Professional Documents
Culture Documents
نشر شمالن العيسى على الشرق األوسط مقالة بعنوان :ملاذا العداء لليبرالية والعلمانية ،يمكننا تلخيص أهم ما فيها:
إن سبب تأخر دخول الدول العربية عالم الحضارة والحداثة واالنفتاح الديمقراطي هو القنوات الدينية )1
واألحزاب الدينية التي تحض على معاداة اآلخر وتثير النزعة الطائفية.
العلمانية والليبرالية ليست دينا ،وهي حركة فكرية نشأت نتيجة إقحام الدين فيما ال عالقة له به من سياسة )2
وثقافة واقتصاد وعلم واجتماع!
تدعو الليبرالية إلى الحرية الفردية والسياسية واالقتصادية وعلى املواطن أن يخضع لسلطة القانون واعتماد )3
حرية العقيدة واالقتصاد الحر ،وهذه األفكار تدعو لتحرير اإلنسان!
أقول وباهلل التوفيق :من الواضح أن الكاتب يحرص على زج مصطلحات متناقضة ومفاهيم متضاربة ليخرج من بين
ّ
فرثها ودمها لبنا ،وأن ى له ذلك ،وسأنقض مقالته في ثالث حلقات ،مبينا أن مفاهيم الديمقراطية والعلمانية والليبرالية
متناقضة ،تتناقض مع نفسها ومع بعضها البعض ،وأنها دين ،إذ تتناول شئون الحياة من اقتصاد واجتماع وغيرها،
وأنها سبب دمار البشرية ،وأنها ال تقبل باآلخر بأي شكل من األشكال! وسأبين سبب وجوب معاداتها.
فاملفكرون الغربيون حين بحثوا في النظريات القديمة واهتدوا إلى اإليزونوميا (أي املساواة في الحقوق القانونية) وهي
الفكرة األب الشرعي ملا يسمى اليوم بالديمقراطية ،واإليزيجوريا (أي حرية التعبير) و اإليزوبسيفيا (الحق في
التصويت) ،خلطوا هذه االتجاهات الفكرية السياسية التي نشأت في أثينا ،تحت مسمى الديمقراطية -تلك الفكرة التي
كانت منبوذة في أثينا -وروجوا لفكرة أن أثينا ترمز لفكرة نظام األكثرية -وما كانت كذلك -مقابل أسبارطة التي تمثل
األوليغارخية ،أي حكم القلة ،فتبنى الغربيون نظام األكثرية ،أي الديمقراطية ،ولكنهم وقعوا في أول مأزق،
فالديمقراطية تقوم على أساس إخضاع األقلية لحكم األكثرية ال على أساس ضمان حقوق األقلية وال أن يمثل
القانون الذي يجري التصويت عليه ما يرى فيه األقلية حقوقا لهم ،فلو رأوا فيه ضمانة لحقوقهم لصوتوا له،
وبتصويتهم للرأي النقيض فإن ما رأوه من حق لهم في الرأي النقيض ال يحققه الرأي الذي تم التصويت له ،وبالتالي
فالديمقراطية ال يمكن أن تضمن حقوق األقلية وال أن ترعى مصالحهم ،بل عليهم الخضوع ملا رأته األكثرية بغض
النظر عن صوابية الرأي الذي رأته األكثرية أو خطئه ،ألن املعيار الوحيد املراعى هو أن يمثل رأي األكثرية ،لذلك
احتيج في الغرب إلى الليبرالية ،التي تقوم على حماية حقوق األفراد واألقليات ،لذلك يفرق بين الديمقراطية الليبرالية،
والديمقراطية الالليبرالية.
الحظ أيها القارئ الكريم أن الديمقراطية تحارب ديكتاتورية القلة ،وأن الليبرالية تحارب ديكتاتورية الكثرة ،لذا
والفوا بينهما هذه املوالفة العجيبة ببدعة :الديمقراطية الليبرالية! وهذا من فذلكات اللعب باأللفاظ حين يظهر عوار
َ َّ
نظام ما ،فتجد أنهم يسندونه بنقيضه كي ال يظهر بمظهر النظام املجحف ،فمن السماجة بعد أن نظ َر املنظرون للفكر
َّ
الديمقراطي ما نظ روه أن يتبين لهم أن هذا النظام ديكتاتوري في حكمه على األقليات ،وأنه ال يضمن لهم أي حق،
ويخضعهم لرأي األغلبية ،وإن كان فيه تعديا على حرياتهم ،أو على رغبتهم بتشريع آخر ،أو رئيس آخر ينتخبونه،
ً
لذلك لم يجدوا ُب َّدا من ترقيعه بنقيضه ،وهو مذهب الفردية ،أي الليبرالية ،فكيف سيتم التزاوج بين مذهب يحارب
الفردية ويحارب تحكم القلة ،مع مذهب يمنع الكثرة من االستئثار بمقاليد تشريعات أو نظم تمنع األقليات أو األفراد
حقوقهم وتجبرهم على الخضوع لألكثرية!!
