You are on page 1of 1053

‫جامع آاثر الشيخ العالمة محود بن عقالء الشعييب‬

‫رمحه هللا تعاىل‬


‫‪ 4111 - 4316‬هـ‬

‫مجع وترتيب ‪ :‬عبدهللا آل محدان‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫إِن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ ابهلل من شرور أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من‬
‫يهده هللا فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إِله إِال هللا وحده ال شريك له‪،‬‬
‫حممدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫وأشهد أن ً‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن هللا سبحانه وتعاىل بعث األنبياء والرسل لعبادة هللا وحده ال شريك له وإحياء ملة أبينا إبراهيم‬
‫اَّلل و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وت)‪ ،‬وبعث‬ ‫اجتَنبُوا الطَّاغُ َ‬ ‫عليه السالم‪ ،‬قال تعاىل ( َولََق ْد بَ َعثْ نَا ِِف ُك ِل أ َُّمة َر ُس ًوال أَن ْاعبُ ُدوا ََّ َ ْ‬
‫الرسول دمحم ملسو هيلع هللا ىلص خامت لألنبياء ومبعوث ابهلدى ودين احلق ليظهره على الدين كله‪ ،‬فأكمل به‬
‫الدين وأمت به النعمة‪ ،‬فدخل الناس ِف دين هللا أفواجا‪ ،‬وأشرقت األرض بنور النبوة ‪ ،‬حىت تركهم‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص على احملجة البيضاء‪ ،‬ليلها كنهارها‪ ،‬وسار على هذا املنهج القومي اخللفاء الراشدون‪ ،‬والصحابة‬
‫األبرار‪ ،‬وأئمة اهلدى والصالح من بعدهم‪.‬‬
‫مث خلف من بعدهم أقوام هجر السنن وأتبعوا البدع ‪ ،‬وابعوا دينهم بدنياهم ‪ ،‬ولكن هللا سبحانه‬
‫وتعاىل حفظ هلذه األمة دينها أبن يبعث ِف كل قرن من جيدد دينها‪ ،‬وكما جاء عن الرسول صلى‬
‫ث ِهلَ ِذهِ ْاأل َُّم ِة َعلَى َرأْ ِس ُك ِل ِمائَِة َسنَ ٍة َم ْن ُجيَ ِد ُد َهلَا ِدينَ َها»‪.‬سنن أيب‬ ‫هللا عليه وسلم‪« :‬إِ َّن َّ‬
‫اَّللَ يَْب َع ُ‬
‫داود (‪ )1924‬وصححه األلباين ‪.‬‬
‫والعلماء هم ورثة األنبياء ولذلك جيب االهتمام برتاثهم من الكتب والرسائل وغريها‪ ،‬حىت ال يضيع‬
‫تراثهم فهو نور على الدرب ‪ ،‬ومما يقلل االستفادة من تراث العلماء ان يكون متفرق وغري جمتمع‬
‫بني ِدفيت كتاب واحد‪ ،‬وهلذه جيب خدمة آاثر العلماء ابلتحقيق واجلمع والرتتيب والدراسة ‪،‬‬ ‫َ‬
‫وخدمة آاثر العامل تعترب من أنبل صور الوفاء هلذا العامل فهو إحياء لعلم هذا العامل وصدقة جارية‬
‫هلذا العامل وملن خدم آاثره‪ ،‬وإحياء وجتديد لسري إعالم اهلدى والصالح ‪.‬‬
‫وممن حنسبه إن شاء هللا من أئمة التجديد والدعوة للتوحيد والسنة ‪ ،‬احملاربني للطواغيت وأهل البدع‬
‫‪ ،‬فضيلة الشيخ العالمة مدفع التوحيد الشيخ محود بن عقالء الشعييب رمحه هللا تعاىل ‪.‬‬
‫وحينما رأيت آاثر الشيخ العالمة محود بن عقالء الشعييب رمحه هللا متنيت لو جتمع وختدم ِف كتاب‬
‫واحد‪ ،‬مث رأيت مشاريع الشيخ عبد الرمحن القاسم وابنه دمحم رمحهم هللا ‪ ،‬من جمموع فتاوى شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية ‪ ،‬والدرر السنية ِف األجوبة النجدية ‪ ،‬وجمموع فتاوى الشيخ دمحم بن إبرهيم ‪،‬‬

‫‪2‬‬
‫فقلت ِف نفسي ملاذا ال أقتدي هبم ‪ ،‬فتاقت نفسي جلمع هذا العلم العظيم‪ ،‬فبدأت ِف العمل على‬
‫مشروع جامع آاثر الشيخ العالمة محود بن عقالء الشعييب رمحه هلل تعاىل ‪ ،‬وبدأت أمجع آاثره من‬
‫املوقع الرمسي لفضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب رمحه هللا(‪ ، )4‬وملف الشيخ محود بن عقالء‬
‫الشعييب ِف موقع صيد الفوائد(‪ ، )9‬ومن اجملالت والصحف القدمية ‪ ،‬وغريها من املصادر ‪،‬‬
‫ومنهجي ِف هذا املشروع هو مجع كل ما كتبه الشيخ محود رمحه هللا أو شارك ِف كتابته وترتيبه‬
‫بشكل شبه موضوعي ‪ ،‬وعملي ِف هذا الكتاب هو تصحيح بعض النصوص ‪ ،‬وعزو اآلايت إىل‬
‫مواضعها ِف كتاب هللا الكرمي ‪ ،‬وختريج األحاديث واآلاثر بنسبتها إىل مصادرها مع ذكر حكم‬
‫الشيخ دمحم انصر الدين األلباين رمحه هللا أو حكم أحد علماء احلديث ‪ ،‬ويل تعليقات قليلة على‬
‫بعض املواضع ‪ ،‬وقد واجهت بعض الصعوابت ِف احلصول على بعض الفتاوى و البياانت و‬
‫ضم كل آاثر‬ ‫الرسائل واملقاالت ولكن أستطعت حبمد هللا جتاوزها ‪ ،‬وهذا املشروع وهلل احلمد َ‬
‫الشيخ العالمة محود بن عقالء الشعييب اليت أستطعت احلصول عليها ‪.‬‬

‫وِف ختام هذه املقدمة أشكر كل من ساعدين من طالب وأبناء الشيخ محود رمحه هللا ‪ ،‬وأشكر أبو‬
‫سليمان الذي قام بتفريغ مقابلة الشيخ محود رمحه هللا ‪ ،‬وأشكر مجيع األخوة الذين شجعوين على‬
‫العمل وأمتام املشروع‪.‬‬
‫وأدعو كل املهتمني آباثر الشيخ العالمة محود بن عقالء الشعييب رمحه هللا إىل التواصل معي بكل‬
‫ما يستدرك سواء من كتب‪ ،‬أو فتاوى‪ ،‬أو رسائل‪ ،‬أو أشرطة وقفوا عليها مل تدخل ِف املشروع‪ ،‬أو‬
‫من تصحيحات ِف نصوص الكتب‪ ،‬أو اقرتاحات تُ ْثري العمل وتسدده‪.‬‬
‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه وسلم‪ ،‬واحلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات‪.‬‬

‫كتبه‪ :‬عبدهللا آل محدان‬


‫اتريخ‪ 4142/2/4 :‬ه‬
‫للتواصل على حساب تيليجرام‪@Abdullah6431 :‬‬

‫____________________________________‬
‫(‪ )4‬هذا رابط املوقع الرمسي لفضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب ‪http://aloqlaa.com/index.php :‬‬
‫(‪ )9‬هذا رابط ملف الشيخ محود ِف موقع صيد الفوائد ‪:‬‬
‫‪https://www.saaid.net/Warathah/hmood/index.htm‬‬

‫‪3‬‬
‫لقاء مع فضيلة الشيخ العالمة محود بن عقالء الشعييب‬
‫هذا لقاء أجراه الشيخ عبدالرمحن بن دمحم اهلرِف مع فضيلة الشيخ العالمة محود بن عقالء الشعييب‬
‫رمحه هللا ِف شهر ذو احلجة عام ‪ 4194‬ه ‪ ،‬وهو لقاء مسجل ِف شريط منشور على املوقع الرمسي‬
‫للشيخ العالمة محود بن عقالء الشعييب رمحه هللا‪ ،‬وقد قام بتفريغه األخ الفاضل أبو سليمان جزاه‬
‫هللا خريا‪ ،‬وقد قمت مبراجعته وتصحيحه فإذا وجدت قوسني مثال ]‪ [....‬فمعناه أنه مل نستطع‬
‫معرفة الكالم املسجل بسبب رداءة التسجيل ولعدم وضوح الصوت ِف بعض املواضع‪ ،‬وأحب أن‬
‫أبني للقارئ الكرمي أن ما كتب ِف احلواشي هو من كالمي ‪.‬‬

‫اهلرِف ‪ :‬بسم هللا والصالة والسالم على رسول هللا‪ .‬اما بعد ‪.‬‬
‫فهذا اللقاء مع فضيلة الشيخ محود العقالء حفظه هللا ورعاه ‪ ،‬يتناول نبذة من ترمجته وسرية‬
‫حياته ؟‬

‫السؤال األول ‪ :‬مولد فضيلة الشيخ ونشأته‪:‬‬


‫الشيخ ‪ :‬بسمميحرلا نمحرلا هللا ‪ .‬أان ولدت عام ‪4411‬ه ‪ِ،‬ف بلدة الشقه‪ ،‬قرية من القرى التابعه‬
‫ملدينة بريدة ونشأت ‪ِ ،‬ف أسرة فالحة فقرية‪ ،‬وعندما بلغت السنة اخلامسة أدخلين والدي رمحه هللا‬
‫ِف املدرسة اليت ِف القرية‪ ،‬تدرس القرآن والكتابة فقط‪ ،‬تسمى ال ُكتَّاب‪ ،‬يسموهنا اآلن ال ُكتَّاب‬
‫حنا نسميها املدرسة‪ ،‬وأكملت معرفة اهلجاء وبدأت جبزء عم وعندما وصلت اىل سورة عبس‬
‫أصبت ابجلدري وفقدت بصري وبعد أن متاثلت ابلشفاء أعادين رمحة هللا عليه إىل املدرسة‪ ،‬والدي‬
‫حلرصه علي وعلى مستقبلي‪ ،‬وبدأت بقراءة القرآن حفظا ألين كنت ال بصر أعمى وعمري ِف‬
‫ذلك الوقت قريب سبع سنوات بعد أن فقدت بصري وكان عمري ميكن ما يقارب سبع سنوات‪،‬‬
‫وبدأت حبفظ القرآن وحرص والدي رمحه هللا أبن كان والدي هو يقرؤين قراءة كل يوم ِف البيت‬
‫فإذا جيت للمدرسة ؛يعين كانت حضور املدرسة جتريبها وتصحيح بعض الكلمات الغري معربه‪،‬‬
‫وبعد أن درست اثنا عشر عاما أكملت القرآن حفظا إال البقرة وآل عمران‪ ،‬أما غريمها من القرآن‬
‫فقد حفظته واحلمد هلل وأان ِف الثانية عشر من عمري‪ ،‬وبقيت ِف البلدة إىل عام ‪ ،4411‬فانتقلت‬
‫إىل الرايض لطلب العلم ِف ذلك العام فبدأت ابلقراءة على الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم رمحه هللا‬
‫وألنه كان ِف ذلك الوقت هو الذي يدرس الطالب املبتدئني‪ ،‬بدأت بقراءة اآلجرومية ِف النحو‪،‬‬
‫وثالثة أصول ِف التوحيد‪ ،‬والرحبيه ِف الفرائض‪ ،‬ووفقين هللا للفهم ِف النحو وكان عند الشيخ ما‬

‫‪4‬‬
‫اليقل عن أربع مئة طالب كلهم ال يعرفون شيء من النحو وهلم عشرات السنني يقرؤون عنده‪،‬‬
‫وأان وفقين هللا ملعرفة بعض القواعد ِف النحو وكانوا يقرؤون عنده ِف اآلجرومية فإذا وصلوا إىل‬
‫الفصل‪ ،‬وأنتم تعلمون أن اآلجرومية أوهلا عن الكالم وأقسامه ‪،‬وعالمات الفعل وعالمة الفعل‪،‬‬
‫وعالمات االسم بعد ذلك يقول فصل فيبدأ ابملرفوعات‪ ،‬واألشياء واملنصوابت وكذا اىل آخره‪ ،‬هم‬
‫إذا وصلوا ارجعهم قال مل تستعدوا ابلكتابة‪ ،‬أان ملا وصلت اىل الفصل‪ ،‬كنت قد عرفت كثري ِف‬
‫اللغة العربية االبتدائية‪ ،‬يعين إذا أعطاهم مثل يعربونه أان أكون أول واحد على ميينه‪ ،‬وطريقة‬
‫املشايخ رمحهم هللا أن أول واحد على ميينه وهو جالس هو الذي يبدا ابلقراءة وأان أبدا ابإلعراب‪،‬‬
‫فإذا كان أول مثال ابإلعراب يعطيين إايه ألين على ميينه فأجيب عنه أعربه وإذا عجزوا‬
‫عن اإلعراب رد علي‪ ،‬فقلت أريد أن استمر ِف الكتابة إىل أن أجتاوز الفصل‪ ،‬فقال الطالب ال‬
‫يقدرون على ذلك ولكن أشري عليك أبن تقرا عند الشيخ دمحم ِف قطر الندى‪ ،‬فاستأذنت من‬
‫الشيخ دمحم رمحه هللا فبدأت ِف قطر الندى أقرا فيه أان وابنه إبراهيم الذي كان وزير العدل‪ ،‬أان وايه‬
‫فقط نقرأ ِف قطر الندى الصباح وبعد أن أمتمته بدأت ِف ألفية ابن مالك حفظا وقراءة‪ ،‬هذا ما‬
‫يتعلق ابلنحو‪ ،‬أما ما يتعلق ابلعلوم األخرى فباألصول‪ ،‬وشروط الصالة‪ ،‬والقواعد االربع‪ ،‬أمتمتها‬
‫عند الشيخ عبداللطيف‪ ،‬بعد ذلك عند الشيخ دمحم رمحه هللا‪ ،‬وهو أبرز مشاخيي واعتربه والدي‬
‫واملريب الكبري األول يل وهو مبنزلة والدي‪ ،‬بدأت عنده بقراءة منت الزاد املستقنع‪ ،‬وبلوغ املرام ِف‬
‫احلديث‪ ،‬وكتاب التوحيد ِف التوحيد‪ ،‬وكذلك الواسطية‪ ،‬وكشف الشبهات‪ ،‬مث قراءة عليه رمحه هللا‬
‫ِف التدمرية حفظا‪ ،‬وأما ِف احلديث والفقه فأمتمنا منت زاد املستقنع‪ ،‬والبلوغ‪ ،‬أمتمناها عدة مرات‬
‫على الشيخ رمحه هللا ‪ ،‬وبعد أن فتح املعهد عام ‪ ،1٧‬املعهد العلمي‪ ،‬فأنضميت إليه وصنفت ِف‬
‫السنة الثانية اثنوي‪ ،‬ما كان فيه متوسط واثنوي‪ ،‬كان الثانوي أربع سنوات صنفوين ِف السنة الثانية‬
‫هذا عام ‪ ،14‬وخالل أايم نقلوين من الثانية اىل الثالثة وكان من أبرز زمالئي ِف السنة الثالثة‬
‫والرابعة‪ ،‬ألن خترجنا من الثانوي السنه الرابعة درست الثالثة والرابعة‪ ،‬من أبرز زمالئي الشيخ علي‬
‫الرومي ِف القضاء ِف التمييز‪ ،‬والشيخ ابراهيم ابن دمحم حفظه هللا الذي كان وزير العدل‪ ،‬ومنهم‬
‫أيضا الشيخ عبدهللا ابن إدريس الشاعر املشهور‪ ،‬ومن زمالئي الشيخ راشد ابن خنني مستشار‬
‫ِف جملس الوزراء‪ ،‬وكثريون ‪ ،‬واحد وعشرين طالب عددهم‪ ،‬خترجت من الكلية كلية الشريعة ِف‬
‫عام ‪ ، 11‬تلقيت ِف هذه الكلية دروس من عدة مشائخ منهم عبدالعزيز بن رشيد رمحه هللا شارح‬
‫الواسطية ‪ ،‬ومنهم الشيخ دمحم آمني الشنقيطي رمحهم هللا ‪ ،‬وهذا كان هو الوالد الثاين بعد‬
‫الشيخ دمحم بن ابراهيم هذا اخذت عنه ‪ ،‬درسين ِف الكلية أصول الفقه ‪ ،‬وتفسري‪ ،‬وحديث‪،‬‬

‫‪5‬‬
‫واألدب‪ ،‬وقد كان يل عنده دروس ِف البيت خاصة ِف املنطق‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬ودرست عليه‬
‫الروضة‪ ،‬روضة الناظر ِف األصول ‪ ،‬والسلم ِف املنطق وشرحه ‪ ،‬وكان من ضمن املشايخ الذين‬
‫تلقيت عنهم العلم ِف الكلية الشيخ عبدالعزيز ابن ابز وفقه هللا ‪ ،‬والشيخ عبدالرمحن األفريقي رمحه‬
‫هللا ِف احلديث ‪ ،‬درسين ِف احلديث ‪ ،‬عامل جليل أفريقي من مايل وكان يل مشاركات‪ ،‬يعين تلقيت‬
‫العلوم على بعض اإلخوان ِف أول الطلب منهم الشيخ سعود بن رشود الذي كان قاضي الرايض‬
‫ومنهم الشيخ دمحم بن سنان أتقنا عليه القرآن ِف الرايض ‪ ،‬درست عليه القرآن ِف التجويد‪ .‬أما‬
‫األعمال اليت قمت هبا كانت التدريس فقط عندما خترجت عام ‪ ،11‬وبدأت السنة الدراسة‬
‫عام ‪ ،11‬عُينت مدرسا ِف املعهد العلمي‪ ،‬درست‬
‫احلموية للطالب ِف السنة اخلامسة وِف عام ‪ 1٧‬نقلت إىل كلية الشريعة يعين درست فيها‪.‬‬

‫اهلريف ‪ :‬من كان زمالئكم اي شيخ يف الكلية؟‬


‫الشيخ ‪ :‬زمالئي ِف الطلب واال ِف التدريس؟‬
‫اهلرِف ‪ :‬التدريس‪.‬‬
‫الشيخ ‪ :‬كان من زمالئنا من أشهرهم الشيخ عبدالعزيز ابن رشيد رمحه هللا وكان منهم مصريني‬
‫كثريون‪ ،‬أكثر أساتذيت ِف النحو‪ ،‬والبالغة‪ ،‬والعروض‪ ،‬من املصريني زاملوين وأما السعوديون فال‬
‫أعرف أحد زاملوين ِف التدريس‪ ،‬والذي عاصرهتم ابلكلية كلهم مصريني‪ ،‬وفلسطينيون‪ ،‬هذا كما‬
‫قلت لك كان عام ‪ 1٧‬ابلكلية ِف التدريس واستمر عملي هبا إىل عام‪ ،41٧٧‬ومن التالميذ الذي‬
‫سألتين عنهم ‪.‬‬

‫اهلريف ‪ :‬ومن التالميذ الذي درستم خالل هذه السنوات الطويلة ؟‬


‫الشيخ ‪ :‬خالل هذه السنوات الطويلة اليت تقارب ‪ 1٧‬عام خترج من عندي كثري وتقلدوا أعماال‬
‫مهمة ِف الدولة وبرزوا وبرز منهم الكثري‪ ،‬ومن أبرزهم الدكتور عبدهللا بن عبداحملسن الرتكي‪ ،‬وزير‬
‫الشؤون اإلسالمية ‪ ،‬وكذلك الدكتور صاحل الفوزان الذي برز ِف هيئه كبار العلماء‪ ،‬ومنهم‬
‫أيضا الدكتور عبدهللا بن دمحم بن ابراهيم وزير العدل اآلن‪ ،‬ومنهم كثريون ‪ ،‬ومنهم الشيخ عبدالعزيز‬
‫بن سعيد رئيس اهليئات ‪ ،‬ومنهم رؤساء احملاكم ِف معظم اململكة مدن اململكة كالشيخ ابن مهنا‬
‫رئيس حماكم الرايض‪ ،‬والشيخ عبدالرمحن العجالن رئيس حماكم القصيم‪ ،‬وكثريون وكذلك منهم‬
‫ِف جملس القضاء ‪ ،‬ومنهم من هو ِف هيئة كبار العلماء كما ذكران ومنهم رؤساء مصاحل وكالء‬
‫وزارات كثريون ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫اهلريف ‪ :‬اي شيخ املتون العلمية اليت قرأهتا ودرستها ؟‬
‫الشيخ ‪ :‬املتون العلمية ذكرهتا ِف الشواهد السابقة سردهتا مع من قبلها ‪.‬‬
‫اهلرِف ‪ :‬لكن طريقة التدريس؟‬
‫الشيخ ‪ :‬طريقة التدريس كنا حنفظ ‪ ،‬أوالً شيخنا رمحه هللا دمحم بن ابراهيم ما يسمح ألحد يبدأ‬
‫يقرئ عنده ِف املتون حىت يصري حافظا للقرآن‪ ،‬هذا شرط فأان كنت حافظا للقران كما قلت بقي‬
‫يل البقرة وآل عمران‪ ،‬مسعتها ِف الرايض حينما وصلت أول شئ وكنا نقرئ عنده بعد صالة الفجر‬
‫ِف املسجد ِف األلفية ومنت القطر والروض املربع وبلوغ املرام ‪.‬‬

‫اهلريف ‪ :‬حفظا؟‬
‫الشيخ ‪ :‬حفظا ما فيه إال حفظا كل شيء حفظ إال الكتب املطولة هذي ِف قراءة جملسه ِف‬
‫الضحى يقرأ ِف املطولة بعد أن تنتهي هذه اجللسة خنرج ونقصد بيت الشيخ جنلس عند الباب‬
‫حلظة وهو يدخل البيت يفتح له الباب وندخل اجمللس نشرب فنجال قهوه فيأيت رمحه هللا فيجلس‬
‫نبدأ ابملختصرات أول ما يقرا كتاب التوحيد وأول ما خيتربان أول مادة خيترب هبا التوحيد وأول مادة‬
‫يفتتح هبا مبجلس ِف البيت ِف الضحى كتاب التوحيد نقرؤه حفظا‪ ،‬ومعه الواسطية‪ ،‬وكشف‬
‫الشبهات‪ ،‬والباقي يقرأ اذا متت نرجع نعيده مرة اثنية حفظا ‪.‬‬

‫اهلريف ‪ :‬واملطوالت اي شيخ؟‬


‫الشيخ ‪ :‬املطوالت ِف هذا بعد ما جيلس ِف البيت الصباح يبدؤون عددا من اإلخوان من الطالب‬
‫يقرؤون‪ ،‬واحد يقرا ِف الصراط املستقيم‪ ،‬وواحد يقرا ِف شرح العقيدة الطحاوية ‪،‬وواحد يقرأ ِف‬
‫منهاج السنة البن تيمية‪ ،‬وواحد يقرا ِف صحيح البخاري‪ ،‬وأذكر منهم الشيخ عبدالرمحن الفراين‬
‫كان يقرأ ِف صحيح البخاري‪ ،‬وأذكر منهم ضحيان ابن عبدالعزيز رمحه هللا‪ ،‬الذي توِف قبل[‪[....‬‬
‫كان يقرأ ِف منهاج السنة والعقل والنقل إذا أكمل منهاج السنة‪ ،‬وكان كثريون من اإلخوان قد يقرأ‬
‫عليه ِف حوايل عشر مطوالت‪ ،‬ال ينتهي هذا اجمللس إال قريب الظهر ‪.‬‬

‫اهلريف ‪ :‬اي شيخ يبدو أن لكم اختصاص ابلشيخني دمحم ابن ابراهيم‪ ،‬والشيخ دمحم الشنقيطي‬
‫رمحهم هللا؟‬
‫الشيخ ‪ :‬نعم الشيخ دمحم آمني الشنقيطي إختصاصي به أنين كنت كإبن له ِف البيت‪ ،‬اخذت عليه‬
‫دروسا خاصة كما ذكرت لك ِف أصول الفقه‪ ،‬واملنطق‪ ،‬والشيخ دمحم ابن إبراهيم كان عبارة عن‬

‫‪7‬‬
‫والدي ألنه يرعاين بكل األمور حىت من انحية املادة رعاين‪ ،‬وكنت عنده ِف البيت أكثر األوقات‬
‫وهو الذي فتح يل ابب تلقي العلوم وشجعين على املشاركة السيما ِف كتاب األلفية البن مالك‬
‫ألين استصعبتها بعد أن اتقنت منت القطر ولزم علي أن اقراها حفظ ‪ ،‬وكان عندي جلسات ِف‬
‫البيت وحبوث وهو أثر يب أتثري جيد قوي ‪ .‬هذا ما كان من مسرية طليب للعلم ‪ .‬فيه سؤال اثين‬
‫واال قضيت؟‬

‫اهلريف ‪ :‬طريقة احلفظ اي شيخ كيف كنتم حتفظون هل يقرئ لكم؟‬


‫الشيخ ‪ :‬ايه أان عندي أخوه بعد دمحم فيه موجود ]‪ [....‬هذا هو اللي كان عندي وأصغر مين‬
‫وكنت اجعله ميسك يل وأان أقرا والذي ساعدين على رسوخ احملفوظات أنين اسهر ِف الليل على‬
‫قراءهتا أقرؤه أكثر تكرارا ‪ ،‬موب احفظ الكتاب او املنت واعتمد على حفظي‪ ،‬ال أكثر من تكراره‬
‫‪،‬تعرف أحياان أبدا ال صليت األخري عند ابب احلجرة‪ ،‬وحنا كنا ِف الرابط وال أانم حىت أهني منت‬
‫الزاد حفظا‪ ،‬وأحياان أجلس قبل صالة الفجر وال أخرج حىت أهني منت اآلجرومية واأللفية حفظا‬
‫يعين قراءة سردا حىت أين من شدة حفظي ِف األلفية أقراها ال أقول ابب كذا وإذا انتهى الباب‬
‫بديت الباب اللي بعده من غري الرتمجه بسرعه ‪ ،‬يعين احلفظ والسرعة واحلرص على السرعة ِف‬
‫إهناءه؛ ولكن األن نسيت كثريا من هذه احملفوظات نسيتها إال أن يعين رؤوسها وأصوهلا موجوده‪،‬‬
‫ال عند الرجوع هلا يكفي أقرا الباب مره وحده‪.‬‬

‫اهلريف ‪ :‬طريقة تدريسكم اي شيخ عندما كنتم ابجلامعة يف كتب التوحيد وكيفية التخطيط؟‬
‫الشيخ ‪ :‬نشرح املوضوع ِف األول ِف السنوات االوىل أشرح مواضيع الكتاب املقرر مثل شرح‬
‫الطحاوية وبعد أن أقل من ‪ 9٧‬سنه ِف التدريس بدأت أنتقي للطالب من املواضيع املهمة من‬
‫الكتاب وأضيف معها مواضيع أخرى من خارج الكتاب وأشرحها هلم وأقررها هلم لكي يكونون‬
‫مسؤولني عنها ِف االختبارات ‪.‬‬

‫اهلريف ‪ :‬البحوث واملؤلفات اليت قمتم هبا ؟‬


‫الشيخ ‪ :‬قِلَّة ‪ ،‬أان كتبت حبث ِف أصول الفقه واشرتكت مع الشيخ عطيه ِف املدينة والشيخ‬
‫عبداحملسن العباد اشرتكت معه ِف أتليف كتاب ِف أصول الفقه ‪ ،‬أان كان عندي كتاب مؤلف‬
‫خمطوط فيه ‪45٧‬صفحة‪ ،‬فهذا الكتاب أخذت من ترامجه ما شاركت فيه اإلخوان‪ ،‬وكتبنا الكتاب‬
‫األن مقرر ِف اجلامعة اإلسالمية تيسري الوصول ِف علم األصول ِف أصول الفقه‪ ،‬مشرتكه والكتاب‬

‫‪8‬‬
‫املسودة عندي ِف حوايل مئة ومخسني صفحة ‪ ،‬حبث جاهز أمنا فقدت ولعلنا أن شاء هللا نعثر‬
‫عليه‪ ،‬ويل حبثي ِف قضية االميان ابهلل واإلميان ابليوم االخر هذا حبث يقرب ‪ 49٧‬صفحة قررته ِف‬
‫أوله ابلقسم األول إثبات وجود هللا سبحانه وتعاىل والرد على املنكرين لوجوده من الفالسفة‬
‫وغريهم واثبت ِف ذلك األدلة العقلية‪ ،‬والنقلية‪ ،‬والعلوم التجريبية‪ ،‬والفصل الثاين اشتمل على بيان‬
‫أشراط الساعة ‪،‬والبعث ‪،‬واليوم االخر‪ ،‬واجلنة والنار إىل آخره‪ ،‬وكتبت حبثا ِف شرح كشرح للربع‬
‫األخري من كتاب البلوغ؛ ألين كنت أدرسه ِف جامعة كتاب بلوغ‪ ،‬وكنت أدرس سبل السالم الربع‬
‫األخري فيه‪ ،‬وكتبت شرحا وهو األن موجود عندي خمطوط ]‪، [....‬وكتبت حبثا ِف اإلمامة‬
‫العظمى وفيه ما يقارب ‪ 45٧‬صفحة يشتمل على حكم اإلمامة العظمى‪ ،‬وحق الرعية على‬
‫الراعي‪ ،‬وحق الراعي على الرعية‪ ،‬وأقسام الوزارات‪ ،‬التنفيذية‪ ،‬والتشريعية‪ ،‬والشورى ‪،‬واحلرية‪ ،‬وما‬
‫يتعلق بذلك هذه هي البحوث اليت تعترب حبوث جاهزة للطبع‪ ،‬أما أعمايل األخرى كنت بدأت‬
‫بتحقيق الطحاوية ونسبة النقول إىل مصادرها واختصار املتكرر لكن هذا عمل تعثرت فيه‪ ،‬بدأت‬
‫فيه ملا كنت أدرس ِف الرايض ووقفت عنه منذ أكثر من مخس عشر سنة من اآلن نرجوا أن شاء‬
‫هللا أنه ]‪،[....‬كتبت حبث صغري ِف الروح حقيقتها وخالف قدمها‪ ،‬وحدوثها‪ ،‬وتنزيل قول‬
‫الفالسفة أبهنا قدميه‪ ،‬و بيان حقيقة ماهي وأيضا ما الفرق بينها وبني النفس؟ وهل متوت الروح‬
‫أوال متوت؟ وأين مستقرها ِف الربزخ إىل آخره‪ ،‬هذه هي البحوث ‪.‬‬

‫اهلريف ‪ :‬ما املناظرات العلمية اي شيخ ؟‬


‫الشيخ ‪ :‬مل حيصل بيين وبني أحد مناظرات تذكر سوى أن حصلت بيين وبني‪ ،‬أان نسيت أن أذكر‬
‫أين كتبت مقاالت تعترب كبحث رد على الشيخ اهلراس رمحه هللا ِف شرحه للواسطية فندته ِف‬
‫حوايل ]‪ [...‬موضع ولكنها فقدت عندي منها مقالني أو ثالثة أو أربع و الباقي راح ‪.‬‬
‫اهلرِف ‪ :‬مقاالت ماذا اي شيخ ؟‬
‫الشيخ ‪ :‬هو كانت جريدة ذاك احلني تصدر يقال هلا جريدة القصيم ‪.‬‬
‫اهلرِف ‪ :‬حقت العمري‬
‫الشيخ ‪ :‬إيه‬
‫اهلرِف ‪ :‬ماهي موجوده اجلريدة؟‬
‫الشيخ ‪ :‬وهللا حبثنا عن أعداد منها ومل حنصل منها إال ثالث حلقات أو أربع ‪.‬‬
‫اهلرِف ‪ :‬كم جتي من حلقة اي شيخ ؟‬

‫‪9‬‬
‫الشيخ ‪ :‬وهللا كثري بدأت هبا ِف شعبان أذكر حىت شوال كله استغرقته ‪.‬‬
‫اهلرِف ‪ :‬وقفنا عند املناقشات‪.‬‬
‫الشيخ ‪ :‬نعم نعم املناظرات مل اجري بني أحد مناظرة سوى رجلني مصريني أحدمها أمسه عبدالواحد‬
‫واِف(‪ ،)4‬هذا دكتور خبيث (‪ )9‬يدرس ِف اجلامعة‪ ،‬رجل مغرور يعين يرى أنه هو كل شيء‪ ،‬وأن‬
‫غريه ال شيء ‪ ،‬وال يرضى من الطالب أن يقولوا له اي أستاذ أو اي دكتور الزم تقول ‪ :‬اي دكتور‬
‫األستاذ جيمعون بينهن‪ ،‬هذا جرى بيين وبينه مناقشات ِف مسألة العلو‪ ،‬حيث ذكرت أان‬
‫كنا[‪ ، [....‬الكلية وذكرت أين عثرت على كالم البن اجلوزي ِف صيد اخلاطر‪ ،‬تعليق لطنطاوي‬
‫على آية [‪ [....‬حبث جيد لرد على الطنطاوي ‪ ،‬الطنطاوي له كتاب امسه الشيخ دمحم بن‬
‫عبدالوهاب ورددت عليه ِف حوايل أكثر من مخسني موقف حبث جيد أعطيته الشيخ دمحم ابن‬
‫إبراهيم لنشره ولكنه ما نشر ومل يبقى عندي له أصل أو نسخ فضاع‪ ،‬فأان ذكرت أن الطنطاوي له‬
‫تعليق على صيد اخلاطر على مسألة العلو فقال ‪ :‬يل هذا الرجل وهو عبد الواحد واِف قال‪ :‬نعم ما‬
‫قاله الطنطاوي هذا صحيح‪ ،‬ألن العلو ِف حقه سبحانه هو علو ِف القهر و القدر فقط أما الذات‬
‫فعلوها يلزم أنه يكون ِف مكان حمصور تناقشت معه ِف هذه املسألة ووطلب الكالم لطنطاوي يريد‬
‫أن يصححه فعجز وما زلت معه ِف املناقشة حىت إنه قال ‪ :‬أمسع هذا أتويل التأويل ابإلمجاع أنه‬
‫جائز أتويل العلو ِف علو القدر والقهر هذا تؤول النصوص هبذا ‪.‬‬
‫قلت له املسلمون جممعون على أن التأويل ِف الصفات الجيوز ابإلمجاع املسلمون ماعدا‬
‫الفرق الضالة‪ ،‬ملا أجلأته وأتى ابلكتاب جئنا ابلكتاب ووجد النقل إيل ذكرت له قال ‪ :‬أمسع اي‬
‫شيخ أان وغريي من علماء املصريني والسوريني وغري النجديني كلنا ندين هبذه العقيدة‪ ،‬أتويل‬
‫النصوص الواردة ِف الصفات‪ ،‬هذه عقيدتنا وهي اليت تدرس عندان ِف األزهر أو ِف غريه من‬
‫جامعات أو مدارسنا وال ميكن أن أحدا يعتقد سوى هذا مطلقا ولكن هذا هو ديننا وعقيدتنا‪،‬‬
‫حىت إنه ملز بعض املشايخ رمحهم هللا قال هذا هو مذهب وعقيدة مجيع املصريني وإن أطالوا حلاهم‬
‫وتقربوا من العلماء أان عرفت أنه يلمز الشيخ عبد الرزاق(‪ )4‬وهو كاذب الشيخ عبدالرزاق سلفي‬
‫وحمقق وليس على مبدأ شيء من ]‪. [....‬‬

‫____________________________________‬
‫(‪ )4‬أمسه علي عبد الواحد الواِف‪ ،‬متخصص ِف ِف الفلسفة واالجتماع ‪،‬توِف عام ‪ 4149‬ه ‪.‬‬
‫(‪ )9‬أنظر لكتاب"الرد على الدكتور علي عبد الواحد واِف ِف كتابه بني الشيعة وأهل السنة" أتليف إحسان إهلي ظهري ‪.‬‬
‫(‪ )4‬يقصد الشيخ عبدالرزاق العفيفي رمحه هللا ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫اهلريف ‪ :‬طيب اي شيخ مواقف مع مشاخيكم ومناقشاتكم ؟‬
‫الشيخ ‪ :‬آخر مصري آخر مناظرة وهو أمسه عوض هللا حجازي (‪ )1‬هذا كتب ِف الدكتوراه أو‬
‫املاجستري على ما ظن عن حياة ابن القيم‪ ،‬كتب عنه ونسبه إىل أمور يعين اىل جتسيم وإىل كذا‬
‫وإىل كذا‪ ،‬تناقشت وتناظرت أان وايه وطلبت منه مناظرة ورفض‪ ،‬قلت أريد أن أتناظر أمام أساتذة‬
‫ِف هذه الغرفة وقال ال أان ال أانظركم ‪ ،‬أنتم بكم كذا وبكم كذا‪ ،‬أان موحد هلل ولست جمسم‬
‫مثلكم‪.‬‬
‫فقلت لعميد الكلية ألزموه ابملناظرة ولكن رفضوا ‪ ،‬تعرف يراعون املصريني‪ ،‬وقال الأبس هو‬
‫معروف مذهبه ]‪،[....‬عاد علمت رائسة الكلية حىت اهني العقد هذه املناظرات ‪ ،‬هذه هي‬
‫املناظرات اليت جرت‪.‬‬

‫اهلريف ‪ :‬مع مشايخ اي شيخ‬


‫الشيخ ‪ :‬عند الشيخ الشنقيطي مرة ِف ما يتعلق ابجملاز وهذا ذكرهتا لكم ]‪ ،[....‬أنتم تعلمون أن‬
‫الشيخ رمحه هللا شديد كل الشده مبسألة إنكار أن يكون ِف القرآن جماز ويقول ال ميكن ]‪،[....‬‬
‫ممن يرى أن القرآن ال خيلوا من اجملاز من أصناف أو من يعين أنواع البالغة والفصاحة والبيان‪،‬‬
‫معلوم أن القرآن ِف قمة من الفصاحة والبيان ومره انقشته عند ذلك فقلت ‪ :‬له اي شيخ اجملاز‬
‫واالستعارات هذي من أرقى أنواع الفصاحة ومن أمجل أنواع البيان ال ميكن أن خيلو منه القرآن‪.‬‬
‫قال‪ :‬نعم وهناك ما هو مجيل جدا ِف اللغة ‪ ،‬ولكنه ال يوجد ِف القرآن‪ ،‬وهو الرجوع ‪،‬والرجوع كما‬
‫تعلمون هو مسألة ِف علم البديع معناها أن الشاعر أو الناثر يقر أبمر مث ينكره ِف الوقت نفسه أو‬
‫ينكر أمرا مث يثبته ِف الوقت نفسه هذا هو الرجوع‪ ،‬قال أن هذا من أمجل أساليب الرتجيع ومع‬
‫هذا ال يوجد ِف القرآن‪ ،‬فقلت له إن هذا موجود ِف القرآن فغضب رمحه هللا وقال هات يعين جب‬
‫ألنه جازم أنه ما فيه سبحان هللا‪،‬علوم القرآن‪ ،‬يعين يعترب هو أبرز إنسان ِف علوم القرآن وتفسريه‬
‫ومع هذا مل يتنبه هلذه اآلية! فقلت له إن ِف القرآن آية هي نص ِف الرجوع وهي قوله سبحانه‬
‫وتعاىل ِف آخر الزمر ‪.‬‬

‫____________________________________‬
‫(‪ )1‬هو عوض هللا جاد حجازي ‪ ،‬كتب رسالة الدكتوراه بعنوان ابن القيم وموقفه من التفكري اإلسالمي ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫اهلرِف ‪.[....] :‬‬
‫الشيخ ‪([....] :‬أين شركاءكم الذين تدعون من دون هللا)(‪ )5‬قال يوم القيامة (أين شركاءكم الذين‬
‫تدعون من دون هللا قالوا ضلوا عنا بل مل نكن ندعوا من قبل شيئا)(سورة غافر آية‪)11-14:‬‬
‫أليس هذا فيه رجوع ]‪[....‬قالوا سئلوا أين شركاءكم قالوا ضلوا عنا أليس هذا إقرار أبن هلم شركاء‬
‫وال‪ ،‬طيب مل نكن ندعوا من دونه من شيء أليس هذا نفي إذا هذا رجوع مئة ِف املئة وذكرت آية‬
‫أخرى حمتملة وهي آية ايسني فغضب رمحه هللا واستعمل مكانه كأستاذ ومكاين كطالب وجتاهل‬
‫كالمي هذا والرجوع كما ذكرت لكم أن الشاعر مل يكن يثبت أمر مث ينفيه بنفس الوقت او يرجع‬
‫مث يثبته بنفس الوقت ومن الشاهد قول الزهري بن أيب سلمه ِف مطلع إحدى قصائده ‪:‬‬
‫قف بداير اليت مل يعفها القدم *** بال وغريها األرواح والدمي‬

‫األول الشطر؛ األول من البيت ادعى أن داير قومه ابقية كما هي مل يغريها القدم وال الدمي اليت‬
‫هي السحب مل يعفها قدم يعين أقر ِف أول البيت أن داير قومه قائمة مل يؤثر هبا قدم مغادرة قومه‬
‫هلا مث ِف الشطر اآلخر قال بال وغريها األرواح والدمي رجع وقال لكن غريهتا السحب‬
‫واألمطار والرايح هذا ما جرى بيين وبني الشيخ رمحه هللا‪.‬‬

‫اهلريف ‪ :‬كلمه توجيهية ؟‬


‫الشيخ ‪ :‬الكلمة التوجيهية قلت أبنائي وإخواين تعلمون مما أعلمه مما ينفع ويضر ولكن الأبس ‪.‬‬
‫أوال أوصيكم وأوصي من كان منكم مدرسا أن يركز ِف تربية طالبه وتوجيههم إىل مذهب أهل‬
‫السنة واجلماعة‪ ،‬وتوعيتهم فيما ينتظرهم بعد التخرج من خمططات األعداء ومؤامرات اليهود‪،‬‬
‫والنصارى‪ ،‬واملشركني‪ ،‬وأعواهنم ِف الداخل الذين هم كثر‪ ،‬وعوهم‪ ،‬أخربوهم ألهنم يرتبصون‬
‫هبم وأهنم سوف يعين يضعون أمامهم الشبهة والشكوك واخلزعبالت مث حذروهم عن التفرق‬
‫واالنقسامات وهذه النصيحة لكم ولطالبكم‪ ،‬التفرق والتحزب واالنقسامات واجلماعات هذه‬
‫ضررها كبري وفسادها عريض وهي اليت فرقت النهضة والصحوة االسالمية وحدت من نشاطها‬
‫وحدت من اتساعها ؛وهو تقسيم املسلمني والسيما الشباب إىل مجاعات وأحزاب وما يزيد‬
‫لألسف واألسى أن كل فرقة تغلو مبشروعها ومتبوعها ورئيسه وجتعله هو املصيب ِف كل ما يقول‬
‫____________________________________‬
‫ون َِّ‬ ‫ِ‬
‫)من د ِ‬ ‫ِ‬
‫ضلُّوا َعنَّا بَل َّملْ‬
‫اَّلل قَالُوا َ‬ ‫يل َهلُْم أَيْ َن َما ُكنتُ ْم تُ ْش ِرُكو َن (‪ُ 14‬‬
‫(‪ )5‬يوجد خطأ ِف بداية اآلية والصحيح هو( ُمثَّ ق َ‬
‫ض ُّل َّ ِ‬ ‫كيِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين)(‪. )11‬‬ ‫اَّللُ الْ َكاف ِر َ‬ ‫نَ ُكن نَّ ْد ُعو من قَ ْب ُل َشْي ئًا َك َذل َ ُ‬

‫‪12‬‬
‫حقا كان او ابطال ووتشتم كل ما أييت به املنافس لرئيسها وكل ما أييت به تعارضه وتبطله وترد عليه‬
‫وتنسبه إىل الضالل وتنسبه اىل اخلطأ‪ ،‬ال ألنه ضال او ألنه خيطئ بل ألنه خيالف مسلك متبوعي‬
‫هذه اجلماعة أو هذا املنتسب هلذه اجلماعة وهذا هو الذي فرق اخواننا وأبنائنا وجعلهم ِف تشرذم‪،‬‬
‫هؤالء إخوان املسلمني‪ ،‬وهؤالء السلفيون ‪،‬وهؤالء التبليغيون ‪،‬وهؤالء السروريون ‪،‬وهؤالء اجلاميون‪،‬‬
‫وهؤالء كذا‪ ،‬ما لنا حاجه‪ ،‬ما هو مصلحتنا ِف انتهاج هذه املناهج‪ ،‬حنن قوم نؤمن ابهلل وبرسوله‬
‫ومبا جاء به هللا ومبا جاء به رسوله ومعتقدان معتقد أهل السنة واجلماعة وهو التمسك بكتاب هللا‬
‫وسنة نبيه صلى هللا عليه وسلم ونبذ ما خيالفهما من آراء وأحزاب ومجاعات ومذاهب وغريها‪،‬‬
‫ملاذا ال جنتمع على كتاب هللا وسنة نبيه ملسو هيلع هللا ىلص ونتخذ مثال الوحدة و االجتماع شعار لنا وننبذ هذا‬
‫العداء وهذا االختصام وهذا التنابذ ابأللقاب ومعايري وتلطيخ السمعه ابلكفر والضالل واخلروج وما‬
‫اىل ذلك‪ ،‬ينبغي أن نكون إخوة أمة واحده كما قال سبحانه وتعاىل ( كنتم خري أمة أخرجت‬
‫للناس) أمة واحده تتمسك بكتاب هللا وسنة رسوهلا‪ ،‬تعمل وتعتقد وتعمل مبقتضاها وال تلتفت إىل‬
‫ما سواها مطلقا وكون األنسان ‪ ،‬العامل مثال او زعيم اجلماعة زعيم الفرقة قد يقع منه شيء من‬
‫األخطاء هذا طبيعي‪ ،‬البشر كلهم خطاؤون وخري اخلطائني التوابون فالبشر أن مل يذنبوا لذهب هللا‬
‫هبم وأتى بقوم يذنبون ويستغفرون‪ ،‬البشر حمل للخطأ‪ ،‬خيطئ ولكن اذا وقع منه اخلطأ ال يكون‬
‫هذا ينسف كل ما معه من خري وكل ما معه من صالح‪ ،‬جتد العامل الرابين الداعية املصلح االمام‬
‫الذي ضحى حبياته ِف سبيل الدعوة اىل هللا جتده هدف للتكفري والتغليل والتفسيق واتباعه كذلك‪،‬‬
‫ألنه وقع ِف كتبه أو ِف أقواله ومقاالته ما ال يرضا ‪،‬كل الناس خيطؤون واخلطأ يرد ويبني والصواب‬
‫يقبل منه ويرضى به‪ ،‬فال ينسف ونتجاهل كل ما لعلمائنا السابقني واحلاضرين وابألثر واإلصالح‬
‫والدعوة ِف سبيل هللا نعطله وهنمله ألنه قال كذا ِف كتاب كذا ]‪ ،[....‬منهم األئمة كبار علماء‬
‫ِف علم احلديث وعلم الفقه وأحكام وِف علم األصول ولكن وقع هلم شيء من اخلطأ ال نقول ‪،‬‬
‫مثال اإلمام ابن حجر رمحه هللا على ما قام به من أمامه وصرب وما له من آاثر‪ ،‬األمة التنسى فضله‬
‫وعلمه وعلومه اليت ضمنها فتح الباري ‪ ،‬وحصلت فيه مسأله ومسألتني وثالثة أؤل فيه النصوص‬
‫نقول هذا ضال مضل‪ ،‬هذا ابطل ما قاله ال ينتفع به ‪ ،‬وغري بعيد عنا حينما انعقد مؤمتر اجمللس‬
‫القومي األمريكي لبحث املسائل اجملزيه ِف الوقوف ِف سبيل الصحوة اإلسالمية ‪ ،‬اجتمع هذا‬
‫اجمللس وهو من أكرب جمالسهم وأعالها لبحث هذه املسأله اليت هي الوقوف ضد املد االسالمي‪،‬‬
‫خرجت القرارات بعد أسابيع منها ايقاع اخلالف بني علماء املسلمني‪ ،‬قالوا ينبغي أن يوقع اخلالف‬
‫بني علماء املسلمني وجيعل يفرق بينهم وجيعل هذي فرقة‪ ،‬وهذي فرقة‪ ،‬وهذه مجاعة‪ ،‬وهذي مجاعة‬

‫‪13‬‬
‫فإنه اذا افرتقوا ضعف النشاط اإلسالمي‪ ،‬واملد اإلسالمي‪ ،‬وضعفت الصحوة وأقتتلوا فيما بينهم‬
‫واشتغلوا عن الرد على اعدائهم‪ ،‬وعن نقد ما يكتب من كتب اإلحلاد‪ ،‬والضالل‪ ،‬والكتب اهلدامة‪،‬‬
‫واالفكار اليت ترد على العامل االسالمي هلدمه ‪ ،‬قالوا نفرق بينهم خلو هؤالء يشتغلون ِف سب تلك‬
‫الفرقة‪ ،‬وتلك الفرقة تشتغل ِف سب تلك الفرقة‪ ،‬وهؤالء اجلماعة يشتغلون ويؤلفون ِف الرد‬
‫على أولئك‪ ،‬وهؤالء يؤلفون ِف الرد على أولئك‪ ،‬ألهنم اذا اشتغلوا ِف الرد فيما بينهم سلمنا منهم‪،‬‬
‫سلمنا من شرهم‪ ،‬هكذا يقولون وهذا هو املبدأ الذي سار عليه اعداؤان ونتيجته هي ما بيننا األن‬
‫من انقسامات و تفرقات اىل اخره‪ ،‬هو كذلك أيضا أعدائنا اقحموا مسألة القيام على احلكام‬
‫واخلروج على احلكام‪ ،‬اقحموا فيها ِف مسألة األمر ابملعروف والنهي عن النكر والدعوة اىل هللا وما‬
‫إىل ذلك‪ ،‬قالوا أن هذا كله خروج عن األئمة‪ ،‬وحنن واحلمد هلل مسلمون ومتأسون ابلسلف رضوان‬
‫هللا عليهم‪ ،‬نؤمن‪ ،‬ومن عقيدتنا أنه جتب علينا الطاعة‪ ،‬وجيب علينا السمع لويل االمر ابملعروف‪،‬‬
‫ونسمع له ونطيعه إذا أمر ابملعروف واذا أمر ابملعصية فال مسع له وال طاعه‪ ،‬ملا قاله صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬لكن ال ينبغي أن يكون هذا املوضوع هو احملور اليت تدور عليه احملاضرات والدروس‬
‫والكلمات وغريها‪ ،‬ينبغي أن يبني ِف هذا املوضوع ما جيب على األمة حنو ويل أمرها وطاعته وعدم‬
‫اخلروج عليه‪ ،‬ولكن ال جيعل األمر ابملعروف والنهي عن املنكر خروج‪ ،‬وال جيعل النصائح اليت‬
‫تتقدم لإلمام خروج‪ ،‬وال جيعل مثال الدعوة اىل هللا وبيان سبيل اإلصالح خروج‪ ،‬ال اخلروج معناه‬
‫اخلروج على اإلمام؛ أي مقاومة حكمه‪ ،‬وحنن ال نقاوم حكم اإلمام وال نرضى ألحد أن يقاوم‬
‫حكم اإلمام الشرعي أبد‪ ،‬إمنا حنن سامعون ومطيعون ولكن ابملعروف‪ ،‬وأما الطاعة ابملعاصي‬
‫فالنيب ملسو هيلع هللا ىلص أيمران بذلك قال إذا أمر مبعصيه فال مسع وال طاعة (‪. )1‬‬

‫____________________________________‬
‫مدون‬
‫(‪ )1‬وإىل هنا يتوقف تسجيل اللقاء بسبب حدوث عطل ِف جهاز التسجيل!! وأما ابقي ما جاء ِف اللقاء فهو َ‬
‫ِف مقالة الشيخ اهلرِف عن هذا اللقاء ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫السرية ذاتية لسماحة الشيخ محود بن عقالء الشعييب‬
‫املقدمة‬
‫ات أَعمالِنَا من ي ه ِدهِ‬ ‫ا ْحلم ُد ََِّّللِ َْحنم ُده ونَستَعِينُه ونَستَ ْغ ِفره ونَعوذُ ِاب ََّّللِ ِمن ُشروِر أَنْ ُف ِسنَا وِمن سيِئَ ِ‬
‫َْ َ ْ َْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ ُ َ ْ ُ َ ْ ُُ َ ُ‬ ‫َْ‬
‫ي لَهُ َوأَ ْش َه ُد أَ ْن ال إِلَهَ إِال َّ‬ ‫ِ‬ ‫ض َّل لَه ومن ي ْ ِ‬ ‫اَّلل فَال م ِ‬
‫اَّللُ َو ْح َدهُ ال َش ِر َ‬
‫يك لَهُ َوأ َّ‬
‫َن ُحمَ َّم ًدا‬ ‫ضل ْل فَال َهاد َ‬ ‫ُ ََ ْ ُ‬ ‫َُّ ُ‬
‫َعْب ُدهُ َوَر ُسولُهُ ‪:‬‬
‫اَّللَ َح َّق تُ َقاتِِه َوال متَُوتُ َّن إِال َوأَنْتُ ْم ُم ْسلِ ُمو َن"[آل عمران‪]4٧9:‬‬ ‫ين ءَ َامنُوا اتَّ ُقوا َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫" َاي أَيُّ َها الذ َ‬
‫ث ِمْن ُه َما ِر َجاالً‬ ‫اح َدةٍ َو َخلَ َق ِمْن َها َزْو َج َها َوبَ َّ‬ ‫س وِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّاس اتَّ ُقوا َربَّ ُك ُم الذي َخلَ َق ُك ْم م ْن نَ ْف ٍ َ‬ ‫" َاي أَيُّ َها الن ُ‬
‫اَّللَ َكا َن َعلَْي ُك ْم َرقِيبًا "[سورة النساء‪]4:‬‬ ‫األر َح َام إِ َّن َّ‬ ‫ِِ‬ ‫َكثِريا ونِساء واتَّ ُقوا َّ ِ‬
‫اَّللَ الَّذي تَ َساءلُو َن به َو ْ‬ ‫ً َ َ ًَ‬
‫صلِ ْح لَ ُك ْم أَ ْع َمالَ ُك ْم َويَ ْغ ِف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم َوَم ْن‬
‫يدا * يُ ْ‬ ‫اَّللَ َوقُولُوا قَ ْوالً َس ِد ً‬
‫ين َآمنُوا اتَّ ُقوا َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫" َاي أَيُّ َها الذ َ‬
‫يما "[سورة األحزاب‪]14:‬‬ ‫ِ‬ ‫يُ ِط ِع َّ‬
‫اَّللَ َوَر ُسولَهُ فَ َق ْد فَ َاز فَ ْوًزا َعظ ً‬
‫أ ََّما بَ ْع ُد ‪:‬‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه وآله َو َسلَّ َم َو َشُّر األ ُُموِر‬ ‫صلَّى َّ‬ ‫ٍ‬ ‫يث كِتاب َِّ‬ ‫فَِإ َّن خي ر ا ْحل ِد ِ‬
‫اَّلل َو َخْي ُر ا ْهلَُدى ُه َدى ُحمَ َّمد َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ََْ َ‬
‫ٍ‬
‫ضاللَة‬ ‫ُْحم َد َاثتُ َها َوُك ُّل بِ ْد َعة َ‬
‫مازالت األمم تسطر بكل فخر واعتزاز تراجم عظمائهم وكربائهم ليقتدى هبم من جاء من بعدهم‬
‫ممن كان على طريقتهم ‪ ،‬فكان لزاما على هذه األمة ان تسطر أتريخ رجاالهتا عامة وأتريخ‬
‫علمائها بشكل أخص ؛ حيث إن هذه األمة هي األمة اخلالدة الباقية إىل قيام الساعة ‪ ،‬ورجاالهتا‬
‫هم من يفتح هللا هبم الدان ويعبد هبم العباد له ‪ -‬جل شأنه وتقدست ذاته ‪ ، -‬وخري رجاالهتا‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه و آله َو َسلَّ َم فأكرم به من رسول وأكرم مبرياثه من‬ ‫صلَّى َّ‬ ‫العلماء ؛ ألهنم ورثة النيب َ‬
‫مرياث وأكرم بورثته من ورثة ‪.‬‬
‫ومازال الناس يسطرون الرتاجم فكل جيل يكتب عمن سبقه ‪ ،‬ومن هذا املنطلق انطلقت ِف سفر‬
‫طويل قاصدا مساحة والدان وشيخنا العالمة الفقية األصويل الشيخ محود بن عبدهللا العقال الشعييب‬
‫‪ ،‬حيث إنين كنت أمسع الثناء العطر على مساحته ومل أفز بلقائه ؛ كنت امسع عن قولته ابحلق واليت‬
‫ت ِف هذا الزمان ؛ كنت امسع عن غزارة علمه ودقة فهمه وعمله بعلمه وقد قل العلماء العاملني‬ ‫قل ْ‬
‫‪ ،‬فبحثت فرتة من الزمن عن كتاب يتحدث عنه أو ترمجة ‪ -‬ولو خمتصرة ‪ -‬له ولكن مل أجد ؛‬
‫فعزمت على السفر واللقاء به ‪ ،‬ونعم اللقاء كان ؛ فقد رحب مساحته أميا ترحيب ‪ ،‬وفتح اببه ومن‬
‫قبل صدره ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫وقد حزت على شرف مل يبلغه غريي ؛ فال أعرف أن أحدا ترجم لسماحته حفظه هللا مع كثرة‬
‫طالبه وانتشارهم ولكن هللا مين على من يشاء من عباده ‪ ،‬وبعد أن كتبت ردود مساحته على‬
‫أسئليت عرضتها عليه مرة اخرى فأجازها ‪ ،‬وها هي بني يديك ‪ ،‬فاظفر هبا تظفر خبري كثري ‪.‬‬

‫وأحب أن أبني للقارئ الكرمي أن ما كتب ِف احلواشي هو من كالمي(‪. )4‬‬


‫وكتبه عبدالرمحن بن دمحم اهلرِف‬

‫نبدأ ابحلديث معكم اي فضيلة الشيخ ونود ان حتدثوننا عن نسبكم ومولدكم ونشأتكم ـ‬
‫حفظكم هللا ـ ؟‬
‫أان أبو عبدهللا محود بن عبدهللا بن عقالء بن دمحم بن علي بن عقالء الشعييب اخلالدي من آل‬
‫جناح من قبيلة بين خالد ‪ ،‬جدان اخلامس(‪ )9‬انتقل من املنطقة الشرقية إىل شقرة مث حتول إىل‬
‫القصيم وأقام فيها ‪ ،‬وأخوه إنتقل إىل اجلوف وأقام فيها ‪ ،‬والعقالء من أهل اجلوف من أبناء‬
‫عمومتنا ‪.‬‬
‫ولدت ِف بلدة الشقة من أعمال بريدة(‪)4‬؛ سنة ‪4411‬ه ونشأت فيها ‪ ،‬وعندما بلغت السادسة‬
‫أحلقىن والدي ابلكتاب فتعلمت القراءة والكتابة واحلساب ‪ ،‬وأتقنت هذه األمور مث انتقلت إىل‬
‫قراءة القرآن وملا بلغت السابعة من عمري كف بصري بسبب مرض اجلدري الذي عم كثري من‬
‫مناطق اململكة وذلك عام ‪4459‬ه ‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك واصلت دراسيت ِف الكتَّاب بناءً على‬
‫رغبة والدي ‪ -‬رمحه هللا‪ -‬فقد أمرين حبفظ القرآن وكان والدي هو الذي حيفظين القرآن قبل ذهايب‬
‫للكتاب وبقيت مدة أحفظ القرآن على يد الشيخ عبدهللا بن مبارك العمري ‪ ،‬وقد حفظت القرآن‬
‫وعمري ثالثة عشر عاماً وذلك عام ‪ 4452‬ه ‪ ،‬ولكن ضبطت احلفظ والتجويد عندما بلغت‬
‫اخلامسة عشر من عمري وكان ذلك عام ‪4414‬ه ‪ ،‬وكان لوالدي جهد كبري ِف تنشأيت وتعليمي‬
‫فكان رمحه هللا حيرص على أن أكون من طلبة العلم ‪.‬‬
‫وبعد حفظ القرآن عملت مع الوالد ِف احلقل مبا أقدر عليه وقد كنت أشارك ِف تلقيح النخل‬
‫واصالح املزرعة قدر االستطاعة ‪.‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )4‬لقد إضافة بعض احلواشي وعدلت ِف بعضها ‪.‬‬
‫(‪ )9‬يريد به جده عقالء ‪.‬‬
‫(‪ )4‬وهي االن طرف بريدة الشمايل وفيها كان يقيم الشيخ رمحه هللا ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫مث رحلت إىل الرايض لطلب العلم وذلك ِف سنة ‪4411‬ه إبشارة من والد رمحه هللا ‪ ،‬فبدأت‬
‫بتلقي العلوم على فضيلة الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ ‪ ،‬وأكملت األجرومية واألصول‬
‫الثالثة والرحبيبة ِف الفرائض والقواعد األربعة حىت اكملتها فهما وحفظا ‪.‬‬
‫مث انتقلت للقراءة على مساحة الشيخ دمحم بن إبراهيم آل الشيخ سنة ‪441٧‬ه ‪ ،‬فقرأت عليه‬
‫وبدأت بقراءة زاد املستقنع مث كتاب التوحيد وكشف الشبهات والواسطية لشيخ اإلسالم واألربعني‬
‫النووية وألفيت ابن مالك وبلوغ املرام وهذه تقرأ على الشيخ عادا والبد منها ‪ ،‬وأضفت أان عليها‬
‫كتب أخرى كنت أقرأها لوحدي على مساحة الشيخ رمحه هللا الطحاوية والدرة املضيئة للسفاريين‬
‫واحلموية ألبن تيمية هذه قرأهتا لوحدي واستمرت القراءة على مساحة الوالد الشيخ دمحم بن ابراهيم‬
‫رمحه هللا حىت فتح املعهد العلمي عام ‪4414‬ه وهو أول معهد يفتح ‪ .‬وكل هذه الكتب كنت‬
‫احفظها كما أحفظ الفاحتة ‪.‬‬

‫هل كان لوالدكم ـ رمحه هللا ـ أثر يف تربيتكم ؟؟‬


‫والدي ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬كان عاميًّا يقرأ القرآن فقط وال حيفظه‪ ،‬وكان حريصا علي وهذا يظهر أنه ملا‬
‫فقدت بصري حرص على حتفيظي القرآن بل كان حيفظين كل يوم اجلزء املطلوب مين قبل ذهايب‬
‫للكتاب ‪ ،‬مث أرسلين للرايض ألكمل دراسيت وتعليمي رمحه هللا وغفر له‬

‫شيخكم يف الكتّاب لو حدثتمومنا عنه ـ رمحه هللا ـ ؟‬


‫أجرا‬
‫متربعا ال أيخذ ً‬
‫هو الشيخ عبدهللا بن مبارك العمري ‪-‬رمحه هللا‪ -‬كان يدرس ِف الكتاب ً‬
‫وكان حيتسب عمله هلل جل وعال ‪ ،‬وكان أحياان يساعده بعض أوالده ‪.‬‬

‫ما هي طريقة الدراسة يف الكتّاب ؟‬


‫نبدأ بدراسة حروف اهلجاء ‪ ،‬مث ينتقل منها ملعرفة احلركات الفتحة والضمة وهكذا ‪ ،‬فنقول مثالً‬
‫ب } خفاض يعين ابء مكسورة وهكذا ‪ ،‬مث ننتقل للحركتني ‪.‬‬ ‫{ب } رفاع يعين ابء مرفوعة و{ ِ‬
‫ُ‬
‫مث ننتقل للحرفني من اهلجاء وأكثر ‪ ،‬وبعدها يعمل لنا اختبار نسميه اهلجوه وطريقته أن املدرس‬
‫يعطي الطالب كلمة أو أكثر ليتأملها ويعرفها بعيدا عن الطالب لوحده مث بعد قليل يطلبه املدرس‬
‫ويسأله عنها فإن عرفها كتب له اثنية واثلثة فإن عرفها يعترب قد اجتاز هذه املرحة من الكتاب ‪،‬‬
‫وأان اذكر الكلمة اليت كتبت يل وحىت اآلن مل أنساها فوالديت ‪ -‬رمحها هللا ‪ -‬امسها هيلة وكتب يل‬
‫املطوع ‪ -‬املدرس ‪ -‬هيلة فعرفتها وأضاف هلا كلمة أو كلمتني ؛ فنجحت وهذا عام ‪4459‬ه ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وبعد هذه املرحلة نبدأ بقراءة القرآن قراءة فقط بدون حفظ ويكون احلفظ لألعمى فقط ‪،‬‬
‫لوحا من خشب له حبل يعلق به ‪ ،‬ويطلي للكتابة فإذا اهنى من الكتابة يطلى‬‫فيأخذ لطالب ً‬
‫بطني أبيض يسمي طلو ‪ ،‬ويكتب عليه مرة أخرى ‪.‬‬
‫وبعد أن ينتهى من جزء عم يستمر ِف قراءة القرآن تالوة ِف املصحف حىت يتمه كامالً ‪ ،‬ومن‬
‫رغب حفظ القرآن يكمل حىت حيفظه ولكن هذا اندر ‪.‬‬

‫هل تذكرون بعض زمالئكم يف الكتّاب ممن طلب العلم وبرز ؟‬


‫أذكر ضحيان بن عبدالعزيز الضحيان من قبيلة عتيبة الذي كان من خرية طلبة العلم رمحه هللا‬
‫وهذا فقط الذي أذكر أنه تعلم وصار طالب علم ومن خريه العلماء ‪.‬‬

‫هل بقي شيئ مما كنت حتفظ من املتون ؟‬


‫احلمد هلل كنت احفظ املتون كما أحفظ الفاحتة من القرآن ‪ ،‬ولكن بعد دخويل للمعهد العلمي‬
‫ودرسنا مدرسني من بعض البالد خربوا علينا هذه الطريقة وقالوا ‪ :‬احلفظ ما يصلح واحلفظ يدمر‬
‫الذهن ويفسد عقلية الطالب ينبغي الفهم بدون حفظ فأمهلنا احلفظ ولكن حبمد هلل اذا مسعت‬
‫الباب مرة واحدة استعدته ‪.‬‬

‫هل تذكر أحدا مما زاملكم يف الدارسة وبرز على الشيخ دمحم بن ربراهيم والشيخ عبداللطيف‬
‫وبرز ؟‬
‫درس كثريون على الشيخني وبرزوا ‪ ،‬أذكر منهم الشيخ صاحل علي بن الغصون ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬وإن‬
‫كنت ما زاملته إال ِف آخر دراسته خترج مث توىل القضاء مث صار ِف التميز مث جملس هيئة كبار‬
‫العلماء مث توِف ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬ومنهم الشيخ زيد بن فياض ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬ومنهم الشيخ إبراهيم بن‬
‫دمحم بن إبراهيم آل الشيخ وزير العدل السابق ‪ ،‬ومنهم دمحم الدرييب وكيل وزارة الداخلية سابقا ‪،‬‬
‫والشيخ علي بن سليمان الرومي توىل التدريس مث القضاء ِف احملاكم مث انتقل اىل التمييز ‪ ،‬هؤالء‬
‫بعض من زاملتهم ِف الدراسة ‪.‬‬

‫ما هي طريقة الدراسة على الشيخ دمحم ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬؟‬


‫كل واحد يقرأ لنفسه حفظا ‪ٍ ،‬‬
‫كل على حده فإذا فرغوا من قراءة املنت حفظا بدا الشيخ بشرح ما‬
‫مسعوه ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ألتحقت ابملعهد العلمي فكيف كانت الدراسة فيه ؟‬
‫كان املعهد مرحلة اثنوية ومتوسطة ومتهيدي ‪ ،‬والتمهيدي تعادل اخلامسة والسادسة االبتدائيتني ‪،‬‬
‫مث الكلية أربع سنوات ‪ ،‬وعلى حسب مستوى التحصيل يصنف الطالب إما ِف األوىل او الثانية او‬
‫الثالثة حسب تقومي اللجنة وأان صنفت ِف الثانية الثانوي ‪ ،‬وبعد أن درست عشرة أايم تقريبا نقلت‬
‫أبمر من مدير املعهد إىل الثالث ‪ ،‬وذلك عام ‪4414‬ه ‪.‬‬

‫هل الطالب الذين درسوا يف املعهد هم أنفسهم الذين التحقوا ابملعهد ؟ وهل تذكرون بعض‬
‫ممن زاملكم يف املعهد ؟‬
‫ال ‪ ..‬الذين درسوا على املشايخ كثر يزيدون على املئة بينما ِف املعهد كنا واحد وعشرين طالب‬
‫فقط ‪ ،‬منهم الشيخ علي الضالع والشيخ زيد بن فياض والشيخ دمحم بن دخيل هؤالء توِف ‪ -‬رمحهم‬
‫هللا ‪ ، -‬الشيخ إبراهيم بن دمحم الشيخ علي الرومي والشيخ عبدهللا بن إدريس الشاعر املعروف‬
‫والشيخ دمحم الشاوي كاتب العدل والشيخ عبدهللا الغداين(‪ )1‬والشيخ عبدالعزيز بن عبداملنعم ‪،‬‬
‫الشيخ إبراهيم بن عثمان ‪ ،‬والشيخ سعد بن اسحاق والشيخ علي بن سليمان الرومي(‪ )5‬كل‬
‫هؤالء ابقني‬

‫لو تذكرون لنا حفظكم هللا بعض من درسكم يف تل الفرة ؟؟‬


‫درسنا الشيخ عبدالعزيز ابن ابز ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬التوحيد واحلديث ‪ ،‬والشيخ دمحم األمني الشنقيطي ‪،‬‬
‫والشيخ عبدالرمحن األفريقي عامل جيد ِف احلديث ‪ ،‬والشيخ عبدالعزيز بن رشيد(‪ )1‬درسنا الفقه‬
‫وهو عامل كبري ‪ ،‬والشيخ عبدهللا اخلليفي والشيخ محد اجلاسر درسنا االنشاء واإلمالء ‪ ،‬ودرسنا‬
‫آخرين من أهايل مصر ِف النحو والبالغة منهم يوسف عمر حسنني وعبداللطيف سرحان ويوسف‬
‫الضبع ‪.‬‬

‫انقلتم بعد الدراسة يف املعهد للدراسة يف الكلية مباشرة ؟‬


‫صنفت ِف املعهد ِف الثاين اثنوي مث بعد عشرة أايم صدر أمر من مدير املعهد بنقلي للثالثة كما‬
‫ذكرت ‪ ،‬مث اتقلت للدراسة ِف الكلية وكان هذا ِف عام ‪4411‬ه ‪.‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )1‬توىل الشيخ التدريس أول حياته مث انتقل لألفتاء وهو كان عضو اجلنة الدائمة لإلفتاء وعضو هئية كبار العلماء ‪.‬‬
‫(‪ )5‬مفسر األحالم املعروف ‪.‬‬
‫(‪ )1‬من علماء الرس ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫لو تتفضل بذكر من درسكم خالفا ملن ذكرت آنفا ؟‬
‫من املشائخ الذين تلقيت عليهم العلم غري من ذكرهتم سابقا فضيلة الشيخ سعود بن رشود قاضي‬
‫ِف حمكمة الرايض والشيخ ابراهيم بن سليمان ‪.‬‬

‫درس فضيلتكم على مجلة من املشايخ فمن هو أكثر من أثر في منهم ؟‬


‫كثريا هو مساحة مفيت البالد ساب ًقا‬
‫شيخي وأستاذي والدي ‪ -‬رمحه هللا ‪ ، -‬والذي أتثرت به ً‬
‫الشيخ دمحم بن ابراهيم ‪ -‬رمحه هللا ‪.-‬‬

‫بعد الدراسة يف الكلية ماذا عملتم ؟‬


‫مدرسا ِف املعهد(‪ )1‬وذلك عام ‪4411‬ه وذلك ملدة سنة واحدة ‪ ،‬مث نقلت للدريس ِف‬
‫عينت ً‬
‫الكلية وذلك عام ‪4411‬ه وبقيت فيها إىل عام ‪ 41٧1 41٧1‬ه طلبت ان احال للتقاعد ‪.‬‬

‫تذكر أحدا ممن عني معكم يف املعهد ؟‬


‫الشيخ علي الرومي درس سنة او سنتني مث نقل للقضاء وكذلك الشيخ على الضالع ‪.‬‬

‫لو تذكرون لنا بعض ممن درس عندكم يف تل الفرة سواء يف الكلية أو املعهد ؟‬
‫منهم املفيت عبدالعزيز بن عبدهللا آل الشيخ(‪ )٧‬ومعايل الدكتور عبدهللا بن عبداحملسن الرتكي وزير‬
‫الشؤون اإلسالمية سابقا(‪ ، )2‬ومعايل الدكتور عبدهللا بن دمحم بن إبراهيم آل الشيخ وزير العدل ‪،‬‬
‫وفضيلة الشيخ الدكتور صاحل بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء ‪ ،‬والشيخ غيب الغيهب‪،‬‬
‫وفضيلة الشيخ قاضي متييز عبدالرمحن بن صاحل اجلرب ‪ ،‬والشيخ قاضي متييز عبدالرمحن بن سليمان‬
‫اجلارهللا ‪ ،‬والشيخ قاضي متييز عبدالرمحن بن عبدالعزيز ِ‬
‫الكليِة ‪ ،‬الشيخ قاضي متييز عبدالرمحن بن‬
‫غيث ‪ ،‬الشيخ عبدالرمحن بن عبدهللا العجالن رئيس حماكم منطقة القصيم سابقا ‪ ،‬والشيخ سليمان‬
‫ابن مهنا رئيس حماكم الرايض ‪ ،‬والشيخ عبدالعزيز بن عبدالرمحن السعيد الرئيس العام هليئات األمر‬
‫ابملعروف والنهي عن املنكر ‪ ،‬والشيخ دمحم بن مهوس رئيس هيئة التحقيق واالدعاء العام ‪،‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )1‬ملا خترج الشيخ من كلية الشريعة عني قاضيا ِف وادي الدواسر مث أُلغي ذلك التعيني بشفاعة الشيخ دمحم األمني‬
‫الشنقيطي رمحه هللا ‪.‬‬
‫(‪ )٧‬مساحة مفيت عام اململكة ورئيس هيئة كبار العلماء ‪ ،‬درسه الشيخ حفظه هللا ِف الكلية‬
‫(‪ )2‬مدير جامعة اإلمام ووزير الشؤون اإلسالمية سابقا ‪ ،‬وأمني رابطة العامل اإلسالمي حاليا ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫والشيخ الدكتور عبدهللا الغنيمان ‪ ،‬والشيخ محد بن فراين وكيل وزارة العدل سابقا ‪ ،‬وفضيلة الشيخ‬
‫إبراهيم بن داود وكيل وزارة الداخلية والشيخ صاحل بن عبدهللا الدرويش القاضي ابحملكمة الكربى‬
‫ابلقطيف ‪.‬‬

‫الفرة درس يف كلية الشريعة كل من الشيخ صاحل اللحيدان رئيس جملس القضاء‬ ‫يف تل‬
‫األعلى ‪ ،‬والشيخ دمحم الصاحل العثيمني ـ رمحه هللا ـ فهل درستموهم ؟‬
‫درستهما ولكن دروس اضافيه ‪ ،‬وكانت الطريقة ِف الكلية أن املدرس إذا غاب دخل مدرس‬
‫فكثريا ما كنت أذهب لفصلهما وأدرسهما ‪.‬‬
‫آخر الذي عنده انتظار بدالً من املدرس الغائب ً‬

‫هل تذكورون طالب درستموهم يف القصيم ؟‬


‫الشيخ سلمان بن فهد العودة‪ ،‬والشيخ علي بن خضري اخلضري ‪.‬‬

‫هل اشرفتم على رسائل للمجاستري والدكتوراه ؟‬


‫وممن أشرفت على رسائلهم العلمية سواء ِف الدكتوراه أو املاجستري ‪ :‬الدكتور دمحم عبدهللا‬
‫السكاكر(‪ ،)4٧‬والدكتور عبدهللا بن صاحل املشيقح ‪ ،‬والدكتور عبدهللا بن سليمان اجلاسر‪،‬‬
‫والدكتور صاحل بن عبدالرمحن احمليميد(‪ ، )44‬والدكتور دمحم بن عبدالعزيز الالحم(‪ ، )49‬والدكتور‬
‫عبدالعزيز بن صاحل اجلوعي(‪ ، )44‬والدكتور انصر السعوي ‪ ،‬والدكتور خليفة اخلليفة(‪، )41‬‬
‫والدكتور إبراهيم بن دمحم الدوسري(‪ ، )45‬والدكتور يوسف القاضي(‪ )41‬وغريهم كثري ‪.‬‬

‫هل كلفتم أبعمال أخرى أثناء تدريسكم يف الكلية ؟‬


‫أبدا مل أكلف بشيئ سوي املشاركة ِف أعمال احلج لثالث أو أربع سنوات فقط ‪ ،‬وكنت أشارك ِف‬‫ً‬
‫التدريس ِف تلك الفرتة ‪.‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )4٧‬رسالة ماجستري ِف قسم التوحيد‬
‫(‪ )44‬رسالة الدكتوراه وهو قاضي مبحكمة املدينة‬
‫(‪ )49‬رسالة ماجستري‬
‫(‪ )44‬رسالة دكتوراه‬
‫(‪ )41‬رسالة ماجستري‬
‫(‪ )45‬رسالة ماجستري ِف التوحيد‬
‫(‪ )41‬رسالة ماجستري‬

‫‪21‬‬
‫ما هي املواد اليت قمتم بتدريسها يف اجلامعة ؟‬
‫تدرس ِف كلية الشريعة التوحيد والفقه والفرائض واحلديث‬
‫درست ِف اجلامعة مجيع املواد اليت َّ‬‫َّ‬
‫واألصول والبالغة والنحو كلها درستها ‪.‬‬

‫هل شاركتم يف تقومي أعمال بعض املشايخ لرقيتهم ؟‬


‫أرسلت يل اجلامعة اإلسالمية أعمال عدد من املشايخ والدكاترة لتقومي عملهم لرتقيتهم اذكر منهم‬
‫الشيخ دمحم ابن عثيمني وعبدالقادر شيبة احلمد وأبو بكر اجلزائري ودمحم أمان اجلامي الصومايل‬
‫وربيع بن هادي مدخلي ‪.‬‬

‫يقال أن مل تكن أتخذ مقابل على التدريس فهل هذا صحيح ؟‬


‫ال ‪ ..‬ليس بصحيح ‪.‬كان يل راتب شهري وأول ما عيِنت كان راتيب ( ‪ 49٧٧‬رايل ) وذلك عام‬
‫‪4411‬ه ‪ ،‬وكل زمالئي كان راتبهم (‪ 4٧٧٧‬رايل ) ولكن الشيخ عبداللطيف شفع يل‬
‫حيث أنين كفيف فأحتاج لقارئ يقرأ يل لتحظري املواد فوافق مدير املعهد على ذلك ‪ ،‬وملا جاء‬
‫التصنيف على املراتب صنفوين ِف الرابع وزمالئي على املرتبة اخلامسة (‪ ، )41‬واستمر الراتب ِف‬
‫مبكرا وذلك عام‬
‫تقاعدا ً‬
‫ً‬ ‫الزايدة حىت وصل راتيب التقاعدي (‪ 4195٧‬رايل ) وقد تقاعدت‬
‫‪41٧1‬ه ‪.‬‬

‫هل شاركتم يف وسائل اإلعالم ؟‬


‫شاركت ِف الكتابة ِف صحيفة كانت تصدر من القصيم وتسمي صحيفة القصيم يصدرها الشيخ‬
‫صاحل بن سليمان العمري رمحه هللا واخوانه ‪ ،‬وكتبت فيها سلسلة رد على الشيخ دمحم خليل هراس‬
‫ِف شرحة للواسطية وقد وقع ِف أخطاء عقائدية كثرية تبلغ ثالثني خطأ ‪ ،‬وقد وقع فيها جهال فهو‬
‫انتسب ملذهب أهل السنة بعدما قرأ كتب ابن تيمية رمحه هللا وأتثر هبا وكتب كتاب ( ابن تيمية‬
‫السلفي ) وقد تراجع الشيخ عن هذه األخطاء وعدهلا ‪ .‬وقد كتبت ردا على هذه األخطاء ونشرت‬
‫ِف جريدة القصيم ولكن اجلريدة أوقفت ألمر ما ‪.‬‬
‫ومل يكن يل مشاركة ِف اإلذاعة ِف الوقت البعيد ولكنين طلبت قبل فرتة املشاركة ِف اإلذاعة ولكن‬
‫مل يسمح يل هبذا ‪.‬‬

‫____________________________________‬
‫(‪ )41‬كانت املراتب تبدأ من التاسعة وهي أقل مرتبة مث الثامنة أعلى وهكذا وكانت أعلى مرتبة الثانية ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫كيف كانت احلالة العلمية يف الرايض والقصيم يف تل الفرة ؟‬
‫كانت الدروس واحللقات قليلة ِف تلك الفرتة سواء ِف الرايض أو القصيم ‪ ،‬وال اذكر ِف القصيم‬
‫سوى دروس الشيخ عبدهللا ابن محيد والشيخ صاحل بن امحد اخلريصي والشيخ دمحم بن صاحل املطوع‬
‫والشيخ صاحل بن ابراهيم البليهي رمحهم هللا ‪.‬‬

‫هل درستم على أحد من علماء القصيم ؟‬


‫مل أدرس على أحد ِف القصيم كل دراسيت كانت ِف الرايض ‪ ،‬فقط درست على الشيخ عبدهللا بن‬
‫محيد ليوم واحد فقط مث تركت الدرس ‪ ،‬وكنت طلبت منه أن أقرأ املنظومة الشيبانية ِف التوحيد‬
‫وذلك عام ‪441٧‬ه وكانت أثناء اإلجازة ‪.‬‬

‫هل كان لكم دروس علمية خارج اجلامعة يف تل الفرة ؟‬


‫مل يكن يل دروس ِف الرايض وال ِف ِف القصيم إال متأخرا بعد التقاعد ‪.‬‬

‫لو حدثتموان عن اول حج لكم ؟‬


‫أول حج حججته كان عام ‪441٧‬ه وكان ابلسيارة ولكن الطريق مل يكن ممهدا وكان كله صحراء‬
‫واستغرقت املسافة من الرايض إىل مكة تسعة أايم فالسيارات كانت غري جيدة والطريق كان صعبا‬
‫‪ .‬وال اذكر أنين لقيت أحدا من العلماء ِف تلك الفرتة ‪.‬‬

‫مىت كان اشتغالكم ابحملاماة ؟‬


‫كان حوايل عام ‪41٧5‬ه ‪ ،‬ولكنين عانيت معاانة شديدة ألخذ شهادة احملاماة ( الرخصة ) فقد‬
‫تقدمت ألخذ املوافقة من حمكمة بريدة فأحيل طليب لقاضيني أحدمها محد بن تركي بن مقبل‬
‫والثاين الدكتور أمحد اخلضري فتصدى يل محد بن تركي ورفض منحي الرخصة وكان محد رئيس‬
‫اللجنة وحاولت معه ولكن رفض ‪ ،‬وبعد جهد جهيد قال ‪ :‬الرخصة حتتاج إىل اختبار !!!!‬
‫‪ ،‬فقلت له ‪ :‬جوايب عن هذا أن مثلي ال خيترب ألن أحد مواد ِف تنظيم األعمال اإلدارية ِف الدوائر‬
‫الشرعية تنص على أن من حيمل شهادة املعهد العلمي السعودي أو ما يعادهلا ال خيترب هذا األول‬
‫أما الثاين أنين مستعد لإلختبار !! ‪ ،‬فاتصلت بوزير العدل وذكرت له ما حصل ‪ ،‬فكتب‬
‫فورا بدون اختبار وبدون أي أتخر فأخذت الرخصة وهلل احلمد ‪.‬‬ ‫للمحكمة وقال ‪ :‬يعط رخصة ً‬

‫‪23‬‬
‫من يساعدك يف اعداد البحوث العلمية والفتاوى ؟‬
‫خريا‪ -‬فيساعدونين على القراءة والكتابة وهلل احلمد ‪،‬‬
‫يساعدين بعض بنايت وأبنائي ‪-‬جزاهم هللا ً‬
‫خريا‬
‫وإذا أحتجت مساعدة من بعض اإلخوان واألصدقاء فهم كذلك يبذلون وسعهم جزاهم هللا ً‬
‫مجيعا‪.‬‬
‫ً‬

‫كان لكم مواقف طيبة يف ختفيف معاانة املزارعني فهل تذكر لنا ما حدث مع ؟‬
‫ِف أحد األعوام توقفت صوامع الغالل عن قبول القمح من املزارعني فذهبت أان وأحد اإلخوة‬
‫املزارعني للملك فهد ‪ ،‬وقدمت له عريضه هبذا الشأن وكلمته فقبل مين ‪ ،‬وأمر ابستقبال القمح ‪،‬‬
‫فاستقبلت الصوامع من املزارعني بعد ذلك ‪.‬‬

‫سنذكر لكم امساء بعض املشائخ وحنب معرفة اتصالكم هبم ؟‬


‫الشيخ عبداللطيف بن ابراهيم ‪ :‬هو أخ للشيخ دمحم بن ابراهيم وهو عامل ال سيما ِف الفرائض فقد‬
‫كان منقطع النظري فيها ‪ ،‬وكان ضعيف البصر لكنه يستطيع أن يقرأ ‪.‬‬

‫الشيخ دمحم بن إبراهيم ‪ :‬كان مساحة الوالد من أحرص املشايخ على طالهبم وكانت طريقته ِف‬
‫التدريس هي كالتايل ‪ :‬جيلس للطالب ِف املسجد بعد الفجر ونقرأ عليه ِف األلفية والبلوغ والزاد‬
‫وقطر الندى وكنا حنفظها كاملة مث يطلب الشيخ أن نعرب األبيات كاملة مث يقرأ الشيخ دمحم بن‬
‫قاسم شرح ابن عقيل على الشيخ وهو شرح لالبيات اليت قرأانها قبل قليل ‪ ،‬مث بعد إشراق‬
‫الشمس بنحو نصف ساعة يذهب الشيخ إىل بيته والطالب يلحقونه إىل بيته مث بعد مدة أيذن هلم‬
‫فيدخلون وجيلس هلم كذلك وتبدأ قراءة املختصرات أوال كتاب التوحيد مث كشف الشبهات مث‬
‫الواسطية مث إن كان هناك دروس خاصة ألحد الطالب قرأ من يريد القراءة مث تبدأ قراءة املطوالت‬
‫مثل صحيح البخاري أو املغين أو منهاج السنة النبوية لشيخ اإلسالم ‪ ،‬وهي تسمي قراءة املطوالت‬
‫هذا يقرأ والشيخ يستمع فقط وإذا عرض ألحد الطالب إشكال سأل الطالب وإال الشيخ ال‬
‫يشرح ‪ ،‬وللشيخ جلسة اثلثة قبل العشاء يقرأ عليه فيها تفسري ابن كثري يقرأها الشيخ عبدالعزيز بن‬
‫شلهوب وأحياان يعلق الشيخ على التفسري ‪ ،‬وليس له إال هذه اجللسات فقط‪.‬‬

‫الشيخ عبدالعزيز ابن رشيد ‪ :‬عامل كبري من علماء الرس رمحه هللا ال سيما ِف التوحيد والفقه‬
‫وعني ِف األخري رئيسا ملدارس البنات ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫الشيخ دمحم األمني الشنقيطي ‪ :‬درست على الشيخ ِف الكلية وأما ِف البيت فكانت يل دراسة‬
‫يومية معه ِف األصول واملنطق وكانت ِف املنطق سلم األخضري وشرحه وِف األصول روضة الناظر‬
‫‪ ،‬وأمتمتها على الشيخ رمحه هللا وكانت دراسيت هلا دراسة جيدة ‪ ،‬وكانت الدراسة لوحدي بعد‬
‫املغرب ‪ ،‬وأذكر أنين ملا خترجت من الكلية عينت قاضيا ِف وادي الدواسر فذهب الشيخ‬
‫الشنقيطي للشيخ دمحم بن إبراهيم وقال له ‪ :‬هذا ال ميكن أن يعني ِف القضاء بل ِف التدريس ملا‬
‫يظهر منه من أهلية هلذا وبروز ِف التدريس ‪ ،‬والشيخ دمحم بن إبراهيم إذا عني أحد ِف القضاء ال‬
‫ميكن أن يرتاجع أبدا مهما حصل ‪ ،‬ولكنه كان جيل الشيخ الشنقيطي وحيرتمه جدا ‪ .‬وكان ع ْلم‬
‫الشيخ الشنقيطي غزير جدا خاصة ِف األصول واملنطق والتفسري والتأريخ واللغة واألدب وكان‬
‫منقطع النظري ِف هذه وجيمع هلا غريها ‪.‬‬

‫الشيخ زيد بن فياض ‪ :‬زاملته عند الشيخ عبداللطيف والشيخ دمحم بن إبراهيم وِف املعهد وِف الكلية‬
‫‪ ،‬وكان عاملا جيدا وكاتبا فله مقاالت كثرية ِف الصحف ‪.‬‬
‫الشيخ محود التوجيري ‪ :‬مل يتح يل اللقاء مع فضيلته رمحه هللا ‪.‬‬
‫الشيخ صاحل البليهي ‪ :‬كان بيننا لقاء وصداقة ومل يكن بيننا مذاكرة (‪. )4٧‬‬
‫الشيخ عبدالرمحن الفراين ‪ :‬زاملته ِف املساجد عند الشيخ دمحم بن إبراهيم وكان يقرأ على الشيخ ِف‬
‫صحيح البخاري ‪ ،‬وهو من كبار العلماء وقادة املدافعني عن العقيدة ‪.‬‬
‫الشيخ سعود بن رشود ‪ :‬هو قاض ِف الرايض وكان قاضي احلضر (‪ )42‬وقرأت عليه كتاب‬
‫التوحيد ‪.‬‬
‫الشيخ إبراهيم بن سليمان ‪ :‬قرأت عليه ِف الفرائض وكان قاضياً ِف الرايض‬

‫وملاذا هذه العناية ابلدراسة على الشيخ الشنقيطي ابلذات ؟‬


‫وزهدا رمحه هللا‬
‫وورعا ً‬
‫علما ً‬
‫الشيخ دمحم هو شيخي وإمامي ِف كل شيئ ‪ ،‬وكان من خرية العلماء ً‬
‫وغفر له وكان يعاملين مثل أوالده ويعتربين و ًلدا له ‪.‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )4٧‬ومن أصحاب الشيخ محود رمحه هللا الشيخ عبدهللا بن إبراهيم بن عبدهللا الطويل أحد أعيان بلدة الشقة الذي‬
‫يكين ب حامت الشقة كناية لكرمة وشهامته ‪ ،‬وكان الشيخ محود العقالء أحد رفاقه املقربني من الصغر حىت الوفاة ‪ ،‬ومن‬
‫أصحاب الشيخ محود‪ ،‬الشيخ عبد هللا الرشيد السليمان املنصور العضاض رمحه هللا وهو من طالب املفيت دمحم بن إبراهيم‬
‫رمحة هللا عليهم مجيعا ‪.‬‬
‫(‪ )42‬كان هناك قاضى للبدو وآخر للحضر ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫مسعنا أن الشيخ عندما جاء للحج مل يكن على عقيدة أهل السنة فهل هذا صحيح ؟ وكيف‬
‫انتقل إلعتقاد أهل السنة ؟‬
‫كال مل يكن الشيخ األمني على خالف مذهب اهل السنة بل كان من املتحمسني ملذهب السلف‬
‫وعقيدة اهل السنة ‪.‬‬

‫هل كان لكم رهتمام ابألدب واللغة عموما والشعر على وجه اخلصوص ؟‬
‫عازما على ان ادرس اللغة‬
‫مهتما ِف اللغة العربية حنو وصرف وبالغة ‪ ،‬وكنت ً‬ ‫ملا كنت طالبًا كنت ً‬
‫وكنت اظن أنين لو درست غريها فشلت وأن فين اخلاص هو اللغة العربية ولكن ملا خترجت قالوا إن‬
‫اللغة يدرسها من خترج من كلية اللغة وأنت ماعندك ختصص فرفضوا أن أدرس اللغة ‪ ،‬وكان يل‬
‫كثريا من الشعر اجلاهلي ‪ ،‬وكنت مولع‬‫اهتمام ابلشعر اجلاهلي على وجه اخلصوص وكنت أحفظ ً‬
‫به ‪ ،‬من ذلك معلقة امرئ القيس وعمرو بن كلثوم ‪ ،‬والمية العرب للشنفرى والمية العجم‬
‫للطغرائي وحوليتني من حوليات زهري القافية اليت مدح فيها اهلرم بن سنان والكافية ‪.‬‬

‫يقال رن كثريا ممن حيفظ الشعر يكتب الشعر فهل كتبتم شيئا من الشعر ؟‬
‫كتبت القليل من الفصيح والنبطي ‪.‬‬

‫لو حدثتموان عن مؤلفاتكم ؟‬


‫ألفت عددا من البحوث أوهلا حبث ِف اإلمامة العظمى والثاين ‪ :‬الرباهني املتظاهرة على حتمية‬
‫اإلميان ابهلل واليوم اآلخرة والثالث ‪ :‬القول املختار ِف حكم اإلستعانة ابلكفار ‪ ،‬وكان يل مشاركة‬
‫قدمية مع الشيخ عبداحملسن العباد والشيخ عطية سامل ِف كتاب تيسري الوصول ‪ ..‬وعندي جمموعة‬
‫من الفتاوى تصل ملئة فتوى فيها نقد لبعض األمور الواقعة وبيان لبعض األحكام ‪.‬‬

‫ما رأيكم يف املشاركة يف الصحف واإلذاعة والتلفاز ؟ مع ما فيها من املنكرات مثل صور‬
‫النساء واألغاين وغريها ؟‬
‫الكتابة ِف الصحف جيدة ‪ ،‬إذا كانت فيه حرية ان يكتب ما يريد ‪ ،‬ألن فيها بياانً للحق ونصرة‬
‫للدين ورد على امللحدين ‪ ،‬ولكن اإلنسان ال يستطيع أن يكتب ما يريده ‪.‬‬
‫واإلذاعة كذلك وينبغي أن تكون منربا للدعوة إىل هللا وبيان أحكام الشريعة للمستمعني والرد على‬
‫امللحدين وبيان حقيقتهم ‪ ،‬ولو حصل هذا لكان أمرا طيبا ‪ ،‬لكن الذي نراه ِف املشرتكني ِف‬

‫‪26‬‬
‫اإلذاعة يتكلمون ِف حقل واحد تقريبا وال ينوعون الكالم ‪ .‬إذا ترتب على املشاركة ِف االذاعة‬
‫الدعوة اىل االصالح فهذا طيب‪ ،‬أما التلفاز فال أنصح ابملشاركة فيه ‪.‬‬

‫ما رأيكم ـ رعاكم هللا ـ يف االنتساب للجماعات اإلسالمية ؟‬


‫املسلمون مجاعة واحدة وحزب واحد وهم الذين على الكتاب و السنة ‪ ،‬ولكن هذه اجلماعات‬
‫احلادثة هي اليت أضعفت الدعوة وفرقت األمة إيل فرق وأحزاب ‪ ،‬فهذه مجاعة التبليغ وهذه مجاعة‬
‫السلفيني‪ -‬الذين يتسمون ابلسلفيني زورا ‪ -‬وهذه مجاعة اإلخوان وغريها ‪ ،‬والذي يوافق الكتاب‬
‫والسنة ومن هذه اجلماعات هو احلق أما من حيث التفرق والتجزء واإلفرتاق فهذا شر حدث من‬
‫أعداء املسلمني ‪ ،‬ألن أعداء اإلسالم يدركون ان اإلسالم الصحيح خطر عليهم لذلك هم يبذلون‬
‫جهودا ليفرقوا بني املسلمني حىت ال يقوم للمسلمني قائمة ‪ ،‬وهذا التفرق ال جيوز وهو يضعف‬
‫األمة ‪ ،‬وجيب على اجلميع اإلجتماع على الكتاب والسنة والنصرة بني املسلمني أما كل مجاعة‬
‫اَّللِ َِ‬
‫مج ًيعا َوال تَ َفَّرقُوا‬ ‫ص ُموا ِحبَْب ِل َّ‬‫تسب األخرى وتعريها فهذا خطأ وال جيوز ‪ ،‬قال تعاىل ‪ " :‬و ْاعتَ ِ‬
‫َ‬
‫َصبَ ْحتُ ْم بِنِ ْع َمتِ ِه إِ ْخ َو ًاان ‪ "..‬وقال تعاىل‬ ‫واذْ ُكروا نِعمةَ َِّ‬
‫ني قُلُوبِ ُك ْم فَأ ْ‬
‫ف بَ ْ َ‬‫اَّلل َعلَْي ُك ْم إِ ْذ ُكْن تُ ْم أ َْع َداءً فَأَلَّ َ‬ ‫َ ُ َْ‬
‫صا ُك ْم بِِه‬‫السبُ َل فَتَ َفَّر َق بِ ُك ْم َع ْن َسبِيلِ ِه ذَلِ ُك ْم َو َّ‬
‫يما فَاتَّبِعُوهُ َوال تَتَّبِعُوا ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َن َه َذا صَراطي ُم ْستَق ً‬ ‫‪َ " :‬وأ َّ‬
‫لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّ ُقو َن " واحتاد املسلمني هو اصل القوة والعزة وهو سبب النصر ‪.‬‬

‫هل قام العلماء يف هذا الزمان بواجبهم جتاه هللا تعاىل ودينه ؟؟‬
‫علماء الشريعة أوجب هللا عليهم واجب ومحلهم أمانة وهو أن يقولوا احلق وال خيافون فيه لومة الئم‬
‫‪ ،‬هذا واجب على علماء الشريعة مهما كان منصب العامل ومهما كانت مكانته ‪ ،‬جيب عليه أن‬
‫يقوم هبذا الواجب وأن يقوم هبذا األمانة ‪ ،‬جيب الرد على أعداء اإلسالم وبيان دين هللا وانكار‬
‫املنكرات واصالح الفساد والدفاع عن الشريعة وأحكامها وأن يكون هذا مههم ‪ ،‬وال حيل هلم ترك‬
‫شيئا من ذلك حمابة لفالن أو ارضاء لفالن بل يكون هدفهم رضا هللا سبحانه ورضى املسلمني‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه وآله َو َسلَّ َم ‪ ( :‬من لتمس رضا الناس بسخط هللا سخط هللا عليه واسخط‬
‫صلَّى َّ‬
‫لقوله َ‬
‫عليه الناس ومن التمس رضا هللا بسخط الناس هنع هللا يضر وارض عليه الناس )(‪ )9٧‬فحمل العلماء ثقيل‬
‫واألمانة اليت محلوها عظيمة وال ينظروا إىل حاكم وال كبري وال صغري وال عامة ال خاصة بل‬
‫يصدعوا ابحلق رغم كل كاره له أما إذا تقاعسوا وتركوا ما اوجبه هللا عليهم بتأويل أو ما أشبه ذلك‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )9٧‬صحيح ابن حبان (‪ )911‬وحكم األلباين صحيح‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫يريدون ارضاء فالن أو فالن فهم خاسرون ومل يقوموا مبا اوجب هللا عليهم من األمانة والتكاليف‬
‫اخلاصة اليت محلهم هللا عليها واإلنكار على من خالف شرع هللا حاكم أو حمكوم ‪ ،‬فينبغي للعلماء‬
‫أن تكون مواقفهم مع هللا فال يبالوا أبحد سواه ‪ ،‬هذا الذي جيب ‪ ،‬كما جيب عليهم بذل النصح‬
‫لوالة االمور ‪ ،‬فاهلل من عليهم بعلم وتفضل عليهم به وجعلهم من محلته فعليهم أن يؤدوا واجبه‬
‫ويقوموا مبافرض هللا عليهم فيه ‪.‬‬

‫يدخل بعض أهل اخلري والصالح للربملاانت حىت خيففون من الشر الذي قد حيصل رذا هم‬
‫تركوا هذا املكان ‪ ،‬فما رأيكم يف الدخول للربملاانت ؟ وهل من دخل وهو ينوى اإلصالح‬
‫يعذر هبذا ويكون جمتهدا ؟‬
‫الربملاانت قائمة على القوانني الوضعية كما ال خيفى ‪ ،‬والتعامل مع القوانني والوضعية حمرم ال جيوز‬
‫‪ ،‬والذي حيكم القوانني كافر ‪ ،‬والذي أراه أن الدخول ِف الربملاانت ال جيوز ‪ ،‬ولكن بعض العلماء‬
‫قال ‪ :‬إذا كان من املمكن أن يكون األغلبية ِف الربملان لالسالمني فيرتتب عليه أن يكون وجودهم‬
‫مؤثر ويبطل املشاريع العلمانية جاز ذلك ‪.‬‬

‫مساحة الشيخ محود العقالء الشعييب زكيتم حكومة طالبان االسالمية تزكية مطلقة أال ترى اي‬
‫مساحة الشيخ أن هذا فيه تعجل حيث أن األمر مل يستتب هلم بعد ولعلهم يظهرون أمرا آخر‬
‫رذا متكنوا من الدولة كما فعل غريهم ؟‬
‫أان أرى أن األمر استتب هلم وأن حكمهم عام على أفغانستان ومل خيرج على حكمهم إال القليل‬
‫من أرض أفغانستان ‪ ،‬وقد زكيتهم ألهنم يعلنون أن الشريعة هو دستورهم الوحيد وحياربون كل ما‬
‫عدا ذلك ‪ ،‬بل نرى أن النصارى واليهود واملالحدة وأعواهنم يضربون احلصار اإلقتصادي على‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه وآله‬
‫صلَّى َّ‬
‫أفغانستان وحياربوهنا فلماذا هذه احلرب ؟؟ ألهنم حيكمون كتاب هللا وسنة نبيه َ‬
‫َو َسلَّ َم ِف كل شيئ وهذا أكرب دليل على أن طالبان دولة اسالمية رشيدة تطبق أحكام هللا ‪ ،‬وال‬
‫أدل على ذلك من محلتهم على أصنام بوذا (‪ )94‬وهتدميها مع معارضة دول الكفر وهتديدهم هلا‬
‫وكذا املستسلمني الذين نصروا الكفار على اخواهنم املسلمني وأفتوا حبرمة هذا اهلدم وحنن حنكم‬
‫أبهنم دولة اسالمية مبا يظهرون لنا ‪.‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )94‬حدث هذا ِف شهر أول شهر ذي احلجة لعام ‪4194‬ه ‪ ،‬وأمتوا اهلدم بعد عيد احلج وقد استعملت املتفجرات‬
‫الشديدة هلذا الغرض ‪ ،‬بعدما مل تفلح الدابابت وحنوها ِف اهلدم ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫ولكنهم حيمون القبور ومزارع األفيون ؟‬
‫الذي ثبت لنا أهنم بدأو إبزالة القبور ومنع عبادهتا وازالة مزراع األفيون(‪ ، )99‬وأقاموا بدل األفيون‬
‫مزارع القمح ‪ ..‬مث ملاذا ال ننظر للدول اليت حتمي القبور ومدارسها صوفية وتدعوا للشرك ؟ ملاذا ال‬
‫نقول عن هذه الدول أهنا غري اسالمية ؟ كل الدول اإلسالمية فيها احلق والباطل‬

‫بعض الناس قد يقع يف كفر ويعتذر أنه خيشى من اإلكراه ‪ ،‬فما الفرق بني اإلكراه وخوف‬
‫اإلكراه ؟؟‬
‫اإلكراه نوعان األول متحقق منه املكروه واآلخر يغلب على الظن انه حيصل ‪ ،‬أما كونه يغلب عليه‬
‫الظن انه فهذا ال يبيح له أن يكفر ‪ ،‬أما إن حتقق مئة ِف املئة أنه إذا مل يقل الكفر قتل مثال‬
‫‪ ،‬فهذا يباح له أن يقول الكفر اذا كان يكرهه ِف قلبه ‪.‬‬

‫بعض حكومات الدول اإلسالمية تقول لو طبقنا الشريعة خنشى أن نقتل أو نقاتل فهل هذا‬
‫عذر يف ترك تتطبيق الشريعة ويستبدلوهنا ابلقوانني ؟؟‬
‫ض َوَم ْن‬ ‫ض ُه ْم أ َْولِيَاءُ بَ ْع ٍ‬ ‫ِ‬
‫َّص َارى أ َْوليَاءَ بَ ْع ُ‬
‫ود َوالن َ‬
‫ِ‬
‫ين ءَ َامنُوا ال تَتَّخ ُذوا الْيَ ُه َ‬
‫َّ ِ‬
‫قال هللا تعاىل ‪َ " :‬ايأَيُّ َها الذ َ‬
‫ين ِِف قُلُوهبِِ ْم َمَرض‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫يَتَ َوَّهلُْم ِمْن ُك ْم فَِإنَّهُ ِمْن ُه ْم إِ َّن َّ‬
‫ني (‪ )54‬فَتَ َرى الذ َ‬ ‫اَّللَ َال يَ ْهدي الْ َق ْوَم الظَّالم َ‬
‫ِ ِ ِِ‬ ‫يسا ِرعو َن فِي ِهم ي ُقولُو َن َخنْ َشى أَ ْن تُ ِ‬
‫صيبَ نَا َدائَِرة فَ َع َسى َّ‬
‫صبِ ُحوا‬‫اَّللُ أَ ْن َأيِْيتَ ِابلْ َفْت ِح أ َْو أ َْم ٍر م ْن عْنده فَيُ ْ‬ ‫َْ‬ ‫َُ ُ‬
‫علَى ما أَسُّروا ِِف أَنْ ُف ِس ِهم َان ِد ِمني "(‪")59‬سورة املائدة " فهم أعتذروا فقالوا ‪َ " :‬خنْ َشى أَ ْن تُ ِ‬
‫صيبَ نَا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫َدائَِرة " ‪ ،‬فلو أن احلكومات وقفوا مع هللا وصدقوا مع هللا وتركوا دول الكفر ونبذوا معاملتهم‬
‫وعالقاهتم معهم واستعانوا ابهلل ومبا أعطاهم من القوة ِف املال والبلدان والرجال النتصروا على‬
‫أعداء هللا ال َك َفرة ولنا مثال يبني لنا هذا ‪ :‬فهذا اإلحتاد السوفييت قاتل أفغانستان والذين قارعوهم‬
‫أانس قليلو املال والسالح ومع هذا اخرجوهم أذالء حقراء بل تسببوا ِف تفكك دولتهم فأصبحت‬
‫أثر بعد عني ‪ ،‬فهل األفغان اكثر وأقوى من دول اإلسالم جمتمعه ؟؟ ال ‪ ،‬ولكن اجلنب واخلور‬
‫وحب الدنيا وملذاهتا هو الذي جيعلهم حيكمون القوانني ويرتكون حتكيم الشريعة ‪.‬‬

‫____________________________________‬
‫(‪ )99‬صدر تقرير عن هيئة األمم املتحدة نشر ِف عام ‪4199‬ه يذكر فيه أن أفغانستان اصبحت خالية من مزارع‬
‫األفيون بسبب فتوى علماء طالبان اليت حترم األفيون ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ما حكم ترك حتكيم الشريعة ؟‬
‫من حكم القوانني وأعتمد عليها وأبعد الشريعة وأزاحها عن جمال احلكم فهذا كافر لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ك ُه ُم الْ َكافُِرو َن "سورة املائدة آية(‪ )11‬جاء املتحذلقون من مرجئة‬ ‫اَّللُ فَأُولَئِ َ‬
‫"وَم ْن َملْ َْحي ُك ْم ِمبَا أَنْ َزَل َّ‬ ‫َ‬
‫العصر بل من مرجئة اجلهمية قبلهم وقالوا ‪ :‬إن هذه األية ال تدل على كفر من أبعد الشريعة عن‬
‫التحكيم ألهنا نزلت ِف اليهود ولسنا خماطبني فيما خوطب به اليهود ‪ ،‬وما عرف هؤالء القاعدة‬
‫األصولية اليت تقول إن العربة بعموم اللفظ ال خبصوص السبب واآلية هنا عامة فلفظ " َم ْن " عام‬
‫ألنه من صيغ العموم فهو عام لليهود وغريهم ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬إن ابن عباس قال كفر دون كفر وهذا ليس اثبت عن ابن عباس فهذا من رواية هشيم بن‬
‫حجري عن ابن عباس وهشيم معلوم أنه متكلم فيه ومطعون فيه ‪ ،‬وأيضا أن طاوس روى عنه ابنه‬
‫عبدهللا وهو ثقة وهو أعرف أببيه من هشيم‬
‫أن ابن عباس هنع هللا يضر قال ‪ :‬هي به كفر‪ ،‬واملهم أن رواية هشيم عن ابن عباس كفر دون كفر ساقطة‬
‫ال حيتج هبا مبقتضى هذا ‪.‬‬
‫يما َش َجَر بَْي نَ ُه ْم ُمثَّ َال َِجي ُدوا ِِف‬‫مث قوله سبحانه وتعاىل ‪ " :‬فَال وربِك ال ي ؤِمنو َن ح َّىت ُحي ِكم َ ِ‬
‫وك ف َ‬ ‫ََ َ ُْ ُ َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما "سورة النساء(‪)15‬هذه اآلية صرحية أصرح من اليت‬ ‫ت َويُ َسل ُموا تَ ْسل ً‬ ‫ضْي َ‬ ‫أَنْ ُفس ِه ْم َحَر ًجا ممَّا قَ َ‬
‫قبلها أقسم سبحانه أنه ال حيصل اإلميان من هؤالء حىت حتصل ثالث غاايت ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬التحكيم ‪.‬‬
‫اثنيا ‪ :‬التسليم هلذا احلكم ‪.‬‬
‫اثلثا ‪ :‬الرضى به وقبوله ‪.‬‬
‫فهل هذه الثالثة موجودة ِف القوانني اليت وضعها البشر الكفرة الفجار ؟؟‬
‫صلَّى َّ‬
‫اَّللُ‬ ‫إذن الذي حيكم القوانني ويزيح الشريعة كافر ال شك ِف كفره بكالم هللا وكالم رسوله َ‬
‫َعلَْي ِه وآله َو َسلَّ َم وكالم السلف الصاحل ‪.‬‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه وآله َو َسلَّ َم أبمور أوهلا وأمهها الدعوة إىل عبادته سبحانه‬ ‫صلَّى َّ‬ ‫هللا سبحانه أرسل رسوله َ‬
‫وترك اإلشراك به ‪ ،‬اثنيا الدعوة إىل شريعته وحتكيمها واحلكم مبقتضاها ‪ ،‬فالذي يعبد معه غريه‬
‫فهذا مشرك ابهلل ِف عبادته ‪ ،‬والذي حيكم غريه مشرك ابهلل ِف حكمه قال تعاىل ‪َ .. " :‬وَال يُ ْش ِرُك‬
‫ِِف ح ْك ِم ِه أَح ًدا ‪" ..‬سورة الكهف اآلية (‪ ،)19‬وهذا نص ظاهر وقال تعاىل ‪(:‬إِ ِن ا ْحل ْكم إَِّال َِّ َِّۚللِ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين الْ َقيِ ُمْ ََ)(سورة يوسف آية‪)1٧ :‬‬ ‫ك الد ُ‬ ‫أ ََمَر أََّال تَ ْعبُ ُدوا إَِّال إِ َّايهُ ِۚ َٰذَل َ‬

‫‪31‬‬
‫وهذا حصر ومن أبلغ طرق احلصر النفي واإلستثناء هذه أمور ظاهرة وقد قال تعاىل ‪(" :‬أََملْ تَ َر إِ َىل‬
‫يدو َن أَ ْن ي تَحا َكموا إِ َىل الطَّاغُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫وت َوقَ ْد‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ك َوَما أُنْ ِزَل ِم ْن قَ ْبل َ‬
‫ك يُِر ُ‬ ‫ين يَ ْزعُ ُمو َن أَنَّ ُه ْم َآمنُوا ِمبَا أُنْ ِزَل إِلَْي َ‬
‫ا لذ َ‬
‫يل َهلُْم تَ َعالَ ْوا إِ َ َٰىل َما أَنْ َزَل‬‫ِ ِ‬ ‫ض َالًال بَعِ ً‬ ‫ِ‬ ‫أ ُِم ُروا أَ ْن يَ ْك ُف ُروا بِِه َويُِر ُ‬
‫يدا *(‪َ )1٧‬وإ َذا ق َ‬ ‫يد الشَّْيطَا ُن أَ ْن يُضلَّ ُه ْم َ‬
‫ودا)(سورة النساء آية‪(14 -1٧ :‬‬ ‫ِِ‬ ‫الرس ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ص ُد ً‬‫ك ُ‬ ‫صدُّو َن َعْن َ‬‫ني يَ ُ‬ ‫ت الْ ُمنَافق َ‬ ‫ول َرأَيْ َ‬ ‫اَّللُ َوإ َىل َّ ُ‬
‫فالذين حيكمون القوانني مث يقلون حنن مسلمون فهؤالء يزعمون مثل زعم املنافقني ‪ ،‬فاحلاصل أن‬
‫الرجل الذي يرفع حكم هللا ورسوله عن حماكمة ودوائره مث حيل حملها القوانني الوضعية اليت وضعها‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه وآله َو َسلَّ َم فهذا كافر ال شك ِف كفره ‪ ،‬كافر‬ ‫صلَّى َّ‬‫الكفار بدال من حكم هللا ورسوله َ‬
‫مهما كان ومهما قال املرجئة وأذانهبم الذين يريدون ارضاء الطغاة من احلكام الذين حيكمون‬
‫القوانني ‪ ،‬يريدون أن يرضوهم أبن فعلهم هذا ليس كفرا ‪ ،‬الذي حيكم القانون كيف يكون مسلما‬
‫هذا دينه دين من وضع له القوانني وشرعه شرع من وضع له القوانني وقد نقل ابن كثري رمحه هللا‬
‫اإلمجاع على كفر من حكم غري الشريعة ‪.‬‬

‫ما حكم ترك اجلهاد الذي نراه يف هذا الزمان واهتام اجملاهدين أهنم ارهابيني ؟‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه وآله َو َسلَّ َم …‪ .‬حىت تراجعوا دينكم (‪ )94‬فهذا يدل على‬
‫صلَّى َّ‬
‫ترك اجلهاد كفر لقوله َ‬
‫أن ترك اجلهاد كفر(‪ )91‬والعياذ ابهلل مث إن األمة إذا تركت اجلهاد وأعرضت عنه وتركت األعداء‬
‫صلَّى‬
‫يعيثون ِف بالد املسلمني الفساد مث مل تقم ومل جتاهد فهؤالء خرجوا عن دينهم ألن الرسول َ‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه وآله َو َسلَّ َم قال ‪ :‬حىت تراجعوا دينهم ‪ ،‬فاجلهاد مل يوصم من قبل املسلمني ِف العصور‬
‫َّ‬
‫السابق أبنه أرهاب أو أعتربوا اجملاهدين أرهابيون والسبب ال خيف على من له أدين بصرية ‪.‬‬

‫الشعوب العربية واإلسالمية ال تستطيع أن تظهر دينها وعقيدهتا وهي واقعة حتت ضغوط فما‬
‫هو تقوميكم هلذا الوضع ؟‬
‫حنن نعلم أن احلكومات العربية واإلسالمية ال تقول ما تريد بل تقول ما يريد غريها فكثري من‬
‫احلكومات ال جترأ على أن تقول ما تريد ‪ ،‬وبعضها ال يريد أن يقول إال ما يقال هلا ‪ ،‬ولكن هناك‬
‫دول عربية واإلسالمية حتب اخلري ولكنها ال تقدر عليه وال جترأ عليه ألن غريها ال يريد منها ان‬
‫تقول غري ما يريد الكفار ومن املعلوم أن كثريا من الدول اإلسالمية تدور ِف فلك الدول الكافرة‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )94‬سنن أيب داود (‪ )4119‬وحكم األلباين صحيح‬
‫(‪ )91‬أنظر ص ‪ .21٧‬للتوضيح ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫الصديقة كما يقال فهي ختش غضبها وختش سخطها وتبحث عما يرضيها فهي ال تقدر على أن‬
‫تقول كل ما تريده‪ ،‬ولكن لو أن األمر بيد هذه الدول وكانوا أحرارا واحتدوا ملا عجزوا على هزمية‬
‫اليهود وهم هبذه القوة اجلغرافية واملالية ‪.‬‬

‫ِف ختام هذا اللقاء الشيق ال يسعين إال أن أشكر مساحتكم جزيل الشكر على منحي هذه الفرصة‬
‫‪ ،‬وأن أدعوا هللا تعاىل لسماحتكم بوافر الصحة والعافية وان ميد ِف عمركم على عمل صاحل وان‬
‫يثبتكم على احلق وأن ينفع بكم اإلسالم واملسلمني ‪ ،‬وأن مين عليكم ابلنظر إىل وجهه الكرمي‬
‫وأن جيمعكم ابلنبيني والصدقني والشهداء والصاحلني ِف الفردوس األعلى من اجلنة ‪ .. ..‬آمني‬
‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى اله وصحبه امجعني ‪..‬‬

‫حررت ِف هناية شهر ذي احلجة عام ‪4194‬ه‬

‫‪32‬‬
‫ريناس النبالء يف سرية شيخنا العقالء‬
‫شيء من سرية فضيلة الشيخ العالمة محود بن عقالء الشعييب رمحه هللا‬
‫مع مالحق عن بعض ما قيل فيه من مقاالت وأشعار(‪)4‬‬

‫بقلم‬
‫عبدالرمحن بن عبدالعزيز اجلفن‬
‫‪ 4194 / 1 / 41‬ه ‪ .‬الطائف‬

‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬


‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫أما بعد ‪.‬‬
‫فإن التسطري عن علمائنا ومشاخينا ودعاتنا وكتابة سريهم وبعض مواقفهم من أقل صنوف برهم‬
‫والوفاء حبقهم ‪ ،‬خاصة ممن كان هلم احلظ الوافر ِف ضرب أعظم املواقف ِف نصرة الدين والذود عن‬
‫حياضه والثبات على احلق ‪ ،‬وقد رأينا ِف هذه األزمان وعلى أرض الواقع كيف كانت حقيقة‬
‫الصدق ِف القول من عدمه ‪ ،‬ليس من الصعب أن تشنف اإلمساع بقول احلق حال الركود الدعة‬
‫والرخاء ‪ ،‬لكن من املكارهة احلقيقية أن تستن زل النفس حال الشدة إىل قول ما تعتقده مع ثباهتا‬
‫على ذلك ‪.‬‬
‫وقد مر على األمة اإلسالمية شخصيات عرفهم التاريخ بصدقهم وقوهتم ِف احلق ‪ ،‬فلم يلتفتوا إىل‬
‫ما مينعهم من قول ما يعتقدون كون فالن رضي أو سخط ‪ ،‬أو كوهنم أصاهبم شيء من األذى ‪..‬‬
‫ولذلك مسعنا وقرأان كيف كانت مواقفهم رمحهم هللا ‪.‬‬
‫أنظر إىل أيب احلسن الندوي رمحه هللا (‪)9‬ماذا يقول عن أحدهم ‪:‬‬
‫لقد رفع ابن تيمية لواء اجلهاد والتجديد حماراب هلذه األعمال واألفكار والتقاليد املشركة الرائجة ‪،‬‬
‫مستغنيا ِف ذلك عن سخط العامة وغضب اخلاصة وعتاهبم ‪ ،‬وضرب على جذور تلك العقائد‬
‫واآلراء اليت كانت أساس هذه األعمال املشركة ‪ ..‬اه ‪.‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )4‬لقد نقلتها إىل ملحق هناية الكتاب‪.‬‬
‫(‪ 9/1٧4 )9‬رجال الفكر والدعوة ِف اإلسالم‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫ومع ما حيمله بعض املسلمني من حق ومع ما وعدهم هللا به من جنات عدن جتد بعضهم أسرع‬
‫إىل الفرة من الكرة ‪.‬‬
‫وقرأان أيضا ألصحاب املناهج الضالة ِف ثباهتم على ما يدينون به حىت مماهتم ‪ ،‬انظر إىل من‬
‫استتاهبم املسلمون عن قوهلم الكفر كيف ثبتوا حىت صلبوا ‪.‬وبني أيدينا سرية والدان وشيخنا العالمة‬
‫اجملاهد مدفع التوحيد(‪ )4‬وجبل العقيدة رجل املواقف الشيخ محود بن عقالء الشعييب رمحه هللا‬
‫رمحة واسعة ‪ ،‬عرفه الصغري والكبري العامل واجلاهل احلاكم واحملكوم ‪ ،‬عرفه بعلمه وحنكته ورابطة‬
‫جأشه وقوته ِف هللا ال أتخذه فيه لومة الئم ‪ ،‬عُرف رجال خمضرما عاشر احلاضرتني ‪ ،‬تتلمذ عليه‬
‫وصالت ‪ ،‬رحوما‬ ‫األكابر والرؤوس ‪ ،‬عرفته منذ سنوات رجال متواضعا متصدقا صاحب عطف ِ‬
‫على الصغار قبل الكبار ‪ ،‬يعرفه الفقراء قبل األغنياء ‪.‬‬
‫إمام جاهد بلسانه فقال ما يدين هللا به ‪ ،‬ونصر الدين ِف وقت أحوج ما يكون املسلمون ملثله ‪،‬‬
‫رجل حيرتق ملصائب املسلمني ونكباهتم ‪ ،‬فقد كان رمحه هللا كثريا ما ميرض بسبب ما يصيب‬
‫املسلمني من نكبات ‪ ،‬فلم يكن رمحه هللا ذا مهة مصطنعة بل كان رمحه هللا يعيش بقلوب الفتية ‪،‬‬
‫محاسه لقضااي املسلمني كحماس اجملاهد ِف ساحة القتال ‪،‬مل يكن محاسه مؤقتا حال احلدث ‪ ،‬بل‬
‫كان رمحه هللا ال ميل وال يكل وال يرتاخى حىت قبل وفاته رمحه هللا بدقائق ‪.‬‬
‫وكان رمحه هللا كثريا ما ينبذ األفكار املنهزمة واملناهج املتميعة ‪ ،‬بل كان ال يقبل أن جيلس ِف جملسه‬
‫أحد مييت مهته أو يبدد محاسه ‪ ،‬و قد أخرج بعضهم من جملسه ‪.‬‬
‫نكتب هذه األسطر ِف سريته رمحه هللا من مولده حىت وفاته ‪ ،‬مع ذكر بعض أحواله اخلاصة‬
‫وشؤونه وقوة شخصيته وبعض ممن أتثر هبم رمحه هللا وبعض مواقفه معهم ‪ ،‬نستمتع هبا لعلها أن‬
‫تكون سببا ِف شحذ اهلمم ونصرة الدين ‪.‬‬
‫وقد أحلقنا بعض ما كتب ِف الشيخ من مقاالت وقصائد راثه فيها حمبوه جزاهم هللا خريا ‪ .‬وصلى‬
‫هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫كتبه ‪ /‬عبدالرمحن بن عبدالعزيز اجلفن‬


‫الطائف‬
‫‪mochfia.toh@9٧nfaG‬‬

‫____________________________________‬
‫(‪ )4‬لقب أمساه به فضيلة الشيخ عبد هللا بن قعود عضو اإلفتاء سابقا رمحه هللا ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫مولد الشيخ ونسبه ونشأته ‪:‬‬
‫هو شيخنا العالمة اجملاهد أبو عبدهللا ‪ .‬محود بن عبدهللا بن عقالء بن دمحم بن علي بن‬
‫عقالء الشعييب اخلالدي من آل جناح من بين خالد ‪ ،‬ولد رمحه هللا تعاىل ِف بلدة الشقة (‪ )1‬من‬
‫أعمال القصيم سنة ‪ 4411‬للهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصالة والسالم ‪ ،‬ونشأ رمحه هللا‬
‫ِف بيت دين وكرم ‪ ،‬فلما كان عمره ست سنوات التحق ابلكتاب فتعلم القراءة والكتابة واحلساب‬
‫‪ ،‬وِف عام ‪4459‬ه أصيب مبرض اجلدري وبسبب ذلك فقد بصره رمحه هللا ‪ ،‬وقد حرص عليه‬
‫والده منذ نعومة أظفاره ‪ ،‬وكان والده عبدهللا رمحه هللا صاحب زراعة وفالحة فتعلم منه الشيخ رمحه‬
‫هللا مع فقده لبصره الزراعة والسقي وغري ذلك كما سيأيت تبيينه إن شاء هللا ‪.‬‬

‫بداية طلبه للعلم ‪:‬‬


‫قرأ الشيخ رمحه هللا القرآن وحفظه مع فقدانه بصره على يد الشيخ عبدهللا بن مبارك العمري رمحه‬
‫هللا وعمره ثالث عشرة سنة ‪ ،‬يقول الشيخ رمحه هللا ‪:‬‬
‫وقد حفظت القرآن وعمري ثالثة عشر عاما وذلك عام ‪ 4452‬ه ‪ ،‬ولكن ضبطت احلفظ‬
‫والتجويد عندما بلغت اخلامسة عشر من عمري وكان ذلك عام ‪4414‬ه ‪ ،‬وكان لوالدي جهد‬
‫كبري ِف تنشأيت وتعليمي فكان رمحه هللا حيرص على أن أكون من طلبة العلم ‪ .‬اه ‪.‬‬

‫انتقاله رىل الرايض ‪:‬‬


‫وملا بلغ العشرين من عمره أشار عليه والده عبدهللا رمحه هللا تعاىل أن يسافر إىل الرايض ليتلقى‬
‫العلم ‪ ،‬وكان ذلك ِف سنة ‪ 4411‬ه فانتقل إىل الرايض والزم الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل‬
‫الشيخ رمحه هللا قرابة السنة فقرأ وحفظ ودرس عليه صغار املتون ِف العقيدة والفرائض والنحو وغري‬
‫ذلك ‪ ،‬يقول الشيخ رمحه هللا ‪ :‬فبدأت بتلقي العلوم على فضيلة الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل‬
‫الشيخ ‪ ،‬وأكملت اآلجرومية واألصول الثالثة والرحبية ِف الفرائض والقواعد األربعة حىت أكملتها‬
‫فهما وحفظا (‪ . )5‬اه ‪.‬‬

‫____________________________________‬
‫(‪ )1‬قرية تقع اآلن ِف طرف بريدة الشمايل وكان مسكن الشيخ رمحه هللا فيها‬
‫(‪ )5‬أستفدت من بعض النقوالت مما كتبه الشيخ عبد الرمحن اهلرِف ِف مقابلته مع الشيخ رمحه هللا اليت أجراها معه ِف‬
‫شهر ذي احلجة لعام ‪4194‬ه ‪ ،‬على هذا العنوان‪:‬‬
‫‪.htm4/9http://www.saaid.net/Warathah/hmood/‬‬

