيع ما رويت عنه‪ ‬إنام‬
‫ُ‬ ‫ذلك‬
‫رويته بإسناد واحد من مجلة األخبار التي ذكرها‪ ‬يف تفسريه(((‪.‬‬

‫يستفاد من هذا املقطع بأن املصنف قد قام بحذف األسانيد ألن روايات الكتاب‬
‫ك َّلها معتربةٌ‪ ،‬وذلك ملوافقتها‪:‬‬

‫‪ -١‬اإلمجاع‪ -٢ .‬والعقل‪ -٣ .‬وألهنا مشهورة يف السري والكتب‪.‬‬

‫أقول‪:‬‬

‫ُ‬
‫الوثوق بصدورها‪.‬‬ ‫َ‬
‫األصل يف املراسيل عد ُم االعتبار هبا ما مل حيصل‬ ‫أوالً‪ :‬إن‬

‫ثاني ًا‪ :‬سلمنا أن موافق َة اإلمجا ِع من أمارات صدق اخلرب إال أن ما يدعيه الطربيس‬

‫((( معجم رجال احلديث‪.١٦٥/٢ :‬‬


‫((( االحتجاج‪.٤ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪232‬‬

‫يف الواقع ال خيلو من كونه إمجاع ًا منقوالً وليس حمص ً‬


‫ال ألنا مل نتتبع األقوال‪ ،‬وجمر ُد‬
‫ِ‬
‫موافقة هذه األخبار لإلمجا ِع ال ينفع‪ .‬وبعبارة ُأخرى‪ :‬شهاد ُة الطربيس بموافقة‬ ‫دعوى‬
‫أخباره لإلمجاع شهاد ٌة حدسي ٌة ال حسية‪ ،‬فال يصح للفقيه أن يعتمد عليها ما مل حيصل‬
‫له االطمئنان‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬الكال ُم يف موافقة العقل هو الكالم يف موافقة اإلمجاع‪ ،‬فإن َ‬


‫تلك الدعوى‬
‫ِ‬
‫بعض أخبار الكتاب للعقل‪ .‬وعليه‪ ،‬فال بد من‬ ‫حدسي ٌة اجتهادي ٌة‪ ،‬ولربام ال نرى موافق َة‬
‫موافق للعقل أم ال؟‬
‫ٌ‬ ‫مراجعة كل خرب عىل نحو االستقالل لنرى هل فع ً‬
‫ال هو‬ ‫ِ‬

‫ِ‬
‫موافقة اإلمجاع والعقل‪ ،‬فال بد‬ ‫ِ‬
‫اجلواب عن‬ ‫عني‬
‫اجلواب عن الشهرة هو ُ‬ ‫رابع ًا‪:‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫التحقق من هذه الدعوى‪ ،‬وال يصح االعتامد عىل دعوى الطربيس ألهنا حدسي ٌة‪.‬‬ ‫من‬
‫هذا مضاف ًا إىل أن الشهر َة املقصود هبا يف املقام هي الشهر ُة الروائي ُة‪ ،‬واملعروف أهنا تنفع‬
‫للرتجيح عند تعارض اخلربين ال مطلق ًا ولو من دون تعارض‪.‬‬
‫ِ‬
‫الروائية من أمارات‬ ‫ِ‬
‫والشهرة‬ ‫ِ‬
‫والعقل‬ ‫خامس ًا‪ :‬حتى لو سلمنا أن موافق َة اإلمجا ِع‬
‫صدق اخلرب‪ ،‬نقول‪ :‬إن الطربيس‪ ‬رد ّد روايات كتابه بني األمور الثالثة ولمَ يقل بأن‬
‫موافق لإلمجاع‬
‫ٌ‬ ‫بعضها‬
‫فالظاهر من كالمه أن َ‬
‫ُ‬ ‫مجيع الروايات موافِ َق ٌة هلذه األمور الثالثة‪،‬‬
‫ُحرز ذلك البعض أو‬ ‫وبعضها موافق ٌة للجميع‪ ،‬فام مل ن ِ‬
‫َ‬ ‫وبعضها مشهور ٌة‬‫َ‬ ‫وبعضها للعقل‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بصحة اجلميع‪.‬‬ ‫نحرز أهنا مجيع ًا كذلك ال يمكن ُّ‬
‫البت‬

‫َ‬
‫أفضل من حال دعوى الصدوق يف ديباجة‬ ‫سادس ًا‪ :‬إن َ‬
‫حال دعوى الطربيس ليس‬
‫الفقيه والكليني يف مقدمة الكايف من دعوى صحة ما يف كتبهم من الروايات‪ ،‬مع أن‬
‫الكليني والصدوق ذكرا األسانيد والطربيس مل يذكرها‪ ،‬وأصحا ُبنا ال يقولون باعتبار‬
‫‪233‬‬ ‫االحتجاج على �أهل اللجاج‬

‫ُ‬
‫القول باعتبار مجيع ما يف االحتجاج؟‬ ‫مجيع ما يف الكايف والفقيه‪ ،‬فكيف يسعنا‬

‫واحلاصل‪ :‬إذا حصل الوثوق واالطمئنان بأخبار االحتجاج من خالل بعض‬


‫ال موافق ًة للكتاب ولإلمجاع املحصل‬
‫األمارات فبها‪ ،‬كام إذا بحثنا وحتققنا فوجدناها فع ً‬
‫ُ‬
‫التمسك هبا يف مقام االستنباط للحكم الرشعي‬ ‫وللعقل و‪ ...‬و‪ ،...‬وإال فال يصح‬
‫مستقالً‪ .‬نعم‪ ،‬ال بأس أن تكون شاهدة ومؤيدة‪ .‬وأما االنتفاع بروايات االحتجاج يف‬
‫املجال العقدي والتارخيي واألخالقي فال مانع منه أبد ًا‪.‬‬

‫وأما ما رواه الطربيس عن التفسري املنسوب إىل اإلمام احلسن العسكري‪ ‬فهو‬
‫ليس مرسالً‪ ،‬إال أنك عرفت حاله من خالل بحثنا عن التفسري املذكور‪.‬‬

‫***‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪234‬‬

‫حتف العقول عن �آل الر�سول‪‬‬


‫إن كتاب حتف العقول عن آل الرسول‪ ‬من الكتب الروائية املهمة‪ ،‬حيث إنه‬
‫من الكتب القديمة‪ ،‬فإن احلسن بن عيل بن شعبة احلراين (املتوىف سنة ‪٣٨١‬هـ) من‬
‫معارصي الشيخ الصدوق ومن مشايخ الشيخ املفيد‪ .‬أورد الفقهاء يف كتبهم أخبار ًا‬
‫منه‪ ،‬ولعل أشهر رواية يستفاد منها فيه هي رواية أنواع املكاسب التي أوردها الشيخ‬
‫األعظم‪ ‬يف بداية املكاسب املحرمة وتبعه يف ذلك اآلخرون‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد حذف املصنف أسانيد الروايات ألجل االختصار‪ ،‬كام فعل غريه‬
‫كالطربيس يف احتجاجه‪ .‬ولو كان هؤالء األجلة ملتفتني إىل إسقاط روايات كتبهم‬
‫عن احلجية بفعلهم هذا ملا فعلوا ذلك‪ .‬نعم‪ ،‬قال ابن شبعة ‪-‬كام سيأيت‪ -‬أنه قد حذف‬
‫األسانيد اختصار ًا مع أهنا كانت له سامع ًا‪ ،‬فهل يمكن االعتامد عىل روايات كتابه أم ال؟‬

‫ينبغي رسم أمور قبل اإلجابة عن هذا السؤال‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬التطرق بشكل خمترص إىل حال املصنف‬

‫‪ -2‬موقف األعالم من الكتاب‬

‫‪ -3‬ما يمكن أن يستدل به عىل اعتباره‬

‫‪ -4‬موقفنا منه‬
‫‪235‬‬ ‫حتف العقول عن �آل الر�سول‪‬‬

‫حال امل�صنف‬
‫قال احلر العاميل يف أمل اآلمل عن ابن شعبة مصنف كتاب حتف العقول‪ :‬الشيخ‬
‫أبو حممد احلسن بن عيل بن شعبة‪ ،‬فاضل حمدث جليل لكتاب حتف العقول عن آل‬
‫الرسول حسن كثري الفوائد مشهور‪ ،‬وكتاب التمحيص‪ ،‬ذكره صاحب كتاب جمالس‬
‫املؤمنني(((‪.‬‬

‫وقال الشيخ آغا بزرگ الطهراين‪ :‬حتف العقول فيام جاء من احلكم واملواعظ عن‬
‫آل الرسول‪ ‬للشيخ أيب حممد احلسن بن عيل بن احلسني بن شعبة احلراين احللبي‪،‬‬
‫املعارص للشيخ الصدوق الذي تويف سنة (‪٣٨١‬هـ)‪ ،‬ومن مشايخ الشيخ املفيد كام ذكره‬
‫الشيخ عيل بن احلسني بن صادق البحراين يف رسالته يف األخالق‪ .‬قال‪( :‬إنه من قدماء‬
‫أصحابنا‪ ،‬حتى إن شيخنا املفيد ينقل عنه‪ ،‬وكتابه مما مل يسمع الدهر بمثله)‪ .‬طبع حتف‬
‫العقول مع منتخب (كشف املحجة) وغريه يف إيران سنة (‪١٣٠٣‬هـ)(((‪.‬‬

‫وقال السيد حسن الصدر يف تأسيس الشيعة‪ :‬شيخنا األقدم وإمامنا األعظم‪،‬‬
‫له كتاب حتف العقول يف احلكم واملواعظ عن آل الرسول‪ ،‬كتاب جليل مل يصنف‬
‫مثله(((‪.‬‬

‫وورد يف رجال املامقاين‪ :‬احلسن بن عيل بن احلسني بن شعبة احلراين أو احللبي‪ ،‬قال‬
‫يف روضات اجلنات‪ :‬إنه فاضل فقيه ومتبحر نبيه ومرتفع وجيه‪ ،‬له كتاب حتف العقول‬

‫((( أمل اآلمل‪.٧٤/٢ :‬‬


‫((( الذريعة‪.٤٠٠/٣ :‬‬
‫((( تأسيس الشيعة ‪.٤١٣‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪236‬‬

‫عن آل الرسول‪ ،‬معتمد عليه عند األصحاب(((‪.‬‬

‫وقال األفندي صاحب رياض العلامء‪ :‬الفاضل العامل الفقيه املحدث املعروف‬
‫صاحب كتاب حتف العقول‪ ،‬وقد اعتمد عىل كتابه التمحيص األُستاذ ‪-‬أيده اهلل‪ -‬يف‬
‫البحار واملوىل الفاضل القاساين يف الوايف(((‪.‬‬

‫إن هذه الكلامت كلها تشري إىل علم املصنف وفضله ومكانته العالية‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬ولكن املالحظ أنه مل يتطرق إليه النجايش والشيخ يف كتابيهام ومل يذكره‬
‫الصدوق والشيخ يف فهرستيهام‪ ،‬بل ومل يذكره منتجب الدين يف فهرسته وال العالمة‬
‫وابن داوود يف رجاهلام‪ ،‬وهذا مما يثري االستغراب‪ ،‬إذ لو كان ابن شعبة من معارصي‬
‫الصدوق وهو مصنف كتاب حتف العقول‪ ،‬فلامذا مل يذكره علامء الرجال وأصحاب‬
‫الفهارس؟‬

‫من هنا أفاد السيد السيستاين‪ ‬بأنه مل يثبت بأن ابن شعبة احلراين من معارصي‬
‫ٍ‬
‫حجة(((‪ .‬وأفاد أيض ًا بأن‬ ‫غري‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصدوق‪ ،‬ومل تثبت نسب ُة‬
‫الكتاب ُ‬ ‫الكتاب إليه‪ ،‬فروايات‬
‫ُ‬
‫جمهول املؤلف(((‪.‬‬ ‫كتاب حتف العقول‬

‫((( رجال املامقاين‪.٢٩٣/١ :‬‬


‫((( مقدمة كتاب حتف العقول ‪.١٠‬‬
‫((( االجتهاد والتقليد للسيستاين ‪.١١١‬‬
‫((( املصدر‪.٣٣٩ :‬‬
‫‪237‬‬ ‫حتف العقول عن �آل الر�سول‪‬‬

‫موقف الأعالم من الكتاب‬


‫قال السيد حسن الصدر‪ ‬عنه‪ :‬كتاب جليل مل يصنف مثله(((‪.‬‬

‫وقد عرفت أن الشيخ عيل بن احلسني بن صادق البحراين قال عنه‪ :‬أن شيخنا املفيد‬
‫ينقل عنه وكتابه مما مل يسمح الدهر بمثله(((‪.‬‬

‫وجعله العالمة املجليس من مجلة مصادر البحار‪ ،‬قائالً‪ :‬وكتاب حتف العقول عثرنا‬
‫منه عىل كتاب عتيق‪ ،‬ونظمه يدل عىل رفعة شأن مؤلفه‪ ،‬وأكثره يف املواعظ واألُصول‬
‫املعلومة التي ال نحتاج فيها إىل سند(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬الظاهر من قوله (عثرنا) أنه مل يصله يد ًا بيد‪ ،‬وإنّام عثر عليه بالوجادة‪.‬‬

‫وقال اخلوانساري صاحب الروضات‪ :‬احلسن بن عيل بن احلسني بن شعبة احلراين‬


‫أو احللبي ‪-‬كام يف بعض النسخ‪ :-‬فاضل فقيه‪ ،‬ومتبحر نبيه‪ ،‬ومرتفع وجيه له كتاب‬
‫حتف العقول عن آل الرسول‪ ،‬مبسوط كثري الفوائد‪ ،‬معتمد عليه عند األصحاب‪ ،‬أورد‬
‫فيه مجلة وافية من النبويات وأخبار األئمة‪ ‬ومواعظهم الشافية عىل الرتتيب ويف آخره‬
‫القدسيان املعروفان املوحى هبام إىل موسى وعيسى بن مريم يف احلكم والنصائح البالغة‬
‫اإلهلية وباب يف مواعظ املسيح الواقعة يف اإلنجيل‪ ،‬ويف آخره وصية املفضل بن عمر‬
‫للشيعة(((‪.‬‬

‫((( تأسيس الشيعة ‪.٤١٣‬‬


‫((( الذريعة‪.٤٠٠/٣ :‬‬
‫((( بحار األنوار‪.٢٩/١ :‬‬
‫((( مقدمة كتاب حتف العقول ‪.١٠‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪238‬‬

‫القول بعدم اعتبار الكتاب‬


‫ِ‬
‫احلجية وعدم‬ ‫رصح مجل ٌة من األعالم بعدم اعتبار الكتاب من حيث‬
‫هذا‪ ،‬وقد ّ‬
‫إمكان االعتامد عليه بشكل مستقل يف مقام االستنباط وذلك ألجل اإلرسال يف رواياته‪،‬‬
‫َ‬
‫واملواعظ منه‪.‬‬ ‫املطالب األخالقية‬ ‫ِ‬
‫ناحية استفادة‬ ‫وإن كان َ‬
‫جليل القدر من‬
‫َ‬

‫قال السيد الطباطبائي اليزدي‪ ‬يف حاشية املكاسب حول رواية حتف العقول‬
‫التي أوردها الشيخ األعظم يف أول املكاسب‪ :‬ثم إن هذه الرواية الرشيفة وإن كانت‬

‫مرسل ًة وال َ‬
‫جابر هلا ألهنا وإن كانت مشهور ًة بني العلامء يف هذه األعصار املتأخرة‪ ،‬إال‬
‫ٍ‬
‫متحققة‪،‬‬ ‫غري‬
‫أن الشهر َة اجلابرة ‪-‬وهي ما كانت عند القدماء من األصحاب والعلامء‪ُ -‬‬
‫لكن مضامينها مطابقة للقواعد‪ ،‬ومع ذلك فيها أمارات الصدق‪ ،‬فال بأس بالعمل‬
‫هبا(((‪.‬‬

‫وقال السيد اخلوئي‪ ‬حول الرواية نفسها يف أول مباحث املكاسب املحرمة‪:‬‬
‫قصورها من ناحية السند وعدم استيفائها لرشوط حجية أخبار اآلحاد‪ ،‬فإن راوهيا أبو‬
‫ال وجيه ًا‬
‫حممد احلسن بن عيل بن احلسني بن شعبة احلراين أو احللبي‪ ،‬وإن كان رج ً‬
‫رفيع الشأن‪ ،‬وكان كتا ُب ُه مشتم ً‬
‫ال عىل الدرر اليواقيت من مواعظ‬ ‫َ‬
‫جليل القدر َ‬ ‫فاض ً‬
‫ال‬
‫أهل البيت‪ ،‬وقد اعتمد عليه مجل ٌة من األصحاب‪ ،‬إال أنه مل يذكرها مسند ًة بل أرسلها‬
‫عن الصادق‪ ،‬فال تكون مشمول ًة ألدلة حجية خرب الواحد‪ ،‬الختصاصها باخلرب‬
‫املوثوق بصدوره(((‪.‬‬

‫((( حاشية املكاسب ‪ ٢/١‬الطبعة القديمة‪.‬‬


‫((( مصباح الفقاهة‪.١٩ -١٨/١ :‬‬
‫‪239‬‬ ‫حتف العقول عن �آل الر�سول‪‬‬

‫وقال أيض ًا‪ :‬وقد ّ‬


‫حتصل من مطاوي بعض ما ذكرنا عد ُم جواز االستناد إىل يشء‬
‫من روايات حتف العقول يف يشء من األحكام الرشعية(((‪.‬‬

‫وقال السيد اخلميني‪ ‬يف أول املكاسب املحرمة‪ :‬إن ما دلت أو ُيتوهم داللتُها عىل‬
‫ونظر‪ ،‬ودعوى‬ ‫ٌ‬ ‫روايات ضعيف ُة األسناد‪ ،‬بل يف كون بعضها رواي ًة ٌ‬
‫تأمل‬ ‫ٌ‬ ‫عمو ِم املدعى‬
‫ٍ‬
‫وجيهة‪ ،‬لعدم إحراز استناد األصحاب إليها‪ .‬إال أن ُيدّ عى اجلز ُم عىل‬ ‫غري‬ ‫ِ‬
‫جرب إسنادها ُ‬
‫أن ال مستنَدَ هلم غريها‪ ،‬وهو ُّ‬
‫حمل كال ٍم‪ ...‬فمنها رواي ُة حتف العقول‪ ،‬وهي أخفى سند ًا‬
‫وأوضح دالل ًة من غريها(((‪.‬‬
‫ُ‬

‫ف الكتاب احلسن بن عيل بن احلسني بن شعبة‬ ‫وقال الشيخ املنتظري‪ :‬إن مؤ ّل َ‬


‫ِ‬
‫ووجهائهم وكان كتا ُب ُه معتمد ًا‬ ‫قدماء أصحابنا اإلمامية‬ ‫ِ‬ ‫احلراين أو احللبي وإن كان من‬
‫ٌ‬
‫مراسيل حمذوف ُة األسناد(((‪.‬‬ ‫عليه إمجاالً‪ ...‬لكن مع ذلك ك ّل ِه فروايا ُت ُه ك ُّلها‬
‫ِ‬
‫أسانيدها عنده فال يكفي‬ ‫املؤلف عىل روايات كتابِ ِه وقوة‬
‫ِ‬ ‫وقال‪ :‬ولو ُف ِر َض اعتامد‬
‫ِ‬
‫ورشائط الرواة‪ .‬ومن‬ ‫هذا يف اعتامدنا عليها‪ ،‬الختالف املباين يف باب حجية األخبار‬
‫الدهر بمثله(((‪.‬‬
‫ُ‬ ‫اإلغراق يف هذا املجال قو ُلـهم يف حق حتف العقول‪ :‬إنه مما مل يسمح‬

‫رب الضعيف ال‬ ‫وقال السيد صادق الروحاين‪ ‬حول الرواية املذكورة‪ :‬إن اخل َ‬
‫ِ‬
‫حجية هذا اخلرب‪،‬‬ ‫فتحصل‪ :‬إن األقوى عد ُم‬ ‫يصري حج ًة ومعترب ًا باملوافقة ملا هو احلجة‪.‬‬
‫ّ‬

‫((( مصباح الفقاهة‪.٢٥/١ :‬‬


‫((( املكاسب املحرمة‪.٦ -٥/١ :‬‬
‫((( دراسات يف املكاسب املحرمة‪.٨٩ -٨٨/١ :‬‬
‫((( دراسات يف املكاسب املحرمة‪.٨٩ -٨٨/١ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪240‬‬

