You are on page 1of 10

‫‪ :‬المقدمة‬

‫لقد حاول الفقهاء إيجاد فكرة أو نظرية عامة أساسية تصلح أساسا و دعامة جوهرية لبناء مبادئ أو‬
‫قواعد القانون اإلداري يمكن االعتماد عليها لمعرفة والية القضاء اإلداري و تطبيق المبادئ و‬
‫األحكام المتميّزة و التي ال مثيل لها في القانون الخاص ‪ .‬و نظرا للخصائص المميزة للقانون اإلداري‬
‫من كونه حديثا وغير مقنن مرنا ومتطورا قضائيا في اغلب قواعده مما جعله متعددا في نظرياته أي‬
‫تعدد المعايير فاجتهد الفقه في البحث عن فكرة تكون أساسا له أي البحث عن جواب‪.‬متى تطبق قواعد‬
‫القانون اإلداري على اإلدارة العامة ونشاطاتها ومتى تطبق عليها قواعد القانون العادي ومتى ال‬
‫نطبق قواعد القانون اإلداري لذلك تعددت النظريات في مجال تمييز القانون اإلداري وفي تحديد‬
‫المعيار وأهمية عملية متمثلة في تحديد الجهة القضائية المختصة بالنظر للمنازعات اإلدارية الناجمة‬
‫عن النشاط اإلداري ‪,‬أما األهمية النظرية فهي تحديد القواعد القانونية التي تحكم وتنظم العالقات‬
‫واألعمال اإلدارية فما هي هذه النظريات واألسس التي قامت عليها؟‬
‫و لإلجابة عن هذه األسئلة قمنا بتقسيم بحثنا الي أربعة مباحث رئيسية نتناول في المبحث األول أهمية‬
‫تحديد أساس القانون اإلداري‪ ،‬ثم في المبحث الثاني نظرية السلطة العامة أما في المبحث الثالث‬
‫فنتناول نظرية المرفق العام ‪،‬و في األخير نتعرض لمعيار السلطة العامة بوجه جديد و محاولة الجمع‬
‫بين المعياريين وموقف المشرع الجزائري من أسس و معايير القانون اإلداري فوقا للخطة الموضحة‬
‫‪.‬ادناه‬

‫‪:‬خــــــطة البحث‬
‫‪.‬المبحث األول ‪ :‬أهمية تحديد أساس القانون اإلداري‬
‫‪.‬المطلب األول‪ :‬التحديد من حيث الجهة القضائية صاحبة االختصاص‬
‫‪.‬المطلب الثاني‪ :‬التحديد من حيث القواعد القانونية الواجبة التطبيق‬
‫‪.‬المبحث الثاني ‪ :‬معيار السلطة العامة‬
‫‪.‬المطلب األول‪ :‬المقصود من معيار السلطة العامة‬
‫‪.‬المطلب الثاني‪:‬تقييم معيار السلطة العامة‬
‫‪.‬المطلب الثالث‪:‬أمثلة تطبيقية من القانون الجزائري‬
‫‪ .‬المبحث الثالث ‪ :‬معيار المرفق العام‬
‫‪ .‬المطلب األول ‪ :‬المقصود من معيار المرفق العام‬
‫‪ .‬المطلب الثاني ‪ :‬أزمة المرفق العام‬
‫‪ .‬المطلب الثالث ‪ :‬فكرة المصلحة العامة كأساس للقانون اإلداري‬
‫المبحث الرابع ‪:‬ظهور معيار السلطة العامة بوجه جديد و محاولة الجمع بين المعياريين وموقف‬
‫‪ .‬المشرع الجزائري من أسس و معايير القانون اإلداري‬
‫‪ .‬المطلب األول‪ :‬ظهور معيار السلطة العامة الحديث‬
‫‪ .‬المطلب الثاني‪ :‬الجمع بين معيار المرفق العام و السلطة العامة‬
‫‪ .‬المطلب الثالث‪:‬موقف المشرع الجزائري من أسس و معايير القانون اإلداري‬
‫‪:‬الخاتمة‬
‫‪:‬قائمة المراجع‬
‫‪:‬الفهرس‬