‫‪35‬‬
‫وكان الشيخ عبداللطيف رمحه هللا هو املرحلة األوىل لطلبة العلم ‪ ،‬فحينما يتقن الطالب عند الشيخ‬
‫عبداللطيف يتم نقله إىل حلقة الشيخ دمحم بن إبراهيم رمحه هللا فانتقل الشيخ محود رمحه هللا بعد‬
‫سنة إىل حلقة الشيخ دمحم بن إبراهيم فقرأ عليه وحفظ بعض طوال املتون ‪ ،‬بل يكاد رمحه هللا حيفظ‬
‫شروحها ‪ ،‬وقد عرف عنه قوة احلفظ ِف شبابه ‪ ،‬وقد قرأت عليه رمحه هللا بعض املتون مع شروحها‬
‫فكان رمحه هللا يكمل عنا غالبا شروحها ‪ ،‬بل كان ِ‬
‫خيطئ النسخ اليت بني أيدينا ‪ ،‬وكان يعيد علينا‬
‫أحياان تعليق أحد شيوخه على بعض املسائل ابللفظ واهليئة ‪ ،‬وكان من ضمن ما حفظه ألفية ابن‬
‫مالك ِف النحو وزاد املستقنع ِف الفقه احلنبلي ‪ ،‬فكان يقول لنا ‪ :‬كنت أجلس أحياان بعد العشاء‬
‫ِف عريش رابط الشيخ دمحم بن إبراهيم فال أقوم من مكاين حىت أهني هذين املتنني ‪.‬‬

‫مالزمته للشيخ دمحم بن ربراهيم رمحه هللا ‪:‬‬


‫وقرأ أيضا على الشيخ دمحم بن إبراهيم رمحه هللا مفيت الداير السعودية ِف العقيدة واحلديث والفقه‬
‫والتفسري وأصول الفقه والنحو فأتقن ‪ ،‬يقول الشيخ رمحه هللا ‪:‬‬
‫انتقلت للقراءة على مساحة الشيخ دمحم بن إبراهيم آل الشيخ سنة ‪441٧‬ه ‪ ،‬فقرأت عليه وبدأت‬
‫بقراءة زاد املستقنع مث كتاب التوحيد وكشف الشبهات والواسطية لشيخ اإلسالم واألربعني النووية‬
‫وألفية ابن مالك وبلوغ املرام ‪ ،‬وهذه تقرأ على الشيخ عادة والبد منها ‪ ،‬وأضفت أان عليها كتبا‬
‫أخرى كنت أقرأها لوحدي على مساحة الشيخ رمحه هللا الطحاوية والدرة املضيئة للسفاريين‬
‫واحلموية البن تيمية هذه قرأهتا لوحدي واستمرت القراءة على مساحة الوالد الشيخ دمحم بن إبراهيم‬
‫رمحه هللا حىت فتح املعهد العلمي عام ‪4414‬ه وهو أول معهد يفتح ‪ ،‬وكل هذه الكتب كنت‬
‫احفظها كما أحفظ الفاحتة ‪ .‬اه‬
‫وقال أيضا ‪ :‬كان مساحة الوالد ( يعين دمحم بن إبراهيم ) من أحرص املشايخ على طالهبم وكانت‬
‫طريقته ِف التدريس هي كالتايل ‪:‬‬
‫جيلس للطالب ِف املسجد بعد الفجر ونقرأ عليه ِف األلفية والبلوغ والزاد وقطر الندى ( وكنا‬
‫حنفظها كاملة ) مث يطلب الشيخ أن نعرب األبيات كاملة مث يقرأ الشيخ دمحم بن قاسم شرح ابن‬
‫عقيل على الشيخ وهو شرح لألبيات اليت قرأانها قبل قليل ‪ ،‬مث بعد إشراق الشمس بنحو نصف‬
‫ساعة يذهب الشيخ إىل بيته والطالب يصحبونه إىل بيته مث بعد مدة أيذن هلم فيدخلوا وجيلس هلم‬
‫كذلك وتبدأ قراءة املختصرات ‪ :‬أوال كتاب التوحيد مث كشف الشبهات مث الواسطية مث إن كان‬
‫هناك دروس خاصة ألحد الطالب قرأ من يريد القراءة مث تبدأ قراءة املطوالت مثل صحيح‬

‫‪36‬‬
‫البخاري أو املغين أو منهاج السنة النبوية لشيخ اإلسالم ‪ ،‬وهي تسمي قراءة املطوالت هذا يقرأ‬
‫والشيخ يستمع فقط وإذا عرض ألحد الطالب إشكال سأل الطالب وإال الشيخ ال يشرح ‪.‬‬
‫وللشيخ جلسة اثلثة قبل العشاء يقرأ عليه فيها تفسري ابن كثري يقرأها الشيخ عبدالعزيز بن شلهوب‬
‫وأحياان يعلق الشيخ على التفسري ‪ ،‬وليس له إال هذه اجللسات فقط ‪ .‬اه‬
‫وكان الشيخ ابن إبراهيم رمحه هللا إذا انتهى من الدرس قام الطالب إىل الشيخ محود ‪ -‬وكان منهم‬
‫بعض العلماء املوجودين حاليا ‪ -‬وطلبوا منه أن يعيد هلم درس الشيخ بن إبراهيم فكان الشيخ‬
‫محود كما حيدثنا ‪ -‬ميازحهم – يرفض ذلك أول األمر مث يقوم إىل ركن املسجد فيعيد عليهم درس‬
‫الشيخ كامال‪ .‬وقد أتثر الشيخ محود رمحه هللا ِف شيخه دمحم بن إبراهيم حىت قال عنه ‪ :‬شيخي‬
‫وأستاذي ووالدي رمحه هللا ‪ ،‬أتثرت به كثريا ‪.‬‬

‫مالزمته للشيخ دمحم األمني الشنقيطي رمحه هللا ‪:‬‬


‫يقول الشيخ دمحم األمني الشنقيطي رمحه هللا ‪ :‬أذكى من قابلت من املشايخ الشيخ دمحم بن إبراهيم ‪،‬‬
‫وأذكى من قابلت من التالميذ محود العقالء(‪. )1‬‬
‫الشيخ دمحم األمني الشنقيطي حىت ِف بيته وكان الشيخ يشرح له لوحده ‪ ،‬فقرأ‬
‫وقد الزم شيخنا َ‬
‫الشيخ عليه ِف التفسري والعربية واحلديث وأصول الفقه واملنطق ‪.‬‬
‫يقول الشيخ رمحه هللا وهو يتحدث عن دراسته على الشيخ دمحم األمني ‪:‬‬
‫درست على الشيخ ِف الكلية وأما ِف البيت فكانت يل دراسة يومية معه ِف األصول واملنطق‬
‫وكانت ِف املنطق سلم األخضري وشرحه وِف األصول روضة الناظر ‪ ،‬وأمتمتها على الشيخ رمحه هللا‬
‫وكانت دراسيت هلا دراسة جيدة ‪ ،‬وكانت الدراسة لوحدي بعد املغرب ‪ ..‬وكان ع ْلم الشيخ‬
‫الشنقيطي غزيرا جدا خاصة ِف األصول واملنطق والتفسري والتأريخ واللغة واألدب وكان منقطع‬
‫النظري ِف هذه وجيمع هلا غريها ‪ .‬اه‬

‫وكان للشيخ محود رمحه هللا مع شيخه دمحم األمني بعض املناقشات واملباحثات ‪ ،‬منها ما حدثنا به‬
‫رمحه هللا فقال ‪:‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ -)1‬حدثنا الشيخ عبدهللا بن حسني أاب اخليل حفظه هللا فقال ‪ :‬كان الشيخ محود فيه من الذكاء والفطنة ما استغربه‬
‫وتعجبه طلبة العلم ِف الرايض آن ذاك ‪ ،‬بل إن الرجل ليبتسم حينما يستمع حلديث الشيخ من شدة ما يراه من توقد‬
‫ذكاءه رمحه هللا إه ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ِف درس التفسر ملا مر الشيخ دمحم األمني رمحه هللا على قوله تعاىل ( قالوا اي قومنا إان مسعنا كتااب‬
‫أنزل من بعد موسى ) اآلية(‪ ،)1‬قال الشيخ محود ‪ :‬فقلت ‪ :‬اي شيخ أال يكون موسى هذا أحد‬
‫نذر اجلن ؟ فقال الشيخ دمحم ‪ :‬لو سبقت إىل هذا لقلت بقولك(‪ .)٧‬اه‬

‫ومنها أيضا يقول الشيخ رمحه هللا ِف شرحه للتدمرية عند ذكر شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا‬
‫تعاىل لقوله تعاىل ( والسماء بنيناها أبيد ) أي قوة ‪ ،‬قال الشيخ محود رمحه هللا ‪:‬‬
‫والعلماء يعلمون أن ِف القرآن جمازاً ولكنهم ينفون ذلك لسد الذرائع ‪ ،‬وكان شيخنا الشنقيطي‬
‫رمحه هللا يشدد ِف نفي اجملاز وأان كنت أرى اجملاز ‪ ،‬فقال الشيخ األمني رمحه هللا ‪ :‬إن الرجوع ِف‬
‫البديع ال يوجد ِف القرآن أبدا ‪ ..‬مث استطرد الشيخ محود قائال ‪ :‬والرجوع هو أن يثبت معناً من‬
‫املعاين مث ينفيه أو العكس ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬بل ِف القرآن ذلك ‪ ،‬فاضطرب الشيخ وقال ‪ :‬أين ؟‬
‫فقلت ‪ِ :‬ف قوله تعاىل ( قالوا ضلوا عنا بل مل نكن ندعوا من قبل شيئا ) وقوله تعاىل ( قالوا ايويلنا‬
‫من بعثنا من مرقدان هذا ما وعد الرمحن وصدق املرسلون ) استفهام ‪ ..‬ال يعلمون ‪ ،‬مث ردوا على‬
‫أنفسهم أبنه هللا ‪ ،‬ولكن رمحه هللا مل يقبل كالمي وقال ‪ :‬إنك مل تستدرك األدلة اليت استدللت هبا‬
‫‪ .‬أه‬
‫وكان للشيخ رمحه هللا عند األمني الشنقيطي مكانة وقدر يبينها ما قاله الشيخ نفسه ‪ ،‬حيث قال ‪:‬‬
‫ملا خترجت من الكلية عينت قاضيا ِف وادي الدواسر فذهب الشيخ الشنقيطي للشيخ دمحم بن‬
‫إبراهيم وقال له ‪ :‬هذا ال ميكن أن يعني ِف القضاء بل ِف التدريس ملا يظهر منه من أهلية هلذا‬
‫وبروز ِف التدريس ‪ ،‬والشيخ دمحم بن إبراهيم إذا عني أحدا ِف القضاء ال ميكن أن يرتاجع أبدا مهما‬
‫حصل ‪ ،‬ولكنه كان جيل الشيخ الشنقيطي وحيرتمه جدا ‪.‬‬

‫وكان من أتثر الشيخ محود بشيخه الشنقيطي رمحهما هللا ما عرب عنه بقوله ‪:‬‬
‫الشيخ دمحم هو شيخي وإمامي ِف كل شيئ ‪ ،‬وكان من خرية العلماء علما وورعا وزهدا رمحه هللا‬
‫وغفر له وكان يعاملين مثل أوالده ويعتربين ولدا له ‪ .‬إه‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )1‬األحقاف آية ‪4٧‬‬
‫(‪ - )٧‬وقد تتبعت اآلايت ِف كتاب هللا اليت ذكر فيها موسى ودمحم ومل يذكر عيسى عليهم الصالة والسالم فوجدهتا ِف‬
‫‪ :‬سورة األنعام آية ‪ 24‬وآية ‪ ، 451‬وسورة القصص آية ‪ ، 1٧‬و سورة هود آية ‪ ، 41‬وسورة األحقاف آية ‪ 49‬وآية‬
‫‪ ، 4٧‬وِف صحيح البخاري رمحه هللا ِف حديث ورقه بن نوفل حيث قال ‪ :‬بخ بخ هذا الناموس الذي كان أييت موسى‬
‫اي ليتين أكون فيها جذعا ) احلديث ‪ .‬ومل أيت ذكر ِف هذه املواضع لعيسى عليه السالم ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫التحاقه ابملعهد وكلية الشريعة ‪:‬‬
‫وملا افتتح املعهد العلمي التحق به رمحه هللا تعاىل وكان سنة ‪4414‬ه يقول الشيخ رمحه هللا ‪ :‬كان‬
‫املعهد مرحلة اثنوية ومتوسطة ومتهيدي ‪ ،‬والتمهيدي تعادل اخلامسة والسادسة االبتدائيتني ‪ ،‬مث‬
‫الكلية أربع سنوات ‪ ،‬وعلى حسب مستوى التحصيل يصنف الطالب إما ِف األوىل أو الثانية أو‬
‫الثالثة حسب تقومي اللجنة وأان صنفت ِف الثانية الثانوي ‪ ،‬وبعد أن درست عشرة أايم تقريبا نقلت‬
‫أبمر من مدير املعهد إىل الثالث ‪ ،‬وذلك عام ‪4414‬ه‬

‫مشاخيه ‪:‬‬
‫وقرأ الشيخ رمحه هللا ِف املعهد وكلية الشريعة وغريمها على يدي أكابر العلماء غري من سبق ‪ ،‬منهم‬
‫الشيخ عبدالعزيز بن ابز رمحه هللا درسه ِف التوحيد واحلديث‪ ،‬والشيخ عبدالرمحن اإلفريقي رمحه هللا‬
‫ِف احلديث أيضا ‪ ،‬والشيخ عبدالعزيز الرشيد ِف الفقه ‪ ،‬وفضيلة الشيخ سعود بن رشود قاض ِف‬
‫حمكمة الرايض ‪ ،‬والشيخ إبراهيم بن سليمان ‪ ،‬والشيخ عبدهللا اخلليفي ‪ ،‬واألستاذ محد اجلاسر ِف‬
‫اإلنشاء واإلمالء ‪ ،‬ومن أهل مصر ِف النحو والبالغة منهم الشيخ يوسف عمر حسنني والشيخ‬
‫عبداللطيف سرحان والشيخ يوسف الضبع وغريهم رمحهم هللا مجيعا ‪.‬‬

‫بعد خترجه من كلية الشريعة ‪:‬‬


‫وملا خترج من كلية الشريعة عني قاضيا ِف وادي الدواسر مث الغي ذلك التعيني بشفاعة الشيخ دمحم‬
‫األمني الشنقيطي رمحه هللا كما سبق ذكره ‪ ،‬فعني مدرسا ِف املعهد العلمي ملدة سنة واحدة وذلك‬
‫عام ‪ 4411‬ه مث انتقل إىل الكلية بعدها عام ‪4411‬ه وبقي فيها أربعني عاما يدرس فيها حىت‬
‫سنة ‪41٧1‬ه وترقى خالهلا حىت وصل إىل درجة أستاذ ‪ ،‬وقد درس فيها مجيع املواد اليت كانت‬
‫تدرس ِف املعهد والكلية كالتوحيد والفقه والفرائض واحلديث واألصول والبالغة والنحو كلها درسها‬
‫رمحه هللا ‪.‬‬

‫ميوله لتدريس اللغة العربية ‪:‬‬


‫وكان رمحه هللا يهوى أن يدرس ِف كلية اللغة العربية فقد قرأ كثريا من أبواهبا على الشيخ دمحم األمني‬
‫الشنقيطي والشيخ دمحم بن إبراهيم ومحد اجلاسر وغريهم ‪ ،‬فقرأ ِف األدب النحو والصرف‬
‫واالشتقاق والبالغة والبديع واإلنشاء واإلمالء وغريها ‪ ..‬فكان رمحه هللا يقول ‪:‬‬

‫‪39‬‬
‫ملا كنت طالبا كنت مهتما ِف اللغة العربية من حنو وصرف وبالغة ‪ ،‬وكنت عازما على أن أدرس‬
‫اللغة وكنت أظن أنين لو درست غريها فشلت وأن فين اخلاص هو اللغة العربية ولكن ملا خترجت‬
‫قالوا إن اللغة يدرسها من خترج من كلية اللغة وأنت ما عندك ختصص فرفضوا أن أدرس اللغة ‪،‬‬
‫وكان يل اهتمام ابلشعر اجلاهلي على وجه اخلصوص وكنت أحفظ كثريا من الشعر اجلاهلي (‪،)2‬‬
‫وكنت مولعا به ‪ ،‬من ذلك معلقة امرئ القيس وعمرو بن كلثوم ‪ ،‬والمية العرب للشنفرى والمية‬
‫العجم للطغرائي وحوليتني من حوليات زهري القافية اليت مدح فيها اهلرم بن سنان والكافية ‪ .‬إه‬
‫وقد حدثين الشيخ عبدهللا بن حسني أابخليل حفظه هللا فقال ‪ :‬كنا ِف رابط الشيخ دمحم بن إبراهيم‬
‫رمحه هللا وملا جاءان الشيخ محود من ( الشقة ) تعجبنا من إتقانه اللغة العربية ‪ .‬وكان عمر الشيخ‬
‫آن ذاك عشرين سنة كما ذكران ‪.‬‬
‫وملا سئل رمحه هللا عن كتابته للشعر قال ‪ :‬كتبت القليل من الفصيح والنبطي ‪.‬‬

‫اهتمامه بطالبه ‪:‬‬


‫كان الشيخ رمحه هللا يتفقد طالبه ويسأل عنهم وعن أحواهلم ويواسيهم ‪ ،‬فإذا تغيب أحدهم حبث‬
‫عن هاتفه حىت جيده مث يتصل به ويسأله عن حاله وسبب تغيبه ‪ ،‬فإن كان مريضا عاده وزاره ودعا‬
‫له ‪ ،‬وإن كان لسبب من األسباب حثه على املبادرة واالجتهاد ‪.‬‬
‫وكان الشيخ رمحه هللا حيرص أن يتخرج الطالب على يديه متقنا ضابطا ‪ ،‬طلب منه أحد الطلبة‬
‫منه أن يقرأ عليه إحدى املواد فوافق ‪ ،‬وملا جاء الطالب ِف املوعد احملدد وقرأ البسملة واحلمدلة قال‬
‫له الشيخ قف ‪ ،‬مث قال ‪ :‬الطالب ال ينقطع حضورهم عندي ‪ ،‬فإما االستمرار وإما من اآلن ‪،‬‬
‫فقال الطالب ‪ :‬االستمرار اي شيخ ‪ ،‬فكان هذا األخ حيدث قائال ‪ :‬منذ تلك املقولة من الشيخ‬
‫وأان مل أنقطع عن الدروس والعلم فرمحه هللا (‪. )4٧‬‬
‫وكان من حرصه عليهم أنه كان يدرس لبعضهم بعض مواد الدراسة النظامية إذا كان عندهم‬
‫امتحاانت فيها ‪ ،‬بل يسأهلم حىت عن أسئلة االمتحاانت ونتائجها ‪.‬‬
‫وكان رمحه هللا يطلب بطريقة لطيفة من بعض تالمذته أن يبحثوا بعض املسائل لكي يتدربوا على‬
‫طريقة البحث ‪ ،‬وكان يناقشهم على تلك البحوث رمحه هللا فإما أن يصحح هلم أو يوافقهم‪.‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )2‬يقول املثىن ابن الشيخ محود ‪ :‬كان والدي الشيخ محود معجب كثريا هبذا البيت لبشار ابن برد‬
‫إذا أنت مل تشرب مرار على القذى ظمئت ‪ ....‬وأي الناس تصفو مشاربه‬
‫(‪ )4٧‬كان أييت عند الشيخ رمحه هللا شاب مصري يقرأ عليه القرآن بقراءة ورش أو قالون عن انفع‪ ،‬وللشيخ فيها سند ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫وكان رمحه هللا ِف حلقة الدرس يسأل عن مسائل الدرس السابق ويطلب من الطلبة ِف النحو‬
‫إعراب اآلايت القرآنية واألبيات الشعرية والشواهد العربية ‪ ،‬بل ويطالبهم أحياان أن حيفظوا بعض‬
‫أشعار العرب ‪.‬‬
‫وكان رمحه هللا يدرس تالمذته أحياان ِف اليوم الشديد احلر حىت ترى ِف وجهه رمحه هللا تصبب‬
‫العرق ومع ذلك يصرب ويتحمل ‪ ،‬بل كان حيتاج إىل النوم و ترى التعب ابداي على وجهه رمحه هللا‬
‫ومل يكن ليعتذر عن الدرس ‪ ،‬فكان بعض طلبته يقولون له ‪ :‬لعلنا نرجئ درسنا لليوم التايل اي شيخ‬
‫جئت من بعيد ‪.‬‬
‫‪ ،‬فيقول ‪ :‬اقرأ فقد َ‬
‫وهذه قصة سردها أحد طلبة الشيخ ‪ ،‬يقول فيها (‪: )44‬كان أحد االخوة قد دعا الشيخ لوليمة‬
‫ِف مزرعته بعد صالة العشاء وكان ِف الوليمة جمموعة من املشايخ وطلبه العلم وانشغل صاحب‬
‫الوليمة فلم يستطيع إحضار الشيخ للمزرعة فكلمنا لنحضر الشيخ ‪ ..‬فذهبت إىل مزرعة الشيخ‬
‫وكما هو معروف أن مزرعة الشيخ خارج مدينة بريدة وتبعد حوايل ثالثني كيلو أو تزيد‪ ..‬وقدر هللا‬
‫قبل هذه الوليمة أبايم أن يطمس بعض األطفال حروف لوحة سياريت فلما ذهبت للشيخ كان‬
‫هناك نقطة تفتيش فانتبه العسكري للوحة املطموسة فحرر يل خمالفة و قام ابحتجاز السيارة ونقلها‬
‫إىل حجز السيارات الذي يبعد عن مزرعة الشيخ أربعني كيلو تقريبا ‪ ..‬حاولت أن أفهمهم أين‬
‫مرتبط مع أحد املشايخ و أين سوف أقوم بتعديل اللوحات وان املسالة ال تستدعي حجز السيارة‬
‫‪..‬ولكن لقد أمسعت لو انديت حياً ‪ ..‬فلما وصلنا للحجز وضعوا السيارة ِف مكان حجز‬
‫السيارات مث قالوا ‪ :‬انصرف ‪ ..‬دبر حالك ‪ ..‬؟؟؟ ختيلوا أيها األحباب رجال األمن حيجزون‬
‫سيارة مواطن ِف إحدى الطرق البعيدة عن املدينة وِف مكان مقطوع ويقولون ‪ :‬دبر حالك‬
‫!! الشاهد ‪ ..‬أتخر علي الوقت والشيخ ينتظر و أتخرت على صاحب العزمية ‪ ..‬ويسر هللا يل‬
‫سائق أجرة فركبت معه وذهبنا مباشرة ملزرعة الشيخ فلما وصلت طرقت الباب فخرج يل الشيخ –‬
‫رمحه هللا – فقال يل ‪ :‬ملاذا أتخرت ؟ فأخربت الشيخ مبا حدث ‪ ..‬فما كان من الشيخ –رمحه‬
‫هللا – إال أن أدخل يده ِف جيبه واخرج من جيبه النقود وقال ‪ :‬خذ أعطى احلساب لسائق األجرة‬
‫‪ ..‬قلت ‪ :‬اي شيخ ال ‪ ..‬عفا هللا عنك ‪ ..‬فأقسم الشيخ فما كان إال أن قبلت بعد أن أ قسم‬
‫الشيخ ‪ ..‬مث طلب الشيخ من سائقه أن جيهز السيارة وقال يل ‪ :‬اركب معنا ‪ ..‬وِف الطريق‬
‫متتعت حبديث الشيخ وعلمه وكالمه الذي يقطر كالعسل ‪ ..‬فلما اقرتبنا من بريدة قال لسائقه ‪:‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ -)44‬على هذا العنوان ‪:‬‬
‫‪mch.41/9fii.Ghc/aftfcmfm/mhooi/mccw://ppp.tf‬‬

‫‪41‬‬
‫اذهب إىل إدارة مرور بريدة ‪ !!!..‬قلت ‪ :‬اي شيخ عفا هللا عنك ملاذا ؟ قال ‪ :‬حىت خنرج سيارتك‬
‫‪ ..‬فقلت له ‪ :‬لكن االخوة ينتظروننا واملشايخ موجودين ‪ ..‬فقال ‪ :‬أنت تعبت وأتيت من أجلي‬
‫فلذلك سأذهب ولن خنرج من عندهم إال ومعك سيارتك ‪ ..‬أصابين إحراج شديد ‪...‬و تلعثم‬
‫لساين ‪ ..‬حينها أخذت انظر للشيخ واستغرب ‪ ..‬مث فكرت وتذكرت االخوة واملشايخ الذين‬
‫ينتظرون الشيخ – رمحه هللا ‪ . -‬وبعد جهد جهيد ‪..‬أقنعت الشيخ أنين سوف أراجعهم وإذا‬
‫أشكل علي شيء سوف ارجع له ‪ ..‬فوافق الشيخ هبذا الشرط ‪..‬‬

‫تالمذته ‪:‬‬
‫قرأ على الشيخ رمحه هللا أفواج من الطالب ‪ ،‬فقد كان يدرس ِف اجلامعة وغريها أربعني سنة وخترج‬
‫على يديه مجلة من العلماء واملصلحني منهم فضيلة الشيخ علي بن خضري اخلضري وقد الزمه‬
‫لسنوات عدة وكان الشيخ رمحه هللا يثين عليه كثريا وجيله ويقدره وحيثنا على التتلمذ عليه واالستفادة‬
‫من علمه ‪ ،‬والشيخ عبدهللا الغنيمان ‪ ،‬والشيخ سلمان بن فهد العودة قرأ عليه ِف النحو ‪ ،‬والشيخ‬
‫عبدالعزيز بن صاحل اجلوعي ‪ ،‬ومن هيئة كبار العلماء املفيت العام عبدالعزيز آل الشيخ ‪ ،‬والشيخ‬
‫صاحل الفوزان ‪ ،‬وقد درس عليه الشيخ دمحم بن عثيمني رمحه هللا والشيخ صاحل اللحيدان دروسا‬
‫إضافية ِف كلية الشريعة ِف الرايض ‪.‬‬
‫وتتلمذ عليه أيضا بعض الوزراء ِف الدولة كوزير العدل عبدهللا بن دمحم بن إبراهيم ‪ ،‬ووزير الشؤون‬
‫اإلسالمية سابقا عبدهللا بن تركي ‪ ،‬ومن القضاة ‪ :‬فضيلة الشيخ عبدالرمحن بن عبدهللا العجالن‬
‫رئيس حماكم منطقة القصيم سابقا ‪ ،‬وقاضي متييز عبدالرمحن بن صاحل اجلرب ‪ ،‬وقاضي متييز‬
‫عبدالرمحن بن سليمان اجلارهللا ‪ ،‬و قاضي متييز عبدالرمحن بن عبدالعزيز ِ‬
‫الكليِة ‪ ،‬وقاضي متييز‬
‫عبدالرمحن بن غيث ‪ ،‬ورئيس حماكم الرايض سليمان بن مهنا ‪ ،‬ووكيل وزارة العدل محد بن فراين ‪،‬‬
‫ووكيل وزارة الداخلية إبراهيم بن داود ‪ ،‬ورئيس العام هليئات األمر ابملعروف والنهي عن املنكر‬
‫عبدالعزيز بن عبدالرمحن السعيد ‪ ،‬ورئيس هيئة التحقيق واالدعاء العام دمحم بن مهوس ‪.‬‬
‫وممن أشرف على رسائلهم العلمية سواء ِف الدكتوراه أو املاجستري ‪ :‬رئيس حمكمة البكريية الدكتور‬
‫عبدهللا الدخيل ‪ ،‬و الدكتور دمحم بن عبدهللا السكاكر ‪ ،‬والدكتور عبدهللا بن صاحل املشيقح ‪،‬‬
‫والدكتور عبدهللا بن سليمان اجلاسر ‪ ،‬والدكتور صاحل بن عبدالرمحن احمليميد ‪ ،‬والدكتور دمحم بن‬
‫الحم ‪ ،‬والدكتور عبدالعزيز بن صاحل اجلوعي ‪ ،‬والدكتور انصر السعوي ‪ ،‬والدكتور خليفة اخلليفة ‪،‬‬
‫والدكتور إبراهيم بن دمحم الدوسري ‪ ،‬والدكتور يوسف القاضي ‪ ،‬وغريهم كثري ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫وكان الشيخ رمحه هللا تعرض عليه بعض الرسائل واملؤلفات لبعض املدرسني من قبل اجلامعة لقبول‬
‫ترقيهم ِف سلك التدريس فكان يقبل بعضها ويرد البعض اآلخر فمما عرض عليه ‪:‬‬
‫الشيخ دمحم بن عثيمني رمحه هللا عن طريق جامعة اإلمام دمحم بن سعود اإلسالمية ‪ ،‬عرضت عليه‬
‫بعض رسائله ِف العقيدة ‪ ،‬و منهم أيضا الشيخ عبدالقادر شيبة احلمد وأبو بكر اجلزائري ودمحم‬
‫أمان اجلامي الصومايل(‪ )49‬وربيع بن هادي مدخلي وغريهم ‪.‬‬

‫مؤلفاته ‪:‬‬
‫للشيخ رمحه هللا حبوث ومؤلفات ورسائل وردود وفتاوى عدة ‪ ،‬منها ما فقده الشيخ ومنها ما‬
‫احتفظ به مث نشره ‪ ،‬فمن ذلك ‪:‬‬
‫كتاب اإلمامة العظمى وهو حبث كتبه لنيل درجة أستاذ كرسي ِف جامعة اإلمام دمحم بن سعود‬
‫ونشر ِف جملة اجلامعة ِف عددها الصادر سنة ‪ 41٧٧‬ه ‪ ،‬وكتاب القول املختار ِف حكم‬
‫االستعانة ابلكفار ‪ ،‬والرباهني املتظاهرة ِف حتمية اإلميان ابهلل والدار اآلخرة ‪ ،‬وكتاب خمتصر‬
‫العقيدة ‪ ،‬وشرح جزءا من بلوغ املرام وهو مما افتقده أيضا ‪ ،‬وشارك ِف أتليف كتاب تسهيل‬
‫الوصول إىل علم األصول املقرر ِف اجلامعة اإلسالمية ‪ ،‬ورد على الشيخ هراس ِف شرحه األول‬
‫على الواسطية وقد فقده كتبه على حلقات ِف صحيفة تعرف آن ذاك بصحيفة القصيم ‪)44(.‬‬
‫وله شرح على كتاب التوحيد وشرح على التدمرية وشرح على احلموية وشرح على الواسطية وشرح‬
‫على منت الطحاوية وتعليق على ألفية بن مالك وشرح لآلجرومية وعلق على شرحها للعشماوي ‪،‬‬
‫وتعليق على كتاب السنة لعبدهللا بن اإلمام امحد(‪ ، )41‬وتعليق على حائية ابن أيب داود وشرحها‬
‫للسفاريين ‪ ،‬وتعليق على اقتضاءالصراط املستقيم وعلى جزء كبري من الصارم املسلول البن تيمية ‪،‬‬
‫وتعليق على سبل السالم ‪ ،‬وشرح سلم األخضري ِف املنطق (‪، )45‬‬

‫____________________________________‬
‫(‪ )49‬يقول الشيخ فيصل احلازمي ‪ :‬مسعت شيخنا محود العقال الشعييب يُثين وحيض عليه ‪..‬وكان أحد املحكمني‬
‫ُ‬
‫واملجيزين له ِف اجلامعة اإلسالميَّة ( يتحدث عن كتاابلصفات اإلهلية ِف الكتاب والسنة للشيخ دمحم أمان اجلامي رمحه‬
‫ُ‬
‫هللا ‪.‬‬
‫(‪ )44‬أنظر ص ‪. 5٧4‬‬
‫(‪ )41‬يقول الشيخ عبد الرمحن اجلفن ‪ :‬قرأت على الشيخ محود العقالء رمحه هللا كتاب السنة لعبدهللا بن اإلمام أمحد ‪،‬‬
‫ملا جاء فصل الكالم على أيب حنيفة قال اقفزه تلك أمة قد خلت ‪..‬‬
‫(‪ - )45‬شرحها لبعض الطالب وهم غري معروفني وقد سأل عنهم الشيخ رمحه هللا كثريا ‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫وجزء من شرح السنة للربهباري وغري ذلك ‪ ،‬وله رسائل وحبوث وردود وفتاوى من ضمنها رسالة‬
‫عن حكم اخلالف ِف أصول اإلميان (‪ ، )41‬ورسالة ِف التصوير ورسالة ِف األعياد البدعية ورسالة‬
‫ِف احلكم بغري ما أنزل هللا ‪ ،‬ورسالة ِف تعريف اإلرهاب وحقيقته ‪ ،‬وفتوى ِف حكم استئذان‬
‫الوالدين ِف اجلهاد ‪ ،‬وفتوى ألحداث أمريكا ‪ ،‬وفتوى عن شرعية حكومة طالبان واجلهاد معها‬
‫ضد حتالف الشمال ‪ .‬وبيان لضالالت حسن فرحان املالكي ‪،‬ورد على خالد العنربي ‪ ،‬ورد على‬
‫وزير الشؤون اإلسالمية صاحل آل الشيخ ِف منعه القنوت‪ ،‬ورسالة للدكتور حمسن العواجي عن‬
‫ضالالت موقعه ِف اإلنرتنت(‪ )41‬املسمى ابلوسطية ‪ ،‬وفتوى ِف تكفري تركي احلمد ‪ ،‬وفتوى ِف‬
‫تكفري املغين عبدهللا رويشد ‪ ،‬وأجوبة عن رسائل وصلته من بعض البلدان ‪ ،‬وغريها كثري يصل عدد‬
‫الفتاوى املدعمة ابلبحث العلمي قريبا من األربعني فتوى ‪ ،‬أما ما ختص أحوال املسلمني فكتب‬
‫رمحه هللا عشرات الفتاوى بعضها منشور ِف موقعه ِف اإلنرتنت ‪ ،‬وقد كلفه مفيت الداير السعودية‬
‫الشيخ دمحم بن إبراهيم رمحه هللا للفتوى والواعظ واإلرشاد ِف احلرم أايم احلج لثالث أو أربع سنوات‬
‫‪ .‬وقد انتهج الشيخ رمحه هللا تعاىل ِف كتبه وردوده وغالب فتاواه منهج البحث والتفصيل ‪ ،‬فتجده‬
‫رمحه هللا ال يكتفي ِف فتواه أو رده على القول جمردا عن األدلة والرباهني بل جتد الفتوى تصل إىل‬
‫عشر ورقات بل إىل مخس عشرة ورقة أو تزيد ‪ ،‬وجتدها مدعمة ابلكتاب والسنة مع عرض أقوال‬
‫أهل العلم وخالفهم مع ترجيحه ما يراه صوااب ‪ ،‬ومثل هذا املنهج للشيخ ِف عرض الفتوى شبيه‬
‫بطريقة شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا ِف فتاويه ‪ ،‬ومع جرأة شيخنا رمحه هللا ومع سلوكه هذا‬
‫املنهج ومع توفيق هللا قبل ذلك رأينا كيف راجت فتاويه ِف مجيع أحناء العامل العريب فضال عن‬
‫اإلسالمي ‪.‬‬

‫قوته يف احلق ورابطة جأشه ‪:‬‬


‫ليس سرا أن نقول إن الشيخ رمحه هللا سجن سنة ‪ 4141‬ه ألكثر من أربعني يوما ومنع من‬
‫اإلفتاء عدة مرات ومع ذلك مل يقف عن قول ما يعتقده حقا يدين هللا به ‪ ،‬بل كان كثريا ما يردد‬

‫____________________________________‬
‫(‪ – )41‬مقال كتبه ِف جملة أضواء الشريعة الصادرة من كلية الشريعة ِف الرايض ِف عددها األول سنة ‪44٧2‬ه ‪ ،‬وقد‬
‫تكلم فيه رمحه هللا عن تعريف اإلميان عند أهل السنة وعند أهل البدع وانقش احنراف املبتدعة فيه نقاشا شرعيا وعقليا‬
‫وذكر أثر اخلالف فيه ‪.‬‬
‫(‪.htm44https://www.saaid.net/Warathah/hmood/h -)41‬‬

‫‪44‬‬
‫عند منعه من اإلفتاء قول هللا تعاىل ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات واهلدى من بعد ما‬
‫بيناه للناس ِف الكتاب أولئك يلعنهم هللا ويلعنهم الالعنون ) وقول رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬من سئل‬
‫عن علم فكتمه أجلمه هللا بلجام من انر يوم القيامة ) ‪ ،‬وكان كثريا ما حيث املشايخ وأهل العلم‬
‫أبن يقولوا ما يعتقدوه دينا يدينون هللا به ولو أصاهبم شيء من األذى حىت ال يلعنوا كما لعن الذين‬
‫من قبلهم ‪.‬‬
‫وقد عرف عن الشيخ رمحه هللا منذ صغره بقوته وصالبة قلبه ورابطة جأشه فلم يكن للخوف‬
‫مكان ِف صدره إال من هللا سبحانه ‪ ،‬حكى لنا الشيخ مرة أنه حدث له قدميا ِف إحدى الليايل أن‬
‫أزعجته بعض الكالب ِف نباحها فلم يستطع النوم فأخذ البندقية ( الشوزن ) ذات الطلقة الواحدة‬
‫وخرج على الكالب فوجه البندقية صوهبا فأطلق النار عليها حىت قتل بعضها والشيخ ال يبصر ‪.‬‬
‫وحكى لنا ابنه عزيز حفظه هللا أن الشيخ رمحه هللا ملا كان صغريا كان يدخل يده ِف جحر الضب‬
‫مع فقده بصره ‪ ،‬فكان يتلمس العقرب بيده فيدفع إبرهتا أبصبعه مرة ومرتني ومع ذلك ال خيافها ‪.‬‬
‫ومن رابطة جأشه رمحه هللا ما حدثنا به ابن الشيخ املثىن حيث قال ‪ :‬كنت خلف والدي ِف املزرعة‬
‫فرأيت ثعبان تتجه حنو الشيخ رمحه هللا فصحت به ‪ :‬الثعبان ‪ ،‬فقال يل ‪ :‬ال تتحرك ‪ ،‬وثبت ِف‬
‫مكانه ومرت من بني رجليه ومل تصبه أبذى ‪.‬‬
‫وكانت له ِف صغره بعض املواقف والطرائف ال يسع اجملال لذكرها ‪ ،‬فكان رمحه هللا من األفذاذ‬
‫مثل ذلك التاريخ جدير بعد هللا أبن خيرج لنا أحد األبطال‬ ‫قليلي املثل ِف هذه األزمان‪ ،‬وكان َ‬
‫الذين لن ينساهم التاريخ ‪ ،‬وقد كانت له صوالت وجوالت يعرفها القريب والبعيد ‪.‬‬
‫اتصل رمحه هللا ببعض من يتحدث ِف إحدى اإلذاعات فقال له بعد السالم ‪ :‬اعلم اي أخي أن‬
‫من يستمع إليك تعدادهم يصل إىل املاليني ‪ ،‬وأنت من خالل حديثك إليهم تضع عقلك ‪ ،‬وال‬
‫خيفاك أن من يستمع إليك من مجيع الطبقات والفئات ‪ ،‬فهناك العامل واملثقف والطبيب والرجال‬
‫والنساء حىت األطفال ‪ ،‬وال خيفاك أيضا أن كثريا من هؤالء يفهمون العبارة وما بني السطور مهما‬
‫غريت احلقائق أو أخفيت ‪ ،‬فالناس اآلن ليسوا كما يعتقد البعض أهنم من السذاجة ما جيعل‬
‫البعض خيفي عليهم أو يبدل ِف بعض األمور ‪ ،‬فأنت حينما تعرض عليهم ما عندك خمري بني‬
‫أمرين ال اثلث هلما ‪ :‬إما أن تقول احلق وترتك اللف والدوران ‪ ،‬أو أن تعتذر عن اإلجابة ‪ ..‬هذه‬
‫نصيحة من أخ انصح ‪ .‬أه‬
‫وله فتاوى تدل على ذلك منتشرة معروفة وما فتواه عن أحداث أمريكا وشرعية القتال مع حكومة‬
‫طالبان إال صورة مقربة مما نقول وكان الناس على مثل تلك الفتاوى عياال عليه رمحه هللا ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫تقول مي ابنته يف رسالتها عن حياة والدها رمحه هللا ‪:‬‬
‫‪ ..‬وجاءت احلرب الصليبية اجلديدة على اإلسالم ابتداءاً أبفغانستان فتشرف الشيخ أبن كان أول‬
‫من خط سوداء ِف بيضاء ‪ .‬إه ومن املواقف اليت حدثت له رمحه هللا وحدثنا هبا أن كان ِف بداية‬
‫طلبه للعلم خيطب اجلمعة ِف الرايض فمنع من اخلطابة ملخالفته السائد ِف أسلوب اخلطبة ‪.‬‬
‫ومع ذلك كان رمحه هللا تعاىل مؤثرا ِف أسلوبه قواي ِف حجته ال تكاد تكتمل أحرف مناقشه خترج‬
‫من فمه إال وجتد احلجة والدليل ِف مواجهته ‪ ،‬وجتده يتتبع احلق أينما كان وال يرده عن قبوله كونه‬
‫جاء من خمالفه فضال عن موافقه ‪ ،‬وكان جملسه العامر تدور فيه النقاشات واحلوارات وكان احلاضر‬
‫يستمتع ابجمللس لوجود اجلرأة النادرة ‪ ،‬فكان يتعجب من ذهاب اخلوف والرهبة من قلب الشيخ‬
‫رمحه هللا ‪ ،‬ومل يكن يثنيه عن الرد على املخطئ كونه له صداقة معه أو قرابة ‪ ،‬فلم تكن جرأته خلطأ‬
‫دون خطأ ‪ ،‬أو ملنهج ضال دون منهج ‪ ،‬أو لشخصية منهزمة دون أخرى ‪.‬‬
‫فمن جرأته رمحه هللا ملا انقشه أحد احلضور عما حدث ألمريكا وخمالفته لذلك الفعل أجابه الشيخ‬
‫ورد على تلك الشبه إبجابة خمتصرة فأحاله على فتواه املشهورة ِف ذلك وملا أكثر ِف اجلدال ‪،‬‬
‫وكان رمحه هللا أثناء نقاشه أيكل مترات رمى ما بيده من نوى وقال له امسع اي أخي ‪ :‬حنن ال نريد‬
‫أن يبقى يف أمريكا وال طوبة ‪ ..‬وكان جملسه ذلك رمحه هللا عامرا ابحلضور ‪.‬‬

‫مبايعة املل فيصل بن عبدالعزيز‪)4٧( :‬‬


‫وِف سنة ‪ 44٧4‬ه حصل خالف بني امللك سعود وإخوانه‪ ،‬على رأسهم األمري فيصل ويل العهد‪،‬‬
‫وتصدر من ذلك مساحة شيخنا دمحم بن إبراهيم‪ ،‬وكتب لعدد من‬ ‫َّ‬ ‫فتدخل املشايخ ابملوضوع ‪،‬‬
‫إيل من مساحته بتاريخ‪ 44٧4/٧/9:‬ه ‪ ،‬وقد‬ ‫املشايخ للحضور إليه‪ ،‬ومن ضمنهم كتاب ورد َّ‬
‫حضران ليلة اخلميس‪ 44٧4/٧/4:‬ه ‪ ،‬ووجدان املوضوع هو النظر ِف اخلالف الواقع بني امللك‬
‫سعود وإخوانه وعلى رأسهم األمري فيصل‪ ،‬وهناك أشياء يعلمها شيخنا أوجبت خلع امللك سعود‪،‬‬
‫وقد أطلَ َعنا عليها بصفة خاصة ال تصلح للنشر‪ ،‬وال ميكنين أن أبوح هبا‪ ،‬وقد نتج عن هذا‬
‫االجتماع وما تاله خلع امللك سعود وتولية فيصل‪ ،‬ملا ثبت عجز سعود عن القيام إبدارة دفَّة‬
‫احلكم‪ ،‬وذلك ِف يوم االثنني املوافق‪4215/44/9:‬م‪ ،‬وقد حضر االجتماع عدد كثري من‬
‫املشايخ‪ ،‬نذكر منهم‪:‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )4٧‬نقلت هذا املوضوع من كتاب ‪ :‬الشيخ العالمة عبدهللا بن عبدالعزيز بن عقيل سريته الذاتية وأهم مراسالته اجلزء‬
‫‪ 4‬ص ‪ 919 - 91٧‬وهو إضافة على ما كتبه الشيخ عبدالرمحن اجلفن حفظه هللا ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫‪ -4‬دمحم بن إبراهيم آل الشيخ‪.‬‬
‫‪ -9‬عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ‪.‬‬
‫‪ -4‬عمر بن حسني آل الشيخ‪.‬‬
‫‪ -1‬عبدالرمحن بن إسحاق آل الشيخ‪.‬‬
‫‪ -5‬عبدالعزيز بن دمحم بن إبراهيم آل الشيخ‪.‬‬
‫‪ -1‬إبراهيم بن دمحم بن إبراهيم آل الشيخ‪.‬‬
‫‪ -1‬عبدالعزيز أبو احلبيب الشثري‪.‬‬
‫‪ -٧‬عبداللطيف بن دمحم آل الشيخ املصري‪.‬‬
‫‪ -2‬انصر بن محد الراشد‪.‬‬
‫‪ -4٧‬عبدهللا بن دهيش‪.‬‬
‫‪ -44‬عبدالعزيز بن رشيد‪.‬‬
‫‪ -49‬عبدهللا بن عبد العزيز بن عقيل‪.‬‬
‫‪ -44‬راشد بن صاحل بن خنني‪.‬‬
‫‪ -41‬دمحم بن عبدهللا بن عودة‪.‬‬
‫‪ -45‬عمر بن عبدالعزيز املرتك‪.‬‬
‫‪ -41‬عبدامللك بن عمر آل الشيخ‪.‬‬
‫‪ -41‬عبدهللا بن سليمان املنيع‪.‬‬
‫‪ -4٧‬دمحم بن إبراهيم البواردي‪.‬‬
‫‪ -42‬صاحل بن دمحم اللحيدان‪.‬‬
‫‪ -9٧‬دمحم بن سليم‪.‬‬
‫‪ -94‬عبدالرمحن بن دمحم بن فارس‪.‬‬
‫‪ -99‬عبدالرمحن بن دمحم بن هوميل‪.‬‬
‫‪ -94‬محد بن فراين‪.‬‬
‫‪ -91‬دمحم بن سليمان البدر‪.‬‬
‫‪ -95‬دمحم بن األمري‪.‬‬
‫‪ -91‬عبدالرمحن بن سعد‪.‬‬
‫‪ -91‬صاحل بن العلي‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫‪ -9٧‬محود العقال‪.‬‬
‫‪ -92‬صاحل التوجيري‪.‬‬

‫فاجتمع هؤالء املشايخ مرات‪ ،‬وتفامهوا مع امللك سعود‪ ،‬لعله يتنازل ألخيه فيصل بطوعه واختياره‪،‬‬
‫فلم جتد تلك املفامهة‪ ،‬وأخريا قرروا خلعه ملا حتقق هلم عجزه‪ ،‬ومبايعة فيصل ملكا على البالد‪،‬‬
‫وعاش امللك سعود بعد ذلك مدة‪ ،‬حيث توِف ِف أثينا ِف اليوانن بتاريخ ‪ 44٧٧/49/1:‬ه ‪،‬‬
‫ونقلت جنازته إىل مكة املكرمة‪ ،‬وصلي عليه ابحلرم املكي يوم االثنني ‪44٧٧/49/1:‬ه حبضور‬
‫امللك فيصل‪ ،‬مث نقل إىل الرايض‪ ،‬ودفن ِف مقربة العود‪.‬‬
‫ذكره ِف ‪ :‬األطلس التارخيي للمملكة‪ ،‬ص‪.94٧‬‬

‫عبادته ‪:‬‬
‫كان الشيخ رمحه هللا تعاىل صاحب عبادة وصالة ‪ ،‬فكان رمحه هللا يقوم من الليل ما يسره هللا له ‪،‬‬
‫تقول مي ابنته ِف رسالتها عن حياته رمحه هللا ‪:‬‬
‫كان رمحه هللا يستيقظ من نومه عند الساعة الثالثة صباحا ويبدأ بقراءة القران إىل أن يؤذن لصالة‬
‫الفجر ‪ .‬أه‬
‫وهذا ما جعل الشيخ رمحه هللا يقول لنا ملا سألناه عن ضبطه للقران ‪ :‬أحفظه مثل الفاحتة ‪.‬‬
‫وقد كان ينهي مراجعته للقران خالل أسبوع واحد ‪ ،‬ومل مينعه عن ورده اليومي منه كثرة مشاغله‬
‫وتدريسه لطالبه ومتابعته لقضااي املسلمني ‪ ،‬وكان يقرأ ورده منه قبل صالة الفجر فإذا غلبه النوم‬
‫عن ذلك قرأه بعد الصالة كما حدثنا بذلك ‪ ،‬بل قال لنا رمحه هللا ‪ :‬ملا كنت ِف السجن ختمت‬
‫القران أربعني مرة ‪ ،‬وكان رمحه هللا سجن قريبا من أربعني يوما ‪.‬‬
‫وكان الشيخ رمحه هللا كرميا شهما وقد عرف ذلك أضيافه ‪ ،‬وكان رمحه هللا صاحب صدقة وإحسان‬
‫‪ ،‬يتعاقبه الفقراء يوما بعد يوم رأيتهم عند اببه نساءا ورجاال صغارا وكبارا ‪ ،‬يسر هبا كما عرفته حىت‬
‫ال يعلم هبا أقرب الناس إليه ‪ ،‬و بعث معي مرة إىل أحد الفقراء بعض املال وقال ‪ :‬إايك أن يعلم به‬
‫أحد ‪ ،‬ومرة قال يل ‪ :‬اشهد أنين ساحمت فالان عن دينه الذي يل عنده وإايك أن خترب أحدا ‪ ،‬لكنه‬
‫رمحه هللا مل يشرتط علي اإلسرار بذلك بعد موته ‪ ،‬وبعث معي مرة بعض املال إىل امرأة تعول‬
‫أطفاال ‪ ،‬وعلمت صدفة أنه كان يواسي بعض طلبة العلم املتفرغني للعلم ببعض األموال ‪ ،‬فجزاه‬
‫هللا خريا كثريا وأخلفه ِف ذلك جنات عدن ‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫الشيخ رمحه هللا وقضااي املسلمني وأخبارهم ‪:‬‬
‫كان الشيخ رمحه هللا يعيش أمس املسلمني و حاضرهم ومستقبلهم ‪ ،‬فكان يتتبع األخبار وجيلس‬
‫األوقات الطويلة لذلك ‪ ،‬ومن حرصه أنه كان يستخدم الراديو بنفسه فيعرف أماكن القنوات‬
‫وأرقامها فكان أيخذ الراديو من يد اجلالس إذا عجز عن إخراج مكان اخلرب فيدله عليه ‪ ،‬بل كان‬
‫رمحه هللا يتعرف على أمهية اخلرب من خالل معرفته ابملذيع ‪.‬‬
‫فكان رمحه هللا الهتمامه بذلك جتد كل أحوال املسلمني عنده وكل جديد األحداث وصله ‪ ،‬فما‬
‫على احلاضر إال أن يسأل الشيخ عن جديد األحداث فيخربه بذلك مع حتليلها وسرب أبعادها‬
‫ومضامينها ‪.‬‬
‫وكان الشيخ رمحه هللا مع ذلك خبريا بتواريخ الوقائع واحلروب والسياسات وكبار الساسة ‪ -‬احلي‬
‫منهم واهلالك ‪ -‬توارخيهم ومواقفهم ‪ ،‬فكان يربط احلدث بتاريخ صاحبه وسوابقه ‪ ،‬وهلذا فمع العلم‬
‫الراسخ وفهم الواقع وأحداثه وجد املسلمون بغيتهم عند الشيخ رمحه هللا ‪.‬‬
‫وكان اهتمامه مبصاحل املسلمني وأحواهلم حىت قبل وفاته رمحه هللا بدقائق ‪ ،‬فقد كان يتحدث رمحه‬
‫هللا حينها عن أحداث أفغانستان وحكومة طالبان وأخبار اجملاهدين وجديد أخبارهم ‪ ،‬وقد ختم له‬
‫إن شاء هللا تعاىل خبري ‪.‬‬
‫وملا كان بعض املشايخ وطلبة العلم ِف السجن كان ال يفرت رمحه هللا عن السؤال عنهم وعن جديد‬
‫أخبارهم ‪ ،‬فكان كثريا ما يدعوا هلم ابلثبات على احلق والصرب جزاه هللا عنا وعنهم كل خري ‪.‬‬
‫وكانت أخبار اإلنرتنت تعرض عليه يوميا فكان جيلس الساعة والساعتني بل أكثر من ذلك ‪،‬‬
‫يستمع لقارئها فال ميل وال يكل ‪ ،‬حىت صار أخرب بتلك الشبكة من املتابعني هلا ‪ ،‬بل كان رمحه‬
‫هللا يعرف بعض من يكتب ِف منتدايت اإلنرتنت وأفكارهم ومناهجهم من خالل االستماع‬
‫ملقاالهتم ‪.‬‬

‫مواقف املخالفني مع الشيخ ‪:‬‬


‫ومع ذلك مل يسلم الشيخ رمحه هللا من ملز بعض املنهزمني واملنتكسني ‪ِ ،‬ف حياته وبعد مماته ممن‬
‫كانوا من أقرب الناس إليه ممن تتلمذوا عليه واستفادوا من علمه وجرأته بل ومواقفه معهم رمحه هللا‬
‫‪ ،‬فلما خالفوا احلق وجد سالطة اللسان وزوال السابقة ‪ ،‬ب ْله األلفاظ الرديئة ‪ ،‬فمرة الشيخ تكفريي‬
‫لس ِم َع لفرائصهم‬
‫‪ ،‬وأخرى ال علم عنده ‪ ،‬واثلثة يغرر به ‪ ،‬ولو أراد أحدهم حضور جملس الشيخ ُ‬
‫قرقعة وفرقعة من خلف الباب خشية ورهبة منه ‪ ،‬وهؤالء ‪ -‬سبحان هللا – مع قلتهم وكون بعضهم‬

‫‪49‬‬
‫ينتسب إىل منهج السلف إال أنك جتدهم من أعق الناس مع السلفيني وأرحم الناس مع خمالفيهم ‪،‬‬
‫ومل يكن هلم مع ذلك مناقشة علمية مع الشيخ رمحه هللا سوى رميه بتلك األلفاظ ‪ ،‬وتلك حجة‬
‫العاجز ‪.‬‬

‫أحواله اخلاصة يف بيته ومزرعته ‪:‬‬


‫الشيخ رمحه هللا مثله مثل غريه من الناس له أحوال وأمور ِف حياته اليومية ‪ ،‬وحاجيات حيتاج فيها‬
‫ملن يقضيها ‪ ،‬فكان رمحه هللا مع فقده لبصره ال ينتظر أن أيت من يقوم هبا حىت ملا كان ِف رابط‬
‫الشيخ دمحم بن إبراهيم رمحه هللا كان خيرج ِف الليل شديد الربودة ‪ ،‬فكان رمحه هللا حيدثنا فيقول ‪:‬‬
‫كنت أخرج ِف الليلة الشاتية من الرابط ألحضر احلطب وأحبث عما يشعلها فأمجعه وأحضره إىل‬
‫البيت وأضع احلطب والقدر عليه حىت أطبخ لنفسي ‪ ،‬وأخرج آليت ابملاء بنفسي ‪ ،‬وكان رمحه هللا‬
‫تعاىل يقود سيارته أحياان ِف بعض طرق مزرعته كما حدثين بذلك ‪ ،‬بل إذا أصاب السيارة بعض‬
‫األعطال يقوم هو بنفسه إلصالحها ‪ ،‬يقول يل ابنه املثىن حفظه هللا ‪ :‬أخذت والدي الشيخ رمحه‬
‫هللا إىل بعض حاجته ليال وملا كنا ِف الطريق أشار إلينا بعض املارة أن ِف السيارة ‪ -‬أسفلها –‬
‫شرارة انر ‪ ،‬فوقفت ونزل الشيخ معي ‪ ،‬يقول ‪ :‬فقلت هذا ( سلك ) متدل ‪ ،‬فاقرتب الشيخ‬
‫أسفل السيارة مث أخذ ابلسلك وتتبعه مث قال ‪ :‬هذا مؤشر السرعة منقطع ‪ ،‬يقول ابن الشيخ ‪:‬‬
‫وفعال بعد الكشف عليها وجد أن كالم الشيخ رمحه هللا ِف حمله ‪ ،‬فكيف عرف الشيخ ذلك ؟‬
‫وكان أيضا رمحه هللا ِف بيته بني أهله وأبناءه يقضي حاجاهتم ِف الغالب وطلباهتم بنفسه مع السائق‬
‫‪ ،‬حىت أبناءه الصغار الذين يسكنون معه ِف البيت معن وإايد وأخواهتما حفظهم هللا كان خيرج‬
‫بنفسه مع السائق ليوصلهم إىل ما يريدون ‪.‬‬
‫طرقت عليه رمحه هللا الباب يوما من األايم ففتح يل فإذا ِف يديه شيئ من األمسنت فقال يل تعال‬
‫معي ‪ :‬فذهبت معه إىل داخل البيت فوجدته رمحه هللا يبين حوضا ملكان الوضوء ‪ ،‬وكأنك ترى‬
‫معي ( خلطة ) األمسنت حوضا من املاء وعليها شيئ من الرتاب كأهنا فعلة أحد املبصرين ‪،‬‬
‫فجلست أنظر إليه وهو يبين ‪ ،‬فقلت له رمحه هللا ‪ :‬أنت من يبين اي شيخ ؟ فقال مازحا‪ :‬وهل‬
‫تظن أنين ال أبصر ؟‬
‫ومرة قال يل تعال معي أريد أن أبين عتبة صغرية على ابب املسجد فقد آذاان الرتاب ِف نزوحه إىل‬
‫الفراش ‪ ،‬فذهبت معه وكان قد جهز األمسنت والرتاب واملاء والبلوك ‪ ،‬فقام ابخللطة على أحسن ما‬
‫يقام هبا حىت بىن رمحه هللا العتبة ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫وجئته رمحه هللا مرة فأدخلين مطبخ البيت فوجدت أدوات السباكة على مغسلة املطبخ فظننت أن‬
‫عامال ِف بيته يصلح شيئا ما ‪ ،‬فقال يل ‪ :‬امسك هذا وأعطاين ( أبو جلمبو ) وقال أدر هذا فقد‬
‫أهنكين ‪ ،‬فكان ( خالط ) املاء تصدأ وأراد تغيريه وقد خلعه من مكانه فكان حياول رمحه هللا أن‬
‫يركب اجلديد ‪ ،‬فلما أردت تركيبه قال انتبه أن تكسره ‪ ،‬فلما بدأت ابإلدارة قال – مازحا ‪ -‬هات‬
‫عنك أخشى أن خترب علينا ( ِسنة ) اخلالط ‪ ،‬فأخذه وداره بنفسه رمحه هللا حىت ركبه ِف مكانه ‪.‬‬
‫شات وملا طرقت الباب وفتح يل قال ‪ :‬احلقين فتبعته كأنين خلف‬ ‫وجئته يوما من األايم ِف يوم ٍ‬
‫مبصر حىت أوقفين على ( سخانة ) دورة املياه وكان رمحه هللا يريد أن يزن حرارة املاء ومل أكن أعلم‬
‫حينها أن للسخانة ميزاانً للحرارة ‪ ،‬قلت له ‪ :‬إيش تعمل اي شيخ ؟ قال أريد أن أزيد من حرارة‬
‫التسخني ‪ ،‬قلت له ‪ :‬وهل هلا ميزان ؟ قال ‪ :‬نعم أنظر هنا ‪ ،‬وأشار إىل أسفل السخانة عند‬
‫املفتاح ‪ ،‬وقال هذه اجلهة تزيد وهذه اجلهة تُنقص ‪ ،‬مث أكمل ما يريده حىت انتهى ‪.‬‬
‫وكان رمحه هللا له جلسته ِف خيمته كل مغرب يشرب القهوة وتقرأ له األخبار كما ذكر سابقا وكان‬
‫بعض أبنائه الكبار يقومون بطهي القهوة فإذا مل يوجد أحدهم قام هبا أخوه دمحم حفظهم هللا فإذا‬
‫غاب طبخها الشيخ بنفسه ‪ ،‬فرتاه يقوم هبا على الطريقة القدمية على طريقة احملماس واحملراك بعد‬
‫أن يوقد ابحلطب بنفسه ‪.‬‬
‫وكان رمحه هللا منضبطا ِف توقيت طعامه وشرابه ‪ ،‬فال يدخل طعاما على طعام ‪ ،‬وال أيكل كل ما‬
‫اشتهاه ‪ ،‬وكان بعض الضيوف أيتونه ِف أوقات مل يكن وقتها وقت طعام فكان يقدم هلم بعض‬
‫الشيء فال يتقدم معهم ‪.‬‬

‫أما مزرعته فكان الشيخ رمحه هللا يقول‪ :‬لقد كنت أعمل مع أيب ِف احلقل مبا أقدر عليه وكنت‬
‫ألقح النخل وأصلح الزرع ‪ ،‬فكان الشيخ رمحه هللا مزارعا متقنا ‪ ،‬وكان يعرف أماكن النخيل‬
‫أبنواعها ِف مزرعته ‪ ،‬فتجده يشري عند حديثه عنها إىل النخلة اليت يريد أن يتكلم عنها فيقول مثال‬
‫‪ :‬خنلة ( السكري ) هذه ‪ -‬ويشري إليها بيده ‪ ، -‬أو ( نبتة عقالء ) هذه ‪ -‬يشري إليها ‪، -‬‬
‫وكنت ملا آيت إليه ويريد أن يذهب إىل املزرعة يسري أمامي دون قائد بني النخيل واألشجار ذات‬
‫األشواك اليت يدفعها بيديه ‪ ،‬وكانت األشواك تصيبه فال يكرتث هلا ‪ ،‬وترى مسري قدميه ظاهرا قد‬
‫أكلت قدميه بعض أعشاب األرض من كثرة مروره ِف ذلك الطريق ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫زرته ِف بيته فقيل هو ِف املزرعة (‪ ،)42‬وكانت بيت الشيخ ِف مزرعته ‪ ،‬فذهبت أحبث عنه فيها‬
‫فجعلت أاندي الشيخ ‪ ..‬فلما أجاب فإذا هو ِف أعلى إحدى النخالت يقوم بتلقيحها ‪ ،‬وكانت‬
‫النخلة على ارتفاع ما يقارب األربعة أمتار وقد صعد إليها دون ما يسميه الفالحون عندان ب (‬
‫الْ َك ْر ) وهو احلبل الذي يُصعد عليه للنخل‪ ،‬والشيخ ِف ذلك الوقت جتاوز السبعني رمحه هللا ‪.‬‬
‫حدثين رمحه هللا قائال ‪ :‬ملا كنت صغريا كان الصغار من أصدقائي يطلبون مين أن أبني ما أصابه‬
‫اللون مما مل يصبه من مثار النخل وكنت حينها قد كف بصري ‪ ،‬فكنت أدخل يدي بني األعذاق‬
‫وأخرج املتلون منها ‪.‬‬

‫أبناؤه رمحه هللا ‪:‬‬


‫للشيخ رمحه هللا ثالث وعشرون ولدا وبنتا ‪ ،‬أحد عشر ابنا واثنيت عشرة ابنة ‪ ،‬فكان رمحه هللا يهتم‬
‫هبم اهتماما ابلغا ‪ِ ،‬ف ملبسهم ومأكلهم وِف أحواهلم اخلاصة ‪ ،‬حىت كان رمحه هللا خيتار هلم أمجل‬
‫األمساء وأحسنها ‪ ،‬فتجد أمساء أبنائه عبدهللا وأديب و عبداحلكيم وعزيز واملثىن وطارق وإبراهيم‬
‫ووليد ولؤي وإايد ومعن ‪ ،‬وحىت بناته رمحه هللا كان يتخري هلن أحسن األمساء وأمجلها بل أكثرهن‬
‫أبمساء الصحابيات ‪ ،‬وله أيضا مخسة أبناء غري هؤالء وقد توفوا ‪ -‬جعلهم هللا ألهلهم من الشفعاء‬
‫‪ ، -‬وهم مسلمة وإايس ويزيد وخالد وأمحد ‪.‬‬
‫وكان رمحه هللا يتابع الصغار منهم ممن يسكن معه ِف بيته ِف الصالة والصيام وغري ذلك ‪ ،‬فكان‬
‫إذا انتهى من صالته قال أحاضر فالن و فالن يعين أبناءه الصغار ؟ وكان يدرسهم بنفسه ‪ ،‬وكان‬
‫مع كرب سنه وفقده بصره يذهب هبم بنفسه إىل املصحات عند احلاجة ‪ ،‬ويتابع معهم العالج ‪،‬‬
‫فرمحه هللا وجزاه عنهم خري اجلزاء ‪.‬‬

‫وفاته رمحه هللا ‪:‬‬


‫توِف فضيلة الشيخ العامل اجملاهد محود بن عقالء الشعييب رمحه هللا وقد الزمته لعدة سنوات ‪ ،‬فكان‬
‫الشيخ املعلم ‪ ،‬واألب احلاين ‪ ،‬واألخ البار ‪ ،‬والصديق الناصح ‪.‬‬
‫كان الشيخ رمحه هللا يعاين من ضعف ِف عضلة القلب وكان يزداد تعبه منها عندما يسمع ابزدايد‬
‫مساوئ املسلمني ‪ِ ،‬ف يوم اجلمعة ِف ‪4199 /44/ 1‬ه سقط رمحه هللا ِف بيته بني أبنائه وأحبابه‬
‫قبل آذان املغرب بدقائق فقد كان عنده الشيخ إبراهيم اجلارهللا وأخو الشيخ دمحم وابنه عزيز‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )42‬والشيخ محود رمحه هللا شرح ُجل متون العقيدة ِف مزرعته على طريق احلائل القدمي ‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫وإبراهيم فأخ َذ إىل املستشفى التخصصي بربيدة ‪ ،‬وقد اتضح أن الشيخ قد أصيب جبلطة ِف قلبه ‪،‬‬
‫فاجتمع حوله قريبا من عشرة أطباء فحاولوا تنشيط قلبه بصعقات الكهرابء ‪ ،‬وملا كانوا جيرون عليه‬
‫ذلك كنت انظر إىل رجليه ويديه رمحه هللا ترتفعان عن مستوى السرير قريبا من نصف مرت من‬
‫شدة الصعق ‪ ،‬وكانوا يعيدون ذلك عليه عدة مرات ‪ ،‬وكان وهو ِف تلك احلالة وهو فاقد لوعيه‬
‫يرفع سبابته بني الفينة واألخرى ‪ ،‬وكان يتحسن قليال مث يرجع إىل حالته وهو فاقد لوعيه ‪ ،‬كل هذا‬
‫من بعد املغرب حىت قريب الساعة العاشرة والنصف ليال ‪ ،‬وملا حتسن قليال أدخل رمحه هللا العناية‬
‫املركزة ‪ ،‬فجلس ساعة ونصف ساعة تقريبا مث توِف رمحه هللا ‪ ،‬مث دخلنا مع فضيلة الشيخ علي‬
‫اخلضري إىل غرفة العناية املركزة لرؤية الشيخ بعد وفاته وقد وجدانه رمحه هللا نظر الوجه مبتسما ‪.‬‬
‫وِف ظهرية يوم السبت جاءت اجلموع لتغسيل الشيخ وتكفينه ‪،‬فدخل فضيلة الشيخ علي اخلضري‬
‫وأخو الشيخ دمحم وابن الشيخ إبراهيم وآخر غريهم وقاموا بتغسيله ‪ ،‬فلما انتهوا من تغسيله دخلنا‬
‫لتقبيله رمحه هللا ‪ ،‬فلما أردان وضعه على النعش وقد ظننا أنه جامد األعضاء رأينا كيف احنىن‬
‫جسمه رمحه هللا كأنه مات تلك اللحظة ‪ ،‬فحمل إىل جامع اخلليج وصلي عليه العصر وتبع‬
‫جنازته من الناس عشرات اآلالف بل قيل إهنم قريب من عشرين ألفاً أو يزيدون ‪ِ ،‬ف مشهد عظيم‬
‫مل يعرف له مثل ِف بالد القصيم ‪ ،‬كما حكا لنا بعض األشياخ الكبار الذين شهدوا جنازته رمحه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫ورأى الناس كثرة اجلالية املسلمة الذين حضروا اجلنازة خاصة من الباكستانيني واهلنود واخلليجيني‬
‫فتذكرت مقولة اإلمام أمحد رمحه هللا تعاىل حني قال لبعض أهل البدع ‪ :‬موعدان يوم اجلنائز ‪ ،‬وقد‬
‫حضر للصالة عليه مجوع من العلماء والدعاة واملخلصني من مجيع أحناء اجلزيرة ومن اخلليج ‪ ،‬حىت‬
‫أبناءه مل يستطيعوا أن يقرتبوا من جنازة والدهم ليشاركوا األمة ِف دفنه من شدة التزاحم عليها ‪ ،‬مث‬
‫وضعت جنازته ليصلي عليها قبل دفنها من مل يصلي عليها ِف املسجد ‪ ،‬فجاءت اجلموع تلو‬
‫اجلموع ابلعشرات بل ابملئات ‪ ،‬وملا أرادوا دفنه رمحه هللا رأى اجلميع دم الشيخ ينزف كأنه الساعة‬
‫توِف وكان قد فتح له الوريد ابألمس ِف املستشفى للقسطرة ‪ ،‬مث دفن رمحه هللا ‪ ،‬وقد تتابع‬
‫املسلمون بعد دفنه للصالة عليه ممن مل يصل عليه منهم قريبا من الشهر بل أكثر ‪ ،‬وفقدت األمة‬
‫مبوته عاملا جماهدا صادعا ابحلق ال خياف ِف هللا لومة الئم ‪ ،‬وما أصدق ما قاله الشاعر فيه ‪:‬‬

‫مات اإلمام وما ماتت مواقفه *** والفكر يبقى رذا ما غابت الصور‬

‫‪53‬‬
‫وقد كتب بعض مرضى القلوب من السفهاء وغريهم ِف الشيخ رمحه هللا بعد وفاته – وقد خافوه ِف‬
‫حياته ‪ِ -‬ف بعض الصحف املنبوذة بعض األكاذيب واالختالقات وتصدى هلم جمموعة من‬
‫املشايخ وطلبة العلم ابلرد والتكذيب ‪ ،‬ففندوا ما قالوه ِف الشيخ وبينوا زيف مقاهلم ‪.‬‬
‫نسأل هللا مبنه وقدرته أن يغفر لوالدان و شيخنا العالمة محود بن عقالء الشعييب وأن جيزل له املثوبة‬
‫وأن يسكنه جنات جتري من حتتها األهنار مع النبيني والصديقني والشهداء والصاحلني وحسن‬
‫أولئك رفيقا ‪ ،‬وأن أيجران ِف مصابنا بفقده وأن خيلف على األمة إبمام صادع ابحلق ال خياف ِف‬
‫هللا لومة الئم ‪ ،‬وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫كتبه ‪ /‬عبدالرمحن بن عبدالعزيز اجلفن‬


‫الطائف‬
‫‪ 4194 / 1 / 41‬ه‬
‫‪mochfia.toh@9٧nfaG‬‬

‫‪54‬‬
‫(ترمجة الشيخ محود بن عقالء يف كتاب روضة الناظرين عن مآثر علماء‬
‫جند وحوادث السنني)‬
‫عدد (‪( )441‬محود العبدهللا العقال) من القصيم‬
‫هو العامل اجلليل واحلرب البحر الفهامة الشيخ محود بن عبد هللا بن دمحم العقال من أسرة الشعييب من‬
‫آل جناح من بين خالد ‪ ،‬ولد هذا العامل ِف الشقة ابلقصيم سنة ‪ 444٧‬ه وتبعد عن بريدة مخسة‬
‫عشر كيالً ونشأ نشأة حسنة برتبية أبوية كرمية‪ ،‬وفقد بصره ِف السادسة من عمره بسبب اجلدري‬
‫وعلى وجهه أاثره وقرأ القرآن وحفظه غيباً وهو ايفع ِف مدرسة العُمري عبد هللا املبارك املنسوبة‬
‫إليه‪ ،‬ألنه املؤسس هلا وملا بلغ الثامنة عشر انتقل إىل الرايض لطلب العلم وذلك سنة ‪ 4451‬ه‬
‫فالزم علماء الرايض ِف جلساهتم‪.‬‬

‫(ومن أبرز مشائخه)‪ :‬مساحة الشيخ دمحم بن إبراهيم مفيت جند وعبداللطيف بن إبراهيم و دمحم بن‬
‫عبد اللطيف كما قرأ على غريهم وجد ِف الطلب واثبر عليه وكان قوي احلفظ سريع الفهم قوي‬
‫الذاكرة جداً وكان مشائخه معجبني بفرط ذكائه ونباهته وملا افتتح معهد الرايض العلمي سنة‬
‫سنة إىل أخرى ‪ ،‬وكان من أساتذته املشهورين ِف املعهد الشيخ‬ ‫‪ 4414‬ه انتظم به وكان يقفز من ٍ‬
‫عبد الرمحن بن عودان و عبد العزيز بن ابز وعبد الرازق عفيفي وعبد العزيز بن رشيد وعبد هللا‬
‫الصاحل اخلليفي وبعد خترجه من املعهد العلمي انتظم ِف كلية الشريعة وخترج منها سنة ‪ 4411‬ه‬
‫من أول فوج وتعني مدرساً ِف املعهد العلمي ابلرايض سنة واحدة مث نقل منه إىل جامعة اإلمام دمحم‬
‫بن سعود ِف القصيم وظل مدرساً ِف كلية الشريعة وأصول الدين إىل سنة ‪ 41٧1‬ه وعندها‬
‫طلب اإلحالة إىل التقاعد نظراً إىل اضطرارهم ملثله فقد تعاقدوا معه مدرساً فيهما وكان يؤم ِف‬
‫مساجد جوامع أوالً ِف الرايض توىل اإلمامة واخلطابة ِف جامع الشميسي من عام ‪ 4412‬ه إىل‬
‫‪ 4414‬ه واشرتك ِف التوعية اإلسالمية وِف مواسم احلج والعمرة كل عام من سنة ‪44٧٧‬ه إىل‬
‫سنة ‪44٧5‬ه وكان خالهلا يدرس ِف املسجد احلرام وحياضر ِف مساجد مكة ويرشد ويفيت ِف‬
‫مواسم احلج والعمرة ‪ ،‬وله مؤلفات كثرية فمنها تسهيل الوصول إىل علم األصول ِف أصول الفقه‬
‫شاركه األستاذ عبد احملسن العباد والشيخ عطية سامل وتدرس اآلن ِف اجلامعة اإلسالمية ابملدينة‬
‫وعنده خمطوطات من أتليفه مل تُطبع حىت االن وأشرف على عشر رسائل للماجستري والدكتوراه ِف‬
‫الفقه وأصول الدين ِف العقائد فهو ابحث ُمعمق ومدرس قدير وواسع اإلطالع ِف فنون عديدة‬
‫وهلذا أوردان له ترمجة كعادتنا فيمن فقد بصره ‪ ،‬أمد هللا ِف عمره ‪ ،‬وله أبناء أربعة وكلهم جامعيون ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫وابجلملة فهو أستاذ اجليل أمضى حوايل أربعني سنة مدرساً ومربياً ألجيال وشارك ِف فكره النري‬
‫وعلمه الغزير ِف كل ما فيه نفع متعدي وخترج على يديه أجيال شغلوا وظائف عالية ِف الدولة وال‬
‫يزال يوايل نشاطه العلمي وفقه هللا وكان مستقيماً ِف دينه وخلقه ‪.‬‬

‫( وأوصافه)‪ :‬طويل القامة أمسر اللون ومتوسط اجلسم على وجهه آاثر اجلدري وله قيمته ووزنه بني‬
‫مواطنيه حفظه هللا أمني ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫( ترمجة الشيخ محود يف كتاب احلنابلة خالل ثالثة عشرة قرن )‬
‫‪ - 14٧1‬محود العقالء (‪)4‬‬
‫‪ 4199-444٧‬ه (‪)9‬‬
‫محود بن عبد هللا بن دمحم العقال (‪)4‬الشعييب ‪ ،‬القصيمي ‪ ،‬النجدي ‪ ،‬الشيخ ‪ ،‬شيخنا بكلية‬
‫الشريعة ‪.‬‬
‫ولد ابلشقة ‪ -‬من القصيم ‪ -‬ونشأ هبا ‪ ،‬وفقد بصره ِف السادسة من عمره (‪ ،)1‬وقرأ القرآن‬
‫وحفظه ‪ ،‬وملا بلغ الثامنة عشرة انتقل إىل الرايض لطلب العلم فأخذ عن الشيخ دمحم بن إبراهيم (‬
‫ت‪ 44٧2‬ه ) ‪ ،‬والشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم (ت‪ 4421‬ه )(‪،)5‬وغريمها‪.‬‬
‫وخترج فيها عام ‪ 4411‬ه‬‫التحق مبعهد الرايض العلمي عام ‪ 4414‬ه ‪ ،‬مث التحق بكلية الشريعة َّ‬
‫تعني مدرساً ِف معهد الرايض العلمي وملدة سنة ‪ ،‬مث انتقل إىل التدريس‬
‫خترج فيها ‪َّ .‬‬
‫من أول فوج َّ‬
‫بكلية الشريعة ابلرايض حىت عام ‪ 41٧٧‬ه ‪ ،‬حيث انتقل إىل كلية الشريعة وأصول الدين ِف‬
‫القصيم(‪ ، )1‬وبقي فيها حىت أحيل للتقاعد ‪.‬‬
‫َّأم املصلني ِف عدد من اجلوامع ِف الرايض ‪ ،‬واشرتك ِف التوعية اإلسالمية ِف مواسم احلج ‪ ،‬وكان‬
‫خالل ذلك يقوم ابلتدريس ِف املسجد احلرام ‪ ،‬ويلقي الكلمات ِف مساجد مكة ‪ ،‬ويرشد ‪ ،‬ويفيت‬
‫‪ ،‬وأَلف ‪ .‬مات بربيدة ‪ ،‬مساء اجلمعة ‪ ،‬الرابع من ذي القعدة ‪ ،‬وصلي عليه بعد صالة العصر من‬
‫يوم السبت ‪ ،‬اخلامس من ذي القعدة ِف مسجد اخلليج (جامع الونيان)(‪. )1‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )4‬ترمجته ِف موسوعة أعالم املكفوفني‪ ، 951:‬روضة الناظرين‪ 9٧/4:‬رقم ‪ ، 441‬موسوعة اتريخ التعليم‪949/1:‬‬
‫رقم ‪ ، 291‬دليل خرجيي جامعة اإلمام دمحم بن سعود اإلسالمية‪ ، 95:‬جريدة اجلزيرة ‪ ،‬يوم األحد ‪1/44/4199‬‬
‫العدد ‪ 4٧1٧1‬ص ‪ ، 4‬جريدة عكاظ ‪ ،‬يوم األحد ‪1/44/4199‬ه العدد ‪ 4924‬ص ‪.1‬‬
‫(‪ )9‬هذا خطأ وقد صرح الشيخ ِف لقائه مع اهلرِف أبنه ولد عام ‪4411‬ه ‪.‬‬
‫(‪ )4‬لقد أخطأ ِف اإلسم والشيخ يقول ِف لقائه أن امسه محود بن عبد هللا بن (عقالء) بن دمحم ‪ ،‬فقد خلط بني دمحم‬
‫وعقالء ‪.‬‬
‫(‪ )1‬جاء ِف ترمجة الشيخ ِف موسوعة أعالم املكفوفني ‪ :‬ص‪ 951‬تعلم طريقة (لغة) برايل قبل عام ‪44٧٧‬ه على يد‬
‫الشيخ صاحل العلي انصر رمحه هللا تعاىل غري أنه تركها لعدم حاجته إليها واعتماده أكثر على القارئ املرافق ‪.‬‬
‫(‪ )5‬يقول الشيخ عبد الرمحن اجلفن ‪ :‬حدثين الشيخ العقالء أهنم كانوا يدرسون على الشيخ عبداللطيف وطالب معه‬
‫الكتاب فقال (عن جابر) فزجره الشيخ وأمر غريه أن يقرأ عنه ‪.‬‬
‫(‪ )1‬كان رئيس قسم العقيدة واملذاهب املعاصرة فيها ‪.‬‬
‫(‪ )1‬وقد أمَّ الناس ِف الصالة عليها الشيخ صاحل الونيان ودفن الشيخ رمحه هللا ِف مقربة املوطأ ‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫يقول الشيخ صاحل الصيخان عن العالمة محود‪:‬‬
‫شيخنا محود رمحه هللا عالمة موسوعي يتقن عدة علوم منها التفسري ‪ -‬وهو حافظ لكتاب هللا ‪-‬‬
‫ومتقن لعلم العقيدة ومعرفة األداين والفرق الضالة‪ ،‬ومتقن للفقه وليس متعصب ملذهب‪ ،‬وينصر‬
‫مايدل عليه الدليل‪ ،‬وله اختيارات عجيبة وله معرفة ابلفقه املقارن‪ ،‬ومتقن ألصول الفقه وقواعده ‪،‬‬
‫وأخربين أبنه درس أصول الفقه على شيخه العالمة دمحم األمني الشنقيطي وقال أبنه خصص له‬
‫درس ِف املنطق‪ ،‬وشيخنا حيب سبل السالم وكان يقرأ عليه وحيب اختيارات الصنعاين والشوكاين‪،‬‬
‫وينصح شيخنا حبفظ كتاب التوحيد ونونية ابن القيم‪ ،‬وكان أحد اإلخوة يقرأ عليه شرح ابن عيسى‬
‫على النونية‪ ،‬وينصح شيخنا حبفظ العقيدة الواسطية ومنظومة حافظ احلكمي ِف العقيدة‪ ،‬ويقول‬
‫أبن أوسع كتاب ِف العقيدة شرح السفاريين ومعارج القبول وينصح به‪ ،‬ويقول فيه أدلة كثرية‬
‫ومهمه‪ ،‬وكان شيخنا يثين على كتاب دمحم أمان اجلامي رمحه هللا تعاىل ِف الصفات املسمى‬
‫ابلصفات األهلية ويقول هو من أحسن الكتب ِف اببه‪.‬‬

‫من مسائل العقيدة ‪:‬‬


‫يقول شيخنا أبن الظل ِف حديث الظل اال ظله خمتلف فيه لكن المانع من أثبت ظَل هلل يليق به‬
‫سبحانه‪ ،‬ويقول أبن حديث الصورة يرجع الضمري فيه هلل ومن قال غري ذلك فهو خمطيء خمالف‬
‫لقول السلف‪ ،‬وقال أبنه يثبت صفة الشمال هلل ولكن هي كاليمني ِف القوة والفضل وميكن التعبري‬
‫عنها ابألخرى او ابليسار‪ ،‬وقال من أنكر وجود اجلنة او النار او اجلن او املالئكة او نزول عيسى‬
‫ابن مرمي او خروج أيجوج ومأجوج او خروج الدجال فهو كافر‪ ،‬ويقول أبن ابن عريب الطائي كافر‬
‫وكذلك احلالج وابن سبعني وابن الفارض‪ ،‬ويكفر غالة الصوفية وشيخنا يكفر الروافض والنصريية‬
‫واألمساعيلية والقاداينية والبهائية والبابية والربيولية‪ ،‬وشيخنا اليعذر ابجلهل ِف الشرك مطلقاً‪،‬‬
‫ويتعجب ممن يقول بذلك ويقول أبنه بعد بلوغ احلجة العذر ألحد ابجلهل ‪،‬وله رد واضح على‬
‫العنربي وغريه ممن روجوا لإلرجاء ‪،‬ويرى ضالل مجاعة التبليغ والجييز اخلروج معهم ‪.‬‬

‫ولشيخنا أختيارات يف الفقه ‪:‬‬


‫ِف الطهارة يرى أن من به حدث دائم يتوضأ مرة واحدة والينتقض وضوئه اال حبدث آخر غري‬
‫حدثه الدائم‪ ،‬ويرى أن املسح على اخلفني الحيدد له وقت للمحتاج من خائف او مضطر‪ ،‬ويرى‬
‫أن غسل اجلمعة واجب لكن الأيمث اتركه لعدم وجود دليل يدل على األمث!‪ِ ،‬وِف الصالة يرى كفر‬

‫‪58‬‬
‫تكاسال ‪،‬ويقول جبواز اجلمع بني الصالتني للحاجة مطلقاً‪ ،‬ويقول جبواز القصر‬
‫ً‬ ‫اترك الصالة‬
‫مادمت مسافر وليس هناك حتديد وقت‪ ،‬ويقول قصر الصالة للمسافر يبدأ من اخلروج من البنيان‪،‬‬
‫والجيوز القصر ِف احلضر‪ ،‬وجيوز اجلمع للمسافر قبل سفره‪ ،‬ومن اختيارات شيخنا محود املتعلقة‬
‫ابلصيام أنه اليرى ان ألقيء يفطر مطلقاً ‪ ،‬ويقول هذا هو اختيار البخاري ويضعف حديث من‬
‫استقاء فقد افطر ‪ ،‬وخيتار أبن احلجامة ال تفطر مطلقاً‪ ،‬ويقول االوىل للصائم أن الحيتجم ألن‬
‫ذلك يضعفه ‪ ،‬ويقول التربع ابلدم كذلك ال يفطر اال اذا أضر ابلصائم ‪ ،‬ويقول أبن قول من قال‬
‫مبنع صيام يوم السبت مطلقاً قول شاذ وحديثه منكر ترده نصوص كثريه ‪ ،‬وقال هو قول حادث‬
‫اليعرف ِف جند أو غريها وكان يستغرب ممن يقول به جدا وهناك أختيارات أخرى(‪. )4‬‬
‫وكان شيخنا محود حيب شيخنا العالمة أبن ابز حبا شديدا ويتعجب منه جدا ‪ ،‬ويقول عنه‬
‫صاحب علم وتوحيد وغرية على الدين وحمب للدعوة وأهلها معني هلم ‪ ،‬ويقول عن شيخنا العالمة‬
‫ابن عثيمني انه فَِقيه عصره ويقول يل احرص على كتبه وفقهه!‪ ،‬وكان خيالف الشيخ ابن عثيمني‬
‫ِف بعض املسائل!‪ ،‬وحيب الشيخ محود التوجيري جدا ويثين عليه وحيب كتبه وينصح بقرأهتا ويقول‬
‫أبنه انصر العقيدة واملدافع عن السنة ‪ ،‬وشيخنا رمحه هللا حيفظ غالب املعلقات ويستشهد هبا ‪،‬‬
‫وكانت تعجبه معلقة عمرو بن كلثوم ملا فيها من الفخر‪ ،‬وتعجبه معلقة طرفة ابن العبد‪ ،‬وحيفظ‬
‫المية العرب للشنفرى‪ ،‬وطلب مين حفظها‪ ،‬وكانت تعجبه جدا قصائد أيب الطيب ‪ ،‬ويقول اتعب‬
‫الناس من بعده وقل من أييت مبثل شعره ‪ ،‬وحيفظ شيخنا مثلث قطرب ويستشهد به ‪ ،‬وطلب مين‬
‫حفظه ‪ ،‬وأان بدأت الدراسة عليه ِف آخر ‪ 41٧2‬للهجرة وتوقفت ِف عام ‪ 4145‬للهجرة ‪،‬‬
‫يتخلل ذلك بعض فرتات انقطاع ‪ ،‬والزمته حوايل ‪1‬سنوات بدون انقطاع!‪ ،‬أيت له يوميا بعد‬
‫العصر أقرأ عليه مث نصلي املغرب معه مث أقرأ عليه حىت صالة العشاء ‪ ،‬قرأت عليه ِف التوحيد‬
‫والعقيدة ِوِف الفقه ِوِف شروح احلديث ِوِف اللغة واألدب ‪ ،‬وأحياان ِف التفسري وكان حيبين جدا‬
‫ويطلب مين حبث بعض املسائل ‪ ،‬وإذا جائت مسألة ِف احلديث او الفقه سألين ما رأيك ‪ ،‬ومرة‬
‫طلب مين ادرس عنه حماضرة ابجلامعة!‪ ،‬وقد قال يل مرة سوف ادخلك مكتبيت وخذ منها ماشئت‬
‫فلن أجد أحد أحرص منك على الكتب والعلم‪ ،‬رمحه هللا !‪ ،‬وكان معي بعض طالب العلم‬
‫بعضهم استمر وبعضهم انقطع ومنهم ‪ :‬الشيخ الفاضل زايد الوردي وكان يسجل بعض شروح‬
‫شيخنا محود رمحه هللا تعاىل والشيخ جاسر بن صاحل العايد والشيخ سعود السرحان وغريهم ‪.‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )4‬يقول املثىن ابن الشيخ محود‪ :‬كان أبو صاحل دمحم بن علي احلميد رمحه هللا يقول يل أبن والدي الشيخ محود هو من‬
‫افىت له بنصح الناس وتذكريهم ِف املقابر وقال كنت أواجه كل من يعرتض علي هبذه الفتوى ‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫وكان شيخنا دائما يردد هذا البيت‪:‬‬
‫رب ِمرارا علَى الْقذى *** ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه‬ ‫رِذَا أنْ َ‬
‫ت َملْ ت ْش ْ‬
‫وهو مكتوب ِف بعض أوراقه الرمسية‪ ،‬والشيخ رمحه هللا شديد الغرية على الدين ويقول رأيه بكل‬
‫صراحة ويرد على الزاندقة واملبتدعة ودعاة الضالل ‪ ،‬ويرد على من ينتقص الدين ‪ ،‬وله ِف ذلك‬
‫رسائل ومواقف معروفة مشهورة ‪ ،‬وشيخنا متابع لألحداث بطريقة عجيبة ‪ ،‬وخيصص وقت لكي‬
‫يستمع األخبار وله من يقرأ عليه عناوين الصحف فإذا أعجبه خرب يهتم به ‪.‬‬
‫كان شيخنا شديدا على أهل البدع ‪ ،‬وله دور ِف أهناء عقد بعض من عندهم أخطاء عقدية من‬
‫جامعة اإلمام ابلقصيم‪ ،‬ولشيخنا موقف قوي ضد املرجئة خصوصا نوااي العصر منهم ‪ ،‬وجتد ِف‬
‫رده على خالد العنربي انئبني ذلك اذ فيه حجج ونقض لشبه املرجئة الجتده ِف غريه وجتد فيه تنبيه‬
‫ملسائل الجتدها ِف غريه‪.‬‬
‫انتهى ‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫شيوخه‪:‬‬
‫‪ -4‬الشيخ عبدهللا بن مبارك العمري ‪ -9 /‬الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ‬

‫‪ -4‬الشيخ دمحم بن إبراهيم آل الشيخ ‪ -1 /‬الشيخ دمحم بن عبداللطيف آل الشيخ‬

‫‪ -5‬الشيخ عبدالعزيز ابن ابز ‪ -1 /‬الشيخ دمحم األمني الشنقيطي‬

‫‪ -1‬الشيخ عبدالرمحن بن يوسف األفريقي ‪ -٧ /‬الشيخ عبدالعزيز بن انصر الرشيد‬

‫‪ -2‬الشيخ عبدهللا الصاحل اخلليفي ‪ -4٧ /‬الشيخ محد اجلاسر‬

‫‪ -44‬الشيخ سعود بن رشود ‪ -49 /‬الشيخ ابراهيم بن سليمان‬

‫‪ -44‬الشيخ عبدهللا بن محيد ‪ -41 /‬الشيخ يوسف عمر حسنني‬

‫‪ -45‬الشيخ عبداللطيف سرحان ‪ -41 /‬الشيخ يوسف الضبع‬

‫‪ -41‬الشيخ عبد الرمحن بن علي عودان ‪ -4٧ /‬الشيخ عبد الرازق عفيفي‬

‫‪ -42‬الشيخ عبدالرمحن بن قاسم ‪ -9٧/‬الشيخ دمحم عبدالرزاق محزة‬

‫‪ -94‬الشيخ عبدالعزيز بن دمحم الشثري ‪ -99/‬الشيخ دمحم بن أمحد سنان‬

‫تالميذه‪:‬‬
‫‪ -4‬الشيخ دمحم بن صاحل بن عثيمني ‪ -9 /‬الشيخ عبدالعزيز بن عبدهللا آل الشيخ‬

‫‪ -4‬الشيخ صاحل بن فوزان الفوزان ‪ -1 /‬الشيخ صاحل بن دمحم اللحيدان‬

‫‪ -5‬الشيخ عبدهللا بن دمحم بن إبراهيم آل الشيخ ‪ -1 /‬الشيخ عبدهللا بن عبداحملسن الرتكي‬

‫‪ -1‬الشيخ غيهب بن دمحم بن عبدهللا الغيهب ‪ -٧ /‬الشيخ عبدالرمحن بن صاحل اجلرب‬

‫‪ -2‬الشيخ عبدالرمحن بن سليمان اجلارهللا ‪ -4٧ /‬الشيخ عبدالرمحن بن عبدالعزيز الكِليِة‬

‫‪61‬‬
‫‪ -44‬الشيخ عبدالرمحن بن غيث ‪ -49 /‬الشيخ عبدالرمحن بن عبدهللا العجالن‬

‫‪ -44‬الشيخ سليمان بن عبدهللا آل مهنا ‪ -41 /‬الشيخ عبدالعزيز بن عبدالرمحن السعيد‬

‫‪ -45‬الشيخ دمحم بن مهوس ‪ -41 /‬الشيخ عبدهللا بن دمحم الغنيمان‬

‫‪ -41‬الشيخ محد بن فراين ‪ -4٧ /‬الشيخ إبراهيم بن داود‬

‫‪ -42‬الشيخ صاحل بن عبدهللا الدرويش ‪ -9٧ /‬الشيخ سلمان بن فهد العودة‬

‫‪ -94‬الشيخ علي بن خضري اخلضري ‪ -99 /‬الشيخ عبدالعزيز بن صاحل اجلوعي‬

‫‪ -94‬الشيخ عبدالرمحن احملمود ‪ -91 /‬الشيخ سعيد بن زعري‬

‫‪ -95‬الشيخ يوسف دمحم الغفيص ‪ -91 /‬الشيخ حيىي بن عبد العزيز اليحىي‬

‫‪ -91‬الشيخ إمساعيل بن سعد بن عتيق ‪ -9٧ /‬الشيخ عبدالرمحن بن عبدالعزيز اجلفن‬

‫‪ -92‬الشيخ صاحل الصيخان ‪ -4٧ /‬الشيخ زايد بن عبد هللا بن مسعد الوردي‬

‫‪ -44‬الشيخ خباب بن مروان احلمد ‪ -49 /‬الشيخ انصر بن محد الفهد‬

‫‪ -44‬الشيخ أمحد بن محود اخلالدي ‪ -41 /‬الشيخ جاسر بن صاحل العايد‬

‫‪ -45‬الشيخ منيف بن سعد الرويس ‪ -41 /‬الشيخ مشعل بن رابح العياضي‬

‫‪ -41‬الشيخ أمحد بن دمحم الصقعوب ‪ -4٧ /‬الشيخ خالد بن سليمان السعيد‬

‫‪ -42‬الشيخ عبدهللا بن دمحم بن أمحد الطريقي ‪ -1٧ /‬الشيخ فيصل احلازمي‬

‫‪ -14‬الشيخ عثمان دمحم اخلميس ‪ -19 /‬الشيخ محد بن علي احلمد‬

‫‪ -14‬الشيخ عبدهللا بن سليمان القفاري ‪ -11 /‬الشيخ سليمان بن انصر العلوان‬

‫‪ -15‬الشيخ دمحم فهد القطيشي ‪ -11 /‬الشيخ سعد بن سعيد احلجري‬

‫‪62‬‬
‫‪ -11‬الشيخ عبد هللا بن دمحم بن أمحد الطيار‬

‫‪ -1٧‬الشيخ عبدالكرمي بن دمحم الالحم‬


‫وكثريون غريهم ‪.‬‬

‫أهم أعماله ووظائفه‪:‬‬


‫‪ -4‬توىل اإلمامة واخلطابة ِف جامع الشميسي ِف الرايض من عام ‪ 4412‬ه إىل ‪ 4414‬ه ‪.‬‬

‫‪ -9‬عني قاضيا ِف وادي الدواسر عام ‪ 4411‬ه (‪.)4‬‬

‫تعني مدرساً ِف معهد الرايض العلمي وملدة سنة ِف عام ‪ 4411‬ه ‪.‬‬
‫‪َّ -4‬‬

‫‪ -1‬انتقل إىل التدريس بكلية الشريعة ابلرايض وعمل فيها من عام ‪ 441٧‬ه إىل عام ‪41٧٧‬‬
‫ه وعمل فيها أستاذ مشارك ِف كلية أصول الدين ‪ :‬قسم العقيدة واملذاهب املعاصرة ‪.‬‬

‫‪ -5‬انتقل إىل كلية الشريعة وأصول الدين ِف القصيم وعمل فيها من عام ‪ 41٧٧‬ه إىل عام‬
‫‪ 41٧1‬ه ‪ ،‬وعمل فيها رئيس للقسم العقيدة واملذاهب املعاصرة ‪.‬‬

‫‪ -1‬كلفه مفيت الداير السعودية الشيخ دمحم بن إبراهيم رمحه هللا للفتوى والواعظ والتدريس واإلرشاد‬
‫ِف احلرم املكي أايم مواسم احلج والعمرة كل عام من سنة ‪44٧٧‬ه إىل سنة ‪44٧5‬ه وكان‬
‫خالهلا يدرس ِف املسجد احلرام وحياضر ِف مساجد مكة ‪.‬‬

‫‪ -1‬أشتغل ِف احملاماة وأخذ شهادة احملاماة ( الرخصة ) ِف عام ‪ 41٧5‬ه‬

‫____________________________________‬
‫(‪ )4‬لست متأكد من أنه عمل ِف القضاء أو انه عرض عليه فقط‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫من جهود ومشاركات الشيخ محود رمحه هللا‪:‬‬
‫للشيخ محود رمحه هللا جهود ومشاركات متنوعه فمنها جهود دعوية وخريية وجهادية وسياسية‬
‫وإعالمية‪ ،‬فمن جهوده الدعوية‪ :‬إلقاء كثري من الدروس واحملاضرات ِف خمتلف العلوم الشرعية‬
‫وخاصة العقيدة ِف املساجد واجلامعات واجملالس العامة وِف مزرعته وبيته وكان يلقي حماضرات و‬
‫الندوات عرب اهلاتف إىل مستمعني له ِف دول أخرى وكذلك كان خيطب ِف صالة اجلمعة وله‬
‫مشاركة ِف التوعية اإلسالمية ِف مواسم احلج وله رسائل وفتاوى مشهورة ِف التصدي للعلمانيني‬
‫والزاندقة واملرجئة وكان أايم تدريسه ِف جامعة األمام الرايض يناظر بعض املدرسني من األشاعرة‬
‫والصوفية ويتصدى هلم وكذلك كان له دور قوي ِف حماربة املنحرفني ِف العقيدة جبامعة األمام ِف‬
‫القصيم بل وصل األمر إىل إهناء عقد بعضهم!!‪ .‬وله جهود ِف مناصرة القضااي اإلسالمية مثل‬
‫قضية فلسطني وقضية اجلهاد األفغاين األول والثاين وقضية الشيشان والفلبني وأريرتاي والبوسنة‬
‫وغريها من القضااي األسالمية ‪.‬‬

‫وأما جهوده اخلريية‪ :‬فمنها احلث على التربعات لقضااي املسلمني ِف أفغانستان والبوسنة‬
‫والشيشان وغريها من قضااي األمة وله أيضا جهود ِف التخفيف من معاانة املزارعني حيث توقفت‬
‫صوامع الغالل عن قبول القمح من املزارعني فذهب الشيخ رمحه هللا إىل امللك فهد وكلمه ِف‬
‫موضوعهم فأمر امللك فهد ابستقبال القمح ‪ ،‬فاستقبلت الصوامع من املزارعني بعد ذلك‪ .‬وله‬
‫أيضا مشاركه ِف مؤمتر التضامن مع املظلومني الذي عقد ِف مسجد التوجيري ِف مدينة بريدة ِف‬
‫اتريخ ‪ 4145/1/1‬ه املوافق ‪4221/2/44‬م ‪.‬وكان عريف احلفل هو تلميذه الشيخ علي اخلضري‬
‫وكان املتكلمني ِف املؤمتر هم الشيخ سلمان العودة والشيخ حيىي اليحىي والشيخ سليمان الرشودي‬
‫والشيخ خليفة البطاح والشيخ صاحل احمليميد والشيخ صاحل السديري والشيخ إبراهيم التوجيري‬
‫والشيخ دمحم الدبيخي والشيخ عائض القرين وأهم ما جاء ِف املؤمتر هو توقيع خطاب موجه إىل‬
‫هيئة كبار العلماء يتضمن املطالبة إبطالق سراح املعتقلني واملطالبة بوقف الظلم واالعتقاالت لدعاة‬
‫واحملتسبني والسماح للدعاة ابخلطابة والكتابة دون تضييق أو منع اال أبمر من القضاء الشرعي و‬
‫الوقوف بقوة ضد االحنرافات الواقعه ِف األعالم والوقوف ضد تعدايت وظلم املسؤولني على الدعاة‬
‫واملصلحني وعامة الناس ‪ ،‬واملطالبة الدولة مبقاطعة العالقات اخلارجية مع احلكومة املصرية‬
‫والتونسية وغريها من الدول الطاغية واإلعالن عن محلة جلمع التربعات لقضية البوسنة واهلرسك ‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫وأما جهوده اجلهادية‪ :‬فهي كثريه فمنها رسائل وفتاوى تبني أحكام اجلهاد ِف اجلهاد األفغاين ضد‬
‫الروس وبعد ذلك اجلهاد األفغاين ضد األمريكان وِف اجلهاد ِف الشيشان و البوسنة والفلبني‬
‫وأريرتاي وكردستان وفلسطني وغريها من قضااي األمة وكان رمحه هللا يراسل قادة اجملاهدين‬
‫ويناصحهم ويوجههم ‪ ،‬ويذب عن اجملاهدين ويفرح ألنتصراهتم وكان يدعو للجهاد بكافة أشكاله‬
‫العسكرية واألقتصادية واألعالمية والفكرية ِف مواجهة أعداء اإلسالم وكان رمحه هللا يتمىن أن‬
‫جياهد ِف ساحات اجلهاد بنفسه لكن املرض وكرب السن وفقدان البصر منعه من ذلك ولكن مل‬
‫مينعه ذلك من أن جياهد بلسانه وعلمه ‪،‬حيث كان من أول من أفىت ضد األحتالل األمريكي ِف‬
‫أفغانستان ‪.‬‬

‫وأما جهوده السياسية‪ :‬فهي جهود كبري ِف اتريخ السياسة املعاصرة فمنها أنه اجتمع الشيخ محود‬
‫وجمموعه من املشايخ على رأسهم الشيخ املفيت دمحم إبراهيم ِف ليلة اخلميس ‪ 44٧4/٧/4‬ه للنظر‬
‫ِف اخلالف الواقع بني امللك سعود وأخوه ويل العهد فيصل وقد حاول املشايخ أن يتفامهوا مع‬
‫امللك سعود للتنازل ألخيه فيصل بطوعه واختياره‪ ،‬فلم جتد تلك املفامهة ‪ ،‬وقد مت خلع امللك‬
‫سعود ومبايعة امللك فيصل ِف يوم االثنني املوافق ‪4215/44/9:‬م ‪.‬‬
‫ومن جهوده املشاركة ِف توقيع مذكرة النصيحة ِف عام ‪ 4144‬ه اليت حتتوي على مطالب متنوعه‬
‫من ضمنها مطالب إصالح السياسة الداخلية واخلارجية للدولة السعودية واليت متثل نقطة فاصلة ِف‬
‫اتريخ السياسي للمجتمع والدولة السعودية ‪،‬وكذلك للشيخ فتوى ِف شرعية حكومة طالبان ‪،‬وله‬
‫موقف واضح وصارم من األستعانة ابلقوات الغربية ِف حرب اخلليج ‪ ،‬وله تواصل ورسائل مع قادة‬
‫الدول والوزراء مثل امللك فهد حيث كان يرسل له رسائل وكان يذهب ويقابله بنفسه ‪ ،‬وكان‬
‫يرسل رسائل اىل األمري املال دمحم عمر وقد كان هناك حماولة لألتصال هاتفي ابألمري املال عمر‬
‫ولكن ألسباب وظروف غري معروفه مل تتم‪ ،‬وله أيضا أراء ِف السياسة الشرعية ِف كتابه‬
‫اإلمامة العظمى وبعض أرائه منثوره ِف فتاويه و رسائله ‪.‬‬

‫وأما جهود ومشاركاته اإلعالمية‪ :‬فقد كتب عدة مقاالت ِف جريدة القصيم ‪،‬وكذلك ِف جملة‬
‫أضواء الشريعة ‪،‬وله أيضا حبث بعنوان اإلمامة العظمى منشور ِف جملة أصول الدين التابعة للجامعة‬
‫اإلمام دمحم بن سعود اإلسالمية ‪ ،‬وله مشاركات ِف اإلذاعة السعودية‪ ،‬وله كثري من األشرطة‬
‫املسجلة ولكن لألسف أغلبها مفقود وغري منشور‪ ،‬وكان يستخدم اهلاتف ِف إلقاء حماضرات إىل‬

‫‪65‬‬
‫مستمعني له ِف دول أخرى ِف وقت كان إستخدام اهلاتف ِف بداايته ‪،‬وكان رمحه هللا من أوائل‬
‫العلماء الذين وظفوا شبكة اإلنرتنت ِف بداية أنتشارها للنصرة اإلسالم واملسلمني حيث كان‬
‫يستخدم األمييل إلستقبال أسئلة املستفتني ويراسل هبا أيضا‪ ،‬وكذلك إنشاء"املوقع الرمسي لفضيلة‬
‫الشيخ العالمة محود بن عقالء الشعييب" على اإلنرتنت حيث كان ينشر فيه كتبه ورسائله وفتاواه ‪،‬‬
‫وللشيخ رمحه لقاء صحفي بعد إحداث ‪ 44‬سبتمر مع الصحفي األمريكي دوغالس جيهل حيث‬
‫كان احلوار يدور حول إحداث ‪ 44‬سبتمر والغزو األمريكي ألفغانستان وموقف الشيخ منها وقد‬
‫سجل هذا اللقاء ِف شريط ولكن مل أعثر عليه ‪ ،‬وقد نشر مقال عن لقاء الشيخ محود رمحه هللا ِف‬
‫جريدة نيويورك اتميز ِف اتريخ ‪ 9٧٧4/49/5‬م ‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫بعض الرسائل اجلامعية اليت أشرف عليها فضيلة الشيخ محود رمحه هللا تعاىل‪:‬‬
‫‪ -4‬الشيخ عبدهللا بن دمحم بن عبدالوهاب ومنهجه ِف تقرير العقيدة ‪ .‬مع دراسة وإخراج كتاب‬
‫جواب أهل السنة النبوية ِف نقض كالم الشيعة والزيدية ‪ .‬الباحث ‪ :‬انصر بن سليمان بن عبدهللا‬
‫السعوي ‪ .‬جامعة االمام ‪ ،‬كلية أصول الدين ‪ ،‬رسالة ماجستري ‪ ،‬اتريخ ‪ 4144:‬ه ‪ 4224 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -9‬مسائل العقيدة ِف كتاب مشكل اآلاثر للطحاوي ‪ :‬عرض ودراسة ‪ .‬الباحث ‪ :‬عبدهللا بن‬
‫صاحل بن دمحم املشيقح ‪ .‬جامعة االمام ‪ ،‬كلية أصول الدين ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ،‬اتريخ ‪ 4144 :‬ه‬
‫القسم ‪ :‬قسم العقيدة واملذاهب املعاصرة ‪.‬‬

‫‪ -4‬الكبرية وحكم مرتكبها ‪ .‬الباحث ‪ :‬عبدهللا بن سليمان بن محد اجلاسر ‪ ،‬جامعة االمام ‪،‬‬
‫رسالة ماجستري ‪ ،‬اتريخ ‪ 41٧9 :‬ه ‪.‬‬

‫‪ -1‬املرجئة و موقف أهل السنة منهم ‪ .‬الباحث ‪ :‬دمحم بن عبدالعزبز العلي الالحم ‪ .‬جامعة‬
‫االمام ‪ ،‬رسالة ماجستري ‪ ،‬اتريخ ‪ 41٧1 :‬ه ‪.‬‬

‫‪ -5‬التبصرة ِف أصول الدين على مذهب االمام اجلليل ‪ ...‬أمحد بن حنبل هنع هللا يضر ‪ /‬أتليف أبو الفرج‬
‫عبدالواحد بن دمحم بن علي الشريازي املقدسي ؛ حتقيق إبراهيم بن دمحم بن عبدالرمحن الدوسري ‪،‬‬
‫جامعة االمام ‪ ،‬رسالة ماجستري ‪ ،‬اتريخ ‪ 41٧5 :‬ه ‪.‬‬

‫‪ -1‬أصول الدين عند أمام أهل السنة أمحد بن حنبل هنع هللا يضر‪ .‬الباحث ‪ :‬عبدهللا بن سليمان بن محد‬
‫اجلاسر ‪ ،‬جامعة االمام ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ،‬اتريخ ‪ 41٧1 :‬ه ‪.‬‬

‫‪ -1‬كتاب " الشفا بتعريف حقوق املصطفى " للقاضي عياض ‪ :‬دراسة وتقوميا ‪.‬الباحث ‪:‬‬
‫يوسف بن عبد الرمحن بن عثمان القاضي ‪ ،‬جامعة االمام ‪ ،‬رسالة ماجستري ‪ ،‬اتريخ ‪4145 :‬ه ‪.‬‬

‫‪ -٧‬اإلمام دمحم بن عبد الوهاب ومنهجه ِف الدعوة ‪49٧1 -4445‬ه ‪ .‬الباحث ‪ :‬دمحم بن عبد‬
‫هللا بن محد السكاكر ‪ ،‬جامعة اإلمام ‪ ،‬كلية أصول الدين ‪ ،‬قسم ‪ :‬العقيدة واملذاهب املعاصرة ‪،‬‬
‫رسالة ماجستري ‪ ،‬اتريخ ‪ 2٧/4422:‬ه ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ -2‬اإلبراء من احلق ِف الفقه اإلسالمي ‪ .‬الباحث ‪ :‬صاحل بن عبد الرمحن بن سليمان احمليميد ‪،‬‬
‫جامعة اإلمام ‪ ،‬املعهد العايل للقضاء ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ،‬اتريخ ‪41٧5 :‬ه ‪42٧5/‬م ‪.‬‬

‫‪ -4٧‬اجملد أبو الربكات وآراءه الفقهية ِف غري العبادات ‪ .‬الباحث‪ :‬خليفة بن صاحل اخلليفة‬
‫‪،‬جامعة اإلمام ‪،‬املعهد العايل للقضاء ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ،‬اتريخ ‪4149/4144:‬ه ‪.‬‬

‫‪ -44‬حقوق الزوجة ِف الفقه اإلسالمي ‪ .‬الباحث‪ :‬عبدالعزيز بن صاحل بن إبراهيم اجلوعي ‪،‬‬
‫جامعة اإلمام ‪ ،‬املعهد العايل للقضاء ‪ ،‬رسالة ماجستري ‪ ،‬اتريخ ‪ 41٧٧/41٧1:‬ه ‪.‬‬

‫‪ -49‬دراسة وحتقيق "شرح خمتصر اخلرقي"‪ .‬من اول كتاب السبق والرمي اىل هناية كتاب عتق‬
‫امهات األوالد ‪ .‬الباحث‪ :‬عبدالعزيز بن صاحل بن إبراهيم اجلوعي‪ ،‬جامعة القصيم ‪ ،‬رسالة دكتوراه‬
‫اتريخ ‪4224 :‬م‪ 4141 .‬ه ‪.‬‬
‫‪ -44‬حتقيق ودراسة كتاب " التعليق الكبري ِف املسائل اخلالفية على مذهب اإلمام أمحد "‬
‫للقاضي أيب يعلي ‪ -‬كتاب البي وع ‪ .‬الباحث‪ :‬عبدهللا بن علي دمحم الدخيل ‪ ،‬جامعة اإلمام ‪ ،‬املعهد‬
‫العايل للقضاء ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ،‬اتريخ ‪ 4145 :‬ه ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫آاثر الشيخ محود بن عقالء الشعييب املفقودة هي ‪:‬‬

‫‪ -4‬شرح اجلزء األخري من بلوغ املرام‪ ،‬قال الشيخ انه مفقود ‪.‬‬

‫‪ -9‬مسودة ِف أصول الفقه من ‪ 45٧‬صفحة‪ ،‬قال الشيخ انه مفقود ‪.‬‬

‫‪ -4‬حاشية على سبل السالم‪ ،‬كانت موجوده ِف حياة الشيخ رمحه هللا ولكن مل أجدها‪.‬‬

‫‪ -1‬حتقيق منت العقيدة الطحاوية‪ ،‬كانت موجوده ِف حياة الشيخ رمحه هللا ولكن مل أجدها‪.‬‬

‫‪ -5‬حبث ِف مسألة الروح وحقيقتها‪ ،‬كانت موجوده ِف حياة الشيخ رمحه هللا ولكن مل أجدها‪.‬‬

‫‪ -1‬مسودة بيان للكالم عن تيار اإلمامية املعاصرة ‪ ،‬توِف الشيخ رمحه هللا قبل أن ينشرها ومل‬
‫أجدها ولكن يوجد ِف لقاء الشيخ علي اخلضري مع منتدى السلفيون سؤال رقم‪ 15‬جواب حيتوي‬
‫على كثري من تقريرات الشيخ محود املوجوده ِف املسودة ‪.‬‬
‫‪ -1‬كتاب سرية الشيخ العالمة محود بن عقالء الشعييب رمحه هللا للشيخ علي اخلضري مل أجد‬
‫الكتاب ‪.‬‬

‫‪ -٧‬الرد على الطنطاوي ِف تعليقه على كتاب صيد اخلاطر حول مسألة العلو وهو رد ِف أكثر من‬
‫مخسني موقف‪ ،‬وقد اعطاه للشيخ دمحم بن إبراهيم لكي ينشره ولكنه فقد ‪.‬‬

‫‪ -2‬مقاالت ِف صحيفة القصيم وقد وجدت منها ثالث مقاالت فقط والشيخ يقول أنه كتب‬
‫مقاالت أخرى ِف جريدة القصيم ولكين حبثت عنها ِف اجلريدة ومل أجدها!!‪.‬‬

‫‪ -4٧‬الشيخ رمحه هللا كتب قليل من الشعر الفصيح والنبطي ‪.‬‬

‫‪ -44‬فتوى للقائد األفغاين حكمتيار ِف قتال بقااي الشيوعيني‪ ،‬أمالها الشيخ على األستاذ عصام‬
‫املعمر وحتتوي على توقيعات جمموعة من املشايخ ومعها ابلفتوى تعليق الشيخ أبن جربين رمحه هللا‬
‫والشيخ حيىي اليحىي والشيخ سليمان الثنيان والشيخ عبدهللا اجلاليل وقد نشرت الفتوى ِف جريدة‬
‫شهادات التابعة للحزب اإلسالمي عام ‪4221‬م ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫‪ -49‬أشرطة شرح التدمرية ِف جامع اجلاسر بريدة ِف عام ‪4225‬م مل أجدها ‪.‬‬

‫‪ -44‬تعليقات على كتاب فتح اجمليد ‪ ،‬مفقودة وأمالها على أحد الطالب ِف عام ‪4225‬م ‪.‬‬

‫‪ -41‬أشرطة شرح ملعة االعتقاد سجلها الشيخ زايد الوردي مفقودة‪.‬‬

‫‪ -45‬مذكرات شرح التدمرية مجعها طالب ِف كلية الشريعة ِف القصيم ويوجد منها عدت نسخ‬
‫منها ما هو مفقود ومنه ما فسد!! ‪.‬‬

‫‪ -41‬فتوى ِف حكم التصوير ووجدت جزء منه فقط‪.‬‬


‫‪ -41‬تسجيل لندوة ألقاها الشيخ عرب اهلاتف ِف املغرب العريب قبل وفاته بشهرين ‪.‬‬

‫الكتب اليت شرحها الشيخ للطالب‪:‬‬

‫وهي تنقسم اىل ثالثة أقسام‪ ،‬القسم األول شروح مسجلة ِف األشرطة والقسم الثاين شروح مدونة‬
‫ِف دفاتر وكراسات الطالب و القسم الثالث هي الشروح اليت مل تسجل مل تدون وهي كثريه ‪ ،‬الذي‬
‫يهم هو القسم املسجل واملدون‪ ،‬حيث ميكن تفريغ األشرطة وحتويلها اىل كتب‪ ،‬واملدونة ميكن‬
‫مجعها وترتيبها وإخراجها على شكل كتب‪ ،‬ومن هنا ادعوا طالب الشيخ اىل إخراج كل ما لديهم‬
‫من أشرطة أو أوراق مدونه للشروح الشيخ رمحه هللا حىت نكون قد أوفينا حبق الشيخ رمحه هللا وهذه‬
‫بعض الكتب اليت شرحها الشيخ وقد تكون مسجله أو مدونه ‪.‬‬
‫‪ -4‬شرح كتاب التوحيد‬
‫‪ -9‬شرح كتاب التدمرية‬
‫‪ -4‬شرح على احلموية‬
‫‪ -1‬شرح كتاب العقيدة الواسطية‬
‫‪ -5‬شرح منت الطحاوية [أقصد شرح اخر غري الشرح املنشور ألن الشيخ شرح الطحاوية مرات‬
‫كثريه]‬
‫‪ -1‬تعليق على ألفية بن مالك‬
‫‪ -1‬شرح لآلجرومية‬
‫‪ -٧‬تعليق على شرح اآلجرومية للعشماوي‬

‫‪71‬‬
‫‪ -2‬تعليق على كتاب السنة لعبدهللا بن اإلمام امحد‬
‫‪ -4٧‬تعليق على حائية ابن أيب داود‬
‫‪ -44‬تعليق على شرح حائية ابن أيب داود للسفاريين‬
‫‪ -49‬تعليق على اقتضاء الصراط املستقيم‬
‫‪ -44‬تعليق على جزء كبري من الصارم املسلول البن تيمية‬
‫‪ -41‬تعليق على سبل السالم‬
‫‪ -45‬شرح سلم األخضري ِف املنطق‬
‫‪ -41‬تعليق على جزء من شرح السنة للربهباري‬
‫‪ -41‬شرح ملعة االعتقاد‬
‫‪ -4٧‬شرح بلوغ املرام‬
‫‪ -42‬شرح جتريد التوحيد املفيد‬
‫‪ -9٧‬شرح كشف الشبهات‬
‫‪ -94‬تعليق على فتح اجمليد شرح التوحيد‬
‫‪ -99‬تعليق األصول الثالثة وشروط الصالة والقواعد األربع‬
‫‪ -94‬شرح زاد املستقنع‬
‫وغريها كثري ‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫شرح شروط ال رله رال هللا‬
‫مقدمة‬
‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ ابهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من‬
‫يهده هللا فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪،‬‬
‫حممدا عبده ورسوله‪.‬‬ ‫وأشهد أن ً‬
‫اَّللَ َح َّق تُ َقاتِِه َوال متَُوتُ َّن إالَّ َوأَنتُم ُّم ْسلِ ُمو َن ﴾ [آل عمران‪.]4٧9:‬‬ ‫ين َآمنُوا اتَّ ُقوا َّ‬ ‫﴿ اي أ َّ ِ‬
‫َيها الذ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ث مْن ُه َما ِر َجاالً‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫س َواح َدة َو َخلَ َق مْن َها َزْو َج َها َوبَ َّ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس اتَّ ُقوا َربَّ ُك ُم الَّذي َخلَ َق ُكم من نَّ ْف ٍ‬ ‫َيها الن ُ‬ ‫﴿ اي أ َ‬
‫اَّللَ َكا َن َعلَي ُك ْم َرقِيبًا ﴾ [النساء‪.]4:‬‬ ‫اَّللَ الَّ ِذي تَ َساءَلُو َن بِِه َواأل َْر َح َام َّ‬
‫إن َّ‬ ‫َكثِ ًريا َونِ َساءً َواتَّ ُقوا َّ‬
‫يصلِ ْح لَ ُك ْم أ َْع َمالَ ُك ْم َوي ْغ ِف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم‬
‫يدا (‪ْ )1٧‬‬ ‫اَّللَ َوقُولُوا قَ ْوالً َس ِد ً‬
‫ين َآمنُوا اتَّ ُقوا َّ‬ ‫﴿ اي أ َّ ِ‬
‫َيها الذ َ‬ ‫َ‬
‫يما ﴾[األحزاب‪.]14،1٧:‬‬ ‫ِ‬ ‫ومن ِ‬
‫اَّللَ َوَر ُسولَهُ فَ َق ْد فَ َاز فَ ْوًزا َعظ ً‬
‫يط ِع َّ‬ ‫ََ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫وخري اهلدي هدي دمحم ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وشر األمور ُحمداثهتا‪ ،‬وكل حمدثة‬ ‫كتاب هللا‪َ ،‬‬ ‫أصدق احلديث ُ‬ ‫َ‬ ‫فإن‬
‫بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة‪ ،‬وكل ضاللة ِف النار‪.‬‬
‫فإن أشرف وأجل وأعظم كلمة هي كلمة التوحيد (ال إله إال هللا)‪.‬‬
‫ع‬
‫وشر َ‬
‫وشرع الشرائع‪َ ،‬‬ ‫أفضل ما نُطق به‪ ،‬ألجلها خلق هللا اخللق‪ ،‬وأرسل الرسل‪ ،‬وأنزل الكتب َّ‬
‫اجلهاد والوالء والرباء‪.‬‬
‫وهي كلمة لو وزنت ابلسموات واألرض لرجحت هبن كما ِف حديث أيب سعيد اخلدري هنع هللا يضر‬
‫عن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬قال موسى‪ :‬اي رب علمين شيئًا أذكرك وأدعوك به‪ ،‬قال‪ :‬قل اي موسى‪:‬‬
‫ال إله إال هللا‪ ،‬قال‪ :‬اي رب كل عبادك يقولون هذا‪ ،‬قال‪ :‬اي موسى لو أن السموات السبع‬
‫وعامرهن غريي‪ ،‬واألرضني السبع ِف كفة وال إله إال هللا ِف كفة‪ ،‬مالت هبن ال إله إال هللا»(‪. )4‬‬
‫بني هذا ويقرره ويرشد‬ ‫قال الشيخ عبد الرمحن بن حسن رمحه هللا‪« :‬والقرآن من أوله إىل آخره ي ُ‬
‫إليه»(‪. )9‬‬

‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬أخرجه النسائي ِف «عمل اليوم والليلة» رقم (‪ ،)٧41‬واحلاكم ِف «املستدرك» (‪،)59٧/4‬وصححه احلافظ ابن‬
‫حجر ِف «فتح الباري» (‪.)9٧٧/44‬‬
‫(‪« )9‬فتح اجمليد لشرح كتاب التوحيد» (‪. )499/4‬‬

‫‪72‬‬
‫ولقد عُين مشاخينا وعلماؤان ببيان معىن كلمة التوحيد وأفردوا هلا املصنفات‪ ،‬وحرروا املسائل ِف بيان‬
‫معناها‪ ،‬وحكم اتركها‪ ،‬وحضوا على تعلمها وتعليمها‪.‬‬
‫وملا هلذه الكلمة من أمهية كبرية ومن زلة عالية رفيعة‪ ،‬آثرت الكالم عنها ألديل بدلوي ولبيان احلق‬
‫والصواب ِف مفهوم هذه الكلمة؛ مبا يفتح هللا علي ِف بيان معناها‪ ،‬وأقوال أئمة العلم فيها؛ راجيا‬
‫ذخرا يل يوم يقوم األشهاد إنه ويل ذلك والقادر عليه‪.‬‬
‫من هللا عز وجل أن جيعلها ً‬
‫أماله فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب رمحه هللا‬
‫‪ 4199/4/94‬ه‬

‫الفصل األول معىن اإلله‬


‫أله ِف اللغة معناه‪ :‬عبد‪.‬‬
‫واإلله‪ :‬هو املعبود‪.‬‬
‫يقال‪ :‬أله أيلَه ابلفتح مبعىن عبد يعبد‪.‬‬
‫والتأله‪ :‬التنسك والتعبد‪.‬‬
‫والتأليه‪ :‬التعبيد(‪. )4‬‬
‫قال ابن فارس‪« :‬اهلمزة والالم واهلاء أصل واحد وهو التعبد فاإلله هللا تعاىل‪ ،‬ومسي بذلك ألنه‬
‫معبود‪ ،‬ويقال‪ :‬أتله الرجل إذا تعبد»(‪. )1‬‬
‫وقال الزجاج‪« :‬معىن قولنا‪( :‬إله) إمنا هو الذي يستحق العبادة وهو تعاىل املستحق هلا دون‬
‫سواه»(‪. )5‬‬
‫وتعبدا»(‪. )1‬‬
‫وقال الفريوز أابدي‪« :‬أله أيله إهلة وأتهلا كعبد يعبد عبادة ً‬
‫وقال ابن جرير‪« :‬أله مبعىن عبد‪ ،‬واإلله مصدره من قول القائل‪ :‬أله هللا فالن إالهة كما يقال‪ :‬عبد‬
‫هللا فالن عبادة»(‪. )1‬‬

‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬بتصرف من «لسان العرب» (‪.)111/44‬‬
‫(‪ )1‬معجم «مقاييس اللغة» (‪.)491/4‬‬
‫(‪« )5‬تفسري أمساء هللا احلسىن» (ص‪.)91‬‬
‫(‪« )1‬بصائر ذوي التمييز» (‪.)41/9‬‬
‫(‪« )1‬تفسري ابن جرير» (‪.)51/4‬‬