‫وأخذ ُه مدرك ًا لألحكام اآلتية(((‪.‬‬


‫ُ‬ ‫يصح جعله يف صدر الكتاب‬
‫فال ُّ‬

‫يرتجم يف رجال النجايش وال يف فهرست الشيخ وال يف‬


‫وقد عرفت أن املصنف مل َ‬
‫رجايل العالمة وابن داوود‪ ،‬ومعه كيف نجزم بكونه معارص ًا للصدوق وأنه هو صاحب‬
‫الكتاب؟‬

‫الدليل على اعتبار الكتاب‬


‫ما يمكن أن يستدل به عىل اعتبار كتاب حتف العقول أمور‪:‬‬

‫األول‪ :‬ما قاله ابن شعبة يف املقدمة‪ :‬وأسقطت األسانيد ختفيف ًا وإجياز ًا‪ ،‬وإن كان‬
‫وحك ٌَم تشهد ألنفسها(((‪ ،‬بتقريب‪ :‬أن روايات حتف‬ ‫أكثره يل سامع ًا‪ ،‬وألن أكثره آداب ِ‬
‫ٌ‬
‫حذف األسانيدَ اختصار ًا‪ ،‬ولكن‬
‫َ‬ ‫العقول ليست مرسل ًة حقيق ًة؛ فإن ابن شعبة هو الذي‬
‫الروايات سامع ًا ومسندة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وص َلت ُه‬
‫قد َ‬

‫أقول‪ :‬هذا املقدار ال ينفع يف إعطاء احلجية لرواياته‪ ،‬ألن غاي َة ما يثب ُت ُه هذا الكال ُم‬
‫أن رواياتَه هلا أسانيدٌ ‪ ،‬ولكن من قال بأنه لو اطلعنا عىل تلك األسانيد لوجدنا رجالهَ ا‬
‫من الثقات عندنا؟‬

‫الثاين‪ :‬ما قاله أيض ًا يف املقدمة‪ :‬بل خذوا ما ورد إليكم ّ‬


‫عمن فرض اهللُ طاعتَه‬
‫الثقات عن السادات بالسمع والطاعة واالنتهاء إليه والعمل‬
‫ُ‬ ‫عليكم‪ ،‬وتل ّقوا ما نقله‬

‫((( منهاج الفقاهة‪.٨/١ :‬‬


‫((( حتف العقول‪.٣ :‬‬
‫‪241‬‬ ‫حتف العقول عن �آل الر�سول‪‬‬

‫مقرين(((‪ ،‬بتقريب‪ :‬أنه يشهد بوثاقة َمن روى‬


‫به‪ ،‬وكونوا من التقصري مشفقني وبالعجز ّ‬
‫عنهم يف كتابه حتف العقول‪ ،‬فحتى لو كانت رواياته مراسيل فإهنا مروية عن الثقات‪.‬‬

‫أقول‪:‬‬

‫املصنف هبذا الكالم روايات كتابه فقط أم كل ما ورد عن السادات؟‬


‫ُ‬ ‫أوالً‪ :‬هل قصد‬
‫من الواضح أنه لو قصد الثاين ال يساعدُ ُه الدليل‪ ،‬حيث نعرف أن مقدار ًا من روايات‬
‫الثقات‪.‬‬
‫ُ‬ ‫األئمة‪ ‬مل ِ‬
‫يروها‬

‫الطابع العام لرواة كتابه هو‬


‫َ‬ ‫وثاني ًا‪ :‬وإن قصد روايات كتابه فلعل املقصود منها أن‬
‫أهنم من الثقات‪ ،‬وهذا ال يكشف عن وثاقة ِ‬
‫مجيعهم‪.‬‬

‫روايات كتابِ ِه قد عمل هبا األصحاب القدماء فهي جمبور ٌة بعملهم‪.‬‬


‫َ‬ ‫الثالث‪ :‬أن‬
‫قال السيد اخلوئي‪ :‬وقد اعتمد عليه مجلة من األصحاب(((‪ .‬وورد يف رجال املامقاين عن‬
‫روضات اجلنات‪ :‬له كتاب حتف العقول عن آل الرسول معتمد عليه عند األصحاب(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬إن دعوى ِ‬


‫عمل األصحاب بالكتاب ال حيقق صغرى اجلابرية‪ ،‬وذلك‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬ألنه ال بد من التحقق من هذه الدعوى لنرى هل حق ًا استند القدماء إىل‬


‫روايات حتف العقول عند اإلفتاء يف األحكام الرشعية أم ال؟‬

‫وثاني ًا‪ :‬لعل األصحاب اعتمدوا عىل كتاب التحف يف أخذ املواعظ واملطالب‬

‫((( حتف العقول ‪.٤‬‬


‫((( مصباح الفقاهة‪.١٩ -١٨/١ :‬‬
‫((( رجال املامقاين‪.٢٩٣/١ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪242‬‬

‫األخالقية منه‪ ،‬وهذا ال مانع منه أساس ًا‪ ،‬وال حيتاج إىل سند معترب‪ ،‬وليس من باب أخذ‬
‫احلكم الرشعي ليتوقف عىل وجود سند معترب‪.‬‬

‫موقفنا من الكتاب‬
‫قد تبني أنه ال يمكن االعتامد عىل روايات حتف العقول بشكل مستقل يف استفادة‬
‫األحكام الرشعية؛ وذلك لألسباب التالية‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬إنه ال يوجد اطمئنان بأن ابن شعبة احلراين هو املصنف للكتاب‪ ،‬حيث‬
‫عرفت أن علامء الرجال أمهلوا ذكره وذكر كتابه حتى زمان احلر العاميل يف آمل اآلمل‪،‬‬
‫وهذا يعني أن مصنف الكتاب جمهول كام أفاد السيد السيستاين‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬إنه ال يوجد اطمئنان بأن ابن شعبة احلراين هو من قدماء األصحاب وليس‬
‫من املتأخرين‪َ ،‬ف َلو كان من املتأخرين يصعب االعتامد عىل مروياته بشكل مستقل؛‬
‫وذلك ألنه نسأل‪ :‬كيف وصلت هذه املرويات إليه ولمَ تصل إىل القدماء كالكليني‬
‫والصدوق والشيخ‪ ،‬واحلال أهنم بذلوا قصارى جهدهم يف احلصول عىل روايات أهل‬
‫البيت‪ ‬املعتربة؟‬

‫وثالث ًا‪ :‬ولو أغمضنا النظر عن اإلشكالني السابقني يبقى إشكال اإلرسال من دون‬
‫حل‪ ،‬فإن روايته خالية من اإلسناد‪.‬‬

‫نعم‪ ،‬رواياته تصلح للتأييد‪ ،‬وال مانع من أخذ املواعظ واإلرشادات األخالقية منه‪.‬‬

‫***‬
‫‪243‬‬ ‫عوايل اللآيل العزيزية يف الأحاديث الدينية‬

‫عوايل اللآيل العزيزية يف الأحاديث الدينية‬


‫إن كتاب عوايل الآليل العزيزية يف األحاديث الدينية هو ملصنفه حممد بن عيل بن‬
‫إبراهيم املعروف بـ(ابن أيب مجهور األحسائي)‪ ،‬ويسمى أيض ًا بـ(غوايل الآليل)‪ ،‬لكن‬
‫الصحيح هو ما أثبتناه كام سيأيت‪ ،‬والظاهر أن االلتباس حصل بسبب الرشح الذي كتبه‬
‫السيد نعمة اهلل اجلزائري‪ ‬املسمى بـ(جواهر الغوايل)‪ ،‬فظن البعض أن الغوايل اسم‬
‫لألصل‪ ،‬واهلل العامل‪.‬‬

‫ثم إن املصنف من رجال القرن التاسع وكانت والدته يف مدينة األحساء وقد سافر‬
‫إىل العراق وخراسان وله تصانيف عديدة‪.‬‬

‫قيل‪ :‬إن هناك رواي��ات ال مصدر هلا سوى كتاب عوايل الآليل‪ ،‬منها‪« :‬الناس‬
‫مسلطون عىل أمواهلم»‪ ،‬ومنها‪« :‬الناس يف سعة ما مل يعلموا»‪ ،‬ومنها‪« :‬امليسور ال يسقط‬
‫باملعسور»‪ ،‬ومنها‪« :‬صلوا كام رأيتموين ُأصيل»‪ ،‬ومنها‪ :‬ما نُقل عن أمري املؤمنني‪« :‬إهلي‬
‫ما عبدتُك خوف ًا من نارك وال طمع ًا يف جنتك‪ ،‬بل وجدتك أه ً‬
‫ال للعبادة فعبدتك»(((‪.‬‬

‫قال الشيخ آغا بزرگ الطهراين‪( :‬عوايل الآليل العزيزية يف األحاديث الدينية)‬
‫للشيخ حممد بن عيل بن إبراهيم بن أيب مجهور األحسائي‪ .‬أ ّلفه باسم السيد النقيب‬

‫((( انظر‪ :‬مقدمة كتاب عوايل الآليل‪ ،‬بقلم الشيخ جمتبى العراقي‪.٢٠/١ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪244‬‬

‫الطاهر عزيز احلسيني الرضوي‪ .‬له مقدمة ذات عرشة فصول؛ ذكر يف الفصل األول‬
‫من املقدمة طرقه السبعة يف الرواية‪ ،‬ومنها ما يروى عن عيل بن هالل اجلزائري تلميذ‬
‫أيب العباس بن فهد احليل وهو عن شيخه املقداد‪.‬‬

‫وقد يقال (الغوايل) بالغني املعجمة كام يف املشهور وال أصل له كام يأيت‪ .‬ورشحه‬
‫للسيد املحدث نعمة اهلل اجلزائري‪ ،‬قد مر أن اسمه (اجلواهر الغوايل) أو (مدينة احلديث)‬
‫كام رصح هبا يف أوله‪ ...‬أوله‪[ :‬احلمد هلل الذي أعىل أعالم العلامء األعالم‪ ،‬ووفقهم‬
‫بطريق الدراية والرواية لتبيني معامل اإلسالم‪ ،]...‬وهو مرتب عىل مقدمة وبابني وخامتة‪.‬‬

‫ويف املقدمة عرشة فصول أوهلا‪ :‬يف ذكر طرقه السبعة إىل روايات األصحاب‪.‬‬
‫وهو من الكتب التي اعتمد عليها شيخنا النوري وبسط القول يف اعتباره يف خامتة‬
‫(املستدرك)‪ ...‬وأما البابان فأوهلام يف أحاديث الفقه لكن ال عىل ترتيب أبواب الفقه بل‬
‫عىل ترتيب الكتب املصنفة يف الفقه يف أربع مسالك‪ ،‬أوهلا‪ :‬ما رواه املتقدمون يف كتبهم‪،‬‬
‫والثاين‪ :‬ما رواه فخر املحققني عن والده العالمة‪ ،‬والثالث‪ :‬ما رواه الشيخ الشهيد حممد‬
‫بن مكي يف كتبه‪ ،‬والرابع‪ :‬ما رواه الفاضل املقداد‪ .‬وثاين البابني يف أحاديث الفقه عىل‬
‫ترتيب األبواب الفقهية(((‪.‬‬

‫الثناء على ابن �أبي جمهور الأح�سائي‬


‫ال حمدث ًا‪ ،‬إذ قال‬
‫يستفاد من كلامت احلر العاميل أن ابن أيب مجهور كان عامل ًا فاض ً‬
‫يف حمكي تذكرة املتبحرين يف ذيل رقم (‪ :)834‬الشيخ حممد بن عيل بن إبراهيم بن أيب‬

‫((( الذريعة‪.٣٥٩ -٣٥٨/١٥ :‬‬


‫‪245‬‬ ‫عوايل اللآيل العزيزية يف الأحاديث الدينية‬

‫مجهور األحسائي‪ :‬فاضل‪ ،‬حمدث‪ ،‬له كتب‪ ،‬وتقدم حممد بن مجهور‪ ،‬وما هنا أثبت‪ ،‬وقد‬
‫ذكرنا كتبه هناك‪ ،‬يروي عن الشيخ أيب هالل اجلزائري‪ ،‬عن ابن فهد‪ ،‬وروى عنه يف‬
‫كرك نوح‪ ،‬ذكره صاحب جمالس املؤمنني(((‪.‬‬

‫ال راوي ًة‪،‬‬


‫وقال يف أمل اآلمل‪ :‬الشيخ حممد بن أيب مجهور األحسائي‪ .‬كان عامل ًا فاض ً‬
‫له كتب منها كتاب غوايل الآليل‪ ،‬كتاب األحاديث الفقهية عىل مذهب اإلمامية‪ ،‬كتاب‬
‫معني املعني‪ ،‬رشح الباب احلادي عرش‪ ،‬كتاب زاد املسافرين يف أصول الدين‪ .‬وله‬
‫مناظرات مع املخالفني كمناظرة اهلروي وغريها‪ ،‬ورسالة يف العمل بأخبار أصحابنا‬
‫وغري ذلك(((‪.‬‬

‫وقال يف موضع آخر‪ :‬الشيخ حممد بن عيل بن إبراهيم بن أيب مجهور األحسائي‪.‬‬
‫فاضل حمدث‪ ،‬له كتب‪ .‬وتقدم حممد بن مجهور وما هنا أثبت‪ ،‬وقد ذكرنا كتبه هناك‪،‬‬
‫يروي عن الشيخ أيب هالل اجلزائري عن ابن فهد‪ ،‬وروى عنه يف كرك نوح‪ ،‬ذكره‬
‫صاحب جمالس املؤمنني(((‪.‬‬

‫ذم الكتاب وامل�ؤلف‬


‫يظهر من مجلة من األعالم الذهاب إىل القول بعدم وثاقة ابن أيب مجهور األحسائي‪،‬‬
‫عىل الرغم من علمه وفضله‪ ،‬وعدم إمكان االعتامد عىل كتابه‪ ،‬خصوص ًا وقد أدخل فيه‬

‫((( معجم رجال احلديث‪.٣١٨/١٧ :‬‬


‫((( أمل اآلمل‪.٢٥٣/٢ :‬‬
‫((( أمل اآلمل‪.٢٨١-٢٨٠/٢ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪246‬‬

‫روايات العامة وخلط بني الغث والسمني‪.‬‬

‫قال املحدث البحراين يف حمكي لؤلؤة البحرين‪ :‬والشيخ حممد بن أيب مجهور كان‬
‫فاضالً‪ ،‬جمتهد ًا‪ ،‬متكل ًام‪ ،‬له كتاب عوايل الآليل‪ ،‬مجع فيه مجلة من األحاديث‪ ،‬إال أنه خلط‬
‫فيه الغث بالسمني‪ ،‬وأكثر فيه من أحاديث العامة‪ ،‬وهلذا إن بعض مشاخينا مل يعتمد‬
‫عليه(((‪.‬‬

‫وقال يف احلدائق عند احلديث عن مرفوعة زرارة املروية يف عوايل الآليل ما نصه‪:‬‬
‫بخالف الرواية األُخرى‪ ،‬فإنا مل نقف عليها يف غري كتاب عوايل الآليل‪ ،‬مع ما هي عليه‬
‫من الرفع واإلرسال‪ ،‬وما عليه الكتاب املذكور من نسبة صاحبه إىل التساهل يف نقل‬
‫األخبار واإلمهال وخلط غثها بسمينها وصحيحها بسقيمها‪ ،‬كام ال خيفى عىل َمن وقف‬
‫عىل الكتاب املذكور(((‪.‬‬

‫وقال العالمة املجليس‪ :‬وكتاب غوايل الآليل وإن كان مشهور ًا ومؤلفه يف الفضل‬
‫معروف ًا‪ ،‬لكنه مل يميز القرش من اللباب‪ ،‬وأدخل أخبار متعصبي املخالفني بني روايات‬
‫األصحاب‪ ،‬فلذا اقترصنا منه عىل نقل بعضها(((‪.‬‬

‫وقال اخلوانساري يف حمكي روضات اجلنات‪ :‬بل الكالم يف توثيق نفس الرجل‪،‬‬
‫والتعويل عىل رواياته ومؤلفاته‪ ،‬وخصوص ًا بعد ما عرفت له من التأليف يف إثبات‬
‫العمل بمطلق األخبار‪ ،‬الواردة يف كتب أصحابنا األخيار‪ ،‬وما وقع يف أواخر وسائل‬

‫((( خامتة املستدرك‪.٣٣١/١ :‬‬


‫((( احلدائق النارضة‪.٩٩/١ :‬‬
‫((( بحار األنوار‪.٣١/١ :‬‬
‫‪247‬‬ ‫عوايل اللآيل العزيزية يف الأحاديث الدينية‬

‫الشيعة‪ ،‬من كون كتايب حديثه خارجني عن درجة االعتامد واالعتبار‪ ،‬مع أن صاحب‬
‫الوسائل من مجلة مشاهري األخبارية‪ ،‬واألخبارية ال يعتنون بيشء من التصحيحات‬
‫االجتهادية والتنويعات االصطالحية(((‪.‬‬

‫وقال السيد اخلوئي يف باب التعارض من أصوله حول مرفوعة زرارة املروية يف‬
‫عوايل الآليل‪ :‬وأما االحتياط‪ ،‬فلم يدل عليه دليل‪ ،‬سوى مرفوعة زرارة التي رواها ابن‬
‫أيب مجهور األحسائي يف كتاب غوايل الآليل عن العالمة‪ ‬مرفوع ًا إىل زرارة‪ ...‬ولكن‬
‫ال يمكن االعتامد عىل هذه الرواية‪ ،‬فإهنا ‪-‬مضاف ًا إىل أهنا مل توجد يف كتب العالمة‪‬‬
‫ومل تثبت وثاقة راوهيا‪ ،‬بل طعن فيه ويف كتابه َمن ليس دأبه اخلدشة يف سند الرواية‪،‬‬
‫كاملحدث البحراين‪ -‬مرفوعة ساقطة عن مقام احلجية(((‪.‬‬

‫امل�ؤيدون العتبار الكتاب‬


‫قال املحدث النوري بعد الدفاع عن وثاقة ابن أيب مجهور‪ :‬نعم قد يطعن فيه‪ ،‬ويف‬
‫كتابه من جهتني‪ :‬األوىل‪ :‬ميله إىل التصوف‪ ،‬بل الغلو فيه‪ ،‬كام أشار إليه يف الرياض‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬إن ميله إليه حتى يف بعض مقاالهتم الكاسدة‪ ،‬املتعلقة بالعقائد‪ ،‬ال يرض بام هو‬
‫املطلوب منه يف املقام من الوثاقة‪ ،‬والتثبت‪ ،‬وغري ذلك مما يشرتط يف الناقل‪ ،‬كغريه من‬
‫العلامء عىل ما هم عليه من االختالف(((‪.‬‬

‫((( خامتة املستدرك‪.٣٣٥ -٣٣٤/١ :‬‬


‫((( انظر‪ :‬مصباح ُاألصول‪.٤٠٥/3 :‬‬
‫((( خامتة املستدرك‪.٣٣٩ -٣٣٨/١ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪248‬‬

‫وق��ال‪ :‬الثانية‪ :‬ما يف الكتاب املذكور من اختالط الغث بالسمني‪ ،‬ورواي��ات‬


‫األصحاب بأخبار املخالفني‪ .‬قلت‪ :‬ما ذكره صحيح يف اجلملة يف بعض الكتاب‪ ،‬وهو‬
‫أقل القليل منه‪ ،‬وأما يف الباقي فحظه منه نقل جماميع األساتيذ‪ ،‬الذين ساحتهم بريئة عن‬
‫قذارة هذه الطعون(((‪.‬‬

‫إىل أن قال‪ :‬فظهر أن احلق احلقيق أن يعامل الفقيه املستنبط بأخبار البابني‪ ،‬معاملته‬
‫بام يف كتب أصحاب املجاميع من األحاديث‪ ،‬وما يف طريف الكتاب خصوص ًا أوله‪ ،‬وإن‬
‫كان خمتلط ًا‪ ،‬إال أن بالنظر الثاقب يمكن متييز غثه من سمينه‪ ،‬وصحيحه من سقيمه(((‪.‬‬

‫وق��ال شيخنا الصفار‪ ‬يف جملس درس��ه عند الكالم عن قاعدة امليسور‬
‫واالستدالل بحديثي‪« :‬امليسور ال يسقط باملعسور» و«ما ال يدرك كله ال يرتك كله» ما‬
‫حاصله‪ :‬إن روايات عوايل الآليل كلها مسانيد وليست مراسيل‪ ،‬وذلك ملا ذكره ابن أيب‬
‫مجهور يف خامتة كتابه‪ ،‬حيث ذكر طرقه إىل العالمة احليل ومن العالمة إىل الشيخ الطويس‬
‫وغريها من الطرق‪ .‬بل حتى لو كانت رواياته مراسيل فليس مجيع املراسيل غري حجة‪،‬‬
‫بل يمكن أن تكون بعض املراسيل حجة إذا حصلت معها قرائن تفيد الوثوق‪ .‬وال‬
‫خيفى أن ابن أيب مجهور من العلامء األجالء‪ ،‬فال يبعد أن تكون رواياته حجة وإن كانت‬
‫مراسيل‪.‬‬

