Professional Documents
Culture Documents
ت�أليف
٨
٨
املحتوى الإجمايل للكتاب
التمهيد:
-1أمهية التحقيق يف املصادر الروائية
-2حجية املراسيل
-3حجية الوجادة
-10املؤيد والشاهد
5٨
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 6
مباحث الكتاب:
-1الفقه املنسوب إىل اإلمام الرضا
-2مسائل عيل بن جعفر
-3مستطرفات الرسائر
-4اجلعفريات
-5املحاسن
-6دعائم اإلسالم
-7قرب اإلسناد
-8التفسري املنسوب إىل اإلمام احلسن العسكري
-9العلل للفضل بن شاذان
-10تفسري العيايش
-11نوادر أمحد بن حممد بن عيسى
-12االحتجاج عىل أهل اللجاج
-13حتف العقول عن ال الرسول
-14عوايل الآليل العزيزية يف األحاديث الدينية
-15بصائر الدرجات
-16مشيخة احلسن بن حمبوب
-17كتاب سليم بن قيس اهلاليل
املقدمة
احلمد هلل رب العاملني ،والصالة والسالم عىل خري خلقه حممد وآله الطيبني
الطاهرين ،واللعن الدائم عىل أعدائهم أمجعني إىل قيام يوم الدين.
وبعد:
فهذا الكتاب عبارة عن حمارضات ألقيناها عىل ثلة من طلبة العلوم الدينية يف
كربالء املقدسة ،وهو حيتوي عىل حتقيق متواضع حول الكتب الروائية غري الكتب
األربعة؛ كفقه الرضا ومستطرفات الرسائر واملحاسن وقرب اإلسناد ومسائل
عيل بن جعفر ..وغريها من الكتب التي اعتمد عليها صاحب الوسائل وصاحب
املستدرك رضوان اهلل عليهام وغريمها من املصنفني ،حيث وقع خالف حول مدى
إمكان االعتامد عىل رواياهتا يف مقام االستنباط.
7٨
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 8
وكان يف النية أن تُطبع هذه الدراسة يف املجلد الثاين من كتاب (دروس يف
علم الرجال) ،إال أنه حصل البداء ،ورأينا من املصلحة أن تُطبع بشكل مستقل
حتت عنوان( :التحقيق يف حال غري الكتب األربعة).
نسأل اهلل أن جيعله نافع ًا ،وأن يتقبل منا بأحسن القبول ،إنه سميع جميب.
بيان ذلك:
كيف يمكن للفقيه أن يستنبط حكام رشعي ًا من أخبار وردت يف كتاب مستطرفات
الرسائر مثالً ،وهو مل يبحث عن صحة االعتامد عىل الكتاب املذكور ،ومل ي ّطلع عىل
أن املصنف مل يذكر طرقه إىل املصنفات لرواياته ،وهي يف الواقع تُعد من املراسيل أو
املرفوعات؟
إن التمسك بأخبار الكتاب املذكور واالستنباط منها قبل التنقيح يف مدى إمكان
ال واضح ًا يف عملية االستنباط ،حاله حال َمن يستنبط من روايات الكايف
ذلك يعد خل ً
أو التهذيب من غري النظر يف أسانيد تلك الروايات ،ال ّلهم إال إذا كان مبناه صحة
االعتامد عىل مجيع مرويات الكايف والتهذيب .فكذا الكالم عن سائر الكتب الروائية،
11
٨
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 12
فينبغي النظر فيها قبل االستنباط منها ليتوصل الفقيه إىل إمكان االعتامد عليها أو عدم
اإلمكان أو التفصيل يف رواياهتا.
وأما َمن يعتمد عىل املشهور ،فام َقبِ َله املشهور من الكتب يعتمد عليه ،وما مل يقبله
فال يعتمد عليه ،فهو يف الواقع يقلد املشهور يف املباين الرجالية والدرائية ،والنتيجة تتبع
أخس املقدمات.
ّ
إن حال هذا اإلنسان كحال َمن مل ينقح مبانيه األُصولية ،بل يعتمد عىل املشهور
يف األُصول ،وهو كام ترى فإن هذا تقليد يف األُصول ،وعُدّ مثل هذا اإلنسان يف ِعداد
الفقهاء حمل نظر.
وكم من فقيه اعتمد عىل كتاب روائي واستنبط منه األحكام الرشعية ثم بان له
عدم صحة االعتامد عليه؛ ألن رواياته تعد من املراسيل مثالً ،أو ألن النسخة الواصلة
منه إىل املتأخرين وصلت عرب الوجادة .ولربام حصل العكس ،فقد يرتك العمل بأخبار
ٍ
كتاب ما ثم يتبني له صحة االعتامد عليه .بينام كان بإمكانه أن يتجاوز هذا اخلطأ من
خالل البحث يف الكتب الروائية كام بحث يف األُصول قبل رشوعه يف البحث الفقهي.
من هنا ،كان البحث يف الكتب الروائية يف غاية األمهية ،ويعد من صميم عملية
االجتهاد واالستنباط ،ومن دونه يكون االجتهاد ناقص ًا.
حجية املرا�سيل
إن علامء األُصول ذكروا بأن اخلرب املرسل -وهو ما كان بعض وسائطه حمذوف ًا أو
غري مذكور يف السند -ليس بحجة ،إال إذا كان املرسل ممن ال يروي وال يرسل إال عن
13 �أهمية التحقيق يف امل�صادر الروائية
قال الشيخ :وإذا كان أحد الراويني مسند ًا واآلخر مرسالً ،نظر يف حال املرسل،
فإن كان ممن يعلم أنه ال يرسل إال عن ثقة موثوق به فال ترجح خلرب غريه عىل خربه،
وألجل ذلك سوت الطائفة بني ما يرويه حممد بن أيب عمري وصفوان بن حييى ،وأمحد
بن حممد ابن أيب نرص وغريهم من الثقات الذين عرفوا بأهنم ال يروون وال يرسلون إال
عمن يوثق به وبني ما أسنده غريهم ،ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية
غريهم .فأما إذا انفرد وجب التوقف يف خربه إىل أن يدل دليل عىل وجوب العمل به(((.
وقال :فأما إذا انفردت املراسيل فيجوز العمل هبا عىل الرشط الذي ذكرناه ودليلنا
عىل ذلك :األدلة التي قدمناها عىل جواز العمل بأخبار اآلحاد ،فإن الطائفة كام عملت
باملسانيد عملت باملراسيل ،فام يطعن يف واحد منهام يطعن يف اآلخر ،وما أجاز أحدمها
أجاز اآلخر ،فال فرق بينهام عىل حال (((.
أقول:
يقصد بالرشط املذكور أن يعلم من حال ِ
املرسل أنه ال يرسل إال عن ثقة موثوق به.
من هنا يظهر التأمل فيام أفاده املحقق احليل ،حيث قال :إذا أرسل الراوي الرواي َة،
قال الشيخ :إن كان ممن ُعرف أنه ال يروي إال عن ثقةُ ،قبلت مطلق ًا ،وإن مل يكن كذلك،
ُقبلت برشط أن ال يكون هلا معارض من املسانيد الصحيحة .واحتج لذلك :بأن الطائفة
عملت باملراسيل عند سالمتها عن املعارض كام عملت باملسانيد ،فمن أجاز أحدمها
أجاز اآلخر(((.
وجه التأمل :أن املحقق مل يفهم كالم الشيخ ظاهر ًا ،فإن الشيخ مل ُي ِ
ـجز العمل
باملراسيل يف حال االنفراد مطلق ًا ،بل برشط أن يكون ِ
املرسل ال يروي وال يرسل إال
عن الثقة.
وق��ال الشهيد :وأم��ا املراسيل ف��إذا تأيدت بالشهرة ص��ارت يف قوة املسانيد،
وخصوص ًا مع ثقة املرسل((( ،ومفهومه أهنا إن مل تتأيد بالشهرة ال تكون بقوة املسانيد.
وقال الشهيد الثاين :واملرسل ليس بحجة مطلق ًا ،سواء أرسله الصحايب أم غريه،
وسواء أسقط منه واحد أم أكثر ،وسواء كان املرسل جلي ً
ال أم ال ،يف األصح من األقوال
لألصوليني واملحدثني ،وذلك للجهل بحال املحذوف ،فيحتمل كونه ضعيف ًا .ويزداد
االحتامل بزيادة الساقط ،فيقوى احتامل الضعف ،وجمرد روايته عنه ،ليست تعدي ً
ال بل
أعم .إال أن يعلم حترز ِ
مرسله عن الرواية عن غري الثقة؛ كابن أيب عمري من أصحابنا(((.
وقال الشيخ البهائي :وال عمل باملرسل إال مع ظن عدم إرساله عن غري الثقة،
كابن أيب عمري ،وال يقدح روايته عنه أحيان ًا كام ظن؛ إذ املنقول عدم إرساله عنه ،ال عدم
روايته عنه(((.
َ
احلديث بأن رواه عن املعصوم ومل يلقه، ُ
العدل وقال صاحب املعامل :إذا أرسل
سواء ترك ذكر الواسطة رأس ًا ،أو ذكرها مبهمة لنسيان أو غريه ،كقوله« :عن رجل» أو
«عن بعض أصحابنا» ،ففي قبوله خالف بني اخلاصة والعامة .واألقوى عندي :عدم
القبول مطلق ًا ،وهو خمتار والدي .وقال العالمة يف النهاية :الوجه املنع ،إال إذا
ُعرف أنه ال ِ
يرسل إال مع عدالة الواسطة؛ كمراسيل حممد بن أيب عمري من اإلمامية.
إىل أن قال :لنا :أن من رشط القبول :معرفة عدالة الراوي كام تقدم بيانه ،وهي
منتفية يف موضع النزاع؛ إذ مل يوجد ما يصلح للداللة عليها سوى رواية العدل عنه.
وهو غري مفيد؛ ألنا نعلم بالعيان أن العدل يروي عن مثله وغريه .ومع فرض اقتصاره
عىل الرواية عن العدل ،فهو إنام يروي عمن يعتقد عدالته .وذلك غري كاف؛ جلواز أن
يكون له جارح ال يعلمه ،كام ذكرناه آنف ًا ،وبدون تعيينه ال يندفع هذا االحتامل فال
يتوجه القبول(((.
وقال أيض ًا :حجة القائلني بالقبول مطلق ًا وجوه ،منها :أن رواية العدل عن األصل
املسكوت عنه تعديل له ،ألنه لو روى عمن ليس بعدل ومل يبني حاله لكان ملبس ًا غاش ًا،
وعدالته تناىف ذلك .ومنها :أن إسناد احلديث إىل الرسول يقتيض صدقه؛ ألن إسناد
الكذب ينايف العدالة .وإذا ثبت صدقه تعني قبوله ،وذكروا وجوها ُأ َخر ردية تركنا نقلها
لظهور فسادها .واجلواب عن هذين الوجهني :ظاهر مما حققناه فال نطيل بتقريره(((.
وقال السيد اخلوئي عن مرفوعة زرارة :أما املرفوعة فلكوهنا من املراسيل التي ال
يصح االعتامد عليها(((.
وقال حول مرسلة للصدوق :لكن اإلنصاف عدم حجية مثل هذه املرسلة أيض ًا؛
ألن غاية ما يدل عليه هذا النحو من التعبري صحة اخلرب عند الصدوق .وأما صحته
عندنا فلم تثبت ،الختالف املباين يف حجية اخلرب(((.
قال النجايش يف حممد بن أمحد بن حييى األشعري القمي :كان ثقة يف احلديث ،إال
أن أصحابنا قالوا :كان يروي عن الضعفاء ويعتمد املراسيل وال يبايل عمن أخذ(((.
وقال يف أمحد بن خالد الربقي :وكان ثقة يف نفسه ،يروي عن الضعفاء واعتمد
املراسيل(((.
وقال ابن الغضائري يف حممد بن خالد الربقي :حديثه ُيعرف و ُينكر ،يروي عن
الضعفاء كثري ًا ويعتمد املراسيل(((.
وقال يف حممد بن عيل بن إبراهيم اهلمداين :حديثه ُيعرف و ُينكر ،ويروي عن
الضعفاء كثريا ،ويعتمد املراسيل(((.
وقال العالمة يف احلسن بن حممد بن مجهور العمي :ثقة يف نفسه ،يروي عن الضعفاء
ويعتمد املراسيل ،ذكره أصحابنا بذلك وقالوا :كان أوثق من أبيه.
(((
األول :يكفي للقول بعدم حجية املراسيل عدم وجود الدليل عىل احلجية؛ إذ الشك
يف احلجية مساوق للقطع بعدم احلجية .بيان ذلك :إن عمدة الدليل عىل حجية خرب الثقة
سرية العقالء ،والسرية دليل ُل ّبي ينبغي االقتصار فيها عىل القدر املتيقن ،والقدر املتيقن
منها ما إذا كان الثقة ُمسنِد ًا؛ أي يذكر متام السند غري مرسل .وأما املرسل فال نجزم
ٍ
فحينئذ نفتقد الدليل عىل مرشوعية العمل باملراسيل. بجريان السرية عىل العمل به،
الثاين :إن بعض الكتب الروائية املبحوث عنها يف هذا الفصل حتتوي عىل روايات
ٍ
فحينئذ يشكل العمل بام مرسلة؛ كمستطرفات الرسائر وحتف العقول وعوايل الآليل،
رووه مرسالً ،فكن عىل ٍ
ذكر من هذا.
حجية الوجادة
إن الرواية بالوجادة تعني أن الراوي مل يسمع احلديث من املصدر مبارشة ،ومل
حيصل عىل إجازة يف النقل ،وإنام وجد احلديث أو وجد الكتاب فروى عنه .واملعروف
وقال الشيخ عبد اهلادي الفضيل :والوجادة أن جيد الراوي كتاب ًا أو حديث ًا مكتوب ًا
ٍ
لراو مل يسمعه منه ،وليس لديه إجازة لروايته عنه ،ومل يناوله راويه إياه فيقول( :وجدت
أو قرأت بخط فالن ،أو يف كتاب فالن بخطه :حدثنا فالن )..ويسوق باقي األسناد
واملتن ،أو يقول( :وجدت بخط فالن عن فالن ..إلخ)(((.
وقد ذهب الشهيد الثاين إىل عدم حجية الرواية بالوجادة ،بل ادعى عدم اخلالف
يف ذلك .قال :ويف جواز العمل بالوجادة املوثوق هبا قوالن للمحدثني واألُصوليني.
فنقل عن الشافعي ومجاعة من نظار أصحابه جواز العمل هبا ،ووجهوه بأنه لو توقف
العمل فيها عىل الرواية النسد باب العمل باملنقول؛ لتعذر رشط الرواية فيها .وحجة
املانع واضحة ،حيث مل حيدث به لفظ ًا وال معنى .وال خالف بينهم يف منع الرواية هبا؛
ملا ذكرناه من عدم اإلخبار(((.
وقال املال عيل كني :أنه لو وجدنا كتاب ًا من كتب األخبار ،سواء ذكر فيه أنه تأليف
فالن أو رواية فالن أو مل يذكر ومل يكن لنا علم بأنه لفالن ،لكن شهد عندنا عدالن
بذلك ،فهل يثبت ذلك بشهادهتام فيجوز لنا العمل به والرواية عنه ولو بقولنا( :روى
فالن) أو بإضافة (يف كتابه) أو (يف كتاب كذا) ،وإن مل نقل( :أخربنا) أو (عنه) وغري
ذلك؟ وكذا لو شهدا بأنه من اإلمام بخطه الرشيف أو بغريه أو ال؟ الظاهر ذلك ،ما
مل نعلم أو نظن بأن شهادهتام أو شهادة أحدمها من باب االجتهاد أو العلم باألمارات(((.
يستفاد من كالمه هذا أنه لوال شهادة العدلني ملا جاز لنا العمل بام وجد.
وقد أفاد سيدنا األُستاذ بأن قدماء األصحاب كانوا يتحرزون عن الرواية عن
طريق الوجادة ،فقد قدح أيوب بن نوح يف روايات حممد بن سنان ورفض أن حيدث
عنه ألنه قال قبل موته( :كلام حدثتكم به مل يكن يل سامع وال رواية إنام وجدته) .ولعل
الدس والتزوير ،فقد
ِّ السبب يف رفضهم ذلك هو ما تعرض له كتب األصحاب من
روى يونس بن عبد الرمحن عن هشام بن احلكم عن أيب عبد اهلل من« :ان املغرية
دس يف كتب أصحاب أيب أحاديث مل حيدث هبا أيب» ،وروى أيض ًا
بن سعيد لعنه اهلل َّ
عن الرضا أنه قال« :إن أبا اخلطاب كذب عىل أيب عبد اهلل ،لعن اهلل أبا اخلطاب.
وعليه ،فاألصل يف الوجادة هو أن ما عثر عليه وجادة من الكتب غري حجة ،ما مل
حيصل االطمئنان والوثوق -من خالل الشواهد والقرائن التي سيأيت ذكرها -بصحة
النسخة وعدم وقوع الدس والتالعب فيها.
إذا عرفت ذلك ،فاعلم أن مجلة من الكتب الروائية املبحوث عنها يف هذا املجلد
قد وصلت إىل املتأخرين -كالعالمة املجليس واحلر العاميل -عن طريق الوجادة ،وذلك
ككتاب الفقه الرضوي وكتاب املحاسن وكتاب مسائل عيل بن جعفر وكتاب قرب
اإلسناد وكتاب نوادر ابن عيسى.
وما هي تلك القرائن التي يمكن االستناد إليها يف تصحيح النسخة الواصلة إىل
املتأخرين عن طريق الوجادة؟ نذكر بعض ًا منها-:
فمنها :التطابق بني مجلة معتد هبا من األخبار الواردة يف النسخة الواصلة إلينا من
الكتاب ،وبني ما روي عن ذلك الكتاب يف الكتب األربعة ،فإذا وجدنا أن األخبار
متطابقة سند ًا ومتن ًا أمكن حصول الوثوق هبا .وقد أشار سيدنا األُستاذ -كام سيأيت
يف حمله -بأن من خالل مراجعته كتاب املحاسن وجد تطابق ًا بينه وبني ما روي عنه يف
الكتب األربعة.
ومنها :شهادة العلامء واخلرباء بصحة تلك النسخة ،فإن ذلك يورث االطمئنان
أيض ًا إذا كانت تلك الشهادات حسية غري حدسية.
ومنها :أن يكون الكتاب مشتهر ًا ومنترش ًا من خالل نسخه بني أصحابنا إىل زمان
وصول نسخه إىل النساخ.
من هنا قال سيدنا األُستاذ :وباجلملة ،إن جمرد كون نسخة الكتاب قد وصلت
إىل املتأخرين بطريق الوجادة ،وكوهنا مصدّ رة باسم شخص أو أشخاص غري موثقني ال
يكون مانع ًا من االعتامد عليها .نعم ،ال بد من توفر قرائن وشواهد كافية تورث الوثوق
بصحتها .ومن عوامل حصول الوثوق بصحة النسخة :اشتهار الكتاب وتداول نسخه
بني األصحاب سامع ًا وقراءة ومناولة وكتابة وغري ذلك إىل عرص الناسخ .ومنها :كون
النسخة بخط أحد العلامء األثبات أو أن يكون عليها خ ّطه وتصحيحه .ومنها تطابق
النصوص املنقولة عن الكتاب يف كتب السابقني مع ما يوجد يف النسخة الواصلة(((.
قال الصدوق يف ديباجة الفقيه :بل قصدت إىل إيراد ما ُأفتي به وأحكم بصحته
وأعتقد فيه أنه حجة فيام بيني وبني ريب تقدس ذكره وتعالت قدرته ،ومجيع ما فيه
مستخرج من كتب مشهورة ،عليها املعول وإليها املرجع(((.
أقول :إن شهرة األصل ال تعني أن نسخه مشهورة أيض ًا ،وال تُغني عن طريق
معترب وصحيح إليها ،وهذا واضح للمتأمل .وعليه ،فشهرة كتاب مسائل عيل بن جعفر
مث ً
ال ال تعني أنه لسنا بحاجة إىل البحث عن طريق معترب إىل نسخه ،كال ،بل ما زلنا
نحتاج إىل إثبات صحة النسخة املتداولة بني أيدينا اليوم.
فمثالً ،وصلت نسخ من كتاب قرب اإلسناد إىل املتأخرين؛ كاملجليس واحلر
تـمر بالشيخ الطويس،
العاميل ،وهلم طرق إىل احلمريي صاحب كتاب قرب اإلسناد ّ
إال أن النسخ مل تصل إليهم عرب هذا الطريق ،بل عىل األغلب أهنم وجدوا النسخ يف
األسواق أو يف مكان آخر .وعليه ،فإن املتأخرين هلم سند إىل أصل الكتاب ،وأما النسخ
إذا عرفت ذلك ،فاعلم أن طرق صاحب الوسائل والعالمة املجليس واملحدث
النوري رمحهم اهلل هي عىل األغلب طرق إىل أصل الكتب دون النسخ التي وصلت
إليهم .إن هؤالء األعاظم كانوا يرون شهرة الكتب التي وجدوها ،فهم -يف تصورهم-
يف غنى عن سند معترب إىل النسخ الواصلة إليهم حيث كانت حتصل هلم بعض الشواهد
والقرائن عىل صحة تلك النسخ.
من هنا قال سيدنا األُستاذ :إن طريق ابن إدريس إىل جامع البزنطي عىل
النحو املذكور إنام هو طريق إىل أصل هذا الكتاب ال إىل النسخة التي وصلت إىل ابن
صحة النسخة
إدريس وكم فرق بني األمرين ،فوجود الطريق إىل أصل الكتاب ال ُيثبت ّ
الواصلة بطريق الوجادة أو بطريق آخر غري معلوم لدينا ،ولذا ال يمكن االعتامد عىل
األُصول التسعة عرش الواصلة إىل أيدي ّ
املتأخرين ملجرد وجود أسانيد صحيحة إىل هذه
الكتب بمالحظة الفهارس(((.
وقال يف موضع آخر :فإن أسانيد صاحب الوسائل إىل مرويات الشيخ الطويس
من األُصول والكتب إنام هي طرقه إىل نسخ الشيخ من تلك املصنفات أو إىل عناوينها
املذكورة يف الفهرست ال إىل النسخ الواصلة إىل صاحب الوسائل منها ،وكم فرق بني
األمرين ،فوجود السند إىل أصل الكتاب -مثالً -ال يثبت صحة النسخة الواصلة
بطريق الوجادة(((.
وقال يف موضع ثالث :ومن الواضح أن وجود الطريق لشخص إىل كتاب باإلجازة
(((
ال يثبت صحة النسخة الواصلة إليه من ذلك الكتاب بطريق الوجادة أو ما بحكمه.
ويدل عىل ذلك ما قاله الشيخ يف الفهرست يف ترمجة العالء بن رزين ونصه( :العال
بن رزين القال ،ثقة ،جليل القدر .له كتاب ،وهو أربع نسخ)((( ،ثم ذكر طرق ًا أربعة إىل
النسخ األربع ،أي لكل نسخة طريق.
وأما احلر العاميل والعالمة املجليس رمحهام اهلل فالظاهر أن طرقهام إىل أصحاب
الكتب طرق تربكية وليست حقيقية ،بمعنى أهنا ليست طرق ًا إىل نسخة معينة ،بل هي
طرق إىل أصل الكتاب .فهي نظري الطرق واإلجازات التي تصدر يف هذه األزمنة ،فهي
ليست طرق ًا حقيقية بل تربكية.
والذي يشهد عىل ذلك قول احلر العاميل يف الفائدة اخلامسة من قسم الفوائد الواقع
يف املجلد األخري من كتابه :يف بيان بعض الطرق التي نروي هبا الكتب املذكورة عن
مؤلفيها .وإنام ذكرنا ذلك تيمن ًا وتربك ًا ،باتصال السلسلة بأصحاب العصمة ،ال
لتوقف العمل عليه ،لتواتر تلك الكتب وقيام القرائن عىل صحتها وثبوهتا كام يأيت إن
شاء اهلل تعاىل(((.
من هنا قال سيدنا األُستاذ حفظه اهلل :وأما الطرق املذكورة يف البحار والوسائل
إىل هذه الكتب فإنام هي طرق إىل أصلها باالعتامد عىل اإلجازات والفهارس ،ال إىل
خصوص النسخ التي وصلت إليهم ،وهذا أمر يعرفه كل من له إملام بكيفية تأليف
املوسوعتني(((.
وعليه ،فنحن بحاجة إىل إثبات صحة الكتب التي اعتمد عليها احلر العاميل
والعالمة املجليس رمحهام اهلل ألن طرقهام ال تفي بذلك ،حيث عرفت أهنا طرق تربكية
وليست حقيقية.
قال سيدنا األُستاذ :إن معظم ما بقي من كتب السابقني ووصل إىل العالمة
املجليس وصاحب الوسائل و َمن تأخر عنهم مل يصل إليهم بطريق السامع أو القراءة أو
املناولة أو نحوها طبقة بعد طبقة إىل أن ينتهي إىل مؤلف الكتاب ،بل وصل يف الغالب
بطريق الوجادة حيث كان يعثر عىل نسخة -أو أزيد -من كتاب فيتم االعتامد عليها
والنقل عنها وتداوهلا واستنساخها ،وربام تصبح هي النسخة األُ ّم لعرشات النسخ
الالحقة ،وخيرج الكتاب عن كونه نادر الوجود إىل كتاب شائع النسخ متداوهلا(((.
وقال يف موضع آخر :وباجلملة ،ال ريب يف أن صاحب الوسائل ريض اهلل عنه مل يكن
خيتلف عن باقي األعالم املتأخرين يف طريقة حصوله عىل كتب املتقدمني ومصنفاهتم،
وهي طريقة الوجادة مع االعتامد عىل القرائن والشواهد الداخلية واخلارجية يف صحة
النسبة واعتبار النسخة ،وربام كان -كام يقول املحدث النوري -يتشبث يف االعتامد أو
النسبة بوجوه ضعيفة وقرائن خفية ،كام لوحظ ذلك فيام سامه بنوادر أمحد بن حممد بن
عيسى(((.
وقال يف موضع ثالث :إن كتاب املحاسن وجمموعة كبرية ُأخرى من املصادر التي
اعتمد عليها كل من العالمة املجليس واملحدث احلر العاميل يف تأليف موسوعتي البحار
والوسائل قد وصلت إليهم عن طريق الوجادة ،أي عثروا عىل نسخة أو أزيد من هذه
الكتب يف بعض املكتبات أو عند بعض الباعة فاستنسخوها أو اشرتوها وأدرجوا ما
فيها من الروايات يف كتاهبم ،ال أهنا وصلت إليهم بتلقيها عن الشيوخ بالقراءة عليهم أو
املناولة منهم ونحو ذلك ،طبقة بعد طبقة إىل أن تصل إىل مؤلفيها ليعلم صحة انتساب
النسخ إليهم ،كام هو احلال يف الكتب األربعة ونحوها .وأما الطرق املذكورة يف البحار
والوسائل إىل هذه الكتب فإنام هي طرق إىل أصلها باالعتامد عىل اإلجازات والفهارس،
ال إىل خصوص النسخ التي وصلت إليهم ،وهذا أمر يعرفه ُّ
كل َمن له إملام بكيفية تأليف
املوسوعتني(((.
وقال يف موضع رابع :خرب أيب بصري عن أيب عبد اهلل قال« :وحيج الرجل من
الزكاة إذا كانت حجة اإلسالم» .ولكن هذا اخلرب غري معترب سند ًا ،فإن مصدره جمموعة
روائية كانت خمتلطة بأوراق ما يعرف بـ(فقه الرضا) ،وقد أفرزها احلر العاميل واستظهر
أهنا نوادر أمحد بن حممد بن عيسى ،وقد طبعت هبذا االسم .ولكن العالمة املجليس
رجح أن تكون من تأليف احلسني بن سعيد .وكان السيد األُستاذ يعتمد عليها؛ من جهة
أن لصاحب الوسائل طريق ًا صحيح ًا إىل أمحد بن حممد بن عيسى يمر بطريق الشيخ يف
الفهرست .ولكن نسخة صاحب الوسائل موجودة بعينها يف مكتبة السيد احلكيم يف
النجف األرشف ،وقد ذكر عىل ظهر الصفحة األوىل مجلة القرائن التي استند إليها يف
االعتامد عىل النسخة مما يؤكد أنه حصل عليها بطريق الوجادة ،فال ينفع طريق الشيخ يف
اعتبارها كام هو واضح(((.
أحسن حاالً من طرق صاحب الوسائل والعالمة املجليس رمحهام اهلل ،فهي طرق تربكية
وليست طرق ًا حقيقية إىل نسخ معينة .وعليه ،فنحن بحاجة إىل البحث عن كل واحد من
تلك املصادر التي وصلته وجادة بشكل مستقل لنرى مدى إمكان حتصيل الوثوق هبا.
امل�ؤيد وال�شاهد
ثم اعلم أن روايات الكتب التي مل يتم إثبات صحتها ،وإن مل تصلح لالستدالل
هبا مستقالً ،إال أنه يمكن اإلتيان هبا كشاهد ومؤيد للحكم الفقهي ،وهذه هي سرية
الفقهاء مع الروايات الضعيفة سند ًا ،فإهنم وإن مل يستدلوا هبا مستق ً
ال إال أهنم يؤيدون
املطلب هبا ويأتون هبا كشاهد.
***
مباحث الكتاب
((( كشف ابن الرضا عن فقه الرضا ،للشيخ عيل كاشف الغطاء.٢٤ -٢٣ :
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 32
ثم إنه ينبغي أن ننقل كالم الشيخ حممد تقي املجليس ،حيث قد عرفت أنه أول
من أشار إىل كتاب الفقه الرضوي وأول من ادعى نسبته لإلمام ،فقد حكي عنه يف
عوائد األيام للموىل النراقي أنه قال( :من فضل اهلل سبحانه أنه كان السيد الفاضل
الثقة املحدث القايض أمري حسني طاب ثراه جماور ًا عند بيت اهلل احلرام سنني كثرية،
وبعد ذلك جاء إىل هذه البالد -يعني أصفهان -وملا ترشفت بخدمته وزيارته قال :إين
جئتكم هبدية نفيسة ،وهي الفقه الرضوي .وقال :ملا كنت يف مكة املعظمة جاءين مجاعة
من أهل قم مع كتاب قديم كتب يف زمان أيب احلسن عيل بن موسى الرضا ،وكان
يف مواضع منه بخطه ،وكان عىل ذلك إجازات مجاعة كثرية من الفضالء بحيث حصل
يل العلم العادي أنه من تأليفه ،فانتسخت منه ،وقابلته مع النسخة .ثم أعطاين إياه،
واستنسخت منه نسخة أخذها بعض الفضالء ليكتب عنها ،ونسيت اآلخذ ،ثم جاءين
هبا بعد إمتامي للرشح العريب عىل الفقيه ،املسمى بروضة املتقني ،وقليل من الرشح
الفاريس .ثم ملا تفكرت فيه وظهر يل أن هذا الكتاب كان عند الصدوق وأبيه ،وكل
ما ذكره عيل بن بابويه يف رسالته إىل ابنه فهو عبارته إال نادر ًا ،وكل ما يذكره الصدوق
بدون السند فهو أيض ًا عبارته ،فرأيت أن أذكر يف مواضعه أنه منه لتندفع اعرتاضات
األصحاب وشبهاهتم .والظاهر أن هذا الكتاب كان موجود ًا عند املفيد أيض ًا ،وكان
معلوم ًا عندهم أنه من تأليفه ،ولذا قال الصدوقُ :أفتي به وأحكم بصحته ،واحلمد
هلل رب العاملني ،والصالة عىل حممد وآله األقدسني)(((.
وحكي عنه أيض ًا يف اللوامع -وهو رشحه الفاريس للفقيه -عند نقل الصدوق
عبارة أبيه يف رسالته إليه يف مسألة ختلل احلدث األصغر يف أثناء غسل اجلنابة ما هذه
ترمجته( :الظاهر أن عيل بن بابويه أخذ هذه العبارة وساير عباراته يف رسالته إىل ولده
من كتاب الفقه الرضوي ،بل أكثر عبارات الفقيه ،التي يفتي بمضموهنا ومل يسندها
إىل الرواية ،كأهنا من هذا الكتاب ،وهذا الكتاب ظهر يف قم وهو عندنا .والثقة العدل
القايض أمري حسني استنسخ هذا الكتاب قبل هذا بنحو من عرش سنني ،وكان يف عدة
مواضع منه خط اإلمام الرضا ،وأنا أرشت ورسمت صورة خطه عىل ما رسمه
القايض ،ومن موافقة الكتاب لكتاب الفقيه حيصل الظن القوي بأن عيل بن بابويه
وحممد بن عيل كانا عاملني بأن هذا الكتاب تصنيف اإلمام ،وجعله الصدوق حجة بينه
وبني ربه)(((.
ثم إن ولده العالمة حممد باقر املجليس جعله من مصادر كتابه بحار األنوار
اعتامد ًا عىل والده وعىل السيد أمري حسني .قال( :وكتاب فقه الرضا أخربين به السيد
الفاضل املحدث القايض أمري حسني طاب ثراه بعد ما ورد أصفهان .قال :قد اتفق يف
بعض سني جماوريت بيت اهلل احلرام أن أتاين مجاعة من أهل قم حاجني ،وكان معهم
كتاب قديم يوافق تارخيه عرص الرضا صلوات اهلل عليه وسمعت الوالد أنه قال:
سمعت السيد يقول :كان عليه خطه صلوات اهلل عليه ،وكان عليه إجازات مجاعة
كثرية من الفضالء ،وقال السيد :حصل يل العلم بتلك القرائن أنه تأليف اإلمام
فأخذت الكتاب وكتبته وصححته فأخذ والدي قدس اهلل روحه هذا الكتاب من السيد
واستنسخه وصححه)(((.
إذن ،قد تبني أن املجلسيني رمحهام اهلل روجا هلذا الكتاب وادعيا أنه تأليف اإلمام
الرضا .ثم بعد ذلك تبعهام مجاعة من األعالم يف ذلك.
قال السيد حممد املجاهد صاحب مفاتيح األُصول انتصار ًا لصحة انتساب
الكتاب إىل اإلمام الرضا يف املحكي عنه( :ومن أعظم الشواهد عىل ذلك مطابقة
رواية الشيخني اجلليلني الصدوقني لذلك ،وشدة متسكهام به ،حتى أهنام قدماه يف كثري
من املسائل عىل الروايات الصحيحة واألخبار املستفيضة :واتفقا باختيار ما يف هذا
الكتاب ،وخالفا ألجله َمن تقدمهام من األصحاب ،وعبرّ ا يف الغالب بنفس عباراته،
وجعلها الصدوق يف الفقيه -وهو كتاب حديث -دراية ومل يسندها إىل الرواية ،ويلوح
من الشيخ املفيد األخذ به والعمل بام فيه يف مواضع من املقنعة ،ومعلوم أن هؤالء
األعاظم الذين هم أساطني الشيعة وأركان الرشيعة ،ال يستندون إىل غري مستند ،وال
يعتمدون عىل غري معتمد ،وقد رست فتاواهم إىل َمن تأخر عنهم؛ حلسن ظنهم ،وشدة
اعتامدهم عليهم ،وعلمهم بأهنم أرباب النصوص ،وأن فتواهم عني النص الثابت عن
احلجج وقد ذكر الشهيد يف الذكرى أن األصحاب كانوا يعملون برشائع عيل بن
بابويه ،ومرجع كتاب الرشائع ومأخذه هو هذا الكتاب ،كام هو معلوم ملن تتبعهام،
وتفحص ما فيهام ،وعرض أحدمها عىل اآلخر .ومن هذا يظهر عذر الصدوق يف عده
لرسالة أبيه من الكتب التي إليها املرجع وعليها املعول .فإن الرسالة مأخوذة من الفقه
الرضوي الذي هو حجة عنده ،ومل يكن الصدوق ليقلد أباه فيام أفتاه حاشاه ،وكذلك
اعتامد األصحاب عىل كتاب عيل بن بابويه ،فإنه ليس تقليد ًا بل اجتهاد ًا ،لوجود السبب
املؤدي إليه ،وهو العلم بكون ما تضمنه هو عني كالم احلجة)(((.
وقال الشيخ النراقي( :والتحقيق :أنه ال ينبغي الريب يف اندراجه حتت كتب
األخبار ،وكونه معدود ًا من أحاديث األطهار ،لصدق حد احلديث ،واخلرب ،وهو :ما
حيكي قول املعصوم من حيث هو ال من حيث إنه رأي املجتهد وظنه ،وحيتمل الصدق،
وال يعلم كذبه أو وضعه ،بل ال يظن .أما كونه مما حيكي قول املعصوم فظاهر ،فإنه
رصح يف ديباجة الكتاب بقوله( :يقول عبد اهلل عيل بن موسى الرضا) ثم يذكر إىل آخر
الكتاب ،وهذا عني حكاية قول املعصوم من حيث هو ،وهو ينفي كونه من الكتب
املؤلفة لبعض العلامء ،أو رسالة الصدوق ،أو رشائعه .ومما ينفي ذلك ،أو كونه رسالة
الصدوق ونحوها :تضمنه يف مواضع عديدة ومقامات متكثرة ملا ينايف ذلك ،ويدل عىل
نسبته إىل اإلمام .منها :ما مر يف كالم شيخنا األُستاذ أن فيه قوله هذا« :ومما نداوم عليه
((( مقدمة فقه الرضا ،١٨ :عن مفاتيح ُاألصول.٣٥٤ -٣٥٣ :
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 36
ثم ذكر مجلة من القرائن ،ثم قال( :ومجيع ذلك شهادات ودالالت عىل أنه ليس
مؤلف ًا للعلامء ،بل هو منسوب إىل اإلمام)(((.
وقال صاحب احلدائق( :ال خيفى عىل من وقف عىل ما قدمناه يف كتب العبادات
يف مواضع عديدة من أن الشيخ عيل بن بابويه أكثر ما نذكره سيام من الفتوى الغريبة
إنام هو مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي ،وإن كان عىل خالف ما تكاثرت به األخبار...
وأنت خبري بأن اعتامد هذا الشيخ اجلليل عىل الفتوى بعبائر الكتاب مع خمالفتها لألخبار
الكثرية كام هنا ،وقد تقدم أمثاله أيض ًا يف غري موضع أدل دليل عىل اعتامده عىل الكتاب
املذكور ،وجزمه بأنه كالمه ،ولكن متأخري أصحابنا رضوان اهلل عليهم حيث مل
يصل الكتاب إليهم تكلفوا لالستدالل له ببعض األخبار ،واعرتضوا عليها كام هنا
بعدم الداللة أو بنحو ذلك ،وهو غفلة عام ذكرناه مما و ّفقنا اهلل إليه ،ويسرّ لنا الوقوف
عليه)(((.
السكني ،وكانت النسخة موجودة يف الطائف يف مكة يف مكتبة السيد عيل خان ،وهذه
نسخة ثانية للكتاب.
قال صاحب رياض العلامء املريزا األفندي األصفهاين عىل ما ُحكي عنه( :ثم
اعلم أن أمحد السكني -وقد يقال :أمحد بن السكني -هذا الذي قد كان يف عهد موالنا
الرضا صلوات اهلل عليه وكان مقرب ًا عنده يف الغاية .وقد كتب ألجله الرضا كتاب
فقه الرضا .وهذا الكتاب بخط الرضا موجود يف الطائف بمكة املعظمة يف مجلة من
كتب السيد عيل خان املذكور التي قد بقيت يف بالد مكة .وهذه النسخة باخلط الكويف
وتارخيها سنة مائتني من اهلجرة ،وعليها إجازات العلامء وخطوطهم .وقد ذكر األمري
غياث الدين املذكور نفسه أيض ًا يف بعض إجازاته بخطه هذه النسخة ،ثم أجاز هذا
الكتاب لبعض األفاضل ،وتلك اإلجازة بخطه أيض ًا موجود يف مجلة كتب السيد عيل
خان عند أوالده بشرياز)(((.
والظاهر أن هذه النسخة انتقلت إىل اخلزانة الرضوية ،وهي تغاير النسخة الواصلة
إىل السيد أمري حسني.
وقد ُيدّ عى وجود نسخة ثالثة ،وهي التي وصلت إىل العالمة املجليس من بالد
اهلند .فقد نقل صاحب احلدائق عن املحدث السيد نعمة اهلل اجلزائري يف مقدمات
رشحه عىل التهذيب أنه قال( :وكم قد رأينا مجاعة من العلامء ردوا عىل الفاضلني بعض
فتاوهيم لعدم الدليل ،فرأينا دالئل تلك الفتاوى يف غري األُصول األربعة ،خصوص ًا
كتاب الفقه الرضوي الذي أيت به من بالد اهلند يف هذه األعصار إىل أصفهان ،وهو اآلن
يف خزانة شيخنا املجليس ،فإنه قد اشتمل عىل مدارك كثرية لألحكام وقد خلت عنها
هذه األُصول األربعة وغريها)(((.
أوالً :إن السيد أمري حسني الذي جاء بالكتاب إىل املجليس األب ثقة ،فكيف
يشكك يف كالمه؟ ..إن خربه مشمول بأدلة حجية خرب الثقة ،و َمن جاء ِمن ُقم وأخرب
السيد بكتاب اإلمام فهو ثقة أيض ًا جيب تصديقه.
قال يف حمكي املستدرك( :إن السيد الثقة الفاضل القايض أمري حسني أخرب بأن
هذا الكتاب له وأخربه بذلك ثقتان عدالن من أهل قم .وهذا خرب صحيح داخل يف
عموم ما دل عىل حجية خرب العدل)(((.
ثاني ًا :إن السيد املذكور واملجلسيني حصل هلم العلم بصحة نسبة الكتاب إىل
اإلمام ،وال ينبغي أن ُيستهان بعلم أمثال هؤالء األعاظم.
ثالث ًا :إنه توجد عبارات يف الكتاب تشري إىل صدوره من اإلمام ،مثل قوله:
«يقول عبد اهلل عيل بن موسى الرضا ،»و«نحن معارش أهل البيت» ،و«أمرين أيب،»
و«جدنا أمري املؤمنني ،»و«أروي عن أيب العامل.»
رابع ًا :إن مطابقة رسالة عيل بن بابويه إىل ولده الصدوق -املسامة برسالة الرشائع-
ملا يف الفقه الرضوي خري شاهد عىل أن الكتاب كان موجود ًا عند عيل بن بابويه وقد نقل
عنه ،واعتامد مثله وولده الصدوق يفيد الوثوق بصحة النسبة.
خامس ًا :إنه يمكن االعتامد عىل النسخة الثانية املوثوق هبا لفقه الرضا بخطه
وهي التي كتبها ألمحد بن السكني وعليها إجازات العلامء ،أو النسخة الثالثة التي
جاءت من بالد اهلند.
اجلواب عن اال�ستدالل
يمكن أن جياب عن االستدالل املذكور بام ييل:
أوالً :مل يذكر الشيخ والنجايش وال غريمها يف فهارسهم أن لإلمام الرضا كتاب ًا يف
الفقه ،وذلك يض ّعف من احتامل صحة انتساب الكتاب إليه.
قال يف الفصول يف املحكي عنه( :ومما يبعد كونه تأليفه عدم إشارة أحد من
علامئنا السلف إليه يف يشء من املصنفات التي بلغت إلينا ،مع ما يرى من خوضهم يف
مجع األخبار وتوغلهم يف ضبط اآلثار املروية عن األئمة األطهار .بل العادة قاضية
َ
العمل به ولرجحوا
ّ بأنه لو ثبت عندهم مثل هذا الكتاب الشتهر بينهم غاية االشتهار
عىل العمل بسائر األُصول واألخبار)(((.
ثاني ًا :كيف يمكن لنا الوثوق بالكتاب ،واحلال أنه قد اختفى عىل الفقهاء والعلامء
املتقدمني؛ كالكُليني والصدوق والشيخ ،فلم ينقلوا عنه شيئ ًا ومل يذكروه يف مشيختهم
((( ً
نقال عن دراسات يف املكاسب املحرمة.١٢٦ -١٢٥/١ :
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 40
ثالث ًا :سلمنا أن السيد أمري حسني ثقة جليل؛ إلخبار املجلسيني بذلك ،لكن يبقى
السؤال أنه كيف عرف السيد أمري حسني بأن اخلط املكتوب هو خط اإلمام الرضا؟
وهل كان من معارصي اإلمام ومن امل ّطلعني عىل خطه ليعرف أنه خطه؟
إذن إخباره مبني عىل احلدس ال احلس ،فال يكون مشموالً ألدلة حجية اخلرب
شخص بحدسه احليس ،فال جيب األخذ به؛ إذ مل يصله الكتاب يد ًا بيد ِمن اإلمام ،وإنام ّ
واجتهاده أن الكتاب لإلمام .وكذلك األمر يف َمن جاء ِمن قم إىل مكة وأخرب السيد
بالكتاب ،فإنه لو سلمنا وثاقتهام يبقى اإلشكال يف حدسية خربه بال حل.
من هنا قال السيد اخلوئي( :فإن األمور التي استند إليها السيد يف إخباره قابلة
للمنع ،فإنه كيف يعلم أحد أن اخلطوط يف النسخة لإلمام ،وأن اإلجازات لألعالم،
إال من طريق احلدس الشخيص ،إذن فإن األمور املذكورة حدسية ال حسية)(((.
رابع ًا :وأما اجلامعة الذين جاؤوا بالكتاب إىل السيد أمري حسني فنحن نجهل
شخصهم ،فض ً
ال عن وثاقتهم.
خامس ًا :إن العلم احلاصل للسيد أمري حسني واملجلسيني حجة عليهم وليس
حجة علينا ،كام هو واضح .والقول بأن علمهم يفيدنا الوثوق ليس دقيق ًا؛ فإن حصول
الوثوق خيتلف من شخص إىل شخص.
قال السيد اخلوئي( :ألن حصول العلم للسيد األجمد والسند األوحد من تلك
القرائن عىل صحة النسبة لديه ال يوجب حصول العلم لنا باعتباره ،وعلمه بذلك ال
يفيد غريه بوجه) (((.
سابع ًا :وأما العبارات املذكورة يف الكتاب التي ا ُّد ِعي أهنا تكشف عن كون املصنف
هو اإلمام ،ففيها :إن داللتها عىل كون املؤلف هو اإلمام دوري ،كام هو واضح ،بل
حيتمل أن تكون هذه العبارات جمعولة وموضوعة ،أو حيتمل أن يكون املصنف من نسل
اإلمام ،فتصح منه تلك العبارات كقوله( :نحن معارش أهل البيت) و(جدنا أمري
املؤمنني).
قال السيد اخلوئي( :أوالً :إن احتامل الكذب ال دافع له مع اجلهل بمؤلفه،
وانفتاح باب اجلعل والفرية من املشمرين عن ساق اجلد للكذب عىل العرتة الطاهرة،
أفنسيت األخبار املجعولة يف أمر الوالية كيف قامت ،وأن لكل واحد من األئمةَ من
يدس عليه من الكذابني؟ ومن هذا ظهر فساد توهم الصدق يف نسبة الكتاب من جهة
موافقة تارخيه لزمان الرضا.
وثاني ًا :لنفرض أن الكتاب ليس من جمعوالت الوضاعني ،فهل يصح أن نتمسك
بقوله :نحن معارش أهل البيت ،أو جدنا أمري املؤمنني لتصحيح كون الكتاب لإلمام،
ثامن ًاَ :من قال بأن عيل بن بابويه نقل عن الفقه الرضوي؟ وملاذا ال نقول العكس،
أي أن مصنف الفقه الرضوي قد نقل عن رسالة الرشائع؟ وإن قلت بأن ذلك ترجيح
مرجح ،قلت :املرجح موجود ،إذ االحتامل األول يساوي نسبة الرسقة إىل عيل بن
بال ّ
بابويه ،وهو واضح البطالن؛ إذ لو كان ينقل عن فقه اإلمام كان عليه أن يقول بأن
هذا كالم اإلمام الرضا ،وإال لصار رسقة.
قال السيد اخلوئي( :أن هذا ال يوجب اعتبار الكتاب ،الحتامل أخذ مؤلفه ذلك
من الرسالة املذكورة ،بل هذا هو الظاهر ،إذ من املستبعد جد ًا بل من املستحيل عادة
أن يسند عيل بن بابويه كتاب الرضا إىل نفسه من دون أن يشري هو أو ابنه الصدوق،
الذي كتب ألجله هذه الرسالة ،إىل أن هذا الكتاب من تأليف الرضا .وهل يرىض
أحد أن ينسب مثل هذه الرسقة إىل الصدوقني ،فال بد وأن يكون األمر بالعكس ،بأن
يكون هذا الكتاب مأخوذ ًا من رسالة عيل بن بابويه) (((.
وتاسع ًا :يشتمل الكتاب عىل بعض الفتاوى املخالفة ملذهبنا ،فقد ورد يف باب
التخيل والوضوء( :وإن غسلت قدميك ونسيت املسح عليهام فإن ذلك جيزيك ،ألنك
قد أتيت بأكثر ما عليك وقد ذكر اهلل اجلميع يف القرآن :املسح والغسل ،قوله تعاىل﴿ :
وأرجلكم إىل الكعبني﴾ أراد به الغسل بنصب الالم ،وقوله﴿ :وأرجلكم﴾ بكرس الالم
وورد يف باب اللباس وما يكره فيه الصالة يف حكم جلد امليتة قوله( :إن دباغته
طهارته)(((.
وورد قوله( :قد جيوز الصالة فيام مل تنبته األرض ومل حيل أكله؛ مثل السنجاب
والفنك والسمور واحلواصل)(((.
وورد يف حتديد الكر قوله( :والعالمة يف ذلك أن تأخذ احلجر فرتمي به يف وسطه،
فإن بلغت أمواجه من احلجر جنبي الغدير فهو دون الكر وإن مل يبلغ فهو كر)(((.
ِ
(وانو عند افتتاح الصالة ذكر اهلل وذكر رسول وورد يف بيان افتتاح الصالة قوله:
اهلل واجعل واحد ًا من األئمة نصب عينيك)(((.