ثم إن العلمانية ،قامت على أساس فصل الدين عن الدولة ،ثم تطورت لتصبح فصل الدين والقيم واألخالق عن
الحياة ،فال بد للمشرع مثال ،أو للفكر الذي يراد له أن يسود العالقات املجتمعية ،أن يكون مبنيا على أساس أن يزيل
من فكره وهو يحكم على قضية ما :أي تأثر بقيم مصدرها الدين أو األخالق أو العادات ،او النظرة اإلنسانية أو ما
شابه ،ليصل إلى ما يسمى الخلو من القيم ،value free ،فهذا الخلو من القيم ضمانة ألن تكون العلمانية محايدة،
فالتشريعات محايدة ،والعلم محايد ،والعالقات التي تسود املجتمع قائمة على أساس محايد ،وذلك ألن نظرتهم إلى
الدين أنه هو السبب في التأخر وفي لجم العقل وكبح جماحه ،فال بد من تنحيته حال الحكم على الشيء ،حتى ينطلق
العقل ويسمو وال يتأثر بما يكبحه.
والواقع أن هذا مما يستحيل وجوده في الواقع ،فخذ مثال مسألة الحكم على الزنا أي العالقة خارج إطار األسرة
والزواج ،لو أراد متشرع أن يحكم عليها ليسن قانونا يحرمها أو يبيحها ،فإنه سينظر إلى أنها مشكلة معينة بحاجة
لرأي ،فإذا نحى جانبا نظرة الدين إليها على أساس أنها محرمة ،ونحى جانبا األخالق على أساس أن هذه العالقة ال
أخالقية ،ونحى جانبا القيم اإلنسانية ،على أساس أن القيم اإلنسانية قد تعتبر أن هذه العالقة فيها هدر لكرامة
االسرة ،أو كرامة املرأة ،أو الرجل ،أو من جانب آخر القيم التحررية الليبرالية التي ترى أن هذه العالقة تكرس
الحرية والحق في ممارسة ما يحقق الحرية ... ،الخ ،فهو عليه أن ينحي كل هذه القيم سواء تعارضت أو تشاركت في
النتيجة ،وإن اختلفت في املنطلقات ،أقول ،حين ينحي كل هذه القيم جانبا ،فإنه لن يستطيع إصدار أي حكم على
املسألة ،ألن أساس الحكم على مسألة ما هو تحقيقها لقيم معينة ،أو منعها ألنها تعارض تحقيق قيم معينة ،فكيف به
وهو ينحي كل القيم جانبا؟
هذه اإلشكالية تجعل إصدار الحكم على أي قضية أمرا مستحيال ،فإن هو منع القيم التي أساسها الدين ،وسمح بالقيم
التي أساسها الليبرالية ،فإنه وال شك سيقع في التناقض ،كما قال الشاعر :حرام على بالبله الدوح ،حالل على الطير
من كل جنس؟ ...يتبع
هذه العلمانية ،تشكل الوجه الثقافي أو الحضاري للحداثة الغربية ،أو بمعنى أدق :تعبيرها الحضاري فالديمقراطية
وجهها أو تعبيرها السياسي ،واقتصاد السوق والراسمالية وجهها االقتصادي ،والليبرالية نزعتها الفردية،
وأما الليبرالية ،فإنها وقعت في تناقض آخر ،فهي ال تعترف بمرجعية ليبرالية مقدسة؛ ألنها لو قدست أحد رموزها إلى
درجة أن يتحدث بلسانها ،أو قدست أحد كتبها إلى درجة أن تعتبره املعبر الوحيد أو األساسي عنها ،لم تصبح ليبرالية،
وألصبحت مذهبا من املذاهب املنغلقة على نفسها ،مع اتفاق الليبراليين على أهمية حرية الفرد.