‫((( اخلامتة ‪.٣٤٠/١‬‬


‫((( اخلامتة ‪.٣٤٤/١‬‬
‫‪249‬‬ ‫عوايل اللآيل العزيزية يف الأحاديث الدينية‬

‫ال�سيد املرع�شي النجفي ور�سالة الدفاع عن العوايل‬


‫قال السيد شهاب الدين املرعيش النجفي‪ ‬يف بداية رسالته املطبوعة يف أول‬
‫العوايل يف الدفاع عن الكتاب ومؤلفه ما نصه‪ :‬أما بعد‪ ،‬ال خيفى عىل َمن ألقى السمع‬
‫وهو شهيد‪ ،‬ومن راج��ع إىل حمكمة أقىض القضاة وهو اإلنصاف امل�برء من الزور‬
‫واالعتساف إن من أحسن الكتب احلديثية ها هو كتاب (غوايل الآليل) أودع فيه مؤلفه‬
‫اجلليل احلرب النبيل‪ ،‬املحدث املتكلم‪ ،‬العارف املتأله‪ ،‬الزاهد الورع التقي‪ ،‬جامع العلوم‬
‫السمعية والعقلية‪ ،‬األملعي‪ ،‬اليلمعي‪ ،‬البحاث النقاد‪ ،‬شيخنا أبو جعفر حممد بن عيل بن‬
‫إبراهيم بن أيب مجهور األحسائي اهلجري املتوىف سنة (‪٩٤٠‬هـ) من علامء القرن العارش‪،‬‬
‫أحاديث قصار املتون‪ ،‬صحاح األسانيد رصاح الدالالت‪ ،‬نظمها عىل أحسن أسلوب‬
‫أجره(((‪.‬‬ ‫وخري نمط‪ ،‬فل ّله تعاىل ُّ‬
‫دره وعليه ُ‬

‫ثم ذكر جمموعة من النقود عىل الكتاب ومؤلفه مع الرد عليها‪ ،‬قائالً‪:‬‬

‫أما النقود الواردة عىل الكتاب فأمور‪ :‬منها‪ :‬أنه حمتوى عىل روايات ال تناسب‬
‫املذهب‪ .‬ومنها‪ :‬أن كل املرويات فيه مراسيل وليس فيها خرب مسند‪ ،‬واإلرسال من‬
‫أقوى موجبات الضعف يف األخبار‪ .‬ومنها‪ :‬أنه مشتمل عىل رواي��ات تستشم منه‬
‫املطالب العرفانية‪ .‬ومنها‪ :‬أنه مشتمل عىل ما يشعر بالغلو‪ .‬ومنها‪ :‬أنه مشتمل عىل بعض‬
‫مرويات العامة واملخالفني‪ .‬ومنها‪ :‬أنه تفرد بنقل أحاديث ال توجد يف غريه‪ ..‬إىل غري‬
‫ذلك مما يطول الكالم بنقله‪.‬‬

‫((( عوايل الآليل ‪.٣٦ -٣٥/١‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪250‬‬

‫وأما النقود املتوجهة إىل صاحب الكتاب فأمور‪ ،‬منها‪ :‬أنه كان من الغالة‪ .‬ومنها‪:‬‬
‫أنه كان من العرفاء والصوفية‪ .‬ومنها‪ :‬أنه كان من الفالسفة‪ .‬ومنها‪ :‬أنه كان متساه ً‬
‫ال‬
‫يف النقل ألنه ينقل يف كتبه ما وجده من األخبار أينام كان‪ .‬ومنها‪ :‬أنه كان أخباري ًا‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أنه كان غري متثبت وغري ضابط يف النقل‪ ..‬إىل غري ذلك من وجوه االعرتاض‬
‫والتموهيات‪.‬‬

‫إذا عرفت ذلك فنقول‪ :‬إن تلك النقود غري مقبولة‪ ،‬بل مردودة جد ًا‪ ،‬فنرشع يف‬
‫دفعها مع رعاية الرتتيب واالختصار‪.‬‬

‫أما اجلواب عن األول‪ :‬أنه ليس فيه خرب صحيح يف خمالفة املذهب‪ ،‬وما يستشم منه‬
‫ذلك فنظريه موجود يف الكتب املشتهرة واملجامع املعروفة‪ ،‬فإن كان نقلها شين ًا فيتوجه‬
‫االعرتاض عىل سائر الكتب واختصاص نقده هبذا الكتاب مصداق املثل املعروف‪:‬‬
‫(باؤك جتر وبائي ال جتر؟!)‪ ،‬مضاف ًا إىل أهنا قابلة للتأويل كام يف سائر كتب األخبار من‬
‫الكتب األربع وغريها‪.‬‬

‫وأما إشكال اإلرسال‪ :‬فغري وارد أص ً‬


‫ال ألن كل ما أودع فيه إال ما رصح بإرساله‬
‫مسندات بربكة املشيخة التي ذكرها‪ ،‬وهذه املشيخة كمشيخة شيخنا الصدوق يف الفقيه‪،‬‬
‫والفارق أن هذا الشيخ ذكر املشيخة يف أول الكتاب يف رسالة مستقلة منحاذة والصدوق‬
‫جعل املشيخة يف آخر الكتاب؛ فإن هذا الشيخ قال‪ :‬إن ما أودعت يف هذا الكتاب فإين‬
‫أروهيا هبذه الطرق السبعة‪ ،‬وأكثر تلك املودعات فيه مروية مسموعة عن شيخه العالمة‬
‫الثقة اجلليل الشيخ ريض الدين عبد امللك بن الشيخ شمس الدين إسحاق بن الشيخ‬
‫ريض الدين عبد امللك بن الشيخ حممد الثاين بن الشيخ حممد األول بن فتحان القمي‬
‫‪251‬‬ ‫عوايل اللآيل العزيزية يف الأحاديث الدينية‬

‫األصل نزيل كاشان املتوىف بعد سنة (‪٨٥١‬هـ) بقليل‪ ،‬وكان هذا الرجل من أعالم عرصه‪،‬‬
‫وكان يروى عن الفاضل املقداد وابن فهد وغريمها‪ ،‬فلرياجع إىل معاجم الرتاجم‪.‬‬

‫وإين رأيت عدة نسخ من هذا الكتاب يف خزائن الكتب مشتملة عىل املشيخة‬
‫ونسخ ًا غري مشتملة‪ِ ،‬‬
‫فمن َث َّم اشتبه األمر عىل َمن نسب اإلرسال إليه‪.‬‬

‫وأما اشتامله عىل روايات عرفانية‪ ،‬وفيه‪ :‬أن نظائرها موجودة يف الكتب احلديثية‬
‫املشهورة‪ ،‬فليعامل معه نحو املعاملة مع تلك الكتب‪ ،‬مضاف ًا إىل أن باب التأويل واسع‪.‬‬

‫وأما اإلشعار بالغلو‪ ،‬فاجلواب عن هذا االعرتاض هو اجلواب عن سابقيه نقض ًا‬
‫وحالً‪.‬‬

‫وأما اشتامله عىل بعض مرويات العامة‪ ،‬ففيه أن غرضه كون هذه الروايات ‪-‬مع‬
‫قطع النظر عن نقل األصحاب‪ -‬منقولة يف كتب العامة أيض ًا‪ ،‬كام ال خيفى من جاس‬
‫خالل تلك الديار‪ ،‬مضاف ًا إىل أن املعيار حجية اخلرب املوثوق بصدوره أي ًا من كان‬
‫الراوي‪ ،‬كام هو التحقيق عند املتأخرين‪.‬‬

‫وأما تفرده بنقل ما ال يوجد يف غريه‪ ،‬فهذا أيض ًا مما يرد عليه بعد تفرد كتب الشيعة‬
‫كاألُصول األربعامئة وغريها من الكتب املوجودة يف أقطار العامل وتوجه الفتن واملوبقات‬
‫إليها‪ ،‬فاملحتمل قوي ًا عثوره عىل بعض تلك النسخ‪ ،‬فهذه اخلصوصية موجودة يف بعض‬
‫كتب احلديث أيض ًا‪ ،‬مضاف ًا إىل أن نقل مثل هذا الشيخ اجلليل بتلك الطرق السبعة‬
‫يورث الطمأنينة والوثوق بالصدور(((‪.‬‬

‫((( رسالة السيد املرعيش يف الدفاع عن الكتاب ومؤلفه‪ ،‬مقدمة عوايل الآليل ‪.٤١-٣٧/١‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪252‬‬

‫وأما النقود املتوجهة إىل صاحب الكتاب‪ ،‬فأمور‪:‬‬

‫منها‪ :‬إسناد الغلو إليه‪ ،‬فأنت خبري بأن هذا توهم ال اعتداد به‪ ،‬وهو جماب عنه نقض ًا‬
‫وحالً؛ أما النقض‪ :‬فلرياجع إىل زبر احلديث‪ ،‬فإنه ّ‬
‫قل ما يوجد كتاب مل ُيذكر فيه نبذة من‬
‫هذه األخبار املومهة للغلو‪ ،‬فلو جاز اإلسناد يف الدين لكان هذا النقد متوجه ًا إىل مؤلفي‬
‫تلك الزبر واألسفار أيض ًا‪ ،‬فإن كان وجه اإلسناد إىل ابن أيب مجهور غري ما يف كتاب‬
‫الغوايل فراجعوا إىل سائر تآليفه من املجيل والدرر العامدية واألقطاب والتعليقة عىل‬
‫أصول الكايف والتعليقة عىل الفقيه وغريها من آثاره املمتعة ورشحات قلمه الرشيف‪،‬‬
‫فام يقول املعرتضون يف حق كتب بقية العلامء فليقولوا يف حق هذا الشيخ كذلك‪.‬‬

‫وأما احلل‪ :‬فلم َأر يف كلامته ما ُيشعر بذلك سوى نقله ‪-‬نادر ًا‪ -‬بعض الروايات‬
‫املومهة للغلو‪ ،‬أو بعض خطاباته ألمري املؤمنني وأوالده الطاهرين بقوله‪( :‬وهم أئمتي‬
‫قبلتي وهبم أتوجه إىل اهلل)‪ ،‬وأمثال هذه الكلامت التي شاع اخلطاب هبا بني الزعامء‪ ،‬ومن‬
‫دوهنم يف كل قوم ورهط وبكل لسان‪ .‬أفال ترى يف النشئات الفارسية قول املنشئني‪:‬‬
‫(قبله گاها) ونحوها من العبائر املعمولة يف املحاورات وخطابات األبناء إىل اآلباء‪،‬‬
‫ورصف نقل الرواية هل تدل عىل الغلو مع كون الرواية ذات حمامل قريبة وبعيدة‪ ،‬حاشا‬
‫وكال‪.‬‬

‫وأما كونه من الصوفية‪ :‬فنسبة هذه لصيق ٌة إىل الرجل الربيء مما نسب إليه وظلم‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ تلك الكلمة‬ ‫يف حقه‪ ،‬والفرق بني العرفان والتصوف غري خفي عىل املحققني‪،‬‬
‫والنسبة فرية بال مرية‪.‬‬

‫وأما نسب ُة الفلسفة إليه‪ :‬فغري ضائر أيض ًا‪ ،‬إذ الفلسفة علم عقيل‪ ،‬برع فيه عد ٌة‬
‫‪253‬‬ ‫عوايل اللآيل العزيزية يف الأحاديث الدينية‬

‫من علامء اإلس�لام؛ كشيخنا املفيد والرشيف املرتىض واملحقق الطويس والعالمة‬
‫احليل والسيد الداماد والفاضل السبزواري واملوىل عيل النوري واملوىل حممد إسامعيل‬
‫اخلواجوي األصفهاين وشيخنا البهائي والسيد حممد السبزواري املشتهر بـ(مريلوحي)‬
‫جد الشاب املجاهد الشهيد السيد جمتبى الشهري بـ(النواب الصفوي) والقايض سعيد‬
‫القمي واملتأله السبزواري وصدر املتأهلني الشريازي واملحدث الكاشاين‪ ،‬وغريهم‬
‫كل ٍ‬
‫يشء‬ ‫وعلم ِّ‬ ‫الذين مجعوا بني العلوم النقلية والعقلية وهم يف أصحابنا مئات و ُألوف‪،‬‬
‫ُ‬
‫خري من جهله‪ .‬فإن كان ذلك شين ًا فيتوجه النقد إليهم أيض ًا‪ ،‬مع أهنم بمكان شامخ يف‬
‫ٌ‬
‫العلم بيشء االعتقا َد به وعقدَ القلب‬
‫ُ‬ ‫العلم والعمل والزهد والورع والتقى‪ ،‬وال يستلزم‬
‫عليه‪ ،‬جزاهم اهلل عن الدين خري ًا‪.‬‬

‫وأما إسناد التساهل إليه يف النقل‪ :‬فهو إزراء يف حق هذا الرجل العظيم‪ ،‬ويظهر‬
‫ذلك ملن أجال البرص ودقق النظر يف مشيخة هذا الكتاب‪.‬‬

‫وأما كونه أخباري ًا‪ :‬فهو خالف ما يظهر من كلامته يف بعض كتبه‪ ،‬كام هو غري مستور‬
‫عىل َمن راجع إىل آثاره‪ ،‬ويبدو له أن املؤلف كان مذاقه متوسط ًا بني األُصولية واألخبارية‪،‬‬
‫ثم عىل فرض كونه أخباري ًا‪ ،‬فذلك غري مرض بحجية منقوالته بعد االطمئنان بالصدور‬
‫كام ذكرنا وإال فيتوجه النقد إىل عدة كثرية من أصحابنا األعاظم؛ كشيخنا الكليني‬
‫والصدوق وصاحب قرب اإلسناد واألشعثيات وصاحبي البحار والوسائل والوايف‬
‫واحلدائق وغريهم‪ ،‬فإنه ال فرق بيننا وبني األخبارية إال يف أمور قليلة؛ كحجية ظواهر‬
‫الكتاب هم نافوها ونحن مثبتوها‪ ،‬وإجراء الرباءة يف الشبهات البدوية التحريمية هم‬
‫نافون ونحن مثبتون‪ ،‬أو يف انفعال املاء القليل فإن أكثرهم ذهبوا إىل عدم االنفعال‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪254‬‬

‫واألكثر منا إىل االنفعال‪ ،‬ومنجسية املتنجس فأكثرهم عىل عدمها وأكثرنا عىل ثبوهتا‪،‬‬
‫ووقوع التحريف فإن أكثرهم ذهبوا إىل الوقوع وأكثرنا ‪-‬وهم املحققون‪ -‬إىل العدم‪..‬‬
‫وهكذا‪.‬‬

‫ومن رام الوقوف عىل تلك الفروق فلرياجع إىل كتاب احلق املبني يف الفرق بني‬
‫املجتهدين واألخباريني لشيخنا العالمة األكرب الشيخ جعفر صاحب كتاب كشف‬
‫الغطاء‪.‬‬
‫وأما كونه غري متثبت وغري ضابط‪ :‬و َلعمري إنه إسناد ٍ‬
‫يشء إىل َمن هو بري ٌء مما‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فمن أين ثبت كونه غري ضابط‪ ،‬وها هو كتبه ورشحات قلمه السيال اجلوال‬ ‫نُسب إليه‪ِ .‬‬

‫فلرياجع حتى يظهر احلق؟! إىل غري ذلك من وجوه االعرتاض عليه‪ ،‬وكلها واهية غري‬
‫واردة‪.‬‬

‫وباجلملة‪ ،‬إين سربت ما ترشح من قلم هذا العامل اجلليل يف الفنون العقلية والنقلية‬
‫ومنظوماته الكثرية فلم أجد ما يشينه‪ ،‬جزاه اهلل عن العلم واإلسالم خري ًا‪ ،‬وآجره‬
‫بام افترُ ي يف حقه‪ ،‬وحرشه حتت لواء إمام املظلومني أمري املؤمنني روحي له الفداء‪،‬‬
‫وعصمنا من الزلل واخلطل يف القول والعقيدة والعمل‪ .‬وهذه املظامل صارت سبب ًا لعدم‬
‫انتشار هذا الكتاب‪ ...‬إلخ(((‪.‬‬

‫دليل اعتبار الكتاب‬


‫ٍ‬
‫كتاب جام ٍع ألشتات املتفرقات‪ ،‬من‬ ‫قال املصنف يف املقدمة‪ :‬حداين ذلك إىل مج ِع‬

‫((( املصدر السابق‪.٤٦ -٤١ :‬‬


‫‪255‬‬ ‫عوايل اللآيل العزيزية يف الأحاديث الدينية‬

‫ِ‬
‫مجلة ما رواه الثقات‪ ،‬عن النبي‪ ‬واألئمة اهلداة‪ ،‬ليكون منهج ًا ُيقتدى به إىل معرفة‬
‫احلالل واحلرام(((‪.‬‬

‫وقال‪ :‬وسميته عوايل الآليل العزيزية يف األحاديث الدينية‪ ،‬ورتبته عىل مقدمة‪،‬‬
‫وبابني‪ ،‬وخامتة‪ .‬أما املقدمة‪ ،‬ففيها فصول‪ ،‬األول‪ :‬يف كيفية إسنادي وروايتي جلميع ما‬
‫أنا ذاكره من األحاديث يف هذا الكتاب‪ ،‬ويل يف ذلك طرق(((‪.‬‬

‫ثم ذكر طرق ًا سبعة تنتهي كلها إىل العالمة احليل‪ ،‬وقال‪ :‬فهذه الطرق السبعة‬
‫املذكورة مجيعها تنتهي عن املشايخ املذكورين‪ ،‬إىل الشيخ مجال املحققني‪ ،‬ثم منه ينتهي‬
‫الطريق إىل األئمة املعصومني‪ ،‬إىل رسول رب العاملني‪ ،‬بطرقه املعروفة له عن مشاخيه‬
‫الذين أخذ عنهم الرواي َة املتصل َة بأئمة اهلدى‪ ‬املنتهي إىل جدهم عليه أفضل الصلوات‬
‫وأكمل التحيات(((‪.‬‬

‫وقال أخري ًا‪ :‬فبهذه الطرق ‪-‬وبام اشتملت عليه من األسانيد املتصلة املعنعنة‪،‬‬
‫ِ‬
‫وصدق‬ ‫ِ‬
‫وصحة الفتوى‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املشهورة الرجال‪ ،‬بالعدالة والعلم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الصحيحة األسناد‪،‬‬
‫ِ‬
‫أحاديث الرسول وأئمة اهلدى عليه وعليهم‬ ‫مجيع ما أرويه وأحكيه‪ ،‬من‬‫اللهجة‪ -‬أروي َ‬
‫املتعلقة بالفقه والتفسري‪ِ ،‬‬
‫واحل َك ِم واآلداب‪ ،‬واملواعظ‪ ،‬وسائر‬ ‫ِ‬ ‫أفضل الصالة والسالم‪،‬‬
‫ِ‬
‫مصنفات العلامء‪ ،‬من أهل‬ ‫مجيع‬ ‫فنون العلوم الدنيوية واألخروية‪ .‬بل وبه أروي‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وأقاويلهم يف مجيع فنون العلم‪ ،‬وفتاواهم وأحكامهم املتعلقة‬ ‫ِ‬
‫احلكمة‪،‬‬ ‫اإلسالم وأهل‬

‫((( عوايل الآليل ‪.٣/١‬‬


‫((( املصدر‪.٥/١ :‬‬
‫((( املصدر‪.١١/١ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪256‬‬

‫بالفقه وغريه‪ ،‬من السري والتواريخ واألحاديث‪ .‬فجميع ما أنا ذاكره يف هذا الكتاب‬
‫من األحاديث النبوية واإلمامية طريقي يف روايتها وإسنادها وتصحيحها هذه الطرق‬
‫ملهم الصواب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫املذكورة عن هؤالء املشايخ املشهورين بالعلم والفضل والعدالة‪ ،‬واهلل‬
‫والعاصم من اخلطاء واخلطل واالضطراب(((‪.‬‬
‫ُ‬

‫إنه قد يستفاد من هذه املقدمة أن ابن أيب مجهور يروي مجيع روايات كتابه هبذه‬
‫األسناد والطرق‪ ،‬وعليه فتكون رواياته مجيع ًا مسند ًة صحيح ًة‪ .‬أما اإلسناد فألجل ما‬
‫طرق إىل العالمة احليل‪ ،‬والعالم ُة له ٌ‬
‫طرق إىل مرويات الشيخ‬ ‫ذكره من الطرق‪ ،‬فإهنا ٌ‬
‫الطويس‪ ،‬والشيخ له ٌ‬
‫طرق إىل مجيع املصنفات‪.‬‬