‫‪73‬‬
‫وهبذا يتضح أن لفظة (إله) مأخوذة من التأله وهو التعبد ومعناه املعبود املطاع سواء كان حبق أو‬
‫مجادا فهو إله عند عابده كما‬ ‫بغري حق‪ ،‬فكل ما عبد أبي نوع من أنواع العبادات ولو كان املعبود ً‬
‫ٍ‬ ‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬فَما أَ ْغنَت عْن هم ِآهلتُهم الَِّيت ي ْدعو َن ِمن د ِ‬
‫ون َِّ‬
‫ك َوَما‬ ‫اَّلل ِمن َشيء لَّ َّما َجاءَ أ َْم ُر َربِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ُْ َ ُُ‬ ‫َ‬
‫يب ﴾ [هود‪.]4٧4:‬‬ ‫وهم غَري تَْتبِ ٍ‬
‫َز ُاد ُ ْ َ‬
‫ولكن هذا اللفظ غلب على املعبود حبق وهو هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬وهذا هو التفسري الصحيح‬
‫لكلمة اإلله ‪.‬‬
‫وقيل ِف اسم الباري سبحانه‪ :‬إنه مأخوذ من ألِه أيله إذا حتري‪ ،‬ألن العقول أتله ِف عظمته‪.‬‬
‫وال يطلق لفظ اجلاللة «هللا» إال على املعبود حبق وهو هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬وهو خمتص به ال يطلق‬
‫على غريه‪.‬‬
‫وقد بني شيخ اإلسالم ابن تيمية معىن اإلله احلق فقال‪« :‬فاإلله هو الذي أتهله القلوب عبادة‬
‫وتعظيما وخوفًا ورجاءً وإجالالً وإكر ًاما‪ ،‬وهللا عز وجل له حق ال يشاركه فيه غريه‬ ‫ً‬ ‫واستعانة وحمبة‬
‫فال يعبد إال هللا وال يدعى إال هللا وال خياف إال هللا وال يطاع إال هللا»(‪. )٧‬‬
‫قال ابن رجب رمحه هللا ‪« :‬اإلله هو الذي يطاع فال يعصى هيبة له وإجالالً وحمبة وخوفًا ورجاءً‬
‫وتوكالً عليه وسؤاالً له ودعاءً له‪ ،‬وال يصلح ذلك كله إال هلل عز وجل‪ ،‬فمن أشرك خملوقًا ِف شيء‬
‫قدحا ِف إخالصه ِف قوله‪« :‬ال إله إال‬ ‫من هذه األمور اليت هي من خصائص اإلهلية‪ ،‬كان ذلك ً‬
‫هللا»‪ ،‬وكان فيه من عبودية املخلوق حبسب ما فيه من ذلك»(‪. )2‬‬
‫وقال الشيخ سليمان بن عبد هللا رمحه هللا ‪« :‬ومعىن ال إله إال هللا أي ال معبود حبق إال إله‬
‫حق‬
‫واحد»(‪ . )4٧‬وقال الشيخ عبد الرمحن بن حسن رمحه هللا ‪« :‬ال إله إال هللا‪ ،‬أي‪ :‬ال معبود ٌّ‬
‫إال هللا»(‪ . )44‬وشهادة التوحيد ال تنفي مطلق اآلهلة من الوجود‪ ،‬وإمنا تنفي مطلق اآلهلة اليت‬
‫تستحق وصف اإلهلية‪ ،‬اليت تستحق أن تُعبد من دون أو مع هللا تعاىل‪ .‬وندرك من خالل هذا‬
‫التعريف بطالن من فسر شهادة التوحيد بقوله‪« :‬ال خالق إال هللا» أو «ال رازق أو ال انفع إال‬
‫هللا»‪ ،‬فإن هذا املعىن كان املشركون يقرون به‪ ،‬ويعرتفون به قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَئِن َسأَلْتَ ُهم َّم ْن َخلَ َق‬
‫ََّن ْيؤفَ ُكو َن ﴾ [العنكبوت‪.]14:‬‬ ‫اَّللُ فَأ َّ‬
‫س َوالْ َق َمَر لَي ُقولُ َّن َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّم َ‬
‫ض َو َس َّخَر الش ْ‬
‫الس َم َوات َواأل َْر َ‬
‫_______________________________________‬
‫(‪« )٧‬الفتاوى» (‪. )415/4‬‬
‫(‪« )2‬قرة عيون املوحدين» (ص‪. )95‬‬
‫(‪« )4٧‬تيسري العزيز احلميد شرح كتاب التوحيد» (ص‪. )54‬‬
‫(‪« )44‬فتح اجمليد لشرح كتاب التوحيد» (‪. )494/4‬‬

‫‪74‬‬
‫ض ِم ْن بَ ْع ِد َم ْوِهتَا لَي ُقولُ َّن َّ‬ ‫السم ِاء ماء فَأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ‬ ‫َحيا بِه األ َْر َ‬
‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَئن َسأَلْتَ ُهم َّمن نََّّزَل م َن َّ َ َ ً ْ‬
‫قُ ِل ا ْحلَ ْم ُد ََِّّللِ بَ ْل أَ ْكثَ ُرُه ْم ال ْيع ِقلُو َن ﴾[العنكبوت‪.]14:‬‬
‫اَّلل قُل أَفَرأَيتُم َّما تَ ْدعو َن ِمن د ِ‬
‫ون‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ولَئِن سأَلْتَ هم َّمن خلَق َّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ض لَي ُقولُ َّن َُّ ْ َ‬ ‫الس َم َوات َواأل َْر َ‬ ‫َ َ ُ ْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات َر ْمحَته قُ ْل َح ْسِيب‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ض ِره أ َْو أ ََر َادِين بَِر ْمحَة َه ْل ُه َّن ممُْس َك ُ‬
‫ِ‬
‫ض ٍر َه ْل ُه َّن َكاش َف ُ‬
‫ات ُ‬ ‫اَّللِ إ ْن أ ََر َادِين َّ‬
‫اَّللُ بِ ُ‬ ‫َّ‬
‫اَّللُ َعلَ ِيه يتَ َوَّك ُل الْ ُمتَ َوكِلُو َن ﴾ [الزمر‪.]4٧:‬‬
‫َّ‬
‫ََّن ْيؤفَ ُكو َن ﴾ [الزخرف‪ ،]٧1:‬فهم مل‬ ‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَئِن َسأَلْتَ ُهم َّم ْن َخلَ َق ُه ْم لَي ُقولُ َّن َّ‬
‫اَّللُ فَأ َّ‬
‫خيالفوا الرسل واألنبياء ِف ذلك‪ ،‬وإمنا كان اخلالف ِف معىن «اإلله» ومن يستحق العبادة خالصة‪.‬‬

‫الفصل الثاين أركان ال رله رال هللا‬


‫الركن ِف اللغة‪ :‬جانب الشيء األقوى الذي يستند إليه‪ ،‬وللرجل ملا فيه من عزة ومنعة وعشرية أو‬
‫سلطان وملا يتقوى به‪.‬‬
‫ومجعه أركان وأركن‪.‬‬
‫وأركان اإلنسان جوارحه‪ ،‬وأركان الشيء جوانبه اليت يستند إليها(‪. )49‬‬
‫والركن ِف االصطالح‪ :‬ما يقوم به ذلك الشيء‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬الركن ما يتم به وهو داخل فيه خبالف شرطه وهو خارج عنه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬الركن ما توقف الشيء على وجوده وكان جزءًا من حقيقته كقراءة القرآن ِف الصالة فإهنا‬
‫ركن هلا لتوقف وجودها ِف نظر الشرع على حتقيقها وهي جزء من حقيقة الصالة‪ ،‬وهكذا كل ما‬
‫كان ركنًا لشيء فإن ذلك الشيء ال يكون له وجود ِف نظر الشارع إال إذا حتقق ذلك الركن(‪)44‬‬
‫ومن هذه التعريفات يتبني لنا أن أركان الشيء أجزاؤه اليت ال يتحقق بدوهنا‪.‬‬
‫وعليه فللشهادة ركنان‪:‬‬
‫الركن األول‪ :‬نفي ِف قوله‪« :‬ال إله» ‪.‬‬
‫الركن الثاين‪ :‬إثبات ِف قوله‪« :‬إال هللا» ‪.‬‬
‫الركن األول‪ :‬ال إله‪ :‬النفي املطلق لوجود اآلهلة اليت تستحق أن تُعبد ‪.‬‬
‫الركن الثاين‪ :‬إال هللا‪ :‬اإلثبات‪ ،‬وهو إثبات أن املعبود حبق هو هللا تعاىل وحده ‪.‬‬

‫_______________________________________‬
‫(‪« )49‬الصحاح» للجوهري (‪ ،)1949/5‬و«لسان العرب» (‪.)2494/4‬‬
‫(‪« )44‬التعريفات» للجرجاين (ص‪.)441‬‬

‫‪75‬‬
‫فهي تنفي أن يكون ِف الوجود معبود حبق غري هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬وتثبت العبادة له وحده ال‬
‫شريك له‪.‬‬
‫فمن أتى جبانب النفي دون جانب اإلثبات ال يكون مؤمنًا‪ ،‬ومن أتى جبانب اإلثبات دون جانب‬
‫معا‪.‬‬
‫النفي ال يكون مؤمنًا‪ ،‬بل البد للمرء أن أييت ابلركنني ً‬
‫قال شارح الطحاوية رمحه هللا ‪:‬‬
‫«وإثبات التوحيد هبذه الكلمة ابعتبار النفي واإلثبات املقتضي للحصر‪ ،‬فإن اإلثبات اجملرد قد‬
‫احد ﴾ قال بعده‪ ﴿ :‬الَّ‬ ‫يتطرق إليه االحتمال‪ ،‬وهلذا وهللا أعلم ملا قال تعاىل‪ ﴿ :‬وإ َهل ُكم إلَه و ِ‬
‫َ ُ ْ َ‬
‫الر ْمحن َّ ِ‬
‫يم ﴾ [البقرة‪. )41(]414:‬‬ ‫الرح ُ‬ ‫إلَهَ إالَّ ُه َو َّ َ ُ‬
‫اَّلل فَأْووا َإىل الْ َك ْه ِ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫وه ْم َوَما ْيعبُ ُدو َن إالَّ ََّ ُ‬ ‫وكما قال تعاىل عن أصحاب الكهف‪َ ﴿ :‬وإذ ْاعتَ َزلْتُ ُم ُ‬
‫يئ لَ ُكم ِم ْن أ َْم ِرُكم ِم ْرفَ ًقا ﴾ [الكهف‪.]41:‬‬ ‫ِ ِِ‬
‫ينش ْر لَ ُك ْم َربُّ ُكم من َّر ْمحَته َو َيه ْ‬
‫ُ‬
‫يم ألَبِ ِيه َوقَ ْوِم ِه إنَِّين بََراء ِممَّا تَ ْعبُ ُدو َن‬ ‫وقال تعاىل عن نبيه إبراهيم عليه السالم‪ ﴿ :‬وإ ْذ قَ َ ِ‬
‫ال إبْ َراه ُ‬ ‫َ‬
‫(‪ )91‬إالَّ الَّ ِذي فَطََرِين فَإنَّهُ َس ْيه ِدي ِن ﴾[الزخرف‪ ،]91،91:‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬قَ َ‬
‫ال أَفَ َرأَيتُم َّما ُكنتُ ْم‬
‫ني ﴾‬ ‫تَعب ُدو َن (‪ )15‬أَنتُم وآاب ُؤُكم األَقْ َدمو َن (‪ )11‬فَإنَّهم ع ُد ٌّو ِيل إالَّ ر َّ ِ‬
‫ب الْ َعالَم َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََْ ُ‬ ‫ُْ‬
‫[الشعراء‪.]11_15:‬‬
‫فهو عليه السالم يعلن عداوته واعتزاله جلميع اآلهلة اليت تعبد إال هللا تعاىل املعبود حبق ‪.‬‬

‫الفصل الثالث رعراب ال رله رال هللا‬


‫لقد اهتم العلماء رمحهم هللا تعاىل ِف بيان إعراب ال إله إال هللا منهم شارح الطحاوية وكذلك بدر‬
‫الدين الزركشي وعلماء الدعوة؛ فقالوا ِف إعراهبا‪:‬‬
‫ال‪ :‬انفية للجنس‪.‬‬
‫إله‪ :‬اسم ال النافية للجنس مبين على الفتح ألنه مفرد نكرة تضمن معىن احلرف‪.‬‬
‫وقال سيبويه‪« :‬ال إله» مجلة ِف حمل رفع مبتدأ‪.‬‬
‫واتفق مجيع النحاة على أن اخلرب حمذوف واختلف تقديرهم للخرب‪ ،‬والصواب تقديره بكلمة (حق)‪،‬‬
‫ألن املعبود حبق هو هللا سبحانه وتعاىل أما غريه من املعبودات فهي موجودة ولكنها معبودات‬
‫اَّللَ ُه َو الْ َعلِي‬
‫َن َّ‬ ‫َن ما ي ْدعو َن ِمن دونِِه الْب ِ‬
‫اط ُل َوأ َّ‬‫ُ َ‬ ‫اَّللَ ُه َو ا ْحلَ ُّق َوأ َّ َ ُ‬
‫َن َّ‬‫ك ِأب َّ‬ ‫ِ‬
‫ابطلة قال تعاىل‪ ﴿ :‬ذَل َ‬
‫الْ َكبِريُ ﴾ [لقمان‪.]4٧:‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ ) 41‬شرح ابن ايب العز ‪ 11/4‬ط األوقاف السعودية‬

‫‪76‬‬
‫قال الزركشي‪« :‬قول‪( :‬ال إله إال هللا) قدر فيه األكثرون خرب «ال» حمذوفًا‪ ،‬فقدر بعضهم‪:‬‬
‫«الوجود»‪ ،‬وبعضهم‪« :‬لنا»‪ ،‬وبعضهم‪« :‬حبق» قال‪ :‬ألن آهلة الباطل موجودة ِف الوجود كالوثن‪،‬‬
‫حمتجا أبن نفي‬‫واملقصود نفي ما عدا إله احلق‪ ،‬وانزع فيه بعضهم‪ ،‬ونفى احلاجة إىل قيد مقدر ًّ‬
‫املاهية من غري قيد أعم من نفيها بقيد‪.‬‬
‫والتقدير أوىل جراي على القاعدة العربية ِف تقدير اخلرب‪ ،‬وعلى هذا فاألحسن تقدير األخري‪ ،‬ملا‬
‫ذكر‪ ،‬ولتكون الكلمة جامعة لثبوت ما يستحيل نفيه ونفي ما يستحيل ثبوته»(‪. )45‬‬
‫وقال حافظ حكمي رمحه هللا‪:‬‬
‫«فتقدير خرب «ال» احملذوف ب «حق» هو الذي جاءت به نصوص الكتاب والسنة كما سنوردها‬
‫إن شاء هللا‪ ،‬وأما تقديره ب «موجود» فيفهم منه االحتاد‪ ،‬فإن اإلله هو املعبود‪ ،‬فإن قيل‪ :‬ال معبود‬
‫ب «موجود» إال هللا‪ ،‬لزم منه أن اإلله هو املعبود‪.‬‬
‫فإذا قيل‪ :‬ال معبود موجود إال هللا‪ ،‬لزم منه أن كل معبود عبد حبق أو ابطل هو هللا فيكون ما عبده‬
‫املشركون من الشمس والقمر والنجوم واألشجار واألحجار واملالئكة واألنبياء واألولياء وغري ذلك‬
‫توحيدا‪ ،‬فما عبد على هذا التقدير إال هللا‪ ،‬إذ هي هو‪ ،‬وهذا والعياذ ابهلل‬
‫هي هللا فيكون ذلك كله ً‬
‫أعظم الكفر وأقبحه على اإلطالق‪.‬‬
‫وفيه إبطال لرساالت مجيع الرسل وكفر جبميع الكتب وجحود جلميع الشرائع وتكذيب بكل ذلك‬
‫كافرا إذ كل ما عبده من املخلوقات هو هللا فلم يكن عندهم مشرًكا‬ ‫وتزكية لكل كافر من أن يكون ً‬
‫كبريا‪.‬‬
‫علوا ً‬
‫موحدا‪ ،‬تعاىل هللا عما يقول الظاملون واجلاحدون ًّ‬ ‫بل ً‬
‫فإذا فهمنا هذا فال جيوز تقدير اخلرب موجود‪ ،‬إال أن ينعت اسم «ال» ب «حق» فال أبس ويكون‬
‫التقدير ال إله حقًّا موجود إال هللا‪ ،‬فبقيد االستحقاق ينتفي احملذور الذي ذكران»(‪. )41‬‬
‫إال‪ :‬حرف استثناء‪.‬‬
‫هللا‪ :‬لفظ اجلاللة بدل من اخلرب احملذوف مرفوع‪.‬‬
‫وِف هذا القدر من اإلعراب كفاية إن شاء هللا تعاىل ‪.‬‬

‫_________________________________‬
‫(‪« )45‬معىن ال إله إال هللا» (ص ‪.)٧4،٧٧‬‬
‫(‪« )41‬معارج القبول» (‪.)141/9‬‬

‫‪77‬‬
‫الفصل الرابع شروط ال رله رال هللا‬
‫قال الشيخ حافظ حكمي رمحه هللا ِف منظومته‪:‬‬
‫نصوص الوحي ًّ‬
‫حقا وردت‬ ‫ِ‬ ‫سبعة قد قُيدت __________ ويف‬ ‫ٍ‬
‫وبشروط ٍ‬
‫ِ‬
‫ابلنطق رال حيث يستكملها‬ ‫فإنه مل ينتفع قائلها __________‬
‫العلم واليقني والقبول __________ واالنقياد فادر ما أقول‬

‫ف «ال إله إال هللا» هلا شروط‪ ،‬ال يصح إميان صاحبها إال هبا وقبل الدخول ِف بيان شروط هذه‬
‫الكلمة ال بد أن نذكر قاعدة مهمة؛ وهي أنه ال بد ملن أراد الدخول ِف اإلسالم أن يقر لفظًا‬
‫مسلما معصوم الدم ابإلسالم ‪.‬‬ ‫بشهادة التوحيد‪ .‬ومن أىب مع القدرة أن يقر ابلشهادة ال يكون ً‬
‫كما ِف احلديث الصحيح عن سعيد بن املسيب‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬ملا حضرت أاب طالب الوفاةُ جاءه‬
‫سول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وعنده أبو جهل‪ ،‬وعبد هللا بن أيب أمية بن املغرية‪ ،‬فقال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬اي عم قل‬ ‫ر ُ‬
‫ال إله إال هللا‪ ،‬كلمة أحاج لك هبا عند هللا»‪.‬‬
‫فقاال له‪ :‬أترغب عن ملة عبد املطلب؟‬
‫فأعاد عليه النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فأعاد‪.‬‬
‫فكان آخر ما قال‪ :‬هو على ملة عبد املطلب‪ ،‬وأىب أن يقول‪ :‬ال إله إال هللا‪.‬‬
‫ألستغفرن لك ما مل أنه عنك»‪ ،‬فأنزل هللا تعاىل‪َ ﴿ :‬ما َكا َن لِلنَِّيب‬ ‫َّ‬ ‫فقال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬أما وهللا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اب‬
‫َص َح ُ‬ ‫يستَ ْغف ُروا ل ْل ُم ْش ِرك َ‬
‫ني َولَْو َكانُوا أ ُْوِيل قُ ْرَىب م ْن بَ ْعد َما تَبَ َ‬
‫ني َهلُْم أَنَّ ُه ْم أ ْ‬ ‫ين َآمنُوا أَن ْ‬ ‫َوالذ َ‬
‫ت َولَكِ َّن َّ‬ ‫ِ‬
‫اَّللَ‬ ‫َحبَ ْب َ‬ ‫ك ال تَ ْهدي َم ْن أ ْ‬ ‫ا ْجلَ ِحي ِم ﴾ [التوبة‪ ،]444:‬وأنزل هللا تعاىل ِف أيب طالب‪﴿ :‬إنَّ َ‬
‫ين ﴾ [القصص‪. )41(]51:‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يشاءُ َوُه َو أ َْعلَ ُم ابلْ ُم ْهتَد َ‬ ‫ْيهدي َمن َ‬
‫حممدا رسول هللا‪ ،‬ويقيموا‬ ‫وقال ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬أمرت أن أقاتل الناس حىت يشهدوا أن ال إله إال هللا وأن ً‬
‫حبق اإلسالم وحساهبم على‬ ‫الصالة‪ ،‬ويؤتوا الزكاة‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك عصموا مين دماءهم وأمواهلم إال ِ‬
‫هللا»(‪ . )4٧‬قال النووي رمحه هللا ‪« :‬فيه أن اإلميان شرطه اإلقرار ابلشهادتني مع اعتقادمها‬
‫واعتقاد مجيع ما أتى به رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص»(‪. )42‬‬

‫_______________________________________‬
‫(‪ )41‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)1119( ،)4٧٧1( ،)441٧‬ومسلم برقم (‪.)91‬‬
‫(‪ )4٧‬أخرجه مسلم برقم (‪ ،)94‬وأمحد ِف «املسند» (‪.)149 ،415/9‬‬
‫(‪ )42‬شرح مسلم (‪.)949/4‬‬

‫‪78‬‬
‫وقال ابن تيمية رمحه هللا ‪« :‬الشهاداتن إذا مل يتكلم هبما مع القدرة فهو كافر ابتفاق املسلمني‪،‬‬
‫وظاهرا عند سلف األمة وأئمتها ومجاهري علمائها»(‪. )9٧‬‬‫ً‬ ‫وهو كافر ابطنًا‬
‫***‬
‫الشرط األول‬
‫العلم مبعناها نفيا ورثبات‪:‬‬
‫اعلَ ْم أَنَّهُ ال إلَهَ إالَّ َّ‬
‫اَّللُ ﴾ [دمحم‪.]42:‬‬ ‫فالعلم ابلتوحيد شرط لصحته؛ قال هللا عز وجل‪ ﴿ :‬فَ ْ‬
‫وقال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬من مات وهو يعلم أنه ال إله إال هللا دخل اجلنة»(‪. )94‬‬
‫ومفهوم احلديث أن من مات وهو ال يعلم التوحيد ال يدخل اجلنة‪.‬‬
‫بلد أيمره أبن يدعو أهلها أوالً إىل التوحيد قبل أن‬ ‫أحدا من أصحابه إىل ٍ‬ ‫وكان النيب ملسو هيلع هللا ىلص إذا أرسل ً‬
‫شيء آخر‪ ،‬كما ِف حديث ابن عباس أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ملا بعث معاذًا إىل اليمن‬ ‫يدعوهم إىل أي ٍ‬
‫قوما من أهل الكتاب‪ ،‬فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن ال إله إال هللا‬ ‫قال له‪« :‬إنك أتيت ً‬
‫وِف رواية‪ :‬إىل أن يوحدوا هللا فإن هم أطاعوك لذلك‪ ،‬فأعلمهم أن هللا افرتض عليهم مخس‬
‫يوم وليلة‪ . )99(»...‬وقال ابن تيمية رمحه هللا ‪« :‬الكفر يكون بتكذيب الرسول‬ ‫ات ِف كل ٍ‬ ‫صلو ٍ‬
‫فيما أخرب‪ ،‬أو االمتناع عن املتابعة مع العلم بصدقه‪ ،‬مثل كفر فرعون واليهود وحنوهم»(‪. )94‬‬
‫وقال الشيخ دمحم بن عبد الوهاب رمحه هللا‪« :‬فاهلل هللا اي إخواين متسكوا أبصل دينكم‪ ،‬وأوله وأسه‬
‫ورأسه‪ ،‬شهادة أن ال إله إال هللا‪ ،‬واعرفوا معناها وأحبوها‪ ،‬وأحبوا أهلها‪ ،‬واجعلوهم إخوانكم‪ ،‬ولو‬
‫كانوا بعيدين منكم نسبًا»(‪. )91‬وقال سيد قطب رمحه هللا ‪« :‬كل من ينطق ابلشهادتني‪:‬‬
‫حممدا رسول هللا‪ ،‬ال يقال له‪ :‬إنه شهد إال أن يؤدي مدلول هذه‬ ‫شهادة أن ال إله إال هللا وأن ً‬
‫الشهادة ومقتضاها‪ ،‬ومدلوهلا هو أال يتخذ إال هللا إهلًا‪ ،‬ومن مث ال يتلقى الشريعة إال من هللا ‪.‬‬

‫____________________________________‬
‫(‪« )9٧‬جمموع الفتاوى» (‪.)12٧/1‬‬
‫قطعا (‪ )55/4‬حديث رقم‬‫(‪ )94‬رواه مسلم‪ :‬كتاب اإلميان‪ ،‬ابب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل اجلنة ً‬
‫(‪. )14‬‬
‫(‪« )99‬صحيح البخاري مع الفتح» كتاب الزكاة‪ ،‬ابب أخذ الصدقة من األغنياء وترد على الفقراء (‪ )451/4‬برقم‬
‫(‪ ،)4112‬و«صحيح مسلم مع شرح النووي» كتاب اإلميان‪ ،‬ابب الدعاء إىل الشهادتني وشرائع اإلسالم (‪)44٧/4‬‬
‫برقم (‪.)92‬‬
‫(‪« )94‬درء تعارض العقل والنقل» (‪.)919/4‬‬
‫(‪« )91‬جمموعة التوحيد» (ص‪.)4٧1‬‬

‫‪79‬‬
‫ولن يكون اإلسالم إذن هو النطق ابلشهادتني دون أن يتبع شهادة أن ال إله إال هللا معناها‬
‫وحقيقتها؛ وهي توحيد األلوهية وتوحيد القوامة‪ ،‬مث توحيد العبودية وتوحيد االجتاه‪...‬‬
‫هذا هو اإلسالم كما يريده هللا‪ ،‬وال عربة ابإلسالم كما تريده أهواء البشرية ِف جيل منكود من‬
‫أجيال الناس‪ ،‬وال كما تصوره رغائب أعدائه املرتبصني به وعمالئهم هنا وهناك‪َ ﴿ :‬وَمن ْيب تَ ِغ َغ َري‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين ﴾ [آل عمران‪. )95(»]٧5:‬‬ ‫اإلسالم دينًا فَلَن ي ْقبَ َل مْنهُ َوُه َو ِف اآلخَرة م َن ا ْخلَاس ِر َ‬
‫ْ‬
‫علما نظراي‪ ،‬ومل تعد منهج حياة‪ ،‬وركيزة‬ ‫ولكن ِف زماننا هذا أصبح العلم هبذه الشهادة العظيمة ً‬
‫عمل‪ ،‬بل مل تالمس هذه الكلمة شغاف قلوهبم‪.‬‬
‫قال الشيخ عبد الرمحن بن حسن رمحه هللا‪« :‬ف (ال إله إال هللا)‪ :‬ال تنفع إال من عرف مدلوهلا نفيا‬
‫وع ِم َل به‪ ،‬وأما من قاهلا عن غري علم واعتقاد وعمل فقد تقدم كالم‬ ‫وإثباات‪ ،‬واعتقد ذلك‪ ،‬وقَبِلَه َ‬ ‫ً‬
‫العلماء أن هذا جهل ِصرف‪ ،‬فهو حجة عليه‪ ،‬بال ريب»(‪.)91‬‬
‫***‬
‫الشرط الثاين‬
‫اليقني املنايف للش ‪:‬‬
‫وح‬‫ين ِمن قَْبلِ ُك ْم قَ ْوِم نُ ٍ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫فهو شرط من شروط شهادة التوحيد‪ ،‬قال هللا تعاىل‪ ﴿ :‬أََملْ أيْت ُك ْم نَبَأُ الذ َ‬
‫َيد ُيه ْم ِِف أَفْ َو ِاه ِه ْم‬
‫ات فَرُّدوا أ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اَّللُ َجاءَتْ ُه ْم ُر ُسلُ ُهم ابلْبَينَ َ‬ ‫ين ِم ْن بَ ْع ِد ِه ْم ال ْيعلَ ُم ُه ْم إالَّ َّ‬ ‫وع ٍاد وَمثُ َّ ِ‬
‫ود َوالذ َ‬ ‫ََ َ َ‬
‫ك‬‫اَّللِ َش ٌّ‬ ‫ت ُر ُسلُ ُه ْم أَِِف َّ‬ ‫ِ‬
‫ك ممَّا تَ ْدعُونَنَا إلَ ِيه ُم ِر ٍ‬ ‫وقَالُوا َّإان َك َفرَان ِمبَا أُرِس ْلتُم بِِه و َّإان لَِفي َش ٍ‬
‫يب (‪ )2‬قَالَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ض ﴾ [إبراهيم‪ ،]4٧ ،2:‬فهم كفروا ألهنم شكوا ِف صحة دعوة الرسل هلم‪.‬‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬‫السمو ِ‬ ‫ِِ‬
‫فَاطر َّ َ َ‬
‫اه ُدوا ِأب َْم َواهلِِ ْم َوأَن ُف ِس ِه ْم ِِف‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ين َآمنُوا ِاب ََّّلل َوَر ُسوله ُمثَّ َملْ ْيرَاتبُوا َو َج َ‬ ‫َّ‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬إمنَا الْ ُم ْؤمنُو َن الذ َ‬
‫الص ِادقُو َن ﴾[احلجرات‪.]45:‬‬ ‫ك ُه ُم َّ‬ ‫سبِ ِيل َِّ‬
‫اَّلل أ ُْولَئِ َ‬ ‫َ‬
‫وِف احلديث الصحيح أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬أشهد أن ال إله إال هللا وأين رسول هللا‪ ،‬ال يلقى‬
‫هللا هبما عبد غري شاك فيهما إال دخل اجلنة»(‪. )91‬‬
‫شاكا فيهما ال يدخل اجلنة وال يكون من‬ ‫مفهوم احلديث أن من لقي هللا تعاىل بشهاديت التوحيد ًّ‬
‫أهلها‪.‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ِ« )95‬ف ظالل القرآن» (‪.)194/4‬‬
‫(‪« )91‬فتح اجمليد لشرح كتاب التوحيد» (‪.)49٧/4‬‬
‫قطعا (‪ )51 55/4‬حديث‬
‫(‪ )91‬رواه مسلم‪ :‬كتاب اإلميان‪ ،‬ابب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل اجلنة ً‬
‫رقم (‪.)91‬‬

‫‪81‬‬
‫***‬
‫الشرط الثالث‬
‫القبول املنايف للرد‪:‬‬
‫حسدا‪ ،‬فقد شابه‬ ‫كربا أو ً‬ ‫فمن علم مبعىن شهادة أال إله إال هللا وأيقن مبدلوهلا ولكنه يردها إما ً‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫علماء أهل الكتاب‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿:‬وَّد َكثري م ْن أ َْه ِل الْكتَاب لَ ْو ُيرُّدونَ ُكم م ْن بَ ْعد إميَان ُك ْم ُكف ً‬
‫َّارا‬
‫ِ ِِ ِ ِ ِ‬
‫ني َهلُُم ا ْحلَ ُّق ﴾ [البقرة‪.]4٧2:‬‬ ‫َح َس ًدا م ْن عند أَن ُفس ِهم م ْن بَ ْعد َما تَبَ َ‬
‫ولقد عرف املشركون من قبل معىن ما كان يدعوهم إليه رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬ولكنهم استكربوا عن قبوله‬
‫يستَ ْكِربُو َن (‪َ )45‬وي ُقولُو َن أَئِنَّا لَتَا ِرُكوا ِآهلَتِنَا‬ ‫يل َهلُْم ال إلَهَ إالَّ َّ‬
‫اَّللُ ْ‬
‫ِ‬
‫قال تعاىل‪ ﴿:‬إنَّ ُه ْم َكانُوا إذَا ق َ‬
‫ون ﴾ [الصافات‪.]41،45:‬‬ ‫لِ َش ِ‬
‫اع ٍر َّْجمنُ ٍ‬
‫***‬
‫الشرط الرابع‬
‫االنقياد والتسليم هلا ظاهرا وابطنا‪:‬‬
‫يما َش َجَر بَينَ ُه ْم ُمثَّ ال ِجي ُدوا ِِف أَن ُف ِس ِه ْم َحَر ًجا‬ ‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬فَال وربِك ال يؤِمنو َن ح َّىت حيكِم َ ِ‬
‫وك ف َ‬ ‫ََ َ ْ ُ َ َ ُ‬
‫يما ﴾ [النساء‪ .]15:‬فال يكفي لتحقيق اإلميان أن حتتكم إىل الشرع إال‬ ‫ِ‬ ‫ِممَّا قَضيت و ِ‬
‫يسل ُموا تَ ْسل ً‬
‫َ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يت ﴾ ‪ ،‬مث ال يكفي ذلك بل‬ ‫ض َ‬ ‫إذا رضيت به وانتفى احلرج‪ُ ﴿ :‬مثَّ ال ِجي ُدوا ِِف أَن ُفس ِه ْم َحَر ًجا ممَّا قَ َ‬
‫يما ﴾ ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ال بد من التسليم ظاهرا وابطنا الذي يتناىف معه أدَّن اعرتاض ﴿ و ِ‬
‫يسل ُموا تَ ْسل ً‬‫َ َ‬ ‫ً ً‬
‫قال ابن تيمية رمحه هللا ِف تفسري هذه اآلية‪« :‬فكل من خرج عن سنة رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم وشريعته‪ ،‬فقد أقسم هللا بنفسه املقدسة أنه ال يؤمن حىت يرضى حبكم رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم ِف مجيع ما يشجر بينهم من أمور الدين والدنيا‪ ،‬وحىت ال يبقى ِف قلوهبم حرج من‬
‫حكمه‪ ،‬ودالئل القرآن على هذا األصل كثرية»(‪. )9٧‬‬
‫ك ال ْيؤِمنُو َن ﴾ ومرة أخرى جندان أمام شرط اإلميان‬ ‫وقال سيد قطب رمحه هللا ‪ ﴿ « :‬فَال َوَربِ َ‬
‫وحد اإلسالم‪ ،‬يقرره هللا سبحانه بنفسه ويقسم عليه بذاته‪ ،‬فال يبقى بعد ذلك قول لقائل ِف‬
‫حتديد شرط اإلميان وحد اإلسالم وال أتويل ملؤول‪ ،‬اللهم إال مماحكة ال تستحق االحرتام‪ ،‬وإذا كان‬
‫يكفي إلثبات اإلسالم أن يتحاكم الناس إىل شريعة هللا وحكم رسوله‪ ...‬فإنه ال يكفي ِف اإلميان‬
‫هذا ما مل يصحبه الرضا النفسي‪ ،‬والقبول القليب‪ ،‬وإسالم القلب واجلنان»‪.‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪« )9٧‬جمموع الفتاوى» (‪.)114/9٧‬‬

‫‪81‬‬
‫اَّللَ َِمسيع َعلِيم‬ ‫إن َّ‬ ‫اَّللِ َوَر ُسولِِه َواتَّ ُقوا َّ‬
‫اَّللَ َّ‬ ‫يدي َّ‬ ‫ني َ‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنُوا ال تُ َقد ُموا بَ َ‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬اي أ َّ ِ‬
‫َيها الذ َ‬ ‫َ‬
‫ض ُك ْم‬ ‫ت النَِّيب وال َْجتهروا لَه ِابلْ َقوِل َكجه ِر ب ع ِ‬ ‫(‪ )4‬اي أَيها الَّ ِذين آمنُوا ال تَرفَعوا أَصواتَ ُكم فَو َق صو ِ‬
‫َ َُ ُ ْ َ ْ َْ‬ ‫ْ ُ َْ ْ ْ َْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ول َِّ‬ ‫ط أَعمالُ ُكم وأَنتم ال تَ ْشعرو َن (‪ِ َّ َّ )9‬‬ ‫لِبَ ْع ٍ‬
‫ك‬ ‫اَّلل أ ُْولَئِ َ‬ ‫ند رس ِ‬ ‫ِ‬
‫َص َواتَ ُه ْم ع َ َ ُ‬ ‫ين يغُضُّو َن أ ْ‬ ‫إن الذ َ‬ ‫ُُ‬ ‫ض أَن َْحتبَ َ ْ َ ْ َ ُ ْ‬
‫َجر َع ِظيم ﴾ [احلجرات‪.]4 4:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اَّللُ قُلُوبَ ُه ْم للتَّ ْق َوى َهلُم َّم ْغفَرة َوأ ْ‬
‫ين ْامتَ َح َن َّ‬
‫ا لذ َ‬
‫قال ابن القيم رمحه هللا ‪:‬‬
‫«فإذا كان رفع أصواهتم فوق صوته سببًا حلبوط أعماهلم فكيف تقدمي آرائهم وعقوهلم وأذواقهم‬
‫وسياستهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه؟ أليس هذا أوىل أن يكون ُحمبطًا‬
‫ألعماهلم؟»(‪. )92‬‬
‫اَّللُ َوَر ُسولُهُ أ َْمًرا أَن ي ُكو َن َهلُُم ا ْخلِ َريةُ ِم ْن أ َْم ِرِه ْم‬
‫ضى َّ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬وَما َكا َن ل ُم ْؤم ٍن َوال ُم ْؤمنَة إ َذا قَ َ‬
‫ضالالً ُّمبِينًا ﴾ [األحزاب‪.]41:‬‬ ‫ض َّل َ‬ ‫اَّللَ َوَر ُسولَهُ فَ َق ْد َ‬ ‫ص َّ‬ ‫َوَمن ْيع ِ‬
‫مسألة‪ :‬ما الفرق بني االنقياد والقبول؟‬
‫لعل الفرق بني االنقياد والقبول أن االنقياد خاص ابألفعال‪ ،‬وأما القبول فخاص ابألقوال‪ ،‬ويلزم‬
‫مجيعا االتباع‪.‬‬ ‫منهما ً‬
‫***‬
‫الشرط اخلامس‬
‫الصدق فيها املنايف للكذب‪:‬‬
‫ول آمنًّا ِاب ََّّللِ وِابلْيوِم ِ‬
‫اآلخ ِر َوَما ُهم‬ ‫وهو أن يقوهلا صادقًا من قلبه‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿:‬وِم َن الن ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َّاس َمن ي ُق ُ َ‬
‫ََن ُف َس ُه ْم َوَما ي ْشعُ ُرو َن (‪ِِ )2‬ف قُلُوهبِِم‬ ‫ِمبؤِمنِني (‪ )٧‬خي ِادعو َن َّ َّ ِ‬
‫ين َآمنُوا َوَما خيْ َدعُو َن إالَّ أ َ‬
‫اَّللَ َوالذ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُْ َ‬
‫ََلِيم ِمبَا َكانُوا ي ْك ِذبُو َن ﴾ [البقرة‪.]4٧ ٧:‬‬ ‫ضا َولَهُ َُ ْم َع َذاب أ َ‬
‫اَّللُ َمَر ً‬
‫َّمَرض فَ َز َاد ُه ُم َّ‬
‫أحد يشهد أن ال إله إال‬ ‫وِف «الصحيحني» من حديث معاذ قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ما من ٍ‬
‫حممدا رسول هللا صدقًا من قلبه إال حرمه هللا على النار»(‪. )4٧‬‬ ‫هللا‪ ،‬وأن ً‬

‫***‬

‫____________________________________‬
‫(‪« )92‬إعالم املوقعني» (‪.)54/4‬‬
‫قوما دون قوم (‪ ،)991/4‬ورواه مسلم‪ :‬كتاب اإلميان‪ ،‬ابب‬
‫(‪ )4٧‬رواه البخاري‪ :‬كتاب العلم‪ ،‬ابب من خص ابلعلم ً‬
‫الدليل على أن من مات على التوحيد دخل اجلنة ق ط عًا (‪ )14/4‬رقم احلديث (‪.)49‬‬

‫‪82‬‬
‫الشرط السادس‬
‫اإلخالص املنايف للشرك‪:‬‬
‫ِ‬
‫يوحى َإيل‬ ‫وهي النية الصاحلة النقية من شوائب الشرك والرايء‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿:‬قُ ْل َّإمنَا أ ََان بَ َشر مثْلُ ُك ْم َ‬
‫احلا وال ي ْش ِرْك بِعِب ِ ِ‬ ‫احد فَمن َكا َن يرجو لَِقاء ربِِه فَ ْليعمل عمالً ِ‬ ‫أََّمنَا إ َهل ُكم إلَه و ِ‬
‫ادة َربِه أ َ‬
‫َح ًدا ﴾‬ ‫ََ‬ ‫ص ً َ‬‫ْ ُ َ َ َْ ْ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َ‬
‫[الكهف‪.]44٧:‬‬
‫فاإلخالص شرط لصحة العبادة‪.‬‬
‫َح َس ُن َع َمالً ﴾ [تبارك‪ ]9:‬أي‪ :‬أصوبه‬ ‫ِ‬
‫وقال أهل التفسري ِف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ل ْيب لَُوُك ْم أَي ُك ْم أ ْ‬
‫وأخلصه‪.‬‬
‫وِف حديث أيب هريرة هنع هللا يضر أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬أسعد الناس بشفاعيت من قال‪ :‬ال إله إال هللا‬
‫خالصا من قلبه أو نفسه»(‪. )44‬‬ ‫ً‬
‫***‬
‫الشرط السابع‬
‫احملبة املنافية للكراهية‪:‬‬
‫وصفة هذه احملبة أن يكون هللا تعاىل ورسوله ملسو هيلع هللا ىلص أحب إليه مما سوامها‪ ،‬وأن يكون هللا تعاىل وحده‬
‫هو احملبوب لذاته‪ ،‬وما سواه فهو حمبوب له وفيه‪ ،‬ال حيب مع هللا أحدا‪.‬‬
‫ب َِّ َّ ِ‬ ‫ند ًادا ِحيبُّونَ ُهم َك ُح ِ‬ ‫ون َِّ‬‫َّخ ُذ ِمن د ِ‬ ‫َّاس من يت ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنُوا‬‫اَّلل َوالذ َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ َ‬‫اَّلل أ َ‬ ‫ُ‬ ‫قال هللا تعاىل‪َ ﴿ :‬وم َن الن ِ َ‬
‫يد‬‫اَّللَ َش ِد ُ‬
‫ََ َّن َّ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ََ َّن الْ ُق َّوةَ ََّّلل َمج ًيعا َوأ َ‬
‫اب أ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ََ َش ُّد ُحبًّا ََّّلل َولَ ْو َيرى الذ َ‬
‫ين ظَلَ ُموا إ ْذ َيرْو َن الْ َع َذ َ‬ ‫أَ‬
‫اب ﴾ [البقرة‪.]415:‬‬ ‫الْع َذ ِ‬
‫َ‬
‫قال ابن تيمية رمحه هللا ‪« :‬ال جيوز أن حيب شيء من املوجودات لذاته إال هو سبحانه وحبمده‪،‬‬
‫فكل حمبوب ِف العا َمل إمنا جيوز أن حيب لغريه ال لذاته‪ ،‬والرب تعاىل هو الذي جيب أن حيب‬
‫اَّللُ لََف َس َد َات ﴾ [األنبياء‪ ،]99:‬فإن حمبة‬ ‫لنفسه‪ ،‬وهذا من معاين إهليته‪ ﴿ :‬لَ ْو َكا َن فِي ِه َما ِآهلَة إالَّ َّ‬
‫الشيء لذاته شرك فال حيب لذاته إال هللا‪ ،‬فإن ذلك من خصائص إهليته فال يستحق ذلك إال هللا‬
‫وحده‪ ،‬وكل حمبوب سواه مل حيب ألجله فمحبته فاسدة»(‪. )49‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )44‬رواه البخاري‪ :‬كتاب العلم‪ ،‬ابب القراءة على احملدث (‪ ،)412 ،41٧/4‬ورواه مسلم‪ :‬كتاب اإلميان‪ ،‬ابب‬
‫السؤال عن أركان اإلسالم (‪.)19،14/4‬‬
‫(‪« )49‬جمموع الفتاوى» (‪.)911/4٧‬‬

‫‪83‬‬
‫اَّللُ َوي ْغ ِف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم َوا ََّّللُ َغ ُفور َّرِحيم‬ ‫اَّللَ فَاتَّبِعُ ِوين ْحيبِْب ُك ُم َّ‬‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬قُ ْل إن ُكنتُ ْم ُِحتبُّو َن َّ‬
‫اَّلل ال ِحي ُّ ِ‬ ‫ول فَإن تَ َولَّْوا فَ َّ‬ ‫(‪ )44‬قُل أ ِ‬
‫ين ﴾ [آل عمران‪. ]49،44:‬‬ ‫ب الْ َكاف ِر َ‬ ‫إن ََّ‬ ‫الر ُس َ‬
‫اَّللَ َو َّ‬
‫َطيعُوا َّ‬ ‫ْ‬
‫وقال ابن تيمية رمحه هللا ‪« :‬فكل من ادعى أنه حيب هللا ومل يتبع الرسول فقد كذب‪ ،‬وليست‬
‫حمبته هلل وحده‪ ،‬بل إن كان حيبه فهي حمبة شرك‪ ،‬فإمنا يتبع ما يهواه‪ ،‬كدعوى اليهود والنصارى‬
‫حمبة هللا‪ ،‬فإهنم لو أخلصوا له احملبة مل حيبوا إال ما أحب فكانوا يتبعون الرسول‪ ،‬فلما أحبوا ما‬
‫أبغض هللا مع دعواهم حبه كانت حمبتهم من جنس حمبة املشركني»(‪. )44‬‬
‫وها‬ ‫ِ‬
‫اج ُك ْم َو َعش َريتُ ُك ْم َوأ َْم َوال اقْ تَ َرفْ تُ ُم َ‬
‫إخ َوانُ ُك ْم َوأ َْزَو ُ‬ ‫آاب ُؤُك ْم َوأَبْنَا ُؤُك ْم َو ْ‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬قُ ْل إن َكا َن َ‬
‫ِِ‬ ‫ب إلَي ُكم ِمن َِّ ِِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صوا‬‫اَّلل َوَر ُسوله َوج َهاد ِِف َسبِيله فَتَ َربَّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َح َّ‬
‫ض ْونَ َها أ َ‬ ‫اد َها َوَم َساك ُن تَ ْر َ‬ ‫َوجتَ َارة َختْ َش ْو َن َك َس َ‬
‫ني ﴾ [التوبة‪.]91:‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّللُ ِأب َْم ِرهِ َو َّ‬
‫َح َّىت أيِْيت َّ‬
‫اَّللُ ال ْيهدي الْ َق ْوَم الْ َفاسق َ‬
‫قال ابن القيم رمحه هللا ‪« :‬دل على أن متابعة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص هي حب هللا ورسوله وطاعة أمره‪ ،‬وال‬
‫يكفي ذلك ِف العبودية حىت يكون هللا ورسوله أحب إىل العبد مما سوامها؛ فال يكون عنده شيء‬
‫أحب إليه من هللا ورسوله‪ ،‬ومىت كان عنده شيء أحب إليه منهما فهذا هو الشرك الذي ال يغفره‬
‫إخ َوانُ ُك ْم‬
‫آاب ُؤُك ْم َوأَبْنَا ُؤُك ْم َو ْ‬ ‫هللا لصاحبه ألبتة‪ ،‬وال يهديه هللا‪ ،‬قال هللا تعاىل‪ ﴿ :‬قُ ْل إن َكا َن َ‬
‫ب إلَي ُكم ِم َن‬ ‫َح َّ‬‫ض ْونَ َها أ َ‬
‫ِ‬
‫اد َها َوَم َساك ُن تَ ْر َ‬
‫وأ َْزواج ُكم وع ِشريتُ ُكم وأَموال اقْ تَ رفْ تُم ِ‬
‫وها َوجتَ َارة َختْ َش ْو َن َك َس َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ َ ُ ْ َ َ َ ْ َ َْ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّللُ ِأب َْم ِرهِ َو َّ‬ ‫ِِ‬ ‫َِّ ِِ ِ ٍ‬
‫ني ﴾ ‪.‬‬ ‫اَّللُ ال ْيهدي الْ َق ْوَم الْ َفاسق َ‬ ‫صوا َح َّىت أيِْيت َّ‬ ‫اَّلل َوَر ُسوله َوج َهاد ِِف َسبِيله فَتَ َربَّ ُ‬
‫فكل من قدم طاعة أحد من هؤالء على طاعة هللا ورسوله‪ ،‬أو قول أحد منهم على قول هللا‬
‫ورسوله‪ ،‬أو مرضاة أحد منهم على مرضاة هللا ورسوله‪ ،‬أو خوف أحد منهم ورجاءه والتوكل عليه‬
‫على خوف هللا ورجائه والتوكل عليه‪ ،‬أو معاملة أحدهم على معاملة هللا‪ ،‬فهو ممن ليس هللا ورسوله‬
‫أحب إليه مما سوامها وإن قاله بلسانه فهو كذب منه‪ ،‬وإخبار خبالف ما هو عليه‪.‬‬
‫أحد على حكم هللا ورسوله‪ ،‬فذلك املقدَّم عنده أحب إليه من هللا ورسوله‬ ‫وكذلك من قدم حكم ٍ‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص»(‪. )41‬‬
‫وقال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬من أطاعين دخل اجلنة‪ ،‬ومن عصاين دخل النار»(‪. )45‬‬
‫وقال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ال يؤمن عبد حىت أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أمجعني»‪ ،‬وِف‬
‫رواية‪«:‬ال يؤمن أحدكم حىت أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أمجعني»‬
‫____________________________________‬
‫(‪« )44‬جمموع الفتاوى» (‪.)4٧1/٧‬‬
‫(‪« )41‬مدارج السالكني» (‪.)4٧٧/4‬‬
‫(‪ )45‬رواه البخاري‪ :‬كتاب االعتصام ابلكتاب والسنة‪ ،‬ابب االقتداء بسنة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص (‪.)912/44‬‬

‫‪84‬‬
‫قال أبو سليمان اخلطايب رمحه هللا ِف شرحه للحديث‪« :‬فمعناه ال تصدق ِف حيب حىت تفين ِف‬
‫طاعيت نفسك‪ ،‬وتؤثر رضاي على هواك وإن كان فيه هالكك»(‪ . )41‬وقال ابن القيم رمحه هللا‬
‫‪« :‬فاهلل تعاىل إمنا خلق اخللق لعبادته اجلامعة لكمال حمبته‪ ،‬مع اخلضوع له واالنقياد ألمره»(‪.)41‬‬
‫***‬
‫الشرط الثامن‬
‫الكفر ابلطاغوت‪:‬‬
‫ظاهرا وابطنًا‪،‬‬‫من شروط صحة التوحيد الكفر ابلطاغوت‪ ،‬إذ ال إميان إال بعد الكفر ابلطاغوت ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫اَّللُ‬ ‫ك ِابلْعُْرَوة الْ ُوثْ َقى ال انف َ‬
‫ص َام َهلَا َو َّ‬ ‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬فَ َمن ي ْك ُف ْر ِابلطَّاغُوت َو ْيؤم ْن ِاب ََّّلل فَ َقد ْ‬
‫استَ ْم َس َ‬
‫َِمسيع َعلِيم ﴾ [البقرة‪.]951:‬‬
‫اَّلل و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وت ﴾ [النحل‪.]41:‬‬ ‫اجتَنبُوا الطَّاغُ َ‬ ‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولََق ْد بَ َعثْ نَا ِِف ُك ِل أ َُّمة َّر ُسوالً أَن ْاعبُ ُدوا ََّ َ ْ‬
‫وقال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬من قال ال إله إال هللا وكفر مبا يعبد من دون هللا حرم ماله ودمه وحسابه‬
‫على هللا»(‪. )4٧‬‬
‫وهنارا‪ ،‬مث دعا نبيا أو وليا عند قربه‪ ،‬فقد اختذ‬ ‫قال الشيخ دمحم بن عبد الوهاب‪« :‬فمن عبد هللا ليالً ً‬
‫إهلني اثنني ومل يشهد أن ال إله إال هللا‪ ،‬ألن اإلله هو املدعو‪ ،‬كما يفعل املشركون عند قرب الزبري أو‬
‫ضحية مث ذبح لنيب أو غريه فقد جعل إهلني اثنني‪ ﴿ :‬قُ ْل‬ ‫ٍ‬ ‫عبد القادر أو غريهم‪ ،‬ومن ذبح هلل ألف‬
‫ِ‬ ‫اليت ونُس ِكي وَْحمياي وممََ ِايت ََِّّللِ ر ِ‬
‫ني ﴾ [األنعام‪. )42(»]419:‬‬ ‫ب الْ َعالَم َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ص ِ َ ُ َ‬ ‫َّ‬
‫إن َ‬
‫قال الشيخ سليمان بن سحمان رمحه هللا ‪:‬‬
‫فعاد الذي عادى لدين دمحم __________ ووال الذي وااله من كل مهتد‬
‫وأحبب حلب هللا من كان مؤمنا __________ وأبغض لبغض هللا أهل التمرد‬
‫وما الدين رال احلب والبغض والوال __________ كذاك الربا من كل غاو ومعتد‬

‫***‬
‫____________________________________‬
‫(‪« )41‬شرح صحيح مسلم» (‪.)45/9‬‬
‫(‪« )41‬مدارج السالكني» (‪.)22/4‬‬
‫(‪« )4٧‬صحيح مسلم مع شرح النووي» كتاب اإلميان ابب األمر بقتال الناس حىت يقولوا ال إله إال هللا دمحم رسول هللا‬
‫(‪ )495/4‬برقم (‪.)41‬‬
‫(‪«)42‬الرسائل الشخصية للشيخ دمحم بن عبد الوهاب (ص‪.)411‬‬

‫‪85‬‬
‫الشرط التاسع املوت عليها‪:‬‬
‫مث بعد كل ذلك ال بد له من أن ميوت عليها لكي ينتفع هبا‪ ،‬فإن مات على ضدها من الشرك‬
‫والكفر مل ينفعه شيء‪ ،‬فمن ُختم له ابلتوحيد ومات عليه فهو من أهل اجلنة‪ ،‬ومن ُختم له ابلشرك‬
‫ومات عليه فهو من أهل النار‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الدنْيا‬ ‫ك َحبِطَ ْ‬
‫ت أ َْع َما ُهلُْم ِِف ُّ‬ ‫ت َوُه َو َكافر فَأ ُْولَئِ َ‬
‫يم ْ‬
‫قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وَمن ْيرتَد ْد من ُك ْم َعن دينه فَ ُ‬
‫اب النَّا ِر ُه ْم فِ َيها َخالِ ُدون ﴾[البقرة‪.]941:‬‬ ‫َص َح ُ‬‫كأ ْ‬‫اآلخَرةِ َوأ ُْولَئِ َ‬
‫و ِ‬
‫َ‬
‫َّاس أ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫إن الَّ ِذين َك َفروا وماتُوا وهم ُكفَّار أُولَئِك علَي ِهم لَعنةُ َِّ‬
‫ني‬ ‫اَّلل َوالْ َمالئ َكة َوالن ِ َ‬
‫ََ ْمجَع َ‬ ‫ْ َ َ ْ َْ‬ ‫وقال تعاىل‪ْ ُ َ َ َ ُ َ َّ ﴿ :‬‬
‫اب َوال ُه ْم ينظَُرو َن ﴾ [البقرة‪.]419،414:‬‬ ‫(‪ )414‬خالِ ِد ِ‬
‫َّف َعْن ُه ُم الْ َع َذ ُ‬
‫ين ف َيها ال خيَف ُ‬
‫َ َ‬
‫فعلق هللا سبحانه وتعاىل عذاهبم ِف النار وخلودهم فيها ابملوت على الكفر املناقض للتوحيد‪.‬‬
‫وقال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ما من عبد قال‪ :‬ال إله إال هللا مث مات على ذلك إال دخل اجلنة»‪.‬‬
‫إن أحدكم ليعمل بعمل أهل اجلنة حىت ما يكون بينه وبينها إال‬ ‫وقال ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬فوالذي نفسي بيده َّ‬
‫وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار‬ ‫ذراع‪ ،‬فيسبق عليه الكتاب‪ ،‬فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها‪َّ ،‬‬
‫حىت ما يكون بينه وبينها إال ذراع‪ ،‬فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل اجلنة فيدخلها»‪.‬‬
‫قال النووي رمحه هللا ‪« :‬فال خيلد ِف النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من املعاصي ما‬
‫عمل‪ ،‬كما أنه ال يدخل اجلنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال الرب ما عمل‪ ،‬هذا‬
‫خمتصر جامع ملذهب أهل احلق ِف هذه املسألة»‪.‬‬
‫نسأل هللا تعاىل الثبات ِف الدنيا واآلخرة‪ ،‬ونسأله حسن اخلامتة إنه تعاىل مسيع قريب جميب‪.‬‬

‫مسألة‪:‬‬
‫قد يقول قائل‪ :‬إنك جعلت شروط التوحيد تسعة‪ ،‬واثن قد جعلها عشرة‪ ،‬وآخر جعلها مثانية‬
‫وآخر جعلها سبعة‪ ،‬فما الصحيح ِف ذلك؟‬
‫أقول‪ :‬ال تضاد ِف كل ذلك‪ ،‬وإمنا هذا من ابب اختالف تنوع‪ ،‬فالذي عدها سبعة أدخل ثالثة‬
‫شرط واحد والذي جعلها عشرة أو تسعة ٍ‬
‫شروط إمنا فصل ِف بعض الشروط‪.‬‬ ‫شروط أو شرطني ِف ٍ‬

‫***‬

‫‪86‬‬
‫خمتصر عقيدة أهل السنة واجلماعة‬
‫مقدمة‬
‫احلمد هلل حنمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونعوذ ابهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده‬
‫حممدا‬
‫هللا فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له وأن ً‬
‫عبده ورسوله‪.‬‬
‫اَّللَ َح َّق تُ َقاتِِه َوال متَُوتُ َّن إالَّ َوأَنتُم ُّم ْسلِ ُمو َن ﴾ [آل عمران‪.]4٧9 :‬‬ ‫ين َآمنُوا اتَّ ُقوا َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫﴿ اي أَ َيها الذ َ‬
‫ث ِمْن ُه َما ِر َجاالً‬ ‫اح َدةٍ َو َخلَ َق ِمْن َها َزْو َج َها َوبَ َّ‬
‫سوِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّاس اتَّ ُقوا َربَّ ُك ُم الذي َخلَ َق ُكم من نَّ ْف ٍ َ‬ ‫َيها الن ُ‬ ‫﴿ اي أ َ‬
‫اَّللَ َكا َن َعلَي ُك ْم َرقِيبًا ﴾ [النساء‪.]4 :‬‬ ‫اَّللَ الَّ ِذي تَ َساءَلُو َن بِِه َواأل َْر َح َام َّ‬
‫إن َّ‬ ‫َكثِ ًريا َونِ َساءً َواتَّ ُقوا َّ‬
‫يصلِ ْح لَ ُك ْم أ َْع َمالَ ُك ْم َوي ْغ ِف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم‬
‫يدا (‪ْ )1٧‬‬ ‫اَّللَ َوقُولُوا قَ ْوالً َس ِد ً‬ ‫ين َآمنُوا اتَّ ُقوا َّ‬ ‫﴿ اي أ َّ ِ‬
‫َيها الذ َ‬ ‫َ‬
‫يما ﴾[األحزاب‪.]14 ،1٧ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ومن ِ‬
‫اَّللَ َوَر ُسولَهُ فَ َق ْد فَ َاز فَ ْوًزا َعظ ً‬
‫يط ِع َّ‬ ‫ََ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن أحسن احلديث كالم هللا‪ ،‬وخري اهلدي هدي دمحم ملسو هيلع هللا ىلص(‪ )4‬وشر األمور حمداثهتا‪ ،‬وكل حمدثة‬
‫بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة(‪ ،)9‬وكل ضاللة ِف النار(‪. )4‬‬
‫فهذا ُخمتصر لعقيدة أهل السنة واجلماعة وملا نعتقده ونؤمن به‪ ،‬أمليته وقررته على أحد طاليب‬
‫ألمرين‪:‬‬
‫أعتقد أن أييت اليوم الذي‬ ‫أما األول‪:‬فقد نُسب إلينا‪ ،‬وتُقول علينا ما مل نعتقد ونقول‪ ،‬ومل أكن ُ‬
‫ودفاعا عن غربة الدين‪ ،‬فإننا مل أنت‬ ‫ردا على املُتقولني‪ً ،‬‬ ‫أكتب فيه ُمعتقدي‪ ،‬وأُبني فيه منهجي‪ًّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫جبديد ِف دين هللا تعاىل‪ ،‬ومل نؤلف أصوالً لنخرق هبا إمجاع السلف ‪ ،‬وإمنا لبعد الناس عن املنهج‬
‫السليم أصبح كل من مل يوافقهم ِف أم ٍر أو انزلة خارجي‪ ،‬وتكفريي‪ُ ،‬‬
‫ومتنكب عن الصراط‬
‫املستقيم ‪.‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )4‬أخرجه مسلم ِف «الصحيح»‪ ،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬ابب‪ /‬ختفيف الصالة واخلطبة (‪ )529/9‬ح(‪.)11،14‬‬
‫(‪ )9‬أخرجه أمحد ِف املسند‪ ،)491 ،491/1( :‬وأبو داود‪ :‬كتاب السنة‪ ،‬ابب‪ِ /‬ف لزوم السنة (‪)41٧ ،452/49‬‬
‫حديث رقم (‪ ) 15٧4‬العون‪ ،‬والرتمذي‪ :‬كتاب العلم‪ ،‬ابب‪ /‬ما جاء ِف األخذ ابلسنة واجتناب البدع (‪ )14/5‬حديث‬
‫رقم (‪ ،)9111‬وابن ماجه ِف املقدمة‪ ،‬حديث (‪ ،)11 19‬والدارمي ِف «املقدمة» (‪ )15 ،11/4‬وصححه األلباين ِف‬
‫«إرواء الغليل» برقم (‪.)9155‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه النسائي ِف «السنن»‪ ،‬كتاب العيدين (‪ )4٧2 ،4٧٧/4‬برقم (‪ )514٧‬وقد صحح احملدث األلباين رمحه‬
‫هللا هذه الزايدة ِف ختريج خطبة احلاجة‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫أيت ما تعيشه األمة اليوم من ختبط وتيه‪ ،‬وتفرق واختالف‪ ،‬فكثرت اجلماعات‬ ‫واثنيهما‪:‬ما ر ُ‬
‫والفرق‪ ،‬وتعددت املناهج‪ ،‬وأصبح كل يدَّعي املنهج السليم‪ ،‬والعقيدة الصافية‪ ،‬وخيطئ بل يكفر‬
‫من خالفه ورد عليه‪.‬‬
‫فعزمت أن أُبني ُمعتقد السلف بطريقة ُمبسطة‪ ،‬وإن كان سلفنا وعلماء األمة قبلي قد كتبوا وصنفوا‬
‫ِف هذا اجملال‪.‬‬
‫ونسأل هللا العلي العظيم أن يتقبل أعمالنا‪ ،‬ويصلح نياتنا‪ ،‬ويربم هلذه األمة أمر ٍ‬
‫رشد‪ ،‬يعز فيه أهل‬
‫طاعته‪ ،‬ويذل فيه أهل معصيته واحملاربني لدينه‪ ،‬إنه ويل ذلك والقادر عليه‪ ،‬إنه نعم املوىل ونعم‬
‫النصري‪.‬‬
‫أماله أبو عبدهللا محود بن عبدهللا بن عقالء الشعييب‬
‫‪4199 / 1 / 49‬ه‬

‫ابب اإلميان يزيد وينقص‪:‬‬


‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني سيدان دمحم وعلى آله‬
‫وصحبه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فهذا اعتقادان الذي ندين هللا تعاىل به‪ ،‬وهو اعتقاد الفرقة الناجية املنصورة أهل السنة واجلماعة‬
‫فنقول‪ :‬نؤمن أبن اإلميان‪ :‬هو اعتقاد ابجلنان‪ ،‬وعمل ابألركان‪ ،‬ونطق ابللسان‪.‬‬
‫وال يكملُ اإلميان إال ابلعمل‪ ،‬وال قول وال عمل إال بنية‪ ،‬وال قول وال عمل وال نية إال مبوافقة‬
‫اب‬ ‫ِ‬ ‫يد ابلطاعة‪ ،‬وينقص ابملعصية‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬لِ ِ َّ ِ‬
‫ين أُوتُوا الْكتَ َ‬
‫يستَيق َن الذ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫السنة‪ ،‬وأن اإلميان يز ُ‬
‫ت‬ ‫اان ﴾ [املدثر‪ ،]44 :‬وقال تعاىل‪َّ ﴿ :‬إمنَا الْمؤِمنو َن الَّ ِذين إذَا ذُكِر َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اَّللُ َوجلَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ ُ‬ ‫ين َآمنُوا إميَ ً‬
‫َو ْيزَد َاد الذ َ‬
‫اان َو َعلَى َرِهبِ ْم يتَ َوَّكلُو َن ﴾[األنفال‪ .]9 :‬وعن أيب هريرة‬
‫يت َعلَي ِه ْم آايتُهُ َز َادتْ ُه ْم إميَ ً‬ ‫ِ‬
‫قُلُوبُ ُه ْم َوإ َذا تُل ْ‬
‫قول‪ :‬ال إله‬‫هنع هللا يضر قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬اإلميا ُن بضع وسبعو َن أو بِضع وستو َن شعبة‪ ،‬فأفضلها ُ‬
‫إال هللاُ‪ ،‬وأدانها إماطة األذى عن الطر ِيق‪ ،‬واحلياءُ ُشعبة من اإلميان»(‪. )1‬‬
‫أحدا خيتلف ِف أن اإلميان‬
‫أيت ً‬
‫لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء ابألمصار‪ ،‬فما ر ُ‬
‫وقال البخاري‪ُ « :‬‬
‫يد وينقص»(‪.)5‬‬
‫يز ُ‬

‫___________________________________________‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم كتاب اإلميان‪ ،‬ابب‪ /‬عدد شعب اإلميان حديث (‪. )5٧‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الاللكائي ِف «شرح أصول االعتقاد» (‪ ،)414/9‬و«فتح الباري» البن حجر (‪ ،)11/4‬و«سري أعالم‬
‫النبالء» (‪.)425/49‬‬

‫‪88‬‬
‫يزول اإلميان بزواله كالتوحيد‪ ،‬ومنها ما هو من‬ ‫ونؤمن أبن لإلميان شعب‪ ،‬منها ما هو أصل ُ‬
‫ينقص بزواهلا وال ينتقض أو ال يزول عنه أصل اإلميان‪ ،‬كإماطة األذى عن الطريق‬ ‫واجبات اإلميان ُ‬
‫واحلياء‪.‬‬
‫وكل نفي لإلميان ورد ِف الشرع فإما أن يراد به نفي أصل اإلميان‪ ،‬أو ير ُاد به نفي اإلميان الواجب‪.‬‬

‫ابب اإلميان ابهلل‪:‬‬


‫نؤمن أبن هللا واحد ال شريك له‪ ،‬ال ِف ربوبيته‪ ،‬وال ِف ألوهيته‪ ،‬وال ِف أمسائه وصفاته‪ ،‬ذو األلوهية‬
‫ول ِمبَا أُن ِزَل إلَ ِيه ِمن َّربِِه َوالْ ُم ْؤِمنُو َن ُكلٌّ َآم َن‬ ‫الر ُس ُ‬‫آم ََ َن َّ‬ ‫والعبودية على خلقه أمجعني‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬‬
‫اآلخ ِر َوأَن َف ُقوا ِممَّا َرَزقَ ُه ُم‬
‫ِاب ََّّللِ ﴾ [البقرة‪ ،]9٧5 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬وما َذا علَي ِهم لَو آمنُوا ِاب ََّّللِ والْيوِم ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ََ َ ْ ْ َ‬
‫ِ ِِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫اَّلل وَكا َن َّ ِِ ِ‬
‫ين َآمنُوا ِاب ََّّلل َوُر ُسله َوَملْ ي َف ِرقُوا بَ َ‬
‫ني‬ ‫يما ﴾ [النساء‪ ،]42 :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬والذ َ‬ ‫اَّللُ هب ْم َعل ً‬ ‫َُّ َ‬
‫ِ‬ ‫ك سو َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫أ ٍ ِ‬
‫يما ﴾ [النساء‪ ،]459 :‬وقال‬ ‫اَّللُ َغ ُف ًورا َّرح ً‬ ‫ُج َورُه ْم َوَكا َن َّ‬ ‫ف ْيؤتي ِه ْم أ ُ‬ ‫َحد مْن ُه ْم أ ُْولَئ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫اَّللِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫اه ُدوا ِأب َْم َواهل ْم َوأَن ُفس ِه ْم ِِف َسبِ ِيل َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنُوا ِاب ََّّلل َوَر ُسوله ُمثَّ َملْ ْيرَاتبُوا َو َج َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬إمنَا الْ ُم ْؤمنُو َن الذ َ‬
‫َنف ُقوا ِممَّا َج َعلَ ُكم‬ ‫الص ِادقُو َن ﴾ [احلجرات‪ ،]45 :‬وقال تعاىل‪ِ ﴿ :‬آمنوا ِاب ََّّللِ ورسولِِه وأ ِ‬
‫ََ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ك ُه ُم َّ‬ ‫أ ُْولَئِ َ‬
‫ين‬ ‫َّ ِ‬ ‫ني فِ ِيه فَالَّ ِذين َآمنُوا ِمن ُكم وأَن َف ُقوا َهلُم أ ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫َجر َكبري ﴾ [احلديد‪ ،]1 :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬والذ َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ُّم ْستَ ْخلَف َ‬
‫َّ ِ‬ ‫الص ِدي ُقو َن والشُّه َداء ِع َ ِ‬ ‫ك هم ِ‬ ‫ِ ِ ِِ ِ‬
‫ين َك َف ُروا َوَك َّذبُوا‬ ‫ورُه ْم َوالذ َ‬ ‫ند َرِهب ْم َهلُْم أ ْ‬
‫َج ُرُه ْم َونُ ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َآمنُوا اب ََّّلل َوُر ُسله أ ُْولَئ َ ُ ُ‬
‫اب ا ْجلَ ِحي ِم ﴾ [احلديد‪ ، ]42 :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬سابِ ُقوا َإىل َم ْغ ِفَرةٍ ِمن َّربِ ُك ْم‬ ‫َص َح ُ‬ ‫كأْ‬ ‫ِآبايتِنَا أ ُْولَئِ َ‬
‫اَّللِ ْيؤتِ ِيه َمن‬ ‫ض ُل َّ‬ ‫ك فَ ْ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ين َآمنُوا ِاب ََّّلل َوُر ُسل ِه ذَل َ‬
‫ض أ ُِعد َِّ ِ‬
‫َّت للذ َ‬ ‫ْ‬ ‫الس َم ِاء َواأل َْر ِ‬ ‫ض َّ‬ ‫ض َها َك َع ْر ِ‬ ‫ٍ‬
‫َو َجنَّة َع ْر ُ‬
‫ض ِل الْ َع ِظي ِم ﴾[احلديد‪.]94 :‬‬ ‫اَّللُ ذُو الْ َف ْ‬
‫يشاءُ َو َّ‬ ‫َ‬
‫يعلم أن‬ ‫وِف احلديث الصحيح عن عثمان بن عفان هنع هللا يضر قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬من مات وهو ُ‬
‫دخل اجلنةَ»(‪. )1‬‬ ‫ال إله إال هللاُ َ‬
‫ب‬ ‫اَّللُ َر ُّ‬
‫ونؤمن أبنه وحده ال شريك له ِف ربوبيته‪ ،‬كما قال تعاىل‪ ﴿ :‬أَال لَهُ ا ْخلَلْ ُق َواأل َْم ُر تَبَ َارَك َّ‬
‫ين تَ ْدعُو َن ِمن ُدونِِه َما‬ ‫اَّلل ربُّ ُكم لَه الْم ْل َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َوالذ َ‬ ‫ني ﴾ [األعراف‪ ،]51 :‬وقال تعاىل‪َ ﴿:‬ذل ُك ُم َُّ َ ْ ُ ُ ُ‬ ‫الْ َعالَم َ‬
‫ض َوَمن فِ َيها إن ُكنتُ ْم تَ ْعلَ ُمو َن‬ ‫ِ‬
‫ميْل ُكو َن من قطْم ٍري ﴾ [فاطر‪ ،]44 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬قُل ل َم ِن األ َْر ُ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب الْ َع ْر ِش الْ َع ِظي ِم (‪)٧1‬‬ ‫السْب ِع َوَر ُّ‬
‫ات َّ‬ ‫السمو ِ‬
‫ب َّ َ َ‬ ‫(‪َ )٧1‬سي ُقولُو َن ََِّّللِ قُ ْل أَفَال تَ َذ َّك ُرو َن (‪ )٧5‬قُ ْل َمن َّر ُّ‬
‫يء َوُه َو ِجيريُ َوال جيَ ُار َعلَ ِيه إن ُكنتُ ْم‬ ‫يدهِ ملَ ُكوت ُك ِل ش ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َ‬ ‫َسي ُقولُو َن ََّّلل قُ ْل أَفَال تَتَّ ُقو َن(‪ )٧1‬قُ ْل َم ْن بِ َ ُ‬
‫ََّن تُ ْس َح ُرو َن ﴾[املؤمنون‪.]٧2 ٧1 :‬‬ ‫تَ ْعلَ ُمو َن (‪َ )٧٧‬سي ُقولُو َن ََِّّللِ قُ ْل فَأ َّ‬
‫________________________________________‬
‫قطعا حديث (‪.)14‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم كتاب اإلميان‪ ،‬ابب‪ /‬من مات على التوحيد دخل اجلنة ً‬

‫‪89‬‬
‫ونؤمن أبنه تعاىل هو اإلله احلق ال شريك له‪ ،‬هو اإلله املستحق للعبادة وحده دون سواه‪ ،‬وهلذا‬
‫ون ﴾‬‫خلق هللا الثقلني كما قال تعاىل‪ ﴿ :‬وما خلَ ْقت ا ْجلِ َّن واإلنس إالَّ لِيعب ُد ِ‬
‫ُْ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ َ ُ‬
‫اَّلل هو ا ْحل ُّق وأَنَّه حييي الْموتَى وأَنَّه علَى ُك ِل ش ٍ‬
‫يء‬ ‫ك ِأب َّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َن ََّ ُ َ َ َ ُ ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫[الذارايت‪ ،]51 :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ذل َ‬
‫َن ما ي ْدعو َن ِمن دونِِه هو الْب ِ‬
‫اط ُل َوأ َّ‬ ‫ك ِأب َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َن‬ ‫ُ َُ َ‬ ‫اَّللَ ُه َو ا ْحلَ ُّق َوأ َّ َ ُ‬ ‫َن َّ‬ ‫قَدير ﴾[احلج‪ ،]1 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ذَل َ‬
‫َن َما ي ْدعُو َن ِمن‬ ‫ك ِأب َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّللَ ُه َو ا ْحلَ ُّق َوأ َّ‬
‫َن َّ‬ ‫اَّللَ ُه َو الْ َعلي الْ َكبِريُ ﴾ [احلج‪ ،]19 :‬وقال تعاىل‪َ ﴿:‬ذل َ‬ ‫َّ‬
‫اَّللُ أَنَّهُ ال إلَهَ إالَّ‬‫اَّللَ ُه َو الْ َعلِي الْ َكبِريُ ﴾ [لقمان‪ ،]4٧ :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ش ِه َد َّ‬ ‫َن َّ‬ ‫دونِِه الْب ِ‬
‫اط ُل َوأ َّ‬ ‫ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ﴾ [آل عمران‪،]4٧ :‬‬ ‫ُه َو َوالْ َمالئ َكةُ َوأ ُْولُوا الْع ْلم قَائ ًما ابلْق ْسط ال إلَهَ إالَّ ُه َو الْ َع ََز ُيز ا ْحلَك ُ‬
‫اح ُد الْ َق َّه ُار (‪َ )42‬ما تَ ْعبُ ُدو َن ِمن‬ ‫اَّلل الْو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬اي ِ ِ‬
‫صاح َيب الس ْج ِن أَأ َْرَابب ُّمتَ َفرقُو َن َخري أَم َُّ َ‬ ‫َ‬
‫ان ِإن ا ْحل ْكم إالَّ َِِّ‬
‫َّلل أ ََمَر أَالَّ تَ ْعبُ ُدوا إالَّ‬ ‫اَّلل ِهبا ِمن س ْلطَ ٍ‬ ‫ُدونِِه إالَّ أ ْ‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َنزَل َُّ َ‬ ‫آاب ُؤُكم َّما أ َ‬
‫وها أَنتُ ْم َو َ‬
‫َمسَاءً َمسَّيتُ ُم َ‬
‫َّاس ال ْيعلَ ُمو َن ﴾ [يوسف‪.]1٧ ،42 :‬‬ ‫يم َولَكِ َّن أَ ْكثَ َر الن ِ‬ ‫إايه ذَلِ ِ‬
‫ين الْ َق ُ‬ ‫ك الد ُ‬ ‫ُ َ‬
‫ونؤمن مبا أثبته هللا تعاىل لنفسه ِف كتابه أو سنة رسوله من األمساء والصفات على الوجه‬
‫الالئق به ‪ ،‬من غري حتريف‪ ،‬وال تعطيل‪ ،‬وال تكييف‪ ،‬وال متثيل‪ ،‬كما قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وََِّّللِ األ ْ‬
‫َمسَاءُ‬
‫يجَزْو َن َما َكانُوا ْيع َملُو َن ﴾‬ ‫ا ْحلسىن فَ ْادعوه ِهبا وذَروا الَّ ِذين ي ْل ِح ُدو َن ِِف أ ْ ِِ‬
‫َمسَائه َس ْ‬ ‫َ‬ ‫َُْ ُ ُ َ َ ُ‬
‫[األعراف‪.]4٧٧ :‬‬
‫يم ﴾ [الروم‪ ،]91 :‬وقال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬‫السمو ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َوُه َو الْ َعز ُيز ا ْحلَك ُ‬ ‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَهُ الْ َمثَ ُل األ َْعلَى ِف َّ َ َ‬
‫صريُ ﴾ [الشورى‪.]44 :‬‬ ‫الس ِميع الْب ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫يس َكمثْله َشيء َوُه َو َّ ُ َ‬ ‫تعاىل‪ ﴿ :‬لَ َ‬

‫ابب اإلميان ابملالئكة‪:‬‬


‫ونؤمن مبالئكة هللا تعاىل إمجاالً‪ ،‬وأهنم خلق من خلقه‪ ،‬جمبولني مكلفني بطاعته وعبادته‪ ،‬كما قال‬
‫اَّللَ َما أ ََمَرُه ْم َوي ْف َعلُو َن َما ْيؤَم ُرو َن ﴾ [التحرمي‪ ،]1 :‬وقال‪َ ﴿ :‬ولَهُ َمن ِِف‬ ‫صو َن َّ‬ ‫تعاىل‪ ﴿ :‬الَ ْيع ُ‬
‫يل‬ ‫َّ‬ ‫ادتِِه وال يستَ ْح ِسرو َن (‪ِ )42‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض َوَم ْن ِع َ‬ ‫السمو ِ‬
‫ات َواأل َْر ِ‬
‫يسب ُحو َن الل َ‬ ‫َ‬ ‫يستَ ْكربُو َن َع ْن عبَ َ َ ْ ُ‬ ‫ندهُ ال ْ‬ ‫َّ َ َ‬
‫يسبِ ُقونَهُ ِابلْ َق ْوِل َوُهم ِأب َْم ِرهِ ْيع َملُو َن ﴾‬
‫َّه َار ال ي ْفتُ ُرو َن ﴾ [األنبياء‪ ،]9٧، 42 :‬وقال‪ ﴿:‬ال ْ‬ ‫َوالن َ‬
‫[األنبياء‪.]91 :‬‬
‫ليسوا ابإلانث وال ببنات هللا كما َّادعى املشركون تبارك وتقدس ربنا عما يقولون‬
‫ادتُ ُه ْم‬ ‫الر ْمحَ ِن َإان ًاث أ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ب َش َه َ‬
‫َشه ُدوا َخ ْل َق ُه ْم َستُ ْكتَ ُ‬ ‫اد َّ‬
‫ين ُه ْم عبَ ُ‬
‫قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َج َعلُوا الْ َمالئ َكةَ الذ َ‬
‫يسأَلُو َن ﴾ [الزخرف‪.]42:‬‬ ‫َو ْ‬

‫‪91‬‬
‫اه ُدو َن (‪ )45٧‬أَال إنَّ ُهم ِم ْن إفْكِ ِه ْم لَي ُقولُو َن (‪َ )454‬ولَ َد‬ ‫وقال‪ ﴿ :‬أَم خلَ ْقنا الْمالئِ َكةَ َإان ًاث وهم َش ِ‬
‫َُْ‬ ‫ْ َ َ َ‬
‫الر ْمحَ ُن َولَ ًدا ُسْب َحانَهُ‬ ‫اَّللُ َوإنَّ ُه ْم لَ َك ِاذبُو َن ﴾ [الصافات‪ ،]459 45٧ :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬وقَالُوا َّاختَ َذ َّ‬ ‫َّ‬
‫بَ ْل ِعبَاد ُّم ْكَرُمو َن﴾ [األنبياء‪.]91 :‬‬
‫ول ِمبَا أُن ِزَل إلَ ِيه ِمن َّربِِه‬ ‫الر ُس ُ‬ ‫آم ََ َن َّ‬
‫ومن األدلة على وجوب اإلميان ابملالئكة‪ ،‬قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬‬
‫َح ٍد ِمن ُّر ُسلِ ِه َوقَالُوا َِمس ْعنَا َوأَطَ ْعنَا‬ ‫ِ ِ ِِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫َوالْ ُم ْؤمنُو َن ُكلٌّ َآم َن ِاب ََّّلل َوَمالئ َكته َوُكتُبِه َوُر ُسله ال نُ َف ِر ُق بَ َ‬
‫ني أ َ‬
‫وه ُك ْم قِبَ َل‬
‫ََن تُ َولُّوا ُو ُج َ‬ ‫يس الِْ َّرب أ َ‬
‫يك الْ َمصريُ ﴾ [البقرة‪ ،]9٧5 :‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬لَ َ‬
‫ك ربَّنَا وإلَ َ ِ‬
‫غُ ْفَرانَ َ َ َ‬
‫اآلخ ِر والْمالئِ َك ِة والْ ِكتَ ِ‬‫ب ولَ ِك َّن الِْربَّ من آمن ِاب ََّّللِ والْيوِم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يني ﴾ [البقرة‪:‬‬ ‫اب َوالنَّبِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ ََ‬ ‫الْ َم ْش ِرق َوالْ َم ْغ ِر َ‬
‫اب الَّ ِذي نََّزَل َعلَى َر ُسولِِه‬ ‫‪ ،]411‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬اي أَيها الَّ ِذين آمنُوا ِآمنُوا ِاب ََّّللِ ورسولِِه والْ ِكتَ ِ‬
‫ََ ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ ِِ ِ ِِ ِ ِ‬ ‫اب الَّ ِذي أ ِ‬ ‫والْ ِكتَ ِ‬
‫ضالالً‬ ‫ض َّل َ‬ ‫َنزَل من قَ ْبلُ َوَمن ي ْك ُف ْر ِاب ََّّلل َوَمالئ َكته َوُكتُبِه َوُر ُسله َوالْ ْيوم اآلخ ِر فَ َق ْد َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يدا ﴾ [النساء‪ ،]441:‬وحديث جربيل الطويل وفيه‪« :‬اإلميا ُن أن تؤمن ابهلل ومالئكته وكتبه‬ ‫بَعِ ً‬
‫ورسله‪.)1(»...‬‬
‫فجعل الرسول ملسو هيلع هللا ىلص اإلميان ابملالئكة ركنًا من أركان اإلميان وعدم اإلميان هبم وبوجودهم كفر‬
‫خمرج من امللة ابإلمجاع كما قال تعاىل‪ ﴿ :‬ومن ي ْك ُفر ِاب ََّّللِ ومالئِ َكتِ ِه وُكتُبِ ِه ورسلِ ِه والْيوِم ِ‬
‫اآلخ ِر فَ َق ْد‬ ‫َ َُ ُ َ ْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫يدا ﴾[النساء‪.]441 :‬‬ ‫ضالالً بَعِ ً‬‫ض َّل َ‬‫َ‬
‫وال حيصيهم إال هللا تعاىل‪ ،‬فقد ثبت ِف «الصحيحني» من حديث أنس هنع هللا يضر ِف قصة املعراج «أن‬
‫النيب عليه الصالة والسالم ُرفع له البيت املعمور ِف السماء يدخله يصلي فيه كل يوم سبعون ألف‬
‫ملك‪ ،‬إذا خرجوا مل يعودوا إليه» (‪.)٧‬وقد يتمثل امللك أبمر هللا على هيئة بشر‪ ،‬كما ِف قصة مرمي‪،‬‬
‫وحديث جربيل حني سأل النيب ملسو هيلع هللا ىلص عن اإلسالم‪ ،‬واإلميان واإلحسان‪.‬‬
‫أما صورته احلقيقية‪ ،‬فقد ذكر هللا تعاىل ِف القرآن أنه جعل من املالئكة رسالً أويل أجنحة مثىن‬
‫وثالث ورابع‪ ،‬يزيد ِف اخللق ما يشاء إن هللا على كل شيء قدير‪ ،‬وقد رأى النيب عليه الصالة‬
‫والسالم جربيل على صورته احلقيقية وله ستمائة جناح قد سد األفق (‪.)2‬‬

‫____________________________________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب اإلميان‪ ،‬ابب‪ /‬سؤال جربيل النيب ملسو هيلع هللا ىلص عن اإلميان‪ ،‬واإلسالم‪ ،‬واإلحسان‪ ،‬وعلم الساعة‪...‬‬
‫حديث (‪ ،)5٧‬ومسلم كتاب اإلميان‪ ،‬ابب‪ /‬بيان اإلميان واإلسالم واإلحسان‪ ...‬حديث (‪. )4‬‬
‫(‪ )٧‬البخاري‪ :‬كتاب بدء اخللق‪ ،‬ابب‪ /‬ذكر املالئكة حديث (‪ ،)49٧1‬ومسلم‪ :‬كتاب اإلميان‪ ،‬ابب‪ /‬اإلسراء برسول‬
‫هللا ملسو هيلع هللا ىلص إىل السموات وفرض الصلوات ح(‪.)911‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري ِف كتاب بدء اخللق (‪ )٧4/1‬ابب‪ /‬إذا قال أحدكم واملالئكة ِف السماء‪ ،...‬وكتاب التفسري‬
‫(‪ )5٧/1‬ابب‪ ﴿ /‬فكان قاب قوسني أو أدَّن ﴾ ‪ ،‬ومسلم ِف كتاب اإلميان (‪ ،)45٧/4‬ابب‪ِ /‬ف ذكر سدرة املنتهى‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫وظائف املالئكة‪:‬‬
‫استَ َق ُاموا تَتَ نَ َّزُل َعلَي ِه ُم‬ ‫أوال‪ :‬تثبيت املؤمنني كما قال تعاىل‪ِ َّ َّ ﴿ :‬‬
‫اَّللُ ُمثَّ ْ‬
‫ين قَالُوا َربُّنَا َّ‬ ‫إن الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وع ُدو َن ﴾ [فصلت‪ ،]4٧:‬وقال‬ ‫الْ َمالئ َكةُ أَالَّ َختَافُوا َوال َْحتَزنُوا َوأَبْش ُروا ِاب ْجلَنَّة الَِّيت ُكنتُ ْم تُ َ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫تعاىل‪ ﴿ :‬إ ْذ ِ‬
‫ين َك َف ُروا‬‫ين َآمنُوا َسأُلْقي ِف قُلُوب الذ َ‬ ‫ك َإىل الْ َمالئ َكة أَين َم َع ُك ْم فَثَبتُوا الذ َ‬ ‫يوحي َربُّ َ‬
‫ان ﴾ [األنفال‪ ،]49 :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولََق ْد‬ ‫اض ِربوا ِمْن هم ُكلَّ ب نَ ٍ‬ ‫اض ِربوا فَو َق األ ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َعنَاق َو ْ ُ ُ ْ‬ ‫ب فَ ْ ُ ْ‬ ‫الر ْع َ‬‫ُّ‬
‫ني أَلَن ي ْك ِفي ُك ْم أَن‬ ‫اَّلل لَعلَّ ُكم تَ ْش ُكرو َن (‪ )494‬إ ْذ تَ ُق ُ ِ ِ ِ‬
‫ول للْ ُم ْؤمن َ‬ ‫ُ‬
‫َِّ‬ ‫صرُكم َّ ِ ٍ‬
‫اَّللُ ببَ ْدر َوأَنتُ ْم أَذلة فَاتَّ ُقوا ََّ َ ْ‬ ‫نَ َ َ ُ‬
‫صِربُوا َوتَتَّ ُقوا َوأيْتُوُكم ِمن فَ ْوِرِه ْم‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني (‪ )491‬بَلَى إن تَ ْ‬ ‫مي َّد ُك ْم َربُّ ُكم بِثَالثَة آالف م َن الْ َمالئ َكة ُم َنزل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ إالَّ بُ ْشَرى لَ ُك ْم‬ ‫ني (‪َ )495‬وَما َج َعلَهُ َّ‬ ‫َه َذا ميْد ْد ُك ْم َربُّ ُكم خبَ ْم َسة آالف م َن الْ َمالئ َكة ُم َس ِوم َ‬
‫اَّللِ الْ َع ِزي ِز ا ْحلَ ِكي ِم ﴾ [آل عمران‪.]491 494 :‬‬ ‫ند َّ‬‫ولِتطْمئِ َّن قُلُوب ُكم بِِه وَما النَّصر إالَّ ِمن ِع ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ ُْ‬ ‫ُ‬ ‫ََ َ‬
‫ت الَّ ِذي‬ ‫ك الْمو ِ‬
‫اثنيا‪ :‬قبض األرواح والنفخ يف الصور قال تعاىل‪ ﴿ :‬قُ ْل يتَ َوفَّا ُكم َّملَ ُ َ ْ‬
‫ُو َُكِ َل بِ ُك ْم ُمثَّ َإىل َربِ ُك ْم تُ ْر َجعُو َن ﴾ [السجدة‪.]44 :‬‬
‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت تَ َوفَّْتهُ‬ ‫َح َد ُك ُم الْ َم ْو ُ‬
‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬وُه َو الْ َقاه ُر فَ ْو َق عبَاده َو ْيرس ُل َعلَي ُك ْم َح َفظَةً َح َّىت إ َذا َجاءَ أ َ‬
‫وج ِِف بَ ْع ٍ‬ ‫ٍِ‬
‫ض‬ ‫ض ُه ْم ْيوَمئذ ميُ ُ‬ ‫ُر ُسلُنَا َوُه ْم ال ي َف ِرطُو َن ﴾ [األنعام‪ ،]14 :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬وتَ َرْكنَا بَ ْع َ‬
‫الصوِر فَإ َذا ُهم ِم َن‬ ‫اه ْم َمجْ ًعا ﴾ [الكهف‪ ،]22 :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ونُِف َخ ِِف ُّ‬ ‫َونُِف َخ ِِف ُّ‬
‫الصوِر فَ َج َم ْعنَ ُ‬
‫ينسلُو َن ﴾ [يس‪.]54 :‬‬ ‫اث َإىل رِهبِم ِ‬ ‫األَج َد ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ‬
‫اَّللُ ُمثَّ نُِف َخ‬
‫ض إالَّ َمن َشاءَ َّ‬ ‫ات َوَمن ِِف األ َْر ِ‬ ‫السمو ِ‬ ‫ِ‬
‫صع َق َمن ِف َّ َ َ‬
‫الصوِر فَ ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ونُف َخ ِِف ُّ َ‬
‫ُخَرى فَإ َذا ُه ْم قِيام ينظُُرو َن ﴾[الزمر‪.]1٧:‬‬ ‫فيه أ ْ‬
‫ِِ‬
‫ظ ِمن قَ ْوٍل إالَّ لَ َد ِيه َرقِيب‬ ‫اثلثا‪ :‬تسجيل األعمال وحفظها‪ ،‬كما قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ما ي ْل ِف ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َعتِيد ﴾ [ق‪ ،]4٧:‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫ني (‪ْ )44‬يعلَ ُمو َن َما‬ ‫ني (‪ )4٧‬كَر ًاما َكاتبِ َ‬ ‫إن َعلَي ُك ْم َحلَافظ َ‬
‫تَ ْف َعلُو َن ﴾ [االنفطار‪.]49 4٧ :‬‬
‫ود َها‬ ‫ِ‬ ‫رابعا‪ :‬خزنة جلهنم‪ ،‬كما قال تعاىل‪ ﴿ :‬اي أ َّ ِ‬
‫ين َآمنُوا قُوا أَن ُف َس ُك ْم َوأ َْهلي ُك ْم َان ًرا َوقُ ُ‬ ‫َيها الذ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّللَ َما أ ََمَرُه ْم َوي ْف َعلُو َن َما‬ ‫صو َن َّ‬ ‫َّاس َوا ْحل َج َارةُ َعلَ َيها َمالئ َكة غالظ شداد الَّ ْيع ُ‬ ‫الن ُ‬
‫احة لِْلبَ َش ِر‬ ‫ِ‬
‫ْيؤَم ُرو َن ﴾ [التحرمي‪ ،]1 :‬وقال‪َ ﴿ :‬وَما أ َْد َر َاك َما َس َق ُر (‪ )91‬ال تُْبقي َوال تَ َذ ُر (‪ )9٧‬لََّو َ‬
‫اب النَّا ِر إالَّ َمالئِ َكةً َوَما َج َع ْلنَا ِعدَّتَ ُه ْم إالَّ فِْت نَةً‬ ‫َص َح َ‬
‫ِ‬
‫(‪َ )92‬علَ َيها ت ْس َعةَ َع َشَر (‪َ )4٧‬وَما َج َع ْلنَا أ ْ‬
‫اب‬ ‫ِ‬ ‫اان وال يرَات َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫لِلَّ ِذين َك َفروا لِ ِ َّ ِ‬
‫ين أُوتُوا الْكتَ َ‬ ‫ب الذ َ‬ ‫ين َآمنُوا إميَ ً َ ْ َ‬ ‫اب َو ْيزَد َاد الذ َ‬ ‫ين أُوتُوا الْكتَ َ‬‫يستَيق َن الذ َ‬ ‫َ ُ ْ‬
‫اَّللُ َمن‬ ‫يض ُّل َّ‬‫ك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول الَّ ِذين ِِف قُلُوهبِِم َّمرض والْ َكافِرو َن ما َذا أَراد َّ ِ‬
‫اَّللُ هبَ َذا َمثَالً َك َذل َ‬ ‫َ َ ُ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َوالْ ُم ْؤِمنُو َن َولِي ُق َ‬

‫‪92‬‬
‫ك إالَّ ُه َو َوَما ِهي إالَّ ِذ ْكَرى لِْلبَ َش ِر ﴾ [املدثر‪91 :‬‬ ‫ود َربِ َ‬
‫يشاءُ َوَما ْيعلَ ُم ُجنُ َ‬
‫ِ‬
‫يشاءُ َو ْيهدي َمن َ‬ ‫َ‬
‫‪.]44‬‬
‫ذين اتَّ َق ْوا َربَّ ُه ْم َإىل ا ْجلَنَّةِ ُزَمًرا َح َّىت إذَا‬ ‫خامسا‪ :‬الرحيب ابملؤمنني كما قال تعاىل‪ ﴿ :‬و ِس َ َّ‬
‫يق ال َ‬ ‫َ‬
‫ين ﴾ [الزمر‪.]14 :‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وها َخالد َ‬ ‫ال َهلُْم َخَزنَتُ َها َسالم َعلَي ُك ْم طْب تُ ْم فَ ْاد ُخلُ َ‬
‫ت أَبْ َوابُ َها َوقَ َ‬
‫وها َوفُت َح ْ‬
‫َجاءُ َ‬
‫آابئِ ِه ْم َوأ َْزَو ِاج ِه ْم َوذُ ِرايهتِِ ْم َوالْ َمالئِ َكةُ‬ ‫ِ‬
‫صلَ َح م ْن َ‬
‫ٍ‬
‫ات َع ْدن ي ْد ُخلُونَ َها َوَمن َ‬ ‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬جنَّ ُ‬
‫ب ﴾ [الرعد‪ ،]94 :‬وليست هذه األعمال املذكورة هي كل األعمال‬ ‫ي ْد ُخلُو َن َعلَي ِهم ِمن ُك ِل اب ٍ‬
‫َ‬
‫اليت يقوم به املالئكة‪ ،‬وإمنا على سبيل التمثيل‪ ،‬وإال فأعماهلم كثرية جدًّا‪.‬‬
‫ابب اإلميان ابلكتب‪:‬‬
‫ونؤمن بكتب هللا تعاىل اليت أنزهلا على ُرسله إمجاالً‪ ،‬ونؤمن مبا مساه منها على التفصيل‪،‬كالتوراة‬
‫واإلجنيل والزبور والقرآن‪ ،‬وهي كالمه أوحى به إىل رسله‪ ،‬ليبلِغوه ُحجةً هلل على خلقه‪.‬‬
‫وأن اإلميان هبا ركن من أركان اإلميان‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬قُولُوا َآمنَّا ِاب ََّّللِ َوَما أُن ِزَل إلَينَا َوَما أُن ِزَل َإىل‬
‫ُويت النَّبِيو َن ِمن َّرِهبِ ْم‬ ‫وسى َو ِعيسى َوَما أ ِ‬ ‫اط َوَما أ ِ‬ ‫اق ويع ُقوب واألََسب ِ‬ ‫إب ر ِاهيم و ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ُويت ُم َ‬ ‫إس َح َ َ ْ َ َ َ ْ َ‬ ‫يل َو ْ‬ ‫إمسَاع َ‬ ‫َْ َ َ‬
‫ََ َح ٍد ِمْن ُه ْم َوَْحن ُن لَهُ ُم ْسلِ ُمو َن ﴾ [البقرة‪. ]441 :‬‬ ‫ال نُ َف ِر ُق بَ َ‬
‫ني أ َ‬
‫ول ِمبَا أُن ِزَل إلَ ِيه ِمن َّربِِه‬ ‫الر ُس ُ‬‫آم ََ َن َّ‬ ‫واإلميان هبا صفة من صفات املؤمنني‪ ،‬كما قال تعاىل‪َ ﴿ :‬‬
‫َح ٍد ِمن ُّر ُسلِ ِه َوقَالُوا َِمس ْعنَا َوأَطَ ْعنَا‬ ‫ني أ َ‬
‫ِ ِ ِِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫َوالْ ُم ْؤمنُو َن ُكلٌّ َآم َن ِاب ََّّلل َوَمالئ َكته َوُكتُبِه َوُر ُسله ال نُ َف ِر ُق بَ َ‬
‫صريُ ﴾ [البقرة‪.]9٧5 :‬‬ ‫يك الْم ِ‬
‫ك َربَّنَا َوإلَ َ َ‬ ‫غُ ْفَرانَ َ‬
‫يب‬‫ني (‪ )9‬الَّ ِذين ْيؤِمنُو َن ِابلْغَ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يب فيه ُه ًدى للْ ُمتَّق َ‬
‫ك الْ ِكتَاب ال ر ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ال م (‪ )4‬ذَل َ‬
‫َ‬ ‫ُ َ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫و ِيقيمو َن َّ ِ‬
‫ك‬ ‫يك َوَما أُن ِزَل ِمن قَ ْبل َ‬ ‫ين ْيؤِمنُو َن ِمبَا أُن ِزَل إلَ َ‬ ‫اه ْم ينف ُقو َن (‪َ )4‬والذ َ‬ ‫الصال َة َوممَّا َرَزقْ نَ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫َوِابآلخَرةِ ُه ْم يوقنُو َن ﴾ [البقرة‪.]1 4 :‬‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنُوا ِآمنُوا ِاب ََّّللِ َوَر ُسولِِه‬ ‫وحكم تعاىل ابلكفر على من مل يؤمن هبا فقال تعاىل‪ ﴿ :‬اي أ َّ ِ‬
‫َيها الذ َ‬
‫َ‬
‫َنزَل ِمن قَ ْبلُ َوَمن ي ْك ُف ْر ِاب ََّّللِ َوَمالئِ َكتِ ِه َوُكتُبِ ِه‬ ‫اب الَّ ِذي نََّزَل علَى رسولِِه والْ ِكت ِ ِ‬ ‫والْ ِكتَ ِ‬
‫اب الَّذي أ َ‬ ‫َ َُ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يدا ﴾ [النساء‪.]441 :‬‬ ‫ضالالً بَع ً‬‫ضلَّ َ‬ ‫َوُر ُسله َوالْ ْيوم اآلخ ِر فَ َق ْد َ‬
‫ِ ِ ِ ِِ ِ‬ ‫ٍِ ِ‬
‫وسى َإم ًاما َوَر ْمحَةً‬ ‫اب ُم َ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬أَفَ َمن َكا َن َعلَى بَينَة من َّربِه َو ْيت لُوهُ َشاهد مْنهُ َومن قَ ْبله كتَ ُ‬
‫ك‬ ‫ك ِِف ِم ْر ٍية ِمْنهُ إنَّهُ ا ْحلَ ُّق ِمن َّربِ َ‬ ‫َّار َم ْو ِع ُدهُ فَال تَ ُ‬ ‫ك ْيؤِمنُو َن بِِه ومن ي ْك ُفر بِِه ِمن األ ْ ِ‬
‫َحَزاب فَالن ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫أ ُْولَئِ َ‬
‫َّاس ال ْيؤِمنُو َن ﴾ [هود‪.]41 :‬‬ ‫َولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر الن ِ‬
‫َّ ِ‬
‫ك‬ ‫ك ْيؤِمنُو َن بِِه َوَمن ي ْك ُف ْر بِِه فَأ ُْولَئِ َ‬ ‫الوتِِه أ ُْولَئِ َ‬ ‫ِ‬
‫اب ْيت لُونَهُ َح َّق ت َ‬
‫ِ‬
‫اه ُم الْكتَ َ‬
‫ين آتَينَ ُ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬الذ َ‬
‫اس ُرو َن ﴾ [البقرة‪.]494 :‬‬ ‫هم ا ْخل ِ‬
‫ُُ َ‬

‫‪93‬‬
‫ونؤمن أبن هللا تعاىل حفظ كتابه الذي أنزله على نبيه دمحم من التبديل والتغيري‪ ،‬فقال تعاىل‪َّ ﴿ :‬إان‬
‫إن الَّ ِذين َك َفروا ِاب ِ‬
‫لذ ْك ِر لَ َّما‬ ‫الذ ْكَر َو َّإان لَهُ َحلَافِظُو َن ﴾[احلجر‪ ،]2 :‬وقال تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬ ‫َحنن نََّزلْنا ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ُْ َ‬
‫يد ِيه َوال ِم ْن َخ ْل ِف ِه تَن ِزيل ِم ْن َح ِكي ٍم‬ ‫ني َ‬ ‫اطل ِم ْن بَ ِ‬‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َجاءَ ُه ْم َوإنَّهُ لَكتَاب َعزيز (‪ )14‬ال أيْتيه الْبَ ُ‬
‫يد ﴾ [فصلت‪ ،]19،14:‬وهو الذي بني دفيت املصحف‪ ،‬يبدأ ابلفاحتة وينتهي بسورة الناس‪.‬‬ ‫مح ٍ‬
‫َِ‬
‫وهو والسنة املطهرة مصدرا التشريع هلذه األمة احملمدية‪ ،‬ال يسع ألحد اخلروج عنه؛ ألن فيه خريي‬
‫يء َوُه ًدى َوَر ْمحَةً َوبُ ْشَرى‬ ‫الدنيا واآلخرة‪ ،‬كما قال تعاىل‪ ﴿:‬ونََّزلْنا علَيك الْ ِكتاب تِبياان لِ ُك ِل ش ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ ْ ً‬
‫ني ﴾ [النحل‪.]٧2:‬‬ ‫ِ ِِ‬
‫ل ْل ُم ْسلم َ‬
‫ونؤمن أبنه من زل من هللا تعاىل وليس مبخلوق‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬تَبارَك الَّ ِذي نََّزَل الْ ُفرقَا َن علَى عب ِدهِ‬
‫ْ َ َْ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫ني نَ ِذ ًيرا ﴾ [الفرقان‪ ،]4:‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬أَال لَهُ ا ْخلَْل ُق َواأل َْم ُر تَبَ َارَك َّ‬
‫اَّللُ َر ُّ‬ ‫ِ ِ‬
‫لي ُكو َن ل ْل َعالَم َ‬
‫ِ‬
‫ني ﴾ [األعراف‪ .]51 :‬وال يساويه شيء من كالم املخلوقني‪ ،‬أنزله على رسوله بلفظه‬ ‫ِ‬
‫الْ َعالَم َ‬
‫ومعناه‪ ،‬وتكلم به هللا عز وجل على احلقيقة بصوت مسموع على ما يليق جبالله وعظمته‪ ،‬قال‬
‫صريُ ﴾ [الشورى‪ ،]44:‬كما قال ربنا ِف‬ ‫الس ِميع الْب ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫يس َكمثْله َشيء َوُه َو َّ ُ َ‬ ‫تعاىل‪ ﴿ :‬لَ َ‬
‫ب الطُّوِر األَميَ ِن َوقَ َّربْنَاهُ َِجنيا ﴾ [مرمي‪ .]59 :‬وعن عبدهللا بن أنيس‬ ‫كتابه‪ ﴿ :‬و َان َدينَاهُ ِمن َجانِ ِ‬
‫َ‬
‫قال‪ :‬مسعت النيب ملسو هيلع هللا ىلص يقول‪« :‬حيشر هللا العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من‬
‫قرب‪ :‬أان امللك‪ ،‬أان الداين»(‪ ،)4٧‬وهو صفة من صفاته فمن قال غري ذلك فقد كفر‪.‬‬

‫ابب اإلميان ابلرسل واألنبياء‪:‬‬


‫ونؤمن أبنبياء هللا ورسله أمجعني الذين أخرب هللا تعاىل عنهم ِف كتابه‪ ،‬أو أخرب رسوله ملسو هيلع هللا ىلص عنهم ِف‬
‫سنته‪ ،‬ال نفرق بني أحد من رسله‪ ،‬اصطفاهم هللا تعاىل على خلقه‪ ،‬وخصهم برساالته‪ ،‬وجعلهم‬
‫واسطة بينه وبني خلقه‪ ،‬لتبليغ وحيه‪ ،‬وإيصال كالمه وشرعه‪.‬‬
‫ونؤمن أبهنم بلغوا الرسالة‪ ،‬وأدوا األمانة‪ ،‬ونصحوا ألممهم‪ ،‬ومل يكتموا شيئًا محلوه‪ ،‬ومن كفر بنيب من‬
‫يدو َن أَن ي َف ِرقُوا‬ ‫ين ي ْك ُف ُرو َن ِاب ََّّللِ َوُر ُسلِ ِه َوي ِر ُ‬ ‫األنبياء فقد كفر بسائر األنبياء‪ ،‬قال تعاىل‪ِ َّ َّ ﴿ :‬‬
‫إن الذ َ‬
‫ك َسبِيالً (‪)45٧‬‬ ‫َّخ ُذوا ب ِ‬ ‫يدو َن أَن يت ِ‬ ‫ض َوي ِر ُ‬ ‫ض َونَ ْك ُف ُر بِبَ ْع ٍ‬‫اَّللِ َوُر ُسلِ ِه َوي ُقولُو َن نُ ْؤِم ُن بِبَ ْع ٍ‬
‫ني ذَل َ‬ ‫ََ‬ ‫ني َّ‬ ‫بَ َ‬
‫ين َآمنُوا ِاب ََّّللِ َوُر ُسلِ ِه َوَملْ ي َف ِرقُوا‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َع َذ ًااب ُّمهينًا (‪َ )454‬والذ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ُه ُم الْ َكاف ُرو َن َحقًّا َوأ َْعتَ ْد َان ل ْل َكاف ِر َ‬ ‫أ ُْولَئِ َ‬
‫ِ‬ ‫ك سو َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫بني أ ٍ ِ‬
‫يما ﴾ [النساء‪.]459 45٧ :‬‬ ‫اَّللُ َغ ُف ًورا َّرح ً‬
‫ُج َورُه ْم َوَكا َن َّ‬ ‫ف ْيؤتي ِه ْم أ ُ‬ ‫َحد مْن ُه ْم أ ُْولَئ َ َ ْ‬ ‫ََ َ‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )4٧‬أخرجه البخاري معل ًقا‪ :‬كتاب التوحيد‪ ،‬ابب‪ /‬قول هللا تعاىل‪ ﴿ :‬وال تنفع الشفاعة عنده إال ملن أذن له ﴾ برقم‬
‫(‪. )142/45( )49‬‬

‫‪94‬‬
‫ونؤمن أبهنم يدعون ألصل واحد وهو التوحيد‪ ،‬فاإلسالم دين مجيع األنبياء‪ ،‬والرسل‪ ،‬وإن اختلفت‬
‫اَّلل و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وت ﴾‬ ‫اجتَنبُوا الطَّاغُ َ‬ ‫شرائعهم‪ ،‬كما قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولََق ْد بَ َعثْ نَا ِِف ُك ِل أ َُّمة َّر ُسوالً أَن ْاعبُ ُدوا ََّ َ ْ‬
‫وحي إلَ ِيه أَنَّهُ ال إلَهَ إالَّ أ ََان‬ ‫ول إالَّ نُ ِ‬ ‫ك ِمن َّرس ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫[النحل‪ ،]41:‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬وَما أ َْر َس ْلنَا ِمن قَ ْبل َ‬
‫ون ﴾ [األنبياء‪.]95:‬‬ ‫اعب ُد ِ‬
‫فَ ْ ُ‬
‫ونؤمن أبن آخرهم دمحم خري البشر‪ ،‬وسيد ولد آدم‪ ،‬فضله هللا تعاىل على مجيع رسله وأنبيائه‪،‬‬
‫أحدا غريه‪ ،‬وجعل أمته خري أمة أُخرجت للناس‪ ،‬وأن رسالته عامة للثقلني‬ ‫وخصه مبا مل خيص به ً‬
‫اإلنس واجلن‪ ،‬وأهنا ابقية إىل يوم القيامة‪ ،‬وشريعته هي الشريعة املهيمنة على سائر الشرائع‪ ،‬قال‬
‫السمو ِ‬ ‫اَّللِ إلَي ُكم َِ ِ‬
‫ض ال إلَهَ إالَّ‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫ك َّ َ َ‬ ‫مج ًيعا الَّذي لَهُ ُم ْل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ول َّ‬ ‫َّاس ِإين َر ُس ُ‬
‫َيها الن ُ‬ ‫تعاىل‪ ﴿ :‬قُ ْل اي أ َ‬
‫آمنُوا ِاب ََّّللِ َوَر ُسولِِه النَِّيب األ ُِمي الَّ ِذي ْيؤِم ُن ِاب ََّّللِ َوَكلِ َماتِِه َواتَّبِعُوهُ لَ َعلَّ ُك ْم‬ ‫هو حييي وميِيت فَ ِ‬
‫ُ ْ َ ُ‬
‫تَ ْهتَ ُدو َن ﴾ [األعراف‪.]45٧ :‬‬
‫َّاس ال ْيعلَ ُمو َن ﴾‬ ‫َّاس بَ ِش ًريا َونَ ِذ ًيرا َولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر الن ِ‬
‫اك إالَّ َكافَّةً لِلن ِ‬
‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬وَما أ َْر َس ْلنَ َ‬
‫[سبأ‪.]9٧:‬‬
‫***‬
‫ابب اإلميان ابليوم اآلخر‪:‬‬
‫ََن تُ َولُّوا‬ ‫يس الِْ َّرب أ َ‬
‫ونؤمن أبنه ال تصح عقيدة العبد إال ابإلميان ابليوم اآلخر‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬لَ َ‬
‫ب ولَكِ َّن الِْ َّرب من آمن ِاب ََّّللِ والْيوِم ِ‬
‫اآلخ ِر والْمالئِ َك ِة والْ ِكتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ ََ‬ ‫وه ُك ْم قبَ َل الْ َم ْش ِرق َوالْ َم ْغ ِر َ‬
‫ُو ُج َ‬
‫إن الَّ ِذين آمنُوا والَّ ِذين هادوا والنَّصارى و َّ ِ‬
‫ني َم ْن‬ ‫الصابِئ َ‬ ‫يني ﴾ [البقرة‪ ،]411 :‬وقال تعاىل‪َ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ َّ ﴿ :‬‬ ‫َوالنَّبِ َ‬
‫ند َرِهبِ ْم َوال َخ ْوف َعلَي ِه ْم َوال ُه ْم‬
‫ََ ْج ُرُه ْم ِع َ‬ ‫اآلخ ِر وع ِمل ِ‬ ‫آمن ِاب ََّّللِ والْيوِم ِ‬
‫صاحلًا فَلَ ُه ْم أ َ‬‫ََ َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ََ‬
‫ْحيَزنُو َن ﴾ [البقرة‪.]19 :‬‬
‫وحديث جربيل الطويل وفيه‪«:‬اإلميان أن تؤمن ابهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر‪.)44(»...‬‬ ‫ُ‬

‫ابب اإلميان خبروج املهدي‪:‬‬


‫ونؤمن خبروج املهدي بعدما يعم الفساد والظلم والطغيان األرض‪ ،‬فيأيت ميلؤها عدالً وقسطًا كما‬
‫وظلما‪.‬‬
‫جورا ً‬‫ملئت ً‬
‫________________________________________‬
‫(‪ )44‬سبق خترجيه‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫ابب اإلميان خبروج الدجال‪:‬‬
‫ونؤمن خبروج الدجال آخر الزمان يدعو إىل الربوبية‪ ،‬رجل أعور‪ ،‬جعد الشعر‪ ،‬وعينه طافية قد‬
‫ذهب نورها‪ ،‬كما أخربان بصفاته رسولنا ملسو هيلع هللا ىلص عن أنس هنع هللا يضر قال‪:‬قال النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ما بعث نيب إال‬
‫أنذر أمته األعور الكذاب‪ :‬أال إنه أعور‪ ،‬وإن ربكم ليس أبعور‪ ،‬وإن بني عينيه مكتوب‬
‫كافر»(‪.)49‬‬

‫ابب اإلميان بنزول عيسى عليه السالم ‪:‬‬


‫ونؤمن بنزول عيسى عليه السالم على املنارة البيضاء شرقي دمشق‪ ،‬فيقتل الدجال‪ ،‬وحيكم‬
‫ابإلسالم‪ ،‬ويكسر الصليب‪ ،‬ويقتل اخلن زير‪ ،‬ويضع اجلزية‪.‬‬
‫فعن أيب هريرة هنع هللا يضر قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل ابن مرمي‬
‫حكما مقسطًا‪ ،‬فيكسر الصليب‪ ،‬ويقتل اخلنزير‪ ،‬ويضع اجلزية‪ ،‬ويفيض املال حىت ال يقبله‬ ‫ً‬
‫أحد»(‪.)44‬‬

‫ابب اإلميان خبروج أيجوج ومأجوج ‪:‬‬


‫وج ُم ْف ِس ُدو َن ِِف‬
‫وج َوَمأْ ُج َ‬
‫إن أيْ ُج َ‬
‫ونؤمن بيأجوج ومأجوج‪ ،‬كما قال تعاىل‪ ﴿ :‬قَالُوا اي ذَا الْ َقرنَ ِ‬
‫ني َّ‬ ‫ْ‬
‫ك َخ ْر ًجا َعلَى أَن َْجت َع َل بَينَ نَا َوبَينَ ُه ْم َسدًّا ﴾ [الكهف‪ ،]21 :‬وقال‬ ‫األ َْر ِ‬
‫ض فَ َه ْل َْجن َع ُل لَ َ‬
‫ينسلُو َن ﴾ [األنبياء‪.]21 :‬‬ ‫ب ِ‬ ‫ت أيْجوج ومأْجوج وُهم ِمن ُك ِل ح َد ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫تعاىل‪َ ﴿ :‬ح َّىت إذَا فُت َح ْ ُ ُ َ َ ُ ُ َ‬
‫وعن أيب سعيد اخلدري هنع هللا يضر عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬يقول هللا تعاىل‪ :‬اي آدم! فيقول‪ :‬لبيك‬
‫وسعديك واخلري ِف يديك‪ ،‬فيقول‪ :‬أخرج بعث النار‪ .‬قال‪ :‬وما بعث النار؟‪ ،‬قال‪ :‬من كل ألف‬
‫تسعمائة وتسعة وتسعون‪ ،‬فعنده يشيب الصغري‪ ،‬وتضع كل ذات محل محلها‪ ،‬وترى الناس‬
‫سكارى‪ ،‬وما هم بسكارى‪ ،‬ولكن عذاب هللا شديد»‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬اي رسول هللا وأينا ذلك الواحد قال‪« :‬أبشروا فإن منكم رجل‪ ،‬ومن أيجوج ومأجوج‬
‫ألف»(‪.)41‬‬
‫____________________________________‬
‫أيضا من طريق أخرى عن قتادة‪.‬‬‫(‪ )49‬أخرجه البخاري (‪ ،)4٧2 ،42/44‬ومسلم رقم (‪ ،)9244‬وأخرجه مسلم ً‬
‫(‪ )44‬أخرجه البخاري ِف البيوع (‪ )141/1‬رقم(‪ ،)9999‬وِف املظامل (‪ )494/5‬رقم(‪ ،)9111‬وِف األنبياء‬
‫(‪ )124 ،12٧/1‬رقم (‪ ،)411٧‬ومسلم ِف اإلميان (‪ )445/4‬رقم(‪.)455‬‬
‫(‪ )41‬أخرجه البخاري (‪ ،)154/44 ،4٧٧/44 ،114/٧ ،4٧9/1‬ومسلم رقم (‪.)999‬‬

‫‪96‬‬
‫ابب اإلميان خبروج الدابة ‪:‬‬
‫ونؤمن خبروج دابة يراها كل أهل جهة ِف جهتهم‪ ،‬وتكتب بني عيين املؤمن مؤمنًا‪ ،‬وبني عيين‬
‫كافرا‪ ،‬تنذر الناس بقرب العذاب واهلالك‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وإذَا َوقَ َع الْ َق ْو ُل َعلَي ِه ْم أ ْ‬
‫َخَر ْجنَا َهلُْم‬ ‫الكافر ً‬
‫َّاس َكانُوا ِآبايتِنَا ال يوقِنُو َن ﴾ [النمل‪.]٧9 :‬‬ ‫ض تُ َكلِ ُم ُه ْم أ َّ‬
‫َن الن َ‬ ‫َدابَّةً ِم َن األ َْر ِ‬

‫ابب اإلميان بطلوع الشمس من مغرهبا ‪:‬‬


‫ونؤمن بطلوع الشمس من مغرهبا عالمة من عالمات الساعة الكربى‪ ،‬فعندها ال ينفع الندم‪ ،‬وال‬
‫ك أَو أيِْيت ب عض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آايت‬ ‫َْ ُ‬ ‫تُقبل التوبة‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ه ْل ينظُُرو َن إالَّ أَن َأتْت ُيه ُم الْ َمالئ َكةُ أ َْو أيِْيت َربُّ َ ْ‬
‫ت ِِف إميَا ِهنَا‬ ‫ك ال ين َفع نَ ْفسا إميَانُها َمل تَ ُكن آمنَ ِ‬
‫ت من قَ ْبلُ أ َْو َك َسبَ ْ‬
‫َ ْ ْ َ ْ‬ ‫ُ ً‬
‫ك يوم أيِْيت ب عض ِ‬
‫آايت َربِ َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َربِ َ ْ َ‬
‫َخ ًريا قُ ِل انتَ ِظ ُروا َّإان ُمنتَ ِظ ُرو َن ﴾ [األنعام‪.]45٧ :‬‬
‫وعن أيب هريرة هنع هللا يضر قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ال تقوم الساعة حىت تطلع الشمس من مغرهبا‪،‬‬
‫نفسا إمياهنا‪ ،‬مل تكن آمنت من قبل»(‪.)45‬‬ ‫فإذا رآها الناس آمن من عليها‪ ،‬فذاك حني ال ينفع ً‬

‫ابب اإلميان بفتنة القرب وعذابه ونعيمه ‪:‬‬


‫ونؤمن بفتنة القرب‪ ،‬وهي سؤال امليت ِف قربه عن ربه ودينه ونبيه‪ ،‬كما جاءت به األخبار متواترة‬
‫وحيار ِف جواب‬ ‫عن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص فاملؤمن يثبته هللا تعاىل ِف قربه‪ ،‬وأما الكافر واملنافق فإنه يفزع ُ‬
‫ِ‬
‫اآلخرةِ و ِ‬ ‫اَّلل الَّ ِذين آمنُوا ِابلْ َقوِل الثَّابِ ِ‬
‫ت ِِف ا ْحلَياةِ ُّ‬
‫اَّللُ‬
‫يض ُّل َّ‬ ‫الدنْيا َوِِف َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ت َُّ َ َ‬ ‫امللكني‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬يثَبِ ُ‬
‫ِِ‬
‫يشاءُ ﴾ [إبراهيم‪.]91 :‬‬ ‫اَّللُ َما َ‬
‫ني َوي ْف َعلُ َّ‬‫الظَّالم َ‬
‫حممدا رسول هللا‪ ،‬فذلك‬ ‫وقال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬املسلم إذا سئل ِف القرب شهد أن ال إله إال هللا وأن ً‬
‫يض ُّل َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلخرةِ و ِ‬ ‫ت ِِف ا ْحلَياةِ ُّ‬ ‫اَّلل الَّ ِذين آمنُوا ِابلْ َقوِل الثَّابِ ِ‬
‫اَّللُ الظَّالم َ‬
‫ني‬ ‫الدنْيا َوِِف َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ت َُّ َ َ‬ ‫قوله‪ ﴿ :‬يثَبِ ُ‬
‫يشاءُ ﴾ »(‪.)41‬‬ ‫اَّللُ َما َ‬
‫َوي ْف َع ُل َّ‬

‫____________________________________‬
‫(‪ )45‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب الرقاق رقم(‪ ،)451/44( )15٧1‬ومسلم‪ :‬كتاب اإلميان‪ ،‬ابب‪ /‬بيان الزمن الذي ال‬
‫يقبل فيه اإلميان رقم (‪.)91٧‬‬
‫(‪ )41‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب تفسري القرآن‪ ،‬ابب‪ ﴿ /‬يثبت هللا الذين آمنوا‪ ﴾ ...‬من حديث الرباء بن عازب ح‬
‫(‪.)1122‬‬

‫‪97‬‬
‫وعن أنس بن مالك هنع هللا يضر عن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬إن العبد إذا وضع ِف قربه‪ ،‬وتوىل عنه‬
‫أصحابه‪ ،‬وإنه ليسمع قرع نعاهلم‪ ،‬أاته ملكان فيقعدانه فيقوالن‪ :‬ما كنت تقول ِف هذا الرجل دمحم‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص؟‪ .‬فأما املؤمن فيقول‪ :‬أشهد أنه دمحم عبدهللا ورسوله‪ .‬فيقال له‪ :‬انظر إىل مقعدك من النار‪ ،‬قد‬
‫مجيعا»(‪.)41‬‬ ‫مقعدا من اجلنة» قال النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬فريامها ً‬
‫أبدلك هللا به ً‬
‫ونؤمن بعذاب القرب ملن كان له أهالً‪ ،‬وبنعيمه للمؤمنني‪ ،‬وقد اتفق أهل السنة واجلماعة على إثبات‬
‫اعةُ أ َْد ِخلُوا َ‬
‫آل‬ ‫الس َ‬
‫وم َّ‬ ‫ِ‬
‫ضو َن َعلَ َيها غُ ُد ًّوا َو َعشيا َو ْيوَم تَ ُق ُ‬
‫َّار ْيعَر ُ‬ ‫عذاب القرب ونعيمه‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬الن ُ‬
‫ني ُمثَّ يرُّدو َن َإىل َع َذ ٍ‬
‫اب‬ ‫اب ﴾ [غافر‪ ،]11 :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬سنُ َع ِذبُ ُهم َّمَّرتَ ِ‬ ‫َش َّد الْع َذ ِ‬ ‫ِ‬
‫ف ْر َع ْو َن أ َ َ‬
‫َ‬
‫َع ِظي ٍم ﴾ [التوبة‪ ]4٧4:‬وقد فسر ابن عباس واحلسن وقتادة العذاب الثاين بعذاب القرب(‪،)4٧‬‬
‫وعن عائشة اهنع هللا يضر أن يهودية دخلت عليها‪ ،‬فذكرت عذاب القرب‪ ،‬فقالت هلا‪ :‬أعاذك هللا من‬
‫عذاب القرب‪.‬‬
‫فسألت عائشة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص عن عذاب القرب فقال‪« :‬عذاب القرب حق»‪.‬‬
‫قالت عائشة‪ :‬فما رأيت رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص بعد صلى صالة إال تعوذ من عذاب القرب(‪.)42‬‬
‫وعن ابن عباس قال‪ :‬مر النيب ملسو هيلع هللا ىلص بقربين فقال‪« :‬إهنما ليعذابن‪ ،‬وما يعذابن ِف كبري أما أحدمها‬
‫فكان ال يسترت من البول‪ ،‬وأما اآلخر فكان ميشي ابلنميمة»(‪.)9٧‬‬
‫وعن أيب هريرة قال‪ :‬كان رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص يدعو‪« :‬اللهم إين أعوذ بك من عذاب القرب‪ ،‬ومن عذاب‬
‫النار‪ ،‬ومن فتنة احمليا واملمات‪ ،‬ومن فتنة املسيح الدجال»(‪.)94‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )41‬رواه البخاري كتاب اجلنائز‪ ،‬ابب‪ /‬امليت يسمع خفق النعال‪ ،‬حديث رقم (‪ ،)4411‬ومسلم‪ :‬كتاب اجلنة‪/‬‬
‫ابب‪ :‬عرض مقعد امليت من اجلنة أو النار عليه‪ ،‬حديث (‪.)1٧‬‬
‫(‪ )4٧‬تفسري ابن كثري (‪ )41٧9 41٧4/1‬بتحقيق البنا‪« ،‬أحكام القرآن» للقرطيب (‪ )454/٧‬بتحقيق سامل البدري‪،‬‬
‫«تفسري الطربي» (‪« ،)15٧/1‬فتح القدير» (‪« ،)151/9‬الدر املنثور» (‪.)1٧1/4‬‬
‫(‪ )42‬هذا احلديث له ثالث طرق عن عائشة‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬من طريق أشعث‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن مسروق عن عائشة أخرجه البخاري ِف اجلنائز‪ ،‬ح(‪،)949/4( )4419‬‬
‫ومسلم ِف املساجد ح(‪.)144/4( )5٧1‬‬
‫الثانية‪ :‬من طريق أيب وائل‪ ،‬عن مسروق‪ ،‬عن عائشة‪ ،‬رواه البخاري ِف كتاب الدعوات ح(‪،)411/44( )1411‬‬
‫ومسلم ح(‪.)144/4( )5٧1‬‬
‫خمتصرا ‪،‬‬
‫ً‬ ‫الثالثة‪ :‬من طريق حيىي بن سعيد‪ ،‬عن عمرة‪ ،‬عن عائشة‪ ،‬رواه البخاري ِف الكسوف ح(‪)54٧/9( )4٧12‬‬
‫ومسلم ِف الكسوف‬
‫(‪ )9٧‬أخرجه البخاري كتاب األدب‪ ،‬ابب‪ /‬الغيبة (‪ ٧٧/49‬فتح) ح(‪.)1٧59‬‬
‫(‪ )94‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب اجلنائز‪ ،‬ابب‪ /‬التعوذ من عذاب القرب (‪ )14٧/4‬مع الفتح ح(‪.)4411‬‬

‫‪98‬‬
‫ونؤمن أبن الشهيد أيمن من فتنة القرب كما قال رسول هللا عندما سأله رجل فقال‪ :‬اي رسول هللا‪،‬‬
‫ما ابل املؤمنني يفتنون ِف قبورهم إال الشهيد؟ قال‪« :‬كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة»(‪.)99‬‬