مرجعية الليبرالية هي في هذا الفضاء الواسع من القيم التي تتمحور حول اإلنسان ،وحرية اإلنسان ،وكرامة اإلنسان،
وفردانية اإلنسان .وتتعدد الليبرالية بتعدد الليبراليين .وكل ليبرالي فهو مرجع ليبراليته .وتاريخ الليبرالية مشحون
بالتجارب الليبرالية املتنوعة ،ومن حاول اإللزام سقط من سجل التراث الليبرالي ،فهي فوضى فكرية ال أكثر!
فالليبرالية إذن تتناقض مع العلمانية ،في أنها تكرس قيما إنسانية ،مع أن العلمانية ال تقف في وجه الليبرالية ،إال إن
كان مصدر هذه القيم دينيا أو أخالقيا ،لعداء العلمانية للدين ولألخالق ،فهي تغض الطرف عن القيم التي تقدس
حرية االنسان ،والعلمانية إذ تأخذ من الليبرالية فإنها تناقض نفسها بإخضاع املفاهيم العلمانية للقيم الليبرالية ،وهي
التي آلت على نفسها أن ال تتخذ أيا من القيم أساسا للحكم على األشياء أو األفعال ،أو األفكار!
والليبرالية ال تمنع في فلسفتها الذاتية أن يكون مصدر القيمة التي تحقق الحرية والكرامة والحقوق القانونية
لالنسان ،أن يكون مصدرها دينيا ،أو غير ذلك ،طاملا أنها تحقق هذه القيم ،لذلك ال ترى بأسا في أن يكون الليبرالي
مسلما أو نصرانيا ،طاملا هو يحقق هذه القيم.
وهي في هذا ال تؤطر لفلسفة تبين كيفية تحقيق هذه القيم ،فمن رآى تحقيقها من خالل قيم أساسها ديني فله ذلك،
وهذا فيه تناقض بغيض ،وإشكالية ومازق آخر للعلمانية ال تستطيع أن تحله! فالليبرالية إذ منعت انغالق نفسها على
نفسها ،ومنعت نفسها من أن تكون مذهبا منغلقا منضبطا ،منعت نفسها من أن تشكل منظومة فكرية متجانسة تسعى
إلى إيجاد نمط معين من العيش له مفاهيمه وآلياته وعقيدته ذلك الكل القائم على أسس مترابطة تحقق لالنسان نمطا
معينا من العيش ،فما هو شكل االنسان الذي يعيش تناقضات في قيمه ،فمن قيمة أساسها العلمانية -وهي التي تحارب
القيم أساسا ،-إلى قيمة أساسها االنسانية -على أساس الحرية املطلقة وما تراه اليوم محققا للحرية قد تكفر به غدا
وعليك أن ال تتقيد به وإال لم تكن حرا! -إلى قيمة أساسها االسالم ،كيف له أن يحقق سعادة وأسس هذه القيم
متناقضة ،فهو إذ ال يسرق ألن السرقة حرام ،يزني ألن الزنا يحقق له الحرية ،ويرى منع تدخل االسالم في نظام
حياته إال أنه ال يسرق ألن السرقة حرام! فيرى منع االسالم من أن يصوغ قيمة إال أن بعض قيمة قائمة على أساس
االسالم ،كيف سيتجانس تفكير هذا االنسان ويفضي به إلى السعادة والطمأنينة ،بل كيف سيكون انسانا يحترم
عقله!
صحيح إذن أن الليبرالية ليست بدين ،ألنها لوث فكري ،وتفضي حتما إلى فساد املجتمعات ،وفساد النظم القانونية،
فكيف لقاض أن يحكم على ليبرالي بجريمة وهذا الليبرالي قام بتلك الجريمة ألن منطلقاته الفكرية لم تر فيها جريمة!
إال أن العلمانية دين ،ولبيان ذلك ،فإن العلمانية أيديولوجيا ،أي مبدأ ،فاملبدأ عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام،
واأليديولوجيا رؤية متماسكة شاملة تنظر للقضايا االجتماعية واالقتصادية والسياسية ملجتمع ما بشكل خاص،
ويدخل فيها املعتقدات واألخالق ،ومن هنا فالعلمانية أيديولوجيا ،وتعريف األيديولوجيا بهذا الشكل يتقاطع مع
مفهوم الدين الشامل ،إذ أن بعض األديان حصرت نفسها بجزئيات من هذا التعريف ،وبعضها كان شامال ،وتعريف
األيديولوجيا أيضا ليس محل إجماع مما يجعل توصيف العلمانية بالدين أمرا مقبوال ،وتفسير الدين باأليديولوجيا
أمرا مقبوال.