قال املحقق الشيخ آغا بزرگ الطهراين يف الذريعة :فصل القضا يف الكشف
عن حال فقه الرضا لسيدنا أيب حممد احلسن آل صدر الدين العاميل الكاظمي (م
١٣٥٤هـ) .بنى فيه عىل أنه عني كتاب التكليف للشلمغاين(((.
وقال السيد حسن الصدر يف ديباجة رسالته (فصل القضا) ما نصه( :فاعلم
أنه الكتاب املعروف عند املتقدمني بكتاب التكليف ملحمد بن عيل الشلمغاين املعروف
بـ(ابن أيب عزاقر) ،صنعه يف أيام استقامته وكانت الطائفة تعمل به وترويه عنه ،وممن
رواه عنه وأخذه منه شيخ القميني عيل بن موسى بن بابويه ،وجعله األصل لرسالة
الرشائع التي كتبها البنه الصدوق ،والصدوق يرويه عن أبيه عنه ،والشيخ املفيد يرويه
عن الشيخ الصدوق عن أبيه عنه ،والشيخ الطويس يرويه عن مشاخيه األربع عن
الصدوق عن أبيه عنه ،وملا محله احلسد أليب القاسم احلسني بن روح خرج عن املذهب،
ثم غال وظهرت منه مقاالت منكرة ،فتربأت الشيع ُة منه وخرجت فيه التوقيعات من
الناحية املقدسة ،بعد أن كان مستقيم الطريقة متقدم ًا يف أصحابنا)(((.
وقد وافقه يف الرأي عىل ذلك سيدنا األُستاذ ،حيث قال( :وباجلملة :احتامل
كون الكتاب املذكور ألمحد بن حممد بن عيسى مما ينبغي القطع بخالفه ،بل هو كتاب
مر)(((.
التكليف للشلمغاين كام ّ
ثم إنه قد وردت ترمجة الشلمغاين يف فهرست الشيخ .قال الشيخ( :حممد بن عيل
الشلمغاين ،يكنى أبا جعفر ،ويعرف بـ(ابن أيب العزاقر) ،له كتب ورواي��ات ،وكان
مستقيم الطريقة ،ثم تغري وظهرت منه مقاالت منكرة ،إىل أن أخذه السلطان ،فقتله
وصلبه ببغداد .وله من الكتب التي عملها يف حال االستقامة كتاب (التكليف) ،أخربنا
به مجاعة ،عن أيب جعفر ابن بابويه ،عن أبيه عنه ،إال حديث ًا واحد ًا منه يف باب الشهادات،
أنه جيوز للرجل أن يشهد ألخيه إذا كان له شاهد واحد من غريه)(((.
وقال عنه النجايش( :حممد بن عيل الشلمغاين أبو جعفر املعروف بابن أيب العزاقر،
كان متقدم ًا يف أصحابنا ،فحمله احلسد أليب القاسم احلسني بن روح عىل ترك املذهب
والدخول يف املذاهب الرديئة ،حتى خرجت فيه توقيعات ،فأخذه السلطان وقتله
وصلبه .وله كتب ،منها :كتاب التكليف)(((.
ثم إنه يظهر من الشيخ يف كتاب ال َغيبة أن كتاب التكليف للشلمغاين قد كُتب حتت
إرشاف السفري أيب القاسم احلسني بن روح .قال( :وأخربين أبو حممد املحمدي ريض
اهلل عنه ،عن أيب احلسني حممد بن الفضل بن متام قال :سمعت أبا جعفر بن حممد بن
أمحد الزكوزكي- وقد ذكرنا كتاب التكليف ،وكان عندنا أنه ال يكون إال مع ٍ
غال،
وذلك أنه أول ما كتبنا احلديث -فسمعناه يقول :وأيش كان البن أيب العزاقر يف كتاب
التكليف؟! إنام كان يصلح الباب ويدخله إىل الشيخ أيب القاسم احلسني بن روح ريض
اهلل عنه ،فيعرضه عليه وحيكمه فإذا صح الباب خرج فنقله وأمرنا بنسخه ،يعني أن
الذي أمرهم به احلسني بن روح ريض اهلل عنه)(((.
يظهر من هذه الرواية أن كتاب التكليف قد كُتب حتت إرشاف احلسني بن روح
وأنه قام بتصحيحه .ولكن احتمل سيدنا األُستاذ أن هذه الرواية فيها يشء من
املبالغة وأن كتاب التكليف مل يكن حتت إرشافه(((.
وروى الشيخ أيض ًا يف الغيبة( :وأخربين احلسني بن عبيد اهلل ،عن أيب احلسن حممد
بن أمحد بن داوود القمي ،قال :حدثني سالمة بن حممد قال :أنفذ الشيخ احلسني بن
روح ريض اهلل عنه كتاب التأديب إىل قم ،وكتب إىل مجاعة الفقهاء هبا وقال هلم :أنظروا
يف هذا الكتاب وانظروا فيه يشء خيالفكم؟ فكتبوا إليه :إنه كله صحيح ،وما فيه يشء
خيالف إال قوله :يف الصاع يف الفطرة نصف صاع من طعام ،والطعام عندنا مثل الشعري
من كل واحد صاع)(((.
وذهب سيدنا األُستاذ إىل كون كلمة (التأديب) فيها تصحيف ،والصحيح هو
(التكليف) .قال( :ولفظ (التأديب) يف هذه الرواية حمرف (التكليف) .والقرينة عليه
أن املورد الذي استثناه فقهاء قم موجود بعينه يف هذا الكتاب ،فلرياجع)(((.
وروى الشيخ أيض ًا( :ملا عمل حممد بن عيل الشلمغاين كتاب التكليف ،قال الشيخ
يعني أبا القاسم ريض اهلل عنه :اطلبوه إ ّيل ألنظره ،فجاؤوا به فقرأه من أوله إىل آخره،
فقال :ما فيه يشء إال وقد روي عن األئمة ،إال موضعني أو ثالثة ،فإنه كذب عليهم يف
روايتها لعنه اهلل)(((.
وروى أيض ًا( :وأخربين مجاعة ،عن أيب احلسن حممد بن أمحد بن داوود وأيب عبد
اهلل احلسني بن عيل بن احلسني بن موسى بن بابويه أهنام قاال :مما أخطأ حممد بن عيل يف
املذهب يف باب الشهادة ،أنه روى عن العامل أنه قال :إذا كان ألخيك املؤمن عىل
رجل حق فدفعه عنه ،ومل يكن له من البينة عليه إال شاهد واحد ،وكان الشاهد ثقة
رجعت إىل الشاهد فسألته عن شهادته ،فإذا أقامها عندك شهدت معه عند احلاكم عىل
مثل ما يشهده عنده لئال يتوى حق امرئ مسلم) .ثم قال الشيخ( :واللفظ البن بابويه،
وقال :هذا كذب منه ،ولسنا نعرف ذلك .وقال يف موضع آخر :كذب فيه)(((.
َو ِم اَّـم يشهد له أيض ًا قوله يف الفقه الرضوي(((( :وروي :الفطرة نصف صاع من
ُب ّـر ،وسائره صاع ًا صاع ًا) ،وهذا مما أشكل عليه القميون عىل كتاب (التأديب) ،وقد ّ
مر
بأنه حمرف ،والصحيح هو (التكليف).
إذن هاتان قرينتان عىل احتاد كتاب الفقه الرضوي مع كتاب التكليف للشلمغاين.
هذا ،وقد يرد عىل هذا القول :بأنه ماذا نصنع بالعبارات الواردة يف الكتاب التي
تشري إىل كون املؤلف هو اإلمام ،كقوله« :نحن معارش أهل البيت» مثالً؟
وال خيفى أن مجلة ما يتضمنه هذا الكتاب بني طوائف ثالث ،األوىل :ما يظهر
أن َمن نطق به يرى نفسه أنه اإلمام وابن األئمة ،واملظنون قوي ًا أنه من
من سياقه ّ
إمالء الرضا وكتبه املؤلف املذكور .الثانية :روايات عن آبائه الطاهرين مجعها
طي هذا الكتاب ويف
-أي أمحد بن حممد بن عيسى -عن الرواة عنهم ،وأدرجها يف ّ
نوادره .الثالثة :ما اشتبه حاله ،ويظن أن مجلة منه من اجتهادات املؤلف يف اجلمع بني
ما تعارضت ظواهرها ونحو ذلك .وال يبعد أن يكون اشتامل هذا املؤ َّلف اجلليل عىل
الطائفة األخرية ،وعدم مت ّيزها عن األوىل هو الذي أوجب عدم اشتهار الكتاب بني
األصحاب)(((.
أوالً :إن النجايش والشيخ مل يذكرا هذا الكتاب من ضمن مؤلفات أمحد بن حممد
بن عيسى .إن ابن عيسى كان شيخ القميني وفقيههم ومن ّ
أجل وأشهر الرواة ،فلو كان
له مثل هذا الكتاب الشتهر وذاع.
إن قلت :إن الظاهر من عبارة الشيخ والنجايش عدم احلرص ،وإنام ذكرا بعض
كتب أمحد بن حممد بن عيسى ،ولعله كتب هذا الكتاب ومل يذكراه.
قلت :إن مثل األشعري القمي لو كان له مثل هذا الكتاب الشتهر وذاع جزم ًا؛
فعدم ذكره كاشف عن عدم انتسابه إليه.
ثاني ًا :إنه وإن عارص اإلمام الرضا ،إال أنه مل يثبت يف الكتب املعتربة أنه قد
روى عنه .قال السيد اخلوئي( :أمحد بن حممد بن عيسى من أصحاب اجلواد
واهلادي ،وإن لقي الرضا أيض ًا ،عىل ما ذكره النجايش والشيخ ،ولكن مل تثبت
روايته عنه.((()
وقال سيدنا األُستاذ( :مع أنه وإن لقي الرضا ،إال أنه مل ترد له وال رواية
((( رسالة الصالة يف املشكوك للمريزا النائيني ،١٠٨-١٠٥ :ط مؤسسة آل البيت إلحياء الرتاث.
((( معجم رجال احلديث.٨٦/٣ :
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 50
واحدة عنه ،فكيف حيتمل أن اإلمام أمىل عليه الفقه من أوله إىل آخره وهو أدرجه
يف هذا الكتاب؟!!)(((.
وثالث ًا :ما أشكله الشيخ املنتظري ،قائالً( :نعم يرد عىل هذا القول أيض ًا ما ورد
عىل القول السابق من وجود عبارات يف الكتاب تدل عىل كون املؤلف من أهل بيت
النبوة ،كقوله« :هي الليلة التي رضب فيها جدنا أمري املؤمنني ،»وقوله« :نحن معارش
أهل البيت» )(((.
قال املريزا األفندي يف رياض العلامء عىل ما ُحكي عنه( :وأما الفقه الرضوي ،فقد
مر يف ترمجة السيد أمري حسني ،احلق أنه بعينه كتاب (الرسالة) املعروفة لعيل بن موسى
بن بابويه القمي إىل ولده الصدوق حممد بن عيل ،وأن االشتباه قد نشأ من اشرتاك اسم
ثم إن الصدوق قد جعل رسالة (الرشائع) من مصادر كتابه َمن ال حيضرَ ُ ُه الفقيه.
قال يف الديباجة( :ومجيع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة ،عليها املعول وإليها
املرجع ،مثل كتاب حريز بن عبد اهلل السجستاين ...إىل أن قال :ورسالة أيب ريض اهلل
عنه إ ّيل وغريها من األُصول واملصنفات)(((.
وأحسن ما يمكن أن يستدل به هلذا القول هو :أن عبارات الصدوق املنقولة عن
والده كثري ًا ما تتطابق مع ما ورد يف هذا الكتاب ،فهو يكشف عن كون الكتاب له ،أي
لعيل بن بابويه.
وفيه :كام حيتمل ذلك حيتمل أيض ًا أن مؤلف كتاب (الفقه الرضوي) قد أخذ من
رسالة ابن بابويه وليس العكس ،أو كالمها أخذا من كتاب ثالث ،وال مرجح لالحتامل
األول عىل االحتاملني اآلخرين.
أقول :ما دمنا ال نعرف َمن هو الذي صنّف الكتاب فال يمكن القول باعتباره؛ إذ
لربام مل يكن ثقة ،وحيتمل أيض ًا اإلرسال يف نقله كام احتمل ذلك صاحب الفصول،
مما يزيد يف اإلشكال عىل الكتاب.
القول ال�سابع� :إنه تلفيق بني �إمالء الإمام ونوادر �أحمد بن حممد بن
عي�سى
تبنى هذا القول املحدث النوري ،حيث قال( :والذي أعتقده أن إمالء بعض
الكتاب منه ،والباقي ألمحد بن حممد بن عيسى األشعري ،وهو داخل يف نوادره)(((.
وفيه :قد عرفت اإلشكال يف كون الكتاب لإلمام أو ألمحد بن حممد بن
عيسى ،وهذا القول هو تلفيق بني القولني وقد اتضح ما فيه.
ور ّد عليه السيد اخلوئي قائالً( :وااللتزام بالتفصيل بأن بعض الكتاب إمالء
((( ً
نقال عن مقدمة فقه الرضا.١٧ :
((( خامتة املستدرك.٢٣٨/١ :
53 الفقه املن�سوب �إىل الإمام الر�ضا
منه وبعضه اآلخر ألمحد بن حممد بن عيسى األشعري ،وأن موارد التقية يف الكتاب
إنام هي فيام سمع منه ،تكلف يف تكلف ،وقول بال علم)(((.
هذه هي أهم األقوال التي تسنى لنا العثور عليها حول مؤلف (الفقه الرضوي).
خال�صة وا�ستنتاج
بعد هذا العرض يمكن أن نخرج بالنتائج التالية:
أوالً :إن الكتاب ليس تأليف ًا لإلمام؛ إذ لو كان له كتاب يف الفقه الشتهر عنه
وذاع ،ولذكره القدماء من األصحاب ،ولنقلوا عنه.
ثالث ًا :وكذلك ال دليل عىل كونه ألمحد بن حممد بن عيسى؛ إذ لو كان له مثل هذا
الكتاب ألشار إليه الرجاليون كالنجايش والشيخ.
ورابع ًا :وأما احتامل نسبته إىل الشلمغاين فلها مؤيدات ،ولكن يوجد يف نفس
الوقت ما يبعده كام عرفت .وعني هذا الكالم يرد عىل احتامل نسبته إىل عيل بن بابويه.
وكيف كان ،فال يمكن االعتامد عىل هذا الكتاب عىل أساس أنه تأليف اإلمام أو
أنه كتاب روائي ،بل الظاهر أنه كتاب فتوى ،مع عدم إمكان تشخيص مؤلفه بشكل
قطعي.
قال السيد اخلوئي ونعم ما قال( :فإن يف الكتاب قرائن قطعية تدل عىل عدم
كونه ملثل موالنا الرضا ،بل هو رسالة عملية ذكرت فيها الفتاوى والروايات بعنوان
اإلفتاء ،كام يظهر ملن يالحظه ،كيف وأكثر رواياته إما بعنوان روي وراوي ونحومها،
وإما نقل عن الرواة ،خصوص ًا يف آخر الكتاب ،فإنه ينقل فيه كثري ًا عن ابن أيب عمري
وزرارة واحللبي وصفوان وحممد بن مسلم ومنصور وغريهم .عىل أن فيه عبارات
يقبح صدورها عن اإلمام ،نظري قوله :جعلني اهلل من السوء فداك ،وقوله يف باب
القدر :صف يل منزلتني ،فإن هذا القول ظاهر يف جهل القائل ،وهو مستحيل يف حق
اإلمام.((()
وقال( :إذن فحق القول :إنه لو أنيطت األحكام الرشعية بمثل هذه املدارك ،فبني
أيدينا البخاري ومسند أمحد وصحيح مسلم ،وعىل هذا فعىل الفقه السالم)(((.
***
نعم ،يوجد رأي يقول بأن الكتاب عبارة عن مسائل سأهلا اإلمام موسى بن جعفر
من أبيه اإلمام الصادق ،إال أن عيل بن جعفر قد روى تلك األسئلة مع أجوبتها .لكن
الصحيح ما عرفت وما سيأيت من الشيخ آغا بزرگ الطهراين وغريه أن املسائل هي
ما سأهلا عيل بن جعفر من أخيه.
ثم إن لكتاب مسائل عيل بن جعفر نسختني ،إحدامها مبوبة ،وقد أوردها احلمريي
يف قرب اإلسناد عن عبد اهلل بن احلسن حفيد عيل بن جعفر ،واألُخرى غري مبوبة قد
رواها الشيخ والصدوق والنجايش بأسانيد معتربة .بل النجايش روى النسخة املبوبة
أيض ًا كام سيأيت.
قال الشيخ آغا بزرگ الطهراين :مسائل عيل بن جعفر أيب احلسن العرييض من
نواحي املدينة املتوىف يف سنة (٢١٠هـ) ،كام يف (الشذرات) و(مرآة اجلنان) ،وتويف والده
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 56
يف سنة (١٤٨هـ) ،يروهيا عن أخيه موسى بن جعفر وهي من األُصول املعتربة بني
الطائفة ،بل استظهر الشيخ عبد اهلل السامهيجي يف إجازته الكبرية للشيخ نارص ما تفطن
به الشيخ املجاز -يعني الشيخ نارص -وهو أن املسائل تأليف اإلمام موسى الكاظم،
وعيل بن جعفر إنام رواها عن أخيه موسى ،وذلك ألن السند ينتهى إىل عيل بن جعفر
وهو عن أخيه موسى بن جعفر ،قال :سألت أيب جعفر بن حممد ...إلخ ،وهذا القائل
هو موسى بن جعفر وهو يقول سألت أيب جعفر بن حممد يف الرواية األوىل وبعدها إىل
آخر الكتاب كلها سألته وسألته ،وهو يقتيض أن يكون السائل يف اجلميع موسى بن
جعفر عن أبيه جعفر بن حممد ،فيكون املسائل له يروهيا عنه أخوه عيل بن جعفر .أقول:
لكن يف بعض مواضعه مثل مسألة رفع اليد بالتكبري ما لفظه :قال عيل بن جعفر ،قال
أخي« :عىل اإلمام أن يرفع يديه يف الصالة ،وليس عىل غريه أن يرفع يديه يف التكبري»،
وقال :قال أخي« :قال عيل بن احلسني :وضع الرجل» ،احلديث .فيظهر أهنا روايات
لعيل بن جعفر عن أخيه الكاظم ،وأخوه قد يذكر اجلواب عن نفسه وقد يذكر رواية
عن أبيه جعفر أو عن عيل بن احلسني .أول مسائله السؤال عن رجل واقع امرأته قبل
طواف النساء متعمد ًا ما عليه؟ قال :يطوف وعليه ُبدنة(((.
غري مبوب وتارة مبوب ًا .أخربنا القايض أبو عبد اهلل قال :حدثنا أمحد بن حممد بن سعيد
قال :حدثنا جعفر بن عبد اهلل املحمدي قال :حدثنا عيل بن أسباط بن سامل قال :حدثنا
عيل بن جعفر بن حممد قال :سألت أبا احلسن موسى ،وذكر املبوب .وأخربنا أبو
عبد اهلل بن شاذان قال :حدثنا أمحد بن حممد بن حييى قال :حدثنا عبد اهلل بن جعفر قال:
حدثنا عبد اهلل بن احلسن بن عيل بن جعفر بن حممد قال :حدثنا عيل بن جعفر ،وذكر
غري املبوب(((.
هناك َمن يرى ضعف طريق النجايش إىل النسخة غري املبوبة؛ وذلك لوجود عبد
اهلل بن احلسن وهو غري موثق ،وهو طريق احلمريي أيض ًا كام سيأيت .إال أن الصحيح هو
إمكان االعتامد عليه وذلك لكثرة نقل احلمريي الثقة اجلليل عنه.
نعم ،يوجد خالف أن هذه النسخة مل تكن مبوبة حق ًا أم ال! ادعى ذلك النجايش
ووافقه السيد اخلوئي ،إال أن حمقق كتاب املسائل خالفهام يف ذلك كام سيأيت.
وذهب الشيخ آصف املحسني إىل ضعف طريق النجايش الثاين أيض ًا؛ وذلك
لعدم ثبوت وثاقة القايض أيب عبد اهلل بن شاذان((( ،مع أنه من مشايخ النجايش ،إال أن
املبنى غري مقبول عنده خالف ًا للمختار.
وقال النجايش أيض ًا يف ترمجة إسامعيل بن حممد بن إسحاق بن جعفر بن حممد بن
عيل بن احلسني :ثقة ،روى عن جده إسحاق بن جعفر وعن عم أبيه عيل بن جعفر
صاحب املسائل(((.
وقال الشيخ يف الفهرست :عيل بن جعفر ،أخو موسى بن جعفر بن حممد بن عيل
بن احلسني بن عيل بن أيب طالب ،جليل القدر ،ثقة.
وله كتاب (املناسك) ،ومسائل ألخيه موسى الكاظم بن جعفر سأله عنها،
أخربنا بذلك مجاعة ،عن حممد بن عيل بن احلسني ،عن أبيه ،عن حممد بن حييى ،عن
العمركي اخلراساين البوفكي ،عن عيل بن جعفر ،عن أخيه موسى الكاظم .ورواه
أبو جعفر حممد بن عيل بن احلسني بن بابويه ،عن أبيه ،عن سعد واحلمريي وأمحد بن
إدريس وعيل بن موسى ،عن أمحد بن حممد ،عن موسى بن القاسم البجيل ،عنه(((.
أقول :ال يوجد لعيل بن جعفر كتاب مستقل حتت عنوان (املناسك) ،وإنام له كتاب
واحد وهو كتاب املسائل ،وأما املناسك فهو جزء من كتاب املسائل.
وعدّ ه الشيخ يف رجاله يف أصحاب أبيه الصادق قائالً :عيل بن جعفر بن حممد
بن عيل بن احلسني بن عيل بن أيب طالب ،املدين(((.
وعدّ ه أيض ًا يف أصحاب الكاظم قائالً :عيل بن جعفر ،أخوه ،له كتاب ما
وعدّ ه أيض ًا يف أصحاب الرضا قائالً :عيل بن جعفر بن حممد ،له كتاب،
ثقة(((.
بل ستعرف أن عيل بن جعفر قد لقي اجلواد واهلادي أيض ًا ،وعىل هذا فقد عارص
مخسة من األئمة املعصومني.
وقال عنه ابن شهرآشوب :عيل بن جعفر الصادق ،له كتاب مسائل(((.
وقال عنه الشيخ املفيد :وكان عيل بن جعفر ريض اهلل عنه راوية للحديث،
سديد الطريق ،شديد ال��ورع ،كثري الفضل ،ولزم أخاه موسى وروى عنه شيئ ًا
كثري ًا(((.
وهناك روايات تدل عىل ورعه وتسليمه الكامل ألمر اهلل وإذعانه إلمامة حفيد
أخيه اإلمام اجلواد ،واإلمام طفل صغري وعيل بن جعفر شيخ كبري.
قال الكيش :عيل بن جعفر بن حممد بن عيل بن احلسني بن عيل بن أيب طالب:
محدويه بن نصري ،قال :حدثنا احلسن بن موسى اخلشاب ،عن عيل بن أسباط وغريه،
عن عيل بن جعفر بن حممد ،قال :قال يل رجل -أحسبه من الواقفة :-ما فعل أخوك
أبو احلسن؟ قلت :قد مات ،قال :وما يدريك بذلك؟ قال :قلت :اقتُسمت أموا ُله
الناطق من بعده ،قال :و َمن الناطق ِمن بعده؟ قلت :ابنه عيل،
ُ و ُأنكحت نساؤه ونطق
قال :فام فعل؟ قلت له :مات ،قال :ما يدريك أنه مات؟ قلتُ :ق ّسمت أموا ُله ونُكحت
الناطق من بعده ،قال :و َمن الناطق ِمن بعده؟ قلت :أبو جعفر ابنه ،قال:
ُ نساؤه ونطق
فقال يل :أنت يف ِسنّك وقدْ ِرك وأبوك جعفر بن حممد تقول هذا القول يف هذا الغالم؟!
قلت :ما أراك إال شيطان ًا ،قال :ثم أخذ بلحيته فرفعها إىل السامء ،ثم قال :فام
قالُ :
ال هلذا ومل تكن هذه الشيب ُة هلذا أهالً؟!(((.
حيلتي إن كان اهللُ رآه أه ً
وروى الكليني عن احلسني بن حممد ،عن حممد بن أمحد النهدي ،عن حممد بن خالد
الصيقل ،عن حممد بن احلسن بن عامر ،قال :كنت عند عيل بن جعفر بن حممد جالس ًا
باملدينة ،وكنت أقمت عنده سنتني ،أكتب عنه ما يسمع من أخيه -يعني أبا احلسن،-
إذ دخل عليه أبو جعفر حممد بن عيل الرضا املسجد مسجد الرسول ،فوثب عيل
بن جعفر بال حذاء وال رداء فق ّبل يدَ ه وع ّظمه ،فقال له أبو جعفر« :يا عم ،اجلس
رمحك اهلل» ،فقال :يا سيدي كيف أجلس وأنت قائم؟ فلام رجع عيل بن جعفر إىل جملسه
جعل أصحا ُبه يو ّبخونه ،ويقولون :أنت عم أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل؟! فقال:
وأهل هذا
يؤهل هذه الشيبةّ ،
اسكتوا ،إذا كان اهلل عز وجل -وقبض عىل حليته -مل ّ
الفتى ،ووضعه حيث وضعه ،أنكر فضله؟! نعوذ باهلل مما تقولون ،بل أنا له عبد(((.
قال :املالحظ وجود اختالف كبري بني النسختني ،املبوبة وغري املبوبة من حيث
عدد املسائل املوجودة يف كل منهام .فغري املبوبة حتتوي عىل ٤٢٩حديث ًا ،وجمموع ما يف
املبوبة ٥٣٣حديث ًا .وبني املوجود يف كل واحد مع اآلخر نسبة العموم واخلصوص من
وجه(((.
وهذا يعني أنه توجد روايات يف النسخة املبوبة ال جتدها يف غري املبوبة ،وكذلك
توجد روايات يف النسخة غري املبوبة ال جتدها يف املبوبة.
وقال أيض ًا :وقد يقرب هذا الرأي بالتفاوت الكبري امللحوظ بني عدد ما حيتويه
كل من النسختني املوجودتني :املبوبة التي رواها احلمريي ،وغري املبوبة التي أوردها
املجليس ،فإن األوىل تزيد عىل الثانية بأكثر من ١٠٠حديث(((.
وقال سيدنا األُستاذ :إن كتاب عيل بن جعفر قد روي من طرق عدة رواة،
وخيتلف الكتاب حسب اختالف رواياهتم :فاملوجود يف رواية (عبد اهلل بن احلسن)
املدرجة يف قرب اإلسناد ( )533مسألة ،واملوجود يف رواية (عيل بن احلسن) املدرجة
�أ�سانيد الن�سخ
إن الصدوق والشيخ رمحهام اهلل هلام طرق إىل كتاب مسائل عيل بن جعفر وطرقهم
معتربة عىل املختار.
أما الصدوق فله طريقان إىل الكتاب أوردمها يف مشيخة الفقيه قائالً :وكل ما كان
يف هذا الكتاب عن عيل بن جعفر فقد رويته عن أيب ريض اهلل عنه ،عن حممد بن حييى
العطار عن العمركي عن عيل بن جعفر ،عن أخيه موسى بن جعفر .ورويته عن
حممد بن احلسن بن أمحد بن الوليد ريض اهلل عنه ،عن حممد بن احلسن الصفار ،وسعد
بن عبد اهلل مجيع ًا عن أمحد بن حممد بن عيسى ،والفضل بن عامر عن موسى بن القاسم
البجيل ،عن عيل بن جعفر ،عن أخيه موسى بن جعفر .وقال :وكذلك مجيع كتاب عيل
بن جعفر.(((
وأما الشيخ الطويس فطرقه يف الفهرست هي طرق الصدوق كام هو املالحظ مما
ذكرناه عن الفهرست ،وقد حكم السيد اخلوئي عليها بالصحة أيض ًا(((.
وقال الشيخ املحسني :ما نقله الشيخ الطويس عن هذا الكتاب نقبله ألجل
اعتبار سنده إليه يف املشيخة ،دون سنده يف الفهرست عىل وجه.
قال الشيخ يف الفهرست :عيل بن جعفر ،أخو موسى بن جعفر بن حممد بن عيل
بن احلسني بن عيل بن أيب طالب ،جليل القدر ،ثقة .وله كتاب املناسك ،ومسائل
((( ً
نقال عن مقدمة كتاب مسائل عيل بن جعفر.٧٦ :
((( معجم رجال احلديث.٣١٥/١٢ :
((( معجم رجال احلديث.٣١٥/١٢ :
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 64
ألخيه موسى الكاظم بن جعفر سأله عنها .أخربنا بذلك مجاعة ،عن حممد بن عيل
بن احلسني ،عن أبيه ،عن حممد بن حييى ،عن العمركي اخلراساين البوفكي ،عن عيل
بن جعفر ،عن أخيه موسى الكاظم .ورواه أبو جعفر حممد بن عيل بن احلسني بن
بابويه ،عن أبيه ،عن سعد واحلمريي وأمحد بن إدريس وعيل بن موسى ،عن أمحد بن
حممد ،عن موسى بن القاسم البجيل ،عنه(((.
أقول :قد يتوهم أن قوله( :أخربنا بذلك مجاعة) فيه جهالة حيث ال نعلم من هم
اجلامعة .ولكن هذا مردود ،إذ اجلامعة تصدق عىل ثالثة فام فوق ،وهل حيتمل اجتامع
ثالثة من مشايخ الطويس عىل الكذب؟ وهل حيتمل أن ال يوجد يف هؤالء الثالثة ثقة؟!
وأما طريقه الثاين فقد بدأ بالصدوق ،ومن املعلوم أنه ال يمكن للشيخ أن يروي
عن الصدوق مبارشة فقد يتوهم اإلرسال .إال أن هذا اإلشكال أيض ًا مردود؛ فإن أغلب
مرويات الشيخ عن الصدوق هي بواسطة املفيد فيمكن حصول الوثوق بأن األمر هنا
كذلك.
وقد عرفت سابق ًا بأن السيد اخلوئي قد حكم عىل طريق الشيخ يف الفهرست
بالصحة ،وكذلك صنع شيخنا األُستاذ اإليرواين وقال بأنه إذا كان يوجد إشكال
يف طرق الشيخ إىل عيل بن جعفر فهو يف طريقه يف املشيخة؛ وذلك لوجود احلسني بن
عبيد اهلل وأمحد بن حممد بن حييى .أقول :يمكن االعتامد عىل الرجلني مع ًا ألن األول من
الصدوق مرار ًا.
ُ عليه مشايخ النجايش والثاين من مشايخ اإلجازة ،وقد ترضىّ
وأما طريق العالمة املجليس يف البحار فهو ما ذكره بقوله :ما وصل إلينا من أخبار
عيل بن جعفر ،عن أخيه موسى بغري رواية احلمريي ،نقلناها جمتمعة؛ ملا بينها وبني
أخبار احلمريي من اختالف يسري ،وفرقنا ما ورد برواية احلمريي عىل األبواب :أخربنا
أمحد بن موسى بن جعفر بن أيب العباس قال :حدثنا أبو جعفر ابن يزيد بن النرض
اخلراساين من كتابه يف مجادى اآلخرة سنة إحدى وثامنني ومائتني قال :حدثنا عيل بن
احلسن بن عيل بن عمر بن عيل بن احلسني بن عيل بن أيب طالب ،عن عيل بن جعفر
بن حممد ،عن أخيه موسى بن جعفر.(((
وهذا الطريق ال خيلو من إشكال؛ وذلك لوجود عيل بن احلسن بن عيل بن عمر
بن عيل بن احلسني بن عيل بن أيب طالب؛ فإنه مل تثبت وثاقته .نعم ،قال عنه السيد
املرتىض يف النارصيات بأنه عامل فاضل((( ،إال أن هذا املدح ال يدل عىل وثاقته ،بل
يثبت احلسن .هذا مضاف ًا إىل عدم ثبوت وثاقة أمحد بن موسى بن جعفر بن أيب العباس
وكذلك أمحد بن يزيد بن النرض اخلراساين.
بل وهناك إشكال ثالث وهو كثرة األخطاء الواقعة يف هذه النسخة .قال سيدنا
األُستاذ :وأما نسخة (عيل بن احلسن) املدرجة يف البحار ويف الوسائل فهي ال تقل
أيض ًا عن تلك النسخة يف السقط والغلط ،ويتضح ذلك بمقارنة ما ورد فيهام مع ما ورد
من مسائل عيل بن جعفر يف سائر املصادر احلديثية(((.
ويبدو من الشيخ املحسني أنه كان يرى صحة طريق املجليس إىل مسائل عيل بن
جعفر ثم تراجع عن ذلك لألسباب املذكورة وغريها التي ستأيت.
قال :هذا السند مرسل أوالً ،ورجاله مهملون ثاني ًا ،عىل أنك قد عرفت أن صحة
طريق الشيخ إىل عيل ،وصحة طريق املجليس إىل الشيخ ،ال تكفي للحكم بصحة
النسخة ،فتصبح أحاديث كتاب املسائل املذكور مرسلة غري حجة ،خالف ًا ملا بنينا عليه
سابق ًا تبع ًا ملا هو املشهور من اعتباره ،ألجل صحة الطريقني املشار إليهام ،وقد ذكرنا
أحاديثه يف بعض أجزاء كتابنا معجم األحاديث املعتربة ،ثم حذفنا منه حتى اإلمكان
وبقي فيه ما طبع بالكومبيوتر ،ولكن نبهنا عىل ضعفه يف بعض مواضع املعجم.
وقال :وكتبت هذا األمر إىل سيدنا األُستاذ اخلوئي قبل هذا بسنني أيام حياته يف
النجف األرشف ،فإنه كان يعتمد عىل كتاب املسائل فلم يصل إ ّيل جوابه ،ولكن حكى
يل بعض الفضالء الصاحلني من تالمذته بعد وفاته أنه قرأ كتابك ،وقال يل :اكتب له
جواب ًا ،قلت له :ما كان جوابه؟ قال :الظاهر أنه كان يقول إن املجليس لعله رواه
بعدة طرق معتربة ،وغري معتربة ،فاقترص يف بحاره عىل سند واحد ضعيف.
أقول :وهذا بعيد من مثله فإن االعتامد عىل جمرد االحتامل غري صحيح ،لكن
رسخ اعتقاد صحة املسائل يف ذهنه طيلة عمره ،فرأى السؤال ضعيف ًا فر ّده بام ذكر.
وقال :ولقد أحسن السيد السيستاين دام عمره حيث ذكر يل شفاهي ًا حني لقائي إياه
يف النجف األرشف سنة (١٤١٤هـ) عدم اعتامده عليه؛ لعدم حصول االطمئنان بصحة
نسبة هذه النسخة الواصلة إىل املجليس إىل عيل بن جعفر ريض اهلل عنه وأهنا هي بعينها
67 م�سائل علي بن جعفر
كتابه ،بل ادعى القطع بعدم حتقق املناولة يف أمثاله .أقول :دعوى القطع ال بأس هبا(((.
إن قلت :كان بإمكان احلمريي أن يروي مسائل عيل بن جعفر بطريق آخر غري
رواية عبد اهلل بن احلسن؛ كرواية العمركي بن عيل البوفكي -وهو من مشايخ احلمريي-
وموسى بن القاسم البجيل وعيل بن أسباط بن سامل وأيب قتادة عيل بن حممد بن حفص
وغريهم من الثقات .وهذا يكشف عن ثبوت وثاقة عبد اهلل بن احلسن عند احلمريي.
قلت :لعل سبب اعتامد احلمريي عىل رواية عبد اهلل بن احلسن -املجهول احلال-
هو ألجل قرب اإلسناد وقلة الوسائط بينه وبني اإلمام املعصوم ،فإن عبد اهلل بن
احلسن يروي املسائل عن جده عيل بن جعفر عن اإلمام موسى بن جعفر ،وهذا ما
حيقق الغاية للحمريي.
إن قلت :إن البوفكي شيخ من مشايخ احلمريي وروايته ملسائل عيل بن جعفر
كرواية عبد اهلل بن احلسن تتصف بقرب اإلسناد ،فلامذا ترك احلمريي الرواية عن شيخه
الثقة واعتمد عىل رواية عبد اهلل بن احلسن املجهول؟ أال يدل ذلك عىل وثاقة عبد اهلل
قلت :صحيح أن احلمريي تلميذ البوفكي ،لكن َمن قال أنه روى عنه مسائل عيل
بن جعفر؟ فإن تتلمذ احلمريي عىل يد البوفكي ال يدل عىل أن احلمريي قد وصلته
ٍ
تلميذ قد فاتته ُأمور من ُأستاذه. نسخة املسائل عن أستاذه .وكم من
ويمكن أن يقال أيض ًا :إن احلمريي اعتمد عىل رواية عبد اهلل بن احلسن ألهنا كانت
مبوبة بخالف النسخ األُخرى للكتاب .وأما ما يف رجال النجايش من كون رواية عبد
اهلل بن احلسن مل تكن مبوبة وإنام املبوب من النسخ هي رواية عيل بن أسباط فهو خطأ
بل العكس هو الصحيح ،وقد تنبه لذلك حمقق كتاب املسائل(((.
إال أن بعض األعالم طاب ثراه كان يرى صحة دعوى النجايش من كون نسخة
رواية عبد اهلل بن احلسن غري مبوبة .وأما التبويب املوجود يف روايات قرب اإلسناد
عن مسائل عيل بن جعفر فهو من اجتهادات احلمريي .فقد ورد يف املستند يف رشح
العروة يف اهلامش :ال خيفى أن كتاب عيل بن جعفر -عىل ما يظهر من النجايش -يروى
مبوب ًا تارة وغري مبوب ُأخرى ،والذي وصل إىل عبد اهلل بن جعفر احلمريي إنام هو
غري املبوب .وعليه :فالتبويب الذي يشاهد يف اجلزء الثاين من قرب اإلسناد عند إيراده
مسائل عيل بن جعفر كأنه اجتهاد من احلمريي نفسه وال عربة به؛ كاجتهادات الكليني
وأرضابه يف إيراد األحاديث يف بعض األبواب حسب أنظارهم املقدسة وما يفهمونه
من الروايات(((.
هذا ولكن يمكن أن يقال :إن إكثار احلمريي من النقل عن عبد اهلل بن احلسن
يكشف عن وثاقته عنده ،وإال ملا نقل عنه هبذا القدر.
ثم يوجد إشكال آخر :وهو كثرة األخطاء الواقعة يف رواية عبد اهلل بن احلسن
املوجودة يف قرب اإلسناد .قال الشيخ حسن صاحب املعامل يف املنتقى :ولكني راجعت
كتاب قرب اإلسناد ملحمد بن عبد اهلل احلمريي فإنه متضمن لرواية كتاب عيل بن
جعفر ،إال أن املوجود من نسخته سقيم جد ًا باعرتاف كاتبها الشيخ حممد بن إدريس
العجيل ،والتعويل عىل ما فيه مشكل(((.
االحتامل الثاين :قد حصل احلر العاميل عىل نسخة من الكتاب عن طريق الوجادة.
االحتامل الثالث :أن النسخة الواصلة إىل احلر العاميل هي نفس النسخة الواصلة
إىل العالمة املجليس وبنفس الطريق.
ومن الواضح أنه -بنا ًء عىل االحتامل الثاين والثالث -ال يمكن االعتامد عىل ما
رواه يف الوسائل عن املسائل ،حيث يدور األمر بني جهالة الطريق بنا ًء عىل االحتامل
الثاين ،وضعفه بنا ًء عىل االحتامل الثالث.
أما االحتامل األول فالظاهر من السيد اخلوئي البناء عليه وقبوله .توضيحه:
قد اعتمد السيد اخلوئي وكذلك السيد الشهيد قدس رسمها -عىل ما حكى عنه شيخنا
األُستاذ اإليرواين يف جملس درسه بتاريخ (١٤٣٦/٤/١٨هـ) -عىل كتاب مسائل
عيل بن جعفر بالتقريب التايل :إن كتاب مسائل عيل بن جعفر كان موجود ًا عند احلر
العاميل ،وإن لصاحب الوسائل طريق ًا معترب ًا إىل مرويات الشيخ الطويس ،والشيخ له
طريق معترب إىل كتاب مسائل عيل بن جعفر ،وهبذا يمكن اعتبار ما رواه يف الوسائل عن
كتاب مسائل عيل بن جعفر.
قال السيد اخلوئي يف موضع من املستند :كام وقع الترصيح بذلك يف روايتني
إحدامها معتربة ،ومها رواية زرارة -الضعيفة بالقاسم بن عروة -وصحيحة عيل بن
جعفر التي رواها صاحب الوسائل عن كتابه وطريقه إىل الكتاب صحيح(((.
وقال يف موضع من املعتمد :وهو صحيح عيل بن جعفر ،قال( :سألته عن الرجل
إذا هم باحلج يأخذ من شعر رأسه وحليته وشاربه ما مل حيرم؟ قال :ال بأس) ،والرواية
صحيحة سند ًا ،كام عرب عنها يف اجلواهر بالصحيحة؛ ألن طريق الوسائل إىل الشيخ
صحيح ،وطريق الشيخ إىل كتاب عيل بن جعفر صحيح ،فال جمال للتأمل يف صحة
السند(((.
وقال يف موضع آخر من املستند :أما من حيث السند فهي صحيحة كام ذكرنا،
فإن صاحب الوسائل وإن حكاها عن قرب اإلسناد بطريق ضعيف الشتامله عىل عبد
اهلل بن احلسن ،إال أن صاحب احلدائق رواها عن كتاب عيل بن جعفر وطريقه إليه
املنتهي إىل طريق الشيخ صحيح كام أرشنا إليه غري مرة ،والظاهر أن اقتصار صاحب
الوسائل عىل الطريق األول يف املقام ،وعدم التعرض للطريق الثاين غفلة منه ،إذ قد
ذكر السؤال واجلواب الواقعني قبل هذا احلديث يف الباب اخلامس والثالثني من أبواب
القراءة احلديث الثالث وأشار هناك إىل الطريقني مع ًا ،حيث قال :ورواه عيل بن جعفر
يف كتابه فالحظ .وكيف كان فال شبهة يف صحة السند(((.
وفيه :حيتمل قوي ًا أن كتاب املسائل وصل إىل احلر العاميل عن طريق الوجادة ال
اإلجازة ،وهو االحتامل الثاين .وأما طريق صاحب الوسائل إىل الشيخ الطويس فهو
طريق تربكي وليس إىل نسخ معينة ،ومعه كيف يمكن االعتامد عىل ما رواه عنه؟
ولكن ما القرينة عىل أن طرق صاحب الوسائل إىل الشيخ طرق تربكية؟ أي هي
طرق إىل أصل الكتب ال إىل نسخها؟ القرينة عىل ذلك ما قاله احلر يف خامتة الوسائل،
كتب متواتر ٌة مشهور ٌة ال حتتاج إىل سند ،وإنام يذكر السند
مصادر كتابه ٌ
َ حيث ادعى ّ
أن
ألجل التربك والتيمن .قال يف الفائدة اخلامسة من خامتة الوسائل :يف بيان بعض
الطرق التي نروي هبا الكتب املذكورة عن مؤلفيها .وإنام ذكرنا ذلك تيمن ًا وتربك ًا،
باتصال السلسلة بأصحاب العصمة ،ال لتوقف العمل عليه لتواتر تلك الكتب وقيام
إن قلت :لو حصل لنا الشك بأن احلر العاميل ينقل عن كتاب املسائل عن طريق
احلس -كام إذا وصلته النسخة يد ًا ٍ
بيد من كابر عن كابر -أو عن طريق احلدس -كام إذا
عثر عىل النسخة عن طريق الوجادة فقامت عنده القرائن بأنه كتاب املسائل -فأصالة
احلس العقالئية هي احلاكمة.
قلت :إن العقالء قد ال تكون هلم مثل هذه السرية فيام إذا تباعد الزمان بني مؤلف
الكتاب والراوي له كام فيام نحن فيه ،حيث حيتمل احلدس احتامالً عقالئي ًا.
أن طرق صاحب الوسائل إىل الشيخ الطويس طرق تربك ّية ،وأقصد إنّا نحتمل ّ
طرق تتّصل بالشيخنسخة مع ّي ٍنة ،وإنام هي ٌ
ٍ من الطرق التربكية يعني هي ليست عىل
الطويس وليس اهلدف منها إال التربك باتصال السلسة باإلمام ،كام هي العادة يف
زماننا كإجازات األغا بزرگ الطهراين ،ال أنّه توجد عنده نسخة مع ّينة يدفعها إىل
الشخص ويقول له :أجزت لك رواية هذه النسخة ،ونحن نحتمل ّ
أن طرق صاحب
مثبت لكوهنا عىل النسخة وما دام ال يوجد
ٌ الوسائل هي من هذا القبيل ،فال يوجد
مثبت ،فكيف نأخذ هبا؟ بل تسقط عن االعتبار ،ويكفيني إبداء هذا االحتامل وال
ٌ
نصه:
أحتاج إىل مؤشرّ ات ،ولكن إضافة إىل ذلك توجد بعض املؤرشات ،حيث قال ما ّ
(يف بيان بعض الطرق التي نروي هبا الكتب املذكورة عن مؤلفيها وإنام ذكرنا ذلك
تيمن ًا وتربك ًا باتصال السلسة بأصحاب العصمة ،ال لتو ّقف العمل عليه؛ لتواتر تلك
ّ
صحتها وثبوهتا).
الكتب وقيام القرائن عىل ّ
والتيمن ،والتربك
ّ إذن هو يعرتف ّ
أن هذه الطرق التي يذكرها هي من باب التربك
والتيمن إنام حيصل باتصال صاحب السلسلة ،فإذن ليس املهم عنده أن تكون عىل
ّ
نسخة مع ّينة ،ومعه سوف يسقط هذا الطريق الصحيح الذي ذكره السيد اخلوئي
والسيد الشهيد عن االعتبار؛ ّ
ألن طرق صاحب الوسائل إىل الكتب التي ينقل عنها هي
طرق تربك ّية ومل يثبت أهنا طرق عىل النسخة.
قال :وقد ذكرنا يف حمله أن طريق صاحب الوسائل لكتاب عيل بن جعفر ليس
تام ًا ،بل أكثر من ذلك حيث قلنا بأن طريق صاحب الوسائل إىل كتاب عيل بن جعفر
إما ضعيف ،إذا كان هو نفس طريق العالمة املجليس صاحب البحار؛ ألنه ضعيف بال
إشكال وإما جمهول .ومن هنا ،نستشكل بالروايات التي يروهيا صاحب الوسائل عن
كتاب عيل بن جعفر مبارشة.
وقريب من ذلك ما حكاه السيد منري اخلباز يف جملس درسه بتاريخ (١٤٣٧/٤/٧هـ)
عن املحقق لكتاب املسائل لعيل بن جعفر وحاصله:
إن النسخة التي بني يدي صاحب الوسائل والتي نقل عنها وعليها تعليقاته ،إنام
وصلته وجاد ًة أو باإلجازة برواية عيل بن احلسن بن عيل وهو شخص مل يو ّثق ،وبالتايل
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 74
مع اإلطالل عىل ذلك يشكل االعتامد عىل ما يرويه صاحب الوسائل يف الوسائل ،عن
كتاب عيل بن جعفر مبارشة.
نعم ،إذا روى عن الكايف أو التهذيب عن عيل بن جعفر فاملدار عىل السند الذي
بني أيدهيام .إنام الكالم إذا روى عن كتاب عيل بن جعفر باملبارشة ،فإننا ال نحرز أن ما
يرويه من النسخة املشهورة بالنسبة إىل الشيخ الطويس وهي النسخة الواصلة عن طريق
العمركي البوفكي.
هذا ،وقد جزم سيدنا األُستاذ بأن النسخة التي اعتمد عليها احلر العاميل هي
برواية عيل بن احلسن ،ولمَ يعتمد عىل النسخة التي كانت عند الشيخ .قال :ألن نسخة
صاحب الوسائل من هذا الكتاب موجودة بعينها إىل هذا الوقت ،وهي برواية عيل بن
احلسن املذكور ،يف حني أن نسخة الشيخ كانت بروايتي العمركي بن عيل البوفكي
وموسى بن القاسم كام يعلم بمراجعة املشيخة والفهرست(((.
املختلفة عن صحة الطريق فهو الطرق إىل الكتاب ،فمسائل عيل بن جعفر ال يظن الظان
أن الطرق إليه آحاد ،بل إن الطرق إليه مشهورة .وأما الطرق فيه فإنه ينقل مبارشة عن
املعصوم.
أقول :قد يكون أصل الكتاب مشهور ًا ،لكن ليس من الرضوري أن تكون نسخه
كذلك ،والسؤال املهم هو :كيف وصلت نسخته إىل صاحب الوسائل؟
إن كتاب عيل بن جعفر هو دورة فقهية كاملة رواها عن أخيه موسى بن جعفر
الكاظم ،وإن حديث عيل بن جعفر حديثه املدين قد رواه قناتان؛ فقناة إىل الكوفة
بل إىل قم ،وهو صاحب قرب اإلسناد احلمريي األشعري الكويف القمي ،فقد روى
الكثري من روايات عيل بن جعفر ،وقناة ثانية هو حفيد عيل بن جعفر وهو عبد اهلل بن
احلسن بن عيل بن جعفر ،والصحيح هو مدفون يف املدينة .ووجه االعتامد عىل عبد اهلل
بن احلسن مع عدم التوثيق اخلاص من قبل الطويس والنجايش فاالعتامد عليه ،بشهادة
أن عبد اهلل بن احلسن هو من بيت هاشمي ،كام أن رواية عبد اهلل بن احلسن عن جده
عيل بن جعفر قد رواها غري عبد اهلل بن احلسن مطابقة ملا رواه عبد اهلل بن احلسن ،بل
كذلك إذا طوبق كتاب مسائل عيل بن جعفر مع ما رواه عبد اهلل بن احلسن عن جده.