‫ابب اإلميان ابلنفخ يف الصور‪:‬‬


‫ونؤمن أبن إسرافيل عليه السالم ُملتقم القرن‪ ،‬منتظر األمر ابلنفخ‪ ،‬كما ِف حديث أيب سعيد‬
‫القرن القر َن‪ ،‬وحىن‬ ‫اخلدري عند الرتمذي قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬كيف أنعم وقد التقم صاحب ِ‬
‫الصوِر‬ ‫جبهته‪ ،‬وأصغى مسعه‪ ،‬ينتظر أن يؤمر أن ينفخ فينفخ»(‪ ،)94‬وقال تعاىل‪َ ﴿:‬ونُِف َخ ِِف ُّ‬
‫ُخَرى فَإ َذا ُه ْم قِيام‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ض إالَّ َمن َشاءَ َّ‬
‫اَّللُ ُمثَّ نُف َخ فيه أ ْ‬
‫السمو ِ‬
‫ات َوَمن ِِف األ َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫فَ ِ‬
‫صع َق َمن ِف َّ َ َ‬‫َ‬
‫اث َإىل َرِهبِ ْم‬ ‫الصوِر فَإ َذا هم ِمن األَج َد ِ‬
‫ُ َ ْ‬ ‫ينظُُرو َن ﴾ [الزمر‪ ]٧1:‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ونُِف َخ ِِف ُّ‬
‫ينسلُو َن ﴾ [يس‪.]54 :‬‬‫ِ‬
‫ونؤمن أبن النفخ نفختان‪ ،‬كما دل على ذلك احلديث الصحيح عند البخاري عن أيب هريرة هنع هللا يضر‬
‫يوما؟ قال‪ :‬أبيت‪ ،‬قال‪ :‬أربعون‬ ‫قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪«:‬ما بني النفختني أربعون‪ ،‬قال‪ :‬أربعون ً‬
‫شهرا؟ قال‪ :‬أبيت‪ ،‬قال‪ :‬أربعون سنة؟ قال‪ :‬أبيت‪.‬‬ ‫ً‬
‫قال‪ :‬مث ين زل هللا من السماء ماء‪ .‬فينبتون كما ينبت البقل ليس من اإلنسان شيء إال يبلى‪ ،‬إال‬
‫احدا وهو عجب الذنب‪ ،‬ومنه يركب اخللق يوم القيامة»(‪.)91‬‬ ‫عظما و ً‬
‫ً‬

‫ابب اإلميان ابلبعث واحلشر ‪:‬‬


‫ات ْيوٍم‬‫اآلخ ِرين (‪ )12‬لَمجموعو َن َإىل ِمي َق ِ‬
‫َ ُْ ُ‬ ‫َ‬
‫إن األ ََّولِني و ِ‬
‫ََ‬ ‫ونؤمن ابلبعث واحلشر‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬قُ ْل َّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ني ﴾ [املرسالت‪:‬‬ ‫ص ِل َمجَ ْعنَا ُك ْم َواأل ََّول َ‬ ‫َّم ْعلُوم ﴾ [الواقعة‪ ،]5٧ ، 12 :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ه َذا ْيوُم الْ َف ْ‬
‫ين َك َف ُروا أَن لَّن ْيب َعثُوا قُ ْل بَلَى َوَرِيب لَتُ ْب َعثُ َّن ُمثَّ لَتُنَ بَّ ُؤ َّن ِمبَا َع ِم ْلتُ ْم‬ ‫َّ ِ‬
‫‪ ،]4٧‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ز َع َم الذ َ‬
‫يسري ﴾ [التغابن‪.]1 :‬‬ ‫اَّللِ ِ‬
‫ك َعلَى َّ‬ ‫ِ‬
‫َوذَل َ‬

‫____________________________________‬
‫(‪ )99‬رواه النسائي (‪ ،)9٧2/4‬وقال األلباين‪ :‬سنده صحيح كما ِف كتاب أحكام اجلنائز (ص‪.)5٧:‬‬
‫(‪ )94‬أخرجه الرتمذي (‪ ،)441/1٧/4‬وقال‪ :‬حديث حسن‪ ،‬وابن ماجه (‪ ،)1914‬وأمحد (‪ ،)14 ،1/4‬وأبو نعيم‬
‫ِف «احللية» (‪ ،)449 ،44٧/1( )4٧5/5‬وابن املبارك ِف «الزهد» (‪ ،)4521‬وقد حسنه األلباين ِف «الصحيحة»‬
‫(‪ )11/4‬ح(‪.)4٧12‬‬
‫اجا ﴾ ح(‪ ،)1245‬ومسلم‪:‬‬ ‫(‪ )91‬أخرجه البخاري ِف كتاب تفسري القرآن‪ ،‬ابب‪ ﴿ /‬يوم ينفخ ِف الصور فتأتون أفو ً‬
‫كتاب الفنت‪ ،‬ابب‪ /‬ما بني النفختني ح(‪ .)9255‬ح(‪.)194/9( )2٧4‬‬

‫‪99‬‬
‫ونؤمن أبن هللا عز وجل حيشر الناس على أرض بيضاء‪ ،‬مل يسفك فيها دم‪ ،‬ومل يظلم عليها أحد‪،‬‬
‫وذلك كما جاء ِف احلديث الصحيح عن سهل بن سعد قال‪ :‬مسعت النيب ملسو هيلع هللا ىلص يقول‪« :‬حيشر‬
‫الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرص نقي»(‪ ،)95‬وحيشرون حفاة عراة غرالً ُهب ًما كما‬
‫الس ِج ِل لِْل ُكتُ ِ‬
‫ب َك َما بَ َدأْ َان أ ََّوَل َخ ْل ٍق نُّعِ ُ‬ ‫السماء َكطَي ِ‬
‫يدهُ َو ْع ًدا َعلَينَا َّإان‬ ‫قال تعاىل‪ْ ﴿ :‬يوَم نَطْ ِوي َّ َ َ‬
‫ني ﴾ (‪[ )91‬األنبياء‪.]4٧1 :‬‬ ‫ِِ‬
‫ُكنَّا فَاعل َ‬

‫ابب اإلميان ابحلساب‪:‬‬


‫ونؤمن إبطالع هللا تعاىل عباده على أعماهلم ِف احلياة الدنيا ويقررهم بذلك‪ ،‬وذلك بني العبد‬
‫وربه‪ ،‬كما جاء ِف البخاري من حديث عدي بن حامت قال‪ :‬قال النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ما منكم من أحد‬
‫إال وسيكلمه هللا يوم القيامة‪ ،‬ليس بني هللا وبينه ترمجان‪ ،‬مث ينظر فال يرى شيئًا قدامه‪ ،‬مث ينظر بني‬
‫يديه فتستقبله النار‪ ،‬فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق مترة»(‪ ،)91‬وقال‬
‫ِ‬ ‫تعاىل‪ ﴿ :‬فَلَنَسئَ لَ َّن الَّ ِذ ِ‬
‫ني ﴾ [األعراف‪.]1 :‬‬ ‫ين أ ُْرس َل إلَي ِه ْم َولَنَ ْسئَ لَ َّن الْ ُم ْر َسل َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ابب اإلميان ابمليزان‪:‬‬
‫ونؤمن ابمليزان وهو ما يضعه هللا تعاىل يوم القيامة لوزن أعمال العباد‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ال َحبَّ ٍة ِم ْن َخ ْرَد ٍل أَتَينَا‬
‫يام ِة فَال تُظْلَ ُم نَ ْفس َشيئًا َوإن َكا َن ِمثْ َق َ‬ ‫﴿ ونَضع الْموا ِزين الْ ِقس َ ِ ِ ِ‬
‫ط ل ْيوم الْق َ‬ ‫َ َ ُ ََ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني ﴾ [األنبياء‪.]11 :‬‬ ‫هبَا َوَك َفى بِنَا َحاسبِ َ‬
‫وعن أيب هريرة هنع هللا يضر قال‪ :‬قال النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬كلمتان حبيبتان إىل الرمحن‪ ،‬خفيفتان على اللسان‪،‬‬
‫ثقيلتان ِف امليزان‪ :‬سبحان هللا وحبمده‪ ،‬سبحان هللا العظيم»(‪.)9٧‬‬

‫____________________________________‬
‫(‪ )95‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب الرقاق‪ ،‬ابب‪ /‬يقبض هللا األرض يوم القيامة برقم (‪.)1594‬‬
‫(‪ )91‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب األنبياء‪ ،‬ابب‪ /‬قول هللا تعاىل‪ ﴿ :‬واختذ هللا إبراهيم خليالً ﴾ حديث رقم (‪،)4421‬‬
‫ومسلم‪ :‬كتاب اجلنة‪ ،‬ابب‪ /‬فناء الدنيا‪ ،‬وبيان احلشر يوم القيامة حديث رقم (‪.)٧5‬‬
‫(‪ )91‬أخرجه البخاري ِف كتاب التوحيد‪ ،‬ابب‪ /‬كالم الرب يوم القيامة مع األنبياء وغريهم (‪ )111/44‬ح(‪،)1594‬‬
‫ومسلم‪ :‬الزكاة‪ ،‬ابب‪ /‬احلث على الصدقة ولو بشق مترة‪ ،‬أو كلمة طيبة‪ ،‬وأهنا حجاب من النار‪ )1٧4/9( ،‬ح(‪،)11‬‬
‫وهو عند أهل السنن‪.‬‬
‫(‪ ) 9٧‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب األميان والنذور‪ ،‬ابب‪ /‬إذا قال‪ :‬وهللا ال أتكلم اليوم فصلى أو قرأ أو سبح (‪)511/44‬‬
‫ح(‪ ،)11٧9‬ومسلم‪ :‬كتاب الذكر‪ ،‬ابب‪ /‬فضل التهليل والتسبيح والدعاء (‪ )9٧19/1‬ح(‪.)44‬‬

‫‪111‬‬
‫ابب اإلميان ابلصراط ‪:‬‬
‫ونؤمن ابلصراط املنصوب على منت جهنم‪ ،‬وهو اجلسر املمدود على ظهر جهنم ليعرب الناس عليه‬
‫إىل اجلنة‪.‬‬
‫ونؤمن أبن الناس كلهم سوف ميرون عليه‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وإن ِمن ُك ْم إالَّ َوا ِرُد َها َكا َن َعلَى َربِ َ‬
‫ك‬
‫ضيا ﴾ [مرمي‪ ،]14 :‬ويكون املرور على حسب إميان العبد وأعماله‪« ،‬فمنهم من مير‬ ‫حْتما َّم ْق ِ‬
‫ًَ‬
‫كلمح البصر‪ ،‬ومنهم من مير كالربق‪ ،‬ومنهم من مير كالريح‪ ،‬ومنهم من مير كالفرس اجلواد‪ ،‬ومنهم‬
‫عدوا‪ ،‬ومنهم من ميشي مشيا‪ ،‬ومنهم من يزحف زح ًفا‪،‬‬ ‫من مير كالركاب اإلبل‪ ،‬ومنهم من يعدو ً‬
‫أدق من‬ ‫ومنهم من خيطف خط ًفا ويلقى ِف جهنم»(‪« ،)92‬وهو أحد من السيف‪ ،‬و ُّ‬
‫الشعرة»(‪ )4٧‬وعلى جنباته كالليب مثل شوك السعدان مأمورة أبخذ من أمرت به‪ ،‬فعن أيب‬
‫سعيد اخلدري أن رسول هللا سئل عن الصراط فقال‪« :‬مدحضة مزلة‪ ،‬عليه خطاطيف وكالليب‬
‫وحسكة مفلطحة‪ ،‬هلا شوكة عقيفاء تكون بنجد يقال هلا‪ :‬السعدان»(‪.)44‬‬
‫فإذا عربوا عليه‪ ،‬وقفوا عند قنطرة بني اجلنة والنار‪ ،‬فيقتص من بعضهم لبعض‪ ،‬فإذا هذبوا ونقوا‪،‬‬
‫أذن هلم ِف دخول اجلنة(‪.)49‬‬

‫ابب اإلميان ابحلوض ‪:‬‬


‫ونؤمن حبوض نبينا دمحم عليه الصالة والسالم‪ ،‬ترده أمته قبل دخول اجلنة‪ ،‬قال تعاىل‪َّ ﴿ :‬إان‬
‫اك الْ َك ْوثََر ﴾ [الكوثر‪ ،]4 :‬وعن سهل بن سعد عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال‪«:‬إين فرطكم على‬
‫أ َْعطَينَ َ‬
‫احلوض»(‪.)44‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )92‬أخرج احلديث ِف ذلك البخاري برقم (‪ِ )1142‬ف التوحيد‪ ،‬ابب‪ /‬قول هللا تعاىل‪ ﴿ :‬وجوه يومئذ انضرة ﴾ ‪،‬‬
‫ومسلم برقم (‪ِ )4٧4‬ف اإلميان‪ ،‬ابب‪ /‬معرفة طريق الرؤية عن أيب سعيد اخلدري هنع هللا يضر‪.‬‬
‫أيضا مسلم ِف «صحيحه» عن أيب سعيد‬ ‫(‪ )4٧‬أخرجه أمحد ِف «املسند» (‪ )44٧/1‬لكن ِف سنده ابن هليعة‪ ،‬وذكره ً‬
‫اخلدري برقم (‪ِ )4٧4‬ف األميان‪ ،‬واحلديث له حكم الرفع‪.‬‬
‫(‪ )44‬أخرجه البخاري كتاب التوحيد‪ ،‬ابب‪ /‬قول هللا‪ ﴿ :‬وجوه يومئذ انضرة‪ ،‬إىل رهبا انظرة ﴾ حديث رقم (‪)1142‬‬
‫(‪.)4٧9 4٧4/54‬‬
‫(‪ )49‬أخرج احلديث ِف ذلك البخاري برقم (‪ِ )1545‬ف الرقاق ابب‪ /‬القصاص يوم القيامة عن أيب سعيد اخلدري‬
‫هنع هللا يضر‪.‬‬
‫(‪ )44‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب الرقاق‪ ،‬ابب‪ /‬صفة احلوض رقم (‪ ،)15٧4‬ومسلم‪ :‬كتاب الفضائل ابب‪ /‬إثبات‬
‫احلوض (‪.)992٧‬‬

‫‪111‬‬
‫بياضا من اللنب‪ ،‬وأحلى من العسل‪ ،‬وأن فيه من األابريق كعدد جنوم السماء‪،‬‬ ‫ونؤمن أبن ماءه أشد ً‬
‫أبدا(‪ ،)41‬حافتاه‬
‫وطوله مسرية شهر‪ ،‬وعرضه مسرية شهر‪ ،‬من شرب منه شربة مل يظمأ بعدها ً‬
‫قباب اللؤلؤ اجملوف‪ ،‬وهو موجود اآلن‪ ،‬لقول الرسول‪«:‬وإين وهللا أنظر إىل حوضي اآلن»‪.‬‬
‫مدافعا عنهم‪« :‬أميت»‪ ،‬فيقال‬
‫ونؤمن أبن أصنافًا من أمته ملسو هيلع هللا ىلص مينعون من ورود احلوض‪ ،‬فيقول ملسو هيلع هللا ىلص ً‬
‫له‪ :‬إنك ال تدري ما عملوا بعدك‪ ،‬فإهنم ما زالوا يرجعون على أعقاهبم‪ ،‬فلقد مشوا القهقرى‪،‬‬
‫فيقول ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬سح ًقا سح ًقا ملن بدل بعدي»(‪.)45‬‬

‫ابب اإلميان ابلشفاعة ‪:‬‬


‫شفيعا‪ ،‬كما قال‬ ‫ونؤمن ابلشفاعة يوم القيامة‪ ،‬وال تكون إال ملن أذن له هللا عز وجل وارتضاه ً‬
‫ندهُ إالَّ ِإب ْذنِِه ﴾[البقرة‪ ،]955 :‬وقال تعاىل‪ْ ﴿ :‬يوَمئِ ٍذ الَّ تَن َف ُع‬ ‫تعاىل‪َ ﴿ :‬من َذا الَّ ِذي ي ْش َف ُع ِع َ‬
‫وح‬
‫الر ُ‬‫وم ُّ‬ ‫الر ْمحَ ُن َوَرضي لَهُ قَ ْوالً ًَ ﴾ [طه‪ ،]4٧2 :‬وقال تعاىل‪ْ ﴿ :‬يوَم ي ُق ُ‬
‫ِ‬ ‫اعةُ إالَّ َم ْن أ َِذ َن لَهُ َّ‬
‫الش َف َ‬
‫َّ‬
‫ص َو ًااب ﴾ [النبأ‪.]4٧ :‬‬
‫ال َ‬ ‫صفًّا الَّ يتَ َكلَّ ُمو َن إالَّ َم ْن أ َِذ َن لَهُ َّ‬
‫الر ْمحَ ُن َوقَ َ‬ ‫ِ‬
‫َوالْ َمالئ َكةُ َ‬
‫ونؤمن أبن لرسولنا دمحم ملسو هيلع هللا ىلص يوم القيامة شفاعة خاصة‪ ،‬وهي املقام احملمود الذي وعده هللا تعاىل‬
‫ودا ﴾ [اإلسراء‪ ،]12 :‬وهي ِف أهل‬ ‫ك َم َق ًاما ُّْحم ُم ً‬‫ك َربُّ َ‬ ‫لنبيه‪ ،‬كما قال تعاىل‪َ ﴿:‬ع َسى أَن ْيب َعثَ َ‬
‫املوقف كي يقضي هللا تعاىل بينهم بعد أن يرتاجع األنبياء‪ :‬آدم‪ ،‬ونوح‪ ،‬وإبراهيم‪ ،‬وموسى‪ ،‬وعيسى‬
‫عليهم السالم عن الشفاعة حىت تنتهي إىل نبينا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فيشفع الرسول فيهم إىل هللا‪ ،‬فيأيت هللا‬
‫سبحانه وتعاىل للقضاء بني عباده‪.‬‬
‫ونؤمن ابلشفاعة العامة للنيب ملسو هيلع هللا ىلص ولغريه من األنبياء واملرسلني واملالئكة واملؤمنني ملن دخل النار من‬
‫املؤمنني‪ ،‬كما ِف حديث أيب سعيد اخلدري عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص وفيه‪«:‬فيشفع النبيون واملالئكة واملؤمنون‬
‫فيقول اجلبار‪ :‬بقيت شفاعيت»(‪.)41‬‬
‫ونؤمن بشفاعة النيب للموحدين من أمته كما ِف حديث أيب هريرة أنه قال‪ :‬قيل اي رسول هللا! من‬
‫أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )41‬ورد ما ذكره املصنف رمحه هللا ِف صفة احلوض عدة أحاديث‪ ،‬انظر‪ :‬البخاري رقم (‪)15٧4 ،15٧٧ ،1512‬‬
‫أيضا أخرجه مسلم برقم (‪ِ )94٧٧ ،9929‬ف الفضائل‪ ،‬ابب‪ /‬إثبات احلوض‪.‬‬
‫ِف الرقاق‪ ،‬ابب‪ِ /‬ف احلوض‪ ،‬و ً‬
‫(‪ )45‬احلديث أخرجه البخاري برقم (‪ِ )1524 ،15٧1 ،15٧1 ،15٧5 ،15٧1 ،15٧٧ ،1512‬ف الرقاق‪،‬‬
‫ومسلم برقم (‪ِ )9925 ،9921 ،9924‬ف الفضائل‪.‬‬
‫(‪ )41‬أخرجه مسلم‪ :‬كتاب اإلميان (‪.)4٧4( )411/4‬‬

‫‪112‬‬
‫قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬لقد ظننت اي أاب هريرة أن ال يسألين عن هذا احلديث أحد أول منك‪ ،‬ملا‬
‫خالصا‬
‫رأيت من حرصك على احلديث‪ ،‬أسعد الناس بشفاعيت يوم القيامة من قال‪ :‬ال إله إال هللا‪ً ،‬‬
‫من قلبه أو نفسه»(‪.)41‬‬
‫ونؤمن بشفاعة املؤمنني إلخواهنم املؤمنني يوم القيامة‪ ،‬كما ِف حديث أيب سعيد اخلدري الطويل‬
‫وفيه‪« :‬وإذا رأوا أهنم قد جنوا ِف إخواهنم يقولون‪ :‬ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا‪ ،‬ويصومون معنا‬
‫ويعملون معنا‪ ،‬فيقول هللا تعاىل‪ :‬اذهبوا فمن وجدمت ِف قلبه مثقال دينار من إميان فأخرجوه‪،‬وحيرم‬
‫هللا صورهم على النار‪ ،‬فيأتوهنم وبعضهم قد غاب ِف النار إىل قدمه وإىل أنصاف ساقيه‪ ،‬فيخرجون‬
‫من عرفوا‪ ،‬مث يعودون فيقول‪ :‬اذهبوا فمن وجدمت ِف قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه‪ ،‬فيخرجون‬
‫من عرفوا‪ ،‬مث يعودون فيقول‪ :‬اذهبوا فمن وجدمت ِف قلبه مثقال ذرة من إميان فأخرجوه فيخرجون‬
‫من عرفوا»(‪.)4٧‬‬

‫ابب اإلميان ابجلنة ‪:‬‬


‫ونؤمن بوجود اجلنة ونعيمها‪ ،‬وقد هيئت وأعدت لعباده الصاحلني‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َسا ِرعُوا َإىل‬
‫السموات واألَرض أ ُِعد ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫ني ﴾ [آل عمران‪.]444 :‬‬ ‫َّت للْ ُمتَّق َ‬‫ْ‬ ‫ض َها َّ َ َ ُ َ ْ ُ‬ ‫َم ْغفَرةٍ من َّربِ ُك ْم َو َجنَّة َع ْر ُ‬
‫ولقد أخرب عنها رسوله الكرمي ِف احلديث الصحيح‪ :‬عن عبدهللا بن عباس رضي هللا عنهما قال‪:‬‬
‫عنقودا‪ ،‬ولو أخذته ألكلتم‬ ‫ً‬ ‫قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إين رأيت اجلنة أو أريت اجلنة فتناولت منها‬
‫منه ما بقيت الدنيا»(‪.)42‬‬
‫ونؤمن أبن نعيم اجلنة لن يزول ويفىن‪ ،‬وال ميوت سكاهنا‪ ،‬وال يهرم شباهبا‪ ،‬نعيمها دائم‪ ،‬فيها ما ال‬
‫عني رأت‪ ،‬وال أذن مسعت‪ ،‬وال خطر على قلب بشر‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬فَال تَ ْعلَ ُم نَ ْفس َّما أُ ْخ ِفي َهلُم‬
‫ني جزاء ِمبَا َكانُوا يعملُو َن ﴾ [السجدة‪ ،]41 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬جز ُاؤهم ِع َ ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫ند َرِهب ْم َجن ُ‬
‫َّات‬ ‫ََ ُ ْ‬ ‫َْ‬ ‫من قُ َّرة أ َْع َ َ ً‬
‫ك لِ َم ْن َخ ِشي‬ ‫ِ‬
‫ضوا َعْنهُ ذَل َ‬ ‫ين فِ َيها أَبَ ًدا َّر ِضي َّ‬
‫اَّللُ َعْن ُه ْم َوَر ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫َع ْدن َْجت ِري من َْحتت َها األَنْ َه ُار َخالد َ‬
‫َربَّهُ ﴾ [البينة‪.]٧ :‬‬

‫____________________________________‬
‫(‪ )41‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب العلم‪ ،‬ابب‪ /‬احلرص على احلديث (‪ )424/4‬ح(‪.)22‬‬
‫(‪ )4٧‬تقدمه صفحة (‪ )49‬تعليق رقم (‪.)4‬‬
‫(‪ )42‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب الكسوف (‪ ،)4٧59( )51٧/9‬ومسلم‪ :‬الكسوف (‪.)2٧1( )191/9‬‬

‫‪113‬‬
‫ابب‪ :‬اإلميان ابلنار‪:‬‬
‫ونؤمن بوجود النار وأهنا حق‪ ،‬أعدها هللا تعاىل لعقاب الكافرين واملنافقني‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬واتَّ ُقوا‬
‫النَّار الَِّيت أ ُِعد ِ ِ‬
‫ين ﴾ [آل عمران‪ ،]444 :‬وأهنا خالدة أبدية‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬إالَّ طَ ِر َ‬
‫يق‬ ‫َّت ل ْل َكاف ِر َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫يس ًريا ﴾ [النساء‪ ،]412 :‬وقال تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬ ‫اَّللِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫جهنَّم خالِ ِد ِ‬
‫اَّللَ‬
‫إن َّ‬ ‫ك َعلَى َّ‬ ‫ين ف َيها أَبَ ًدا َوَكا َن ذَل َ‬
‫ََ َ َ َ‬
‫ص ًريا ﴾ [األحزاب‪:‬‬ ‫لَعن الْ َكافِ ِرين وأَع َّد َهلم سعِريا (‪ )11‬خالِ ِدين فِيها أَب ًدا الَّ ِجي ُدو َن ولِيا وال نَ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ َ َ ُْ َ ً‬ ‫ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب والْم ْش ِركِ َ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ ،]15 ،11‬وقال تعاىل‪َّ َّ ﴿ :‬‬
‫ين‬
‫ني ِف َانر َج َهن ََّم َخالد َ‬ ‫ين َك َف ُروا م ْن أ َْه ِل الْكتَ َ ُ‬ ‫إن الذ َ‬
‫ك ُه ْم َشُّر الَِْرب ِية ﴾ [البينة‪.]1 :‬‬ ‫ِ‬
‫ف َيها أ ُْولَئِ َ‬
‫ويدخلها عصاة املوحدين‪ ،‬وال خيلدون فيها‪ ،‬بل يعذبون بقدر ذنوهبم مث مصريهم إىل اجلنة‪.‬‬
‫***‬
‫ابب اإلميان ابلقدر‪:‬‬
‫ونؤمن ابلقدر خريه وشره‪ ،‬حلوه ومره‪ ،‬وأن كل ما يقع من اخلري والشر فهو قضاء هللا وقدره‪ ،‬وأن‬
‫كل ما جيري ِف اآلفاق واألنفس فهو مقدر من هللا تعاىل‪ ،‬ومكتوب قبل خلق اخلليقة كما قال‬
‫اب ِمن قَ ْب ِل أَن نَْب َرأ ََها َّ‬
‫إن‬ ‫ض وال ِِف أَن ُف ِس ُكم إالَّ ِِف كِتَ ٍ‬
‫ْ‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬ما أَص ِ ِ ٍ‬
‫اب من ُّمصيبَة ِِف األ َْر ِ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ب ُك َّل خمُْتَ ٍال‬‫اَّللُ ال ِحي ُّ‬ ‫يسري (‪ )99‬لِ َكيال َأتْ َس ْوا َعلَى َما فَاتَ ُك ْم َوال تَ ْفَر ُحوا ِمبَا َ‬
‫آات ُك ْم َو َّ‬ ‫اَّللِ ِ‬
‫ك َعلَى َّ‬ ‫ِ‬
‫َذل َ‬
‫فَ ُخوٍر ﴾ [احلديد‪.]94 ،99:‬‬
‫وروى مسلم ِف «صحيحه» عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪:‬‬
‫«كل شيء بقدر حىت العجز والكيس‪ ،‬أو الكيس والعجز»(‪.)1٧‬‬
‫وروى البخاري ِف «صحيحه» عن عبدهللا بن حمرييز اجلمحي أن أاب سعيد اخلدري أخربه أنه‪:‬‬
‫بينما هو جالس عند النيب ملسو هيلع هللا ىلص جاء رجل من األنصار فقال‪ :‬اي رسول هللا! إان نصيب‬
‫وحنب املال‪ ،‬كيف ترى ِف العزل؟ فقال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬أو إنكم تفعلون ذلك‪ ،‬ال عليكم‬ ‫سبيا ُّ‬
‫أن ال تفعلوا‪ ،‬فإنه ليست نسمة كتب هللا أن خترج إال هي كائنة»(‪.)14‬‬
‫وروى البخاري ِف «صحيحه» عن أيب هريرة عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬ال أييت ابن آدم النذر بشيء مل‬
‫أكن قد قدرته‪ ،‬ولكن يلقيه النذر إىل القدر وقد قدرته له‪ ،‬أستخرج به من البخيل»(‪.)19‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )1٧‬أخرجه مسلم‪ :‬كتاب القدر‪ ،‬ابب‪ /‬كل شيء بقدر (‪ )9٧15‬حديث‪.)4٧( :‬‬
‫أيضا ورد احلديث أبلفاظ خمتلفة ِف نفس‬
‫(‪ )14‬انظر‪ :‬كتاب البيوع‪ ،‬ابب‪ /‬بيع الرقيق ح(‪ )419 414/5( )9992‬و ً‬
‫الصحيح برقم (‪.)11٧2( ،)11٧4( ،)144٧( ،)9519‬‬
‫(‪ )19‬انظر‪ :‬ح(‪ )442/44( ،)11٧2‬كتاب القدر‪ ،‬ابب‪ /‬إلقاء العبد النذر إىل القدر‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫فال خيرج شيء عن إرادته وسلطانه‪ ،‬وال يصدر شيء إال بتقديره وعلمه‪.‬‬
‫ونؤمن أبن اإلميان ابلقدر على أربع مراتب‪:‬‬
‫الس َم ِاء‬
‫اَّللَ ْيعلَ ُم َما ِِف َّ‬
‫َن َّ‬ ‫فاإلميان بعلم هللا تعاىل أوالها‪ :‬كما قال تعاىل‪ ﴿ :‬أََملْ تَ ْعلَ ْم أ َّ‬
‫ين‬ ‫يسري ﴾[احلج‪ ،]1٧ :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬وقَ َ َّ ِ‬ ‫اَّللِ ِ‬ ‫اب َّ ِ‬ ‫ك ِِف كِتَ ٍ‬ ‫ض َّ ِ‬ ‫َواأل َْر ِ‬
‫ال الذ َ‬ ‫َ‬ ‫ك َعلَى َّ‬ ‫إن َذل َ‬ ‫إن َذل َ‬
‫ات َوال‬ ‫السمو ِ‬ ‫ب َعْنهُ ِمثْ َق ُ ٍ ِ‬ ‫اعةُ قُل بَلَى ورِيب لَتَأْتِينَّ ُكم َع ِامل الْغَ ِ‬ ‫َك َف ُروا ال َأتْتِينَا َّ‬
‫ال ذَ َّرة ِف َّ َ َ‬ ‫يب ال ْيع ُز ُ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫الس َ ْ‬
‫ني ﴾ [سبأ‪ ،]4 :‬وعند البخاري من‬ ‫ك وال أَ ْكب ر إالَّ ِِف كِتَ ٍ‬
‫اب ُّمبِ ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِف األ َْر ِ‬
‫َصغَُر من َذل َ َ َ ُ‬ ‫ض َوال أ ْ‬
‫حديث علي هنع هللا يضر قال‪ :‬كنا ِف جنازة ِف بقيع الغرقد‪ ،‬فأاتان رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص فقعد‪ ،‬وقعدان حوله‪،‬‬
‫ومعه خمصرة‪ ،‬فنكس فجعل ينكت مبخصرته‪ ،‬مث قال‪« :‬ما منكم من أحد‪ ،‬ما من نفس منفوسة‬
‫إال كتب مكاهنا من اجلنة والنار‪ ،‬وإال قد كتبت شقية أو سعيدة»‪ .‬فقال رجل‪ :‬اي رسول هللا! أفال‬
‫نتكل على كتابنا‪ ،‬وندع العمل فمن كان منا من أهل السعادة فسيصري إىل أهل السعادة‪ ،‬وأما من‬
‫كان منا من أهل الشقاء فسيصري إىل عمل أهل الشقاوة؟ قال‪« :‬أما أهل السعادة فييسرون لعمل‬
‫َّق‬
‫صد َ‬ ‫السعادة‪ ،‬وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل الشقاوة»‪ ،‬مث قرأ‪ ﴿ :‬فَأ ََّما َم ْن أ َْعطَى َواتَّ َقى(‪َ )5‬و َ‬
‫ِاب ْحلُ ْس َىن ﴾ [الليل‪.)14(]1 ،5 :‬‬
‫واثين املراتب‪ :‬اإلميان أبن هللا ـ تعاىل ـ كتب يف اللوح احملفوظ مقادير كل شيء‪،‬‬
‫اح ِيه إالَّ أ َُمم أ َْمثَالُ ُكم َّما فَ َّرطْنَا ِِف‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ض َوال طَائ ٍر يطريُ جبَنَ َ‬ ‫كما قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وَما ِمن َدابٍَّة ِِف األ َْر ِ‬
‫ندهُ َم َفاتِح الْغَ ِ‬ ‫ٍ‬
‫يب ال‬ ‫ُ‬ ‫اب ِمن َشيء ُمثَّ َإىل َرِهبِ ْم ْحي َش ُرو َن ﴾ [األنعام‪ ،]4٧ :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬و ِع َ‬ ‫الْ ِكتَ ِ‬
‫ط ِمن ورقٍَة إالَّ يعلَمهَا وال حبَّ ٍة ِِف ظُلُم ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫َ‬ ‫ْ ََُ َ َ‬ ‫ْيعلَ ُم َها إالَّ ُه َو َو ْيعلَ ُم َما ِِف الَْرب َوالْبَ ْح ِر َوَما تَ ْس ُق ُ َ َ‬
‫س إالَّ ِِف كِتَ ٍ‬
‫اب ٍَ ُّمبِ ٍ‬ ‫ب َوال ايبِ ٍ‬ ‫ض وال رطْ ٍ‬
‫ني ﴾[األنعام‪.]52 :‬‬ ‫األ َْر ِ َ َ‬
‫واثلث املراتب‪ :‬اإلميان مبشيئة هللا النافذة‪ ،‬فال جيري ِف ملكه إال ما أراد‪ ،‬قال‬
‫ِ‬ ‫اَّلل أَن ْيه ِديهُ ي ْشرح ص ْدرهُ لِ ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ضي ًقا َحَر ًجا‬ ‫إلسالم َوَمن ي ِرْد أَن يضلَّهُ ْجي َع ْل َ‬
‫ص ْد َرهُ َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫تعاىل‪ ﴿ :‬فَ َمن ي ِرد َُّ‬
‫ين ال ْيؤِمنُو َن ﴾ [األنعام‪.]495 :‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫ك ْجي َعل َّ ِ‬ ‫يصعَّ ُد ِِف َّ ِ ِ‬ ‫َََّمنَا َّ‬
‫س َعلَى الذ َ‬‫اَّللُ الر ْج َ‬ ‫الس َماء َك َذل َ ُ‬ ‫َكأ َ‬
‫ِ‬
‫ك‬‫واملرتبة الرابعة‪ :‬اإلميان أبنه تعاىل هو اخلالق لكل شيء‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬الَّذي لَهُ ُملْ ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫السمو ِ‬
‫ض َوَملْ يتَّخ ْذ َولَ ًدا َوَملْ ي ُكن لهُ َش ِريك ِِف الْ ُم ْلك َو َخلَ َق ُك َّل َشيء فَ َقد َ‬
‫َّرهُ‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫َّ َ َ‬
‫اَّللُ َخلَ َق ُك ْم َوَما تَ ْع َملُو َن ﴾ [الصافات‪.]21 :‬‬‫تَ ْق ِد ًيرا ﴾ [الفرقان‪ ،]9 :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫____________________________________‬
‫أيضا‬ ‫ِ‬
‫(‪ )14‬انظر‪ :‬البخاري مع الفتح (‪ )524/4‬ح(‪ )4419‬كتاب اجلنائز‪ ،‬ابب‪ /‬موعظة احملدث عند القرب‪ ،‬وأخرجه ً‬
‫ِف مواضع متعددة أبلفاظ خمتلفة (‪.)1559( ،)11٧5( ،)1941( ،)121٧( ،)1211( ،)1211( ،)1215‬‬

‫‪115‬‬
‫ابب اإلميان برؤية املؤمنني رهبم يوم القيامة ‪:‬‬
‫ونؤمن برؤية ربنا ِف اآلخرة‪ ،‬وهي أفضل وألذ نعيم يناله املوحدون‪ ،‬قال تعاىل‪ُ ﴿ :‬و ُجوه ْيوَمئِ ٍذ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َح َسنُوا ا ْحلُ ْس َىن َوِز َ‬
‫ايدة‬ ‫انَّضَرة (‪َ )99‬إىل َرهبَا َانظَرة ﴾ [القيامة‪ ،]94 ،99 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬للَّذ َ‬
‫ين أ ْ‬
‫اب ا ْجلَن َِّة ُه ْم فِ َيها َخالِ ُدو َن ﴾ [يونس‪ ،]91 :‬وقال‬
‫َص َح ُ‬
‫كأْ‬
‫ِ‬
‫وه ُه ْم قَتَ ر َوال ذلَّة أ ُْولَئِ َ‬
‫َوال ْيرَه ُق ُو ُج َ‬
‫تعاىل‪َ ﴿ :‬كالَّ إنَّ ُه ْم َعن َّرِهبِ ْم ْيوَمئِ ٍذ لَّ َم ْح ُجوبُو َن ﴾ [املطففني‪ ،]45 :‬وِف احلديث الصحيح عن‬
‫أيب هريرة قال‪ :‬قال أانس‪ :‬اي رسول هللا! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال‪« :‬هل تضارون ِف‬
‫الشمس‪ ،‬ليس دوهنا سحاب؟»‪ .‬قالوا‪ :‬ال اي رسول هللا! قال‪« :‬هل تضارون ِف القمر ليلة البدر‪،‬‬
‫ليس دونه سحاب؟»‪ .‬قالوا‪ :‬ال اي رسول هللا! قال‪«:‬فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك‪ ،‬جيمع هللا‬
‫الناس‪ ،‬فيقول‪ :‬من كان يعبد شيئًا فليتبعه‪ ،‬فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس‪ ،‬ويتبع من كان‬
‫يعبد القمر القمر‪ ،‬ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت‪ ،‬وتبقى هذه األمة فيها منافقوها‪،‬‬
‫فيأتيهم هللا ِف غري الصورة اليت يعرفون فيقول‪ :‬أان ربكم‪ ،‬فيقولون‪ :‬نعوذ ابهلل منك‪ ،‬هذا مكاننا‬
‫حىت أيتينا ربنا‪ ،‬فإذا أاتان ربنا عرفناه فيأتيهم هللا ِف الصورة اليت يعرفون‪ ،‬فيقول‪ :‬أان ربكم‪ ،‬فيقولون‪:‬‬
‫أنت ربنا‪ ،‬فيتبعونه ويضرب جسر جهنم»(‪.)11‬‬
‫وِف حديث عبدهللا بن قيس عن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬جنتان من فضة‪ ،‬آنيتهما وما فيهما وجنتان‬
‫من ذهب آنيتهما وما فيهما‪ ،‬وما بني القوم وبني أن ينظروا إىل رهبم إال رداء الكربايء على وجهه‬
‫ِف جنة عدن»(‪.)15‬‬
‫قال ابن القيم يف نونيته‪:‬‬
‫ويرونه سبحانه من فوقهم __________ نظر العيان كما يرى القمران‬
‫هذا تواتر عن رسول هللا مل __________ ينكره رال فاسد اإلميان‬
‫وأتى به القرآن تصرحيا __________ وتعريضا مها بسياقه نوعان‬
‫وهي الزايدة قد أتت يف يونس __________ تفسري من قد جاء ابلقرآن‬
‫ورواه عنه مسلم بصحيحه __________ يروي صهيب ذا بال كتمان‬
‫وهو املزيد كذاك فسره __________ أبو بكر هو الصديق ذو اإليقان‬
‫وعليه أصحاب الرسول وتبعو __________ هم بعدهم تبعية اإلحسان‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )11‬أخرجه البخاري ِف الرقاق‪ ،‬ابب‪ /‬الصراط جسر جهنم (‪ ،)1514( )914/44‬ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )15‬احلديث أخرجه البخاري (‪ )194/44( )191 ،194/٧‬ومسلم حديث رقم (‪.)4٧٧‬‬

‫‪116‬‬
‫ولقد أتى ذكر اللقاء لربنا __________ الرمحن يف سور من الفرقان‬
‫ولقاؤه رذ ذاك رؤيته حكى __________ اإلمجاع فيه مجاعة ببيان‬
‫وعليه أصحاب احلديث مجيعهم __________ لغة وعرفا ليس خيتلفان(‪)11‬‬

‫وروى أحاديث الرؤية مجاعة من الصحابة منهم‪ :‬أبو بكر الصديق‪ ،‬وعبدهللا بن قيس‪ ،‬وأبو هريرة‪،‬‬
‫وصهيب بن سنان الرومي‪ ،‬وعبدهللا بن مسعود‪،‬‬ ‫وأبو سعيد اخلدري‪ ،‬وجرير بن عبدهللا البجلي‪ُ ،‬‬
‫وعدي بن حامت‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،‬وأبو موسى األشعري‪.‬‬

‫ابب اإلميان ابحلكم مبا أنزل هللا ‪:‬‬


‫تعبدا هلل وامتثاالً ألمره‪،‬‬ ‫ونؤمن بوجوب حتكيم كتاب هللا تعاىل ِف كل أمور الدين والدنيا‪ً ،‬‬
‫وخنضع حلكمه‪ ،‬ونرضى بشرعه‪ ،‬فهو مظهر من مظاهر التوحيد‪ ،‬وخري لألمة أمجعني‪ ،‬قال‬
‫َّاس أَن َْحت ُك ُموا ِابلْ َع ْد ِل‬ ‫ني الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل أيْمرُكم أَن تُؤُّدوا األَم َ ِ‬ ‫تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬
‫اانت َإىل أ َْهل َها َوإ َذا َح َك ْمتُم بَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إن ََّ ُ ُ ْ‬
‫ص ًريا ﴾ [النساء‪.]5٧ :‬‬ ‫اَّلل َكا َن َِمسيعا ب ِ‬ ‫اَّللَ نِعِ َّما يعِظُ ُكم بِِه َّ‬ ‫َّ‬
‫ً َ‬ ‫إن ََّ‬ ‫إن َّ‬
‫َِّ ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ادوا‬‫ين َه ُ‬ ‫َسلَ ُموا للذ َ‬ ‫ين أ ْ‬ ‫َنزلْنَا الت َّْوَرا َة ف َيها ُه ًدى َونُور ْحي ُك ُم هبَا النَّبيو َن الذ َ‬ ‫وقال تعاىل‪َّ ﴿ :‬إان أ َ‬
‫اخ َش ْو ِن َوال‬ ‫ِ‬ ‫اب َِّ‬ ‫استُ ْح ِفظُوا ِمن كِتَ ِ‬ ‫الرَّابنِيو َن واأل ِ‬
‫َّاس َو ْ‬ ‫اَّلل َوَكانُوا َعلَيه ُش َه َداءَ فَال َختْ َش ُوا الن َ‬ ‫َحبَ ُار مبَا ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َو َّ‬
‫ك ُه ُم الْ َكافُِرو َن ﴾ [املائدة‪.]11 :‬‬ ‫اَّللُ فَأ ُْولَئِ َ‬
‫َنزَل َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اييت َمثَنًا قَليالً َوَمن َّملْ ْحي ُكم مبَا أ َ‬ ‫تَ ْشتَ روا ِآب ِ‬
‫ُ‬
‫َنف َواألُذُ َن ِابألُذُ ِن‬ ‫َنف ِابأل ِ‬ ‫ني َواأل َ‬ ‫ني ِابلْ َع ِ‬
‫س َوالْ َع َ‬‫َن النَّ ْفس ِابلنَّ ْف ِ‬ ‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬وَكتَ ْب نَا َعلَي ِه ْم فِ َيها أ َّ‬
‫َ‬
‫اَّللُ فَأ ُْولَئِ َ‬ ‫ِ‬ ‫لس ِن وا ْجلروح قِصاص فَمن تَصد َ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ُه ُم‬ ‫َّارة لَّهُ َوَمن َّملْ ْحي ُكم مبَا أ َ‬
‫َنزَل َّ‬ ‫َّق به فَ ُه َو َكف َ‬ ‫َ َ‬ ‫َوالس َّن ِاب َ ُُ َ َ‬
‫الظَّالِ ُمو َن ﴾ [املائدة‪.]15 :‬‬
‫اَّللُ فَأ ُْولَئِ َ‬ ‫ِ‬ ‫اإلجن ِيل ِمبَا أَنزَل َّ ِ ِ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ولْيح ُكم أَهل ِ‬
‫ك ُه ُم‬ ‫اَّللُ فيه َوَمن َّملْ ْحي ُكم مبَا أ َ‬
‫َنزَل َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ْ ُْ‬
‫اس ُقو َن ﴾ [املائدة‪.]11 :‬‬ ‫الْ َف ِ‬
‫ول َوأ ُْوِيل األ َْم ِر ِمن ُك ْم فَإن تَنَ َاز ْعتُ ْم ِِف‬
‫الر ُس َ‬
‫َطيعُوا َّ‬ ‫اَّلل وأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬اي أ َّ ِ‬
‫ين َآمنُوا أَطيعُوا ََّ َ‬ ‫َيها الذ َ‬ ‫َ‬
‫ول إن ُكنتم تُؤِمنو َن ِاب ََّّللِ والْيوِم ِ ِ‬ ‫الرس ِ‬ ‫ٍ‬
‫يء فَرُّدوه َإىل َِّ‬
‫َح َس ُن‬‫ك َخري َوأ ْ‬ ‫اآلخ ِر ذَل َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُْ ْ ُ‬ ‫اَّلل َو َّ ُ‬ ‫َش ُ ُ‬
‫َأتْ ِويالً ﴾ [النساء‪.]52 :‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )11‬انظر‪ :‬النونية مع شرحها للهراس (‪.)1٧1/9‬‬
‫***‬

‫‪117‬‬
‫ابب اإلميان بصفات هللا عز وجل ‪:‬‬

‫اإلميان ابلوجه‪:‬‬
‫ك ذُو ا ْجل ِ‬
‫الل‬ ‫وجها ال يشبه املخلوقني‪ ،‬كما قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و ْيب َقى َو ْجهُ َربِ َ‬
‫َ‬ ‫ونؤمن أبن هلل تعاىل ً‬
‫يء َهالِك‬‫اَّللِ إ َهلا آخر ال إلَه إالَّ هو ُكل ش ٍ‬
‫َواإل ْكَرِام ﴾ [الرمحن‪ ،]91 :‬وقال تعاىل‪َ ﴿:‬وال تَ ْدعُ َم َع َّ ً َ َ َ ُ َ ُّ َ‬
‫إالَّ َو ْج َههُ لَهُ ا ْحلُ ْك ُم َوإلَ ِيه تُ ْر َجعُو َن ﴾ [القصص‪.]٧٧ :‬‬
‫وِف احلديث الصحيح عن جابر بن عبدهللا قال‪ :‬ملا نزل قول هللا تعاىل ‪ ﴿ :‬قُ ْل ُه َو الْ َق ِاد ُر َعلَى أَن‬
‫ث َعلَي ُك ْم َع َذ ًااب ِمن فَ ْوقِ ُك ْم ﴾ [األنعام‪ ]15 :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬أعوذ بوجهك»(‪.)11‬‬ ‫ْيب َع َ‬

‫اإلميان ابليد‪:‬‬
‫ونؤمن أبن هلل تعاىل يدين الئقتني جبالله وعظمته وكماله‪ ،‬ومها يدان حقيقيتان تليقان به تعاىل‪،‬‬
‫ان ِ‬
‫ينف ُق‬ ‫يداه مبسوطَتَ ِ‬ ‫اَّللِ م ْغلُولَة غُلَّ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت أَيديه ْم َولُعنُوا مبَا قَالُوا بَ ْل َ ُ َ ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫يد َّ َ‬ ‫ود ُ‬ ‫قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وقَالَت الْ ُيه ُ‬
‫ضاءَ‬ ‫ياان َوُك ْفًرا َوأَلْ َقينَا بَينَ ُه ُم الْ َع َد َاوةَ َوالْبَ ْغ َ‬
‫ك طُ ْغ ً‬ ‫يك ِمن َّربِ َ‬ ‫يد َّن َكثِ ًريا ِمْن ُهم َّما أُن ِزَل إلَ َ‬
‫يشاءُ َولَي ِز َ‬
‫يف َ‬ ‫َك َ‬
‫ب‬‫اَّللُ ال ِحي ُّ‬ ‫ادا َو َّ‬ ‫ض فَ َس ً‬ ‫يس َع ْو َن ِِف األ َْر ِ‬ ‫ب أَطْ َفأ ََها َّ‬‫َإىل يوِم الْ ِقيام ِة ُكلَّما أَوقَ ُدوا َانرا لِْلحر ِ‬
‫اَّللُ َو ْ‬ ‫ً َْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ْ‬
‫يدي‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك أَن تَ ْس ُج َد ل َما َخلَ ْق ُ‬ ‫يس َما َمنَ َع َ‬ ‫ال اي إبْل ُ‬ ‫ين ﴾ [املائدة‪ .]11 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬قَ َ‬ ‫الْ ُم ْفسد َ‬
‫ني ﴾ [ص‪.]15:‬‬ ‫ِ‬ ‫أَستَ ْكب رت أَم ُك ِ‬
‫نت م َن الْ َعال َ‬ ‫ْ َْ َ ْ َ‬
‫ات َمطْ ِوايت‬ ‫يام ِة َو َّ‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل ح َّق قَ ْد ِرهِ واألَرض َِ‬
‫الس َم َو ُ‬ ‫ضتُهُ ْيوَم الْق َ‬ ‫مج ًيعا قَ ْب َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬وَما قَ َد ُروا ََّ َ‬
‫اىل َع َّما ي ْش ِرُكو َن ﴾[الزمر‪.]11 :‬‬ ‫يمينِ ِه ُسْب َحانَهُ َوتَ َع َ‬
‫بِ ِ‬
‫وِف حديث عبدهللا بن مسعود قال‪«:‬جاء رجل إىل النيب ملسو هيلع هللا ىلص من أهل الكتاب‪ ،‬فقال‪ :‬اي أاب‬
‫القاسم! إن هللا ميسك السموات على إصبع‪ ،‬واألرضني على إصبع‪ ،‬والشجر والثرى على إصبع‪،‬‬
‫امللك‪.‬‬
‫امللك‪ ،‬أان ُ‬ ‫واخلالئق على إصبع‪ ،‬مث يقول‪ :‬أان ُ‬
‫اَّلل ح َّق قَ ْد ِرهِ واألَرض َِ‬
‫مج ًيعا‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫فرأيت النيب ملسو هيلع هللا ىلص ضحك حىت بدت نواجذه‪ ،‬مث قرأ‪َ ﴿ :‬وَما قَ َد ُروا ََّ َ‬
‫يام ِة ﴾ (‪[)1٧‬الزمر‪.»]11 :‬‬ ‫ِ‬
‫ضتُهُ ْيوَم الْق َ‬ ‫قَ ْب َ‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )11‬أخرجه البخاري ِف كتاب التفسري‪ ،‬ابب‪ ﴿ /‬قل هو القادر على أن يبعث عليكم‪ ﴾ ...‬اآلية‪ ،‬حديث رقم‬
‫(‪ ،)119٧‬وانظر (‪.)11٧1( ،)1444‬‬
‫(‪ )1٧‬أخرجه البخاري ِف كتاب التوحيد (‪ ،)419/٧‬ابب (‪ ،)42‬قول هللا تعاىل‪ ﴿ :‬ملا خلقت بيدي ﴾ ‪ ،‬ومسلم‬
‫(‪ِ )9411/9‬ف كتاب‪ :‬صفة القيامة واجلنة والنار (‪.)91٧1‬‬

‫‪118‬‬
‫اإلميان أبصابع هللا تعاىل‪:‬‬
‫اتباعا لورود‬
‫ونؤمن أن هلل تعاىل أصابع ال تشبه أصابع املخلوقني‪ ،‬وأمجع السلف على ذلك ً‬
‫إثباهتا ِف سنة النيب ملسو هيلع هللا ىلص من حديث عبدهللا بن مسعود السابق‪ ،‬وللحديث الصحيح عن‬
‫عبدهللا بن عمرو بن العاص أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال‪«:‬إن قلوب بين آدم بني أصبعني من أصابع الرمحن‪،‬‬
‫كقلب واحد يصرفه كيف يشاء»(‪.)12‬‬

‫اإلميان بكالم هللا تعاىل‪:‬‬


‫ونؤمن أبن هللا تعاىل أثبت لنفسه الكالم‪ ،‬وأثبته له رسوله‪ ،‬فهو سبحانه يتكلم كيف يشاء ومىت‬
‫يشاء‪ ،‬ونؤمن بكالمه على الوجه الذي يليق جبالله‪ ،‬وهو كالم حقيقي‪ ،‬حبروف وأصوات‬
‫وسى لِ ِمي َقاتِنَا َوَكلَّ َمهُ َربُّهُ قَ َ‬
‫ال‬ ‫مسموعة‪ ،‬فقد كلم هللا موسى كما قال تعاىل ِف كتابه‪َ ﴿ :‬ولَ َّما َجاءَ ُم َ‬
‫ف تَ َرِاين فَلَ َّما َجتَلَّى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رِ‬
‫ال لَن تَ َرِاين َولَك ِن انظُْر َإىل ا ْجلَبَ ِل فَإن ْ‬
‫استَ َقَّر َم َكانَهُ فَ َس ْو َ‬ ‫ب أَِرِين أَنظُْر إلَ َ‬
‫يك قَ َ‬ ‫َ‬
‫صعِ ًقا فَلَ َّما أَفَ َ‬ ‫ِ‬
‫يك َوأ ََان أ ََّو ُل‬ ‫ت إلَ َ‬ ‫ك تُْب ُ‬ ‫ال ُسْب َحانَ َ‬ ‫اق قَ َ‬ ‫وسى َ‬ ‫َربُّهُ ل ْل َجبَ ِل َج َعلَهُ َد ًّكا َو َخَّر ُم َ‬
‫يما ﴾ [النساء‪،]411 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ني ﴾ [األعراف‪ ،]414 :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬وَكلَّ َم َّ‬ ‫ِِ‬
‫وسى تَ ْكل ً‬ ‫اَّللُ ُم َ‬ ‫الْ ُم ْؤمن َ‬
‫َّجَرةِ َوأَقُل لَّ ُك َما َّ‬ ‫ِ‬
‫إن الشَّيطَا َن‬ ‫وكلم آدم كما ِف قوله‪َ ﴿ :‬و َان َد ُامهَا َربُّ ُه َما أََملْ أَنْ َه ُك َما َعن ت ْل ُك َما الش َ‬
‫لَ ُك َما َع ُد ٌّو ُّمبِني ﴾ [األعراف‪ ،]99 :‬ويكلم جربيل عليه السالم‪ ،‬كما ِف احلديث الصحيح عن‬
‫فالان‬
‫عبدا اندى جربيل‪ :‬إن هللا قد أحب ً‬ ‫أيب هريرة هنع هللا يضر أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬إن هللا إذا أحب ً‬
‫فأحبه»(‪.)5٧‬‬
‫ويكلم هللا تعاىل املالئكة واملؤمنني‪ ،‬كما ِف احلديث عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬يقول هللا ألهل اجلنة‪:‬‬
‫اي أهل اجلنة! فيقولون‪ :‬لبيك ربنا وسعديك‪ ،‬واخلري كله بني يديك‪ ،‬فيقول‪ :‬هل رضيتم؟ فيقولون‪:‬‬
‫وما لنا ال نرضى اي رب‪.)54(»...‬‬

‫____________________________________‬
‫(‪ )12‬أخرجه مسلم ِف كتاب القدر (‪ )9٧15/1‬ح(‪.)9151‬‬
‫(‪ )5٧‬رواه البخاري ِف التوحيد‪ ،‬ابب‪ /‬كالم الرب مع جربيل‪ ،‬ونداء هللا املالئكة (‪ 114/44‬فتح)‪ ،‬وِف األدب‪،‬‬
‫عبدا حببه إىل عباده (‪ 99/41‬نووي)‪.‬‬‫ومسلم ِف الرب والصلة‪ ،‬ابب‪ /‬إذا أحب هللا ً‬
‫(‪ )54‬احلديث أخرجه البخاري (‪ )1٧1/44( ،)145/44‬عن أيب سعيد اخلدري‪ ،‬ومسلم حديث رقم (‪. )9٧92‬‬

‫‪119‬‬
‫اإلميان ابلعلو والفوقية ‪:‬‬
‫ونؤمن بعلو هللا تعاىل وفوقيته على خلقه‪ ،‬وكونه ِف السماء‪ ،‬وذلك بدون حتريف‪ ،‬وال تعطيل‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وال تكييف‪ ،‬وال متثيل‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬أَأ َِمنتم َّمن ِِف َّ ِ‬
‫ور‬ ‫ف بِ ُك ُم األ َْر َ‬
‫ض فَإذَا هي متَُ ُ‬ ‫الس َماء أَن خيْس َ‬ ‫ُ‬
‫يف نَ ِذي ِر ﴾[امللك‪،41:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )41‬أَم أ َِمنتم َّمن ِِف َّ ِ‬
‫الس َماء أَن ْيرس َل َعلَي ُك ْم َحاصبًا فَ َستَ ْعلَ ُمو َن َك َ‬ ‫ْ ُ‬
‫‪.]41‬‬
‫واملراد ابلسماء الفوقية‪ ،‬وليس املراد أن السماء حتويه سبحانه وتعاىل عن ذلك‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َعلَى ﴾‬ ‫ك األ ْ‬ ‫يم ﴾ [البقرة‪ ،]955 :‬وقال تعاىل ‪َ ﴿ :‬سبِ ِح ْ‬
‫اس َم َربِ َ‬ ‫﴿ َوُه َو الْ َعلي الْ َعظ ُ‬
‫َعلَى ﴾ [الليل‪ ،]9٧ :‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫[األعلى‪ ،]4 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬إالَّ ابْتِغَاءَ َو ْج ِه َربِِه األ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال َّ ِ‬
‫ك َإيل ﴾ [آل عمران‪.]55:‬‬ ‫يك َوَرافعُ َ‬ ‫يسى ِإين ُمتَ َوف َ‬ ‫اَّللُ اي ع َ‬ ‫﴿ إ ْذ قَ َ‬
‫ِ‬ ‫اَّللُ إلَ ِيه َوَكا َن َّ‬
‫يما ﴾ [النساء‪ ،]45٧ :‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫اَّللُ َع ِز ًيزا َحك ً‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬بَل َّرفَ َعهُ َّ‬
‫﴿ خيَافُو َن َربَّ ُهم ِمن فَ ْوقِ ِه ْم َوي ْف َعلُو َن َما ْيؤَم ُرو َن﴾ [النحل‪.]5٧ :‬‬
‫وكان النيب ملسو هيلع هللا ىلص يقول ِف سجوده‪«:‬سبحان ريب األعلى»(‪.)59‬‬
‫وكما ِف حديث اجلارية اليت سأهلا النيب عليه الصالة والسالم‪« :‬أين هللا؟»‪.‬‬
‫قالت‪ِ :‬ف السماء‪.‬‬
‫قال‪« :‬من أان؟»‪.‬‬
‫قالت‪ :‬أنت رسول هللا‪.‬‬
‫قال‪« :‬أعتقها فإهنا مؤمنة»(‪.)54‬‬

‫اإلميان ابالستواء على العرش ‪:‬‬


‫ونؤمن أبن هللا تعاىل مستو على عرشه‪ ،‬ابئن من خلقه‪ ،‬والعرش هو أعلى املخلوقات وأكربها‪ ،‬وهو‬
‫ض ِِف ِست َِّة أ ٍ‬
‫َايم ُمثَّ‬ ‫اَّلل الَّ ِذي خلَق َّ ِ‬ ‫ذو قوائم حتمله املالئكة‪ ،‬قال تعاىل‪َّ ﴿:‬‬
‫الس َم َوات َواأل َْر َ‬ ‫َ َ‬ ‫إن َربَّ ُك ُم َُّ‬
‫استَ َوى َعلَى الْ َع ْر ِش ﴾ [األعراف‪.]51 :‬‬
‫ْ‬
‫ٍ‬ ‫اَّلل الَّ ِذي رفَع َّ ِ‬
‫استَ َوى َعلَى الْ َع ْر ِش ﴾[الرعد‪.]9 :‬‬ ‫الس َم َوات بِغَ ِري َع َمد تَ َرْونَ َها ُمثَّ ْ‬ ‫ََ‬ ‫وقال تعاىل‪َُّ ﴿ :‬‬
‫الر ْمحَ ُن َعلَى الْ َع ْر ِش ا ْستَ َوى ﴾ [طه‪.]5:‬‬
‫وقال تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬

‫____________________________________‬
‫(‪ )59‬رواه مسلم ِف كتاب (صالة املسافرين وقصرها) ابب‪ /‬استحباب تطويل القراءة ِف صالة الليل (‪.)9٧4‬‬
‫(‪ )54‬حديث أخرجه مسلم كتاب املساجد‪ ،‬ابب‪ /‬حترمي الكالم ِف الصالة ونسخ ما كان من إابحة رقم (‪.)44‬‬

‫‪111‬‬
‫استَ َوى َعلَى الْ َع ْر ِش‬ ‫ض وما بينَ هما ِِف ِست َِّة أ ٍ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬الَّ ِذي خلَق َّ ِ‬
‫َايم ُمثَّ ْ‬ ‫الس َم َوات َواأل َْر َ َ َ َ ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫اسئَ ْل بِِه َخبِ ًريا ﴾ [الفرقان‪.]52 :‬‬ ‫الر ْمحَ ُن فَ ْ‬
‫َّ‬
‫ضي بَينَ ُهم ِاب ْحلَ ِق‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬وتَرى الْمالئِ َكةَ حافِني ِمن حوِل الْعر ِش يسبِحو َن ِحبم ِد رِهبِم وقُ ِ‬
‫َ َ ْ َ ْ َْ َ ُ َ ْ َ ْ َ‬ ‫ََ َ‬
‫ني ﴾ [الزمر‪.]15 :‬‬ ‫ِ‬
‫ب الْ َعالَم َ‬ ‫وقِيل ا ْحلم ُد ََِّّللِ ر ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َْ‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬الَّ ِذين حي ِملُو َن الْعرش ومن حولَه يسبِحو َن ِحبم ِد رِهبِم ويؤِمنو َن بِِه و ِ ِ ِ‬
‫يستَ ْغف ُرو َن للَّذ َ‬
‫ين‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ َ َ َ ْ َ ْ ُ َ ُ َ ْ َ ْ َ ْ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫يء َّر ْمحةً و ِع ْلما فَا ْغ ِفر لِلَّ ِذين َاتبوا واتَّب عوا سبِيلَ ِ‬ ‫آمنوا ربَّنا و ِسعت ُكل ش ٍ‬
‫اب‬‫ك َوق ِه ْم َع َذ َ‬ ‫َ ُ َ َُ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ً‬ ‫َ ُ َ َ َ ْ َ َّ َ‬
‫ا ْجلَ ِحي ِم ﴾ [غافر‪.]1 :‬‬
‫الروح ِمن أَم ِرهِ علَى من يشاء ِمن ِعب ِادهِ لِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬رفِيع الد ِ‬
‫ينذ َر ْيوَم‬ ‫َّر َجات ذُو الْ َع ْر ِش ي ْلقي ُّ َ ْ ْ َ َ َ ُ ْ َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫َّالق ﴾ [غافر‪.]45 :‬‬ ‫الت ِ‬
‫ب الْعر ِش ع َّما ِ‬ ‫السمو ِ‬
‫يص ُفو َن ﴾ [الزخرف‪.]٧9 :‬‬ ‫ض َر ِ َ ْ َ‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال تعاىل‪ُ ﴿ :‬سْب َحا َن َرب َّ َ َ‬
‫ك فَ ْوقَ ُه ْم ْيوَمئِ ٍذ َمثَانِية ﴾ [احلاقة‪ ،]41:‬وقال‬ ‫ش َربِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َعلَى أ َْر َجائ َها َو ْحيم ُل َع ْر َ‬ ‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬والْ َملَ ُ‬
‫يد ﴾ [الربوج‪.]45 :‬‬ ‫تعاىل‪ ﴿ :‬ذُو الْ َع ْر ِش الْ َم ِج ُ‬
‫ونؤمن أبنه سبحانه مع استوائه على عرشه وعلوه فوق مسواته قريب من عباده‪ ،‬كما قال‬
‫ك ِعبَ ِادي َع ِين فَ ِإين َق ََ ِريب ﴾[البقرة‪.]4٧1 :‬‬ ‫ََلَ َ‬
‫سبحانه‪َ ﴿ :‬وإ َذا َسأ َ‬
‫وِف احلديث املتفق عليه‪« :‬أيها الناس أربعوا على أنفسكم‪ ،‬فإنكم ال تدعون أصم وال غائبًا‪ ،‬إمنا‬
‫بصريا قريبًا‪ ،‬إن الذي تدعونه أقرب إىل أحدكم من عنق راحلته»(‪.)51‬‬ ‫مسيعا ً‬ ‫تدعون ً‬

‫اإلميان ابلعينني‪:‬‬
‫ونؤمن أبن هلل تعاىل عينان تليقان جبالله‪ ،‬كما أثبت لنفسه ِف كتابه‪ ،‬وكما أثبت له نبيه دمحم ملسو هيلع هللا ىلص ِف‬
‫ك ِأب َْعينِنَا ﴾ [الطور‪.]1٧ :‬‬
‫سنته‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬فَإنَّ َ‬
‫صنَ َع َعلَى َع ِيين ﴾ [طه‪.]42 :‬‬ ‫ِ‬
‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولتُ ْ‬
‫وِف حديث عبد هللا بن عمر قال‪ :‬ذُكر الدجال عند النيب ملسو هيلع هللا ىلص فقال‪«:‬إن هللا ال خيفى عليكم‪ ،‬إن‬
‫هللا تعاىل ليس أبعور وأشار إىل عينه وإن املسيح الدجال أعور عني اليمىن كأن عينه عنبة‬
‫طافية»(‪.)55‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )51‬أخرجه البخاري ِف «صحيحه» (‪ ،)5٧٧/44‬ومسلم حديث رقم (‪.)91٧1‬‬
‫(‪ )55‬احلديث أخرجه البخاري (‪ )4٧2/44‬عن موسى بن إمساعيل عن جويرية بنت أمساء عن انفع عن ابن عمر‪،‬‬
‫وأخرجه مسلم برقم (‪ )9294‬من طرق أخرى عن انفع عن ابن عمر‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫اإلميان ابلغضب ‪:‬‬
‫ين‬ ‫ونؤمن بصفة الغضب هلل تعاىل‪ ،‬غضب حقيقي يليق جبالله وعظمته‪ ،‬قال تعاىل‪ِ َّ َّ ﴿ :‬‬
‫إن الذ َ‬
‫ضب ِم َن‬ ‫ضب من َّرِهب ْم ﴾[األعراف‪ .]459 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬فَ َعلَي ِه ْم َغ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاختَ ُذوا الْع ْج َل َسينَا ُهلُْم َغ َ‬
‫اَّللِ َعلَ َيها إن َكا َن‬
‫ب َّ‬ ‫ضَ‬ ‫اَّللِ َوَهلُْم َع َذاب َع ِظيم ﴾[النحل‪ .]4٧1 :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬وا ْخلَ ِام َسةَ أ َّ‬
‫َن َغ َ‬ ‫َّ‬
‫اَّللُ َعلَي ِهم ﴾‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِمن َّ ِ ِ‬
‫ب َّ‬ ‫ين تَ َول ْوا قَ ْوًما َغض َ‬‫ني ﴾[النور‪ .]2 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬أََملْ تَ َر َإىل الذ َ‬ ‫الصادق َ‬ ‫َ‬
‫اَّللُ َعلَي ِه ْم ﴾ [املمتحنة‪:‬‬ ‫ب َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫[اجملادلة‪ .]41 :‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬اي أ َ َّ‬
‫ين َآمنُوا ال تَتَ َول ْوا قَ ْوًما َغض َ‬
‫َيها الذ َ‬
‫ني ﴾[الزخرف‪.]55 :‬‬ ‫وان انتَ َقمنَا ِمْن هم فَأَ ْغرقْ نَاهم أ ْ ِ‬
‫َمجَع َ‬ ‫آس ُف َ ْ ُ ْ َ ُ ْ‬ ‫‪ .]44‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬فَلَ َّما َ‬
‫وِف حديث أيب هريرة هنع هللا يضر قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إن رمحيت تغلب غضيب»(‪ .)51‬وِف حديث‬
‫الشفاعة الطويل‪«:‬إن ريب غضب اليوم غضبًا مل يغضب قبله مثله وال بعده مثله»(‪)51‬‬

‫اإلميان ابلضح ‪:‬‬


‫ونؤمن بصفة الضحك هلل تعاىل مىت شاء وكيف شاء‪ ،‬وهو ضحك حقيقي يليق ابهلل تعاىل‪ ،‬فعن‬
‫أيب هريرة هنع هللا يضر قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪«:‬يضحك هللا إىل رجلني يقتل أحدمها اآلخر يدخالن‬
‫اجلنة»(‪. )5٧‬وِف احلديث اآلخر عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص وفيه‪« :‬فال يزال يدعو حىت يضحك هللا منه‪ ،‬فإذا‬
‫ضحك هللا منه قال‪ :‬ادخل اجلنة»(‪.)52‬‬

‫اإلميان ابحلب والرضا ‪:‬‬


‫ونؤمن ابحلب والرضا أهنما صفتان اثبتتان هلل تعاىل على ما يليق جبالل هللا تعاىل وعظمته‪ ،‬فإن‬
‫أشخاصا ويرضى عنهم‪ ،‬وحيب ويرضى عن الذين يتصفون هبذه الصفات‬ ‫ً‬ ‫هللا حيب أعماالً و‬
‫ني ﴾‬ ‫ِِ‬ ‫اَّللَ ِحي ُّ‬ ‫واألعمال اليت ترضي هللا تعاىل وحيبها‪ ،‬كما قال تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬
‫ب الْ ُم ْحسن َ‬ ‫إن َّ‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )51‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب التوحيد‪ ،‬ابب‪ /‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬بل هو قرآن جميد ﴾ ح(‪.)5٧4/45( )1551‬‬
‫(‪ )51‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب التوحيد‪ ،‬ابب‪ /‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬وجوه يومئذ انضرة‪ ،‬إىل رهبا انظرة ﴾ حديث رقم‬
‫(‪.)1142‬‬
‫(‪ )5٧‬أخرجه البخاري ِف اجلهاد‪ ،‬ابب‪ /‬الكافر يقتل املسلم‪ ،‬مث يسلم‪ ،‬حديث رقم (‪ ،)42/1( )9٧91‬ومسلم ِف‬
‫اإلمارة‪ ،‬ابب‪ /‬بيان الرجلني يقتل أحدمها اآلخر يدخالن اجلنة (‪ ،)4٧1/4( )49٧‬وكالمها من حديث أيب هريرة‪.‬‬
‫(‪ )52‬رواه البخاري ِف كتاب التوحيد‪ ،‬ابب‪ /‬قول هللا تعاىل‪ ﴿ :‬وجوه يومئذ انضرة ﴾ (‪)1141( )144 14٧/44‬‬
‫من حديث أيب سعيد‪ ،‬ومسلم كتاب (اإلميان) ابب‪ /‬آخر أهل اجلنة دخوالً اجلنة‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫ين ﴾ [البقرة‪ .]999 :‬وقال‬ ‫ِ‬
‫ب الْ ُمتَطَه ِر َ‬‫ني َو ِحي ُّ‬
‫َّوابِ َ‬ ‫اَّللَ ِحي ُّ‬
‫ب الت َّ‬ ‫إن َّ‬ ‫[البقرة‪ .]425 :‬وقال تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬
‫ين ﴾ [آل عمران‪.]411:‬‬ ‫ب َّ ِ‬
‫الصاب ِر َ‬ ‫اَّللُ ِحي ُّ‬
‫تعاىل‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫ني ﴾ [التوبة‪.]1 :‬‬ ‫اَّلل ِحي ُّ ِ‬ ‫وقال تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬
‫ب الْ ُمتَّق َ‬ ‫إن ََّ‬
‫ني ﴾ [احلجرات‪.]2:‬‬ ‫ِِ‬ ‫اَّللَ ِحي ُّ‬ ‫وقال تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬
‫ب الْ ُم ْقسط َ‬ ‫إن َّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل ِحي ُّ َّ ِ‬
‫صوص ﴾ [الصف‪.]1 :‬‬ ‫صفًّا َكأَنَّ ُهم بُْنيان َّم ْر ُ‬ ‫ين ي َقاتلُو َن ِِف َسبِيله َ‬ ‫ب ا لذ َ‬ ‫إن ََّ‬ ‫وقال تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬
‫اَّللُ بَِق ْوٍم ِحيبُّ ُه ْم‬
‫ف أيِْيت َّ‬ ‫ين َآمنُوا َمن ْيرتَ َّد ِمن ُك ْم َعن ِدينِ ِه فَ َس ْو َ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬اي أ َّ ِ‬
‫َيها الذ َ‬ ‫َ‬
‫َو ِحيبُّونَهُ ﴾ [املائدة‪.]51:‬‬
‫ِ ِ‬ ‫الص ِادقِ ِ‬
‫ني ص ْدقُ ُه ْم َهلُْم َجنَّات َْجت ِري من َْحتت َها األ َ‬
‫ََنْ َه ُار‬ ‫اَّللُ َه َذا ْيوُم ين َف ُع َّ َ‬ ‫ال َّ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬قَ َ‬
‫يم ﴾ [املائدة‪.]442 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ََبَ ًدا َّر ِضي َّ‬ ‫خالِ ِد ِ‬
‫ك الْ َف ْوُز الْ َعظ ُ‬‫ضوا َعْنهُ َذل َ‬ ‫اَّللُ َعْن ُه ْم َوَر ُ‬ ‫ين ف َيها أ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬لََق ْد َر ِضي َّ‬
‫َّجَرةِ فَ َعل َم َما ِِف قُلُوهب ْم فَأ َ‬
‫َنزَل‬ ‫ت الش َ‬ ‫ك َْحت َ‬ ‫ني إ ْذ يبَايعُونَ َ‬ ‫اَّللُ َع ِن الْ ُم ْؤمن َ‬
‫الس ِكينَةَ َعلَي ِه ْم َوأَ َاثبَ ُه ْم فَ ْت ًحا قَ ِريبًا ﴾ [الفتح‪.]4٧ :‬‬ ‫َّ‬
‫اَّللُ لِ َمن‬
‫اعتُ ُه ْم َشيئًا إالَّ ِم ْن بَ ْع ِد أَن أيْ َذ َن َّ‬ ‫ك ِِف َّ ِ‬
‫الس َم َوات ال تُ ْغ ِين َش َف َ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬وَكم ِمن َّملَ ٍ‬
‫َ‬
‫ضى ﴾ [النجم‪.]91 :‬‬ ‫يش اءُ َو ْير َ‬
‫َ‬
‫غدا رجالً حيب هللا ورسوله‪ ،‬وحيبه‬ ‫وعن سهل بن سعد أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال يوم خيرب‪« :‬ألعطني الراية ً‬
‫هللا ورسوله»(‪. )1٧‬‬
‫وعن أنس هنع هللا يضر قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إن هللا لريضى عن العبد أن أيكل األكلة فيحمده‬
‫عليها‪ ،‬أو يشرب الشربة فيحمده عليها»(‪.)14‬‬

‫اإلميان بصفيت السخط والكراهية هلل تعاىل ‪:‬‬


‫ونؤمن أبن السخط والكراهية صفتان هلل تعاىل على ما يليق جبالله وعظمته‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَْو‬
‫ين ﴾ [التوبة‪:‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َع ُّدوا لَهُ عُ َّدةً ولَ ِكن َك ِرَه َّ ِ‬
‫يل اقْ عُ ُدوا َم َع الْ َقاعد َ‬ ‫اَّللُ انب َعاثَ ُه ْم فَثَبَّطَ ُه ْم َوق َ‬ ‫َ‬ ‫وج أل َ‬
‫أ ََر ُادوا ا ْخلُُر َ‬
‫‪.]11‬‬
‫ت َهلُْم أَن ُف ُس ُه ْم أَن َس ِخ َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اَّللُ‬
‫ط َّ‬ ‫َّم ْ‬
‫س َما قَد َ‬ ‫ين َك َف ُروا لَبْئ َ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬تَ َرى َكث ًريا مْن ُه ْم يتَ َول ْو َن الذ َ‬
‫اب ُه ْم َخالِ ُدو َن ﴾ [املائدة‪.]٧٧ :‬‬ ‫َعلَي ِهم وِِف الْع َذ ِ‬
‫َْ َ‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )1٧‬أخرجه بطوله البخاري (‪ ،)111/1‬ومسلم رقم (‪ )91٧1‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬ابب‪ /‬من فضائل علي رضي‬
‫هللا عنه‪.‬‬
‫(‪ )14‬أخرجه مسلم الذكر والدعاء‪ ،‬ابب‪ /‬استحباب محد هللا تعاىل بعد األكل ح(‪.)٧2‬‬

‫‪113‬‬
‫ِ‬
‫ط أ َْع َما َهلُْم ﴾ [دمحم‪.]9٧ :‬‬
‫َحبَ َ‬ ‫اَّللَ َوَك ِرُهوا ِر ْ‬
‫ض َوانَهُ فَأ ْ‬ ‫ط َّ‬ ‫ك ِأبَنَّ ُه ُم اتَّبَ عُوا َما أ ْ‬
‫َس َخ َ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ذَل َ‬
‫وقد كان من دعاء النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬اللهم إين أعوذ برضاك من سخطك»(‪. )19‬‬
‫وعن املغرية بن شعبة هنع هللا يضر قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إن هللا كره لكم ثال ًاث‪ :‬قيل وقال‪.)14(»...‬‬

‫اإلميان ابلنفس ‪:‬‬


‫ونؤمن بنفس هللا تعاىل على ما يليق جبالله وعظمته‪ ،‬وهي صفة من صفاته الثابتة ابلكتاب والسنة‬
‫صريُ ﴾ [آل عمران‪:‬‬ ‫اَّللِ الْم ِ‬ ‫﴿وحيَ ِذ ُرُك ُم َّ‬
‫اَّللُ نَ ْف َسهُ َو َإىل َّ َ‬ ‫وإمجاع السلف الصاحل‪ ،‬قال تعاىل‪َ :‬‬
‫اَّللُ َرءُوف ِابلْعِبَ ِاد ﴾ [آل عمران‪.]4٧ :‬‬ ‫‪،]9٧‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬وحيَ ِذ ُرُك ُم َّ‬
‫اَّللُ نَ ْف َسهُ َو َّ‬
‫الر ْمحَةَ ﴾ [األنعام‪ .]49:‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬تَ ْعلَ ُم َما ِِف نَ ْف ِسي َوال‬ ‫ب َعلَى نَ ْف ِس ِه َّ‬ ‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬كتَ َ‬
‫ك‬‫اصطَنَ ْعتُ َ‬
‫يوب ﴾[املائدة‪ .]441 :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬و ْ‬ ‫نت َعالَّم الْغُ ِ‬
‫ََ َ ُ‬ ‫ك أَ‬ ‫ك إنَّ َ‬ ‫ََ ْعلَ ُم َما ِِف نَ ْف ِس َ‬
‫أَ‬
‫لِنَ ْف ِسي ﴾ [طه‪ .]14 :‬وعن أيب هريرة هنع هللا يضر قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬يقول هللا تعاىل‪ :‬أان مع‬
‫عبدي حني يذكرين‪ ،‬فإن ذكرين ِف نفسه ذكرته ِف نفسي»(‪.)11‬‬

‫اإلميان ابلنزول واإلتيان واجمليء ‪:‬‬


‫ونؤمن أبن الن زول واإلتيان واجمليء من صفات هللا تعاىل جيب اإلميان هبا وإثباهتا مبا يليق جبالله‬
‫وعظمته‪ ،‬فعن أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ين زل ربنا إىل السماء الدنيا حني يبقى ثلث‬
‫الليل األخري‪ ،‬فيقول‪ :‬من يدعوين فأستجيب له؟ من يسألين فأعطيه؟ من يستغفرين فأغفر‬
‫له»(‪.)15‬‬
‫اَّلل ِِف ظُلَ ٍل ِمن الْغَم ِام والْمالئِ َكةُ وقُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ضي األ َْم ُر َو َإىل‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫وقال هللا تعاىل‪َ ﴿ :‬ه ْل ينظُُرو َن إالَّ أَن أيْت ُيه ُم َُّ‬
‫ِ‬ ‫َِّ‬
‫ض َد ًّكا َد ًّكا (‪َ )94‬و َجاءَ‬ ‫ور ﴾ [البقرة‪ .]94٧ :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬كالَّ إذَا دُ َّكت األ َْر ُ‬ ‫اَّلل تُ ْر َج ُع األ ُُم ُ‬
‫صفَّا ﴾[الفجر‪.]99،94:‬‬ ‫صفَّا َ‬
‫ك َ‬ ‫ك َوالْ َملَ ُ‬ ‫َربُّ َ‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )19‬أخرجه مسلم‪ :‬كتاب الصالة‪ ،‬ابب‪ /‬ما يقال ِف الركوع والسجود حديث رقم (‪.)999‬‬
‫(‪ )14‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب الزكاة‪ ،‬ابب قول هللا تعاىل‪ ﴿ :‬ال يسألون الناس إحلافًا ﴾ (‪ ،)4111( )42٧/4‬ومسلم‬
‫كتاب األقضية‪ ،‬ابب‪ /‬النهي عن كثرة املسائل (‪.)49 ،44/1‬‬
‫(‪ )11‬أخرجه البخاري كتاب التوحيد‪ ،‬ابب‪ /‬قول هللا تعاىل‪ ﴿ :‬وحيذركم هللا نفسه ﴾ (‪.)11٧5( )425/44‬‬
‫(‪ )15‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب التهجد‪ ،‬ابب‪ /‬الدعاء والصالة من آخر الليل حديث(‪ ،)4415‬ومسلم‪ :‬كتاب صالة‬
‫املسافرين‪ ،‬ابب‪ /‬الرتغيب ِف الدعاء والذكر ِف آخر الليل حديث (‪.)41٧‬‬

‫‪114‬‬
‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ه ْل ينظُُرو َن إالَّ أَن َأتْتِ ُيه ُم الْ َمالئِ َكةُ أ َْو أيِْيت َربُّ َ‬
‫ك ﴾ [األنعام‪.]45٧:‬‬
‫وِف حديث الشفاعة الطويل وفيه‪« :‬فيأتيهم هللا ِف الصورة اليت يعرفون»(‪.)11‬‬

‫اإلميان ابلقدرة‪:‬‬
‫ونؤمن أبن هللا أثبت لنفسه صفة القدرة‪ ،‬وأثبتها له نبيه دمحم ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وأمجع السلف على ثبوهتا على ما‬
‫إن هللا علَى ُك ِل ش ٍ‬
‫يء قَ ِدير ﴾ [البقرة‪.]9٧ :‬‬ ‫َ‬ ‫يليق جبالله وعظمته تعاىل‪ ،‬قال تعاىل‪َ َ َّ ﴿ :‬‬
‫يء قَ ِدير ﴾ [امللك‪.]4:‬‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬وهو علَى ُك ِل ش ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َُ َ‬
‫يء ُّم ْقتَ ِد ًرا ﴾ [الكهف‪.]15 :‬‬ ‫اَّلل علَى ُك ِل ش ٍ‬
‫َ‬ ‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬وَكا َن َُّ َ‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬إنَّهُ َعلَى َر ْجعِ ِه لََق ِادر ﴾ [الطارق‪.]٧:‬‬
‫وِف حديث االستخارة قول النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬وأستقدرك بقدرتك»(‪.)11‬‬

‫اإلميان ابإلرادة واملشيئة‪:‬‬


‫ونؤمن أبن من صفات هللا تعاىل اإلرادة واملشيئة‪ ،‬وهي اثبتة ابلكتاب والسنة وإمجاع سلف‬
‫األمة‪ ،‬ومها مبعىن واحد يستعمل كلٌّ منهما موضع اآلخر‪ ،‬كما قال الشافعي وابن بطال‪.‬‬
‫يد ﴾ [البقرة‪.]954:‬‬ ‫قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَ ِك َّن َّ‬
‫اَّللَ ي ْف َع ُل َما ي ِر ُ‬
‫يمةُ األَنْ َع ِام إالَّ َما ْيت لَى َعلَي ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ت لَ ُكم َهب َ‬ ‫ين َآمنُوا أ َْوفُوا ِابلْعُ ُقود أُحلَّ ْ‬ ‫ََ َيها الذ َ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬اي أ َ‬
‫يد ﴾[املائدة‪.]4 :‬‬ ‫اَّللَ ْحي ُك ُم َما ي ِر ُ‬
‫إن َّ‬ ‫يد َوأَنتُ ْم ُح ُرم َّ‬ ‫الص ِ‬
‫َغ َري ُِحملِي َّ‬
‫ك فَعَّال لِ َما‬ ‫إن َربَّ َ‬‫ك َّ‬ ‫ض إالَّ َما َشاءَ َربُّ َ‬ ‫ات َواأل َْر ُ‬ ‫الس َم َو ُ‬
‫ت َّ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬خالِ ِدين فِيها ما دام ِ‬
‫َ َ َ َ ََ‬
‫إن هللاَ َعلَى ُك ِل‬ ‫صا ِرِه ْم َّ‬ ‫ِ‬
‫ب بِ َس ْمع ِه ْم َوأَبْ َ‬ ‫اَّللُ لَ َذ َه َ‬
‫يد ﴾ [هود‪ .]4٧1:‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَ ْو َشاءَ َّ‬ ‫ي ِر ُ‬
‫يء قَ ِدير ﴾[البقرة‪.]9٧ :‬‬ ‫ش ٍ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫اَّلل ما اقْ ت تل الَّ ِذ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ات َولَك ِن ْ‬
‫اختَ لَ ُفوا‬ ‫ين م ْن بَ ْعدهم م ْن بَ ْعد َما َجاءَتْ ُه ُم الْبَينَ ُ‬ ‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَ ْو َشاءَ َُّ َ َ َ َ َ‬
‫يد ﴾ [البقرة‪.]954 :‬‬ ‫اَّللُ َما اقْ تَ تَ لُوا َولَ ِك َّن َّ‬
‫اَّللَ ي ْف َعلُ َما ي ِر ُ‬ ‫فَ ِمْن ُهم َّم ْن َآم َن َوِمْن ُهم َّمن َك َفَر َولَ ْو َشاءَ َّ‬
‫ضلِ ِه َعلَى‬ ‫اَّللُ ِمن فَ ْ‬‫اَّللُ بَ ْغيا أَن ينَ ِزَل َّ‬
‫َنزَل َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬بِْئ َس َما ا ْشتَ َرْوا بِه أَن ُف َس ُه ْم أَن ي ْك ُف ُروا مبَا أ َ‬
‫يشاءُ ِم ْن ِعبَ ِادهِ ﴾ [البقرة‪.]2٧ :‬‬ ‫َمن َ‬
‫يشاءُ ﴾ [النساء‪.]1٧ :‬‬ ‫اَّلل ال ي ْغ ِفر أَن ي ْشرَك بِِه وي ْغ ِفر ما دو َن َذلِ ِ‬ ‫وقال تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬
‫ك ل َمن َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫إن ََّ‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )11‬تقدم‪.‬‬
‫(‪ )11‬رواه البخاري ِف كتاب التوحيد‪ ،‬ابب‪ /‬قول هللا تعاىل‪ ﴿ :‬قل هو القادر ﴾ (‪ )49٧/45‬ح(‪.)142٧‬‬

‫‪115‬‬
‫وعن أيب قتادة عن أبيه قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص حني انموا عن الصالة‪« :‬إن هللا قبض أرواحكم‬
‫حني شاء وردها حني شاء»(‪.)1٧‬‬

‫اإلميان ابلعجب ‪:‬‬


‫إمياان يليق جبالله وعظمته‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬بَ ْل‬ ‫الع َجب صفة من صفات هللا تعاىل‪ً ،‬‬ ‫ونؤمن أبن َ‬
‫يس َخ ُرو َن ﴾ [الصافات‪. ]49 :‬‬ ‫ِ‬
‫ت َو ْ‬ ‫َعجْب َ‬
‫وقال النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬لقد عجب هللا عز وجل من فالن وفالنة»‪ ،‬فأنزل هللا عز وجل‪َ ﴿ :‬و ْيؤثُِرو َن َعلَى‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اصة ﴾ [احلشر‪.)12(]2 :‬‬ ‫أَن ُفس ِه ْم َولَ ْو َكا َن هب ْم َخ َ‬
‫ص َ‬

‫اإلميان ابلسمع والبصر ‪:‬‬


‫ونؤمن أبن السمع والبصر صفتان اثبتتان هلل تعاىل‪ ،‬وهي من صفات الكمال الذي يوصف به هللا‬
‫دائما‪ ،‬ولقد أثبتها هللا تعاىل لنفسه‪ ،‬وأثبتها له رسوله وسلف األمة الصاحل‪ ،‬قال هللا‬ ‫تعاىل ً‬
‫صا الَّ ِذي َاب َرْكنَا‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َسَرى بِ َعْبده لَيالً م َن الْ َم ْسجد ا ْحلََرام َإىل الْ َم ْسجد األَقْ َ‬
‫ِ‬
‫تعاىل‪ُ ﴿ :‬سْب َحا َن الَّذي أ ْ‬
‫الس ِميع الْب ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫صريُ ﴾ [اإلسراء‪.]4 :‬‬ ‫َح ْولَهُ لنُ ِريهُ م ْن آايتنَا إنَّهُ ُه َو َّ ُ َ‬
‫يع‬ ‫اَّلل هو َّ ِ‬ ‫يء َّ‬ ‫ضي ِاب ْحل ِق والَّ ِذين ي ْدعو َن ِمن دونِِه ال ي ْقضو َن بِش ٍ‬ ‫اَّلل ي ْق ِ‬
‫السم ُ‬ ‫إن ََّ ُ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َُّ‬
‫صريُ ﴾ [غافر‪.]9٧ :‬‬ ‫الْب ِ‬
‫َ‬
‫ص ُدوِرِه ْم إالَّ كِْب ر َّما ُهم‬ ‫ٍ‬ ‫آايت َِّ‬
‫اَّلل بِغَ ِري ُس ْلطَان أ ََات ُه ْم إ ْن ِِف ُ‬
‫إن الَّ ِذين جي ِادلُو َن ِِف ِ‬
‫وقال تعاىل‪َ َ َّ ﴿ :‬‬
‫الس ِميع الْب ِ‬ ‫بِبالِغِ ِيه فَ ِ ِ‬
‫صريُ﴾ [غافر‪.]51 :‬‬ ‫استَع ْذ ِاب ََّّلل إنَّهُ ُه َو َّ ُ َ‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫اجا ي ْذ َرُؤُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َوات َواأل َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫اجا َوم َن األَنْ َعام أ َْزَو ً‬ ‫ض َج َع َل لَ ُكم م ْن أَن ُفس ُك ْم أ َْزَو ً‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬فَاط ُر َّ‬
‫صريُ ﴾[الشورى‪.]44 :‬‬ ‫الس ِميع الْب ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِِ‬
‫يس َكمثْله َشيء َوُه َو َّ ُ َ‬ ‫فيه لَ َ‬
‫اَّللَ َِمسيع‬ ‫ِ‬ ‫َن َّ ِ َّ‬ ‫ك ِأب َّ‬ ‫ِ‬
‫َن َّ‬ ‫َّها ِر َويول ُج الن َ‬
‫َّه َار ِِف اللَّ ِيل َوأ َّ‬ ‫يل ِِف الن َ‬
‫اَّللَ يول ُج الل َ‬ ‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ذل َ‬
‫صري ﴾ [احلج‪.]14:‬‬ ‫بِ‬
‫َ‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )1٧‬رواه البخاري ِف كتاب التوحيد‪ ،‬ابب‪ِ /‬ف املشيئة واإلرادة‪ ،‬ح(‪.)525( ،)1114‬‬
‫(‪ )12‬رواه البخاري ِف كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬ابب‪ /‬قول هللا تعاىل‪ ﴿ :‬ويؤثرون على أنفسهم ولو كان هبم‬
‫فوعا وهو عند مسلم ِف كتاب األشربة ابب‪ /‬إكرام الضيف (‪)9٧51‬‬ ‫خصاصة ﴾ رقم (‪ )1٧٧2‬عن أيب هريرة مر ً‬
‫بلفظ‪« :‬قد عجب هللا من صنيعكما بضيفكما الليلة»‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫يس َم ُع َحتَ ُاوَرُك َما َّ‬
‫إن‬ ‫اَّللِ َو َّ‬
‫اَّللُ ْ‬ ‫ك ِِف َزْوِج َها َوتَ ْشتَ ِكي َإىل َّ‬ ‫ِ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬قَ ْد َِمس َع َّ‬
‫اَّللُ قَ ْوَل الَِّيت ُجتَادلُ َ‬
‫َمسَ ُع َوأ ََرى ﴾ [طه‪:‬‬ ‫ال ال َختَافَا إنَِّين َم َع ُك َما أ ْ‬
‫صري ﴾ [اجملادلة‪ .]4:‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬قَ َ‬ ‫اَّلل َِمسيع ب ِ‬
‫َ‬ ‫ََّ‬
‫‪.]11‬‬
‫وعن عائشة قالت‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إن جربيل عليه السالم انداين قال‪ :‬إن هللا قد مسع قول‬
‫قومك وما ردوا عليك»(‪.)1٧‬‬
‫وكان رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص يقول ِف صالته‪« :‬مسع هللا ملن محده»(‪.)14‬‬
‫كربان فقال‪:‬‬ ‫وعن أيب موسى قال‪ :‬كنا مع رسول هللا ِف سفر‪ ،‬فكنا إذا علوان َّ‬
‫بصريا قريبًا»(‪.)19‬‬ ‫مسيعا ً‬ ‫«أربعوا على أنفسكم‪ ،‬فإنكم ال تدعون أصم وال غائبًا‪ ،‬إنكم تدعون ً‬

‫اإلميان ابلعلم ‪:‬‬


‫ونؤمن بعلم هللا تعاىل‪ ،‬وأن علمه حميط جبميع األشياء من الكليات واجلزئيات‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وُه َو‬
‫ك ْيوَم ين َف ُخ ِِف‬ ‫ول ُكن فَي ُكو ُن قَ ْولُهُ ا ْحلَ ُّق َولَهُ الْ ُم ْل ُ‬ ‫ض ِاب ْحلَ ِق َو ْيوَم ي ُق ُ‬ ‫الَّ ِذي خلَق َّ ِ‬
‫الس َم َوات َواأل َْر َ‬ ‫َ َ‬
‫يم ا ْخلَبِريُ ﴾ [األنعام‪.]14 :‬‬ ‫ِ‬ ‫يب والشَّه ِ‬ ‫ُّ ِ‬
‫ادة َوُه َو ا ْحلَك ُ‬‫الصوِر َعاملُ الْغَ ِ َ َ َ‬
‫وقال تعاىل‪ْ ﴿ :‬يعتَ ِذ ُرو َن إلَي ُك ْم إ َذا َر َج ْعتُ ْم إلَي ِه ْم قُل الَّ تَ ْعتَ ِذ ُروا لَن نُّ ْؤِم َن لَ ُك ْم قَ ْد نَبَّأ ََان َّ‬
‫اَّللُ ِم ْن‬
‫ادةِ فَينَبِ ُئ َُ ُكم ِمبَا ُكنتُ ْم‬ ‫َّه َ‬
‫يب َوالش َ‬ ‫اَّللُ َعملَ ُكم ور ُسولُهُ ُمثَّ تُرُّدو َن َإىل َع ِامل الْغَ ِ‬ ‫أْ ِ‬
‫َ‬ ‫َخبَارُك ْم َو َس َريى َّ َ ْ َ َ‬
‫تَ ْع َملُو َن ﴾ [التوبة‪.]21 :‬‬
‫ادةِ الْ َكبِريُ الْ ُمتَ َع ِال ﴾ [الرعد‪.]2 :‬‬ ‫َّه َ‬
‫يب َوالش َ‬ ‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ع ِاملُ الْغَ ِ‬
‫يم ﴾ [السجدة‪.]1 :‬‬ ‫الرِ‬
‫ح‬‫َّ‬ ‫يز‬
‫ُ‬ ‫ادةِ الْ َع ِ‬
‫ز‬ ‫َ‬ ‫َّه‬
‫َ‬ ‫الش‬ ‫و‬ ‫يب‬‫ك َع ِاملُ الْغَ ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ذَل َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب َعْنهُ‬ ‫يب ال ْيع ُز ُ‬ ‫اعةُ قُل بَلَى ورِيب لَتَأْتِينَّ ُكم َع ِامل الْغَ ِ‬ ‫ين َك َف ُروا ال َأتْتِينَا َّ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬وقَ َ َّ ِ‬
‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫الس َ ْ‬ ‫ال الذ َ‬ ‫َ‬
‫ني ﴾ [سبأ‪:‬‬ ‫اب ُّمبِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ك وال أَ ْكب ر إالَّ ِِف كتَ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َوات َوال ِِف األ َْر ِ‬ ‫ِمثْ َق ُ‬
‫ال ذَ َّرةٍ ِِف َّ‬
‫َصغَُر من ذَل َ َ َ ُ‬ ‫ض َوال أ ْ‬
‫‪.]4‬‬
‫َح ًدا ﴾ [اجلن‪.]91 :‬‬ ‫ِ‬
‫يب فَال يظْ ِه ُر َعلَى َغيبِه أ َ‬ ‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ع ِاملُ الْغَ ِ‬
‫____________________________________‬
‫بصريا (‪ )14٧2‬من حديث عائشة‪.‬‬
‫مسيعا ً‬
‫(‪ )1٧‬أخرجه البخاري ِف كتاب التوحيد‪ ،‬ابب‪ /‬وكان هللا ً‬
‫(‪ )14‬أخرجه البخاري ِف الصالة‪ ،‬ابب‪ /‬ما يقول اإلمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من السجود حديث رقم (‪ )154‬من‬
‫حديث أيب هريرة‪.‬‬
‫بصريا حديث رقم (‪ )94٧1‬م ن حديث أيب موسى ‪ ،‬ومسلم‬
‫مسيعا ً‬
‫(‪ )19‬أخرجه البخاري ِف التوحيد‪ ،‬ابب‪ /‬وكان هللا ً‬
‫ِف الذكر والدعاء‪ ،‬ابب‪ /‬استحباب خفض الصوت ابلذكر‪ ،‬حديث رقم (‪.)11‬‬

‫‪117‬‬
‫الز ِاد التَّ ْقوى واتَّ ُق ِ‬
‫ون اي أ ُْوِيل‬ ‫إن َخ َري َّ‬ ‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬وَما تَ ْف َعلُوا ِم ْن َخ ٍري ْيعلَ ْمهُ َّ‬
‫اَّللُ َوتَ َزَّو ُدوا فَ َّ‬
‫َ َ‬
‫اب ﴾ [البقرة‪.]421 :‬‬ ‫األَلْب ِ‬
‫َ‬
‫ني ِم ْن‬ ‫ِ ِِ‬ ‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬وَما أَن َف ْقتُم ِمن نَّ َف َق ٍة أ َْو نَ َذ ْرُمت ِمن نَّ ْذ ٍر فَ َّ‬
‫اَّللَ ْيعلَ ُمهُ َوَما للظَّالم َ‬
‫إن َّ‬
‫َنصا ٍر ﴾ [البقرة‪.]91٧:‬‬ ‫أ َ‬
‫ات َو ََ َما ِِف‬‫السمو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص ُدوِرُك ْم أ َْو تُْب ُدوهُ ْيعلَ ْمهُ َّ‬
‫اَّللُ َو ْيعلَ ُم َما ِف َّ َ َ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬قُ ْل إن ُختْ ُفوا َما ِِف ُ‬
‫يء قَ ِدير ﴾ [آل عمران‪.]92 :‬‬ ‫اَّلل علَى ُك ِل ش ٍ‬ ‫األ َْر ِ‬
‫َ‬ ‫ض َو َُّ َ‬
‫وِف قصة موسى مع اخلضر عليه السالم قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬فركبا ِف السفينة» قال‪« :‬ووقع‬
‫عصفور على حرف السفينة فغمس منقاره ِف البحر‪ ،‬فقال اخلضر ملوسى‪ :‬ما علمك وعلم اخلالئق‬
‫ِف علم هللا إال مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره»(‪.)14‬‬

‫اإلميان ابملعية ‪:‬‬


‫َين‬
‫ونؤمن مبعية هللا تعاىل مع عباده أينما كانوا يعلم ما هم عاملون‪ ،‬كما قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وُه َو َم َع ُك ْم أ َ‬
‫صري ﴾[احلديد‪ ،]1 :‬معية تليق به سبحانه وتقتضي كمال تن زيهه‪.‬‬ ‫اَّلل ِمبَا تَعملُو َن ب ِ‬
‫َما ُكنتُ ْم َو َُّ ْ َ َ‬
‫وله سبحانه وتعاىل مع عباده املؤمنني معية خاصة‪ ،‬هي معية النصرة والتمكني والتوفيق والتسديد‪،‬‬
‫ين ُهم ُّْحم ِسنُو َن ﴾‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫حيفظهم وينصرهم ويكلؤهم‪ ،‬كما قال تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬
‫ين اتَّ َقوا ُّو ََالذ َ‬
‫اَّللَ َم َع الذ َ‬
‫إن َّ‬
‫[النحل‪ ،]49٧:‬فهو سبحانه مع استوائه على عرشه‪ ،‬وعلوه فوق عباده‪ ،‬مع عباده أينما كانوا‬
‫يعلم ما كانوا عاملني‪ ،‬وهو قريب سبحانه ممن دعاه‪.‬‬
‫صريُ ﴾‬ ‫الس ِميع الْب ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫يس َكمثْله َشيء َوُه َو َّ ُ َ‬ ‫فقربه سبحانه ومعيته ال تناِف علوه‪ ،‬وفوقيته ﴿ لَ َ‬
‫[الشورى‪ ،]44:‬فهو علي ِف قربه قريب ِف علوه‪.‬‬

‫ابب يف مسائل التكفري‪:‬‬


‫أحدا من اإلسالم ثبت إميانه بشك‬
‫ال نُكفر إال ما دل الكتاب والسنة على كفره‪ ،‬فال خنر ُج ً‬
‫عندان‪ ،‬فما ثبت بيقني ال يزول إال بيقني‪.‬‬
‫ونُسمي أهل قبلتنا مسلمني‪ ،‬واألصل فيهم اإلسالم ما مل أيت أحدهم بناقض‪ ،‬ومل مينع من تكفريه‬
‫مانع‪.‬‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )14‬رواه البخاري ِف كتاب العلم‪ ،‬ابب‪ /‬ما يستحب للعامل إذا سئل‪ :‬أي الناس أعلم؟‪ ،‬وِف كتاب التفسري‪ ،‬ابب‪/‬‬
‫تفسري سورة الكهف‪ ،‬ومسلم ِف كتاب الفضائل‪ ،‬ابب‪ /‬من فضائل اخلضر (‪ )444/٧‬مع النووي ح(‪.)94٧٧‬‬

‫‪118‬‬
‫وحنكم ِف أحكام الدنيا ابلظاهر‪ ،‬وهللا يتوىل السرائر‪ ،‬وحياسب عليها‪ ،‬ونتحرز ِف تكفري أهل‬
‫خصوصا إذا كان االختالف لفظيا أو ِف املسائل العلمية اليت يعذر فيها املخالف‬ ‫ً‬ ‫التأويل‪،‬‬
‫ابجلهل(‪.)11‬‬
‫وال نقول خبلود أهل الكبائر ِف النار إن ماتوا وهم موحدين‪ ،‬حىت وإن ماتوا وهم مصرين عليها‪ ،‬بل‬
‫هم حتت مشيئة هللا تعاىل وحكمه‪ ،‬إن شاء سبحانه غفر هلم وعفا عنهم بفضله‪ ،‬وإن شاء عذهبم‬
‫يشاءُ ﴾ [النساء‪.]1٧ :‬‬ ‫بعدله‪ ،‬كما قال تعاىل‪ ﴿ :‬وي ْغ ِفر ما دو َن َذلِ ِ‬
‫ك ل َمن َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ ُ‬
‫وال نكفر ابملآل‪ ،‬أو بالزم القول‪ ،‬فالزم املذهب ليس مبذهب‪.‬‬
‫ونفرق بني احلكم املطلق على أصحاب البدع‪ ،‬وبني احلكم على شخص معني‪.‬‬
‫أحدا من املسلمني بكل ذنب ارتكبه‪ ،‬وال نقول كما قال الطحاوي‪« :‬ال يضر مع‬ ‫وال نكفر ً‬
‫اإلميان ذنب»(‪ )15‬بل من الذنوب ما ينقص اإلميان‪ ،‬ومنها ما يزيله‪.‬‬
‫ونربأ إىل هللا تعاىل من كل دين خالف اإلسالم أو انتقصه‪ ،‬ونكفر بكل ما انقضه وعارضه من‬
‫نظاما يتحاكم إليه البشر أو‬
‫قانوان‪ ،‬أو ً‬
‫امللل الباطلة واملذاهب الفاسدة ونكفر كل من شرع مع هللا ً‬
‫ِف الكتب يسطر‪.‬‬

‫ابب مواالة املؤمنني من اإلميان‪:‬‬


‫ونوايل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص مبحبته‪ ،‬وطاعته‪ ،‬ونُصرة ُسنته‪ ،‬كما ِف حديث أنس بن مالك قال‪ :‬قال‬
‫رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ال يؤمن عبد حىت أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أمجعني»(‪.)11‬‬
‫اك َعلَي ِه ْم‬
‫اَّللَ َوَمن تَ َوَّىل فَ َما أ َْر َسلْنَ َ‬ ‫وقال هللا تعاىل‪ ﴿ :‬من ِ‬
‫اع َّ‬ ‫ول فَ َق ْد أَطَ َ‬ ‫الر ُس َ‬
‫يط ِع َّ‬ ‫َ‬
‫َح ِفيظًا ﴾ [النساء‪.]٧٧ :‬‬
‫ول لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْر َمحُو َن ﴾ [آل عمران‪ .]449 :‬ونوايل ونعاضد‬ ‫الر ُس َ‬
‫اَّللَ َو َّ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬وأ ِ‬
‫َطيعُوا َّ‬ ‫َ‬
‫املؤمنني ونناصرهم أبمرهم ابملعروف‪ ،‬وهنيهم عن املنكر‪ ،‬واللني‪ ،‬وخفض اجلناح هلم‪ ،‬وحمبتهم‬
‫ض ﴾ [التوبة‪.]14:‬‬ ‫ض ُه ْم أ َْولِياءُ بَ ْع ٍ‬
‫ات بَ ْع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حبسب إمياهنم‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿:‬والْ ُم ْؤمنُو َن َوالْ ُم ْؤمنَ ُ‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )11‬ذكر الشيخ علي اخلضري ِف رسالة املتَ ِم َمة لكالم أئمة الدعوة ِف مسألة اجلهل ِف الشرك األكرب ص‪ 4٧‬أن‬
‫ُ‬
‫الشيخ محود رمحه هللا يوافق الشيخ ابن ابز رمحه هللا ِف مسألة العذر ابجلهل ِف الشرك األكرب ‪.‬‬
‫(‪ )15‬انظر كتاب الطحاوية بتحقيق األلباين (ص‪.)441:‬‬
‫(‪ )11‬أخرجه البخاري‪ :‬اإلميان‪ ،‬ابب‪ /‬حب الرسول ملسو هيلع هللا ىلص من اإلميان (‪ )5٧/4‬ح(‪ ،)41‬ومسلم‪ :‬اإلميان‪ ،‬ابب‪ /‬وجوب‬
‫حمبة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص أكثر من األهل والولد والوالد‪ )11/4( ...‬ح(‪)12‬‬

‫‪119‬‬
‫ِ‬ ‫ف أيِْيت َّ ٍ ِ‬ ‫ين َآمنُوا َمن ْيرتَ َّد ِمن ُك ْم َعن ِدينِ ِه فَ َس ْو َ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬اي أ َّ ِ‬
‫اَّللُ بَِق ْوم حيبُّ ُه ْم َوحيبُّونَهُ‬ ‫َيها الذ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫أ َِذلٍَّة َعلَى الْم ْؤِمنِ َ ِ ٍ‬
‫ين ﴾[املائدة‪.]15:‬‬ ‫ني أَعَّزة َعلَى الْ َكاف ِر َ‬ ‫ُ‬
‫ين َم َعهُ أ َِشدَّاءُ َعلَى الْ ُكفَّا ِر ُر َمحَاءُ بَينَ ُه ْم ﴾ [الفتح‪.]92:‬‬ ‫ول َِّ َّ ِ‬
‫اَّلل َوالذ َ‬ ‫وقال تعاىل‪ُ ﴿ :‬حمَ َّمد َّر ُس ُ‬
‫ين َآووا‬ ‫إن الَّ ِذين آمنوا وهاجروا وجاه ُدوا ِأبَمواهلِِم وأَن ُف ِس ِهم ِِف سبِ ِيل َِّ َّ ِ‬ ‫وقال تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬
‫اَّلل َوالذ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ْ َ‬ ‫َ َُ َ َ َ ُ َ َ َ‬
‫ض ﴾[األنفال‪.]19:‬‬ ‫ض ُه ْم أ َْولِياءُ بَ ْع ٍ‬
‫ك بَ ْع ُ‬‫ص ُروا أ ُْولَئِ َ‬
‫ُّو ََنَ َ‬
‫ض أيْمرو َن ِابلْمعر ِ‬
‫وف َو ْين َه ْو َن َع ِن الْ ُمن َك ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫ض ُه ْم أ َْولياءُ بَ ْع ٍ ُ ُ‬ ‫ات بَ ْع ُ‬
‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬والْ ُم ْؤمنُو َن َوالْ ُم ْؤمنَ ُ‬
‫ِ‬
‫اَّللَ َع ِزيز‬
‫إن َّ‬ ‫اَّللُ َّ‬
‫ك َس ْري َمحُ ُه ُم َّ‬ ‫اَّللَ َوَر ُسولَهُ أ ُْولَئِ َ‬
‫يطيعُو َن َّ‬ ‫الزَكاةَ و ِ‬
‫الصالةَ َو ْيؤتُو َن َّ َ‬ ‫يمو َن َّ‬ ‫َويق ُ‬
‫َح ِكيم ﴾ [التوبة‪.]14 :‬‬

‫واألخوة اإلميانية اثبتة لعموم أهل القبلة مع املعاصي والكبائر‪ ،‬كما قال تعاىل‪َّ ﴿ :‬إمنَا الْ ُم ْؤِمنُو َن‬
‫َخ َوي ُك ْم ﴾ [احلجرات‪.]4٧ :‬‬ ‫إخوة فَأ ِ‬
‫ني أ َ‬
‫َصل ُحوا بَ َ‬
‫َْ ْ‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬فَمن ع ِفي لَه ِمن أَََ ِخ ِيه َشيء فَاتِباع ِابلْمعر ِ‬
‫وف ﴾ [البقرة‪.]41٧:‬‬ ‫َ َ ُْ‬ ‫َْ ُ ُ ْ ََ‬

‫ابب معاداة الكافرين من اإلميان‪:‬‬


‫ونعادي وجنانب ونبغض الكافرين واملشركني واملرتدين‪ ،‬ونتربأ من كفرهم وشركهم ومذاهبهم‬
‫اتباعا ألنبياء هللا تعاىل‬ ‫هنارا‪ ،‬ال خنشى ِف هللا لومة الئم‪ً ،‬‬ ‫جهارا ً‬ ‫وقوانينهم وتشريعاهتم‪ ،‬ونعلن ذلك ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ورسله‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬وإ ْذ قَ َ ِ‬
‫يم ألَبِيه َوقَ ْومه إنَِّين بََراء ممَّا تَ ْعبُ ُدو َن (‪ )91‬إالَّ الَّذي فَطََرِين فَإنَّهُ‬ ‫ال إبْ َراه ُ‬ ‫َ‬
‫َس ْيه ِدي ِن (‪َ )91‬و َج َعلَ َها َكلِ َمةً َابقِيةً ِِف َع ِقبِ ِه لَ َعلَّ ُه ْم ْيرِجعُو َن ﴾ [الزخرف‪.]9٧ 91:‬‬
‫ين َم َعهُ إ ْذ قَالُوا لَِق ْوِم ِه ْم َّإان بَُرآءُ ِمن ُك ْم‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬
‫ُس َوة َح َسنَة ِف إبْ َراه َيم َوالذ َ‬ ‫ت لَ ُك ْم أ ْ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬قَ ْد َكانَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون َِّ‬
‫اَّلل َك َف ْرَان بِ ُك ْم َوبَ َدا بَينَ نَا َوبَينَ ُك ُم الْ َع َد َاوةُ َوالْبَ ْغ َ‬ ‫وِممَّا تَعب ُدو َن ِمن د ِ‬
‫ضاءُ أَبَ ًدا َح َّىت تُ ْؤمنُوا ِاب ََّّلل َو ْح َدهُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُْ‬
‫ٍ‬ ‫إالَّ قَوَل إب ر ِاهيم ألَبِ ِيه ألَست ْغ ِفر َّن لَك وما أَملِك لَك ِمن َِّ‬
‫يك تَ َوَّكلْنَا َوإلَ َ‬
‫يك أَنَْب نَا‬ ‫اَّلل ِمن َشيء َّربَّنَا َعلَ َ‬ ‫َْ َ َ ََ ْ ُ َ َ‬ ‫ْ َْ َ‬
‫صريُ ﴾ [املمتحنة‪.]1 :‬‬ ‫يك الْم ِ‬
‫َوإلَ َ َ‬
‫آابءَ ُه ْم‬ ‫اآلخ ِر َيو ُّادو َن َم ْن َح َّ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ال َِجت ُد قَوما يؤِمنُو َن ِاب ََّّللِ والْيوِم ِ‬
‫اَّللَ َوَر ُسولَهُ َولَ ْو َكانُوا َ‬‫اد َّ‬ ‫َ ْ‬ ‫ًْ ْ‬
‫وح ِمْنهُ َوي ْد ِخلُ ُه ْم‬ ‫َيد ُهم بُِر ٍ‬‫ب ِِف قُلُوهبِِ ُم اإلميَا َن َوأ َ‬ ‫ك َكتَ َ‬ ‫إخ َوانَ ُه ْم أ َْو َع ِش َريتَ ُه ْم أ ُْولَئِ َ‬
‫أ َْو أَبْنَاءَ ُه ْم أ َْو ْ‬
‫اَّللِ أَال َّ‬
‫إن‬ ‫ب َّ‬ ‫اَّلل عْن هم ورضوا عْنه أُولَئِ َ ِ‬
‫ك ح ْز ُ‬ ‫ين ف َيها َرضي َُّ َ ُ ْ َ َ ُ َ ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫َّات َجت ِري ِمن َحتتِها األَنْهار خالِ ِد ِ‬
‫َُ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َجن ٍ ْ‬
‫اَّللِ ُه ُم الْ ُم ْفلِ ُحو َن ﴾ [اجملادلة‪.]99 :‬‬ ‫ب َّ‬ ‫ح ْز َ‬
‫ِ‬
‫***‬

‫‪121‬‬
‫ابب اإلميان بكرامات األولياء‪:‬‬
‫ونؤمن بكرامات األولياء‪ ،‬وهي ما قد جيريه هللا تعاىل على أيدي بعض الصاحلني من خوارق‬
‫إن أ َْولِياءَ َّ‬
‫اَّللِ ال َخ ْوف َعلَي ِه ْم َوال ُه ْم ْحيَزنُو َن (‪)19‬‬ ‫العادات‪ ،‬إكر ًاما هلم‪ ،‬كما قال تعاىل‪ ﴿ :‬أَال َّ‬
‫اآلخرةِ ال تَب ِديل لِ َكلِم ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين َآمنُوا َوَكانُوا يتَّ ُقو َن (‪َ )14‬هلُُم الْبُ ْشَرى ِِف ا ْحلَياةِ ُّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ك‬
‫ات ا ََّّلل ذَل َ‬ ‫الدنْيا َوِِف َ ْ َ َ‬ ‫ا لذ َ‬
‫يم ﴾ [يونس‪.]11 19 :‬‬ ‫ِ‬
‫ُه َو الْ َف ْوُز الْ َعظ ُ‬
‫اجا‪ ،‬أو صادرة من مشعوذ أو‬ ‫وليس كل أمر خارق للعادة يكون كرامة‪ ،‬بل قد يكون استدر ً‬
‫دجال‪ ،‬فالكرامة سببها الطاعة وخمتصة أبهل االستقامة‪ ،‬أما الشعوذة فسببها الكفر واملعاصي‬
‫وخمتصة أبهل الضالل‪.‬‬
‫***‬
‫ابب من اإلميان حمبة آل البيت وصحابة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪:‬‬
‫وحب أصحاب رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وسالمة ألسنتنا وقلوبنا جتاههم دين ندين هللا به‪ ،‬وأصل قطعي‬
‫معلوم من الدين ابلضرورة‪ ،‬وال نربأ من أحد منهم‪ ،‬ونبغض من يبغضهم‪ ،‬فحبهم والذب عنهم دين‬
‫وجهادا‪ ،‬اختارهم هللا تعاىل لصحبة نبيه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إمياان‪ ،‬وأعظمهم طاعةً‬ ‫ندين هللا به فهم أكمل الناس ً‬
‫السابِ ُقو َن‬
‫واصطفاهم حلمل رسالته وتبليغها للناس‪ ،‬أفضل األمة بعد نبينا دمحم ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫َع َّد َهلُْم‬ ‫ان َّر ِضي َّ‬ ‫اج ِرين واألَنصا ِر والَّ ِذين اتَّب عوهم ِإبحس ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضوا َعْنهُ َوأ َ‬
‫اَّللُ َعْن ُه ْم َوَر ُ‬ ‫األ ََّولُو َن م َن الْ ُم َه َ َ َ َ َ َ ُ ُ ْ َ‬
‫يم ﴾ [التوبة‪.]4٧٧ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّات َجت ِري َحتت ها األَنْهار خالِ ِد ِ‬
‫ٍ‬
‫ك الْ َف ْوُز الْ َعظ ُ‬
‫ين ف َيها أَبَ ًدا ذَل َ‬
‫َجن ْ َْ َ َ ُ َ َ‬
‫قال الناظم‪:‬‬
‫وأهل بيت املصطفى األطهار __________ وتبعيه السادة األخيار‬
‫فكلهم يف حمكم القرآن __________ أثىن عليهم خالق األكوان‬
‫يف الفتح واحلديد والقتال __________ وغريها أبكمل اخلصال‬
‫كذاك يف التوراة واإلجنيل __________ صفاهتم معلومة التفصيل‬
‫وذكرهم يف سنة املختار __________ قد سار سري الشمس يف األقطار‬

‫وكل من رأى رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص أو صحبه وآمن به فهو من الصحابة‪ ،‬وإن كانت صحبته ساعةً من‬
‫هنار‪ ،‬وكلهم عدول بتعديل هللا تعاىل ورسوله هلم‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫ونكف عما شجر بينهم‪ ،‬فهم ِف ذلك بني جمتهد مصيب وجمتهد خمطئ‪ ،‬وليسوا معصومني من‬
‫اخلطأ‪.‬‬
‫ونؤمن أبن خري األمة بعد نبيها هم األربعة‪ :‬أبو بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعلي‪ ،‬وهم اخللفاء‬
‫الراشدون املهديون‪ ،‬وفيهم كانت خالفة النبوة‪.‬‬
‫***‬
‫ابب اإلميان ابلوعد والوعيد‪:‬‬
‫ونؤمن بنصوص الوعد والوعيد‪ ،‬وُمنرها كما جاءت‪ ،‬ونشهد ملن مات على اإلسالم بظاهر إسالمه‬
‫على العموم أبنه من أهل اجلنة‪ ،‬وال ندري مبا خيتم للعبد عند هللا تعاىل‪ ،‬لقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪«:‬إن العبد‬
‫ليعمل بعمل أهل اجلنة فيما يبدو للناس‪ ،‬وهو من أهل النار‪ ،‬وإن العبد ليعمل بعمل أهل النار‪،‬‬
‫فيما يبدو للناس‪ ،‬وهو من أهل اجلنة»(‪.)11‬‬
‫ونشهد للكفار واملنافقني واملرتدين أبهنم من أهل النار‪.‬‬
‫ونشهد لكل من شهد له رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ابجلنة‪ ،‬أبنه من أهل اجلنة‪ ،‬كالعشرة املبشرين ابجلنة‪،‬‬
‫وعُكاشة‪ ،‬واملرأة السوداء اليت كانت ت ُق ُّم املسجد‪ ،‬وعبدهللا بن سالم‪ ،‬وآل ايسر‪ ،‬وبالل بن رابح‪،‬‬
‫وخدجية بنت خويلد‪ ،‬وفاطمة بنت دمحم‪ ،‬ومجيع أزواجه وغريهم‪.‬‬
‫ومن جاءت النصوص أبهنم من أهل النار‪ ،‬فنشهد هلم بذلك‪ ،‬كأيب هلب وامرأته‪.‬‬
‫وال جنزم ألحد بعينه كائنًا من كان جبنة وال بنار إال من جزم له النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪.‬‬
‫وال نوجب العذاب لكل من توجه إليه الوعيد‪ ،‬فقد يغفر هللا له مبا فعله من طاعات أو شفاعات‬
‫أو توبة أو مبصائب وأمراض ُمكفرة‪.‬‬
‫ونؤمن أبن وعد هللا للمؤمنني ابجلنة‪ ،‬ووعيده بتعذيب العصاة املوحدين‪ ،‬وتعذيب الكفار واملنافقني‬
‫ات سنُ ْد ِخلُهم جن ٍ‬
‫َّات‬ ‫ِف النار حق ال خيلف هللا وعده‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬والَّ ِذين آمنُوا وع ِملُوا َّ ِ ِ‬
‫الصاحلَ َ ُ ْ َ‬ ‫َ َ َ ََ‬ ‫ُ‬
‫اَّللِ قِيالً ﴾[النساء‪:‬‬ ‫َص َد ُق ِم َن َّ‬ ‫َجت ِري ِمن َحتتِها األَنْهار خالِ ِدين فِيها أَب ًدا وع َد َِّ‬
‫اَّلل َحقًّا َوَم ْن أ ْ‬ ‫َ ُ َ َ َ َ َْ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬
‫‪ .]499‬ولكن يعفو عن عصاة املوحدين بفضله وكرمه‪ ،‬وقد وعد هللا تعاىل ابلعفو للموحدين‪،‬‬
‫ونفاه عن غريهم‪.‬‬

‫____________________________________‬
‫(‪ )11‬أخرجه البخاري كتاب املغازي (‪ )19٧1‬من طريق أيب حازم عن أبيه عن سهل بن سعد‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫ابب من اإلميان‪:‬‬
‫وأنمر ابملعروف وننهى عن املنكر‪ ،‬والصرب على أذى اخللق ِف سبيل إقامة هذه الشعرية‪ ،‬وأنه‬
‫َّاس َأتْمرو َن ِابلْمعر ِ‬ ‫سبب حلفظ اجلماعة‪ ،‬قال تعاىل‪ُ ﴿ :‬كنتم خري أ َُّم ٍة أُخ ِرج ِ‬
‫وف َوتَْن َه ْو َن َع ِن‬ ‫َ ُْ‬ ‫ت للن ِ ُ ُ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ُْ َ َ‬
‫اس ُقو َن ﴾‬ ‫الْمن َك ِر وتُ ْؤِمنُو َن ِاب ََّّللِ ولَو آمن أ َْهل الْ ِكتَ ِ‬
‫اب لَ َكا َن خريا َّهلم ِمْن هم الْم ْؤِمنُو َن وأَ ْكثَرهم الْ َف ِ‬
‫َ ُُ ُ‬ ‫َ ً ُ ُُ ُ‬ ‫َ ْ ََ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫[آل عمران‪.]44٧:‬‬
‫ونؤمن بوجوب السمع والطاعة لوالة أمور املسلمني ما مل أيمروا مبعصية‪ ،‬فإذا أمروا مبعصية فال جتوز‬
‫وال حتل طاعتهم‪ ،‬وتبقى طاعتهم ابملعروف‪.‬‬
‫ونصرب على أذاهم‪ ،‬وال جنيز اخلروج عليهم ابلسيف إذا ارتكبوا خمالفة دون الكفر‪ ،‬بل ننصح هلم‪،‬‬
‫وندعو هلم ابلصالح واالستقامة‪.‬‬
‫ونؤمن أبن الدعاء للحكام والوالة على املنابر من بدع اجلمعة اليت مل ترد عن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وصحابته‬
‫الكرام‪ ،‬وعالمة على الدخول ِف طاعتهم‪.‬‬
‫ونقوم ابلنصح لكل مسلم‪ ،‬والتعاون على الرب والتقوى‪ ،‬وحنافظ على إقامة اجلمع واجلماعات‪،‬‬
‫واحلج‪ ،‬واجلهاد‪ ،‬مع أويل األمر املسلمني‪ ،‬وإن كانوا عصاة خالفًا للمبتدعة‪.‬‬
‫ونتواصى ابلصرب‪ ،‬والثبات عند البالء واحملن‪ ،‬والشكر عند الرخاء‪ ،‬ونرضى ونسلم مبا قدر ربنا‬
‫وكتب‪ ،‬وال نسأله تعاىل البالء‪ ،‬وال مالقاة األعداء لقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ال تتمنوا لقاء العدو‪ ،‬واسألوا هللا‬
‫العافية»(‪.)1٧‬‬
‫وال نعتمد ِف احملن ونصرة الدين على األسباب األرضية‪ ،‬واألماين الرتابية‪ ،‬وال نغفل عن السنن‬
‫الكونية‪ ،‬وأن النصر من عند هللا مىت صدقنا وآمنا واستغفران‪.‬‬
‫وصلى هللا على دمحم وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬

‫____________________________________‬
‫(‪ )1٧‬أخرجه البخاري ِف كتاب التمين‪ ،‬ابب‪ /‬كراهية متين لقاء العدو (‪ )414/45‬مع الفتح‪ ،‬ح(‪.)1941‬‬