‫‪ .‬المبحث األول ‪ :‬أهمية تحديد أساس القانون اإلداري‬


‫ال شك أن وضع أساس للقانون اإلداري يساهم في تحديد والية هذا القانون و حصر مجال تطبيقه و‬
‫يمكننا إجمال أهمية تحديد هذا األساس أوال من حيث الجهة القضائية صاحبة االختصاص‪ ،‬أما ثانيا‬
‫‪ .‬فمن حيث القواعد القانونية واجبة التطبيق‬
‫‪.‬المطلب األول‪ :‬التحديد من حيث الجهة القضائية صاحبة االختصاص‬
‫إن وضع أساس لذا القانون له فائدة عملية تتجلى في معرفة اختصاص كل من القضاء العادي و‬
‫اإلداري خصوصا في الدول التي تأخذ بازدواجية القضاء كما هو الحال بالنسبة لفرنسا و الجزائر و‬
‫‪ .‬غيرها من الدول المنتهجة لهذا النظام‬
‫و بالنسبة للجزائر فلقد ازدادت أهمية وضع أساس للقانون اإلداري من الناحية العملية خصوصا بعد‬
‫صدور القانون العضوي ‪98‬ـ‪ 01‬و القانون ‪98‬ـ‪ 02‬حيث بموجبهما الفصل بين جهات القضاء‬
‫العادي و بين أجهزة القضاء اإلداري‪ ،‬كما تم إنشاء محكمة للتنازع بموجب القانون العضوي رقم‬
‫‪98‬ـ‪ .03‬و بهذا فإن وضع أساس لهذا القانون سيكون له فائدة عملية كبيرة فعلى هذا األساس يمكننا‬
‫معرفة اختصاص إما جهة القضاء العادي أو جهة القضاء اإلداري خصوصا أن قواعد االختصاص‬
‫النوعي تعد من النظام العام الذى ال يجوز مخالفتها‪) 1 ( .‬‬
‫‪.‬المطلب الثاني‪ :‬التحديد من حيث القواعد القانونية الواجبة التطبيق‬
‫ال تنحصر فائدة تحديد أساس القانون اإلداري على معرفة الجهة القضائية صاحبة االختصاص‬
‫فحسب بل يتعدى ذلك إلى معرفة القواعد القانونية الواجبة التطبيق خاصة إذا نظرنا إلى االختالف‬
‫‪ .‬الكبير بين قواعد القانون الخاص و قواعد القانون العام‬
‫فلقد أدى التطور الحديث لقواعد القانون اإلداري خصوصا بالنسبة للدول المتبنية لنظام ازدواجية‬
‫القضاء إلى تميز كبير لقواعد هذا القانون في شتى الميادين سواء في نظام المال أو في نظام التعاقد‬
‫أو في مجال المسؤولية و أحكامها األمر الذي صار يتعذر معه يقينا إخضاع اإلدارة في أموالها و‬
‫عقودها و في نظام مسؤوليتها المدنية لقواعد القانون المدني دون سواها‪،‬و ال مانع من أن تخضع له‬
‫جزئيا بما يتناسب و طبيعة هذا القانون‪) 2 ( .‬‬
‫________________________________________‬
‫عمار بوضياف‪:‬الوجيز في القانون اإلداري‪،‬الطبعة الثانية‪،‬جسور للنشر و التوزيع‪،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪، 2007‬ص‪) 1 ( .122‬‬
‫‪.‬نفس المرجع‪،‬ص‪( 2 ) 123‬‬
‫‪.‬المبحث الثاني ‪ :‬معيار السلطة العامة‬
‫سنتناول في هذا المبحث في البداية التعرض إلي معرفة المقصود بمعيار السلطة العامة ثم االنتقادات‬
‫الموجه لهذا المعيار وفي األخير ارتأينا أن نحضر بعض األمثلة التطبيقية من القانون الجزائري في‬
‫‪.‬بعض المجاالت اإلدارية‬
‫‪.‬المطلب األول‪ :‬المقصود من معيار السلطة العامة‬
‫يعتبر موريس هوريو رائد هذه المدرسة و مفاد هذه النظرية أن للدولة إرادة تعلو إرادة األفراد و من‬
‫ث ّم فإن لها أن تستعمل أساليب السلطة العامة‪ ،‬و هي إن قامت بهذا النوع من األعمال "نزع الملكية‪،‬‬