‫طرق إىل مجيع املصنفات واألُصول‪ .‬وأما‬


‫فتكون النتيج ُة‪ :‬أن ابن أيب مجهور له ٌ‬
‫الصحة فلوثاقة َمن ذكرهم يف الطرق إىل العالمة‪.‬‬

‫ٍ‬
‫كتاب جام ٍع ألشتات‬ ‫هذا مضاف ًا إىل قوله يف الديباجة‪ :‬حداين ذلك إىل مج ِع‬
‫املتفرقات‪ ،‬من ِ‬
‫مجلة ما رواه الثقات‪ ،‬عن النبي‪ ‬واألئمة اهلداة(((‪ ،‬فهو توثيق عام‬
‫لرواة كتابه‪ ،‬شبي ٌه بتوثيق ابن قولويه يف كامل الزيارة وعيل بن إبراهيم يف تفسريه‪.‬‬

‫التحقيق‬
‫الذي ينبغي أن يقال أمور‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬إن عمدة الدليل عىل قبول خرب الواحد هو سرية العقالء‪ ،‬وهل نجزم‬

‫((( املصدر‪.١٤ -١٣/١ :‬‬


‫((( عوايل الآليل ‪.٣/١‬‬
‫‪257‬‬ ‫عوايل اللآيل العزيزية يف الأحاديث الدينية‬

‫بجرياهنا يف األخذ بأخبار كتاب العوايل؟ وكيف يمكن اجلزم بجريان سريهتم عىل ذلك‬
‫مع طعن بعض األعالم يف الكتاب وفيِ مصنفه؟ وقد عرفت أنه قد طعن فيه َمن ليس‬
‫دأ ُب ُه الطع َن يف األخبار‪ ،‬وهو املحدث البحراين‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬إن َمن يبني عىل مسلك الوثوق واالطمئنان يف قبول األخبار نسأله‪ :‬هل‬
‫هناك وثوق واطمئنان بحجية أخبار كتاب العوايل مع وجود الطعون يف الكتاب وفيِ‬

‫مصنفه من قبل بعض علامء الطائفة؟‬

‫طرق تربكي ٌة‬


‫ثالث ًا‪ :‬إن طرق ابن أيب مجهور ال تنفع شيئ ًا‪ ،‬فإن املطمأن به هو أهنا ٌ‬
‫ٍ‬
‫معترب إىل نسخة معينة لكي خترج‬ ‫ٍ‬
‫طريق‬ ‫واملهم هو وجود‬
‫ُ‬ ‫وليست طرق ًا إىل ٍ‬
‫نسخ معينة‪،‬‬
‫الرواي ُة من اإلرسال إىل اإلسناد‪ .‬وعليه‪ ،‬تبقى روايات العوايل يف حيز اإلرسال ما مل‬
‫يثبت إسنا ُد ُه إىل نسخ معتربة‪.‬‬

‫طرق تربكي ٌة وليست طرق ًا لنسخ معينة هو‪ :‬أن‬


‫الطرق إىل الشيخ ٌ‬
‫َ‬ ‫والشاهدُ عىل أن‬
‫ُ‬
‫الشيخ؛ كمرفوعة زرارة املعروفة يف‬ ‫بعض الروايات التي مل ِ‬
‫يروها‬ ‫ابن أيب مجهور يروي َ‬
‫املصنف يف نقل روايات مل ينقلها غريه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫باب التعارض‪ .‬وهناك أمثل ٌة ُأخرى‪ ،‬وقد ّ‬
‫تفرد‬
‫َف َلو كانت عند الشيخ فلامذا مل يوردها يف كتبه الروائية؟‬

‫رابع ًا‪ :‬إن مرويات الشيخ الطويس ليست مقبول ًة عىل نحو املوجبة الكلية‪ ،‬بل ال‬
‫طرق الشيخ إىل أصحاب الكتب واألُصول‪ ،‬فإذا كان هذا هو حال‬ ‫بد من مالحظة ِ‬

‫مرويات الشيخ‪ ،‬فكيف تكون مرويات ابن أيب مجهور كلها مقبول ًة وهي مروي ٌة بواسطة‬
‫الشيخ؟!‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪258‬‬

‫خامس ًا‪ :‬بل حتى لو كان طريق الشيخ إىل صاحب الكتاب صحيح ًا‪ ،‬ال بد من‬
‫مالحظة طريق صاحب الكتاب إىل اإلمام املعصوم‪ .‬فال نحكم بصحة طريق الشيخ‬
‫إىل اإلمام رأس ًا‪ ،‬بل ال بد من جتاوز هذه العقبات من خالل البحث والتنقيب‪ ،‬فكيف‬
‫ِ‬
‫صحة االعتامد عىل مرويات ابن أيب مجهور مع أنه يروي عن الشيخ بواسطة‬ ‫تصح دعوى‬
‫العالمة؟‬

‫***‬
‫‪259‬‬ ‫ب�صائر الدرجات يف ف�ضائل �آل حممد‪‬‬

‫ب�صائر الدرجات يف ف�ضائل �آل حممد‪‬‬


‫وهو كتاب روائي عقدي يف فضائل األئمة‪ ‬ومناقبهم ملصنفه حممد بن احلسن‬
‫بن فروخ الصفار القمي‪ ،‬وهو ثقة بال إشكال بل من األجالء‪ .‬عارص اإلمام احلسن‬
‫العسكري‪ ‬وتويف سنة (‪٢٩٠‬هـ)‪ .‬يشتمل الكتاب عىل (‪ )1881‬رواية‪ ،‬وحيتوي عىل‬
‫عرشة أقسام أصلية‪ ،‬وكل قسم يشتمل عىل ‪ 10‬إىل ‪ 24‬باب ًا‪.‬‬

‫قال العالمة املجليس‪ :‬وكتاب بصائر الدرجات من األُصول املعتربة التي روى‬
‫عنها الكليني وغريه(((‪.‬‬

‫ويرى بعض الباحثني أن حممد بن احلسن الصفار يف كتابه بصائر الدرجات أول‬
‫من مجع ونرش الروايات حول اإلمامة ومقام اإلمامة‪ ،‬وبذلك فتح باب ًا جديد ًا يف املعارف‬
‫والعقائد(((‪.‬‬

‫ثم إن للكتاب نسختني‪ :‬صغرية وكبرية‪ .‬قال احلر العاميل‪ :‬كتاب بصائر الدرجات‬
‫الصغرى ملحمد بن احلسن الصفار رمحه اهلل تعاىل وكتاب بصائر الدرجات الكربى له‪.‬‬
‫ونص يف آخر الوسائل‪ :‬كتاب بصائر الدرجات للشيخ الثقة الصدوق حممد بن احلسن‬

‫((( البحار ‪.٢٧/١‬‬


‫‪(2) Mohammad Ali Amir Moezzi, The Divine Guide in Early‬‬
‫‪Shi’ism, pg. 20.‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪260‬‬

‫الصفار‪ ،‬وهي نسختان صغرى وكربى(((‪.‬‬

‫ثم إنه يوجد لوجود النسختني تفسريان‪ :‬األول‪ :‬ما يبدو من حمقق كتاب البصائر‪،‬‬
‫وحاصله‪ :‬أن كتاب البصائر كان صغري ًا يف بداية أمره‪ ،‬ثم أضاف عليه املصنف فصار‬
‫كبري ًا‪ .‬قال‪ :‬والذي ظهر لنا بعد التتبع أن بصائر الدرجات كان للمصنف قده يف األول‬
‫كتاب ًا صغري ًا خمالف ًا يف ترتيب أبوابه‪ ،‬ثم زاد عليه مصنفه ورتبه إىل أن بلغ ما بأيدينا(((‪.‬‬

‫ومن الغريب أنه استشهد بام قاله احلر العاميل من وجود نسختني‪ :‬صغرى وكربى‪،‬‬
‫وهو كام ترى‪ ،‬فإن ذلك ال يثبت صحة تفسريه لوجود النسختني‪ .‬وقال الشيخ املحسني‬
‫عن هذا التفسري‪ :‬وليس ملا استظهره أخري ًا دليل(((‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬إن األصل هو النسخة الكبرية‪ ،‬وأما الصغرية فهي ما ّ‬


‫لـخص من كتاب‬
‫بصائر الدرجات‪ .‬يظهر ذلك من الشيخ آغا بزرگ الطهراين‪ .‬قال‪ :‬بصائر الدرجات‬
‫أليب جعفر حممد بن احلسن بن فروخ الصفار القمي املتوىف هبا سنة ‪٢٩٠‬ه��ـ‪ ،‬ذكر‬
‫النجايش والشيخ يف الفهرس أنه يرويه عنه حممد بن حييى العطار‪ ،‬ويروي عنه أيض ًا‬
‫حممد بن احلسن بن الوليد سائر كتبه غري بصائر الدرجات هذا‪ ،‬وهو يروي عن اإلمام‬
‫العسكري‪ ،‬رأيت منه نسخ ًا عديدة مطابقة مع ما قد ُطبع بإيران مع نفس الرمحن سنة‬
‫(‪١٢٨٥‬هـ)‪ ،‬وهو يف أربعة أجزاء أوله‪( :‬باب يف العلم وأن طلبه فريضة عىل الناس)‪،‬‬
‫وهذا املطبوع هو البصائر الكبري الكامل‪ ،‬ورأيت نسخ ًا ُأ َخر خمالفة مع املطبوع يف‬

‫((( ً‬
‫نقال عن بصائر الدرجات (املقدمة)‪.٥ :‬‬
‫((( بصائر الدرجات (املقدمة)‪.٥ :‬‬
‫((( بحوث يف علم الرجال‪.٤٢٧ :‬‬
‫‪261‬‬ ‫ب�صائر الدرجات يف ف�ضائل �آل حممد‪‬‬

‫األجزاء واألبواب والرتتيب ولعلها خمترصة منه(((‪.‬‬

‫ثم إن املطبوع هو النسخة الكربى منه‪ ،‬وتوجد هلا نسخة خمطوطة قديمة‪ ،‬كتبها أبو‬
‫النرص عيل بن حممد يف غرة صفر سنة (‪591‬هـ)‪ ،‬فيها أحاديث غري موجودة يف املطبوع‪،‬‬
‫وهذه النسخة حمفوظة يف املكتبة العامة للسيد املرعيش النجفي‪ ‬يف قم املقدسة‪.‬‬

‫حممد بن احل�سن ال�صفار‪ :‬ترجمته والطرق �إليه‬


‫قال النجايش‪ :‬حممد بن احلسن بن فروخ الصفار‪ ،‬موىل عيسى بن موسى بن‬
‫طلحة بن عبيد اهلل بن السائب بن مالك بن عامر األشعري‪ ،‬أبو جعفر األعرج‪ ،‬كان‬
‫وجه ًا يف أصحابنا القميني‪ ،‬ثقة‪ ،‬عظيم القدر‪ ،‬راجح ًا‪ ،‬قليل السقط يف الرواية‪ .‬له‬
‫كتب‪ ،‬منها‪ :‬كتاب الصالة‪ ،‬كتاب الوضوء‪ ،‬كتاب اجلنائز‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬كتاب احلج‪،‬‬
‫كتاب النكاح‪ ،‬كتاب الطالق‪ ،‬كتاب العتق والتدبري واملكاتبة‪ ،‬كتاب التجارات‪ ،‬كتاب‬
‫املكاسب‪ ،‬كتاب الصيد والذبائح‪ ،‬كتاب احلدود‪ ،‬كتاب الديات‪ ،‬كتاب الفرائض‪،‬‬
‫كتاب املواريث‪ ،‬كتاب الدعاء‪ ،‬كتاب املزار‪ ،‬كتاب الرد عىل الغالة‪ ،‬كتاب األرشبة‪،‬‬
‫كتاب املروءة (املروة)‪ ،‬كتاب الزهد‪ ،‬كتاب اخلمس‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬كتاب الشهادات‪،‬‬
‫كتاب املالحم‪ ،‬كتاب التقية‪ ،‬كتاب املؤمن‪ ،‬كتاب األيامن والنذور والكفارات‪ ،‬كتاب‬
‫املناقب‪ ،‬كتاب املثالب‪ ،‬كتاب بصائر الدرجات‪ ،‬كتاب ما روي يف أوالد األئمة [عليهم‬
‫السالم]‪ ،‬كتاب ما روي يف شعبان‪ ،‬كتاب اجلهاد‪ ،‬كتاب فضل القرآن‪ .‬أخربنا بكتبه‬
‫كلها ما خال بصائر الدرجات أبو احلسني عيل بن أمحد بن حممد بن طاهر األشعري‬

‫((( الذريعة‪.١٢٥ -١٢٤/٣ :‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪262‬‬

‫القمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حممد بن احلسن بن الوليد عنه هبا‪ .‬وأخربنا أبو عبد اهلل بن شاذان‬
‫قال‪ :‬حدثنا أمحد بن حممد بن حييى عن أبيه عنه بجميع كتبه وببصائر الدرجات‪ .‬تويف‬
‫حممد بن احلسن الصفار بقم سنة تسعني ومائتني‪.(((‬‬

‫أقول‪ :‬يظهر من كالم النجايش أوالً‪ :‬أن كتاب البصائر هو أحد كتبه‪ ،‬وليست تلك‬
‫التي ذكرها أبواب ًا للبصائر‪ .‬وثاني ًا‪ :‬إن طريقه إىل البصائر هو بواسطة أيب عبد اهلل بن‬
‫شاذان عن أمحد بن حممد بن حييى عن أبيه حممد بن حييى عن الصفار‪ ،‬والطريق ال بأس‬
‫به‪ ،‬فإن أبا عبد اهلل بن شاذان من مشايخ النجايش‪ ،‬وهو ثقة خالف ًا للشيخ املحسني(((‪،‬‬
‫وأمحد بن حممد بن حييى من مشايخ اإلجازة‪ ،‬وهو أيض ًا ثقة خالف ًا للسيد اخلوئي‪.(((‬‬

‫وقال الشيخ يف الفهرست‪ :‬حممد بن احلسن الصفار‪ ،‬قمي‪ .‬له كتب مثل كتب‬
‫احلسني بن سعيد‪ ،‬وزيادة كتاب بصائر الدرجات وغريه‪ ،‬وله مسائل كتب هبا إىل أيب‬
‫حممد احلسن بن عيل العسكري‪ .‬أخربنا بجميع كتبه ورواياته اب ُن أيب جيد‪ ،‬عن ابن‬
‫الوليد‪ ،‬عنه‪ .‬وأخربنا بذلك أيض ًا مجاعة‪ ،‬عن ابن بابويه‪ ،‬عن حممد بن احلسن‪ ،‬عن حممد‬
‫بن احلسن الصفار‪ ،‬عن رجاله‪ ،‬إال كتاب بصائر الدرجات‪ ،‬فإنه مل يروه عنه اب ُن الوليد‪.‬‬
‫احلسني بن عبيد اهلل‪ ،‬عن أمحد بن حممد بن حييى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصفار(((‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وأخربنا به‬

‫واملالحظ أن للشيخ طريق ًا واحد ًا إىل كتاب البصائر وهو‪ :‬عن الغضائري األب‪،‬‬

‫((( رجال النجايش‪.٣٥٤ :‬‬


‫((( بحوث يف علم الرجال‪.٤٢٦ :‬‬
‫((( معجم رجال احلديث‪.١٢١/٣ :‬‬
‫((( الفهرست‪.٢٢١ -٢٢٠ :‬‬
‫‪263‬‬ ‫ب�صائر الدرجات يف ف�ضائل �آل حممد‪‬‬

‫عن أمحد بن حممد بن حييى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصفار‪.‬‬

‫كتاب البصائر مع أنه روى سائر‬


‫يرو َ‬‫ويظهر من النجايش والشيخ أن ابن الوليد مل ِ‬

‫كتب الصفار‪ ،‬وربام السبب يف ذلك هو أن ابن الوليد كان يشكل عىل مضمون كتاب‬
‫البصائر ويراه غلو ًا‪.‬‬

‫وقال الشيخ يف رجاله يف أصحاب العسكري‪ :‬حممد بن احلسن الصفار‪ ،‬له‬


‫إليه‪ ‬مسائل‪ ،‬يلقب ممولة(((‪.‬‬

‫وطريقه إليه يف املشيخة‪ :‬أبو عبد اهلل حممد بن حممد بن النعامن‪ ،‬واحلسني بن عبيد‬
‫اهلل‪ ،‬وأمحد بن عبدون‪ ،‬كلهم عن أمحد بن حممد بن احلسن بن الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ .‬وأيض ًا‪:‬‬
‫أبو احلسني بن أيب جيد‪ ،‬عن حممد بن احلسن بن الوليد‪ ،‬عنه(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬يوجد يف الطريق األول أمحد بن عبدون وهو معترب عىل املختار‪ ،‬وأمحد بن‬
‫حممد بن احلسن بن الوليد وهو أيض ًا مقبول عىل املختار ألنه شيخ إجازة‪ .‬ويوجد يف‬
‫الطريق الثاين ابن أيب جيد وهو من مشايخ النجايش‪ ،‬فهو ثقة عىل املختار‪.‬‬

‫قال السيد اخلوئي‪ :‬كام أن طريق الشيخ إليه صحيح يف غري كتاب بصائر الدرجات‪،‬‬
‫بل فيه أيض ًا عىل األظهر‪ ،‬فإن يف طريقه ابن أيب جيد‪ ،‬فإنه ثقة‪ ،‬ألنه من مشايخ النجايش(((‪.‬‬

‫وقال الصدوق يف مشيخته‪ :‬وما كان فيه عن حممد بن احلسن الصفار‪ ‬فقد رويته‬

‫((( معجم رجال احلديث‪.٢٦٤/١٦ :‬‬


‫((( معجم رجال احلديث‪.٢٦٤/١٦ :‬‬
‫((( معجم رجال احلديث‪.٢٦٤/١٦ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪264‬‬

‫عن حممد بن احلسن بن أمحد بن الوليد ريض اهلل عنه عن حممد بن احلسن الصفار(((‪.‬‬
‫وهذا الطريق معترب أيض ًا‪.‬‬

‫اعتبار روايات الكتاب‬


‫هل يمكن االعتامد عىل ما ورد من كتاب بصائر الدرجات يف البحار والوسائل؟‬
‫الظاهر أنه ال يمكن ذلك لنفس السبب الذي أوردن��اه يف املحاسن وقرب اإلسناد‬
‫ومسائل عيل بن جعفر‪ ،‬وحاصله‪ :‬إن نسخ الكتاب مل تصل إىل العالمة املجليس واحلر‬
‫العاميل عن طريق املناولة واإلجازة بطريق معترب‪ ،‬بل حصال عليه عن طريق الوجادة‪.‬‬

‫هذا مضاف ًا إىل إشكال آخر‪ ،‬وهو أنه توجد نسختان للكتاب‪ :‬صغرية وكبرية‪ ،‬فأي‬
‫النسختني وصلت إىل املتأخرين؟ هذا ما يزيد يف اإلشكال‪.‬‬

‫قال الشيخ املحسني‪ :‬وعمدة الكالم هو‪ :‬السؤال عن النسخة املخطوطة له‪ ،‬وأنه‬
‫من زمان الشيخ إىل زمان املجليس واحلر العاميل أين كانت؟ وهل هي منترشة بني العلامء‬
‫أم ال؟ وعىل األول أية نسخة كانت مشتهرة منترشة‪ ،‬الصغرى أو الكربى؟ وهل يفرق‬
‫بني الكربى وبني هذه النسخة املطبوعة التي فيها (‪ )١٨٨١‬حديث ًا بحساب املعلق؟ ليس‬
‫عندي جواب‪ ،‬واهلل العامل‪ .‬وقد عرفت أنه ال اعتبار بأحاديثه املروية يف البحار والوسائل‬
‫لعدم العلم‪ ،‬بل ولعدم الظن بوصول نسخة منه إليهام معنعنة عن الشيخ أو عن املؤلف‪،‬‬
‫فهي مرسلة مأخوذة بالوجادة ظاهر ًا(((‪.‬‬

‫((( َمن ال حي ُضرَ ُه الفقيه‪.٤٣٤/٤ :‬‬


‫((( بحوث يف علم الرجال‪.٤٢٧ :‬‬
‫‪265‬‬ ‫ب�صائر الدرجات يف ف�ضائل �آل حممد‪‬‬

‫نعم‪ ،‬ما ينقله الصدوق والشيخ والكليني رمحهم اهلل عنه ال بأس به لصحة طريق‬
‫األولني إليه كام مر‪ .‬وإذا كان سندُ الكليني إليه معترب ًا أيض ًا فال بأس باألخذ به‪.‬‬