والد َّي ُ
ان السايس ،والسياسة رعاية الشئون -االقتصادية واالجتماعية والقانونية - ...وفقا فالدين لغة هو السياسةَّ ،
ملنظومة فكرية معينة ،فحين تسوس العلمانية املجتمع ،وتعطي أفكارا عن السياسة واالجتماع واالقتصاد ،فإنها دين
يحكم ويقضي ،والدين منظومة األفكار عن الكون واالنسان والحياة ،وعن عالقتها بخالقها سواء إيجابا أو سلبا لهذه
العالقة ،وال يجوز قصر الدين على العبادة والغيبيات ،فحين تقضي العلمانية بأفكار معينة تجعل لإلنسان إصدار
األحكام ،وتمنع الخالق هذا الحق ،فإنها دين ،فهي وجهة نظر عن الحياة ونمط معين في العيش ،فهي ثقافة معينة ،أي
أساس لحضارة معينة ،وكذلك الدين نمط معين في العيش وثقافة معينة ،وحين تقضي العلمانية بأحكام تتناول شئون
الحياة فإنها تضع هذه األحكام مكان نظائرها من األحكام الصادرة عن الدين ،فهي تلغيه وتصادر حقه في إصدار
األحكام وتضع نفسها مكانه مشرعا ،فهي دين! إال أنها تصادر ما تسميه الرأي اآلخر ،وتمنع الدين من أن يوجد إال في
َ ُ
الدين بتهمة منع التعددية، زوايا املعابد والتكايا وتمنعه من الخروج إلى الشارع والعقول واألفكار ،ثم ترمي العلمانية
ومصادرة حق الغير في التفكير ،وتنسل من هذا وهو دينها وديدنها وتتخذ ألجله الحروب وتجتاح الدول! يتبع
فلماذا العداء لليبرالية وللعلمانية إذن؟ لقد تبين لنا في املقالتين السابقتين أن الليبرالية لوثة فكرية ،وأنها تناقض
نفسها وتناقض العلمانية ،وتناقض الديمقراطية ،وأنه ال يجتمع من هذه النقائض نظام يرقى باإلنسان .وبالنظرة
املتفحصة للعلمانية نجد أيضا أنها تؤطر لنظام حياة على أساس حرب الدين ،وتترك التفاصيل للقانونيين والقضاة،
يسنون التشريعات كما يحلو لهم ،فليس في العلمانية معالجات تفصيلية ملشاكل اإلنسان ،ليس فيها قوانين عاملية،
فلكل بلد علماني خصوصيته ،بل في كل بلد قوانين األمس وقوانين اليوم التي تناقضها ،مما يدل على أن العلمانية لم
ترق إلى مستوى أن تضع الحلول ملشاكل اإلنسان ،وهي تخلو أصال من أصول كلية تعد مرجعا لألحكام التفصيلية على
األفعال ،فباألمس كان الشذوذ جريمة يعاقب عليها القانون العلماني ،واليوم يقدسه ،وذلك الختالف وجهة نظر
القانونيين وسياسات الدول ،ال لنظام حياة منبثق عن العقيدة العلمانية يضع حلوال تفصيلية للمشاكل املتعلقة
بالسياسة واالقتصاد واالجتماع ،وال لقياس هذه األفعال بأصول معينة تستنبط من العقيدة العلمانية ،وهذه مثلبة
عظيمة ،إذ أن العلمانية جعلت كل همها محاربة القيم الدينية ،واألخالقية ،ولم تهتم بوضع البديل لها ،فلسان حالها
لسان حال البلطجي الذي يفتش في األفكار فإن كان أصلها الدين أو األخالق حاربها ،وإن لم يكن غض الطرف ،ولم
يهتم بنوع البديل!