‫‪123‬‬
‫الرباهني املتظاهرة يف حتمية اإلميان ابهلل واليوم اآلخر‬
‫مقدمة‬
‫احلمد هلل الذي أوجد الكائنات من العدم ‪ ،‬واختص بصفة األزلية والقدم ‪ ،‬أوجب لنفسه صفات‬
‫الكمال ‪ ،‬وتنزه عن األشباه واالنداد واألمثال ‪ ،‬أمحده سبحانه وأشكره ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا‬
‫حممدا عبده ورسوله صلى هللا عليه و على آله و صحبه وسلم ‪.‬‬ ‫وحده ال شريك له ‪ ،‬وأشهد أن ً‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫منتشرا ِف بعض جمتمعات املسلمني وخاصة بني بعض‬ ‫ً‬ ‫فقد دفعين إىل كتابة هذا البحث ما أراه‬
‫فئات الشباب الذين أخذهتم مظاهر العصر ‪ ،‬والذين مل يكن هلم حظ من العلم واملعرفة‪ ،‬يتقون به‬
‫آاثر تلك املظاهر الزائفة ويتسلحون به ضد الشبهات والدعاايت املضللة اليت ما فتئ أعداء‬
‫اإلسالم من املالحدة وجوديني وغريهم يروجوهنا ويضللون عقول كثريين هبا ‪ ،‬األمر الذي قد جيرهم‬
‫إىل التشكيك ِف عقيدهتم ‪ ،‬وقبول ما يرد من أعداء اإلسالم إليهم من دعاايت مضللة وشبهات‬
‫مصطنعة بقصد إحداث البلبلة والتشكيك بني صفوف الشباب ليسهل عليهم بذلك صرفهم عن‬
‫دينهم ‪ ،‬وتغيري فطرهتم اليت فطرهم هللا عليها من معرفته واإلميان بوحدانيته ‪ ،‬وهذا الدور الذي يقوم‬
‫به هؤالء خطري جدًّا على النشء ‪ ،‬حيث جتمعهم هبم عدة عوامل من حيث اللغة واجلنس والوطن‬
‫وغري ذلك من األشياء اليت هي سبب مباشر ِف استمالة النشء والتأثري عليه ‪.‬‬
‫معتمدا ِف ذلك على الرباهني‬ ‫ً‬ ‫وقد قصرت هذا البحث على حتمية اإلميان ابهلل واليوم اآلخر‬
‫القطعية الثابتة من الكتاب والسنة والفطرة والعقل ‪.‬‬
‫مهما من هذا البحث على األدلة العقلية والعلمية التجريبية‬ ‫ويالحظ القارئ أنين ركزت جانبا ًّ‬
‫حيث أن الشبه الرائجة ِف هذا العصر مصدرها فئات ال يسلمون ابألدلة السمعية لذلك أردت أن‬
‫يكون جانبًا من الرد عليهم ابلعقل واملنطق ‪.‬‬
‫فبدأت أوالً بذكر الدليل الفطري وأوضحت فيه أن كل إنسان عاقل يشعر ضرورة ِف قرارة نفسه‬
‫مدبرا له ِف مجيع شئونه وال يشذ عاقل عن هذه القاعدة إال من‬ ‫مبقتضى فطرته أن له رًّاب خال ًقا ً‬
‫فسدت فطرته مبرض الكرب والعناد وغري ذلك من األمراض اليت تطرأ على فطرة اإلنسان فتغريها عن‬
‫اجتاهها الصحيح ‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫مث انتقلت إىل االستدالل على وجود البارئ سبحانه وتعاىل وأزليته ابلنظر ِف خملوقاته وما أودعه‬
‫ِف هذا الكون الفسيح من عجيب الصنع وبديع اإلحكام والدقة ِف التنظيم ‪،‬األمر الذي مينع‬
‫صدور مثل هذا عن غري فاعل مريد ‪.‬‬
‫وبعد ذلك أقمت الدليل العلمي التجرييب الذي أدئ بكثري من العلماء غري املسلمني إىل االعرتاف‬
‫بوجوده سبحانه وتعاىل وأزليته ‪.‬‬
‫أما اإلميان ابليوم اآلخر ‪ . .‬فقد أقمت الربهان على ثبوته وبينت منهج القرآن العزيز ِف االستدالل‬
‫على حتمية البعث ‪ ،‬وقد جاء بطرق متعددة كل واحدة منها تؤكد حتمية بعث األبدان وقيام‬
‫الناس من قبورهم لرب العاملني‪ .‬هذا وأسأل هللا أن ينفع هبذا البحث تلك الفئات اليت حادت عن‬
‫الطريق السوي ‪.‬‬
‫األستاذ املشارك‬
‫محود بن عبدهللا بن عقالء الشعييب‬
‫جامعة اإلمام دمحم بن سعود ابلرايض‬
‫‪4421/5/4٧‬ه‬

‫اإلميان ابهلل ‪:‬‬


‫اإلقرار بوجود اخلالق سبحانه وتعاىل والشعور بعظمته وقهره أمر فطري جيده ويشعر به كل إنسان‬
‫ِف قرارة نفسه من غري أن حيتاج إىل برهان نظري‪ ،‬أو جتربة علمية‪ ،‬ويشرتك ِف هذا الشعور وهذا‬
‫االعتقاد الفطري كل إنسان مهما كانت من زلته من الفهم واإلدراك‪ ،‬أو اجلهل والغباء‪ ،‬أي أن‬
‫مسيطرا عليه‬
‫ً‬ ‫قاهرا‬
‫اإلنسان العاقل سواء كان عاملًا أم جاهالً فإنه يدرك ابلضرورة أن له رًّاب خال ًقا ً‬
‫مدبرا لشئونه‪.‬‬
‫ً‬
‫إن اإلنسان ليشعر بوجود قوة كربى مهيمنة على الكون متنحه التدبري والتنظيم وتتصرف فيه ابحلياة‬
‫واملوت والبناء والفناء والتغري والتطور واحلركة والسكون ومجيع أنواع التغيريات احلكيمة اليت جتري‬
‫فيه‪.‬‬
‫إمياان عمي ًقا‪ ،‬سواء استطاع أن يقيم الدليل الربهاين على صدق‬ ‫إنه ليشعر هبذه احلقيقة ويؤمن هبا ً‬
‫هذا الشعور أو مل يستطع‪ ،‬فدليل الفطرة ودليل البداهة شاهد حق يسبق الشواهد النظرية وقد‬
‫يكون أدق منها وأصدق‪ ،‬وحسب اإلنسان ِف إميانه واعتقاده بشيء ما أن يوافق شعوره الفطري‬

‫‪125‬‬
‫وإحساسه البديهي النتائج النظرية اليت يتوصل إليها الباحثون من علماء وفالسفة‪ ،‬أو أن يتفق‬
‫شعوره وإحساسه مع الشعور واإلحساس الصادق للكثرة الكاثرة من اجملموعة اإلنسانية‪.‬‬
‫بل رمبا يقال‪ :‬إن سالمة الفطرة وصفاء اإلحساس اخلفي من أهم الوسائل األساسية ِف شعور‬
‫كثريا من املعارف احلقة اليت يعرفها اإلنسان ِف أطوار‬
‫اإلنسان بكثري من البديهيات واكتسابه ً‬
‫حياته‪.‬‬
‫كثريا من علومنا ومعارفنا ليس هلا دليل ِف أنفسنا غري شعوران الفطري هبا‪ ،‬ومهما تقدمت‬ ‫إن ً‬
‫العلوم واملكتشفات فإهنا ال تزيدان عنها شيئًا غري ما توصلنا إليه بفطرتنا(‪. )4‬‬
‫إن هذه الفطرة وهذا الشعور الذي يشرتك فيه مجيع الناس ِف مجيع اجملتمعات والعصور على‬
‫اختالف أجناسهم وتفاوت ثقافاهتم وأفكارهم لربهان كاف ِف القطع بوجود البارئ عز وجل من‬
‫غري حاجة إىل برهان علمي جترييب أو دليل نظري وال يشك ِف صحته إال من فسدت فطرته مبرض‬
‫حجااب كثي ًفا على بصائر‬
‫ً‬ ‫الكربايء والعناد‪،‬أو الشهوات النفسانية‪ ،‬أو الشكوك املادية اليت كونت‬
‫هؤالء املنحرفني عن الفطرة السليمة‪.‬‬
‫***‬
‫رثبات وجود اخلالق عن طريق التأمل يف خملوقاته ‪:‬‬
‫إننا إذا انتقلنا من الدليل الفطري على وجود اخلالق العظيم إىل األدلة النظرية وأتملنا هذا الكون‬
‫الواسع الفسيح‪ ،‬وما أودع فيه من بديع الصنع وعجيب اإلتقان الذي ال يصدر إال عن فاعل‬
‫خمتار‪.‬‬
‫إننا إذا أتملنا العامل العلوي مبا فيه من مسوات وأفالك وكواكب ومشس وقمر‪ ...‬ونظران ِف العامل‬
‫السفلي مبا فيه من جبال وأهنار وحبار وحيوان ونبات‪.‬‬
‫حصل لنا القطع بوجود اخلالق‪ ،‬بل نفس اإلنسان فيها من الشواهد واألدلة ما يفيد القطع بوجود‬
‫الصانع‪ ،‬فإن جسم اإلنسان يشتمل على كثري من األجهزة اليت بلغت ِف الدقة والتعقيد درجة‬
‫حريت عقول األطباء والفالسفة وغريهم كجهاز التنفس وجهاز الدورة الدموية وجهاز اهلضم‬
‫قروان عديدة كشف أسرارها‪ ..‬بل إن غري اإلنسان من‬ ‫وغريها من األجهزة الدقيقة اليت حري العلماء ً‬
‫احليواانت الكثرية اليت نعلمها واليت ال نعلمها يشارك اإلنسان ِف دقة الصنع وغرابة التكوين‪ ،‬فانظر‬
‫إذن كم عدد أفراد اإلنسان ِف مجيع البلدان وِف مجيع األعصار‪.‬‬

‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬العقيدة اإلسالمية وأسسها (ج‪ / 4‬ص‪ )24‬الشيخ عبد الرمحن حبنكة امليداين‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫وكم عدد احليواانت كذلك وإىل هذه النشأة البديعة العجيبة‪ ،‬نشأة اإلنسان واحليوان والنبات من‬
‫املادة امليتة اليت ال حياة فيها وال شعور‪.‬‬
‫يت ﴾ [األنعام‪.]52:‬‬ ‫يشري الكتاب الكرمي بقوله تعاىل‪ ﴿ :‬خيْرِج ا ْحلي ِمن الْم ِ‬
‫ُ َ َ َ‬
‫إن أي عاقل نظر ِف هذا العامل علويه وسفليه‪ ،‬حيوانه ومجاده وما أودع فيه من عجائب املخلوقات‬
‫وغرائب الصنع وما يسري عليه من نظام متقن بديع ال تفاوت فيه وال اضطراب يدرك ضرورة أن‬
‫مثل هذا ال يصدر إال عن مدبر حكيم(‪. )9‬‬
‫وهذا املنهج منهج النظر ِف آالء هللا وخملوقاته هو الذي هنجه القرآن العزيز ِف لفت نظر اخللق إىل‬
‫اق َوِِف أَن ُف ِس ِه ْم َح َّىت‬ ‫االعرتاف ابهلل واإلقرار بوجوده وتدبريه وربوبيته ‪ ﴿ :‬سنُ ِري ِهم آايتِنَا ِِف اآلفَ ِ‬
‫َ ْ‬
‫ني (‪َ )9٧‬وِِف أَن ُف ِس ُك ْم أَفَال‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ني َهلُْم أَنَّهُ ا ْحلَ ُّق ﴾ [فصلت‪َ ﴿.]54 :‬وِِف األ َْر ِ‬
‫ض آايت ل ْل ُموقن َ‬ ‫يتَ بَ َ‬
‫َّها ِر‬ ‫ض واختِ ِ‬
‫الف الَّ ِ‬ ‫إن ِِف خ ْل ِق َّ ِ‬ ‫تُب ِ‬
‫ليل َوالن َ‬ ‫ََ ْر ِ َ ْ‬ ‫الس َم َوات َواأل َ‬ ‫َ‬ ‫ص ُرو َن ﴾ [الذارايت‪َّ ﴿ .]94،9٧ :‬‬ ‫ْ‬
‫السم ِاء ِمن َّم ٍاء فَأ ِ‬ ‫ك الَِّيت َْجت ِري ِِف الْبح ِر ِمبَا ين َفع النَّاس وما أََنزَل َّ ِ‬‫والْ ُف ْل ِ‬
‫ض بَ ْع َد‬‫َحيا بِه األ َْر َ‬ ‫ْ‬ ‫اَّللُ م َن َّ َ‬ ‫ُ َ ََ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ض آلايتٍ‬ ‫ِ‬ ‫السح ِ‬ ‫ص ِر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ََ ْر ِ‬‫الس َماء َواأل َ‬
‫ني َّ‬‫اب الْ ُم َس َّخ ِر بَ َ‬ ‫يف ال ِر ِ‬
‫ايح َو َّ َ‬ ‫ث ف َيها من ُك ِل َدابَّة َوتَ ْ‬ ‫َم ْوهتَا َوبَ َّ‬
‫لَِق ْوٍم ْيع ِقلُو َن ﴾[البقرة‪ .]411 :‬آايت عظيمة وبراهني قاطعة‪،‬مساء واسعة عالية بال عمد‪ ،‬ومشس‬
‫تشرق فيأيت النهار‪ ،‬وتغرب فيأيت الليل‪ ،‬قمر وكواكب‪ ،‬ليل وهنار متعاقبان‪ ،‬أييت الليل فيغطي العامل‬
‫بظالمه ينقطع فيه اخللق إىل نومهم وراحتهم‪ ،‬ويعقبه النهار فيخرجون فيه إىل معاشهم وحروثهم‬
‫وجتاراهتم وصناعاهتم وغريها‪ ...‬حار تضطرب أمواجها وتعلو متوهنا السفن‪ ،‬وتنقل املسافرين من‬
‫بلد إىل بلد ومن إقليم إىل إقليم ‪ .‬سحب تتكاثف وأمطار تن زل‪ ...‬كل هذه آايت وشواهد انطقة‬
‫بوجود اخلالق املدبر العظيم ‪ .‬هل يتصور عاقل أن تتم مثل هذه األمور صدفة من غري فاعل مريد‬
‫وقد ضرب ابن القيم رمحه هللا ِف كتابه «مفتاح دار السعادة» اجلزء األول ص‪ 941‬مثاالً أوضح‬
‫فيه استحالة صدور الكون عن غري مدبر حكيم فقال‪« :‬فاسأل املعطل اجلاحد ما تقول ِف دوالب‬
‫دائر على هنر قد أحكمت آالته وأحكم تركيبه وقدرت أدواته أحسن تقدير وأبلغه حيث ال يرى‬
‫الناظر فيه خلالً ِف مادته وال ِف صورته‪ ،‬وقد جعل على حديقة عظيمة فيها من كل أنواع الثمار‬
‫والزروع يسقيها حاجتها وِف تلك احلديقة من يلُم شعثها وحيسن مراعاهتا وتعهدها والقيام جبميع‬
‫مصاحلها فال خيتل منه شيء وال يتلف مثارها‪ ،‬مث يقسم غلتها عند اجلذاذ على سائر املخارج‬
‫حبسب حاجاهتم وضروراهتم‪ ،‬فيقسم لكل صنف منهم ما يليق به ويقسم هكذا على الدوام‪.‬‬

‫_______________________________________‬
‫(‪ )9‬االشارات والتنبيهات البن سيناء جملد ‪ 4‬ص ‪. 11‬‬

‫‪127‬‬
‫أترى هذا اتفاقًا بال صانع وال خمتار وال مدبر؟‬
‫بل اتفق وجود ذلك الدوالب وتلك احلديقة وكل ذلك اتفاقًا من غري فاعل وال قيم وال مدبر‪.‬‬
‫أفرتى ما يقول لك عقلك ِف ذلك لو كان؟ وما الذي يفتيك به؟ وما الذي يرشدك إليه؟»‪.‬‬
‫يشري رمحه هللا ِف هذا املثال إىل أن هذه اجلزئية الصغرية من جزئيات الكون الكثرية ال يصح ِف‬
‫عقل إنسان أن يكون هذا املثال صدر عن غري فاعل مدبر‪ ،‬فمن ابب أوىل أال يصدر هذا الكون‬
‫الكبري عن غري فاعل وصانع حكيم عليم يفعل مبشيئته وإرادته‪.‬‬

‫***‬
‫رثبات وجود اخلالق ابألدلة العقلية والرباهني العلمية التجريبية ‪:‬‬
‫إن كثريين من مرضى العقول ممن فسدت فطرهم واحنرفت أفكارهم واستولت عليهم الشبه‬
‫والشكوك ينكرون وجود الصانع وال يعرتفون بشيء سوى هذا العامل املادي املشاهد‪ ،‬ويدعون أن‬
‫كل شيء ِف هذا الكون صدر عن‪ :‬إما الطبيعة أو الصدفة أو املادة؛ أصنام ثالثة يعللون هبا‬
‫ابطلهم وميوهون هبا على السذج من الناس من أمثاهلم‪.‬‬
‫وسوف ترى أن هذه الشبه الثالث اليت طاملا تغىن هبا املالحدة أوهام ما هي إال كسراب بقيعة‬
‫حيسبه الظمآن ماء حىت إذا جاءه مل جيده شيئًا‪.‬‬
‫***‬
‫عجز الطبيعة عن اإلبداع واخللق‪:‬‬
‫مما ال شك فيه حىت عند أصحاب الطبيعة أن الطبيعة ميتة ال حياة فيها وال شعور هلا وال إدراك‬
‫وال عقل وال إرادة‪...‬‬
‫ومن هذا شأنه فال يقدر على خلق ذرة أو إجياد حبة فضالً عن خلق هذا الكون العظيم مبا فيه‬
‫من تنظيم وإحكام وتدبري وإتقان وحياة ومنو‪ ،‬فكيف يتصور عاقل يعي ما يقول أن الطبيعة الفاقدة‬
‫للحياة والشعور واإلدراك متنح غريها احلياة والشعور واإلدراك‪ ...‬وكيف يفسر عاقل ما حيدث ِف‬
‫هذا الكون من اختالف وتغري بني أنواع جزئياته عن حمدث ال ميلك اإلرادة؟‬
‫هذا أمر يستحيل تصوره ِف بديهة كل إنسان‪.‬‬
‫إن القول أبن الطبيعة ختلق شبه مصطنعة من شبهات العصر وضاللة مبتدعة من ضالالته وهي‬
‫مع هذا ال تعدو كوهنا ومهًا ال حقيقة له وال وجود وال يستند إىل أصل صحيح ولكنها مع‬

‫‪128‬‬
‫اصطناعها هذا و كوهنا ومهًا جندها مسيطرة على عقول كثري ممن يدعون الثقافة واملعرفة‪ ،‬وقد‬
‫انطلت عليهم دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتمحيص‪.‬‬
‫إنك حينما تبادر أحد الطبيعيني ابلقول‪ :‬من خلق السموات واألرض؟ يقول لك‪ :‬الطبيعة‪ .‬ومن‬
‫خلق النبات واحليوان؟ يقول لك‪ :‬الطبيعة‪ ..‬من خلق اإلنسان؟ يقول لك الطبيعة‪.‬‬
‫فمن يدبر مجيع هذه األمور الفلكية واحليوية والغريزية وكل حساب دقيق ونظام ال حييد؟ فسيقول‬
‫لك‪ :‬الطبيعة‪.‬‬
‫إذن‪ :‬فما هي الطبيعة؟ وما هي مفاهيمها؟ وما هي حقيقة أتثريها؟‬
‫الطبيعة يف اللغة‪ :‬السجية واخللق‪.‬‬
‫غري أن للطبيعة اليوم ِف عقول الناس حسب تفاوهتم (مفهومان)‪:‬‬
‫املفهوم األول‪:‬‬
‫أهنا عبارة عن األشياء بذاهتا‪ ،‬فاجلماد والنبات واحليوان‪ ،‬كل هذه الكائنات هي الطبيعة‪ .‬وهو‬
‫مفهوم غري دقيق‪ .‬وحكم غري سديد كما سنبني لك ِف فصل الحق‪.‬‬
‫املفهوم الثاين‪:‬‬
‫إهنا عبارة عن صفات األشياء وخصائصها‪ ،‬فهذه الصفات من حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة‬
‫ومالسة وخشونة‪ ...‬وهذه القابليات من حركة وسكون ومنو واغتذاء وتزاوج وتوالد‪ ،‬كل هذه‬
‫الصفات والقابليات هي الطبيعة‪.‬‬
‫أما القول األول فال خيرج ابلطبيعة ابلنسبة خللق الوجود عن تفسري املاء ابملاء‪.‬‬
‫فاألرض خلقت األرض والسماء خلقت السماء واألصناف صنفت نفسها واألشياء أوجدت‬
‫ذاهتا‪.‬‬
‫فهي احلادث واحملدث‪ ،‬وهي املخلوق واخلالق ِف الوقت ذاته وهذا القول بني البطالن‪.‬‬
‫أما القول الثاين وهو االعتماد على قابليات األشياء وخصائصها ِف التكوين فنقول فيه‪:‬‬
‫احلقيقة أن الذين يعزون اخللق إىل تلك القابليات واخلصائص ال يعدون كوهنم وصافني لتلك‬
‫الظواهر ال يعرفون كنهها ومل يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن حقيقتها‪ ،‬ولو فعلوا ذلك لوجدوا أن‬
‫القابلية اليت اعتمدوا عليها ِف خلق الشيء سراب خادع حيسبه الظمآن ماء حىت إذا جاءه مل جيده‬
‫شيئًا وإليضاح ذلك ابلطريق العلمي نضرب املثال التايل‪:‬‬

‫‪129‬‬
‫نضع حبة ِف الرتاب ونسقيها ابملاء فتنتفخ وتنفلق فيظهر منها الرشيم ويندفع فيه اجلذر إىل أسفل‬
‫والساق إىل أعلى وتنشأ األوراق فاألزهار فالثمار وتكون احلبة قد أنتجت تفاحة مثالً فالقابلية اليت‬
‫كانت ِف احلبة هي‪:‬‬
‫االنتفاخ واالنفالق وظهور الرشيم ولوال هذه القابليات املتوالية ملا اضطرت تلك الظواهر احليوية وملا‬
‫نشأت عنها الثمرة‪ ،‬فلنأت إىل هذه القابلية ابلذات نبحث عن حقيقتها‪.‬‬
‫لو مل تنتفخ احلبة وتنفلق ملا نشأ شيء فمن الذي نفخها وفلقها؟ لو كان للحبة عقل وتفكري‬
‫وتدبري لقلنا إن عقلها هو الذي هيأ هلا ذلك‪ ،‬ولو أن املاء هو الذي نفخها وفلقها ألمكن للماء‬
‫أن ينفخ احلديد ويفلقه‪ ،‬إذن فالبد من مؤثر وقبول لتأثري ذلك املؤثر‪ ،‬وإذا كانت احلبة بذاهتا‬
‫جدالً انتفخت وانفلقت فلماذا مل جتمد وتضمر بدل أن تنتفخ وتنمو؟ ولكي حيصل التكاثر‬
‫والبقاء حيتاج األمر إىل عقل وإدراك ومنهاج مرسوم من قبل تلك البذرة‪.‬‬
‫والبذرة ال متلك شيئًا من ذلك فكيف حصلت إذن مثرة بعينها؟ بل كيف حصلت مثار كثرية‬
‫ومتنوعة؟ وكيف كمنت الغاية املعينة والصفات املقصودة ِف صميم كل بذرة منها؟‬
‫واحلقيقة أن من أمعن النظر ِف تعبري الطبيعيني املستندين إىل القابلية حينما يقولون‪ :‬طبع النبات‬
‫على ذلك‪ ،‬انتفخت احلبة وانفلقت وتوالدت اخلالاي‪ ،‬متيل اخللية احلية إىل االنقسام‪ ،‬إهنا أفعال‬
‫مبنية للمجهول جلهلهم أو جتاهلهم الفاعل احلقيقي فكأن الطبيعي أغمض العني عن السبب‬
‫ختلصا‪ ،‬فمن الذي نفخ احلبة؟ ومن الذي فلقها؟ ومن الذي أدى‬ ‫احلقيقي وبىن الفعل للمجهول ً‬
‫إىل التوالد؟ ومن الذي جبل اخللية على االنقسام؟ ومن الذي جعلها تنتفخ بدالً من أن تضمر؟‬
‫كل هذا التحقيق ال تصل إليه نظرة الطبيعيني القصرية بل املقتصرة على وصف الظواهر دون‬
‫مؤثرا‪ ،‬والظاهرة‬
‫الذهاب إىل أسباهبا‪ ،‬بل املخطئة ِف جعل الصفة املنفصلة سببًا فاعالً‪ ،‬والقابلية ً‬
‫مكوان‪ ،‬فاالنتفاخ صفة نشأت عن املؤثر اخلارجي عن الشيء وعن قبول أثره ِف‬ ‫اجملهولة عامالً ً‬
‫ذلك الشيء واالنفالق صفة‪ ..‬إخل‪.‬‬
‫مفهوما مركبًا مساه‪« :‬قابلية التوالد والنمو»‬
‫ً‬ ‫وما زاد الطبيعي على أن جعل من جمموع هذه الصفات‬
‫فجعل من القابليات اليت هي عرض من أعراض الشيء سببًا ِف اخللق ومن الصفة االنفعالية اليت‬
‫ال تعي وال تدرك سببًا فاعالً واعيا ِف تكوين األشياء‪ ...‬إذن فمن الذي ركز الطبيعة ِف العناصر؟‬
‫ومن الذي نوع تلك الطبائع؟(‪)4‬‬

‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬الرباهني العلمية على وجود اخلالق من ص‪ 19‬إىل ص‪ 11‬دمحم فؤاد الربازي‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫الصدفة ال ختلق‪:‬‬
‫وبعد أن هوى الصنم األول (الطبيعة) وحتطم على صخرة احلقيقة وبعد أن احرتق احلجاب الكثيف‬
‫الذي نسجه املالحدة الدهريون من الدعاية واألابطيل حول الطبيعة بشهب اليقني فإننا نعرض‬
‫لصنم آخر هو الصدفة أي دعوى املالحدة أبن هذا العامل حدث صدفة مل يكن له فاعل مريد‬
‫وحيث إن هذه الدعوى وهم وخيال رسخت ِف أذهان امللحدين‪ ،‬فسوف نشرحها لك إبجياز؛‬
‫لنبني بطالهنا بطريقة ال تدع للشك جماالً ِف أهنا كذب وافرتاء‪.‬‬
‫موجودا ِف صورة جنوم وكواكب وسيارات كاليت‬ ‫ً‬ ‫إهنم يقولون‪ :‬صحيح أن الكون املادي مل يكن‬
‫موجودا قبلها فحدث‬
‫ً‬ ‫أساسا للمادة كان‬
‫قطعا لكن شيئًا ما ميكن اعتباره ً‬ ‫نشاهدها فتلك حادثة ً‬
‫شيء ما فجأة لسبب جمهول فأدت الصدفة البحتة إىل نوع من االضطراب ِف األساس الذي‬
‫نشأت عنه مادة الكون احلالية فنشأت عن ذلك االضطراب ظروف مواتية أدت إىل حتليق‬
‫الكواكب والسيارات ِف جمموعات كبرية ما لبث أن انفصل بعضها عن بعض بقوة دفع االضطراب‬
‫املتتابع األثر مث تكونت األرض وأخذت العناصر تتجمع على سطحها وختتلط حىت حدث بطريق‬
‫املصادفة البحتة أن اجتمعت عناصر معينة وتفاعلت مبحض الصدفة فصادف جتمعها ظروفًا‬
‫مالئمة لنشأة احلياة على األرض فانبعثت من هذه الظروف نواة احلياة األوىل اليت منت وتفرعت‬
‫وتطورت تلقائيا حىت وصلت إىل النبات واحليوان واإلنسان فتأثرت ِف ذلك كله بعوامل البيئة‬
‫املادية وتطور األجناس الطبيعي‪.‬‬
‫هذا هو ملخص دعوى املاديني ِف أصل الكون ونشأة احلياة‪ ،‬فما نصيب هذه الدعوى من‬
‫التفكري العلمي احملض حبق؟‬
‫إن دعوى صدور هذا الكون عن طريق الصدفة احملضة دعوى ابطلة ال تقوم على أصل صحيح وال‬
‫تستند إىل أصل اثبت بل لقد أثبت العلماء الرايضيون عن طريق القوانني الرايضية أن صدور‬
‫قانوان يضبط نسبة اإلمكان‬
‫الكون عن طريق املصادفة احملضة أمر مستحيل التصور فقد وضعوا ً‬
‫واالحتمال ِف كل قول ابملصادفة وهو يقوم على مجع إحصائي لكل ما يتضمنه القول‪.‬‬
‫مث تطبيق قواعد رايضية علمية ينتج عنها حتديد كامل لشروط اإلمكان الصحيح ِف القول املفرتض‬
‫وعلى سبيل املثال فإن العلماء الرايضيني قاسوا قدر اإلمكان واالحتمال ِف القول املادي السابق‬
‫بنشأة نواة احلياة األوىل مبحض جتمع عناصر معينة بطريق املصادفة البحتة دون تدبري قاصد فانتهوا‬
‫من ذلك إىل االستحالة أن يكون األمر قد حدث على هذا النحو ألهنم مجعوا عناصر املادة‬

‫‪131‬‬
‫وكميتها وتنوعها فوجدوا أن قدر املادة املوجودة ِف الكون ال يكفي رايضيا لنشأة نواة احلياة‪ ،‬ومن‬
‫مث توصلوا إىل أنه البد من وجود إرادة قاصدة عاملة وراء بدء اخللق ونشأة احلياة فيه ‪.‬‬
‫إن دعوى امللحدين أبن حدوث العامل حصل صدفة بال فاعل مريد دعوى كاذبة ينقضها اإلحكام‬
‫واإلتقان املشاهد ِف مجيع أفراد الكون وجزئياته اليت إذا أتملها العاقل إبنصاف وجترد‪ ،‬أدرك يقينًا‬
‫أن مثل هذا ال حيدث إال عن إرادة صادرة عن مريد حكيم عامل يضع األشياء ِف مواضعها الالئقة‬
‫هبا‪.‬‬
‫ولقد أكثر العلماء من ذكر األمثلة اليت يثبت هبا بطالن شبهة املصادفة فمن ذلك نسبة الذكور إىل‬
‫اإلانث ِف كل جمتمع ففي كل جمتمع يوجد األعزب من الرجال والعزبة من النساء كما يوجد‬
‫املتزوجون الذين ختتلف حاالهتم من حيث اإلجناب بني العقم أو إجناب الذكور وحدهم أو إجناب‬
‫اإلانث وحدهن أو إجناب الذكور واإلانث فعندان إذن مخس حاالت فردية ِف كل جمتمع صغري أو‬
‫دائما ِف كل جمتمع هو التناسب بني جمموع عدد الذكور من كل األعمار‬ ‫كبري لكن حصيلة األمر ً‬
‫وجمموع عدد اإلانث من كل األعمار (‪ 54 12‬أو ‪ 5٧95 1295‬أو ‪ 5495 1٧95‬أو ‪1٧‬‬
‫كبريا إال بسبب ظروف طارئة مثل احلرب‬ ‫‪ )59‬ومل خيتل هذا التناسب ِف أي جمتمع بشري اختالالً ً‬
‫الكبرية اليت أتكل الرجال فتزيد نسبة النساء وحنو ذلك ومع هذا فقد لوحظ مبزيد من الدهشة أن‬
‫آاثر هذه الظروف الطارئة ال تستمر طويالً حيث لوحظ أنه ِف أعقاب احلرب الكبرية تزيد نسبة‬
‫املواليد من الذكور حىت يرجع التناسب تدرجييا‪.‬‬
‫ما الذي يدل عليه هذا التناسب العجيب الذي يسود األجناس البشرية كلها ِف كل زمان ومكان؟‬
‫نظاما كونيا يتمثل ِف سنة عامة قاصدة هيمنت على البشرية‪ ..‬فهل ميكن أن‬ ‫إنه يقطع أبن هناك ً‬
‫يكون هذا النظام احملكم ذو الغاايت املقصودة قد صدر عن حمض الصدفة البحتة اليت ال قصد‬
‫فيها وال إرادة‪.‬‬
‫أعتقد أن التفكري السليم يقضي ابستحالة ذلك‪.‬‬
‫ومثال آخر يذكره العلماء عند نقض شبهة دعوى املصادفة‪ :‬وهو أن نسأل هؤالء هذا السؤال‪:‬‬
‫هل لو وضعنا ِف علبة من اخلشب مثالً جمموعة كبرية من احلروف املعدنية اليت تستعمل ِف الطباعة‬
‫وضعا‬
‫صحيحا ً‬‫ً‬ ‫تصويرا‬
‫ً‬ ‫تكفي لتكوين فقرة اتمة من الكالم احملكم الرصني‪ ،‬تصور حادثة وقعت‬
‫هزا قواي حيرك مجيع ما فيها من حروف وهي حمكمة الغلق مث‬ ‫مشوشا غري مرتب مث هززان العلبة ًّ‬
‫ً‬
‫فتحنا العلبة أميكن أن تتضام احلروف املناسبة بعضها إىل بعض حىت تُكون كلمات مث الكلمات‬
‫املناسبة بعضها إىل بعض حىت تكون مجالً صحيحة مث اجلمل بعضها إىل بعض حىت تكون الفقرة‬

‫‪132‬‬
‫املطلوبة‪ ،‬هل جيوز ذلك؟ فإذا جوزوا حدوثه مرة هل جيوز حدوثه اثنية‪ ،‬وإذا جوزوا حدوثه اثنية‬
‫هل جيوز حدوثه اثلثة ورابعة وخامسة ومئات وآالف وماليني املرات حبيث تصبح املصادفة البحتة‬
‫تكفي ألن تصنع ذلك ماليني املرات‪ ،‬ولو بلغ هبم العناد واملكابرة حدًّا يقولون معه جبواز‬
‫ذلك(‪.)4‬‬
‫أو أن ِف هذين املثالني داللة قاطعة على بطالن دعوى املصادفة اليت طاملا جلأ إليها امللحدون‬
‫وتسرتوا وراءها إذا سئلوا عن خالق هذا الكون ومبدعه‪ ...‬ولنذكر مناذج من أقوال العلماء علماء‬
‫الطبيعة والكيمياء واألحياء وغريها الذين وصل هبم العلم التجرييب إىل اإلقرار بوجود هللا عز وجل‪.‬‬
‫فمن ذلك قول الدكتور «جون وليام كلونس»‪« :‬إن هذا العامل الذي نعيش فيه قد بلغ من اإلتقان‬
‫والتعقيد درجة جتعل من احملال أن يكون قد نشأ مبحض املصادفة‪ ،‬إنه مليء ابلروائع واألمور‬
‫املعقدة اليت حتتاج إىل مدبر واليت ال ميكن نسبتها إىل قدر أعمى‪.‬‬
‫وال شك أن العلوم قد ساعدتنا على زايدة فهم وتقدير ظواهر هذا الكون املعقدة وهي بذلك تزيد‬
‫من معرفتنا ابهلل ومن إمياننا بوجوده»‪.‬‬
‫وقال الدكتور (توماس دافني ابركس)‪« :‬إنين أقرأ النظام والتصميم ِف كل ما حييط يب من العامل غري‬
‫العضوي وال أستطيع أن أسلم أبن يكون كل ذلك قد مت مبحض املصادفة العمياء اليت جعلت‬
‫ذرات هذا الكون تتألف هبذه الصورة العجيبة‪ ،‬إن هذا التصميم حيتاج إىل مبدع وحنن نطلق على‬
‫هذا املبدع اسم (هللا)»‪.‬‬
‫وقال العامل البيولوجي (لوكرتسيل هامان)‪« :‬إن نظرة واحدة إىل إحدى اخلرائط اليت تبني التفاعالت‬
‫الدائرية العديدة وما يدور حول كل منها واآلخر من متفاعالت أخرى كفيلة أبن تقنع اإلنسان أبن‬
‫مثل هذه العالقات ال ميكن أن تتم مبحض املصادفة‪ .‬ولعل هذا امليدان يهيئ لإلنسان من العامل ما‬
‫تبعا لسنن رمسها ودبرها عندما خلق احلياة»‪.‬‬‫ال يهيئه أي ميدان آخر أبن هللا يسري هذا الكون ً‬
‫إن أقوال هؤالء العلماء وعشرات غريهم من العلماء الذين توصلوا بطريق العلوم التجريبية‬
‫والكشوفات العلمية إىل اإلقرار بوجود اخلالق تدل داللة قاطعة على استحالة الصدفة ِف إجياد‬
‫الكون(‪.)9‬‬

‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬املرجع‪ :‬اإلشارات والتنبيهات البن سينا (ج‪ / 4‬ص‪.)11‬‬
‫(‪ )9‬املصدر‪ :‬هللا يتجلى ِف عصر العلم (ص‪. )91‬‬

‫‪133‬‬
‫***‬
‫حدوث الكائنات برهان قاطع على وجود اخلالق‪:‬‬
‫إننا إذا أتملنا هذا الكون العظيم احمليط بنا ونظران ِف جزئياته اليت ال تنفك حتدث شيئًا فشيئًا أدركنا‬
‫أن لوجوده مبدأ‪.‬‬
‫إذن فالبد له من حمدث ألنه يستحيل عقالً أن يكون أحدث نفسه أو أن يكون حدث من غري‬
‫يء أ َْم ُه ُم ا ْخلَالُِقو َن ﴾ [الطور‪:‬‬ ‫حمدث‪ .‬كما أشار القرآن الكرمي إىل ذلك‪ ﴿ :‬أَم خلِ ُقوا ِمن َغ ِري ش ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬
‫‪.]45‬‬
‫ومن الرباهني العقلية على حدوث العامل أنه ليس أزليا‪ ،‬فهذه التغريات اليت حتدث ِف هذه‬
‫املوجودات‬
‫الكونية سواء منها املوجودات املادية املدركة ابحلس أو املوجودات األخرى اخلارجة عن نطاق‬
‫أبدا‪،‬‬
‫اإلدراك احلسي واليت نستنتج وجودها بربهان العقل فنالحظ أن حوادث التغري ال تنفك عنها ً‬
‫فما من شيء ِف هذا الكون الفسيح إال ونالحظ أنه ِف أوضاع من التغريات الكثرية بشكل‬
‫مستمر‪.‬‬
‫فهذه التحاويل الكونية ِف املواد الكيميائية حوادث مستمرة وهذه األعراض ِف الظواهر الفيزايئية ِف‬
‫تغري مستمر‪ ...‬نرى ِف ذلك حتول البذور إىل أشجار ومثار مث حتوهلا إىل رماد أو هشيم يتفتت مث‬
‫يتحول إىل عناصره الكيميائية والفيزايئية البسيطة أو املركبة‪.‬‬
‫ونرى ذلك ِف حتول األغذية إىل دماء ِف األحياء مث إىل نطف مث إىل أحياء أخرى هلا وحدات‬
‫مستقلة ِف صفاهتا وأعراضها وخصائصها وأعمارها وطباعها إىل غري ذلك من التغريات الكثرية اليت‬
‫وحصرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ال تتناهى استقصاء‬
‫ولقد أشار القرآن الكرمي إىل هذه الطريقة أعين طريقة االستدالل ابلتغري على احلدوث ِف آايت‬
‫تنري األفكار وتنبهها بطريق غري مباشر إال أن فكرة (التغري) تتناىف مع فكرة األزلية ألن التغري‬
‫ك نُِري إبْ َر ِاه َيم‬ ‫ِ‬
‫متتابعا ينبه إىل أن له بداية كما ورد ذلك ِف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وَك َذل َ‬ ‫يتضمن حدو ًاث ً‬
‫ال َه َذا‬ ‫ني (‪ )15‬فَلَ َّما َج َّن َعلَ ِيه اللَّيلُ َرأَى َك ْوَكبًا قَ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ات واألَر ِ ِ‬ ‫ملَ ُكوت َّ ِ‬
‫ض َولي ُكو َن م َن الْ ُموقن َ‬ ‫الس َم َو َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ال ه َذا رِيب فَلَ َّما أَفَل قَ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ال أ ُِح ُّ ِِ‬
‫ال لَئن َّملْ‬ ‫َ‬ ‫ني (‪ )11‬فَلَ َّما َرأَى الْ َق َمَر َابز ًغا قَ َ َ َ‬ ‫ب اآلفل َ‬ ‫َرِيب فَلَ َّما أَفَ َل قَ َ‬
‫س َاب ِز َغةً قَ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َه َذا َرِيب َه َذا أَ ْكبَ ُر فَلَ َّما‬ ‫َّم َ‬
‫ني (‪ )11‬فَلَ َّما َرأَى الش ْ‬ ‫ْيهدِين َرِيب ألَ ُكونَ َّن م َن الْ َق ْوم الضَّال َ‬
‫ض‬ ‫ال اي قَوِم ِإين ب ِريء ِممَّا تُ ْش ِرُكو َن (‪ِ )1٧‬إين و َّجهت وج ِهي لِلَّ ِذي فَطَر َّ ِ‬
‫الس َم َوات َواأل َْر َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ َْ‬ ‫َ‬ ‫ت قَ َ ْ‬ ‫أَفَلَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني ﴾ [األنعام‪.]12 15 :‬‬ ‫َحني ًفا َوَما أ ََان م َن الْ ُم ْش ِرك َ‬

‫‪134‬‬
‫ولقد أيدت العلوم التجريبية احلديثة النظرايت العقلية القائلة حبدوث هذا العامل فكشف عن قوانني‬
‫هامة ال تدع للشك جماالً ِف أن هذا العامل وجد بعد أن مل يكن وأن له حمد ًاث أحدثه هو هللا‬
‫سبحانه وتعاىل ومن بني تلك القوانني القانون الثاين للحرارة الديناميكية ويسمى هذا القانون‬
‫الطاقة املتاحة أو (ضابط التغري) وهذا القانون يثبت أن الطاقة ِف الكون تقل تدرجييا بصورة مطردة‬
‫دائما من وجود حراري إىل وجود حراري أقل مع استحالة أن حيدث‬ ‫حيث تنتقل احلرارة فيه ً‬
‫العكس فتزيد الطاقة املتاحة ِف الكون ألهنا تنتقل من وجود إىل وجود أقل بصورة تدرجيية‬
‫مطردة(‪.)4‬‬
‫لكن كيف يثبت هذا الكشف حدوث الكون املادي؟‬
‫القضية ببساطة هي أن هذا القانون يثبت أن الكون املادي البد أن ينتهي إىل نوع من اخلمود‬
‫والفناء‪ ،‬يتوقف فيه نشاطه املعتاد وختتل الوظائف الطبيعية فيه وذلك حني تنفد الطاقة اليت يفقدها‬
‫تدرجييا حبكم استمرار العمليات الكيميائية والطبيعية فيه‪.‬‬
‫قطعا وضرورة أن هلذا الكون بداية إذ لو كان أزليا لفقد طاقته من وقت بعيد جدًّا ألن‬
‫وهذا يثبت ً‬
‫األزل ال هناية له فمهما قدرت عظمة الطاقة فإهنا تتالشى ِف األزل الالهنائي(‪.)9‬‬
‫ما جيب هلل من صفات الكمال‪:‬‬
‫بعد أن ثبت بشكل قاطع ال يدع جماالً للشك ِف أن هللا موجود وأن وجوده واجب فإين سأبني ما‬
‫جيب له سبحانه وتعاىل من صفات الكمال وما جيب تنزيهه عنه من صفات النقص والعيب‪.‬‬
‫إثباات ونفيا هي أن يثبت له من‬
‫إن الطريقة الصحيحة اليت جيب أن يسار عليها ِف صفات هللا ً‬
‫إثباات مفصالً وينفى عنه كل نقص وعيب نفيا جممالً‪.‬‬ ‫صفات الكمال ً‬
‫صريُ ﴾[الشورى‪ ]44 :‬وهذه الطريقة هي اليت سار على‬ ‫الس ِميع الْب ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫يس َكمثْله َشيء َوُه َو َّ ُ َ‬ ‫﴿ لَ َ‬
‫هنجها أصحاب رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص والتابعون هلم إبحسان‪ .‬وما زالوا كذلك إىل أن حدث االختالف‬
‫ِف عقيدة املسلمني بسبب أعداء اإلسالم الذين انضموا إىل صفوف املسلمني يظهرون الرغبة ِف‬
‫اإلسالم ويبطنون الكيد له وألهله فافرتق املسلمون واختلفوا ِف العقيدة كما قال صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪« :‬افرتقت اليهود على إحدى وسبعني فرقة وافرتقت النصارى على اثنتني وسبعني فرقة‬
‫وستفرتق هذه األمة على ثالث وسبعني فرقة كلها ِف النار إال واحدة»‪.‬‬

‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬العقيدة اإلسالمية وأسسها للميداين (ج‪ / 4‬ص‪.)441‬‬
‫(‪ )9‬تناقض املذاهب املادية فيما يتصل بقضية األلوهية ص‪ 94‬للدكتور دمحم بلتاجي ‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫قيل‪ :‬من هم اي رسول هللا؟ قال‪« :‬هم من كان على مثل ما أان عليه اليوم وأصحايب»(‪.)4‬‬

‫***‬
‫منهج السلف يف أمساء هللا وصفاته‪:‬‬
‫لقد سار السلف ِف أمساء هللا وصفاته على منهج القرآن ِف ذلك فوقفوا مع نصوص الكتاب‬
‫والسنة ِف األمساء والصفات فما أثبته هللا لنفسه ِف كتابه أو أثبته له رسوله ملسو هيلع هللا ىلص فإهنم يثبتونه‬
‫ويؤمنون به وال فرق عندهم ِف ذلك بني الصفات الذاتية كالعلم والقدرة والصفات الفعلية‬
‫إثباات خاليا من التشبيه‪.‬‬
‫كالغضب والرضا‪ ،‬يثبتون اجلميع ً‬
‫كما ينزهون هللا سبحانه وتعاىل عن كل ما ال يليق به من النقائص والعيوب تن ز ًيها ال يصل إىل‬
‫صريُ ﴾ [الشورى‪.]44:‬‬ ‫الس ِميع الْب ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫يس َكمثْله َشيء َوُه َو َّ ُ َ‬ ‫حد التعطيل وف ًقا لقوله تعاىل‪ ﴿ :‬لَ َ‬
‫إثباات مفصالً وينفون نفيا جممالً؛ ومعىن اإلثبات املفصل والنفي اجململ أال يثبت هلل من‬ ‫يثبتون ً‬
‫الصفات إال ما ورد به النص‪ ،‬أما النفي فإننا جنمل فيه ونقول‪ :‬كل نقص أو عيب فاهلل منزه عنه‪.‬‬
‫أما املخالفون ملنهج السلف منهم فرق عديدة أكربها‪:‬‬
‫( أ ) اجلهمية‪.‬‬
‫( ب ) املعتزلة‪.‬‬
‫( ج ) األشاعرة والكالبية واملاتريدية‪.‬‬
‫( د ) املشبهة‪.‬‬

‫اجلهمية‪:‬‬
‫اجلهمية أتباع اجلهم بن صفوان السمرقندي واجلعد بن درهم‪.‬‬
‫وهؤالء قوم نفوا عن هللا سبحانه وتعاىل مجيع األمساء احلسىن والصفات العليا وقالوا ال يوصف هللا‬
‫بصفة يوصف هبا املخلوق‪ ،‬وال يسمى ابسم يسمى به املخلوق مطل ًقا فجردوه تعاىل عن أمسائه‬
‫احلسىن وعطلوه عن صفات الكمال‪ ،‬وشبهتهم ِف ذلك التن زيه فإهنم يقولون لو أثبتنا هلل صفة‬
‫يوصف مبثلها املخلوق للزم أن يكون هللا مشاهبًا للمخلوقني فهم عطلوا الصفات خوفًا من التشبيه‬
‫بزعمهم‪.‬‬

‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن الرتمذي رقم (‪ )9114‬وحكم األلباين حسن ‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫ونقول هلم عند نقض هذه الشبهة إما أن تثبتوا هلل صفة الوجود وإما أن تنفوها عنه‪ ،‬وعلى كال‬
‫التقديرين فأنتم حمجوجون ألنكم إن نفيتم صفة الوجود كفرمت وإن أثبتم صفة الوجود قيل لكم‪:‬‬
‫املخلوق يوصف ابلوجود فإن قلتم وجود هللا ليس كوجود املخلوق بل هو وجود خيصه ويليق جبالله‬
‫قيل لكم وكذلك الصفات األخرى اليت نفيتموها ليست كصفات املخلوقني بل هي صفات ختصه‬
‫وتليق به‪ .‬كالغضب والرضا والنزول واالستواء وغريها من الصفات الفعلية والذاتية اليت جحدمتوها‬
‫وعطلتم الباري منها‪.‬‬

‫املعتزلة‪:‬‬
‫املعتزلة أتباع واصل بن عطاء الغزال‪ ،‬وعمرو بن عبيد ومسوا معتزلة ألن واصل بن عطاء كان من‬
‫يوما ِف حلقته فسأل أحد احلاضرين عن حكم مرتكب الكبرية هل‬ ‫تالمذة احلسن البصري وكان ً‬
‫خيرج من اإلميان مبجرد ارتكابه الكبرية؟ وقبل أن جييب احلسن عن هذا السؤال سارع واصل بن‬
‫عطاء فقال‪ :‬أان أقول مرتكب الكبرية ليس مبؤمن وال كافر مث اعتزل احللقة وجلس إىل سارية من‬
‫سواري املسجد يشرح هذه القاعدة ويبني للحاضرين أصوهلا فقال له احلسن (اعتزلت حلقتنا)‬
‫فسمي واصل وأصحابه املعتزلة‪.‬‬
‫ورأي املعتزلة ِف الصفات كرأي اجلهمية (التعطيل) ينفون عن هللا كل صفة من صفات الكمال‪،‬‬
‫إال أهنم خيتلفون مع اجلهمية ِف مسألة األمساء احلسىن فإن اجلهمية ينفوهنا واملعتزلة يثبتوهنا ولكن‬
‫أعالما مرتادفة ال تدل على شيء أكثر من الذات فالعليم ال يدل على العلم والرحيم ال‬ ‫جيعلوهنا ً‬
‫يدل على الرمحة واملريد ال يدل على اإلرادة وهكذا كل اسم أثبتوه هلل فإنه ال يدل إال على ذات‬
‫هللا فقط‪.‬‬
‫أيضا كشبهة اجلهمية إال أهنم خيتلفون معهم ِف طريقة‬ ‫وشبهة املعتزلة ِف نفي الصفات التنزيه ً‬
‫االستدالل‪ ،‬فاجلهمية يستدلون على نفي الصفات بقوهلم‪ :‬إنه يلزم من إثبات الصفات هلل أن‬
‫جسما ألن الصفات أعراض واألعراض ال تقوم إال ابجلسم‪ ،‬واألجسام متماثلة ألن جواهرها‬ ‫يكون ً‬
‫اليت ركبت منها متماثلة قبل الرتكيب‪.‬‬
‫ونقول هلم عند نقض هذه الشبهة‪:‬‬
‫ال نسلم أن الصفات أعراض حىت يلزم منها اجلسم‪.‬‬
‫وإذا سلمنا أن الصفات أعراض فال نسلم أن األجسام متماثلة لوجود الفرق الكبري بني جسم الذرة‬
‫وجسم الفيل مثالً‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫علما أبن مسألة اجلسم عند السلف ال جيوز إطالق القول فيها ال نفيا‬ ‫جسما‪ً ،‬‬‫وكل منهما يسمى ً‬
‫إثباات؛ ألن الصفات توقيفية ومل يرد ِف القرآن وال ِف السنة إثبات للجسم وال نفيه‪.‬‬
‫وال ً‬
‫وبعض املعتزلة يسلكون طري ًقا آخر ِف االستدالل على نفي الصفات ويقولون إن أخص أوصاف‬
‫هللا القدم ولو أثبتنا له صفات قدمية لزم ذلك تعدد القدماء وهو شرك ابهلل ِف القدم فنفوا عنه‬
‫ويرُّد عليهم فيقال‪ :‬إن صفات هللا تعاىل صفات قائمة بذاته ليست منفصلة‬ ‫الصفات هلذا املعىن‪َ ،‬‬
‫عنه وال ابئنة منه حىت يلزم التعدد فهو سبحانه وتعاىل واحد بذاته‪ ،‬موصوف بصفات الكمال‪،‬‬
‫قدمي وما سواه حمدث‪.‬‬

‫األشاعرة والكالبية واملاتريدية ‪:‬‬


‫األشاعرة‪:‬‬
‫قوم ينتسبون إىل أيب احلسن علي بن إمساعيل األشعري ويزعمون أهنم على مذهبه ِف الصفات‪.‬‬
‫والواقع أهنم خمطئون ِف هذا الزعم ألن مذهب األشعري األول هو مذهب املعتزلة‪.‬‬
‫ومذهبه األخري مذهب السلف ومذهب األشاعرة ِف الصفات خمالف ملذهب املعتزلة‪ ،‬ألهنم يثبتون‬
‫بعض الصفات واملعتزلة ال يثبتون شيئًا منها‪.‬‬
‫وخمالف ملذهب السلف حيث إن السلف يثبتون هلل مجيع الصفات الواردة ِف الكتاب والسنة‬
‫واألشاعرة ال يثبتون إال بعضها وأنت هبذا ترى أن األشاعرة أقرب إىل رأي اجلهمية منهم إىل رأي‬
‫السلف‪ ،‬وحقيقة مذهبهم ِف الصفات أهنم يثبتون هلل صفات الذات وهي العلم واإلرادة واحلياة‬
‫والقدرة والسمع والبصر والكالم‪.‬‬
‫وينفون عنه صفات الفعل كالغضب والرضا والرؤية واالستواء‪ ،‬وبعضهم يثبت صفات زائدة على‬
‫هذه السبع‪ ،‬وشبهتهم ِف ذلك أن الصفات الفعلية حادثة‪ ..‬وهللا سبحانه وتعاىل منزه عن‬
‫احلوادث‪.‬‬
‫والرد عليهم أن يقال‪ :‬إن الصفات الفعلية وإن كانت حتدث آحادها فجنسها قدمي فهي قدمية‬
‫النوع حادثة اآلحاد‪.‬‬
‫فأيضا فلو قالوا مثالً‪ :‬إن الغضب غليان دم القلب فكيف يوصف هللا به قيل هلم أنتم تثبتون‬ ‫ً‬
‫اإلرادة هلل ومعلوم أن اإلرادة ميل القلب إىل املراد فكيف تثبتوهنا هلل‪ ...‬فالبد أن يقبلوا أن اإلرادة‬
‫اليت تفسر مبيل القلب هي إرادة املخلوقني‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫أما إرادة هللا‪ :‬فإهنا ختصه وتليق به‪،‬قيل هلم وكذلك الغضب الذي يفسر بغليان دم القلب هو‬
‫غضب املخلوقني‪ ..‬أما غضب هللا‪ :‬فإنه خيصه ويليق به وهكذا يقال ِف مجيع الصفات الفعلية اليت‬
‫تنفوهنا‪.‬‬

‫أما الكالبية‪:‬‬
‫أتباع عبدهللا بن سعيد بن كالب‪ ،‬واملاتريدية‪ :‬أتباع أيب منصور املاتريدي فمذهبهم ِف الصفات‬
‫مماثل ملذهب األشاعرة ال خيتلف عنه إال ِف مسائل قليلة جدًّا(‪.)4‬‬

‫املشبهة‪:‬‬
‫املشبهة‪ :‬أتباع هشام بن احلكم الرافضي وداود اجلواريب وغريمها وهؤالء قوم أثبتوا هلل الصفات ولكن‬
‫غلوا ِف اإلثبات حىت مثلوا هللا خبلقه فقالوا‪ :‬إن صفات هللا الواردة ِف القرآن الكرمي والسنة متاثل‬
‫صفاتنا من كل وجه وقالوا‪ :‬إن هللا جسم مركب له طول وعرض وأعضاء وأبعاض متاثل أعضاءان‬
‫وأبعاضنا‪.‬‬
‫كبري ًَا‪ ،‬وهؤالء كفار خارجون عن اإلسالم وقد استدلوا على‬ ‫علوا ً‬‫تعاىل هللا وتقدس عن قوهلم ًّ‬
‫مذهبهم الفاسد مبطلق اإلثبات الذي تضمنته آايت الصفات وأحاديثها‪.‬‬
‫يس‬
‫ويرد عليهم بنصوص النفي اليت تضمنت تنزيه هللا عن مشاهبة املخلوقني كقوله تعاىل‪ ﴿ :‬لَ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫يع الْبَصريُ ﴾[الشورى‪.]44 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السم ُ‬ ‫َكمثْله َشيء َوُه َو َّ‬
‫َحد ﴾ [اإلخالص‪.]1 :‬‬ ‫وكقوله‪َ ﴿ :‬وَملْ ي ُكن لَّهُ ُك ُف ًوا أ َ‬
‫وقوله‪َ ﴿ :‬ه ْل تَ ْعلَ ُم لَهُ َِمسيا ﴾ [مرمي‪ .]15 :‬وغري ذلك كثري ِف القرآن مما يدل على نفي مشاهبة‬
‫املخلوقني أو مماثلتهم بشيء من صفاته سبحانه وتعاىل(‪.)9‬‬

‫***‬

‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬التدمرية لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪.‬‬
‫(‪ )9‬التدمرية‪ :‬لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫اإلميان ابملعاد ‪:‬‬
‫متهيد‪:‬‬
‫لقد بينا ِف البحث السابق وجوب وجود هللا سبحانه وأقمنا عليه الرباهني العقلية والعلمية التجريبية‬
‫مبا ال يدع للشك جماالً ِف وجود الباري وأزليته سبحانه وتعاىل‪ ،‬وملا كان اإلميان ابملعاد من أهم‬
‫األصول اليت بينها النيب ملسو هيلع هللا ىلص وأخرب أهنا من أصول اإلميان ملا سأله جربيل عن اإلميان‪.‬‬
‫فقد رأيت أن أُردف حبث اإلميان ابهلل ابلبحث ِف املعاد ال سيما وقد كثر ِف القرآن ذكر اإلميان‬
‫مقروان مع اإلميان ابهلل فلو استقرأان كتاب هللا لوجدان فيه عشرات اآلايت اليت جتمع‬ ‫ابليوم اآلخر ً‬
‫بني هذين األصلني فقد تضمنت سورة البقرة وحدها بضع آايت تتضمن ذلك منها‪:‬‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫(أ) ﴿ َوِم َن الن ِ‬
‫ني ﴾ [البقرة‪.]٧ :‬‬ ‫ول َآمنَّا ِاب ََّّلل َوِابلْ ْيوم اآلخ ِر َوَما ُهم مبُْؤمن َ‬ ‫َّاس َمن ي ُق ُ‬
‫صا ِحلًا‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫إن الَّ ِذين آمنُوا والَّ ِذين هادوا والنَّصارى و َّ ِ‬
‫ني َم ْن َآم َن ِاب ََّّلل َوالْ ْيوم اآلخ ِر َو َعم َل َ‬‫الصابِئ َ‬ ‫(ب) ﴿ َّ َ َ َ َ َ ُ َ َ َ َ‬
‫ند َرِهبِ ْم َوال َخ ْوف َعلَي ِه ْم َوال ُه ْم ْحيَزنُو َن ﴾ [البقرة‪.]19 :‬‬ ‫ََ ْج ُرُه ْم ِع َ‬
‫فَلَ ُه ْم أ َ‬
‫ات من آمن ِمْن هم ِاب ََّّللِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال إبْر ِاهيم ر ِ‬
‫اج َع ْل َه َذا بَلَ ًدا آمنًا َو ْارُز ْق أ َْهلَهُ م َن الث ََّمَر َ ْ َ َ ُ‬ ‫ب ْ‬ ‫(ج) ﴿ َوإ ْذ قَ َ َ ُ َ‬
‫اآلخ ِر ﴾ [البقرة‪.]491 :‬‬ ‫والْيوِم ِ‬
‫َ ْ‬
‫ب ولَكِ َّن الِْربَّ من آمن ِاب ََّّللِ والْيومِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َْ ََ‬ ‫وه ُك ْم قبَ َل الْ َم ْش ِرق َوالْ َم ْغ ِر َ‬ ‫ََن تُ َولُّوا ُو ُج َ‬ ‫يس الِْ َّرب أ َ‬
‫(د) ﴿ لَ َ‬
‫اآلخ ِر ﴾[البقرة‪.]99٧ :‬‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ ِِف أ َْر َح ِام ِه َّن‬
‫وء َوال ِحي ُّل َهلُ َّن أَن ي ْكتُ ْم َن َما َخلَ َق َّ‬‫(ه ) ﴿ والْمطَلَّ َقات يت ربَّصن ِأبَن ُف ِس ِه َّن ثَالثَةَ قُر ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ ََ ْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إن ُك َّن ْيؤِم َّن ِاب ََّّلل َوالْ ْيوم اآلخ ِر ﴾ [البقرة‪.]949 :‬‬
‫ِ‬
‫اآلخ ِر ﴾ [البقرة‪.]411 :‬‬ ‫ظ بِِه من َكا َن ِمن ُكم ْيؤِمن ِاب ََّّللِ واليوِم ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫يوع ُ َ‬ ‫ك َ‬ ‫(و) ﴿ ذَل َ‬
‫َّاس َوال‬ ‫ينف ُق َمالَهُ ِرَائءَ الن ِ‬‫(ز) ﴿ اي أَيها الَّ ِذين آمنوا ال تُب ِطلُوا ص َدقَاتِ ُكم ِابلْم ِن واألَ َذى َكالَّ ِذي ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ْيؤِم ُن ِاب ََّّللِ َوالْ ْيوم اآلخ ِر ﴾ [البقرة‪.]911 :‬‬
‫ِ‬
‫إثباات ونفيا‬ ‫مقروان مع اإلميان ابهلل ً‬ ‫فهذه مثانية مواضع ِف سورة واحدة ذكر فيها اإلميان ابليوم اآلخر ً‬
‫فما ابلك مبا ِف القرآن كله من هذا النمط؟‬
‫لقد اقتضت حكمة هللا سبحانه وتعاىل أن يكون اإلنسان منذ وجد على هذه األرض من فئة‬
‫خملوقاته املزودة بصفات تؤهله لالمتحان واالبتالء الرابين ِف جمال احلياة الدنيا وهذه الصفات هي‪:‬‬
‫‪ 4‬العقل املزود ابالستعداد لفهم النهي واألمر والتمييز بني اخلري والشر والنفع والضر‪.‬‬
‫‪ 9‬اإلرادة اليت هلا جانب من احلرية والتصرف‪.‬‬
‫‪ 4‬القدرة الظاهرة على تنفيذ بعض األفعال اليت يريدها‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫مزودا هبذه الصفات اليت تكفي لتأهيله ملعرفته سبحانه وتعاىل ومعرفة أمره وهنيه؛‬ ‫وملا كان اإلنسان ً‬
‫وإخباره على ألسنة رسله أنه سيثيبه إن أطاع أوامره واجتنب مناهيه وأنه سيعاقبه إن عصى أوامره‬
‫وارتكب مناهيه وجعل هلذا الثواب على األعمال الصاحلة والعقاب على األعمال السيئة دار جزاء‬
‫يصري إليها اإلنسان بعد مفارقته هلذه الدنيا اليت جعلت دار ابتالء وامتحان ك ما ق ال‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ك َوُه َو َعلَى ُك ِل َشيء قَدير (‪ )4‬الَّذي َخلَ َق الْ َم ْو َ‬
‫ت َوا ْحلَياةَ‬ ‫ت عاىل‪ ﴿ :‬تَبَ َارَك الَّذي بِيده الْ ُم ْل ُ‬
‫َح َس ُن َع َمالً َوُه َو الْ َع ِز ُيز الْغَ ُفور} ﴾ [امللك‪.]9 ،4 :‬‬ ‫ِ‬
‫ليْب لَُوُك ْم أَي ُك ْم أ ْ‬
‫اج نَّب تَلِ ِيه فَجع ْلنَاه َِمسيعا ب ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ص ًريا ﴾ [اإلنسان‪.]9 :‬‬ ‫ََ ُ ً َ‬ ‫اإلنسا َن من نُّطْ َفة أ َْم َش ٍ ْ‬
‫وقال تعاىل‪َّ ﴿ :‬إان َخلَ ْقنَا َ‬
‫ولقد سار املؤمنون ابهلل واليوم اآلخر على هذه الطريقة واعتقدوا وجوب الثواب والعقاب ِف اآلخرة‬
‫على األعمال اليت يعملها اإلنسان ِف هذه الدنيا ووفقوا بني النصوص اليت ضل فيها غريهم فقيدوا‬
‫نصوص الوحي املطلقة ابلنصوص املقيدة وخصصوا النصوص العامة ابلنصوص اخلاصة ‪ .‬أما الذين‬
‫نبذوا كتاب هللا وسنة نبيه وراء ظهورهم تكلموا ِف اجلزاء والثواب والعقاب بغري علم وال هدى‬
‫فضلوا ِف هذا الباب وأخطئوا الصواب‪.‬‬
‫فقالت املعتزلة والقدرية‪ :‬إن كالًّ من الثواب والعقاب مرتب على األعمال ترتيب العوض على‬
‫وجواب‬
‫املعوض وال أثر ِف ذلك ملشيئة هللا وإرادته وفضله وعفوه بل ذلك واجب على هللا للعامل ً‬
‫ذاتيا‪.‬‬
‫وقالت اجلربية‪ :‬إن كالًّ من الثواب والعقاب ال عالقة له أبفعال العباد وال هو مرتتب عليها ألن‬
‫العباد ليست هلم أفعال اختيارية ِف نظر هؤالء‪ ،‬إمنا هي أفعال هللا حقيقة لكن أضيفت إىل العبد‬
‫جمازا ألنه حملها‪ .‬وقد استدلت املعتزلة على مذهبهم ِف هذه املسألة بقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬جَزاءً ِمبَا َكانُوا‬ ‫ً‬
‫ْيع َملُو َن ﴾ [الواقعة‪ .]91:‬واستدلت اجلربية بقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬لن يدخل اجلنة أحد منكم بعمله»‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وال أنت اي رسول هللا؟ قال‪« :‬وال أان إال أن يتغمدين هللا برمحة منه وفضل» (‪. )4‬‬
‫بعيدا عن حتكيم الرأي وتقدميه على الوحي‬ ‫أما السلف الذين وقفوا مع كتاب هللا وسنة نبيه ملسو هيلع هللا ىلص ً‬
‫فإهنم مجعوا بني هذه النصوص ووفقوا بني دالالهتا فقالوا‪ :‬إن الباء ِف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬جَزاءً ِمبَا َكانُوا‬
‫ْيع َملُون ﴾ للسببية أي أن العمل سبب ِف حصول الثواب إن كملت شروطه وانتفت موانعه ترتبت‬
‫عليه مسبباته وإال فال ‪.‬‬
‫ومن شروط ترتب الثواب على العمل أن تتحقق مشيئة هللا وتفضله على عباده‪.‬‬
‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )5114‬‬

‫‪141‬‬
‫أما الباء ِف قوله ملسو هيلع هللا ىلص ‪« :‬لن يدخل أحد منكم اجلنة بعمله» فهي ابء العوض أي ال يكون العمل‬
‫عوض مبجرده بل البد أن تنضم إليه مشيئة هللا وتفضله‪.‬‬
‫وبعد هذا التمهيد الذي تضمن بيان مناسبة اإلتيان ببحث البعث عقب حبث اإلميان ابهلل‪.‬‬
‫أبدأ ببيان املقصود وهو البعث ومواقف القيامة‪.‬‬

‫***‬
‫البعث‪:‬‬
‫البعث لغة املصدر‪ :‬بعثه يبعثه بعثًا‪.‬‬
‫فالان بكذا أي‬
‫وقد ورد استعمال البعث ِف اللغة العربية ِف معنيني أحدمها‪ :‬اإلرسال تقول بعثت ً‬
‫أرسلته ومنه قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ولََق ْد بَ َعثْ نَا ِِف ُك ِل أ َُّم ٍة َّر ُسوالً ﴾ [النحل‪ ]41 :‬اآلية‪.‬أي أرسلنا ِف كل‬
‫جيل رسوالً‪.‬‬
‫املعىن الثاين‪ :‬إحياء األموات ومنه قوله تعاىل‪ ﴿ :‬أ َْو َكالَّ ِذي َمَّر َعلَى قَ ْر ٍية َوِهي َخا ِوية َعلَى‬
‫اَّللُ ِمائَةَ َع ٍام ُمثَّ بَ َعثَه ﴾ [البقرة‪.]952 :‬‬ ‫اَّللُ بَ ْع َد َم ْوِهتَا فَأ ََماتَهُ َّ‬
‫ََّن ْحييي َه ِذهِ َّ‬
‫ال أ َّ‬ ‫عر ِ‬
‫وش َها قَ َ‬‫ُُ‬
‫وهذا املعىن الذي هو إحياء األموات يعرب عنه بلفظ البعث كما ذكر ويعرب عنه ابلنشر والنشور‪،‬‬
‫ين ﴾[الدخان‪ .]45 :‬ومنه قول املهلهل بن ربيعة‪:‬‬ ‫ومنه قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وَما َْحن ُن ِمبُ َ‬
‫نش ِر َ‬
‫اي لبكر انشروا يل كليبا اي لبكر أين أين الفرار‬

‫أي‪ :‬أحيوا يل كليبا بعد موته‪.‬‬


‫وهذا املعىن للبعث الذي هو إحياء األموات يوم القيامة من قبورهم هو املقصود ابلبحث ِف هذا‬
‫املوضوع‪.‬‬
‫لقد اجتمعت الشرائع السماوية على أن البعث اجلسماين آت ال حمالة فجميع الرسل أنذروا أممهم‬
‫ذلك اليوم وأخربوهم أبن هللا سيبعثهم بعد موهتم وجيازيهم على أعماهلم‪.‬‬

‫***‬

‫‪142‬‬
‫طريقة القرآن الكرمي يف رثبات البعث والرد على منكريه‪:‬‬
‫لقد أكثر هللا سبحانه من ذكر البعث ِف القرآن‪ ،‬وأقام الدليل عليه ورد على منكريه ِف غالب سور‬
‫القرآن وهذا أمر ال خيفى على كل من قرأ كتاب هللا وتدبر آايته وتفهم أوجه دالالته فمعظم سور‬
‫القرآن تشتمل على ذكر البعث وبيان براهينه أبساليب خمتلفة وعبارات متنوعة فتارة يذكر سبحانه‬
‫ك لَ َميتُو َن (‪ُ )45‬مثَّ إنَّ ُك ْم ْيوَم‬ ‫ِ‬
‫وتعاىل البعث بطريقة اإلخبار اجملرد كقوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬مثَّ إنَّ ُكم بَ ْع َد ذَل َ‬
‫يام ِة تُْب َعثُون ﴾[املؤمنون‪.]41 ،45:‬‬ ‫ِ‬
‫الْق َ‬
‫ين َك َف ُروا‬ ‫َّ ِ‬
‫زع َم الذ َ‬
‫واترة أيمر سبحانه وتعاىل نبيه ملسو هيلع هللا ىلص أبن يقسم على البعث كما ِف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬‬
‫يسري ﴾ [التغابن‪.]1 :‬‬ ‫اَّللِ ِ‬
‫ك َعلَى َّ‬ ‫ِ‬
‫أَن لَّن ْيب َعثُوا قُ ْل بَلَى َوَرِيب لَتُ ْب َعثُ َّن ُمثَّ لَتُنَ بَّ ُؤ َّن ِمبَا َع ِم ْلتُ ْم َوذَل َ‬
‫أحياان يكون اإلخبار عن املعاد بطريقة إرشاد العقل وتنبيه املكلفني إىل الرباهني العقلية اليت من‬ ‫و ً‬
‫نظر فيها أدرك يقينًا قدرة الباري سبحانه وتعاىل على إعادة احلياة مرة أخرى إىل األجسام بعد‬
‫فنائها واستحالتها‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫‪ 4‬االستدالل ابلبدء على اإلعادة‪ ،‬فإن كل عاقل يدرك يقينًا أن من قَ َدر على بدء خلق اإلنسان‬
‫وإجياده من العدم فهو أقدر على إعادته مرة أخرى كما قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وُه َو الَّ ِذي ْيب َدأُ ا ْخلَْل َق ُمثَّ‬
‫س ِم ْن‬ ‫يدهُ َوُه َو أ َْه َو ُن َعلَ ِيه ﴾ [الروم‪ ،]91:‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬أَفَ َعيينَا ِاب ْخلَْل ِق األ ََّوِل بَ ْل ُه ْم ِِف لَْب ٍ‬ ‫يعِ ُ‬
‫يد ﴾ [ق‪.]45:‬‬ ‫خ ْل ٍق ج ِد ٍ‬
‫َ َ‬
‫ص َل لنا شيء من العجز واإلعياء عند خلقنا لإلنسان أول مرة حىت تكونوا أيها املنكرون‬ ‫َح َ‬ ‫أي‪ :‬أ َ‬
‫للبعث ِف شك وريب من قدرتنا عليه؟!‬
‫ُخَر ُج َحيا‬
‫فأْ‬ ‫ت لَ َس ْو َ‬ ‫اإلنسا ُن أَئِ َذا َما ِم ُّ‬
‫ول َ‬ ‫ومن هذا النمط ِف االستدالل قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وي ُق ُ‬
‫يك َشيئًا ﴾ [مرمي‪.]11 ،11 :‬‬ ‫اإلنسا ُن أ ََّان َخلَ ْقنَاهُ ِمن قَ ْبلُ َوَملْ ُ‬ ‫(‪ )11‬أ ََوال ي ْذ ُك ُر َ‬
‫ومستبعدا إعادة احلياة إليه مرة أخرى بعد موته أئذا مت سوف تعود‬ ‫ً‬ ‫أي‪ :‬ويقول اإلنسان متعجبًا‬
‫ِ‬
‫اإلنسا ُن أ ََّان َخلَ ْقنَاهُ من قَ ْبلُ‬‫يل احلياة مرة أخرى؟ فأجيب على هذا التساؤل بقوله‪ ﴿ :‬أ ََوال ي ْذ ُك ُر َ‬
‫يك َشيئًا ﴾ [مرمي‪ .]11:‬أي أيستبعد اإلنسان إعادة احلياة إليه مرة أخرى وال يذكر أن هللا‬ ‫َوَملْ ُ‬
‫مذكورا‪.‬‬
‫ً‬ ‫خلقه من قبل أن يكون شيئًا‬
‫‪ 9‬ومن ذلك االستدالل بقدرته سبحانه على إحياء األرض بعد موهتا على قدرته على البعث‪.‬‬
‫فإن كل عاقل نظر إىل األرض وهي ميتة جمدبة مث نظر إليها بعد أن كساها هللا أبصناف النبات‬
‫املختلفة األشكال واأللوان والزهور والثمار يدرك يقينًا أن من قدر على ذلك فهو على إحياء‬
‫األموات أقدر‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫ت ِمن ُك ِل َزْو ٍج َهبِ ٍ‬
‫يج‬ ‫ت َوأَنْبَ تَ ْ‬‫ت َوَربَ ْ‬ ‫َنزلْنَا َعلَ َيها الْ َماءَ ْاهتَ َّز ْ‬
‫ِ‬
‫ض َهام َدةً فَإذَا أ َ‬ ‫قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وتَ َرى األ َْر َ‬
‫يء قَ ِدير ﴾ [احلج‪ ]1 ،5 :‬إخل‪.‬‬ ‫اَّلل هو ا ْحل ُّق وأَنَّه حييي الْموتَى وأَنَّه علَى ُك ِل ش ٍ‬ ‫ك ِأب َّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َن ََّ ُ َ َ َ ُ ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫(‪ )5‬ذَل َ‬
‫إن الَّ ِذي‬ ‫ت َّ‬ ‫ت َوَربَ ْ‬ ‫َنزلْنَا َعلَ َيها الْ َماءَ ْاهتَ َّز ْ‬
‫ِ‬
‫ض َخاش َعةً فَإ َذا أ َ‬ ‫ك تَ َرى األ َْر َ‬ ‫وقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وِم ْن آايتِِه أَنَّ َ‬
‫يء قَ ِدير﴾ [فصلت‪.]42 :‬‬ ‫أَحياها لَمحيي الْموتَى إنَّه علَى ُك ِل ش ٍ‬
‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ْ َ ُْ ُ‬
‫واآلايت ِف هذا املعىن كثرية جدًّا يبني فيها سبحانه وتعاىل قدرته على إعادة احلياة يوم القيامة إىل‬
‫األجسام مستدالًّ على ذلك بقدرته على إحياء األرض بعد موهتا‪.‬‬
‫‪ 4‬ومنها االستدالل بقدرته على خلق السموات واألرض على قدرته على البعث وذلك أن من‬
‫قدر على خلق الشيء العظيم فهو على خلق ما دونه أقدر‪ ،‬ومعلوم أن خلق السموات واألرض‬
‫ض أَ ْكبَ ُر ِم ْن َخ ْل ِق الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫السمو ِ‬
‫أكرب وأعظم من خلق الناس وإعادهتم قال تعاىل‪َ ﴿ :‬خلَْل ُق َّ َ َ‬
‫َّاس ال ْيعلَ ُمو َن ﴾ [غافر‪.]51 :‬‬ ‫َولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر الن ِ‬
‫اها ﴾ [النازعات‪.]91:‬‬ ‫َش ُّد َخلْ ًقا أَِم َّ‬
‫الس َماءُ بَنَ َ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬أَأَنتُ ْم أ َ‬
‫ض َوَملْ ْيعي ِخبَْل ِق ِه َّن بَِق ِاد ٍر َعلَى أَن‬ ‫اَّلل الَّ ِذي خلَق َّ ِ‬
‫الس َم َوات َواأل َْر َ‬ ‫َ َ‬ ‫َن ََّ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬أ ََو َملْ َيرْوا أ َّ‬
‫يء قَ ِدير ﴾[األحقاف‪.]44 :‬‬ ‫حييي الْموتَى ب لَى إنَّه علَى ُك ِل ش ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ َْ َ ُ َ َ َ‬
‫وهذا النوع من االستدالل كثري ِف القرآن ومن األساليب الكثرية املتنوعة ِف القرآن ِف سوق األدلة‬
‫على إمكان البعث إخباره سبحانه وتعاىل عن إحياء األموات ِف الدنيا قبل يوم القيامة مثل قصة‬
‫عزير ومحاره حيث أماته هللا مائة عام مث بعثه يشري إىل هذا قوله تعاىل‪ ﴿ :‬أ َْو َكالَّ ِذي َمَّر َعلَى قَ ْر ٍية‬
‫ال َك ْم‬ ‫اَّللُ ِمائَةَ َع ٍام ُمثَّ بَ َعثَهُ قَ َ‬‫اَّللُ بَ ْع َد َم ْوِهتَا فَأ ََماتَهُ َّ‬
‫ََّن ْحييي َه ِذهِ َّ‬ ‫ال أ َّ‬‫وش َها قَ َ‬ ‫وِهي خا ِوية علَى عر ِ‬
‫َ َ َ ُُ‬
‫ك َملْ يتَ َسن َّْه‬‫ك َو َشَرابِ َ‬ ‫ت ِمائَةَ َع ٍام فَانظُْر َإىل طَ َع ِام َ‬ ‫ال بَل لَّبِثْ َ‬ ‫ض ْيوٍم قَ َ‬ ‫ت ْيوًما أ َْو بَ ْع َ‬ ‫ال لَبِثْ ُ‬ ‫ت قَ َ‬ ‫لَبِثْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك آيةً لِلن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني لَهُ‬ ‫وها َحلْ ًما فَلَ َّما تَبَ َ‬‫يف نُنش ُزَها ُمثَّ نَ ْك ُس َ‬ ‫َّاس َوانظُْر َإىل الْعظَ ِام َك َ‬ ‫َوانظُْر َإىل محَا ِرَك َولنَ ْج َعلَ َ‬
‫يء قَ ِدير ﴾ [البقرة‪.]952 :‬‬ ‫اَّلل علَى ُك ِل ش ٍ‬ ‫ال أ َْعلَ ُم أ َّ‬
‫َ‬ ‫َن ََّ َ‬ ‫قَ َ‬
‫وكذلك قصة إبراهيم عليه السالم والطيور وإحياء هللا هلن بعد أن جعل على كل جبل منهن جزءًا‬
‫ال أ ََوَملْ تُ ْؤِمن‬ ‫يف ُْحتيي الْ َم ْوتَى قَ َ‬ ‫ب أَِرِين َك َ‬ ‫ال إبْر ِاهيم ر ِ‬
‫يشري إىل هذه القصة قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وإ ْذ قَ َ َ ُ َ‬
‫اج َع ْل َعلَى ُك ِل َجبَ ٍل ِمْن ُه َّن‬ ‫يك ُمثَّ ْ‬ ‫ص ْرُه َّن إلَ َ‬ ‫ِ‬
‫ال فَ ُخ ْذ أ َْربَ َعةً م َن الطَّ ِري فَ ُ‬‫ال بَلَى َولَ ِكن لِيطْ َمئِ َّن قَ ْلِيب قَ َ‬ ‫قَ َ‬
‫ك َس ْعيا ﴾ [البقرة‪.]91٧ :‬‬ ‫ُج ْزءًا ُمثَّ ْادعُ ُه َّن أيْتِينَ َ‬
‫ولو سقت ما ِف القرآن من اآلايت الدالة على إثبات البعث لطال الكالم جدًّا وفيما ذكرته من‬
‫األدلة القرآنية مقنع وكاف ِف حصول القطع ِف ثبوت البعث اجلسماين‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫ومن أوضح اآلايت القرآنية داللة على إمكان املعاد اآلايت من أواخر سورة (يس) من قوله‬
‫ييها الَّ ِذي‬ ‫ِ ِ‬
‫ال َمن ْحييي الْعظَ َام َوهي َرميم (‪ )1٧‬قُ ْل ْحي َ‬
‫ِ‬ ‫ب لَنَا َمثَالً َونَ ِسي َخ ْل َقهُ قَ َ‬ ‫ضَر َ‬‫تعاىل‪َ ﴿ :‬و َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ِر َان ًرا فَإ َذا أَنتُم مْنهُ‬ ‫َنشأ ََها أ ََّوَل َمَّرةٍ َوُه َو ب ُك ِل َخ ْل ٍق َعليم (‪ )12‬الَّذي َج َع َل لَ ُكم م َن الش َ‬
‫َّج ِر األ ْ‬
‫َخ َ‬ ‫أ َ‬
‫تُوقِ ُدو َن ﴾ [يس‪ ]٧٧ 1٧ :‬إىل آخر السورة‪.‬‬
‫فلو رام أعلمهم وأفصحهم وأقدرهم على البيان أن أييت أبحسن من هذه احلجة أو مبثلها أبلفاظ‬
‫تشابه هذه األلفاظ ِف اإلجياز ووضوح األدلة وصحة الربهان ملا قدر فإنه سبحانه وتعاىل افتتح‬
‫هذه احلجة بسؤال أورده ملحد اقتضى جو ًااب فكان ِف قوله‪َ ﴿ :‬ونَ ِسي َخ ْل َقهُ ﴾ ما يفي ابجلواب‬
‫ييها الَّ ِذي‬
‫وإقامة احلجة وإزالة الشبهة‪ ،‬وملا أراد سبحانه أتكيد احلجة وزايدة تقريرها قال‪ ﴿ :‬قُ ْل ْحي َ‬
‫َنشأ ََها أ ََّوَل َمَّرةٍ ﴾ فاحتج ابلبدء على اإلعادة وابلنشأة األوىل على النشأة األخرى‪ ،‬إذ كل عاقل‬ ‫أ َ‬
‫عاجزا عن الثانية لكان عن األوىل‬ ‫يعلم ضروراي أن من قدر على هذه قدر على تلك‪ ،‬وأنه لو كان ً‬
‫أعجز وأعجز‪ ،‬وملا كان اخللق يستلزم قدرة اخلالق على املخلوق وعلمه بتفاصيل خلقه أتبع ذلك‬
‫ِ‬
‫يم﴾ فهو عليم بتفاصيل اخللق األول وجزئياته ومواده وصورته وكذلك‬ ‫بقوله‪َ ﴿ :‬وُه َو ا ْخلَالَّ ُق الْ َعل ُ‬
‫الثاين فإذا كان اتم العلم كامل القدرة كيف يتعذر عليه أن حييي العظام وهي رميم مث أكد األمر‬
‫رميما‬
‫حبجة قاهرة وبرهان ظاهر يتضمن جو ًااب عن سؤال ملحد آخر يقول‪ :‬العظام إذا صارت ً‬
‫عادت طبيعتها ابردة ايبسة‪ ،‬واحلياة البد أن تكون مادهتا وحاهلا طبيعة حارة رطبة مبا يدل على‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ِر َان ًرا فَإذَا أَنتُم‬
‫َخ َ‬ ‫معا فقال‪ ﴿ :‬الَّذي َج َع َل لَ ُكم م َن الش َ‬
‫َّج ِر األ ْ‬ ‫أمر البعث ففيه الدليل واجلواب ً‬
‫ِمْنهُ تُوقِ ُدو َن ﴾ فأخرب سبحانه إبخراج هذا العنصر الذي هو ِف غاية احلرارة واليبوسة من الشجر‬
‫األخضر املمتلئ ابلرطوبة والربودة فالذي خيرج الشيء من ضده وتنقاد له مواد املخلوقات‬
‫وعناصرها وال تستعصي عليه هو الذي يفعل ما أنكره امللحد ودفعه من إحياء العظام وهي رميم مث‬
‫يس الَّ ِذي‬
‫أكمل هذا أبخذ الداللة من الشيء األجل األعظم على األيسر األصغر فقال‪ ﴿ :‬أ ََولَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات واأل َْر َ ِ ِ ٍ‬ ‫خلَق َّ ِ‬
‫يم ﴾ [يس‪.]٧4 :‬‬ ‫ض ب َقادر َعلَى أَن خيْلُ َق مثْ لَ ُهم بَلَى َوُه َو ا ْخلَالَّ ُق الْ َعل ُ‬ ‫الس َم َو َ‬ ‫َ َ‬
‫مث أكد سبحانه وتعاىل ذلك وبينه ببيان آخر وهو أنه ليس فعله كفعل غريه الذي يفعل ابآلالت‬
‫والكلفة والنصب واملشقة وال ميكنه االستقالل ابلفعل بل البد معه من آلة ومعني أما هو سبحانه‬
‫فيكفي ملا يريد أن خيلقه ويكونه نفس إرادته وقوله للمكون (كن) فإذا هو كائن كما شاءه وأراده‪.‬‬
‫وهذا العرض الرائع لألدلة والتنظيم العجيب والرتتيب املتقن واإلكثار من االستدالل هو الذي‬
‫زورا أن معاد األبدان مل يفصح عنه أحد من الرسل ومل خيرب به أمته إال دمحم‬ ‫جعل الفالسفة يدعون ً‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫ولقد كذبوا على األنبياء وضلوا ِف هذا الباب فإن مجيع الرسل أخربوا عن اليوم اآلخر وبينوه ألممهم‬
‫بياان ال يوجد ِف شيء من كتب األنبياء‪.‬‬ ‫حممدا ملسو هيلع هللا ىلص بني تفصيل اليوم اآلخر ً‬
‫بياان كافيا إال أن ً‬ ‫ً‬
‫ألنه ملسو هيلع هللا ىلص خامت األنبياء وألن القوم الذين بعث فيهم النيب ملسو هيلع هللا ىلص كانوا ينكرون البعث أشد اإلنكار‬
‫ويرونه من األمور املستحيلة الوقوع كما صرح بذلك العاص بن وائل حيث جاء إىل النيب صلى هللا‬
‫عظما قد أرم ففته بيده وقال أتزعم اي دمحم أن هللا يقدر أن حييي هذا‪ ،‬وكما‬ ‫عليه وسلم فأخذ ً‬
‫يد (‪ )4‬بل ع ِجبوا أَن جاءهم ُّم ِ‬
‫نذر ِمْن ُه ْم‬ ‫آن الْم ِج ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َُ‬ ‫َْ َ ُ‬ ‫حكى هللا عنهم ذلك ِف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ق َوالْ ُق ْر َ‬
‫ك َر ْجع بَعِيد ﴾ [ق‪.)4(]4-4 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فَ َق َ ِ‬
‫ال الْ َكاف ُرو َن َه َذا َشيء َعجيب (‪ )9‬أَئِ َذا ِمْت نَا َوُكنَّا تَُر ًااب ذَل َ‬

‫***‬
‫مذاهب الناس يف البعث واجلزاء يوم القيامة‪:‬‬
‫لقد أمجع أهل امللل والشرائع السماوية حبسب أصوهلا الصحيحة على أن البعث حق ال شك فيه‬
‫كما تقدم وذلك ألنه أمر جائز الوقوع عقالً‪ .‬وقد جاءت األخبار الرابنية الصرحية القاطعة ِف‬
‫مجيع األصول الصحيحة لألداين والشرائع السماوية كافة أبنه من األمور املقدرة املقضية بقضاء هللا‬
‫وقدره اليت ال شك ِف وقوعها إذا جاء أجلها ‪ ،‬لذلك جيب التسليم إلخبار هللا عز وجل واإلميان‬
‫مبا تضمنته دون تردد أو أتويل أو حتوير‪.‬‬
‫واإلميان ابلبعث وإن كثرت أدلته ِف القرآن العزيز والسنة املطهرة وشرائع الرسل السابقني فقد أنكره‬
‫مبفهومه الصحيح كثريون وميكننا أن نقسم هؤالء املنكرين إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫الفرقة األوىل‪:‬‬
‫أن يقولوا كما حكى هللا عنهم ِف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وقَالُوا إ ْن ِهي إالَّ َحياتُنَا ُّ‬
‫الدنْيا َوَما َْحن ُن‬
‫ني ﴾ [األنعام‪.]92 :‬‬ ‫ِ ِ‬
‫مبَْب عُوث َ‬
‫ِ‬ ‫وقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وقَالُوا َما ِهي إالَّ َحياتُنَا ُّ‬
‫َّه ُر ﴾ [اجلاثية‪.]91 :‬‬ ‫وت َوَْحنيا َوَما ْيهل ُكنَا إالَّ الد ْ‬
‫الدنْيا َمنُ ُ‬
‫وطبيعي ِف هؤالء أن ينكروا أمر البعث بعد أن أنكروا وجود اخلالق الذي تظاهرت على إثباته مجيع‬
‫األدلة املثبتة ِف كل ذرة من ذرات الكون وبعد أن جحدوا هذه احلقيقة الظاهرة اليت يشهد هلا ما‬
‫ال حيصى من األدلة ِف أنفسهم وِف الكون من حوهلم فطبيعي أن ينكروا املعاد‪.‬‬

‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬شرح الطحاوية لعلي بن أيب العز احلنفي‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫والرد على هؤالء الوجوديني الذين مجعوا بني إنكار اخلالق وإنكار البعث أن يقال‪ :‬إن هللا سبحانه‬
‫وتعاىل قد أنكر على هؤالء ورد عليهم ِف كتابه العزيز بلفت النظر إىل وجود اخلالق العظيم من‬
‫خالل مظاهر قدرته وحكمته ِف خلق السموات واألرض وهذا الطريق من االستدالل أيخذ بيد‬
‫املنكرين إىل التعرف على حقيقتني‪:‬‬
‫احلقيقة األوىل‪ :‬حقيقة وجود اخلالق العظيم األحد الفرد الصمد الذي مل يلد ومل يولد ومل يكن له‬
‫كفوا أحد‪.‬‬
‫ً‬
‫احلقيقة الثانية‪ :‬إثبات البعث ألن من أقر بوجود هللا وآمن بصفاته العظيمة كقدرته على كل شيء‬
‫وعلمه احمليط بكل شيء وعدله بني خلقه وحكمته العظيمة أدرك يقينًا أنه مل خيلق هذا اخللق عبثًا‬
‫بل البد من أن يكون هلم دار للجزاء غري هذه الدار‪.‬‬
‫الفرقة الثانية‪:‬‬
‫وهم قسم من الذين يعرتفون بوجود اخلالق ويقرون بربوبيته ولكنهم يشركون به ِف العبادة وينكرون‬
‫البعث ومن هذا القسم املشركون الوثنيون من العرب وغريهم ِف زمن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وليس هلؤالء من‬
‫حجة إال االستبعاد اجملرد وإظهار التعجب واالستغراب‪.‬‬
‫ال الْ َكافُِرو َن َه َذا َشيء‬ ‫وقد حكى هللا عنهم ذلك بقوله‪ ﴿ :‬بل ع ِجبوا أَن جاءهم ُّم ِ‬
‫نذر ِمْن ُه ْم فَ َق َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َْ َ ُ‬
‫ك َر ْجع بَعِيد ﴾[ق‪.]4،9:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َعجيب (‪ )9‬أَئِ َذا ِمْت نَا َوُكنَّا تَُر ًااب َذل َ‬
‫الفرقة الثالثة‪:‬‬
‫أحدا ولكنهم ينكرون البعث‬ ‫وهم قسم من الذين يعرتفون بوجود اخلالق ووحدانيته وال يشركون معه ً‬
‫اجلسدي ويثبتون احلياة الثانية بشكل روحاين فقط‪ ،‬وذلك ألهنم حكموا تصوراهتم اخلاصة ِف أمور‬
‫الغيب دون أن ينظروا إىل احلقائق اليت جاءت هبا الشرائع السماوية‪.‬‬
‫وليس هلؤالء أدَّن شبهة على إنكار املعاد اجلسماين سوى استبعادهم لذلك وعدم االلتفات ملا‬
‫جاءت به الشرائع السماوية وطريقة القرآن العزيز ِف الرد على هاتني الفرقتني‪ :‬الثانية والثالثة ‪ :‬هي‬
‫استقصاء شبههم وحصر أوهامهم مث نقضها شبهة شبهة كما تقدم ِف أول هذا البحث كاستدالله‬
‫ابلبدء على اإلعادة‪ ،‬واستدالله إبحياء األرض بعد موهتا على إعادة احلياة إىل األجسام يوم‬
‫القيامة‪ ،‬واستدالله إبخراج النار وهي ذات طبيعة حارة ايبسة من الشجر األخضر وطبيعته رطبة‬
‫ابردة‪ ،‬وكاستدالله خبلق السموات واألرض على خلق الناس‪ ،‬إىل غري ذلك من أساليب احملاجة‬
‫واملناظرة الواردة ِف القرآن العزيز على منكري البعث‪.‬‬
‫***‬

‫‪147‬‬
‫مواقف القيامة‪:‬‬
‫لقد ذكر هللا اليوم اآلخر ِف كتابه العزيز وأخرب عن أحوال القيامة وما يكون فيها من األهوال‬
‫يف تَتَّ ُقو َن‬ ‫العظيمة وما يالقون فيها من أنواع الفزع واخلوف ما ال يعلمه إال هللا قال تعاىل‪ ﴿ :‬فَ َك َ‬
‫الس َماءُ ُمن َف ِطر بِِه ﴾ [املزمل‪.]4٧،41 :‬‬ ‫إن َك َف ْرُْمت ْيوًما ْجي َع ُل الْ ِولْ َدا َن ِشيبًا (‪َّ )41‬‬
‫اظ ِمني ما لِلظَّالِ ِمني ِمن َِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫محي ٍم َوال‬ ‫َ ْ‬ ‫وب لَ َدى ا ْحلَنَاج ِر َك َ َ‬ ‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬وأَنذ ْرُه ْم ْيوَم اآل ِزفَة إذ الْ ُقلُ ُ‬
‫اَّللَ َغافِالً َع َّما ْيع َم ُل الظَّالِ ُمو َن َّإمنَا‬ ‫نب َّ‬‫َش ِفي ٍع يطَاع ﴾ [غافر‪ .]4٧ :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬وال َْحت َس َ َّ‬
‫يؤ ِخرهم لِيوٍم تَ ْشخص فِ ِيه األَبصار (‪ )19‬مه ِطعِني م ْقنِعِي رء ِ‬
‫وس ِه ْم ال ْيرتَ ُّد إلَي ِه ْم طَْرفُ ُه ْم َوأَفْئِ َدتُ ُه ْم‬ ‫ُُ‬ ‫ُْ َ ُ‬ ‫َُْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُُ ْ ْ‬
‫َه َواء ﴾ [إبراهيم‪.]14 ،19 :‬‬
‫ومن هذه املواقف عبور الصراط‪.‬‬

‫الصراط ‪:‬‬
‫تعريفه‪ :‬الصراط يف اللغة‪ :‬الطريق الواضح تقول سلك فالن الصراط املستقيم أي الطريق الواضح‪.‬‬
‫ومن ذلك قول جرير‪:‬‬

‫أمري املؤمنني على صراط__________ رذا عوج املوارد مستقيم‬

‫وهو ابلصاد والسني املهملتني وابلزاي على نزاع ِف إخالصها ومضارعتها بني الصاد والزاي من‬
‫سرطت الشيء بكسر الراء ابتلعته ألنه يبتلع املارة أي يغيبهم‪.‬‬
‫ويف الشرع‪ :‬جسر ممدود على منت جهنم يرده األولون واآلخرون وحيتمل أن يكون خلق عند خلق‬
‫النار وحيتمل أتخر خلقه إىل يوم القيامة وهللا أعلم‪.‬‬
‫وقد استفاضت األحاديث عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص ِف ذكر الصراط وبيان صفاته‪.‬‬
‫ومن ذلك قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ومير الناس على الصراط بقدر أعماهلم فمنهم من مير كلمح البصر ومنهم‬
‫من مير كالربق»‬
‫وجاء عنه ملسو هيلع هللا ىلص ِف بعض اآلاثر وصف الصراط أبنه دحض مزلة وأنه أدق من الشعرة وأحد من‬
‫ثريا‪ ،‬لكن املراد به الطريق املعنوي أي‬
‫السيف‪،‬وهي آاثر ضعيفة وقد ورد ذكر الصراط ِف القرآن ك ً‬
‫الدين والشريعة ألن الصراط يطلق اترة على الطريق احلسي كما ورد ِف األحاديث عن اجلسر‬
‫َن ه َذا ِصر ِ‬
‫اطي‬ ‫َ‬ ‫املنصوب على منت جهنم وقد يطلق على الطريق املعنوي كقوله تعاىل‪ ﴿ :‬وأ َّ َ‬
‫يما فاتَّبِعُوه ﴾[األنعام‪ ]454:‬ومثل هذا كثري ِف القرآن‪ ،‬يعرب سبحانه وتعاىل عن دينه وشرعه‬ ‫ِ‬
‫ُم ْستَق ً‬

‫‪148‬‬
‫ابلصراط ‪ .‬ومن األخبار الواردة ِف ذكر الصراط املستقيم ما رواه البيهقي بسنده عن مسروق عن‬
‫عبد هللا قال‪« :‬جيمع هللا الناس يوم القيامة‪ »..‬إىل أن قال‪ « :‬فيعطون نورهم على قدر أعماهلم‬
‫فمنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه ومنهم من يعطى دون ذلك بيمينه حىت يكون آخر من‬
‫يعطى نوره على إهبام قدمه يضيء مرة ويطفأ مرة إذا أضاء قدم قدمه وإذا طفئ قام فيمر وميرون‬
‫على الصراط‪ ،‬والصراط كحد السيف دحض مزلة فيقال هلم امضوا على قدر نوركم فمنهم من مير‬
‫كانقضاض الكواكب ومنهم كالريح ومنهم من مير كالطرف ومنهم من مير كشد الرجل يرمل رمالً‬
‫ميرون على قدر أعماهلم حىت مير الذي نوره على إهبام قدمه ختر يد وتعلق يد وتعلق رجل وختر‬
‫رجل وتصيب جوانبه النار فيخلصون‪ ،‬فإذا خلصوا قالوا ‪ :‬احلمد هلل الذي جناان منك بعد أن أراانك‬
‫أحدا»(‪.)4‬‬
‫لقد أعطاان هللا ما مل يعط ً‬
‫دها َكا َن َعلَى َربِك َحْت ًما‬ ‫ِ‬
‫واملرور على الصراط املشار إليه بقوله تعاىل‪ ﴿ :‬وإِ ْن منكم إِالَّ َوا ِر َ‬
‫م ْق ِ‬
‫ضيًّا ﴾ [مرمي‪.]14:‬‬ ‫َ‬
‫وقد اختلف املفسرون يف معىن الورود املذكور يف هذه اآلية على ثالثة أقوال هي‪:‬‬
‫‪ 4‬أن املراد ابلورود العبور على الصراط ابلنسبة للمؤمنني الناجني‪ ،‬وأما غريهم فورودهم دخول‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النار‪ ،‬وهذا أرجح األقوال وعليه أكثر املفسرين وال يعارضه قوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬مثَّ نُنَجي الذ َ‬
‫اتَّ َق ْوا ﴾ كما أورده بعضهم وقال‪ :‬إن النجاة من الشيء ال حتصل إال بعد الوقوع فيه والصواب عن‬
‫هذا أن يقال ال نسلم أنه يلزم من النجاة من األمر الوقوع فيه فإنه جيوز ِف اللغة أن تقول جنا فالن‬
‫من الشر وإن مل يقع فيه إذا انعقدت أسبابه وكاد أن يصيبه واملؤمنون الذين يعربون الصراط‬
‫وينجون من النار قد انعقدت أسباب وقوعهم فيها ألهنم قد مروا من فوق ظهرها على الصراط‬
‫وهو دحض مزلة‪ ،‬أحد من السيف وأدق من الشعرة إال أن هللا سلمهم بفضله وكرمه‪.‬‬
‫هودا عليه السالم مل يقع ِف‬ ‫ودا ﴾ [هود‪ ]5٧:‬ومعلوم أن ً‬ ‫قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَ َّما َجاءَ أ َْم ُرَان َجنَّينَا ُه ً‬
‫العذاب ومع هذا أخرب سبحانه أنه جناه من العذاب‪.‬‬
‫‪ 9‬وقيل‪ :‬املراد ابلورود دخول النار جلميع اخللق إال أهنا ال تضر املؤمنني وال حيسون حبرها وتكون‬
‫وسالما كما كانت على إبراهيم عليه السالم حينما ألقي ِف النار وهذا القول له وجه‬ ‫ً‬ ‫بردا‬
‫عليهم ً‬
‫من الصحة لوال أنه يرد عليه قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬لن يلج النار أحد ابيع حتت الشجرة»‪.‬‬
‫وهلذا سألت حفصة اهنع هللا يضر رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص إن هللا يقول‪َ ﴿ :‬وإن ِمن ُك ْم إالَّ َوا ِرُد َها ﴾ [مرمي‪]14:‬‬

‫_______________________________________‬
‫(‪)4‬املستدرك للحاكم (‪ )4191‬وأنظر تعليق السلسة الصحيحة (‪ 142 -9‬و ‪)19٧‬‬

‫‪149‬‬
‫وأنت تقول‪« :‬لن يلج النارأحد ابيع حتت الشجرة»‪.‬‬
‫ين اتَّ َق ْوا ﴾‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫فقال ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إمنا ذلك العبورعلى الصراط أما مسعتيه يقول ‪ُ ﴿ :‬مثَّ نُنَجي الذ َ‬
‫[مرمي‪. )4( ]19:‬‬
‫‪ 4‬وقيل‪ :‬إن املراد ابلورود الوقوف حول النار قريبًا منها واالطالع عليها وليس املراد العبور على‬
‫جائزا لغة‪.‬‬
‫الصراط وال الدخول فيها وهذا أضعف األقوال وإن كان ً‬
‫ين َو َج َد َعلَ ِيه أ َُّمةً ِم َن الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫وقد استدل أصحاب هذا القول بقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَ َّما َوَرَد َماءَ َم ْد َ‬
‫يس ُقو َن ﴾‬
‫ْ‬
‫[القصص‪.]94 :‬‬
‫ووجه االستدالل أن هللا أخرب عن نبيه موسى عليه السالم أنه ورد ماء مدين ومعلوم أن موسى‬
‫عليه السالم مل يدخل ىف البئر وإمنا وقف حوهلا ومع هذا عرب عن وقوفه ابلورود‪.‬‬
‫***‬
‫عقائد الناس يف الصراط‪:‬‬
‫لقد اتفق املسلمون عدا طائفة من املعتزلة على إثبات الصراط ِف اجلملة وإن خالف بعضهم ِف‬
‫صفاته ونستطيع أن نقسم املسلمني ابلنسبة إىل إثبات الصراط إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪ 4‬ـ اجلمهور من املسلمني‪ :‬على إثبات الصراط حبقيقته وصفاته اليت وردت ِف اآلاثر من كونه‬
‫منصواب على منت جهنم أحد من السيف وأدق من الشعرة وأحر من اجلمر إىل غري ذلك من‬ ‫ً‬ ‫جسرا‬
‫ً‬
‫الصفات اليت تصور صعوبة سلوك الصراط وهؤالء اعتمدوا على النصوص الكثرية املستفيضة‬
‫فأثبتوها على ظاهرها ومل يتعرضوا لتأويلها وصرفها عن ظواهرها‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ القسم الثاين‪ :‬وهم طائفة من العلماء منهم عز الدين بن عبد السالم والقراِف وغريمها وهؤالء‬
‫أثبتوا الصراط وآمنوا بوجوده وأنه منصوب على منت جهنم مير املؤمنون عليه إىل اجلنة لكنهم أنكروا‬
‫كونه أدق من الشعرة وأحد من السيف وقالوا ‪ :‬إن ثبت هذا ِف اآلاثر فهو حممول على غري‬
‫ظاهره ملنافاته لألحاديث األخرى من قيام املالئكة على جنبيت الصراط وكون الكالليب واحلسك‬
‫فيه وإعطاء كل من املارين عليه من النور قدر موضع قدميه‪.‬‬
‫و َّأوَل ما ورد من وصف الصراط أبنه أحد من السيف وأدق من الشعرة أبن املراد يسر املرور عليه‬
‫وعسره على قدر الطاعات واملعاصي وال يعلم حدود ذلك إال هللا تعاىل‪.‬‬

‫_______________________________________‬
‫(‪)4‬صحيح مسلم (‪. )9121‬‬

‫‪151‬‬
‫وقد جرت العادة بضرب املثل بدقة الشعر مثالً للغامض اخلفي‪ ،‬وأصحاب هذا الرأي أقرب‬
‫للصواب ِف نظري لعدم ثبوت هذه الصفات عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص وليس الستبعاد اتصاف الصراط هبذه‬
‫الصفات فلو ثبت ذلك عنه ملسو هيلع هللا ىلص لوجب اإلميان به ألن قدرة هللا ال يعجزها شيء‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ القسم الثالث‪ :‬طائفة من املعتزلة منهم القاضي عبد اجلبار اهلمذاين شيخ املعتزلة وهؤالء‬
‫زعما منهم أنه ال ميكن عبوره ولو قدر إمكانه‬ ‫أنكروا ما ثبت ِف األحاديث من ثبوت الصراط ً‬
‫لكان فيه تعذيب للمؤمنني‪.‬‬
‫واملؤمنون والصلحاء ال عذاب عليهم وإمنا املراد بذكر الصراط ِف األحاديث طريق اجلنة املشار إليه‬
‫يصلِ ُح َاب َهلُْم ﴾[دمحم‪.]5 :‬‬ ‫ِ‬
‫بقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬س ْيهدي ِه ْم َو ْ‬
‫اط ا ْجلَ ِحي ِم ﴾ [الصافات‪.]94 :‬‬ ‫وطريق النار املشار إليه بقوله تعاىل‪ ﴿ :‬فَاه ُدوهم َإىل ِصر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ُْ‬
‫وهذا رأي ابطل معارض لألخبار الصحيحة الثابتة عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪.‬‬
‫واملعتزلة مولعون مبعارضة النصوص‪ ،‬واخرتاع األقوال اليت ال تقوم إال على جمرد الرأي واهلوى والقول‬
‫على هللا بال علم وهللا أعلم‪.‬‬

‫***‬
‫امليزان‪:‬‬
‫تعريفه‪ :‬امليزان مفعال من الوزن ألنه آلته‪ ،‬واملراد به هنا امليزان الذي ينصب يوم القيامة لوزن أعمال‬
‫العباد ومتييزها‪.‬‬
‫وقد أمجع املسلمون عدا املعتزلة أن هلل ميز ًاان ينصب يوم القيامة وتوزن به أعمال العباد‪ ،‬وهو‬
‫ميزان حسي له كفتان ولسان وقد استفاضت النصوص وتواترت من الكتاب والسنة على ثبوت‬
‫امليزان وأنه حق‪.‬‬
‫فمن الكتاب‪:‬‬
‫ال َحبَّ ٍة ِم ْن‬ ‫يام ِة فَال تُظْلَ ُم نَ ْفس َشيئًا َوإن َكا َن ِمثْ َق َ‬ ‫أ قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ونَضع الْموا ِزين الْ ِقس َ ِ ِ ِ‬
‫ط ل ْيوم الْق َ‬ ‫َ َ ُ ََ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني ﴾[األنبياء‪.]11 :‬‬ ‫َخ ْرَد ٍل أَتَينَا هبَا َوَك َفى بِنَا َحاسبِ َ‬
‫ِ‬ ‫ٍِ‬
‫َّت‬
‫ك ُه ُم الْ ُم ْفل ُحو َن (‪َ )٧‬وَم ْن َخف ْ‬ ‫ت َم َوا ِزينُهُ فَأ ُْولَئِ َ‬‫ب وقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬والْ َوْز ُن ْيوَمئذ ا ْحلَ ُّق فَ َمن ثَ ُقلَ ْ‬
‫ين َخ ِس ُروا أَن ُف َس ُهم ِمبَا َكانُوا ِآبايتِنَا يظْلِ ُمو َن ﴾ [األعراف‪.]2،٧:‬‬ ‫موا ِزينه فَأُولَئِ َّ ِ‬
‫ك ا لذ َ‬‫َ َ ُُ ْ َ‬
‫ج وقال تعاىل‪ ﴿ :‬فَأ ََّما من ثَ ُقلَت موا ِزينُه (‪ )1‬فَهو ِِف عِ َ ٍ ِ ٍ‬
‫َّت َم َوا ِزينُهُ‬
‫يشة َّراضية (‪َ )1‬وأ ََّما َم ْن َخف ْ‬ ‫َُ‬ ‫ْ ََ ُ‬ ‫َ‬
‫(‪ )٧‬فَأ ُُّمهُ َها ِوية ﴾ [القارعة‪.]2 1 :‬‬

‫‪151‬‬
‫ومن السنة‪:‬‬
‫أ قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان إىل الرمحن ثقيلتان ِف امليزان سبحان هللا‬
‫وحبمده سبحان هللا العظيم»(‪.)4‬‬
‫ب وقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬الطهور شطر اإلميان واحلمد هلل متأل امليزان»(‪)9‬‬
‫ج وقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إهنما لفي امليزان أثقل من جبل أحد»‪)4(.‬‬
‫وهذه النصوص وأمثاهلا مما مل يذكر كافية ِف القطع بوجود امليزان يوم القيامة فهي ال تدع جماالً‬
‫للشك ِف ثبوت امليزان يوم القيامة إال من أعمى هللا بصريته كاملعتزلة الذين أنكروا امليزان وأعرضوا‬
‫عن نصوص الكتاب والسنة اليت دلت عليه واعتمدوا على رأيهم الفاسد فقالوا ليس هلل حاجة ِف‬
‫وزن أعمال عباده واستدلوا على هذا أبمرين‪:‬‬
‫‪ 4‬أن األعمال أعراض واألعراض ال تقبل الوزن وإمنا الذي يقبل الوزن ويوضع ِف امليزان األجسام‪.‬‬
‫‪ -9‬أن هللا سبحانه وتعاىل عامل أبعمال العباد فال حيتاج ِف متييزها ومعرفة كيفيتها إىل امليزان‪ ،‬وإذا‬
‫مطلعا عليها ال ختفى عليه منها خافية‪ ،‬كان وزهنا واحلالة هذه عبثًا‪ ،‬وهللا سبحانه‬ ‫كان هللا عاملًا هبا ً‬
‫وتعاىل من زه عن فعل العبث‪.‬‬
‫وقد أجاب اجلمهور على هاتني الشبهتني جبواب مفحم ال يدع للمعتزلة أي تعليق فيما أوردوه‬
‫فقالوا‪ :‬أما قولكم‪ :‬إن األعمال أعراض واألعراض ال تقبل الوزن فاجلواب عنه أن يقال‪ :‬إن هللا‬
‫سبحانه وتعاىل قادر على أن يقلب األعراض وحيوهلا إىل أجسام‪ ،‬وقد بني النيب ملسو هيلع هللا ىلص شيئًا من ذلك‬
‫فقال‪« :‬يؤتى ابملوت يوم القيامة ِف صورة كبش أملح»‪ .‬اه احلديث(‪.)1‬‬
‫جسما‪ .‬وقال ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إن امليت املؤمن إذا وضع ِف قربه‬
‫ومعلوم أن املوت معىن وقد قلبه هللا وصريه ً‬
‫أاته ملكان‪ »...‬إىل أن قال‪« :‬فيأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح‪ ،‬فيقول‪ :‬من‬
‫أنت؟ فوجهك الذي جييء ابخلري‪ ،‬فيقول‪ :‬أان عملك الصاحل»(‪.)5‬‬
‫أجساما‬
‫ً‬ ‫قادرا على جعل العمل رجالً فهو قادر على جعل األعراض‬ ‫فإذا كان هللا سبحانه وتعاىل ً‬
‫قابلة للوزن‪.‬‬
‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪.)11٧1‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم (‪.)994‬‬
‫(‪ )4‬صحيح ابن حبان (‪ )1٧12‬وحكم األلباين صحيح‪.‬‬
‫(‪ )1‬معجم الكبري للطرباين (‪ )44411‬بلفظ جياء ابملوت‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسند أمحد(‪ )4٧541‬وحكم األرنؤوط إسناده صحيح‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫‪ 9‬أما قولكم فإن هللا عامل أبعمال العباد فال حيتاج ِف معرفتها ومتييزها إىل ميزان فهذا صحيح‪،‬‬
‫ولكن له ِف وزن األعمال ِح َكم قد يظهر لنا بعضها وخيفى علينا الكثري‪ ،‬ومما ظهر لنا من احلكم‬
‫إظهار العدل وإعذاره من عباده فإنه ال أحد أحب إليه العذر منه سبحانه من أجل ذلك أرسل‬
‫الرسل مبشرين ومنذرين‪.‬‬
‫هل الوزن لألعمال أو للصحائف ؟‬
‫إننا إذا استقرأان األحاديث الواردة ِف ذكر امليزان أدركنا أن بعضها يدل على أن الوزن لألعمال‬
‫وبعضها يدل على أن الوزن للعاملني وبعضها يدل على أن الوزن للصحائف‪ ،‬ألجل ذلك اختلف‬
‫العلماء‪:‬‬
‫‪ 4‬فقالت طائفة‪ :‬إن الوزن لألعمال ألن األعمال هي اليت يرتتب عليها الثواب والعقاب واستدلوا‬
‫على ذلك بقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬الطهور شطر اإلميان واحلمد هلل متأل امليزان»(‪ )4‬ومعلوم أن قوله‪ :‬احلمد هلل‬
‫عمل من أعمال اللسان وقد صرح هذا احلديث أبنه هو الذي يوضع ِف امليزان فدل على أن الوزن‬
‫يكون للعمل‪.‬‬
‫‪ 9‬وقال آخرون‪ :‬بل الوزن لصحائف األعمال واستدلوا على ذلك بقوله ملسو هيلع هللا ىلص ِف حديث (البطاقة)‬
‫الذي رواه عنه عبدهللا بن عمرو وهو قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إن هللا خيلص رجالً من أميت على رءوس اخلالئق‬
‫يوم القيامة‪ »...‬إىل قوله‪« :‬فتوضع السجالت ِف كفة والبطاقة ِف كفة» (‪()9‬والبطاقة‪ :‬صحائف)‬
‫وقد وضعت ِف امليزان‪.‬‬
‫‪ 4‬وقول أن الوزن للعامل نفسه مستدلني بقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬والذي نفسي بيده إهنما لفي امليزان أثقل‬
‫من جبل أحد»(‪ )4‬يعين ساقي عبدهللا بن مسعود‪.‬‬
‫وقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪«:‬إنه ليؤتى ابلرجل العظيم السمني يوم القيامة ال يزن عند هللا جناح‬
‫يام ِة َوْزًان ﴾ [الكهف‪.)1(»]4٧5:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم َهلُْم ْيوَم الْق َ‬
‫بعوضة‪ ،‬اقرءوا إن شئتم ‪ ﴿ :‬فَال نُق ُ‬
‫مجعا بني النصوص املختلفة اليت استدل هبا‬ ‫والراجح أن الوزن يكون لألعمال وصحائفها وللعاملني ً‬
‫كل فريق من أصحاب األقوال السابقة‪.‬‬

‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم (‪.)994‬‬
‫(‪ )9‬سنن الرتمذي(‪ )9142‬وحكم األلباين صحيح‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح ابن حبان(‪ )1٧12‬وحكم األلباين صحيح‪.‬‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري (‪ )1192‬مسلم (‪.)91٧5‬‬

‫‪153‬‬
‫***‬
‫اجلنة والنار‬
‫تعريفهما‪:‬‬
‫جن‬
‫اجلنة ِف اللغة‪ :‬عبارة عن البستان الذي تكثر فيه األشجار املختلفة فتسرت أرضه مأخوذة من َّ‬
‫يل‬‫ِ َّ‬
‫مبعىن سرت ألن مادة َج َّن تدل على السرت والتغطية ومن ذلك قوله تعاىل‪ ﴿ :‬فلَ َّما َج َّن َعلَيه الل ُ‬
‫ال َه َذا َرِيب ﴾ [األنعام‪ ،]11 :‬أي‪ :‬فلما غطاه الليل وسرته بظالمه‪ ،‬ومن هذا املعىن‬ ‫َرأَى َك ْوَكبًا قَ َ‬
‫قول الراجز‪:‬‬
‫حىت إذا جن الظالم واختلط‬
‫ومن هذه املادة اشتقاق اجملن‪ ،‬اآللة اليت يتقي هبا احملارب ويسترت عن السيوف والرماح قال عمر بن‬
‫أيب ربيعة‪:‬‬

‫فمكان جمين دون من كدت أتقي __________ ثالث شخوص كاعبان ومعصش‬

‫سرتا يل ممن كنت أريد اتقاءهم واالستتار عن أعني اإلنس‪،‬‬


‫أي فكانت هذه الفتيات الثالثة ً‬
‫واجلنني الستتاره ِف بطن أمه‪.‬‬
‫مستقرا لعباده املؤمنني بعد أن يبعثهم وقد أعد هلم‬ ‫ًّ‬ ‫أما اجلنة شرعا‪ :‬فهي تلك الدار اليت أعدها هللا‬
‫فيها من أصناف النعيم ما ال عني رأت وال أذن مسعت وال خطر على قلب بشر‪.‬‬
‫ُخ ِفي َهلُم ِمن قُ َّرةِ أ َْع ٍ‬
‫ني َجَزاءً ِمبَا َكانُوا‬ ‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬فَال تَ ْعلَ ُم نَ ْفس َّما أ ْ‬
‫ْيع َملُو َن ﴾ [السجدة‪.]41:‬‬
‫أما النار‪ :‬فهي هذا العنصر الشفاف احملرق‪ ،‬وِف الشرع‪ :‬دار أعدها هللا لعباده الكافرين ً‬
‫عقااب هلم‬
‫على كفرهم‪.‬‬
‫وقد أعد هلم فيها من أصناف العذاب والنكال ما ال تقوى على حتمله اجلبال الراسيات‪.‬‬
‫اغني مآاب (‪ )99‬البِثِ ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫إن جهنَّم َكانَ ِ‬
‫َح َق ًااب ﴾ [النبأ‪:‬‬
‫ني ف َيها أ ْ‬
‫َ‬ ‫ادا (‪ )94‬للطَّ َ َ ً‬
‫صً‬ ‫قال تعاىل‪ْ َ َ َ َّ ﴿ :‬‬
‫ت م ْر َ‬
‫‪.]99 ،94‬‬
‫اجلنة والنار موجودتن اآلن‪:‬‬
‫ومها موجوداتن اآلن وما زال املسلمون يعتقدون أن اجلنة والنار موجوداتن فيهما من أصناف النعيم‬
‫وأشكال العذاب‪ ،‬ومل يشك أحد من املسلمني ِف وجودمها الستفاضة النصوص من الكتاب‬

‫‪154‬‬
‫ني ﴾ [آل‬ ‫والسنة وتواترها على إثبات وجودمها فمن الكتاب قوله تعاىل ِف اجلنة‪ ﴿ :‬أ ُِعد ِ ِ‬
‫َّت للْ ُمتَّق َ‬
‫ْ‬
‫َّت لِْل َكافِ ِري َن ﴾ [البقرة‪.]91:‬‬ ‫ِ‬
‫عمران‪ ]444:‬وقوله ِف النار‪ ﴿ :‬أُعد ْ‬
‫إن جهنَّم َكانَ ِ‬
‫ادا ﴾ [النبأ‪.]94:‬‬‫صً‬ ‫وقوله‪ْ َ َ َ َّ ﴿ :‬‬
‫ت م ْر َ‬
‫ومن السنة قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬عرضت علي اجلنة والنار»(‪)4‬وقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬دخلت اجلنة فإذا هي جنابذ‬
‫اللؤلؤ»(‪.)9‬‬

‫وقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬اطلعت على اجلنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها‬
‫النساء»‪)4(.‬‬
‫علما يقينًا أبن اجلنة والنار قد خلقتا‬
‫والقرآن والسنة مملوءان من أمثال هذه النصوص اليت تعطي ً‬
‫وفرغ من خلقهما‪.‬‬
‫خالف املعتزلة يف وجود اجلنة والنار قبل يوم القيامة‪:‬‬
‫وقد خالفت القدرية واملعتزلة ِف خلق اجلنة والنار قبل يوم القيامة فأنكروه وقالوا‪ :‬إنه يلزم من‬
‫متقررا عند املعتزلة وغريهم‬
‫خلقهما قبل يوم القيامة وصف أفعال هللا ابلعبث وعدم احلكمة وملا كان ً‬
‫أنه ال يقبل أي رأي مهما كان مصدره وصاحبه إال حبجة التمسوا أدلة يزعمون أهنا نص ِف عدم‬
‫وجود اجلنة والنار قبل يوم القيامة‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫مددا متطاولة وهذا عبث‬
‫‪ 4‬قالوا‪ :‬لو كان هللا قد خلق اجلنة والنار لبقيتا معطلتني عن السكان ً‬
‫إنساان بىن بيتًا وأغلق أبوابه وهجره من السكىن سنني طويلة حلكمنا عليه ابلعبث وهللا‬ ‫فإننا لو رأينا ً‬
‫حكيم ال يفعل العبث‪.‬‬
‫أيضا بقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬لقيت إبراهيم ليلة أسري يب فقال‪ :‬اي دمحم أقرئ أمتك مين السالم‬
‫واستدلوا ً‬
‫وأخربهم أن اجلنة طيبة الرتبة عذبة املاء وأهنا قيعان وأن غراسها‪ :‬سبحان هللا وحبمده» (‪)1‬سنن‬
‫قيعاان وكان التسبيح غراسها لزم‬
‫الرتمذي‪ ،‬ووجه الداللة من احلديث ِف نظرهم أن اجلنة إذا كانت ً‬
‫أهنا معدومة‪.‬‬

‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪)51٧‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري (‪)4419‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪)4914‬‬
‫(‪ )1‬سنن الرتمذي (‪ )4119‬وحكم األلباين حسن‬

‫‪155‬‬
‫‪ 9‬قالوا وكذلك قوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬كل ش ٍ‬
‫يء َهالِك إالَّ َو ْج َههُ ﴾ [القصص‪ ]٧٧ :‬يدل على أن اجلنة‬ ‫ُّ َ‬
‫والنار غري خملوقتني قالوا ووجه االستدالل من اآلية أننا قد علمنا ابلضرورة من الدين أن كل شيء‬
‫يهلك ويفىن قبل يوم القيامة فلو كانت اجلنة والنار موجودتني اآلن للزم أن هتلكا وتفنيا ومعلوم‬
‫ابلضرورة أن اجلنة والنار خلقتا للبقاء ال للفناء‪.‬‬
‫مناقشة أدلة املعتزلة‪:‬‬
‫وقد أجاب اجلمهور من املسلمني الذين ال يشكون ِف وجود اجلنة والنار عن أدلتهم السابقة‬
‫فقالوا‪:‬‬
‫قياسا على أفعال‬
‫أما قولكم أنه يلزم من خلقهما قبل يوم القيامة وصف أفعال هللا ابلعبث ً‬
‫املخلوقني فاجلواب من وجهني‪:‬‬
‫‪ 4‬أنه ال جيوز قياس هللا على خلقه فكذلك ال جيوز قياس أفعاله سبحانه على أفعال خلقه فليس‬
‫قبيحا من هللا‪.‬‬
‫كل ما هو قبيح من العبد يكون ً‬
‫فإننا نعلم أن صفة اجلربوت والكربايء كمال هلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وهي صفة ذم وعيب ِف‬
‫املخلوقني‪.‬‬
‫‪ 9‬ال نسلم أن يكون مثل هذا الفعل عبثًا حىت ِف حق املخلوقني ألنه جيوز أن يعد اإلنسان بيتًا‬
‫ويهيئه للسكن ويبقيه مدة قبل نزوله وال يكون ذلك عبثًا السيما إذا علم أن ضي ًفا عز ًيزا يقدم عليه‬
‫فإنه يهيئ له املسكن ويبقيه معطالً إىل أن يقدم ذلك الضيف‪.‬‬
‫وأما استدالهلم بقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬لقيت إبراهيم‪ »...‬احلديث فاجلواب أن يقال‪ :‬ليس ِف احلديث نص‬
‫على ما تدعون من أن اجلنة والنار معدومتان اآلن بل ابلعكس ففيه الداللة على أن اجلنة موجودة‬
‫حيث وصفها إبراهيم عليه السالم أبهنا طيبة الرتبة عذبة املاء وأهنا قيعان ووصفه هلا عن مشاهدة‬
‫ورؤية وأما أن كون غراسها سبحان هللا فال يتعارض مع وجودها أبننا ال ندعي أن هللا سبحانه‬
‫جحيما بل ال يزال‬‫ً‬ ‫عذااب أو‬
‫اسا أو ً‬ ‫وتعاىل بعد أن خلق اجلنة والنار ال حيدث فيهما بناء وال غر ً‬
‫حيدث فيهما من الغراس والبناء وغريمها حىت بعد أن يدخل أهل اجلنة اجلنة وأهل النار النار فإنه‬
‫حيدث هلم فيهما كل يوم من أصناف النعيم وأشكال العذاب‪.‬‬
‫وأما استدالهلم بقوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬كل ش ٍ‬
‫يء َهالِك إالَّ َو ْج َههُ ﴾ أن املراد من اآلية عند املفسرين كل‬ ‫ُّ َ‬
‫شيء كتب هللا عليه اهلالك فإنه هالك واجلنة والنار خلقتا للبقاء ال للفناء فال تدخالن حتت عموم‬
‫هذه اآلية‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫خلود اجلنة والنار وآراء الناس يف ذل ‪:‬‬
‫لقد أمجع املسلمون على خلود اجلنة والنار ما عدا اجلهم بن صفوان فإنه قال بفناء اجلنة والنار وما‬
‫عدا طائفة من السلف فإهنم قالوا بفناء النار دون اجلنة وكذا أبو اهلذيل العالف من املعتزلة قال‬
‫بفناء حركات أهل اجلنة والنار‪.‬‬
‫أبدا وال تبيدان ومل‬ ‫أمجع املسلمون عدا من ذكرت على أن اجلنة والنار خالداتن ابقيتان ال تفنيان ً‬
‫يشك أحد منهم ِف ذلك الستفاضة األدلة من الكتاب والسنة وتواترها على خلود اجلنة والنار ومما‬
‫ورد ِف الكتاب العزيز من أدلة خلود اجلنة‪:‬‬
‫ض إالَّ َما‬ ‫‪ 4‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬وأ ََّما الَّ ِذين سعِ ُدوا فَِفي ا ْجلن َِّة خالِ ِدين فِيها ما دام ِ‬
‫ات َواأل َْر ُ‬‫الس َم َو ُ‬
‫ت َّ‬ ‫َ َ َ َ َ ََ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫ك َعطَاءً غَ َري َْجم ُذوذ ﴾ [هود‪.]4٧٧ :‬‬ ‫َشاءَ َربُّ َ‬
‫‪ 9‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬أُ ُكلُ َها َدائِم َو ِظلُّ َها ﴾ [الرعد‪.]45 :‬‬
‫ني ِم َن‬ ‫ِ ِ‬
‫ومن نصوص الكتاب الدالة على خلود النار قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وَما ُهم خبَا ِرج َ‬
‫النَّا ِر ﴾ [البقرة‪ ،]411:‬وقال‪َ ﴿ :‬وَهلُْم َع َذاب ُّم ِقيم ﴾[املائدة‪ ،]41:‬وقوله‪َّ ﴿ :‬‬
‫إن َع َذابَ َها َكا َن‬
‫الزما هلم مقيم‪.‬‬‫َغَر ًاما ﴾ [الفرقان‪ ]15:‬أي‪ً :‬‬
‫أما من السنة فقد دلت على ما دل عليه الكتاب العزيز من دوام اجلنة والنار من ذلك قوله صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪« :‬يؤتى ابملوت ِف صورة كبش أملح فيذبح بني اجلنة والنار فينادى مناد اي أهل‬
‫اجلنة خلود فال موت واي أهل النار خلود فال موت» البخاري مبعناه‪.‬‬
‫وقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬من يدخل اجلنة ينعم فال يبأس وخيلد فال ميوت» وقوله‪« :‬ينادي مناد اي أهل اجلنة إن‬
‫أبدا»(‪.)4‬‬ ‫أبدا وأن حتيوا فال متوتوا ً‬ ‫لكم أن تصحوا فال تسقموا وأن تشبوا فال هترموا ً‬
‫وأمثال هذه النصوص ِف الكتاب والسنة كثري ومع هذه األدلة الكثرية اليت تفيد القطع خبلود اجلنة‬
‫والنار فقد وقع خالف ِف هذه املسألة ونستطيع أن نقسم اخلالف إىل أربعة أقسام‪:‬‬
‫‪ 4‬مجهور املسلمني يعتقدون أبن اجلنة والنار ابقيتان ال تفنيان كما تقدم ذلك مع أدلته‪.‬‬
‫‪ 9‬اجلهم بن صفوان وأتباعه‪ :‬أعرضوا عن هذه النصوص وحكموا آراءهم وعقوهلم الفاسدة‬
‫وخالفوا مجاعة املسلمني وقالوا جيب عقالً أن تفىن اجلنة والنار ويفىن من فيهما‪.‬‬
‫وشبهة اجلهم بن صفوان على هذا املذهب الباطل اعتقاده أن التسلسل ِف أفعال الباري كما كان‬
‫له حد ِف املاضي جيب أن يكون له حد ِف املستقبل ولو دامت اجلنة والنار يلزم دوام أفعال هللا‬

‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم (‪.)9٧41‬‬

‫‪157‬‬
‫وللزم دوام اخللق ومشاركتهم هلل ِف صفة البقاء والدوام‪ ،‬والرد على هذه الشبهة أن يقال‪:‬‬

‫‪ 4‬أن تسلسل أفعال الباري ِف املاضي واملستقبل أمر واجب ألن ذلك يعترب كمال ِف حق هللا‬
‫سبحانه وتعاىل ألن القول ابنقطاع تسلسل أفعاله سبحانه وتعاىل سواء كان من طرف األول أو‬
‫من طرف األبد نقص ألنه يلزم على القول به أن يبقى هللا سبحانه وتعاىل معطالً عن الفعل الذي‬
‫عاجزا‪.‬‬
‫هو من صفات كماله ووصفه ابلعجز ألنه إذا امتنع عليه الفعل كان ً‬
‫‪ 9‬وأما قوله أنه يلزم من دوام اجلنة والنار ودوام أهلها مشاركة اخللق هلل ِف صفة البقاء والدوام‬
‫كبريا بني دوام هللا ودوام اجلنة والنار فإن دوام هللا سبحانه وتعاىل‬
‫فاجلواب أن يقال‪ :‬إن هناك فرقًا ً‬
‫واجب لذاته وال يقبل العقل غريه أما دوام اجلنة والنار ومن فيهما فجائز غري واجب عقالً بل هو‬
‫حاصل إبرادة هللا وإبقائه هلما‪.‬‬
‫‪ 4‬أما أبو اهلذيل العالف أحد شيوخ املعتزلة فله مذهب ِف هذه املسألة يقرب من مذهب اجلهم‬
‫بن صفوان‪ ،‬فإنه يرى أن حركات أهل اجلنة والنار تفىن وتنقطع ويبقون ِف سكون دائم ال يتحركون‬
‫وال أيكلون وال يشربون وال حيسون‪ ،‬ويقول‪ :‬إن انقطاع احلركات كاف ِف انقطاع التسلسل ِف‬
‫أفعال الباري ِف املستقبل وشبهته ِف هذا الرأي شبهة اجلهم بن صفوان بعينها‪ ،‬والرد عليها عني‬
‫الرد على شبهة اجلهم‪.‬‬
‫‪ 1‬وقد ذه ب ت ط ائفة من أهل العلم من السلف واخللف إىل القول بفناء النار دون اجل ن ة‪ ،‬ب ع د أن‬
‫ي م ك ث أه ل ه ا حقبًا ويطهرون من درن ال كفر والشرك‪ ،‬وقد استدل أصحاب هذا الرأي آباثر‬
‫وردت عن الصحابة وعمومات وظواهر من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫فمن اآلاثر ما روي عن عمر بن اخلطاب هنع هللا يضر أنه قال‪« :‬لو لبث أهل النار ِف النار كقدر رمل‬
‫عاجل لكان هلم وقت خيرجون فيه»(‪ )4‬ذكر ذلك عبد بن محيد ِف تفسريه‪ .‬ومنها ما روي عن ابن‬
‫مسعود هنع هللا يضر أنه قال‪« :‬ليأتني على النار يوم تصفق أبواهبا من قلة الساكنني»‪)9(.‬‬
‫أما عمومات النصوص‪ ،‬وهي أقوى داللة على ما ذهبوا رليه من اآلاثر الواردة يف ذل فهي‪:‬‬
‫ِ‬
‫ت ُك َّل َشيء ﴾ [األعراف‪ ]451:‬ووجه االستدالل من هذه اآلية على‬ ‫قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ور ْمحَِيت َوس َع ْ‬
‫فناء النار أن يقال ‪ :‬الكفار املعذبون شيء‪ ،‬ورمحة هللا وسعت كل شيء‪ ،‬فال بد أن تسعهم‪،‬‬
‫فينقطع عنهم العذاب وذلك بفناء النار قالوا‪ :‬وتعذيب الكفار ليس املراد لذاته وإمنا هو مراد‬
‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬قال االلباين ِف حتقيقه لكتاب "رفع األستار" ص‪ :15‬ضعيف اإلسناد النقطاعه‬
‫(‪ )9‬السلسلة الضعيفة (‪)1٧1‬وحكم األلباين موضوع‬

‫‪158‬‬
‫ابلعرض الذي استحقوا العذاب ألجل ما عرض هلم من الشرك والكفر لتطهريهم من درن الكفر‬
‫والشرك فإذا لبثوا ِف النار مدة تكفي لتطهريهم وتنقيتهم أصبح بقاؤهم ِف النار خالف احلكمة ‪.‬‬
‫كتااب فهو عنده فوق‬ ‫ومما استدلوا به من عمومات السنة قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ملا قضى هللا اخللق كتب ً‬
‫العرش‪ :‬إن رمحيت سبقت غضيب» وِف رواية‪« :‬تغلب غضيب»(‪ )4‬قالوا‪ :‬فقد دل هذا احلديث على‬
‫أن الرمحة تغلب الغضب ومعلوم أن اجلنة أثر الرمحة وأن النار أث ر الغ ض ب ف الب د أن تغلب اجلنة‬
‫النار فتبقى وتدوم وتفىن النار‪.‬‬
‫وقد أجاب هؤالء القائلون بفناء النار دون اجلنة عن النصوص الدالة على دوام النار وخلودها أبن‬
‫قالوا كل ما ورد من ذلك حق نؤمن به ونعتقد معناه ولن يكون ذلك ما دامت النار موجودة فقوله‬
‫﴿وَهلُْم َع َذاب‬ ‫ِ‬ ‫تعاىل‪ ﴿ :‬وما هم ِخبَا ِرِج ِ‬
‫ني م َن النَّار ﴾ [البقرة‪ ]411:‬أي‪ :‬ما دامت موجودة وقوله‪َ :‬‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ‬
‫ُّم ِقيم ﴾ [املائدة‪ ]41:‬أي‪ :‬ما دامت موجودة ابقية وهكذا فأولوا كل نص ورد ِف هذه املسألة هبذا‬
‫شخصا ِف هذا البيت‬ ‫ً‬ ‫ال م ع ن ى‪ ،‬قالوا‪ :‬ويدل على صحة هذا التأويل أنه لو حلف إنسان أن حيبس‬
‫أبدا مث خرب البيت واهندم أن احملبوس خيرج منه وال حينث احلالف‪.‬‬ ‫وال خيرجه من حبسه ً‬
‫***‬
‫مقدمات اليوم اآلخر‪:‬‬
‫بعد أن انتهى الكالم ِف اليوم اآلخر وبيان مواقف القيامة وأحواهلا فالبد من الكالم على مقدمات‬
‫اليوم اآلخر وبياهنا وهي‪:‬‬
‫‪ 4‬ـ أشراط الساعة‪:‬‬
‫تعريفها‪ :‬األشراط مجع شرط بفتحتني أي العالمة وأشراط الساعة عالماهتا‪ ،‬والساعة هي الزمن‬
‫ونظرا إىل أمهية قيام الساعة واحتمال قيامها‬ ‫احملدد ِف علم هللا إلهناء نظام الدنيا وبدء اليوم اآلخر ً‬
‫كدا قرب قيامها‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫على غفلة من الناس فقد ذكرها هللا ِف مواضع كثرية من كتابه العزيز مؤ ً‬
‫انش َّق الْ َق َم ُر ﴾ [القمر‪.]4 :‬‬ ‫اعةُ َو َ‬ ‫قوله تعاىل‪ ﴿ :‬اقْ تَ رب ِ‬
‫الس َ‬
‫ت َّ‬ ‫ََ‬
‫اعةَ تَ ُكو ُن قَ ِريبًا ﴾ [األحزاب‪.]14:‬‬ ‫الس َ‬ ‫وقوله‪َ ﴿ :‬وَما ي ْد ِر َ‬
‫يك لَ َع َّل َّ‬
‫اعةَ أَن َأتْتِ ُيهم بَ ْغتَةً فَ َق ْد َجاءَ أَ ْشراطُ َها ﴾ [دمحم‪.]4٧ :‬‬ ‫وقوله‪ ﴿ :‬فَ َه ْل ينظُُرو َن إالَّ َّ‬
‫الس َ‬
‫ين َآمنُوا ُم ْش ِف ُقو َن ِمْن َها‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬
‫ين ال ْيؤمنُو َن هبَا َوالذ َ‬
‫ِ ِ َّ ِ‬
‫يستَ ْعج ُل هبَا الذ َ‬ ‫اعةَ قَ ِريب (‪ْ )41‬‬ ‫الس َ‬
‫وقوله‪ ﴿ :‬لَ َع َّل َّ‬
‫الل بَعِيد ﴾ [الشورى‪.]4٧ ،41 :‬‬ ‫ض ٍ‬ ‫الس ِ ِ‬ ‫ويعلَمو َن أَنَّها ا ْحل ُّق أَال َّ َّ ِ‬
‫ين ميَ ُارو َن ِِف َّ َ‬
‫اعة لَفي َ‬ ‫إن الذ َ‬ ‫َُْ َ َ‬
‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم (‪. )9154‬‬

‫‪159‬‬
‫وقد أكد النيب ملسو هيلع هللا ىلص ما دلت عليه نصوص الكتاب العزيز من قرب قيام الساعة ِف أحاديث كثرية‬
‫جدًّا منها قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪ «:‬بعثت أان والساعة كهاتني وأشار أبصبعيه السبابة والوسطى »(‪ )4‬وأكثر‬
‫منبها على قرب وقوعها وعدم االغرتار ابلغفلة عنها‪ ،‬ومع إمياننا‬ ‫ملسو هيلع هللا ىلص من ذكر عالماهتا وأماراهتا ً‬
‫بوقوعها وقطعنا بقرب ذلك‪ ،‬فإننا جنزم أبنه ال ميكن ألحد معرفة الوقت الذي تقوم فيه الساعة‬
‫مهما كانت منزلته عند هللا سبحانه وتعاىل فإنه ال يعلم بقيام الساعة أحد؛ ال ملك مقرب وال نيب‬
‫الساعةِ‬ ‫اَّلل ِع َ ِ‬ ‫مرسل ألن علم الساعة من األمور اليت استأثر هللا بعلمها قال تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬
‫ندهُ ع ْل ُم َّ َ‬ ‫إن ََّ‬
‫يث ﴾ [لقمان‪ ]41 :‬أي‪ :‬خمتص سبحانه به وحده‪.‬‬ ‫َوينَ ِزُل الْغَ َ‬
‫ند َرِيب ال جيَلِ َيها لَِوقْتِ َها إالَ ُه َو‬‫اها قُ ْل َّإمنَا ِع ْل ُم َها ِع َ‬ ‫الس ِ‬
‫اعة أَاي َن ُم ْر َس َ‬‫ك َع ِن َّ َ‬ ‫يسأَلُونَ َ‬
‫وقال تعاىل‪ْ ﴿ :‬‬
‫ك َح ِفي َعْن َها قُ ْل َّإمنَا ِع ْل ُم َها ِع َ‬
‫ند‬ ‫ك َكأَنَّ َ‬ ‫يسأَلُونَ َ‬ ‫ِ‬
‫ض ال َأتْتي ُك ْم إالَّ بَ ْغتَةً ْ‬
‫السمو ِ‬
‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫ثَ ُقلَ ْ ِ‬
‫ت ِف َّ َ َ‬
‫اَّللِ ﴾ [األعراف‪.]4٧1 :‬‬ ‫َّ‬
‫ومن هذه اآلايت واألحاديث الصرحية ِف اختصاص هللا سبحانه وتعاىل بعلم الساعة نعلم أن كل‬
‫حماولة لتحديد قيام الساعة حبساب أو غريه‪ ،‬قام هبا بعض العلماء فهي حماولة خاطئة ومردودة‬
‫على صاحبها مبقتضى هذه النصوص اليت قدمناها وهبذا يعلم أن ما ذكره جالل الدين السيوطي‬
‫رمحه هللا من أن الساعة تقوم على رأس املائة اخلامسة بعد األلف غري صحيح‪.‬‬
‫ولقد استشكل بعض العلماء معاين النصوص الدالة على قرب قيام الساعة السيما وقد مضت‬
‫مئات السنني على اإلخبار عن قرب قيامها ومل تقم‪.‬‬
‫واجلواب عن هذا أن يقال‪ :‬إن القرب املذكور ِف كالم هللا وكالم رسوله ملسو هيلع هللا ىلص قرب نسيب أي ما‬
‫بقي من الدنيا قليل ابلنسبة إىل ما مضى منها‪ ،‬وقد بني النيب ملسو هيلع هللا ىلص هذا املعىن حيث قال ِف‬
‫احلديث الذي رواه ابن عمر رضي هللا عنهما عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال‪« :‬مل يبق لكم ِف الدنيا ابلنسبة‬
‫لألمم السالفة إال مثل ما بني العصر إىل غروب الشمس أي ابلنسبة إىل كل اليوم»‪.‬‬

‫***‬

‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬معجم الطرباين الكبري (‪.)422٧‬‬

‫‪161‬‬
‫أقسام أشراط الساعة‪:‬‬
‫إننا إذا استقرأان اآلايت الكرمية واألحاديث الشريفة املتضمنة لبيان أشراط الساعة استطعنا أن‬
‫نقسمها إىل أقسام ثالثة وهي‪:‬‬
‫‪ 4‬عالمات مضت وانتهت مثل موته ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وفتح بيت املقدس‪ ،‬والفنت اليت جرت كفتنة قتل‬
‫عثمان وفتنة حروب اجلمل وصفني وهذه العالمات أشار إليها ملسو هيلع هللا ىلص ِف قوله‪« :‬اعدد ستًا بني يدي‬
‫الساعة مويت‪ ،‬مث فتح بيت املقدس‪ ،‬مث مواتن أيخذ فيكم كقعاص الغنم‪ ،‬مث استفاضة املال حىت‬
‫يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطًا‪ ،‬مث فتنة ال يبقى بيت من العرب إال دخلته‪ ،‬مث هدنة تكون‬
‫بينكم وبني بين األصفر فيغدرون‪ ،‬فيأتونكم حتت مثانني غاية حتت كل غاية اثنا عشر أل ًفا» رواه‬
‫البخاري(‪.)4‬‬
‫‪ 9‬عالمات ما زالت حتدث وسيستمر حدوثها إىل ظهور العالمات الكربى ومن أمثلة هذا القسم‬
‫قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ال تقوم الساعة حىت يكون أسعد الناس ابلدنيا لكع بن لكع»(‪ )9‬وقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ال‬
‫أهنارا»(‪ )4‬وأمثلة هذا القسم كثرية جدًّا منها‪ :‬كثرة‬ ‫مروجا و ً‬
‫تقوم الساعة حىت تعود جزيرة العرب ً‬
‫موت الفجأة وكثرة الفسق ِف القراء والتطاول ِف البنيان وأمثاهلا وتعرف عند العلماء ابلعالمات‬
‫الصغرى البعيدة‪.‬‬
‫‪ 4‬أما العالمات الكربى والقريبة اليت يعقبها قيام الساعة وهي القسم الثالث من أقسام أشراط‬
‫الساعة فعشر أو إحدى عشرة على اخلالف‪:‬‬

‫‪ 4‬ـ املهدي‪:‬‬
‫جورا‬
‫وإمياان كما ملئت ً‬
‫رجل خيرج ِف آخر الزمان حيكم املسلمني ويقاتل اليهود ميأل األرض عدالً ً‬
‫وظلما‪ ،‬وهو من أهل بيت رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وامسه دمحم بن عبدهللا أو أمحد بن عبدهللا وقد وردت فيه‬
‫ً‬
‫أحاديث كثرية جدًّا إال أهنا ال ختلو من مقال لذا كان خروج املهدي حمل نزاع بني العلماء‪.‬‬
‫والتحقيق كما هو رأي ابن تيمية رمحه هللا تعاىل وكثري من احملققني‪ :‬صحة االحتجاج ابألحاديث‬
‫الواردة ِف ذكر املهدي ألهنا وإن كانت ضعيفة على رأي البعض فإهنا جترب بكثرة الطرق ومن أشهر‬

‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )4411‬‬
‫(‪ )9‬سنن الرتمذي (‪ )99٧2‬وحكم األلباين صحيح‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد (‪ )٧٧44‬وحكم األرنؤوط حسن لغريه‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫األحاديث عن املهدي قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ال تقوم الساعة حىت حيكم رجل من أهل بييت يواطئ امسه‬
‫وظلما(‪.)4‬‬
‫جورا ً‬
‫امسي واسم أبيه اسم أيب ميأل األرض عدالً وقسطًا كما ملئت ً‬

‫‪ 1‬ـ الدجال‪:‬‬
‫خروج الدجال من أمارات الساعة الكبار‪ ،‬وهو العالمة الثانية‪ ،‬وهو رجل كافر خيرج ِف آخر‬
‫الزمان حيكم الناس ويفتنهم عن دينهم‪ ،‬قيل خيرج من مصر وقيل‪ :‬من خراسان ِف إيران وهو‬
‫الراجح لصحة األخبار الواردة ِف ذلك وهو فتنة عظيمة للناس ألن هللا سبحانه وتعاىل أعطاه‬
‫األموال وأعطاه القدرة اخلارقة للعادة يقتل الرجل مث حيييه على ما ورد‪.‬‬
‫أيمر السماء أن متطر فتمطر واألرض أن تنبت فتنبت ومعه هنران أحدمها ماء ابرد‪ ،‬وعذب واآلخر‬
‫انر حمرقة‪ ،‬وقد أرشدان ملسو هيلع هللا ىلص إىل أن خنتار هنر النار لو أدركنا الدجال على هنر املاء البارد وقال‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص‪ «:‬إن جنته انر وانره جنة »(‪ )9‬وقال عليه الصالة والسالم‪« :‬ما من نيب إال وقد حذر أمته‬
‫املسيح الدجال»(‪ )4‬ووصفه أبوصاف متيزه عن غريه خشية أن خيفى على األمة فيفتنها‪ ،‬فقال‬
‫عليه الصالة والسالم‪«:‬الدجال أعور العني اليمىن كأن عينه عنبة طافية»(‪ )1‬وِف رواية‪« :‬أعور‬
‫العني اليسرى»(‪ .)5‬وقد مجع العلماء بني الروايتني أنه أعور العينني‪ ،‬والعور هنا املراد به‪ :‬العيب‬
‫فكلٌّ من عينيه عوراء مبعىن معيبة لكن إحدامها ال تبصر واألخرى معيبة وإن كانت مبصرة ألن‬
‫العور ِف اللغة‪ :‬العيب وقال ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إنه ربعة آدم» وقال عليه الصالة والسالم‪« :‬إنه جعد مكتوب‬
‫يوما‪ :‬يوم‬
‫بني عينيه (ك‪ .‬ف‪ .‬ر) يقرؤها كل مسلم قارًائ كان أو غري قارئ يبقى حكمه أربعني ً‬
‫كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وبقية أايمه كأايمنا هذه ويبقى ِف هذه املدة يعيث ِف األرض‬
‫فسادا حىت ينزل عيسى ابن مرمي فيقتله فتنتهي فتنته»‪.‬‬ ‫ً‬
‫ومن هذه األحاديث اليت أشرت إليها وغريها مما مل نذكره يتضح بطالن رأي بعض اجلهلة واألدعياء‬
‫على الشريعة الذين مل يصلوا إىل درجة التحقيق ِف النصوص والذين قالوا‪ :‬إن الدجال عبارة عن‬
‫املبادئ اهلدامة (الشيوعية) وما مياثلها أو عبارة عن الدجل والشعوذة أو املادة اليت فتنت الناس‬
‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن أيب داود (‪ )19٧9‬وحكم االلباين حسن صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم (‪. )9241‬‬
‫(‪ )4‬التوحيد البن خزمية ص ‪. 4٧4‬‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري (‪.)4142‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم (‪.)9241‬‬

‫‪162‬‬
‫وكانت أهم أمورهم وغاية مطلبهم حيث غريت سلوكهم وأخالقهم ألن األحاديث صرحية كل‬
‫الصراحة أبن الدجال رجل إذ األوصاف اليت وصف هبا ال تنطبق إال على إنسان حقيقي‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ نزول عيسى ابن مرمي عليه السالم‪:‬‬


‫نزول عيسى ابن مرمي عليه السالم ِف آخر الزمان من عالمات الساعة الكربى‪ ،‬ولقد أخرب عليه‬
‫حكما عدالً يكسر الصليب‬ ‫الصالة والسالم أبن عيسى ابن مرمي عليه السالم ينزل ِف آخر الزمان ً‬
‫ويقتل اخلنزير ويضع اجلزية‪ ...‬وكذلك القرآن أشار إىل نزوله بقوله تعاىل‪ ﴿ :‬وإن ِمن أ َْه ِل الْ ِكتَ ِ‬
‫اب‬ ‫َ ْ‬
‫يام ِة ي ُكو ُن َعلَي ِه ْم َش ِه ً‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫يدا ﴾ [النساء‪ ]452:‬وقال‪َ ﴿ :‬وَما قَتَ لُوهُ‬ ‫إالَّ لَ ْيؤمنَ َّن به قَ ْب َل َم ْوته َو ْيوَم الْق َ‬
‫اَّللُ إلَ ِيه﴾ [النساء‪.]45٧،451:‬‬ ‫ِيقينًا (‪ )451‬بَل َّرفَ َعهُ َّ‬
‫ويكون نزوله عليه السالم ابلشام وحيكم الناس بشريعة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص ويقتل الدجال‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ أيجوج ومأجوج‪:‬‬


‫خروج أيجوج ومأجوج من عالمات الساعة الكربى القريبة وقد ذكر أيجوج ومأجوج ِف القرآن‬
‫ينسلُو َن ﴾ [األنبياء‪:‬‬ ‫ب ِ‬ ‫ت أيْجوج ومأْجوج وُهم ِمن ُك ِل ح َد ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الكرمي‪ .‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ح َّىت إذَا فُت َح ْ ُ ُ َ َ ُ ُ َ‬
‫‪.]21‬‬
‫ِ ِِ‬
‫ادو َن ي ْف َق ُهو َن قَ ْوالً (‪)24‬‬ ‫السدَّي ِن َو َج َد من ُدوهن َما قَ ْوًما الَّ ي َك ُ‬ ‫ني َّ‬ ‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ح َّىت إ َذا بَلَ َغ بَ َ‬
‫ك َخ ْر ًجا َعلَى أَن َْجت َع َل‬ ‫وج ُم ْف ِس ُدو َن ِِف األ َْر ِ‬
‫ض فَ َه ْل َْجن َعلُ لَ َ‬ ‫وج َوَمأْ ُج َ‬‫إن أيْ ُج َ‬ ‫ني َّ‬ ‫قَالُوا اي ذَا الْ َقرنَ ِ‬
‫ْ‬
‫بَينَ نَا َوبَينَ ُه ْم َسدًّا ﴾[الكهف‪.]21 ،24 :‬‬
‫وهم أمتان عظيمتان من بين آدم على الراجح من نسل ايفث بن نوح خيرجون ِف آخر الزمان‬
‫ويفسدون ِف األرض وقد جعل هللا خلروجهم أجالً ال خيرجون قبله‪ ،‬كما قال تعاىل حكاية عن ذي‬
‫ال َه َذا َر ْمحَة ِمن َّرِيب فَإ َذا َجاءَ َو ْع ُد َرِيب َج َعلَهُ َد َّكاءَ َوَكا َن َو ْع ُد َرِيب َحقًّا ﴾[الكهف‪:‬‬ ‫القرنني‪ ﴿ :‬قَ َ‬
‫‪.]2٧‬‬
‫نظرا إىل أهنم أكثر األمم‬ ‫وقد ذهب بعض العلماء املعاصرين إىل أن أيجوج ومأجوج أمة الصني ً‬
‫وألهنم ذوو نزعة إجرامية وألن الكرة األرضية قد مت اكتشافها ومل يعثر على أيجوج ومأجوج الواردة‬
‫ني َّ‬
‫إن‬ ‫ِف األحاديث‪ ،‬وهذا الرأي غري صحيح ملصادمته النصوص كقوله تعاىل‪ ﴿ :‬قَالُوا اي َذا الْ َقرنَ ِ‬
‫ْ‬
‫ال َما‬
‫ك َخ ْر ًجا َعلَى أَن َْجت َع َل بَينَ نَا َوبَينَ ُه ْم َسدًّا قَ َ‬ ‫ض فَ َه ْل َْجن َعلُ لَ َ‬‫وج ُم ْف ِس ُدو َن ِِف األ َْر ِ‬ ‫وج َوَمأْ ُج َ‬ ‫أيْ ُج َ‬
‫َعين ِوين بُِق َّوةٍ أَجعل بين ُكم وبين هم ردما (‪ )25‬آتُ ِوين زب ر ا ْحل ِد ِ‬ ‫ِ‬
‫يد َح َّىت إ َذا َس َاوى‬ ‫ََُ َ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ْ ََ َ ُ ْ َْ ً‬ ‫َم َّك ِين ف ِيه َرِيب َخري فَأ ِ ُ‬

‫‪163‬‬
‫ِِ‬ ‫الص َدفَ ِ‬
‫ال آتُ ِوين أُفْ ِر ْغ َعلَيه قطًْرا (‪ )21‬فَ َما ْ‬
‫اسطَاعُوا أَن‬ ‫ال ان ُف ُخوا َح َّىت إذَا َج َعلَهُ َان ًرا قَ َ‬
‫ني قَ َ‬ ‫ني َّ‬ ‫بَ َ‬
‫استَطَاعُوا لَهُ نَ ْقبًا ﴾ [الكهف‪.]21_25 :‬‬ ‫يظْ َه ُروهُ َو ََ َما ْ‬
‫فهذا النص الصريح ِف أن أيجوج ومأجوج قد حجز ذو القرنني بيننا وبينهم بسد حسي من‬
‫اَّلل‪ ،‬فلو كانت الصني‬ ‫احلديد والنحاس ال يستطيع أيجوج ومأجوج ظهوره وال نقبه حىت أييت أمر َّ‬
‫هي أيجوج ومأجوج ُلوِجد السد وشوهد ألنه مادي حمسوس‪ ،‬وال يصح القول أبن املراد ابلسد منع‬
‫هللا للصني من التسلط على الناس واخلروج عليهم وأن السد أمر معنوي ألنه يلزم على هذا التعبري‬
‫صرف الكالم عن حقيقته إىل جمازه بال قرينة وهذا ال جيوز عند علماء البيان أما كون الكرة‬
‫األرضية اكتشفت ومل يعثر عليهم فهذا ال يستقيم من جهتني‪:‬‬
‫‪ 4‬أن الكرة مل تكتشف مجيع أجزائها بل ال تزال بعض أجزائها جمهولة‪.‬‬
‫‪ 9‬وحىت لو اكتشفت ابلفعل مل يكن ذلك كافيا ابلقطع أبن الصني هم أيجوج ومأجوج الحتمال‬
‫أن يكون هللا أخفى هاتني األمتني وصرف أعني الناس عنهم إىل أن أييت وعد هللا خبروجهم‪.‬‬
‫وقد دل القرآن على أن السد مادي حمسوس فكذلك النيب ملسو هيلع هللا ىلص أخرب مبا يتفق مع القرآن فقال‪:‬‬
‫«ويل للعرب من أمر قد اقرتب فتح اليوم من ردم أيجوج ومأجوج هكذا»(‪ )4‬وشبك بني‬
‫أصابعه‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ دابة األرض‪:‬‬


‫هي دابة عظيمة اخللق غريبة الشكل مل تكن معهودة للناس وهي املشار إليها ِف الكتاب العزيز‬
‫َّاس َكانُوا ِآبايتِنَا‬ ‫بقوله تعاىل‪ ﴿ :‬وإذَا وقَع الْ َقو ُل علَي ِهم أَخرجنا َهلم دابَّةً ِمن األَر ِ ِ‬
‫ض تُ َكل ُم ُه ْم أَ َّن الن َ‬ ‫َ َ َ ْ َ ْ ْ َ ْ َ ُْ َ َ ْ‬
‫ال يوقِنُو َن ﴾ [النمل‪.]٧9 :‬‬
‫وقد وردت ِف ذكر الدابة وأوصافها ومكان خروجها آاثر كثرية منها املرفوع إىل النيب صلى هللا عليه‬
‫وسلم ومنها املوقوف على الصحابة‪ ،‬وآاثر عن التابعني وأكثر األقوال على أهنا دابة عظيمة ذات‬
‫قوائم يقال هلا اجلساسة تكلِم الناس وتسمهم‪.‬‬
‫اعا وفيها أوصاف الكثري من احليواانت‪.‬‬ ‫قيل‪ :‬طوهلا ستون ذر ً‬
‫وقيل‪ :‬هي فصيل انقة صاحل الذي دخل الصخرة وانطبقت عليه عندما عقرت أمه‪.‬‬
‫وأكثر األقوال أهنا خترج من مكة من املسجد احلرام‪ ،‬أو من جبل الصفا‪ ،‬وإما من شعب أجياد‪،‬‬
‫وقيل خترج ثالث مرات‪.‬‬
‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪.)1٧52‬‬

‫‪164‬‬
‫وعلى كل حال فإنه جيب اإلميان خبروج هذه الدابة عند قيام الساعة لثبوت ذلك ِف القرآن‪ ،‬وأما‬
‫شكلها أو املكان الذي خترج فيه فاهلل أعلم به ‪.‬‬

‫خروجا‬
‫ومن اآلاثر الواردة ِف الدابة ما روى ابن عمر عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال‪« :‬إن أول اآلايت ً‬
‫طلوع الشمس من مغرهبا وخروج الدابة على الناس ضحى وأيتهما كانت قبل صاحبتها فاألخرى‬
‫على أثرها قريبًا»(‪.)4‬‬
‫ومنها ما رواه أبو هريرة هنع هللا يضر عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال‪«:‬بئس الشعب شعب أجياد _ مرتني أو ثال ًاث‬
‫_» قيل‪ :‬وِملَ اي رسول هللا؟! قال‪« :‬خترج منه الدابة فتصرخ ثالث صرخات يسمعها ما بني‬
‫مهم ﴾ »(‪.)9‬‬‫ِ‬
‫اخلافقني فتكلم الناس ابلعربية بلسان ذلق وذلك قوله تعاىل‪﴿ :‬تُ َكل ُ‬

‫‪ 6‬ـ طلوع الشمس من مغرهبا‪:‬‬


‫ظهورا‪ ،‬وقد اختلف أيهما يكون قبل خروج الدابة أو طلوع الشمس من‬ ‫وهي من آخر اآلايت ً‬
‫مغرهبا‪ ،‬مع اتفاقهم على أن زمنهما متقارب جدًّا إذا ظهرت إحدامها فاألخرى تليها‪ ،‬وقد قال‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ال تقوم الساعة حىت تطلع الشمس من مغرهبا‪ ،‬فإذا رآها الناس آمنوا كلهم فذلك حني ال‬
‫نفسا إمياهنا مل تكن آمنت من قبل أو كسبت ِف إمياهنا خريا» (‪.)4‬‬ ‫ينفع ً‬
‫موجودا قبل ذلك مث يستمر بعد طلوع الشمس من مغرهبا فإنه ينفع‬ ‫ً‬ ‫أما اإلميان الذي يكون‬
‫صاحبه‪.‬‬
‫خروجا طلوع الشمس من مغرهبا وخروج‬ ‫فإن قيل‪ :‬قد روي عن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال‪« :‬أول اآلايت ً‬
‫الدابة»(‪ )1‬ومعلوم أن الدجال ونزول عيسى ابن مرمي عليه السالم قبل ذلك‪ ،‬فاجلواب أن يقال‪:‬‬
‫إن طلوع الشمس من مغرهبا وخروج الدابة أول اآلايت غري املألوفة ِف الناس‪ ،‬ألن الناس قد ألفوا‬
‫أمرا غريبًا عليهم‪،‬‬
‫طلوع الشمس من املشرق‪،‬فإذا طلعت من املغرب على غري عادهتا كان ذلك ً‬
‫وأما الدابة فهي غريبة على الناس ومل يسبق أن رأوا حيو ًاان مياثلها ال ِف الشكل وال ِف الرتكيب وال‬
‫ِف كرب اجلسم وضخامته‪.‬‬
‫أما الدجال وعيسى ابن مرمي فهم أشخاص مألوفون ومعروفون للناس‪.‬‬
‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم (‪.)9214‬‬
‫(‪ )9‬األوسط للطرباين (‪ )1441‬وحكم األلباين ضعيف‪ .‬انظر السلسلة الضعيفة (‪.)4411‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪.)15٧1‬‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم (‪.)9214‬‬

‫‪165‬‬
‫‪ 7‬ـ الدخان‪:‬‬
‫الس َماءُ بِ ُد َخان‬
‫من أمارات الساعة الكبار على أحد أقوال املفسرين قوله تعاىل‪ْ ﴿ :‬يوَم َأتِيت َّ‬
‫َّاس َه َذا َع َذاب أَلِيم ﴾[الدخان‪ . ]44،4٧:‬فقد روي عن علي وابن عباس‬ ‫ِ‬
‫ُمبني(‪ )4٧‬ي ْغ َشى الن َ‬
‫وابن عمر وأيب هريرة‪ ،‬وزيد ابن علي‪ ،‬واحلسن أن الدخان يظهر ِف العامل ِف آخر الزمان يكون‬
‫يوما‬
‫عالمة على قرب الساعة ميأل ما بني املشرق واملغرب وما بني السماء واألرض ميكث أربعني ً‬
‫وليلة‪ .‬أما املؤمن فيصيبه كالزكام ‪ ،‬وأما الكافر فيصري كالسكران فيمأل جوفه وخيرج من منخريه‬
‫وأذنيه وتكون األرض كلها كبيت أوقدت فيه النار‪.‬‬
‫يشا من شدة اجلوع بدعاء النيب صلى‬ ‫أما القول الثاين ِف تفسري الدخان‪ :‬أن الدخان ما أصاب قر ً‬
‫اشتد عليهم اجلهد جاء أبو‬ ‫فلما َّ‬
‫دخاان َّ‬‫هللا عليه وسلم حىت كان الرجل يرى بني السماء واألرض ً‬
‫سفيان إىل النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال‪ :‬اي دمحم جئت أتمر بصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع هللا أن‬
‫يكشف عنهم(‪.)4‬‬
‫أيضا ومقاتل وجماهد والفراء والزجاج‪ ،‬وهذا القول أقوى وأمشى‬ ‫وهذا قول ابن مسعود وابن عباس ً‬
‫اب إِ َّان ُم ْؤِمنُون ﴾ ‪ ،‬وقوله ‪ ﴿ :‬إِ َّان‬ ‫﴿ربَّنَا ا ْك ِش ْ‬
‫ف َعنَّا الْ َع َذ َ‬ ‫مع ظاهر اآلايت‪ ،‬فإن قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫اش ُفوا الْ َعذاب قَلِيالً إِنَّ ُك ْم َعائِ ُدون ﴾ يدل على أن هذا الدخان يكون قبل أمارات الساعة‪ ،‬إذ‬ ‫َك ِ‬
‫ال ميكن أن يسأل هللا أن يكشف عنهم العذاب بعد ظهور أمارات الساعة كما أن اإلميان ال ينفع‬
‫بعد ذلك‪.‬‬
‫الق ول ال ث ال ث‪ :‬أن امل راد ابلدخان املذكور ِف اآلية الغبار الذي غشي مكة ي وم ال ف ت ح من ازدحام‬
‫جيوش اإلس الم حىت حجب األبصار عن رؤية السماء‪ .‬وهذا القول أضعف األقوال الثالثة‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬الربزخ‬
‫إن كل إنسان البد له من ثالث مراحل مير هبا من والدته إىل أن يستقر ِف اجلنة أو ِف النار‪.‬‬
‫املرحلة األوىل‪ :‬الدنيا‪ :‬يبقى اإلنسان فيها من بلوغه إىل أن ينتهي أجله ويفارقها مكل ًفا بفعل أوامر‬
‫هللا ورسوله وترك معاصيه فإن امتثل وفعل ما كلف به وخلق من أجله أثيب عليه ِف اآلخرة وإن‬
‫ترك ما كلف به وخلق من أجله عوقب عليه ِف اآلخرة‪.‬‬

‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )4٧9٧‬‬

‫‪166‬‬
‫تعريف الربزخ‪:‬‬
‫يان (‪ )42‬بَينَ ُه َما بَ ْرَزخ الَّ‬ ‫هو ِف اللغة احلاجز بني الشيئني ومنه قوله تعاىل‪ ﴿ :‬مرج الْبحري ِن ي ْلتَ ِق ِ‬
‫ََ َ َ ْ َ‬
‫يان ﴾ [الرمحن‪ .]9٧ ،42 :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬وُه َو الَّ ِذي َمَر َج الْبَ ْحَري ِن َه َذا َع ْذب فَُرات َوَه َذا‬ ‫يبغِ ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ج ًورا ﴾ [الفرقان‪.]54 :‬‬ ‫ُجاج َو َج َع َل بَينَ ُه َما بَ ْرَز ًخا َوح ْجًرا َّْحم ُ‬
‫م ْلح أ َ‬
‫برزخا ألهنا حتجز بني الدنيا‬ ‫ومسيت الفرتة اليت تبدأ مبوت اإلنسان وتنتهي ببعثه يوم القيامة ً‬
‫ال‬
‫ت قَ َ‬ ‫َح َد ُه ُم الْ َم ْو ُ‬
‫واآلخرة‪ ،‬وقد جاء ِف القرآن اإلشارة إىل الربزخ ِف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ح َّىت إذَا َجاءَ أ َ‬
‫ت َكالَّ إنَّ َها َكلِ َمة ُه َو قَائِلُ َها َوِمن َوَرائِ ِهم بَ ْرَزخ َإىل‬
‫يما تَ َرْك ُ‬
‫ون (‪ )22‬لَعلِي أَعمل ِ ِ‬
‫صاحلًا ف َ‬ ‫َ َْ ُ َ‬
‫ب ارِجع ِ‬
‫َر ْ ُ‬
‫ِ‬
‫ْيوِم ْيب َعثُو َن ﴾ [املؤمنون‪.]4٧٧ ،22 :‬‬

‫أحوال الربزخ‪:‬‬

‫‪ 4‬ـ سؤال امللكني يف القرب‪:‬‬


‫من األمور اليت اتفق املسلمون على اإلميان هبا‪ :‬سؤال امللكني للميت ِف قربه عن‪ :‬ربه ودينه ونبيه‪.‬‬
‫وأكثر العلماء على أن السؤال ِف القرب يكون عن هذه األحوال الثالثة‪ ،‬وال يسأل امليت عن‬
‫غريها‪ ،‬جاء ِف حديث الرباء بن عازب الذي أخرجه أمحد‪ ،‬وأبو داود‪ :‬أن العبد إذا وضع ِف قربه‪،‬‬
‫أيتيه ملكان فيجلسانه فيقوالن له‪ :‬من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟‬
‫وقال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إن العبد إذا وضع ِف قربه وتوىل عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعاهلم‪ ،‬فيأتيه‬
‫ملكان فيقعدانه فيقوالن له‪ :‬ما كنت تقول ِف هذا الرجل دمحم ملسو هيلع هللا ىلص؟ فأما املؤمن فيقول‪ :‬أشهد أنه‬
‫عبدهللا ورسوله»(‪ )4‬صحيح البخاري ومسلم‪.‬‬
‫والسؤال ِف القرب يكون للمؤمن واملنافق والكافر كما دلت على ذلك األحاديث خبالف ما ذهب‬
‫إليه ابن عبد الرب وغريه من أن السؤال خاص ابملؤمن واملنافق دون الكافر كما يؤيد العموم ظاهر‬
‫ِ‬
‫اآلخرةِ و ِ‬ ‫اَّلل الَّ ِذين آمنُوا ِابلْ َقوِل الثَّابِ ِ‬
‫ت ِِف ا ْحلَياةِ ُّ‬
‫اَّللُ‬
‫يض ُّل َّ‬ ‫الدنْيا َوِِف َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ت َُّ َ َ‬ ‫قوله تعاىل‪ ﴿ :‬يثَبِ ُ‬
‫ِِ‬
‫ني ﴾ [إبراهيم‪.]41:‬‬ ‫الظَّالم َ‬
‫ثبت ِف «الصحيحني» وغريمها أن املراد ابلتثبيت ِف هذه اآلية التثبيت عند السؤال ِف القرب وليس‬
‫خاصا هبذه األمة كما ظنه بعضهم بل هو عام هلا ولألمم قبلها‪ ،‬كل أمة تسأل عن رهبا‪،‬‬ ‫السؤال ًّ‬
‫ودينها‪ ،‬ونبيها‪.‬‬
‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪.)4411‬‬

‫‪167‬‬
‫‪ 1‬ـ عذاب القرب ونعيمه‪:‬‬
‫لقد اتفق املسلمون ما عدا طائفة من املعتزلة فإهنم أنكروا عذاب القرب ونعيمه وردوا األخبار الكثرية‬
‫الواردة ِف ذلك مبجرد أن عقوهلم تستبعد حصول العذاب أو النعيم بعد أن يبلى اإلنسان ويتحلل‬
‫جسمه ‪ ،‬لو آمن هؤالء املبتدعة ابلنصوص واعتقدوا معناها وتصوروا عظم قدرة هللا على كل شيء‬
‫اق ِآب ِل فِْر َع ْو َن‬ ‫ملا استبعدوا عذاب الربزخ ومن النصوص الدالة على عذاب القرب قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َح َ‬
‫َش َّد‬ ‫آل فِْر َع ْو َن أ َ‬ ‫اعةُ أ َْد ِخلُوا َ‬‫الس َ‬
‫وم َّ‬ ‫ِ‬
‫ضو َن َعلَ َيها غُ ُد ًّوا َو َعشيا َو ْيوَم تَ ُق ُ‬‫َّار ْيعَر ُ‬ ‫ِ‬
‫ُسوءُ الْ َع َذاب (‪ )15‬الن ُ‬
‫اب األَ ْك َِرب ﴾‬ ‫اب ﴾[غافر‪ ،]11 ،15:‬وقال تعاىل‪ ﴿:‬ولَنُ ِذي َقنَّهم ِمن الْع َذ ِ‬
‫اب األ َْد ََّن ُدو َن الْع َذ ِ‬ ‫الْع َذ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫[السجدة‪ ]49:‬وهذا أحد األوجه ِف تفسري هذه اآلية أعين تفسري العذاب األدَّن بعذاب الربزخ‪،‬‬
‫ِ ِِ‬
‫يد ُه ْم‬ ‫يص َع ُقو َن (‪ْ )15‬يوَم ال ي ْغ ِين َعْن ُه ْم َك ُ‬ ‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬فَ َذ ْرُه ْم َح َّىت يالقُوا ْيوَم ُه ُم الَّذي فيه ْ‬
‫ِ‬ ‫َشيئَا وال هم ينصرو َن (‪ )11‬و َّ ِ ِ‬
‫ك ﴾ [الطور‪.]11 15 :‬‬ ‫ين ظَلَ ُموا َع َذ ًااب ُدو َن ذَل َ‬‫إن للَّذ َ‬ ‫َ‬ ‫ً ً َ ُ ْ َُ‬
‫وأما األحاديث الواردة ِف عذاب القرب فكثرية جدًّا منها‪ :‬ما روت عائشة اهنع هللا يضر أهنا سألت النيب ملسو هيلع هللا ىلص‬
‫عن عذاب القرب فقال‪« :‬نعم عذاب القرب حق»(‪ )4‬صحيح البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ومنها ما روى ابن عباس رضي هللا عنهما أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم‬
‫السورة من القرآن‪« :‬اللهم إين أعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القرب وأعوذ بك‬
‫من فتنة احمليا واملمات وأعوذ بك من فتنة املسيح الدجال» صحيح مسلم‪.‬‬
‫ومنها ما رواه زيد بن اثبت عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال‪ :‬بينما النيب ملسو هيلع هللا ىلص ِف حائط لبين النجار على بغلة له‬
‫وحنن معه إذ حادت به فكادت أن تلقيه وإذا أقرب ستة أو مخسة أو أربعة فقال‪« :‬من يعرف‬
‫أصحاب هذه األقرب» فقال رجل‪ :‬أان‪ ،‬فقال‪« :‬مىت مات هؤالء» فقال‪ :‬ماتوا ِف اإلشراك فقال‬
‫النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إن هذه األمة تُبتلى ِف قبورها ولوال أال تدافنوا لدعوت هللا أن يسمعكم من عذاب‬
‫القرب ما أمسع»‪ .‬مث أقبل علينا بوجهه فقال‪« :‬تعوذوا ابهلل من عذاب القرب» (‪)9‬صحيح مسلم‪.‬‬
‫ومنها ما روى ابن عباس عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أنه مر بقربين فقال‪« :‬إهنما ليعذابن وما يعذابن ِف كبري أما‬
‫أحدمها فكان ال يستربئ من بوله وأما اآلخر فكان ميشي بني الناس ابلنميمة» فدعا جبريدة رطبة‬
‫فشقها نصفني وغرز على كل قرب واحدة وقال‪« :‬لعله خيفف عنهما ما مل ييبسا»(‪ )4‬صحيح‬
‫البخاري‪.‬‬
‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )4419‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم (‪. )9٧11‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )94٧‬‬

‫‪168‬‬
‫وكما تواترت النصوص واستفاضت ِف بيان عذاب القرب فكذلك النعيم‪ ،‬جاء ِف السنة الكثري من‬
‫أن املؤمن ينعم ِف الربزخ من ذلك قوله ملسو هيلع هللا ىلص ِف حديث الرباء بن عازب‬ ‫األحاديث اليت تدل على َّ‬
‫هنع هللا يضر حيث جاء فيه قوله ملسو هيلع هللا ىلص بعد أن ذكر احتضار املؤمن والصعود بروحه إىل السماء مث إعادهتا‬
‫إىل األرض قال‪« :‬فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقوالن له‪ :‬من ربك؟ فيقول‪ :‬ريب هللا‪ .‬فيقوالن‪ :‬ما‬
‫دينك؟ فيقول‪ :‬ديين اإلسالم‪ .‬فيقوالن له‪ :‬ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول‪ :‬هو رسول هللا‪.‬‬
‫مناد من السماء أن‬‫فيقوالن له‪ :‬ما علمك؟ فيقول‪ :‬قرأت كتاب هللا فآمنت به وصدقت‪ .‬فينادي ٍ‬
‫اباب من اجلنة‪ .‬قال‪ :‬فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح‬ ‫صدق عبدي‪ ،‬فأفرشوه من اجلنة وافتحوا له ً‬
‫له ِف قربه مد بصره»(‪ )4‬سنن أيب داود ومسند اإلمام أمحد‪.‬‬
‫وقال عليه الصالة والسالم‪« :‬نسمة املؤمن طائر يعلق ِف شجر اجلنة» (‪)9‬وقال‪« :‬ملا أصيب‬
‫إخوانكم ‪ -‬يعين ِف أحد ‪ -‬جعل هللا أرواحهم ِف حواصل طري خضر تسرح ِف اجلنة وترد أهنارها‬
‫وأتوي إىل قناديل معلقة ِف ظل العرش» (‪)4‬مسند اإلمام أمحد‪.‬‬
‫وكل إنسان استحق العذاب أو النعيم ِف الربزخ فالبد أن يناله نصيبه من ذلك قُرب أو مل يقرب‪،‬‬
‫وتسميته بعذاب القرب ابعتبار الغالب ألن أغلب األموات يقربون وقد اختلف املقرون بعذاب القرب‬
‫مجيعا؟ فأكثر السلف على أن العذاب والنعيم‬ ‫ونعيمه هل يكون على الروح أو على الروح والبدن ً‬
‫مجيعا إال أن الروح أوفر نصيبًا ِف ذلك‪ ،‬وقال آخرون منهم‬ ‫ِف الربزخ يكون على الروح والبدن ً‬
‫اإلمام أبو دمحم علي بن حزم‪ :‬إن العذاب للروح دون البدن‪.‬‬
‫قال ابن القيم رمحه هللا ِف كتاب «الروح» حول هذا املعىن‪:‬‬
‫أحكاما ختصها‬
‫ً‬ ‫«إن الدور ثالث‪ :‬دار الدنيا ودار الربزخ ودار القرار‪ ،‬وقد جعل هللا لكل دار‬
‫تبعا هلا‪ ،‬وجعل‬ ‫وركب هذا اإلنسان من روح وبدن وجعل أحكام الدنيا على األبدان واألرواح ً‬
‫تبعا هلا فإذا جاء يوم حشر األجسام وقيام الناس من قبورهم‬ ‫أحكام الربزخ على األرواح واألبدان ً‬
‫مجيعا» انتهى‪.‬‬
‫صار حكم النعيم والعذاب على األرواح واألجساد ً‬
‫يعين رمحه هللا هبذا الكالم‪ :‬أن الذي ينعم أو يعذب ِف القرب الروح إال أن البدن يناله قسط من‬
‫ذلك كما كان العذاب والنعيم ِف الدنيا للبدن وينال الروح نصيبها من ذلك ومبناسبة ذكر الروح‬
‫هنا فالبد من بيان حقيقتها وآراء الناس فيها‪.‬‬
‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن أيب داود (‪ )1154‬وحكم االلباين صحيح‬
‫(‪ )9‬سنن ابن ماجه (‪ )1914‬وحكم األلباين صحيح‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد (‪ )94٧٧‬ومسند البزار (‪ )119٧‬وسنن الرتمذي (‪ )959٧‬وحكم األلباين حسن‬

‫‪169‬‬
‫***‬
‫الروح‬
‫إذا حتدثنا عن الروح فإننا نقصد احلديث عن هذا اجلسم اللطيف الذي يعمر بدن اإلنسان زمن‬
‫احلياة‪ ،‬ويكسبه احلس واحلركة واحلياة‪ ،‬وينفصل عنه ويفارقه عند الوفاة‪.‬‬
‫وهذا املوضوع أعين البحث ِف الروح يتضمن بيان حقيقة الروح ووجودها‪ ،‬واخلالف ِف حدوثها‬
‫وأزليتها‪ ،‬وهل الروح غري النفس أو مها لفظان مرتادفان ومسمامها واحد‪ ،‬وهل تفىن الروح بعد‬
‫مفارقتها للبدن وانفصاهلا عنه أو هي ابقية خالدة‪.‬‬
‫حقيقة الروح‪:‬‬
‫لقد أكثر الناس من الكالم ببيان حقيقة الروح وتباينت آراؤهم فيها واختلفت مذاهبهم واضطربت‬
‫أقواهلم ألن أكثر تلك األقوال مل يعتمد على حجج واضحة أو براهني صحيحة وإمنا قام على الظن‬
‫والتخمني‪ ،‬والظن ال ينفع ِف األمور الغائبة وال يصلح حجة يعتمد عليها‪.‬‬
‫فقيل‪ :‬الروح عبارة عن عرض من أعراض البدن به تكون احلياة‪ ،‬وبزواله تكون الوفاة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬الروح عبارة عن اعتدال الطبائع األربع‪ :‬احلرارة ‪ ،‬والربودة‪ ،‬والرطوبة‪ ،‬واليبوسة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬الروح احلرارة الغريزية املوجودة ِف البدن وقت احلياة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هي الدم الصاِف اخلايل من الكدرة والعفوانت‪.‬‬
‫وهذه األقوال كلها ابطلة‪ ،‬وتدل على كفر صاحبها وإنكاره للمعاد‪ ،‬ألن كال من العرض واعتدال‬
‫الطبائع تذهب وتنعدم ابملوت‪ ،‬وال تبقى لتعذب أو تنعم ِف الربزخ وتعود إىل األبدان عند بعثها‬
‫وإخراجها يوم القيامة‪.‬‬
‫وأحسن ما قيل ِف بيان حقيقة الروح هو ما دلت عليه عمومات الكتاب والسنة‪ ،‬أهنا جسم‬
‫خمالف ابملاهية هلذا اجلسم احملسوس وهو جسم نوراين علوي خفيف حي متحرك ينفذ ِف جوهر‬
‫األعضاء ويسري فيه سراين املاء ِف الورد وسراين الدهن ِف الزيتون والنار ِف الفحم‪.‬‬
‫وهذا التعريف هو الذي اختاره ابن القيم ونصره وأورد عليه أكثر من مائة دليل من الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬وهي وإن كانت عمومات إال أهنا لكثرهتا تؤيد هذا القول وتدل عليه ومن تلك األدلة قوله‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَ ْو تَ َرى إذ الظَّال ُمو َن ِِف َغ َمَرات الْ َم ْوت َوالْ َمالئ َكةُ َابسطُوا أَيدي ِه ْم أ ْ‬
‫َخ ِر ُجوا أَن ُف َس ُك ُم الْ ْيوَم‬
‫ون ﴾ [األنعام‪.]24 :‬‬ ‫ُْجتزو َن ع َذاب ا ْهل ِ‬
‫َْ َ َ ُ‬
‫فإهنا دلت على أن الروح جسم من عدة وجوه‪:‬‬

‫‪171‬‬
‫جسما يصلح لبسط اليد وقبضها مل‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أوالً‪ :‬قوله‪َ ﴿ :‬والْ َمالئ َكةُ َابسطُوا أَيديه ْم ﴾ فلو مل تكن الروح ً‬
‫يكن لبسط املالئكة أيديهم معىن عند احتضار الكافر‪.‬‬
‫جسما يقبل اخلروج‬ ‫َخ ِر ُجوا أَن ُف َس ُك ُم ﴾ وجه االستدالل أن الروح لو مل تكن ً‬ ‫اثنيا‪ :‬قوله‪ ﴿ :‬أ ْ‬
‫واإلخراج واخلطاب مل يكن لقوله أخرجوا أنفسكم معىن‪.‬‬
‫ون ﴾ خماطبة الروح وتوبيخها دليل على أهنا جسم يقبل‬ ‫اثلثًا‪ :‬قوله‪ ﴿ :‬الْيوم ُْجتزو َن ع َذاب ا ْهل ِ‬
‫ْ َ َْ َ َ ُ‬
‫اخلطاب والتوبيخ‪.‬‬
‫أيضا قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إن الروح إذا خرج تبعه البصر» (‪)4‬وِف هذا دليل واضح على أن‬ ‫ومن األدلة ً‬
‫الروح شيء يرى ويتبعه البصر‪.‬‬
‫وأصرح من هذا احلديث ِف الداللة حديث الرباء بن عازب هنع هللا يضر وقد جاء فيه أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال‪:‬‬
‫«إن العبد املؤمن إذا كان ِف إقبال من اآلخرة وانقطاع من الدنيا نزلت إليه من السماء مالئكة‬
‫كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان اجلنة وحنوط من حنوط اجلنة حىت جيلسوا منه مد‬
‫البصر مث جيئ ملك املوت حىت جيلس عند رأسه فيقول‪ :‬أيتها النفس الطيبة اخرجي إىل مغفرة من‬
‫هللا ورضوان فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من ِف السقاء فإذا أخذها مل يدعوها ِف يده طرفة‬
‫عني حىت أيخذوها فيجعلوها ِف ذلك الكفن‪ »...‬احلديث(‪.)9‬‬
‫فخروجها من البدن وأخذ ملك املوت هلا وأخذ املالئكة إايها من ملك املوت ووضعها ِف الكفن‬
‫كل ذلك يدل على أن الروح جسم‪.‬‬
‫والنصوص الدالة على عذاب الروح ونعيمها ِف الربزخ تدل على أهنا جسم وهي كثرية جدًّا منها‬
‫قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬نسمة املؤمن طائر يعلق ِف شجر اجلنة»(‪.)4‬‬
‫***‬
‫اخلالف يف حدوث الروح‪:‬‬
‫قاصرا على بيان حقيقة الروح وشرح ماهيتها فلقد تنازع الناس ِف الروح هل هي‬‫مل يكن اخلالف ً‬
‫قدمية أزلية مل يسبقها عدم؟ أو هي حادثة خملوقة كسائر املخلوقات؟ فكثري من الفالسفة وعلى‬
‫قسرا عنها‬
‫رأسهم ابن سيناء يرون أن الروح قدمية أزلية وأهنا هبطت على اإلنسان من العامل العلوي ً‬
‫ولقد تعصب ابن سيناء هلذا الرأي ِف أكثر كتبه حىت قال قصيدته املشهورة ِف هذا املعىن تعرف‬
‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم (‪ )29٧‬بلفظ (إن الروح إذا قبض تبعه البصر)‬
‫(‪ )9‬شرح العقيدة الطحاوية للشيخ علي بن علي بن دمحم بن أيب العز احلنفي (ص‪.)111‬‬
‫(‪ )4‬سنن ابن ماجة (‪ )1914‬وحكم األلباين صحيح‬

‫‪171‬‬
‫بعينية ابن سينا أو النفسية‪ ،‬ومن أبيات هذه القصيدة قوله‪:‬‬

‫هبطت رلي من احملل األرفع __________ ورقاء ذات تعـزز وتـرفـع‬


‫حمجوبة عن كل مقلة عارف __________ وهي اليت سفرت ومل تتربقـع‬
‫وصلت على كره رلي ورمبا __________ كرهت فراق وهي ذات تفجع‬
‫ألفت وما سكنت فلما واصلت __________ ألفت جماورة اخلراب البلقـع‬
‫وأظنها نسيت عهودا ابحلمـى __________ ومنازال بفراقهـا مل تقنـع‬
‫حىت رذا اتصلت هباء هبوطها __________ عن جسم مركزها بذات األجرع‬
‫علقت هبا تء الثقيل فأصبحت __________ بني املعـامل والطلول اخلضـع‬
‫تبكي وقد ذكرت عهودا ابحلمى __________ مبدامع هتمي وملا تقلع‬
‫وتظل ساجحة على الدمن اليت __________ درست بتكرار الرايح األربع‬
‫رذ عاقها الشرك الكثيف وصدها __________ قفص عن األوج الفسيح املربع‬

‫ومنها أيضا قوله‪:‬‬


‫فال شيء أهبطت من شاهق __________ عال رىل قمر احلضيض األوضع‬

‫وحنن إذا أتملنا أبيات هذه القصيدة ظهر لنا بوضوح رأي ابن سيناء ِف هذه املسألة‪ ،‬فإنه صور‬
‫النفس البشرية حبمامة هبطت من أعلى مكان وأقدسه إىل أسفل مكان وأوضعه فهو يقول‪ :‬إن‬
‫النفس البشرية كانت ذات مسو وعلو ِف العامل العلوي بعيدة عن أن يدركها مدرك حىت ولو كان‬
‫من العارفني الذين سخرت هلم طبائع األشياء وكشف هلم من الغيب ما يدركون به بعض العامل‬
‫الغائب على حد زعمهم‪.‬‬
‫ومن هذا احملل الرفيع أهبطت إىل األرض إىل جسم اإلنسان مكرهة تبكي فسكنت جسم اإلنسان‬
‫أوجها وعلوها أرضية ثقيلة أتنس‬
‫فألفته وكرهت فراقه وأصبحت بسبب هبوطها الذي فارقت به ً‬
‫بكل أرض فنسيت عهد العلو والسمو بسبب الشرك واألقفاص اليت حبست فيها وهي أجسام‬
‫البشر‪.‬‬
‫وملا كان قول الفالسفة بقدم الروح جمرد دعوى ومعلوم أن كل دعوى تفتقر ِف ثبوهتا إىل حجة‬
‫وبرهان يدعمها فقد حبث أصحاب هذا الرأي الفاسد عن شيء يدعمون به رأيهم فلم جيدوا إال‬

‫‪172‬‬
‫ظواهر آايت ال تدل على ما ذهبوا إليه‪ ،‬فمن ذلك استدالهلم بظاهر قوله تعاىل‪ ﴿ :‬قُ ْل الروح ِم ْن‬
‫روحي ﴾ ووجه استدالهلم من اآلية األوىل أن الروح‬ ‫أَم ِر رِيب ﴾ ‪،‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ونَ َفخت فِ ِيه ِمن ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫إذا كانت من أمر هللا فأمر هللا قوله‪ ،‬وقوله صفة من صفاته وصفاته قدمية‪ ،‬إ ًذا فالروح قدمية‪ .‬ووجه‬
‫استدالهلم من اآلية الثانية أن إضافة الروح إىل هللا تقتضي قدمها كما أن إضافة العلم والقدرة‬
‫وغريمها من صفات الباري إليه سبحانه تدل على قدمها‪.‬‬

‫مناقشة الدليلني‪:‬‬
‫أ ـ مناقشة أدلة القائلني بقدم الروح‪:‬‬
‫قل الروح ِم ْن أ َْم ِر َرِيب ﴾ األمر يطلق ويراد به األمر الطليب ‪ ،‬أي‪ :‬القول ويطلق ويراد به‬
‫أوالً‪ْ ﴿ :‬‬
‫الشأن‪ ،‬واملأمور والروح من أمر هللا الذي هو الشأن‪ ،‬واملأمور ال من أمر هللا الذي هو القول‬
‫ومعلوم أن كل شأن ومأمور خملوق لتكون الروح من سائر خملوقات هللا ويتضح الفرق بني األمرين‬
‫عند اجلمع فإن األمر الذي مبعىن الشأن جيمع على أمور‪ ،‬أما األمر القويل فإنه جيمع على أوامر‪.‬‬
‫وحي ﴾ إضافة الروح إىل هللا سبحانه وتعاىل من ابب إضافة املخلوق‬ ‫اثنيا‪ ﴿ :‬ونَ َفخت فِ ِيه ِمن ر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫إىل خالقه ال من إضافة الصفة إىل املوصوف‪ ،‬واإلضافة إىل هللا نوعان‪ :‬إضافة ذوات‪ ،‬كعبد هللا‬
‫وبيت هللا وانقة هللا وروح هللا‪ ،‬وإضافة صفة إىل املوصوف كعلم هللا وقدرة هللا وحياة هللا‪.‬‬
‫الرأي الثاين‪:‬‬
‫الروح حمدثة بعد أن مل تكن خملوقة مربوبة كغريها من سائر املخلوقات‪ ،‬وهذا هو القول الصحيح‪،‬‬
‫وقد أمجعت عليه الرساالت السماوية وهو ما يؤيده العقل والفطرة السليمة والقياس‪ ،‬فإن كل ما‬
‫سوى هللا حادث‪ ،‬والروح غري هللا وصفاته؛ فهي حادثة‪ ،‬ولقد جاءت الداللة ِف القرآن الكرمي ِف‬
‫أكثر من آية على أن الروح حادثة بعد أن مل تكن‪ ،‬من ذلك ما أييت‪:‬‬
‫أ قوله تعاىل‪ ﴿ :‬هللا خالق كل شيء ﴾ وجه االستدالل من اآلية أن يقال ‪ :‬الروح شيء وكل‬
‫شيء خملوق ينتج الروح خملوق ألن القاعدة املنطقية ِف مثل هذا القياس أن تكون النتيجة مركبة‬
‫من موضوع املقدمة الصغرى وحممول الكربى‪.‬‬
‫ب قال تعاىل‪ ﴿ :‬وقد خلقتك من قبل ومل تك شيئًا ﴾ وجه االستدالل من اآلية أن هللا تعاىل‬
‫أخرب أن زكراي عليه السالم مل يكن شيئًا قبل خلقه له‪ ،‬ومعلوم أن اإلنسان عبارة عن بدن وروح‪،‬‬
‫واخلطاب ِف اآلية لزكراي لبدنه وروحه‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫ومثل هذه اآلية ِف الداللة على حدوث الروح قوله تعاىل‪ ﴿ :‬هل أتى على اإلنسان حني من‬
‫مذكورا ﴾ ‪.‬‬
‫ً‬ ‫الدهر مل يكن شيئًا‬
‫ومبا ذكرته يتضح لك أن الروح حمدثة خملوقة من عدم‪ ،‬وأن هللا سبحانه وتعاىل هو املختص ابألولية‬
‫والقدم وحده ودون من سواه‪.‬‬

‫اخلالف يف سبق الروح للبدن يف احلدوث أو أتخرها عنه‪:‬‬


‫كما تنازع الناس ِف قدم الروح وحدوثها تنازع القائلون أبهنا حمدثة ِف هل كان حدوثها ساب ًقا خللق‬
‫متأخرا عنه‪ ،‬فذهبت طائفة منهم اإلمام أبو دمحم بن حزم األندلسي ودمحم بن نصر املروزي‬ ‫البدن أو ً‬
‫إىل أن األرواح سابقة لألبدان ِف احلدوث فيقولون‪ :‬إن هللا خلق األرواح يوم أخذ امليثاق على آدم‬
‫واستخرج ذريته من ظهره وأنه أودعها ِف مكامن خاصة هبا مث يرسل منها إىل األبدان مجلة بعد‬
‫مجلة فإذا تكون اجلنني ِف الرحم وبلغ مرحلة نفخ الروح أرسلت إليه روحه من مكمنها بواسطة‬
‫ص َّوْرَان ُكم ُمثَّ قُ ْلنَا‬
‫امللك واستدلوا على هذا الرأي أبدلة منها قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ولََق ْد َخلَ ْقنَا ُكم ُمثَّ َ‬
‫آد َم ِمن ظُ ُهوِرِهم ذَُّريتِهم‬ ‫ِ‬
‫َخ َذ َربُّك من بَِين َ‬ ‫آلدم ﴾ ‪ ،‬وقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وإذ أ َ‬ ‫اس ُج ُدوا َ‬
‫ِ ِ‬
‫للمالئ َكة ْ‬
‫َ‬
‫ت بَِربِ ُكم قَالُوا بَلَى ﴾ وقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪َّ « :‬‬ ‫ِ‬
‫إن هللا مسح ظهر آدم فاستَ ْخَر َج‬ ‫وأشهدهم على أَنْ ُفس ِهم أَلَ ْس ُ‬
‫ذُريته كالذر»‪.‬‬
‫وجه استدالهلم من اآلية األوىل أن هللا سبحانه وتعاىل أخربان أبنه خلقنا وصوران قبل أمر املالئكة‬
‫ابلسجود آلدم ألنه عطف أمر هللا للمالئكة ابلسجود على خلقنا وتصويران بثم وهي للرتاخي‪،‬‬
‫ومعلوم أن أبداننا مل ختلق إال بعد خلق أبينا آدم وسجود املالئكة له فتعني أن اخللق والتصوير‬
‫املذكورين ِف اآلية كاان لألرواح أما وجه االستدالل من اآلية الثانية واحلديث أن اآلية تضمنت‬
‫اإلشارة إىل أن هللا أخرج ذرية آدم من صلبه قبل خلق أبدان ذريته كما يبني ذلك النيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم ِف قوله‪« :‬إن هللا مسح ظهر آدم فاستخرج ذريته» أي‪ :‬أرواحهم‪.‬‬

‫مناقشة األدلة‪:‬‬
‫آلدم ﴾ اآلية‪ ..‬اخللق‬ ‫ِ ِ‬
‫اس ُج ُدوا َ‬
‫للمالئ َكة ْ‬
‫ص َّوْرَان ُكم ُمثَّ قُ ْلنَا َ‬
‫قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ولََق ْد َخلَ ْقنَا ُكم ُمثَّ َ‬
‫والتصوير املذكوران ِف هذه اآلية الكرمية املراد هبما خلق آدم وتصويره‪ ،‬وكون اخلطاب بصيغة اجلمع‬
‫ال مينع هذا التفسري إذ من اجلائز ِف اللغة أن يرد اخلطاب بلفظ اجلمع ويراد به واحد ألمهيته وكونه‬
‫داخالً ِف اجملموع‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫آد َم ِمن ظُ ُهوِرِه ْم ذُ ِريتَ ُه ْم ﴾ [األعراف‪]419:‬‬ ‫أما استدالهلم بقوله تعاىل‪ ﴿ :‬وإ ْذ أَخ َذ ربُّ َ ِ‬
‫ك من بَِين َ‬ ‫َ َ َ‬
‫فاستدالل غري صحيح ألن اآلية املذكورة ال تدل على أن هللا استخرج أرواح ذرية آدم من ظهره‬
‫قبل خلق بنيه وإمنا تدل على أن هللا أخرج من بين آدم ذريتهم بعضهم من بعض‪ ،‬نعم يكون ِف‬
‫اآلية دليل على ما ذهبوا إليه لو كان لفظ اآلية (وإذ أخذ ربك من آدم من ظهره ذريته) لكنه‬
‫آد َم ِمن ظُ ُهوِرِه ْم ﴾[األعراف‪.]419:‬‬ ‫ِ‬
‫قال‪ ﴿ :‬من بَِين َ‬
‫الرأي الثاين يف املسألة‪:‬‬
‫أن خلق األبدان متقدم على حدوث األرواح وإىل هذا القول ذهب أكثر العلماء منهم تقي الدين‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية والشيخ ابن القيم وأكثر احملققني وهو الذي تشهد له األدلة الصحيحة من‬
‫َّاس اتَّ ُقوا َربَّ ُك ُم الَّ ِذي‬
‫َيها الن ُ‬
‫الكتاب والسنة ومن أدلة هذا القول من الكتاب قوله تعاىل‪ ﴿ :‬اي أ َ‬
‫اح َدةٍ َو َخلَ َق ِمْن َها َزْو َج َها َوبَ َّ‬
‫ث ِمْن ُه َما ِر َجاالً َكثِ ًريا َونِ َساءً ﴾ [النساء‪ ]4 :‬وجه‬ ‫س وِ‬ ‫ِ‬
‫َخلَ َق ُكم من نَّ ْف ٍ َ‬
‫االستدالل أن اآلية صرحت أبن خلق مجلة النوع اإلنساين حدث بعد خلق أصله بداللة من قوله‬
‫اح َدةٍ ﴾ على هذا املعىن‪.‬‬ ‫سوِ‬ ‫ِ‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬من نَّ ْف ٍ َ‬
‫يوما نطفة مث يكون علقة مثل‬ ‫ومن السنة قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إن أحدكم جيمع خلقه ِف بطن أمه أربعني ً‬
‫ذلك» إىل قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬مث يرسل إليه امللك فينفخ فيه الروح»(‪)4‬فلو كانت الروح موجودة قبل ذلك‬
‫لقال‪ :‬مث يرسل إليه الروح لكنه قال‪ :‬فينفخ فيه الروح‪ ،‬تدل على أهنا حتدث وقت النفخ أبمر هللا‪.‬‬
‫***‬
‫الفرق بني الروح والنفس‪:‬‬
‫لقد حبث العلماء هذه املسألة أعين مسألة الفرق بني النفس والروح وتوصلوا إىل نتيجة هي أن لفظ‬
‫النفس ولفظ الروح لفظان مرتادفان يدالن على مسمى واحد‪ ،‬من حيث الوضع اللغوي‪ :‬هو الروح‬
‫اليت تكون ِف بدن اإلنسان ِف احلياة وتفارقه ابملوت(‪.)9‬‬
‫وال يرد على هذا الرأي أن لفظ النفس قد يطلق على أمور ال يصح إطالق لفظ الروح عليها‬
‫كإطالق النفس على الدم ألن ذلك عن طريق اجملاز ال مبقتضى الوضع اللغوي فإن قول السموأل‬
‫بن عاداي اليهودي‪:‬‬

‫تسيل على حد الضباة نفوسنا__________ وليست على غري الضباة تسيل‬


‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد (‪ )4191‬وحكم األلباين صحيح أنظر ‪ :‬صحيح اجلامع الصغري (‪. )4514‬‬
‫(‪ )9‬شرح الطحاوية لعلي بن أيب العز احلنفي‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫ال يعين أن أرواح قومه تسيل على أطراف السيوف والرماح وإمنا يعين أن دماءهم هي اليت تسيل‬
‫على سبيل اجملاز لعالقة مالزمة خروج الروح لسيالن الدم الكثري جدًّا ِف الغالب وكما أن النفس‬
‫جمازا على معان ال يصح‬‫تطلق على معان ال تطلق عليها الروح فكذلك جيوز إطالق لفظ الروح ً‬
‫إطالق لفظ النفس عليها كإطالق بعضهم الروح على اهلواء املرتدد ِف بدن اإلنسان‪ ،‬وحسب ظين‬
‫أن العالقة ِف التجوز ِف إطالق الروح على اهلواء أن الريح أصلها اهلواء املتحرك والريح‪ :‬واوية العني‬
‫أصلها روح وقعت الواو ساكنة بعد كسر فوجب قلبها ايء لتالئم الكسرة كما تقتضيه القاعدة‬
‫الصرفية ومما يدل على ذلك رجوع الواو ِف اجلمع ِف كالم العرب كقول زهري بن أيب سلمى‪:‬‬

‫قف ابلداير اليت مل يعفها القدم __________ بلى وغريها األرواح والدمي‬
‫أي‪ :‬الرايح وكذا قول الشاعرة العربية‪:‬‬

‫لبيت ختفق األرواح فيه __________ أحب ريل من قصر منيف‬


‫تعين‪ :‬الرايح‪.‬‬

‫***‬
‫هل متوت الروح أو املوت خاص ابلبدن ؟‬
‫يرى بعض الناس أن الروح قابلة للموت والفناء كغريها من سائر املخلوقات ويستدل أصحاب هذا‬
‫ت ﴾ [آل عمران‪ ،]4٧5 :‬وقوله‬ ‫س َذائَِقةُ الْمو ِ‬
‫الرأي أبدلة منها قوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬ك ُّل نَ ْف ٍ‬
‫َْ‬
‫يء َهالِك إالَّ َو ْج َههُ ﴾ [القصص‪ ،]٧٧ :‬وقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ربَّنَا أ ََمتَّنَا‬ ‫تعاىل‪ُ ﴿ :‬كل ش ٍ‬
‫ُّ َ‬
‫ني ﴾ اآلية [املؤمن‪.]44 :‬‬ ‫اثْنَ تَ ِ‬
‫وجه استدالهلم من اآلية األوىل أن الروح نفس وكل نفس ذائقة املوت‪ .‬النتيجة‪ :‬الروح ذائقة املوت‪.‬‬
‫أما وجه االستدالل عندهم من اآلية الثانية فهو أن الروح شيء وكل شيء هالك إال هللا‪ ،‬النتيجة‪:‬‬
‫الروح هالك‪ ،‬أما اآلية الثالثة فوجه استدالهلم منها‪ :‬أهنا نصت على أن أهل النار ذكروا ِف‬
‫تضرعهم إىل هللا واعرتافهم بذنبهم أنه أماهتم مرتني فتكون إحدى اإلماتتني للبدن واألخرى للروح‬
‫ألن األبدان ال متوت إال مرة واحدة(‪.)4‬‬

‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬شرح العقيدة الطحاوية للشيخ علي بن علي بن دمحم بن أيب العز احلنفي (ص‪.)111‬‬

‫‪176‬‬
‫مناقشة األدلة‪:‬‬
‫قياسا منطقيا من مقدمتني‬ ‫لقد استدل هؤالء كما ترى بثالث آايت من القرآن واستخرجوا منها ً‬
‫دائما صادقة عند علماء‬ ‫ونتيجة من الشكل األول من أشكال القياس األربعة وهذا الشكل نتيجته ً‬
‫املنطق إذا كانت املقدمات كلها صحيحة مسلم هبا اخلصم وخصوم هؤالء ينازعون ِف املقدمة‬
‫دائما ال تصدق‬ ‫دائما ال تصدق إال على النفس وأن النفس ً‬ ‫الصغرى ويقولون‪ :‬ال نسلم أن الروح ً‬
‫س ذَائَِقةُ‬
‫إال على الروح فمن اجلائز أن يكون املراد بلفظ النفس ِف اآلية الكرمية‪ُ ﴿ :‬ك ُّل نَ ْف ٍ‬
‫ت ﴾ الذات فيكون املعىن‪ :‬كل ذات ذائقة املوت السيما وقد ورد ِف القرآن إطالق لفظ‬ ‫الْمو ِ‬
‫َْ‬
‫النفس على الذات ِف أكثر من موضع كقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وال تَ ْقتُلُوا أَن ُف َس ُك ْم ﴾ [النساء‪،]92:‬‬
‫يوات فَ َسلِ ُموا َعلَى أَن ُف ِس ُك ْم ﴾ [النور‪ ]14:‬اآلية‪ ،‬املراد‪ :‬ذواتكم‪ ،‬أي‪:‬‬
‫وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬فَإذَا َد َخ ْلتُم بُ ً‬
‫ال تقتلوا ذواتكم سلموا على ذواتكم‪.‬‬
‫موضوعا ِف املقدمة الصغرى فيختل القياس فتكذب‬ ‫ً‬ ‫وهبذا يتضح أن النفس اليت مبعىن الروح مل تقع‬
‫النتيجة‪.‬‬
‫ٍ ِ‬
‫أيضا عن طريق‬ ‫أما استدالهلم بقوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬ك ُّل َشيء َهالك إالَّ َو ْج َههُ ﴾ فهم إمنا استدلوا هبا ً‬
‫القياس فقالوا‪ :‬الروح شيء وكل شيء هالك ينتج الروح هالك‪ ،‬وهذا القياس معارض من حيث إن‬
‫توهم العموم ِف موضوع املقدمة الكربى غري صحيح ألن املعىن‪ :‬كل شيء كتب هللا عليه اهلالك‬
‫فإنه هالك أما الروح فإهنا خلقت للبقاء فال تدخل ِف عموم كل فتكون خارجة عن موضوع‬
‫املقدمة الكربى فيختل القياس إذ ميكن أن يقول اخلصم‪ :‬كل شيء كتب هللا عليه اهلالك فهو‬
‫هالك والروح خلقت للبقاء فهي ابقية‪.‬‬

‫الرأي الثاين يف هذه املسألة‪:‬‬


‫اعتقاد بقاء الروح بعد مفارقتها لألبدان ابملوت ِف عامل األرواح إما ِف عذاب وإما ِف نعيم إىل أن‬
‫يرجعها هللا إىل األبدان عند البعث وهذا الرأي هو احلق الذي تشهد له نصوص الكتاب واحلديث‬
‫بل واإلمجاع ممن يعتد بقوهلم فإن اآلايت الكثرية واألحاديث املستفيضة الدالة على عذاب القرب‬
‫وم‬ ‫ِ‬
‫ضو َن َعلَ َيها غُ ُد ًّوا َو َعشيا َو ْيوَم تَ ُق ُ‬
‫َّار ْيعَر ُ‬
‫ونعيمه تؤيد هذا الرأي وتدعمه كقوله تعاىل‪ ﴿ :‬الن ُ‬
‫اب ﴾ [غافر‪.]11 :‬‬ ‫َش َّد الْع َذ ِ‬ ‫الساعةُ أَد ِخلُوا َ ِ‬
‫آل ف ْر َع ْو َن أ َ َ‬ ‫َّ َ ْ‬

‫‪177‬‬
‫غدوا وعشيا قبل قيام‬ ‫وجه الداللة من اآلية أهنا نصت على أن أرواح آل فرعون تعرض على النار ًّ‬
‫الساعة أي زمن الربزخ فلو كانت الروح متوت أو تفىن مل يكن عرض أرواح آل فرعون على النار‬
‫الغداة والعشي‪.‬‬
‫أيضا على بقائها وخلودها قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬نسمة املؤمن طائر يعلق ِف شجر اجلنة»(‪)4‬‬ ‫ومن األدلة ً‬
‫وقوله عليه الصالة والسالم ما معناه‪ :‬ملا أتلف إخوانكم ِف سبيل هللا يعين‪ :‬الشهداء جعل‬
‫أرواحهم ِف أجران طري خضر ترد أهنار اجلنة أتكل من مثارها وأتوي إىل قناديل معلقة حتت‬
‫اَّللِ‬
‫ين قُتِلُوا ِِف َسبِ ِيل َّ‬ ‫العرش‪ ،‬ولقد أشار القرآن إىل هذا املعىن ِف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬وال َحتس َّ َّ ِ‬
‫نب الذ َ‬ ‫َ ْ ََ‬
‫ند َرِهبِ ْم ْيرَزقُو َن ﴾ [آل عمران‪.]412 :‬‬
‫َحياء ِع َ‬
‫أ َْم َو ًاات بَ ْل أ ْ‬
‫واحلق ِف هذه املسألة أن يقال واملعىن البن القيم ‪ :‬إن أراد القائل مبوت األرواح خروجها من‬
‫أبداهنا ومفارقتها هلا عند املوت فاألرواح متوت هبذا املعىن وإن أراد أهنا تفىن وتنعدم فهي ال متوت‬
‫هبذا املعىن‪ ،‬وهكذا من قال‪ :‬إن األرواح ال متوت إن كان يريد أهنا ال تفارق األبدان وال تنفصل‬
‫عنها عند املوت فهذا غري صحيح وإن أراد أهنا ال تفىن فهي ال تفىن ِف هذا املعىن وهو‬
‫الصحيح(‪.)9‬‬

‫***‬
‫خامتة‪:‬‬
‫لقد أصبح االعرتاف بوجود الباري جل شأنه حقيقة اثبتة ال تقبل اجلدل‪ ،‬واإلميان به واإلقرار‬
‫بربوبيته ووحدانيته أمر مقطوع به لدى كل عاقل فإن كل ذرة ِف هذا الكون الفسيح شاهد انطق‬
‫بوجود هللا صانع الكون وموجده وِف كل شيء له آية تدل على أنه واحد‪.‬‬
‫بل ِف نفس اإلنسان وتركيب خالاي جسمه وأجهزته الدقيقة املعقدة ما يكفي ِف الداللة على‬
‫كوزا ِف الفطرة يشعر به كل إنسان إال‬
‫وجود هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬ولقد كان االعرتاف بوجود هللا مر ً‬
‫من فسدت فطرته مبرض الشكوك أو العناد أو الطمع‪ ،‬وكما ثبت وجود هللا بدليل الفطرة والنظر ِف‬
‫أيضا بوجوده وأزليته وكل من نظر ِف األدلة‬ ‫خملوقاته ومصنوعاته فإن العلوم التجريبية شاهدة ً‬
‫الكثرية املتنوعة العقلية منها والكونية أدرك ضرورة أن هلذا الكون خالق وحمدث وأن ذلك احملدث‬
‫ال ميكن أن يكون إال أزليا قدميًا ومن خالل ما تقدم يثبت فساد ما أورده الوجوديون من شبه‬
‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن ابن ماجة (‪ )1914‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )9‬لوامع األنوار البهية (ج‪ 9‬ص‪ )1٧‬للشيخ دمحم بن أمحد السفاريين‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫اصطنعوها لتضليل الناس وتشكيكهم ِف خالقهم وموجدهم كشبهة قدم العامل أو إسناد خلق العامل‬
‫إىل الطبيعة أو الصدفة أو غريها‪.‬‬
‫أيضا ثبوت البعث وقيام الناس من قبورهم لرب العاملني لقيام الرباهني القطعية على ذلك ِف‬
‫ويتبني ً‬
‫الكتاب العزيز والسنة املطهرة أبساليب خمتلفة وطرق متعددة اترة ابالستدالل ببدء اخللق على‬
‫اإلعادة واترة ابالستدالل إبحياء األرض بعد موهتا على إحياء األموات ومرة أخرى االستدالل‬
‫ابلقدرة على خلق األشياء الكبرية العظيمة على ما هو أصغر منها وغري ذلك من الطرق الكثرية‬
‫املتنوعة اليت ال تدع جماالً للشك ِف قدرته سبحانه وتعاىل على إعادة احلياة إىل األجسام مرة أخرى‬
‫بعد فنائها كما أنشأها أول مرة‪.‬‬

‫هذا وأسأل هللا أن ينفعنا واملسلمني هبذا البحث إنه على كل شيء قدير‪.‬‬
‫وصلى هللا على نبينا دمحم وآله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫‪4421/5/4٧‬ه‬
‫مؤلفه‬
‫محود بن عبد هللا بن عقالء الشعييب‬
‫أستاذ العقيدة ِف كلية الشريعة‬
‫جامعة اإلمام دمحم بن سعود اإلسالمية‬
‫***‬

‫‪179‬‬
‫مراجع البحث‬
‫‪ 4‬القرآن الكرمي‪.‬‬
‫‪ 9‬صحيح اإلمام البخاري‪.‬‬
‫‪ 4‬صحيح مسلم‪.‬‬
‫‪ 1‬سنن الرتمذي‪.‬‬
‫‪ 5‬مسند اإلمام أمحد‪.‬‬
‫‪ 1‬سنن أيب داود‪.‬‬
‫‪ 1‬تفسري ابن جرير الطربي‪.‬‬
‫‪ ٧‬تفسري الرازي‪.‬‬
‫‪ 2‬الفتوحات اإلهلية للجمل‪.‬‬
‫‪ 4٧‬شرح الطحاوية للشيخ علي بن علي بن أيب العز احلنفي‪.‬‬
‫‪ 44‬لوامع األنوار للشيخ دمحم السفاريين‬
‫‪ 49‬اإلشارات والتنبيهات البن سينا‪.‬‬
‫‪ 44‬التدمرية لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪.‬‬
‫‪ 41‬كتاب الروح البن القيم‪.‬‬
‫‪ 45‬العقيدة اإلسالمية وأسسها للشيخ عبد الرمحن حبنكة امليداين‪.‬‬
‫‪ 41‬الرباهني العلمية على وجود اخلالق دمحم فؤاد الربازي‪.‬‬
‫‪ 41‬موافقة املعقول لصحيح املنقول لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪.‬‬
‫‪ 4٧‬كتاب الفصل ِف امللل واألهواء والنحل لإلمام علي بن حزم‪.‬‬
‫***‬

‫‪181‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬

‫شرح العقيدة الطحاويّة‬


‫املقدمة‬
‫احلمد هلل وحده والصالة والسالم على من ال نيب بعده ‪.‬‬
‫وبعد ‪.‬‬
‫فإنه ال يشك عاقل مطلع أن األمة اإلسالمية ال تزال تعاين خلال واضحا ِف فهمها للمعتقد‬
‫الصحيح ‪ ،‬وكانت مثل هذه األحداث األخرية اليت اخرتق فيها العدو الصلييب بالدان أبسهل طريق‬
‫من أمثل األدلة على أننا حنتاج إىل تصحيح شامل عام يشمل أكثر مناحي احلياة العلمية والعملية‬
‫‪ ،‬مما يَضطر هذا الواقع إىل أن تكشف منطلقات هذا املخ ِرتق الثالوثي بوجهه املادي اجلديد ‪،‬‬
‫حىت يغلق املعنيون تلك الثغرات اليت وجل من خالهلا إىل هذا العمق من بالد املسلمني ‪ ،‬وقد‬
‫استجمع قواه واستدعى كل طاقاته ليعيد نفس سلسلة احلروب الصليبية السابقة ‪.‬‬
‫ولعل ِف التاريخ القريب ما يثبت لنا جليا أننا أمام تكرار حللقات سابقة مرت هبا األمة اإلسالمية‬
‫‪ ،‬ظهرت فيها حقيقة تلك الشعارات الرباقة واليت تصيد هبا العدو املخدوعني منا ‪ ،‬كشعارات حرية‬
‫الرأي والفكر ‪ ،‬وحرية العقائد ‪ ،‬وحقوق األقليات ‪ ،‬وتقارب األداين ‪ ،‬والدميقراطية وغريها ‪ ،‬وما‬
‫تلك الدماء واألشالء ِف فلسطني وأفغانستان والعراق وغريها إال أجلى صورة تظهر فيها حقيقية‬
‫تلك الشعارات ‪.‬‬
‫إن ما نراه من تشويه تصويري هلذه األحداث وما نرى من تسليم فئات كثرية من األمة هلذا‬
‫االخرتاق وهلذا الواقع البائس سواء من رؤوس الناس أو من عامتهم ليدفع أهل العلم إىل املسارعة‬
‫ِف توضيح احلالة ‪ ،‬وتنبيه األمة ‪ ،‬وقد كان أهل العلم على وجه اخلصوص ‪ -‬وغريهم من املطلعني‬
‫‪ -‬أول من توضع على عواتقهم مثل هذه األمحال وهذه اهلموم ‪.‬‬
‫مث ِف هذا اليوم الذي نرى فيه األمة اإلسالمية أحوج ما تكون إىل فهم معتقدها الصحيح وفهم‬
‫واقعها ‪ -‬نرى فئات تنتسب إىل العلم والدين تقف سدا منيعا ضد إفاقة الناس من رقدهتم لفهم‬
‫حقيقة واقعهم وتصحيح منهجهم ‪ ،‬بل وتدعو إىل اإلعانة على قيام مؤسسات وجتمعات تدعوا‬
‫إىل التشويه وإىل الذلة واالستكانة ‪.‬‬
‫فضال عن تراجع فئات أخرى عن منهجها الصحيح وقد اهنزمت وتضعضعت ِف أوىل مراحل‬
‫التصحيح ‪ ،‬وقد أومهوا البعض أن هذه االهنزامية عبارة عن تكتيك حيتاجه املسلمون ِف هذه‬

‫‪181‬‬
‫املرحلة ‪ِ -‬ف نفس الوقت الذي تدعو فيه هذه الفئات إىل إقحام األمة إىل مناهج أخرى أكثر‬
‫سلمية ِف نظرهم ‪ ،‬حىت جاء اليوم الذي يتنادى فيه هؤالء إىل أن يلتحم أو ينتقل أهل السنة ‪-‬‬
‫بصورة أو أبخرى ‪ -‬إىل عقائد أخرى ومناهج ومؤسسات أخرى أمجعت األمة على ضالهلا‬
‫وإضالهلا ‪.‬‬
‫و مع ما نراه من اتفاق بعض هذه الفئات مع بعض املناهج اخلرافية واالرجائية والليربالية ‪ ..‬وما‬
‫نراه من حتسينهم لصورة عقائد أخرى ضالة كالرافضة وغريها ‪ ..‬وما نراه من مطالبتهم ابلتعايش مع‬
‫الغازي الصلييب وقد أعادوا لنا جتربة بين قريظة ِف غزوة األحزاب ‪ ..‬وما نراه من التفاف هؤالء مع‬
‫أعوان الغزاة ‪ -‬مع ذلك كله ‪ -‬هاهم املنهزمون يرجفون ابألمة بقوة معسكر الصليب ‪ِ ،‬ف حالة ال‬
‫يسمح فيها أن تطرح مثل مسألة لزوم املكافئة ِف القوة ِف جهاد الدفع(‪، )4‬مع أنه ال خيفاهم‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫ولكن قد قال تعاىل ‪ ( :‬لو خرجوا فيكم ما زادوكم إال خباال وألوضعوا خاللكم يبغونكم الفتنة‬
‫وفيكم مساعون هلم )(سورة التوبة آية ‪. )11:‬‬
‫وقد كان للشيخ محود رمحه هللا جهوده ِف كشف مثل هذا الفكر املنهزم وتبيني حاله أمام الناس ‪،‬‬
‫وقد ذكر رمحه هللا ِف بعض املواضع أن كثريا من أصحابه يتسرتون لنشر فكرهم املنهزم مبا رصدوه‬
‫من اتريخ حافل استغفلوا فيه بعض الناس ‪ ،‬وقد انقش الشيخ بعضا منهم ‪ ،‬وألزمهم مبنطلقاهتم‬
‫السابقة ‪.‬‬
‫ومع هذا اخلضم املتالطم من األحداث الشائكة واليت تزحف ابألمة إىل ما نرى ال ننسى أن ننوه‬
‫أبولئك الشبيبة النزاع من القبائل الذين وضعوا أرواحهم على أكفهم ِف سبيل ختليص مقدسات‬
‫املسلمني وبالدهم وحرميهم ‪ ،‬وقد هاهبم ما يُظن أنه أكرب قوة ِف األرض ‪ ،‬مع ما يكتنف هؤالء‬
‫الشباب من العجز املادي واملعنوي واملطاردة وغريها ‪ ،‬متمثلني بقول األول ‪:‬‬

‫ولست أابيل حـني اقتل مسلما‬


‫على أي شق كان يف هللا مصرعي‬

‫وذل يف ذات اإللـه ورن يشأ‬


‫يبـارك على أوصـال شلو ممزع‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬ينظر التعليق أسفل ص ‪ 4٧1‬من هذا الشرح ‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫مع صرب هؤالء الشباب حىت على أقرب الناس إليهم وقد شوهوا صورهتم وألبسوهم ثيااب ليست هلم‬
‫‪ ،‬والصقوا هبم تقتيل املسلمني وتكفريهم وغري ذلك ‪ ،‬وقد كان األوىل أن يوصف بذلك امللبِسون‬
‫أنفسهم ممن وقف مع أعوان الغزاة ‪ ،‬حىت غدا األمر هبذه الصورة املشوهة ‪ِ -‬ف بعض األحيان ‪-‬‬
‫على أوثق من يعرفهم ‪ ،‬وهللا يتوىل هؤالء الشباب بنصره ومؤازرته سبحانه ‪.‬‬
‫ولعل ِف إخراج هذا الشرح إسهاما ِف القيام ولو بشيء يسري مما ذكران ‪ ،‬وقد تطرق فضيلة الشيخ‬
‫ِف ثنااي الشرح إىل مسائل مهمة معاصرة حيتاج الكثري إىل توضيح صورها ‪ ،‬كبعض مكر العدو‬
‫الصلييب ِف تفريق املسلمني إببرازه ألفكار ومناهج تدعو إىل ترك اجلهاد واالعتياض عنه أبمور‬
‫أخرى أقل أمهية ِف زمن صولة معسكره على بالد املسلمني ‪ ،‬وغريها من املسائل ‪ .‬وقد كان‬
‫فضيلة الشيخ محود رمحه هللا شرح هذه العقيدة الطحاوية ارجتاال على بعض طالبه من مدينة الرس‬
‫فيما يقارب عام ‪ 4141‬ه ‪ ،‬سجل هذا الشرح ِف أشرطة كاسيت وهي متناولة ِف شبكة االنرتنت‬
‫وبني طلبة العلم ‪ ،‬وقد قمت بتفريغها وهتذيبها وتنقيحها من بعض التكرار ‪ ،‬وابلتقدمي والتأخري ِف‬
‫بعض املواضع ‪ ،‬مع عزو األحاديث واآلاثر إىل مصادرها ‪ ،‬والتعليق على ما حيتاج إليه األمر ‪،‬‬
‫وأضفت بعض اإلضافات اليسرية من شروح أخرى للشيخ دون عزو ‪ ،‬نقلته عنه مساعا ومل يذكره‬
‫الشيخ ِف هذا الشرح ‪ ،‬وذلك ألن الشيخ رمحه هللا كان يشرح هذا املنت دون حتضري له ‪ ،‬وقد‬
‫جعله خمتصرا اختصارا شديدا جدا كما ذكر ِف أحد فصول الشرح فيما سرتاه إن شاء هللا (‪. )4‬‬
‫أما ما كان يعرضه الطالب من أسئلة ومناقشات فقد أدرجت كثريا من إجاابت الشيخ ِف الشرح‬
‫دون تنبيه ‪ ،‬والبعض اآلخر تركته لرداءة التسجيل ولعدم وضوح الصوت ِف بعض املواضع ‪.‬‬
‫وقد كان السبب ِف نشر هذا املؤلف أمور منها ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬اإلسهام ِف نشر معتقد أهل السنة واجلماعة ‪ ،‬والرد على أهل األهواء والبدع ‪.‬‬
‫اثنيا ‪ :‬حرص كثري من العلماء وطلبة العلم على مؤلفات الشيخ ومعرفة رأيه حول مسائل مهمة ِف‬
‫معتقد أهل السنة واجلماعة ‪.‬‬
‫اثلثا ‪ :‬خربة الشيخ أبقوال الفرق واختالفاهتم وتبيينه ذلك ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬كون الشيخ طرح ِف هذا الشرح قضااي عقدية مهمة معاصرة حتتاج إليها األمة ُشوهت‬
‫حقيقتها ‪ ،‬كتحكيم القوانني الوضعية ‪ ،‬واجلهاد ‪ ،‬والتعامل مع احلاكم املرتد ‪ ،‬والتقارب مع املبتدعة‬
‫وغري ذلك ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬ينظر ص ‪.491‬‬

‫‪183‬‬
‫خامسا ‪ :‬سهولة الشرح ووضوحه ‪.‬‬
‫فما كان فيه من خطأ فهو للمتصرف فيه ‪ ،‬وهللا يكتب األجر ‪ ،‬ولسنا مبعزل عن احلاجة إىل إبداء‬
‫النصيحة والتوجيه ‪ ،‬وما كان فيه من صواب فنسبته إىل هللا تعاىل ‪ ،‬وأسأل هللا مبنه وكرمه أن يغفر‬
‫للشيخ محود وجيعل منازله ِف عليني ‪ ،‬وأن أيجر من أعان على نشر الكتاب ‪ ،‬وهللا أعلم وصلى‬
‫هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إبحسان إىل يوم الدين ‪.‬‬

‫موقع فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب‬


‫غرة شوال ‪ 4192‬ه‬

‫‪184‬‬
‫سرية خمتصرة للشيخ محود العقالء الشعييب‪:‬‬
‫هو أبو عبدهللا محود بن عبدهللا بن عقالء الشعييب اخلالدي من آل جناح ‪ ،‬ولد ِف الشقة من‬
‫بريدة عام ‪4411‬ه حفظ القرآن قبل البلوغ على يد الشيخ عبدهللا العمري ‪ ،‬وقد فقد إحدى‬
‫عينيه عام ‪ 4459‬ه بسبب مرض اجلدري مث حلقت األخرى بعدها بوقت قصري حىت فقد بصره ‪،‬‬
‫انتقل إىل الرايض لطلب العلم عام ‪ 4111‬و التحق بدروس الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم كمرحلة‬
‫علمية أوىل ‪ ،‬مث ِف فرتة وجيزة انتقل إىل دروس الشيخ دمحم بن إبراهيم ‪ ،‬فالزمه مالزمة اتمة حىت‬
‫برز من بني طالبه ‪ ،‬وقد كان يلقي الدروس ِف مسجد شيخه بعده مباشرة ‪ ،‬وذكر لنا الشيخ‬
‫سعيد بن زعري ‪ -‬وهو من طالبه – أن الشيخ ابن إبراهيم إذا كتب فتوى مل يصدرها حىت يعرضها‬
‫على تلميذه الشيخ محود العقالء ‪.‬‬
‫انتظم الشيخ ِف املعهد العلمي ِف أول افتتاحه مث استثين من إكمال بعض سين الدراسة حىت احلق‬
‫بكلية الشريعة ‪ ،‬فدرس فيها حىت خترج منها ِف أول دفعة هلا وكان من أوائلها ‪ ،‬مث عني قاضيا ‪،‬‬
‫فوقف دون تعيينه ِف القضاء الشيخ دمحم األمني الشنقيطي ‪ ،‬وطالب الشيخ ابن إبراهيم أن يعني‬
‫الشيخ مدرسا ‪ ،‬فعني ِف نفس كلية الشريعة ‪ ،‬وقد ترقى ِف سلم الدرجات العلمية فيها حىت بلغ‬
‫إىل درجة بروفيسور ‪.‬‬
‫وقد تتلمذ الشيخ على العالمة دمحم األمني الشنقيطي فقرأ عليه ِف التفسري واألصول والنحو‬
‫واملعتقد واملنطق وغريه ‪ ،‬وكان الشيخ محود متأثرا به أتثرا ملحوظا ‪ ،‬وقرأ أيضا على الشيخ‬
‫عبدالرمحن اإلفريقي والشيخ يوسف الضبع وغريهم من أهل العلم ‪.‬‬
‫و تتلمذ على الشيخ ‪ -‬خالل اخلمسني سنة من التعليم ‪ -‬مئات من الطالب فكان اشتهارهم بني‬
‫الناس ملحوظا حىت غدا من بني طالبه علماء ومصلحون وأساتذة جامعات وغري ذلك ‪ ،‬ومن‬
‫ضمن طالبه فضيلة الشيخ سعيد بن زعري رئيس قسم اإلعالم ِف جامعة امللك سعود سابقا‬
‫وفضيلة الشيخ عبدهللا الغنيمان رئيس قسم الدراسات العليا ِف اجلامعة اإلسالمية سابقا وفضيلة‬
‫الشيخ عبدالرمحن العجالن رئيس حماكم القصيم سابقا وفضيلة الشيخ علي اخلضري وغريهم كثري ‪.‬‬
‫وللشيخ مؤلفات وفتاوى وشروح وتعليقات منها اإلمامة العظمى والرباهني املتظاهرة وخمتصر عقيدة‬
‫أهل السنة واجلماعة وكتاب القول املختار ِف حكم االستعانة ابلكفار وهذا املؤلف الذي بني‬
‫أيدينا وغريها ‪ ،‬وللشيخ فتاوى منتشرة ِف املعتقد واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر واجلهاد وغري‬
‫ذلك ‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫وله فتاوى ِف وجوب جهاد األمريكان ومن معها ودفع صولتها ‪ ،‬وله أيضا فتاوى ِف نصرة قيام‬
‫احلكومات اإلسالمية كحكومة طالبان واجلماعات اجلهادية ِف الشيشان والفلبني وغريها ‪.‬‬
‫توِف الشيخ رمحه هللا سنة ‪ 4199‬ه اثر مرض أصابه ِف قلبه ‪ ،‬نسأل هللا أن يغفر للشيخ وأن‬
‫يفسح له ِف قربه ‪.‬‬

‫قال اإلمام الطحاوي رمحه هللا ‪:‬‬


‫( هذا ذكر بيان اعتقاد أهل السنة واجلماعة على مذهب فقهاء امللة أيب حنيفة النعمان بن‬
‫اثبت الكويف وأيب يوسف يعقوب بن ربراهيم البجلي وأيب عبد هللا دمحم بن احلسن الشيباين مهنع هللا يضر‬
‫أمجعني وما يعتقدون من أصول الدين ويدينون به لرب العاملني )‬
‫الشرح ‪ :‬هذا املختصر مجع فيه اإلمام الطحاوي رمحه هللا جل املسائل اليت يتفق عليها أهل السنة‬
‫واجلماعة ِف املعتقد ‪ ،‬واإلمام الطحاوي إمام ِف احلديث والفقه على مذهب اإلمام أيب حنيفة ‪،‬‬
‫وهو إمام أيضا ِف العقيدة ‪ ،‬ألن منهجه ِف املعتقد منهج أهل السنة واجلماعة إال أن عليه بعض‬
‫املآخذ اليت ال خترجه عن كونه من أهل السنة واجلماعة اليت ستأيت اإلشارة إليها إن شاء هللا ِف‬
‫أثناء الكالم على الكتاب وال سيما فيما يتعلق ابإلميان والكفر(‪ . )4‬وهذا املختصر عين به‬
‫العلماء شرحا وتعليقا ‪ ،‬وهو يشتمل على أكثر املسائل اليت هي معتقد أهل السنة و اجلماعة ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬ذكر الشيخ رمحه هللا أثناء الشرح عدة مالحظات على الطحاوي من ضمنها قول الطحاوي رمحه هللا ‪:‬‬
‫‪ - 4‬ما زال بصفاته قدميا قبل خلقه ‪.‬‬
‫‪ - 9‬وتفسري على ما أراد ‪.‬‬
‫‪ - 4‬ومعناه على ما أراد ‪.‬‬
‫‪ - 1‬ومن مل يتوق ‪ ..‬التشبيه ‪.‬‬
‫‪ - 5‬موصوف بصفات الوحدانية منعوت بنعوت الفردانية ‪.‬‬
‫‪ - 1‬تعاىل عن احلدود والغاايت واألركان واألعضاء واألدوات ‪...‬‬
‫‪ - 1‬وال خيرج العبد من اإلميان إال جبحود ‪.‬‬
‫‪ - ٧‬واإلميان هو اإلقرار ابللسان والتصديق ابجلنان ‪.‬‬
‫‪ - 2‬اإلميان واحد وأهله ِف أصله سواء ‪.‬‬
‫‪ - 4٧‬وأفعال العباد خلق هلل ‪.‬‬
‫‪ - 49‬ومل يكلفهم إال ما يطيقون وال يطيقون إال ما كلفهم ‪.‬‬
‫وهناك ألفاظ أخرى حمتملة اعرض عنها الشيخ رمحه هللا ‪ ،‬وألفاظ أخرى ليست على طريقة السلف ‪ ،‬وكون الشيخ‬
‫يصف الطحاوي أنه من أهل السنة مع ما ذكره من مؤاخذات فال يعين نسبة أقواله اليت أخطأ فيها إىل أهل السنة ‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫ذكر املؤلف أن هذا املعتقد على مذهب أهل السنة واجلماعة األئمة ‪ ،‬فذكر منهم النعمان بن‬
‫اثبت وأاب يوسف ودمحم بن احلسن ‪ ،‬ومن أئمة السنة والسلف من هم أشهر من هؤالء كاإلمام‬
‫امحد بن حنبل واإلمام الشافعي واإلمام مالك رمحهم هللا ‪ ،‬ولكنه قدم هؤالء واكتفى بذكرهم ألنه‬
‫حنفي وهؤالء أحناف ‪ ،‬فمثل ألئمة السلف ابلسلفيني الذين هم على مذهبه الفقهي ‪.‬‬

‫( نقول يف توحيد هللا معتقدين بتوفيق هللا ‪ :‬رن هللا تبارك امسه وتعاىل جده وجل ثناؤه واحد ال‬
‫شري له ) ‪.‬‬
‫الشرح ‪ :‬التوحيد معناه إفراد هللا سبحانه وتعاىل مبا يستحقه ‪ )4(،‬سواء إفراده أبفعاله هو سبحانه‬
‫‪ ،‬أو إفراده أبفعال العباد ‪ ،‬أو تنزيهه عما ال يليق جبالله وعظمته من السوء ‪ ،‬وإثبات ما يليق به‬
‫وخيتص به من الكمال ‪.‬‬
‫فالتوحيد ثالثة أنواع ‪:‬‬
‫‪ -‬توحيد الربوبية‬
‫‪ -‬توحيد األلوهية‬
‫‪ -‬توحيد األمساء والصفات (‪)9‬‬
‫ال بد من هذه األنواع الثالثة للعبد حىت يكون موحداً ‪ ،‬وال بد أن حيقق هذه األنواع الثالثة ‪ ،‬ولو‬
‫قصر بواحد منها أو نقصت كلها فإنه ال يكون موحدا ‪.‬‬
‫وتوحيد هللا يف ربوبيته ‪ :‬هو اعتقاد أنه الواحد ِف خلقه وفعله وتدبريه وتصرفه ِف الكون ‪ ،‬وأنه ال‬
‫أحد يشاركه ِف ذلك ‪ ،‬بل هو اخلالق وحده والفاعل وحده وال يشاركه أحد ِف أفعاله اخلاصة به‬
‫سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫أما توحيد اإلهلية ‪ :‬فهو أن يفرد هللا أبفعال العباد ‪ ،‬مبعين أن يؤلَّه ويُعبد وحده دون غريه ‪ ،‬أي ال‬
‫يصرف ألحد سواه ‪ -‬كائنا من كان ‪ -‬شيء من أنواع العبادة اليت ال تصرف إال له سبحانه‬
‫وتعاىل ‪ ،‬فجميع أفعال العباد العبودية جيب أن تصرف هلل وحده وال جيوز صرف شيء منها لغريه ‪،‬‬
‫كالذبح والنذر واالستعاذة واالستغاثة والتوكل والصالة والزكاة والصوم واحلج ‪،‬كل هذه جيب‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬انظر منهاج التأسيس والتقديس للشيخ عبداللطيف بن عبدالرمحن ص ‪1‬‬
‫(‪ )9‬انظر هذا التقسيم ِف اإلابنة البن بطة الكتاب الثالث ( الرد على اجلهمية ) ‪ ، 419 / 9‬وكذلك شرح ابن أيب‬
‫العز للطحاوية ص ‪ 91‬ت الرتكي ط ‪ ، 9‬وللتوسع ينظر جهود علماء احلنفية ِف إبطال عقائد القبورية ‪ 2٧/ 4‬وما‬
‫بعدها‬

‫‪187‬‬
‫صرفها هلل سبحانه ‪ ،‬أي كل ما يصدر عن العبد من فعل من أفعال العبادة فإنه يكون موجها هلل‬
‫وحده ‪.‬‬
‫النوع الثالث توحيد األمساء والصفات ‪ :‬فهو أن يوصف هللا سبحانه وتعاىل بكل صفات‬
‫الكمال على وجه التفصيل وينفى عنه كل نقص أو عيب أو سوء على وجه العموم ‪ ،‬ولذا‬
‫فالقاعدة عند السلف ِف هذا الباب هي إثبات الصفات إثباات مفصال خاليا من التشبيه والتمثيل‬
‫ونفي النقائص والعيوب نفيا جممال خاليا من التعطيل وقاعدهتم ِف ذلك قوله تعاىل ( ليس كمثله‬
‫شيء وهو السميع البصري )(سورة الشورى آية ‪ )44:‬فإن ِف قوله ‪ ( :‬ليس كمثله شيء ) نفيا‬
‫عاما جممال وِف قوله ‪ ( :‬وهو السميع البصري ) إثبات مفصل ألنه أثبت صفتني إحدامها ختالف‬
‫األخرى ‪ ،‬فاثبت صفة السمع وصفة البصر وكل صفة مستقلة عن األخرى وهذا هو التفصيل ِف‬
‫اإلثبات ‪.‬‬

‫( وال شيء مثله وال شيء يعجزه وال رله غريه ) ‪.‬‬
‫الشرح ‪ :‬إن هللا واحد ال مياثله شيء ال ِف أمسائه وصفاته وال ِف أفعاله ‪ ،‬فهو واحد خمتص‬
‫ابلوحدانية ِف ذلك ‪ ،‬ال أحد مياثله وال أحد يستطيع أن يفعل كما يفعل سبحانه و تعاىل ‪ ،‬ألنه‬
‫الفاعل املطلق اخلالق املدبر املتصرف ِف الكون خلقا وتدبريا وتصرفا مطلقا ‪ ،‬ال أحد مياثله ِف‬
‫شيء من ذلك ‪ .‬و أما قوله ‪ ( :‬وال شيء مثله ) فمعناه ما سبق ‪ ،‬أنه منزه عن مماثلة املخلوقات‬
‫تن زيها عاما جممال‪ ،‬أما طريقة املبتدعة الذين حادوا عن طريق أهل السنة واجلماعة ‪ ،‬طريقتهم ِف‬
‫التن زيه أهنم ينزهون هللا على سبيل التفصيل ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬إن هللا ليس جبسم وليس جبوهر وليس‬
‫َبعَرض وليس متصال ابلعامل وال منفصال عنهم وال هو ابئن من خلقه وال هو حال فيهم ‪ ،‬وهذه‬
‫ِ‬
‫املستعملُ هلا يصل إىل العدم ‪ ،‬ألن الذي ال يوصف هبذه الصفات وال تقوم به‬ ‫التفاصيل ِف النفي‬
‫كلها معدوم ‪ ،‬وكما ذكر العلماء ِف غري موضع أن هذا مع أنه يوصل إىل العدم ففيه أيضا تنقص‬
‫هلل سبحانه وتعاىل ‪ ،‬قالوا فلو أنك أتيت إىل ملك وقلت له ‪ :‬أطال هللا عمرك ‪ ،‬أنت رجل طيب‬
‫‪ ،‬لست بكساح وال حالق وال قمام وال كذا وال كذا ‪ ،‬هو صحيح ليس كذلك لكن هل ِف هذه‬
‫السلوب (‪ )4‬املفصلة كمال ‪.‬؟ أو هي عيب ونقص ِف حقه ؟ هو صحيح أنه ليس متصفا بشيء‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬أي الصفات السلبية وهي اليت دلت على سلب ماال يليق به سبحانه ‪ ،‬واملراد أهنم ال يعرفون هللا إال ابلسلوب ‪،‬‬
‫فمثال صفة العزة ال يثبتوهنا بل يقولون ليس بذليل وليس حبقري ‪ ،‬أما أهنم يصفونه ابلعزة أو العظمة أو غريها مما ينازعون‬
‫فيها فال يثبتوهنا بل يقولون ليس بكذا وليس بكذا ‪ .‬انظر بيان تلبيس اجلهمية ‪ 412 / 1‬هامش رقم ‪. 1‬‬

‫‪188‬‬
‫من هذه الصفات الرديئة ‪ ،‬وِف نظره وِف نظر غريه فوق ذلك بكثري ‪ -‬ينطبق عليه قول البيت‬
‫املعروف ‪:‬‬
‫أمل تر أن السيف ينقص قـدره‬
‫رذا قيل رن السيف أمضى من العصا (‪)4‬‬

‫السيف أمضى من العصا يقينا ‪ ،‬لكن إذا قرنته ابلعصا كان ذلك نقصا ِف حقه ‪ ،‬وكما قال‬
‫العلماء ‪ :‬لو أنك قلت مثال ‪ :‬إن الذهب خري من قشر البصل وخري من قشر السمك لكان‬
‫صحيحا لكن فيه تنقص هلذا املعدن النفيس حيث قارنته هبذه األمور الرديئة‪.‬‬
‫احلاصل أن طريقة السلف رضوان هللا عليهم هي النفي و التنزيه اجململ ‪ ( ،‬ليس كمثله شيء ) ‪،‬‬
‫ليس له مثيل ليس له شبيه ليس له مسي ليس له ند وليس له ظهري ‪ ،‬نفي عام جممل ‪ ،‬فهذا هو‬
‫الذي فيه التنزيه وهو الذي يتضمن الكمال ‪ ،‬أما السلوب املفصلة فإهنا ال تتضمن كماال وتفضي‬
‫إىل العدم ‪ ،‬وهي عيب وذم ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬وال شيء يعجزه ) إثبات لقوته وقدرته سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬وال إله غريه ) أي وهو الواحد ِف اإلهلية أيضا ‪ ،‬إله واحد ال مثيل له أو ال أحد يستحق‬
‫أن يؤله أو أن يعبد أبن يصرف له شيء من أنواع العبادة كما يصرف هلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬

‫( قدمي بال ابتداء دائم بال انتهاء )‬


‫الشرح ‪ :‬جعله القدمي من أمساء هللا سبحانه وتعاىل ‪ -‬السلف يتحفظون فيه ‪ ،‬ويقولون إن القدمي‬
‫هو الذي يكون مسبوقا ابحلدوث ‪ ،‬وليس هو من األمساء الواردة ِف الكتاب والسنة ‪ ،‬ألن أمساء‬
‫هللا سبحانه وتعاىل وصفاته توقيفية ‪ ،‬ال يوصف بصفة وال يسمي ابسم إال مبا ثبت ِف كتاب هللا‬
‫سبحانه وتعاىل وسنة نبيه ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬أما الذي ورد ِف القران وِف السنة وهو الذي يفضله السلف‬
‫رضوان هللا عليهم فهو األول ‪ ،‬ألنه جاء ِف القران قوله سبحانه وتعاىل ( هو األول واألخر والظاهر‬
‫والباطن )(سورة احلديد آية‪ )4:‬وجاء ِف احلديث الصحيح قوله صلى هللا علية وسلم ‪ ( :‬اللهم‬
‫أنت األول فليس قبلك شيء ‪ ) ..‬احلديث (‪ )9‬وأما القدمي فقد أطلقه الطحاوي رمحه هللا هنا‬
‫وحتفظ بعض أهل السنة ِف إطالقه وقالوا األوىل ابالستعمال ما ورد ‪ ،‬وإن كان الطحاوي رمحه هللا‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬أورده الثعاليب ِف تتمة اليتيمة ‪922/5‬‬
‫(‪ )9‬رواه مسلم ( ‪. ) 9144‬‬

‫‪189‬‬
‫يقصد ابلقدمي هنا األول قطعا ‪ ،‬وال يقصد ابلقدمي الذي سبقه حدوث ‪ ،‬ألنه من أهل السنة‬
‫واجلماعة وليس من أهل البدع أو أهل املذاهب املنحرفة ‪ ،‬ولذا قال ‪ ( :‬قدمي بال ابتداء ) ‪ ،‬أي‬
‫قدمي ال بدء لوجوده سبحانه وتعاىل ‪ ،‬ألن وجوده سبحانه وتعاىل واجب ‪ ،‬والواجب ال أول له ‪،‬‬
‫واجب عقال ال يقبل العقل سوى أوليته سبحانه وتعاىل ‪ ،‬فهو ال يريد القدمي مبعناه املقابل‬
‫للحديث وإمنا يريد ابلقدمي هنا األول ‪ .‬وقوله ‪ ( :‬قدمي بال ابتداء ) حيسن أن يبحث هنا مسألة‬
‫بدء احلوادث وخالف الناس فيها ‪ ،‬فمسألة بدء اخللق وهنايته – وهي اليت تعرف عند العلماء‬
‫بتسلسل احلوادث – افرتق الناس فيها على ثالثة مذاهب ‪:‬‬
‫فاملذهب األول مذهب أهل السنة واجلماعة ‪ :‬وهو أن احلوادث متسلسلة ِف املاضي كما هي‬
‫متسلسلة ِف املستقبل ‪.‬‬
‫ويقابله املذهب الثاين مذهب اجلهم بن صفوان وأتباعه ‪ :‬وهو أن احلوادث ليست متسلسلة ِف‬
‫املاضي كما أهنا ليست متسلسلة ِف املستقبل ‪.‬‬
‫املذهب الثالث مذهب األشاعرة ومن سار على طريقهم كالكالبية واملاتريدية ‪ :‬وهو أن‬
‫تسلسل احلوادث مستمر ِف املستقبل ولكنه منقطع ِف املاضي ‪.‬‬
‫أما أهل السنة واجلماعة فقالوا إن هللا سبحانه وتعاىل كما أنه مل يزل موجودا وال أول لوجوده فهو مل‬
‫يزل فاعالً وال أول لفعله لكن أفعاله سبحانه وتعاىل حتدث شيئاً بعد شيء ‪ ،‬يعين خلقه للسموات‬
‫حادث لكن قبله خلق آخر وقبل ذلك اخللق خلق وهكذا ‪ ،‬إمنا كل أمر أحدثه هللا سبحانه وتعاىل‬
‫فهو أحدثه من العدم ولكنه ليس هو األول بل قبله حمدث وذلك احملدث حادث من العدم وليس‬
‫هو األول بل قبله حمدث وهكذا إىل ما ال هناية ِف األزل وإىل ما ال هناية ِف األبد ‪ ،‬وأما اجلهم بن‬
‫صفوان وأتباعه فإهنم قالوا ابنقطاع التسلسل ِف املاضي ألنه لو قلنا إن احلوادث مل تزل للزم أن‬
‫تكون مماثلة هلل ومشاركة له وهذا ال جيوز ‪ ،‬هكذا يقولون ‪ ،‬يعين إذا كان هللا ال حد ألوليته‬
‫واحلوادث ال حد ألوليتها كانت مماثلة هلل ِف األولية ‪ ،‬ولكنهم عموا عن أننا ال نقول إن كل‬
‫حادث بعينه فهو أول ال أول له وإمنا نقول كل حادث بعينه فقد حدث من العدم وقبله حادث‬
‫آخر وهكذا إىل ما ال هناية ‪.‬‬
‫وأما شبهتهم ِف انقطاع التسلسل ِف املستقبل فهم يقولون لو قلنا ابلدوام للزم أن تكون هذه‬
‫احلوادث مماثلة هلل ِف البقاء والدوام وهذا شرك ال جيوز ‪ ،‬وعموا عن كون تسلسل احلوادث ِف‬
‫املستقبل كدوام اجلنة والنار ودوام أهلها ودوام إحداث النعيم فيها ‪ ،‬نسوا الفرق بني ذلك وبني دوم‬
‫هللا وبقائه سبحانه وتعاىل ‪ ،‬فإن صفة البقاء وصفة الدوام هلل سبحانه وتعاىل واجب لذاته ‪ ،‬وأما‬

‫‪191‬‬
‫احلوادث كاجلنة والنار ومن فيها فهذا دائم إلدامة هللا له وليس دائما لذاته بل هللا أراد أن يدوم‬
‫فدام ‪ ،‬وإال فهو ممكن وليس بواجب الدوام والبقاء ‪.‬‬
‫وأما املذهب الثالث وهو مذهب األشاعرة ومن معهم وكذلك املعتزلة فهؤالء يقولون إننا ال بد وأن‬
‫نضع للحوادث حدا ِف األزل ألن هللا سبحانه وتعاىل جيب أن يتفرد ابلوجود من غري أن يكون‬
‫مدد متطاولة حدث له الفعل واإلحداث ‪ ،‬وهذا يرد عليهم أبنه يلزم عليه‬ ‫معه موجود ‪ ،‬ولكن بعد ٍ‬
‫أن يكون هللا سبحانه وتعاىل ‪ -‬مدداً متطاولة ‪ -‬ال يفعل وال حيدث وال خيلق ‪ ،‬والفعل واإلحداث‬
‫كمال ‪ ،‬فيلزم من ذلك أن هللا سبحانه وتعاىل انقص ِف ذلك الوقت الذي جردوه فيه عن الفعل‬
‫واإلحداث تعاىل هللا وتقدس ‪.‬‬
‫فاألشاعرة والكالبية ‪ :‬يقولون التسلسل ِف املاضي له حد وكذلك اجلهمية لكن بينهم فرق ‪،‬‬
‫فاجلهمية واملعتزلة يقولون كان التسلسل ِف املاضي منقطع وهو ممتنع على هللا ‪ ،‬مبعىن أن هللا‬
‫سبحانه لو أراد أن حيدث ملا قدر وهو مستحيل عليه الفعل ِف ذلك الوقت وممتنع ‪ ،‬واألشاعرة‬
‫يقولون الفعل كان ممكنا وهللا قادر عليه لكنه ما أراد أن يفعل ِف تلك األوقات املتطاولة ِف األزل‬
‫‪ ،‬وعلى كل فهذا خمتصر ما قيل ِف مسألة احلوادث وهنايتها ‪.‬‬
‫فقول الطحاوي رمحه هللا ‪ ( :‬قدمي بال ابتداء ) يعين أنه أول ال هناية ألوليته وهذا ال مينع من أن‬
‫يكون ال حد وال أولية ألفعاله و إحدااثته سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫ملا قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا تعاىل ‪ :‬إن جنس احلوادث ال أول هلا وأما إفرادها فلها‬
‫وحيدث يلزم منه أن تلتقي مع‬ ‫أول ‪ ،‬قال خصومه ‪ :‬إن قولك مل يزل سبحانه وتعاىل يفعل ِ‬
‫الفالسفة ِف قدم احلوادث ‪ ،‬ولكن فرق بني مذهب الفالسفة ومذهب شيخ اإلسالم رمحه هللا‬
‫تعاىل والسلف ِف قدم احلوادث ‪ ،‬فإن الفالسفة يقولون ‪ :‬إن كل جزء من العامل فهو قدمي مل يسبقه‬
‫حدوث ‪ ،‬ألن كل جزء فهو من جزء من آخر ‪ ،‬وكل جزء من جزء آخر ‪ ،‬وال يوجد شيء عند‬
‫الفالسفة وجد من العدم بعد أن مل يكن ‪ ،‬بل العامل قدمي واألجزاء اليت توجد بعضها بعد بعض‬
‫كلها متولدة من العامل القدمي ‪ ،‬وهذا فرق ‪.‬‬
‫واجلهمية قالوا ‪ :‬إنه يستحيل أن يكون معه سبحانه مثيل ِف األولية ‪ ،‬إذ لو قلنا إنه يوجد معه‬
‫حمداثت لكانت مماثلة له ِف األولية والقدم ‪ ،‬ولكنهم غفلوا عن أنه ال يوجد حمداثت بعينها قدمية‬
‫أزلية ‪ ،‬يعين جنس احلوادث قدمي وأما أعياهنا وأفرادها فهي حادثة ‪ ،‬فإذا كانت كذلك ما لزم‬
‫احملذور الذي ختشاه اجلهمية ‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫ونقول تقريبا لفهم ما يقصده السلف أو تقريبا لفهم الفرق بني مذهب الفالسفة ومذهب أهل‬
‫السنة و اجلماعة ‪:‬‬
‫حنن نقول هذه األرض حمدثة لكن هل أحدثت من شيء قبلها ؟ نقول حمدثة من العدم ‪ ،‬كانت‬
‫ِف وقت ما معدومة مث أحدثها سبحانه ‪ ،‬لكن ليست هي أول ما حدث بل قبلها العرش والعرش‬
‫ُخلق من العدم ال من شيء آخر وقبل العرش عامل والعامل ُخلق من العدم ال من شيء آخر وقبل‬
‫ذلك العامل عامل لكن ذلك العامل حدث من العدم ‪ ،‬وهكذا يتسلسل األمر واألفعال واحلوادث إىل‬
‫ما ال حد لذلك ‪ ،‬والذي يلزم هو احملذور الذي يكون ِف مذهب الفالسفة وهو أن العامل بعينه ال‬
‫أول له ‪ ،‬هذا اجلدار ال أول له أبدا ألنه خلق من االمسنت واحلصى ‪ ،‬واالمسنت واحلصى خلق من‬
‫شيء آخر والشيء اآلخر خلق من شيء آخر إىل ما ال هناية ‪ ،‬فهم ال يعتقدون أبن هناك جزء‬
‫من العامل وجد من العدم ‪ ،‬الذي عند الفالسفة أن كل جزء من جزء قبله ‪ ،‬وهكذا إىل ما ال‬
‫هناية (‪. )4‬‬