‫غلق محل‪ ،‬فرض تلقيح ‪ ...‬إلخ "‪ ،‬وجب أن تخضع لمبادئ و أحكام القانون اإلداري‪ ،‬كما تخضع في‬
‫‪ .‬منازعاتها المترتبة عن هذه األعمال أمام القاضي اإلداري ( ‪) 1‬‬
‫و ال تخضع اإلدارة ألحكام القانون اإلداري فحسب‪ ،‬بل تخضع أيضا للقانون الخاص و تمثل‬
‫منازعاتها أمام القضاء العادي‪ ،‬و ذلك عندما تنزل إلى مرتبة األفراد و تباشر أعماال مدنية ‪ .‬والية‬
‫القانون اإلداري تم رسم معالمها استنادا لمعيار السلطة العامة‪ ،‬فهو بهذا الوصف قانون السلطة العامة‬
‫‪ .‬وفكرة السلطة العامة في مفهومها ومدلولها عندهم تتآلف من عنصرين عنصر ايجابي وسلبي أي‬
‫‪ .‬لإلدارة نشاطين أو عملين و هما أعمال السلطة و أعمال التسيير أو اإلدارة ( ‪) 2‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬العنصر االيجابي لفكرة السلطة (أعمال السلطة)‬
‫هي محور ومعيار النظام اإلداري من حيث خضوعها ألحكام استثنائية وغير مألوفة ومعهودة في‬
‫روابط القانون الخاص ‪ ,‬هي قواعد القانون اإلداري واختصاص القضاء اإلداري بالفصل في‬
‫المنازعات المترتبة عنها مثل ‘إصدار القرارات اإلدارية ؛التنفيذ الجبري ؛ وامتياز نزع الملكية‬
‫للمنفعة العامة وقد حاول الفقيه بالمير تحديد أعمال السلطة على أنها التصرفات التي تأتيها اإلدارة‬
‫بموجب سلطة األمر والقيادة والتي تخرجها من نطاق القانون العام المشترك حيث ال يخول لألفراد‬
‫‪.‬القيام بتلك األعمال‬
‫( الفرع الثاني‪ :‬العنصر السلبي ( أعمال التسيير‬
‫حينما تقوم اإلدارة العامة بأعمال التسيير فهي ال تخضع للنظام اإلداري أي أنها تخضع في نشاطها‬
‫للقانون العادي ويختص القضاء العادي بالمنازعات التي تثور بنشأتها أي هو مجموعة القيود‬
‫وااللتزامات والحدود التي تقيد وتلزم السلطة اإلدارية عند قيامها بوظائفها وأعمالها هذه القيود التي ال‬
‫مثيل لها في مجال القانون اإلداري العادي ومن هذه االلتزامات والقيود والحدود التي تحدد وتقيد‬
‫‪ .‬حرية اإلدارة العامة بشكل أثقل واحكم من تلك القيود التي تقييد االفراد ( ‪) 3‬‬
‫________________________________________‬
‫‪.‬عمار بوضياف‪:‬مرجع سابق‪،‬ص‪( 1 ) 124‬‬
‫عمار عوابدي‪ :‬القانون اإلداري(النظام اإلداري)‪ ،‬الجزء األول‪،‬الطبعة الخامسة‪،‬ديوان ) ‪( 2‬‬
‫‪.‬المطبوعات الجامعية‪،‬الجزائر‪،2008،‬ص‪146‬‬
‫المرجع السابق‪،‬ص‪) 3 ( 147،148‬‬
‫الفرع الثاني ‪:‬في مجال التعاقد‬
‫إن إرادتها ليست حرة في اختيار المتعاقد معها بل هي ملزمة طبقا للمادة ‪ 20‬من المرسوم الرئاسي‬
‫‪02‬ـ‪ 250‬المؤرخ في ‪ 24‬جويلية ‪ 2002‬المتضمن تنظيم الصفقات العمومية بإبرام صفقات األشغال‬
‫و التوريد و الخدمات و الدراسات تبعا لطريقة المناقصة بما يفرض اللجوء لإلشهار عن طريق‬
‫الصحافة و هذا تكريسا لمبدأ الشفافية و المساواة بين المتعهدين كما أخضع الصفقة بصور شتى من‬
‫الرقابة سواء داخلية و هذا عن طريق لجنة فتح المظاريف و لجنة تقييم العروض أو خارجية عن‬
‫‪.‬طريق لجان للصفقات المختلفة و اللجنة الوطنية و رقابة المحاسب العمومي و المراقب المالي‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬في مجال نظام األموال‬