‫تنبيهات‬
‫األول‪ :‬إن هناك كتاب ًا آخر بعنوان بصائر الدرجات‪ ،‬إال أنه لسعد بن عبد اهلل‪‬‬
‫فال خيتلط عليك األمر(((‪.‬‬

‫قال الشيخ آغا بزرگ الطهراين‪ :‬بصائر الدرجات يف املناقب يف أربعة أجزاء كام‬
‫رصح به الشيخ يف الفهرست‪ ،‬وقال النجايش‪( :‬إنه لشيخ الطائفة أيب القاسم سعد بن‬
‫عبد اهلل بن أيب خلف األشعري القمي املتوىف سنة (‪٢٩٩‬هـ) أو سنة (‪٣٠١‬هـ)‪ ،‬ومل يعني‬
‫عدة أجزائه‪ ،‬وقد اخترص البصائر هذا الشيخ حسن بن سليامن بن حممد بن خالد احليل‬
‫تلميذ الشيخ الشهيد وصاحب (إثبات الرجعة) كام مر‪ ،‬ومع ترصيح الشيخ والنجايش‬
‫بأن بصائر الدرجات لسعد بن عبد اهلل ال وجه ملا استظهره صاحب الرياض يف ترمجة‬
‫الشيخ حسن بن سليامن املذكور من أن أصل بصائر الدرجات لغري سعد بن عبد اهلل‬
‫وأن سعد بن عبد اهلل اخترص البصائر فله خمترص البصائر‪ ،‬ثم إن الشيخ حسن بن سليامن‬
‫انتخب من هذا املخترص كتابه املشهور بـ(منتخب البصائر)(((‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬يرى بعض الباحثني أن كتاب بصائر الدرجات هو يف الواقع لسعد بن عبد‬
‫اهلل إال أن الصفار هو الراوي له‪.‬‬

‫((( بصائر الدرجات (املقدمة)‪.٥ :‬‬


‫((( الذريعة‪.١٢٤/٣ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪266‬‬

‫توضيح ذلك‪ :‬إن بصائر الدرجات الذي ينسب إىل حممد بن احلسن الصفار هو‬
‫يف احلقيقة رواية عن كتاب سعد بن عبد اهلل القمي‪ ،‬وحسب هذا الفرض جدّ د حممد‬
‫بن حييى العطار الذي كان يعارص سعد بن عبد اهلل قس ًام من أحاديث كتاب بصائر‬
‫الدرجات بطريقة االستخراج يف نص وحذف االسم الواسط لألحاديث يعني سعد‬
‫أن هناك بعض الروايات ُأضيفت عليها‪ ،‬واحلكمة يف وجود اسم حممد‬
‫بن عبد اهلل‪ ،‬غري ّ‬
‫بن حسن الصفار يف بداية الروايات هي ّ‬
‫أن حممد بن حييى نقل يف هذا الكتاب أحاديث‬
‫كثرية عن طريق حممد بن حسن الصفار‪ ،‬ويف احلقيقة إنه نقل روايات سعد عن طريق‬
‫أستاذه حممد بن حسن الصفار(((‪.‬‬

‫بعض آخر أن كتاب البصائر هو للصفار‪ ،‬لكن قام سعد بن عبد اهلل بتلخيصه‪،‬‬
‫ويرى ٌ‬
‫ببيان‪ّ :‬‬
‫أن أصل كتاب بصائر الدرجات كان من حممد بن حسن الصفار‪ّ ،‬‬
‫ولـخصه سعد‬
‫بن عبد اهلل األشعري‪ ،‬واختار الشيخ حسن بن سليامن بعض ًا منه‪ ،‬ويف بعض األحيان‬
‫أضاف روايات عليه‪ ،‬وهذا هو السرّ يف أننا نجد كثري ًا من روايات هذا الكتاب تشابه‬
‫روايات بصائر الدرجات للصفار‪.‬‬

‫كتاب بصائر الدرجات‪ ،‬مع أنه روى مجيع‬ ‫الثالث‪ :‬قد عرفت أنه مل ِ‬
‫يرو اب ُن الوليد َ‬
‫كتب الصفار حسب ما ذكر النجايش والشيخ‪ ،‬وقد يكون السبب يف ذلك هو أن ابن‬
‫الوليد استشم من الكتاب رائحة الغلو‪.‬‬

‫من هنا قال السيد السيستاين‪ :‬أن بصائر الدرجات من الكتب التي أعرض عنها‬
‫األكابر‪ ،‬وإذ مل يذكره ابن بابويه وأمثاله‪ ...‬أو هناك شواهد عىل أن بصائر الدرجات من‬

‫‪(1) http://ansari.kateban.com/post/3188.‬‬
‫‪267‬‬ ‫ب�صائر الدرجات يف ف�ضائل �آل حممد‪‬‬

‫الكتب التي زيد فيها(((‪.‬‬

‫وقد نقل املامقاين يف تنقيح املقال عن الوحيد البهبهاين أنه قال‪ :‬كان جدي ‪-‬أي‬
‫العالمة املجليس‪ -‬يرى أن عدم رواية ابن الوليد لكتاب بصائر الدرجات هو ألجل‬
‫الغلو فيه(((‪.‬‬

‫إال أن بعض ًا آخر شكك يف هذا األمر‪ ،‬ومل جيزم بأن ابن الوليد كان يرى ما يف‬
‫الكتاب غلو ًا‪ .‬قال الشيخ املحسني‪ :‬وجمرد عدم رواية ابن الوليد البصائر ال يقدح يف‬
‫اعتباره‪ ،‬ألن أسباب عدم الرواية متعددة‪ ،‬فتأمل(((‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬ينقل بعض الباحثني أن الصفار يروي يف بصائر الدرجات عن أمحد بن‬
‫حممد (‪ )٥٠١‬رواية‪ ،‬وعن حممد بن احلسني (‪ )٢١٧‬رواية‪ ،‬وعن حممد بن عيسى بن‬
‫عبيد (‪ )١١٠‬رواية‪ ،‬وعن إبراهيم بن هاشم (‪ )١٠٥‬رواية‪ ،‬وعن يعقوب بن يزيد (‪)٩٥‬‬
‫رواية‪ ،‬وعن عبد اهلل بن حممد بن عيسى األشعري (‪ )٥٨‬رواية‪ ،‬وعن حممد بن عبد‬
‫اجلبار القمي (‪ )٥٣‬رواية‪ ،‬وعن عبد اهلل بن جعفر احلمريي (‪ )٢٨‬رواية‪ ،‬وعن العباس‬
‫بن معروف (‪ )٢٧‬رواية‪ ،‬وعن احلسني بن حممد بن عمران األشعري (‪ )٢١‬رواية(((‪.‬‬

‫***‬

‫((( االجتهاد والتقليد ‪.٣٧٧‬‬


‫((( بصائر الدرجات (املقدمة)‪.٧ :‬‬
‫((( بحوث يف علم الرجال‪.٤٢٦ :‬‬
‫‪(4) Andrew Newman, The Formative Period of Twelver Shi’ism,‬‬
‫‪pg. 68.‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪268‬‬

‫م�شيخة احل�سن بن حمبوب‬


‫إن كتاب املشيخة للحسن بن حمبوب من الكتب الفقهية القديمة ‪-‬حيث كان‬
‫احلسن بن حمبوب معارص ًا لإلمامني الكاظم والرضا‪ -‬وليس من الكتب الرجالية‬
‫كام يوهم‪ ،‬وقد بوبه داوود بن كورة عىل معاين الفقه(((‪ .‬وقيل بأنه ورد اسم احلسن بن‬
‫أئمة أهل البيت‪ ‬تبلغ (‪ )1518‬رواية‪.‬‬
‫حمبوب يف أسانيد الكثري من الروايات عن ّ‬

‫ترجمة احل�سن بن حمبوب‬


‫قال الشيخ‪ :‬احلسن بن حمبوب الرساد‪ ،‬ويقال له‪ :‬الزراد‪ ،‬يكنى أبا عيل‪ ،‬موىل بجيلة‬
‫كويف‪ ،‬ثقة‪ ،‬روى عن أيب احلسن الرضا‪ ،‬وروى عن ستني رج ً‬
‫ال من أصحاب أيب عبد‬
‫اهلل‪ ،‬وكان جليل القدر‪ ،‬يعد يف األركان األربعة يف عرصه‪ ،‬وله كتب كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫كتاب املشيخة‪.(((...‬‬

‫وعده يف رجاله يف أصحاب الكاظم‪ ‬قائالً‪ :‬موىل ثقة‪ ،‬ويف أصحاب الرضا‪‬‬
‫قائالً‪ :‬موىل بجيلة كويف ثقة(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬رجال النجايش‪.١٥٨ :‬‬


‫((( الفهرست للشيخ ‪.٩٧ -٩٦‬‬
‫((( رجال الشيخ‪.٣٥٤ ،٣٣٤ :‬‬
‫‪269‬‬ ‫م�شيخة احل�سن بن حمبوب‬

‫وذك��ره الربقي يف أصحاب الكاظم‪ ‬مرتني‪ ،‬فمرة وصفه بالرساد و ُأخ��رى‬


‫بالزراد(((‪.‬‬

‫وعده الكيش من الفقهاء الذين أمجع أصحابنا عىل تصحيح ما يصح عنهم عند‬
‫تسمية الفقهاء من أصحاب أيب إبراهيم‪ ‬وأيب احلسن الرضا‪.(((‬‬

‫وقال الكيش يف ترمجته‪ :‬احلسن بن حمبوب‪ :‬عيل بن حممد القتيبي قال‪ :‬حدثني‬
‫جعفر بن حممد بن احلسن بن حمبوب نسبة جده احلسن بن حمبوب أن احلسن بن حمبوب‬
‫بن وهب بن جعفر بن وهب‪ ،‬وكان وهب عبد ًا سندي ًا مملوك ًا جلرير بن عبد اهلل البجيل‬
‫زراد ًا‪ ،‬فصار إىل أمري املؤمنني‪ ‬وسأله أن يبتاعه من جرير‪ ،‬فكره جرير أن خيرجه من‬
‫يده‪ ،‬فقال‪ :‬الغالم حر قد أعتقته‪ ،‬فلام صح عتقه صار يف خدمة أمري املؤمنني‪ .‬ومات‬
‫احلسن بن حمبوب يف آخر سنة أربع وعرشين ومائتني‪ ،‬وكان من أبناء مخس وسبعني‬
‫سنة‪ ...‬أمحد بن عيل القمي السلويل قال‪ :‬حدثني احلسن بن خرزاذ‪ ،‬عن احلسن بن عيل‬
‫بن النعامن‪ ،‬عن أمحد بن حممد بن أيب نرص‪ ،‬قال‪ :‬قلت أليب احلسن الرضا‪ :‬إن احلسن‬
‫بن حمبوب الزراد أتانا برسالة‪ ،‬قال‪« :‬صدق‪ ،‬ال تقل‪ :‬الزراد‪ ،‬بل قل‪ :‬الرساد‪ ،‬إن اهلل‬
‫الس ِد﴾ »‪ .‬قال نرص بن الصباح‪ :‬ابن حمبوب مل يكن يروي عن‬‫رَّ ْ‬
‫تعاىل يقول‪َ ﴿ :‬و َقدِّ ْر فيِ‬

‫ابن فضال‪ ،‬بل هو أقدم من ابن فضال وأس ّن‪ ،‬وأصحابنا يتهمون ابن حمبوب يف روايته‬
‫عن ابن أيب محزة‪ ،‬وسمعت أصحابنا أن حمبوب ًا أبا احلسن كان يعطي احلسن بكل حديث‬

‫((( معجم رجال احلديث‪٩٧/٦ :‬‬


‫((( معجم رجال احلديث‪٩٧/٦ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪270‬‬

‫يكتبه عن عيل بن رئاب درمه ًا واحد ًا(((‪.‬‬

‫والعجيب أن النجايش مل يرتجم للحسن بن حمبوب يف رجاله‪ ،‬مع أنه قد ذكره يف‬
‫ترمجة جعفر بن بشري قائالً‪ :‬له كتاب املشيخة مثل كتاب احلسن بن حمبوب إال أنه أصغر‬
‫منه(((‪ ،‬وأيض ًا ذكر يف ترمجة داوود بن كورة أنه ّبوب كتاب املشيخة للحسن بن حمبوب‬
‫الرساد عىل معاين الفقه(((‪ ،‬وهذا يعني أنه كان مطلع ًا عىل كتابه املشيخة‪.‬‬

‫الطرق �إىل كتاب امل�شيخة‬


‫قال الصدوق يف مشيخة الفقيه‪ :‬وما كان فيه عن احلسن بن حمبوب فقد رويته عن‬
‫حممد بن موسى بن املتوكل ريض اهلل عنه‪ ،‬عن عبد اهلل بن جعفر احلمريي وسعد بن عبد‬
‫اهلل‪ ،‬عن أمحد بن حممد بن عيسى‪ ،‬عن احلسن بن حمبوب(((‪ ،‬والطريق معترب‪.‬‬

‫وقال الشيخ يف مشيخة التهذيب‪ :‬ومن مجلة ما ذكرته عن احلسن بن حمبوب ما‬
‫رويته هبذه األسانيد عن عيل بن إبراهيم عن أبيه عن احلسن بن حمبوب(((‪ ،‬والطريق‬
‫معترب‪.‬‬

‫وقال يف الفهرست‪ :‬أخربنا بجميع كتبه ورواياته‪ :‬عدة من أصحابنا‪ ،‬عن أيب جعفر‬

‫((( معجم رجال احلديث‪٩٧/٦ :‬‬


‫((( رجال النجايش‪.١١٩ :‬‬
‫((( املصدر‪.١٥٨ :‬‬
‫((( َمن ال حي ُضرَ ُه الفقيه‪.٤٥٣/٤ :‬‬
‫((( هتذيب األحكام ‪.٥٤-٥٢/١٠‬‬
‫‪271‬‬ ‫م�شيخة احل�سن بن حمبوب‬

‫حممد بن عيل بن احلسني بن بابويه القمي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد بن عبد اهلل‪ ،‬عن اهليثم بن‬
‫أيب مرسوق‪ ،‬ومعاوية بن حكيم‪ ،‬وأمحد بن حممد بن عيسى‪ ،‬عن احلسن بن حمبوب‪.‬‬
‫وأخربنا ابن أيب جيد‪ ،‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن أمحد بن حممد‪ ،‬ومعاوية بن‬
‫حكيم‪ ،‬واهليثم بن أيب مرسوق‪ ،‬كلهم عن احلسن بن حمبوب‪ .‬وأخربنا‪ :‬أمحد بن حممد‬
‫بن موسى بن الصلت‪ ،‬عن أمحد بن حممد بن سعيد بن عقدة‪ ،‬عن جعفر بن عبيد اهلل‪،‬‬
‫عن احلسن بن حمبوب‪ .‬وأخربنا بكتاب املشيخة قراءة عليه أمحد بن عبدون‪ ،‬عن عيل‬
‫بن حممد بن الزبري‪ ،‬عن أمحد بن احلسني بن عبد امللك األزدي األودي‪ ،‬عن احلسن بن‬
‫حمبوب(((‪.‬‬

‫قال السيد اخلوئي‪ :‬وطريق الشيخ إليه صحيح يف املشيخة والفهرست(((‪.‬‬

‫***‬

‫((( الفهرست للشيخ ‪.٩٧ -٩٦‬‬


‫((( معجم رجال احلديث‪.٩٧/٦ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪272‬‬

‫كتاب �سليم بن قي�س الهاليل‬


‫إنه ملصنفه سليم بن قيس اهلاليل‪ ،‬وهو ممن أدرك مخسة من املعصومني‪ :‬أمري املؤمنني‬
‫واحلسن واحلسني وزين العابدين والباقر‪ ،‬وقد تويف يف عهد اإلمام زين العابدين‪.‬‬
‫قيل‪ :‬إنه من أقدم الكتب تصنيف ًا يف صدر اإلسالم‪ ،‬بل يأيت يف التسلسل الزمني بعد‬
‫كتاب (السنن) أليب رافع الذي هو أقدم تصنيف يف اإلسالم‪ .‬وأما الراوي للكتاب‬
‫عن سليم فهو أبان بن أيب عياش الذي مل تثبت وثاقته‪ ،‬وقيل يوجد ٍ‬
‫راو آخر للكتاب‬
‫وهو إبراهيم بن عمر الصنعاين الثقة‪ .‬وكيف كان‪ ،‬فقد تباينت وتعددت األقوال حول‬
‫الكتاب‪.‬‬

‫قال الشيخ آغا بزرگ الطهراين‪ :‬أصل سليم بن قيس اهلاليل أيب صادق العامري‬
‫والباقر‪،‬‬
‫َ‬ ‫وعيل ب َن احلسني‬
‫َّ‬ ‫واحلسني‬
‫َ‬ ‫أمري املؤمنني علي ًا واحلس َن‬
‫الكويف التابعي‪ .‬أدرك َ‬
‫وتويف يف حياة عيل بن احلسني متسرت ًا عن احلجاج أيام إمارته‪ .‬هو من األُصول القليلة‬
‫التي أرشنا إىل أهنا ُألفت قبل عرص الصادق‪.(((‬‬

‫وقال‪ :‬كتاب سليم هذا من األُصول الشهرية عند اخلاصة والعامة‪ .‬قال ابن النديم‪:‬‬
‫«هو أول كتاب ظهر للشيعة»‪ ،‬ومراده أنه أول كتاب ظهر فيه أمر الشيعة‪ ،‬كام ُأشري إليه‬

‫((( الذريعة‪.١٥٢/٢ :‬‬


‫‪273‬‬ ‫كتاب �سليم بن قي�س الهاليل‬

‫يف احلديث توصيفه بأنه أبجد الشيعة‪ .‬وقال القايض بدر الدين السبكي املتوىف سنة‬
‫(‪٧٦٩‬هـ) يف (حماسن الوسائل يف معرفة األوائل)‪« :‬أن أول كتاب ُصنّف للشيعة هو‬
‫كتاب سليم بن قيس اهلاليل»‪ .‬أقول‪( :‬كتاب السنن) تصنيف أيب رافع املتوىف يف العرش‬
‫اخلامس واشرتى معاوية داره بعد موته مقدّ ٌم عاد ًة عىل تصنيف سليم املتوىف يف إمارة‬
‫احلجاج حدود سنة (‪٩٠‬هـ)(((‪.‬‬

‫كثري من قدماء األصحاب يف كتبهم (إثبات الرجعة) و(االحتجاج)‬


‫وقال‪ :‬نقل ٌ‬
‫و(االختصاص) و(عيون املعجزات) و( َمن ال حيضرَ ُ ُه الفقيه) و(بصائر الدرجات)‬
‫و(الكايف) و(اخلصال) و(تفسري فرات) و(تفسري حممد بن العباس بن ماهيار) و(الدر‬
‫النظيم يف مناقب األئمة اللهاميم) من كتاب سليم بأسانيد متعددة‪ ،‬تنتهي أكثرها إىل‬
‫أبان بن أيب عياش فريوز‪ ،‬الذي ناوله سليم الكتاب وأوصاه به قرب موته(((‪.‬‬

‫ترجمة �سليم بن قي�س الهاليل‬


‫ال بد من التعرض إىل ترمجة سليم بن قيس‪ ،‬مع ذكر الطرق إليه يف كتب الرجال‪،‬‬
‫فنقول‪:‬‬

‫قال النجايش‪ :‬سليم بن قيس اهلاليل له كتاب‪ ،‬يكنى أبا صادق‪ ،‬أخربين عيل بن‬
‫أمحد القمي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حممد بن احلسن بن الوليد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حممد بن أيب القاسم‬
‫ماجيلويه‪ ،‬عن حممد بن عيل الصرييف‪ ،‬عن محاد بن عيسى وعثامن بن عيسى‪ ،‬قال محاد‬

‫((( املصدر‪.‬‬
‫((( املصدر‪.‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪274‬‬

‫بن عيسى‪ :‬وحدثناه إبراهيم بن عمر اليامين‪ ،‬عن سليم بن قيس بالكتاب(((‪.‬‬

‫وقال يف ترمجة هبة اهلل أمحد بن حممد الكاتب‪ :‬وكان يتعاطى الكالم وحيرض جملس‬
‫أيب احلسني بن الشيبة العلوي الزيدي املذهب‪ ،‬فعمل له كتاب ًا‪ ،‬وذكر أن األئمة ثالثة‬
‫عرش مع زيد بن عيل بن احلسني‪ ،‬واحتج بحديث يف كتاب سليم بن قيس اهلاليل أن‬
‫األئمة اثنا عرش من ُولد أمري املؤمنني‪.(((‬‬