‫( ال يفىن وال يبيد ) ‪.‬‬


‫الشرح ‪ :‬صفات الباري سبحانه وتعاىل ِف اصطالح العلماء ثالث أقسام ‪:‬‬
‫صفات ذاتية وصفات فعلية وصفات اصطلحوا على تسميتها ‪ :‬خربية ‪.‬‬
‫فأما القسم األول ‪ :‬الصفات الذاتية ‪ ،‬وهي صفات الذات اليت تالزم الذات كالعلم واحلياة و‬
‫القدرة و اإلرادة و السمع و البصر و الكالم ‪ ،‬وهذه هي اليت أثبتتها األشاعرة والكالبية واملاتريدية‬
‫‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إن العقل يثبتها فأثبتوها ‪ ،‬وأما ما عداها من الصفات فقد نفوها ‪.‬‬
‫وطريقة إثبات الصفات السبع ابلعقل عندهم ‪ :‬يقولون إن اإلحكام املوجود ِف اخللق يدل عقال‬
‫على العلم ‪ ،‬والتخصيص املوجود ِف املخلوقات يدل على املشيئة واإلرادة قالوا وهذه الصفات ال‬
‫تكون إال للحي ‪ ،‬مث احلي ال خيلوا ‪ :‬إما أن يكون مسيعا بصريا متكلما أو أصم أعمى أبكم ‪،‬‬
‫والصفات األُول أكمل فيكون هللا سبحانه وتعاىل مستحقا هلا ابلعقل ‪ ،‬هذه الصفات السبع‬
‫أثبتوها ابلعقل هبذه الطريقة وقالوا ما عداها فإن العقل ال يثبته وإذا كان العقل ال يثبته فإننا ال نثبته‬
‫‪ ،‬وقد رد عليهم شيخ اإلسالم رمحه هللا وقال ‪ :‬إن إثباتكم هذه الصفات السبع ونفيكم ما عداها‬
‫ال يصلح االستدالل عليه ابلعقل ألن العقل وإن دل على هذه الصفات السبع فإنه يدل على‬
‫غريها أيضا ابلطريقة اليت استدللتم هبا ‪ ،‬وأيضا العقل ال ينفي هذه الصفات الزائدة على الصفات‬
‫______________________________________‬
‫(‪)4‬أييت إن شاء هللا مزيد توضيح عند جواب الشيخ على اإلشكال الذي أورده األلباين حول كالم ابن تيمية ص ‪911‬‬

‫‪192‬‬
‫السبع ‪ ،‬وإذا كان العقل ال ينفيها فال جيوز لكم نفيها ‪ ،‬الحتمال أن تكون اثبتة بدليل آخر ألن‬
‫انتقاء الدليل املعني ال يدل على انتقاء املدلول املعني فقد يكون األمر منتفيا عنه دليل ما خمصوص‬
‫لكن يوجد دليل آخر يثبته وهذا هو الواقع ِف صفات الباري سبحانه وتعاىل ‪ ،‬فعلى تسليم أن‬
‫العقل ال يدل على ما عدا الصفات السبع فإنه ال ينفيها وكونه ال يدل عليها ال يقتضي انتفاؤها‬
‫ألنه ميكن أن تكون اثبتة بدليل آخر كما هو الواقع ‪ ،‬فإذا أثبت هلم أن العقل أثبت الصفات‬
‫السبع فإن صفات الباري سبحانه وتعاىل اثبتة ابلسمع أيضا ‪ ،‬والسمع دليل سامل من املعارض‬
‫فيجب القول به ‪ .‬وقد أجاهبم رمحه هللا بطريقة أخرى فقال ‪ :‬إنه ميكننا أن نثبت ذات الصفات‬
‫ابلعقل ابلطريقة اليت أثبتم هبا الصفات السبع ‪ ،‬فكما أنكم استدللتم ابإلحكام على العلم‬
‫واستدللتم ابلتخصيص على املشيئة فإننا نستدل على الرمحة ابإلحسان ‪ ،‬فإحسانه إىل عباده يدل‬
‫على صفة الرمحة ‪ ،‬وإكرامه ألوليائه يدل على صفة احملبة وعذابه وانتقامه من أعدائه الكافرين يدل‬
‫على صفة الغضب عقال ‪ ،‬فالطريقة اليت أثبتم هبا الصفات السبع نثبت هبا أيضا ابقي الصفات ‪.‬‬
‫القسم الثاين ‪ :‬الصفات الفعلية وهي اليت يفعلها إذا شاء ويرتكها إذا شاء كالنزول واالستواء‬
‫واجمليء والغضب والرضا واحملبة والرمحة وغري ذلك من صفات الفعل ‪ .‬وهذه تسمى صفات فعلية‬
‫وتسمى صفات اختيارية ‪.‬‬
‫القسم الثالث ‪ :‬اصطلح العلماء عليه ‪ -‬وخصوصا علماء الكالم ‪ -‬على تسميتها ابلصفات‬
‫اخلربية ‪ ،‬والصفات اخلربية هي اليد والقدم واألصبع والعني و الساق وغريها (‪ ، )4‬ومثل هذه‬
‫الصفات اخلربية يقول من أثبتها ‪ :‬جاء هبا اخلرب فننثبتها ألجل اخلرب الصحيح السامل من املعارض ‪،‬‬
‫ولكن السلف رضوان هللا عليهم يثبتون هذه كلها على سبيل أهنا ال متاثل شيئا من صفات‬
‫املخلوقني ‪ ،‬ويثبتوهنا ألن اخلرب أثبتها ‪ ،‬فكل صفاته ختصه وإن اشرتكت ِف االسم فإهنا ختتلف عند‬
‫اإلضافة والتقييد ‪ ،‬فمطلق علم ‪ ،‬مطلق حياة ‪ ،‬مطلق بصر ‪ ،‬مطلق كالم ‪ ،‬هذا قبل اإلضافة‬
‫والتقييد يصلح لكل من يتصف به لكن إذا أضيف تقيد مبن يضاف إليه ‪ ،‬فقولك علم هللا حياة‬
‫هللا مسع هللا بصر هللا هذا يفصل العموم املوجود ِف العلم والسمع والبصر واحلياة ‪ -‬يفصله ويضيفه‬
‫إىل هللا سبحانه وتعاىل ‪ ،‬فيكون الئقا جبالله وعظمته ‪ ،‬فكما أن له ذاات ال تشبه ذوات املخلوقني‬
‫فكذلك له صفات ال تشبه صفات املخلوقني ‪.‬‬
‫ووجه غلط النفاة املعطلة ظنهم أنه إذا حصل اشرتاك ِف االسم فإنه يلزم اشرتاك ِف املسمى ‪ ،‬فقالوا‬
‫ما دام أننا نرى صفة احلياة وصفة العلم وصفة البصر وصفة الغضب وصفة الرضا ال نشاهد‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬أمسوها خربية ألنه ال ميكن إثباهتا ابلعقل مث حرفوا معانيها ابسم التأويل ‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫‪ِ -‬ف العامل الشاهد احلاضر – ال نشاهد شيئا متصفا هبا إال وهو جسم فلو أثبتناها هلل سبحانه‬
‫وتعاىل للزم أن يكون جسما ولكن هذا يرد أبن الصفات اليت يشاهدوهنا ويروهنا هذه تليق مبن‬
‫قامت هبم وهم املخلوقون أما هللا سبحانه وتعاىل فصفاته قائمة بذاته وتناسبه ‪ ،‬كما أن ذاته ال‬
‫تشبه الذوات فكذلك صفاته ال تشبه الصفات ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬ال يفىن و ال يبيد ) هذا أتكيد لدوامه سبحانه وتعاىل وصفة البقاء والدوام هلل سبحانه‬
‫وتعاىل من صفاته الذاتية الواجبة له ‪ ،‬فإذا كان كذلك انتفى عنه الفناء وانتفى عنه أن يكون من‬
‫األمور اليت تبيد ‪ ،‬فهو دائم سبحانه وتعاىل ال يفىن يعين ال جيوز عليه الفناء وال جيوز عليه أن يبيد‬
‫أو أن ينعدم ألن دوامه كأزليته سبحانه وتعاىل فكما أنه أزيل ال مبدأ لوجوده فكذلك هو دائم ابق‬
‫ال هناية لدوامه ‪ ،‬فال يطرأ عليه الفناء ‪ ،‬وال يطرأ عليه أن يبيد أو ينعدم ‪ ،‬ألن بقاءه واجب وجواب‬
‫ذاتيا ال يقبل العقل سواه ‪ ،‬فإذا كان العقل ال يقبل سواه امتنع أن يطرأ عليه الفناء أو أن يطرأ عليه‬
‫العدم ‪ ،‬فهو دائم سبحانه وتعاىل ‪ ،‬ودوامه واجب لذاته ‪ ،‬إذاً فال جيوز عليه الفناء وال جيوز عليه‬
‫العدم ‪.‬‬

‫( وال يكون رال ما يريد ) ‪.‬‬


‫الشرح ‪ :‬هذا له صلة ابلكالم على القضاء والقدر ‪ ،‬فإن هللا سبحانه وتعاىل ال يكون ِف ملكه إال‬
‫ما يريد ‪ ،‬فما أراده كوان وقدرا كان ‪ ،‬وما مل يرده كوان وقدرا فإنه ال يكون ‪ ،‬واإلرادة نوعان ‪:‬‬
‫ررادة كونية وررادة شرعية ‪:‬‬
‫فاإلرادة الكونية ال بد من كوهنا ‪ ،‬واإلرادة الشرعية قد حتصل وقد ال حتصل ‪ ،‬فإن هللا سبحانه‬
‫وتعاىل إذا أراد شيئا كوان وقدرا فالبد أن يقع وإذا أراد شيئا شرعا فقد يقع وقد ال يقع ‪ ،‬فهو‬
‫سبحانه وتعاىل أراد من أيب جهل وأيب هلب كوان وقدرا ‪ -‬أي قضى عليهما وقدر عليهما ‪ -‬أن‬
‫يكوان كافرين إرادة كونية ‪ ،‬وأراد من أيب بكر وعمر رضي هللا عنهما أن يكوان مؤمنني فكاان‬
‫مؤمنني ‪ ،‬أراد منهما ذلك كوان وقدرا وأراده منهما شرعا ودينا ‪ .‬فاحملبة والرضى ‪ ،‬واإلرادة الشرعية‬
‫واألمر الشرعي من هللا ‪ -‬كل هذه مرتادفة ‪ ،‬فما أراده شرعا فقد أحبه ورضيه وأمر به ‪ ،‬أما اإلرادة‬
‫الكونية فإهنا املشيئة الشاملة والقضاء والقدر السابق ‪ ،‬وأهل السنة واجلماعة متفقون على اإلميان‬
‫ابإلرادتني واعتقادمها ‪ ،‬وأما القدرية من املعتزلة وغريهم فإهنم يقرون ابإلرادة الشرعية وينفون عن هللا‬
‫اإلرادة الكونية ألفعال العباد ‪ ،‬وينكرون أن هللا قضى وقدر أو أراد شيئا مما يكون ‪ ،‬ال سيما‬
‫املعاصي والكفر والفسوق الواردة إرادهتا ِف القران ‪ ،‬ففي اعتقاد املعتزلة ‪ ،‬والقدرية من غري املعتزلة‬

‫‪194‬‬
‫‪ ،‬أن كل إرادة وردت ِف القران والسنة تفسر ابإلرادة الشرعية ‪ ،‬أما اإلرادة الكونية ألفعال العباد‬
‫فإهنا ال تكون وال وجود هلا عندهم ألهنم يقولون إن هللا سبحانه وتعاىل إذا أراد املعاصي والكفر‬
‫والفسوق مث عاقب الناس عليه يكون ظاملا هلم ‪ ،‬وما عرفوا أن هللا ال يظلم أحدا شيئا ‪ ،‬وأنه أراد‬
‫ذلك منهم كوان وقدرا لكنه أرسل إليهم الرسل وأمرهم بطاعته وهناهم عن معصيته ‪ ،‬واخربهم أبهنم‬
‫إ ْن هم أطاعوه أفلحوا ‪ ،‬وإ ْن هم عصوه خسروا ‪ ،‬فاختاروا الطريق اآلخر مبحض إرادهتم ‪ ،‬فكان هللا‬
‫سبحانه وتعاىل عادال ِف تعذيبهم وليس ظاملا ‪.‬‬

‫( ال تبلغه األوهام وال تدركه األفهام وال يشبه األانم )‬


‫الشرح ‪ :‬ال تدركه األفهام مبعىن إدراك حقيقته سبحانه وتعاىل ‪ ،‬أما حنن فنعلم أن هللا سبحانه‬
‫وتعاىل موجود ‪ ،‬ونعلم أنه فوق السموات ‪ ،‬فوق العرش ‪ ،‬ونعلم أنه متصف جبميع صفات الكمال‬
‫من العلم واحلياة والقدرة وغريها ‪ ،‬ونعلم أنه أكرب من كل شيء ‪ ،‬ولكن اإلدراك غري العلم ‪،‬‬
‫واإلحاطة به علما ال متكن كما قال سبحانه وتعاىل ( ال تدركه األبصار )(سورة األنعام آية‬
‫‪ )4٧4:‬فنفى اإلدراك مع العلم أبن األبصار تراه ‪ ،‬لكنه نفى اإلدراك ألن اإلدراك شيء والعلم‬
‫والفهم شيء آخر ‪.‬‬
‫ومهما ختيل اإلنسان ما هلل سبحانه من عظمة وجالل فهو أكرب من ذلك وأعظم بكثري ‪ ،‬وكذلك‬
‫األفهام ال تدركه عز وجل وال حتيط به ‪ ،‬يعين ال حييط أحد علما بربه سبحانه وتعاىل (‪.)4‬‬

‫( حي ال ميوت قيوم ال ينام )‬


‫الشرح ‪ :‬يوصف سبحانه وتعاىل بصفة احلياة الكاملة إذ احلياة تكون اتمة كاملة و تكون انقصة ‪،‬‬
‫فحياة البشر انقصة ألهنا يطرأ عليها النوم ويطرأ عليها السنة ويطرأ عليها الغفلة ‪ ،‬أما حياته‬
‫سبحانه فهي اتمة ال يطرأ عليها شيء من ذلك ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬قيوم ) مبعىن أنه قائم بنفسه مقيم لغريه وأنه ال حيتاج إىل أحد من خلقه ‪ ،‬فهو احلي القيوم‬
‫‪ :‬حي حياة كاملة وقيوم السماوات واألرض ‪ ،‬قيوم يقوم بنفسه وبذاته ويقيم غريه سبحانه وتعاىل ‪،‬‬
‫وهو الغين عن خلقه ومجيع خلقه فقراء إليه ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سيأيت إن شاء هللا تعليق الشيخ ص ‪ 999‬على كالم املؤلف حول لفظة ( التشبيه ) وكالم السلف ِف عدم ثبوهتا ‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫( خالق بال حاجة ‪ ،‬رازق بال مؤونة ‪ ،‬مميت بال خمافة ابعث بال مشقة )‬
‫الشرح ‪ :‬هللا سبحانه وتعاىل خلق اخللق ‪ ،‬هل خلقهم الحتياجه إليهم ‪ ،‬ال حاجة به إليهم ‪ ،‬هو‬
‫خلقهم لعبادته سبحانه وتعاىل ال يريد خبلقه هلم التكثر من قلة والتقوي من عجز ‪ ،‬فهو سبحانه‬
‫وتعاىل الغين الغىن املطلق وهو قائم بنفسه ومقيم لغريه وغين عما سواه ‪ .‬وسواه فقري إليه ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬رازق بال مؤونة ) يعين يرزق الناس ويقوم أبرزاقهم كلهم ‪ ،‬وال يثقله ذلك وال يعجزه وال‬
‫يشق عليه ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬مميت بال خمافة ) إذا جاءت آجال خلقه مييتهم وال خيشاهم ‪ ،‬ال خييفه أحد وال خيشى‬
‫أحداً سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬ابعث بال مشقة ) البعث سيأيت له موضوع ‪ ،‬لكن هو سبحانه يبعث الناس وال يشق‬
‫عليه ذلك كما قال عز وجل ‪( :‬إمنا أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون )(سورة يس ‪)٧9:‬‬
‫ال يشق عليه وال يعجزه وال يكون خلقه للناس وبعثه هلم كأفعال الناس اليت حتتاج إىل آالت وحتتاج‬
‫إىل كذا وإىل كذا ‪ ،‬إذا أراد خلق الناس قال كن فيكونون ‪.‬‬

‫( ما زال بصفاته قدميا قبل خلقه ‪ ،‬مل يزدد بكوهنم شيئا ‪ ،‬مل يكن قبلهم من صفته ‪ ،‬وكما كان‬
‫بصفاته أزليا كذل ال يزال عليها أبداي ‪ ،‬ليس بعد ْخلق اخللق استفاد اسم اخلالق ‪ ،‬وال‬
‫إبحداثه الربيّة استفاد اسم الباري ‪،‬له معىن الربوبية وال مربوب ‪ ،‬ومعىن اخلالق وال خملوق ‪،‬‬
‫استحق اسم‬ ‫وكما أنه حميي املوتى ‪ ،‬بعد ما أحيا استحق هذا االسم قبل رحيائهم كذل‬
‫اخلالق قبل رنشائهم ‪ ،‬ذل أبنه على كل شيء قدير ‪ ،‬وكل شيء رليه فقري ‪ ،‬وكل أمر عليه‬
‫يسري ‪ ،‬ال حيتاج رىل شيء )‬
‫الشرح ‪ :‬ما زال بصفاته قدميا (‪ )4‬قبل خلقه يعين هو موصوف ابخلالق وال خلق ‪ ،‬وموصوف‬
‫ابلرازق وال رزق ‪ ،‬وهذا يتالءم مع مذهب القائلني أبن هللا سبحانه وتعاىل بقى مدة طويلة أو مدداً‬
‫متطاولة ال يفعل مث أراد الفعل ففعل ‪ ،‬وهذا قول من أقوال الناس ابلتسلسل ‪ ،‬سبق عند قوله ‪( :‬‬
‫قدمي بال ابتداء ) ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬مل يزدد بكوهنم شيئاً ‪ ،‬مل يكن قبلهم من صفته ) أي مل يزدد خبلقه للناس صفة اخللق ‪ ،‬فهو‬
‫موصوف أبنه اخلالق قبل أن خيلقهم ‪ ،‬فليس امسه اخلالق اكتسبه عندما خلق الناس ‪ ،‬هو مل يزل‬
‫خالقا ‪ ،‬فكما أنه مل يزل خالقاً ومل يزل رازقاً ومل يزل حميياً ومل يزل مميتاً ومل يزل فاعالً فهو لن يزال‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬أشار الشيخ قبل قليل أن صفاته الذاتية سبحانه قدمية ‪ ،‬أما الفعلية فإهنا حادثة ‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫أيضاً ‪ ،‬يعين هذه الصفات اليت استحقها ِف األزل هو مستحقها ِف األبد أيضاً ‪ ،‬فصفاته كما أهنا‬
‫قدمية فهي دائمة وابقية ال تفىن وال تنقطع ‪ ،‬يعين ما مسيناه اخلالق يوم خلق الناس فهو خالق قبل‬
‫ذلك ‪ ،‬ومن صفاته اخللق ‪ ،‬ويطلق عليه اسم اخلالق ‪ ،‬حىت قبل أن خيلق الناس ‪ ،‬هذا على رأي‬
‫من يرى أنه كان ال خيلق مث خلق ‪.‬‬

‫( ليس كمثله شيء وهو السميع البصري ) ‪.‬‬


‫الشرح ‪ ( :‬ليس كمثله شيء وهو السميع البصري ) ملا ذكر ما ذكره من أمساء هللا وصفاته فيما‬
‫تقدم وبني مسلك أهل السنة واجلماعة ِف ذلك أحب أن يذكر دليالً يكون مرجعاً يعرف أنه‬
‫مرجع ألهل السنة واجلماعة وهو األساس الذي تقوم عليه عقيدهتم وهو قوله ليس كمثله شيء‬
‫وهو السميع البصري ألن وصف هللا سبحانه وتعاىل على طريقة أهل السنة واجلماعة أهنم يثبتون له‬
‫ما أثبته لنفسه من الصفات أو أثبته له رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص على سبيل التفصيل ‪ ،‬وينفون عنه ما ال يليق‬
‫جبالله وعظمته نفياً عاماً جممالً خالياً من التفصيل ‪ ،‬وهذا املنطلق أخذوه من قوله سبحانه وتعاىل‬
‫( ليس كمثله شيء وهو السميع البصري )(سورة الشورى آية ‪ )44:‬وما مياثلها من اآلايت الواردة‬
‫ِف القرآن الكرمي من إثبات الكمال هلل سبحانه وتعاىل على سبيل التفصيل ونفي النقائص والعيوب‬
‫على سبيل اإلمجال ‪ ،‬فقوله ( ليس كمثله شيء) هذا نفي عام جممل ‪ ،‬ليس كمثله شيء ليس‬
‫كالنفي املفصل عند املعطلة ليس جبسم وال بعرض وال جبوهر وال كذا وال كذا ‪ (.‬ليس كمثله شيء‬
‫) الكمال الزم ملثل هذا النفي ‪ ،‬ألنه إذا كان ال مياثله شيء من خلقه علم كماله سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫أما الذين سلكوا طريق التنزيه والنفي على سبيل التفصيل ‪ ،‬فهؤالء يصلون بنفيهم وتفصيلهم إىل‬
‫العدم فإذا كان ليس فوق العامل وال داخل العامل وال خارج العامل وال متصال ابلعامل وال منفصال من‬
‫العامل ‪ -‬يصلون ِف النهاية إىل أنه ال شيء ‪ .‬وقوله ‪ ( :‬كمثله ) بعض املفسرين وال سيما الذين‬
‫يعتنون بتفسري القرآن من حيث اللغة يقولون إن الكاف هنا زائدة ‪ ،‬واملعىن مفهوم بدوهنا ‪ ،‬أي‬
‫ليس مثله شيء ‪ ،‬ومن املفسرين احملققني ‪ -‬كابن كثري رمحه هللا وغريه ‪ -‬من ال يستسيغ إطالق‬
‫الزايدة ِف القرآن ‪ ،‬وإمنا يقولون ليس كمثله شيء أي لو فرض له مثل مل يكن ملثله مثل ‪ ،‬أي ليس‬
‫مثل هللا سبحانه وتعاىل شيء ‪ ،‬ومثل هذه الكاف تكون لتأكيد نفي املماثلة ‪،‬واملعىن الثاين أسلم ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬وهو السميع البصري ) فهذا معناه إثبات صفات كاملة هلل سبحانه وتعاىل متغايرة املعىن‬
‫ليس معناها واحدا كما يقوله أهل الضالل والتعطيل الذين يقولون إن العلم مبعىن احلياة واحلياة‬
‫مبعىن السمع والسمع مبعىن البصر وكلها مبعىن واحد تدل على ذات واحدة ‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫السلف يثبتون هلل ما يثبتونه من صفات الكمال ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬أن يكون اإلثبات دليلهم فيه كالم هللا أو كالم رسوله ‪.‬‬
‫اثنياً ‪ :‬أن يكون على سبيل التفصيل ال على سبيل اإلمجال الذي يوهم ‪ ،‬كوصف املعطلة هلل‬
‫سبحانه وتعاىل أنه موجود وجوداً مطلقاً أو أنه الوجود املطلق وأنه ال جيوز تقييد وجود هللا سبحانه‬
‫وتعاىل بصفة بل يثبتون إثبااتً جممالً ‪ ،‬أما أهل احلق الذين استضاءوا بكتاب هللا وسنة نبيه ( فإهنم‬
‫يثبتون هلل سبحانه وتعاىل الكمال ولكن على التفصيل ‪ ،‬فما ثبت ِف القرآن أثبتوه ‪ ،‬ومامل يثبت‬
‫فهم فيه على نوعني ‪:‬‬

‫النوع األول ‪ :‬إما أن يكون من األلفاظ اجململة اليت حتتمل حقا وابطال ‪ ،‬فهذا ميسكون عنه فال‬
‫يثبتونه وال ينفونه ‪.‬‬
‫مثل وصف هللا ابجلسم فهذا من األمور اليت مل يرد ِف الكتاب وال ِف السنة إثباهتا وال نفيها‬
‫فالسلف يتوقفون ِف مثل هذه ال ينفوهنا وال يثبتوهنا وإمنا يقولون ‪ :‬ال نثبت إال ما أثبته هللا ورسوله‬
‫‪ ،‬وال ننفي إال ما كان نقصاً أو عيباً ِف حقه سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وسوف أييت إن شاء هللا زايدة بيان‬
‫هلذا النوع (‪.)4‬‬

‫النوع الثاين ‪ :‬أن يكون فيها نقص وعيب فينفوه ‪.‬‬


‫وهذه اآلية ومثلها هي اليت تغضب نفاة الصفات واملعطلة وتقض مضاجعهم ‪ ،‬وهلذا يقال إن‬
‫اجلهم بن صفوان أو أحد أقرانه طلب من أحد القراء أن يقرأ قوله تعاىل ( ليس كمثله شيء وهو‬
‫السميع البصري )(سورة الشورى آية‪ )44:‬ليس كمثله شيء وهو العزيز احلكيم ‪ ،‬ولكن ذلك‬
‫القارئ رفض ‪ ،‬يقول شيخ اإلسالم رمحه هللا وغريه ‪ :‬حىت لو أطاعه وخان أمانته وكتب وهو العزيز‬
‫احلكيم فإن العزة صفة واحلكمة صفة ‪ ،‬فيقع ِف مث ل ما فر منه ‪.‬‬
‫( خلق اخللق بعلمه )‬
‫الشرح ‪ :‬يعين أنه سبحانه وتعاىل خلق اخللق وهو عامل هبم وأوجدهم وهو قادر عليهم ال أنه جيهل‬
‫شيئاً من أمورهم قبل خلقهم ‪ ،‬وإمنا هو يعلم ما تكون عليه حاهلم بعد خلقهم يعلم ذلك قبل أن‬
‫خيلقهم ‪ ،‬وعامل مبا كان وما سيكون وما مل يكن لو كان كيف يكون ‪ ،‬فعلمه سبحانه وتعاىل ال‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬أنظر ص ‪.994‬‬

‫‪198‬‬
‫حيد وال حييط به أحد ‪ ،‬عام شامل وال خيفى عليه خافية ‪ ،‬فهو عامل خبلقه ‪ ،‬خلقهم بعلمه وقدرته‬
‫‪ ،‬ما خلقهم وهو جاهل بعواقب األمور اليت سيصريون إليها ‪ ،‬علم أحواهلم قبل خلقهم وعلم‬
‫أعماهلم قبل أن يعملوا ‪ ،‬وخلقهم مع قدرته عليهم ‪ ،‬فلم يستعن أبحد ومل يعجزه شيء من خلقه‬
‫اخللق ‪ ( ،‬إمنا أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون )(سورة يس‪ )٧9:‬فهو سبحانه وتعاىل ال‬
‫حيتاج إىل شيء عند إجياده ملا يريد ‪ ،‬إمنا يقول له كن فإذا هو كائن ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬خلق اخللق بعلمه ) يشري إىل الرد على املعتزلة والقدرية(‪ )4‬الذين يقولون إن هللا خلق‬
‫اخللق وهو ال يعلم ما سيفعلون ‪ ،‬خصوصاً من الشر واملعاصي فإنه مل يعلمها ومل خيلقها وإمنا بعد‬
‫خلقه هلم هم خلقوها ‪ ،‬ففيه رد على املعتزلة و القدرية الذين يقولون إن هللا ال يعلم أعمال العباد‬
‫حىت يوجدوها ‪ .‬والقدرية طبقات ‪ ،‬من أول طبقاهتم من ينكر علم هللا ابلشر ‪ ،‬أما اخلري فإنه يعلمه‬
‫وهو منه ‪ ،‬وهو الذي ييسره ويهيئه له ‪،‬ولكن كما تفطن ابن عباس هنع هللا يضر حينما قال ‪(:‬والذي‬
‫نفسي بيده ليؤولن هبم األمر إىل أن خيرجوا هللا من أن يكون قدر اخلري وعلمه كما أخرجوه من أن‬
‫يكون علم الشر وقدره)(‪. )9‬‬
‫واملتأخرون منهم قالوا إن هللا ال يعلم شيئاً من أفعال العباد حىت يفعلوها ال اخلري وال الشر ‪.‬‬

‫( وقدر هلم أقدارا وضرب هلم آجاال )‬


‫الشرح ‪ :‬يعين قدر كل شيء على العباد ‪ ،‬وقدر ما سيفعله العبد من خري وشر ‪ ،‬قدر أن يكون‬
‫سعيدا أو شقياً وأن ميوت مؤمناً أو كافراً ‪ ،‬وهذا الذي تنكره املعتزلة والقدرية من غري املعتزلة ‪،‬‬
‫ويقولون إن هللا مل يقدر شيئاً مطلقاً وإمنا إجياد العباد ألفعاهلم يستحيل أن يكون هللا قدره بل‬
‫يستحيل أن يكون علمه ‪ ،‬ألنه لو حصل ذلك لكان ظاملاً هلم فلما كان عادالً والظلم مستحيل‬
‫عليه لزم أن يقال إنه مل يقدر شيئاً على العباد مطلقاَ (‪.)4‬‬
‫قوله ‪ ( :‬وضرب هلم آجاالً ) هذا أيضاً فيه استنكار ملذهب املعتزلة الذين يقولون إن اآلجال ال‬
‫تتقدم وال تتأخر ‪ ،‬ويقولون إن املقتول مات قبل أجله وله أجل حمدود فإذا مات قبل ذلك بقتل أو‬
‫بغريه يقولون إنه مات قبل أجله وهذه من ضالالهتم وابطلهم وإال فاملسلمون كلهم جممعون‪-‬‬
‫عداهم ‪ -‬على أن من مات فقد مات أبجله سواء مات بقتل أو حرق ‪ ،‬وسواء َه ِرم أو مات طفالً‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬أي الغالة منهم الذين ينفون علم هللا أبفعال العباد ‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه امحد ِف املسند ( ‪ ) 4٧51‬وأورده ابن حجر ِف املطالب العالية ( ‪ ) 9241‬ونسبه إىل إسحاق بن راهويه ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أييت إن شاء هللا ص ‪ 945‬الرد على هذه الشبهة‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫‪ ،‬إمنا حلياته حد قدره هللا وحده وال جيوز له أن يتقدمها وال جيوز له أن يتأخرها (‪.)4‬‬

‫( ومل خيف عليه شيء قبل أن خيلقهم ‪ ،‬وعلم ما هم عاملون قبل أن خيلقهم ‪ ،‬وأمرهم بطاعته‬
‫وهناهم عن معصيته ‪ ،‬وكل شيء جيري بتقديره ومشيئته ‪ ،‬ومشيئته تنفذ ‪ ،‬ال مشيئة للعباد رال‬
‫ما شاء هلم ‪ ،‬فما شاء هلم كان وما مل يشأ مل يكن )‬
‫الشرح ‪ :‬خلق اخللق وقدر عليهم املقادير ‪ ،‬وأمرهم بطاعته وهناهم عن معصيته وال تعارض بني قوله‬
‫قدر وأمر ‪ ،‬فإنه قدر التقدير العام وأمرهم أمراً خاصاً أمراً شرعياً ‪ ،‬وهو الذي يرادف اإلرادة‬
‫الشرعية ‪ ،‬ألن اإلرادة واملشيئة نوعان ‪:‬‬
‫النوع األول ‪ :‬إرادة كونية معناها املشيئة والقضاء والقدر والتقدير الشامل العام ‪.‬‬
‫النوع الثاين ‪ :‬إرادة شرعية معناها األمر واحملبة والرضا مبا يعمله اإلنسان ‪.‬‬
‫فهو قدر عليهم املقادير ولكنه أمرهم وهناهم ‪ ،‬وال تعارض بني ذلك كما أشار إليه ِف حديث‬
‫الصحايب اجلليل سراقة بن مالك حينما قال‪ :‬اي رسول هللا ‪ :‬بني لنا ديننا ‪ ،‬كأان خلقنا اآلن ‪ ،‬فيم‬
‫العمل اليوم ؟ أفيما جفت به األقالم وجرت به املقادير ‪ ،‬أم فيما يستقبل ؟ قال ‪ ( :‬ال ‪ ،‬بل فيما‬
‫جفت به األقالم وجرت به املقادير ) ‪ ،‬قال ‪ :‬ففيم العمل ؟ فقال ‪ ( :‬اعملوا فكل ميسر ملا خلق‬
‫له )(‪ . )9‬يعين ال جيوز لإلنسان أن يقول أؤمن أبن هللا قضى علي اخلري والشر ‪ ،‬فإن كان قد‬
‫قضى علي اخلري فسوف حيصل يل سواء عملت أم مل أعمل ‪ ،‬وإن كان قدر يل الشر فسوف‬
‫يصلين سواء عملت أم مل أعمل ‪ ،‬وذلك أن نقول إن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص الذي أُمران بطاعته و اتباعه‬
‫أخربان أبن هللا قضى كل شيء وقدره فنؤمن بذلك ‪ ،‬وأمران أن ال نتكل على ذلك التقدير ‪ ،‬بل‬
‫أمران أن نطيع هللا وهناان أن نعصيه ‪ ،‬فاملؤمن حقا هو الذي يؤمن مبا أخرب هللا به رسوله من القضاء‬
‫والقدر ‪ ،‬ويطيع هللا ويطيع رسوله فيما أمر به من الشرع والدين ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬يقول ابن أيب العز رمحه هللا عند هذا املوضع ‪ ( :‬وعند املعتزلة ‪ :‬املقتول مقطوع عليه أجله ‪ ،‬ولو مل يقتل لعاش إِ َىل‬
‫أجله فكأن له أجالن وهذا ابطل ‪ ،‬ألنه ال يليق أن ينسب إِ َىل هللا تَ َع َ‬
‫اىل أنه جعل له أجالً يعلم أنه ال يعيش إليه ألبتة ‪،‬‬
‫أو جيعل أجله أحد األمرين ‪ ،‬كفعل اجلاهل ابلعواقب ‪ ،‬ووجوب القصاص والضمان َعلَى القاتل الرتكابه املنهي عنه‬
‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ ( :‬صلة الرحم تزيد ِف العمر ) أي‪ :‬سبب طول‬
‫ومباشرته السبب احملظور ‪ ،‬وعلى هذا خيرج قوله َ‬
‫العمر ‪ ،‬وقد قدر هللا أن هذا يصل رمحه فيعيش هبذا السبب إِ َىل هذه الغاية ‪ ،‬ولو ال ذلك السبب مل يصل إِ َىل هذه‬
‫الغاية ‪ ،‬ولكن قدر هذا السبب وقضاه ‪ ،‬وكذلك قدر أن هذا يقطع رمحه فيعيش إِ َىل كذا ‪ ،‬كما قلنا ِف القتل وعدمه )‬
‫اه ‪ ..‬انظر شرح الطحاوية البن أيب العز ص ‪ 49٧‬ت الرتكي‬
‫(‪ )9‬رواه مسلم ( ‪ ) 911٧‬وِف البخاري بلفظ آخر ( ‪. )4419‬‬

‫‪211‬‬
‫فجمع املؤلف بني القضاء والقدر واألمر والنهي يريد بذلك رفع هذه الشبهة اليت قد يوردها جربي‬
‫ويقول ‪ :‬إذا كان هللا قدر علي اخلري والشر فأي فائدة ِف عملي ؟ يقال له ‪ :‬الرسول الذي أخربان‬
‫أبن هللا قدر اخلري والشر أمران أن نعمل فقال ‪ ( :‬اعملوا فكل ميسر ملا خلق له ) فنؤمن ابخلرب‬
‫ونطيعه فيما أمر ‪ ،‬وهللا سبحانه وتعاىل أخربان أن ما قضاه سيكون مطلقاً وال بد أن يكون ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ ( :‬ميحو هللا ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب )(سورة الرعد آية ‪ )4٧:‬ميحو هللا ما‬
‫يشاء من التفاصيل اليت أتيت بعد التقادير العامة ‪ ،‬والذي قضاه هللا ِف اللوح احملفوظ ال ميكن أن‬
‫ميحى ‪.‬‬
‫وهللا سبحانه وتعاىل مشيئته انفذة ال مشيئة ألحد مع مشيئته ‪ ،‬والعبد له مشيئة وله إرادة ولكن‬
‫مشيئته وإرادته حمدودة ومقيدة مبشيئة هللا وإرادته ‪ ،‬كما قال سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬وما تشاؤون إال أن‬
‫يشاء هللا رب العاملني )(سورة التكوير آية ‪ )92:‬فما شاءه هللا كان ‪ ،‬سواء أراده العباد أم مل يريدوه‬
‫‪ ،‬وسواء رضيه العباد أومل يرضوه ‪ ،‬ما أراده هللا إرادة كونية فسيكون خرياً كان أو شراً ‪ ،‬وما مل يرده‬
‫إرادة كونية فلن يكون مهما بذل العبد من الوسائل ‪ ،‬وهذا ميثله البيت الذي نظمه بعض العلماء‬
‫حينما قال‪:‬‬
‫شئت كان ورن مل أشأ‬
‫فما َ‬
‫شئت رن مل تشأ مل يكن‬
‫وما ُ‬
‫شئت أان رن مل تشأ ايرب مل يكن ‪)4(،‬‬ ‫فما شئت اي رب كان ورن مل أشأ أان ‪ ،‬وما ُ‬
‫هذا ميثل مذهب السلف متاما ‪ ،‬و يوضح مذهبهم ِف املشيئة واإلرادة ‪ ،‬وِف فعل العبد ومشيئة‬
‫العبد توضيحاً كامالً ‪.‬‬
‫( يهدي من يشاء ويعصم ويعايف فضال ‪ ،‬ويضل من يشاء وخيذل ويبتلي عدال )‬
‫الشرح ‪ :‬هذه املسألة هي مسألة القضاء والقدر ‪ ،‬ومسألة العدل ‪ ،‬واملسألة اليت ضل فيها فئام من‬
‫الناس كاملعتزلة والرافضة وغريهم من القدرية الذين يقولون إننا لو قلنا إن هللا يهدي مبعىن يوفق‬
‫ويلهم للزم أن يكون ظاملاً ‪ ،‬كيف يهدي فالانً ويوفقه ويضل فالانً أو مينعه من اهلداية ‪.‬‬

‫اهلداية عند علماء أهل السنة هلا معان ‪:‬‬


‫هداية معناها البيان واإلرشاد ‪.‬‬
‫هداية معناها التوفيق واإلهلام والتسديد ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬هذا البيت منسوب لإلمام الشافعي رمحه هللا ‪ ،‬انظر اإلميان ابلقضاء والقدر لعمر بن سليمان األشقر ص‪94‬‬

‫‪211‬‬
‫فاهلداية اليت مبعىن البيان واإلرشاد هذه تكون من هللا وتكون من الرسل وتكون من املؤمنني العلماء‬
‫‪ ،‬وهي بيان الطريق واإلرشاد والنهي عن الضالل والتحذير من الوقوع فيه ‪.‬‬
‫أما اهلداية اليت مبعىن التوفيق واإلهلام فهذه ال تكون إال من هللا عز وجل كما قال سبحانه وتعاىل ‪:‬‬
‫( إنك ال هتدي من أحببت )(سورة القصص آية ‪ )51:‬هتدي مبعىن تدل وترشد وتبني وأما هداية‬
‫التوفيق فهي ِف قوله تعاىل ‪ ( :‬وإنك لتهدي إىل صراط مستقيم*صراط هللا )(سورة الشورى‬
‫آية‪ ) 59-54:‬و معىن ( إنك ال هتدي من أحببت ) أي ال توفقه وال تعينه وال تسدده بل ذلك‬
‫كله إىل هللا سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وهذه القضية من كربايت القضااي اليت احتدم فيها اجلدال واخلصام و‬
‫املناظرة بني القدرية وغريهم من مثبتة القضاء والقدر ‪ ،‬يقولون كيف نعتقد أبن هللا يهدي فالان‬
‫ويضل فالان مث ال يكون ظاملاً ملن أضله ؟ واجلواب عن هذه الشبهة أجاب به كثري من العلماء ‪،‬‬
‫وهو أن اهلداية اليت يعطيها سبحانه وتعاىل من يشاء ومينعها من يشاء هي ملك هلل سبحانه وتعاىل‬
‫‪ ،‬واملالك مللكه إن تفضل به على أحد فهو فضل منه وإن منعه فهو عدل منه ألن املالك للشيء‬
‫يتصرف به ِف املنح وِف املنع ‪.‬‬
‫وقد جرت مناظرة بني عبد اجلبار اهلمذاين املعتزيل وبني أيب إسحاق اإلسفرائيين األشعري حيث‬
‫دخل عبد اجلبار على الصاحب بن عباد وكان عنده اإلسفرائيين ‪ :‬فقال عبداجلبار على الفور ‪:‬‬
‫سبحان من تن زه عن الفحشاء ‪.‬‬
‫فقال اإلسفرائيين فورا ‪ :‬كلمة حق أريد هبا ابطل ‪ ،‬سبحان من ال يقع ِف ملكه إال ما يشاء ‪.‬‬
‫فقال عبداجلبار – وفهم انه قد عرف مراده ‪ : -‬أيريد ربنا أن يعصى ؟‬
‫فقال أبو إسحاق ‪ :‬أيعصى ربنا قهرا ؟‬
‫فقال عبد اجلبار ‪ :‬أرأيت إن منعين اهلدى وقضى علي ابلردى ‪ ،‬أحسن إيل أم أساء ؟‬
‫فقال اإلسفرائيين ‪ :‬إن كان منعك ماهو لك فقد أساء ‪ ،‬وإن كان منعك ماهو له فيختص برمحته‬
‫من يشاء ‪ ،‬فانقطع القدري عبداجلبار وسكت ومل جيد جواابً (‪. )4‬‬
‫( وكلهم يتقلبون يف مشيئته بني فضله وعدله)‬
‫الشرح ‪ :‬سبق أن ذكران أن اإلميان ابلقضاء والقدر من أصول أهل السنة واجلماعة ‪ ،‬وأن هللا قضى‬
‫وقدر كل شيء على العباد قبل خلقهم ‪ ،‬وبينا أن هللا سبحانه وتعاىل هو الذي ميلك هداية التوفيق‬
‫‪ ،‬وبينا أن اهلداية تنقسم إىل هداية التوفيق وهداية الداللة واإلرشاد وأن هداية التوفيق هي اليت‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬انظر دفع إيهام االضطراب للشنقيطي ِف آخر أضواء البيان ‪ ، 444/4٧‬ولوامع األنوار البهية للسفاريين ‪442 / 4‬‬

‫‪212‬‬
‫اختص هللا سبحانه وتعاىل هبا ‪ ،‬أما هداية الداللة واإلرشاد فتكون من هللا ومن الرسل ومن العلماء‬
‫وهي هداية الطريق والسبيل ملن يريد السلوك ‪.‬‬
‫وهنا قال ‪ ( :‬وهم يتقلبون ) أي مع تقديره وقضائه عليهم اخلري والشر كله هم يتقلبون بني عدله‬
‫وفضله ‪ ،‬يعين هو سبحانه وتعاىل يعامل عباده إما ابلعدل وإما ابلفضل فإذا وفقهم للخري وهداهم‬
‫إليه ويسر هلم طرقه وفعلوه كان هذا من فضل هللا سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وإذا منع عنهم التوفيق وخذهلم‬
‫فإن ذلك يكون عدالً منه سبحانه وتعاىل وال يكون ظلماً ‪ ،‬وقد بينت سابقاً أن القدرية يقولون إن‬
‫هللا لو شاء املعاصي مث عذب عليها يكون ظاملا هلم وال يتحقق العدل ِف حق هللا عند املعتزلة‬
‫والقدرية إال إذا أنكروا أو نفوا عنه أن يكون قدر شيئاً من املعاصي والكفر وغريه ‪ ،‬ولكن الذي‬
‫عليه أهل السنة واجلماعة وسلف األمة أن هللا سبحانه وتعاىل ُحكمه ِف عباده دائر بني أمرين ‪،‬‬
‫إما أن يعاملهم بفضله وإما أن يعاملهم بعدله ‪ ،‬فإن وفقهم للخري فقد تفضل عليهم بذلك ‪ ،‬وإن‬
‫منعهم ذلك التوفيق فقد عدل ِف حقهم ألن من ملك شيئاً ومنعه غريه ال يكون ظاملاً هلم وإمنا‬
‫يكون عادال ِف حقه ‪ ،‬ألن العقالء كلهم متفقون على أن املالك للشيء إعطاؤه لغريه فضل ومنعه‬
‫عن غريه عدل ‪ ،‬فهذا معىن قوله ‪ ( :‬يتقلبون ِف مشيئته بني فضله وعدله ) ‪.‬‬

‫( وهو متعال عن األضداد واألنداد )‬


‫الشرح ‪ :‬يعين أن هللا سبحانه وتعاىل ال ند له وال ضد له ‪ ،‬والند والضد متقارابن ‪ ،‬و املماثل و‬
‫املناظر والنديد مبعىن واحد‪.‬‬

‫( ال راد لقضائه وال معقب حلكمه وال غالب ألمره ‪ ،‬آمنا بذل كله وأيقنا أن كال من عنده )‬
‫الشرح ‪ :‬الكالم الذي تقدم كله يتعلق بقوله ‪ ( :‬نقول بتوفيق هللا إن هللا واحد ال شريك له )‬

‫( وأن دمحما عبده املصطفى ونبيه اجملتىب ورسوله املرتضى )‬


‫الشرح ‪ :‬اآلن انتقل إىل الكالم عن الرسول ‪ ،‬ومعلوم أن الركن األول من أركان اإلسالم هو اإلقرار‬
‫ابلوحدانية هلل واإلقرار ابلنبوة والرسالة حملمد‪ ،‬وأنه ال ينفع اإلقرار ابلتوحيد مامل ينضم إليه اإلقرار‬
‫ابلرسالة والنبوة حملمد ‪ ،‬وهلذا قال ملسو هيلع هللا ىلص ملا سأله جربيل عن أركان اإلسالم قال ‪ ( :‬أن تشهد أن ال‬
‫إله إال هللا وأن دمحماً رسول هللا )(‪. )4‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 1111‬ومسلم (‪. )4‬‬

‫‪213‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬وأن دمحماً عبده املصطفى ) يعين اصطفاه هللا واجتباه من بني خلقه واصطفاه لعلمه‬
‫سبحانه وتعاىل السابق أنه هو من يصلح للرسالة والنبوة ‪ ،‬اختاره واجتباه وأرسله إىل أهل األرض ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬ورسوله ) الرسول هو من أوحى هللا إليه بشرع وأمره بتبليغ ذلك الوحي ‪ ،‬خبالف النيب ‪:‬‬
‫وهو من أوحي إليه بشرع وإن مل يؤمر بتبليغه ‪ ،‬فالنسبة بني الرسول والنيب هي العموم واخلصوص‬
‫املطلق ‪ ،‬فكل رسول نيب وليس كل نيب رسوالً ‪ ،‬والرسول أخص من النيب ألنه ال ميكن أن يكون‬
‫رسوالً إال وهو نيب ‪ ،‬ألن التنبئة معناها اإلخبار بوحي هللا ‪ ،‬لكن إن كان هذا املوحى إليه بوحي‬
‫هللا وخرب هللا أُمر بتبليغه للناس صار نبيا إبخباره ابلوحي وصار رسوال أبمره ابلتبليغ ‪ ،‬وإن أخرب‬
‫بشيء من الوحي ومل يكلف بتبليغ الناس بذلك كان نبياً فقط ‪.‬‬

‫وأما من يقول إن النيب هو املقرر لشرع من قبله فيعرتض عليه أبن آدم عليه الصالة و السالم نيب‬
‫وهو مل جيدد لوحي قبله ‪ ،‬فيكون هذا التعريف انقص ال يشمل كل نيب وكل رسول ‪ ،‬والتعريف‬
‫الصحيح هو الذي ذكرته ‪ ،‬وهو الذي عليه أئمة السلف وهو الذي يشمل مجيع من أوحى إليه‬
‫بشرع سواء أمر بتبليغه أومل يؤمر بتبليغه ‪ ،‬كل من أوحى إليه بشيء من خرب هللا فهو نيب وال خيرج‬
‫أحد عن ذلك أبداً ‪ ،‬لكن يكون رسوالً إن أمر ابلتبليغ ‪.‬‬

‫( وأنه خامت األنبياء ورمام األتقياء وسيد املرسلني وحبيب رب العـاملني )‬


‫الشرح ‪ :‬من أصول الشريعة اإلميان أبن النبوءات ختمت مبحمد ‪ ،‬وهذا جاء ِف القرآن وجاء ِف‬
‫احلديث أيضاً ‪ ،‬ففي سورة األحزاب جاء صرحياً أن نبينا دمحما خامت النبيني ‪ ،‬قال تعاىل ‪ ( :‬ما كان‬
‫دمحم أاب أحد من رجالكم ولكن رسول هللا وخامت النبيني )(سورة األحزاب آية ‪ ، )1٧:‬والنيب صلى‬
‫هللا عليه وسلم أخرب أنه خامت األنبياء وأنه ال نيب بعده فكان إمجاعا من املسلمني أن دمحماً هو آخر‬
‫الرسل وأن رسالته أخر الرساالت وال خيالف أحد ِف ذلك من املسلمني ‪ ،‬وهلذا من ادعى النبوءة‬
‫أو ادعى الرسالة حكم املسلمون عليه ابلكفر إمجاعاً ‪.‬‬

‫قوله ‪ ( :‬وإمام األتقياء وسيد املرسلني وحبيب رب العاملني ) هذا كله من ابب السجع و املؤلف‬
‫رمحه هللا مع أن عقيدته هذه خمتصرة جداً إال أنه يكثر فيها من التكرار ألجل مراعاة السجع ‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫فغي وهوى )‬
‫( وكل دعوى النبوة بعده ٌ‬
‫الشرح ‪ :‬قد أخرب أنه سيكون بعده متنبئون ‪ ،‬فقال ‪( :‬سيكون ِف أميت كذابون ثالثون كلهم يزعم‬
‫أنه نيب وأان خامت النبيني ال نيب بعدي )(‪ ، )4‬وقد وجدوا كلهم ‪ ،‬منهم األسود العنسي ومنهم‬
‫مسيلمة الكذاب ومنهم سجاح ‪ ،‬ومنهم كثريون كلهم ادعوا النبوة ولكن ما مت هلم شيء ‪.‬‬
‫وقوله ‪( :‬كذابون ثالثون كلهم يزعم أنه نيب ) هذا للحصر ‪ ،‬وهلذا مل يقل أحد إنه وجد أكثر من‬
‫ثالثني متنبئا ‪ ،‬وما يظهر ِف األوقات املتأخرة من دعوى النبوة فإن ذلك يكون نتيجة خلل ِف‬
‫العقل ‪ ،‬و أان شاهدت ابلرايض اثنني أو ثالثة يوم كنا طلبة عند الشيخ دمحم بن إبراهيم(‪ )9‬كلهم‬
‫جمانني ‪ ،‬وحصل عند الشيخ ابن محيد(‪ )4‬مره أو مرتني لكن هؤالء كلهم عندهم خلل ِف العقل ‪،‬‬
‫الرسول ملسو هيلع هللا ىلص يتكلم عمن يدعي النبوة جاداً ويكون له شوكة وأتباع ‪ ،‬فيقبلها من الرعاع انس يتبعونه‬
‫ويكونون معه ‪ ،‬هذا هو األوىل حبمل كالمه ‪.‬‬
‫والنيب البد له من عالمات وآايت تبينه ومتيزه من غريه ‪ ،‬فإذا وجدت تلك اآلايت عرف أنه نيب‬
‫وأما بدوهنا فإنه ال حيكم بنبوته ‪ ،‬أما رسالة دمحم فال ميكن أن أييت أحد آبايت وال ميكن أن يكون‬
‫أحد رسوالً بعده أبداً ‪.‬‬
‫ومن هنا تعلم ضالل املعتزلة يف نفيهم كرامات األولياء ‪ ،‬وقد نفوها متذرعني أبهنم لو اثبتوا‬
‫لألولياء كرامات اللتبس عليهم الويل ابلنيب ‪ ،‬وهؤالء يقال هلم ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬إن العلماء فرقوا بني الكرامة واملعجزة ‪.‬‬
‫اثنيا ‪ :‬يقال هلم هل هناك نيب سيأيت بعد نبينا دمحم حىت تنكروا ذلك خشية االلتباس بينهما ‪!..‬‬
‫واملعجزات كثرية وهي آايت األنبياء والرسل ‪ ،‬وهي خوارق للعادات وسوف أييت زايدة توضيح‬
‫لذلك عند الكالم على ذلك ِف موضعه إن شاء هللا (‪.)1‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود ( ‪ ) 1959‬واللفظ له ‪ ،‬والبخاري ( ‪ ) 41٧2‬ومسلم ( ‪. ) 451‬‬
‫(‪ )9‬هو الشيخ دمحم بن إبراهيم من أحفاد الشيخ دمحم بن عبدالوهاب آل الشيخ مفيت الداير النجدية ‪ ،‬ولد ِف الرايض‬
‫سنة ‪ 4444‬ه ‪ ،‬وهو من ابرز مشايخ الشيخ محود العقالء ‪ ،‬وكان الشيخ محود يثين عليه كثريا ‪ ،‬له رسائل وفتاوى‬
‫ومكاتبات جمموعة ِف ثالث عشرة جملد ‪ ،‬توِف رمحه هللا سنة ‪ 44٧2‬ه ‪ .‬انظر روضة الناظرين حملمد بن عثمان القاضي‬
‫‪. 445/9‬‬
‫(‪ )4‬هو الشيخ عبدهللا بن دمحم بن محيد اخلالدي رئيس جملس القضاء األعلى ‪ ،‬ولد ِف الرايض ‪ 4492‬ه ‪ ،‬عني قاضيا‬
‫ِف بريدة لفرتة طويلة ‪ ،‬و قرأ عليه عدة من علماء القصيم ‪ ،‬وكذا الرايض وغريها ‪ ،‬له مؤلفات ورسائل ‪ ،‬وقد طبع له‬
‫جملد فيه بعض فتاويه ‪ ،‬توِف رمحه هللا سنة ‪ 41٧9‬ه انظر روضة الناظرين للقاضي ‪55 /9‬‬
‫(‪ )1‬أنظر ص ‪.411‬‬

‫‪215‬‬
‫( وهو املبعوث رىل عامة اجلن وكافة الورى ابحلق واهلدى والنور والضياء )‬
‫الشرح ‪ :‬هذا بيان اعتقاد السلف أن رسالة النيب ملسو هيلع هللا ىلص عامة جلميع الناس ‪ ،‬كان الرسول يبعث إىل‬
‫قومه خاصة أما النيب ملسو هيلع هللا ىلص فقد بعث إىل الناس عامة ‪ ،‬قال هللا تعاىل ‪ ( :‬قل أييها الناس إين رسول‬
‫هللا إليكم مجيعاً )(سورة األعراف آية ‪ ، )45٧:‬فالناس هنا صيغة عموم ألنه معرف أبل فيعم مجيع‬
‫الناس ‪ ،‬وهو عليه الصالة والسالم أخرب بذلك وقال ِف احلديث املتفق على صحته ِف اخلمسة اليت‬
‫مل يؤهتا نيب قبله منها ( وكان النيب يبعث إىل قومه خاصة وبعثت إىل الناس عامة) (‪ )4‬وهذا إبمجاع‬
‫املسلمني ‪ ،‬أما ما يقوله أعداء اإلسالم من عيسوية اليهود وغريهم الذي يقرون برسالة دمحم صلى‬
‫هللا عليه وسلم ولكنهم يقولون إنه رسول للعرب فقط فهذا ضالل وكفر وال يلتفت إليه (‪، )9‬‬
‫لكن املسلمون كلهم جممعون على أنه ملسو هيلع هللا ىلص بعث إىل الناس عامة أي إىل مجيع الناس ‪.‬‬

‫( وأن القرآن كالم هللا منه بدأ بال كيفية قوال ‪ ،‬وأنزله على رسوله وحيا ‪ ،‬وصدقه املؤمنون‬
‫على ذل حقا ‪ ،‬وأيقنوا أنه كالم هللا تعاىل ابحلقيقة ‪ ،‬ليس مبخلوق ككالم الربيّة ‪ ،‬ومن مسعه‬
‫فزعم أنه كالم البشر فقد كفر وقد ذمه هللا وعابه و أوعده بسقر ‪ ،‬حيث قال تعاىل ( سأصليه‬
‫سقر ) فلما أوعد هللا بسقر ملن قال ( رن هذا رال قول البشر ) علمنا وأيقنا أنه قول خالق‬
‫البشر وال يشبه قول البشر )‬
‫الشرح ‪ :‬هذا املقطع يتعلق ببيان مذهب أهل السنة واجلماعة ِف كالم هللا ‪ ،‬واإلمام الطحاوي‬
‫واحد منهم ‪ ،‬وهو يتكلم على أن هذا هو مذهب أهل السنة واجلماعة وهو كذلك ‪ ،‬وهو سائر‬
‫على طريقتهم رمحه هللا إال ِف مسائل قليلة ينبه عليها ِف حينها ‪.‬‬
‫الكالم ِف لغة العرب من حيث هو ما تكون من كلمتني وأفاد فائدة حيسن سكوت املتكلم عليها‬
‫‪ ،‬وكالم هللا سبحانه وتعاىل هو ما تكلم به ومسع من مالئكته وأنبيائه ‪ ،‬وللناس ِف كالم هللا‬
‫مذاهب كثرية ‪ ،‬ذكر شارح الطحاوية منها تسعة مذاهب ‪ ،‬ولكن كلها ترجع إىل ثالثة مذاهب ‪:‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 445‬ومسلم ( ‪. ) 594‬‬
‫(‪ )9‬أهل الكتاب يستشهدون على هذا من القرآن ‪ ،‬وقد رد عليهم شيخ اإلسالم رمحه هللا ِف اجلواب الصحيح (‬
‫‪ 44٧/4‬وما بعدها ) ودحض حجتهم أبمور منها ما ملخصه ‪:‬‬
‫‪ – 4‬إن ِف كالم نبينا دمحم ما يبني كفرهم وشركهم ‪ ،‬فلماذا أيخذون ما يريدون ويدعون ماال يريدون ‪.‬؟!‬
‫‪ – 9‬أهنم يكذبون دمحما فكيف يستشهدون بكالمه ‪.‬؟!‬
‫‪ – 4‬أن هذا يعين إقرارهم بنبوة دمحم إىل العرب ‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫املذهب األول ‪ :‬قول السلف أهل السنة واجلماعة وهو أن القرآن والتوراة واإلجنيل كالم هللا ‪ ،‬وأنه‬
‫يتكلم بكالم يسمع منه حبرف وصوت إذا اندى أو كلم من شاء من عباده سواء ِف ذلك املالئكة‬
‫أو الرسل أو غريهم ‪ ،‬كما قال سبحانه وتعاىل ِف عدة مواضع من كتابه العزيز ‪ ،‬ومنها قوله عز‬
‫وجل ‪(:‬فأجره حىت يسمع كالم هللا )(سورة التوبة آية ‪ )1:‬وكذلك قوله ‪ (:‬وكلم هللا موسى‬
‫تكليماً)(سورة النساء آية ‪ )411:‬وقوله سبحانه‪ ( :‬وملا جاء موسى مليقاتنا وكلمه ربه )(سورة‬
‫األعراف آية ‪ )414:‬وغريها من النصوص الدالة على أن هللا يتكلم إذا شاء ‪ ،‬والكالم صفة من‬
‫صفاته سبحانه وتعاىل كسائر صفاته ‪ ،‬يثبت له على الكيفية اليت تليق جبالله وعظمته ‪.‬‬
‫فنؤمن أبن هللا يتكلم وله كالم وأن كالمه حبرف وصوت ويسمع منه ولكن كيف يكون ذلك أو ما‬
‫هو كنه ذلك الكالم ؟ هذا نقف عنه وال نتكلم فيه ألننا مأمورون ابإلميان مبعاين الصفات‬
‫وحقائقها أما كيفياهتا وكنهها فهذا ليس إىل البشر ‪ ،‬والكالم كالم هللا ‪ ،‬هو يتكلم إىل جربيل‬
‫وجربيل يسمعه مث ينقله إىل رسله ‪ ،‬وقد يتكلم إىل رسله مباشرة كما كلم موسى وكما كلم دمحماً‬
‫على الصحيح حني أسري به ‪ .‬وهذا ال خالف فيه بني السلف ‪ ،‬السلف كلهم متفقون على‬
‫اإلميان أبن اللفظ واملعىن كالمها كالم هللا ‪ ،‬ليس كالمه املعاين دون احلروف وال احلروف دون‬
‫املعاين كما قال شيخ اإلسالم رمحه هللا ‪.‬‬
‫والدليل على أن هللا يتكلم بصوت ما ثبت عنه ملسو هيلع هللا ىلص من حديث عبدهللا بن أنيس انه قال ( حيشر‬
‫غرال ‪ ،‬هبما‪ ،‬فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من‬ ‫هللا اخلالئق يوم القيامة عراة حفاة ْ‬
‫قرب ‪ :‬أان امللك أان الداين )(‪. )4‬‬
‫وهذا خالصة مذهب السلف ِف الكالم ‪.‬‬

‫املذهب الثاين ‪ :‬فهو لألشاعرة والكالبية واملاتريدية ‪ ،‬واألشاعرة الكالبية واملاتريدية مشرهبم واحد‬
‫ومنهجهم واحد ‪ ،‬وأدلة اإلثبات وأدلة النفي عندهم واحدة ‪ ،‬وال خيتلفون إال ِف أمور خفيفة ال‬
‫تستحق أن يقال إنه خالف ‪ ،‬ألنه إن وقع بينهم شيء فهو من طرق اخلالف اللفظي (‪. )9‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬ذكره البخاري ِف صحيحه معلقا بعد حديث (‪ ) 11‬ووصله احلافظ ابن حجر ِف تغليق التعليق ( ‪) 455/5‬‬
‫ورواه البخاري أيضا ِف خلق أفعال العباد ص ‪ ، 22‬ورواه ِف صحيحه بلفظ آخر ( ‪ ، ) 11٧4‬وِف األدب املفرد (‬
‫‪ ) 21٧‬ورواه امحد ِف مسنده ( ‪ ) 41٧19‬بسند حسن ‪.‬‬
‫(‪ )9‬ينظر املاتريدية للشمس السلفي األفغاين رمحه هللا ‪ 14٧ /4‬والتدمرية لشيخ اإلسالم ص ‪ 424‬ت دمحم عودة‬
‫السعوي ‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫هؤالء رأيهم ِف كالم هللا أن كالم هللا هو املعىن القائم بذاته ‪ -‬معىن الكالم فقط ‪ -‬وأما أن يتكلم‬
‫بكالم يسمع منه فهذا ال يقر به هؤالء أبداً ‪ ،‬وإمنا يقولون احلروف واألصوات اليت تسمع هي‬
‫كالم البشر ‪.‬‬
‫فمعىن الكالم قائم بذاته ‪ ،‬و معىن األمر و النهي و االستفهام و االستخبار كله قائم بذاته ‪ ،‬فإذا‬
‫أراد تبليغ شيء من هذه املعاين أقدر جربيل على أن يفهم ما ِف نفسه سبحانه وتعاىل فيعرب عنه ‪،‬‬
‫فعلى هذا التفسري يكون القرآن خملوقا(‪ )4‬وإن قالوا إنه كالم هللا ‪ ،‬ملاذا ؟ ألهنم يقولون إن هللا مل‬
‫يتكلم بكالم مسعه جربيل وعرب عنه أو نقله ‪ ،‬يقولون إن جربيل فهم ما يريده هللا فتكلم به ‪،‬‬
‫فيكون معىن الكالم عندهم راجعاً لإلرادة ‪.‬‬
‫وهم إن أقروا به مع الصفات السبع اليت يقرون هبا لكنه على هذا النمط ‪ ،‬يقرون بكالم هللا مبعىن‬
‫أن معىن الكالم هو كالم هللا وأما اللفظ فهو لفظ جربيل جاء به إىل دمحم ملسو هيلع هللا ىلص بعد أن فهم ما يريده‬
‫هللا ‪ ،‬فلفظ الكالم عندهم خملوق ‪ ،‬فهم يتفقون مع اجلهمية واملعتزلة ابلنسبة للفظ الكالم وأنه‬
‫خملوق(‪ ، )9‬لكنهم خيتلفون عنهم بدعواهم أن كالم هللا معاين قائمة بذاته يُفهمها من شاء‬
‫فيفهمها عنه ‪ ،‬ال أنه تكلم ‪ ،‬ويقولون الكالم ِف حقه سبحانه وتعاىل حمال ألن الكالم حيتاج إىل‬
‫لسان وشفتني وأسنان وحلق وهلاة وغري ذلك ‪.‬‬
‫ولكن يرد عليهم هذا الكالم الذي ذكروه ‪ :‬أبن هذا من شئون املخلوقني ومن صفاهتم ‪ ،‬اإلنسان‬
‫هو الذي كالمه يفتقر إىل هذه اآلالت ‪ ،‬أما هللا سبحانه وتعاىل كما أن ذاته ال متاثل ذوات‬
‫املخلوقني فكذلك صفاته ومنها الكالم ال متاثل صفات املخلوقني ‪ ،‬وإال فلو طردان هذا الباب‬
‫على قوهلم لبطلت صفات هللا كلها ‪.‬‬
‫ألنه ميكن لقائل أن يقول كاجلهم مثالً ‪ :‬اإلرادة والعلم واحلياة وغريها من الصفات العقلية ال‬
‫يوصف هللا هبا ألننا ال نرى متصفا هبذه الصفات ‪ِ -‬ف املشاهد ‪ -‬إال وهو خملوق ‪ ،‬فلو أثبتناها‬
‫هلل لكان مشاهباً للخلق ‪ ،‬فلهذا ال يلزم على صفاته ما يلزم على صفات املخلوقني ‪.‬‬
‫وكما أن الكالم أخرب هللا عنه أنه صدر من بعض األشياء من غري أن يكون هلا لسان وال أسنان‬
‫وال حلق كالسموات واألرض ( مث استوى إىل السماء وهي دخان فقال هلا ولألرض ائتيا طوعاً أو‬
‫كرها قالتا أتينا طائعني )(سورة فصلت آية ‪ . )44:‬هل لألرض لسان ‪ ،‬وهل للسماء لسان‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬انظر قول ابن قدامة ِف الربهان ِف بيان القرآن ص ‪.59‬‬
‫(‪ )9‬ذكر بعضهم أن اخلالف بني املعتزلة واألشاعرة ِف كالم هللا خالف لفظي ‪ ،‬انظر شرح املواقف للجرجاين ‪24/٧‬‬
‫وشرح العقائد العضدية للدواين ص ‪.5٧٧‬‬

‫‪218‬‬
‫وقد أخرب عنهما أهنما قالتا ؟ فالقول والكالم ال يتوقف على هذه اآلالت إال ابلنسبة ملا نشاهده‬
‫من البشر ‪ ،‬وهللا سبحانه وتعاىل أعظم من كل ما خيطر ِف خلد إنسان مهما كان ‪ ،‬ال ميكن‬
‫إلنسان أن يتصور عظمته حىت يقول يلزم على كالمه كذا أو يلزم على رؤيته كذا أو يلزم على‬
‫استوائه ونزوله كذا ‪ ،‬هللا سبحانه وتعاىل عظيم وال يقاس خبلقه ‪ ،‬وال جيوز عليه ما جيوز على خلقه‬
‫من األمور اليت تكون عيوابً ونقائص ‪.‬‬
‫فالكالبية واألشاعرة يقولون هبذا املذهب ‪ ،‬ولكن خيتلفون ِف التعبري ‪ ،‬فالكالبية يقولون ‪ :‬إن‬
‫القرآن حكاية عن كالم هللا وليس هو كالم هللا ‪ ،‬واألشاعرة يقولون إن القرآن عبارة عن كالم هللا‬
‫وليس هو كالم هللا ‪ ،‬فكلهم متفقون على أنه ليس كالم هللا وإمنا هو كالم جربيل ‪ ،‬واختالفاهتم‬
‫فيما بينهم كلها كهذا االختالف ‪ ،‬فال فرق بني العبارة واحلكاية إمنا األشاعرة تربر قوهلا فتقول ‪:‬‬
‫إن احلكاية معناها احملاكاة واملشاهبة ‪ ،‬وإذا قلنا إن القرآن حكاية عن كالم هللا كأننا نقول إنه شبيه‬
‫بكالم هللا ‪.‬‬
‫املذهب الثالث ‪ :‬مذهب اجلهمية واملعتزلة ‪ ،‬هؤالء يقولون إن كالم هللا خملوق لفظه ومعناه ‪،‬‬
‫خلقه هللا ِف اللوح احملفوظ ونقله جربيل عنه أو خلقه ِف أي مكان ‪.‬‬
‫فمكاملته ملوسى يقولون إنه خلق الكالم ِف الشجرة ‪ ،‬وهذا ابطل لوجوه ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬أنه لو خلق ِف الشجرة لصار كالم الشجرة ‪ ،‬وألنه خلق فينا كالماً فهو كالمنا ‪ ،‬وخلق ِف‬
‫احليواانت األصوات فاألصوات أصواهتا ‪.‬‬
‫اثنيا ‪ :‬لو كان الكالم خلقه ِف الشجرة لكانت الشجرة تدعو إىل عبادهتا ‪ ،‬ألن هللا سبحانه‬
‫وتعاىل اندى موسى ( إين أان ربك ) فهل تقول الشجرة اي موسى إين أان ربك ؟ فلما كان الكالم‬
‫هو كالم هللا مسعه موسى عليه الصالة والسالم من تلقاء الشجرة ‪ ،‬فال يصح أن يكون كالمه‬
‫سبحانه وتعاىل خملوقاً ال ِف الشجرة وال ِف غريها ‪ ،‬صحيح أنه َكتب ِف اللوح احملفوظ سبحانه‬
‫وتعاىل ما شاء لكن تكلم به وكتبه ال أنه خلقه من غري أن يتكلم به ‪ ،‬هو كتبه بعد أن تكلم به‬
‫سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫وهلذا ملا احتج عبد العزيز الكناين ابلسرب والتقسيم على بشر املريسي ِف املناظرة اليت جرت بني‬
‫يدي املأمون عن كالم هللا سبحانه قال عبد العزيز ‪ :‬هذا الكالم الذي تقوله اي بشر املريسي قولك‬
‫إن هللا خلقه أخربين ‪:‬‬
‫هل خلقه ِف نفسه سبحانه وتعاىل ‪ ،‬أو خلقه ِف غريه ‪ ،‬أو خلقه ال ِف مكان ‪ ،‬وال قسم رابع ‪،‬‬
‫فلما كان السؤال مفحماً واجلواب ال جيده املبطل عجز بشر عن اجلواب ‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫فرجع املأمون إىل عبد العزيز الكناين وقال ‪ :‬انقطع بشر وعجز عن اجلواب لكن أخربين ماذا تقول‬
‫لو أجاب أبي واحد منها ؟‬
‫قال ‪ :‬اي أمري املؤمنني أان سألته هل خلق هللا الكالم ِف ذاته الكرمية ؟ فلو قال ‪ :‬نعم لكفر ‪ ،‬ألنه‬
‫جعل ذات الباري حمالً للحوادث وابإلمجاع أن من اعتقد أن الباري حمالً للحوادث فقد كفر ‪ ،‬ولو‬
‫قال ‪ :‬خلقه ِف غريه من سائر املخلوقات لطالبته ابلفرق بني كالم هللا وبني كالمي وكالمك وكالم‬
‫زيد وعمرو وهنيق احلمري وصياح الكالب ‪ ،‬كل هذه األصوات خلقها هللا ِف غريه ‪ ،‬فأي فرق بينها‬
‫وبني كالم هللا ‪ ،‬قال ‪ :‬ولو قال خلقه ال ِف مكان ‪ ،‬ال يقوله لكنه لو قاله لبُني له أن العقالء‬
‫أمجعوا أبن املخلوق ال بد وأن يكون ِف مكان ‪ ،‬وال ميكن أن يكون ِف غري مكان ‪ ،‬فكل خملوق‬
‫ال خيلوا من مكان ‪ ،‬فانقطع املريسي ودحضت حجته ‪)4(.‬‬
‫وأحد األقسام الثالثة اليت جاء هبا هي اليت يقوهلا املعتزلة واجلهمية وابلنسبة لكالم هللا ‪ ،‬يقولون‬
‫خلقه ِف غريه ‪ ،‬كالمه ملوسى خلقه ِف الشجرة ‪ ،‬وكالمه حملمد خلقه ِف اللوح احملفوظ ‪ ،‬فهم‬
‫جعلوا كالم هللا ككالم غريه ال فرق بينه وبني كالم الناس ‪.‬‬
‫هذا حاصل أو خالصة ما يقال ِف مذاهب الناس ِف كالم هللا على سبيل اإلمجال ‪ ،‬ولكن نعيد‬
‫اجلمل هذه اليت قاهلا املؤلف ألنه رمحه هللا أييت ِف احلُكم الواحد بعدة عبارات من ابب التكرار ‪،‬‬
‫ألنه كما ذكران حيمله على التكرار مراعاة فقرات السجع ‪.‬‬

‫( وأن القرآن كالم هللا تعاىل منه بدأ بال كيفية (‪ )1‬قوال )‬
‫الشرح ‪ :‬قوله ‪ ( :‬بال كيفية ) نفي للتكييف ‪ ،‬وقوله ‪ ( :‬قوال ) ال أنه بدأ منه خلقاً ‪ ،‬خالفاً‬
‫لألشاعرة ومن معهم الذين يقولون إنه بدأ منه إفهاماً أفهمه جربيل‪.‬‬
‫( أنزله على رسوله وحيا )‬
‫الشرح ‪ :‬أنزله على دمحم ملسو هيلع هللا ىلص وحيا أوحاه إليه ‪ ،‬والوحي قد يكون بواسطة امللك ‪ ،‬يتكلم هللا ابلوحي‬
‫فينقله جربيل مث ينقله إىل دمحم ملسو هيلع هللا ىلص فيوحيه إليه ‪ ،‬وقد يكون بطريقة أخرى ‪ ،‬فالوحي له عدة طرق‬
‫كما قد دون ِف علوم القرآن ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬ذكر الشيخ رمحه هللا هذه القصة خمتصرة مع شيء من الشرح ‪ ،‬وجتد نصها ِف كتاب احليدة لعبدالعزيز الكناين ص‬
‫‪ 491‬حتقيق د‪ .‬مجيل صليبا ‪.‬‬
‫(‪ )9‬األوىل ابلطحاوي رمحه هللا أن يقول بال تكييف ‪ ،‬ألن كالم هللا تعاىل له كيفية هللا اعلم هبا ‪ ،‬لكن ال نكيفها وال‬
‫نسأل عنها بكيف ‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫( وصدقه املؤمنون على ذل حقا )‬
‫الشرح ‪ :‬أي وصدقه املؤمنون أنه جاء بوحي من عند هللا ‪ ،‬وأن هللا تكلم بذلك ‪ ،‬اعتقدوه حقاً ال‬
‫جمازاً‪)4(.‬‬

‫( وأيقنوا أنه كالم هللا تعاىل ابحلقيقة )‬


‫الشرح ‪ :‬وأيقنوا أنه كالم هللا حقيقة ال جمازاً كما تقوله اجلهمية واألشاعرة ‪.‬‬

‫( ليس مبخلوق ككالم الربية )‬


‫الشرح ‪ :‬ليس مبخلوق ككالم البشر كما تقوله املعتزلة واجلهمية واألشاعرة أيضاً‪.‬‬
‫املشكلة اآلن أن األشاعرة يقال إهنم أقرب الناس إىل أهل السنة ‪ ،‬علماً أبهنم إن نظرت إليهم من‬
‫حيث صفة الكالم وجدت أهنم يوافقون املعتزلة من حيث إن هللا مل يتكلم ومل يقل ‪ ،‬وإن نظرت‬
‫إليهم من حيث القدر وأفعال العباد وجدهتم جربية ألهنم ينفون أن يكون للعبد فعل ‪ ،‬وإن نظرت‬
‫إليهم من حيث الصفات وجدهتم جهمية إال فيما يدعون إثباته من سبع صفات ‪ ،‬فمن أين هلم‬
‫القرب ‪ ،‬فهم بعيدون من أهل السنة كل البعد ‪.‬‬
‫هم متفقون مع أهل السنة واجلماعة ِف احلكم على الصحابة وِف مواالهتم والرتضي عنهم وعدم‬
‫تضليل أحد منهم أو تكفريه ‪ ،‬ومواقفهم السابقة زمن صالح الدين وغريه إمنا كانت ِف أبواب‬
‫الصحبة ‪ ،‬كما كان عداؤهم للرافضة وللنواصب ‪ ،‬فهم يلتقون مع أهل السنة ِف هذا املنطلق فقط‬
‫‪ ،‬وكذلك ِف مناظرهتم للمعتزلة كانت ِف إنكارهم للصفات السبع ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ ) 4‬األصل ِف الكالم احلقيقة ‪ ،‬وال يصار إىل غري ذلك إال بدليل يوجب صرف اللفظ من االحتمال الراجح إىل‬
‫اصطالحا حاد ًاث‬
‫ً‬ ‫االحتمال املرجوح ‪ ،‬يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا ( إن ِف تقسيم الكالم إىل حقيقة وجماز‬
‫بعد انقضاء القرون الثالثة ‪ ،‬مل يتكلم به أحد من األئمة املشهورين ِف العلم ‪ :‬كمالك ‪ ،‬والثوري ‪ ،‬واألوزاعي ‪ ،‬وأيب‬
‫حنيفة ‪ ،‬والشافعي ‪ ،‬بل وال تكلم به أئمة اللغة والنحو مثل ‪ :‬اخلليل ‪ ،‬وسيبويه ‪ ،‬وأيب عمرو بن العالء ‪ ،‬وحنوهم ) إىل‬
‫أن قال ‪ ( :‬وهذا الشافعي هو أول من جرد الكالم ِف أصول الفقه مل يقسم هذا التقسيم وال تكلم بلفظ احلقيقة واجملاز‬
‫‪ ،‬وكذلك دمحم بن احلسن له ِف املسائل املبنية على العربية كالم معروف ِف اجلامع الكبري وغريه ومل يتكلم بلفظ احلقيقة‬
‫واجملاز ) اخل ‪ .‬مث نقل أن لإلمام امحد ِف ذلك روايتني مث قال ‪ ( :‬والذين أنكروا أن يكون أمحد وغريه نطقوا هبذا التقسيم‬
‫قالوا إن معىن قول امحد من جماز اللغة أي مما جيوز ِف اللغة ) ‪.‬‬
‫انظر كتاب اإلميان البن تيمية ص ‪ ٧5 – ٧1‬حتقيق الشيخ األلباين رمحه هللا ‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫مع أن إثبات األشاعرة للصفات السبع ليس على طريقة أهل السنة واجلماعة ‪ ،‬فصفة الكالم مثال‬
‫يقولون هي املعىن القائم بذات هللا تعاىل أما اللفظ فلفظ جربيل وهو خملوق ‪ ،‬وهم يؤولون ِف ذلك‬
‫وال جياملون ويصرحون أبنه ال يتكلم ‪ ،‬بل ويعللون مبا تعلل به املعتزلة واجلهمية أبن القول والصوت‬
‫حيتاج إىل لسان وشفتني وأسنان ‪ ،‬وهذا صريح ِف مذهبهم على ما أييت تبيينه إن شاء هللا ‪.‬‬
‫فإن قيل إهنم يسمون أبهل السنة ‪ ،‬قيل األشاعرة هم من مسى أنفسهم بذلك ومل يسمهم أهل‬
‫السنة ‪ ،‬وما ذكر عن السفاريين ِف هذا فإن السفاريين رمحه هللا من أهل السنة (‪ ، )4‬لكن له‬
‫نزعات ِف بعض املسائل يلتقي فيها مع األشاعرة ‪.‬‬

‫( فمن مسعه فزعم أنه كالم البشر فقد كفر ‪ ،‬وقد ذمه هللا وعابه و أوعده بسقر حيث قال‬
‫تعاىل ( سأصليه سقر ) فلما أوعد هللا بسقر ملن قال ( رن هذا رال قول البشر ) علمنا وأيقنا‬
‫أنه قول خالق البشر وال يشبه قول البشر )‬
‫الشرح ‪ :‬يشري إىل اآلايت الواردة ِف سورة اي أيها املدثر (‪. )9‬‬

‫( ومن وصف هللا مبعىن من معاين البشر فقد كفر ‪ ،‬فمن أبصر هذا اعترب وعن مثل قول‬
‫الكفار انزجر وعلم أنه بصفاته ليس كالبشر )‬
‫الشرح ‪ :‬هذا تكميل للعبارات السابقة ‪.‬‬

‫( والرؤية حق ألهل اجلنة بغري رحاطة وال كيفية )‬


‫الشرح ‪ :‬الرؤية حق للمؤمنني يوم القيامة ‪ ،‬والرؤية من الصفات اليت حصل فيها اخلالف بني أهل‬
‫السنة واجلماعة وبني غريهم من املعطلة ‪ ،‬فجمهور املسلمني يثبتون الرؤية ‪ ،‬ما عدا املعتزلة واجلهمية‬
‫وبعض األشاعرة فإهنم ينكرون الرؤية ويقولون هللا سبحانه وتعاىل ال يرى ِف الدنيا وال ِف اآلخرة‬
‫وعللوا ذلك أبن معىن الرؤية أن يقع البصر على شيء مقابل ‪ ،‬وأن املرئي ال بد أن يكون منحازاً‬
‫ِف مكان ينعكس عليه البصر ‪ ،‬وهللا لو كان كذلك لكان منحازا ِف مكان ‪ ،‬وهذا يدل على‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬السفاريين رمحه هللا من أهل السنة فيما وافق فيه أهل السنة ‪ ،‬وإال شرحه لوامع األنوار يبني انه يعتقد أن مسلك‬
‫السلف هو التفويض ‪ ،‬وهو الذي يظهر من شرحه ‪ ،‬مع تناقضات أخرى له فيه رمحه هللا ‪ .‬وانظر ِف ذلك شرح الشيخ‬
‫ابن قاسم للدرة املضية ص ‪ ، 91‬و مذهب أهل التفويض ِف نصوص الصفات ص ‪ 919‬للشيخ امحد القاضي ‪.‬‬
‫(‪ ( )9‬إن هذا إال قول البشر * سأصليه سقر ) آية ‪91-95‬‬

‫‪212‬‬
‫تنقص ِف حق هللا هكذا يقولون ‪ ،‬فنفوا الرؤية وصرفوا مجيع النصوص الواردة فيها عن مدلوهلا إىل‬
‫معان تصوروها بعقوهلم أو سفسطوا (‪ )4‬وغالطوا ‪ ،‬وهم يعلمون أن أتويالهتم ابطلة ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫احلاصل أن املعتزلة واجلهمية وبعض األشاعرة أنكروا الرؤية بتااتً ‪ ،‬أما مجهور األشاعرة فإهنم أثبتوا‬
‫الرؤية ولكن أثبتوها بطريقة ليست ابلطريقة اليت أثبتها أهل السنة واجلماعة ‪ ،‬فإهنم قالوا إن هللا يرى‬
‫والرؤية من صفاته ولكن يرى ال ِف مكان ‪ ،‬أرادوا أن يتخلصوا من شبهة املعتزلة واجلهمية وهو أن‬
‫املرئي جيب أن يكون ِف مكان منحاز ‪ ،‬وهلذا يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ :‬إن األشاعرة ِف‬
‫مسألة الرؤية هم خمنثو املعتزلة ‪ ،‬مبعىن أهنم ال هم معتزلة وجهمية فيطردون الباب وينكرون الرؤية ‪،‬‬
‫وال هم من أهل السنة واجلماعة فيقروهنا ‪ ،‬فسماهم خمنثي املعتزلة ‪ ،‬كما أن اخلنثى ال هو ذكر وال‬
‫أنثى ‪ ،‬أما أهل السنة واجلماعة وأكثر املسلمني من غريهم فإهنم يثبتوهنا هلل سبحانه وتعاىل و‬
‫أدلتهم كثرية ِف القرآن وِف احلديث ‪ ،‬كقوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬وجوه يومئذ انضرة * إىل رهبا انظرة‬
‫)(سورة القيامة آية ‪ )99-94:‬انظرة يعين تنظر إىل هللا سبحانه وتعاىل وكذلك ‪ :‬قوله ‪ ( :‬للذين‬
‫أحسنوا احلسىن وزايدة )(سورة يونس آية ‪ )91:‬فسر احملققون من املفسرين أن الزايدة هي النظر‬
‫إىل هللا سبحانه وتعاىل (‪ ،)9‬وكذلك قوله سبحانه وتعاىل ( كال إن كتاب الفجار لفي سجني وما‬
‫أدراك ما سجني كتاب مرقوم ) إىل أن قال ‪ ( :‬كال إهنم عن رهبم يومئذ حملجوبون )(سورة املطففني‬
‫آية ‪ )1-45:‬فلما ذكر أن من عقاب الكافرين أن حيجبوا عن رؤية هللا دل ذلك على أن غريهم‬
‫ال حيجب وأنه يرى هللا سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وكذلك قوله ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬إنكم سرتون ربكم كما ترون القمر‬
‫ليلة البدر ال تضامون ِف رؤيته )(‪ ، )4‬فالرؤية ِف حق املؤمنني هلل واجبة عند أهل السنة واجلماعة‬
‫وال شك ِف ثبوهتا ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬يقول الشيخ محود ِف شرح التدمرية ‪ :‬السفسطة كلمة يواننية مركبة من سوف سطا ‪ ،‬أي مموه احلكمة ‪ ،‬ومعناها‬
‫املغالطة وإظهار الباطل مظهر احلق ‪ ،‬وهي إحدى طرق االحتجاج عند أهل املنطق ‪.‬‬
‫وقد أشار شيخ اإلسالم إىل هذا مث قال ‪ :‬وإن كان لفظ السفسطة قد صار ِف عرف املتكلمني عبارة عن جحد‬
‫احلقائق ‪ .‬انظر التسعينية ‪ 954 /4‬ت د دمحم العجالن‪.‬‬
‫(‪ )9‬روى الرتمذي ( ‪ ) 9559‬عن النيب عليه الصالة والسالم ِف قوله ( للذين أحسنوا احلسىن وزايدة ) قال ‪ ( :‬إذا‬
‫دخل أهل اجلنة اجلنة اندى مناد ‪ :‬إن لكم عند هللا موعدا ‪ ،‬قالوا ‪ :‬أمل يبيض وجوهنا وينجينا من النار ويدخلنا اجلنة ؟‬
‫قالوا ‪ :‬بلى ‪ ،‬قال ‪ :‬فيكشف احلجاب ‪ ،‬قال ‪ :‬فوهللا ما أعطاهم شيئا أحب إليهم عن النظر إليه ) ‪ .‬وانظر صحيح‬
‫البخاري بعد حديث ( ‪ ) 1112‬ومسلم ( ‪. ) 4٧4‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 551‬ومسلم ( ‪. ) 144‬‬

‫‪213‬‬
‫أما نفاة الرؤية فيزعمون – كما سبق ‪ -‬أن العقل يدل على أن كل مرئي البد أن يكون متشكالً‬
‫بشكل ومنحازاً ِف مكان حىت تقع عليه أشعة البصر ‪ ،‬وهذا ال حيق وجوده ِف حق هللا سبحانه‬
‫وتعاىل ‪ ،‬وأضاف نفاة الرؤية إىل الدليل العقلي هذا قوله تعاىل ِف خطابه ملوسى ‪ ( :‬لن تراين ) ‪،‬‬
‫قالوا ‪ :‬وهذا يدل على أنه ال يرى ‪ ،‬والسلف أجابوا عن هذا أبن معىن ‪ ( :‬لن تراين ) أي ‪ :‬لن‬
‫تقدر على رؤييت ِف هذه الدنيا ‪ ،‬هللا سبحانه وتعاىل رؤيته ليست سهلة يسرية يقوى عليها بصر‬
‫اإلنسان العادي ‪ ،‬فال ميكن أن يرى إال إذا أعطي البصر قوة خارقة زائدة عن عادة البصر ِف‬
‫الدنيا ‪ ،‬فقال موسى ملا قال ‪ ( :‬رب أرين أنظر إليك ) قال ‪ ( :‬لن تراين ) يعين لست ِف حالة‬
‫متكنك من رؤييت ألن بصرك قاصر ‪ ،‬فليس معىن لن تراين أي ال أرى ‪ ،‬هللا سبحانه وتعاىل لو‬
‫كانت رؤيته مستحيلة لقال ملوسى إنين ال أرى ‪ ،‬لكنه قال لن تراين أي لن تراين ِف هذه الدنيا‪.‬‬
‫و من األدلة اليت قلبها أهل السنة على نفاة الرؤية أن ( لن ) ِف قوله تعاىل ( لن تراين ) ال تعين‬
‫مطلق التأبيد ‪ ،‬بل تعين نفي الرؤية لوقت معني ‪ ،‬والدليل على هذا أن هللا تعاىل ذكر عن الكفار‬
‫أهنم ( لن ) يتمنوا املوت ‪ ،‬كما ِف قوله عز وجل ‪ ( :‬ولن يتمنوه أبدا )(سورة البقرة آية ‪ )25:‬أي‬
‫ك‬‫ض َعلَْي نَا َربُّ َ‬ ‫ك لِيَ ْق ِ‬ ‫ِ‬
‫املوت ‪ ،‬وِف اآلية األخرى بني أهنم متنوه ‪ ،‬كما ِف قوله تعاىل ‪َ (:‬و َان َد ْوا َاي َمال ُ‬
‫)(سورة الزخرف آية ‪ ، )11:‬فاستعماهلم ( لن ) ِف اآلية األوىل يعين أهنم لن يتمنوا املوت لزمن‬
‫معني ‪ ،‬وأما اآلية الثانية فتدل على أهنم سيطلبون املوت ‪ ،‬وأن لن ِف آية موسى تدل على امتناع‬
‫ني َح َّ َٰىت يَ ْرِج َع‬ ‫ِ ِِ‬
‫الرؤية لوقت معني ‪ .‬وكذلك قوله تعاىل عن قوم موسى ‪( :‬قَالُوا لَ ْن نَْب َر َح َعلَْيه َعاكف َ‬
‫وس َٰى)(سورة طه آية‪ )24:‬ورجوع موسى عليه السالم يقطع التأبيد ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫إلَْي نَا ُم َ‬
‫وكذلك قوله تعاىل ِف سورة يوسف (آية ‪ ( : )٧٧:‬فلن أبرح األرض حىت أيذن يل أيب ) يعين إذا‬
‫أذن له أبوه برح ‪.‬‬
‫ورؤية هللا سبحانه وتعاىل ِف الدنيا حمل خالف بني السلف ‪ ،‬أهل السنة واجلماعة جممعون على أن‬
‫غري الرسول عليه الصالة والسالم ال ميكن أن يرى هللا ِف الدنيا لعجز بصره عن ذلك بدليل قوله‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص (حجابه النور لو كشفه ألحد ألحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه‬
‫)(‪ )4‬يعين أن أبصار الناس ِف الدنيا ال تقوى على مقابلة هللا ورؤيته ‪ ،‬لكن اختلفوا ِف دمحم صلى‬
‫هللا عليه وسلم هل رأى ربه ِف الدنيا أو مل يره ‪ ،‬اجلمهور على أنه مل ير ربه ‪ ،‬وبعض السلف ومنهم‬
‫الصحابة يقولون إنه رأى ربه ‪ ،‬و منشأ اخلالف ِف قوله ملسو هيلع هللا ىلص ملا سئل‪ :‬هل رأيت ربك‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم ( ‪ ) 412‬وابن ماجه ( ‪. ) 421 – 425‬‬

‫‪214‬‬
‫أَّن أراه ) وِف لفظ ‪ ( :‬نور أين أراه ) أو قال ِف لفظ آخر ‪ ( :‬رأيت نوراً ) ‪ ،‬فقالوا‬ ‫قال ‪ ( :‬نور َّ‬
‫قوله ملسو هيلع هللا ىلص (نور أين أراه ) يدل على أنه رآه ِف الدنيا (‪.)4‬‬
‫وما ذكر عن شيخ اإلسالم رمحه هللا ِف جواز رؤية هللا سبحانه وتعاىل ِف املنام فليست من الرؤاي‬
‫اليت فيها اخلالف ‪ ،‬ألهنا رؤية منام وليست حقيقة(‪ ، )9‬وقوله ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬تعلموا أنه لن يرى أحد‬
‫منكم ربه عز وجل حىت ميوت )(‪ )4‬املقصود به املوت احلقيقي وليس النوم ‪.‬‬
‫أما رؤيته ِف اآلخرة فكما سبق ‪ -‬السلف وأئمة اهلدى والدين كلهم جممعون على أن هللا سبحانه‬
‫وتعاىل يراه املؤمنون وأن أفضل النعيم الذي يعطيه عباده يوم القيامة هو النظر إىل وجهه الكرمي‬
‫(‪. )1‬‬
‫وابلنسبة خلالف السلف ِف هذه املسألة أو ِف غريها يستدل به بعض الناس فيقول أنتم تنكرون‬
‫على من خالفكم ِف العقيدة وتبدعونه ‪ ،‬وهذا خالف السلف أنتم تنقلون عنهم ِف هذه املسألة ‪،‬‬
‫نعم حنن نقول إن السلف اختلفوا فيها بناء على اختالف لفظ عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬فكل منهم ينزع‬
‫بلفظ ‪ ،‬ومل خيتلفوا كاختالفكم وصرفكم النصوص عن ظواهرها ‪ ،‬فالذين قالوا إن الرسول صلى هللا‬
‫عليه وسلم رأى ربه وهم القليل استدلوا بقوله ‪ (:‬نور أين أراه ) ‪ ،‬أما الكثري وهم الذين قالوا ‪ :‬ال‬
‫يرى ‪ ،‬استدلوا بقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪ ( :‬نور أَّن أراه ) ‪ ،‬واستدلوا بقول عائشة اهنع هللا يضر ملا سأهلا مسروق بن‬
‫األجدع ‪ :‬هل رأى دمحم ملسو هيلع هللا ىلص ربه ؟‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬ابن القيم رمحه هللا مجع بني األقوال ِف هذه املسألة فقال ‪ ( :‬وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي ِف كتاب الرؤية‬
‫له إمجاع الصحابة على أنه مل ير ربه ليلة املعراج ‪ ،‬وبعضهم استثىن ابن عباس فيمن قال ذلك ‪ ،‬وشيخنا يقول ليس‬
‫ذلك خبالف ِف احلقيقة ‪ ،‬فإن ابن عباس مل يقل رآه بعيين رأسه وعليه اعتمد أمحد ِف إحدى الروايتني حيث قال إنه رآه‬
‫عز وجل ومل يقل بعيين رأسه ولفظ أمحد لفظ ابن عباس رضي هللا عنهما ويدل على صحة ما قال شيخنا ِف معىن‬
‫حديث أيب ذر هنع هللا يضر قوله ِف احلديث اآلخر حجابه النور فهذا النور هو وهللا أعلم النور املذكور ِف حديث أيب ذر هنع هللا يضر‬
‫رأيت نورا ) انظر اجتماع اجليوش اإلسالمية ‪ 49/4‬وزاد املعاد ‪ 41 / 4‬وجمموع الفتاوى ‪. 5٧2/1‬‬
‫(‪ )9‬ذكر شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا ِف الفتاوى ( ‪ ) 42٧ / 4‬أن املؤمن قد يرى ربه ِف املنام ِف صور متنوعة‬
‫على قدر إميانه ويقينه ‪ ،‬فإن كان إميانه صحيحا مل يره إال ِف صورة حسنة ‪ ،‬مث قال ‪ :‬ورؤاي املنام هلا حكم غري رؤاي‬
‫احلقيقة ِف اليقظة ‪ ..‬انظر بيان تلبيس اجلهمية ت القاسم ‪. 11 – 14 / 4‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم ( ‪ ) 9144‬والرتمذي ( ‪ ) 9945‬وابن ماجه ( ‪. ) 1٧11‬‬
‫(‪ )1‬روى مسلم ِف صحيحه ( ‪ ) 4٧4‬عن صهيب هنع هللا يضر أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال ‪ ( :‬إذا دخل أهل اجلنة اجلنة اندى مناد ‪:‬‬
‫إن لكم عند هللا موعدا ‪ ،‬قالوا ‪ :‬أمل يبيض وجوهنا وينجينا من النار ويدخلنا اجلنة ؟ قالوا ‪ :‬بلى ‪ ،‬قال ‪ :‬فيكشف‬
‫احلجاب ‪ ،‬قال ‪ :‬فوهللا ما أعطاهم شيئا أحب إليهم عن النظر إليه ) ورواه الرتمذي ( ‪. ) 9559‬‬

‫‪215‬‬
‫قالت ‪ ( :‬قف شعري مما قلت ‪ !.‬من حدثك أن دمحما ملسو هيلع هللا ىلص رأى ربه فقد كذب )احلديث (‪، )4‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬نور أَّن أراه ) هذا رأي استدل به قوم ‪ ،‬وقوم استدلوا بلفظ ‪ ( :‬نور أين أراه ) فالسلف‬
‫اختالفهم على نصوص شرعية صحيحة ‪،‬مل خيتلفوا كمخالفة املعتزلة واجلهمية واألشاعرة الذين‬
‫اعتمدوا على مقدمات عقلية كاذبة ‪ ،‬والذين يضربون ابلنص عرض احلائط وأيتون له مبعىن من‬
‫تلقاء أنفسهم ‪ ،‬وفرق بني هذا وهذا ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬ألهل اجلنة ) احرتازا من الكافرين كما ِف قوله تعاىل ‪ ( :‬كال إهنم عن رهبم يومئذ‬
‫حملجوبون ) ‪ ،‬وأما ما رواه البخاري ( أن هللا سبحانه وتعاىل أييت يوم القيامة ِف صورة غري صورته‬
‫فيسجد له كل مؤمن ‪ ،‬ويبقى من كان يسجد هلل رايءا ومسعة فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره‬
‫طبقا واحدا )(‪ )9‬فهذا احلديث ليس فيه أن املنافقني يرون رهبم ‪.‬‬
‫وقيل إهنم يرونه ولكن ليس كرؤية املؤمنني ‪ ،‬بل رؤية غضب ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬بغري إحاطة ) اإلحاطة معناها اإلدراك ‪ ،‬أن يكون الرائي حييط ابملرئي من مجيع جهاته ‪،‬‬
‫يراه رؤية حميطة ‪ ،‬وهلذا أجاب السلف عن شبهة نفاة الرؤية حينما استدلوا بقوله تعاىل ‪ ( :‬ال‬
‫تدركه األبصار ) أجاهبم السلف وقالوا ‪ :‬إن الرؤية غري اإلدراك ‪ ،‬فالرؤية هي جمرد رؤية املرئي ‪،‬‬
‫واإلدراك إحاطة البصر ابملرئي إحاطة كاملة ‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعاىل يرى لكن ال حياط به رؤيةً ‪،‬‬
‫فقوله ‪ ( :‬بغري إحاطة ) يعين أن أهل اجلنة إذا رأوا هللا ال حييطون به رؤية وإمنا يرونه فقط ‪.‬‬
‫أنت اآلن ترى السماء ‪ ،‬فهل حتيط جبميع السماء اآلن ‪ ،‬واألرض أيضاً تراها هل حتيط هبا رؤية ؟‬
‫هذا الفرق بني الرؤية واإلحاطة ‪ .‬وقوله ‪ ( :‬وال كيفية)(‪ )4‬ال نكيفه ‪،‬كيف نراه ؟ هل نراه كذا‬
‫وعلى كذا وعلى هيئة كذا ‪ ،‬بل نراه فقط كما أخربان سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وأخربان رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وأما كيف نراه فهذا يقال فيه كما قال مالك رمحه هللا ملا سئل ‪ :‬كيف استوى ؟ قال‬
‫‪ ( :‬االستواء معلوم والكيف جمهول واإلميان به واجب والسؤال عنه بدعة ‪ ،‬واخرجوا عين هذا‬
‫الرجل املبتدع أو ال أراه إال مبتدعاً )(‪ )1‬فمن سأل ‪ :‬كيف نراه ؟ نقول الرؤية معلومة والكيف‬
‫______________________________________‬
‫(‪)4‬رواه البخاري ( ‪ ) 1٧55‬ومسلم ( ‪. ) 411‬‬
‫(‪ )9‬روه البخاري ( ‪ ) 1142‬ومسلم ( ‪. ) 4٧4‬‬
‫(‪ )4‬رؤية هللا تعاىل هلا كيفية لكننا ال نعلمها ‪ ،‬أما الرؤية بال كيفية – كما تقول االشاعرة انه يرى من غري جهة ‪ -‬فغري‬
‫معقول ‪.‬‬
‫(‪ )1‬أثر مالك أخرجه الاللكائي ( ‪ ) 111‬والبيهقي ِف األمساء والصفات ص ( ‪ ) 1٧٧‬والبغوي ِف شرح السنة ‪/ 4‬‬
‫‪ ، 41‬والذهيب ِف العلو وصحح إسناده ‪ ، 259 /9‬وجود إسناده ابن حجر ِف الفتح ‪. 1٧1 / 44‬‬

‫‪216‬‬
‫جمهول واإلميان هبا واجب والسؤال عنها بدعة فاهلل سبحانه وتعاىل أعظم من أن يدركه أحد وحييط‬
‫به أو حييط به علم ‪.‬‬

‫( كما نطق به كتاب ربنا ‪ :‬وجوه يومئذ انضرة * رىل رهبا انظرة )‬
‫الشرح ‪ :‬املعطلة نفاة الرؤية يؤولون قوله تعاىل ‪ ( :‬انظرة ) ‪ ،‬ويقولون أي منتظرة للثواب ‪ ،‬فيفسرونه‬
‫بتفسري ال جيوز لغة(‪ )4‬وال شرعا(‪. )9‬‬

‫(وتفسريه على ما أراده هللا سبحانه وتعاىل وعلمه)‬


‫الشرح ‪ :‬تفسريه هنا إن كان يريد تفسري املعين فهذا خطأ وال يوافقه السلف على هذا ‪ ،‬ألن املعىن‬
‫يفسره العلماء ويعلمونه ‪ ،‬وإن كان يريد ابلتفسري كما يريده غريه ِف بعض األحيان ويعين بذلك‬
‫الكيفية اليت سبق الكالم عليها وهي تفسري كيفيته وكنهه على ما يعلمه هللا تعاىل ويراه فهذا‬
‫صحيح ‪ ،‬أما إطالق لفظ التفسري فهذا حيتمل احلق وحيتمل الباطل ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬أهل السنة ردوا على حتريف أهل األهواء اللغوي لقوله تعاىل ( وجوه يومئذ انضرة إىل رهبا انظرة ) من عدة أوجه‬
‫منها ‪:‬‬
‫‪ - 4‬أن لفظ النظر املقرون حبرف اجلر ( إىل ) يفيد ِف الوضع الرؤية احلقيقية ابلعني دون احتمال شيء آخر كاالنتظار‬
‫وحنوه ‪ ،‬كما قرره علماء العربية وتعقبوا من صرفه إىل االنتظار ابلتخطئة ( انظر االختالف ِف اللفظ والرد على املشبهة‬
‫ص ‪ ، ) 4٧‬قال أبو جعفر النحاس ‪ :‬أما قول من قال ‪ :‬معناه منتظرة فخطأ ‪ ،‬مسعت علي بن سليمان ( األخفش‬
‫الصغري ) يقول ال يقال نظرت إليه مبعىن انتظرته ‪ ،‬إمنا يقال نظرته ‪ ،‬وهو قول إبراهيم بن دمحم بن عرفة ( نفطويه ) وغريه‬
‫‪ .‬وقال األزهري ‪ :‬من قال ‪ :‬إن معىن قوله ( إىل رهبا انظرة ) مبعىن منتظرة فقد أخطا ‪ ،‬ألن العرب ال تقول نظرت إىل‬
‫الشيء مبعىن انتظرته ‪ ،‬إمنا تقول نظرت فالان أي انتظرته ‪ ،‬ومنه قول احلطيئة ‪:‬‬
‫وقد نظرتكم أبناءَ صادرةٍ‬
‫للورد طال هبا حوزي وتْنساسي‬
‫‪ : - 9‬أن النظر إذا ذكر مع الوجه فيعين الرؤية احلقيقية ‪ ،‬قال أبو احلسن األشعري ‪ :‬وال جيوز أن يكون عىن نظر‬
‫االنتظار ‪ ،‬ألن النظر إذا ذكر مع ذكر الوجه فمعناه نظر العينني اللتني ِف الوجه ‪ ،‬وهو قول الباقالين ‪.‬‬
‫انظر إعراب القران البن النحاس فقد ذكر ِف هذا تسع صفحات ‪ ،‬وقد نقلت هذه األوجه بتصرف من كتاب ‪ :‬األثر‬
‫العقدي ِف تعدد التوجيه اإلعرايب آلايت القران ‪ 25٧ / 9‬أتليف د‪ .‬دمحم بن عبدهللا السيف ‪.‬‬
‫(‪ )9‬سيأيت إن شاء هللا تبيني الشيخ اضطراهبم ِف التأويل عند الكالم على الصفات السبع ‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫(وكل ما جاء يف ذل من احلديث الصحيح عن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص فهو كما قال ‪ ،‬ومعناه على ما‬
‫أراد )‬
‫الشرح ‪ :‬قوله ‪ ( :‬على ما أراد ) هذا فيه شيء من الغموض ‪ ،‬يعين هل املعىن ال يعرفه إال هللا أو‬
‫الرسول ( الذي جاء به ‪ ،‬أو أنه يعلمه الناس و يفسرونه ؟ فقوله هذا فيه شيء من اإلمجال ألنه‬
‫ابتفاق السلف أن معاين النصوص معلومة لنا ‪ِ ،‬‬
‫نفسرها ونبينها ونتكلم عليها ونوضحها ونرتمجها‬
‫بلغات أخرى ‪ ،‬أما الذين يقولون إن املعىن ال يعلمه إال هللا فهؤالء هم املفوضة وليس مذهب‬
‫املفوضة ِف شيء من مذهب السلف ‪ ،‬وعلى كل املفوضة قسمان ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬من قال إن ظاهر آايت الصفات مراد لكن ال يعلمه إال هللا ‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬من قال إن ظاهر آايت الصفات غري مراد ‪ ،‬وليس هلا معىن أبدا ال ظاهرا وال ابطنا ‪،‬‬
‫لكنها سيقت للتعبد ‪.‬‬
‫فقوله ‪ ( :‬ومعناه على ما أراده ) حيتمل أنه يريد الكيفية وهذا حق ‪ ،‬وحيتمل أنه يريد معىن اللفظ‬
‫ومعىن الكالم العريب وهذا غري صحيح ال يوافق عليه‪.‬‬

‫( ال ندخل يف ذل متأولني آبرائنا وال متومهني أبهوائنا )‬


‫الشرح ‪ :‬ال ندخل ِف ذلك متأولني آبرائنا وال متومهني أبهوائنا ولكن نفسره ونبينه ونتكلم فيه على‬
‫ما نعرفه من لغتنا ‪ ،‬إذا ثبت النص لنا عن هللا سبحانه وتعاىل أو عن نبيه ملسو هيلع هللا ىلص فإننا ال نتوهم وال‬
‫ندخل فيه ابلتأويل ‪ ،‬وإمنا نفسره حسب ما نعرفه من لغتنا فالرسول ملسو هيلع هللا ىلص قال ‪ ( :‬إنكم سرتون‬
‫ربكم )(‪ )4‬الرؤية معروفة ِف لغتنا ‪ ،‬معىن رأى ويرى و رأيت والرؤية هذا نعرفه ِف لغتنا ‪ ،‬لكننا ال‬
‫ندخل و خنوض ِف كيفية هذه الرؤية ‪ ،‬كذلك قال سبحانه ‪ ( :‬الرمحن على العرش استوى )(سورة‬
‫ونفسره ونبينه ونرتمجه ابللغات األخرى ولكن كيف استوى هذا‬ ‫طه آية‪ )5:‬االستواء نعرفه ِف لغتنا ِ‬
‫هو الذي ليس إلينا ‪.‬‬

‫(فإنه ما سلم يف دينـه رالّ من سلّم هلل عز وجل ولرسوله)‬


‫الشرح ‪ :‬سلم هلل و لرسوله يعين آمن مبا جاء عن هللا ورسوله وصدقه واعتقده ‪ ،‬ولكن إذا كان فيه‬
‫شيء مل يدركه عقله أو اته فيه عقله فإنه يسلم هلل ورسوله وال يعارضه أو ينكره ألن عقله مل يدركه‬
‫أو مل حيط به ‪ ،‬ألن العقول حمدودة ‪ ،‬العقول ذرة صغرية من ذرات الكون اليت خلقها هللا فال ميكن‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 551‬ومسلم ( ‪. ) 144‬‬

‫‪218‬‬
‫أن حنكم هبا على ِح َكم هللا وعلى مراد هللا ‪ ،‬فما صح وثبت لنا عن هللا سبحانه وتعاىل أو عن‬
‫رسوله ملسو هيلع هللا ىلص صدقناه وآمنا به وما علمنا من معناه بيناه ‪ ،‬وما عجزت عقولنا عن إدراكه وكلنا علمه‬
‫إىل عامله سبحانه وتعاىل ‪.‬‬

‫( ور ّد علم ما اشتبه عليه رىل عامله )‬


‫الشرح ‪ :‬املشتبه واملتشابه من القرآن ومن احلديث يرد إىل هللا سبحانه وتعاىل وإىل رسوله ملسو هيلع هللا ىلص ‪،‬‬
‫واملتشابه فيه حبث طويل للعلماء ‪ :‬هل نصوص الصفات من املتشابه أو أن نصوص الصفات من‬
‫يفسر ويبني ‪ ،‬فأهل السنة واجلماعة واملثبتة للصفات كلهم متفقون على أن نصوص‬ ‫احملكم الذي َّ‬
‫يفسر ويبني ويشرح ويرتجم ‪.‬‬
‫الصفات كلها من احملكم الذي َّ‬

‫أما كيفيات الصفات فبعضهم يطلق عليها أهنا من املتشابه مبعىن أهنا من الشيء الذي ال يعلمه إال‬
‫هللا فال يتكلمون فيها وال خيوضون فيها ‪ ،‬وإن أطلق عليها بعض العلماء كما أطلقه بعض‬
‫السابقني وقال إهنا من املتشابه فهذا مقبول ‪ ،‬لكن أن جيعل معىن النص من املتشابه هذا هو‬
‫الباطل ‪ ،‬ألن النصوص معروفة ‪ ،‬ونعرفها ِف لغتنا ‪ ،‬فإذا ثبت لنا أن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص تكلم هبا أو‬
‫كانت ِف القرآن فإن معناها معروف لنا نفسرها به من لغتنا ‪ ،‬ألن كل حقيقة شرعية هلا أصل ِف‬
‫اللغة مأخوذة من احلقيقة اللغوية إال أن الشارع قيدها وخصصها بقيود ‪ ،‬فمثالً الصيام ‪ ،‬حقيقة‬
‫الصيام ِف اللغة ‪ :‬اإلمساك عن األكل و الشرب ‪ ،‬و اإلمساك عن املشي و اإلمساك عن الكتابة‬
‫و اإلمساك عن الكالم ‪ ،‬و اإلمساك عن كل شيء يسمى صياما ‪ ،‬الشارع أخذ هذه احلقيقة‬
‫ووضعها أساساً للحقيقة الشرعية وزاد عليها قيودا مث أوجبها على املسلمني ‪ ،‬وبدل أن يسميه‬
‫اإلمساك فقط قال ‪ :‬اإلمساك عن املفطرات من طلوع الفجر الثاين إىل غروب الشمس ‪ ،‬إذاً كل‬
‫حقيقة شرعية أصلها احلقيقة اللغوية زادها الشارع قيودا وختصيصا‪.‬‬

‫ومقصود املؤلف ابملتشابه أن أي معىن من املعاين اليت ثبتت ِف الشرع حىت لو كان ِف األخبار فيما‬
‫يتعلق ابآلخرة أو أخبار األمم السابقة أو ِف الصفات فال نرده ونكذبه ألننا ما فهمنا معناه ‪ ،‬بل‬
‫نؤمن به ونعتقد صدق اخلرب لكننا نقول هللا أعلم به ‪ ،‬مثل قوله تعاىل ‪ ( :‬أمل ) وحنوها من احلروف‬
‫املقطعة مجهور املفسرين على أهنا من املتشابه الذي نؤمن به ونقول هللا أعلم مبراده ِف ذلك ‪ ،‬وإن‬
‫كان بعضهم التمس هلا معاين ‪ ،‬لكن هذا مذهب كثري من املفسرين ‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫( وال تثبت قدم اإلسالم رال على ظهر التسليم واالستسالم ‪ ،‬فمن رام علْم ما ُح ِظ َر عنه‬
‫علمه ومل ي ْقنع ابلتسليم فهمه ‪ ،‬حجبه مرامه عن خالص التوحيد وصايف املعرفة وصحيح‬
‫اإلميان ‪ ،‬فيتذبذب بني الكفر واإلميان والتصديق والتكذيب واإلقرار واإلنكار ‪ ،‬موسوسا تئها‬
‫شاكا زائغا ‪ ،‬ال مؤمنا مصدقا وال جاحدا مكذاب )‬
‫الشرح ‪ :‬التسليم ألوامر هللا سبحانه وتعاىل ورسوله ملسو هيلع هللا ىلص هذه قاعدة من قواعد الشريعة ‪ ،‬أن املؤمن‬
‫يتلقى أوامر هللا وأوامر رسوله ملسو هيلع هللا ىلص يؤمن هبا ويصدقها وينقاد هلا ‪ ،‬وال يلزم أن يعلم ما قصد منها‬
‫من حكمة أو مصلحة ‪ ،‬إن ظهر له شيء من ذلك قال به وعمل به ‪ ،‬فاإلميان بنصوص الشريعة‬
‫ال يتوقف على معرفة احلكمة ‪ ،‬ألن هللا سبحانه وتعاىل اترة تكون احلكمة ظاهرة ِف تشريعه واترة‬
‫تكون خفية ‪ ،‬والبشر عقوهلم قاصرة وإدراكهم انقص ‪ ،‬وال جيوز لإلنسان إن ظهر له حكمة أخذ‬
‫ابلنص وإال رفضه أو أوله إىل غري املعىن الظاهر منه ‪ ،‬ألن حكم هللا ِف تشريعاته نعلم منها القليل‬
‫والكثري مطوي عنا ال يعلمه إال هللا سبحانه وتعاىل ‪ ،‬فاإلسالم قائم على قدم التسليم ‪ -‬من سلم‬
‫هلل ولرسوله ‪ ،‬يعين ألوامرمها سلم ِف دينه ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬فمن رام ) يعين حبث أو حاول أن يصل على علم ما مل يكلف ابلبحث عنه ‪ ،‬كغوامض‬
‫احلِ َكم فإنه يبقى دائماً ِف شك وِف حرية ‪ ،‬إذا كان حيكم َع ْقله فما َع َقله ع ْقله آمن به وسلم به ‪،‬‬
‫وما مل يعق ْله ع ْقله أنكره أو رده أو أوله فهذا دائماً يبقى متذبذابً شاكاً ‪ ،‬ال هو مؤمن مع أهل‬
‫اإلميان وال هو كافر مع أهل اجلحود كما قال املاتن ‪ ( :‬ال مؤمنا مصدقا وال جاحدا مكذاب ) ‪.‬‬
‫وليس معىن هذا أننا نقول إن تعليمات الشريعة ليست معللة ‪ ،‬هي معللة ‪ ،‬وهللا سبحانه وتعاىل‬
‫أيمر حبكمه والرسول ملسو هيلع هللا ىلص أيمر ويشرع حلكمه ولكن قد تظهر هذه احلكمة وقد ختفى ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬من رام علم ما حظر عنه ) يعين معرفة الكيفيات وكنه احلِ َكم اليت يريدها سبحانه وتعاىل‬
‫من تشريعاته ‪ ،‬يعين من رام ذلك فإمنا رومه لذلك املطلوب جيعله شاكاً ‪ ،‬ومن شك فإنه غري‬
‫موحد ‪ ،‬إذا ورده عن الشرع أمر أو هني التمس له ِحكمة إن عرفها ووصل إليها عمل به وإال رده‬
‫‪ ،‬فيبقى متذبذابً ويبقى ِف غري دائرة التوحيد ألن التوحيد هو التسليم هلل ‪.‬‬
‫فإذا ثبت لك سلِم له وعليك اإلقرار به واإلميان به والعمل به إن كان عملياً ‪ ،‬وليس عليك‬
‫البحث الطويل والنظر لتصل إىل احلكمة ‪ ،‬املقصود لب التشريع التصديق واإلميان والعمل ‪ ،‬أما أن‬
‫جيعل مهه هو البحث عن احلكم والتعاليل ويكون مناط عمله ابلنصوص العملية ومناطه ِف اعتقاده‬
‫ِف النصوص االعتقادي ة هو أن يصل إىل ‪ :‬ماذا يقصده هللا بذلك األمر ‪ ،‬فمن كان ِف هذه املنزلة‬
‫فقد خاب وخسر ‪ ،‬لكن أوال يسلم إذا قال هللا كذا نفعله إن كان من األمور العملية ‪ ،‬أو نعتقده‬

‫‪221‬‬
‫إن كان من األمور االعتقادية ‪ ،‬فإذا ظهر لنا شيء مما قصده هللا بذلك التشريع فيها ‪ ،‬وإال وكلنا‬
‫أمره إىل هللا عز وجل ‪.‬‬

‫( وال يصلح اإلميان ابلرؤية ألهل دار السالم ملن اعتربها منهم بوهم أو أتوهلا بفهم )‬
‫الشرح ‪ :‬نعم ال يكون مؤمناً ابلرؤية من فسَر الرؤية ابلفهم أو العلم ‪ ،‬ألن هناك من نفاة الرؤية من‬
‫يقولون إن النصوص اليت وردت كقوله ملسو هيلع هللا ىلص ( سرتون ربكم )(‪ )4‬وحنو ذلك يقولون معناه يعلمونه‬
‫ويفهمونه ‪ ،‬يقول هذا ال يعد إمياانً ابلرؤية وإمنا يعد أتويالً والتأويل ال يقبل فيما يتعلق مبسألة‬
‫األصول ‪ ،‬هو ملا تكلم على الرؤية وذكر أدلتها قال ومن ادعى – من نفاة الرؤية – أن اإلميان‬
‫ابلرؤية معناه اإلميان أبن رؤية أهل اجلنة هلل هي علمهم له وفهمهم له فهما حقيقياً يقول هذا أتويل‬
‫ابطل‪.‬‬

‫(رذ كان أتويل الرؤية وأتويل كل معىن يضاف رىل الربوبية برك التأويل ولزوم التسليم وعليه‬
‫دين املسلمني )‬
‫الشرح ‪ :‬التأويل هو ترك التأويل ‪ ،‬يعين أن املطلوب من املؤمن أن يرتك التأويل حىت يكون ذلك‬
‫هو التأويل الصحيح ‪ ،‬أي لزوم التسليم وترك التأويل ‪ ،‬فمن أول الرؤية ابلفهم أو ابلوهم أو بغريه‬
‫فقد ضل ‪ ،‬ألن املطلوب ِف ذلك التسليم ال التأويل ‪.‬‬

‫( ومن مل يتوق النفي والتشبيه زل ومل يصب التنزيه )‬


‫الشرح ‪ :‬النفي والتشبيه الذي ال حياذره ويهرب عنه ال بد وأن يكون بعيدا عن التنزيه ‪ ،‬ألن التنزيه‬
‫املطلوب شرعاً هو نفي التشبيه ‪ ،‬وليس املطلوب مثالً استعمال األساليب اليت يستعملها النفاة من‬
‫السلوب املفصلة ليس بكذا وال بكذا ‪ ،‬فتوقي التشبيه هو إثبات ما أثبته هللا ورسوله هلل على حد‬
‫ما أراده هللا و أراده رسوله إثبااتً بال تشبيه ‪ ،‬نزهه عن النقائص والعيوب تنزيهاً بال تعطيل ‪ ،‬هذا‬
‫هو املطلوب ‪.‬‬
‫أما طريقة نفاة الصفات اليت سلكوها لتنزيه الباري نفيا للتشبيه فهذه طريقة من طرق التعطيل ‪،‬‬
‫فإذا قالوا إن هللا ليس جبوهر وال عرض وال جبسم ‪ ،‬وال فوق العامل وال حتت العامل ‪ ،‬وال متصل‬
‫ابلعامل وال منفصل عن العامل ‪ ،‬وال حال ِف العامل وال مباين للعامل فهذا تعطيل لوجود هللا سبحانه‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 551‬ومسلم ( ‪. ) 144‬‬

‫‪221‬‬
‫وتعاىل ألنه يفضي إىل العدم ‪ ،‬وألن املعدوم هو من يوصف هبذه الصفات ‪ ،‬أما املوجود فال بد أن‬
‫يكون له صفات متيزه وختصص وجوده ‪.‬‬
‫مع أن شيخ اإلسالم رمحه هللا يقول ‪ :‬إن ما اصطلح عليه علماء الكالم من نفي التشبيه هو الذي‬
‫سبب هلم اخلطأ ‪ ،‬فإهنم جعلوا إثبات الصفات تشبيها وربطوا به التنزيه ‪ ،‬فقالوا إثبات الصفات‬
‫تشبيه وال حيصل التنزيه للعبد إال إذا نفى الصفات ‪ ،‬فجعلوا إثبات الصفات تشبيهاً وجعلوا نفيها‬
‫نفياً للتشبيه ‪.‬‬
‫وشيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا تعاىل يقول ما ورد ِف القرآن وال ِف السنة لفظ ( نفي التشبيه )‬
‫‪ ،‬وإمنا الذي ورد هو نفي الضد ونفي الند ونفي الكفوء و نفي املثل ‪ ،‬أما نفي التشبيه هبذا اللفظ‬
‫فلم أيت ِف القرآن (‪. )4‬‬
‫هو يريد أن يرد عليهم دعواهم أن نفي الصفات املقصود منه نفي التشبيه ‪ ،‬وهم يقولون جيب نفي‬
‫التشبيه عن هللا مث ينفون الصفات ويقولون هذا هو نفي التشبيه عن هللا ‪ ،‬يقولون ال يتم التوحيد‬
‫إال بنفي الصفات فمن أثبت هلل صفات فهو غري موحد ‪ ،‬والتوحيد نفي الصفات كما هو أصل‬
‫من أصول املعتزلة ‪.‬‬

‫( فإن ربنا جل وعال موصوف بصفات الوحدانية منعوت بنعوت الفردانية ليس يف معناه أحد‬
‫من الربية )‬
‫الشرح ‪ :‬هللا سبحانه وتعاىل موصوف بصفات الوحدانية ‪ ،‬أي موصوف ابلصفات اليت ال يوصف‬
‫هبا إال هو ‪ ،‬ومنعوت بنعوت الفردانية ‪ ،‬فالصفات والنعوت مبعىن واحد ‪ ،‬والوحدانية والفردانية‬
‫مبعىن واحد ‪ ،‬ولكن املاتن نوع ِف العبارة ألجل السجع ألنه كما ذكران أكثر من مرة حيرص على‬
‫أن تكون ألفاظه مسجوعة ‪ ،‬فلو قال ‪ :‬ألنه موصوف بصفات الوحدانية ‪ ،‬يكفي عن قوله منعوت‬
‫بنعوت الفردانية ‪ ،‬ملاذا ؟ ألن الصفات والنعوت والفردانية سواء ‪ ،‬والسلف عند وصفهم هلل ببعض‬
‫الكالم يقولون ‪ :‬واحد أحد فرد صمد ويعنون ابلفرد أنه ( واحد ) ‪ ،‬لكن أن يسموا من أمساء هللا‬
‫( الفرد ) أو ( الفردانية ) فهذا ما ورد ‪ ،‬أما من ابب اإلخبار عنه وليس من ابب الصفة فال أبس‬
‫به ‪ ،‬ألن اإلخبار شيء والصفة شيء آخر ‪ ،‬فاإلخبار أييت ويعرب به عن ما ورد كقوله سبحانه‬
‫وتعاىل ‪ ( :‬إهنم يكيدون كيداً * وأكيد كيداً )(سورة الطارق آية ‪ )45-41:‬فأخربان أنه يكيد هلم‬
‫______________________________________‬
‫(‪ ) 4‬مث إنه ما من شيئني ِف الوجود إال وبينهما مشاهبة ‪ ،‬ولو كان ِف أصل الوجود ‪ ،‬يقول ابن تيمية رمحه هللا ِف بيان‬
‫تلبيس اجلهمية ‪ : 595/1‬كذلك ثبوت ذات ال تشبه املوجودات بوجه من الوجوه ممتنع ِف العقل ‪ .‬اخل‬

‫‪222‬‬
‫فهل نسميه الكائد أو جنعلها صفة له ؟ ال ‪ .‬نقول نؤمن خبربه ‪ ،‬ونصدق أنه يكيد مبن كاد له لكن‬
‫ال أنخذ له منه صفة ‪ ،‬كذلك قوله تعاىل ‪ ( :‬ومكروا ومكر هللا )(سورة آل عمران آية ‪ )51:‬فهل‬
‫نسميه ماكراً أو نصفه ابملكر تعاىل هللا ؟ ال ‪ ،‬وإمنا نصدق خربه ونقول إنه ميكر مبن ميكر به ‪ ،‬وال‬
‫جيوز أن يوصف ابملاكر ‪.‬‬