‫لقد فرض على اإلدارة قيودا و لم يجز لها التصرف في الملك العام الذي تستخدمه في تحقيق نشاطها‬
‫حيث أن اإلدارة ملزمة في حال رغبتها في التخلي عن بعض الممتلكات بإتباع إجراءات خاصة‬
‫وإخطار مصالح أمالك الدولة لمباشرة عملية التقويم و الجرد و اإلشراف على عملية البيع‪) 1 ( .‬‬

‫________________________________________‬
‫‪.‬عمار بوضياف‪ :‬مرجع سابق‪،‬ص‪126‬ـ‪( 1 ) 130‬‬
‫‪ .‬المبحث الثالث ‪ :‬معيار المرفق العام‬

‫سنتعرض في هذا المبحث أوال إلى معرفة المقصود بالمرفق العام ثم بعد ذلك معرفة أهم االنتقادات‬
‫‪.‬الموجه لهذا المعيار ثم في األخير نظرية المصلحة العامة التي جاءت على انقاد معيار المرفق العام‬
‫‪ .‬المطلب األول‪ :‬المقصود من معيار المرفق العام‬
‫عرف المرفق العام تعريفا عاما مفاده أن المرفق العام هو‪  ‬كل مشروع تديره الدولة بنفسها أو تحت‬
‫إشرافها إلشباع الحاجات العامة بما يحقق المصلحة العامة‪).‬و يستعمل مصطلح المرافق العامة‬
‫‪.‬بمعنيين أولهما عضوي و ثانيهما مادي‬
‫المعنى العضوي‪:‬يقصد به المنظمة أو الهيئة أو الجهة العامة التي تمارس بعمالها و أموالها النشاط‬
‫‪...‬المحقق للنفع العام كالجامعات و المستشفيات الخ‬
‫المعنى المادي‪:‬يتمثل في النشاط الذي يمارسه المرفق بهدف المصلحة العامة كنشاط التعليم الخ‪( ...‬‬
‫‪)1‬‬
‫فلقد قامت نظرية المرفق العام في الفقه الفرنسي كأساسي للقانون اإلداري على يد ثالثة أعالم من‬
‫و بونارد ‪ Jeze‬جيز ‪ Léon Duguit ،‬فقهاء القانون العام حيث اعتبر ليون دوجي‬
‫رواد هذا المعيار ‪ .‬الدولة ليست شخصا يتمتع بالسلطة و السيادة و السلطان (كما ذهب ‪Bonnard‬‬
‫أصحاب السلطة العامة) بل هي مجموعة مرافق عامة تعمل لخدمة المجتمع و إشباع حاجات األفراد‬
‫‪ .‬الدولة جسم خالياه المرافق العامة‬
‫و يقصد بالمرافق العامة مشروعات عامة تتكوّ ن من أشخاص و أموال تهدف إلى إشباع حاجة عامة‪،‬‬
‫‪ .‬و هذه المرافق تتميّز بأنها مشروعات يعجز األفراد عن القيام بها‬
‫المرفق العام هو جوهر القانون اإلداري و إليه يرجع جميع موضوعاته و يتحدد نطاق اختصاصاته و‬
‫‪ .‬واليته ( ‪) 2‬‬
‫من الجدير بالذكر أن الفكر قد أستمد و استنبط هذا األساس من أحكام القضاء اإلداري الفرنسي حيث‬
‫تبنى مجلس الدولة الفرنسي فكرة المرفق العام كأساس تطبيقي للقانون اإلداري منذ النصف الثاني من‬
‫‪:‬القرن التاسع عشر في سلسلة من األحكام أهمها‬
‫أوال ‪ :‬حكم بالنكو‬
‫حكم محكمة التنازع في قضية بالنكو الشهيرة حيث تعرضت بنت صغيرة تدعى ايجينز بالنكو‬
‫لحادث تسببت فيه عربة تابعة لوكالة التبغ التي كانت تنقل إنتاج هذه الوكالة من المصنع إلى‬
‫المستودع‬

‫________________________________________‬
‫‪.‬عمار عوابدي‪:‬مرجع سابق‪،‬ص‪( 1 ) 139‬‬
‫مصطفى أبو زيد فهمي‪:‬الوسيط في القانون اإلداري(تنظيم اإلدارة العامة)‪ ،‬الجزء األول‪( 2 ) ،‬‬
‫‪.‬الطبعة األولى‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬بدون بلد‪, 1995،‬ص‪55‬ـ‪58‬‬
‫فقام ولي البنت برفع دعوة لتعويض الضرر المادي الذي حصل إلبنته أمام المحكمة العدلية على‬
‫أساس أحكام القانون المدني الفرنسي إال أن وكالة التبغ اعتبرت أن النزاع يهم اإلدارة و أن مجلس‬
‫الدولة هو صاحب االختصاص لذلك طالبت بإيقاف النظر في الدعوة حتى تبنت محكمة تنازل‬
‫االختصاص في هذا اإلشكال و حين عرض األمر عليها أجابت محكمة التنازع بتاريخ ‪ 8‬فبراير‬
‫‪ 1873:‬بما يلي‬
‫حيث أن المسؤولية التي يمكن أن تتحملها الدولة بسبب األضرار التي يلحقها أعوان المرفق العام "‬
‫باألفراد ال يمكن أن تخضع لمبادئ القانون المدني التي تضبط عالقة األفراد فيما بينها ‪،‬حيث أن هذه‬
‫المسؤولية ليست عامة أو مطلقة بل لها قواعدها التي تتغير حسب مقتضيات المرفق العام و ضرورة‬
‫التوفيق بين مصلحة الدولة و حقوق األفراد و حيث أصبحت بالتالي السلطة اإلدارية وحدها المختصة‬
‫بالنظر في هذا النزاع و هو ما يجعل القرار و رئيس المقاطعة في رفع القضية أمام المحكمة قرارا‬
‫صائبا يستوجب إقراره " ‪) 1 ( .‬‬
‫ثانيا ‪ :‬حكم تيرييه‬
‫كذلك في قضية السيد تيرييه حيث أعلنت أحد المجالس البلدية عن مكافئة يتم منحها لكل فرد يساهم‬
‫في حملت التخلص من األفاعي التي كانت تهدد السكان و قد أشرفت البلدية على حملت التطهير هذه‬
‫و خصصت لها غالف مالي رصد للمساهمين في هذه العملية و بعد ما ساهم في هذه الحملة السيد‬
‫تيرييه تقدم لمصالح البلدية الحصول على مكافئته غير أنه فوجئ بالرد من جانب البلدية أن الرصيد‬
‫المالي المخصص للعملية قد نفذ و ما كان عليه إال أن يتجه للقضاء مخاصما المجلس البلدي و لما‬
‫وصلت الدعوة لمجلس الدعوى الفرنسي الذي أقر اختصاصه بالنظر في النزاع في حكمه الشهير‬
‫بتاريخ ‪ 6‬فبراير ‪ 1903‬على أساس أن الوعد بالجائزة قد تضمن إيجابا من جانب المجلس البلدي‬
‫يقابله قبوال من طرف السيد تيرييه و من ثم يكون بينهما عقد موضوعه التخلص من األفاعي التي‬
‫تشكل خطرا على الصحة العامة في المدينة و هذا العقد في نظر مجلس الدولة يتعلق بمرفق عام‪2 ( .‬‬
‫)‬