‫وقال الشيخ يف الفهرست‪ :‬سليم بن قيس اهلاليل‪ :‬يكنى أبا صادق‪ ،‬له كتاب‬
‫أخربنا به ابن أيب جيد‪ ،‬عن حممد بن احلسن بن الوليد‪ ،‬عن حممد بن أيب القاسم امللقب‬
‫بـ(ماجيلويه)‪ ،‬عن حممد بن عيل الصرييف‪ ،‬عن محاد بن عيسى وعثامن بن عيسى‪ ،‬عن‬
‫أبان بن أيب عياش‪ ،‬عنه‪ ،‬ورواه محاد بن عيسى‪ ،‬عن إبراهيم بن عمر اليامين‪ ،‬عنه(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬الحظ كيف ذكر النجايش والشيخ له طريقني‪ :‬أحدمها ينتهي إىل أبان بن أيب‬
‫عياش عن سليم‪ ،‬والثاين ينتهي إىل إبراهيم بن عمر عن سليم‪.‬‬

‫وعدّ ه الشيخ يف رجاله يف أصحاب أمري املؤمنني‪ ،‬ويف أصحاب احلسن‪،‬‬


‫ويف أصحاب احلسني‪ ،‬قائالً‪ :‬سليم بن قيس اهلاليل‪ .‬ويف أصحاب السجاد‪ ‬قائالً‪:‬‬
‫سليم بن قيس اهلاليل ثم العامري الكويف صاحب أمري املؤمنني‪ .‬وعده من أصحاب‬
‫الباقر‪.(((‬‬

‫((( رجال النجايش‪.٨ :‬‬


‫((( رجال النجايش‪.٤٤٠ :‬‬
‫((( الفهرست‪.١٤٣ :‬‬
‫((( انظر‪ :‬رجال الشيخ‪.١٣٦ ،١١٤ ،١٠١ ،٩٤ ،٦٦ :‬‬
‫‪275‬‬ ‫كتاب �سليم بن قي�س الهاليل‬

‫وعدّ ه الربقي من األولياء من أصحاب أمري املؤمنني‪ ،‬ويف أصحاب أيب حممد‬
‫احلسن بن عيل‪ ،‬وأيب عبد اهلل احلسني بن عيل‪ ‬من أصحاب أمري املؤمنني‪ ،‬وكنّاه‬
‫يف األخري بـ(أيب صادق)‪ ،‬وعدّ ه يف أصحاب السجاد‪ ‬من أصحاب أمري املؤمنني‪‬‬
‫مقترص ًا عىل كنيته‪ ،‬وقال عند عده يف أصحاب الباقر‪ ‬من أصحاب أمري املؤمنني‪:‬‬
‫أبو صادق سليم بن قيس اهلاليل(((‪.‬‬

‫وقال الكيش‪ :‬سليم بن قيس اهلاليل‪ .‬حدثني حممد بن احلسن الرباثي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫احلسن بن عيل بن كيسان‪ ،‬عن إسحاق بن إبراهيم بن عمر اليامين‪ ،‬عن ابن أذينة‪ ،‬عن‬
‫أبان بن أيب عياش‪ ،‬قال‪ :‬هذا نسخة كتاب سليم بن قيس العامري ثم اهلاليل دفعه إىل‬
‫أبان بن أيب عياش وقرأه‪ ،‬وزعم أبان أنه قرأه عىل عيل بن احلسني‪ .‬قال‪« :‬صدق سليم‬
‫رمحة اهلل عليه‪ ،‬هذا حديث نعرفه»‪.‬‬

‫حممد بن احلسن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا احلسن بن عيل بن كيسان‪ ،‬عن إسحاق بن إبراهيم‪،‬‬
‫عن ابن أذينة‪ ،‬عن أبان بن أيب عياش‪ ،‬عن سليم بن قيس اهلاليل‪ ،‬قال‪ :‬قلت ألمري‬
‫املؤمنني‪ :‬إين سمعت من سلامن ومن مقداد ومن أيب ذر أشياء يف تفسري القرآن ومن‬
‫الرواية عن النبي‪ ،‬وسمعت منك تصديق ما سمعت منهم‪ ،‬ورأيت يف أيدي الناس‬
‫أشياء كثرية من تفسري القرآن ومن األحاديث عن نبي اهلل‪ ‬أنتم ختالفوهنم ‪-‬وذكر‬
‫احلديث بطوله‪ -‬قال أبان‪ :‬فقدر يل بعد موت عيل بن احلسني‪ ‬أين حججت‪ ،‬فلقيت‬
‫أبا جعفر حممد بن عيل‪ ،‬فحدثت هبذا احلديث كله مل أخطئ منه حرف ًا‪ ،‬فاغرورقت‬
‫عيناه‪ ،‬ثم قال‪« :‬صدق سليم‪ ،‬قد أتى أيب بعد قتل جدي احلسني‪ ،‬وأنا قاعد عنده‬

‫((( معجم رجال احلديث‪.٢٢٧/٩ :‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪276‬‬

‫فحدثه هبذا احلديث بعينه‪ ،‬فقال له أيب‪ :‬صدقت قد حدثني أيب وعمي احلسن‪ ‬هبذا‬
‫احلديث‪ ،‬عن أمري املؤمنني‪ ‬فقاال لك‪ :‬صدقت‪ ،‬قد حدثك بذلك ونحن شهود‪ ،‬ثم‬
‫حدثناه أهنام سمعا ذلك من رسول اهلل»‪ ،‬ثم ذكر احلديث بتاممه(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬إن الناقل هلذين احلديثني أبان بن أيب عياش‪ ،‬وهو ممن مل تثبت وثاقته‪ ،‬فال‬
‫جمال للجزم بأن الكتاب قد ُعرض عىل األئمة األطهار‪.‬‬

‫وقال ابن شهرآشوب يف معامل العلامء‪ :‬سليم بن قيس اهلاليل صاحب األحاديث‬
‫له كتاب(((‪.‬‬

‫مواقف خمتلفة من كتاب �سليم‬


‫يظهر من البعض رفض الكتاب ونسبته إىل الوضع؛ كابن الغضائري‪.‬‬

‫قال‪ :‬سليم بن قيس اهلاليل العامري‪ .‬روى عن أيب عبد اهلل‪ ،‬واحلسن‪،‬‬
‫واحلسني‪ ،‬وعيل بن احلسني‪ ،‬وينسب إليه هذا الكتاب املشهور‪ ،‬وكان أصحابنا‬
‫يقولون‪ :‬إن سلي ًام ال يعرف وال ذكر يف خرب‪ ،‬وقد وجدت ذكره يف مواضع من غري جهة‬
‫كتابه وال من رواية أبان بن أيب عياش‪ ،‬وقد ذكر ابن عقدة يف رجال أمري املؤمنني‪‬‬
‫أحاديث عنه‪ ،‬والكتاب موضوع ال مرية فيه‪ ،‬وعىل ذلك عالمات فيه تدل عىل ما‬
‫ذكرناه‪ ،‬منها‪ :‬ما ذكر أن حممد بن أيب بكر وعظ أباه عند املوت‪ ،‬ومنها‪ :‬أن األئمة ثالثة‬
‫عرش‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬وأسانيد هذا الكتاب ختتلف تارة برواية عمر بن ُأذينة‪ ،‬عن إبراهيم‬

‫((( معجم رجال احلديث‪.٢٢٧/٩ :‬‬


‫((( معامل العلامء‪.٩٣ :‬‬
‫‪277‬‬ ‫كتاب �سليم بن قي�س الهاليل‬

‫بن عمر الصنعاين‪ ،‬عن أبان بن أيب عياش‪ ،‬عن سليم‪ ،‬و(تارة) يروي عن عمر‪ ،‬عن أبان‬
‫بال واسطة(((‪.‬‬

‫وقال يف ترمجة أبان بن أيب عياش‪ :‬ونسب أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس‬
‫إليه(((‪.‬‬

‫ويظهر من الشيخ املفيد‪ ‬يف آخر كتابه تصحيح االعتقاد التوقف يف العمل بجميع‬
‫ما يف الكتاب ألنه غري موثوق به‪ .‬قال‪ :‬وأما ما تعلق به أبو جعفر‪ ‬من حديث سليم‬
‫الذي رجع فيه إىل الكتاب املضاف إليه برواية أبان بن أيب عياش‪ ،‬فاملعنى فيه صحيح‪،‬‬
‫غري أن هذا الكتاب غري موثوق به‪ ،‬وقد حصل فيه ختليط وتدليس‪ ،‬فينبغي للمتدين أن‬
‫جيتنب العمل بكل ما فيه‪ ،‬وال يعول عىل مجلته والتقليد لروايته‪ ،‬وليفزع إىل العلامء فيام‬
‫تضمنه من األحاديث‪ ،‬ليوقفوه عىل الصحيح منها والفاسد‪ ،‬واهلل املوفق للصواب(((‪.‬‬

‫ويظهر من العالمة أن املصنف عادل‪ ،‬لكن ينبغي التوقف يف الفاسد من الكتاب‪.‬‬


‫قال‪ ‬يف اخلالصة‪ :‬روى الكيش أحاديث تشهد بشكره وصحة كتابه‪ ،‬ويف الطريق‬
‫قول‪ ،‬وقد ذكرناها يف كتابنا الكبري‪ ...‬ثم نقل كالم النجايش‪ ...‬إىل أن قال‪ :‬قال السيد‬
‫عيل بن أمحد العقيقي‪ :‬كان سليم بن قيس من أصحاب أمري املؤمنني‪ ،‬طلبه احلجاج‬
‫عيل‬
‫ليقتله‪ ،‬فهرب وأوى إىل أبان بن أيب عياش‪ ،‬فلام حرضته الوفاة قال ألبان‪ :‬إن لك ّ‬
‫حق ًا‪ ،‬وقد حرضين املوت يا ابن أخي‪ ،‬إنه كان من األمر بعد رسول اهلل‪ ‬كيت وكيت‪،‬‬

‫((( رجال ابن الغضائري ‪.٦٤ -٦٣‬‬


‫((( رجال ابن الغضائري ‪.٣٦‬‬
‫((( تصحيح اعتقادات اإلمامية ‪.١٤٩‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪278‬‬

‫وأعطاه كتاب ًا فلم ِ‬


‫يرو عن سليم بن قيس أحدٌ من الناس سوى أبان بن أيب عياش‪ ،‬وذكر‬
‫أبان يف حديثه‪ ،‬قال‪ :‬كان شيخ ًا متعبد ًا‪ ،‬له نور يعلوه‪ ...‬ثم نقل كالم ابن الغضائري‬
‫إىل أن قال‪ :‬والوجه عندي احلكم بتعديل املشار إليه‪ ،‬والتوقف يف الفاسد من كتابه(((‪.‬‬

‫آخر إىل اعتبار الكتاب‪.‬‬


‫مجع ٌ‬
‫هذا‪ ،‬وقد ذهب ٌ‬

‫قال النعامين يف كتاب الغيبة يف باب ما روي يف أن األئمة اثنا عرش إمام ًا‪ :‬وليس‬
‫خالف يف أن كتاب سليم بن‬
‫ٌ‬ ‫بني مجيع الشيعة ‪-‬ممن محل العلم ورواه عن األئمة‪-‬‬
‫قيس اهلاليل أصل من أكرب كتب األُصول‪ ،‬التي رواها أهل العلم محلة حديث أهل‬
‫البيت‪ ‬وأقدمها‪ ،‬وإن مجيع ما اشتمل عليه هذا األصل إنام هو عن رسول اهلل‪،‬‬
‫وأمري املؤمنني‪ ،‬واملقداد‪ ،‬وسلامن الفاريس‪ ،‬وأيب ذر‪ ،‬و َمن جرى جمراهم ممن شهد‬
‫رسول اهلل‪ ،‬وأمري املؤمنني‪ ‬وسمع منهام‪ ،‬وهو [من] األُصول التي ترجع الشيعة‬
‫إليها وتعول عليها‪ ،‬وإنام أوردنا بعض ما اشتمل عليه الكتاب وغريه من وصف رسول‬
‫إن األئم َة من‬
‫اهلل‪ ‬واألئمة االثني عرش‪ ،‬وداللته عليهم وتكرير ذكر عدهتم‪ ،‬وقوله‪ّ :‬‬

‫ُولد احلسني تسع ٌة تاس ُعهم ُ‬


‫قائمهم(((‪.‬‬

‫وقال العالمة املجليس يف مقدمة البحار‪ :‬وكتاب سليم بن قيس يف غاية االشتهار‪،‬‬
‫وقد طعن فيه مجاعة‪ ،‬واحلق أنه من األُصول املعتربة‪ ،‬وسنتكلم فيه ويف أمثاله يف املجلد‬
‫اآلخر من كتابنا‪ ،‬وسنورد أسناده يف الفصل اخلامس(((‪.‬‬

‫((( خالصة األقوال ‪.١٦٣ -١٦٢‬‬


‫((( الغيبة للنعامين ‪.١٠٢ -١٠١‬‬
‫((( بحار األنوار‪.٣٢/١ :‬‬
‫‪279‬‬ ‫كتاب �سليم بن قي�س الهاليل‬

‫وقال السيد هاشم البحراين‪ :‬هو كتاب مشهور معتمد‪ ،‬نقل منه املصنفون يف‬
‫كتبهم(((‪.‬‬

‫وقال احلر العاميل‪ :‬والذي وصل إلينا من نسخه ليس فيه يشء فاسد‪ ،‬وال يشء مما‬
‫استدل به عىل الوضع‪ ،‬ولعل املوضوع الفاسد غريه‪ ،‬ولذلك مل يشتهر ومل يصل إلينا(((‪.‬‬

‫ترجمة �أبان بن �أبي عيا�ش‬


‫قيل بأن أبان بن أيب عياش هو الراوي الوحيد لكتاب سليم‪ ،‬وهو مل يوثق‪.‬‬

‫فقد عدّ ه الشيخ يف رجاله من أصحاب السجاد‪ ‬والباقر‪ ‬والصادق‪ ،‬وقال‬


‫عند ذكره يف أصحاب الباقر‪ :‬تابعي ضعيف‪ ،‬وعند ذكره يف أصحاب الصادق‪‬‬
‫قال‪ :‬البرصي تابعي(((‪.‬‬

‫وقال ابن الغضائري‪ :‬أبان بن أيب عياش ‪-‬واسم عياش هارون‪ -‬تابعي‪ ،‬روى عن‬
‫أنس بن مالك‪ ،‬وروى عن عيل بن احلسني‪ ،‬ضعيف ال ُيلتفت إليه‪ ،‬وينسب أصحابنا‬
‫وضع كتاب سليم بن قيس إليه(((‪.‬‬

‫وذك��ره الربقي يف أصحاب السجاد‪ ‬والباقر‪ ‬ومن أصحاب احلسن‪‬‬

‫((( غاية املرام وحجج اخلصام ‪.٣١٣/٥‬‬


‫((( الوسائل‪ ٢١٠/٢٠ :‬اإلسالمية‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬رجال الشيخ‪.١٦٤ ،١٢٦ ،١٠٩ :‬‬
‫((( رجال ابن الغضائري ‪.٣٦‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪280‬‬

‫واحلسني‪.(((‬‬

‫وقال السيد اخلوئي‪ :‬مل نظفر برواية محاد بن عيسى‪ ،‬وعثامن بن عيسى‪ ،‬عن أبان‬
‫بن أيب عياش(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬ال اعتبار بتضعيف ابن الغضائري مستق ً‬


‫ال وإنام يصلح للتأييد‪ ،‬والعمدة هو‬
‫تضعيف الشيخ إياه‪ .‬ومحاد بن عيسى وعثامن بن عيسى وإن كانا من أصحاب اإلمجاع‬
‫‪-‬عىل ٍ‬
‫قول يف الثاين‪ -‬إال أنه قد عرفت من السيد اخلوئي أنه مل تثبت روايتهام عن أبان‪.‬‬
‫ال عن السيد العقيقي‪ :‬فلم ِ‬
‫يرو عن سليم بن قيس أحدٌ من الناس‬ ‫وقال العالمة نق ً‬
‫سوى أبان بن أيب عياش(((‪.‬‬

‫�إبراهيم بن عمر اليماين ال�صنعاين‬


‫وقيل بأنه يوجد ٍ‬
‫راو آخر لكتاب سليم‪ ،‬وهو إبراهيم بن عمر؛ وذلك بشهادة‬
‫النجايش والشيخ‪ ،‬والدليل عىل ذلك ما قاله الشيخ يف الفهرست‪ :‬ورواه محاد بن‬
‫عيسى‪ ،‬عن إبراهيم بن عمر اليامين‪ ،‬عنه(((‪ .‬وكذلك ما قاله النجايش‪ :‬قال محاد بن‬
‫عيسى‪ :‬وحدثناه إبراهيم بن عمر اليامين‪ ،‬عن سليم بن قيس بالكتاب(((‪.‬‬

‫((( معجم رجال احلديث‪.١٣٠/١ :‬‬


‫((( معجم رجال احلديث‪.١٣٠/١ :‬‬
‫((( خالصة األقوال ‪.١٦٣ -١٦٢‬‬
‫((( الفهرست‪.١٤٣ :‬‬
‫((( رجال النجايش‪.٨ :‬‬
‫‪281‬‬ ‫كتاب �سليم بن قي�س الهاليل‬

‫من هنا قال الشيخ آغا بزرگ الطهراين‪ :‬ولكن يرويه غري أبان أيض ًا عن سليم‬
‫بغري مناولة كام يظهر من األسانيد‪ ،‬فممن يروي عن سليم بغري مناولة إبراهيم بن عمر‬
‫اليامين‪ ،‬فإنه يروي محاد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر عن سليم بال واسطة‪ ،‬وقد رصح‬
‫هبذا السند النجايش والشيخ الطويس‪ ،‬وال ينافيه ثبوت الواسطة أيض ًا‪ ،‬كام وقع يف‬
‫(إثبات الرجعة) من رواية حممد بن إسامعيل بن بزيع عن محاد بن عيسى املذكور عن‬
‫إبراهيم بن عمر اليامين عن أبان بن أيب عياش عن سليم‪ ،‬وكذا يف أسانيد ُأخرى‪ ،‬بل‬
‫يظهر منهام أن إبراهيم يروي عن سليم بال واسطة وبواسطة أبان أيض ًا‪ ،‬بل يف بعض‬
‫األسانيد يروي عنه بوسائط كثرية‪ ،‬كام يف صدر بعض نسخ أصل سليم هكذا‪( :‬عن‬
‫إبراهيم بن عمر اليامين عن عمه عبد الرزاق بن مهام الذي تويف سنة (‪٢١١‬هـ) عن أبيه‬
‫مهام بن نافع الصنعاين احلمريي عن أبان بن أيب عياش عن سليم بن قيس)‪ .‬وأيض ًا‪:‬‬
‫(إبراهيم عن عبد الرزاق عن معمر بن راشد عن أبان عن سليم بن قيس)‪ ،‬وذلك ألن‬
‫هؤالء كانوا متعارصين‪ ،‬وألجل تكثري الطرق املفيد لكثرة الوثوق كان يتحمل بعضهم‬
‫عن بعض‪ ،‬وإن كان له طريق أعىل وبال واسطة(((‪.‬‬

‫وقال‪ :‬من هنا ظهر أن مراد السيد عيل بن أمحد العقيقي و َمن تبعه مثل ابن النديم‬
‫وغريه من عدم رواية غري أبان عن سليم ليس إال عدم مناولة كتابه لغري أبان أو اإلخبار‬
‫بعدم االطالع عىل رواية غري أبان عن سليم‪ ،‬فال ينايف ما وجدناه من رواية غريه عنه يف‬
‫كتب القدماء املؤلفة قبل هؤالء‪ ،‬فإن إخبارهم بالعلم بالعدم مع أنه جزاف ال جيدي لنا‬
‫مع كشف اخلالف‪ ،‬وال سيام مع اعرتاف ابن الغضائري الذي مل ينتقد كتاب سليم غريه‬

‫((( الذريعة‪.١٥٥-١٥٣/١٧ :‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪282‬‬

‫بوجدانه رواية كتاب سليم من غري طريق أبان(((‪.‬‬

‫وقال‪ :‬إبراهيم بن عمر اليامين الذي مر أنه ممن يروي عن سليم بال واسطة أيض ًا‪،‬‬
‫و(منهم) مهام بن نافع الصنعاين كام يف سند بعض نسخ أصل سليم‪ ،‬و(منهم) حممد بن‬
‫مروان السندي كام يف السند املذكور يف تفسري فرات‪ ،‬و(منهم) نرص بن مزاحم كام يف‬
‫السند املذكور يف تفسري حممد بن العباس بن ماهيار(((‪.‬‬

‫وقد تبع السيد اخلوئي الشيخ الطهراين يف دعوى رواية إبراهيم بن عمر عن سليم‪،‬‬
‫قائالً‪ :‬وأما ما ذكره ابن الغضائري من انحصار راوي كتاب سليم بن قيس بأبان‪ ،‬فريده‬
‫ما ذكره النجايش‪ ،‬والشيخ من رواية محاد بن عيسى‪ ،‬عن إبراهيم بن عمر الصنعاين‪،‬‬
‫عنه كتابه(((‪.‬‬

