You are on page 1of 4

‫‪169‬‬

‫*‬
‫عواد‬
‫هاني ّ‬

‫الفكر االتصالي‪ :‬من التأسيس‬


‫إلى منعطف األلفية الثالثة‬

‫الفكر االتصايل‪ :‬من التأسيس إىل منعطف األلفية الثالثة‬ ‫‪:‬‬ ‫الكتاب ‬
‫برينار مييج‬ ‫‪:‬‬ ‫الكاتب ‬
‫أمحد القصوار‬ ‫‪:‬‬ ‫ترمجة ‬
‫‪2011‬‬ ‫تاريخ النرش ‪:‬‬
‫‪ :‬دار توبقال للنرش – الدار البيضاء‬ ‫النارش ‬
‫عدد الصفحات‪101 :‬‬

‫أوهلا النموذج السيربنطيقي‪ ،‬وثانيها النموذج‬ ‫ّ‬ ‫اهلم األساس هلذا الكتاب عىل‬ ‫يرتكز ّ‬
‫التجريبي‪ -‬الوظيفي‪ ،‬وثالثها املنهج البنيوي‪-‬‬ ‫العدة املنهجية التي‬‫ّ‬ ‫حماولة ّمل شمل‬
‫اللساين‪ .‬ومع أن املؤلف نفسه هو الذي اقرتح هذا‬ ‫تراكمت عىل مدى ما يقارب الستة عقود ملناقشة‬
‫التصنيف‪ ،‬فهو ال يلتزم بأصول التمييز التي ّ‬
‫خطها‬ ‫موضوع االتصال‪ -‬اإلعالم‪ ،‬أو باألحرى التفتيش‬
‫عقدي‬
‫ّ‬ ‫فكل هذه التيارات التي سادت‬ ‫بنفسه‪ّ ،‬‬ ‫عن «نظرية اإلعالم» يف الرتاث املعريف الذي ُأ َ‬
‫نتج‬
‫اخلمسينيات والستينيات ُولدت بنيوية‪ ،‬وتبحث‬ ‫مركزا‬
‫حول وسائل اإلعالم منذ انتقلت هذه لتأخذ ً‬
‫البنى السياسية واالجتامعية؛‬ ‫أساسا يف إعادة إنتاج ُ‬
‫ً‬
‫الكل انطال ًقا من عنارصه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫عن «قوانني حتكم‬
‫أي منذ احلرب العاملية الثانية‪.‬‬
‫ومن أنواع التعارض املعهودة (شكل‪ /‬عمق)»‬
‫تعاين آثار االتصال كام‬
‫ُ‬ ‫بترصف)؛ فهي‬
‫ّ‬ ‫(ص‪17‬‬ ‫ٍ‬
‫بفصل يتناول ما يصفه‬ ‫يفتتح مييج دراسته‬
‫ين‬
‫يعاين الطبيب مريضه‪ ،‬وباستثناء املنهج اللسا ّ‬ ‫بـ«التيارات املؤسسة» يف الفكر االتصايل‪،‬‬

‫دورية «عمران» للعلوم االجتامعية واإلنسانية‪.‬‬


‫ّ‬ ‫* باحث يف املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬وسكرتري حترير‬
‫العدد ‪2/ 7‬‬