‫‪.‬المطلب الثاني‪ :‬أزمة المرفق العام‬


‫لم يكن إخضاع اإلدارة للقانون اإلداري يثير أي إشكالية بسبب محدودية نشاط الدولة‪ ،‬غير أنه و بعد‬
‫الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وجدت الدولة نفسها مجبرة على القيام بوظيفة الصناعة و التجارة بفعل تطوّ ر‬
‫الحياة السياسية و االقتصادية و االجتماعية فظهر إلى جانب المرافق اإلدارية المرافق االقتصادية و‬
‫من‬

‫________________________________________‬
‫‪.‬عمار بوضياف‪:‬مرجع سابق‪,‬ص‪( 1 ) 131‬‬
‫هاني علي الطهراوي‪:‬القانون اإلداري‪ ،‬الطبعة األولى دار الثقافة للنشر و التوزيع‪( 2 ) ،‬‬
‫‪, 2006 .‬ص‪102‬‬

‫غير المعقول إخضاع المرافق االقتصادية إلى القضاء اإلداري ‪ .‬ففكرة المرفق العام أصبحت عاجزة‬
‫على أن تكون أداة تميّز بين والية القانون اإلداري و والية القانون الخاص ‪) 1 ( .‬‬
‫و لعل أبرز ما يمكن االستشهاد به في هذا المجال القرار الصادر عن محكمة التنازل في ‪ 22‬جانفي‬
‫‪ 1921‬الخاص في قضية باك لوكا حيث تعرضت عبارة بحرية في ساحل العاج لحادث تسبب في‬
‫غرق مسافر و إلحاق الضرر بمجموعة عربات و لما رفع األمر إلى المحاكم العدلية تمسك ممثل‬
‫اإلدارة فعرض األمر على محكمة التنازل فأقرت الصبغة المدنية للنزاع و اختصاص القاضي العادي‬
‫بالنظر فيه مؤسسة قرارها على أن الشركة كانت تقوم بوظيفة نقل طبقا لذات الشروط التي يعمل‬
‫بمقتضاها األفراد و انتهت بذلك إلى أن غياب نص صريح يعهد االختصاص القاضي اإلداري فإن‬
‫النزاع يكون من اختصاص القاضي العدل ‪،‬و انطالقا من هذا القرار انتهى الفقهاء أن المرفق العام لم‬
‫يعد شكال واحدا بل و بحكم التطور الذي حدث في المجتمعات أصبحت المرافق أنواع مرافق إدارية‬
‫و مرافق اقتصادية نتجت عن تدخل الدولة في المجال الصناعي و التجاري إذا كان يجب إخضاع‬
‫المرافق اإلدارية ألحكام القانون اإلداري فإنه من غير المعقول تطبيق نفس األحكام بالنسبة للمرافق‬
‫االقتصادية حيث أن هذه المرافق تخضع أساسا ألحكام القانون الخاص فالعقود التي تبرمها المرافق‬
‫االقتصادية تكون غالبا من نفس طبيعة العقود المدنية كما أن عمال المرافق االقتصادية يخضعون‬
‫لتشريع العمل ال لتشريع الوظيفة العامة ‪) 2 ( .‬‬
‫و تأسيسا على ما تقدم أصبحت هذه الفكرة عاجزة أن تكون أداة تميز بين والية القانون الخاص و‬
‫‪.‬القانون العام مما أدى بالفقه إلى التفكير في معيار أكثر حسما و أشد وقعا‬