هذا فض ً
ال عن أن عبد اهلل بن احلسن قد اعتمده احلمريي الفقيه اجلزل ،وأن (قرب
اإلسناد) هو كتاب يعتمد عليه من جهة قرب إسناده ،ففيه علو اإلسناد فاملفروض أن
يعتمد عىل شخص ثقة.
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 76
أقول :أفاد شيخنا السند أنه يمكن االعتامد عىل عبد اهلل بن احلسن -الذي
روى عنه احلمريي يف قرب اإلسناد روايات املسائل -لوجوه ثالثة :األول :كونه من
بيت هاشمي .الثاين :روايته للكتاب تتطابق مع كتاب مسائل عيل بن جعفر .الثالث:
اعتامد احلمريي عليه وروايته عنه.
أما كونه من بيت هاشمي فال يقتيض كونه من الثقات ،كام هو واضح .وأما دعوى
تطابق روايته مع ما يف املسائل فال ينفع كثري ًا؛ وذلك الختالف نسخ الكتاب عىل نحو
العموم من وجه كام مر ،فالذي يمكن األخذ به هو الروايات التي ذكرت يف مجيع
النسخ ،وأما ما تفردت به بعض النسخ فال ينفع .وأما اعتامد احلمريي عليه ففيه داللة
مر سابق ًا ،فام أفاده هنا جيد.
عىل وثاقة عبد اهلل بن احلسن كام ّ
ولكننا نستبعد صحة هذه النسبة إىل السيد الربوجردي؛ فقد يكون تالميذه مل
يفهموا كالمه بل نقول بالعكس ،فإن للسيد الربوجردي مبنى ظريف جد ًا خيالف هذه
الدعوى .املهم توجد هكذا دعوى وهي أن كتاب عيل بن جعفر إذا انفرد بالرواية فال
77 م�سائل علي بن جعفر
يعمل هبا أو أن غري الكتب األربعة احلديثية ال يعمل هبا إذا انفردت.
وهذه دعوى خطرية جد ًا؛ وذلك :أوالً :أن دعوى نسبة هذا الديدن إىل األصحاب
مدحوضة بشكل كبري .ثاني ًا :أن الكتب األُخ��رى احلديثية غري الكتب األربعة هي
متواترة أيض ًا ،وال خيتص التواتر بالكتب األربعة .ثالث ًا :أن كتاب احلديث لو فرض عدم
تواتره لصاحبه ،لكنه ذو سند صحيح إىل صاحبه ،فال جيوز تركه؛ ألنه بمثابة الرواية
الصحيحة املعتربة ،فكيف به إذا كان كتاب ًا مستفيض ًا متواتر ًا؟
أقول :قد عرفت اجلواب عن هذا الكالم ،فإن النسخة الواصلة من كتاب مسائل
عيل بن جعفر إىل صاحب الوسائل مل يثبت كوهنا متواترة ،ولمَ تصل إليه عرب طريق معترب
مر ،فكيف يمكن االعتامد عىل نقل احلر العاميل عنه؟ نعم ،قد يكون أصل الكتاب
كام ّ
متواتر ًا إال أن نسخه ليست كذلك ،بل قد عرفت االختالف والتفاوت بني نسخه وعدد
روايات كل منها ،ومعه كيف يمكن االعتامد عىل القول بأن الكتاب متواتر؟!
خال�صة وا�ستنتاج
الصحيح هو التفصيل يف اعتبار روايات كتاب مسائل عيل بن جعفر ،فنقول:
أما ما يرويه الشيخ والصدوق رمحهام اهلل يف كتبهام عن مسائل عيل بن جعفر فهو
معترب؛ لوجود طريق صحيح هلام إليه.
وأما ما يرويه احلمريي يف قرب اإلسناد والعالمة املجليس واحلر العاميل عنه فال
يمكن االعتامد عليه؛ وذلك :أوالً :الختالف نسخ الكتاب اختالف ًا كبري ًا .وثاني ًا :لضعف
نسخة املجليس من املسائل .وثالث ًا :لعدم إحراز أن للحر طريق ًا معترب ًا إىل الكتاب ،بل
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 78
حيتمل قوي ًا أنه يروي الكتاب عن طريق الوجادة ،وهي أضعف أنواع حتمل الرواية.
وعليه ،فمتى بدأ احلر العاميل السند باسم عيل بن جعفر ،فهذا يعني أنه قد أخذ اخلرب
ٍ
وحينئذ ال يمكن االعتامد عليه .وأما إذا روى عنه لوجود الرواية يف الكايف من كتابه،
أو التهذيب أو الفقيه فال إشكال يف األخذ هبا .نعم ،لو وجدت رواية عن املسائل يف
الوسائل ورواها أيض ًا احلمريي يف قرب اإلسناد ،وحصل تطابق بينهام ،أمكن حصول
الوثوق هبا .ويمكن أيض ًا االعتامد عىل الروايات التي اتفقت مجيع النسخ عىل روايتها.
من هنا قال سيدنا األُستاذ :فتلخص من مجيع ما تقدم أنه ال يوجد وجه وجيه
لالعتامد عىل ما ورد يف كتاب قرب اإلسناد أو يف النسخة األُخرى من مسائل عيل بن
جعفر ،فهام ال يصلحان إال للتأييد ،نعم ربام حيصل الوثوق بام يتفقان عليه وال سيام مع
ضم بعض القرائن األُخرى فإن حصل كان هو احلجة فتدبر(((.
***
م�ستطرفات ال�سرائر
وهو ما استطرفه الشيخ حممد بن إدريس احليل يف آخر كتابه الرسائر من كتب
بعض األصحاب ،ومعلو ٌم أن ابن إدريس هو من كبار فقهاء اإلمامية يف القرن السادس.
قال احلر العاميل عنه يف تذكرة املتبحرين :وقد أثنى عليه علامؤنا املتأخرون،
واعتمدوا عىل كتابه ،وعىل ما رواه يف آخره من كتب املتقدمني وأصوهلم ،يروي عن
خاله أيب عيل الطويس بواسطة وغري واسطة ،وعن جده ألُمه أيب جعفر الطويس ،و ُأم
ُأمه بنت املسعود ورام ،وكانت فاضلة صاحلة ،ومن مؤلفاته الرسائر احلاوي لتحرير
الفتاوى ،وهو الذي تقدم ذكره ...وقد ذكر أقواله العالمة وغريه من علامئنا يف كتب
االستدالل وقبلوا أكثرها(((.
وقد اعتمد احلر العاميل عىل مستطرفات الرسائر يف الوسائل .قال يف الفائدة الثالثة
يف خامتة الوسائل :كتاب الرسائر تأليف الشيخ اجلليل حممد بن إدريس احليل فإنه ذكر
يف آخره أحاديث كثرية من أصول القدماء(((.
هذا ،وتشري بعض الكلامت إىل وجود ختليط واشتباهات كثرية يف املستطرفات.
قال الشيخ منتجب الدين يف فهرسته عن ابن إدريس :الشيخ حممد بن إدريس العجيل
باحللة ،له تصانيف ،منها :كتاب الرسائر ،شاهدته باحللة ،وقال شيخنا سديد الدين
(حممود احلميص) رفع اهلل درجته :هو خملط ال يعتمد عىل تصنيفه(((.
وقال السيد اخلوئي تعليق ًا عىل كالم سديد الدين احلميص :أما ما ذكره الشيخ
حممود احلميص من أن ابن إدريس خملط ال يعتمد عىل تصنيفه ،فهو صحيح من جهة
وباطل من جهة .أما إنه خملط يف اجلملة فمام ال شك فيه ،ويظهر ذلك بوضوح من
الروايات التي ذكرها فيام استطرفه من كتاب أبان بن تغلب ،فقد ذكر فيها عدة روايات
ممن مل يدرك الصادق ،وكيف يمكن أن يروي أبان املتوىف يف حياة الصادق عمن
هو متأخر عنه بطبقة أو طبقتني .ومن مجلة ختليطه أنه ذكر روايات استطرفها من كتاب
السياري ،وقال :واسمه أبو عبد اهلل صاحب موسى والرضا عليهام من اهلل آالف
التحية والثناء ،وهذا فيه خلط واضح ،فإن السياري هو أمحد بن حممد بن السيار أبو
عبد اهلل ،وهو من أصحاب اهلادي والعسكري ،وال يمكن روايته عن الكاظم
والرضا .وأما قوله ال يعتمد عىل تصنيفه فهو غري صحيح ،وذلك فإن الرجل من
أكابر العلامء وحمققيهم ،فال مانع من االعتامد عىل تصنيفه يف غري ما ثبت فيه خالفه(((.
إن اإلشكال الواضح عىل روايات املستطرفات هو أن ابن إدريس مل يذكر طرقه إىل
هذه الكتب ،وال توجد له مشيخة يف هناية الكتاب ،فهو يف الواقع يروي تلك الروايات
ال بل منقطع ًا ،فال ندري كيف وصلت إليه هذه الكتب؟ فكيف يمكن االعتامد
مرس ً
عليها؟
املحاولة األوىل :أن الشهيد األول قد ذكر يف إجازته البن اخلازن -والتي أوردها
العالمة املجليس يف البحار -بأن ابن إدريس يروي مجيع مرويات الشيخ بواسطة ابن
رطبة عن أيب عيل بن الشيخ الطويس امللقب باملفيد الثاين((( ،والشيخ له طرق إىل األصول
والكتب كام هو واضح .وعليه ،فابن إدريس له طريق معترب إىل تلك األُصول والكتب.
ويمكن أن يجُ اب عنه أوالً :بأنه ال ندري هل طريق ابن إدريس إىل مرويات الشيخ
طريق تربكي أم أنه طريق إىل نسخ الكتب واألُصول؟ واملفيد هو الثاين دون األول،
والظاهر منه هو األول دون الثاين ،فاحلاصل غري مفيد واملفيد غري حاصل .وعليه،
فيحتمل أن ابن إدريس له طريق إىل أصل الكتب لكن حصل عىل النسخ عن طريق
الوجادة(((.
ثاني ًا :ما أفاده شيخنا األُستاذ اإليرواين ،وحاصله :أن احتامل تعدد النسخ
موجود ،فمن املحتمل أن الشيخ قد اعتمد عىل نسخة وابن إدريس اعتمد عىل نسخة
ُأخرى.
وثالث ًا :إن طرق الشيخ إىل األُصول ليست كلها صحيحة ،بل ال بد من مالحظة
أسانيده ،فإذا كان هذا حال طرق الشيخ ،فكيف يمكن االطمئنان بمرويات ابن
إدريس؟!
املحاولة الثانية :إن الكتب واألُصول التي اعتمد عليها ابن إدريس كلها مشهورة
معلومة االنتساب إىل أصحاهبا ،فهي ال حتتاج إىل سند معترب .وهذا الكالم سيال ويأيت
يف مصادر الكتب األربعة أيض ًا.
وفيه أوالً :إن تلك األُصول لو كانت كلها مشهورة فلامذا ذكر الشيخ طرقه إليها يف
الفهرست ويف املشيخة؟ وملاذا ذكر الصدوق مشيخته يف هناية الفقيه مع أنه ادعى شهرة
مصادره يف ديباجة الكتاب؟
وثاني ًا :حتى لو سلمنا شهرة الكتاب فإهنا ال تغني النسخ عن سند معترب ،فإن
ٍ
حينئذ إىل سند معترب. أصل الكتاب قد يكون مشهور ًا دون نسخه ،فتحتاج النسخة
من هنا كان الشيخ الصدوق والشيخ الطويس بحاجة إىل ذكر مشيختهام يف هناية الفقيه
والتهذيبني ،فإن املصادر التي اعتمدا عليها قد تكون مشهورة كام قال الصدوق ،إال أن
نسخها ليست كذلك فتحتاج إىل سند معترب.
املحاولة الثالثة :إن ابن إدريس ال يعمل بأخبار اآلحاد ،وإنام يعمل بالتواتر أو
باخلرب املحفوف بقرائن تفيد القطع أو الوثوق ،فمن هنا يمكن أن يقال :إن روايات
املستطرفات تفيد القطع والوثوق.
وفيه :إن تلك القرائن التي أفادت ابن إدريس الوثوق والقطع -لو سلمنا هبذا
الكالم -قد ال تفيدنا ذلك لو اطلعنا عليها ،ومن الواضح أن القطع احلاصل البن
إدريس حجة عليه وليس حجة علينا.
إذن ال يوجد وجه يصحح لنا االعتامد عىل مجيع مرويات مستطرفات الرسائر،
ومن هنا فهي تعامل معاملة املرسالت .نعم ،قد وقع البحث يف بعضها حيث ذهب
البعض إىل إمكان االعتامد عليها كام سيأيت.
ويبدو أن السيد اخلوئي قد تبدل موقفه من مستطرفات الرسائر ،فصار يرى
عدم إمكان االعتامد عىل رواياته .قال بعد أن تبدل رأيه :وما عن صاحب احلدائق
ال عن بالصحة ،نظر ًا إىل ّ
أن ابن إدريس رواها يف مستطرفات الرسائر نق ً ّ من توصيفها
حممد بن عبد اهلل ليتأ ّمل من أجله كام ترى،
كتاب معاوية بن عماّ ر نفسه ،فليس يف الطريق ّ
أن ابن إدريس مل يكن معارص ًا ملعاوية بن عماّ ر ،فبينهام واسطة ال حمالة وهي
رضورة ّ
تعرضه إليه ال يف الرسائر وال يف غريه(((.
جمهولة ،إذ مل يعلم طريقه إىل الكتاب ،لعدم ّ
وقال يف موضع آخر :هناك رواية واحدة ر ّبام يستظهر منها اعتبار الفقر ،وهي ما
أورده ابن إدريس يف آخر الرسائر نق ً
ال من كتاب املشيخة للحسن بن حمبوب ...وير ّده
-مضاف ًا إىل ضعف السند ،جلهالة طريق ابن إدريس إىل كتاب املشيخةّ :-
أن الداللة
أيض ًا قارصة(((.
ووجه اعتامده عىل هذا النقل واضح ،فإن ابن إدريس قد اعتمد عىل نسخة الشيخ
الطويس حيث عرفها من خالل خطه ولمَ جيد الكتاب يف األسواق أو يف مكان آخر.
وقد وافقه عىل ذلك شيخنا األُستاذ اإليرواين يف جملس درسه ،وقال :إنه
خمتار السيد الشهيد الصدر أيض ًا ،وكذلك هو خمتار سيدنا األُستاذ السيد حممد رضا
السيستاين يف بعض أبحاثه(((.
هذا ،وقد يشكل عليه :بأنه كيف عرف ابن إدريس بأن هذا خط الشيخ الطويس؟
إن ابن إدريس مل يعارص الشيخ جزم ًا ،فال بد أنه حصل له االطمئنان بذلك من خالل
قرائن حصلت له ،وهذا االطمئنان ليس حجة علينا؛ إذ من املمكن أنه لو اطلعنا عليها
ملا أفادتنا االطمئنان.
واجلدير بالذكر أن سنة وفاة ابن إدريس هي (٥٩٨هـ) ،مع أن سنة وفاة الشيخ
الطويس هي (٤٦٠هـ) ،فالفارق الزمني بني وفاتيهام ١٤٠سنة تقريب ًا .فكيف عرف ابن
إدريس أن هذا خط الشيخ؟ بل كيف يكون الشيخ جد ابن إدريس ألُمه مع هذا الفارق
الزمني الكبري بينهام؟ ولعله كان الشيخ جد ًا ألُم ابن إدريس.
ال ّلهم إال أن ُيقال :أن ابن إدريس سبط الشيخ الطويس ،فليس من الغريب أن
تصله نسخة بخط الشيخ ،وال ُبعد يف معرفة خط اجلد من قبل السبط ،لكنه كام ترى ،إذ
هو وجيه فيام لو عارص السبط جده ،ولكن األمر هنا ليس كذلك.
من هنا يظهر التأمل فيام أفاده الشيخ املحسني ،حيث قال :ومعرفة خط الشيخ
وإن كانت حدسية ،فهي قريبة من احلس ،يكفي يف إثباهتا قول احليل الثقة ،فكأن الشيخ
أخربه بروايات النوادر من دون إرسال(((.
وجه التأمل :إن مع الفاصل الزمني الكبري بني الشيخ وابن إدريس ال حيتمل أن
تكون شهادة ابن إدريس حسية .من هنا أشكل سيدنا األُستاذ يف موضع آخر من
الزمني بني ابن إدريس والشيخ
َّ َ
الفاصل أبحاثه عىل ما أفاده السيد اخلوئي ،مبين ًا ّ
أن
كبري ،فكيف عرف ابن إدريس أن هذا خط الشيخ؟
ٌ
قال :إن االعتامد عىل شهادة ابن إدريس بأن نسخته من كتاب نوادر حممد بن عيل
بن حمبوب كانت بخط الشيخ من جهة قرب العهد بينهام ومعروفية الشيخ ،مما يقتيض
معروفية خطه أيض ًا مشكل جد ًا ،فإن الشيخ قد تويف سنة (460هـ) وابن إدريس
بلغ احللم عام (558هـ) ،فالفاصل بينهام يقرب من ٍ
قرن من الزمن وكون الشيخ معروف ًا
جد ًا ال يقتيض معروفية خطه حتى بعد قرن من وفاته .واحلقيقة أن معرفة خطوط
السابقني علم برأسه وليس كل شخص ُيتقن ذلك ،ومل ُيعرف مدى متكن الشيخ ابن
إدريس من معرفة خطوط العلامء ،فيصعب االطمئنان بصحة ما ذكره يف املقام(((.
هذا ،وأشكل السيد مهدي اخلرسان عىل ما استطرفه ابن إدريس من كتاب
حممد بن عيل بن حمبوب بام حاصله :أن اسم الكتاب هو (نوادر املصنفني) والظاهر أن
ابن إدريس ال يقبل مثل هذه األخبار ألهنا تكون من النوادر والغرائب(((.
أقول :ال هيمنا ما إذا قبل ابن إدريس تلك األخبار أم مل يقبلها ،وإنام املهم عندنا
وجود طريق معترب البن إدريس إىل ذلك الكتاب .نعم ،لو كانت أحاديث الكتاب
جمموعة من الغرائب فهذا سبب آخر لرفضها عىل بعض املباين.
توجد يف املطبوع منه عىل التوايل يف عدة صفحات .وجاء يف آخر هذه الروايات( :قال
عيل :وسمعت أخي يقول :من أبلغ سلطان ًا ،)...وهذا رصيح يف كون السائل يف تلك
الروايات هو عيل بن جعفر واملسؤول عنه هو أخوه اإلمام الكاظم ،فكيف يمكن أن
تعدّ من مرويات البزنطي عن الرضا؟((( ،هذا إشكال.
وإشكال آخر :أن ابن إدريس ذكر فيام استطرفه عن جامع البزنطي أنه يروي عمن
هو متأخر عنه يف الطبقة ،فكيف يعقل رواياته عنه؟
قال سيدنا األُستاذ :جاء يف احلديث الرابع واألربعني ما لفظه( :وعنه عن عيل
بن سليامن عن حممد بن عبد اهلل بن زرارة عن حممد بن الفضيل البرصي قال :نزل بنا
أبو احلسن ،)...وظاهره رواية البزنطي عن عيل بن سليامن مع أن عيل بن سليامن بن
ومتأخر طبق ًة عن البزنطي بكثري ،بل إن حممد بن عبد
ّ رشيد هذا من أصحاب اهلادي
اهلل بن زرارة متأخر يف الطبقة عن البزنطي ،وقد تكررت روايته عنه ،فكيف يروي عنه
البزنطي بواسطة عيل بن سليامن؟!
(((
منها :أنه ذكر بأن أبان قد روى عن عيل بن أسباط ،ولكن ال يمكن ألبان -وهو من
أصحاب الباقر والصادق -أن يروي عن عيل بن أسباط ،وذلك ألن الشيخ والربقي
قد عداه -يف رجاهلام -يف أصحاب الرضا واجلواد.(((
ومنها :رواية أبان عن عيل بن احلكم بن الزبري الكويف ،فإن الشيخ قد عدّ ه يف
أصحاب الرضا تارة((( ،وفيِ أصحاب اجلوادُ أخرى(((.
وعليه ،فالظاهر أن ابن إدريس قد استخرج هذه الروايات من كتاب شخص آخر
غري أبان بن تغلب ،فإنه ال يعقل أن يروي أبان عن هؤالء الذين ذكرناهم.
قال سيدنا األُستاذ :ولكن تنبه غري واحد من األعالم إىل أن ذلك الكتاب ال
يمكن أن يكون ألبان بن تغلب ،فإن الرواة املبدوء بأسامئهم يف األحاديث املنتزعة منه
هم يف الغالب من الطبقة السادسة؛ كقاسم بن عروة وعيل بن أسباط وحممد بن عبد اهلل
بن زرارة وعبد الرمحن بن أيب نجران واحلسن بن عيل ابن بنت إلياس وعيل بن احلكم
بن الزبري وحممد بن الوليد وهارون بن مسلم ومعمر بن خالل [خالد] وصفوان بن
حييى ،وبعضهم من الطبقة اخلامسة؛ كسعد بن ميمون ،وبعضهم متأخر بعض اليشء
عن الطبقة السادسة؛ كحاتم بن إسامعيل وحممد بن عبد اهلل بن غالب ،فمؤلف هذا
الكتاب ال يمكن أن يكون هو أبان بن تغلب الذي كان من كبار الطبقة الرابعة ،بل ال
بد أن يكون من الطبقة السادسة أو السابعة ...فالنتيجة :أن مؤلف هذا الكتاب غري
معروف(((.
هذا ،ويوجد احتامالن قد ُطرحا يف املقام ،األول :ما نُسب إىل املحقق التسرتي
من كون صاحب الكتاب ليس أبان بن تغلب ،وإنام هو تأليف شخص يقرب من
عرص الكليني .الثاين :ما نُسب إىل املعلق عىل كتاب الكايف طبعة دار احلديث ،وهو أن
املصنف هو أبان بن حممد السندي؛ وذلك ألن بعض هؤالء الرواة الذين وردوا يف ما
نقله ابن إدريس عن الكتاب هم من مشايخ السندي؛ كصفوان وحممد بن الوليد وعيل
هذا ،ولكن أشكل سيدنا األُستاذ عىل األول منهام :بأن أغلب الرواة الذين
بدأ السند هبم هم من الطبقة السادسة ،والكليني من الطبقة التاسعة ،ومن يقارب زمن
عمن
الكليني يفرتض أن يكون من الطبقة الثامنة ،فكيف يروي َمن هو يف الطبقة الثامنة ّ
هو يف الطبقة السادسة بال واسطة(((؟ وعىل الثاين :أن جمرد االشرتاك يف راويني أو ثالثة
ال يوجب الوثوق بكون الكتاب املذكور من تأليف أبان بن حممد(((.
أقول :إن ابن إدريس اشتبه يف حال السياري ،فإنه قد جعله من أصحاب الكاظم
والرضا ،مع أنه من أصحاب اهلادي واحلسن العسكري ،كام ذكر ذلك الربقي
والشيخ يف رجاليهام(((.
ثم حتى عىل فرض عدم االشتباه ووجود سند متصل البن إدريس إىل السياري
ال يمكن االعتامد عىل ما استطرفه من كتابه؛ وذلك لثبوت ضعف السياري عند علامء
الرجال .قال النجايش :أمحد بن حممد بن سيار أبو عبد اهلل الكاتب برصي ،كان من
كتّاب آل طاهر يف زمن أيب حممد ،ويعرف بالسياري ،ضعيف احلديث ،فاسد
املذهب -ذكر ذلك لنا :احلسني بن عبيد اهلل -جمفو الرواية ،كثري املراسيل ،له كتب.
وقال الشيخ :أمحد بن حممد بن سيار أبو عبد اهلل الكاتب ،برصي ،كان من كتّاب آل
طاهر يف زمن أيب حممد ويعرف بالسياري ،ضعيف احلديث ،فاسد املذهب ،جمفو
الرواية ،كثري املراسيل ،وصنف كتب ًا كثرية .وض ّعفه حممد بن احلسن بن الوليد ،وتبعه يف
ذلك أبو جعفر ابن بابويه الصدوق وأبو العباس بن نوح(((.
قال :وبمراجعتي إىل ما أورده من الروايات يمكن الوثوق بأن ذلك الكتاب كان
بالفعل كتاب املشيخة للحسن بن حمبوب ،فإن كل األسامء التي ابتدأ هبا رواياته إنام
هم من مشايخ احلسن بن حمبوب ،وله روايات عنهم يف جوامع احلديث ،بل إن النسبة
األكرب من تلك الروايات موجودة يف الكتب األربعة وغريها مروية عن احلسن بن
حمبوب بنفس االسانيد التي أوردها ابن إدريس عن كتاب املشيخة ،فيمكن استحصال
االطمئنان بأن تلك النسخة كانت بالفعل نسخة املشيخة للحسن بن حمبوب ،وإن مل
يكن البن إدريس خربة عالية يف تشخيص الكتب كام تقدم يف بحث سابق .وأما
احتامل وقوع الدس والتزوير فيها فيمكن نفيه؛ من جهة تداول نسخ هذا الكتاب
وشهرته الواسعة يف ذلك العرص ،وأما احتامل وقوع اخلطأ واالشتباه فيها فيمكن نفيه
باألصل ،كام يف سائر املوارد(((.
أقول :إن شهرة كتاب املشيخة يف زمان ابن إدريس دعوى حتتاج إىل إثبات ،وعىل
فرض التسليم بشهرة أصل الكتاب فالكالم يقع يف نسخه ،ومن البعيد أن تكون كلها
مشهورة .وأما ما ذكره سيدنا األُستاذ من القرائن فهو وإن كان وجيها ولكن قد ال يفيد
ٍ
حينئذ الكل الوثوق .نعمَ ،من حصل له االطمئنان فهو حجة عليه ،ويصح له االعتامد
عىل ما رواه ابن إدريس عن املشيخة.
قال الشيخ يف الفهرست عن طريقه إىل نوادر البزنطي :وله كتاب النوادر ،أخربنا
به أمحد بن حممد بن موسى ،قال :حدثنا أمحد بن حممد بن سعيد ،قال :حدثنا حييى بن
زكريا بن شيبان ،قال :حدثنا أمحد بن حممد بن أيب نرص .ومات أمحد بن حممد سنة
وهذا الطريق عند السيد اخلوئي تام؛ ألن أمحد بن حممد بن موسى بن الصلت
األهوازي من مشايخ النجايش ،وقد بنى عىل أن مشايخ النجايش كلهم ثقات .بل
كل من يقبل كربى وثاقة مشايخ النجايش سيكون هذا الطريق تام ًا عنده.
وأشكل عىل ذلك سيدنا األُستاذ بإشكالني ،األول :أنه مل تثبت كربى وثاقة
مشايخ النجايش .والثاين :أن طرق الشيخ يف الفهرست هي يف األعم األغلب ليست
إىل نسخ الكتب ،وإنام هي إىل عناوينها(((.
والصحيح يف اجلواب أن يقال :نحن ال نعلم كيف حصل ابن إدريس عىل كتاب
نوادر البزنطي ،ولعله كان عن طريق الوجادة ،وأما وجود طريق معترب إىل أصل الكتاب
فال ينفع يف يشء ما دام ليس طريق ًا إىل نسخة معينة.
وهذا يعني أن ابن إدريس ال يعمل بمثل هذه األخبار التي هي يف الواقع جامعة للغرائب
والنوادر(((.
ومما يؤيد ذلك :ما قاله العالمة املجليس عند ذكره مستطرفات الرسائر يف مقدمة
البحار حيث جعله من مصادر بحاره :وكتاب الرسائر للشيخ الفاضل الثقة العالمة
حممد بن إدريس احليل ،وقد أورد يف آخر ذلك الكتاب باب ًا مشتم ً
ال عىل األخبار وذكر:
(أين استطرفته من كتب املشيخة املصنفني ،والرواة املحصلني) ،ويذكر اسم صاحب
الكتاب ويورد بعده األخبار املنتزعة من كتابه ،وفيه أخبار غريبة وفوائد جليلة(((.
ويرى السيد اخلرسان حفظه اهلل أيض ًا أن روايات املستطرفات ليست فقط مرسلة
وإنام هي منقطعة؛ إذ اإلرسال يف الرواية يعني وجود سند هلا إال أنه مل تُذكر الواسطة،
بينام االنقطاع يعني ما ال يتصل سنده باملعصوم(((.
ويرى حفظه اهلل أن الظاهر من املستطرفات أن ابن إدريس قد نقل عن تلك الكتب
مبارشة ،وقد حصل عليها عن طريق الوجادة ،ولمَ حيصل عليها من خالل مشاخيه.
حتمل الرواية(((. واملعروف أن الوجادة هي أضعف ٍ
نحو من أنحاء ّ
ثم إن السيد حفظه اهلل أصرّ عىل مطلب ،وهو أن ابن إدريس مل يضمن صحة ما
أورده يف املستطرفات ،ولمَ يلتزم باعتبار رواياته ،وقد ذكر بعض الشواهد لتقوية ما
أفاده.
الشاهد األول :بدأ ابن إدريس مستطرفاته بام استطرفه عن موسى بن بكر الواسطي
وهو واقفي ،مع أنه ال يقبل روايات الرواة املنحرفني عن احلق؛ كعامر الساباطي وسامعة
وعيل بن احلسن بن فضال وزرعة ،فإنه ر ّد أخبار هؤالء معل ً
ال بأهنم فطحية كفار.
والظاهر أنه ال فرق يف نظر ابن إدريس بني الفطحية والواقفة من ناحية الكفر وذلك
(((
لوحدة املناط .ومع هذا ،كيف يمكن أن يقال بقبول روايات موسى بن بكر؟
الشاهد الثاين :ال يعقل من ابن إدريس أنه اعتمد عىل ما رواه عن كتاب السياري،
مر احلديث عنه(((.
وهو الذي َض َّعفه أغلب الرجاليني ،وقد ّ
الشاهد الثالث :أن ابن إدريس استطرف من كتاب جعفر بن حممد بن سنان بن
دهقان وهو رجل جمهول خلت املعاجم الرجالية عن ذكره ،فكيف يمكن أن يقال بأن
ابن إدريس قد اعتمد عىل رواياته ،مع أن املعروف عنه هو املوقف املتشدد بإزاء أخبار
اآلحاد؟
(((
وكانت النتيجة التي ال ينبغي أن نغفل عنها هي :أن كل أحاديث املستطرفات
مقطوعة اإلسناد ،كام أهنا مجيع ًا مثبتة يف باب النوادر ،وما يثبت فيها ال ُيعمل به حسب
رأي املصنف ...ولعله إنام استطرفها لي ّطلع القراء عىل حقيقة أمرها لئال يخُ دعوا هبا(((.
أقول:
إن رفضه أخبار موسى بن بكر أو السياري أو الدهقان ال يستلزم رفضنا هلا ،فإن
ٍ
فحينئذ نأخذ بام رواه وال نعتني بام كان يراه .ولعل املهم هو وجود طريق معترب إىل كتبه،
هناك َمن يعمل باألخبار الغريبة إذا وجد طريق ًا معترب ًا إليها .وأما عدم عمل ابن إدريس
هبا فهو راجع إىل حدسه واجتهاده وليس ألهنا من املراسيل ،فتأمل.
خال�صة وا�ستنتاج
يمكن أن نلخص بحثنا بالنقاط اآلتية:
األول :إن مشكلة اإلرسال ال يمكن التغلب عليها مع األسف ،وإن كانت هناك
بعض املحاوالت إلثبات وجود طرق البن إدريس إىل مرويات الشيخ ،لكنك قد
عرفت أنه ال يوجد وثوق بأن تلك الطرق هي إىل النسخ الواصلة إىل ابن إدريس .ومن
املحتمل جد ًا أن تكون تلك الكتب واصلة إليه عن طريق الوجادة .ومع هذا االحتامل،
كيف نطمئن إىل صحة تلك النسخ وعدم طرو الزيارة والنقصان عليها؟
الثالث :قد ال تكون هذه الروايات حجة حتى يف نظر املصنف ،كام أفاد بعض
األعالم؛ ألهنا عبارة عن جمموعة من النوادر والغرائب.
وأخري ًا أقول:
***
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 100
اجلعفريات
إن كتاب اجلعفريات -ويسمى أيض ًا بـ(األشعثيات) -من الكتب الروائية القديمة،
وقد ذكره الشيخ والنجايش ،فهو كتاب معترب وثابت يف اجلملة إن أمكن توثيق بعض
رجال سنده كام سيأيت.
لكن وقع خالف حول النسخة املتداولة اليوم لكتاب اجلعفريات ،واألكثر عىل
عدم اعتباره .وذهب املحدث النوري إىل اعتبار النسخة الواصلة إليه ،فقد وصلته
نسخة من الكتاب من بالد اهلند عرب بعض السادة ،حسب تعبريه .وقد جعله املحدث
النوري أول مصدر من مصادر كتاب املستدرك.
وقيل أن كتاب اجلعفريات صار سبب ًا لتأليف كتاب مستدرك الوسائل .قال الشيخ
ٍ
حمرك له عىل هذا التأليف، آغا بزرگ الطهراين :وكان حصوله عنده أول دا ٍع وأقوى
ولذا بدأ بذكره يف اخلامتة قبل سائر املصادر .كام أنه قدم أحاديثه يف كل باب عىل سائر
األحاديث ،فأصبح كتاب املستدرك من بركة هذا الكتاب ومصادره املعتربة كسائر
املجاميع احلديثية املتأخرة يف أنه جيب عىل عامة املجتهدين الفحول أن يطلعوا عليها(((.
ثم إن سند النسخة الواصلة إىل النجايش والشيخ هو هكذا :احلسني بن عبيد اهلل
يبدو من السيد اخلوئي أنه ال يرى إشكاالً يف هذا السند ،حيث قال :وأما ما ذكره
النجايش والشيخ يف ترمجة إسامعيل بن موسى بن جعفر من أن له كتب ًا يروهيا عن أبيه
عن آبائه منها كتاب الطهارة إىل آخر ما ذكراه ،فهو وإن كان معترب ًا أيض ًا ،فإن طريقهام
إىل تلك الكتب هو احلسني بن عبيد اهلل عن سهل بن أمحد بن سهل عن حممد بن حممد
األشعث عن موسى بن إسامعيل بن موسى بن جعفر عن أبيه إسامعيل عن أبيه عن
آبائهم ،والطريق ال بأس به(((.
فإذا ثبتت وثاقتهم أمكن القول باعتبار الكتاب ،وإال فال .نعم ،احلسني بن عبيد
اهلل ثقة ملا حققناه يف اجلزء األول عند البحث عن رجال ابن الغضائري ،فإنه من مشايخ
النجايش ،وقد ثبت أهنم ثقات.
هذا كله بالنسبة إىل أصل الكتاب الذي كان موجود ًا عند القدماء ،ولكن السؤال
وزع املحدث النوري أحاديثها يف كتابه
املهم هو عن النسخة املتداولة اليوم والتي ّ
املستدرك :كيف وصلت هذه النسخة إىل املحدث النوري؟
إنه أجاب بنفسه عن هذا السؤال ،قائالً :وأما نحن فعثرنا عليه يف الكتب التي جاء
هبا بعض السادة من أهل العلم من بالد اهلند ،وكان مع قرب اإلسناد ،ومسائل عيل بن
جعفر ،وكتاب سليم يف جملد ،واحلمد هلل عىل هذه النعمة اجلليلة(((.
فهل يصح االعتامد عىل هذه النسخة التي وصلت إىل املحدث النوري هبذه
الكيفية؟ وهل يمكن االعتامد عىل رواة هذه النسخة؟ وهل هي عني الكتاب األصيل
الذي كان موجود ًا عند القدماء أم توجد بينهام مغايرة؟ هذا ما سنبحثه هنا إن شاء اهلل.
ثم إنه ال يتوهم املغايرة بني كتاب األشعثيات وكتاب اجلعفريات ،بل مها كتاب
وس ّمي بـ(األشعثيات) نسبة
واحدُ :س ّمي بـ(اجلعفريات) نسبة لإلمام الصادقُ ،
ملحمد بن حممد بن األشعث .قال املحدث النوري حول َمن توهم املغايرة :وكأنه رمحه
اهلل تعاىل زعم أن األشعثيات غري اجلعفريات ،فوقع يف هذا املحذور ،مع أن احتادمها من
الواضحات ملن تأمل فيام نقلناه عنهم(((.
وال بأس باإلشارة إىل وجود بعض الروايات املهمة يف هذا الكتاب؛ كالرواية
القائلة بأن حلق اللحية من املثلة ،وأنه ال حيق لغري اإلمام إجراء احلدود .فإذا ثبت اعتبار
الكتاب أمكن االستدالل بأمثال هذه الروايات.
وقال عنه الشيخ يف الفهرست :إسامعيل بن موسى بن جعفر بن حممد بن عيل بن
احلسني بن عيل بن أيب طالب ،سكن مرص ،وولده هبا .وله كتب يروهيا ،عن أبيه ،عن
آبائه مبوبة ،منها :كتاب الطهارة ،كتاب الصالة ،كتاب الزكاة ،كتاب الصوم ،كتاب
احلج ،كتاب اجلنائز ،كتاب النكاح ،كتاب الطالق ،كتاب احلدود ،كتاب الديات،
كتاب الدعاء ،كتاب السنن واآلداب ،كتاب الرؤيا .أخربنا بجميعها احلسني بن عبيد
اهلل ،قال :أخربنا أبو حممد سهل بن أمحد بن سهل الديباجي ،قال :حدثنا أبو عيل حممد
بن حممد بن األشعث بن حممد الكويف بمرص قراء ًة عليه من كتابه ،قال :حدثنا موسى
ابن إسامعيل بن موسى بن جعفر ،قال :حدثنا أيب إسامعيل(((.
-2ذكرا طريقهام إىل كتب إسامعيل وهو عني الطريق الذي ذكرناه سابق ًا.
-4إن الظاهر من كالمهام أن هذه عنوانني لكتب مستقلة وليست أبواب ًا لكتاب
ٍ
توضيح عند إشكال السيد اخلوئي عىل واحد اسمه اجلعفريات ،وسيأيت مزيدُ
الكتاب.
األول :قول املفيد يف اإلرشاد -بعد ذكر أوالد موسى :-ولكل واحد من
ُولد أيب احلسن موسىٌ
فضل ومنقب ٌة مشهور ٌة(((.
الثاين :صحيحة عبد الرمحن بن احلجاج ،حيث ورد فيها أن اإلمام موسى بن
جعفر أدخل إسامعيل يف وصيته ،قائالً« :وجعل صدقته هذه إىل عيل وإبراهيم فإن
انقرض أحدمها دخل القاسم مع الباقي منهام ،فإن انقرض أحدمها دخل إسامعيل مع
الباقي منهام »...إلخ(((.
قال السيد اخلوئي :وتقدم كالم املفيد ،يف أوالد موسى بن جعفر ،وأن لكل
ال ومنقب ًة مشهورة ،ورواية التهذيب يف أن موسى بن جعفر ،جعله متولي ًا
منهم فض ً
عىل الوقف ،يف ترمجة إبراهيم بن موسى ،وذكرنا أنه ال داللة فيها عىل الوثاقة وال عىل
احلسن .وطريق الشيخ إليه صحيح(((.
يظهر منه أنه يقبل داللة كالم املفيد عىل التوثيق دون صحيحة ابن احلجاج.
الثالث :ما ذكره السيد ابن طاووس يف إقبال األعامل حيث قال :رأيت ورويت
ٍ
واحد عظيم الشأن إىل موالنا موسى بن من كتاب اجلعفريات وهي ألف حديث بإسناد
جعفر عن موالنا جعفر بن حممد عن موالنا حممد بن عيل عن موالنا عيل بن احلسني عن
موالنا احلسن بن عيل عن موالنا عيل بن أيب طالب(((.
إال أن هذا االستدالل يتوقف عىل أمرين :كون قوله( :إسناد واحد عظيم الشأن)
ناظر ًا إىل َمن ورد قبل اإلمام موسى بن جعفر يف السند ال هو و َمن بعده ،وأن
توثيقات املتأخرين معتربة .أما األول فالظاهر من العبارة هو ذلك ،أي أن السيد ابن
طاووس يف صدد توثيق َمن كان قبل اإلمام موسى بن جعفر ،وهو يشمل إسامعيل
وقال الشيخ :له كتاب الصالة ،وكتاب الوضوء ،روامها عنه حممد بن األشعث،
وله كتاب جوامع التفسري(((.
وقال املحدث النوري تعليق ًا عىل كالمهام :ويظهر منهام أنه من العلامء املؤلفني ،مع
أنه -يف املقام -من مشايخ اإلجازة ،والنسخة معلومة االنتساب إىل أبيه إسامعيل ،ولذا
األصحاب بالقبول(((.
ُ تل ّقاها
وفيه :إن جمرد كونه من العلامء املؤلفني ال يثبت له توثيق ًا ،وكذلك معلومية
انتساب النسخة -لو سلمت -فال تثبت التوثيق .نعم ،شيخوخة اإلجازة تنفع لو ثبتت
الصغرى.
وقال أيض ًا :وأنت خبري أن رواية ثالثة من األجالء الثقات عن موسى -وهم:
حممد بن األشعث ،وابن حييى ،وإبراهيم بن هاشم الذي رصح عيل بن طاووس يف
فالح السائل بأنه من الثقات باالتفاق -مما يورث الظن القوي بكونه من الثقات(((.
وفيه :إن هذا املقدار ال يكفي حلصول الظن القوي ،خاصة وأن هؤالء الثالثة مل
ُيعرفوا بأهنم ال يروون إال عن الثقة ،وعىل فرض حصول الظن فإن الظن ال يغني من
احلق شيئ ًا.
وقال سيدنا األُستاذ السيد حممد رضا السيستاين حول وثاقة موسى بن
إسامعيل :نعم ذكر ابن الغضائري يف ترمجة سهل بن أمحد الديباجي أنه ال بأس بام رواه
من األشعثيات ،واألشعثيات هي اجلعفرياتُ ،سميت هبا؛ ألن حممد بن حممد األشعث
رواها عن موسى بن إسامعيل عن أبيه عن اإلمام موسى بن جعفر ،وسهل الديباجي
رواها عن حممد بن األشعث واعتبار رواية الديباجي هلا يفيد -ضمن ًا -اعتبار السند
الذي رواها به ،فتأمل(((.
وفيه :إن كتاب ابن الغضائري ال خيلو من إشكال عىل ما حققناه يف اجلزء األول
من الرجال ،وعىل فرض اعتباره ال يثبت كالم ابن الغضائري التوثيق الرصيح ملوسى
بن إسامعيل ،ولعله من هذه اجلهة أمر األُستاذ بالتأمل.
عن جعفر بن حممد يف احلج .أخربنا احلسني بن عبيد اهلل ،قال :حدثنا سهل بن أمحد
عنه بالكتاب(((.
وقال الشيخ يف رجاله يف باب َمن مل ِ
يرو عنهم :حممد بن حممد بن األشعث
الكويف ،يكنى أبا عيل ،ومسكنه مرص يف سقيفة جواد ،روى نسخة عن موسى بن
إسامعيل بن موسى بن جعفر ،عن أبيه إسامعيل بن موسى بن جعفر ،عن أبيه موسى
بن جعفر .قال التلعكربي :أخذ يل والدي [أخذ يل ولوالدي] منه إجازة يف سنة
(٣١٣هـ)(((.
(٣٧٠هـ) ،وله منه إجازة والبنه ،أخربنا عنه احلسني بن عبيد اهلل ،يكنى أبا حممد(((.
وقال ابن الغضائري :سهل بن أمحد بن عبد اهلل بن سهل الديباجي أبو حممد ،كان
ضعيف ًا يضع األحاديث ،ويروي عن املجاهيل ،وال بأس بام رواه عن األشعثيات وبام
جيري جمراها مما روى غريه(((.
وقال املحدث النوري :وال خيفى أن مدح النجايش ،ورواية العدة والتلعكربي
وابنه عنه ،وعدم إشارة الشيخ إىل ذم فيه ،واعتامده والنجايش واحلسني بن عبيد اهلل
عليه يف الرواية عن األشعثيات ،وذكره بالكنية يف مقام ذكر الطريق يوجب االعتامد،
ويوهن كالم ابن الغضائري .وان استثنى روايته عن األشعثيات فإن جاللة شأهنم،
وعلو مقامهم ،وتثبتهم ،تأبى عن الرواية عن الوضاع ،وجعله شيخ ًا لإلجازة(((.
أقول :إن قول النجايش( :ال بأس به) ٍ
كاف يف التوثيق ،وال يعارضه قول ابن
الغضائري( :كان ضعيف ًا يضع احلديث)؛ لعدم االعتبار بكالمه ،وعىل فرض اعتباره
سهل. ٍ
سهل ٌ فإنه قد استثنى ما رواه سهل عن األشعثيات .واحلاصل :أن األمر يف
املزبور بعبارة تشعر بتعيينه ،ومع ذلك فإن تتبعه وتتبع كتب األُصول يعطيان أنه ليس
جاري ًا عىل منواهلا ،فإن أكثره بخالفها ،وإنام تطابق روايته يف األكثر رواية العامة(((.
األول :إنه مل ينقل عنه احلر العاميل يف الوسائل وال العالمة املجليس يف البحار مع
شدة تتبعهام ،بل وال الشيخ الطويس.
قال الشيخ آغا بزرگ الطهراين :هذا الكتاب مما مل يظفر به العالمة املجليس وال
املحدث احلر العاميل مع شدة تنقيبها للكتب وإنام ذخره اهلل تعاىل شيخنا العالمة النوري
و َم ّن عليه بحصول نسخة منه ضمن جمموعة عنده(((.
وقال السيد اخلوئي :وأن الشيخ املجليس وصاحب الوسائل قدس رسمها مل
يرويا عن ذلك الكتاب شيئ ًا ،ومل يصل الكتاب إليهام جزم ًا ،بل الشيخ الطويس نفسه مل
يصل إليه الكتاب ،ولذلك مل ِ
يرو عنه يف كتابيه شيئ ًا .فالنتيجة أن الكتاب املوجود بأيدينا
ٍ
بوجه(((. ال يمكن االعتامد عليه
أقول :لقد أجاب املحدث النوري عن عدم رواية احلر العاميل عنه ،قائالً :لعل
الكتاب مل يكن عنده أو كان عنده لكن الطريق إليه ضعيف أو مل تثبت عنده صحة
النسبة ،وهذا ليس بعزيز؛ فإن هناك كتب ًا معتربة مل ينقل عنها احلر(((.
قال يف مقدمة البحار :وأما كتاب النوادر فمؤلفه من األفاضل الكرام .قال الشيخ
منتجب الدين يف الفهرست :عالمة زمانه ،مجع مع علو النسب كامل الفضل واحلسب،
وكان أستاذ أئمة عرصه ،وله تصانيف شاهدته وقرأت بعضها عليه ،انتهى .وأكثر
أحاديث هذا الكتاب مأخوذ من كتب موسى بن إسامعيل بن موسى بن جعفر الذي
رواه سهل بن أمحد الديباجي ،عن حممد بن حممد بن األشعث ،عنه ،فأما سهل فمدحه
النجايش ،وقال ابن الغضائري بعد ذمه :ال بأس بام روى من األشعثيات وما جيري
النجايش ،وقال :يروي نسخة عن موسى بن
ُّ جمراها مما رواه غريه .وابن األشعث و ّثقه
إسامعيل .وروى الصدوق يف املجالس من كتابه بسند آخر هكذا :حدثنا احلسن بن أمحد
بن إدريس ،عن أبيه ،عن أمحد بن حممد بن عيسى ،عن حممد بن حييى اخلزاز عن موسى
بن إسامعيل .فبتلك القرائن يقوي العمل بأحاديثه(((.
الثاين :إنه كيف يمكن الوثوق بالنسخة الواصلة إىل املحدث النوري واحلال أنه ال
نعرف َمن جاء بتلك النسخة ،وال نعرف شيئ ًا عن وثاقتهم؟
قال الشيخ آصف حمسني تعليق ًا عىل كالم املحدث النوري ،حيث ذكر أن
النسخة وصلته من بالد اهلند :وهذا الكالم أظهر شاهد عىل ضعف نسخة الكتاب؛ إذ مل
ُيع َلم كاتبها وال ناسخها وال سندها .نعم ،ليس كل ما جاؤوا به من بالد اهلند بمعترب(((.
وهذا ما أشكله أيض ًا شيخنا األُستاذ يف جملس درسه ،حيث جعل عمدة
اإلشكال عىل الكتاب وصول نسخته إىل املحدث النوري عرب ُأناس نجهل شخصهم
فض ً
ال عن حاهلم من بالد اهلند.
أق��ول :إنه إشكال وجيه حق ًا .وأم��ا القول بأن املحدث النوري حصل له
االطمئنان بتطابق النسخة مع األصل فهو ينفعه هو وال ينفعنا نحن.
الثالث :إن نسخة األصل ختتلف عام وصل إىل املحدث النوري من اهلند.
قال السيد اخلوئي :وأما األشعثيات املعرب عنها بـ(اجلعفريات) أيض ًا فهي أيض ًا
مل تثبت ،بيان ذلك :أن كتاب حممد بن حممد األشعث -الذي وثقه النجايش وقال :له
كتاب احلج ،ذكر فيه ما روته العامة عن جعفر بن حممد يف احلج -وإن كان معترب ًا،
إال أنه مل يصل إلينا ومل يذكره الشيخ يف الفهرست ،وهو ال ينطبق عىل ما هو موجود
عندنا جزم ًا ،فإن الكتاب املوجود بأيدينا مشتمل عىل أكثر أبواب الفقه ،وذلك الكتاب
يف احلج خاصة ويف خصوص ما روته العامة عن جعفر بن حممد.(((
وقال :وأما ما ذكره النجايش والشيخ يف ترمجة إسامعيل بن موسى ...إال أن ما
ذكراه ال ينطبق عىل ما هو موجود بأيدينا ،فإن املوجود بأيدينا مشتمل عىل كتاب اجلهاد
وكتاب التفسري وكتاب النفقات وكتاب الطب واملأكول وكتاب غري مرتجم ،وهذه
الكتب غري موجودة فيام ذكره النجايش والشيخ ،وكتاب الطالق موجود فيام ذكراه
وغري موجود فيام هو عندنا ،فمن املطمأن به أهنام متغايران ،وال أقل من أنه مل يثبت
أوالً :إن اختالف نسخ الكتاب زيادة ونقيصة أمر معهود وال غرابة فيهّ ،
وقل ما
جتد كتاب ًا نسخه ليست خمتلفة ،بل حتى كتاب الكايف الذي ال خيتلف يف فضله اثنان
نسخه ختتلف زياد ًة ونقيص ًة(((.