‫وأشكل سيدنا األُستاذ بأنه ال يمكن أن يروي إبراهيم بن عمر عن سليم بن قيس‬
‫مبارشة؛ ألن سليم من الطبقة الثانية وإبراهيم بن عمر من أحداث الطبقة الرابعة‪ .‬وأما‬
‫الروايات التي يبدو منها رواية إبراهيم بن عمر عن سليم مبارشة ففيها سقط‪ ،‬والظاهر‬
‫أن الواسطة بينهام هو أبان بن أيب عياش‪.‬‬

‫قال‪ :‬ولكن من املظنون قوي ًا وقوع السقط يف السند املذكور يف الكتابني‪ ،‬فإن‬
‫سليم بن قيس من الطبقة الثانية‪ ،‬وإبراهيم بن عمر من أحداث الطبقة الرابعة‪ ،‬والظاهر‬
‫أنه مل يدركه‪ ...‬وبذلك يظهر أن ما ورد يف بعض مواضع الكايف من رواية إبراهيم بن‬

‫((( الذريعة‪.١٥٥/١٧ :‬‬


‫((( الذريعة‪.١٥٦/١٧ :‬‬
‫((( املعجم‪.٢٢٧/٩ :‬‬
‫‪283‬‬ ‫كتاب �سليم بن قي�س الهاليل‬

‫عمر عن سليم مبارشة يشتمل عىل السقط(((‪.‬‬

‫وأرص عىل إمكان رواية إبراهيم بن عمر‬


‫ّ‬ ‫إال أن السيد اخلوئي مل يقبل هذا اإلشكال‬
‫عن سليم مبارشة‪ ،‬قائالً‪ :‬ثم إن بعض أهل الفن قد استغرب رواية إبراهيم بن عمر عن‬
‫سليم بال واسطة‪ ،‬واستظهر سقوط الواسطة‪ ،‬وأن الصحيح‪ :‬رواية إبراهيم‪ ،‬عن ابن‬
‫أذينة‪ ،‬عن أبان‪ ،‬عن سليم‪ ،‬كام يف الكايف‪.‬‬

‫أقول‪ :‬هذا االستغراب غريب! فإن رواية إبراهيم بن عمر‪ ،‬عن سليم مع الواسطة‬
‫أحيان ًا ال ينايف روايته عنه كتابه بال واسطة‪ ،‬فإن إبراهيم بن عمر من أصحاب الباقر‪،‬‬
‫فيمكن أن يروي عن سليم بال واسطة(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬إن الشيخ عدّ سلي ًام يف رجاله من أصحاب اإلمام الباقر‪ ،‬وذكر النجايش‬
‫أن إبراهيم بن عمر قد روى عن الباقر‪ ‬أيض ًا‪ .‬وعليه‪ ،‬فيوجد احتامل عقالئي بأن‬
‫إبراهيم بن عمر قد روى عن سليم مبارشة‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وخيطر يف البال احتامل آخر‪ :‬وهو أن إبراهيم بن عمر قد روى عن كتاب‬
‫سليم مرة بواسطة أبان و ُأخرى من دون واسطة‪ ،‬وذلك فيام إذا وجد الكتاب عند أبان‬
‫ونظر فيه فروى عنه‪ ،‬ولعل قول الشيخ آغا بزرگ‪( :‬بغري مناولة) يشري إىل ذلك‪.‬‬

‫ثم إن إبراهيم بن عمر تعارض يف حقه التوثيق واجلرح‪.‬‬

‫قال النجايش‪ :‬إبراهيم بن عمر اليامين الصنعاين شيخ من أصحابنا ثقة روى عن أيب‬

‫((( قبسات من علم الرجال‪.٢٠٠/٢ :‬‬


‫((( املعجم‪.٢٧٧/٩ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪284‬‬

‫جعفر وأيب عبد اهلل‪ ،‬ذكر ذلك أبو العباس وغريه‪ .‬له كتاب يرويه عنه محاد بن عيسى‬
‫وغريه‪ ،‬أخربنا حممد بن عثامن قال‪ :‬حدثنا أبو القاسم جعفر بن حممد قال‪ :‬حدثنا عبيد‬
‫اهلل بن أمحد بن هنيك قال‪ :‬حدثنا ابن أيب عمري عن محاد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر‬
‫به(((‪.‬‬

‫وقال ابن الغضائري‪ :‬إبراهيم بن عمر‪ ،‬الصنعاين‪ ،‬اليامين‪ ،‬يكنى أبا إسحاق‪.‬‬
‫ضعيف جد ًا‪ .‬روى عن أيب جعفر‪ ،‬وأيب عبد اهلل‪ ،‬وله كتاب(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬إن تضعيف إبراهيم مبني عىل قبول تضعيفات ابن الغضائري‪ ،‬وأما َمن ال‬
‫يقبلها فتوثيق النجايش يبقى بال معارض‪.‬‬

‫ثم إنه يوجد أبو سمينة حممد بن عيل الصرييف يف طريق رواية إبراهيم بن عمر‪ ،‬وهو‬
‫ضعيف‪.‬‬

‫فقد ضع ّفه النجايش رصحي ًا‪ ،‬قائالً‪ :‬حممد بن عيل بن إبراهيم بن موسى أبو جعفر‬
‫القريش‪ ،‬موالهم صرييف‪ ...‬وكان يلقب حممد بن عيل أبا سمينة‪ ،‬ضعيف جد ًا‪ ،‬فاسد‬
‫االعتقاد‪ ،‬ال ُيعتمد يف يشء‪ ،‬وكان ورد قم‪ ،‬وقد اشتهر بالكذب بالكوفة‪ ،‬ونزل عىل‬
‫أمحد بن حممد بن عيسى مدة‪ ،‬ثم تشهر بالغلو فجفا‪ ،‬وأخرجه أمحد بن حممد بن عيسى‬
‫عن قم‪ ،‬وله قصة(((‪.‬‬

‫وقال عنه ابن الغضائري‪ :‬حممد بن عيل بن إبراهيم الصرييف‪ ،‬ابن أخت خالد‬

‫((( رجال النجايش‪.٢٠ :‬‬


‫((( رجال ابن الغضائري ‪.٣٦‬‬
‫((( معجم رجال احلديث‪.٣٢٠/١٧ :‬‬
‫‪285‬‬ ‫كتاب �سليم بن قي�س الهاليل‬

‫املقرئ أبو جعفر امللقب بأيب سمينة‪ :‬كويف‪ ،‬كذاب‪ٍ ،‬‬


‫غال‪ ،‬دخل قم واشتهر أمره هبا‪،‬‬
‫ونفاه أمحد بن حممد بن عيسى األشعري‪ ‬عنها‪ ،‬وكان شهري ًا يف االرتفاع‪ ،‬ال ُيلتفت‬
‫إليه وال ُيكتب حديثه(((‪.‬‬

‫وقد استثنى ابن الوليد من روايات حممد بن أمحد بن حييى ما يرويه عن أيب سمينة(((‪.‬‬

‫وقال السيد اخلوئي‪ :‬أن حممد بن عيل بن إبراهيم امللقب بأيب سمينة ال ينبغي‬
‫الشك يف ضعفه ملا عرفت(((‪.‬‬

‫وقال‪ :‬والصحيح أنه ال طريق لنا إىل كتاب سليم بن قيس املروي بطريق محاد بن‬
‫عيسى عن إبراهيم بن عمر عنه‪ ،‬وذلك فإن يف الطريق حممد بن عيل الصرييف أبا سمينة‪،‬‬
‫وهو ضعيف كذاب(((‪.‬‬

‫وقال‪ :‬وكيفام كان‪ ،‬فطريق الشيخ إىل كتاب سليم بن قيس بكال سنديه ضعيف‪،‬‬
‫وال أقل من جهة حممد بن عيل الصرييف (أيب سمينة) (((‪.‬‬

‫خال�صة وا�ستنتاج‬
‫يرى ابن الغضائري ‪-‬بنا ًء عىل صحة النسبة‪ -‬أن كتاب سليم موضوع‪ ،‬وأن فيه‬

‫((( معجم رجال احلديث‪.٣٢٠/١٧ :‬‬


‫((( معجم رجال احلديث‪.٣٢٠/١٧ :‬‬
‫((( معجم رجال احلديث‪.٣٢٠/١٧ :‬‬
‫((( املعجم‪.٢٢٧/٩ :‬‬
‫((( املعجم‪.٢٢٧/٩ :‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪286‬‬

‫روايات ال يمكن أن تُقبل‪ ،‬منها‪ :‬أن عدد األئمة ثالثة عرش‪ ،‬وأن حممد بن أيب بكر قد‬
‫وعظ أباه قبل موته‪.‬‬

‫وأما املفيد والعالمة رمحهام اهلل فلم يرفضاه باجلملة ولمَ يقباله كذلك‪ ،‬بل الظاهر‬
‫منهام أنه ينبغي أن تُدرس أخباره مستق ً‬
‫ال ليرُ ى السقيم منها عن الصحيح‪.‬‬

‫وأما النعامين فرياه كتاب ًا صحيح ًا معترب ًا‪ ،‬وأن كل ما فيه صحيح‪.‬‬

‫أما السيد اخلوئي‪ ‬فريى أن املشكلة يف الطريق إىل الكتاب‪ ،‬فإن سند الشيخ‬
‫‪-‬بطريقيه‪ -‬ضعيف‪.‬‬

‫وقال سيدنا األُستاذ‪ :‬وكيف كان‪ ،‬فإن البحث عن كتاب سليم بن قيس طويل‬
‫الذيل جد ًا‪ ،‬وال يسع املجال الستيعاب القول فيه هاهنا‪ .‬ولعل القول الوسط فيه هو‬
‫ما ذكره الشيخ املفيد‪ ،‬حيث قال‪( :‬إن هذا الكتاب غري موثوق به‪ ،‬وقد حصل فيه‬
‫ختليط وتدليس‪ ،‬فينبغي للمتدين أن جيتنب العمل بكل ما فيه‪ ،‬وال يعول عىل مجلته‪،‬‬
‫والتقليد لرواته‪ .‬وليفزع إىل العلامء فيام تضمنه من األحاديث‪ ،‬ليوقفوه عىل الصحيح‬
‫منها والفاسد)‪ ،‬حيث يظهر منه أن الكتاب ليس موضوع ًا وإن ا ّدعاه البعض‪ ،‬ولكن‬
‫ليس كل ما فيه صحيح ًا يمكن التعويل عليه بل ال بد من متييز الصحيح منه عن الفاسد‬
‫باألساليب العلمية املتبعة يف أمثاله(((‪.‬‬

‫أقول‪ :‬أما رواية أبان بن أيب عياش فال يمكن االعتامد عليها لضعفه‪ .‬وأما رواية‬
‫إبراهيم بن عمر فهي تواجه مشاكل عديدة‪:‬‬

‫((( قبسات من علم الرجال‪.٢٠١/٢ :‬‬


‫‪287‬‬ ‫كتاب �سليم بن قي�س الهاليل‬

‫منها‪ :‬دعوى انحصار الرواية بأبان‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬أنه ال يمكن أن يروي عن سليم مبارشة‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬أن يف الطريق إليه حممد بن عيل الصرييف وهو ضعيف‪.‬‬

‫وبعد هذا‪ ،‬فالصحيح ما أفاده املفيد والعالمة رمحهام اهلل من دراسة أخباره والتوقف‬
‫فيام مل تثبت صحته‪.‬‬

‫***‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪288‬‬
‫‪289‬‬ ‫امل�صادر‬

‫امل�صادر‬
‫‪ .1‬االجتهاد والتقليد واالحتياط‪ ،‬تقرير ًا ألبحاث السيد عيل احلسيني السيستاين‪،‬‬
‫بقلم السيد حممد عيل الرباين‪1435 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪ .2‬االحتجاج‪ ،‬أبو منصور أمحد بن عيل بن أيب طالب الطربيس‪ ،‬تعليق ومالحظات‪:‬‬
‫السيد حممد باقر اخلرسان‪ ،‬مطابع النعامن ‪ -‬النجف األرشف‪١٣٨٦ ،‬هـ ‪١٩٦٦ -‬م‪.‬‬

‫‪ .3‬اإلرشاد يف معرفة حجج اهلل عىل العباد‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن حممد بن النعامن‬
‫العكربي البغدادي الشيخ املفيد‪ ،‬حتقيق‪ :‬مؤسسة آل البيت‪ ‬لتحقيق الرتاث‪ ،‬ط ‪، 2‬‬
‫‪1414‬هـ‪.‬‬

‫‪ .4‬أصول احلديث‪ ،‬الدكتور عبد اهلادي الفضيل‪ ،‬مؤسسة أم القرى للتحقيق‬


‫والنرش‪ ،‬الطبعة الثالثة‪١٤٢١ ،‬هـ‪.‬‬

‫‪ .5‬أصول علم الرجال‪ ،‬الشيخ الدكتور عبد اهل��ادي الفضيل‪ ،‬منشورات دار‬
‫الغدير‪ -‬بريوت الطبعة الثانية‪1430،‬هـ‪.‬‬

‫‪ .6‬أمل اآلمل‪ ،‬الشيخ حممد بن احلسن (احلر العاميل) ‪ ‍،‬حتقيق السيد امحد احلسيني‪،‬‬
‫مكتبة األندلس ‪ -‬بغداد‪.‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪290‬‬

‫‪ .7‬بحار األنوار اجلامعة لدرر أخبار األئمة األطهار‪ ،‬الشيخ حممد باقر املجليس‪،‬‬
‫مؤسسة الوفاء ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1403 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪ .8‬بحوث فقهية‪ ،‬السيد حممد رضا السيستاين‪ ،‬دار املؤرخ العريب ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪2012 ،‬م‪.‬‬

‫‪ .9‬بحوث يف رشح مناسك احلج‪ ،‬السيد حممد رضا السيستاين‪ ،‬بقلم أجمد رياض‬
‫ونزار يوسف‪ ،‬دار املؤرخ العريب ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1437 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪ .10‬بصائر الدرجات‪ ،‬أبو جعفر حممد بن احلسن بن فروخ الصفار‪ ،‬حتقيق‪:‬‬


‫تصحيح وتعليق وتقديم‪ :‬احلاج مريزا حسن كوچه باغي‪ ،‬مؤسسة األعلمي ‪ -‬طهران‪،‬‬
‫‪١٤٠٤‬هـ‪ .‬ق ‪١٣٦٢ -‬هـ‪ .‬ش‪.‬‬

‫‪ .11‬تأسيس الشيعة لعلوم اإلسالم‪ ،‬للسيد حسن الصدر‪ ،‬دار الرائد العريب‪،‬‬
‫بريوت ‪ -‬لبنان‪1370 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪ .12‬حتف العقول‪ ،‬ابن شعبة احل��راين‪ ،‬تصحيح وتعليق ‪ :‬عيل أكرب الغفاري‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪ ،‬مؤسسة النرش اإلسالمي التابعة جلامعة املدرسني بقم املرشفة (إيران)‪،‬‬
‫‪١٤٠٤‬هـ‪.‬ق ‪١٣٦٣ -‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ .13‬تصحيح اعتقادات اإلمامية‪ ،‬الشيخ املفيد حممد بن حممد بن النعامن ابن املعلم‬
‫أيب عبد اهلل العكربي البغدادي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حسني درگاهي‪ ،‬الطبعة الثانية‪١٤١٤ ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪١٩٩٣‬م‪.‬‬

‫‪ .14‬تفسري اإلمام احلسن العسكري‪ ،‬املنسوب إىل اإلمام العسكري‪ ،‬حتقيق‬


‫‪291‬‬ ‫امل�صادر‬

‫ونرش‪ :‬مدرسة اإلمام املهدي‪ - ‬قم املقدسة‪ ،‬الطبعة األوىل حمققة‪١٤٠٩ ،‬هـ‪.‬‬

‫‪ .15‬تفسري العيايش‪ ،‬حممد بن مسعود العيايش‪ ،‬حتقيق وتعليق‪ :‬احلاج السيد هاشم‬
‫الرسويل املحاليت‪ ،‬املكتبة العلمية اإلسالمية ‪ -‬سوق الشريازي‪ ،‬طهران ‪ -‬إيران‪.‬‬

‫‪ .16‬تنقيح املقال يف علم الرجال‪ ،‬الشيخ عبداهلل املامقاين‪ ،‬مؤسسة آل البيت‪‬‬


‫إلحياء الرتاث‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1423‬هـ‪.‬‬

‫‪ .17‬توضيح املقال يف علم الرجال‪ ،‬املال عىل كني‪ ،‬حتقيق ‪ :‬حممد حسني مولوي‪،‬‬
‫قسم األبحاث الرتاثية بدار احلديث‪ ،‬الطبعة األوىل‪١٤٢١ ،‬هـ‪.‬ق ‪١٣٧٩ -‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ .18‬حاشية املكاسب (ط القديمة)‪ ،‬الشيخ حممد حسني األصفهاين‪ ،‬حتقيق‪:‬‬


‫الشيخ عباس حممد آل سباع القطيفي‪ ،‬الطبعة األوىل‪١٤١٩ ،‬هـ‪.‬‬

‫‪ .19‬احلدائق النارضة يف احكام العرتة الطاهرة‪ ،‬الشيخ يوسف البحراين‪ ،‬دار‬


‫االضواء ‪ -‬بريوت لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية مصححة‪1985 ،‬م‪.‬‬

‫‪ .20‬خامتة املستدرك‪ ،‬املحدث املريزا الشيخ حسني النوري الطربيس‪ ،‬حتقيق‪:‬‬


‫مؤسسة آل البيت‪ ‬إلحياء الرتاث‪ ،‬الطبعة األوىل‪1415 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪ .21‬خالصة األقوال‪ ،‬العالمة احليل‪ ،‬حتقيق‪ :‬الشيخ جواد القيومي‪ ،‬مؤسسة نرش‬
‫الفقاهة‪ ،‬الطبعة األوىل‪1417 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪ .22‬دراسات يف املكاسب املحرمة‪ ،‬الشيخ حسني عيل املنتظري‪ ،‬املطبعة‪ :‬القدس‬


‫‪ -‬قم‪ ،‬الطبعة األوىل‪١٤١٥ ،‬هـ‪.‬‬

‫‪ .23‬الذريعة إىل تصانيف الشيعة‪ ،‬الشيخ آغا بزرگ الطهراين‪ ،‬دار األضواء ‪-‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪292‬‬

‫بريوت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1403 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪ .24‬ذكرى الشيعة يف أحكام الرشيعة‪ ،‬الشهيد األول‪ ،‬حممد بن مجال الدين مكي‬
‫العاميل اجلزيني‪ ،‬حتقيق‪ :‬مؤسسة آل البيت‪ ‬إلحياء الرتاث‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬حمرم‬
‫‪١٤١٩‬هـ‪.‬‬

‫‪ .25‬رجال الشيخ الطويس‪ ،‬الشيخ حممد بن احلسن الطويس‪ ،‬حتقيق‪ :‬الشيخ جواد‬
‫القيومي‪ ،‬مؤسسة النرش االسالمي ‪ ،‬ط‪1428 ،4‬هـ‪.‬‬

‫‪ .26‬رجال النجايش‪ ،‬أبو العباس امحد بن عيل النجايش‪ ،‬نرش مؤسسة النرش‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪1427 ،8‬هـ‪.‬‬

‫‪ .27‬الرجال‪ ،‬أمحد بن احلسني الغضائري الواسطي البغدادي‪ ،‬حتقيق السيد حممد‬


‫رضا اجلاليل‪ ،‬نرش‪ :‬دار احلديث‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1422 /‬هـ‪.‬‬

‫‪ .28‬رسالة الصالة يف املشكوك‪ ،‬للمريزا النائيني‪ ،‬مؤسسة آل البيت‪ ‬إلحياء‬


‫الرتاث‪.‬‬

‫‪ .29‬الرعاية يف علم الدراية‪ ،‬الشهيد الثاين‪ ،‬زين الدين بن عيل بن أمحد اجلبعي‬
‫العاميل‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد احلسني حممد عيل بقال‪ ،‬مكتبة املرعيش النجفي ‪ -‬قم املقدسة‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪١٤٠٨ ،‬هـ‪.‬‬

‫‪ .30‬روضات اجلنات يف احوال العلامء والسادات‪ ،‬املريزا حممد باقر املوسوي‬


‫اخلوانساري االصبهاين‪ ،‬مكتبة اسامعيليان – قم املقدسة‪1390 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ .31‬زبدة األصول‪ ،‬الشيخ البهائي‪ ،‬هباء الدين حممد بن احلسني بن عبد الصمد‬
‫‪293‬‬ ‫امل�صادر‬