‫________________________________________‬
‫مصطفى ابو زيد فهمي‪:‬الوسيط في القانون اإلداري(تنظيم االدارة العامة)‪،‬الجزء ) ‪( 1‬‬
‫‪.‬االول‪،‬الطبعة االولى‪،‬دار المطبوعات الجامعية‪،‬بدون بلد‪.1995،‬ص‪134‬‬

‫‪ .‬عمار بوضياف‪:‬مرجع سابق‪,‬ص‪( 2 ) 133‬‬


‫‪ .‬المطلب الثالث‪ :‬فكرة المصلحة العامة كأساس للقانون اإلداري‬
‫ظل مناصرو مدرسة المرفق العام يدافعون عن وجهة نظرهم‪ ،‬فقالوا أن المرافق العامة و إن تنوّ ع‬
‫نشاطها بين مرافق إدارية و أخرى اقتصادية إالّ أن الهدف يظل واحدا في كال النوعين و هو تحقيق‬
‫المصلحة العامة ‪ .‬غير أن الفقه يكاد أن يجمع أن المرافق االقتصادية و إن كانت ترمي إلى تحقيق‬
‫مصلحة عامة ال ينبغي إخضاعها لقواعد القانون اإلداري ‪ .‬فطبيعة نشاط المؤسسات االقتصادية‬
‫‪ .‬تفرض عليها أن تنزل إلى مرتبة األفراد و تتعامل معهم في إطار قواعد القانون الخاص‬
‫كما أن المشروعات الخاصة على اختالف أنواعها هي األخرى ترمي إلى تحقيق مصلحة عامة‪،‬‬
‫‪ .‬فهدف المصلحة العامة هدف يتسم باإلطالق و المرونة‬
‫و رغم ذلك فإن القضاء الفرنسي لم يهجره تماما بل استند إليه في بعض قراراته نذكر منها القرار‬
‫الصادر عن مجلس الدولة بخصوص بلدية منسجور و تتمثل وقائع القضية في أن قاصرا حاول‬
‫الصعود على عمود كهربائي بجانب كنيسة فسبب له ضرر نتج عنه عاهة مستديمة فقضى مجلس‬
‫الدولة في هذه الدعوى أن الكنيسة مملوكة لبلدية منسجور و أنه بالرغم من أن الكنائس مرافق‬
‫مخصصة للعبادة فإنها منفصلة و مستقلة عن الدولة و أن أموالها تبقى مرصودة و موقوفة لخدمة‬
‫القائمين بالشعائر الدينية و التعبدية و أن صيانة هذه المباني واجب ينبغي أن يقع على المرافق العامة‬
‫التصال ذلك بالنفع العام‪) 1 ( .‬‬

‫________________________________________‬
‫محمد رفعت عبد الوهاب‪:‬مبادئ و أحكام القانون اإلداري‪،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪،‬لبنان‪( 1 ) ،‬‬
‫‪, 2005.‬ص‪76‬‬