ثاني ًا :إن الفهارس قد ال تذكر مجيع فصول وأبواب الكتاب فيظن البعض املغايرة
بينها مع أنه كتاب واحد ،وقد حصل مثل هذا يف الكايف ،فإن بعض الفهارس مل تذكر
بعض أبوابه مع أهنا موجودة .ولعل أصحاب الفهارس ال يقصدون احلرص(((.
وثالث ًا :إن أصحاب الفهارس قد يذكرون كتب ًا عديدة للمرتجم مع أهنا أبواب
خمتلفة لكتاب واحد(((.
الرابع :إن املوجود يف النسخة الواصلة إلينا يشتمل عىل ألف وستامئة حديث ،بينام
فمن أينما ذكر يف إقبال األعامل البن طاووس وغريه هو اشتامله عىل ألف رواية فقطِ ،
قال سيدنا األُستاذ :ولكن يشكل ذلك بأن املذكور يف كلامت اخلاصة والعامة
أن كتاب اجلعفريات ألف حديث أو ما يقرب من ذلك بإسناد واحد ،رصح بذلك
السيد ابن طاووس يف اإلقبال والعالمة يف إجازته لبني زهرة ،والذهبي يف ميزان
االعتدال ،مع أن النسخة املوجودة بأيدينا تشتمل عىل ما يناهز ألف ًا وستامئة حديث(((.
قال سيدنا األُستاذ :إن يف هذه النسخة روايات خمالفة ملا هو املعلوم من فقه
املصة
أئمة أهل البيت؛ كتصحيح احللف بالطالق ،وصحة الطالق الثالث ،وأن ّ
املحرم ،والرتخيص يف الغناء والرضب عىل الطبول ،وأن
ّ الواحدة تعدّ من الرضاع
مدة النفاس أربعون يوم ًا ،واختالف داللة آية الوضوء يف املسح عىل الرجل أو غسلها
حسب اختالف قراءهتا ،وأشياء ُأخرى نظري ذلك(((.
السادس :إن النسخة الواصلة إىل املتأخرين رواهتا هم من رجال العامة ،فالذي
يروي عن حممد بن حممد بن األشعث هو:
-3والراوي عن ابن العطار اثنان :أحدمها أبو نعيم حممد بن إبراهيم بن حممد بن
خلف الواسطي اجلامري ،واآلخر :عيل بن حممد بن حممد بن الطيب اجلاليب الواسطي.
-4والراوي عن اجلامري واجلاليب هو ابن األخري :أبو عبد اهلل حممد بن عيل بن
حممد بن حممد بن الطيب ابن اجلاليب الواسطي املالكي املغازيل املعدل الرشوطي(((.
ثم إن سيدنا األُستاذ وإن مل يقبل اعتبار الكتاب لإلشكاالت السابقة ،إال أنه
أفاد بأن تطابق ما نقله العامة واخلاصة عن كتاب اجلعفريات مع النسخة الواصلة إىل
املحدث النوري يفيد االطمئنان باعتبار النسخة ،لوال وجود اإلشكاالت األُخرى فيها.
ولكن أشكل عليه شيخنا األُستاذ اإليرواين بأن التطابق يف عرشين أو ثالثني
رواية ال يفيد الوثوق بالتطابق يف ألف رواية -وهو عدد روايات اجلعفريات -فإن ذلك
املقدار ال يشكل معشار ًا من العدد األصيل من الروايات.
واحلاصل :إنه ال يمكن الوثوق باعتبار النسخة الواصلة من كتاب اجلعفريات إىل
املحدث النوري من بالد اهلند عرب أناس جمهولني عندنا شخص ًا وحاالً .نعم ،ال بأس
أن تكون رواياته مؤيدة لبعض املطالب الفقهية.
***
املحا�سن
وهو ألمحد بن حممد بن خالد الربقي ،أو أمحد بن أيب عبد اهلل الربقي .ال إشكال
يف وثاقته كام سيأيت ،وعدّ ه الشيخ يف أصحاب اإلمام اجلواد حتت عنوان( :أمحد بن
حممد بن خالد) تارة((( ،وفيِ أصحاب اإلمام اهلادي حتت عنوان( :أمحد بن أيب عبد
اهلل الربقي) ُأخرى(((.
ويذكر بعض الباحثني أن كتاب املحاسن هو أقدم املجاميع الروائية ،فإنه قد سبق
الكليني وكذلك الصفار رمحهام اهلل(((.
وحكي عن القايض نور اهلل التسرتي أنه قال عن كتاب املحاسن يف كتاب
مصائب النواصب :حرص كتب أحاديث اإلمامية يف األربعة املذكورة ليس بصحيح،
بل هي ستة ،وخامسها كتاب املحاسن تأليف أمحد بن حممد بن خالد الربقي ،وسادسها
وذكر الصدوق يف ديباجة الفقيه بأن مجيع مصادر كتابه مشهورة ومنها كتاب
املحاسن ،قائالً :ومجيع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة ،عليها املعول وإليها املرجع،
مثل كتاب حريز بن عبد اهلل السجستاين وكتاب عبيد اهلل بن عيل احللبي ...وكتاب
املحاسن ألمحد بن أيب عبد اهلل الربقي(((.
وقد جعله العالمة املجليس من مصادر بحاره ،قائالً :وكتاب املحاسن للربقي من
األُصول املعتربة ،وقد نقل عنه الكليني وكل َمن تأخر عنه من املؤلفني(((.
أقول :ظاهر كالم الصدوق أن كتاب املحاسن كان مشهور ًا يف زمانه ،وكالم
العالمة املجليس أيض ًا يظهر منه أن الكتاب كان مشهور ًا من زمان الكليني إىل زمانه.
ويبدو من سيدنا األُستاذ أن كتاب املحاسن كتاب كبري جد ًا ،إال أن الواصل
إلينا منه ثلثه والباقي مل يصلنا((( ،إال أن بعض الباحثني يرى أن الواصل منه سدسه أو
سبعه ،وأحاديثه الواصلة إلينا هي ( )٢٦٠٦حديث ًا(((.
وقد روى الربقي كثري ًا عن أبيه حممد بن خالد ،قد يصل إىل ( )٧٣٩حديث ًا ،وروى
عن عيل بن احلسن بن فضال ( )١٠٧حديث ًا ،وعن احلسن بن حمبوب ١٠٦حديث ًا ،وعن
احلسني بن يزيد النوفيل ( )٩٧حديث ًا ،وعن يعقوب بن يزيد ( )٥٤حديث ًا ،وعن جعفر
بن حممد القمي ( )٥٣حديث ًا(((.
وال توجد مقدمة لكتاب املحاسن مع األسف ،لكن الظاهر أنه قصد جتميع اآلثار
املعتربة -يف نظره -عن املعصومني يف مجيع األبواب ،نظري ما صنع الكليني يف الكايف.
قال الشيخ يف الفهرست :أمحد بن حممد بن خالد بن عبد الرمحن بن حممد بن عيل
الربقي ،أبو جعفر ،أصله كويف ...وكان ثقة يف نفسه ،غري أنه أكثر الرواية عن الضعفاء
واعتمد املراسيل .وصنف كتب ًا كثرية ،منها املحاسن وغريها ،وقد زيد يف املحاسن
ونقص ،فمام وقع إ ّيل منها :كتاب اإلبالغ ،كتاب الرتاحم والتعاطف ...ثم ذكر أبواب
كتاب املحاسن .ثم قال :وزاد حممد بن جعفر بن بطة عىل ذلك :كتاب طبقات الرجال،
كتاب األوائل ...وذكر مجلة ُأخرى من األبواب(((.
وقال عنه النجايش :أمحد بن حممد بن خالد بن عبد الرمحن بن حممد بن عيل الربقي
أبو جعفر أصله كويف ...وكان ثقة يف نفسه ،يروي عن الضعفاء واعتمد املراسيل.
وصنف كتب ًا ،منها :املحاسن وغريها ،وقد زيد يف املحاسن ونقص ،كتاب التبليغ
والرسالة ...ثم ذكر أبواب املحاسن ...إىل أن قال :هذا الفهرست الذي ذكره حممد
بن جعفر بن بطة من كتب املحاسن .وذكر بعض أصحابنا أن له كتب ًا ُأ َخر ،منها :كتاب
التهاين ،كتاب التعازي ،كتاب أخبار األمم(((.
وقال ابن الغضائري -بنا ًء عىل صحة النسبة -ما لفظه :أمحد بن حممد بن خالد
بن حممد بن عيل ،الربقي ،يكنى أبا جعفر .طعن القميون عليه ،وليس الطعن فيه ،إنام
الطعن يف َمن يروي عنه؛ فإنه كان ال يبايل عمن يأخذ ،عىل طريقة أهل األخبار .وكان
أمحد بن حممد بن عيسى أبعده عن قم ،ثم أعاده إليها واعتذر إليه(((.
وقال العالمة يف اخلالصة :أمحد بن حممد بن خالد بن عبد الرمحن بن حممد بن عيل
الربقي ...وملا تويف مشى أمحد بن حممد بن عيسى يف جنازته حافي ًا حارس ًا ل ُيربئ نفسه
مما قذفه به .وعندي أن روايته مقبولة(((.
وقال ابن داوود يف رجاله :أمحد بن حممد بن خالد بن عبد الرمحن بن حممد بن عيل
الربقي ...كان ثقة يف نفسه يروي عن الضعفاء ويعتمد املراسيل ،صنف كثري ًا .أقول:
ميش أمحد بن حممد بن
ويقوي عندي ثقته ُ
وذكرته يف الضعفاء؛ لطعن الغضائري فيهّ ،
واستظهر بعض الباحثني أن أدل دليل عىل وثاقة الربقي عند القميني هو رواية
كبارهم عنه :كسعد بن عبد اهلل وحممد بن حييى العطار وحممد بن عيل بن حمبوب وأمحد
بن إدريس وحممد بن أمحد بن حييى وحممد بن احلسن الصفار وعيل بن إبراهيم القمي
وحممد بن احلسن بن الوليد وعبد اهلل بن جعفر احلمريي وعيل بن احلسني السعدآبادي(((.
إال أن الكليني قد روى ما يظهر منه اخلدشة يف وثاقة الربقي ،فقد روى عن عدة
من أصحابنا ،عن أمحد بن حممد الربقي ،عن أيب هاشم داوود بن القاسم اجلعفري ،عن
أيب جعفر الثاين قال:
«أقبل أمري املؤمنني ومعه احلسن بن عيل وهو متكئ عىل يد [سليامن] فدخل
املسجد احلرام فجلس ،إذ أقبل رجل حسن اهليئة واللباس فسلم عىل أمري املؤمنني،
فرد فجلس ،ثم قال :يا أمري املؤمنني أسألك عن ثالث مسائل ،إن أخربتني هبن
علمت أن القو َم ركبوا من أمرك ما قىض عليهم ،وأن ليسوا بمأمونني يف دنياهم
ُ
علمت أنك وهم رشع سواء.
ُ وآخرهتم ،وإن تكن األُخرى
قال :أخربين عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى؟
وعن الرجل كيف يشبه ُولده األعامم واألخوال؟
فالتفت أمري املؤمنني إىل احلسن فقال :يا أبا حممد أجبه ،قال :فأجابه احلسن.
فقال الرجل :أشهد أن ال إله إال اهلل ،ومل أزل أشهد هبا ،وأشهد أن حممد ًا رسول
اهلل ،ومل أزل أشهد بذلك ،وأشهد أنك ويص رسول اهلل والقائم بحجته -وأشار إىل
أمري املؤمنني -ومل أزل أشهد هبا ،وأشهد أنك وصيه والقائم بحجته -وأشار إىل
احلسن -وأشهد أن احلسني بن عيل ويص أخيه والقائم بحجته بعده ،وأشهد عىل عيل
بن احلسني أنه القائم بأمر احلسني بعده ،وأشهد عىل حممد بن عيل أنه القائم بأمر عيل بن
احلسني ،وأشهد عىل جعفر بن حممد بأنه القائم بأمر حممد ،وأشهد عىل موسى أنه القائم
بأمر جعفر بن حممد ،وأشهد عىل عيل بن موسى أنه القائم بأمر موسى بن جعفر ،وأشهد
عىل حممد بن عيل أنه القائم بأمر عيل بن موسى ،وأشهد عىل عيل بن حممد بأنه القائم
بأمر حممد بن عيل ،وأشهد عىل احلسن بن عيل بأنه القائم بأمر عيل بن حممد ،وأشهد
أمره ،فيمألها عدالً كام ُملئت
يظهر ُ
َ سمى حتى
عىل رجل من ُولد احلسن ال ُيكنّى وال ُي ّ
جور ًا ،والسالم عليك يا أمري املؤمنني ورمحة اهلل وبركاته.
ثم قام فمىض ،فقال أمري املؤمنني :يا أبا حممد ،اتبعه فانظر أين يقصد؟
فخرج احلسن بن عيل فقال :ما كان إال أن وضع رجله خارج ًا من املسجد ،فام
دريت أين أخذ من أرض اهلل ،فرجعت إىل أمري املؤمنني فأعلمته.
وبعد أن روى هذه الرواية التي يوجد الربقي يف سندها ،قال :وحدثني حممد بن
حييى ،عن حممد بن احلسن الصفار ،عن أمحد بن أيب عبد اهلل ،عن أيب هاشم مثله سواء.
قال حممد بن حييى :فقلت ملحمد بن احلسن :يا أبا جعفر ،وددت أن هذا اخلرب جاء من
غري جهة أمحد بن أيب عبد اهلل ،قال :فقال :لقد حدثني قبل احلرية بعرش سنني(((.
إن ظاهر كالم حممد بن حييى ملحمد بن احلسن الصفار هو أن الربقي مل يكن ثقة.
هذا ،ولكن السيد اخلوئي أجاب عن هذه الشبهة بام حاصله :إن حممد بن حييى مل
يقصد عدم وثاقة الربقي بكالمه هذا ،وإنام كان يتمنى أن يكون الراوي للخرب شخص ًا
من املتقدمني ليكون كالمه حجة يف باب اإلمامة ،فأجاب الصفار بأن رواية الربقي
بعض
سبقت زمان احلرية -أي الفرتة التي تلت رحيل اإلمام العسكري ،حيث وقع ُ
الناس يف حرية من أمر اإلمامة ،ولمَ يعرفوا الويص من بعد العسكري -فيمكن
االعتامد عليه.
قال :هذه الرواية قد أشكلت عىل كثريين ،أوهلم فيام نعلم :السيد التفرييش،
فتخيلوا أن فيها ذم ًا عىل أمحد بن أيب عبد اهلل ،ولكن التأمل يف الرواية يعطي أن معناها
ما ذكره بعض األفاضل .بيان ذلك بتوضيح منا :أن حممد بن حييى احتمل أن رواية أمحد
بن أيب عبد اهلل كان بعد وقوع الناس يف حرية من أمر اإلمامة ،حيث كان مجاعة يقولون:
بأن احلسن العسكري مل يكن له ولد ،وكانت الشيعة يعتقدون بوجود احلجة،
وأنه اإلمام بعد أبيه ،فود حممد بن حييى أن يكون راوي هذه الرواية شخص ًا آخر ،أي
إخباره إخبار ًا عن املغيب قبل وقوعه،
ُ رج ً
ال كان من السابقني عىل زمان احلرية ،ليكون
فأجابه حممد بن احلسن ،بأن إخبار أمحد بن أيب عبد اهلل كان قبل احلرية بعرش سنني ،يعني
أنه كان قبل والدة احلجة بخمس سنني.
وعىل ذلك ،فليس يف الرواية ما يدل عىل ذم أمحد بن أيب عبد اهلل أص ً
ال(((.
املالحظ أن للشيخ طرق ًا أربعة إىل كتاب املحاسن ،وبعضها صحيحة بال إشكال.
قال الشيخ املحسني :وجمموع هذه األسانيد يكفي للحكم باعتبار الطريق إىل
املحاسن(((.
وقال النجايش :أخربنا بجميع كتبه احلسني بن عبيد اهلل قال :حدثنا أمحد بن حممد
أبو غالب الزراري ،قال :حدثنا مؤديب عيل بن احلسني السعدآبادي أبو احلسن القمي،
قال :حدثنا أمحد بن أيب عبد اهلل هبا((( .وهذا الطريق أيض ًا معترب.
وقال الصدوق يف مشيخة الفقيه :وما كان فيه عن أمحد بن أيب عبد اهلل الربقي
فقد رويته عن أيب ،وحممد بن موسى بن املتوكل ريض اهلل عنهام عن عيل بن احلسني
السعدآبادي ،عن أمحد بن أيب عبد اهلل الربقي((( .وهذا الطريق أيض ًا معترب.
وقال أيض ًا :وما كان فيه عن أمحد بن أيب عبد اهلل الربقي فقد رويته عن أيب ،وحممد
بن احلسن ريض اهلل عنهام عن سعد بن عبد اهلل ،عن أمحد بن أيب عبد اهلل الربقي.
ورويته أيض ًا عن أيب ،وحممد بن موسى بن املتوكل ريض اهلل عنهام عن عيل بن احلسني
السعدآبادي ،عن أمحد بن أيب عبد اهلل الربقي((( .وهذان الطريقان معتربان أيض ًا.
قال السيد اخلوئي :وطريق الصدوق إليه ...كطريق الشيخ إليه صحيح ،وكذلك
يف املشيخة ،فإن ابن أيب جيد من مشايخ النجايش ،وكونه يف الطريق ال يرض بصحته(((.
وقال الشيخ يف املشيخة :ومن مجلة ما ذكرته عن أمحد بن حممد بن خالد ما رويته
هبذه األسانيد عن حممد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أمحد بن حممد بن خالد(((.
وطريق الشيخ إىل الكليني هو املفيد عن ابن قولويه عنه ،والغضائري عن أيب
غالب الزراري وعن هارون بن موسى التلعكربي وابن قولويه والصيمري والشيباين
كلهم عن الكليني(((.
وأما الكليني فقد روى عن الربقي من خالل العدة ،وقد نقل العالمة يف خالصة
األقوال عن الكليني مراده من العدة عن الربقي ،قائالً :وقال -أي الكليني :-كلام
ذكرته يف كتايب املشار إليه عدة من أصحابنا عن أمحد بن حممد بن خالد الربقي ،فهم
عيل بن إبراهيم وعيل بن حممد بن عبد اهلل ابن أذينة وأمحد بن عبد اهلل بن أمية وعيل بن
احلسن(((.
إال أن هذا النقل ال خيلو من إشكال ،حيث ينقل العالمة عن الكليني مرسالً ،وال
ندري من أين علم العالمة بام قاله الكليني ،فإنه مل يرصح بذلك يف الكايف ،وهو أدرى
بام قال.
أقول :ال مانع من االعتامد عىل ما رواه الكليني عن الربقي عرب العدة ،وذلك ألن
العدة تطلق عىل الثالثة وما فوق ،وهؤالء هم مشايخ الكليني ،وال حيتمل أن الكليني
يروي عن ثالثة كلهم من الضعاف ،بل نطمأن أن أحدهم عىل أقل تقدير من الثقات.
واجلواب عن ذلك أن يقال :ليس املقصود من العبارة ذلك ،وإنام املقصود منه أن
بعض الفهارس ذكرت أبواب ًا للمحاسن مل تُذكر يف غريها من الفهارس وهكذا .أي
إن أبواب املحاسن قد ُذكرت يف الفهارس بزيادة ونقصان ،ال أن رواياته طرأت عليها
الزيادة والنقصان بحيث تسقط عن االعتبار.
والقرينة عىل ذلك قول الشيخ الطويس( :وصنف كتب ًا كثرية منها املحاسن
وغريها ،وقد زيد يف املحاسن ونقص ،فمام وقع إ ّيل منها كتاب اإلبالغ وكتاب الرتاحم
والتعاطف) ،ثم قال بعد ذلك( :وزاد حممد بن جعفر بن بطة عىل ذلك كتاب طبقات
الرجال)(((.
قال سيدنا األُستاذ :ولكن هذا اإلشكال غري وارد ،ألن الظاهر أن مرادهم من
الوضاعني ونحوهم،
(زيد فيه ونقص) ليس زيادة بعض الروايات يف الكتاب من قبل ّ
فمثالً ،قال حول رواية هشام بن سامل املروية يف املحاسن بأهنا صحيحة ،قائالً:
وصحيحة هشام بن سامل عن أيب عبد اهلل قال« :يقول اهلل ع ّز ّ
وجل :أنا خري رشيك،
فمن عمل يل ولغريي فهو ملن عمله غريي»((( ،مع أن احلر نقلها عن املحاسنً ،
قائال: َ
أمحد بن حممد بن خالد الربقي يف (املحاسن) عن أبيه ،عن ابن أيب عمري ،عن هشام
فمن عمل يل
بن سامل ،عن أيب عبد اهلل ،قال« :يقول اهلل عز وجل :أنا خري رشيكَ ،
ولغريي ،فهو ملن عمله غريي»(((.
أقول :إن الكالم يف اعتبار كتاب املحاسن شبيه بالكالم عن كتاب مسائل عيل بن
جعفر ،وحاصله :إنه يمكن االعتامد عىل ما رواه القدماء يف كتبهم األربعة عن املحاسن،
إال أن ما رواه احلر العاميل واملتأخرون عنه ُيتأمل فيه؛ وذلك لالطمئنان بأهنم حصلوا
عىل الكتاب عن طريق الوجادة ال املناولة واإلجازة .وأما طرق احلر العاميل إىل الشيخ
فهي طرق تربكية ال تنفع يف إخراج الروايات من اإلرسال إىل اإلسناد.
قال املحقق اخلوانساري يف مشارق الشموس :وقد ذكر بعض العلامء ورود هذا
املضمون بطريق صحيح أيض ًا ،ومل أره يف الكتب األربعة املشهورة ،لكن رأيته يف كتاب
املحاسن للربقي ،ولعله أراد ذلك وخيدش اجلواب بعد تسليم صحة االحتجاج بأمثال
هذه األسانيد(((.
وقال الشيخ آصف املحسني :نحن نقلنا أحاديث املحاسن املعتربة سند ًا يف
معجم األحاديث املعتربة عن البحار غالب ًا ،وقد تبني اآلن أنه ال جمال لالعتامد عليها
بمجرد نقل املجليس وكذا احلر رمحهام اهلل ،فإهنام أخذا بطريق الوجادة ،فال بد العتبارمها
من ٍ
دليل آخر؛ كاشتهار الكتاب من عرص املؤلف إىل عرص املجليس واحلر العاميل مثالً،
إىل حدٍّ يوجب االطمئنان بنسبة الكتاب بتاممه سامل ًا إىل الربقي.
وقال :ما نقله الصدوق والكليني عنه فال إشكال فيه ،وأما ما نقله احلر العاميل
واملجليس منه فال نقبله ما مل حيرز صحة وصول نسخة الكتاب إليهام بطريق معترب ،كام
ال نعتمد عىل النسخة املطبوعة يف األعصار األخرية(((.
وقد يقال :إن كالم املجليس يف دعوى شهرة الكتاب ال بأس هبا ،حيث قال:
وكتاب املحاسن للربقي من األُصول املعتربة ،وقد نقل عنه الكليني وكل َمن تأخر عنه
ِمن املؤلفني(((.
إال أنه يمكن أن جياب عنه بام أفاده سيدنا األُستاذ ،وحاصله :إن أصل الكتاب ربام
يكون مشهور ًا ،ولكن هذا ال يعني أن نسخه مشهورة أيض ًا ،والذي ُيغني عن السند هو
شهرة النسخة وليس شهرة أصل الكتاب.
قال :وكتاب املحاسن الذي عدّ ه الصدوق يف املقدمة من الكتب املشهورة قد نص
النجايش والشيخ عىل أنه قد زيد فيها ونُقص ،وحكى النجايش يف ترمجة حممد بن عبد
اهلل بن جعفر احلمريي أنه ألف ستة من الكتب عندما الحظ أنه قد سقط عن نسخته
من كتاب املحاسن تلك الكتب الستة ،وسأل إخوانه بقم وبغداد والري فلم جيدها
عند أحد منهم ،فاضطر إىل أن يرجع إىل األُصول ويؤلف تلك الكتب لتكميل كتاب
املحاسن ،مما يشهد بوضوح عىل أن كتب املحاسن مل تكن كثرية النسخ حتى يف عرص
احلمريي(((.
وقال أيض ًا :فرق شاسع بني كون كتاب من الكتب املشهورة من حيث تعويل
األصحاب عليه ورجوعهم إليه ،وبني كون نسخه مشهورة متداولة غري خمتلفة،
بحيث يضعف احتامل وقوع الزيادة والنقيصة والدس والتحريف فيها .وما يمكن أن
ُيـدّ عى أنه يوجب االستغناء عن السند هو ما يكون مشهور ًا من حيث نسخه إىل عرص
الصدوق(((.
وقال أيض ًا :بأن كون كتاب املحاسن من الكتب املشهورة يف عرص الصدوق ال
يقتيض تداول نسخه بحيث يستغنى عن السند إىل النسخة التي اعتمدها الصدوق يف
النقل عنه ...إن مجلة من كتب املحاسن للربقي مل تكن هلا نسخة يف عرص حممد بن عبد
اهلل احلمريي ،فكيف لنا التأكد من أن نسخ املحاسن بعد ذلك بقليل يف عرص الصدوق
كانت مشهورة بحيث تستغني عن السند؟!
(((
إال أن سيدنا األُستاذ تغ ّلب عىل إشكال الوجادة وعدم شهرة النسخ بام
حاصله :إن كتاب املحاسن وإن وصل إىل املتأخرين كالعالمة املجليس واحلر العاميل
عن طريق الوجادة ولمَ يصل إليهام مناولة ،إال أنه يمكن حصول الوثوق بصحة النسخة
الواصلة إليهم من خالل مقارنتها بام نُقل عن كتاب املحاسن يف الكتب األربعة ،فإن
املقارن سيجد املطابقة بني ما يف النسخة الواصلة إىل املتأخرين وما نقل عنه يف الكتب
األربعة ،بل يف مستطرفات الرسائر أيض ًا ،ومن خالله حيصل الوثوق بالنسخة(((.
أقول :إن حصل اطمئنان من خالل التتبع بالتطابق أن النسخة الواصلة إلينا وإىل
املتأخرين هي نفس النسخة التي كانت عند القدماء فبها ،وإال فال جمال لالستدالل
بروايات املحاسن الواردة يف الوسائل والبحار ،ما مل تكن موجودة يف الكتب األربعة.
***
دعائم الإ�سالم
هو كتاب (دعائم اإلسالم وذكر احلالل واحلرام ،والقضايا واألحكام عن أهل
بيت رسول اهلل عليه وعليهم أفضل السالم) للقايض أيب حنيفة النعامن بن حممد بن
منصور بن أمحد بن حيون التميمي املغريب املتوىف سنة ( ٣٦٣هـ).
إن كتاب دعائم اإلسالم كُتب ليكون القانون الرسمي للدولة الفاطمية منذ عهد
املعز لدين اهلل إىل هناية الدولة ،بل كان بعض سالطني الدولة الفاطمية يعطي ماالً ملن
حيفظ هذا الكتاب .وهو اليوم من الكتب الفقهية املهمة لإلسامعيلية يف اهلند امللقبون
بـ(البهرة).
قال العالمة املجليس :وكتاب دعائم اإلس�لام ،قد كان أكثر أهل عرصنا
يتومهون أنه تأليف الصدوق ،وقد ظهر لنا أنه تأليف أيب حنيفة النعامن بن حممد بن
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 134
منصور قايض مرص يف أيام الدولة اإلسامعيلية ،وكان مالكي ًا أوالً ،ثم اهتدى وصار
إمامي ًا .وأخبار هذا الكتاب أكثرها موافقة ملا يف كتبنا املشهورة ،لكن مل ِ
يرو عن األئمة
بعد الصادق؛ خوف ًا من اخللفاء اإلسامعيلية ،وحتت رس التقية أظهر احلق ملن نظر فيه
متعمق ًا ،وأخباره تصلح للتأييد والتأكيد .قال ابن خلكان :هو أحد الفضالء املشار
إليهم ،ذكره األمري املختار املسيحي يف تارخيه ،فقال :كان من العلم والفقه والدين
والنبل عىل ما ال مزيد عليه ،وله عدة تصانيف منها :كتاب اختالف أصول املذاهب
وغريه ،انتهى .وكان مالكي املذهب ،ثم انتقل إىل مذهب اإلمامية .وقال ابن زوالق
يف ترمجة ولده عيل بن النعامن :كان أبوه النعامن بن حممد القايض يف غاية الفضل ،من
أهل القرآن والعلم بمعانيه ،وعامل ًا بوجوه الفقه ،وعلم اختالف الفقهاء واللغة والشعر
واملعرفة بأيام الناس ،مع عقل وانصاف ،وألف ألهل البيت من الكتب آالف األوراق
بأحسن تأليف وأملح سجع ،وعمل يف املناقب واملثالب كتاب ًا حسن ًا ،وله ردود عىل
املخالفني :له رد عىل أيب حنيفة وعىل مالك والشافعي وعيل بن رشيح ،وكتاب اختالف
ينترص فيه ألهل البيت .أقول :ثم ذكر كثري ًا من فضائله وأحواله ،ونحوه ذكر
اليافعي وغريه ،وقال ابن شهرآشوب يف كتاب معامل العلامء :القايض النعامن بن حممد
ليس بإمامي وكتبه ِح َسان ،منها رشح األخبار يف فضائل األئمة األطهار ،ذكر املناقب
إىل الصادق ،االتفاق واالفرتاق ،املناقب واملثالب ،اإلمامة أصول املذاهب ،الدولة،
اإليضاح ،انتهى(((.
وأورد الشيخ آغا بزرگ الطهراين كتاب الدعائم يف الذريعة قائالً :دعائم
اإلسالم يف معرفة احلالل واحلرام والقضايا واألحكام املأثورة عن أهل البيت أليب
حنيفة اإلمامي ،وهو القايض نعامن بن حممد بن منصور بن أمحد بن حيون املغريب املرصي
املتوىف (٣٦٣هـ) مؤلف ابتداء الدعوة ...وبسط القول يف اعتبار كتابه هذا شيخنا يف
خامتة املستدرك .كان من الكتب املتداولة املعمول هبا يف مرص يف تلك األعصار .قال يف
كشف الظنون( :ويف سنة (٤١٦هـ) أمر الظاهر (اخلليفة الفاطمي) فأخرج َمن بمرص
ِمن الفقهاء املالكيني ،وأمر الدعاة الو ّعاظ أن ِ
يع ُظوا من كتاب دعائم اإلسالم ،وجعل
ملن حفظه ماالً) .أوله( :احلمد هلل استفتاح ًا حلمده ،وصىل اهلل عىل رسوله وعىل األئمة
الطاهرين من أهل بيته)(((.
ثم إنه وقع خالف بني األعالم يف مدى إمكان األخذ بروايات الدعائم ،واألكثر
عىل العدم ،كام ستعرف؛ وذلك لإلرسال يف رواياته ،وعدم ثبوت وثاقة املؤلف.
وأما القسم الثاين فقد بحث فيه بعض املعامالت؛ كالبيع والنكاح واألطعمة
واألرشبة وغريها.
قال يف ديباجة الكتاب :فقد روينا عن أيب جعفر حممد بن عيل أنه قالُ « :بني اإلسالم
عىل سبع دعائم :الوالية وهي أفضلها وهبا وبالويل يوصل إىل معرفتها ،والطهارة،
والصالة ،والزكاة ،والصوم ،واحلج ،واجلهاد» ،فهذه دعائم اإلسالم نذكرها إن شاء
اهلل بعد ذكر اإليامن الذي ال يقبل اهللُ تعاىل عم ً
ال إال به ،وال يزكو عنده إال من كان
من أهله ،ونشفعها بذكر احلالل واحلرام والقضايا واألحكام؛ ملا يف ذلك من التعبد
واملفروضات يف األرشية والبياعات واملأكوالت واملرشوبات والطالق واملناكحات
واملواريث والشهادات ،وسائر أبواب الفقه املثبتات الواجبات .وباهلل نستعني وإياه
نستوهب التوفيق ملا يزكو لديه ويزدلف به إليه ،وهو حسبنا ونعم الوكيل(((.
ترجمة امل�ؤلف
عاش القايض أبو حنيفة النعامن بن حممد بن منصور بن أمحد بن حيون التميمي
املغريب يف النصف األول من القرن الرابع من اهلجرة (القرن العارش امليالدي) وال نعرف
سنة ميالده ،وإن كان هناك ما يرجح أنه ولد يف أواخر سني القرن الثالث للهجرة،
وتويف بالقاهرة يف ٢٩من مجادى الثانية سنة (٣٦٣هـ) ( ٢٧مارس سنة ٩٧٤م) ،وصىل
عليه املعز لدين اهلل(((.
إنه يعرف يف تاريخ أدب الدولة اإلسامعيلية بقايض القضاة وداعي الدعاة النعامن
بن حممد ،وقد خيترص املؤرخون فيقولون( :القايض النعامن)؛ متييز ًا له عن صاحب
املذهب احلنفي ،ويطلق عليه ابن خلكان (أبا حنيفة الشيعي) .خدم املهدي باهلل
مؤسس الدولة الفاطمية التسع السنوات األخرية من حكمه ،ثم ويل قضاء طرابلس
يف عهد القائم بأمر اهلل اخلليفة الثاين للفاطميني ،ويف عهد اخلليفة الثالث املنصور باهلل
ُعني قاضي ًا للمنصورية ،ووصل إىل أعىل املراتب يف عهد املعز لدين اهلل اخلليفة الفاطمي
الرابع ،إذ رفعه إىل مرتبة قايض القضاة وداعي الدعاة(((.
وملا متتع بثقة املعز لدين اهلل جعله املعز مستشار ًا قضائي ًا له ،فوضع أسس القانون
الفاطمي ،وينظر إليه عىل أنه املرشع األكرب للفاطميني .وهلذا كان هذا الكتاب هو
القانون الرسمي منذ عهد املعز حتى هناية الدولة الفاطمية ،كام يتضح ذلك من رسالة
كتبها احلاكم بأمر اهلل إىل داعيه باليمن ،بل ال يزال هذا الكتاب هو الوحيد الذي يسيطر
عىل حياة طائفة البهرة يف اهلند ،وعليه املعول يف أحواهلم الشخصية ،ومن العجب أن
الترشيع اإلسالمي باهلند اآلن حيافظ عىل يشء من القوانني التي كانت تطبق يف مرص يف
عهد الفاطميني(((.
وتتضح قيمة هذا الكتاب أيض ًا من أن عدد ًا كبري ًا من املخترصات له ُأ ّلفت لتكون
بني يدي القضاة والطلبة؛ مثل :خمترص اآلثار ،والينبوع ،واالقتصار ،وجمموع الفقه،
واحلوايش ،وهي كلها خمترصات يف الفقه أخذت عن دعائم اإلسالم .ويظهر أثر النعامن
وقوته يف تلك احلقيقة ،وهي أن أبناءه اختصوا أيض ًا بام كان يتمتع به أبوهم من نفوذ،
فقد توىل ٌّ
كل من ولديه عيل واحلسني مرتبة قاىض القضاة ،ووضعا كتب ًا يف الرشيعة.
وعىل اجلملة فقد كان النعامن مؤسس أرسة حمرتمة من القضاة املمتازين ،كام كان مؤلف ًا
كثري اإلنتاجُ .ينسب إليه أربعة وأربعون كتاب ًا ،منها ثامنية عرش حيتفظ هبا إىل اآلن،
وأربعة يرجح وجودها ،واثنان وعرشون ُفقدت ومل نعثر هلا عىل أثر(((.
ذهب البعض إىل عدم كونه اثني عرشي ًا ،منهم :ابن شهرآشوب .قال :ليس
ومنهم :السيد السيستاين .قال :كتاب دعائم اإلسالم للقايض النعامن بن
حممد بن منصور بن حيون التميمي املغريب املتوىف سنة (٣٦٣ه��ـ) ،وكان من علامء
اإلسامعيلية ...وربام توهم بعضهم أن القايض نعامن من رجال الشيعة اإلمامية استناد ًا
إىل شبهات ضعيفة أجبنا عنها يف حمله(((.
وذكر املحقق الداوري أنه توجد قرائن عىل عدم كون القايض النعامن من
اإلمامية ،منها :أنه توىل القضاء لثالثة من السالطني الفاطميني حتى أصبح قايض
القضاة ،ومنها :أن ولديه أيض ًا وليا القضاء ،ومنها :أن كتابه الدعائم أصبح القانون
الرسمي للدولة الفاطمية .ثم قال :ولو كان إمامي ًا ملا قبل لنفسه أن يكون من دعاة
الباطل؛ فإن التقية وإن اضطرته إىل خمالفة احلق يف بعض األمور إال أهنا ال تصل إىل ما
وممن يرى عدم كون القايض إمامي ًا الدكتور إسامعيل پوناواال املتخصص يف
القايض النعامن والذي رصف عمره يف دراسة تراثه ،فقد قال يل شخصي ًا يف إحدى
وهم يف وه ٍم.
إمامي ٌ
ٌّ املؤمترات :إن القول بأن القايض
بعض آخر إىل كون القايض النعامن إمامي ًا اثني عرشي ًا ،وأنه كان يامرس
وذهب ٌ
التقية وخيفي مذهبه احلقيقي أمام السلطة الفاطمية ألجل نرش احلق .واألصل يف ذلك
ما حكي عن ابن خلكان أنه كان يرى بأن القايض النعامن كان مالكي ًا ،ثم اعتنق مذهب
اإلمامية(((.
وأورد عليه الشيخ املنتظري :أن انتقاله إىل مذهب اإلمامية ال يدل عىل كونه
اثني عرشي ًا؛ إذ لفظ اإلمامية بحسب مفهومه يعم اإلسامعيلية أيض ًا؛ كلفظ الشيعة ،وإن
تبادر منهام يف أعصارنا خصوص االثني عرشية(((.
وممن كان يرى أن القايض النعامن إمامي احلر العاميل ،إذ قال :وكان مالكي املذهب،
ثم انتقل إىل مذهب اإلمامية((( .واملظنون أنه قد اعتمد عىل غريه يف ذلك كابن خلكان.
ومنهم :ابن حجر العسقالين ،حيث قال :النعامن بن حممد بن منصور أبو حنيفة،
كان مالكي ًا ثم حتول إمامي ًا ،وويل القضاء للمعز العبيدي صاحب مرص فصنف هلم
ومنهم :السيد بحر العلوم ،إذ قال :وقد كان يف بدء أمره مالكي ًا ،ثم انتقل إىل
مذهب اإلمامية وصنف عىل طريق الشيعة كتب ًا(((.
وحكى املحدث النوري عن املحقق الكاظمي قوله يف املقابس :وهذا الرجل كام
يلوح يف كتابه من أفاضل الشيعة ،بل اإلمامية ،وإن مل ِ
يرو يف كتابه إال عن الصادق و َمن
قبله من األئمة.(((
وممن ذهب إىل كون القايض النعامن إمامي ًا املحدث النوري نفسه ،واستدل
لذلك بأنه مل يذكر إسامعيل وال ولده حممد يف كتابه وال يذكر معتقدات اإلسامعيلية ،بل
رصح بكفر الباطنية ،وهذا يدل عىل كونه إمامي ًا(((.
ّ
وأورد عليه السيد اخلوئي :أن تنزه النعامن من تلك األقاويل الكاذبة والعقائد
الفاسدة وترصحيه بكفر الباطنية ال يستلزم عدم كونه من اإلسامعيلية ،ألن الباطنية قسم
منهم ،وليس كل إسامعييل من الباطنية ،وأن عدم ذكره إسامعيل وابنه يف عداد األئمة
ال يكشف عن عدم عقيدته بإمامتهام ،مع أن عقائد اإلسامعيليني مل تصل إلينا بحقيقتها
حتى نالحظها مع ما ذكره النعامن ليتضح لنا أنه منهم أو ليس منهم(((.
ومن األمارات التي اعتمد عليها املحدث النوري أن املؤلف ال يعتمد عىل لغة
األلغاز واإلشارات كام هو دأب اإلسامعيلية .هذا مضاف ًا إىل عدم ذكره يف عداد علامء
اإلسامعيلية يف كتب الرجال مع أهنم تطرقوا إىل القايض النعامن ،مما يكشف عن عدم
انتحاله ملذهبهم(((.
ومن مجلة األمارات التي ساقها النوري هو ما قاله املؤلف يف بعض املواضع ،منها
ما ذكره يف آخر أدعية التعقيب( :وروينا عن األئمة أهنم أمروا بعد ذلك بالتقرب
لعقب كل صالة فريضة ،والتقرب أن يبسط املصيل يديه ،إىل أن ذكر الدعاء ،وهو:
«ال ّلهم إين أتقرب إليك بمحمد رسولك ونبيك ،وبعيل -وصيه -وليك ،وباألئمة من
ُولده الطاهرين احلسن واحلسني وعيل بن احلسني وحممد بن عيل وجعفر بن حممد،»...
ويسمي األئمة إمام ًا إمام ًا حتى يسمي إمام عرصه .)قال املحدث النوري :وغري
خفي عىل املنصف أنه لو كان إسامعيلي ًا لذكر بعده إسامعيل بن جعفر ،ثم حممد بن
إسامعيل ،إىل إمام عرصه املنصور باهلل ،واملهدي باهلل ،ومل يكن له دا ٍع إىل اإلهبام(((.
وذهب الشيخ املنتظري إىل كون القايض إمامي ًا ،إال أن كلمة (اإلمامي) مل ُيراد منها
االثنا عرشي سابق ًا ،وإنام يراد منها َمن يوايل علي ًا وأوالده يف اجلملة ،فحتى اإلسامعيلية
كانوا يعتربون من اإلمامية ،فقال :وهذا اللفظ كان يطلق عىل َمن يعتقد بكون اإلمامة
حق ًا لعيل وأوالده املعصومني يف قبال املذاهب األُ َخر ،فال ُيصغى إىل ما مر من ابن
شهرآشوب وصاحب الروضات من التشكيك يف ذلك .نعم ،يشكل إثبات كونه من
اإلمامية االثني عرشية .ومل يثبت كون اصطالح اإلمامية يف تلك األعصار ممحض ًا هلم،
بل اللفظ بإطالقه يشمل اإلسامعيلية أيض ًا(((.
أقول :إن البحث عن مذهبه قليل اجلدوى ،إذ املهم هو البحث عن وثاقته ،فإن
كان ثقة أمكن االعتامد عليه وإن مل يكن إمامي ًا ،وإن مل يكن ثقة فال يمكن االعتامد عليه
وإن كان إمامي ًا.
واإلنصاف أن قوهلم( :إمامي) ال يثبت أنه اثنا عرشي؛ ألن اإلسامعيلية وسائر
فرق الشيعة يف اجلملة أيض ًا كانوا يسمون بـ(اإلمامية).
منهم :السيد اخلوئي ،قائالً :إنه ال شبهة يف علو مكانة أيب حنيفة النعامن ،صاحب
كتاب دعائم اإلسالم وغريه من الكتب الكثرية ،ونبوغه يف العلم والفضل والفقه
واحلديث ...إال أن الذي يقتضيه اإلنصاف أنـّا مل نجد بعد الفحص والبحث َمن يرصح
بكونه ثقة وال اثني عرشي ًا(((.
ومنهم :الشيخ املنتظري ،حيث قال :والثابت من كتب التاريخ والرجال علم
ٍ
بنحو ُيعتمد عىل حديثه(((. الرجل ونبوغه ومذهبه إمجاالً ،ومل يتعرضوا لوثاقته
ومنهم :السيد السيستاين ،حيث أشكل عىل خرب ورد يف دعائم اإلسالم وقال:
وهو كام ُعلم مما سبق ضعيف من جهتني :من جهة اإلرسال ،ومن جهة عدم وثاقة
مؤلف الدعائم عندنا(((.
ومنهم :السيد صادق الروحاين ،حيث قال :إال أن كونه اثني عرشي ًا وثقة غري
ثابتني ،لعدم ترصيح القوم بيشء منهام(((.
بل ُحكي عن املحقق الكاظمي يف املقباس أن وثاقته غري ثابتة عند األصحاب،
حيث قال :ولعله لبعض ما ُذكر ،ولعدم اشتهاره بني األصحاب ،وعدم توثيقهم له،
وعدم تصحيحهم حلديثه أو كتابه ،مل يورد صاحب الوسائل شيئ ًا من أخباره(((.
هذا ،وقد بنى املحقق الداوري عىل وثاقته ،قائالً :إال أنه بنا ًء عىل وثاقته ،ال فرق
عندنا بني كونه إمامي ًا أو إسامعيلي ًا يف األخذ بروايته(((.
وقال بعد أن ذكر بعض الكلامت يف حق القايض :وعىل كل تقدير ،مل يرد يف حقه
قدح أو ذم بل ورد الثناء عليه ،وعليه فيمكن اعتباره وعدّ ه من املمدوحني الذين ال
يقرصون عن الوثاقة(((.
أقول :يبدو من الرتاجم والسري أن الرجل ممدوح ،فقد ورد يف أمل اآلمل بأنه
(أحد األئمة الفضالء املشار إليهم)((( ،وعن املحقق الكاظمي صاحب املقباس أنه (من
أفاضل الشيعة ،بل اإلمامية)((( ،وعن السيد حسني القزويني أنه (عامل فاضل)(((.
هذا ،ولكن هذه الكلامت مل تصدر من أحد القدماء ،وال من أحد املتأخرين ،بل
صدرت من بعض متأخري املتأخرين ،فال اعتبار هبا .فالصحيح أنه مل تثبت وثاقته.
ويقول أيض ًا :أرى أن أعرض ملوضوع لفت نظري ،وهو أنه من املدهش أن ال نجد
نسخة واحدة من هذا الكتاب يف مكتبات مرص ،إذ املوجود يف دار الكتب املرصية هي
صورة فوتوغرافية رقم ( ١٩٦٦٥ب) عن النسخة اخلطية التي حتتفظ هبا مكتبة مدرسة
اللغات الرشقية بلندن رقم ( ،)٢٥٤٣ ٥وقد اشرتت دار الكتب املرصية حديث ًا نسخة
من اجلزء األول فقط ،وهناك نسخة ُأخرى خطية بمكتبة صديقي الدكتور حممد كامل
حسني ،الذي ختصص منذ سنوات عديدة يف دراسة األدب الفاطمي ونرش يف ذلك
عدة كتب وأبحاث ،وعلمت أن القريوان وتونس وفزان وغريها من بالد املغرب ال
تعرف شيئ ًا عن كتاب دعائم اإلسالم .وليس لنا إال أن نعجب بحزم األيوبيني وقدرهتم
عىل حمو آثار الفاطميني وتعاليمهم ،ولكن حرص بعض أتباع املذهب عىل نقل بعض
املخطوطات إىل اليمن ،ومنها نقلت إىل اهلند(((.
أقول :الظاهر من هذا الكالم أن سبب عدم وجود نسخة من الكتاب يف مكتبات
مرص هو ما قام به صالح الدين األيويب وغريه من إتالف كتب الدولة الفاطمية.
وعليه ،فأقدم نسخة للكتاب يرجع تارخيها إىل ٥٠٠سنة بعد وفاة املصنف،
ومعه هل ُيطمأن بصحة هذه النسخة وأهنا خالية عن الترصف والتصحيف والزيادة
والنقصان؟
وقال الشيخ آغا بزرگ الطهراين عن نسخ الكتاب :يوجد يف جزأين يف اخلزانة
الرضوية تأريخ فراغ الكاتب من اجلزء الثاين (١٠٠٣هـ) ،وتوجد نسخ جديدة اخلط
يف تربيز وطهران والنجف وغريها ،ونسخة خط السيد عيل أكرب بن احلسني احلسيني
القزويني املؤرخة (١٢٨٥هـ) يف كربالء يف كتب السيد إبراهيم بن هاشم بن حممد عىل
املوسوي القزويني املتوىف باحلائر (١٣٦٠هـ) ،وطبع بمرص من تأليفه كتاب (اهلمة يف
آداب اتباع األئمة) حدود (١٣٦٦هـ)(((.
وأما العالمة املجليس فقد جعله من مصادر بحار األن��وار ولكنه مع ذلك قد
اعرتف بأن أخباره تصلح للتأييد فقط((( .فالحظ كيف أنه وإن جعل الدعائم من
مصادر بحار األنوار إال أن قوله (وأخباره تصلح للتأييد والتأكيد) يدل عىل عدم إمكان
االستدالل برواياته مستقالً ،وإال ملا جعلها صاحلة للتأييد.
هذا ،وقد رفض طائفة من األعالم اعتبار كتاب دعائم اإلسالم ،وجعل بعضهم
أخباره صاحلة للتأييد ال االستدالل.
منهم :احلر العاميل ،فإنه مل ِ
يرو عن الدعائم يف كتابه الوسائل ،كام هو املالحظ ملن
يراجع اجلزء األخري من الوسائل الذي فيه ذكر ملصادر الكتاب.
منهم :السيد اخلوئي .قال :إن كتاب دعائم اإلسالم فيه من الفروع عىل خالف
مذهب اإلمامية ،قد ُذكر مجلة منها يف ذيل حمارضاتنا يف الفقه اجلعفري ،ومع ذلك فقد
بالغ شيخنا املحدث النوري يف اعتبار الرجل وأنه كان من اإلمامية املحقة ،فهو مل
يثبت ،فالرجل جمهول احلال ،وعىل تقدير الثبوت فكتابه دعائم اإلسالم غري معترب ،ألن
رواياته كلها مرسلة(((.