‫شتاء ‪2014‬‬ ‫‪170‬‬


‫األساسية يف االتصال ليست هي اخلطابات‪ ،‬وإنّام‬ ‫الذي انبثق من أعامل ليفي سرتاوس وغريه (حيث‬
‫الوسائط ذاهتا» (ص‪ ،)37‬وهو ما يعني فصل‬ ‫يوضح املؤلف عالقته اخلصوصية بموضوع‬ ‫ال ّ‬
‫املوجهة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الوسيط من حيث هو أداة عن الرسالة‬ ‫اإلعالم)‪ ،‬فإن التيار املؤسس واملهتم بمنتجات‬
‫وما فعله ماكلوهان ليس أكثر من سحب أحد‬ ‫أداتيا‪ ،‬يروم البحث عن آثار‬
‫وسائل االتصال كان ً‬
‫ليتم التعامل مع امليديا‬ ‫ِ‬
‫مناهج النقد األديب احلديثة ّ‬ ‫(مرسل ‪ -‬وسيط ‪-‬‬ ‫اإلعالم يف الذوات االجتامعية‬
‫عىل أهنا «قصيدة»‪ ،‬ال يمكن فهمها إلاّ من خالل‬ ‫يقدم تغذية راجعة إىل عالقات السلطة‬‫متلق)‪ ،‬ثم ّ‬
‫ّ‬
‫نظامها الداخيل الناظم ملخرجاهتا(‪ ،)1‬ولكن حتى‬ ‫بوصفها املستحوذ عىل األجهزة اإلعالمية‪ ،‬وذلك‬
‫هذه األخرية تعاين‪ ،‬كام يشري املؤلف‪ ،‬شبه انعدام‬ ‫منطلقًا من سلبية املتلقّي‪ .‬هكذا يتم بوساطة سلطة‬
‫االختبارات املنهجية التي تثبت فعاليتها للتفسري‪،‬‬ ‫امليديا «الدفع باألفراد املستعدين بشكل قب ّ‬
‫يل‬
‫وغموض املوضوع الذي يعاجله (ص‪.)77‬‬ ‫للتعبري عن آراء األقلية أو عن آراء غري شعبية إىل‬
‫ومع ذلك‪ ،‬يغامر املؤلف يف الفصلني الثاين‬ ‫اجتامعيا»‬
‫ً‬ ‫اإلحجام عن القيام بذلك خمافة عزهلم‬
‫والثالث باعتبار مباحث اجتامعية وأنثروبولوجية‬ ‫(ص‪.)28‬‬
‫امتدا ًدا للمؤ ّلفات الكالسيكية بشأن نظرية‬ ‫لذلك‪ ،‬عرض املؤلف مسامهات التيار‬
‫اإلعالم‪ -‬االتصال(‪ ،)2‬فيذكر يف الفصل الثاين تيار‬ ‫النقدي الذي قاده تالميذ مدرسة فرانكفورت‬
‫االقتصاد السيايس الذي هيدف يف «األساس إىل‬ ‫التي سامهت‪ ،‬يف رأينا‪ ،‬يف اضمحالل احلديث‬
‫توضيح الوظيفة التي يقوم هبا االتصال من أجل‬ ‫بحد‬
‫ّ‬ ‫علميا منفر ًدا‬
‫ً‬ ‫عن االتصال بوصفه حقلاً‬
‫تلبية حاجات الرأسامل» (ص‪ ،)41‬واملدرسة‬ ‫ذاته‪ .‬هكذا برز اكتشاف جوزيف كالبر ‪(J.‬‬
‫األنثروبولوجية يف حتليل التواصل‪ ،‬ثم مدارس‬ ‫‪ )Clapper‬وغريه؛ فاالتصال اجلامهريي ليس‬
‫العلوم االجتامعية املختلفة‪ ،‬والتيار الثقافوي‪ ،‬مع‬ ‫وكافيا للتأثري يف مجهور الوسائط‪،‬‬ ‫سببا رضور ًيا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مجيعا مل يكونوا معنيني بتشييد نظريات‬‫أن هؤالء ً‬ ‫فهو يشتغل باألحرى بواسطة تضافر جمموعة‬
‫عامة حول اإلعالم‪ ،‬فالدراسات االجتامعية‬ ‫ّ‬ ‫متر‬
‫من العوامل الوسيطة؛ فالرسالة اإلعالمية ّ‬
‫واإلنسانية كانت دائمة االنشغال بالتواصل بني‬ ‫بمراحل من التصفية من خالل اختيارات املتلقي‪،‬‬
‫البرش يف سياق حماوالهتا لفهم املجتمع‪.‬‬ ‫واملجموعات التي يعيش فيها‪ ،‬واالتصال بني‬
‫ً‬
‫منخرطا‬ ‫يبدو مييج يف فصول الكتاب الثالثة‬ ‫و«موجهي الرأي» (ص‪ ،)27‬كام هو الشأن‬
‫ِّ‬ ‫األفراد‬
‫بشدة يف تقاليد املدرسة الفرنسية ا ُملحدثة‪ ،‬حيث‬
‫ّ‬ ‫بالنسبة إىل «اخلريات املعروضة لالستهالك‪ ،‬حيث‬
‫اإلغراق يف النظرية واملنهج يفوق يف أمهيته احلديث‬ ‫ُيرتك نوع من املبادرة للمستعملني‪ -‬املستهلكني ما‬
‫عن الظاهرة املدروسة‪ .‬لذلك‪ ،‬ينطلق املؤلف من‬ ‫وافرا» (ص‪ .)29‬وباختصار‪،‬‬ ‫إن يكون العرض ً‬
‫أرضية تس ّلم بوجود نظرية إعالم‪ ،‬وال يتساءل‬ ‫ّ‬ ‫فإن الثقافة اجلامهريية هي «نسق خاص يوجد يف‬
‫عم إذا كان هنالك قبل ذلك نظرية لإلعالم (أو‬ ‫اّ‬ ‫عالقة مع املجتمع والتاريخ‪ ،‬وليس كأثر للوسائط‬
‫نظرية يف اإلعالم)‪ ،‬فاإلعالم مثل غريه هو ظاهرة‬ ‫اجلامهريية» (ص‪.)34‬‬
‫اجتامعية تعبرّ يف النهاية عن جمرى عالقات السلطة‬ ‫إ ًذا‪ ،‬ما يمكن استنتاجه من الفصل األول هو موت‬
‫داخل جمتمع‪ ،‬ورصاع القوى عىل فوائض اإلنتاج‬ ‫فكرة حتويل اإلعالم إىل حقل علمي منفرد منذ‬
‫املادية والرمزية‪.‬‬ ‫والدهتا‪ ،‬وانحصار نظرياهتا التي مل يبق منها سوى‬
‫يميز هذا العمل‪ ،‬هو إقراره يف الفصل‬
‫أهم ما ّ‬
‫إن َّ‬ ‫أطروحة مارشال ماكلوهان‪ ،‬حيث «إن الواقعة‬
‫‪171‬‬ ‫مناقشات ومراجعات‬