‫المبحث الرابع ‪:‬ظهور معيار السلطة العامة بوجه جديد و محاولة الجمع بين المعياريين وموقف‬
‫‪.‬المشرع الجزائري من أسس و معايير القانون اإلداري‬
‫سنتناول في مبحثنا هذا معيار السلطة العامة بوجه جديد بعد النقد الموجه له حيث حاول أنصاره‬
‫تحديثه ثم نتطرق إلى محاولة الفقه الجمع بين المعياريين و في األخير معرفة موقف المشرع‬
‫‪.‬الجزائري من أسس و معايير هذا القانون‬
‫‪.‬المطلب األول‪ :‬ظهور معيار السلطة العامة الحديث‬
‫بعد ظهور المرافق الصناعية و التجارية و القصور الذي لحق بمعيار المرافق العامة عاد معيار‬
‫السلطة العامة من جديد من طرف مؤيدها في فرنسا العميد فيديل ليؤكد على أن الفصل بين قواعد كل‬
‫من القانون اإلداري و القانون الخاص يكمن في فكرة السلطة العامة فالقانون اإلداري يكون هو‬
‫الواجب التطبيق إذا لجأت اإلدارة إلى استخدام بعض امتيازات السلطة العامة ‪ .‬و هذا يعني إن والية‬
‫القانون اإلداري تبنى باألساس على الوسيلة التي تستخدمها اإلدارة‪ ،‬فإن استخدمت وسائل القانون‬
‫العام "امتيازات السلطة العامة" خضعت في عملها هذا للقانون اإلداري و إن استخدمت وسائل‬
‫القانون الخاص نزلت إلى مرتبة األفراد خضعت للقانون الخاص و القضاء العادي إال أن كذلك هذه‬
‫النظرية لم تسلم من النقد فلقد فتحت السبيل واسعا أمام اإلدارة و تركت لها قدرا كبيرا من الحرية‬
‫فهي إن أرادت أتباع قواعد القانون الخاص أو العام بدون وجود ضوابط في ذلك‪) 1 ( .‬‬
‫‪.‬المطلب الثاني‪ :‬الجمع بين معيار المرفق العام و السلطة العامة‬
‫ناد الفقيه "أندريه ديلوبادير" بضرورة تطبيق معيار مزدوج فأعطى لكل من المعيارين حقه في رسم‬
‫معالم والية و اختصاص القانون اإلداري‪ ،‬فالقانون اإلداري ال يطبق إال إذا كان األمر متعلقا بمرفق‬
‫عام و يتمتع هذا المرفق بامتيازات السلطة العامة في القيام بنشاطاته ‪) 2 ( .‬‬
‫إن الجمع بين الفكرتين أساسه عدم كفاية فكرة واحدة لتمييز القانون اإلداري أو تحديد نطاقه؛ إذ أن‬
‫فكرة المرفق العام ال تغطي كل النشاطات اإلدارية مما يستوجب تكميلها بفكرة أخرى هي استخدام‬
‫أساليب القانون العام أو وسائل السلطة العامة لسد هذا العجز‪ .‬وقد القى هذا المعيار المختلط اهتماما‬
‫وتجاوبا من الفقه والقضاء اإلداريين في مصر فأكد بعض الفقهاء على أن هذا المعيار يتالفى القصور‬
‫في المعيارين السابقين ويجمع بين مزاياهما ؛ وان الجمع بين فكرة المرفق العام والسلطة العامة‬
‫كأساس لتمييز القانون اإلداري ومعيار له يؤكد أن الفكرتين‬

‫________________________________________‬
‫‪.‬محمد رفعت عبد الوهاب‪:‬مرجع سابق‪,‬ص‪( 1 ) 77,78‬‬
‫عبد الغني بسيوني عبد هللا‪:‬الوسيط في مبادئ و أحكام القانون اإلداري‪،‬منشأة المعارف‪،‬بدون ) ‪( 2‬‬
‫‪. .‬بلد‪،‬بدون سنة‪.‬ص‪96‬‬

‫متكاملتان وال تستبعد إحداهما األخرى كما إن القضاء اإلداري اتجه في أحكامه التي صدرت في‬
‫السنوات األخيرة إلى الجمع بين فكرتي المرفق العام واستعمال أساليب القانون العام لتحديد نطاق‬
‫القانون اإلداري؛ وتحديد االختصاص القضائي بالنظر في المنازعات اإلدارية ‪ .‬أما في األردن‬
‫فيالحظ أن محكمة العدل العليا طبقت في الكثير من أحكامها المعيار المختلط كأساس لتمييز بعض‬
‫موضوعات القانون اإلداري كموضوعات ‪:‬الموظف العام ‪ ،‬القرار اإلداري ؛العقد اإلداري ‪ .‬حيث‬
‫قضت هذه األحكام بان قواعد القانون اإلداري تنطبق على نشاط معين وينعقد االختصاص للمحكمة‬
‫في النزاع حول هذا النشاط عندما يتعلق بمرفق عام من جهة ؛ وتستخدم اإلدارة في مباشرته وانجازه‬
‫أساليب القانون العام‪..‬فقد استق قضاء محكمة العدل العليا في مجال الوظيفة العامة على إن الموظف‬
‫العام هو الشخص الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تدبره الدولة أو احد أشخاص القانون‬
‫العام وهذا تطبيق للمعيار المختلط ؛ الن تحديد صفة الموظف العام الذي يخضع لنظام الوظيفة العامة‬
‫ترتبط بكونه يخدم في مرفق عام ؛ وان يدار هذا المرفق من قبل سلطة إدارية تستخدم أساليب القانون‬
‫العام‪....‬فاعتبرت على أساس هذا المعيار العاملين في الوزارات المختلفة والعاملين في المؤسسات‬
‫العامة والبلديات؛ موظفين عموميين‪) 1 ( .‬‬
‫‪.‬المطلب الثالث‪:‬موقف المشرع الجزائري من أسس و معايير القانون اإلداري‬
‫إن فكرة الجمع بين األهداف والوسائل ‘ هي التي يمكن لها أن تؤسس القانون اإلداري الجزائري‬
‫الحديث ؛ فاشتراك فكرة السلطة بمدلولها الحديث مع فكرة المصلحة العامة للدولة الجزائرية‬
‫والمتجسدة في األهداف االشتراكية للدولة وهدف تحقيق التنمية الوطنية ؛ هو الذي يؤسس فكرة‬
‫القانون اإلداري الجزائري ويحدد نطاق تطبيقه ؛ ففكرة السلطة العامة عن طريق مظاهرها المختلفة‬
‫كوسيلة تحقيق للمصلحة العامة في نطاق األهداف و المبادئ االشتراكية للدولة الجزائرية هي التي‬
‫تبرز و تؤسس القانون اإلداري الجزائري التقليدي هي التي تؤسس قواعد القانون اإلداري التقليدي‬
‫ذلك أنه ال يمكن القول بفكرة المرفق العام كأساس و معيار للقانون اإلداري الجزائري الحديث أما‬
‫فكرة السلطة العامة فهي تلعب الدور الرئيسي في تأسيس الستعمال وسائل و مظاهر السلطة العامة ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫________________________________________‬
‫عالء الدين عشي‪ :‬مدخل القانون اإلداري‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار الهدى‪ ،‬الجزائر‪.2009 ،‬ص ) ‪( 1‬‬
‫‪56.‬‬