وحكي عن صاحب اجلواهر يف مسألة من فاتته صلوات متعددة قوله بأن
دعائم اإلسالم مطعون فيه ويف صاحبه(((.
وحكى املحدث النوري عن السيد حسني القزويني يف كتابه جامع الرشائع أنه
قال :وأخباره صاحلة للتأييد والتأكيد ،وملا اشتهر من الفتوى بني العلامء الثقات ومل
يوجد له مستند منسوب إىل األئمة األطهار.(((
وحكى أيض ًا عن املحقق الكاظمي يف املقباس قوله :إال أنه مع ذلك خالف فيه
األصحاب يف مجلة من األحكام املعلومة عندهم ،بل بعض رضوريات مذهبهم؛ ِ
كح ّلية
املتعة ،فربام كان خمالفته هلم هنا ،وبقاؤه عىل مذهب مالك من هذا الباب ،ولعله لبعض
ما ذكر ،ولعدم اشتهاره بني األصحاب ،وعدم توثيقهم له ،وعدم تصحيحهم حلديثه
أو كتابه ،مل يورد صاحب الوسائل شيئ ًا من أخباره ،ومل يعد الدعائم من الكتب التي
يعتمد عليها(((.
األول :إن مصنف الكتاب ادعى أن مجيع روايات كتابه صحيحة وثابتة ،إذ قال يف
مقدمة كتابه :فقد رأينا وباهلل التوفيق عند ظهور ما ذكرناه أن نبسط كتاب ًا جامع ًا خمترص ًا
يسهل حفظه ويقرب مأخذه ...نقترص فيه عىل الثابت الصحيح مما رويناه عن األئمة من
أهل بيت رسول اهلل من مجلة ما اختلفت فيه الرواة عنهم يف دعائم اإلسالم ،وذكر
احلالل واحلرام ،والقضايا واألحكام(((.
عنهم ،وعىل ذلك جتري أبواب كتابنا هذا إن شاء اهلل ،ملا قصدنا فيه إليه من االختصار(((.
فهو يرصح بأنه يروي ما كان ثابت ًا عن النبي واآلل.
من هنا صار املحدث النوري يدافع عن صحة أخبار الدعائم ،قائالً( :وال بد من
ذكر ما صدر به الكتاب ،ليعرف أنه ما أخرج فيه إال اخلرب الثابت الصحيح ،عن األئمة
األطياب.((()
الثاين :إن الكتاب مشهور وثابت النسبة إىل مؤلفه ،فال حتتاج نسخه إىل طريق
معترب إىل املصنف.
الثالث :إن اإلرسال يف روايات الكتاب ال يرض باعتبارها ،خاصة وأن الراوي هلا
من الثقات وهو القايض النعامن.
الرابع :إن مضمون روايات الكتاب يتوافق مع روايات اجلعفريات ،وهذا مما
يكشف عن اعتباره.
اجلواب عن الأدلة
الصحيح أن يقال :ال يمكن االعتامد عىل روايات الدعائم بشكل مستقل إلثبات
حكم رشعي؛ وذلك:
أوالً :ألن روايات الكتاب كلها مراسيل مل يذكر املصنف األسانيد ،فكيف يمكن
االعتامد عليها؟ وأما القول بحجية مراسيل الثقات مطلق ًا فال يساعد عليه الدليل ،إال
إذا علمنا بأن الثقة ال يروي إال عن ثقة آخر؛ كمحمد بن أيب ُعمري.
إن قلت :إن روايات الدعائم توافق روايات كتب إمامية مشهورة كاجلعفريات ،مما
يكشف عن أخذ القايض منها وهو من أمارات اعتباره .قال السيد السيستاين :ويمكن
معرفة بعض مصادره من كتب اإلمامية بمقارنته معها أو مع ما نقل من رواياهتا ،ومنها
كتاب اجلعفريات فإن ما ورد فيه من األخبار يطابق يف موارد كثرية متون األخبار
الواردة يف الدعائم -كام تنبه لذلك املحدث النوري -وكتاب اجلعفريات إلسامعيل
بن موسى بن جعفر ،قال الشيخ والنجايش( :سكن مرص وولده هبا ،وله كتب يروهيا
عن أبيه عن آبائه) .وقد روى اجلعفريات إسامعيل بن موسى ورواه عنه حممد بن حممد
ابن األشعث -وكان ساكن ًا بمرص أيض ًا -فهذا الكتاب كان موجود ًا يف مرص مقر
اإلسامعيلية آنذاك(((.
قلت :إن جمرد موافقة رواياته لروايات كتاب اجلعفريات ال تصريه معتمد ًا ،خاصة
وأن كتاب اجلعفريات ليس معترب ًا يف نفسه ،فكيف تكون موافقة أخباره سبب ًا لالعتبار؟
ثاني ًا :إنه عىل فرض وجود أسانيد لرواياته ،فإن القايض النعامن مل تثبت وثاقته،
حيث مل ينص أرباب الرجال عىل وثاقته.
ثالث ًا :وأما قول القايض النعامن يف مقدمة الكتاب (نقترص فيه عىل الثابت الصحيح
مما رويناه عن األئمة من أهل بيت رسول اهلل) فال يثبت اعتبار كتابه ،فإن شهادته حدسية
اجتهادية ال حسية ،وال يسع الفقيه أن يعتمد عليها.
من هنا قال السيد اخلوئي :ثبوت الصحة عنده ال يوجب ثبوهتا عندنا ،الحتامل
اكتفائه يف تصحيح الرواية بام ال نكتفي به نحن(((.
وقال الشيخ املنتظري :ثبوت الصحة عنده ال يوجب الثبوت عندنا ،الحتامل
اكتفائه يف تصحيح احلديث بام ال نكتفي به(((.
رابع ًا :إن الكتاب يشتمل عىل فروع كثرية خمالفة ملذهبنا ،حيث يقول املحقق
الكاظمي يف حمكي املقباس :إال أنه مع ذلك خالف فيه األصحاب يف مجلة من األحكام
املعلومة عندهم ،بل بعض رضوريات مذهبهم(((..
منها :جواز غسل القدم يف الوضوء ألجل النظافة .قال :و َمن غسل رجليه تنظف ًا
ومبالغة يف الوضوء والبتغاء الفضل وخلل أصابعه ،فقد أحسن(((.
ومنها :جواز املسح عىل اخلفني يف الوضوء التجديدي .قال :فيجوز املسح عىل
اخلفني للرضورة عند ذلك ...أو يكون املتوضئ توضأ وهو عىل طهارة ومل حيدث،
فأحب جتديد الوضوء البتغاء الفضل كام ذكرنا ...وقد روينا عن احلسني بن عيل
صلوات اهلل عليه أنه سئل عن املسح عىل اخلفني ،فسكت حتى مر بموضع فيه ماء
والسائل معه ،فنزل فتوضأ ومسح عىل خفيه وعىل عاممته ،وقال« :هذا وضوء َمن مل
حيدث»(((.
ومنها :املسح عىل متام الرأس والعنق واألذنني .قال :ثم أمروا بمسح الرأس مقب ً
ال
ومدبر ًا ،يبدأ من وسط رأسه فيمر يديه مجيع ًا عىل ما أقبل من الشعر إىل منقطعة من
اجلبهة ،ثم يرد يديه من وسط الرأس إىل آخر الشعر من القفا ،ويمسح مع ذلك األُذنني
ظاهرمها وباطنهام ،ويمسح عنقه(((.
ومنها :جواز السجود عىل ما يصح لبسه يف الصالة .قال :وعن جعفر بن حممد
صلوات اهلل عليه أنه ّ
رخص يف الصالة عىل ثياب الصوف ،وكل ما جيوز لباسه والصالة
فيه ،جيوز السجود عليه ،والكفان والقدمان والركبتان من الساجد ،فإذا جاز لباس ثوب
الصوف والصالة فيه فذلك مما يسجد عليه ،وكذلك جيزى السجود بالوجه عليه(((.
من هنا قال الشيخ املنتظري :ولعله ألمثال ذلك مل يعتد أعاظم الفقهاء
واملحدثني من قبيل شيخ الطائفة ومعارصيه و َمن تابعه هبذا الكتاب وصار مرتوك ًا من
قبل أصحابنا ،فتدبر(((.
خامس ًا :لو تغاضينا عن اإلشكاالت السابقة ،فيوجد إشكال آخر ،وهو :عدم
ثبوت النسخة املتداولة إىل املصنف ،فإن أقدم نسخة من الكتاب ُوجدت يف القرن
التاسع اهلجري أي بعد وفاة املصنف بنحو ٥٠٠سنة .ويقول حمقق كتاب الدعائم:
ومعنى هذا أننا ال نستطيع بأي حال من األحوال أن نثق متام الثقة بأنه مل حيدث يف
الكتاب حتريف أو تغيري بعد أن كتبه املؤلف(((.
سادس ًا :حتى لو أمكننا القول باعتبار هذه النسخة فإنه ال يوجد سند معترب هلا إىل
مصنفها .وأما القول بشهرة أصل الكتاب فهو ال يغني أقدم نسخة منه -والتي وجدت
بعد ٥٠٠سنة من وفاة املصنف -من سند معترب هلا ،فإن شهرة األصل ال تعني شهرة
النسخ.
وعليه :ال تصلح روايات الكتاب لالستدالل -مستقالً -عىل احلكم الرشعي،
ولكن تصلح للتأييد كام قال العالمة املجليس.
الفائدة األوىل :يمكننا بربكة رواي��ات الدعائم أن نفهم ونفرس أخبار ًا ُأخرى
موجودة يف أصولنا والتي يصعب فهمها.
قال :وقد عثرت أنا يف بعض األبواب من كتاب الدعائم عىل أخبار تفرس بعض
املشكالت املوجودة يف أخبارنا الصحاح ،بحيث يرتفع هبا الشبهة املوجودة ،وهذه
بنفسها فائدة مهمة ،نظري روايات العيايش يف تفسريه مع كوهنا مراسيل أيض ًا(((.
الفائدة الثانية :يمكن األخذ بأخبار الدعائم إذا ثبتت الشهرة العملية عىل طبقها.
قال :وعىل هذا تكون رواياته يف الكتاب مراسيل ،فال تفيد غالب ًا إال للتأييد
والتأكيد كام مر عن البحار .ال ّلهم إذا فرض يف مورد خاص جرب اإلرس��ال بشهرة
عملية(((.
أقول :إن قبول هذه الفائدة خيتلف من مبنى إىل مبنىَ ،
فمن ينكر جابرية الشهرة
للخرب الضعيف ال يسعه األخذ هبذه الفائدة .بل يمكن أن يقال :حتى َمن يرى اجلابرية
فال يمكنه أن يطبقها يف املقام؛ وذلك لوجود أكثر من إشكال عىل روايات الدعائم .وأما
اإلرسال فهو إحدى مشكالته ومن أهوهنا .هذا مضاف ًا إىل العلم بعدم عمل القدماء هبا،
ومن قال باجلابرية قاهلا يف خصوص عمل القدماء ال مطلق ًا.
***
قرب الإ�سناد
وهو ملصنفه عبد اهلل بن جعفر احلمريي ،وقيل إنه لولده حممد بن عبد اهلل
احلمريي ،وسيأيت الكالم عن ذلك مفصالً .وأما وجه التسمية فواضح ،وذلك ألن
اإلسناد كلام كان أقرب كان احتامل صدقه وإصابته للواقع أكثر ،وكلام تعددت الوسائط
ازداد احتامل اخلطأ واالشتباه.
من هنا كان لكتاب قرب اإلسناد امليزة العالية ،وكان ٍّ
لكل من عيل بن إبراهيم
القمي وحممد بن عيسى اليقطيني وعيل بن بابويه كُتب ُس ِّميت بقرب اإلسناد كذلك،
إال أنه مل يصلنا اليوم غري كتاب ِ
احلميرَ ي.
ذكر املؤلف فيه ( )١٣٨٧حديث ًا ،واقترص عىل أحاديث ثالثة من أئمة أهل
البيت :اإلمام الصادق واإلمام الكاظم واإلمام الرضا.
قال الشيخ آغا بزرگ الطهراين حول الكتاب :قرب اإلسناد جمموع من األخبار
املسندة إىل املعصوم لقلة وسايطه ،وقد كان اإلسناد العايل عند القدماء مما يشد له
الرحال ،ويتبهج به أعني الرجال ،ولذا أفردوه بالتصنيف ،مجع منهم شيخ القميني أبو
العباس عبد اهلل بن جعفر بن احلسني بن مالك بن جامع احلمريي ،سمع منه أهل الكوفة
يف سنة نيف وتسعني ومائتني .وقد مجع األسانيد العالية إىل كل إمام يف جزء ،واملوجود
157 قرب الإ�سناد
بعض منها وهو قرب اإلسناد إىل الصادق ،وقرب اإلسناد إىل الرضا ،وساير األجزاء ال
عني منها وال أثر فعالً ،وذكر النجايش بعض األجزاء األخرية أيض ًا ،وهو قرب اإلسناد
إىل أيب جعفر اجلواد ،وقرب اإلسناد إىل صاحب األمر ،لكنه أمهل ذكر قرب اإلسناد
إىل الكاظم والصادق ،ومها أيض ًا موجودان بحمده تعاىل ،وهو مما ينقل عنه يف (البحار)
معتقد ًا أنه لعبد اهلل بن جعفر احلمريي ،كام رصح به النجايش ،قال يف (البحار) :ولو
كان لولده حممد بن عبد اهلل بن جعفر ،كام رصح به ابن إدريس ،فالوالد متوسط بينه
وبني ما أوردناه من أسانيد كتابه ،قال :وكتبته من نسخة مأخوذة من ابن إدريس ...إىل
أن قال :وكان موجود ًا يف خزانة كتب شيخنا النوري منض ًام إىل (األشعثيات) ومسائل
عيل بن جعفر وكتاب سليم بن قيس يف جملد واحد ،أتاه به بعض السادة من اهلند(((.
القول األول :إنه للوالد عبد اهلل بن جعفر .يظهر هذا القول من مجع ،منهم:
النجايش والشيخ وابن شهرآشوب رمحهم اهلل .وحكي عن صاحب احلدائق تبنيه هلذا
القول أيض ًا(((.
القول الثاين :إنه للولد حممد بن عبد اهلل .اختاره ابن إدريس احليل يف مستطرفاته،
حيث قال :ومما استطرفناه من كتاب قرب اإلسناد تصنيف حممد بن عبد اهلل بن جعفر
احلمريي((( .وحكي ذلك أيض ًا عن صاحبي املدارك واملنتقى(((.
القول الثالث :إن الكتاب للوالد ،وإنام رواه الولد عن أبيه ،اختاره العالمة
املجليس ،قائالً :وكتاب قرب اإلسناد للشيخ اجلليل الثقة أيب جعفر حممد بن عبد اهلل
بن جعفر بن احلسني بن جامع بن مالك احلمريي القمي .وظني أن الكتاب لوالده وهو
ٍ
راو له ،كام رصح به النجايش ،وإن كان الكتاب له كام رصح به ابن إدريس فالوالد
متوسط بينه وبني ما أوردناه من أسانيد كتابه(((.
وكذلك اختاره احلر العاميل ،قائالً :كتاب قرب اإلسناد للشيخ الثقة املعتمد عبد
اهلل بن جعفر احلمريي رواية ولده حممد(((.
القول الرابع :التفصيل بني أجزاء الكتاب ،ببيان :أن الكتاب ينقسم إىل ثالثة
أجزاء :اجلزء األول للولد أي حممد بن عبد اهلل ،واجلزءان اآلخران لألب عبد اهلل بن
جعفر .والقرينة عىل ذلك قوله يف بداية اجلزء األول من الكتاب :حممد بن عبد اهلل بن
جعفر احلمريي ،عن أبيه ،عن هارون بن مسلم ،عن مسعدة بن صدقة قال :وحدثني
جعفر عن أبيه قال ...إلخ((( .بينام مل يرد مثل هذا التعبري يف اجلزأين األخريين.
إال أن حمقق الكتاب أورد عىل هذا التفصيل بأن النجايش والشيخ ذهبا إىل كون
الكتاب لألب عبد اهلل بن جعفر ،ولو كان يوجد تفصيل يف األجزاء لذكراه(((.
ولعل الوجه الصحيح هو الثالث ،أي ما اختاره العالمة املجليس واحلر العاميل
والشيخ آغا بزرگ الطهراين ،وحاصله :أن الكتاب هو تصنيف الوالد عبد اهلل بن
جعفر ،إال أن ولده حممد بن عبد اهلل قد رواه عنه .وال خيفى أن الوالد والولد كالمها
ثقة ،فال ثمرة مهمة للبحث عن تشخيص املصنف بعد حرصه فيهام.
الطب ،أخربنا عدة من أصحابنا ،عن أمحد بن حممد بن حييى العطار ،عنه بجميع كتبه(((.
وذكر يف ترمجة العمركي بن عيل البوفكي :أنه روى عنه شيوخ أصحابنا منهم :عبد
اهلل بن جعفر احلمريي(((.
وقال عنه الشيخ يف الفهرست :عبد اهلل بن جعفر احلمريي القمي يكنى أبا العباس،
ثقة ،له كتب ،منها :كتاب الدالئل ،كتاب الطب ،وكتاب اإلمامة ،وكتاب التوحيد
واالستطاعة واألفاعيل والبداء ،وكتاب قرب اإلسناد ،وكتاب املسائل والتوقيعات،
وكتاب الغيبة ،ومسائله عن حممد بن عثامن العمري ،وغري ذلك من رواياته ومصنفاته
وفهرست كتبه ،وزاد ابن بطة ،كتاب الفرتة واحلرية ،وكتاب فضل العرب ،أخربنا
بجميع كتبه ورواياته الشيخ املفيد ،عن أيب جعفر ابن بابويه ،عن أبيه ،وحممد بن
احلسن ،عنه ،وأخربنا هبا ابن أيب جيد ،عن ابن الوليد ،عنه(((.
إذن للشيخ طريقان إىل كتاب قرب اإلسناد يف الفهرست ،األول :عن املفيد ،عن
الصدوق عن والد الصدوق وحممد بن احلسن بن الوليد عن احلمريي ،وهذا طريق
معترب ال شك فيه .وأما الثاين فهو بواسطة ابن أيب جيد عن احلمريي ،وابن أيب جيد ال
فمن يرى وثاقة مشايخ النجايش يمكنه االعتامد
توثيق له سوى أنه من مشايخ النجايشَ ،
عىل الطريق الثاين أيض ًا.
وعدّ ه الشيخ يف رجاله يف أصحاب الرضا تارة ،قائالً :أبو العباس احلمريي،
و ُأخرى يف أصحاب اهلادي قائالً :عبد اهلل بن جعفر احلمريي ،وثالثة يف أصحاب
العسكري قائالً :عبد اهلل بن جعفر احلمريي :قمي ،ثقة.
وقال ابن شهرآشوب :عبد اهلل بن جعفر احلمريي القمي ،أبو العباس ثقة ،من
كتبه :كتاب الدالئل ،الطب اإلمامة ،التوحيد االستطاعة ،األفاعيل والبداء .قرب
اإلسناد ،املسائل التوقيعات الغيبة ،مسائله عن العمري ،الفرتة واحلرية فضل العرب(((.
هذا ،واستقرب السيد اخلوئي أن إدراج عبد اهلل بن جعفر احلمريي يف أصحاب
الرضا ال خيلو من إشكال ،وذلك ألن الرضا تويف سنة (٢٠٣هـ) ،مع أن احلمريي
قدم الكوفة سنة نيف وتسعني ومائتني ،فكيف يمكن له أن يدرك الرضا؟!
قال :فإن عبد اهلل بن جعفر قدم الكوفة سنة نيف وتسعني ومائتني وسمع أهلها
منه فأكثروا ،ومع ذلك كيف يمكن أن يكون من أصحاب الرضا املتوىف سنة ثالث
ومائتني ومما يؤكد ذلك :أن املشايخ قد أكثروا الرواية عن عبد اهلل بن جعفر ،فلو كان
مدرك ًا للرضا واجلواد لكانت له رواية عنهام ال حمالة ،مع أن رواياته كلها عنهام
مع الواسطة وسامها بـ(قرب اإلسناد)(((.
وأما طريق الصدوق إىل احلمريي فهو :أبوه ،وحممد بن احلسن ،وحممد بن موسى
بن املتوكل عن عبد اهلل بن جعفر بن جامع احلمريي ،وهو طريق صحيح.
وقال الشيخ يف الفهرست :حممد بن عبد اهلل بن جعفر احلمريي .له مصنفات
وروايات ،أخربنا هبا مجاعة عن أيب جعفر بن بابويه ،عن أمحد بن هارون الفامي وجعفر
أقول :إن دعوى العالمة املجليس بأن الكتاب مشهور يعني أنه متواتر ومعلوم
االنتساب إىل مصنفه فال حاجة إىل سند معترب إىل نسخه.
لكن قد يرد عليه ما ورد عىل أمثاله :وهو أن شهرة األصل ال تعني شهرة نسخه،
فالنسخة حتتاج إىل طريق معترب .وأما إذا مل تصل النسخة إىل املتأخرين عرب املناولة
ٍ
فحينئذ ال يصح االعتامد عليها. واإلجازة وإنام وصلت إليهم وجاد ًة
هذا مضاف ًا إىل جهالة طريق ابن إدريس إىل كتاب قرب اإلسناد ،فإنه ال يمكن
االعتامد عىل ما استطرفه ابن إدريس يف آخر الرسائر حيث ال توجد له مشيخة وال يذكر
طرقه إىل الكتب واألُصول ،ومعه كيف يعتمد عىل ما نقله العالمة املجليس ،مع أنه قد
اعتمد عىل نسخة ابن إدريس؟!
وغريب ما ذكره املحدث البحراين ،حيث ادعى أن كتاب قرب اإلسناد من
الكتب املشهورة فال يرض ضعف ال��رواة فيه .قال :وروى احلمريي يف كتاب قرب
اإلسناد عن أمحد بن حممد عن ابن حمبوب عن أيب جرير الرقايش قال :قلت أليب
احلسن موسى ...والكتاب املذكور من األُصول املعتربة املشهورة فال يرض ضعف
الراوي(((.
وهو كام ترى ،فإن حاله ليس أفضل من حال الكايف ،مع أن الكايف ال يقبل مجيع
ما فيه إال إذا كان مروي ًا عن الثقات أو أفاد الوثوق .مع أن شهرة الكتاب -يف أحسن
األح��وال -تغني عن سند معترب إىل صاحب الكتاب ،وال تغني عن سند معترب من
صاحب الكتاب إىل اإلمام.
وهناك موارد عديدة مجعها حمقق كتاب قرب اإلسناد حكم فيها بعض األعالم
كصاحب كشف اللثام وصاحب الرياض بالصحة عىل بعض روايات قرب اإلسناد(((.
ولكن قد عرفت مما سبق وستعرف مما سيأيت أنه ينبغي التفصيل بني املنقول عن قرب
اإلسناد -وأمثاله من الكتب القديمة -يف الكتب األربعة فيصح االعتامد عليه وبني
املنقول يف الوسائل والبحار فال يصح ،وذلك لصحة طريق املشايخ القدماء؛ كالصدوق
والشيخ إىل الكتاب وجهالة طريق احلر العاميل والعالمة املجليس إليه .بل املطمأن به أن
احلر واملجليس عثرا عليه عن طريق الوجادة ،حاله حال غريه من كتب القدماء ،فإهنا
مل تصلهم مناولة وإجازة بل وجادةً .نعم ،لو حصل االطمئنان بصحة النسخة وذلك
من خالل التطابق بني ما ورد فيها وما روي عن قرب اإلسناد يف الكتب األربعة أمكن
ٍ
حينئذ االعتامد عليها.
قال الشيخ آصف املحسني :فإن املالك يف االعتبار هو وصول النسخة منه
بسند معترب ،وهذا بعد غري ثابت .وسمعت من بعض تالمذة السيد الربوجردي أن
السيد املذكور يذهب إىل قبول أحاديث قرب اإلسناد مؤ ِّيد ًة ال أدل ًة(((.
وقال أيض ًا :كالم املجليس كالرصيح يف أن قرب اإلسناد مل يصل إليه ،بل وإىل ابن
إدريس احليل بالسلسلة املعنعنة عن الشيخ الطويس ،وإال ملا خيتلفا يف اسم املؤلف ،بل
الكتاب وصل من سوق أو فرد فنقال منه بالوجادة(((.
هذا ،ويمكن أن يقال :إن األعالم استثنوا من رواي��ات قرب اإلسناد ما رواه
احلمريي عن مسائل عيل بن جعفر ،فإن احلمريي رواها بواسطة عبد اهلل بن احلسن
وهو جمهول احلال ،واستثناؤهم هذا يدل عىل قبوهلم ملا سواها من الروايات.
والذي يظهر من سيدنا األُستاذ قبوله روايات قرب اإلسناد إذا كان السند
بني املصنف واإلمام معترب ًا ،إال الروايات عن مسائل عيل بن جعفر ملا عرفت ،فإنه
قد وصف بعض الروايات الواردة فيه -أي قرب اإلسناد -بأهنا صحيحة و ُأخرى
موثقة(((.
ثم إن هذا يتامشى مع ما بنى عليه سيدنا األستاذ ،فإنه ال يشرتط وجود سند معترب
إىل نسخة الكتاب وإنام يعترب ذلك إحدى طرق حصول الوثوق بصحة النسخة ،وهناك
طرق ُأخرى لتحصيل الوثوق بالنسخة كتطابق رواياهتا مع ما ورد يف مصادر معتربة
كالكتب األربعة ،وكوصول النسخة بخط أحد العلامء اخلرباء ،إىل غريها من األمارات
الدالة عىل صحة النسبة.
أقول :ال بأس بتلك األمارات لو كانت وحصل من خالهلا الوثوق بالنسبة ،وإنام
الكالم يف الصغرى.
تنبيهات
األول :يروي احلمريي يف اجلزء الثاين عن عبد اهلل بن احلسن العلوي روايات عيل
بن جعفر عن أخيه اإلمام موسى بن جعفر ،وذكرنا يف بحثنا عن كتاب مسائل عيل
بن جعفر أن عبد اهلل بن احلسن جمهول ال توثيق له.
وقد يقال :إن رواية احلمريي -األب أو االبن -عن عبد اهلل بن احلسن العلوي
واعتامده عليه يدل عىل وثاقته ،فإن احلمريي األب واالبن كالمها من الثقات األجالء
((( انظر عىل سبيل املثال :بحوث يف رشح مناسك احلج.٤٧٨/١٠ :
167 قرب الإ�سناد
ورواية مثلهام عن شخص تدل عىل وثاقته ،خاصة إذا دونت رواياته يف كتاب يراد منه
أن يكون مرجع ًا للمؤمنني.
قال بعض األع�لام :هذا ،ولكن يمكن أن يقال :إن أخبار هذا اجلزء تعد من
احلسان ،إما لداللة رواية الثقة عنه أعني رواية حممد أو والده عن عبد اهلل املجهول
عندنا ،ألن الظاهر أن رواية الثقة اجلليل عن شخص يدل عىل كونه موثق ًا معتمد ًا
عليه عند ذلك الثقة ،وإن جهلنا حاله ،بل عىل شاذ القول عىل ما ببايل كشف الوثاقة
املروي عنه إذا روى عنه ثقة جليل ،وليس هذا ببعيد سيام يف الروايات املدونة يف الكتب
املوضوعة للرجوع إليها ،ألهنا كانت يف األوائل كالرسائل العملية عندنا اليوم ،وال
خيفى اهتامم املؤلفني من الشيعة يف أمثال روايات هذه الكتب ،ألن مدارهم يف الصدر
األول ما كان إال عىل كتب الرواية واألُصول املدونة(((.
وفيه :ال داللة لرواية الثقة عن شخص عىل وثاقته كام هو واضح ،وليس من
الرضوري أن يكون عبد اهلل بن احلسن ثقة عند احلمريي ،ولعله قد روى عنه لقرب
اإلسناد يف رواياته.
ٍ
كتاب يراد منه أن يكون مرجع ًا وأما القول بأن إيراد روايات ذلك الشخص يف
يكشف عن وثاقة ذلك الراوي عند املؤلف ،ففيه :إن أصحاب الكتب األربعة كثري ًا ما
رووا عن أشخاص ضعاف ،مع أهنم ألفوا كتبهم لتكون مرجع ًا للناس.
من هنا استدرك بعض األعالم عىل كالمه ،قائالً :ال ّلهم إال أن ُيدّ عى أن عادة كثري
من أكابر السلف كانت عىل الرواية عن العدل وغريه .واإلنصاف أن هذا التسامح قد
وقع عن أكثر األجالء واألكابر ،بل يمكن أن يقال :إن العادة جارية بالرواية عمن لو
سئل عن عدالته لتوقف فيها ،فتأمل جيد ًا(((.
أقول :إن رواية الثقة عن شخص ال تدل عىل وثاقة ذلك الشخص ،ولكن إكثار
الثقة النقل عن ذلك الشخص يكشف عن سكونه إىل روايات ذلك الشخص .من هنا
نقول :إن إكثار احلمريي النقل عن عبد اهلل بن احلسن يف قرب اإلسناد يكشف عن
وثاقته عنده ،فتأمل.
الثاين :ذكر النجايش أن للحمريي قرب اإلسناد إىل الرضا واجلواد وصاحب
األمر .قال :وصنف كتب ًا كثرية ُيعرف منها ... :كتاب قرب اإلسناد إىل الرضا،
كتاب قرب اإلسناد إىل أيب جعفر بن الرضا ...كتاب قرب اإلسناد إىل صاحب
األمر .(((بينام املوجود بني أيدينا هو قرب اإلسناد إىل الصادق والكاظم والرضا،
فكيف نوجه االختالف؟
ولعل الوجه الصحيح هو مزيج بني االحتامل الثاين والثالث كام يظهر من الشيخ
آغا بزرگ الطهراين ،فإنه حيتمل أن النجايش مل يطلع عىل قرب اإلسناد إىل الصادق
والكاظم ،كام أنه حيتمل قوي ًا وجود قرب يف اإلسناد إىل اجلواد وصاحب األمر
إال أنه مل يصلنا .وعليه ،فبعض ما ذكره النجايش مل يصلنا ،وبعض الذي وصلنا مل ي ّطلع
عليه النجايش.
الثالث :إن النجايش وإن ذكر كتب ًا ثالثة حتت عنوان قرب اإلسناد إىل ثالثة من
املعصومني ،إال أنه حيتمل قوي ًا أنه كان يقصد بذلك أبواب ًا ثالثة لكتاب واحد،
ويؤيده أن الشيخ وابن شهرآشوب وغريمها ذكروا كتاب ًا واحد ًا للحمريي حتت عنوان
قرب اإلسناد.
ب -الروايات املتفرقة املتعلقة باملسائل الفقهية والتارخيية وكذلك بعض املسائل
األخالقية (بداي ًة من الرواية 27حتى الرواية .)645
(1) http://ansari.kateban.com/post/2161.
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 170
القسم األول :الروايات التي ن ُِّس َقت حسب الكتب الفقهية ،وقد ورد فيه أسئلة
عيل بن جعفر من أخيه اإلمام موسى بن جعفر (من الرواية 646حتى .)1229
وأحاديث هذا القسم هي التي ُس ّم َيت و ُع ِرفت بمسائل عيل بن جعفر.
يتضمن هذا القسم روايات اإلمام الرضا من غري تبويب ،و ُمعظمها تتعلق
باملسائل الفقهية؛ كاإلرث والنكاح واجلهاد واحلج واخلراج والغناء و ...كام يتضمن
روايات تارخيية؛ كأحاديث شأن النزول ،أخبار نبي اهلل إبراهيم وآدم ،أحوال الزمان ال
سيام املتعلق باملهدي القائم من أهل البيت والسفياين وبعض املسائل األخالقية (بداية
من الرواية 1249حتى النهاية).
اخلامس :يرى بعض الباحثني أن مجيع ن َُسخ الكتاب متأخرة ،إال أهنا تعود يف
أصلها إىل نسخة قديمة ملحمد بن عبد اهلل ابن احلمريي ،ويتبينّ ذلك من اإلجازة املروية
عنه واملوجودة يف كافة ن َُسخ الكتاب .ويرى أنه مل َ
حيظ الكتاب يف بدء تأليفه بالذيوع
واالشتهار ،ومل ِ
يرو الشيخ الصدوق يف كتابه عيون أخبار الرضا الكثري مما ورد يف قرب
وتلمذ والده
ّ اإلسناد عن اإلمام الرضا ،رغم طرق الصدوق املتعددة إىل املؤلف
(عيل بن حسني بن بابويه) عىل يد احلمريي.
171 قرب الإ�سناد
ِ
تواجده إال يف أماكن حمدودة (حوزة ابنه وأيب غالب ويبدو أن الكتاب مل تتّسع رقعة
الزراري) ،ومل يصل إىل أيدي الكثريين ،إال أنه كان معروف ًا نسب ّي ًا قبل العرص الصفوي
ومن َقبله ابن إدريس احليل(((. بالنسبة إىل الكتّاب ،ال سيام ابن طاووس ِ
ٍ
بعض أن احلمريي كان يريد أن جيمع أحاديث جل املعصومني السادس :يظهر من
-ابتداء من الباقر إىل صاحب األمر -التي تتصف بقرب اإلسناد وقلة الوسائط حتت
نفس العنوان أي قرب اإلسناد أو حتت عنوان آخر كاملكاتبات أو املسائل .ولعله قد
حقق تلك األمنية بشكل مسودات إال أهنا مل تصل إلينا(((.
***
(http://ansari.kateban.com/post/2161).
((( املصدر نفسه.
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 172
الثالث :من يرى أن حاله حال الكتب األربعة ،فيه الصحيح وفيه الضعيف.
ولعل من أشهر الروايات يف هذا التفسري هو قوله- إن صحت النسبة« :-فأما
َمن كان من الفقهاء صائن ًا لنفسه ،حافظ ًا لدينه ،خمالف ًا عىل هواه ،مطيع ًا ألمر مواله،
فللعوام أن يقلدوه ،وذلك ال يكون إال بعض فقهاء الشيعة ال مجيعهم».
ديباجة التف�سري
إنه قد ورد يف ديباجة التفسري املقطع اآليت:
أما بعد ،قال حممد بن عيل بن حممد بن جعفر بن دقاق :حدثني الشيخان الفقيهان:
أبو احلسن حممد بن أمحد بن عيل بن احلسن بن شاذان وأبو حممد جعفر بن أمحد بن عيل
القمي قاال :حدثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر حممد بن عيل بن احلسني بن موسى بن بابويه
173 التف�سري املن�سوب �إىل الإمام احل�سن الع�سكري
القمي قال :أخربنا أبو احلسن حممد بن القاسم املفرس األسرتآباذي اخلطيب قال:
حدثني أبو يعقوب يوسف بن حممد بن زياد وأبو احلسن عيل بن حممد بن سيار -وكانا
من الشيعة اإلمامية -قاال :كان أبوانا إماميني ،وكانت الزيدية هم الغالبون بأسرتآباذ،
وكنا يف إمارة احلسن بن زيد العلوي امللقب بالداعي إىل احلق إمام الزيدية ،وكان كثري
اإلصغاء إليهم ،يقتل الناس بسعاياهتم ،فخشينا عىل أنفسنا ،فخرجنا بأهلينا إىل حرضة
اإلمام أيب حممد احلسن بن عيل بن حممد أيب القائم ،فأنزلنا عياالتنا يف بعض اخلانات،
ثم استأذنا عىل اإلمام احلسن بن عيل فلام رآنا قال« :مرحب ًا باآلوين إلينا ،امللتجئني
إىل كنفنا ،قد تقبل اهلل تعاىل سعيكام ،وآمن روعكام وكفاكام أعداءكام ،فانرصفا آمنني
عىل أنفسكام وأموالكام» .فعجبنا من قوله ذلك لنا ،مع أنا مل نشك يف صدق مقاله .فقلنا:
بلد خرجنا من هناك؟ وكيففامذا تأمرنا أهيا اإلمام أن نصنع يف طريقنا إىل أن ننتهي إىل ٍ
ندخل ذلك البلد ومنه هربنا؟ وطلب سلطان البلد لنا حثيث ووعيده إيانا شديد؟!
عيل ولديكام هذين ألفيدمها العلم الذي يرشفهام اهلل تعاىل به ،ثم ال
فقال« :خلفا ّ
بالسعاة ،وال بوعيد املسعى إليه ،فإن اهلل عز وجل (يقصم السعاة) ويلجئهم إىل
حتفال ُّ
شفاعتكم فيهم عند َمن قد هربتم منه» .قال أبو يعقوب وأبو احلسن :فامترا ملا أمرا،
و[قد] خرجا وخلفانا هناك ،وكنا نختلف إليه ،فيتلقانا برب اآلباء وذوي األرحام املاسة.
فقال لنا ذات يوم« :إذا أتاكام خرب كفاية اهلل عز وجل أبويكام وإخزائه أعداءمها
وصدق وعدي إيامها ،جعلت من شكر اهلل عز وجل أن أفيدكام تفسري القرآن مشتم ً
ال
عىل بعض أخبار آل حممد ،فيعظم اهلل تعاىل بذلك شأنكام» .قاال :ففرحنا وقلنا :يا
بن رسول اهلل ،فإذا نأيت (عىل مجيع) علوم القرآن ومعانيه؟ قال« :كال ،إن الصادق
علم -ما ُأريد أن ُأعلمكام -بعض أصحابه ففرح بذلك.»...
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 174
إىل أن قال :فلام سمع اإلمام[ هبذا] قال« :هذا حني إنجازي ما وعدتكام من
تفسري القرآن» ،ثم قال[« :قد] وظفت لكام كل يوم شيئ ًا منه تكتبانه ،ف َا ِلز َماين
عيل يوفر اهلل تعاىل من السعادة حظوظكام» .فأول ما أمىل علينا أحاديث يف فضل
وواظبا ّ
القرآن وأهله ،ثم أمىل علينا التفسري بعد ذلك ،فكتبنا يف مدة مقامنا عنده ،وذلك سبع
سنني ،نكتب يف كل يوم منه مقدار ما ننشط له .فكان أول ما أمىل علينا وكتبناه[ :قال
اإلمام[« ]:فضل القرآن] حدثني أيب عيل بن حممد ،عن أبيه حممد بن عيل عن أبيه
عيل بن موسى ،عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن حممد الصادق ،عن أبيه
الباقر حممد بن عيل عن أبيه عيل بن احلسني زين العابدين عن أبيه احلسني بن عيل سيد
املستشهدين عن أبيه أمري املؤمنني ...عن رسول رب العاملني ...قالَ :ح َـم َلة القرآن
املخصوصون.(((»...
األول :أن سند التفسري يمر بالشيخ الصدوق ،فهو الراوي له.
الثالث :حممد بن القاسم يروي التفسري عن يوسف بن حممد بن زياد وعيل بن حممد
بن سيار.
الرابع :إن يوسف وعيل مها َمن يرويان عن اإلمام وليس أبوهيام.
اخلامس :أن التفسري مروي عن اإلم��ام أيب حممد احلسن بن عيل بن حممد أيب
السادس :إن سهل الديباجي وأباه ال ذكر هلام يف هذا املقطع أبد ًا.
يرى ابن الغضائري -بنا ًء عىل صحة نسبة الكتاب إليه -أن التفسري موضوع عىل
اإلمام .قال يف ترمجة حممد بن القاسم :املفرس ،األسرتآبادي .روى عنه أبو جعفر ابن
بابويه .ضعيف ،كذاب .روى عنه تفسري ًا يرويه عن رجلني جمهولني :أحدمها يعرف
بيوسف بن حممد بن زياد ،واآلخر :عيل بن حممد بن يسار عن أبيهام ،عن أيب احلسن
الثالث .والتفسري موضوع عن سهل الديباجي ،عن أبيه بأحاديث من هذه املناكري(((.
وهنا مالحظات:
األوىل :ذكر ابن الغضائري أن يوسف بن حممد بن زياد وعيل بن حممد بن يسار
رويا التفسري عن أبوهيام .مع أن املوجود يف بداية تفسري اإلمام احلسن العسكري أهنام
رويا عن اإلمام العسكري مبارشة وليس عن أبوهيام.
الثانية :ذكر ابن الغضائري أن يوسف وعيل نسبا التفسري إىل أيب احلسن الثالث،
مع أنه منسوب إىل أيب حممد العسكري.
الثالثة :ذكر ابن الغضائري أن التفسري موضوع عىل سهل الديباجي عن أبيه ،مع
أن سه ً
ال مل يقع يف سند التفسري ،وإنام رواه الصدوق عن حممد بن القاسم ،عن يوسف
بن حممد بن زياد ،وعيل بن حممد بن سيار ،عن اإلمام العسكري.
وقال املحقق الداماد يف املحكي عنه يف شارع النجاة :وأما تفسري حممد بن القاسم
املفرس األسرتآبادي -من مشايخ أيب جعفر بن بابويه وعده رجال احلديث ضعيف ًا-
فهو تفسري مروي عن رجلني جمهويل احلال ،وأسنداه إىل أيب احلسن الثالث اهلادي
العسكري ،وعد القارصون -ال املتبحرون -هذا اإلسناد معترب ًا ،ولكن حقيقة
احلال أن هذا التفسري موضوع ،ويسند إىل أيب حممد سهل بن أمحد الديباجي ،وحيتوي
عىل أحاديث منكرة ،وأخبار كاذبة .وإسناده إىل اإلمام املعصوم اختالق وافرتاء .وما
يتومهه املتوهم يف عرصنا هذا من أنه :جيوز أن يكون تفسري العسكري هو تفسري عيل
بن إبراهيم بن هاشم القمي ،هو أيض ًا وهم كاذب ،وخيال باطل سببه ضعف اخلربة،
ونقصان املهارة ،وقلة االطالع عىل كتب الرجال .وجيب أن يعلم أن لعلامء العامة
تفسري ًا يقولون :أنه تفسري العسكري ينقلون منه يف مؤلفاهتم وتصانيفهم ويعتمدون
عليه ،ومصنف هذا التفسري هو أبو هالل العسكري صاحب هذا التفسري ومصنفات
أخر ،كام هو مبني يف املعرب واملغرب وغريمها .و(عسكر) حملة وقرية يف مرص ،وحملة
يف البرصة ،وحملة يف نيشابور ،وموضع يف خوزستان ،وموضع يف نابلس ،واسم سرُ ّ َمن
رأى(((.
وقال العالمة الشيخ حممد جواد البالغي يف حمكي تفسري آالء الرمحن :وأما التفسري
املنسوب إىل اإلمام احلسن العسكري فقد أوضحنا يف رسالة منفردة يف شأنه أنه
مكذوب موضوع ،ومما يدل عىل ذلك نفس ما يف التفسري من التناقض والتهافت يف
كالم الراويني وما يزعامن أنه رواية ،وما فيه من خمالفة الكتاب املجيد ،ومعلوم التاريخ
كام أشار إليه العالمة يف اخلالصة(((.
وقال املحقق التسرتي يف حمكي األخبار الدخيلة :الفصل الثاين يف أخبار التفسري
الذي نسبوه إىل العسكري هبتان ًا ،يشهد الفرتائها عليه وبطالن نسبتها إليه ،أوالً:
شهادة ِخ ّريت الصناعة و ُن ّقاد اآلثار أمحد بن احلسني الغضائري أستاذ النجايش أحد
أئمة الرجال ،وثاني ًا :بسرب أخباره ،فنراها واضحة البطالن خمتلقة بالعيان ...ثم ذكر
نامذج من تلك األخبار.
َ
ثم قال :ما نقلت من هذه الكتاب نموذج منه ،ولو أردت االستقصاء الحتجت إىل
نقل جل الكتاب لوال كله ،فإن الصحيح فيه يف غاية الندرة.
((( ً
نقال عن تفسري اإلمام احلسن العسكري (اخلامتة).٦٨٤ -٦٨٣ :
((( ً
نقال عن تفسري اإلمام احلسن العسكري (اخلامتة).٦ :
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 178
مسعود العيايش اللذان كانا يف عرصه وحممد بن العباس بن مروان الذي كان مقارب ًا
لعرصه يف تفاسريهم ،والكل موجود ليس يف يشء منها أثر منه.
وقال الشيخ املريزا أبو احلسن الشعراين يف حمكي حاشية جممع البيان :ومل ينقل
املصنف عن التفسري املنسوب إىل العسكري ...أقول :ومن أغالطه أن احلجاج
حبس املختار بن أيب عبيدة وهم بقتله ومل يمكنه اهلل منه حتى نجاه وانتقم من قتلة
احلسني ،مع أن إمارة احلجاج كان من سنة (٧٥هـ) ،وقتل املختار قبل ذلك بسنني
مصعب بن زبري وقتل
ُ املختار
َ وكان ظهوره عىل قتلة احلسني سنة (٦٤هـ) ،وإنام قتل
مصعب ًا عبدُ امللك ،ويف ذلك قال له رجل :هذا رأس مصعب لدى ،ورأيت رأس املختار
هنا لدى مصعب ،ورأس ابن زياد لدى املختار ،ورأس احلسني لدى ابن زياد ،فقال
عبد امللك :ال أراك اهلل اخلامس ،يف قصة خرب بسببها عبد امللك قرص األمارة بالكوفة.
واضع هذا التفسري عارف ًا بالتاريخ .والعجب أن ما نقلنا عن التفسري موجود
ُ ومل يكن
يف البحار ومل يتعرض املجليس لرده ...ومن أغالطه أيض ًا أنه توهم أن سعد بن أيب
((( ً
نقال عن تفسري اإلمام احلسن العسكري (اخلامتة).٦٨٦ -٦٨٥ :
179 التف�سري املن�سوب �إىل الإمام احل�سن الع�سكري
وقاص كان يف فتح هناوند .وذكر يف تفسري ﴿ َوإِن كُنت ُْم فيِ َر ْي ٍ
ب ِّمـماَّ َن َّز ْلنَا ﴾...ما ُيستحيى
من نقله ويشمئز الطبع من قراءته ،نعوذ باهلل من الضالل ،ونسأله اهلداية والصواب(((.
وقال السيد حممد هاشم اخلوانساري يف حمكي رسالته عن فقه الرضا :والكتاب
ٍ
خال عام يوهم ذلك ،بخالف غريه مما نُسب إىل األئمة كمصباح الرشيعة املنسوب
إىل موالنا الصادق ،وتفسري اإلمام املنسوب إىل سيدنا أيب حممد العسكري ،فإن َمن
أمعن النظر يف تضاعيفهام ا ّطلع عىل أمور عظيمة خمالفة ألصول الدين أو املذهب،
مغيرّ ة لطريقة األئمة وسياق كلامهتم(((.
وقال السيد اخلوئي يف ترمجته :التفسري املنسوب إىل اإلمام العسكري ،إنام
هو برواية هذا الرجل وزميله يوسف بن حممد بن زياد ،وكالمها جمهول احلال ،وال
يعتد برواية أنفسهام عن اإلمام اهتاممه بشأهنام ،وطلبه من أبوهيام إبقاءمها عنده،
إلفادهتام العلم الذي يرشفهام اهلل به .هذا مع أن الناظر يف هذا التفسري ال يشك يف أنه
(((
موضوع ،وجل مقام عامل حمقق أن يكتب مثل هذا التفسري ،فكيف باإلمام؟!
وقال الشيخ املنتظري :والراوي هلذا التفسري هو الصدوق عليه الرمحة عن أيب
احلسن حممد بن القاسم املفرس األسرتآبادي اخلطيب ،قال :حدثني أبو يعقوب يوسف
بن حممد بن زياد وأبو احلسن عيل بن حممد بن سيار .والثالثة كلهم جماهيل وإن تكلف
يف تنقيح املقال لتوثيقهم .وجمرد رواية الصدوق عنهم ال يدل عىل توثيقهم ،فإنه يف غري
الفقيه روى عن غري املوثقني كثري ًا ،بل فيه أيض ًا .وقد قطع مجع من األعالم منهم ابن
الغضائري بكون التفسري موضوع ًا ،وقالوا :إن فيه مطالب ال يناسب صدورها عن
اإلمام.(((
منهم :الشيخ الصدوق ،حيث روى عنه يف مجلة من كتبه ،فهو كاشف عن اعتامده
عىل التفسري(((.
ومنهم :الطربيس يف االحتجاج ،حيث اعتمد عليه يف كتابه ،وقال يف املقدمة :وال
نأيت يف أكثر ما نورده من األخبار بإسناده ،إما لوجود اإلمجاع عليه ،أو موافقته ملا دلت
العقول عليه ،أو الشتهاره يف السري والكتب بني املخالف واملؤالف ،إال ما أوردته عن
أيب حممد احلسن العسكري فإنه ليس يف االشتهار عىل حد ما سواه ،وإن كان مشتم ً
ال
عىل مثل الذي قدمناه ،فألجل ذلك ذكرت إسناده يف أول جزء من ذلك دون غريه؛
ألن مجيع ما رويت عنه إنام رويته بإسناد واحد من مجلة األخبار التي ذكرها يف
تفسريه(((.
ومنهم :ابن شهرآشوب يف معامل العلامء ،حيث ذكر أن احلسن بن خالد الربقي روى
التفسري عن اإلمام العسكري ونقل عنه روايات يف املناقب ونسبها إىل اإلمام(((.
ومنهم :الشيخ حممد تقي املجليس ،قال يف حمكي روضة املتقني :املفرس األسرتآبادي
واعتمد عليه الصدوق وكان شيخه .فام ذكره ابن الغضائري باطل ،وتوهم أن مثل هذا
التفسري ال يليق أن ُينسب إىل املعصوم مردود ،ومن كان مرتبط ًا بكالم األئمة
يعلم أنه كالمهم .واعتمد عليه شيخنا الشهيد الثاين ،ونقل أخبار ًا كثري ًة عنه يف كتبه،
واعتمد التلميذ الذي كان مثل الصدوق يكفي ،عفى اهلل عنا وعنهم(((.