ولم ترق العلمانية ألن تكون مذهبا اقتصاديا ،فاستعارت املذهب الرأسمالي بعجره وبجره ،وجعلت اقتصاد السوق
غايتها ،ذلك السوق الحر الذي تمثل أمريكا صمام األمان والنموذج الذي يحتذى فيه بحسب توماس فريدمان ،وفكرة
حقوق اإلنسان لديهم ليست هي الحقوق اإلجتماعية ،وال توفير الحاجات االجتماعية أو الضرورية للرعية ،بل
تتمحور في إطار ضرورات اإلمبريالية الليبرالية والتجارة العاملية الحرة وتشريع القوانين التي تخدمها كما قال كولن
مويرز في كتابه اإلمبرياليون الجدد أيديولوجيات اإلمبراطورية ص ،138فمن وقف في وجه اجتياح الشركات العابرة
للقارات والبنوك فتسحقه الحكومة العلمانية الديمقراطية لتفتح أسواقه أمام شركاتها وتغرق بالده بالديون
والحروب والويالت.
كتب “توماس فريدمان” ،الصحفي في النيويورك تايمز ،املقرب من وزارة الخارجية األمريكية ،أثناء التحضير لحرب
الخليج الثانية في " 1991أن األيادي الخفية في السوق ال تستطيع العمل بدون قبضة خفية"" ،فعلى سبيل املثال ال
تستطيع املاكدونالد McDonaldالعمل بدون مكدونيل دوجالس ،McDonnell Douglasوهو صانع لطائرة .F-15أما
القبضة الخفية التي ال تزال تحافظ على تكنولوجيا وادي السيلكون ،فهي الجيش ،وسالح الجو والبحرية وقوات
املارينز االمريكية"،
وفي سياق توضيحه للعالقة االستراتيجية القائمة بين الشركات العمالقة واملهتمين بالشؤون والتصنيع العسكري،
يقول فريدمان "أن العوملة تساهم وبشكل فعال في زيادة مساحة الفوائد التي تجنيها الشركات في العالم ،وبالتالي فإنه
ال سبيل إال لوجود آلية عسكرية لحماية هذه املصالح ،ولهذا السبب فقط عملت املؤسسة العسكرية في الواليات
املتحدة على االحتفاظ بالقدرة على شن الحروب في منطقتين مختلفين من هذا العالم” .إن القوى الرأسمالية العاملية
كل الوسائل ،بما في ذلك شن الحرب ،في سعيها لتحقيق مصالحها وتعظيم أرباحها ،تستخدم هذه الدول تستخدم ّ
“اليد الخفية” لالقتصاد و”القبضة الخفية” للجيوش لضمان األجواء املالئمة لتعزيز مصالح الشركات
الرأسمالية العمالقة.
والواقع أن املنظرين العلمانيين والليبراليين والديمقراطيين لم يتنبهوا لحقيقة أن الرأسمالية هي املحرك الوحيد
للدول الغربية االستعمارية ،وأنها تسمح بمذاهبهم وأفكارهم العلمانية والديمقراطية والليبرالية بالوجود طاملا هي
تخدم الرأسمالية ،وحين تتعارض معها ،فإنها ال تلقي لها باال ،فأمريكا ال تحفل كثيرا بنشر الديمقراطية ،أو العلمانية،
إال إن كانت وسيلة لبسط هيمنتها السياسية أو العسكرية أو االقتصادية ،فها هي مصر مثال حي ،ضربت فيه أمريكا
عرض الحائط بالديمقراطية وقيمها ،وبالعلمانيين ومن لف لفهم ودعمت العسكر ودعمت من يحقق لها مصالحها،
وما زال العلمانيون املغفلون يسبحون بحمدها وحمد حضارتها وقيمها صباح مساء ،لكل داء دواء يستطب به إال
الحماقة أعيت من يداويها! وهي هي من تضرب بقيم الليبرالية وحقوق األقليات في أمريكا نفسها إذ تسودها القيم
العنصرية ،على كافة الصعد ،من معاملة الشرطة للسود ،إلى سلم الرواتب الذي يفاضل بين الرجل واملرأة ،وبين
األبيض والالتيني واألسود ...الخ ،فهذه املذاهب لديهم إنما صممت لخدمة القلة ،ولتغليف استعمارهم العالمي بغالف
أنظمة يحاربون بها األديان والحضارات األخرى ،فيستعملونها وقت شاءوا ويغضون الطرف عنها وقتما تعارضت مع
قيمهم الرأسمالية ،فالواقع أن الغرب ليس فيه علمانية ،وال ليبرالية ،وال ديمقراطية ،إنما فيه رأسمالية وحسب.