‫الفكر االتصالي‪ :‬من التأسيس إلى منعطف األلفية الثالثة‬

‫معي‬ ‫التي تروم البحث عن استقاللية حقل معر ّ‬


‫يف نّ‬ ‫الثالث التناقض األهم الذي وقع فيه أغلب‬
‫عن الرتاكم املعريف الذي أنتجته العلوم االجتامعية‬ ‫املسامهني بنظريات اإلعالم احلديثة (ابتدا ًء من‬
‫واإلنسانية‪ .‬وكام أشار مييج يف الفصل الثالث‪ ،‬فإن‬ ‫ميزت بني‬‫ماكلوهان وانتها ًء برجييس دوبريه)‪ ،‬التي ّ‬
‫تطور البنى االجتامعية جاء خمالِ ًفا للتوقّعات التي‬
‫ّ‬ ‫نمطني من اإلنتاج‪ ،‬األول هو الرأساميل الصناعي‪،‬‬
‫أعلنتها الدراسات اإلعالمية منذ عقود (ص‪،)84‬‬ ‫والثاين هو اإلعالمي (واملوصوف أحيانًا بام بعد‬
‫«الراهني»‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فامليديا يف هناية املطاف هي أسرية‬ ‫هتتم إلاّ بالنمط‬
‫الصناعي)‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فهي ال ّ‬
‫تشكل رصيد الوسيلة اإلعالمية‬ ‫واملعلومة التي ّ‬ ‫الثاين‪ ،‬وال تبحث يف التفكري يف التمفصل بني‬
‫البنى االجتامعية رشوط‬ ‫«آنية»‪ ،‬بينام تتحكم يف ُ‬
‫هي ّ‬ ‫الواحد واآلخر‪ ،‬فال يصبح مفهو ًما «كيف يمكن‬
‫اجتامعية ضاربة يف التاريخ‪.‬‬ ‫لتشغيل التقنيات أن يكون مفصولاً عن نمط‬
‫وموج ًها نحو استعامالت‬ ‫ّ‬ ‫اإلنتاج الذي يعبئها‪،‬‬
‫متاميزة» (ص‪ ،)85‬ونحن نذهب أبعد من ذلك‬
‫الهوامش‬ ‫إعالمي؛‬ ‫لنقول إنه ال يوجد يف األصل ُ‬
‫نمط إنتاجٍ‬
‫ّ‬
‫‪1 Richard Wasson, Marshall McLuhan and the Politics‬‬ ‫بل يوجد أجهزة إعالمية فاعلة ومنفعلة بظرف ِّ‬
‫كل‬
‫‪of Modernism, The Massachusetts Review, Vol. 13, No. 4‬‬
‫جمتمع من املجتمعات‪ ،‬وخلف هذه األجهزة قوى‬
‫‪(Autumn, 1972), (567-580), p.573.‬‬
‫يرص برينار مييج عىل مدار كتابه عىل وضع عالمة الرشطة (‪)-‬‬
‫‪ّ 2‬‬ ‫اجتامعية مستفيدة من اقتصاد اخلدمات الذي هو‬
‫بني «اإلعالم» و«االتصال»‪ ،‬مع أن االتصال هو موضوع شديد‬ ‫باألصل نتوء من نتوءات اقتصاد الرأساملية‪.‬‬
‫اهتم به كثري من احلقول املعرفية‪ ،‬أكانت سوسيولوجية‬
‫العمومية ّ‬
‫أم أنثروبولوجية أم حتى لسانيّة بحتة‪.‬‬ ‫هذا الكتاب إ ًذا هو مثال مهم الرتباك املحاوالت‬
‫ع‬
‫ساب‬
‫د ال‬
‫عد‬
‫ال‬
‫العدد ‪ - 7‬المجلد الثاني ‪ -‬شتاء ‪2014‬‬

‫ممارسة أنظمة المراقبة‬


‫في الوطن العربي (‪)2‬‬
‫محور العدد‪:‬‬
‫إقرأ‬
‫ • دور معاهدا ت السلم والتجارة في التحكم في المجال التجاري‬
‫ومراقبة التجار في الحوض الغربي للمتوسط في العصر الوسيط‬
‫ّ‬
‫والتحكم‬ ‫ •السياسات الحيوية اإلسرائيلية‪ :‬االغالق والتأريض‬
‫في األراضي الفلسطينية المحتلة‬
‫فـي‬
‫هذا‬
‫ •االحتالل الرقمي اإلسرائيلي لغزة‬
‫ •اإلحصاء» والبحث االجتماعي في األرض المحتلة ‪:1967‬‬
‫األثر االستعماري وتشظية المجتمع الفلسطيني‬
‫ •السياسي والسوسيولوجي في الفضاء العربي‪ :‬صراع الرقابة‬
‫وتحوّ الت العالقة‬
‫دراسات‬
‫مناقشات‬
‫مراجعات‬ ‫العدد‬

You might also like