وقال يف حمكي الرشح الفاريس للفقيه :وهذا احلديث -أي حديث التلبية -مأخوذ
من تفسري حرضة اإلمام احلسن العسكري الذي يرويه الصدوق عنه بثالثة وسائط،
والصدوق يروي عن أستاذه حممد بن القاسم ،وهذا عن أساتذته ،وملا كان للصدوق
معارشة مع حممد بن القاسم ،فمن املمكن أن يكون له معارشة مع أساتذته ،وحكم
بصحة هذا اخلرب وقال :هو حجة بيني وبني اهلل .وباليقني كان الصدوق أعرف بحاهلم
من ابن الغضائري الذي مل يوثقه العلامء رصاحة ،ومل نعرف حاله ،بل الظاهر أنه ال
ورع له .فإنه قال :إن املفرس األسرتآبادي كذاب ،لنقله هذا اخلرب .وال شك يف أن
األسرتآبادي يعرف أهل األسرتآباد أكثر من البغداديني ،وكيف جيزم غري املعصوم أن
هذا التفسري موضوع ،بل كل َمن كان له أقل ارتباط بكالم األئمة جيزم بأن التفسري
من املعصوم .والصدوق روى هذا التفسري عن حممد ،وأوصله إلينا فحول علامئنا
من الثقاة املعتمدين ،حتى إن املحدثني اعتربوا هذا السند من أعىل األسانيد ...وقال:
واحلقيقة أن هذا التفسري كنز من كنوز اهلل سبحانه وتعاىل ،وإن شاء اهلل ال يفوتنا يشء
منه ،وسنذكره كله يف جممع البحرين(((.
ومنهم :العالمة الشيخ حممد باقر املجليس ،حيث قال يف البحار :كتاب تفسري
اإلمام من الكتب املعروفة ،واعتمد الصدوق عليه وأخذ منه ،وإن طعن فيه بعض
املحدثني ،ولكن الصدوق أعرف وأقرب عهد ًا ممن طعن فيه ،وقد روى عنه أكثر العلامء
من غري غمز فيه(((.
ومنهم :احلر العاميل ،حيث قال يف الوسائل :ونروي تفسري اإلمام احلسن بن عيل
العسكري باإلسناد عن الشيخ أيب جعفر الطويس ،عن املفيد ،عن الصدوق ،عن
حممد بن القاسم املفرس األسرتآبادي ،عن يوسف بن حممد بن زياد ،وعيل بن حممد بن
سيار -قال الصدوق والطربيس :وكانا من الشيعة اإلمامية -عن أبوهيام ،عن اإلمام،
وهذا التفسري ليس هو الذي طعن فيه بعض علامء الرجال؛ ألن ذلك يروي عن أيب
احلسن الثالث ،وهذا عن أيب حممد ،وذلك يرويه سهل الديباجي ،عن أبيه ،ومها
غري مذكورين يف سند هذا التفسري أصالً ،وذاك فيه أحاديث من املناكري ،وهذا ٍ
خال من
ذلك .وقد اعتمد عليه رئيس املحدثني ابن بابويه ،فنقل منه أحاديث كثرية يف كتاب َمن
ال حيضرَ ُ ُه الفقيه ويف سائر كتبه ،وكذلك الطربيس وغريمها من علامئنا(((.
رواة التف�سري
روى الصدوق هذا التفسري عن حممد بن القاسم ،عن يوسف بن حممد بن
زياد ،وعيل بن حممد بن سيار ،عن اإلمام العسكري.
وق��ال :إن حممد بن القاسم هذا مل ينص عىل توثيقه أحد من املتقدمني ،حتى
الصدوق الذي أكثر الرواية عنه بال واسطة .وكذلك مل ينص عىل تضعيفه ،إال
ما ُينسب إىل ابن الغضائري ،وقد عرفت غري مرة أن نسبة الكتاب إليه مل تثبت ،وأما
املتأخرون فقد ضعفه العالمة ،واملحقق الداماد ،وغريمها ،ووثقه مجاعة آخرون عىل
ما نُسب إليهم .والصحيح أن الرجل جمهول احلال ،مل تثبت وثاقته وال ضعفه ،ورواية
الصدوق عنه كثري ًا ال تدل عىل وثاقته ،وال سيام إذا كانت الكثرة يف غري كتاب الفقيه،
فإنه مل يلتزم بأن ال يروي إال عن ثقة .نعم ،ال يبعد دعوى أن الصدوق كان معتمد ًا
برتضيه وترحمّ ه عليه كثري ًا ،ولكن اعتامد الصدوق
عليه لروايته عنه يف الفقيه ،املؤيد ّ
ال يكشف عن الوثاقة ،ولعله كان من جهة أصالة العدالة .وعىل كل حال ،فالتفسري
ٌ
جمهول حاهلام(((. املنسوب إىل اإلمام العسكري بروايته مل يثبت ،فإنه رواه عن رجلني
أقول :إن اعتامد الصدوق عليه -باعرتاف السيد اخلوئي -وروايته عنه مبارشة
وترمحه عليه كثري ًا ال حمالة كاشف عن وثاقته عنده .وأما احتامل أن ذلك جلهة االعتامد
مر -غري مرة -أنه ال وجه لذلك ،بل مل يثبت أن أحد القدماء
عىل أصالة العدالة فقد ّ
كان يعتمد عليها.
أوالً :أنه مأخوذ من تضعيف ابن الغضائري ،وحيث ثبت لنا عد ُم إمكان االعتامد
عىل النسخة الواصلة من كتابه ،فال يمكن االعتامد عىل تضعيف العالمة.
ثاني ًا :أن تضعيف العالمة يتعارض مع التوثيق العميل من قبل الصدوق ،وال
ينبغي الشك يف تقديم توثيق الصدوق عىل تضعيف العالمة.
وقد يقال :إن يوسف بن حممد بن زياد وعيل بن حممد بن سيار وإن مل يو َّثقا ،ولكن
قيل يف حقهام -كام يف ديباجة التفسري ،وكام عن الطربيس يف االحتجاج -أهنام من الشيعة
ٍ
حينئذ تعد من قدح ،وروايتهام
اإلمامية ،فيمكن االعتامد عليهام حيث مل يرد يف حقهام ٌ
ِ
احلسان.
وفيه :كوهنام من الشيعة اإلمامية -لو ُس ّلم -وعدم القدح فيهام ،ال يدل عىل وثاقتهام،
بل نحتاج إىل دليل عىل وثاقتهام ،وجمرد التشيع ال يكفي إلثبات ذلك ،وال يف إثبات
حلسن؛ إذ قد يكون الرجل شيعي ًا إمامي ًا ،ولكن يف نفس الوقت هو ضعيف غري ثقة.
ا ُ
واحلسن بن خالد هذا ثقة ،و ّثقه النجايش قائالً :احلسن بن خالد بن حممد بن عيل
الربقي ،أبو عيل أخو حممد بن خالد ،كان ثقة ،له كتاب نوادر(((.
وقال الشيخ يف الفهرست :احلسن بن خالد الربقي ،أخو حممد بن خالد ،يكنى أبا
عيل ،له كتب ،أخربنا هبا عدة من أصحابنا ،عن أيب املفضل عن ابن بطة ،عن أمحد بن
أيب عبد اهلل ،عن عمه احلسن بن خالد(((.
هذا ،ولكن عدّ ه الشيخ يف رجاله يف َمن مل ِ
يرو عنهم .من هنا ،يمكن أن يقال:
إنه لو كان قد روى التفسري عن العسكري ،فلامذا عدّ ه الشيخ يف َمن مل ِ
يرو عنهم؟
(((
وقد يجُ اب عنه :بأن كتاب الرجال للشيخ فيه أخطاء كثرية ،وقد عدّ كثري ًا ممن روى
عنهم يف َمن مل ِ
يرو عنهم ،فهذا ال خيدش فيام ذكره ابن شهرآشوب.
ثم إن احلر العاميل والعالمة املجليس يرويان التفسري بطريق الصدوق وليس
بطريق احلسن بن خالد الربقي ،وهذا يعني أن النسخة الواصلة إىل املتأخرين -وهي
عن طريق الوجادة -هي ما كانت برواية الصدوق ،وهذا الطريق ضعيف كام عرفت.
ولكن الصحيح ما تنبه إليه الشيخ آغا بزرگ الطهراين ،وحاصله :إن التفسري الذي
رواه احلسن بن خالد الربقي هو عن اإلمام اهلادي ال احلسن العسكري ،واهلادي
أيض ًا ُيل ّقب بـ(العسكري)؛ ألنه سكن العسكر ،أي سامراء .واحلسن بن خالد الربقي مل
يدرك اإلمام احلسن العسكري ،فال يمكن أن يروي عنه .وهذا التفسري عن اإلمام
اهلادي مل يصل إلينا(((.
األول :إن الصدوق يروي كثري ًا عن حممد بن القاسم األسرتآبادي ويرتحم عليه،
فهو ثقة عنده .وأما تضعيف ابن الغضائري فال اعتبار به.
الثاين :أن الراويني للتفسري ليسا جمهولني ،بل مها من اإلمامية الشيعة ،كام ذكر ذلك
يف أول التفسري .وقد روى عنهام الصدوق يف َمن ال حيضرَ ُ ُه الفقيه ،وهو يدل عىل اعتامده
عىل رواياهتام.
الثالث :إن مجلة من األعالم قد شهدوا بأن التفسري هو لإلمام احلسن العسكري؛
كابن شهرآشوب والشهيد الثاين والعالمة املجليس رمحهم اهلل.
قال السيد تقي القمي يف الغاية القصوى :وال خيفى أنا رجعنا عن القول بعدم
اعتبار سند تفسري اإلمام العسكري ،والتزمنا باعتباره ،والوجه يف بنائنا عىل اعتبار
الكتاب :شهادة مجلة من األعالم عىل كون الكتاب ملوالنا العسكري ،وهم :ابن
شهرآشوب يف املناقب والشهيد الثاين يف املنية واملجليس الثاين يف البحار وصاحب
املخترص ،نقلنا هذه الشهادات عن خامتة تفسري اإلمام.
وأما االعرتاضات التي ذكرها ابن الغضائري عىل الكتاب فيمكن اإلجابة عنها
بالتايل:
189 التف�سري املن�سوب �إىل الإمام احل�سن الع�سكري
أوالً :إن سهل الديباجي غري واقع يف السند ،فام ذكره ابن الغضائري من وضع
الكتاب عنه غري واضح.
ثاني ًا :إن ابن الغضائري ذكر أن التفسري موضوع عىل اإلمام أيب احلسن الثالث،
أي اهلادي ،مع أن التفسري منسوب إىل احلسن العسكري.
وثالث ًا :ال توجد يف التفسري مناكري وأكاذيب كام ادعى ابن الغضائري.
التحقيق
الصحيح هو عدم إمكان االعتامد عىل الكتاب يف مقام االستنباط واالستدالل
مستقالً؛ وذلك ألمور:
األول :إن الواسطة بني الصدوق واإلم��ام العسكري هم ثالثة أشخاص:
فاألول منهم يمكن القول باعتباره؛ وذلك لرتحم وتريض الصدوق عليه .وأما اآلخران
فال يمكن االعتامد عليهام جلهالتهام ،ومها :يوسف بن حممد بن زياد ،وعيل بن حممد بن
سيار .وجمرد ورودمها يف كتب الصدوق -حتى لو كان الفقيه -ال يدل عىل وثاقتهام.
الثاين :وأما السند اآلخر الذي ذكره ابن شهرآشوب ،وهو احلسن بن خالد الربقي
عن العسكري ،فهو تفسري آخر منسوب إىل اإلمام اهلادي ،وال ربط له بتفسري
اإلمام احلسن العسكري.
الرابع :حتى لو كان سند الصدوق إىل اإلمام العسكري ثابت ًا ،فإنام الكالم فيام
رواه يف البحار والوسائل عن التفسري ،فإن املطمأن به أن التفسري مل يصل إىل املجليس
واحلر العاميل مناول ًة ،وإنام حصال عليه وجادةً.
واخلامس :إن شهادة بعض األعالم بثبوت التفسري إىل اإلمام احلسن العسكري
ال ختلو من كوهنا شهاد ًة حدسي ًة اجتهادي ًة ،فام مل تورث االطمئنان ال يمكن االعتامد
عليها.
من هنا قال سيدنا األُستاذ :وأما الرابع ،فهو خرب غري معترب سند ًا؛ ملا ن ّبه عليه
املحقق التسرتي والسيد األُستاذ وغريمها من املحققني من عدم إمكان االعتامد عىل
التفسري املنسوب لإلمام العسكري.(((
***
قال عنه النجايش :الفضل بن شاذان بن اخلليل أبو حممد األزدي النيشابوري
(النيسابوري) كان أبوه من أصحاب يونس ،وروى عن أيب جعفر الثاين ،وقيل [عن]
الرضا أيض ًا ،وكان ثقة ،أحد أصحابنا الفقهاء واملتكلمني ،وله جاللة يف هذه الطائفة،
وهو يف قدره أشهر من أن نصفه(((.
وأما رسالته (العلل) فقد ذكرها الصدوق بتاممها يف كتابه عيون أخبار الرضا
ثم إنه توجد بعض التساؤالت حول رسالة العلل ينبغي اإلجابة عنها:
األول :هل الكتاب رواية الفضل عن الرضا ،أم أنه كتاب فتوائي للفضل
نفسه؟
-مال السيد اخلوئي إىل األول ،ومال السيد السيستاين إىل الثاين كام سيأيت.
الثاين :وعىل فرض ثبوت أنه كتاب روائي ،فهل الطريق إليه معترب؟
-يوجد خالف يف ذلك ،وذلك لوقوع ابن عبدوس وعيل بن حممد بن قتيبة يف
السند ،ومها ممن ال يوجد هلام توثيق رصيح.
الثالث :وعىل فرض أنه كتاب روائي ،فهل روى الفضل عن الرضا مبارشة،
فتكون الرواية مسندة ،أم أنه مل تثبت معارصته لإلمام ،وحيث مل يذكر الواسطة بينه
وبني اإلمام تكون رواياته مرسلة أو مرفوعة؟
وقال يف هناية الباب املذكور :حدثنا عبد الواحد بن حممد بن عبدوس النيسابوري
العطار ريض اهلل عنه قال :حدثنا عيل بن حممد بن قتيبة النيسابوري قال :قلت للفضل
بن شاذان ملا سمعت منه هذه العلل :أخربين عن هذه العلل التي ذكرهتا عن االستنباط
واالستخراج ،وهي من نتائج العقل أو هي مما سمعته ورويته؟ فقال يل :ما كنت ألعلم
رشع وس ّن ،وال ُأع ّلل ذلك من
مراد اهلل تعاىل بام فرض وال مراد رسول اهلل بام ّ
ذات نفيس ،بل سمعتها من موالي أيب احلسن عيل بن موسى الرضا ،املرة بعد املرة
واليشء بعد اليشء ،فجمعتها ،فقلت له :فأحدث هبا عنك عن الرضا؟ قال :نعم(((.
وقال أيض ًا :حدثنا احلاكم أبو حممد جعفر بن نعيم بن شاذان النيسابوري ريض اهلل
عنه عن عمه أيب عبد اهلل حممد بن شاذان ،عن الفضل بن شاذان أنه قال :سمعت هذه
العلل من موالي أيب احلسن بن موسى الرضا ،فجمعتها متفرقة وأ ّلفتها(((.
ذهب السيد اخلوئي إىل صحة رواية الفضل عن الرضا ،وعليه يمكن قبول
صح السند إىل الفضل؛ وذلك لسببني:
رسالة العلل إذا ّ
األول :إن الصدوق أقرب عهد ًا إىل زمن الفضل من النجايش والشيخ ،فهو أدرى
منهام بروايته عن الرضا.
والثاين :إن والد الفضل قد روى عن اإلمام الكاظم ،فال ُبعد يف رواية ابنه عن
الرضا.(((
أقر السيد اخلوئي بأنه مل جيد يف الكتب األربعة رواية للفضل بن
هذا ،ولكن ّ
شاذان عن الرضا ،غري ما ذكره الصدوق عن علل الفضل يف كتبه :العيون والعلل
والفقيه(((.
األول :إن رسالة العلل تشتمل عىل تعابري يستحيل صدورها عن املعصوم؛
ألهنا إما خمالفة للواقع أو ال تناسب اإلمام أو تستلزم اجلهل عليه؛ كقوله( :روي
عن بعض األئمة).
الثاين :إن أغلب روايات العلل تبدأ هكذا( :فإن قيل ...قيل) ،وهذا يتناسب مع
كون الكتاب كتاب فتوى ،حيث إنه نسج عىل طريقة كتب القدماء ،وال يناسب كونه
رواية عن املعصوم؛ حيث ال يعهد وجود روايات هبذا الشكل.
ومن العجيب أن احلر العاميل يف الوسائل قد حذف تلك املقاطع (فإن قيل ...قيل)
لتكون العبارة أليق بالرواية.
الثالث :إن الصدوق نفسه قد غ ّلط الفضل يف بعض املواضع ،وقال :إن ما ذكره
الفضل غلط والصحيح هو كذا .وهذا شاهد عىل أن الصدوق أيض ًا كان يرى أن هذه
فتاوى الفضل وليست روايات.
الرابع :إن ما نقله الصدوق عن الفضل يف كتاب العيون يف الباب ٣٤ال ينتهي إىل
اإلمام الرضا ،بل ظاهره أنه فتوى للفضل ألن الروايات تنتهي إليه.
((( انظر :مباحث رجالية ،تقرير ًا ألبحاث السيد السيستاين ،بقلم السيد مرتىض املطهري .٣٩ -٥
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 196
فمثالً :ورد يف اخلرب األول هكذا :قال :قال :الفضل بن شاذان :إن سئل سائل
فقال :أخربين هل جيوز أن يكلف احلكيم عبده فع ً
ال من األفاعيل لغري علة وال معنى؟
ـمِ
قيل له :ال جيوز ذلك؛ ألنه حكيم غري عابث وال جاهل .فإن قال قائل :فأخربين ل َ
كلف اخللق؟ قيل :لعلل كثرية ...إلخ((( .واملالحظ أنه ال يسند كالمه إىل اإلمام،
وكأنام هو فتواه.
نعم ذكر الصدوق يف هناية الباب عن عيل بن حممد بن قتيبة أنه سأل الفضل عن
مصدر هذه العلل فأجابه بأنه قد سمعها من الرضا مرة بعد ُأخرى.
اخلامس :إن الفضل تفاخر بأنه وريث مدرسة هشام بن احلكم ويونس بن عبد
الرمحن ،ولو كان قد صحب الرضا وروى عنه وتتلمذ عىل يده لكان ذلك أوىل
بالتفاخر.
ٌ
إشكال نقيض ،وهو أن الفضل قد صحب اهلادي جزم ًا إال أن هذا قد يرد عليه
إال أنه مل يتفاخر بذلك.
السادس :يظهر من الفضل -عىل ما رواه الكيش -أنه مل يدرك يونس بن عبد
الرمحن ،ويونس من أصحاب الرضا ،فكيف له أن يدرك الرضا؟
فضال يف ٍ
وقت كان السابع :روى الكيش عن الفضل أنه أدرك احلسن بن عيل بن ّ
فضال شيخ ًا كبري ًا ،مع أن ابن ّ
فضال من أصحاب الفضل يف عنفوان شبابه وكان ابن ّ
الكاظم والرضا ،وهذا مؤرش عىل عدم دركه الرضا.
الثامن :إنه ال توجد حتى رواية واحدة للفضل عن الرضا يف الكتب األربعة،
سوى ما نقله حممد بن عيل بن قتيبة عنه يف العلل ،مع أن روايات الفضل بن شاذان يف
الكتب األربعة كثرية.
ثم جتدر اإلشارة إىل نقطة مهمة ،وهي أنه لو ثبت أن كتاب العلل كتاب فتوائي ال
ٍ
حينئذ؟ كال ،بل له قيمة علمية كبرية ،وذلك واضح ملن يدرك روائي فهل يفقد قيمته
أمهية كتب القدماء وأصحاب األئمة يف الفتوى ،حيث يمكن استكشاف موقف
الرقي يف املدرسة الشيعية
املعصوم من خالل كتبهم .هذا ،ويمكن من خالله اكتشاف ُّ
باملقارنة مع غريها من املدارس التي اعتمدت عىل القياس والعلل املستنبطة.
قال النجايش :وذكر الكنجي أنه صنف ِم ْائة وثامنني كتاب ًا ،وقع إلينا منها :كتاب
النقض عىل اإلسكايف يف تقوية اجلسم ،كتاب العروس وهو كتاب العني ،كتاب الوعيد،
كتاب الرد عىل أهل التعطيل ،كتاب االستطاعة ،كتاب مسائل يف العلم ،كتاب األعراض
واجلواهر ،كتاب العلل ...ثم ذكر مجلة من كتبه إىل أن قال :أخربنا أبو العباس بن نوح
قال :حدثنا أمحد بن جعفر قال :حدثنا أمحد بن إدريس بن أمحد قال :حدثنا عيل بن أمحد
بن قتيبة النيشابوري (النيسابوري) عنه(((.
وقال الشيخ يف الفهرست :له كتب ومصنفات ،منها :كتاب الفرائض الكبري،
وكتاب الفرائض الصغري ،وكتاب الطالق ،وكتاب املسائل األربع يف اإلمامة ،وكتاب
الرد عىل ابن كرام ،وكتاب املسائل واجلوابات ،وكتاب النقض عىل اإلسكايف يف اجلسم،
وكتاب املتعتني متعة النساء ومتعة احلج ،وكتاب الوعيد واملسائل يف العامل وحدوثه،
وكتاب األعراض واجلواهر ،وكتاب العلل ...ثم ذكر مجلة من مصنفات ،إىل أن قال:
وله غري ذلك مصنفات كثرية مل تُعرف أسامؤها ...أخربنا برواياته وكتبه هذه أبو عبد
اهلل املفيد ،عن حممد بن عيل بن احلسني بن بابويه ،عن حممد بن احلسن ،عن أمحد
بن إدريس ،عن عيل بن حممد بن قتيبة ،عنه .ورواها أيض ًا حممد بن عيل بن احلسني بن
بابويه ،عن محزة بن حممد العلوي ،عن أيب نرص قنرب بن عيل بن شاذان ،عن أبيه ،عنه(((.
وقال الصدوق يف مشيخة الفقيه :وما كان فيه عن الفضل بن شاذان من العلل التي
ذكرها عن الرضا فقد رويته عن عبد الواحد بن عبدوس النيسابوري العطار ريض
اهلل عنه ،عن عيل بن حممد بن قتيبة ،عن الفضل بن شاذان النيسابوري ،عن الرضا.(((
واملالحظ :أن الراوي عن الفضل بن شاذان يف رجال النجايش هو عيل بن أمحد بن
قتيبة .ولكن املذكور يف فهرست الشيخ ومشيخته ومشيخة الفقيه وكتاب عيون أخبار
الرضا هو عيل بن حممد بن قتيبة .والظاهر أن الصحيح هو حممد وليس أمحد وأن السهو
قد حصل يف قلم النجايش.
األول :بواسطة عبد الواحد بن حممد بن عبدوس النيشابوري العطار عن عيل بن
حممد بن قتيبة عن الفضل.
الطريق الأول
فيقع الكالم أوالً يف الطريق األول يف جهتني ،األوىل :يف وثاقة عبد الواحد بن
عبدوس ،والثانية :يف وثاقة عيل بن حممد بن قتيبة ،ثم نتحدث عن الطريق الثاين.
أما عبد الواحد بن حممد بن عبدوس النيشابوري فهو من مشايخ الصدوق ،وقد
ترىض عليه .قال عنه يف العيون بعد أن روى رواية عنه :وحديث عبد الواحد بن حممد
بن عبدوس ريض اهلل عنه عندي أصح ،وال قوة إال باهلل(((.
هذا ،وقال السيد اخلوئي :كالم الصدوق ال يدل عىل توثيق عبد الواحد ،بل
وال عىل حسنه ،فإن تصحيح الصدوق خربه غايته أنه يدل عىل حجيته عنده ،ألصالة
العدالة التي بنى عليها غري واحد ،وأما التوثيق أو املدح فال يستفاد من كالمه .ومن
ذلك يظهر أن تصحيح العالمة يف التحرير رواية عبد الواحد بن حممد بن عبدوس
الواردة يف لزوم كفارة اجلمع عىل َمن أفطر يف شهر رمضان عىل حرام ،ال يرتتب عليه
((( ً
نقال عن معجم رجال احلديث.٤٢/١٢ :
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 200
أقول :توجد قرائن عديدة عىل وثاقته ،وإذا ضممنا بعضها إىل بعض أمكن احلصول
وترضيه يدل عىل عدالته
ّ عىل الوثوق بوثاقة الرجل ،منها :قد ترضىّ عليه الصدوق،
ووثاقته عنده .ومنها :حكم الصدوق عىل خربه بأنه أصح ،فإنه مشعر بكونه ثقة عنده.
ومنها :حكم العالمة عىل خربه بالصحة ،فإن العالمة ال يمكن أن حيكم بالصحة عىل
خرب راويه ليس بثقة عنه ،والصحيح إمكان االعتامد عىل توثيقات املتأخرين .ومنها:
كونه شيخ إجازة ،وشيخوخة اإلجازة تدل عىل الوثاقة بل فوقها.
وأما عيل بن حممد بن قتيبة ،فقال عنه النجايش( :عيل بن حممد بن قتيبة النيشابوري:
عليه اعتمد أبو عمرو الكيش يف كتاب الرجال ،أبو احلسن ،صاحب الفضل بن شاذان،
فيمن مل ِ
يرو عنهم ،قائالً( :عيل بن حممد القتيبي: وراوية كتبه) .وعده الشيخ يف رجاله َ
تلميذ الفضل بن شاذان ،نيسابوري ،فاضل)(((.
وعده العالمة يف الباب ( ،)١من حرف العني ،وابن داوود يف القسم األول .وقال
العالمة يف ترمجة يونس بن عبد الرمحن :وروى الكيش حديث ًا صحيح ًا عن عيل بن حممد
القتيبي(((.
هذا ،وقال السيد اخلوئي :وقع اخلالف يف اعتبار عيل بن حممد القتيبي وعدمه،
فقيل باعتباره ،واستدل عىل ذلك بوجوه ،األول :اعتامد الكيش عليه؛ حيث إنه يروي
عنه كثري ًا ،ويرد عليه ما يأيت عن النجايش يف ترمجته من أنه يروي عن الضعفاء كثري ًا.
الثاين :حكم العالمة بصحة روايته ،وجوابه :أن ذلك منه مبني عىل أصالة العدالة التي
ال نقول هبا ،ومر ذلك مرار ًا .الثالث :حكم الشيخ عليه بأنه فاضل ،فهو مدح يدخل
الرجل به يف احلسان .اجلواب :أن الفضل ال يعد مدح ًا يف الراوي بام هو ٍ
راو ،وإنام هو
مدح للرجل يف نفسه باعتبار اتصافه بالكامالت والعلوم ،فام عن املدارك من أن عيل بن
حممد بن قتيبة غري موثق ،وال ممدوح مدح ًا يعتد به ،هو الصحيح ،واهلل العامل(((.
أقول :ال يبعد حصول الوثوق بوثاقته من خالل القرائن التي ُذكرت ،منها :اعتامد
الكيش عليه يف الرجال ،وال يرد عليه ما ذكره السيد اخلوئي من كثرة رواية الكيش
عن الضعفاء ،وذلك ألنه يوجد فرق بني االعتامد عىل شخص والرواية عنه ،فإن
االعتامد ليس جمرد رواية خرب أو خربين ،بل هو كثرة النقل بحيث يكشف عن وثاقة
ِ
املعتمد .ومنها :حكم العالمة بالصحة عىل خربه ،وال يرد عليه ما املعتمد عليه لدى
َ
ذكره السيد اخلوئي من اعتامد العالمة عىل أصالة العدالة يف كل ٍ
راو شيعي فإن ذلك مل
يثبت .ومنها :قول الشيخ يف حقه بأنه فاضل ،فإنه يفيد املدح ويصيرّ حديثه حسن ًا إن مل
تثبت وثاقته .ومنها :إدراج ابن داوود إياه يف القسم األول من كتابه املعد للثقات.
هذا ،ولكن رفض سيدنا األُستاذ داللة هذه القرائن عىل الوثاقة((( .أما اعتامد
الكيش عىل ابن قتيبة فألن االعتامد عىل الضعاف كان متعارف ًا ،كام قيل ذلك يف حق أمحد
بن حممد بن خالد الربقي وسهل بن زياد وغريمها ،من أهنم قد اعتمدوا عىل الضعاف.
بل قال النجايش يف حق الكيش أنه روى عن الضعاف ويف كتابه أغالط.
إذن ،ال فرق بني الرواية واالعتامد ،فإنه كام حتصل الرواية عن ضعيف حيصل
االعتامد عليه أيض ًا فال داللة لالعتامد عىل الوثاقة .وأما تصحيح العالمة ٍ
خلرب يف سنده
ابن قتيبة فهو اجتهاد منه وليس مبني ًا عىل توثيق املتقدمني .وأما قول الشيخ يف حقه بأنه
فاضل ،فأيض ًا ال داللة له عىل التوثيق ،بل قد يقال أنه مدح يف مقابل التوثيق ،حيث قال
الشيخ يف رجال آخرين :ثقة فاضل أو زاهد فاضل ،لكن اقترص يف حق ابن قتيبة عىل
قوله :فاضل ،فال يستفاد التوثيق.
أقول :أوالً :إن داللة اعتامد الكيش عىل ابن قتيبة يف كتاب الرجال عىل وثاقته عنده
غري قابلة لإلنكار ،بل هي أقوى داللة من قوله( :ثقة)؛ وذلك ألن االعتامد يعني كثرة
النقل عن شخص للوثوق به وبخربه ،وال حيتمل يف حق عاقل -فض ً
ال عن عامل -أن
يعتمد عىل شخص غري مو ّثق عنده.
وثاني ًا :وأما تصحيح العالمة للخرب مع وجود ابن قتيبة يف السند فالظاهر أنه ألجل
وثاقة رجال السند عنده ،وهذا أوضح من أن خيفى! وأما قوله بأن ذلك حدس واجتهاد
منه حيث ال يكشف عن توثيق املتقدين فمحل تأمل ،وذلك ألن سيدنا األُستاذ يقبل
توثيقات املتأخرين وال يشرتط حصول التوثيق من قبل القدماء ،وال مانع عنده من
قبول التوثيق املبني عىل احلدس ما دام حيصل منه الوثوق ،فراجع كلامته .وعليه،
ملاذا ال نقبل تصحيح العالمة للخرب الدال عىل توثيقه لرجال السند؟
203 العلل للف�ضل بن �شاذان
وثالث ًا :إن كلمة (فاضل) وإن مل تدل عىل الوثاقة إال أنه مدح ،واملعروف أن
روايات اإلمامي املمدوح تعد من احلسان .ولو تنزلنا عن ذلك فال أقل هو مدح يضاف
إىل القرائن األُخرى لينتج وثوق ًا بوثاقة الرجل.
من هنا يظهر التأمل فيام قاله السيد اخلوئي عن طريق الصدوق إىل علل الفضل
بترصف منا :وكيف كان ،فطريق الصدوق ...ضعيف بعبد الواحد ،وعيل بن حممد(((.
هذا ،وقد يقال :صحيح أنه ال يمكن توثيق رواة سند العلل ،إال أنه يمكن حصول
الوثوق بصحته؛ وذلك ألن الصدوق أورده يف الفقيه ،وهو قد تعهد يف ديباجة الفقيه
أن ال يورد إال ما يفتي به ويراه حجة بينه وبني ربه.
مر الكالم يف كتاب (دروس يف علم الرجال) عند حديثنا عن كتاب َمن
إال أنه قد ّ
ال حيضرَ ُ ُه الفقيه ومقدمته ،أنه ال يمكن التعبد بشهادة الصدوق يف الديباجة؛ ألهنا مبنية
عىل حدسه واجتهاده.
الطريق الثاين
وأما الطريق الثاين فهو بواسطة جعفر بن نديم بن شاذان عن حممد بن شاذان عن
الفضل بن شاذان .قال الصدوق :وحدثنا احلاكم أبو حممد جعفر بن نعيم بن شاذان
عن عمه أيب عبد اهلل حممد بن شاذان قال :قال :الفضل بن شاذان :إن سأل سائل...
إلخ(((.
فيقع الكالم أيض ًا يف جهتني ،اجلهة األوىل :يف وثاقة جعفر بن نعيم بن شاذان.
واجلهة الثانية :يف وثاقة حممد بن شاذان.
أما جعفر بن نعيم بن شاذان ،فهو من مشايخ الصدوق ولمَ يثبت له توثيق رصيح،
ولكن قد ترضىّ عليه الصدوق ،فيمكن القول باعتباره من هذه اجلهة .قال الصدوق يف
العلل :حدثنا احلاكم أبو حممد جعفر بن نعيم بن شاذان النيسابوري ريض اهلل عنه ،عن
عمه أيب عبد اهلل حممد بن شاذان قال :حدثنا الفضل بن شاذان ،عن حممد بن أيب عمري
قال :قلت ملوسى بن جعفر ...إلخ(((.
وقال يف العيون :حدثنا احلاكم أبو حممد جعفر بن نعيم بن شاذان ريض اهلل عنه
قال :حدثني عمي حممد بن شاذان عن الفضل بن شاذان قال :سمعت الرضا حيدث
عن أبيه عن آبائه عن عيل أن رسول اهلل احتجم وهو صائم حمرم ...إلخ(((.
وأما حممد بن شاذان ،فقد روى الشيخ يف الغيبة عن مجاعة ،عن جعفر بن حممد
بن قولويه ،وأيب غالب الزراري وغريمها ،عن حممد بن يعقوب الكليني ،عن إسحاق
بن يعقوب ،قال :سألت حممد بن عثامن العمري أن يوصل يل كتاب ًا قد سألت فيه
عيل ،فورد التوقيع بخط موالنا صاحب الدار« :أما ما سألت
عن مسائل أشكلت ّ
عنه( ،»...إىل أن قال)« :وأما حممد بن شاذان بن نعيم ،فإنه رجل من شيعتنا أهل
البيت.(((»
ولكن هذه الرواية ضعيفة سند ًا من جهة إسحاق بن يعقوب نفسه .إال أن املدح
ٍ
رجل الوارد فيها يدل عىل قبول رواياته ال حمالة ،وال يقرص عن قول النجايش يف حق
ما أنه ثقة.
وأما القول بأن كالم اإلمام يدل عىل كونه إمامي ًا شيعي ًا ال أكثر فغري منصف،
فإن اإلمام يف مقام مدحه وتزكيته كام هو ظاهر .وكون الرجل من شيعتهم يعني أنه
تابع هلم يف أقواله وأفعاله وأخالقه ،وإال ملا اعتربه اإلمام من شيعتهم.
فقد روى الكليني عن أيب عيل األشعري ،عن حممد بن سامل ،وأمحد بن أيب عبد اهلل،
عن أبيه ،مجيع ًا عن أمحد بن النرض ،عن عمرو بن شمر ،عن جابر ،عن أيب جعفر
قال :قال يل« :يا جابر ،أيكتفي َمن ينتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت؟ فواهلل ما
شيعتنا إال َمن اتقى اهلل وأطاعه ،وما كانوا يعرفون -يا جابر -إال بالتواضع والتخشع
واألمانة وكثرة ذكر اهلل والصوم والصالة والرب بالوالدين والتعاهد للجريان من الفقراء
وأهل املسكنة والغارمني واأليتام وصدق احلديث وتالوة القرآن وكف األلسن عن
الناس إال من خري ،وكانوا ُأمناء عشائرهم يف األشياء»(((.
من هنا ،يظهر التأمل فيام أفاده السيد اخلوئي ،حيث قال :ثم إنه ال ينبغي
اإلشكال يف كون الرجل شيعي ًا إمامي ًا ،وأما ُحسنه فلم يثبت ،وذلك لضعف مجيع
الروايات املتقدمة ،فالرجل جمهول احلال ،واهلل العامل(((.
واحلاصل :يوجد طريق معترب للصدوق إىل علل الفضل يف كتاب عيون أخبار
ِ
يرتض الطريقني مع ًا؛ لعدم الرضا وهو الطريق األول .إال أن السيد اخلوئي مل
ثبوت وثاقة رجال السندين عنده.
خال�صة وا�ستنتاج
يمكن ختليص األقوال يف علل الفضل بن شاذان بام ييل:
األول :حكي عن السيد احلكيم أنه كان يراه رواية صحيحة عن الرضا.
الثالث :يرى السيد السيستاين حفظه اهلل أنه كتاب فتوى للفضل بن شاذان ،وليس
كتاب ًا روائي ًا.
الرابع :إن الكتاب رواية مرسلة أو مرفوعة عن اإلمام الرضا ،وال يمكن
االعتامد عليه ما مل حيصل االطمئنان بصحته.
***
207 تف�سري العيا�شي
تف�سري العيا�شي
إنه تأليف حممد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي املعروف بـ(العيايش)،
وهو من أقدم كتب التفسري عند الشيعة اإلمامية.
قال الشيخ آغا بزرگ الطهراين :تفسري العيايش أليب النرض حممد بن مسعود بن
حممد بن عياش السلمي السمرقندي ،املؤ ِّلف ملا يزيد عىل ِمائتي كتاب يف عدة فنون:
احلديث ،الرجال ،التفسري ،النجوم ،وغريها ،وهو من مشايخ الكيش ،ومن طبقة
ثقة اإلسالم الكليني ،ويروي كت َبه عنه ولدُ ه جعفر بن حممد بن مسعود ،ومنها هذا
التفسري املوجود نص َفه األول إىل آخر سورة الكهف يف اخلزانة الرضوية ،ويف تربيز عند
اخلياباين ،ويف زنجان بمكتبة شيخ اإلسالم .ويف الكاظمية بمكتبة سيدنا احلسن صدر
الدين ،واستنسخ عن نسخته الشيخ شري حممد اهلمداين وغريه يف النجف .لكنه مع
األسف حمذوف األسانيد(((.
وقد جعله العالمة املجليس مصدر ًا لبحاره ،قائالً :وكتاب تفسري العيايش روى
عنه الطربيس وغريه ،ورأينا منه نسختني قديمتني ،وعُدَّ يف كتب الرجال من كتبه ،لكن
بعض الناسخني حذف أسانيده لالختصار وذكر يف أوله عذر ًا هو أشنع من جرمه(((.
َ
ترجمة العيا�شي
قال عنه النجايش :حممد بن مسعود بن حممد بن عياش السلمي السمرقندي أبو
النرض املعروف بالعيايش :ثقة ،صدوق ،عني من عيون هذه الطائفة ،وكان يروي عن
ِ
العامة فأكثر منه ،ثم َ
حديث عامي املذهب ،وسمع الضعفاء كثري ًا ،وكان يف ِ
أول أمره
ّ
ِ
وعبد أصحاب عيل بن احلسن بن فضال، َ
حديث السن ،سمع تبصرّ وعاد إلينا ،وكان
َ
اهلل بن حممد بن خالد الطياليس ،ومجاع ًة من شيوخ الكوفيني ،والبغداديني ،والقميني.
سمعت القايض أبا احلسن عيل بن حممد :قال لنا
ُ قال :أبو عبد اهلل احلسني بن عبيد اهلل:
أبو جعفر الزاهد :أنفق أبو النرض عىل العلم واحلديث ترك َة أبيه َ
سائرها ،وكانت ثالثامئة
مقابل ،أو قارئ ،أو ٍ
معلق ،مملوة من ٍ ٍ
ناسخ ،أو داره كاملسجد ،بني
ألف دينار ،وكانت ُ
الناس .وصنف أبو النرض كتب ًا ،منها :كتاب التفسري ...إلخ(((.
وقال الشيخ يف الفهرست :حممد بن مسعود العيايش ،من أهل سمرقند ،وقيل:
إنه من بني متيم ،يكنى أبا النرض ،جليل القدر ،واسع األخبار ،بصري بالروايات ،مطلع
وجملس للعام.(((
ٌ
الطرق �إليه
قال النجايش :أخربين أبو عبد اهلل بن شاذان القزويني ،قال :أخربنا حيدر بن حممد
السمرقندي ،قال :حدثنا حممد بن مسعود(((.
وقال الشيخ يف الفهرست :أخربنا بجميع كتبه ورواياته مجاع ٌة من أصحابنا ،عن
أيب املفضل ،عن جعفر بن حممد بن مسعود العيايش ،عن أبيه ،بجميع كتبه ورواياته(((.
وقال السيد اخلوئي :وكيف كان ،فطريق الشيخ إليه ضعيف بأيب املفضل ،وجعفر
قلم األردبييل فذكر أن طريق الشيخ إليه ضعيف يف
بن حممد بن مسعود .وقد سها ُ
الشيخ مل يذكر طري َقه إليه يف املشيخة.
َ املشيخة ،وذلك فإن
وطريق الصدوق إليه :املظفر بن جعفر بن املظفر العلوي العمري -ريض اهلل
عنه -عن جعفر بن حممد بن مسعود ،عن أبيه أيب النرض ،عن حممد بن مسعود العيايش،
والطريق كطريق الشيخ إليه ضعيف(((.
اعتبار الكتاب
ورد يف بداية التفسري :احلمدُ هلل عىل أفضاله والصال ُة عىل حممد وآله ،قال العبد
الفقري إىل رمحة اهلل :إين نظرت يف التفسري الذي صنفه أبو النرض حممد بن مسعود بن
حممد بن عياش السلمي بأسناده ،ورغبت إىل هذا وطلبت َمن عندَ ه سامع ًا من املصنِّف
حذفت منه األسناد.
ُ سامع أو إجاز ٌة منه،
ٌ غريه فلم أجد يف ِ
ديارنا َمن كان عندَ ه أو ِ
أوالً :إن هذه الكلامت لغري العيايش ،ولكن َمن هو هذا الشخص؟ وهل هو ثقة أم
ال؟ الظاهر أن شخصيتَه جمهول ٌة فض ً
ال عن حاله.
ثاني ًا :ظاهر كالم هذا الناسخ أنه مل تصله نسخ ُة التفسري سامع ًا أو إجازةً ،وإنام
حصل عليها وجادةً.
ثالث ًا :إن هذا الشخص قام بحذف أسانيد الكتاب؛ ألنه مل جيد َمن كان عنده التفسري
إجاز ًة أو سامع ًا ،وليكون أسهل عىل القارئ.
رابع ًا :إن ترصيح الناسخ بحذف األسانيد يكشف أن التفسري كان مسند ًا ،أي أن
حتولت إىل مراسيل ملا قام
العيايش يذكر أسانيده إىل األئمة ،إال أن روايات الكتاب قد ّ
به الناسخ .وكوهنا مسندة قبل احلذف ال ينفع شيئ ًا؛ الحتامل أنا لو ا ّطلعنا عىل أسانيدها
ملا كانت موثقة عندنا .هذا مضاف ًا إىل جهالة الناسخ من ناحية الشخصية والوثاقة ،وأن
النسخة الواصلة إليه مل تكن باإلجازة وإنام كانت بالوجادة.
ثم توجد مشكلة ُأخرى وهو أن التفسري الواصل إلينا ناقص ،حيث إن األصل
كان تفسري ًا كام ً
ال للقرآن ،بينام الواصل هو من سورة الفاحتة إىل هناية سورة الكهف.
قال العالمة السيد الطباطبائي يف مقدمته لتفسري العيايش :وقد ُأصيب الكتاب
ِ
بحذف بعض النساخ
جل رواياته كانت مسندةً ،فاخترصه ُ من جهتني ،أحدمها :أن َّ
خمترص التفسري .والثانية :إن اجلز َء الثاين ِ
وذكر املتون ،فالنسخ ُة املوجودة اآلن األسانيد
ُ
منه صار مفقود ًا بعده ،حتى إن أرباب التفاسري الروائية واملحدثني مل ينقلوا منه إال ما
يف جزئه األول من الروايات؛ كالبحراين يف تفسري الربهان واحلويزي يف نور الثقلني
ِ
خزائن بعض
والكاشاين يف الصايف واملجليس يف البحار .نعم ،ربام يذكر -فيام يذكر -أن َ
ِ
الكتاب بجزأيه ،ومل يتحقق ذلك وال اهتدينا الكتب من بالد إيران اجلنوبية حيتوي عىل
إليه بعد(((.
هذا مضاف ًا إىل اإلشكال العام الذي يرد عىل كثري من الكتب القديمة ،وهو أن
النسخة الواصلة منه إىل املتأخرين؛ كاملجليس واحلر العاميل مل تصل مسندةً ،وإنام ُعثِ َر
عليها عن طريق الوجادة ،فاحلر العاميل حينام يروي يف الوسائل عن تفسري العيايش فهو
يروي عن طريق الوجادة.
يقال يف اجلواب عنه :يمكننا أن نجري مقارنة بني النسخة الواصلة إلينا من التفسري مع
ٍ
بنسبة تفيدنا الوثوق ما روي عن التفسري يف الكتب الروائية القديمة ،فإذا وجدنا تطابق ًا
بصحة النسخة أمكننا العمل عىل طبقها.
قال :إن ما يعرف بتفسري العيايش الواصل إىل املتأخرين ليس مطابق ًا مع نسخة
املؤلف ،بل هو خمترص القسم األول منها ،حيث عمد الناسخ إىل حذف ما اشتملت
عليه من األسانيد ...ولكن املالحظ أنه يف موارد نادرة غفل عن حذف السند ...ويبدو
أنه كان خيترص األسانيد حني االستنساخ ،فعند االنتهاء من رواية يتجاوز سند الرواية
الالحقة ويذكر اسم الراوي املبارش عن اإلمام ثم يذكر متن الرواية .ولكنه أحيان ًا
يغفل عن حذف السند املتوسط بني متني روايتني فيستنسخه أيض ًا ...ال ّلهم إال أن يقال:
إن اعتبار النسخة الواصلة منه إلينا غري معلوم ،فإن املخترص هلذا الكتاب واملستنسخ
هلذه النسخة جمهول احلال ،بل ال يعرف حتى اسمه فكيف يعتمد عىل نقله؟! ولكن
يمكن اجلواب عن هذا الكالم بأن املالحظ أن معظم ما بقي من كتب السابقني ووصل
إىل العالمة املجليس وصاحب الوسائل ومن تأخر عنهم مل يصل إليهم بطريق السامع أو
القراءة أو املناولة أو نحوها طبقة بعد طبقة إىل أن ينتهي إىل مؤلف الكتاب ،بل وصل
ٍ
كتاب ،فيتم االعتامد يف الغالب بطريق الوجادة ،حيث كان يعثر عىل نسخة أو أزيد من
عليها والنقل عنها وتداوهلا واستنساخها ،وربام تصبح هي النسخة األُم لعرشات النسخ
الالحقة ،وخيرج الكتاب عن كونه نادر الوجود إىل كتاب شائع النسخ متداوهلا.
ويالحظ أحيان ًا أن النسخة األُم كانت مصدرة بطريق صاحبها إىل املؤلف وهو
شخص غري معروف أو يف الطريق شخص غري معروف ،ولكن ذلك مل يمنع من
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 214
االعتامد عليها ،كام هو احلال بالنسبة إىل فهرست الشيخ ...ومع ذلك اعتمد األصحاب
عىل هذه النسخة من الفهرست ،وما هو إال لتوفر القرائن والشواهد عىل صحتها ،ومن
ذلك تطابق النصوص املنقولة عن الفهرست يف كتب السابقني مع ما يوجد يف النسخة
الواصلة .وهذا املعنى يمكن ا ّدعاؤه بالنسبة إىل ما وصل إلينا من تفسري العيايش(((.
***
قال الصدوق يف ديباجة الفقيه :ومجيع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة ،عليها
ِ
وكتاب عبيد اهلل بن عيل ِ
كتاب حريز بن عبد اهلل السجستاين املعول وإليها املرجع ،مثل
ِ
ونوادر أمحد بن ِ
وكتب احلسني بن سعيد، ِ
وكتب عيل بن مهزيار األهوازي، احللبي
ِ
الكتب نوادر ِ
ابن عيسى من َ حممد بن عيسى ...إلخ((( .فاملالحظ أن الصدوق قد عدّ
املعول وإليها املرجع. ِ
املشهورة التي عليها ّ
وعدّ ه احلر العاميل من املصادر املعتربة التي اعتمد عليها يف الوسائل ،قائالً :فهذه
ِ
املعتمدة التي وصلت إلينا ونقلنا منها يف هذا الكتاب(((. ِ
الكتب مجل ٌة من
ِ
ألمحد بن حممد بن عيسى بن عبد النوادر وقال الشيخ آغا بزرگ الطهراين:
ُ
ِ
أشاعرة قم املتحفظني .عده الطويس من أصحاب الرضا واجلواد اهلل بن سعدُ ،
شيخ
رئيس قم الذي يلقى السلطان ،وأنه من أوالد
ُ واهلادي ،وقال يف الفهرست :إنه
الرئيس األشعري هذا كان
َ األشعري الذي فتح قم لعمر .ذكر الطويس والنجايش أن
يمتنع من الرواية عن ٍ
عدة من أصحابنا ،وهم من املجمع عىل صحة رواياهتم مثل ابن
حمبوب ويونس بن عبد الرمحن .وهو الذي طر َد أمحدَ بن حممد بن خالد الربقي من بلدة
قم حتى التجأ إىل أمحد بن احلسن املادراين صاحب الري والصادر له التوقيع .وقد أخرج
األشعري هذا مجاعات من الشيعة من قم يتهمهم بالغلو كام ذكره الكيش يف أحوال
حسني بن عبد اهلل .وكان أمحد بن حممد األشعري هذا من املقرصين كام سامهم املفيد
يف تصحيح االعتقاد .وكان يرصح بتفضيل العرب عىل غريهم كام يظهر من الكليني يف
الكايف ،وأ ّلف فيه كتابه (فضائل العرب) ،مع أنه كان يستفيد من املوايل أمثال داوود
ابن كورة يف تبويب كتابه (النوادر)ُ .ف ِّص َلت أحوا ُل ُه يف مجيع الكتب الرجالية وخاصة
معنى النوادر
ما املقصود من (النوادر)؟
ِ
معان: قيل يف ذلك عد ُة
املعنى الثاين :أهنا تتضمن أحكام ًا خمالفة للقواعد وغري متداولة واستثنائية.