‫‪.‬عمار عوابدي‪ :‬مرجع سابق‪,‬ص‪( 2 ) 150‬‬

‫‪:‬الخاتمة‬

‫وخالصة القول و من خالل عرض المعايير السابقة لتمييز القانون اإلداري ؛ والجهود التي بذلها‬
‫الفقه والقضاء اإلداريين للتوصل إلى معيار جامع يمكن اعتماده كأساس لتمييز القانون اإلداري ؛‬
‫وتختلف باختالف النظام القضائي الذي تتبعه الدولة ؛ وما إذا كان القضاء اإلداري صاحب الوالية‬
‫العامة في المنازعات اإلدارية ؛ أم أن اختصاصه محددا على سبيل الحصر‬
‫ففي ظل نظام القضاء اإلداري صاحب الوالية العامة في المنازعات اإلدارية تبرز أهمية معيار تمييز‬
‫القانون اإلداري ؛ إذ البد من معرفة طبيعة النزاع لتحديد القضاء المختص وبالتالي القانون الواجب‬
‫التطبيق وتبرز في هذا النظام األهمية العملية إليجاد أساس لتمييز القانون اإلداري أو معيار يحدد‬
‫‪ .‬نطاقه‬
‫أما في ظل نظام القضاء اإلداري صاحب االختصاص المحدد فال تبرز األهمية لوجود معيار لتمييز‬
‫‪ .‬القانون اإلداري‬
‫‪:‬قائمة المراجع‬

‫إبراهيم أبو زيد فهمي‪:‬الوسيط في القانون اإلداري(تنظيم اإلدارة العامة)‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الطبعة ‪1.‬‬
‫‪.‬األولى‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬بدون بلد‪1995 ،‬‬
‫‪،‬عبد الغني بسيوني عبد هللا‪:‬الوسيط في مبادئ و أحكام القانون اإلداري‪،‬منشأة المعارف‪،‬بدون بلد ‪2.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬عالء الدين عشي‪:‬مدخل القانون اإلداري‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار الهدى‪ ،‬الجزائر‪3. 2009 ،‬‬
‫عمار بوضياف‪:‬الوجيز في القانون اإلداري‪،‬الطبعة الثانية‪،‬جسور للنشر و التوزيع‪،‬الجزائر‪4. ،‬‬
‫‪2007.‬‬
‫عمار عوابدي‪ :‬القانون اإلداري(النظام اإلداري)‪ ،‬الجزء األول‪،‬الطبعة الخامسة‪،‬ديوان ‪5.‬‬
‫‪.‬المطبوعات الجامعية‪،‬الجزائر‪،2008،‬ص‪146‬‬
‫محمد رفعت عبد الوهاب‪:‬مبادئ و أحكام القانون اإلداري‪،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪،‬لبنان‪6. ،‬‬
‫‪2005.‬‬
‫مصطفى أبو زيد فهمي‪:‬الوسيط في القانون اإلداري(تنظيم اإلدارة العامة)‪،‬الجزء األول‪،‬الطبعة ‪7.‬‬
‫‪.‬األولى‪،‬دار المطبوعات الجامعية‪،‬بدون بلد‪1995،‬‬
‫‪.‬هاني علي الطهراوي‪:‬القانون اإلداري‪ ،‬الطبعة األولى دار الثقافة للنشر و التوزيع‪8. 2006،‬‬

You might also like