‫احلارثي اهلمداين العاميل اجلبعي‪ ،‬حتقيق‪ :‬فارس حسون كريم‪ ،‬الطبعة األوىل‪١٤٢٣ ،‬هـ‪.‬‬
‫ق ‪١٣٨١ -‬هـ‪ .‬ش‪.‬‬

‫‪ .32‬الشيخ أيب جعفر الصدوق حممد بن عيل بن احلسني بن بابويه القمي‪ ،‬تصحيح‬
‫وتعليق وتقديم‪ :‬الشيخ حسني األعلمي‪ ،‬مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪ ،‬بريوت ‪-‬‬
‫لبنان‪١٤٠٤ ،‬هـ ‪١٩٨٤ -‬م‪.‬‬

‫‪ .33‬العدة يف أصول الفقه‪ ،‬شيخ الطائفة أبو جعفر حممد بن احلسن الطويس‪،‬‬
‫حتقيق حممد رضا األنصاري القمي‪ ،‬الطبعة األوىل‪1417 ،‬هـ ‪.‬‬

‫‪ .34‬عوايل الآليل‪ ،‬الشيخ حممد بن عيل بن إبراهيم بن أيب مجهور األحسائي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫احلاج آقا جمتبى العراقي‪ ،‬الطبعة األوىل‪1403 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪ .35‬عوائد األيام‪ ،‬املوىل أمحد النراقي‪ ،‬منشورات مكتبة بصرييت قم‪ ،‬الطبعة الثالثة‪،‬‬
‫‪1408‬هـ‪.‬‬

‫‪ .36‬غاية املرام وحجج اخلصام يف تعيني اإلمام من طريق اخلاص والعام‪ ،‬السيد‬
‫هاشم البحراين املوسوي التوبيل‪ ،‬حتقيق السيد عيل عاشور‪ ،‬مؤسسة التاريخ العريب‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪2001 ،‬م‪.‬‬

‫‪ .37‬الغيبة للنعامين‪ ،‬أليب عبد اهلل حممد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب املعروف‬
‫بـ(ابن أيب زينب النعامين)‪ ،‬حتقيق‪ :‬فارس حسون كريم‪ ،‬منشورات أنوار اهلدى إيران ‪-‬‬
‫قم‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1422 -‬هـ‪ .‬ق‪.‬‬

‫‪ .38‬فصل القضاء يف الكتاب املشتهر بـ(فقه الرضا)‪ ،‬السيد حسن الصدر‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪294‬‬

‫رضا االستادي‪.‬‬

‫‪ .39‬الفقه املنسوب لإلمام الرضا‪ ‬واملشتهر بـ(فقه الرضا)‪ ،‬حتقيق‪ :‬مؤسسة آل‬
‫البيت‪ ‬إلحياء الرتاث ‪ -‬قم املرشفة‪ ،‬نرش‪ :‬املؤمتر العاملي لإلمام الرضا (عليه السالم)‬
‫‪ -‬مشهد املقدسة‪ ،‬الطبعة األوىل‪١٤٠٦ ،‬هـ‪ .‬ق‪.‬‬

‫‪ .40‬الفهرست‪ ،‬شيخ الطائفة أبو جعفر حممد بن احلسن الطويس‪ ،‬حتقيق‪ :‬الشيخ‬
‫جواد القيومي‪ ،‬مؤسسة نرش الفقاهة‪ ،‬الطبعة الثانية‪1422 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪ .41‬الفوائد الرجالية‪ ،‬السيد حممد املهدي بحر العلوم الطباطبائي‪ ،‬مكتبة الصادق‬
‫‪ -‬طهران‪ ،‬الطبعة األوىل‪1363 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫‪ .42‬قبسات من علم الرجال‪ ،‬أبحاث السيد حممد رضا السيستاين‪ ،‬مجعها ونظمها‬
‫السيد حممد البكاء‪ ،‬دار املؤرخ العريب‪.‬‬

‫‪ .43‬قرب اإلسناد‪ ،‬الشيخ أبو العباس عبد اهلل احلمريي‪ ،‬حتقيق ونرش‪ :‬مؤسسة آل‬
‫البيت‪ ‬إلحياء الرتاث ‪ -‬قم‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1413 -‬هـ‪.‬‬

‫‪ .44‬كتاب النوادر‪ ،‬أليب جعفر أمحد بن حممد بن عيسى األشعري القمي‪ ،‬حتقيق‬
‫ونرش مدرسة اإلمام املهدي‪ - ‬قم املقدسة‪ ،‬الطبعة األوىل‪1408 ،‬هـ‪ .‬ق‪.‬‬

‫‪ .45‬كشف ابن الرضا عن فقه الرضا‪ ،‬الشيخ عيل كاشف الغطاء‪ ،‬حتقيق‪ :‬مكتبة‬
‫كاشف الغطاء العامة‪ ،‬نرش‪ :‬مطبعة النجف األرشف‌‪ ،‬الطبعة األوىل‪1432 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪ .46‬جملة االجتهاد والتجديد‪ :‬العدد ‪.٤٤‬‬

‫‪ .47‬خمتلف الشيعة يف أحكام الرشيعة‪ ،‬العالمة احليل‪ ،‬أيب منصور احلسن بن‬
‫‪295‬‬ ‫امل�صادر‬

‫يوسف بن املطهر األسدي‪ ،‬مؤسسة النرش اإلسالمي‪ ،‬قم‪ ،‬الطبعة األوىل‪1412 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪ .48‬مسائل عيل بن جعفر‪ ،‬ابن اإلمام جعفر الصادق‪ ،‬حتقيق‪ :‬مؤسسة آل‬
‫البيت‪ ‬إلحياء الرتاث ‪ -‬قم املرشفة‪ ،‬نرش‪ :‬املؤمتر العاملي إلمام الرضا‪ - ‬مشهد‬
‫املقدسة‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1409 -‬هـ‪.‬‬

‫‪ .49‬مصباح األصول‪ ،‬تقرير عن السيد أبو القاسم اخلوئي‪ ،‬املؤلف‪ :‬السيد حممد‬
‫رسور الواعظ احلسيني البهسودي‪ ،‬منشورات مكتبة الداوري‪ ،‬قم ‪ -‬إيران‪.‬‬

‫‪ .50‬مصباح الفقاهة‪ ،‬تقرير أبحاث السيد أبو القاسم املوسوي اخلوئي‪ ،‬بقلم‬
‫الشيخ حممد عيل التوحيدي التربيزي‪ ،‬النارش‪ :‬مكتبة الداوري ‪ -‬قم‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪1377‬هـ‪.‬‬

‫‪ .51‬معارج األصول‪ :‬املحقق احليل جعفر بن احلسن‪ ،‬حتقيق حممد حسني الرضوي‬
‫الكشمريي‪ ،‬قم ‪١٤٢٣ -‬هـ‪.‬‬

‫‪ .52‬معامل الدين ومالذ املجتهدين‪ ،‬الشيخ حسن بن زين الدين العاميل‪ ،‬النارش‪:‬‬
‫مؤسسة النرش اإلسالمي التابعة جلامعة املدرسني ‪-‬قم‪.‬‬

‫‪ .53‬معامل العلامء‪ ،‬حممد بن عيل بن شهر آشوب املازندراين (ت‪588‬هـ)‪ ،‬راجعه‬


‫وقدم له ‪ :‬السيد حممد صادق آل بحر العلوم‪ ،‬نرش‪ :‬دار األضواء‪ ،‬ط بال‪.‬‬

‫‪ .54‬معجم رجال احلديث‪ ،‬آية اهلل العظمى السيد ابو القاسم املوسوي اخلوئي‪،‬‬
‫طبع مركز نرش الثقافة االسالمية ط‪1413 ،5‬هـ‪.‬‬

‫‪ .55‬املكاسب املحرمة‪ ،‬روح اهلل املوسوي اخلميني‪ ،‬مع تذييالت ملجتبى الطهراين‪،‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪296‬‬

‫مؤسسة اسامعيليان للطباعة والنرش والتوزيع ‪ -‬قم‪ ،‬ط الثالثة‪1410 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪ .56‬من ال حيرضه الفقيه‪ ،‬للشيخ الصدوق أيب جعفر حممد بن عيل بن احلسني بن‬
‫بابويه القمي‪ ،‬مؤسسة النرش اإلسالمي التابعة جلامعة املدرسني ‪ -‬قم املقدسة‪.‬‬

‫‪ .57‬منهاج الفقاهة‪ ،‬السيد حممد صادق الروحاين‪ ،‬الطبعة الرابعة‪1418 ،‬هـ‪ .‬ق‬
‫‪1376 -‬هـ‪ .‬ش‪.‬‬

‫‪ .58‬ميزان االعتدال يف نقد الرجال‪ ،‬أيب عبد اهلل حممد بن أمحد بن عثامن الذهبي‪،‬‬
‫حتقيق عيل حممد البجاوي‪ ،‬دار املعرفة للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪.‬‬

‫‪ .59‬وسائل اإلنجاب الصناعية‪ ،‬السيد حممد رضا السيستاين‪ ،‬دار املؤرخ العريب‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪1428 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪ .60‬وسائل الشيعة إىل حتصيل مسائل الرشيعة‪ ،‬الشيخ حممد بن احلسن احلر‬
‫العاميل‪ ،‬مؤسسة آل البيت‪ ‬إلحياء الرتاث‪ ،‬ط ‪1414 ،2‬هـ‪.‬‬

‫***‬
‫‪297‬‬ ‫الفهر�س التف�صيلي للكتاب‬

‫الفهر�س التف�صيلي للكتاب‬


‫ت�أليف‪3................................................................................‬‬
‫املحتوى الإجمايل للكتاب‪5...........................................................‬‬
‫املقدمة‪7...............................................................................‬‬
‫التمهيد ‪11............................................................................‬‬
‫أمهية التحقيق يف املصادر الروائية ‪11...........................................‬‬

‫حجية املراسيل ‪12............................................................‬‬

‫حجية الوجادة ‪17............................................................‬‬

‫االطمئنان بالنسخة الواصلة عرب الوجادة ‪20...................................‬‬

‫شهرة األصل ال تعني شهرة نسخه ‪21.........................................‬‬

‫الطريق إىل األصل ال يعني الطريق إىل نسخة معينة ‪22..........................‬‬

‫الطرق احلقيقية والطرق التربكية‪24............................................‬‬

‫احلر العاميل وعمله يف الوسائل ‪25.............................................‬‬

‫املحدث النوري وعمله يف املستدرك ‪27........................................‬‬

‫املؤيد والشاهد ‪28............................................................‬‬

‫فوائد ُأخرى للرواية ‪28.......................................................‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪298‬‬

‫مباحث الكتاب‪29.....................................................................‬‬
‫الفقه املن�سوب �إىل الإمام الر�ضا‪31...............................................‬‬
‫القول األول‪ :‬املؤلف هو اإلمام الرضا‪ ‬نفسه‪31..............................‬‬

‫نسخ ُأخرى للكتاب ‪36......................................................‬‬

‫االستدالل لصحة نسبة الكتاب إىل اإلمام الرضا‪38......................... ‬‬

‫اجلواب عن االستدالل ‪39....................................................‬‬

‫القول الثاين‪ :‬املؤلف هو الشلمغاين ‪44.........................................‬‬

‫أدلة هذا القول‪47............................................................:‬‬

‫القول الثالث‪ :‬املؤلف هو أمحد بن حممد بن عيسى األشعري القمي ‪48..........‬‬

‫القول الرابع‪ :‬املؤلف هو عيل بن بابويه والد الصدوق ‪50.......................‬‬

‫القول اخلامس‪ :‬املؤلف جمهول ‪51.............................................‬‬

‫القول السادس‪ :‬املؤلف هو بعض أصحاب اإلمام الرضا‪52.................‬‬

‫القول السابع‪ :‬إنه تلفيق بني إمالء اإلمام‪ ‬ونوادر أمحد بن حممد بن عيسى ‪52.......‬‬

‫القول الثامن‪ :‬إنه موضوع عىل اإلمام‪53.................................... ‬‬

‫خالصة واستنتاج‪53..........................................................‬‬

‫م�سائل علي بن جعفر‪55..............................................................‬‬


‫عيل بن جعفر يف كتب القدماء‪56..............................................‬‬

‫نسخ كتاب مسائل عيل بن جعفر واختالفها ‪61................................‬‬


‫‪299‬‬ ‫الفهر�س التف�صيلي للكتاب‬

‫أسانيد النسخ‪62..............................................................‬‬

‫رواية قرب اإلسناد عن مسائل عيل بن جعفر ‪67...............................‬‬

‫مسائل عيل بن جعفر برواية احلر العاميل ‪69....................................‬‬

‫مع شيخنا السند‪74...................................................... ‬‬

‫خالصة واستنتاج‪77..........................................................‬‬

‫م�ستطرفات ال�سرائر‪79...............................................................‬‬
‫االعتامد عىل املستطرفات ‪80..................................................‬‬

‫موقف السيد اخلوئي وتراجعه‪84..............................................‬‬

‫ما استطرفه من كتاب نوادر املصنف ملحمد بن عيل بن حمبوب ‪86...............‬‬

‫ما استطرفه عن جامع البزنطي ‪88.............................................‬‬

‫ما استطرفه عن كتاب أبان بن تغلب ‪89.......................................‬‬

‫ما استطرفه عن كتاب السياري ‪92............................................‬‬

‫ما استطرفه عن كتاب املشيخة للحسن بن حمبوب‪93...........................‬‬

‫ما استطرفه عن نوادر البزنطي‪94..............................................‬‬

‫رأي السيد اخلرسان‪95...................................................‬‬

‫خالصة واستنتاج‪98..........................................................‬‬

‫اجلعفريات ‪100......................................................................‬‬
‫‪ -1‬إسامعيل بن موسى بن جعفر‪103....................................... ‬‬
‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪300‬‬

‫‪ -2‬موسى بن إسامعيل بن موسى بن جعفر‪105............................ ‬‬

‫‪ -3‬حممد بن حممد بن األشعث ‪107...........................................‬‬

‫‪ -4‬سهل بن أمحد بن عبد اهلل الديباجي ‪108...................................‬‬

‫رواية التلعكربي للكتاب ‪110.................................................‬‬

‫أدلة الرافضني الكتاب ‪110....................................................‬‬

‫املحا�سن ‪117.........................................................................‬‬
‫وثاقة أمحد بن حممد بن خالد الربقي ‪119.......................................‬‬

‫الطرق إىل كتاب املحاسن ‪124.................................................‬‬

‫إشكال الزيادة والنقصان‪127..................................................‬‬

‫روايات املحاسن يف وسائل الشيعة وبحار األنوار ‪128..........................‬‬

‫دعائم الإ�سالم ‪133...................................................................‬‬


‫ترمجة املؤلف ‪137.............................................................‬‬

‫هل كان القايض النعامن إمامي ًا؟ ‪138...........................................‬‬

‫وثاقة القايض النعامن ‪143.....................................................‬‬

‫أقدم نسخة للكتاب‪145.......................................................‬‬

‫موقف األعالم من الكتاب ‪147...............................................‬‬

‫أدلة اعتبار الكتاب‪149........................................................‬‬

‫اجلواب عن األدلة ‪150........................................................‬‬


‫‪301‬‬ ‫الفهر�س التف�صيلي للكتاب‬

‫فوائد ُأخرى للكتاب ‪154.....................................................‬‬

‫قرب الإ�سناد‪156.....................................................................‬‬

‫الكتاب للوالد أم الولد؟ ‪157.................................................‬‬

‫األب‪ :‬عبد اهلل بن جعفر بن احلسن ‪159........................................‬‬

‫االبن‪ :‬حممد بن عبد اهلل بن جعفر‪162..........................................‬‬

‫مدى اعتبار الكتاب‪163.......................................................‬‬

‫تنبيهات ‪166..................................................................‬‬

‫التف�سري املن�سوب �إىل الإمام احل�سن الع�سكري‪172...................................‬‬

‫ديباجة التفسري ‪172...........................................................‬‬

‫املوقف السلبي من التفسري ‪175...............................................‬‬

‫املوقف اإلجيايب من التفسري‪180................................................‬‬

‫رواة التفسري ‪183.............................................................‬‬

‫حممد بن القاسم األسرتآبادي ‪183.............................................‬‬

‫حممد بن عيل بن سيار ‪185.....................................................‬‬

‫يوسف بن حممد بن زياد ‪185..................................................‬‬

‫هل يوجد طريق آخر؟‪186....................................................‬‬

‫طريق الطربيس صاحب االحتجاج إىل التفسري‪187.............................‬‬

‫أدلة اعتبار الكتاب ‪188.......................................................‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪302‬‬

‫التحقيق‪189..................................................................‬‬

‫العلل للف�ضل بن �شاذان‪191..........................................................‬‬


‫هل يروي الفضل بن شاذان عن اإلمام الرضا‪ ‬مبارشة؟ ‪192..................‬‬

‫كتاب العلل‪ :‬روائي أم فتوائي؟ ‪195...........................................‬‬

‫الطرق إىل كتاب العلل‪197....................................................‬‬

‫وثاقة ابن عبدوس وابن قتيبة ‪199..............................................‬‬

‫الطريق األول‪199.............................................................‬‬

‫الطريق الثاين ‪203.............................................................‬‬

‫الواسطة املجهولة بني الفضل واإلمام الرضا‪206............................ ‬‬

‫خالصة واستنتاج‪206.........................................................‬‬

‫تف�سري العيا�شي ‪207.................................................................‬‬


‫ترمجة العيايش ‪208............................................................‬‬

‫الطرق إليه ‪209...............................................................‬‬

‫اعتبار الكتاب ‪210...........................................................‬‬

‫وجه آخر العتبار الكتاب يف اجلملة‪212........................................‬‬

‫نوادر �أحمد بن حممد بن عي�سى ‪215................................................‬‬


‫معنى النوادر ‪217.............................................................‬‬

‫الطرق إىل نوادر أمحد بن حممد بن عيسى‪218...................................‬‬


‫‪303‬‬ ‫الفهر�س التف�صيلي للكتاب‬

‫داوود بن كورة ‪220...........................................................‬‬

‫نسبة الكتاب إىل أمحد بن حممد بن عيسى‪221...................................‬‬

‫رأي املريزا النائيني ‪223.......................................................‬‬

‫رأي العالمة املجليس وبعض املعارصين ‪223..................................‬‬

‫اعتبار النسخة املتداولة اليوم ‪226..............................................‬‬

‫االحتجاج على �أهل اللجاج‪229......................................................‬‬


‫ترمجة املصنف ‪230............................................................‬‬

‫اعتبار الكتاب ‪231...........................................................‬‬

‫حتف العقول عن �آل الر�سول‪234.................................................‬‬


‫حال امل�صنف ‪235....................................................................‬‬
‫موقف األعالم من الكتاب ‪237...............................................‬‬

‫القول بعدم اعتبار الكتاب ‪238................................................‬‬

‫الدليل عىل اعتبار الكتاب ‪240................................................‬‬

‫موقفنا من الكتاب ‪242........................................................‬‬

‫عوايل اللآيل العزيزية يف الأحاديث الدينية ‪243...................................‬‬


‫الثناء عىل ابن أيب مجهور األحسائي ‪244........................................‬‬

‫ذم الكتاب واملؤلف‪245.......................................................‬‬

‫املؤيدون العتبار الكتاب‪247..................................................‬‬


‫التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة‬ ‫‪304‬‬

‫السيد املرعيش النجفي ورسالة الدفاع عن العوايل ‪249.........................‬‬

‫دليل اعتبار الكتاب ‪254......................................................‬‬

‫التحقيق‪256..................................................................‬‬

‫ب�صائر الدرجات يف ف�ضائل �آل حممد‪259........................................‬‬


‫حممد بن احلسن الصفار‪ :‬ترمجته والطرق إليه ‪261...............................‬‬

‫اعتبار روايات الكتاب ‪264...................................................‬‬

‫تنبيهات ‪265..................................................................‬‬

‫م�شيخة احل�سن بن حمبوب ‪268.............................................................‬‬

‫ترمجة احلسن بن حمبوب ‪268..................................................‬‬

‫الطرق إىل كتاب املشيخة‪270..................................................‬‬

‫كتاب �سليم بن قي�س الهاليل‪272.....................................................‬‬


‫ترمجة سليم بن قيس اهلاليل ‪273...............................................‬‬

‫مواقف خمتلفة من كتاب سليم ‪276............................................‬‬

‫ترمجة أبان بن أيب عياش ‪279..................................................‬‬

‫إبراهيم بن عمر اليامين الصنعاين ‪280..........................................‬‬

‫خالصة واستنتاج ‪285........................................................‬‬

‫امل�صادر‪289..........................................................................‬‬

You might also like