كلمة (النوادر) عىل عكس ذلك ،فكثري مما سامه النجايش (النوادر) سامه الطويس كتاب ًا،
غري ُه كام يف (نوادر احلسن بن أيوب) ،فالذي اتفق الطويس والنجايش ٌ
وقليل ما يتفق ُ
عىل تسميته (النوادر) قليل ،وأقل من ذلك ما اتفقا عىل تسميته (أصالً)(((.
وقال الشيخ يف الفهرست :وصنف كتب ًا ،منها :كتاب التوحيد ،كتاب فضل
النبي ،كتاب املتعة ،كتاب النوادر -وكان غري مبوب ،فبوبه داوود بن كورة -كتاب
الناسخ واملنسوخ .أخربنا بجميع كتبه ورواياته عدة من أصحابنا ،منهم احلسني بن
عبيد اهلل وابن أيب جيد ،عن أمحد بن حممد بن حييى العطار ،عن أبيه وسعد بن عبد اهلل،
عنه .وأخربنا عدة من أصحابنا ،عن أمحد بن حممد بن احلسن بن الوليد ،عن أبيه ،عن
حممد بن احلسن الصفار وسعد مجيع ًا ،عن أمحد بن حممد بن عيسى .وروى ابن الوليد
املبوبة ،عن حممد بن حييى واحلسن بن حممد بن إسامعيل ،عن أمحد بن حممد(((.
أقول :الطريق األول معترب لوثاقة مجيع الرجال حتى أمحد بن حممد بن حييى عىل
املختار كام سيأيت .والطريق الثاين أيض ًا معترب عندنا لوثاقة أمحد بن حممد بن احلسن بن
الوليد ألنه من مشايخ اإلجازة ،خالف ًا للسيد اخلوئي حيث ال يراه ثق ًة .وكذلك
الطريق إىل النسخة املبوبة فهو معترب ،وال يرض عد ُم ثبوت وثاقة احلسن بن حممد بن
إسامعيل ألن حممد بن حييى أيض ًا يروي النسخة عن أمحد بن حممد.
ِ
نوادر ابن عيسى ،قائالً :وما ذكرته ِ
مشيخة التهذيب طريقني إىل ُ
الشيخ يف وقد ذكر
عن أمحد بن حممد بن عيسى الذي أخذته من نوادره :فقد أخربين به الشيخ أبو عبد اهلل
(أي املفيد) واحلسني بن عبيد اهلل (أي الغضائري) وأمحد بن عبدون كلهم عن احلسن
بن محزة العلوي وحممد بن احلسني البزوفري عن أمحد بن إدريس عن أمحد بن حممد بن
عيسى .وأخربين به أيض ًا احلسني بن عبيد اهلل وأبو احلسني بن أيب جيد مجيع ًا عن أمحد بن
حممد بن حييى عن أبيه حممد بن حييى العطار عن أمحد بن حممد بن عيسى.
أقول :الطريق األول معترب لوثاقة كل من املفيد والغضائري بال إشكال ،وال
إشكال يف وثاقة أمحد بن عبدون -وهو أمحد بن عبد الواحد ويعرف بابن احلارش -ألنه
ٍ
واحد منهم. من مشايخ النجايش وقد ترىض عليه الشيخ الطويس((( ،بل تكفي وثاق ُة
ِ
ثبوت وثاقة حممد وكذلك ال إشكال يف وثاقة احلسن بن محزة العلوي ،وال هيمنا عد ُم
بن احلسني البزوفري ألنه تكفي وثاقة العلوي ،وأمحد بن إدريس ثقة ،فثبت املطلوب.
وأما الطريق الثاين فهو أيض ًا معترب؛ لوثاقة احلسني بن عبيد اهلل الغضائري ،وابن
أيب جيد وإن مل يوثق رصحي ًا إال أنه من مشايخ النجايش فهو ثقة ،وحممد بن حييى العطار
ال شك يف وثاقته .ولكن الكالم يف أمحد بن حممد بن حييى العطار ،فهو عند السيد
غري موثق ،ولكن املختار عندنا أنه يمكن االعتامد عليه؛ ألنه من مشايخ
اخلوئيُ
اإلجازة وهو ممن ترىض عليه الصدوق.
واحلاصل :أنه ال مانع من االعتامد عىل ما روي عن نوادر أمحد بن حممد بن عيسى
يف الفقيه وفيِ التهذيبني .وال مانع من االعتامد عىل ما رواه الكليني أيض ًا عن النوادر إن
صح سنده إليه.
ّ
داوود بن كورة
يظهر من كتب الرجال أن كتاب النوادر مل يكن مبوب ًا ،وإنام ّبوبه داوود بن كورة.
قال النجايش :داوود بن كورة أبو سليامن القمي ،وهو الذي بوب كتاب النوادر ألمحد
بن حممد بن عيسى وكتاب املشيخة للحسن بن حمبوب الرساد عىل معاين الفقه((( .وقال
الشيخ يف الفهرست :داوود بن كورة القمي :بوب كتاب النوادر ألمحد بن حممد بن
عيسى ،وله كتاب الرمحة مثل كتاب سعد بن عبد اهلل(((.
أقول :ال يوجد توثيق رصيح لداوود بن كورة ،وكونه من مشايخ الكليني ال داللة
فيه عىل وثاقته.
وقد يقال :إن عد َم توثيقه ال يرض باألخذ بكتاب النوادر إذا ثبت أن الشيخ
والصدوق والكليني قد اعتمدوا عىل النسخة املبوبة .أو يقال :إن عدم ثبوت وثاقته ال
مبو ٌب للكتاب وليس راوي ًا له.
يرض؛ إذ هو ِّ
هذا ،وقد ذكر الشيخ بأنه يروي النسخة املبوبة عن حممد بن احلسن بن الوليد،
عن حممد بن حييى واحلسن بن حممد بن إسامعيل ،عن أمحد بن حممد ،وهذا الطريق تام.
ثم أخذ حمقق الكتاب باإلشكال عىل بعض هذه االحتامالت واختار االحتامل
الرابع ،قائالً:
-٣لو كان الكتاب للحسني ،وأمحد راويه ،لذكر اسم األول يف بداية الكتاب ،أو
ِ
بداية ِّ
كل باب ،وباقي أسانيد الروايات تبدأ بـ(عنه) كام هو املتعارف عليه.
ُّ -٤
كل القرائن تدل عىل أنه ليس من الفقه املنسوب لإلمام الرضا.
وأي مانع من أن يكون منتخب ًا من كتب احلسني بن سعيد ،التي بلغت ثالثون
ُّ -٥
ِ
كتاب ًا ويروي فيها ( )٥٠ ٢٦حديث ًا عن أهل البيت ،وقد نُق َل ُ
أكثرها يف الكتب
األربعة :الكايف ،والتهذيب ،واالستبصار ،و َمن ال حيضرَ ُ ُه الفقيه(((.
((( رسالة الصالة يف املشكوك ١٠٨ -١٠٥ :للمريزا النائيني ط مؤسسة آل البيت إلحياء الرتاث.
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 224
وقال :وجاللة احلسني بن سعيد وأمحد بن حممد بن عيسى تُغني عن التعرض حلال
تأليفهام ،وانتساب كتاب الزهد إىل احلسني معلوم .وأما األصل اآلخر فكان يف أوله
هكذا :أمحد بن حممد بن عيسى ،عن احلسني بن سعيد .ثم يبتدئ يف سائر األبواب
بمشائخ احلسني ،وهذا مما يورث الظ َّن بكونه منه .وحيتمل كونه من أمحد لبعض القرائن
كام أرشنا إليه ،ولالبتداء به يف أول الكتاب(((.
إال أن احلر العاميل ر ّد عىل املجليس يف نسخة خطية للنوادر فيها خط احلر العاميل:
يروي املصنف عن احلسني بن سعيد ،وعن مشاخيه أيض ًا ،فإهنام رشيكان يف املشايخ.
ويروي أيض ًا عن أبيه كثري ًا .وهو ينايف ظ َّن َمن ظن أنه من كتب احلسني بن سعيد ،إذ
ليس له فيه رواي ٌة أصالً .واعلم أين قد وجدت هلذا الكتاب نسختني صحيحتني عليهام
أكثرها منقول ًة
آثار الصحة واالعتامد ،ثم إين تتبعت ما فيه من األحاديث ،فوجدت َ ُ
يف الكتب األربعة وأمثالهِ ا من الكتب املشهورة املتواترة ،والباقي قد روي يف الكتب
َ
أحاديث كثري ًة نقلها رأيت
ُ املعتمدة ما يوافق مضمونَه ،فال وجه للتوقف فيه .وقد
ِ
نوادر وغريهم يف مصنفاهتم من الشيخ والشهيد وابن طاووس واحلمريي والطربيس
ُ
أمحد بن حممد بن عيسى ،وتلك األحاديث موجود ٌة هنا .وباجلملة القرائ ُن عىل اعتباره
ِ
الكتب األربعة ونحوها، َ
األحاديث املروية يف كثريةٌ ،وليس فيه ما ينكر وال ما خيالف
واهلل أعلم ،حرره حممد احلر .وكتب بخطه الرشيف أيض ًا يف الصفحة األخرية :هذا ما
وجدناه من كتاب نوارد أمحد بن عيسى يف نسخة معتربة جد ًا ،نفع اهلل هبا .قوبل
ٍ
مجاعة من الفضالء ،حرره حممد احلر(((. ُ
خطوط بنسختني صحيحتني عليهام
والظاهر أن نسخ َة احلر العاميل موجود ٌة يف مكتبة السيد احلكيم يف النجف
األرشف وعليها تلك التعليقات بخطه.
وقد ُي َع ّز ُز رأي العالمة املجليس -من كون الكتاب هو للحسني بن سعيد -ما
ذهب إليه بعض املعارصين ،حيث أيده بأمور(((:
-3بعد االستقراء الناقص قد ثبت أن أربعني خرب ًا من كتاب النوادر تتطابق مع ما
روي عن كتاب احلسني بن سعيد يف الكتب األربعة.
ثم ذكر الفاضل املعارص بعض املبعدات هلذا االحتامل مع الرد عليها.
أما املبعدات فأمران ،األول :إن احلسني بن سعيد قد ورد ذكره يف الكتاب كأحد
الرواة ،فكيف يكون الكتاب له؟ والثاين :توجد روايات يف النوادر عن عيل بن مهزيار
وهي تتطابق مع ما ورد عن كتاب عيل بن مهزيار يف الكتب األربعة ،ومعه فهل ال بد
من نسبة الكتاب إىل عيل بن مهزيار؟
ويرد األول :أن الكتاب هو للحسني بن سعيد ،وإنام الراوي للكتاب فهو أمحد بن
حممد بن عيسى فنُسب الكتاب إليه .والظاهر أن السيد الشبريي الزنجاين قد تبنى
هذا القول .والذي يؤيده :أن اسم أمحد بن حممد بن عيسى قد ورد يف أول الكتاب فقط.
ويرد الثاين :أن عيل بن مهزيار يروي كثري ًا عن احلسني بن سعيد .فقد ذكر الشيخ يف
عيل بن مهزيار أخذ مصنَّفات
إن ّترمجة عيل بن مهزيار :قال أمحد بن أيب عبد اهلل الربقيّ :
احلسني بن سعيد ،وزاد عليها يف ثالثة كتب منها زيادة كثرية أضعاف ما للحسني بن
سعيد(((.
الوسائل(((.
ِ
البحار هذا ،ولكن رفض مجل ٌة من أساطني علم الرجال املعارصين ما ن ُِق َل يف
ِ
والوسائل عن النوادر ،حمتجني بأن النسخ َة الواصل َة إليهم من النوادر كانت عن طريق
الوجادة.
ِ
وصول النوادر إىل املجليس بسند معترب، قال الشيخ املحسني :قد عرفت عد َم
وقد ذكرنا سابق ًا يف مقدمة معجم األحاديث املعتربة صح َة االعتامد عىل أحاديثها بنقل
املجليس واحلر العاميل دون نقل املحدث النوري ،اغرتار ًا بصحة سندمها إىل الشيخ،
ِ
الطريق ال تالزم صحة ِ
وصحة طريق الشيخ إىل مؤلفها أمحد ،غفل ًة عن أن صح َة
وصول نسخة الكتاب بوجه معترب .واحلق عدم اعتبار أحاديثها املنقولة يف البحار
والوسائل واملستدرك ،وما يوجد يف النسخة املطبوعة منه(((.
وقال :عد ُم وصول كتاب النوادر خارج ًا إىل احلر العاميل بالسلسلة املعنعنة فال
تكون أحادي ُثه معترب ًة عند من ال يثق بالقرائن املذكورة يف كالمه .إىل أن قال :وأما ما
ينقله أرباب الكتب األربعة منه فهو مقبول إن صح السند(((.
وأم��ا شيخنا األُستاذ اإليرواين فقد ذكر يف جملس بحثه الفقهي بتاريخ
(١٤٣٧/٦/١٨هـ) ما حاصله:
إن احلر العاميل ينقل عن النوادر وجاد ًة وليس مناول ًة ،وهذا إشكال ٌ
سيال عىل
كتاب الوسائل ،وأما طري ُق ُه إىل الشيخ بواسطة الشهيد الثاين وابن إدريس فهو طريق
تربكي ال حقيقي .وعليه ،فال يمكن االعتامد عىل ما ينقله احلر العاميل عن األُصول
واملصنفات القديمة .هذا ،ولكن قد حيصل الوثوق بوجود الرواية حق ًا يف النوادر،
وذلك من خالل وجدان الرواية يف النسخة املطبوعة من النوادر ،وعليه فوجود الرواية
يف نسختني من النوادر يفيد الوثوق بوجود الرواية يف األصل.
***
قال الشيخ آغا بزرگ الطهراين :االحتجاج عىل أهل اللجاج للشيخ اجلليل أيب
ِ
رشيد الدين حممد بن عيل بن منصور أمحد بن عيل بن أيب طالب الطربيس ،أستا ُذ
شهرآشوب الرسوي الذي تويف سنة (٥٨٨ه��ـ) عن ِم ْائة سنة إال عرشة أشهر ،فهو
احتجاجات النبي
ُ من أهل املائة اخلامسة الذين أدركوا أوائل السادسة أيض ًا .فيه
وأكثر أحاديثِ ِه
ُ ِ
وبعض الذرية الطاهرة، ِ
وبعض العلامء ِ
وبعض الصحابة واألئمة
رص َح به يف أولِه ...إىل أن قال :إىل آخر
مرسل إال ما رواه عن تفسري العسكري كام ّ ٌ
ِ
املشهور املجمع عليه بني ِ
املستفيض كل ما أوصله فيه هو منكالمه الرصيح يف أن َّ
ِ
كالعالمة ِ
املعتربة التي اعتمد عليها العلام ُء األعالم ِ
الكتب املخالف واملؤالف ،فهو من
ِ
واملحدث احلر وأرضابهِ ام(((. املجليس
معامل العلامء ،وسيظهر لك مما سننقل من كتاب املناقب البن شهرآشوب أيض ًا(((.
معروف
ٌ رب
كتاب معت ٌ
وقال اخلوانساري يف روضات اجلنات :إن كتاب االحتجاج ٌ
ِ
واألئمة ،بل كثري من ِ
احتجاجات النبي ٌ
مشتمل عىل كل ما اطلع عليه من بني الطائفة،
أصحاهبم األجماد مع ٍ
مجلة من األشقياء واملخالفني(((.
ترجمة امل�صنف
هو أبو منصور أمحد بن عيل بن أيب طالب الطربيس املنتسب إىل مدينة طربستان أي
مازنداران ،وقيل هي من أطراف أسرتآباد ،وقيل هي من أطراف ُقم ،وال يوجد إشكال
يف وثاقته وفضله.
قال ابن شهرآشوب يف املحكي عن معامل العلامء :شيخي أمحد بن أيب طالب
الطربيس ،له كتاب الكايف يف الفقه -حسن ،-االحتجاج ،مفاخر الطالبية ،تاريخ
األئمة ،وفضائل الزهراء ،كتاب الصالة(((.
وقال احلر العاميل يف املحكي عن تذكرة املتبحرين :الشيخ أبو منصور أمحد بن
عيل بن أيب طالب الطربيس :عامل ،فاضل ،فقيه ،حمدث ،ثقة ،له كتاب االحتجاج عىل
أهل اللجاج ،حس ٌن كثري الفوائد .يروي عن السيد العامل العابد أيب جعفر مهدي بن
أيب حرب احلسيني املرعيش ،عن الشيخ الصدوق أيب عبد اهلل جعفر بن حممد بن أمحد
الدوريستي ،عن أبيه ،عن الشيخ أيب جعفر حممد بن عيل بن احلسني بن بابويه القمي،
وله طرق ُأخرى ،ومؤلفات ُأ َخر تأيت(((.
اعتبار الكتاب
قال الطربيس يف مقدمة االحتجاج :وال نأيت يف أكثر ما نورده من األخبار
بإسناده إما لوجود اإلمجاع عليه أو موافقته ملا دلت العقول إليه أو الشتهاره يف السري
والكتب بني املخالف واملؤالف ،إال ما أوردته عن أيب حممد احلسن العسكري ،فإنه
ليس يف االشتهار عىل حد ما سواه ،وإن كان مشتم ً
ال عىل مثل الذي قدمناه ،فألجل
ذكرت إسناده يف أول جزء من ذلك دون غريه ،ألن مجيع ما رويت عنه إنام
ُ ذلك
رويته بإسناد واحد من مجلة األخبار التي ذكرها يف تفسريه(((.
يستفاد من هذا املقطع بأن املصنف قد قام بحذف األسانيد ألن روايات الكتاب
ك َّلها معتربةٌ ،وذلك ملوافقتها:
أقول:
ُ
الوثوق بصدورها. َ
األصل يف املراسيل عد ُم االعتبار هبا ما مل حيصل أوالً :إن
ثاني ًا :سلمنا أن موافق َة اإلمجا ِع من أمارات صدق اخلرب إال أن ما يدعيه الطربيس
ِ
موافقة اإلمجاع والعقل ،فال بد ِ
اجلواب عن عني
اجلواب عن الشهرة هو ُ رابع ًا:
ُ
ِ
التحقق من هذه الدعوى ،وال يصح االعتامد عىل دعوى الطربيس ألهنا حدسي ٌة. من
هذا مضاف ًا إىل أن الشهر َة املقصود هبا يف املقام هي الشهر ُة الروائي ُة ،واملعروف أهنا تنفع
للرتجيح عند تعارض اخلربين ال مطلق ًا ولو من دون تعارض.
ِ
الروائية من أمارات ِ
والشهرة ِ
والعقل خامس ًا :حتى لو سلمنا أن موافق َة اإلمجا ِع
صدق اخلرب ،نقول :إن الطربيس رد ّد روايات كتابه بني األمور الثالثة ولمَ يقل بأن
موافق لإلمجاع
ٌ بعضها
فالظاهر من كالمه أن َ
ُ مجيع الروايات موافِ َق ٌة هلذه األمور الثالثة،
ُحرز ذلك البعض أو وبعضها موافق ٌة للجميع ،فام مل ن ِ
َ وبعضها مشهور ٌةَ وبعضها للعقل
َ
ِ
بصحة اجلميع. نحرز أهنا مجيع ًا كذلك ال يمكن ُّ
البت
َ
أفضل من حال دعوى الصدوق يف ديباجة سادس ًا :إن َ
حال دعوى الطربيس ليس
الفقيه والكليني يف مقدمة الكايف من دعوى صحة ما يف كتبهم من الروايات ،مع أن
الكليني والصدوق ذكرا األسانيد والطربيس مل يذكرها ،وأصحا ُبنا ال يقولون باعتبار
233 االحتجاج على �أهل اللجاج
ُ
القول باعتبار مجيع ما يف االحتجاج؟ مجيع ما يف الكايف والفقيه ،فكيف يسعنا
وأما ما رواه الطربيس عن التفسري املنسوب إىل اإلمام احلسن العسكري فهو
ليس مرسالً ،إال أنك عرفت حاله من خالل بحثنا عن التفسري املذكور.
***
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 234
هذا ،وقد حذف املصنف أسانيد الروايات ألجل االختصار ،كام فعل غريه
كالطربيس يف احتجاجه .ولو كان هؤالء األجلة ملتفتني إىل إسقاط روايات كتبهم
عن احلجية بفعلهم هذا ملا فعلوا ذلك .نعم ،قال ابن شبعة -كام سيأيت -أنه قد حذف
األسانيد اختصار ًا مع أهنا كانت له سامع ًا ،فهل يمكن االعتامد عىل روايات كتابه أم ال؟
-4موقفنا منه
235 حتف العقول عن �آل الر�سول
حال امل�صنف
قال احلر العاميل يف أمل اآلمل عن ابن شعبة مصنف كتاب حتف العقول :الشيخ
أبو حممد احلسن بن عيل بن شعبة ،فاضل حمدث جليل لكتاب حتف العقول عن آل
الرسول حسن كثري الفوائد مشهور ،وكتاب التمحيص ،ذكره صاحب كتاب جمالس
املؤمنني(((.
وقال الشيخ آغا بزرگ الطهراين :حتف العقول فيام جاء من احلكم واملواعظ عن
آل الرسول للشيخ أيب حممد احلسن بن عيل بن احلسني بن شعبة احلراين احللبي،
املعارص للشيخ الصدوق الذي تويف سنة (٣٨١هـ) ،ومن مشايخ الشيخ املفيد كام ذكره
الشيخ عيل بن احلسني بن صادق البحراين يف رسالته يف األخالق .قال( :إنه من قدماء
أصحابنا ،حتى إن شيخنا املفيد ينقل عنه ،وكتابه مما مل يسمع الدهر بمثله) .طبع حتف
العقول مع منتخب (كشف املحجة) وغريه يف إيران سنة (١٣٠٣هـ)(((.
وقال السيد حسن الصدر يف تأسيس الشيعة :شيخنا األقدم وإمامنا األعظم،
له كتاب حتف العقول يف احلكم واملواعظ عن آل الرسول ،كتاب جليل مل يصنف
مثله(((.
وورد يف رجال املامقاين :احلسن بن عيل بن احلسني بن شعبة احلراين أو احللبي ،قال
يف روضات اجلنات :إنه فاضل فقيه ومتبحر نبيه ومرتفع وجيه ،له كتاب حتف العقول
وقال األفندي صاحب رياض العلامء :الفاضل العامل الفقيه املحدث املعروف
صاحب كتاب حتف العقول ،وقد اعتمد عىل كتابه التمحيص األُستاذ -أيده اهلل -يف
البحار واملوىل الفاضل القاساين يف الوايف(((.
إن هذه الكلامت كلها تشري إىل علم املصنف وفضله ومكانته العالية.
هذا ،ولكن املالحظ أنه مل يتطرق إليه النجايش والشيخ يف كتابيهام ومل يذكره
الصدوق والشيخ يف فهرستيهام ،بل ومل يذكره منتجب الدين يف فهرسته وال العالمة
وابن داوود يف رجاهلام ،وهذا مما يثري االستغراب ،إذ لو كان ابن شعبة من معارصي
الصدوق وهو مصنف كتاب حتف العقول ،فلامذا مل يذكره علامء الرجال وأصحاب
الفهارس؟
من هنا أفاد السيد السيستاين بأنه مل يثبت بأن ابن شعبة احلراين من معارصي
ٍ
حجة((( .وأفاد أيض ًا بأن غري ِ ِ الصدوق ،ومل تثبت نسب ُة
الكتاب ُ الكتاب إليه ،فروايات
ُ
جمهول املؤلف(((. كتاب حتف العقول
وقد عرفت أن الشيخ عيل بن احلسني بن صادق البحراين قال عنه :أن شيخنا املفيد
ينقل عنه وكتابه مما مل يسمح الدهر بمثله(((.
وجعله العالمة املجليس من مجلة مصادر البحار ،قائالً :وكتاب حتف العقول عثرنا
منه عىل كتاب عتيق ،ونظمه يدل عىل رفعة شأن مؤلفه ،وأكثره يف املواعظ واألُصول
املعلومة التي ال نحتاج فيها إىل سند(((.
أقول :الظاهر من قوله (عثرنا) أنه مل يصله يد ًا بيد ،وإنّام عثر عليه بالوجادة.
قال السيد الطباطبائي اليزدي يف حاشية املكاسب حول رواية حتف العقول
التي أوردها الشيخ األعظم يف أول املكاسب :ثم إن هذه الرواية الرشيفة وإن كانت
مرسل ًة وال َ
جابر هلا ألهنا وإن كانت مشهور ًة بني العلامء يف هذه األعصار املتأخرة ،إال
ٍ
متحققة، غري
أن الشهر َة اجلابرة -وهي ما كانت عند القدماء من األصحاب والعلامءُ -
لكن مضامينها مطابقة للقواعد ،ومع ذلك فيها أمارات الصدق ،فال بأس بالعمل
هبا(((.
وقال السيد اخلوئي حول الرواية نفسها يف أول مباحث املكاسب املحرمة:
قصورها من ناحية السند وعدم استيفائها لرشوط حجية أخبار اآلحاد ،فإن راوهيا أبو
ال وجيه ًا
حممد احلسن بن عيل بن احلسني بن شعبة احلراين أو احللبي ،وإن كان رج ً
رفيع الشأن ،وكان كتا ُب ُه مشتم ً
ال عىل الدرر اليواقيت من مواعظ َ
جليل القدر َ فاض ً
ال
أهل البيت ،وقد اعتمد عليه مجل ٌة من األصحاب ،إال أنه مل يذكرها مسند ًة بل أرسلها
عن الصادق ،فال تكون مشمول ًة ألدلة حجية خرب الواحد ،الختصاصها باخلرب
املوثوق بصدوره(((.
وقال السيد اخلميني يف أول املكاسب املحرمة :إن ما دلت أو ُيتوهم داللتُها عىل
ونظر ،ودعوى ٌ روايات ضعيف ُة األسناد ،بل يف كون بعضها رواي ًة ٌ
تأمل ٌ عمو ِم املدعى
ٍ
وجيهة ،لعدم إحراز استناد األصحاب إليها .إال أن ُيدّ عى اجلز ُم عىل غري ِ
جرب إسنادها ُ
أن ال مستنَدَ هلم غريها ،وهو ُّ
حمل كال ٍم ...فمنها رواي ُة حتف العقول ،وهي أخفى سند ًا
وأوضح دالل ًة من غريها(((.
ُ
رب الضعيف ال وقال السيد صادق الروحاين حول الرواية املذكورة :إن اخل َ
ِ
حجية هذا اخلرب، فتحصل :إن األقوى عد ُم يصري حج ًة ومعترب ًا باملوافقة ملا هو احلجة.
ّ
األول :ما قاله ابن شعبة يف املقدمة :وأسقطت األسانيد ختفيف ًا وإجياز ًا ،وإن كان
وحك ٌَم تشهد ألنفسها((( ،بتقريب :أن روايات حتف أكثره يل سامع ًا ،وألن أكثره آداب ِ
ٌ
حذف األسانيدَ اختصار ًا ،ولكن
َ العقول ليست مرسل ًة حقيق ًة؛ فإن ابن شعبة هو الذي
الروايات سامع ًا ومسندة.
ُ وص َلت ُه
قد َ
أقول :هذا املقدار ال ينفع يف إعطاء احلجية لرواياته ،ألن غاي َة ما يثب ُت ُه هذا الكال ُم
أن رواياتَه هلا أسانيدٌ ،ولكن من قال بأنه لو اطلعنا عىل تلك األسانيد لوجدنا رجالهَ ا
من الثقات عندنا؟
أقول:
وثاني ًا :لعل األصحاب اعتمدوا عىل كتاب التحف يف أخذ املواعظ واملطالب
األخالقية منه ،وهذا ال مانع منه أساس ًا ،وال حيتاج إىل سند معترب ،وليس من باب أخذ
احلكم الرشعي ليتوقف عىل وجود سند معترب.
موقفنا من الكتاب
قد تبني أنه ال يمكن االعتامد عىل روايات حتف العقول بشكل مستقل يف استفادة
األحكام الرشعية؛ وذلك لألسباب التالية:
أوالً :إنه ال يوجد اطمئنان بأن ابن شعبة احلراين هو املصنف للكتاب ،حيث
عرفت أن علامء الرجال أمهلوا ذكره وذكر كتابه حتى زمان احلر العاميل يف آمل اآلمل،
وهذا يعني أن مصنف الكتاب جمهول كام أفاد السيد السيستاين.
ثاني ًا :إنه ال يوجد اطمئنان بأن ابن شعبة احلراين هو من قدماء األصحاب وليس
من املتأخرينَ ،ف َلو كان من املتأخرين يصعب االعتامد عىل مروياته بشكل مستقل؛
وذلك ألنه نسأل :كيف وصلت هذه املرويات إليه ولمَ تصل إىل القدماء كالكليني
والصدوق والشيخ ،واحلال أهنم بذلوا قصارى جهدهم يف احلصول عىل روايات أهل
البيت املعتربة؟
وثالث ًا :ولو أغمضنا النظر عن اإلشكالني السابقني يبقى إشكال اإلرسال من دون
حل ،فإن روايته خالية من اإلسناد.
نعم ،رواياته تصلح للتأييد ،وال مانع من أخذ املواعظ واإلرشادات األخالقية منه.
***
243 عوايل اللآيل العزيزية يف الأحاديث الدينية
ثم إن املصنف من رجال القرن التاسع وكانت والدته يف مدينة األحساء وقد سافر
إىل العراق وخراسان وله تصانيف عديدة.
قيل :إن هناك رواي��ات ال مصدر هلا سوى كتاب عوايل الآليل ،منها« :الناس
مسلطون عىل أمواهلم» ،ومنها« :الناس يف سعة ما مل يعلموا» ،ومنها« :امليسور ال يسقط
باملعسور» ،ومنها« :صلوا كام رأيتموين ُأصيل» ،ومنها :ما نُقل عن أمري املؤمنني« :إهلي
ما عبدتُك خوف ًا من نارك وال طمع ًا يف جنتك ،بل وجدتك أه ً
ال للعبادة فعبدتك»(((.
قال الشيخ آغا بزرگ الطهراين( :عوايل الآليل العزيزية يف األحاديث الدينية)
للشيخ حممد بن عيل بن إبراهيم بن أيب مجهور األحسائي .أ ّلفه باسم السيد النقيب
((( انظر :مقدمة كتاب عوايل الآليل ،بقلم الشيخ جمتبى العراقي.٢٠/١ :
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 244
الطاهر عزيز احلسيني الرضوي .له مقدمة ذات عرشة فصول؛ ذكر يف الفصل األول
من املقدمة طرقه السبعة يف الرواية ،ومنها ما يروى عن عيل بن هالل اجلزائري تلميذ
أيب العباس بن فهد احليل وهو عن شيخه املقداد.
وقد يقال (الغوايل) بالغني املعجمة كام يف املشهور وال أصل له كام يأيت .ورشحه
للسيد املحدث نعمة اهلل اجلزائري ،قد مر أن اسمه (اجلواهر الغوايل) أو (مدينة احلديث)
كام رصح هبا يف أوله ...أوله[ :احلمد هلل الذي أعىل أعالم العلامء األعالم ،ووفقهم
بطريق الدراية والرواية لتبيني معامل اإلسالم ،]...وهو مرتب عىل مقدمة وبابني وخامتة.
ويف املقدمة عرشة فصول أوهلا :يف ذكر طرقه السبعة إىل روايات األصحاب.
وهو من الكتب التي اعتمد عليها شيخنا النوري وبسط القول يف اعتباره يف خامتة
(املستدرك) ...وأما البابان فأوهلام يف أحاديث الفقه لكن ال عىل ترتيب أبواب الفقه بل
عىل ترتيب الكتب املصنفة يف الفقه يف أربع مسالك ،أوهلا :ما رواه املتقدمون يف كتبهم،
والثاين :ما رواه فخر املحققني عن والده العالمة ،والثالث :ما رواه الشيخ الشهيد حممد
بن مكي يف كتبه ،والرابع :ما رواه الفاضل املقداد .وثاين البابني يف أحاديث الفقه عىل
ترتيب األبواب الفقهية(((.
مجهور األحسائي :فاضل ،حمدث ،له كتب ،وتقدم حممد بن مجهور ،وما هنا أثبت ،وقد
ذكرنا كتبه هناك ،يروي عن الشيخ أيب هالل اجلزائري ،عن ابن فهد ،وروى عنه يف
كرك نوح ،ذكره صاحب جمالس املؤمنني(((.
وقال يف موضع آخر :الشيخ حممد بن عيل بن إبراهيم بن أيب مجهور األحسائي.
فاضل حمدث ،له كتب .وتقدم حممد بن مجهور وما هنا أثبت ،وقد ذكرنا كتبه هناك،
يروي عن الشيخ أيب هالل اجلزائري عن ابن فهد ،وروى عنه يف كرك نوح ،ذكره
صاحب جمالس املؤمنني(((.
قال املحدث البحراين يف حمكي لؤلؤة البحرين :والشيخ حممد بن أيب مجهور كان
فاضالً ،جمتهد ًا ،متكل ًام ،له كتاب عوايل الآليل ،مجع فيه مجلة من األحاديث ،إال أنه خلط
فيه الغث بالسمني ،وأكثر فيه من أحاديث العامة ،وهلذا إن بعض مشاخينا مل يعتمد
عليه(((.
وقال يف احلدائق عند احلديث عن مرفوعة زرارة املروية يف عوايل الآليل ما نصه:
بخالف الرواية األُخرى ،فإنا مل نقف عليها يف غري كتاب عوايل الآليل ،مع ما هي عليه
من الرفع واإلرسال ،وما عليه الكتاب املذكور من نسبة صاحبه إىل التساهل يف نقل
األخبار واإلمهال وخلط غثها بسمينها وصحيحها بسقيمها ،كام ال خيفى عىل َمن وقف
عىل الكتاب املذكور(((.
وقال العالمة املجليس :وكتاب غوايل الآليل وإن كان مشهور ًا ومؤلفه يف الفضل
معروف ًا ،لكنه مل يميز القرش من اللباب ،وأدخل أخبار متعصبي املخالفني بني روايات
األصحاب ،فلذا اقترصنا منه عىل نقل بعضها(((.
وقال اخلوانساري يف حمكي روضات اجلنات :بل الكالم يف توثيق نفس الرجل،
والتعويل عىل رواياته ومؤلفاته ،وخصوص ًا بعد ما عرفت له من التأليف يف إثبات
العمل بمطلق األخبار ،الواردة يف كتب أصحابنا األخيار ،وما وقع يف أواخر وسائل
الشيعة ،من كون كتايب حديثه خارجني عن درجة االعتامد واالعتبار ،مع أن صاحب
الوسائل من مجلة مشاهري األخبارية ،واألخبارية ال يعتنون بيشء من التصحيحات
االجتهادية والتنويعات االصطالحية(((.
وقال السيد اخلوئي يف باب التعارض من أصوله حول مرفوعة زرارة املروية يف
عوايل الآليل :وأما االحتياط ،فلم يدل عليه دليل ،سوى مرفوعة زرارة التي رواها ابن
أيب مجهور األحسائي يف كتاب غوايل الآليل عن العالمة مرفوع ًا إىل زرارة ...ولكن
ال يمكن االعتامد عىل هذه الرواية ،فإهنا -مضاف ًا إىل أهنا مل توجد يف كتب العالمة
ومل تثبت وثاقة راوهيا ،بل طعن فيه ويف كتابه َمن ليس دأبه اخلدشة يف سند الرواية،
كاملحدث البحراين -مرفوعة ساقطة عن مقام احلجية(((.
إىل أن قال :فظهر أن احلق احلقيق أن يعامل الفقيه املستنبط بأخبار البابني ،معاملته
بام يف كتب أصحاب املجاميع من األحاديث ،وما يف طريف الكتاب خصوص ًا أوله ،وإن
كان خمتلط ًا ،إال أن بالنظر الثاقب يمكن متييز غثه من سمينه ،وصحيحه من سقيمه(((.
وق��ال شيخنا الصفار يف جملس درس��ه عند الكالم عن قاعدة امليسور
واالستدالل بحديثي« :امليسور ال يسقط باملعسور» و«ما ال يدرك كله ال يرتك كله» ما
حاصله :إن روايات عوايل الآليل كلها مسانيد وليست مراسيل ،وذلك ملا ذكره ابن أيب
مجهور يف خامتة كتابه ،حيث ذكر طرقه إىل العالمة احليل ومن العالمة إىل الشيخ الطويس
وغريها من الطرق .بل حتى لو كانت رواياته مراسيل فليس مجيع املراسيل غري حجة،
بل يمكن أن تكون بعض املراسيل حجة إذا حصلت معها قرائن تفيد الوثوق .وال
خيفى أن ابن أيب مجهور من العلامء األجالء ،فال يبعد أن تكون رواياته حجة وإن كانت
مراسيل.
ثم ذكر جمموعة من النقود عىل الكتاب ومؤلفه مع الرد عليها ،قائالً:
أما النقود الواردة عىل الكتاب فأمور :منها :أنه حمتوى عىل روايات ال تناسب
املذهب .ومنها :أن كل املرويات فيه مراسيل وليس فيها خرب مسند ،واإلرسال من
أقوى موجبات الضعف يف األخبار .ومنها :أنه مشتمل عىل رواي��ات تستشم منه
املطالب العرفانية .ومنها :أنه مشتمل عىل ما يشعر بالغلو .ومنها :أنه مشتمل عىل بعض
مرويات العامة واملخالفني .ومنها :أنه تفرد بنقل أحاديث ال توجد يف غريه ..إىل غري
ذلك مما يطول الكالم بنقله.
وأما النقود املتوجهة إىل صاحب الكتاب فأمور ،منها :أنه كان من الغالة .ومنها:
أنه كان من العرفاء والصوفية .ومنها :أنه كان من الفالسفة .ومنها :أنه كان متساه ً
ال
يف النقل ألنه ينقل يف كتبه ما وجده من األخبار أينام كان .ومنها :أنه كان أخباري ًا.
ومنها :أنه كان غري متثبت وغري ضابط يف النقل ..إىل غري ذلك من وجوه االعرتاض
والتموهيات.
إذا عرفت ذلك فنقول :إن تلك النقود غري مقبولة ،بل مردودة جد ًا ،فنرشع يف
دفعها مع رعاية الرتتيب واالختصار.
أما اجلواب عن األول :أنه ليس فيه خرب صحيح يف خمالفة املذهب ،وما يستشم منه
ذلك فنظريه موجود يف الكتب املشتهرة واملجامع املعروفة ،فإن كان نقلها شين ًا فيتوجه
االعرتاض عىل سائر الكتب واختصاص نقده هبذا الكتاب مصداق املثل املعروف:
(باؤك جتر وبائي ال جتر؟!) ،مضاف ًا إىل أهنا قابلة للتأويل كام يف سائر كتب األخبار من
الكتب األربع وغريها.
األصل نزيل كاشان املتوىف بعد سنة (٨٥١هـ) بقليل ،وكان هذا الرجل من أعالم عرصه،
وكان يروى عن الفاضل املقداد وابن فهد وغريمها ،فلرياجع إىل معاجم الرتاجم.
وإين رأيت عدة نسخ من هذا الكتاب يف خزائن الكتب مشتملة عىل املشيخة
ونسخ ًا غري مشتملةِ ،
فمن َث َّم اشتبه األمر عىل َمن نسب اإلرسال إليه.
وأما اشتامله عىل روايات عرفانية ،وفيه :أن نظائرها موجودة يف الكتب احلديثية
املشهورة ،فليعامل معه نحو املعاملة مع تلك الكتب ،مضاف ًا إىل أن باب التأويل واسع.
وأما اإلشعار بالغلو ،فاجلواب عن هذا االعرتاض هو اجلواب عن سابقيه نقض ًا
وحالً.
وأما اشتامله عىل بعض مرويات العامة ،ففيه أن غرضه كون هذه الروايات -مع
قطع النظر عن نقل األصحاب -منقولة يف كتب العامة أيض ًا ،كام ال خيفى من جاس
خالل تلك الديار ،مضاف ًا إىل أن املعيار حجية اخلرب املوثوق بصدوره أي ًا من كان
الراوي ،كام هو التحقيق عند املتأخرين.
وأما تفرده بنقل ما ال يوجد يف غريه ،فهذا أيض ًا مما يرد عليه بعد تفرد كتب الشيعة
كاألُصول األربعامئة وغريها من الكتب املوجودة يف أقطار العامل وتوجه الفتن واملوبقات
إليها ،فاملحتمل قوي ًا عثوره عىل بعض تلك النسخ ،فهذه اخلصوصية موجودة يف بعض
كتب احلديث أيض ًا ،مضاف ًا إىل أن نقل مثل هذا الشيخ اجلليل بتلك الطرق السبعة
يورث الطمأنينة والوثوق بالصدور(((.
((( رسالة السيد املرعيش يف الدفاع عن الكتاب ومؤلفه ،مقدمة عوايل الآليل .٤١-٣٧/١
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 252
منها :إسناد الغلو إليه ،فأنت خبري بأن هذا توهم ال اعتداد به ،وهو جماب عنه نقض ًا
وحالً؛ أما النقض :فلرياجع إىل زبر احلديث ،فإنه ّ
قل ما يوجد كتاب مل ُيذكر فيه نبذة من
هذه األخبار املومهة للغلو ،فلو جاز اإلسناد يف الدين لكان هذا النقد متوجه ًا إىل مؤلفي
تلك الزبر واألسفار أيض ًا ،فإن كان وجه اإلسناد إىل ابن أيب مجهور غري ما يف كتاب
الغوايل فراجعوا إىل سائر تآليفه من املجيل والدرر العامدية واألقطاب والتعليقة عىل
أصول الكايف والتعليقة عىل الفقيه وغريها من آثاره املمتعة ورشحات قلمه الرشيف،
فام يقول املعرتضون يف حق كتب بقية العلامء فليقولوا يف حق هذا الشيخ كذلك.
وأما احلل :فلم َأر يف كلامته ما ُيشعر بذلك سوى نقله -نادر ًا -بعض الروايات
املومهة للغلو ،أو بعض خطاباته ألمري املؤمنني وأوالده الطاهرين بقوله( :وهم أئمتي
قبلتي وهبم أتوجه إىل اهلل) ،وأمثال هذه الكلامت التي شاع اخلطاب هبا بني الزعامء ،ومن
دوهنم يف كل قوم ورهط وبكل لسان .أفال ترى يف النشئات الفارسية قول املنشئني:
(قبله گاها) ونحوها من العبائر املعمولة يف املحاورات وخطابات األبناء إىل اآلباء،
ورصف نقل الرواية هل تدل عىل الغلو مع كون الرواية ذات حمامل قريبة وبعيدة ،حاشا
وكال.
وأما كونه من الصوفية :فنسبة هذه لصيق ٌة إىل الرجل الربيء مما نسب إليه وظلم
ٍ
فحينئذ تلك الكلمة يف حقه ،والفرق بني العرفان والتصوف غري خفي عىل املحققني،
والنسبة فرية بال مرية.
وأما نسب ُة الفلسفة إليه :فغري ضائر أيض ًا ،إذ الفلسفة علم عقيل ،برع فيه عد ٌة
253 عوايل اللآيل العزيزية يف الأحاديث الدينية
من علامء اإلس�لام؛ كشيخنا املفيد والرشيف املرتىض واملحقق الطويس والعالمة
احليل والسيد الداماد والفاضل السبزواري واملوىل عيل النوري واملوىل حممد إسامعيل
اخلواجوي األصفهاين وشيخنا البهائي والسيد حممد السبزواري املشتهر بـ(مريلوحي)
جد الشاب املجاهد الشهيد السيد جمتبى الشهري بـ(النواب الصفوي) والقايض سعيد
القمي واملتأله السبزواري وصدر املتأهلني الشريازي واملحدث الكاشاين ،وغريهم
كل ٍ
يشء وعلم ِّ الذين مجعوا بني العلوم النقلية والعقلية وهم يف أصحابنا مئات و ُألوف،
ُ
خري من جهله .فإن كان ذلك شين ًا فيتوجه النقد إليهم أيض ًا ،مع أهنم بمكان شامخ يف
ٌ
العلم بيشء االعتقا َد به وعقدَ القلب
ُ العلم والعمل والزهد والورع والتقى ،وال يستلزم
عليه ،جزاهم اهلل عن الدين خري ًا.
وأما إسناد التساهل إليه يف النقل :فهو إزراء يف حق هذا الرجل العظيم ،ويظهر
ذلك ملن أجال البرص ودقق النظر يف مشيخة هذا الكتاب.
وأما كونه أخباري ًا :فهو خالف ما يظهر من كلامته يف بعض كتبه ،كام هو غري مستور
عىل َمن راجع إىل آثاره ،ويبدو له أن املؤلف كان مذاقه متوسط ًا بني األُصولية واألخبارية،
ثم عىل فرض كونه أخباري ًا ،فذلك غري مرض بحجية منقوالته بعد االطمئنان بالصدور
كام ذكرنا وإال فيتوجه النقد إىل عدة كثرية من أصحابنا األعاظم؛ كشيخنا الكليني
والصدوق وصاحب قرب اإلسناد واألشعثيات وصاحبي البحار والوسائل والوايف
واحلدائق وغريهم ،فإنه ال فرق بيننا وبني األخبارية إال يف أمور قليلة؛ كحجية ظواهر
الكتاب هم نافوها ونحن مثبتوها ،وإجراء الرباءة يف الشبهات البدوية التحريمية هم
نافون ونحن مثبتون ،أو يف انفعال املاء القليل فإن أكثرهم ذهبوا إىل عدم االنفعال
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 254
واألكثر منا إىل االنفعال ،ومنجسية املتنجس فأكثرهم عىل عدمها وأكثرنا عىل ثبوهتا،
ووقوع التحريف فإن أكثرهم ذهبوا إىل الوقوع وأكثرنا -وهم املحققون -إىل العدم..
وهكذا.
ومن رام الوقوف عىل تلك الفروق فلرياجع إىل كتاب احلق املبني يف الفرق بني
املجتهدين واألخباريني لشيخنا العالمة األكرب الشيخ جعفر صاحب كتاب كشف
الغطاء.
وأما كونه غري متثبت وغري ضابط :و َلعمري إنه إسناد ٍ
يشء إىل َمن هو بري ٌء مما ُ َ
فمن أين ثبت كونه غري ضابط ،وها هو كتبه ورشحات قلمه السيال اجلوال نُسب إليهِ .
فلرياجع حتى يظهر احلق؟! إىل غري ذلك من وجوه االعرتاض عليه ،وكلها واهية غري
واردة.
وباجلملة ،إين سربت ما ترشح من قلم هذا العامل اجلليل يف الفنون العقلية والنقلية
ومنظوماته الكثرية فلم أجد ما يشينه ،جزاه اهلل عن العلم واإلسالم خري ًا ،وآجره
بام افترُ ي يف حقه ،وحرشه حتت لواء إمام املظلومني أمري املؤمنني روحي له الفداء،
وعصمنا من الزلل واخلطل يف القول والعقيدة والعمل .وهذه املظامل صارت سبب ًا لعدم
انتشار هذا الكتاب ...إلخ(((.
ِ
مجلة ما رواه الثقات ،عن النبي واألئمة اهلداة ،ليكون منهج ًا ُيقتدى به إىل معرفة
احلالل واحلرام(((.
وقال :وسميته عوايل الآليل العزيزية يف األحاديث الدينية ،ورتبته عىل مقدمة،
وبابني ،وخامتة .أما املقدمة ،ففيها فصول ،األول :يف كيفية إسنادي وروايتي جلميع ما
أنا ذاكره من األحاديث يف هذا الكتاب ،ويل يف ذلك طرق(((.
ثم ذكر طرق ًا سبعة تنتهي كلها إىل العالمة احليل ،وقال :فهذه الطرق السبعة
املذكورة مجيعها تنتهي عن املشايخ املذكورين ،إىل الشيخ مجال املحققني ،ثم منه ينتهي
الطريق إىل األئمة املعصومني ،إىل رسول رب العاملني ،بطرقه املعروفة له عن مشاخيه
الذين أخذ عنهم الرواي َة املتصل َة بأئمة اهلدى املنتهي إىل جدهم عليه أفضل الصلوات
وأكمل التحيات(((.
وقال أخري ًا :فبهذه الطرق -وبام اشتملت عليه من األسانيد املتصلة املعنعنة،
ِ
وصدق ِ
وصحة الفتوى، ِ
املشهورة الرجال ،بالعدالة والعلم، ِ
الصحيحة األسناد،
ِ
أحاديث الرسول وأئمة اهلدى عليه وعليهم مجيع ما أرويه وأحكيه ،مناللهجة -أروي َ
املتعلقة بالفقه والتفسريِ ،
واحل َك ِم واآلداب ،واملواعظ ،وسائر ِ أفضل الصالة والسالم،
ِ
مصنفات العلامء ،من أهل مجيع فنون العلوم الدنيوية واألخروية .بل وبه أروي
َ
ِ
وأقاويلهم يف مجيع فنون العلم ،وفتاواهم وأحكامهم املتعلقة ِ
احلكمة، اإلسالم وأهل
بالفقه وغريه ،من السري والتواريخ واألحاديث .فجميع ما أنا ذاكره يف هذا الكتاب
من األحاديث النبوية واإلمامية طريقي يف روايتها وإسنادها وتصحيحها هذه الطرق
ملهم الصواب،
ُ املذكورة عن هؤالء املشايخ املشهورين بالعلم والفضل والعدالة ،واهلل
والعاصم من اخلطاء واخلطل واالضطراب(((.
ُ
إنه قد يستفاد من هذه املقدمة أن ابن أيب مجهور يروي مجيع روايات كتابه هبذه
األسناد والطرق ،وعليه فتكون رواياته مجيع ًا مسند ًة صحيح ًة .أما اإلسناد فألجل ما
طرق إىل العالمة احليل ،والعالم ُة له ٌ
طرق إىل مرويات الشيخ ذكره من الطرق ،فإهنا ٌ
الطويس ،والشيخ له ٌ
طرق إىل مجيع املصنفات.
ٍ
كتاب جام ٍع ألشتات هذا مضاف ًا إىل قوله يف الديباجة :حداين ذلك إىل مج ِع
املتفرقات ،من ِ
مجلة ما رواه الثقات ،عن النبي واألئمة اهلداة((( ،فهو توثيق عام
لرواة كتابه ،شبي ٌه بتوثيق ابن قولويه يف كامل الزيارة وعيل بن إبراهيم يف تفسريه.
التحقيق
الذي ينبغي أن يقال أمور:
أوالً :إن عمدة الدليل عىل قبول خرب الواحد هو سرية العقالء ،وهل نجزم
بجرياهنا يف األخذ بأخبار كتاب العوايل؟ وكيف يمكن اجلزم بجريان سريهتم عىل ذلك
مع طعن بعض األعالم يف الكتاب وفيِ مصنفه؟ وقد عرفت أنه قد طعن فيه َمن ليس
دأ ُب ُه الطع َن يف األخبار ،وهو املحدث البحراين.
ثاني ًا :إن َمن يبني عىل مسلك الوثوق واالطمئنان يف قبول األخبار نسأله :هل
هناك وثوق واطمئنان بحجية أخبار كتاب العوايل مع وجود الطعون يف الكتاب وفيِ
رابع ًا :إن مرويات الشيخ الطويس ليست مقبول ًة عىل نحو املوجبة الكلية ،بل ال
طرق الشيخ إىل أصحاب الكتب واألُصول ،فإذا كان هذا هو حال بد من مالحظة ِ
مرويات الشيخ ،فكيف تكون مرويات ابن أيب مجهور كلها مقبول ًة وهي مروي ٌة بواسطة
الشيخ؟!
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 258
خامس ًا :بل حتى لو كان طريق الشيخ إىل صاحب الكتاب صحيح ًا ،ال بد من
مالحظة طريق صاحب الكتاب إىل اإلمام املعصوم .فال نحكم بصحة طريق الشيخ
إىل اإلمام رأس ًا ،بل ال بد من جتاوز هذه العقبات من خالل البحث والتنقيب ،فكيف
ِ
صحة االعتامد عىل مرويات ابن أيب مجهور مع أنه يروي عن الشيخ بواسطة تصح دعوى
العالمة؟
***
259 ب�صائر الدرجات يف ف�ضائل �آل حممد
قال العالمة املجليس :وكتاب بصائر الدرجات من األُصول املعتربة التي روى
عنها الكليني وغريه(((.
ويرى بعض الباحثني أن حممد بن احلسن الصفار يف كتابه بصائر الدرجات أول
من مجع ونرش الروايات حول اإلمامة ومقام اإلمامة ،وبذلك فتح باب ًا جديد ًا يف املعارف
والعقائد(((.
ثم إن للكتاب نسختني :صغرية وكبرية .قال احلر العاميل :كتاب بصائر الدرجات
الصغرى ملحمد بن احلسن الصفار رمحه اهلل تعاىل وكتاب بصائر الدرجات الكربى له.
ونص يف آخر الوسائل :كتاب بصائر الدرجات للشيخ الثقة الصدوق حممد بن احلسن
ثم إنه يوجد لوجود النسختني تفسريان :األول :ما يبدو من حمقق كتاب البصائر،
وحاصله :أن كتاب البصائر كان صغري ًا يف بداية أمره ،ثم أضاف عليه املصنف فصار
كبري ًا .قال :والذي ظهر لنا بعد التتبع أن بصائر الدرجات كان للمصنف قده يف األول
كتاب ًا صغري ًا خمالف ًا يف ترتيب أبوابه ،ثم زاد عليه مصنفه ورتبه إىل أن بلغ ما بأيدينا(((.
ومن الغريب أنه استشهد بام قاله احلر العاميل من وجود نسختني :صغرى وكربى،
وهو كام ترى ،فإن ذلك ال يثبت صحة تفسريه لوجود النسختني .وقال الشيخ املحسني
عن هذا التفسري :وليس ملا استظهره أخري ًا دليل(((.
((( ً
نقال عن بصائر الدرجات (املقدمة).٥ :
((( بصائر الدرجات (املقدمة).٥ :
((( بحوث يف علم الرجال.٤٢٧ :
261 ب�صائر الدرجات يف ف�ضائل �آل حممد
ثم إن املطبوع هو النسخة الكربى منه ،وتوجد هلا نسخة خمطوطة قديمة ،كتبها أبو
النرص عيل بن حممد يف غرة صفر سنة (591هـ) ،فيها أحاديث غري موجودة يف املطبوع،
وهذه النسخة حمفوظة يف املكتبة العامة للسيد املرعيش النجفي يف قم املقدسة.
القمي ،قال :حدثنا حممد بن احلسن بن الوليد عنه هبا .وأخربنا أبو عبد اهلل بن شاذان
قال :حدثنا أمحد بن حممد بن حييى عن أبيه عنه بجميع كتبه وببصائر الدرجات .تويف
حممد بن احلسن الصفار بقم سنة تسعني ومائتني.(((
أقول :يظهر من كالم النجايش أوالً :أن كتاب البصائر هو أحد كتبه ،وليست تلك
التي ذكرها أبواب ًا للبصائر .وثاني ًا :إن طريقه إىل البصائر هو بواسطة أيب عبد اهلل بن
شاذان عن أمحد بن حممد بن حييى عن أبيه حممد بن حييى عن الصفار ،والطريق ال بأس
به ،فإن أبا عبد اهلل بن شاذان من مشايخ النجايش ،وهو ثقة خالف ًا للشيخ املحسني(((،
وأمحد بن حممد بن حييى من مشايخ اإلجازة ،وهو أيض ًا ثقة خالف ًا للسيد اخلوئي.(((
وقال الشيخ يف الفهرست :حممد بن احلسن الصفار ،قمي .له كتب مثل كتب
احلسني بن سعيد ،وزيادة كتاب بصائر الدرجات وغريه ،وله مسائل كتب هبا إىل أيب
حممد احلسن بن عيل العسكري .أخربنا بجميع كتبه ورواياته اب ُن أيب جيد ،عن ابن
الوليد ،عنه .وأخربنا بذلك أيض ًا مجاعة ،عن ابن بابويه ،عن حممد بن احلسن ،عن حممد
بن احلسن الصفار ،عن رجاله ،إال كتاب بصائر الدرجات ،فإنه مل يروه عنه اب ُن الوليد.
احلسني بن عبيد اهلل ،عن أمحد بن حممد بن حييى ،عن أبيه ،عن الصفار(((.
ُ وأخربنا به
واملالحظ أن للشيخ طريق ًا واحد ًا إىل كتاب البصائر وهو :عن الغضائري األب،
كتب الصفار ،وربام السبب يف ذلك هو أن ابن الوليد كان يشكل عىل مضمون كتاب
البصائر ويراه غلو ًا.
وطريقه إليه يف املشيخة :أبو عبد اهلل حممد بن حممد بن النعامن ،واحلسني بن عبيد
اهلل ،وأمحد بن عبدون ،كلهم عن أمحد بن حممد بن احلسن بن الوليد ،عن أبيه .وأيض ًا:
أبو احلسني بن أيب جيد ،عن حممد بن احلسن بن الوليد ،عنه(((.
أقول :يوجد يف الطريق األول أمحد بن عبدون وهو معترب عىل املختار ،وأمحد بن
حممد بن احلسن بن الوليد وهو أيض ًا مقبول عىل املختار ألنه شيخ إجازة .ويوجد يف
الطريق الثاين ابن أيب جيد وهو من مشايخ النجايش ،فهو ثقة عىل املختار.
قال السيد اخلوئي :كام أن طريق الشيخ إليه صحيح يف غري كتاب بصائر الدرجات،
بل فيه أيض ًا عىل األظهر ،فإن يف طريقه ابن أيب جيد ،فإنه ثقة ،ألنه من مشايخ النجايش(((.
وقال الصدوق يف مشيخته :وما كان فيه عن حممد بن احلسن الصفار فقد رويته
عن حممد بن احلسن بن أمحد بن الوليد ريض اهلل عنه عن حممد بن احلسن الصفار(((.
وهذا الطريق معترب أيض ًا.
هذا مضاف ًا إىل إشكال آخر ،وهو أنه توجد نسختان للكتاب :صغرية وكبرية ،فأي
النسختني وصلت إىل املتأخرين؟ هذا ما يزيد يف اإلشكال.
قال الشيخ املحسني :وعمدة الكالم هو :السؤال عن النسخة املخطوطة له ،وأنه
من زمان الشيخ إىل زمان املجليس واحلر العاميل أين كانت؟ وهل هي منترشة بني العلامء
أم ال؟ وعىل األول أية نسخة كانت مشتهرة منترشة ،الصغرى أو الكربى؟ وهل يفرق
بني الكربى وبني هذه النسخة املطبوعة التي فيها ( )١٨٨١حديث ًا بحساب املعلق؟ ليس
عندي جواب ،واهلل العامل .وقد عرفت أنه ال اعتبار بأحاديثه املروية يف البحار والوسائل
لعدم العلم ،بل ولعدم الظن بوصول نسخة منه إليهام معنعنة عن الشيخ أو عن املؤلف،
فهي مرسلة مأخوذة بالوجادة ظاهر ًا(((.
نعم ،ما ينقله الصدوق والشيخ والكليني رمحهم اهلل عنه ال بأس به لصحة طريق
األولني إليه كام مر .وإذا كان سندُ الكليني إليه معترب ًا أيض ًا فال بأس باألخذ به.
تنبيهات
األول :إن هناك كتاب ًا آخر بعنوان بصائر الدرجات ،إال أنه لسعد بن عبد اهلل
فال خيتلط عليك األمر(((.
قال الشيخ آغا بزرگ الطهراين :بصائر الدرجات يف املناقب يف أربعة أجزاء كام
رصح به الشيخ يف الفهرست ،وقال النجايش( :إنه لشيخ الطائفة أيب القاسم سعد بن
عبد اهلل بن أيب خلف األشعري القمي املتوىف سنة (٢٩٩هـ) أو سنة (٣٠١هـ) ،ومل يعني
عدة أجزائه ،وقد اخترص البصائر هذا الشيخ حسن بن سليامن بن حممد بن خالد احليل
تلميذ الشيخ الشهيد وصاحب (إثبات الرجعة) كام مر ،ومع ترصيح الشيخ والنجايش
بأن بصائر الدرجات لسعد بن عبد اهلل ال وجه ملا استظهره صاحب الرياض يف ترمجة
الشيخ حسن بن سليامن املذكور من أن أصل بصائر الدرجات لغري سعد بن عبد اهلل
وأن سعد بن عبد اهلل اخترص البصائر فله خمترص البصائر ،ثم إن الشيخ حسن بن سليامن
انتخب من هذا املخترص كتابه املشهور بـ(منتخب البصائر)(((.
الثاين :يرى بعض الباحثني أن كتاب بصائر الدرجات هو يف الواقع لسعد بن عبد
اهلل إال أن الصفار هو الراوي له.
توضيح ذلك :إن بصائر الدرجات الذي ينسب إىل حممد بن احلسن الصفار هو
يف احلقيقة رواية عن كتاب سعد بن عبد اهلل القمي ،وحسب هذا الفرض جدّ د حممد
بن حييى العطار الذي كان يعارص سعد بن عبد اهلل قس ًام من أحاديث كتاب بصائر
الدرجات بطريقة االستخراج يف نص وحذف االسم الواسط لألحاديث يعني سعد
أن هناك بعض الروايات ُأضيفت عليها ،واحلكمة يف وجود اسم حممد
بن عبد اهلل ،غري ّ
بن حسن الصفار يف بداية الروايات هي ّ
أن حممد بن حييى نقل يف هذا الكتاب أحاديث
كثرية عن طريق حممد بن حسن الصفار ،ويف احلقيقة إنه نقل روايات سعد عن طريق
أستاذه حممد بن حسن الصفار(((.
بعض آخر أن كتاب البصائر هو للصفار ،لكن قام سعد بن عبد اهلل بتلخيصه،
ويرى ٌ
ببيانّ :
أن أصل كتاب بصائر الدرجات كان من حممد بن حسن الصفارّ ،
ولـخصه سعد
بن عبد اهلل األشعري ،واختار الشيخ حسن بن سليامن بعض ًا منه ،ويف بعض األحيان
أضاف روايات عليه ،وهذا هو السرّ يف أننا نجد كثري ًا من روايات هذا الكتاب تشابه
روايات بصائر الدرجات للصفار.
كتاب بصائر الدرجات ،مع أنه روى مجيع الثالث :قد عرفت أنه مل ِ
يرو اب ُن الوليد َ
كتب الصفار حسب ما ذكر النجايش والشيخ ،وقد يكون السبب يف ذلك هو أن ابن
الوليد استشم من الكتاب رائحة الغلو.
من هنا قال السيد السيستاين :أن بصائر الدرجات من الكتب التي أعرض عنها
األكابر ،وإذ مل يذكره ابن بابويه وأمثاله ...أو هناك شواهد عىل أن بصائر الدرجات من
(1) http://ansari.kateban.com/post/3188.
267 ب�صائر الدرجات يف ف�ضائل �آل حممد
وقد نقل املامقاين يف تنقيح املقال عن الوحيد البهبهاين أنه قال :كان جدي -أي
العالمة املجليس -يرى أن عدم رواية ابن الوليد لكتاب بصائر الدرجات هو ألجل
الغلو فيه(((.
إال أن بعض ًا آخر شكك يف هذا األمر ،ومل جيزم بأن ابن الوليد كان يرى ما يف
الكتاب غلو ًا .قال الشيخ املحسني :وجمرد عدم رواية ابن الوليد البصائر ال يقدح يف
اعتباره ،ألن أسباب عدم الرواية متعددة ،فتأمل(((.
الرابع :ينقل بعض الباحثني أن الصفار يروي يف بصائر الدرجات عن أمحد بن
حممد ( )٥٠١رواية ،وعن حممد بن احلسني ( )٢١٧رواية ،وعن حممد بن عيسى بن
عبيد ( )١١٠رواية ،وعن إبراهيم بن هاشم ( )١٠٥رواية ،وعن يعقوب بن يزيد ()٩٥
رواية ،وعن عبد اهلل بن حممد بن عيسى األشعري ( )٥٨رواية ،وعن حممد بن عبد
اجلبار القمي ( )٥٣رواية ،وعن عبد اهلل بن جعفر احلمريي ( )٢٨رواية ،وعن العباس
بن معروف ( )٢٧رواية ،وعن احلسني بن حممد بن عمران األشعري ( )٢١رواية(((.
***
وعده يف رجاله يف أصحاب الكاظم قائالً :موىل ثقة ،ويف أصحاب الرضا
قائالً :موىل بجيلة كويف ثقة(((.
وعده الكيش من الفقهاء الذين أمجع أصحابنا عىل تصحيح ما يصح عنهم عند
تسمية الفقهاء من أصحاب أيب إبراهيم وأيب احلسن الرضا.(((
وقال الكيش يف ترمجته :احلسن بن حمبوب :عيل بن حممد القتيبي قال :حدثني
جعفر بن حممد بن احلسن بن حمبوب نسبة جده احلسن بن حمبوب أن احلسن بن حمبوب
بن وهب بن جعفر بن وهب ،وكان وهب عبد ًا سندي ًا مملوك ًا جلرير بن عبد اهلل البجيل
زراد ًا ،فصار إىل أمري املؤمنني وسأله أن يبتاعه من جرير ،فكره جرير أن خيرجه من
يده ،فقال :الغالم حر قد أعتقته ،فلام صح عتقه صار يف خدمة أمري املؤمنني .ومات
احلسن بن حمبوب يف آخر سنة أربع وعرشين ومائتني ،وكان من أبناء مخس وسبعني
سنة ...أمحد بن عيل القمي السلويل قال :حدثني احلسن بن خرزاذ ،عن احلسن بن عيل
بن النعامن ،عن أمحد بن حممد بن أيب نرص ،قال :قلت أليب احلسن الرضا :إن احلسن
بن حمبوب الزراد أتانا برسالة ،قال« :صدق ،ال تقل :الزراد ،بل قل :الرساد ،إن اهلل
الس ِد﴾ » .قال نرص بن الصباح :ابن حمبوب مل يكن يروي عنرَّ ْ
تعاىل يقولَ ﴿ :و َقدِّ ْر فيِ
ابن فضال ،بل هو أقدم من ابن فضال وأس ّن ،وأصحابنا يتهمون ابن حمبوب يف روايته
عن ابن أيب محزة ،وسمعت أصحابنا أن حمبوب ًا أبا احلسن كان يعطي احلسن بكل حديث
والعجيب أن النجايش مل يرتجم للحسن بن حمبوب يف رجاله ،مع أنه قد ذكره يف
ترمجة جعفر بن بشري قائالً :له كتاب املشيخة مثل كتاب احلسن بن حمبوب إال أنه أصغر
منه((( ،وأيض ًا ذكر يف ترمجة داوود بن كورة أنه ّبوب كتاب املشيخة للحسن بن حمبوب
الرساد عىل معاين الفقه((( ،وهذا يعني أنه كان مطلع ًا عىل كتابه املشيخة.
وقال الشيخ يف مشيخة التهذيب :ومن مجلة ما ذكرته عن احلسن بن حمبوب ما
رويته هبذه األسانيد عن عيل بن إبراهيم عن أبيه عن احلسن بن حمبوب((( ،والطريق
معترب.
وقال يف الفهرست :أخربنا بجميع كتبه ورواياته :عدة من أصحابنا ،عن أيب جعفر
حممد بن عيل بن احلسني بن بابويه القمي ،عن أبيه ،عن سعد بن عبد اهلل ،عن اهليثم بن
أيب مرسوق ،ومعاوية بن حكيم ،وأمحد بن حممد بن عيسى ،عن احلسن بن حمبوب.
وأخربنا ابن أيب جيد ،عن ابن الوليد ،عن الصفار ،عن أمحد بن حممد ،ومعاوية بن
حكيم ،واهليثم بن أيب مرسوق ،كلهم عن احلسن بن حمبوب .وأخربنا :أمحد بن حممد
بن موسى بن الصلت ،عن أمحد بن حممد بن سعيد بن عقدة ،عن جعفر بن عبيد اهلل،
عن احلسن بن حمبوب .وأخربنا بكتاب املشيخة قراءة عليه أمحد بن عبدون ،عن عيل
بن حممد بن الزبري ،عن أمحد بن احلسني بن عبد امللك األزدي األودي ،عن احلسن بن
حمبوب(((.
***
قال الشيخ آغا بزرگ الطهراين :أصل سليم بن قيس اهلاليل أيب صادق العامري
والباقر،
َ وعيل ب َن احلسني
َّ واحلسني
َ أمري املؤمنني علي ًا واحلس َن
الكويف التابعي .أدرك َ
وتويف يف حياة عيل بن احلسني متسرت ًا عن احلجاج أيام إمارته .هو من األُصول القليلة
التي أرشنا إىل أهنا ُألفت قبل عرص الصادق.(((
وقال :كتاب سليم هذا من األُصول الشهرية عند اخلاصة والعامة .قال ابن النديم:
«هو أول كتاب ظهر للشيعة» ،ومراده أنه أول كتاب ظهر فيه أمر الشيعة ،كام ُأشري إليه
يف احلديث توصيفه بأنه أبجد الشيعة .وقال القايض بدر الدين السبكي املتوىف سنة
(٧٦٩هـ) يف (حماسن الوسائل يف معرفة األوائل)« :أن أول كتاب ُصنّف للشيعة هو
كتاب سليم بن قيس اهلاليل» .أقول( :كتاب السنن) تصنيف أيب رافع املتوىف يف العرش
اخلامس واشرتى معاوية داره بعد موته مقدّ ٌم عاد ًة عىل تصنيف سليم املتوىف يف إمارة
احلجاج حدود سنة (٩٠هـ)(((.
قال النجايش :سليم بن قيس اهلاليل له كتاب ،يكنى أبا صادق ،أخربين عيل بن
أمحد القمي ،قال :حدثنا حممد بن احلسن بن الوليد ،قال :حدثنا حممد بن أيب القاسم
ماجيلويه ،عن حممد بن عيل الصرييف ،عن محاد بن عيسى وعثامن بن عيسى ،قال محاد
((( املصدر.
((( املصدر.
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 274
بن عيسى :وحدثناه إبراهيم بن عمر اليامين ،عن سليم بن قيس بالكتاب(((.
وقال يف ترمجة هبة اهلل أمحد بن حممد الكاتب :وكان يتعاطى الكالم وحيرض جملس
أيب احلسني بن الشيبة العلوي الزيدي املذهب ،فعمل له كتاب ًا ،وذكر أن األئمة ثالثة
عرش مع زيد بن عيل بن احلسني ،واحتج بحديث يف كتاب سليم بن قيس اهلاليل أن
األئمة اثنا عرش من ُولد أمري املؤمنني.(((
وقال الشيخ يف الفهرست :سليم بن قيس اهلاليل :يكنى أبا صادق ،له كتاب
أخربنا به ابن أيب جيد ،عن حممد بن احلسن بن الوليد ،عن حممد بن أيب القاسم امللقب
بـ(ماجيلويه) ،عن حممد بن عيل الصرييف ،عن محاد بن عيسى وعثامن بن عيسى ،عن
أبان بن أيب عياش ،عنه ،ورواه محاد بن عيسى ،عن إبراهيم بن عمر اليامين ،عنه(((.
أقول :الحظ كيف ذكر النجايش والشيخ له طريقني :أحدمها ينتهي إىل أبان بن أيب
عياش عن سليم ،والثاين ينتهي إىل إبراهيم بن عمر عن سليم.
وعدّ ه الربقي من األولياء من أصحاب أمري املؤمنني ،ويف أصحاب أيب حممد
احلسن بن عيل ،وأيب عبد اهلل احلسني بن عيل من أصحاب أمري املؤمنني ،وكنّاه
يف األخري بـ(أيب صادق) ،وعدّ ه يف أصحاب السجاد من أصحاب أمري املؤمنني
مقترص ًا عىل كنيته ،وقال عند عده يف أصحاب الباقر من أصحاب أمري املؤمنني:
أبو صادق سليم بن قيس اهلاليل(((.
وقال الكيش :سليم بن قيس اهلاليل .حدثني حممد بن احلسن الرباثي ،قال :حدثنا
احلسن بن عيل بن كيسان ،عن إسحاق بن إبراهيم بن عمر اليامين ،عن ابن أذينة ،عن
أبان بن أيب عياش ،قال :هذا نسخة كتاب سليم بن قيس العامري ثم اهلاليل دفعه إىل
أبان بن أيب عياش وقرأه ،وزعم أبان أنه قرأه عىل عيل بن احلسني .قال« :صدق سليم
رمحة اهلل عليه ،هذا حديث نعرفه».
حممد بن احلسن ،قال :حدثنا احلسن بن عيل بن كيسان ،عن إسحاق بن إبراهيم،
عن ابن أذينة ،عن أبان بن أيب عياش ،عن سليم بن قيس اهلاليل ،قال :قلت ألمري
املؤمنني :إين سمعت من سلامن ومن مقداد ومن أيب ذر أشياء يف تفسري القرآن ومن
الرواية عن النبي ،وسمعت منك تصديق ما سمعت منهم ،ورأيت يف أيدي الناس
أشياء كثرية من تفسري القرآن ومن األحاديث عن نبي اهلل أنتم ختالفوهنم -وذكر
احلديث بطوله -قال أبان :فقدر يل بعد موت عيل بن احلسني أين حججت ،فلقيت
أبا جعفر حممد بن عيل ،فحدثت هبذا احلديث كله مل أخطئ منه حرف ًا ،فاغرورقت
عيناه ،ثم قال« :صدق سليم ،قد أتى أيب بعد قتل جدي احلسني ،وأنا قاعد عنده
فحدثه هبذا احلديث بعينه ،فقال له أيب :صدقت قد حدثني أيب وعمي احلسن هبذا
احلديث ،عن أمري املؤمنني فقاال لك :صدقت ،قد حدثك بذلك ونحن شهود ،ثم
حدثناه أهنام سمعا ذلك من رسول اهلل» ،ثم ذكر احلديث بتاممه(((.
أقول :إن الناقل هلذين احلديثني أبان بن أيب عياش ،وهو ممن مل تثبت وثاقته ،فال
جمال للجزم بأن الكتاب قد ُعرض عىل األئمة األطهار.
وقال ابن شهرآشوب يف معامل العلامء :سليم بن قيس اهلاليل صاحب األحاديث
له كتاب(((.
قال :سليم بن قيس اهلاليل العامري .روى عن أيب عبد اهلل ،واحلسن،
واحلسني ،وعيل بن احلسني ،وينسب إليه هذا الكتاب املشهور ،وكان أصحابنا
يقولون :إن سلي ًام ال يعرف وال ذكر يف خرب ،وقد وجدت ذكره يف مواضع من غري جهة
كتابه وال من رواية أبان بن أيب عياش ،وقد ذكر ابن عقدة يف رجال أمري املؤمنني
أحاديث عنه ،والكتاب موضوع ال مرية فيه ،وعىل ذلك عالمات فيه تدل عىل ما
ذكرناه ،منها :ما ذكر أن حممد بن أيب بكر وعظ أباه عند املوت ،ومنها :أن األئمة ثالثة
عرش ،وغري ذلك ،وأسانيد هذا الكتاب ختتلف تارة برواية عمر بن ُأذينة ،عن إبراهيم
بن عمر الصنعاين ،عن أبان بن أيب عياش ،عن سليم ،و(تارة) يروي عن عمر ،عن أبان
بال واسطة(((.
وقال يف ترمجة أبان بن أيب عياش :ونسب أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس
إليه(((.
ويظهر من الشيخ املفيد يف آخر كتابه تصحيح االعتقاد التوقف يف العمل بجميع
ما يف الكتاب ألنه غري موثوق به .قال :وأما ما تعلق به أبو جعفر من حديث سليم
الذي رجع فيه إىل الكتاب املضاف إليه برواية أبان بن أيب عياش ،فاملعنى فيه صحيح،
غري أن هذا الكتاب غري موثوق به ،وقد حصل فيه ختليط وتدليس ،فينبغي للمتدين أن
جيتنب العمل بكل ما فيه ،وال يعول عىل مجلته والتقليد لروايته ،وليفزع إىل العلامء فيام
تضمنه من األحاديث ،ليوقفوه عىل الصحيح منها والفاسد ،واهلل املوفق للصواب(((.
قال النعامين يف كتاب الغيبة يف باب ما روي يف أن األئمة اثنا عرش إمام ًا :وليس
خالف يف أن كتاب سليم بن
ٌ بني مجيع الشيعة -ممن محل العلم ورواه عن األئمة-
قيس اهلاليل أصل من أكرب كتب األُصول ،التي رواها أهل العلم محلة حديث أهل
البيت وأقدمها ،وإن مجيع ما اشتمل عليه هذا األصل إنام هو عن رسول اهلل،
وأمري املؤمنني ،واملقداد ،وسلامن الفاريس ،وأيب ذر ،و َمن جرى جمراهم ممن شهد
رسول اهلل ،وأمري املؤمنني وسمع منهام ،وهو [من] األُصول التي ترجع الشيعة
إليها وتعول عليها ،وإنام أوردنا بعض ما اشتمل عليه الكتاب وغريه من وصف رسول
إن األئم َة من
اهلل واألئمة االثني عرش ،وداللته عليهم وتكرير ذكر عدهتم ،وقولهّ :
وقال العالمة املجليس يف مقدمة البحار :وكتاب سليم بن قيس يف غاية االشتهار،
وقد طعن فيه مجاعة ،واحلق أنه من األُصول املعتربة ،وسنتكلم فيه ويف أمثاله يف املجلد
اآلخر من كتابنا ،وسنورد أسناده يف الفصل اخلامس(((.
وقال السيد هاشم البحراين :هو كتاب مشهور معتمد ،نقل منه املصنفون يف
كتبهم(((.
وقال احلر العاميل :والذي وصل إلينا من نسخه ليس فيه يشء فاسد ،وال يشء مما
استدل به عىل الوضع ،ولعل املوضوع الفاسد غريه ،ولذلك مل يشتهر ومل يصل إلينا(((.
وقال ابن الغضائري :أبان بن أيب عياش -واسم عياش هارون -تابعي ،روى عن
أنس بن مالك ،وروى عن عيل بن احلسني ،ضعيف ال ُيلتفت إليه ،وينسب أصحابنا
وضع كتاب سليم بن قيس إليه(((.
واحلسني.(((
وقال السيد اخلوئي :مل نظفر برواية محاد بن عيسى ،وعثامن بن عيسى ،عن أبان
بن أيب عياش(((.
من هنا قال الشيخ آغا بزرگ الطهراين :ولكن يرويه غري أبان أيض ًا عن سليم
بغري مناولة كام يظهر من األسانيد ،فممن يروي عن سليم بغري مناولة إبراهيم بن عمر
اليامين ،فإنه يروي محاد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر عن سليم بال واسطة ،وقد رصح
هبذا السند النجايش والشيخ الطويس ،وال ينافيه ثبوت الواسطة أيض ًا ،كام وقع يف
(إثبات الرجعة) من رواية حممد بن إسامعيل بن بزيع عن محاد بن عيسى املذكور عن
إبراهيم بن عمر اليامين عن أبان بن أيب عياش عن سليم ،وكذا يف أسانيد ُأخرى ،بل
يظهر منهام أن إبراهيم يروي عن سليم بال واسطة وبواسطة أبان أيض ًا ،بل يف بعض
األسانيد يروي عنه بوسائط كثرية ،كام يف صدر بعض نسخ أصل سليم هكذا( :عن
إبراهيم بن عمر اليامين عن عمه عبد الرزاق بن مهام الذي تويف سنة (٢١١هـ) عن أبيه
مهام بن نافع الصنعاين احلمريي عن أبان بن أيب عياش عن سليم بن قيس) .وأيض ًا:
(إبراهيم عن عبد الرزاق عن معمر بن راشد عن أبان عن سليم بن قيس) ،وذلك ألن
هؤالء كانوا متعارصين ،وألجل تكثري الطرق املفيد لكثرة الوثوق كان يتحمل بعضهم
عن بعض ،وإن كان له طريق أعىل وبال واسطة(((.
وقال :من هنا ظهر أن مراد السيد عيل بن أمحد العقيقي و َمن تبعه مثل ابن النديم
وغريه من عدم رواية غري أبان عن سليم ليس إال عدم مناولة كتابه لغري أبان أو اإلخبار
بعدم االطالع عىل رواية غري أبان عن سليم ،فال ينايف ما وجدناه من رواية غريه عنه يف
كتب القدماء املؤلفة قبل هؤالء ،فإن إخبارهم بالعلم بالعدم مع أنه جزاف ال جيدي لنا
مع كشف اخلالف ،وال سيام مع اعرتاف ابن الغضائري الذي مل ينتقد كتاب سليم غريه
وقال :إبراهيم بن عمر اليامين الذي مر أنه ممن يروي عن سليم بال واسطة أيض ًا،
و(منهم) مهام بن نافع الصنعاين كام يف سند بعض نسخ أصل سليم ،و(منهم) حممد بن
مروان السندي كام يف السند املذكور يف تفسري فرات ،و(منهم) نرص بن مزاحم كام يف
السند املذكور يف تفسري حممد بن العباس بن ماهيار(((.
وقد تبع السيد اخلوئي الشيخ الطهراين يف دعوى رواية إبراهيم بن عمر عن سليم،
قائالً :وأما ما ذكره ابن الغضائري من انحصار راوي كتاب سليم بن قيس بأبان ،فريده
ما ذكره النجايش ،والشيخ من رواية محاد بن عيسى ،عن إبراهيم بن عمر الصنعاين،
عنه كتابه(((.
وأشكل سيدنا األُستاذ بأنه ال يمكن أن يروي إبراهيم بن عمر عن سليم بن قيس
مبارشة؛ ألن سليم من الطبقة الثانية وإبراهيم بن عمر من أحداث الطبقة الرابعة .وأما
الروايات التي يبدو منها رواية إبراهيم بن عمر عن سليم مبارشة ففيها سقط ،والظاهر
أن الواسطة بينهام هو أبان بن أيب عياش.
قال :ولكن من املظنون قوي ًا وقوع السقط يف السند املذكور يف الكتابني ،فإن
سليم بن قيس من الطبقة الثانية ،وإبراهيم بن عمر من أحداث الطبقة الرابعة ،والظاهر
أنه مل يدركه ...وبذلك يظهر أن ما ورد يف بعض مواضع الكايف من رواية إبراهيم بن
أقول :هذا االستغراب غريب! فإن رواية إبراهيم بن عمر ،عن سليم مع الواسطة
أحيان ًا ال ينايف روايته عنه كتابه بال واسطة ،فإن إبراهيم بن عمر من أصحاب الباقر،
فيمكن أن يروي عن سليم بال واسطة(((.
أقول :إن الشيخ عدّ سلي ًام يف رجاله من أصحاب اإلمام الباقر ،وذكر النجايش
أن إبراهيم بن عمر قد روى عن الباقر أيض ًا .وعليه ،فيوجد احتامل عقالئي بأن
إبراهيم بن عمر قد روى عن سليم مبارشة.
هذا ،وخيطر يف البال احتامل آخر :وهو أن إبراهيم بن عمر قد روى عن كتاب
سليم مرة بواسطة أبان و ُأخرى من دون واسطة ،وذلك فيام إذا وجد الكتاب عند أبان
ونظر فيه فروى عنه ،ولعل قول الشيخ آغا بزرگ( :بغري مناولة) يشري إىل ذلك.
قال النجايش :إبراهيم بن عمر اليامين الصنعاين شيخ من أصحابنا ثقة روى عن أيب
جعفر وأيب عبد اهلل ،ذكر ذلك أبو العباس وغريه .له كتاب يرويه عنه محاد بن عيسى
وغريه ،أخربنا حممد بن عثامن قال :حدثنا أبو القاسم جعفر بن حممد قال :حدثنا عبيد
اهلل بن أمحد بن هنيك قال :حدثنا ابن أيب عمري عن محاد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر
به(((.
وقال ابن الغضائري :إبراهيم بن عمر ،الصنعاين ،اليامين ،يكنى أبا إسحاق.
ضعيف جد ًا .روى عن أيب جعفر ،وأيب عبد اهلل ،وله كتاب(((.
أقول :إن تضعيف إبراهيم مبني عىل قبول تضعيفات ابن الغضائري ،وأما َمن ال
يقبلها فتوثيق النجايش يبقى بال معارض.
ثم إنه يوجد أبو سمينة حممد بن عيل الصرييف يف طريق رواية إبراهيم بن عمر ،وهو
ضعيف.
فقد ضع ّفه النجايش رصحي ًا ،قائالً :حممد بن عيل بن إبراهيم بن موسى أبو جعفر
القريش ،موالهم صرييف ...وكان يلقب حممد بن عيل أبا سمينة ،ضعيف جد ًا ،فاسد
االعتقاد ،ال ُيعتمد يف يشء ،وكان ورد قم ،وقد اشتهر بالكذب بالكوفة ،ونزل عىل
أمحد بن حممد بن عيسى مدة ،ثم تشهر بالغلو فجفا ،وأخرجه أمحد بن حممد بن عيسى
عن قم ،وله قصة(((.
وقال عنه ابن الغضائري :حممد بن عيل بن إبراهيم الصرييف ،ابن أخت خالد
وقد استثنى ابن الوليد من روايات حممد بن أمحد بن حييى ما يرويه عن أيب سمينة(((.
وقال السيد اخلوئي :أن حممد بن عيل بن إبراهيم امللقب بأيب سمينة ال ينبغي
الشك يف ضعفه ملا عرفت(((.
وقال :والصحيح أنه ال طريق لنا إىل كتاب سليم بن قيس املروي بطريق محاد بن
عيسى عن إبراهيم بن عمر عنه ،وذلك فإن يف الطريق حممد بن عيل الصرييف أبا سمينة،
وهو ضعيف كذاب(((.
وقال :وكيفام كان ،فطريق الشيخ إىل كتاب سليم بن قيس بكال سنديه ضعيف،
وال أقل من جهة حممد بن عيل الصرييف (أيب سمينة) (((.
خال�صة وا�ستنتاج
يرى ابن الغضائري -بنا ًء عىل صحة النسبة -أن كتاب سليم موضوع ،وأن فيه
روايات ال يمكن أن تُقبل ،منها :أن عدد األئمة ثالثة عرش ،وأن حممد بن أيب بكر قد
وعظ أباه قبل موته.
وأما املفيد والعالمة رمحهام اهلل فلم يرفضاه باجلملة ولمَ يقباله كذلك ،بل الظاهر
منهام أنه ينبغي أن تُدرس أخباره مستق ً
ال ليرُ ى السقيم منها عن الصحيح.
وأما النعامين فرياه كتاب ًا صحيح ًا معترب ًا ،وأن كل ما فيه صحيح.
أما السيد اخلوئي فريى أن املشكلة يف الطريق إىل الكتاب ،فإن سند الشيخ
-بطريقيه -ضعيف.
وقال سيدنا األُستاذ :وكيف كان ،فإن البحث عن كتاب سليم بن قيس طويل
الذيل جد ًا ،وال يسع املجال الستيعاب القول فيه هاهنا .ولعل القول الوسط فيه هو
ما ذكره الشيخ املفيد ،حيث قال( :إن هذا الكتاب غري موثوق به ،وقد حصل فيه
ختليط وتدليس ،فينبغي للمتدين أن جيتنب العمل بكل ما فيه ،وال يعول عىل مجلته،
والتقليد لرواته .وليفزع إىل العلامء فيام تضمنه من األحاديث ،ليوقفوه عىل الصحيح
منها والفاسد) ،حيث يظهر منه أن الكتاب ليس موضوع ًا وإن ا ّدعاه البعض ،ولكن
ليس كل ما فيه صحيح ًا يمكن التعويل عليه بل ال بد من متييز الصحيح منه عن الفاسد
باألساليب العلمية املتبعة يف أمثاله(((.
أقول :أما رواية أبان بن أيب عياش فال يمكن االعتامد عليها لضعفه .وأما رواية
إبراهيم بن عمر فهي تواجه مشاكل عديدة:
وبعد هذا ،فالصحيح ما أفاده املفيد والعالمة رمحهام اهلل من دراسة أخباره والتوقف
فيام مل تثبت صحته.
***
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 288
289 امل�صادر
امل�صادر
.1االجتهاد والتقليد واالحتياط ،تقرير ًا ألبحاث السيد عيل احلسيني السيستاين،
بقلم السيد حممد عيل الرباين1435 ،هـ.
.2االحتجاج ،أبو منصور أمحد بن عيل بن أيب طالب الطربيس ،تعليق ومالحظات:
السيد حممد باقر اخلرسان ،مطابع النعامن -النجف األرشف١٣٨٦ ،هـ ١٩٦٦ -م.
.3اإلرشاد يف معرفة حجج اهلل عىل العباد ،أبو عبد اهلل حممد بن حممد بن النعامن
العكربي البغدادي الشيخ املفيد ،حتقيق :مؤسسة آل البيت لتحقيق الرتاث ،ط ، 2
1414هـ.
.5أصول علم الرجال ،الشيخ الدكتور عبد اهل��ادي الفضيل ،منشورات دار
الغدير -بريوت الطبعة الثانية1430،هـ.
.6أمل اآلمل ،الشيخ حممد بن احلسن (احلر العاميل) ،حتقيق السيد امحد احلسيني،
مكتبة األندلس -بغداد.
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 290
.7بحار األنوار اجلامعة لدرر أخبار األئمة األطهار ،الشيخ حممد باقر املجليس،
مؤسسة الوفاء -بريوت ،الطبعة الثانية1403 ،هـ.
.8بحوث فقهية ،السيد حممد رضا السيستاين ،دار املؤرخ العريب -بريوت ،الطبعة
الثانية2012 ،م.
.9بحوث يف رشح مناسك احلج ،السيد حممد رضا السيستاين ،بقلم أجمد رياض
ونزار يوسف ،دار املؤرخ العريب -بريوت ،الطبعة الثانية1437 ،هـ.
.11تأسيس الشيعة لعلوم اإلسالم ،للسيد حسن الصدر ،دار الرائد العريب،
بريوت -لبنان1370 ،هـ.
.12حتف العقول ،ابن شعبة احل��راين ،تصحيح وتعليق :عيل أكرب الغفاري،
الطبعة الثانية ،مؤسسة النرش اإلسالمي التابعة جلامعة املدرسني بقم املرشفة (إيران)،
١٤٠٤هـ.ق ١٣٦٣ -هـ.ش.
.13تصحيح اعتقادات اإلمامية ،الشيخ املفيد حممد بن حممد بن النعامن ابن املعلم
أيب عبد اهلل العكربي البغدادي ،حتقيق :حسني درگاهي ،الطبعة الثانية١٤١٤ ،هـ -
١٩٩٣م.
ونرش :مدرسة اإلمام املهدي - قم املقدسة ،الطبعة األوىل حمققة١٤٠٩ ،هـ.
.15تفسري العيايش ،حممد بن مسعود العيايش ،حتقيق وتعليق :احلاج السيد هاشم
الرسويل املحاليت ،املكتبة العلمية اإلسالمية -سوق الشريازي ،طهران -إيران.
.17توضيح املقال يف علم الرجال ،املال عىل كني ،حتقيق :حممد حسني مولوي،
قسم األبحاث الرتاثية بدار احلديث ،الطبعة األوىل١٤٢١ ،هـ.ق ١٣٧٩ -هـ.ش.
.21خالصة األقوال ،العالمة احليل ،حتقيق :الشيخ جواد القيومي ،مؤسسة نرش
الفقاهة ،الطبعة األوىل1417 ،هـ.
.23الذريعة إىل تصانيف الشيعة ،الشيخ آغا بزرگ الطهراين ،دار األضواء -
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 292
.24ذكرى الشيعة يف أحكام الرشيعة ،الشهيد األول ،حممد بن مجال الدين مكي
العاميل اجلزيني ،حتقيق :مؤسسة آل البيت إلحياء الرتاث ،الطبعة األوىل ،حمرم
١٤١٩هـ.
.25رجال الشيخ الطويس ،الشيخ حممد بن احلسن الطويس ،حتقيق :الشيخ جواد
القيومي ،مؤسسة النرش االسالمي ،ط1428 ،4هـ.
.26رجال النجايش ،أبو العباس امحد بن عيل النجايش ،نرش مؤسسة النرش
اإلسالمي ،ط1427 ،8هـ.
.29الرعاية يف علم الدراية ،الشهيد الثاين ،زين الدين بن عيل بن أمحد اجلبعي
العاميل ،حتقيق :عبد احلسني حممد عيل بقال ،مكتبة املرعيش النجفي -قم املقدسة،
الطبعة الثانية١٤٠٨ ،هـ.
.31زبدة األصول ،الشيخ البهائي ،هباء الدين حممد بن احلسني بن عبد الصمد
293 امل�صادر
احلارثي اهلمداين العاميل اجلبعي ،حتقيق :فارس حسون كريم ،الطبعة األوىل١٤٢٣ ،هـ.
ق ١٣٨١ -هـ .ش.
.32الشيخ أيب جعفر الصدوق حممد بن عيل بن احلسني بن بابويه القمي ،تصحيح
وتعليق وتقديم :الشيخ حسني األعلمي ،مؤسسة األعلمي للمطبوعات ،بريوت -
لبنان١٤٠٤ ،هـ ١٩٨٤ -م.
.33العدة يف أصول الفقه ،شيخ الطائفة أبو جعفر حممد بن احلسن الطويس،
حتقيق حممد رضا األنصاري القمي ،الطبعة األوىل1417 ،هـ .
.34عوايل الآليل ،الشيخ حممد بن عيل بن إبراهيم بن أيب مجهور األحسائي ،حتقيق:
احلاج آقا جمتبى العراقي ،الطبعة األوىل1403 ،هـ.
.35عوائد األيام ،املوىل أمحد النراقي ،منشورات مكتبة بصرييت قم ،الطبعة الثالثة،
1408هـ.
.36غاية املرام وحجج اخلصام يف تعيني اإلمام من طريق اخلاص والعام ،السيد
هاشم البحراين املوسوي التوبيل ،حتقيق السيد عيل عاشور ،مؤسسة التاريخ العريب،
الطبعة األوىل2001 ،م.
.37الغيبة للنعامين ،أليب عبد اهلل حممد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب املعروف
بـ(ابن أيب زينب النعامين) ،حتقيق :فارس حسون كريم ،منشورات أنوار اهلدى إيران -
قم ،الطبعة األوىل 1422 -هـ .ق.
.38فصل القضاء يف الكتاب املشتهر بـ(فقه الرضا) ،السيد حسن الصدر ،حتقيق:
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 294
رضا االستادي.
.39الفقه املنسوب لإلمام الرضا واملشتهر بـ(فقه الرضا) ،حتقيق :مؤسسة آل
البيت إلحياء الرتاث -قم املرشفة ،نرش :املؤمتر العاملي لإلمام الرضا (عليه السالم)
-مشهد املقدسة ،الطبعة األوىل١٤٠٦ ،هـ .ق.
.40الفهرست ،شيخ الطائفة أبو جعفر حممد بن احلسن الطويس ،حتقيق :الشيخ
جواد القيومي ،مؤسسة نرش الفقاهة ،الطبعة الثانية1422 ،هـ.
.41الفوائد الرجالية ،السيد حممد املهدي بحر العلوم الطباطبائي ،مكتبة الصادق
-طهران ،الطبعة األوىل1363 ،هـ.ش.
.42قبسات من علم الرجال ،أبحاث السيد حممد رضا السيستاين ،مجعها ونظمها
السيد حممد البكاء ،دار املؤرخ العريب.
.43قرب اإلسناد ،الشيخ أبو العباس عبد اهلل احلمريي ،حتقيق ونرش :مؤسسة آل
البيت إلحياء الرتاث -قم ،الطبعة األوىل 1413 -هـ.
.44كتاب النوادر ،أليب جعفر أمحد بن حممد بن عيسى األشعري القمي ،حتقيق
ونرش مدرسة اإلمام املهدي - قم املقدسة ،الطبعة األوىل1408 ،هـ .ق.
.45كشف ابن الرضا عن فقه الرضا ،الشيخ عيل كاشف الغطاء ،حتقيق :مكتبة
كاشف الغطاء العامة ،نرش :مطبعة النجف األرشف ،الطبعة األوىل1432 ،هـ.
.47خمتلف الشيعة يف أحكام الرشيعة ،العالمة احليل ،أيب منصور احلسن بن
295 امل�صادر
يوسف بن املطهر األسدي ،مؤسسة النرش اإلسالمي ،قم ،الطبعة األوىل1412 ،هـ.
.48مسائل عيل بن جعفر ،ابن اإلمام جعفر الصادق ،حتقيق :مؤسسة آل
البيت إلحياء الرتاث -قم املرشفة ،نرش :املؤمتر العاملي إلمام الرضا - مشهد
املقدسة ،الطبعة األوىل 1409 -هـ.
.49مصباح األصول ،تقرير عن السيد أبو القاسم اخلوئي ،املؤلف :السيد حممد
رسور الواعظ احلسيني البهسودي ،منشورات مكتبة الداوري ،قم -إيران.
.50مصباح الفقاهة ،تقرير أبحاث السيد أبو القاسم املوسوي اخلوئي ،بقلم
الشيخ حممد عيل التوحيدي التربيزي ،النارش :مكتبة الداوري -قم ،الطبعة األوىل،
1377هـ.
.51معارج األصول :املحقق احليل جعفر بن احلسن ،حتقيق حممد حسني الرضوي
الكشمريي ،قم ١٤٢٣ -هـ.
.52معامل الدين ومالذ املجتهدين ،الشيخ حسن بن زين الدين العاميل ،النارش:
مؤسسة النرش اإلسالمي التابعة جلامعة املدرسني -قم.
.54معجم رجال احلديث ،آية اهلل العظمى السيد ابو القاسم املوسوي اخلوئي،
طبع مركز نرش الثقافة االسالمية ط1413 ،5هـ.
.55املكاسب املحرمة ،روح اهلل املوسوي اخلميني ،مع تذييالت ملجتبى الطهراين،
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 296
.56من ال حيرضه الفقيه ،للشيخ الصدوق أيب جعفر حممد بن عيل بن احلسني بن
بابويه القمي ،مؤسسة النرش اإلسالمي التابعة جلامعة املدرسني -قم املقدسة.
.57منهاج الفقاهة ،السيد حممد صادق الروحاين ،الطبعة الرابعة1418 ،هـ .ق
1376 -هـ .ش.
.58ميزان االعتدال يف نقد الرجال ،أيب عبد اهلل حممد بن أمحد بن عثامن الذهبي،
حتقيق عيل حممد البجاوي ،دار املعرفة للطباعة والنرش ،بريوت -لبنان.
.59وسائل اإلنجاب الصناعية ،السيد حممد رضا السيستاين ،دار املؤرخ العريب،
الطبعة الثانية 1428 ،هـ.
.60وسائل الشيعة إىل حتصيل مسائل الرشيعة ،الشيخ حممد بن احلسن احلر
العاميل ،مؤسسة آل البيت إلحياء الرتاث ،ط 1414 ،2هـ.
***
297 الفهر�س التف�صيلي للكتاب
مباحث الكتاب29.....................................................................
الفقه املن�سوب �إىل الإمام الر�ضا31...............................................
القول األول :املؤلف هو اإلمام الرضا نفسه31..............................
القول السابع :إنه تلفيق بني إمالء اإلمام ونوادر أمحد بن حممد بن عيسى 52.......
خالصة واستنتاج53..........................................................
أسانيد النسخ62..............................................................
خالصة واستنتاج77..........................................................
م�ستطرفات ال�سرائر79...............................................................
االعتامد عىل املستطرفات 80..................................................
خالصة واستنتاج98..........................................................
اجلعفريات 100......................................................................
-1إسامعيل بن موسى بن جعفر103.......................................
التحقيق يف حال غري الكتب الأربعة 300
املحا�سن 117.........................................................................
وثاقة أمحد بن حممد بن خالد الربقي 119.......................................
قرب الإ�سناد156.....................................................................
تنبيهات 166..................................................................
التحقيق189..................................................................
الطريق األول199.............................................................
خالصة واستنتاج206.........................................................
التحقيق256..................................................................
تنبيهات 265..................................................................
امل�صادر289..........................................................................