‫( تعاىل عن احلدود والغاايت واألركان واألعضاء واألدوات ‪ ،‬ال حتويه اجلهات الست كسائر‬
‫املبتدعات )‬
‫الشرح ‪ :‬مثل هذا التفسري ال يرضاه السلف ‪ ،‬ألن هذه األمور حتتمل حقاً وابطالً ‪ ،‬فتحتمل حقا‬
‫مبعىن أن هللا سبحانه وتعاىل أعظم من كل شيء وأنه أعظم من أن حيويه مكان أو حييط به زمان‬
‫فهو عظيم أكرب من كل ما يقع ِف نفس اإلنسان ‪ ،‬وحيتمل النفي املفصل الذي يستعمله املعطلة‬
‫من قوهلم ال كذا وال كذا ‪ ،‬إذاً فرتك هذه األلفاظ أوىل فلو قال ‪ :‬يتعاىل عن املثل والند والشبيه‬
‫لكان أفضل وأوىل ‪.‬‬
‫مثل لفظ اجلسم واجلهة والتحيز ‪ ،‬هذه ألفاظ تكلم عليها ابن تيمية رمحه هللا كالماً جيداً وقال إهنا‬
‫ال تطلق ِف حق هللا سبحانه وتعاىل ال نفيا وال إثبااتً ‪ ،‬إال بعد االستفسار واالستفصال ‪ ،‬فإذا قال‬
‫‪ :‬تعاىل عن األركان ‪ ،‬ماذا يعين ابألركان ؟ تعاىل عن احلدود ماذا يعين ابحلدود ‪ ،‬تعاىل عن اجلهة‬
‫ماذا يعين ابجلهة ‪ ،‬تعاىل عن التحيز ماذا يعين ابلتحيز ؟ فإن بني مراده واشتمل على ابطل رد ‪،‬‬
‫وأن اشتمل على حق قيل له املعىن الذي قصدته صحيح لكن اللفظ مبتدع وال ينبغي أن‬
‫تستعمله‪.‬‬
‫فمن قال إن هللا سبحانه وتعاىل ِف جهة أو قال إن هللا سبحانه تنزه عن اجلهة ‪ ،‬يقال له كالمك‬
‫هذا حيتمل حقاً وابطالً ألن كالمك جممل ‪ ،‬و يقال ملثبت اجلهة ‪ :‬إن أردت ابجلهة أن هللا‬
‫سبحانه وتعاىل ِف جهة العلو فاملعىن الذي قصدته صحيح ولكن اللفظ الذي عربت به مبتدع ‪،‬‬
‫السلف مل يتكلموا ِف اجلهة ألهنا مل ترد ِف الكتاب وال ِف السنة ‪.‬‬
‫أما إن قال ‪ :‬أريد ابجلهة املكان احملدد املتحيز فإنه يقال له املعىن الذي قصدته ابطل واللفظ الذي‬
‫جئت به ابطل ‪ ،‬كذلك اجلسم عند السلف ال يطلق ِف حقه سبحانه وتعاىل ال نفياً وال إثبااتً ‪،‬‬
‫ومن أثبت هلل جسماً أو نفى عن هللا اجلسم فإنه يستفسر منه ال يسلم له مطلقا وال ينكر عليه‬
‫مطلقاً ‪ ،‬فإن كان ممن يثبتون هلل اجلسم قيل له ‪ :‬لفظك هذا جممل حيتمل حقاً وابطالً ِ‬
‫ففسر لنا‬
‫اجلسم الذي أثبتَّه هلل ‪ ،‬هل تعين أن هلل جسماً مبعىن أن له جسماً مرتكباً مياثل أجسام املخلوقني إذا‬

‫‪223‬‬
‫أردت هذا فاللفظ ابطل والتعبري ابطل واملعىن الذي قصدته ابطل ‪ ،‬وإن أردت ابجلسم أن هلل ذااتً‬
‫قائمة بنفسها ابئنة من غريها متصفة ابلصفات فاملعىن الذي قصدته صحيح ولكن التعبري الذي‬
‫عربت به وهو إثبات اجلسم كان خمالفا ملذهب السلف ألن السلف مل يعربوا به نفيا وال إثباات ‪.‬‬
‫وكذلك من ينفي عن هللا اجلسم يقال كالمك هذا جممل حيتمل حقاً وابطالً فماذا تعين ابجلسم‬
‫الذي نفيته عن هللا وقلت إن هللا يتنزه عن اجلسم ‪ ،‬فسر لنا هذا اجلسم فإن قال ‪ :‬أعين ابجلسم‬
‫األجسام املركبة كأجسام املخلوقني قلنا املعىن الذي قصدته صحيح فاهلل يتعاىل عن ذلك ‪ ،‬لكن‬
‫اللفظ والتعبري الذي عربت به مبتدع ‪ ،‬فما كان السلف يقولونه ‪ ،‬وإن قال أعين بتنزيه هللا عن‬
‫اجلسم تنزيهه عن الذات ‪ ،‬تعاىل عن أن يكون له ذات قائمة بنفسها قيل له املعىن الذي قصدته‬
‫ابطل واللفظ و التعبري الذي عربت به أيضاً ابطل وهكذا ِف كل لفظ جممل ‪.‬‬

‫( واملعراج حق ‪ ،‬وقد أسري ابلنيب ملسو هيلع هللا ىلص وعرج بشخصه يف اليقظة رىل السماء ‪ ،‬مث رىل حيث‬
‫شاء هللا من العال ‪ ،‬وأكرمه هللا مبا شاء ‪ ،‬و أوحى هللا رليه ما أوحى ( ما كذب الفؤاد ما رأى )‬
‫فصلى هللا عليه وعلى آله وسلم يف اآلخرة واألوىل )‬
‫الشرح ‪ :‬املعراج مفعال من العروج ‪ ،‬وهو اآللة اليت عرج عليها النيب ملسو هيلع هللا ىلص إىل السماء ‪ ،‬وقد وردت‬
‫أحاديث كثرية ِف كيفية عروجه عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وقبل ذلك اإلسراء ‪ ،‬وقد اتفق املسلمون‬
‫على اإلميان ابإلسراء واملعراج ‪.‬‬
‫أسري به من مكة إىل بيت املقدس على الرباق(‪ )4‬بصحبة جربيل عليه السالم ‪.‬‬
‫وبعد أن وصل إىل بيت املقدس صلى ابألنبياء صلوات هللا وسالمه عليه مث عرج به إىل السماء‬
‫واستفتح به جربيل وفتح له من مساء إىل مساء ‪ ،‬حىت وصل إىل سدرة املنتهى فأوحى هللا إليه ما‬
‫أوحى ‪ ،‬فمن ذلك فرض عليه الصلوات اخلمس ِف تلك الليلة ‪ ،‬وكان أصل فرضها مخسني ‪ ،‬وقد‬
‫جاء ِف الصحيحني (‪ )9‬أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال ِف حديث اإلسراء ‪ ( :‬مث عرج يب حىت ظهرت ملستوى‬
‫أمسع فيه صريف األقالم ‪ ،‬ففرض هللا على أميت مخسني صالة ‪ ،‬فرجعت بذلك ‪ ،‬حىت مررت على‬
‫موسى‪ ،‬فقال ‪ :‬ما فرض هللا لك على أمتك ؟ قلت‪ :‬فرض مخسني صالة ‪ ،‬قال‪ :‬فارجع إىل ربك‬
‫______________________________________‬
‫(‪ ) 4‬قال الشيخ رمحه هللا مستطردا ‪ :‬الرباق دابة فوق احلمار ودون البغل ‪ ،‬يقع حافره عند منتهى طرفه ‪ ،‬يعين إذا كان‬
‫ينظر إىل مكان بعيد مثالً فإن كل خطوة من خطواته تكون من مكانه إىل املكان الذي ينظر إليه ‪ ،‬وإذا كانت أبعد‬
‫كانت اخلطوة أبعد ‪ ،‬واحلافر هو ِف الدابة كاخلف ِف البعري ‪.‬‬
‫(‪( )9‬البخاري (‪ ) 412‬ومسلم ( ‪) 419‬‬

‫‪224‬‬
‫فإن أمتك ال تطيق ذلك ‪ ،‬فراجعين فوضع شطرها ‪ ،‬فرجعت إىل موسى ‪ ،‬قلت ‪ :‬وضع شطرها ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬راجع ربك ‪ ،‬فإن أمتك ال تطيق ‪ ،‬فراجعت فوضع شطرها ‪ ،‬فرجعت إليه ‪ ،‬فقال ارجع إىل‬
‫ربك ‪ ،‬فإن أمتك ال تطيق ذلك ‪ ،‬فراجعته ‪ ،‬فقال ‪ :‬هي مخس ‪ ،‬وهي مخسون ‪ ،‬ال يبدل القول‬
‫لدي ‪ ،‬فرجعت إىل موسى ‪ ،‬فقال‪ :‬راجع ربك ‪ ،‬فقلت ‪ :‬استحييت من ريب ‪ ،‬مث انطلق يب ‪ ،‬حىت‬
‫انتهى يب إىل سدرة املنتهى ‪ ،‬وغشيها ألوان ال أدري ما هي ‪ ،‬مث أدخلت اجلنة ‪ ،‬فإذا فيها حبايل‬
‫اللؤلؤ ‪ ،‬وإذا تراهبا املسك ) ‪ ،‬مث نزل إىل األرض وصلى مبكة الفجر صلوات هللا وسالمه عليه ‪،‬‬
‫هذا هو اإلسراء واملعراج ‪.‬‬
‫وقد حدثت فوضى ِف صفوف املشركني ‪ ،‬وانتهزوها فرصة لتكذيب النيب ملسو هيلع هللا ىلص ‪ :‬فقالوا ‪ :‬إن بيننا‬
‫وبني بيت املقدس شهرا ‪ ،‬وبني السماء واألرض ما هو أبعد من ذلك ‪ ،‬مث يزعم أنه ذهب إىل بيت‬
‫املقدس وإىل السماء مث رجع إىل بيت املقدس مث إىل مكة خالل ليلة ‪ ،‬قالوا هذا أمر ال حيتاج إىل‬
‫دليل يبطله ‪ ،‬و لكن أخربهم عليه الصالة والسالم أبمارات تدل على صدقه ‪ ،‬فأخربهم أبنه مر‬
‫بِع ٍري هلم وأن معهم كذا وكذا ‪ ،‬وأن معهم مجال ند منهم – هرب – صفته كذا ‪ ،‬فلما جاءت العري‬
‫ازداد املؤمنون إمياان ‪ ،‬والكافرون ازدادوا كفراً وعناداً ‪.‬‬
‫وهذه احلادثة اليت حصلت للنيب ملسو هيلع هللا ىلص أكرمه هللا هبا عدة كرامات ‪ ،‬منها أنه عرج به إليه سبحانه‬
‫وتعاىل ‪ ،‬وكلمه مشافهة وفرض عليه الصلوات مباشرة ‪ ،‬وهذا يدل على فضل الصلوات وعظم‬
‫شأهنا ‪ ،‬حيث كانت الشرائع أتيت للنيب ملسو هيلع هللا ىلص عن طريق الوحي وهذه كلمه هللا هبا مشافهة ‪ ،‬فدل‬
‫على أمهية الصالة وعظم شأهنا ‪.‬‬
‫وقد اختلف الناس ِف اإلسراء واملعراج هل كان يقظة أو مناماً وهل كان اإلسراء بروح النيب صلى‬
‫هللا عليه وسلم وجسده أو بروحه فقط على خالف وأصحها وأقواها أن اإلسراء كان بروحه وبدنه‬
‫مجيعاً وأنه كان يقظة ال مناماً ‪.‬‬
‫فالذين قالوا يقظة قالوا النائم يرى أنه وصل إىل بيت املقدس ووصل إىل وراء ذلك ووصل إىل‬
‫السماء وغريه وال ينكر عليه ‪ ،‬فلما أنكرت قريش ذلك وقالوا إنه جاء أبمر ال يقبل وال يعقل وأان‬
‫كنا نشك ِف صدقة واآلن قطعنا بكذبه وأنه جاء أبمر ال تقبله العقول ‪ ،‬فلو كان ادعى أنه رأى‬
‫ذلك مناما ملا أنكرت قريش ذلك ‪ ،‬ألهنم ال ينكرون املنامات وال يعارضوهنا ‪ ،‬فلما أنكروه‬
‫وعارضوه عرف أن اإلسراء كان يقظة ‪ ،‬وأنه بروحه وجسده كما قال سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬سبحان‬
‫الذي أسرى بعبده ليالً من املسجد احلرام إىل املسجد األقصى )(سورة اإلسراء آية ‪ )4:‬والعبد‬
‫يطلق ِف اللغة على البدن والروح مجيع ‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫وهناك رأي لبعض العلماء أن اإلسراء كان بروحه وأن جسده مل يفقد كما يروى عن عائشة رضي‬
‫هللا تعاىل عنها أهنا قالت ‪ ( :‬ما فقد جسد رسول ملسو هيلع هللا ىلص ولكن أسري بروحه )(‪ ، )4‬ويروى هذا‬
‫القول عن معاوية هنع هللا يضر(‪ )9‬وبعض الصحابة‪.‬‬
‫كل األقوال ِف مسألة اإلسراء ثالثة ‪:‬‬ ‫فعلى ٍ‬
‫القول األول ‪ :‬وهو أحقها وأرجحها وأثبتها أن اإلسراء كان يقظة ال مناما ‪ ،‬وأنه بروحه وجسده‬
‫مجيعاً ََ ‪.‬‬
‫والقول الثاين ‪ :‬أن اإلسراء كان بروحه دون جسده ‪.‬‬
‫والقول الثالث ‪ :‬أن اإلسراء كان مناماً ‪.‬‬
‫والذين قالوا أنه كان مناماً يستدلون برواية أو بلفظة وردت ِف رواية شريك ‪ ،‬ملا ساق املعراج‬
‫وانتهى قال ‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص مث استيقظت وأان ِف املسجد احلرام ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وقوله مث استيقظت‬
‫يدل على أنه كان مناماً ‪.‬‬
‫فأجاب املخالفون أبن هذه اللفظة زايدة من شريك وأنه مل يقل ملسو هيلع هللا ىلص ‪ :‬مث استيقظت (‪.)4‬‬
‫أما قول عائشة اهنع هللا يضر فإن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص مل يتزوجها إال بعد اإلسراء بوقت طويل ‪ ،‬وهي كانت‬
‫تتحدث عما كان يُتحدث به وتسمعه (‪. )1‬‬
‫وكان اختالف أهل السنة ِف ذلك حسب ما ورد ِف النصوص (‪.)5‬‬
‫واإلسراء واملعراج من خصائص نبينا دمحم ملسو هيلع هللا ىلص فإن هللا اختصه أبمور وفضائل منها اإلسراء واملعراج‬
‫ومنها احلوض ومنها الشفاعة ‪ ،‬وخصائصه ملسو هيلع هللا ىلص كثرية وهذا منها ‪.‬‬
‫هذا حاصل ما يقال ِف مسألة اإلسراء واملعراج على سبيل االختصار‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬اثر عائشة اهنع هللا يضر ذكره الطربي ِف تفسريه عند قوله تعاىل ( سبحان الذي أسرى بعبده ) وفيه انقطاع ‪.‬‬
‫(‪ )9‬اثر معاوية هنع هللا يضر رواه ابن إسحاق ِف سريته من طريق يعقوب بن عتبة بن املغرية عن معاوية ‪ ،‬ويعقوب هذا مل يلق‬
‫معاوية ‪ ،‬وانظر زاد املعاد ‪. 1٧ / 4‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 1541‬وفيه أن املعراج قبل أن يوحى إىل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬مع أنه ذكر ِف هذا املعراج فرض‬
‫الصلوات اخلمس ‪ ،‬وقد قال ابن القيم ِف زاد املعاد ‪ ( : 19/4‬وقد غلط احلفاظ شريكاً ِف ألفاظ من حديث اإلسراء ‪،‬‬
‫ومسلم أورد املسند منه مث قال ‪ :‬وقدم وأخر وزاد ونقص ‪ .‬ومل يسرد احلديث فأجاد رمحه هللا ) اه وقد نقل ابن حجر‬
‫رمحه هللا كالم اخلطايب وابن حزم واالشبيلي وغريهم على رواية شريك هذه فلرتاجع ‪.‬‬
‫(‪ )1‬سبق الكالم قبل قليل على ضعف ما نقل عن عائشة ِف ذلك ‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر كالما للشيخ حول اختالف أهل السنة ِف ابب العقائد ‪ ،‬والفرق بينه وبني خالفهم مع املبتدعة عند الكالم‬
‫عن الرؤية ص ‪. 945‬‬

‫‪226‬‬
‫( واحلوض الذي أكرمه هللا تعاىل به غيااث ألمته حق )‬
‫الشرح ‪ :‬احلوض أكرمه هللا تعاىل به غيااثً ألمته يعين أغاث هللا األمة عن طريق نبيها هبذا احلوض‬
‫الذي أعطاه النيب ملسو هيلع هللا ىلص وهو ألمته وجاء فيه أحاديث كثرية ‪ ،‬وكذلك القران ‪ ،‬أشار إليه ِف قوله‬
‫سبحانه ‪ ( :‬إان أعطيناك الكوثر )(سورة الكوثر آية‪ )4:‬ألن احلوض ميد من الكوثر ‪ ،‬وِف حديث‬
‫أنس هنع هللا يضر قال كان النيب ملسو هيلع هللا ىلص مع أصحابه فأغفى إغفاءة مث رفع رأسه متبسما ‪ ،‬فقلنا له ‪ :‬ما‬
‫أضحكك اي رسول هللا ؟ فقال ‪ :‬أنزلت علي آنفا سورة فقرأ ‪ ( :‬بسمميحرلا نمحرلا هللا إان‬
‫أعطيناك الكوثر فصل لربك وأحنر ) مث قال ‪ ( :‬أتدرون ماالكوثر ؟ ) فقلنا ‪ :‬هللا ورسوله اعلم ‪،‬‬
‫قال ‪ ( :‬هنر وعدنيه ريب عز وجل عليه خري كثري وهو حوض ترد عليه أميت يوم القيامة )(‪. )4‬‬
‫يؤخذ من هذا احلديث أن احلوض هو الكوثر ‪ ،‬ولكن العلماء وجهوا ذلك فقالوا إن الكوثر هنر‬
‫ِف اجلنة ‪ ،‬ألنه قال ‪ ( :‬هنر أعطانيه ريب ) (‪)1‬وقالوا إن هذا النهر يصب ِف احلوض(‪ )5‬قالوا ‪:‬‬
‫ليس احلوض هو الكوثر وإمنا يصب ِف احلوض ميزاابن من الكوثر(‪ )1‬وقد جاء وصف سعته كما‬
‫قال (‪ ( :‬قدر حوضي كما بني أيلة وصنعاء من اليمن ) (‪ ،)1‬وبني ِف بعض األلفاظ ‪ ( :‬أن طوله‬
‫مسرية شهر وأن عرضه كذلك وأن آنيته عدد جنوم السماء ) (‪ ،)٧‬وجاء من خصائصه ِف اآلاثر‬
‫‪ ( :‬أن من شرب منهم شربة مل يظمأ بعدها أبداً ) (‪ ، )2‬وجاء ‪( :‬أن ماءه أبيض من اللنب وأحلى‬
‫من العسل)(‪. )4٧‬‬
‫وقد اعرتض بعض املبتدعة على هذه األوصاف فقالوا ‪ :‬إذا كان أبرد من الثلج (‪ )44‬فكيف‬
‫يقبل الناس على شربه وأي لذة تكون فيه ‪ ،‬والثلج نفسه ال يشرب وهذا أبرد من الثلج ؟ ولكن‬
‫أجيب عن هذا أبن هللا سبحانه وتعاىل يعطي أهل هذا احلوض أو الواردين على هذا احلوض‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 1211‬ومسلم ( ‪ ) 1٧٧‬وغريمها ‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ( ‪ ) 1211‬والرتمذي (‪ )9519‬واللفظ له ‪.‬‬
‫(‪ )5‬روى امحد ِف مسنده ( ‪ ) 41٧1‬بسند فيه مقال عن ابن مسعود هنع هللا يضر أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال ‪ ( :‬ويفتح هنر‬
‫الكوثر إىل احلوض ) ‪.‬‬
‫(‪ )1‬جاء ِف مسلم ( ‪ ) 94٧٧‬عن أيب ذر هنع هللا يضر أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال ( يشخب فيه ميزاابن من اجلنة )‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ( ‪ ) 15٧٧‬ومسلم ( ‪) 94٧4‬‬
‫(‪ )٧‬نفس املصدر ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم ( ‪) 9922‬‬
‫(‪ )4٧‬رواه البخاري ( ‪ ) 1515‬وما بعده ‪ ،‬ومسلم ( ‪ ) 99٧2‬وما بعده‬
‫(‪ )44‬هذه اللفظة رواها اإلمام امحد ِف مسنده برقم ( ‪ ) 1419‬ت الرتكي ‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫يعطيهم قدرة وقوة على برده ويكون ذلك زايدة ِف لذته والتذاذهم به ‪.‬‬
‫وكما تقدم – وردت بعض اآلاثر أبن لكل نيب حوضاً (‪ ،)4‬ولكن الذي عليه احملققون أن احلوض‬
‫من خصائصه (‪ )9‬ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬وأن من مسببات وروده احملافظة على سنته ملسو هيلع هللا ىلص وأن من أسباب منع‬
‫الشاربني منه االرتداد أو التغيري ِف الدين ‪ ،‬قال ملسو هيلع هللا ىلص‪ ( :‬أان فرطكم على احلوض )(‪ )4‬وقال ‪( :‬‬
‫لريدن على أقوام أعرفهم ويعرفونين ‪ ،‬أو فإذا عرفتهم اختُلِجوا من دوين ‪ ،‬فأقول إهنم أميت ‪ ،‬فيقال‬
‫إنك ال تدري ما أحدثوا بعدك ‪ ،‬فأقول ‪ :‬بعداً بعداً أو قال ‪ :‬سحقاً سحقاً ملن بدل بعدي )(‪)1‬‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص‪ .‬فاتباع السنة والتمسك هبا واقتفاء آاثر النيب ملسو هيلع هللا ىلص هذا من أسباب ورود احلوض ‪ ،‬واالحنراف‬
‫عن طريق أهل السنة واجلماعة واستبداله بطرق من طرق أهل اهلوى والضالل والنحل هذا من‬
‫أسباب املنع من ورود حوضه عليه الصالة والسالم ‪.‬‬

‫( والشفاعة اليت ادخرها هلم حق ‪ ،‬كما روي يف األخبار )‬


‫الشرح ‪ :‬الشفاعة مصدر من شفع يشفع شفعا و شفاعة ‪ ،‬وهي مشتقة من الشفع ويتحقق هذا‬
‫املعىن ِف الشفاعة من حيث إن طلب احلاجة كان فرداً ملا كان بدون شافع ‪ ،‬فلما انضم إليه‬
‫الشافع ِف حتصيل احلاجة اليت يريدها الطالب صار شفعاً له فيكون طالب احلاجة بعد أن كان فرداً‬
‫يكون شفعاً ‪ ،‬يعين أن اإلنسان الذي يريد احلصول عليه من األمور ما دام يتشوف إليه ويتطلبه‬
‫وحده فهو فرد فإذا انضم إليه ِف حتصيل ذلك الغرض شخص آخر يشفع له عند من ميلك ذلك‬
‫صار شفعاً بعد أن كان فردا ‪ ،‬هذا أصل اشتقاق الشفاعة وتسميتها من هذا الباب ‪.‬‬
‫والشفاعة نوعان ‪:‬‬
‫‪ – 4‬شفاعة ممنوعة ‪.‬‬
‫‪ – 9‬وشفاعة جائزة ‪.‬‬
‫والشفاعة املمنوعة نوعان ‪:‬‬
‫‪ – 4‬شفاعة بدعية أو شركية ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي ( ‪ ) 9114‬واختلف ِف تصحيحه وتضعيفه ‪.‬‬
‫(‪ )9‬نقل ابن حجر رمحه هللا ِف الفتح ‪ 111/44‬كالم القاضي عياض أن احلوض من خصائص رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وكذا القرطيب تبعا له ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 15٧2‬ومسلم ( ‪) 99٧2‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ( ‪ ) 15٧4‬ومسلم ( ‪ ) 992٧‬وامحد ِف مسنده ( ‪) 4499٧‬‬

‫‪228‬‬
‫‪ -9‬وشفاعة ليست كذلك ‪ ،‬فإذا صارت الشفاعة ِف أمر من أمور الدنيا عند من ميلك ذلك‬
‫األمر ‪:‬‬
‫‪ – 4‬فإهنا اترة تكون جائزة ‪.‬‬
‫‪ – 9‬واترة تكون ممنوعة ‪.‬‬
‫فإن كانت شفاعة ِف حتصيل مباح أو ِف دفع أمر من األمور املباحة كانت جائزة بل مندوابً إليه‬
‫كما قال ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬اشفعوا تؤجروا ويقض هللا على لسان نبيه ما شاء )(‪. )4‬‬
‫وإن كانت الشفاعة ِف حتقيق ابطل أو ِف إسقاط حد من احلدود أو إعفاء من وجب عليه حد‬
‫أمرها فطلبوا من‬ ‫فإهنا ال تصح وحمرمة كما دل على ذلك قصة املخزومية اليت سرقت وأهم قريشا ُ‬
‫أسامة بن زيد أن يشفع هلا عند رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص فغضب رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وقال ‪ ( :‬أتشفع ِف حد من‬
‫حدود هللا ) مث قال ‪ ( :‬والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت دمحم سرقت لقطعت يدها )(‪. )9‬‬
‫فالشفاعة ِف احلدود حمرمة ال جتوز ‪ ،‬كما ِف احلديث ‪ ( :‬إذا بلغت به السلطان فلعن هللا الشافع و‬
‫املشفع )(‪. )4‬‬
‫أما الشفاعة الشركية فهي اليت تطلب من عند غري هللا فيما ال يقدر عليه إال هللا سبحانه وتعاىل ‪،‬‬
‫وهذه تكون شركية إذا فقدت شروطها ‪ ،‬أما إذا كانت الشروط متوفرة فال أبس أن تطلب الشفاعة‬
‫عند من هو أهل هلا وذلك أن يكون هللا سبحانه وتعاىل قد ‪:‬‬
‫‪ – 4‬أذن للشافع ‪.‬‬
‫‪ – 9‬ورضي عن املشفوع له ‪.‬‬
‫فإذا كانت الشفاعة إبذن من هللا وكان املشفوع له قد رضي هللا عمله – أي من أهل التوحيد –‬
‫فإن الشفاعة هنا جائزة وهي اليت تنفع وجتزئ ‪ ،‬لكن هبذه الشروط كما قال سبحانه وتعاىل ‪( :‬‬
‫وال يشفعون إال ملن ارتضى )(سورة األنبياء آية (‪ ، )9٧‬وقال ‪ ( :‬من ذا الذي يشفع عنده إال‬
‫إبذنه )(سورة البقرة آية (‪. )955‬‬
‫فأما الشفاعة اليت تطلب من غري هللا أو ِف أمر ال يقدر عليه إال هللا سبحانه وتعاىل كأن تطلب‬
‫شفاعة من ميت ليشفع لك عند هللا أو تطلب شفاعة من مجاد أو إنسان أو وثن أو غري ذلك –‬
‫تطلب منها أن تتوسط لك وتشفع لك عند هللا فهذه الشفاعة الشركية وهذا الشرك هو الذي‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 4149‬وأبو داود ( ‪ ) 5449‬والنسائي ( ‪. ) 9551‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخاري ( ‪ ) 4115‬ورواه مسلم ( ‪ ) 41٧٧‬وغريمها ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مالك ِف املوطأ ‪ 12 /4‬عن الزبري هنع هللا يضر ‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫كانت عليه حالة املشركني قبل مبعث النيب ملسو هيلع هللا ىلص فإهنم كانوا يعبدون تلك األصنام ويتوسطون هبا‬
‫إىل هللا سبحانه وتعاىل ويطلبون منها الشفاعة ‪ ،‬وإال فهم ال يعتقدون أن أصنامهم ومنحواتهتم‬
‫ختلق وترزق وحتي ومتيت يعين أن هذا خاص ابهلل سبحانه وتعاىل وإمنا يطلبون منها الشفاعة‬
‫ويطلبون منها الوسيلة ألجل أن تشفع هلم عند هللا سبحانه وتعاىل فمن طلبها أي الشفاعة من غري‬
‫هللا فيما ال يقدر عليه إال هللا فهو مماثل هلؤالء املشركني والقرآن فيه كثري من اآلايت اليت تدل على‬
‫أن املشركني ما عبدوا أصنامهم والتجئوا هبا وتربكوا هبا وسألوها الوسيلة إال ألن تتوسط هلم عند هللا‬
‫‪ ،‬وإال فهم ال يعتقدون أهنا حتي ومتيت وختلق وترزق ‪ ( :‬ما نعبدهم إال ليقربوان إىل هللا زلفى‬
‫)(سورة الزمر آية ‪ ( ، )4:‬قل ادعوا الذين زعمتم من دون هللا ال ميلكون مثقال ذرة ِف السماوات‬
‫وال ِف األرض وما هلم فيهما من شرك وما له منهم من ظهري وال تنفع الشفاعة عنده إال ملن أذن له‬
‫)(سورة سبأ آية ‪ ، )99-94:‬فالشفاعة املشروعة هي اليت تطلب من هللا إبذن منه وتطلب ملن‬
‫هنع هللا يضر ‪ ( :‬وكم من ملك ِف السموات وال تغين شفاعتهم شيئاً إال من بعد أن أيذن هللا ملن يشاء‬
‫ويرضى )(سورة النجم آية ‪. )91:‬‬
‫والشفاعة تكون من األنبياء وتكون من األولياء وتكون من الصاحلني ‪ ،‬ولكن هبذين الشرطني ‪،‬‬
‫فالرسول عليه الصالة والسالم أعطاه هللا الشفاعة بل أعطاه شفاعات كثرية ‪ ،‬يشفع صلى هللا عليه‬
‫وسلم ألهل املوقف أن يقضي بينهم ‪ ،‬ويشفع ملسو هيلع هللا ىلص بعد ذلك ِف فتح ابب اجلنة ألهل اجلنة وكذا‬
‫شفاعته ملسو هيلع هللا ىلص ِف عمه أيب طالب وقد سئل ملسو هيلع هللا ىلص هل أغنت شفاعتك عن عمك شيئاً قال ‪ ( :‬نعم ‪،‬‬
‫وجدته ِف غمرات من النار فأخرجته إىل ضحضاح )(‪. )4‬‬
‫والشفاعة أنواع أيضا ‪ ،‬من أنواعها ‪ :‬الشفاعة ِف أهل الكبائر ألجل أن خيرجوا من النار فإن الرسل‬
‫صلوات هللا وسالمه عليهم يشفعون ألهل الكبائر كما قال عليه الصالة والسالم ‪ ( :‬شفاعيت‬
‫ألهل الكبائر من أميت )(‪ )9‬يشفعون هلم ِف أن يتفضل هللا عليهم وخيرجهم من النار قبل أن‬
‫يستوفوا ما استحقوه من التقريع والعذاب ِف النار ‪ ،‬وكما ِف حديث أيب سعيد هنع هللا يضر مرفوعا قال ‪:‬‬
‫( فيقول هللا تعاىل ‪ :‬شفعت املالئكة وشفع النبيون وشفع املؤمنون ومل يبق إال أرحم الرامحني ‪،‬‬
‫فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما مل يعملوا خريا قط ) احلديث(‪. )4‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 4٧٧4‬ومسلم ( ‪. ) 9٧2‬‬
‫(‪ )9‬رواه أبو داود ( ‪ ) 1142‬والرتمذي ( ‪ ) 9145‬وقال حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وِف الباب عن‬
‫جابر ‪.‬‬
‫(‪ )4‬قطعة من حديث طويل رواه مسلم ( ‪ ) 4٧4‬وامحد ِف املسند ( ‪. )44٧2٧‬‬

‫‪231‬‬
‫وأهل الكبائر الشفاعة فيهم حق عند أهل السنة واجلماعة فإن مذهب أهل السنة واجلماعة أن‬
‫أهل الكبائر يشفع فيهم األنبياء والرسل فيخرجهم هللا من النار بشفاعة هؤالء ‪.‬‬
‫وأولت اخلوارج واملعتزلة الشفاعة وقالوا ‪ :‬من مات مصرا على الكبرية ودخل النار فإنه ال خيرج منها‬
‫أبداً واستدلوا بقوله تعاىل ‪ ( :‬فما تنفعهم شفاعة الشافعني )(سورة املدثر آية ‪ ، )1٧:‬وهذا‬
‫االستدالل ابطل ألن املعنيني ِف اآلية هم الكفار ‪ ،‬والكفار ال ينفع فيهم شفاعة وال غريها ‪ ،‬أما‬
‫املوحدون الذين ماتوا وهم مصرون على الكبائر فهم أهل لفضل هللا وعفوه ‪ ،‬وأهل لشفاعة‬
‫الشافعني ‪ ،‬هذا ملخص ما يقال ِف الشفاعة ‪.‬‬

‫( وامليثاق الذي أخذه هللا تعاىل من آدم وذريته حق )‬


‫الشرح ‪ :‬يشري إىل قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬وإذا أخذ ربك من بين آدم من ظهورهم ذريتهم‬
‫وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدان أن تقولوا يوم القيامة إان كنا عن هذا غافلني‬
‫أو تقولوا إمنا أشرك آابؤان من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا مبا فعل املبطلون )(سورة إالعراف‬
‫آية‪ )419:‬وامليثاق معناه ِف اللغة العهد والعقد وهللا سبحانه وتعاىل أخذ على عباده عقداً وعهداً‬
‫أن ال يشركوا به شيئاً ‪ ،‬ولكن هذا امليثاق وهذا اإلشهاد هل هو إشهاد حقيقي أي كلمهم هللا أو‬
‫غري ذلك ‪.‬؟ ألن العلماء صاروا ِف هذه املسألة على قولني ‪.‬‬
‫القول األول ‪ :‬من يرى أن اإلشهاد حقيقي ‪ ،‬وأن هللا سبحانه وتعاىل استخرج ذرية آدم ووقفهم‬
‫بني يديه وأشهدهم على أنفسهم قائالً ألست بربكم قالوا بلى شهدان ‪ ،‬فأقروا هبذه الشهادة وآمنوا‬
‫هبا وصارت ميثاقا أخذه هللا تعاىل عليهم ‪ ،‬و أصحاب هذا القول أخذوه من ظاهر قوله سبحانه‬
‫وتعاىل ‪ ( :‬وإذ أخذ ربك من بين آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم‬
‫قالوا بلى شهدان ) ‪ ،‬وقد وردت أحاديث تعضد هذا القول ‪ ،‬منها ما ورد عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال ‪:‬‬
‫( أخذ هللا املي ثاق من ظهر آدم بنعمان – أي عرفة – فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بني‬
‫يديه كالذر مث كلمهم قبال ‪ ،‬قال ( ألست بربكم قالوا بلى شهدان )(‪.)4‬‬
‫وفيه أحاديث عن أيب هريرة (‪ )9‬و أنس بن مالك(‪ )4‬هنع هللا يضر وغريمها ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه امحد ِف املسند ( ‪ ) 9155‬ت الرتكي ‪ ،‬وابن أيب عاصم ِف السنة (‪ )9٧9‬والنسائي ِف الكربى (‪)44424‬‬
‫ومال ابن كثري إىل وقفه على ابن عباس كما فعل ابن أيب حامت ‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه الرتمذي ( ‪ ) 4٧1٧‬وابن أيب عاصم ِف السنة ( ‪ ) 9٧5‬والبيهقي ِف األمساء والصفات ص ‪ ، 491‬وقال‬
‫الرتمذي حسن صحيح ‪ ،‬وصححه ابن حبان ( ‪ ) 1441‬واحلاكم ووافقه الذهيب ‪.‬‬
‫(‪ )4‬حديث أنس هنع هللا يضر أييت بعد قليل ‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫القول الثاين (‪ :)4‬أن هذا اإلشهاد الذي أخذه هللا على آدم وذريته ليس على هذا الوجه الذي‬
‫قاله هؤالء ‪ ،‬بل اإلشهاد معناه ما أقامه هللا من حجج وآايت و بينات تشهد بوحدانيته سبحانه‬
‫وتعاىل وربوبيته وإهليته ‪.‬‬
‫وأصحاب هذا القول يقولون مل حيصل من هللا سبحانه وتعاىل استخراج لذرية آدم ومل حيصل منه‬
‫كالم واستشهاد ومل خيرج منهم إجياب و إقرار بلسان املقال ‪ ،‬وإمنا االستشهاد هو نصب األدلة‬
‫والرباهني واآلايت الكونية ‪ ،‬فيكون االستشهاد واإلقرار بلسان احلال ال بلسان املقال ‪ ،‬فكأن‬
‫إقامته سبحانه وتعاىل لآلايت الكونية والشواهد اخللقية على وحدانيته – كأن هذا استشهاد منهم‬
‫له وإقرار منهم له أبنه رهبم ومليكهم سبحانه ‪.‬‬
‫وعلى القول األول أكثر أهل احلديث وأكثر أهل التفسري ‪.‬‬
‫وعلى القول الثاين أهل الكالم قاطبة ‪.‬‬
‫وكذلك بعض أهل التفسري صاروا إىل القول األخري ‪ ،‬و اعرتضوا على االستدالل ابآلية من عدة‬
‫وجوه ‪:‬‬
‫فقالوا إن هللا سبحانه وتعاىل قال ‪ ( :‬وإذ أخذ ربك من بين آدم ) ولو كان األمر كما أشارت إليه‬
‫األخبار لقال وإذا أخذ ربك من آدم لكنه قال من بين آدم فكونه جعل األخذ من بين آدم ومن‬
‫ظهورهم مل يقل وإذ أخذ ربك من بين آدم من ظهره بل قال من بين آدم من ظهورهم فدل ذلك‬
‫على أن املأخوذ عليهم امليثاق هم بنو آدم ِف احلياة الدنيا يعين بعد والدهتم وبعد وجودهم ِف الدنيا‬
‫أخذ عليهم امليثاق هبذه اآلايت اليت نصبها هلم ‪.‬‬
‫ومما اعرتض به على اإلشهاد بظاهر اآلية أن كل إنسان يولد وهو ال يذكر هذا العهد وال يذكر‬
‫هذا امليثاق فأي فائدة تكون ِف عهد وميثاق يولد اإلنسان وهو ال يذكره وال تقوم به حجة ‪ ،‬وهللا‬
‫سبحانه وتعاىل أخرب أنه أخذ امليثاق ألجل أن تقوم احملجة على بين آدم ‪ ،‬وإذا كانوا يولدون‬
‫وخيرجون إىل الدنيا ويكربون ويبلغون وهم ال يذكرون هذا امليثاق دل ذلك على أن املراد به شيء‬
‫آخر غري ما أشارت إليه األحاديث من استخراج ذرية آدم من ظهره كأمثال الذر ‪.‬‬
‫وهذه االعرتاضات ظاهرة ‪ ( :‬وإذ أخذ ربك من بين آدم ) ما قال وإذ أخذ ربك من آدم ومل يقل‬
‫وإذ أخذ ربك من ظهره أيضاً ‪ ،‬بل قال من ظهورهم ‪.‬‬
‫هبذا يقول كثري من علماء التفسري وهو أن املراد ابإلشهاد ما أودعه هللا ونصبه من الدالئل‬
‫والرباهني الكونية الناطقة بوحدانيته سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وهذا البحث ذكره شارح الطحاوية ِف شرحه‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬أنظر الدر املنثور ‪ 415 -414 /4‬وتفسري ابن كثري ‪ 111 – 914 /9‬والروح البن القيم ص ‪. 941 – 944‬‬

‫‪232‬‬
‫وأطال كثرياً وهو نقله من كالم ابن القيم رمحه هللا ‪ ،‬وابن كثري ِف بعض كتبه أيضاً تكلم فيه ‪،‬‬
‫وأنت إذا أتملت نص اآلية ترجح لك القول الثاين ‪ ،‬وهو القول الذي يذهب إليه ابن القيم رمحه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫أما ما جاء عن انس هنع هللا يضر كما ِف الصحيح أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال ‪ ( :‬إن هللا تعاىل يقول ألهون أهل‬
‫النار عذااب ‪ :‬لو أن لك ماِف األرض من شيء أكنت تفتدي به ؟ قال نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬فقد سألتك‬
‫ماهو أهون من هذا وأنت ِف صلب آدم أن ال تشرك يب فأبيت إال الشرك )(‪ )4‬فإنه مل يذكر فيه‬
‫اإلشهاد ‪ ،‬بل معناه أن هللا أخرج ذرية آدم من ظهره فقط ‪.‬‬

‫( قد علم هللا تعاىل فيما مل يزل عدد من يدخل اجلنة وعدد من يدخل النار )‬
‫الشرح ‪ :‬أي أنه سبحانه وتعاىل علم ذلك ِف األزل فلم حيدث له علم بذلك إمنا علمه سبحانه‬
‫وتعاىل علماً مسبقاً ‪ ،‬وهكذا كل شيء حيدث فإن هللا سبحانه وتعاىل كان عاملاً به قبل حدوثه وِف‬
‫األزل أيضاً ‪ ،‬وكالمه هذا متمش مع مذهب السلف رمحهم هللا ‪ ،‬وهو أن هللا سبحانه قبل أن‬
‫يقدر األشياء علمها أوالً ‪ ،‬مث قدرها مث كتبها على وفق ما علم وقدر ‪ ،‬وقول املصنف هذا فيه رد‬
‫على غالة املعتزلة ومن وافقهم على مذهبهم الذين يقولون ‪ :‬إن هللا ال يعلم آاثر العباد حىت‬
‫خيلقوها و يوجدوها ‪ ،‬فهم ينفون العلم وينفون التقدير وينفون خلق هللا ألفعال العباد ‪ ،‬وهذا كله‬
‫على خالف ما عليه سلف األمة رضوان هللا عليهم ‪.‬‬
‫وهذه املسألة – القضاء والقدر – من املسائل الكبار اليت ضل فيها فئام من الناس انقسموا فيها‬
‫إىل ثالثة أقسام ‪ ،‬ومن املعلوم أن املراد ابلقضاء والقدر واملشيئة معىن متقارب ‪ ،‬فتقول قضى هللا‬
‫كذا ‪ ،‬وشاء كذا ‪ ،‬وقدر كذا ‪ ،‬وأراد كذا مبعىن واحد إذا كانت اإلرادة املراد هبا اإلرادة الكونية ‪.‬‬
‫وقد تكلم شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا عن هذه املسألة وقسم القضاء والقدر إىل مراتب (‪)9‬‬
‫‪ ،‬فجعل ‪:‬‬
‫املرتبة األوىل ‪ :‬العلم ‪ ،‬وهي علم هللا القدمي والذي هو موصوف به أزالً وأبداً ‪ ،‬علمه ابلكائنات ‪،‬‬
‫وعلمه مبا سيكون وما ال يكون ومبا مل يكن لو كان كيف يكون (‪.)4‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 4441‬ومسلم ( ‪. ) 9٧٧5‬‬
‫(‪ )9‬وانظر أيضا ِف شفاء العليل البن القيم ذكره هلذه املراتب ص ‪ 14‬ت خالد عبداللطيف السبع‪.‬‬
‫(‪ )4‬قال ابن تيمية رمحه هللا ( درء التعارض ‪ : ) 412/2‬اتفق سلف األمة وأئمتها على أن هللا عامل مبا سيكون قبل أن‬
‫يكون ‪ .‬وقال ابن قتيبة ( االختالف ِف اللفظ ص ‪ : ) 95‬مل يقل احد من الناس إن شيئا حيدث ِف األرض ال يعلمه‬
‫هللا ‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫املرتبة الثانية ‪ :‬ملا علم سبحانه وتعاىل أحوال العباد وأحوال العاملني كتبها ِف اللوح احملفوظ (‪.)4‬‬
‫املرتبة الثالثة ‪ :‬وهي درجة املشيئة ‪ ،‬يعين شاء سبحانه وتعاىل أن توجد األمور اليت علم أهنا‬
‫ستكون ‪ ،‬شاء أن توجد ِف األوقات احملددة هلا (‪. )9‬‬
‫املرتبة الرابعة ‪ :‬وجود املقدرات ِف أوقاهتا (‪.)4‬‬
‫مث رن الناس يف هذه املسألة افرقوا ثالث فرق ‪:‬‬
‫الفريق األول ‪ :‬فرقة آمنت ابلقضاء والقدر ‪ ،‬وآمنت أن كل شيء حيدث فهو ابلقضاء والقدر ‪،‬‬
‫وأن ما شاء هللا كان وما مل يشأ مل يكن ‪ ،‬وأن هللا يسر العباد ملا قدر عليهم وقضاه هلم ‪،‬وجعل هلم‬
‫مشيئة وفعالً ‪ ،‬فالعبد فاعل مبشيئته لكن مشيئة العبد اتبعة ملشيئة هللا سبحانه وتعاىل ‪ ،‬هذا هو‬
‫مذهب أهل السنة واجلماعة ‪.‬‬
‫الفريق الثاين ‪ :‬نفوا القضاء والقدر وقالوا إن هللا مل يقدر أفعال العباد ‪ ،‬بل ال يعلمها إال إذا فعلوها‬
‫وأوجدوها ‪ ،‬وهذا مذهب القدرية من معتزلة وغريها ‪.‬‬
‫والقدرية إذا أطلق يراد به الذين نفوا القدر وأنكروه ونفوا أن يكون هللا خالقاً ألفعال العباد ‪،‬‬
‫والقدر يشمل املعتزلة والرافضة وطوائف أخرى ‪ ،‬وأول ما نشأت هذه البدعة أنشأها رجل يهودي‬
‫من يهود البصرة يقال له سوسن اليهودي ‪ ،‬وهو أول من تكلم بنفي القدر سراً ‪ ،‬فأخذه عنه‬
‫بعض الناس ونشروه كمعبد اجلهين وغيالن الدمشقي وأمثاهلما ‪ ،‬مث تطور أمر هذه البدعة وهذه‬
‫الضاللة وتصدر هلا واصل بن عطاء ‪ ،‬وهو الذي وضع القواعد هلذا املذهب ونظمه وجعله مقالة‬
‫ومذهباً يصار إليه ‪ ،‬إىل جانب ما أحدثه من نفي الصفات ومن القول ابملنزلة بني املنزلتني ومن‬
‫القول بتخليد أهل املعاصي ِف النار ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ِ )4‬ف طبقات احلنابلة ‪ 91/4‬قال حنبل قلت له – يعين اإلمام امحد – الشقاء والسعادة مكتوابن على العبد ؟ قال ‪:‬‬
‫نعم ‪ ،‬سابق ِف علم هللا ومها ِف اللوح احملفوظ ‪ .‬وقال أبو احلسن األشعري رمحه هللا ‪ ( :‬رسالة إىل أهل الثغر ص ‪911‬‬
‫) وامجعوا على انه قد قدر مجيع أفعال اخللق وأثبت ِف اللوح احملفوظ مجيع ماهو كائن منهم إىل يوم يبعثون ‪.‬‬
‫(‪ )9‬قال ابن قتيبة رمحه هللا ( أتويل خمتلف احلديث ص ‪ : ) 41‬أصحاب احلديث كلهم جمموعون على أن ما شاء هللا‬
‫كان ‪ ،‬ومامل يشأ مل يكن ‪ .‬وقال ابن تيمية ( بيان تلبيس اجلهمية ‪ ) 19٧/4‬خالفا ملا امجع عليه املسلمون من أن ما‬
‫شاء هللا كان وما مل يشأ مل يكن ‪.‬‬
‫(‪ )4‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا ( جمموع الفتاوى ‪ ) 1٧1/٧‬أفعال العباد خملوقة ابتفاق سلف األمة وأئمتها‬
‫‪ .‬وقال ابن عبدالرب رمحه هللا ( فتح الرب ‪ِ ) 9٧4/9‬ف معرض شرحه حلديث حتاج آدم وموسى ‪ :‬وفيه األصل اجلسيم‬
‫الذي امجع عليه أهل احلق وهو أن هللا عز وجل قد فرغ من أعمال العباد فكل جيري فيما قدر له وسبق ِف علم هللا‬
‫تبارك امسه ‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫مث تطورت هذه الضالالت وانتشرت وتشعبت ‪ ،‬فالقدرية ِف أول األمر كانوا يقولون إن هللا ال‬
‫يقدر املعاصي والكفر والفسوق لكنه قدر اخلري وخلقه ‪ ،‬فيقولون الشر من العبد والعبد اخلالق له‬
‫وهللا مل يقدره ‪ ،‬وملا أخرب ابن عباس رضي هللا عنهما بذلك قال ‪ ( :‬هذا أول شرك ِف اإلسالم‬
‫والذي نفسي بيده ليؤولن هبم رأيهم إىل أن خيرجوا هللا من أن يكون قدر اخلري كما أخرجوه من أن‬
‫يكون قدر الشر)(‪ ، )4‬وفعالً وقع ذلك قريباً وصدق ما توقعه ابن عباس هنع هللا يضر ‪ ،‬فما هي إال‬
‫سنوات حىت اتفقت القدرية على أن هللا سبحانه وتعاىل مل يقدر شيئاً من أفعال العباد ال اخلري وال‬
‫الشر ‪.‬‬
‫ينزع لدليل ‪ ،‬فالقدرية النفاة هلم شبه يستدلون هبا ‪ ،‬يقولون ‪ :‬لو قلنا أبن‬ ‫هذه أصول الفرق وكل َ‬
‫هللا قدر املعاصي على العباد وخلقها لكان ظاملاً هلم إذا عذهبم كيف يقدر عليهم املعصية وخيلقها‬
‫مث يعاقبهم عليها ‪ ،‬ولكن األئمة رضوان هللا عليهم انظروهم وانقشوهم وأبطلوا مذهبهم ابحلجج‬
‫العقلية ‪ ،‬فاإلمام الشافعي رمحه هللا يقول ‪ :‬انظروا القدرية ابلعلم فإن أقروا به خصموا وإن أنكروه‬
‫كفروا ‪.‬‬
‫ووجه ذلك أن تسأل القدري إذا قال إن هللا مل خيلق أفعال العباد – تسأله ‪:‬‬
‫هل كان عاملاً هبا أو ال ؟‬
‫فإن قال ‪ :‬ال ‪.‬مل يكن عاملاً هبا لزمه وصف هللا ابجلهل ‪ ،‬ومن وصف هللا ابجلهل فقد كفر إمجاعاً ‪.‬‬
‫وإن قال ‪ :‬بلى علمه ‪.‬‬
‫قيل له ‪ :‬ملا علمه هل كان قادراً على صرفهم عنها أو ال ؟ ‪.‬‬
‫فإن قال ‪ :‬نعم ‪ .‬كان قادراً على صرفهم عنها لكنه مل يصرفهم ‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬كيف يكون قادرا على صرفهم عن املعصية ومل يصرفهم ‪ ،‬إذاً يكون ظاملا ‪ ،‬فيلزمهم ِف ذلك‬
‫نظري ما فروا منه ‪.‬‬
‫فإن قال ‪ :‬مل يكن قادرا كفر إمجاعا ‪ ،‬ألن من وصف هللا ابلعجز فهو كافر ‪.‬‬
‫وقد جرت مناظرة بني عبد اجلبار اهلمذاين املعتزيل وبني أيب إسحاق اإلسفرائيين األشعري حيث‬
‫دخل عبد اجلبار على الصاحب بن عباد وكان عنده اإلسفرائيين ‪:‬‬
‫فقال عبداجلبار على الفور ‪ :‬سبحان من تن زه عن الفحشاء ‪.‬‬
‫فقال اإلسفرائيين فورا ‪ :‬كلمة حق أريد هبا ابطل ‪ ،‬سبحان من ال يقع ِف ملكه إال ما يشاء ‪.‬‬
‫فقال عبداجلبار – وفهم انه قد عرف مراده ‪ : -‬أيريد ربنا أن يعصى ؟‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه امحد ِف املسند ( ‪ ) 4٧51‬وأورده ابن حجر ِف املطالب العالية ( ‪ ) 9241‬ونسبه إىل إسحاق بن راهويه ‪.‬‬

‫‪235‬‬
‫فقال أبو إسحاق ‪ :‬أيعصى ربنا قهرا ؟‬
‫فقال عبد اجلبار ‪ :‬أرأيت إن منعين اهلدى وقضى علي ابلردى ‪ ،‬أحسن إيل أم أساء ؟‬
‫فقال اإلسفرائيين ‪ :‬إن كان منعك ماهو لك فقد أساء ‪ ،‬وإن كان منعك ماهو له فيختص برمحته‬
‫من يشاء ‪.‬‬
‫فانقطع القدري عبداجلبار وسكت ومل جيد جواابً (‪. )4‬‬
‫فحينما قال عبداجلبار سبحان من تن زه عن الفحشاء عرف االسفرائيين أنه يريد بذلك تنزيه هللا عن‬
‫أن يكون قدر املعاصي وخلقها ‪ ،‬فقال ‪ :‬سبحان من ال يقع ِف ملكه إال ما يشاء ‪ ،‬ومراد‬
‫االسفرائيين أنه إذا كنت تقول ‪ :‬إن هللا ال يريد املعاصي مث وقعت فمعناه أنه وقع ِف ملكه ما ال‬
‫يشاء ‪ ،‬فلما أدرك عبداجلبار أن االسفرائيين ظهر عليه قال ‪ :‬أتراه مينعين ‪..‬يعين قد عرفنا أن‬
‫التوفيق ملك هلل لكن أال يكون ظاملا يل أن منعين إايه ؟ فقال له االسفرائيين ‪ :‬كال ‪ ،‬انظر إن كان‬
‫التوفيق ملكك مث منعك إايه فقد ظلمك ‪ ،‬وإن كان ملكه فاملالك للشيء يتصرف فيه كيف يشاء‬
‫‪.‬‬
‫فصاح احلاضرون كلهم وهللا ما هلذا من جواب ‪.‬‬
‫وقد سبق أن ذكرت أن علماء الكالم – القدرية وغريهم – ال يرون ِف النصوص السمعية حجة‬
‫على مسائل العقيدة لكن إذا كان النص معهم فإهنم يستدلون به من ابب إلزام اخلصم مبا يراه ‪،‬‬
‫فمما يستدلون به قوله تعاىل ‪ ( :‬فتبارك هللا أحسن اخلالقني )(سورة املؤمنون آية‪ )41:‬فقالوا هذا‬
‫يدل على أن هناك خالقني غري هللا ‪ ،‬وخالقني صفة ذم ‪ ،‬ولكن السلف ردوا عليهم هذا التأويل‬
‫وهذا الفهم وقالوا(‪ : )9‬إن اخلالقني ِف اآلية ليس معناها املوجدين بل املراد هبا معىن آخر ‪ ،‬ألن‬
‫خلق يف اللغة تطلق ويراد هبا أمور ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪ – 4‬يقال ‪ :‬خلق مبعىن أوجد كما ِف قوله سبحانه و تعاىل ‪ ( :‬خلق هللا السماوات واألرض ) ‪.‬‬
‫‪ – 9‬ويقال‪:‬خلق اخلياط الثوب مبعىن قدره وفصله ‪ ،‬وخلق اخلراز النعل مبعىن قاسها وقدرها‬
‫وصورها على القياس الذي يريد ‪ ،‬وفعله هذا يسمى خلقا ‪ ،‬كل هذا يقال ِف اللغة العربية (‪. )4‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬انظر دفع إيهام االضطراب للشنقيطي ِف آخر أضواء البيان ‪ ، 444/4٧‬ولوامع األنوار البهية للسفاريين ‪/ 4‬‬
‫‪. 442‬‬
‫(‪ )9‬انظر أضواء البيان للشنقيطي ‪ ، 1٧4 /5‬وشفاء العليل البن القيم ص ‪ 442‬ت خالد السبع‬
‫(‪ )4‬وقد تطلق ويراد هبا الكذب ‪ ،‬كما ِف قوله تعاىل ‪ ( :‬وختلقون إفكاً ) ‪ ،‬لكن إذا قصد هبا اإلبداع فهو خاص ابهلل‬
‫سبحانه ‪ .‬انظر منهاج السنة ‪ ، 95٧ /9‬ومفردات الراغب األصفهاين مادة خلق ‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫فيكون قوله ‪ ( :‬تبارك هللا أحسن اخلالقني ) يعين أحسن املصورين واملقدرين ‪ ،‬وليس املعىن‬
‫املوجدين أو أحسن املخرتعني ‪ ،‬ألنه ال موجد وال خمرتع إال هللا ‪ ،‬وهذا معروف ِف لغة العرب أن‬
‫اخللق يطلق ويراد به غري اإلجياد مثل قول الشاعر ‪:‬‬
‫وألنت تفري مـا خلقت *** وبعـض القوم خيلق مث ال يفرى(‪)4‬‬

‫يقول إن املمدوح ال ينازعه أحد ‪ ،‬فهو إذا قدر أمراً أوجده وال خيشى من أحد ‪ ،‬أما غريه فإنه‬
‫يقدر ويصور ولكن ليست لديه القدرة ِف التنفيذ ‪ ،‬وقوله ‪ :‬بعض القوم خيلق أي يقدر و يقيس ‪.‬‬
‫هذا ما يتعلق مبذهب القدرية ‪ ،‬والبحث ِف مذهبهم والرد عليهم يطول لكن هذه نبذة تعطيك‬
‫فكرة عنهم ‪.‬‬
‫الفريق الثالث‪ :‬اجلهمية الذين أثبتوا القدر كما أثبته أهل السنة واجلماعة يعين آمنوا أبن هللا‬
‫سبحانه وتعاىل قضى وقدر كل شيء على عباده وأنه ال شيء يوجد إال مبشيئة هللا وإرادته لكنهم‬
‫غلوا ِف هذا التقرير وِف هذا اإلثبات حىت جعلوا العبد جمبوراً على أفعاله ‪ ،‬وقالوا إن العبد ال فعل‬
‫له ‪ ،‬وأفعال العباد هي أفعال هللا حقيقة ‪ ،‬فأخرجوا العبد من أن يكون له مشيئة وإرادة يفعل هبا‬
‫ويتصرف على ضوئها ‪.‬‬
‫والقرآن كله مملوء مما خيالف هذا الكالم ‪ ،‬كقوله سبحانه تعاىل ‪ ( :‬ونفس وما سواها فأهلمها‬
‫فجورها وتقواها ) قوله ‪ ( :‬أهلمها ) فيه التوفيق واإلعانة ‪ ( ،‬فجورها ) فيه الداللة على أن الفجور‬
‫من العبد ‪ ،‬ألنه أضافه إليه فقال ( فجورها وتقواها ) ‪ ،‬فلو مل يكن للعبد فعل إذا فجر وفعل إذا‬
‫اتقى ملا صح إضافة الفجور والتقوى إليه ‪ ،‬واألدلة كثرية جدا ‪.‬‬
‫ومما يستدلون به أن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ِف إحدى املواقف أخذ كفا من احلصى ورمى هبا املشركني ‪ ،‬فانزل‬
‫هللا تعاىل قوله ‪ ( :‬وما رميت إذ رميت ولكن هللا رمى )(سورة األنفال آية‪ ، )41:‬يقولون ‪ :‬إن هللا‬
‫سبحانه وتعاىل نفى عن نبيه الفعل مع أنه صادر عنه فقال ‪ ( :‬وما رميت إذ رميت ولكن هللا رمى‬
‫) قالوا ‪ :‬فهذا دليل على أن العبد ليس له فعل ‪ ،‬وأن األفعال اليت تصدر عنه هي أفعال هللا ‪.‬‬
‫ورد أهل السنة واجلماعة عليهم هذا االستدالل فقالوا ‪ :‬إن الرمي ِف اللغة يطلق ويراد به أحد‬
‫أمرين ‪:‬‬
‫‪ – 4‬اترة يطلق ويراد به احلذف ‪.‬‬
‫‪ – 9‬واترة يطلق ويراد به إصابة الغرض ‪.‬‬
‫______________________________________‬

‫(‪ )4‬ينظر مفردات الراغب األصفهاين مادة خلق ‪ ،‬وأضواء البيان ‪. 911/1‬‬

‫‪237‬‬
‫إذا حذفت السهم من القوس أو أطلقت الرصاصة من البندقية تقول رميت ‪ ،‬سواء أصبت أم مل‬
‫تصبه ‪ ،‬وتقول رميت الغرض إذا أصبته ‪ ،‬فالذي نفي عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص هو اإلصابة ( فما رميت ) أي‬
‫ما أصبت ‪ ( ،‬إذ رميت ) إذ حذفت ‪ ( ،‬ولكن هللا رمى ) ولكن هللا أصاب ‪ ،‬فالفعل الذي نفي‬
‫عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص هو اإلصابة ‪ ،‬واإلصابة ال تكون إال إبذن هللا وإبرادة هللا ‪ ،‬والرامي يرمي وحيتاط‬
‫ويسدد الرمية للغرض ولكن قد يصيب وقد ال يصيب ‪ ،‬فإذا أراد هللا اإلصابة حبس السهم ِف‬
‫الرمية ‪ ،‬وإن مل يرد ذلك طاش السهم أو زل مييناً أو مشاالً ‪.‬‬

‫( مجلة واحدة ‪ ،‬فال يزاد يف ذل العدد وال ينقص منه )‬


‫الشرح ‪ :‬يعين علم عددهم مجلة واحدة ‪ ،‬مبعىن أنه سبحانه وتعاىل مل يكن ع ْلمه متدرجاً حىت‬
‫حدث له علم ببعض أهل اجلنة وبعض أهل النار ‪ ،‬بل كان الكل معلوماً لديه ألن علمه شامل‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ ،‬كما قال عز وجل ‪ ( :‬ال يعزب عنه مثقال ذرة )(سورة سبأ آية‪ )4:‬فهو علم‬
‫ذلك قبل أن يكون ‪.‬‬

‫( وكذل أفعاهلم فيما علم منهم أن يفعلوه ‪ ،‬وكل ميسر ملا خلق له )‬
‫الشرح ‪ :‬هو قضى وقدر وكل ميسر ملا خلق له ‪ ،‬وهذا العبارة اليت قاهلا رمحه هللا تتفق مع احلديث‬
‫الذي ثبت عنه ملسو هيلع هللا ىلص أنه ملا ذكر القضاء والقدر قال له سراقة بن مالك ‪ :‬اي رسول هللا ‪ :‬بني لنا‬
‫ديننا ‪ ،‬كأان خلقنا اآلن ‪ ،‬فيم العمل اليوم ؟ أفيما جفت به األق الم وجرت به املقادير ‪ ،‬أم فيما‬
‫يستقبل ؟ ق ال ‪ ( :‬ال ‪ ،‬بل فيما جفت به األقالم وجرت به املقادير ) ‪ ،‬ق ال ‪ :‬ففيم العمل ؟ فقال‬
‫‪ ( :‬اعملوا فكل ميسر ملا خل ق له )(‪. )4‬‬
‫وجاء ِف مسلم أيضا عن علي هنع هللا يضر قال ‪ :‬كنا ِف جنازة ِف بقيع الغرقد فأاتان رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص فقعد‬
‫وقعدان حوله ومعه خمصرة فنكس فجعل ينكت مبخصرته مث قال ‪ ( :‬ما منكم من أحد ‪ ،‬ما من‬
‫نفس منفوسة إال وقد كتب هللا مكاهنا من اجلنة والنار ‪ ،‬وإال وقد كتبت شقية أو سعيدة ) قال ‪:‬‬
‫فقال رجل ‪ :‬اي رسول هللا ‪ :‬أفال منكث على كتابنا وندع العمل ؟ فقال ‪ ( :‬من كان من أهل‬
‫السعادة فسيصري إىل عمل أهل السعادة ومن كان من أهل الشقاوة فسيصري إىل عمل أهل‬
‫الشقاوة ) ‪ ،‬مث قال ‪ ( :‬اعملوا فكل ميسر ملا خلق له ‪ ،‬أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 4419‬ومسلم ( ‪. ) 9111‬‬

‫‪238‬‬
‫السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ) ‪ ،‬مث قرأ ( فأما من أعطى واتقى وصدق‬
‫ابحلسىن فسنيسره لليسرى وأما من خبل واستغىن وكذب ابحلسىن فسنيسره للعسرى )‬
‫فعلى اإلنسان ِف هذا الباب أن يؤمن ابلقضاء والقدر وعليه أن يعمل مبا أمر به وال ِ‬
‫يوجد بينهما‬
‫تناقضا حىت ال يكون من الطائفة اإلبليسية اليت تدعم إبليس ِف إلقاء الشبه واملعارضات حني‬
‫قالت ‪ :‬كيف يقدر علينا األفعال مث يعاقبنا عليها ؟ أيقدر علينا الكفر وأيمران ابجتناب الكفر ؟‬
‫هذا تناقض ‪ ،‬وهؤالء يسمون اإلبليسية ألن شبهتهم متاثل شبهة إبليس لعنه هللا حيث قال ‪ ( :‬أان‬
‫خري منه خلقتين من انر وخلقته من طني ) فكيف يسجد من خلقه من النار القوية ملن خلقه من‬
‫الطني الضعيفة ‪ ،‬هؤالء قالوا نعم ‪ :‬نصدق أبن هللا قدر وقضى ‪ ،‬ونصدق أبن هللا أمران أن نطيعه‬
‫وهناان أن نعصيه ‪ ،‬ولكن هذا تناقض من اخلالق ‪ ،‬كيف يقدر شيئا وأيمر خبالفه ؟‬
‫فالرسول ملسو هيلع هللا ىلص ملا ذكر هلم القضاء والقدر وأنه سبقت مشيئة هللا وأنه ما من حركة وسكون يقع من‬
‫البشر إال هللا خالقه ومقدره ‪ ،‬كأهنم استشكلوا هذا فقالوا اي رسول هللا هل الثواب والعقاب متعلق‬
‫القدر أم أنه متعلق مبا نستأنفه من األفعال ؟ فقال عليه الصالة والسالم بل مبا قضي‬ ‫ابملشيئة و َ‬
‫وقدر ‪ ،‬وعليكم أن تعملوا وكل ميسر ملا خلق له ‪ ،‬وقال ‪ :‬فأما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل‬
‫السعادة ‪ ،‬وأهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ‪ ،‬يعين أنه ال حيتج اإلنسان ابلقضاء والقدر‬
‫على ترك األوامر ‪ ،‬أو ينظر إىل جانب األوامر ويهمل القضاء والقدر ‪ ،‬عليه أن يصدق مبا أخرب به‬
‫ويعمل مبا أمر به ‪.‬‬

‫( واألعمال ابخلواتيم والسعيد من َسعُد بقضاء هللا والشقي من شقي بقضاء هللا )‬
‫الشرح ‪ :‬يعين أن هللا سبحانه وتعاىل جعل مناط السعادة والشقاوة ما خيتم لإلنسان به ‪ ،‬فإن ختم‬
‫له خبري فإنه يكون من أهل السعادة ‪ ،‬وإن ختم له خبالف ذلك – والعياذ ابهلل – فإنه يكون من‬
‫أهل الشقاوة ‪ ،‬وال عربة ملا يكون عليه اإلنسان قبل أن خيتم له ‪ ،‬فال يقطع له ابجلنة إذا رئي‬
‫متعبدا ومطيعا هلل ومتبعا ألوامره ‪ ،‬وال يقطع له ابلنار إذا رئي مسرفا على نفسه و مرتكبا للمعاصي‬
‫والسيئات ‪ ،‬كما قال ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬إن أحدكم جيمع خلقه ِف بطن أمه أربعني يوماً ‪ ،‬مث يكون علقة مثل‬
‫ذلك ‪ ،‬مث يكون مضغة مثل ذلك مث يرسل إليه ملك فيؤمر أبربع كلمات ‪ :‬يكتب رزقه وعمله‬
‫وأجله وشقي أو سعيد مث ينفخ فيه الروح ) مث قال ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬والذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل‬
‫بعمل أهل اجلنة حىت ما يكون بينه وبينها إال ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار‬
‫فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حىت ما يكون بينه وبينها إال ذراع فيسبق عليه‬

‫‪239‬‬
‫الكتاب فيعمل بعمل أهل اجلنة فيدخلها )(‪ ، )4‬فالعربة ابخلواتيم ‪ ،‬اخلامتة هي مناط الشقاوة أو‬
‫السعادة ‪ ،‬فقد يكون اإلنسان مسرفا ِف حياته ‪ ،‬أو قد يكون كافرا وِف آخر حياته من هللا عليه‬
‫ابلتوفيق و اهلداية فهداه لإلميان و دخل ِف اإلسالم واستقام وصار من عباد هللا املؤمنني فيختم له‬
‫خبري وقد يكون خبالف ذلك ‪ ،‬نسأل هللا العافية ‪.‬‬
‫و السعيد من قدر هللا له السعادة والشقي من قدر هللا عليه الشقاوة ‪.‬‬

‫( وأصل القدر سر هللا تعاىل يف خلقه مل يطلع على ذل مل مقرب وال نيب مرسل )‬
‫الشرح ‪ :‬قال ابن عباس رضي هللا عنهما ‪ ( :‬القدر سر هللا ِف خلقه فال تكشفوه )(‪ )9‬فال ينبغي‬
‫التعمق ابلقدر والتنطع والبحث عن األمور اليت ختفى على اإلنسان كالعلل واألحكام واألسرار ‪،‬‬
‫وال ينبغي(‪ )4‬أن حياول الغوص فيها واكتشافها واجتنائها وهي مما ال يعلمه إال هللا سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫والقضاء والقدر مرتادفان ‪ ،‬فتطلق قضى على قدَّر فتكون هي والقدر سواء ‪ ،‬إال أن القضاء قد‬
‫يطلق على أمور غري القدر كاحلكم واألمر ‪ ،‬كقوله ‪ ( :‬وقضى ربك أال تعبدوا إال إايه )(سورة‬
‫اإلسراء آية‪ ، )94:‬لكن إذا أطلق القضاء فقيل قضى هللا كذا فيكون القضاء والقدر مبعىن واحد ‪.‬‬

‫( مل يطلع على ذل مل مقرب و ال نيب مرسل )‬


‫الشرح ‪ :‬أي مل يطْلع سبحانه وتعاىل على سر القضاء والقدر أحداً ال من األنبياء وال من الرسل‬
‫وال من املالئكة وال من غريهم ‪.‬‬

‫( والتعمق والنظر يف ذل ذريعة اخلذالن ‪ ،‬وسلم احلرمان ‪ ،‬ودرجة الطغيان )‬


‫الشرح ‪ :‬يعين أن التعمق ِف ذلك يوصل اإلنسان إىل هذا الدركات اليت ذكرها كالطغيان واحلرمان‬
‫واخلذالن ‪.‬‬
‫و التعمق الذي هو حبث عن جوانب ِف القضاء والقدر ال ميكن للعبد أن يطلع عليها ‪ ،‬أما معرفة‬
‫القضاء والقدر كما ورد ِف النصوص – ِف القرآن والسنة فهذا حبثه العلماء وانقشوه وتكلموا فيه‬
‫وانظروا منكريه ‪ ،‬إمنا يقصد ابلتعمق إجياد املعارضات والبحث عن كشفها وحلها مبا ال ميكن‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 49٧٧‬ومسلم ( ‪. ) 9114‬‬
‫(‪ )9‬انظر شرح الطحاوية البن أيب العز ص ‪ 49٧‬ت الرتكي ط ‪9‬‬
‫(‪ )4‬مراد الشيخ رمحه هللا هنا املنع ‪ ،‬وهو من ابب قول هللا تعاىل ( وما ينبغي للرمحن أن يتخذ ولدا )‬

‫‪241‬‬
‫كشفه عن طريق الكتاب والسنة ‪ ،‬هذا هو الذي يكرهه العلماء وحيذرون منه‪ ،‬والرسول ملسو هيلع هللا ىلص خرج‬
‫ذات يوم والناس يتكلمون ِف القدر فكأمنا تفقأ ِف وجهه حب الرمان من الغضب ‪ ،‬فقال هلم ‪( :‬‬
‫ما لكم تضربون كتاب هللا بعضه ببعض ؟ هبذا هلك من كان قبلكم )(‪ ، )4‬فالتعمق الذي نتيجته‬
‫إجياد التعارض وإجياد املشكالت ‪ ،‬والبحث عما يظهر عنه أنه تناقض هذا هو الذي ال جي وز ‪.‬‬

‫( فاحلذر كل احلذر بذل نظرا وفكرا و وسوسة )‬


‫الشرح ‪ :‬يعين ال ينبغي أن ينظر فيه اإلنسان نظرة تعمق وال ينبغي أن يفكر فيه فكر تعمق وال‬
‫ينبغي أن يزيد ِف ذلك التفكر حىت يصل إىل الوسوسة ‪.‬‬
‫فالنظر ‪ :‬هو أول استعراض هذه الوساوس ‪.‬‬
‫والفكر ‪ :‬هو التفكري فيها والبحث عن وجوهها وعن ما يراد هبا ‪.‬‬
‫أما الوسوسة ‪ :‬فهي درجة تكون بعد التفكري ‪.‬‬
‫أوالً ينظر اإلنسان مث يفكر مث قد خيرج من الفكر إىل الوسوسة ‪ ،‬وهلذا يقول شارح الطحاوية ‪ :‬إن‬
‫أول واجب على اإلنسان هو معرفة هللا ال النظر وال التفكر وال الشك ‪ ،‬فالنظر عند األشاعرة هو‬
‫أول واجب على املكلف ‪ ،‬يعين يبحث عن األدلة على ربوبية هللا ‪ ،‬واملؤلف مينع ذلك ويقول‬
‫طريقة السلف أن أول شيء هو عبادة هللا وتوحيده ‪ ،‬ال النظر وال الفكر وال الشك الذي هو‬
‫الوسوسة ‪.‬‬

‫( فإن هللا تعاىل طوى علم القدر عن أانمه ‪ ،‬وهناهم عن مرامه )‬


‫الشرح ‪ :‬طوى عنهم علمه وهناهم عن أن حياولوا كشفه ‪.‬‬

‫( كما قال تعاىل يف كتابه ‪ :‬ال يسئل عما يفعل وهم يسئلون )‬
‫الشرح ‪ :‬هو قضى وقدر وال ينبغي ألحد أن يعرتض على ذلك فيسأله ‪ :‬ملاذا قدر كذا ‪ ،‬ألنه ( ال‬
‫يسئل عما يفعل وهم يسئلون ) وهذه قاعدة من قواعد السلف جعلها ابن تيمية رمحه هللا قاعدة‬
‫عامة من القواعد السبع املذكورة ِف التدمرية وهو أنه جيب على العبد اإلميان مبا صح عن هللا‬
‫ورسوله اعتقادا وعمال ‪ ،‬وأنه ال يلزم أن يبحث عن العلة أو احلكمة أو السر ِف هذا التشريع أو ِف‬
‫هذا األمر ابالعتقاد بل عليه أن يؤمن ويسلم ‪ ،‬وال يقول إن وجدت احلكمة أو السر ِف هذا‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه امحد ِف مسنده ( ‪ ) 111٧‬وابن ماجه ( ‪ ) ٧5‬بسند صحيح ومسلم بنحوه ( ‪. ) 9111‬‬

‫‪241‬‬
‫االعتقاد اعتقدته أو ِف هذا التشريع عملته ‪ ،‬بل جيب عليه أن يؤمن ويصدق ويسلم ‪ ،‬وال يكون‬
‫إميانه أو تسليمه متوقفاً على معرفة سر التشريع أو سر األمر ابالعتقاد ‪ ،‬ألن هللا سبحانه وتعاىل ‪:‬‬
‫( ال يسئل عما يفعل وهم يسئلون )(سورة األنبياء آية‪. )94:‬‬

‫( فمن سأل ‪:‬مل فعل ؟ فقد رد حكم الكتاب )‬


‫الشرح ‪ :‬يشري إىل قوله تعاىل ‪ ( :‬ال يسئل عما يفعل وهم يسئلون ) ‪ ،‬هللا سبحانه وتعاىل يقول ‪:‬‬
‫( ال يسئل عما يفعل ) فمن سأل عما فعل هللا أو مل فعل فقد عارض و رد قوله ‪ ( :‬ال يسئل عما‬
‫يفعل ) ‪.‬‬

‫( فمن رد حكم الكتاب كان من الكافرين )‬


‫الشرح ‪ :‬فمن رد حكم الكتاب كان من الكافرين ‪ِ ،‬ف كل شيء وليس ِف هذه املسألة فقط ‪ِ ،‬ف‬
‫أي مسألة من مسائل الكتاب ‪ ،‬من رده ورفضه وأنكره ورغب عنه فإنه يكون من الكافرين بدليل‬
‫قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬ومن مل حيكم مبا أنزل هللا فأولئك هم الكافرون )(سورة املائدة آية‪، )11:‬‬
‫و بدليل قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬فال وربك ال يؤمنون حىت حيكموك فيما شجر بينهم مث ال جي دوا‬
‫ِف أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما )(سورة النساء آية‪ )15:‬فهذه اآلية نفت اإلميان‬
‫عمن رد حكم الكتاب ‪ ،‬واآلية اليت قبلها حكمت بكفر من رد حكم الكتاب وحكم بغريه ‪.‬‬

‫(فهذا مجلة ما حيتاج رليه من هو منور قلبه من أولياء هللا تعاىل وهي درجة الراسخني يف العلم)‬
‫الشرح ‪ :‬قوله ‪ ( :‬فهذا ) اإلشارة حيتمل أنه يقصد هبا ما ذكره من حكم القضاء والقدر ‪ ،‬وحيتمل‬
‫أنه يقصد ما ذكره مما تقدم كله من قوله ‪ ( :‬نقول ِف توحيد هللا معتقدين بتوفيق هللا أن هللا واحد‬
‫ال شريك له ) إىل آخره ‪ ،‬أو أنه يريد بذلك هذه اجلمل اليت تتعلق ابلقضاء والقدر واإلميان به‬
‫والتسليم له وعدم رد حكم كتاب هللا وسنة نبيه ملسو هيلع هللا ىلص ‪.‬‬

‫(ألن العلم علمان ‪ :‬علم يف اخللق موجود ‪ ،‬وعلم يف اخللق مفقود ‪ ،‬فإنكار العلم املوجود كفر‬
‫‪ ،‬وادعاء العلم املفقود كفر ‪ ،‬وال يثبت اإلميان رال بقبول العلم املوجود وترك طلب العلم‬
‫املفقود)‬
‫الشرح ‪ :‬العلم املفقود ‪ :‬هو علم الغيب واإلطالع على أسرار التشريع وأسرار األخبار اليت ترد عن‬
‫هللا ورسوله ‪ ،‬ال ميكن ألحد أن يطلع على الغيب‬

‫‪242‬‬
‫وال ميكن ألحد أن يعلم شيئاً من الغيب ‪ ( :‬عامل الغيب فال يظهر على غيبه أحداً ) ‪.‬‬
‫العلم املوجود ‪ :‬علم الشريعة ‪ ،‬وإنكاره كفر ‪ ،‬وكذلك ادعاء العلم املفقود – علم الغيب – وإدعاء‬
‫علم أسرار هللا ِف أقضيته وأقداره كفر ‪.‬‬
‫فاالعتدال هو اإلقرار بعلم الشرائع واإلقرار ابلعجز عن علم الغيوب واإلطالع على أسرار هللا‬
‫سبحانه وتعاىل ‪.‬‬

‫( ونؤمن ابللوح والقلم )‬


‫الشرح ‪ :‬من معتقد أهل السنة واجلماعة اإلميان أبن هللا سبحانه وتعاىل كتب ِف اللوح احملفوظ‬
‫ابلقلم ما هو كائن إىل يوم القيامة ‪ ،‬واللوح يعنون به اللوح احملفوظ ‪ ،‬والقلم هو الذي كتب هللا به‬
‫ما يكون ِف اللوح احملفوظ ‪ ،‬وهو الذي أقسم هللا به ‪ ،‬على الراجح ِف قوله تعاىل ‪ ( :‬ن والقلم وما‬
‫يسطرون )(سورة القلم آية‪.)4:‬‬
‫وهنا عند ذكر القلم يبحث العلماء ِف مسألة ‪ :‬أيهما خلق أوالً ‪ :‬القلم أم العرش ‪ ،‬قوم قالوا ‪ :‬إن‬
‫العرش هو أول املخلوقات ‪ ،‬وقوم قالوا ‪ :‬إن القلم هو أول املخلوقات ‪ ،‬سبب اخلالف ِف ذلك‬
‫هو اآلاثر اليت وردت ِف هذا املوضوع ‪ ،‬منها قوله ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬إن أول ما خلق هللا القلم فقال ‪ :‬له‬
‫اكتب )(‪. )4‬‬
‫أول ما خلق هللا‬‫أول ما خلق هللا القلم )(‪ )9‬ومنها ‪ ( :‬إن َ‬ ‫جاء هذا اخلرب بعدة ألفاظ منها ‪ُ ( :‬‬
‫أول ما خلق هللا القلم قال له ‪ :‬اكتب ) ‪ ،‬فكل لفظ من هذه األلفاظ يؤدي إىل‬ ‫القلم ) ومنها ‪َ ( :‬‬
‫معىن ‪.‬‬
‫قوم قالوا ‪ :‬إن العرش خملوق قبل بدليل قوله ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬كان هللا ومل يكن شيء معه وكان عرشه على‬
‫املاء )(‪ ، )4‬والواو هنا للحال ‪ ،‬إذاً فالعرش كان موجوداً قبل كتابة األشياء اليت كتبها هللا ابلقلم ‪،‬‬
‫فالذين ذهبوا إىل أن العرش كان قبل استدلوا هبذا اخلرب ( كان هللا وال شيء معه ‪ ) ..‬ال قلم وال‬
‫لوح وال غريه ‪.‬‬
‫أول ما خلق هللا القلم ) وكذلك قوله‬ ‫وأما الذين استدلوا حبديث عبادة فإهنم متسكوا بقوله ‪ ( :‬إن َ‬
‫أول ما خلق هللا القلم ) فقالوا هذا نص ِف أن أول شيء خلقه هللا القلم ‪.‬‬ ‫‪ُ (:‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود ( ‪ ) 11٧٧‬والرتمذي ( ‪ ) 9455‬وأمحد ِف مسنده ( ‪ ) 991٧5‬بسند صحيح‬
‫(‪ )9‬رواه أمحد ِف مسنده ( ‪ ) 991٧1‬وابن أيب عاصم ِف السنة ( ‪ ) 4٧4‬إبسناد فيه مقال ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 114٧‬وامحد ِف مسنده ( ‪. )42٧11‬‬

‫‪243‬‬
‫ولكن أجاب الذين رجحوا أن العرش هو الذي قبل أجابوا عن حديث عبادة وغريه أبن أول ما‬
‫خلق هللا القلم من هذا العامل املشهود ‪ ،‬قالوا الدليل على هذا أن سبب هذا احلديث أن قوما سألوا‬
‫النيب ملسو هيلع هللا ىلص وقالوا اي رسول هللا جئنا نسألك عن أول هذا األمر ‪ ،‬فقال ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬إن أول ما خلق هللا‬
‫القلم قال له ‪ :‬اكتب ) وِف رواية ‪ ( :‬فقال له اكتب ) ‪ ،‬فقالوا إن ِف قوله ‪ ( :‬أول ما خلق هللا‬
‫أول ما خلق هللا القلم ) يعين من هذا العامل‬ ‫أول ما خلق هللا القلم ) أو ‪ُ ( :‬‬
‫القلم ) أو ‪ ( :‬إن َ‬
‫املشاهد ‪ ،‬ألن هذا العامل املشاهد هو الذي سئل عنه ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬وهو الذي كان سبب جواب الرسول‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬ال أنه أول املخلوقات مطلقاً ‪.‬‬
‫وعلى كل هو خالف ‪ ،‬وابن القيم أشار إىل هذا اخلالف ِف النونية فقال ‪:‬‬
‫والناس خمتلفون يف القلم الـذي *** ُكتب القضاء به من الداين(‪)4‬‬
‫هل كان قبل العرش أو هو بعده*** قوالن عند أيب العال اهلمذاين‬

‫وذكر أن من العلماء من اختار األول ومنهم من اختار الثاين(‪ ، )9‬وهو اختار أن العرش خلق‬
‫قبل فقال ‪:‬‬
‫قبل ألنـه *** قبل الكتابة كان ذا أركان‬
‫واحلق أن العـرش ُ‬

‫يشري إىل قوله عليه الصالة والسالم ‪ ( :‬كان هللا وال شيء قبله وكان عرشه على املاء )(‪)4‬‬
‫أما قول األلباين ‪:‬‬
‫( االختالف املذكور يدل مبفهومه على أن العلماء اتفقوا على أن هناك أول خملوق والقائلون‬
‫حبوادث ال أول هلا خمالفون هلذا االتفاق ‪ ،‬ألهنم يصرحون أبن ما من خملوق إال وقبله خملوق‬
‫وهكذا إىل ما ال أول له ‪ ،‬كما صرح بذلك ابن تيمية ِف بعض كتبه ‪ ،‬فإن قالوا ‪ :‬العرش أول‬
‫خملوق – كما هو ظاهر كالم الشارح – نقضوا قوهلم حبوادث ال أول هلا ‪ ،‬وإن مل يقولوا بذلك‬
‫خالفوا االتفاق فتأمل هذا فإنه مهم ‪..‬اخل )(‪)1‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬ينظر نونية ابن القيم ت عبدهللا بن دمحم العمري ص ‪ ، 21‬ورقم البيت األول ‪. 2٧2‬‬
‫(‪ )9‬انظر منهاج السنة البن تيمية ‪414 / 4‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 4424 ( ) 114٧‬وابن خزمية ِف التوحيد ص ‪. 411‬‬
‫(‪ )1‬انظر تعليق األلباين رمحه هللا على شرح الطحاوية البن أيب العز ص ‪ 41٧‬ط املكتب اإلسالمي ‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫فاأللباين ما فهم كالم ابن تيمية رمحه هللا ‪ ،‬ابن تيمية ال يدعي أن قبل القلم ليس هناك خملوق ‪،‬‬
‫هو أجاب عن حديث ( أول ما خلق هللا القلم ) أن املراد به هذا العامل املشهود ‪ ،‬وال يلزم أن هذا‬
‫العامل املشهود هو أول املخلوقات ‪ ،‬هناك خملوقات غري هذا العامل ‪ ،‬هناك عوامل ‪ ،‬فاهلل سبحانه‬
‫وتعاىل ال أول لوجوده وال أول ألزليته ‪ ،‬فال حند موجوداته وخملوقاته على هذا العامل احلاضر بل ما‬
‫دام أنه ال بدء ألوليته فكذلك ال بدء ألفعاله سبحانه وتعاىل ‪ ،‬لكن احلوادث ما منها شيء يكون‬
‫قدمياً ليس قبله شيء ‪ ،‬بل كل حادث فقبله حادث وهذا احلادث قبله حادث وهكذا إىل ما ال‬
‫هناية ‪.‬‬
‫والذين أنكروا على شيخ اإلسالم ابن تيمية ما فهموا املبدأ الذي سار عليه ‪ ،‬ألهنم ساووه‬
‫ابلفالسفة ‪ ،‬قالوا ‪ :‬الفالسفة يقولون العامل قدمي وكالم ابن تيمية يتفق مع كالم الفالسفة ‪ ،‬وهم لو‬
‫فهموا من كالم ابن تيمية غرضه أو قصده ما قالوا هذا ‪ ،‬فهناك فرق بني كالم ابن تيمية وكالم‬
‫الفالسفة ‪ ،‬فالفالسفة يقولون ما من جزء من جزئيات العامل املوجود إال هو متولد من قدمي ‪،‬‬
‫فالقدم عندهم عام مجيع املوجودات ‪ ،‬وليس هناك شيء حمدث من العدم ‪ ،‬بل كل حمدث فهو‬
‫متولد من قدمي وذلك القدمي متولد من القدمي إىل ماال هناية ‪ ،‬أما شيخ اإلسالم رمحه هللا فيقول ‪:‬‬
‫احملداثت كلها حدثت من العدم ‪ ،‬لكن ليس هو أول خملوق بل قبله خملوق وذلك املخلوق خملوق‬
‫من العدم وقبله خملوق إىل ماال هناية ‪ ،‬فيكون جنس احلوادث قدميا ولكن أفرادها حمدثة من العدم‪.‬‬
‫هذا خالصة رأي ابن تيمية واأللباين مل يفهم كالم ابن تيمية وإال ملا ألزمه هبذا الالزم ‪.‬‬
‫أما مقولة ‪ :‬تتابع اآلانت أو تتابع األوقات ‪ :‬فالعقالء كلهم جممعون على أن التسلسل ِف املؤثرين‬
‫غري جائز ‪ ،‬إمنا التسلسل ِف احملداثت هذا هو الذي جيوز ‪.‬‬
‫وحمدث وفاعل ومفعول ‪ ،‬هذا احملدث واملفعول واألثر أهل السنة‬ ‫وحمدث َ‬ ‫فعندان مؤثر وأثر ِ‬
‫احملدث مسبوقاً‬
‫العقل من أن يكون َ‬ ‫ُ‬ ‫واجلماعة كلهم متفقون على أنه متسلسل وأنه ال مينع‬
‫مبحدث واألثر مسبوقا أبثر ‪ ،‬واملفعول مسبوقاً مبفعول إىل ماال هناية ‪ ،‬والعقل ال مينع هذا ‪ ،‬إمنا‬
‫احملدث متسلسال ‪ ،‬ألنه يلزم عليه‬ ‫الذي ميانعون منه وينكرونه هو أن يكون املؤثر أو الفاعل أو ِ‬
‫الدور وال جيوز ‪.‬‬

‫يعين بعبارة أقصر التسلسل ِف احملداثت واملفعوالت واآلاثر جائز والتسلسل ِف املؤثر أو ِ‬
‫الفاعل أو‬
‫ِ‬
‫احملدث هذا ال جيوز ‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫( ومجيع ما فيه قد ُرقم )‬
‫الشرح ‪ :‬كل ما كتبه هللا ورقمه فيه من مقادير األشياء نؤمن هبا ‪ ،‬أي نؤمن أبن هللا سبحانه وتعاىل‬
‫كتب القضاء والقدر ِف اللوح احملفوظ وأنه كلما حدث ِف الدنيا من خري وشر فهو مكتوب‬
‫ومفروغ منه ِف اللوح احملفوظ ‪.‬‬

‫( فلو اجتمع اخللق كلهم على شيء كتبه هللا تعاىل فيه أنه كائن ليجعلوه غري كائن مل يقدروا‬
‫عليه ‪ ،‬ولو اجتمعوا كلهم على شيء مل يكتبه هللا تعاىل ليجعلوه كائنا مل يقدروا عليه ‪ ،‬جف‬
‫القلم مبا هو كائن رىل يوم القيامة )‬
‫الشرح ‪ :‬أي لو اجتمع أهل األرض على أن يغريوا شيئاً كتب هللا أنه سيكون وأرادوا أن جيعلوه غري‬
‫كائن فإهنم ال يستطيعون ذلك ‪ ،‬فكذلك لو كتب هللا ِف اللوح احملفوظ أموراً أهنا غري كائنة فلو‬
‫اجتمع أهل السموات وأهل األرض أن جيعلوها كائنة ما استطاعوا ذلك كما قال ملسو هيلع هللا ىلص رفعت‬
‫األقالم وجفت الصحف(‪، )4‬فما من شيء إال وقد فرغ من كتابته ‪ ،‬كما قال شيخ اإلسالم رمحه‬
‫هللا ‪ :‬ما من حركة وال سكون ِف األرض وال ِف السماء إال هللا خالقه ومقدره وكاتبه سبحانه‬
‫وتعاىل ‪ ،‬كتبت املقادير وكتبت الكائنات وجف القلم ورفعت الصحف وانتهى كل شيء ‪ ،‬وكل‬
‫شيء حيدث فهو حسب التقدير السابق ‪.‬‬

‫( وما أخطأ العب َد مل يكن ليصيبه وما أصابه مل يكن ليخطئه ‪ ،‬وعلى العبد أن يعلم أن هللا قد‬
‫علمه يف كل كائن من خلقه ‪ ،‬فق ّدر ذل تقديرا حمكما مربما )‬‫سبق ُ‬
‫الشرح ‪ :‬ومن حبث القضاء والقدر اإلميان أبن ما أصاب العبد مل يكن ليخطئه وما أخطأه مل يكن‬
‫ليصيبه ‪ ،‬فما قدر هللا على العبد أنه يصيبه فسيحدث ال حمالة ‪ ،‬وما قدر هللا على العبد أن يسلمه‬
‫وجينبه األمور اليت يكرهها فإنه ال ميكن أن تقع ‪ ،‬ألن كل شيء حيدث و يوجد حسب ما شاءه‬
‫هللا وعلم أنه سيكون ‪ ،‬وحسب ما كتبه سبحانه وتعاىل ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي ( ‪ ) 9541‬وامحد ِف مسنده ( ‪ ) 9112‬بسند صحيح ‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫(ليس فيه انقض وال معقب وال مزيل وال مغري وال حمول وال انقص وال زائد من خلقه يف‬
‫من عقد اإلميان وأصول املعرفة واالعراف بتوحيد هللا تعاىل وربوبيته‬ ‫مساواته وأرضه ‪ ،‬وذل‬
‫كما قال تعاىل ‪ :‬وخلق كل شيء فقدره تقديرا ‪ ،‬وقال تعاىل ‪ :‬وكان أمر هللا قدرا مقدورا )‬
‫الشرح ‪ :‬كل ما سبق مما يتعلق ابلقضاء والقدر من عقد اإلميان ‪،‬يعين من االعتقاد الذي جيب‬
‫اإلميان به اإلميان أبن هللا علم كل شيء ‪،‬اإلميان أبن هللا قدر كل شيء وكتب كل شيء ‪،‬اإلميان‬
‫أبن أحداً ال يستطيع أن يغري ما كتبه هللا ‪،‬اإلميان أبن ما أصاب العبد مل يكن ليخطئه وما أخطأه‬
‫مل يكن ليصيبه ‪،‬كل هذه من عقد اإلميان ‪ ،‬كلها جيب على العبد أن يعتقدها ليتم إميانه ‪،‬وكلها‬
‫من اإلميان ابلقضاء والقدر ‪،‬ألن اإلميان من أصوله ‪:‬اإلميان ابلقضاء والقدر كما قال ملسو هيلع هللا ىلص عند بيان‬
‫أصول اإلميان ‪(:‬أن تؤمن ابهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر وتؤمن ابلقدر خريه وشره)(‪. )4‬‬

‫( فويل ملن صار هلل تعاىل يف القدر خصيما وأحضر للنظر فيه قلبا سقيما )‬
‫الشرح ‪ :‬املعتزلة ومن سار على طريقهم من نفاة القدر ‪ :‬يُعدون خصوماً ‪ ،‬كأهنم خياصمون هللا ‪،‬‬
‫يقولون ‪ :‬كيف يقدر علينا املعاصي مث يعاقبنا عليها ؟ فهم مبنزلة اخلصم ألهنم يعرتضون على‬
‫القضاء والقدر وينكرونه ‪ ،‬يقولون ‪ :‬لو كان هللا قضى وقدر أعماالً مث عاقب عليها يكون ظاملاً‬
‫وجائراً ‪ ،‬فنفوا القدر من ابب معارضة ما قضاه هللا وقدره ‪ ،‬فويل ملن صار هلل ِف القدر خصيماً‬
‫قوله ‪ (:‬واحضر للنظر فيه قلباً سقيما ) يقول ويل ملن خاصم هللا ِف قضائه وقدره وحكمته ‪ ،‬وويل‬
‫ملن جعل قلبه ابلنظر ِف القضاء والقدر مريضا سقيما ‪ ،‬ألن الشبه اليت يوردوهنا على القضاء‬
‫والقدر هي شبه صادرة عن مرض قلوهبم ‪ ،‬والقلوب مترض كما مترض األبدان ‪ ،‬و عامة مرض‬
‫القلب من الشبه ‪،‬وقد يكون للشهوات أيضاً مدخل ِف مرض القلب ‪،‬لكن أساس أمراض القلب‬
‫من الشبه ‪.‬‬

‫( لقد التمس بومهه بفحص الغيب سرا كتيما )‬


‫الشرح ‪ :‬كتيم مبعىن مكتوم ‪ ،‬فعيل مبعىن مفعول ‪.‬‬
‫هللا سبحانه وتعاىل كتم عن العباد سر تقديره ومشيئته وأفعاله ِ‬
‫وح َك ِمه ‪،‬مل يطْلع عليها نبيا مرسالً‬
‫وال ملكا مقراب ‪ ،‬كما قال ابن عباس هنع هللا يضر ‪ ( :‬القدر سر هللا فال تكشفوه )(‪ ، )9‬فما دام أن هللا‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 5٧‬ومسلم ( ‪ ) ٧‬وأبو داود ( ‪ ) 1125‬وابن ماجه ( ‪ ) 14‬والرتمذي ( ‪ ) 914٧‬وغريهم ‪.‬‬
‫(‪ )9‬انظر ص ‪. 91٧‬‬

‫‪247‬‬
‫تبارك وتعاىل طوى عنا علمه ومنعنا من رومه كما سبق فال ينبغي لنا أن نبحث أو حناول أن‬
‫حنصل على أمور ال ميكننا احلصول عليها ‪ ،‬وهي معرفة أسرار القضاء والقدر ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬فحص الغيب ) املقصود به البحث ِف األمور املغيبات ليصل إىل السر الذي كتمه هللا ‪،‬‬
‫وهذا أمر ال ميكن الوصول إليه وال ينبغي االشتغال به (‪. )4‬‬

‫( وعاد مبا قال فيه أفاكا أثيما )‬


‫الشرح ‪ :‬بعد الفحص والتعب الشديد والنظر ِف مسائل القضاء والقدر وسر الغيب سريجع‬
‫خسران ما عنده إال خفي حنني ويكون ما قاله كذاب ابطال أيمث فيه ‪ ،‬ألن هذا ألمر الذي رامه‬
‫وحاول حبثه – مستحيل على البشر الوصول إليه فإنه ال بد إن يبوء ابخلسران ويرجع بعد حبثه‬
‫وتعبه ابلندم ‪.‬‬

‫( والعرش والكرسي حق وهو مستغن عن العرش وما دونه حميط بكل شيء وفوقه )‬
‫الشرح ‪ :‬العرش مشتق من التعرش وهو العلو واالرتفاع ‪ ،‬وهو أعلى املخلوقات وهو سقف اجلنة ‪،‬‬
‫وهللا سبحانه وتعاىل مست ٍو عليه ‪ ،‬واإلميان به من معتقد أهل السنة واجلماعة لكثرة وروده ِف القرآن‬
‫واحلديث ‪،‬وله محلة من املالئكة حيملونه ‪ ،‬قال تعاىل (وحيمل عرش ربك فوقهم يومئذ مثانية)(سورة‬
‫احلاقة آية‪ )41:‬وهللا سبحانه وتعاىل فوق العرش ‪.‬‬
‫قوله ‪(:‬حميط بكل شيء وفوقه) ‪ِ ،‬ف بعض النسخ ( حييط بكل شيء فوقه ) ‪ ،‬والنسخة الصحيحة‬
‫‪ ( :‬وفوقه ) ‪ ،‬ألن معناها أن هللا حييط بكل شيء وفوق كل شيء ‪ ،‬أما النسخة األخرى فمعناها‬
‫أن هللا حميط بكل شيء فوقه أي فوق العرش ‪ ،‬ولو أعربت على أهنا حال كونه فوقه لصح املعىن ‪،‬‬
‫لكن العلماء رمحهم هللا يقولون إن النسخة اليت فيها الواو هي الصحيحة ‪ .‬وهذا ختصيص إلحاطته‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ ،‬فهو حميط بكل شيء فوق العرش ودون العرش وحتت العرش ‪ ،‬وليس فوق العرش‬
‫إال هللا سبحانه وتعاىل ألن األفالك كلها بعضها فوق بعض وأعالها كلها العرش ‪ ،‬وأما الكرسي‬
‫فهو – كما قال بعض السلف – أمام العرش كاملقدمة له أو كاملرقاة له ‪ ،‬وروي عن ابن عباس‬
‫رضي هللا عنهما أنه قال ‪(:‬الكرسي موضع القدمني هلل سبحانه وتعاىل )(‪ ،)9‬وعلى كل فالعرش‬
‫جاء فيه آايت كثرية وأحاديث ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬انظر التعليق رقم ‪ 4‬ص ‪.91٧‬‬
‫(‪)9‬أخرجه الطرباين (‪)491٧1‬والطربي (‪)5129‬والدارقطين ِف أحاديث النزول ص ‪12‬وصححه احلاكم ووافقه الذهيب‬

‫‪248‬‬
‫والكرسي كذلك ‪ ( :‬وسع كرسيه السماوات واألرض ) فالكرسي الذي هو مبنزلة املرقاة للعرش‬
‫وسع السماوات واألرض ‪ ،‬إذاً فما ابلك ابلعرش ‪ ،‬وما ابلك مبن هو فوق العرش سبحانه وتعاىل‬
‫من حيث العِظم ‪ ،‬فإذا كان الكرسي مبنزلة املرقاة للعرش وهو وسع السماوات واألرض فالعرش ال‬
‫يقدر قدره إال هللا سبحانه وتعاىل ‪ ،‬والسماوات أفالك ‪ ،‬السماء الدنيا حتيط ابألرض وحتيط هبا‬
‫السماء الثانية وحتيط ابلسماء الثانية الثالثة والرابعة ابلثالثة وهكذا ‪ ،‬والعرش حييط هبا كلها ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر بعض العلماء أن العرش حميط ابلعامل كله كإحاطة قشر البيضة ابلبيضة ‪.‬‬
‫وهللا سبحانه وتعاىل فوق ذلك كله ‪ ،‬وهو الذي حيمل العرش وحيمل السموات واألرض بقدرته‬
‫سبحانه وتعاىل وهو غين عن ذلك كله غين عن العرش وغين عن الكرسي وغين عن األرض وغين‬
‫عن السماء وغين عن املخلوقات كلها ‪ ،‬فكل شي فقري إىل هللا ‪ ،‬وهللا سبحانه وتعاىل غين عن كل‬
‫شيء ‪.‬‬

‫( وقد أعجز عن اإلحاطة خلقه )‬


‫الشرح ‪ :‬هللا سبحانه وتعاىل حميط بكل شيء من خلقه ‪ ،‬وقد أعجز خلقه عن أن حييطوا به علماً‬
‫‪ ،‬وأعجزهم عن أن حييطوا به رؤية ‪ ،‬وأعجزهم من أن حييطوا به قدرة ‪ ،‬فهم ال يدركونه ‪ ،‬يرونه‬
‫ولكن ال حييطون به رؤية ويعلمونه ولكن ال حييطون به علما وهو سبحانه وتعاىل احمليط بكل شيء‬
‫وال حييط به شيء ‪.‬‬

‫( ونقول رن هللا اختذ ربراهيم خليال وكلم هللا موسى تكليما رمياان وتصديقا وتسليما )‬
‫الشرح ‪ :‬هااتن الصفتان من صفات هللا تعاىل ‪ ،‬إحدامها من الصفات الفعلية االختيارية وهي اخللة‬
‫‪ ،‬واخللة هي خالص احملبة ‪ ،‬والثانية صفة الكالم وهي من الصفات اليت يؤمن هبا السلف ‪.‬‬
‫فأما اخللة فإن هللا سبحانه وتعاىل اختذ إبراهيم خليالً أو حبيباً حمبَّاً خالص احملبة ‪ ،‬والنيب ملسو هيلع هللا ىلص خليل‬
‫هللا كما قال عليه الصالة والسالم ‪ ( :‬لو كنت متخذاً من أميت خليالً الختذت أاب بكر خليالً‬
‫ولكن صاحبكم خليل الرمحن )(‪ )4‬يعين نفسه ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬فاخللة اثبتة حملمد ملسو هيلع هللا ىلص كما هي اثبتة‬
‫إلبراهيم عليه الصالة والسالم ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم ( ‪ ) 94٧4‬والرتمذي ( ‪ ) 4151‬وابن ماجه ( ‪ ) 24‬والبغوي ( ‪ ) 4٧11‬وغريهم ‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫و اجلهمية واملعتزلة واألشاعرة ينكرون احملبة اليت اخللة خالصها ‪ ،‬ويقولون إن معىن احملبة أثر ينشأ ِف‬
‫احملب بسبب ما يكون من احملبوب ‪ ،‬وهللا سبحانه وتعاىل منزه عن أن يؤثر فيه شيء ‪ ،‬ولكن‬ ‫نفس ِ‬
‫السلف رضوان هللا عليهم يقولون إن هللا وصف نفسه ابحملبة ووصفه رسوله ابحملبة فنثبتها له كما‬
‫أثبتنا له سائر الصفات كما قال تعاىل ‪ ( :‬فسوف أييت هللا بقوم حيبهم وحيبونه )(سورة املائدة‬
‫وحيَب ‪ ،‬فاحملبة صفة تقوم بذاته سبحانه وتعاىل تليق جبالله‬‫آية‪ ، )51:‬فاهلل سبحانه وتعاىل ُِحيب ُ‬
‫وعظمته ‪ ،‬ما دام أنه أثبتها لنفسه فال يلتفت لقول متكلم أو معطل ضال – أنه يلزم من ذلك أن‬
‫يؤثر فيه شيء من خملوقاته ‪ ،‬فإنه حيب أولياؤه وليس أولياؤه هم الذين جعلوه حيبهم ‪ ،‬بل حيبهم‬
‫وحبه ألوليائه صفة قائمة بذاته ‪ ،‬كما أن رمحته وعلمه وكما أن حياته ومسعه وبصره صفات قائمة‬
‫بذاته فكذلك رمحته ‪ ،‬فاحملبة واخللة مبعىن واحد إال أن اخللة خالص احملبة ‪ ،‬كما قال البحرتي(‪: )4‬‬
‫ختللت مسل الروح مين ***وبذا مسي اخلليل خليال‬
‫َ‬ ‫قد‬

‫واخلُلة خبالف اخلَلة ‪ ،‬فاخلَلة احلاجة والفقر ‪ ،‬أما اخلُلة فهي خالص احملبة ‪.‬‬
‫قد يرد سؤال هنا يقول ‪ :‬قول أيب هريرة هنع هللا يضر ‪ ( :‬أوصاين خليلي ملسو هيلع هللا ىلص بثالث أن ال أانم قبل أو‬
‫أوتر )(‪ )9‬إىل آخره ‪ ،‬فكيف يقول أبو هريرة هنع هللا يضر أوصاين خليلي والرسول ملسو هيلع هللا ىلص يقول ‪ ( :‬لو كنت‬
‫متخذاً من أميت خليالً الختذت أاب بكر خليالً ) ؟‬
‫اجلواب أن يقال ‪ :‬إن اخللة ِف حديث أيب هريرة كانت من قِبل أيب هريرة ‪ ،‬فهو الذي اختذ النيب‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص خليالً مبعىن أنه أحبه حباً وصل إىل درجة اخللة ‪ ،‬أما النيب ملسو هيلع هللا ىلص فإنه خليل هللا ومل يتخذ خليالً‬
‫غريه ‪.‬‬
‫أما الكالم فصفة من الصفات اليت تقوم به سبحانه وتعاىل ‪ ،‬يتكلم إذا شاء ويرتك الكالم إذا شاء‬
‫‪ ،‬فهي صفة فعلية من حيث كونه يتكلم خمتاراً ‪ ،‬وصفة ذاتية من حيث كوهنا قائمة بذات الباري‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وهذا معىن قول السلف إن الكالم صفة ذات من جهة وصفة فعل من جهة‬
‫أخرى ‪.‬‬
‫والناس هلم ِف كالم هللا مذاهب ذكر الشارح منها قريباً من تسعة مذاهب ولكن الصحيح منها‬
‫مذهب أهل السنة واجلماعة أهل احلق الذين قالوا ‪ :‬إن هللا يتكلم كالما حقيقيا بصوت وحرف‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬ينظر مفردات الراغب األصفهاين مادة خل ت صفوان عدانن ‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخاري ( ‪ ) 42٧4‬ومسلم ( ‪ ) 194‬وغريمها ‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫يُسمع منه ‪ ،‬إذا تكلم بكالم مسعه أهل السماوات وفهموا منه كالمه ‪ ،‬وأكثر ما يكلم جربيل عليه‬
‫الصالة والسالم ‪ ،‬ألن جربيل هو الذي ينزل ابلوحي وهو الذي خياطبه هللا ويكلمه وأيمر نبيه على‬
‫لسانه أو ينهاه على لسانه ‪ ،‬كما قال ملسو هيلع هللا ىلص‪ ( :‬فينادي بصوت يسمعه من قرب كما يسمعه من بعد‬
‫)(‪ ، )4‬وكما قال ملسو هيلع هللا ىلص‪ ( :‬ما منكم من أحد إال سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترمجان )(‪ ، )9‬وهذا‬
‫هو املذهب احلق ‪ ،‬لكن اندفقت مذاهب ابطلة ‪ ،‬أوهلا ‪:‬‬
‫مذهب اجلهمية واملعتزلة هؤالء يقولون ‪ :‬إن كالم هللا خملوق وهللا ال يتكلم وال يكلم وال ينادي‬
‫وال يناجي ‪ ،‬ويقولون إن الكالم حيتاج إىل أسنان ولسان وشفتني وحلق وهللا سبحانه منزه عن‬
‫ذلك ‪ ،‬وهذا الكالم الضال يرد عليه من وجهني ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أن الكالم حيتاج إىل هذه األدوات ابلنسبة للمخلوق أما اخلالق سبحانه وتعاىل فهو قادر‬
‫ويسمع من شاء ‪ ،‬وال يكون مضطرا أبن يكون له هذه‬ ‫على كل شيء ‪ ،‬وقادر على أن يتكلم ِ‬
‫اآلالت ‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬أن بعض املخلوقات تكلمت وقالت وهي ليست هلا أسنان وال لسان وال شفتان وال‬
‫خيشوم وال حلق كالسموات اليت ‪ ( :‬قالتا أتينا طائعني )(‪ ، )4‬وكاجلذع الذي حن للنيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ -‬ملا صنع له منرب خيطب عليه ‪ ،‬ألنه كان خيطب على جذع خنلة فلما صنع له منرب‬
‫وهجر اجلذع حن ‪ ،‬واحلنني صوت و نوع من الكالم (‪. )1‬‬
‫وأما األشاعرة و الكالبية و املاتريدية فإهنم يثبتون هلل الكالم ‪ ،‬ولكن ليس على طريقة أهل السنة‬
‫واجلماعة حبيث يقولون إن هللا يتكلم بكالم يسمع منه ‪ ،‬بل يقولون إن هللا يتكلم ومن صفاته‬
‫الكالم ولكن يعنون ابلكالم املعىن القائم بذات هللا سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫واألشاعرة وإن أثبتوا الكالم إال أن الفرق بني إثباهتم واثبات أهل السنة واضح ‪ ،‬فأهل السنة‬
‫واجلماعة يقولون إن هللا يتكلم بصوت وحرف ‪ ،‬ويقولون إنه يتكلم و يسمع منه الصوت ‪ ،‬أما‬
‫األشاعرة ومن معهم فهم وإن قالوا إن الكالم صفة من صفات هللا تعاىل وقالوا نثبت الكالم هللا‬
‫سبحانه وتعاىل لكن هم يقولون ال يسمع منه يعين ال يتكلم بصوت وال حرف ‪ ،‬وإمنا الكالم‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬ذكره البخاري ِف صحيحه معلقا بعد حديث ( ‪ ) 11‬ووصله احلافظ ابن حجر ِف تغليق التعليق ( ‪) 455/5‬‬
‫ورواه البخاري أيضا ِف خلق أفعال العباد ص ‪ 22‬ورواه ِف صحيحه بلفظ آخر ( ‪ ) 11٧4‬وِف األدب املفرد (‪)21٧‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخاري ( ‪ ) 1542‬ومسلم ( ‪ ) 4٧41‬وغريمها ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه النسائي ( ‪ ) 4421‬وامحد ِف مسنده ( ‪ ) 41419‬و عبدالرزاق ِف املصنف ( ‪ ) 5951‬إبسناد صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )1‬وكذلك جهنم كما ِف قوله تعاىل ‪ ( :‬يوم نقول جلهنم ه‪1‬ل امتألت وتقول هل من مزيد ) ‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫الذي يثبتونه هلل سبحانه وتعاىل يعنون به املعىن القائم بنفسه ‪ ،‬يعين معاين ‪ ،‬مثالً معىن األمر معىن‬
‫النهي معىن االستفهام معىن اإلخبار ‪ ،‬خيرب جربيل عليه السالم على أن يفهم ما ِف نفس هللا‬
‫فيعرب عن ذلك املعىن بصوته هو ‪ ،‬فعلى هذا تكون احلروف األصوات عندهم خملوقه ‪.‬‬
‫إذاً هم ينكرونه ويعدون كالم هللا املعىن القائم ابلنفس ‪ ،‬ولكن املعىن القائم ابلنفس ال يسمى كالما‬
‫‪ ،‬وإمنا استدلوا مبا يروى عن األخطل النصراين أنه قال (‪: )4‬‬
‫رن الـكالم لـفي الفؤاد ورمنا *** جعـل اللسان على الفؤاد دليال‬

‫ويقولون هذا دليل على أن الكالم قائم ِف النفس ‪ ،‬وأما الكالم الذي يكون ابللسان فهو دليل‬
‫عليه ‪.‬‬
‫والعلماء ذكروا أنه ال داللة يف البيت بوجه من الوجوه ‪ ،‬وقالوا ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬أن الشاعر نصراين والنصارى ضلوا ِف مسألة الكالم حيث جعلوا عيسى عليه الصالة‬
‫والسالم هو نفس كلمة هللا ‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬أن البيت مروي بلفظ غري هذا وهو(‪: )9‬‬
‫رن البيـان لـفي الفـؤاد ورمنا ‪...‬‬

‫فليس فيه الكالم ‪ ،‬بل ذكر البيان ‪.‬‬


‫اثلثا ‪ :‬أن البعض يشكك ِف نسبته ‪ ،‬ويقول إن البيت مصنوع مل يثبت ِف ديوان األخطل ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬أن البيت لو ثبت لألخطل ‪ ،‬فإن األخطل من الشعراء املولدين الذين ال حيتج بشعرهم ِف‬
‫شواهد اللغة العربية ‪.‬‬
‫والسلف رضوان هللا عليهم يرون أن القول خبلق كالم هللا كفر ‪ ،‬فلهذا خالد بن عبد هللا القسري‬
‫قتل اجلعد بن درهم وقال ألنه زعم أن هللا مل يتخذ إبراهيم خليالً ومل يكلم موسى تكليماً (‪، )4‬‬
‫فدل على عظم هذه البدعة وكرب هذه الفرية اليت هي زعمهم أن كالم هللا خملوق ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬ينظر شرح ابن أيب العز ص ‪ 422‬ت الرتكي ط ‪. 9‬‬
‫(‪ )9‬ينظر شرح ابن أيب العز ص ‪ 422‬ت الرتكي ط ‪. 9‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ِف خلق أفعال العباد ( ‪ ) 4‬وِف اترخيه الكبري ( ‪ ) 11/4/4‬ورواه عثمان بن سعيد الدارمي ِف الرد‬
‫على اجلهمية ص ‪ ، 94‬وقد استفاض ذكر هذه القصة التارخيية ِف كتب أهل العلم وتلقوها ابلقبول ‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫( ونؤمن ابملالئكة والنبيني )‬
‫الشرح ‪ :‬قوله ‪ ( :‬ونؤمن ابملالئكة ) اإلميان ابملالئكة أحد أركان اإلميان الستة ‪.‬‬
‫واملالئكة مجع ملك وامللك أصله مألك من ألكت فالان ِف كذا أي أرسلته فيه ‪ ،‬والرسالة تسمى‬
‫ألوكة ‪ ،‬كما قال الشاعر ‪:‬‬
‫ألكـين رليها خبري الرسول *** أُعلـمهم بنواحي اخلرب(‪)4‬‬

‫وكما جاء ِف المية األعشى إطالق األلوكة على الرسالة ‪ ،‬وقد قال ‪:‬‬
‫أبلغ يزيد بين شيبان مألـكة *** أبـا ثبيت أما تنف أتتكل(‪)1‬‬

‫ومالئكة مألكة وهو مأخوذ من األلوكة اليت هي الرسالة ألن امللك مرسل من هللا سبحانه وتعاىل ‪،‬‬
‫سواء أرسلوا إىل عباده لتبليغهم ابلوحي كجربيل ‪ ،‬أو يرسلهم ِف قضاء تدبري أمور الكون ‪.‬‬
‫ومن أصول أهل السنة واجلماعة اإلميان أبن هلل مالئكة ال يعصون هللا ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون‬
‫‪ ،‬وأنه سبحانه وتعاىل سخرهم للقيام ابألعمال فمنهم من ينزل ابلوحي ومنهم من ينزل لقبض‬
‫األرواح ومنهم من يكتب أعمال العباد ‪ ،‬ومنهم من هو موكل ابلقطر ومنهم من هو موكل ابلنبات‬
‫ومنهم من هم مفرغون للعبادة يصلون ويسبحون ‪ ،‬ويقومون بعبادته سبحانه وتعاىل كما ِف قوله ‪:‬‬
‫( يسبحون الليل والنهار ال يفرتون )(سورة األنبياء آية‪. )9٧:‬‬
‫ومل يضل ِف املالئكة إال طوائف قليله كالفالسفة الذي قالوا إن املالئكة عبارة عن قوة عقلية‬
‫يدبرون الكون وليسوا خملوقني وال ذوات ‪.‬‬
‫وهذا يقرب منه قول دمحم عبده الذي يسمى اإلمام ِف األزهر سابقاً ‪ ،‬فإن خالصة قوله ِف املالئكة‬
‫يؤول إىل هذا املعىن ‪ ،‬كما ِف كالمه عن القوى اليت تشغل احليوان والنبات ‪ ،‬و دمحم عبده معروف‬
‫أنه يفسر القرآن على حسب عقله ورأيه ‪ ،‬وأنه ال يتقيد بتفسري السلف والصحابة رضوان هللا‬
‫عليهم ‪ ،‬إذا قرأت كالمه ِف تفسري دمحم رشيد رضا الذي مجعه عنه وجدت أن كالمه حيوم حول‬
‫هذا املعىن ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )9‬ينظر لسان العرب مادة ألك ‪.‬‬
‫(‪ )4‬ينظر لسان العرب مادة ألك ‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫وأما املسلمون فإهنم متفقون كلهم على أن املالئكة عباد مكرمون ‪ ،‬خلقهم هللا لطاعته ‪ ،‬وأكرمهم‬
‫مبا اسند إليهم من األمور ‪ ،‬وكلفهم ِف أمور العامل يديرونه كله أبمره و علمه وقدرته سبحانه وتعاىل‬
‫والعلماء يبحثون ِف هذه املسألة غالباً ِف فضلهم ‪ ،‬فهناك من العلماء من فضلهم على صاحل البشر‬
‫ومن العلماء من فضل صاحل البشر عليهم كالرسل ‪ ،‬والقول املعتمد ِف مذهب أهل السنة واجلماعة‬
‫هو أن الرسل أفضل من املالئكة(‪ )4‬ووجهوا ذلك أبمور ‪:‬‬
‫منها أن البشر جياهدون ِف سبيل كبح نزوات نفوسهم ‪ ،‬ألن هللا ركب فيهم الشهوة – شهوة‬
‫األكل والشرب واجلماع واالنتقام والبطش ‪ ،‬وهناهم عن تعاطي بعض هذه الشهوات ‪ ،‬ومع هذا‬
‫أطاعوا هللا سبحانه وتعاىل واستطاعوا أن يكبحوا مجاح نفوسهم فمنعوها ‪ ،‬وهذا فضل كبري ‪ ،‬وأما‬
‫املالئكة فإن هللا مل خيلق فيهم شهوات حىت يكابدوها ‪ ،‬حىت يتبني هل يستطيعون كما يستطيع‬
‫البشر الصرب ومقاومة الشهوة أو ال يستطيعون ‪ ،‬فكان البشر أفضل منهم من هذه الناحية ‪ ،‬ومن‬
‫األمور اليت يستدل هبا الذين يفضلون املالئكة على صاحلي البشر قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬لن‬
‫يستنكف املسيح أن يكون عبدا هلل وال املالئكة املقربون )(سورة النساء آية‪ )419:‬فكون املسيح‬
‫ال يستنكف أن يكون عبدا هلل فكأنه أمر عادي لكنه قال ‪ ( :‬وال املالئكة ) الذين هم أقوى منه‬
‫وأقدر فإهنم أيضا ال يستنكفون عن عبادة هللا سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫وشارح الطحاوية رمحه هللا ذكر عشرات األوجه للذين يفضلون املالئكة على البشر ‪ ،‬وعشرات‬
‫األوجه للذين يفضلون البشر على املالئكة ‪.‬‬
‫لكن من العلماء من يرى أن هذه املسألة ال فائدة ترجى من حبثها ‪ ،‬فال يتعلق هبا أحكام وال‬
‫يتعلق هبا تكليف وهي تشغل الوقت فينبغي أن ال يشتغل هبا ‪.‬‬
‫وأما من يقول ِف تعريف املالئكة إهنم أجساد نورانية (‪ ، )9‬فهذا مأخوذ من عمومات النصوص ‪،‬‬
‫يعين مفهوم ‪ ،‬كما فهم ابن القيم رمحه هللا أن الروح عبارة عن جسم نوراين خفيف شفاف إىل‬
‫آخره ‪ ،‬ومن أهنم يكونون موجودين ِف اجمللس وال يرون ‪ ،‬لكن ما فيه شيء ينص على هذا‬
‫التعريف ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬والنبيني ) أي ونؤمن ابلنبيني ‪ ،‬والنيب مشتق إما من نبأ ‪ ،‬ألن هللا ينبئه ‪ ،‬وإما من النَّبوة‬
‫وهي املكان املرتفع من األرض ‪.‬‬
‫ألنه إن كان من النبأ فاهلمزة فيه أصلية ‪ :‬النيب ‪ :‬الياء فيه أصلها مهزة ‪ ،‬ولذا يقرأ ورش عن انفع ِف‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬ينظر حاشية الدرة املضية للشيخ ابن قاسم رمحه هللا ص ‪. 444‬‬
‫(‪ )9‬انظر بدائع الفوائد ‪ 4552 /1‬ت علي العمران ‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫مجيع القرآن النبيني ب ( النبيئني ) والنيب ب ( النىبء ) على أساس أن الياء عند غريه منقلبة عن‬
‫اهلمزة ‪.‬‬
‫النبيو )‬
‫وأما على التعريف الثاين أو االشتقاق الثاين فتكون الياء هنا ِف ( النيب ) منقلبة عن واو ( ُ‬
‫ألهنم يقولون اشتقت من النبوة ‪ ،‬اجتمعت الياء والواو ِف كلمة ‪ ،‬وسبقت إحدامها ابلسكون‬
‫النيب ) و ( النبيني ) ‪.‬‬
‫فقلبت الواو ايء وأصبح ( ُّ‬
‫واملتبادر واألرجح حسب ما قرأت أنه مشتق من النبأ الذي هو اإلعالم ‪ ،‬ألن هللا سبحانه وتعاىل‬
‫يعلمه وينبئه ابلوحي وهو ينبئ الناس بذلك ‪.‬‬
‫والنيب اترة يكون رسوال واترة يكون نبياً فقط ‪ ،‬والنبوة والرسالة والرسول والنيب يتفقان اترة وخيتلفان‬
‫أخرى ‪ ،‬فالنسبة بني النيب والرسول هي العموم واخلصوص املطلق ‪ ،‬فكل رسول نيب وليس كل نيب‬
‫رسوال ‪ ،‬والنيب أعم مطلقاً والرسول أخص مطلقاً ‪ ،‬فالرسول ال ميكن أن يكون رسوال إال وهو نيب‬
‫‪ ،‬لكن النيب قد يكون نبياً رسوالً وقد يكون نبياً وليس برسول ‪ ،‬من هذه الوجهة قلنا إن النسبة‬
‫بينهما العموم واخلصوص املطلق(‪. )4‬‬
‫والنبوة والرسالة هلا براهني ودالئل ومعجزات وآايت ‪ ،‬وهلذا فرق العلماء بني ما هو خارق للعادة‬
‫وبني معجزة الرسول ‪ ،‬وفرقوا بني الكرامة وبني معجزة الرسول ‪ ،‬فعرفوا كل واحدة من هذه بتعريف‬
‫ال تدخل فيه األخرى ‪.‬‬
‫فالرسول ال بد له من آايت ‪ ،‬واملعجزة هي آية يظهرها هللا ‪ ،‬يقيمها هللا على يديه ليظهر هبا صدق‬
‫دعوته ‪ ،‬وقد أجرى هللا سبحانه وتعاىل العادة أبن تكون املعجزة اليت أييت هبا الرسول هي من‬
‫األمور اليت تكون معظمة عند قومه وهلا مكانتها ِف اجملتمع ‪ ،‬هلذا ملا كان قوم موسى الغالب‬
‫عليهم والعايل مكانة عندهم السحر ‪ ،‬كان السحرة ِف ذلك الوقت هلم السلطان وهلم القوة‬
‫ويستجيب هلم الشعب واحلكام والعلماء وغريهم ‪ ،‬فلما كانت هذه الظاهرة هي املتفوقة ِف عصر‬
‫موسى عليه السالم كانت آيته من جنس تلك الظاهرة ‪ ،‬وهلذا ملا تناظر هو وسحرة فرعون ومجعوا‬
‫ما لديهم من قوة ِف السحر وسحروا أعني الناس أعطاه هللا آية من جنس سحرهم ألهنم جعلوا‬
‫احلبال والعصي ثعابني تضطرب حىت خاف الناس منها ‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعاىل أمره أن يلقي عصاه‬
‫فصار حية عظيمة فاقت تلك العصي واحلبال اليت ألقاها السحرة بعشرات األضعاف وابتلعتها‬
‫وكانت هذه أعظم معجزاته ‪ ،‬وإال فله معجزات أخرى ‪ ،‬آاته هللا تسع آايت ‪ ،‬لكن من أعظمها‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬ينظر ص ‪.9٧1 ، 9٧4‬‬

‫‪255‬‬
‫أو أعظمها جعل العصا حية التهمت آالت السحر اليت جاء هبا سحرة فرعون ‪ ،‬األمر الذي جعل‬
‫السحرة آمنوا ‪ ،‬ألهنم عرفوا أن أقصى ما يصل إليه السحرة قد جاءوا به فلما جاء ما هو فوقهم‬
‫وغلبهم آمنوا أبن ذلك من عند هللا وكفروا بفرعون وسحره ‪.‬‬
‫وكذلك ملا كان ِف عصر عيسى عليه الصالة والسالم الطب شائعاً والطبيب له املكانة العليا ِف‬
‫اجملتمع جعل هللا آايته من هذا الباب ‪ ،‬فجعله يربئ األكمه واألبرص وحيي املوتى إبذن هللا ‪.‬‬
‫وكذلك معجزة دمحم عليه الصالة والسالم ‪ ،‬فقد كان السائد ِف عصره وِف قومه الفصاحة والبالغة‬
‫والبيان ‪ ،‬فأعطاه هللا هذا القرآن وهو أعظم معجزة أعطيها ملسو هيلع هللا ىلص فكانت هذه املعجزة اليت هي أكرب‬
‫معجزاته من جنس ما يتفاخر به القوم ويعظمونه كالبالغة والفصاحة والبيان ‪ ،‬وإن كان للنيب صلى‬
‫هللا عليه وسلم معجزات كثرية لكن هذه هي أعظمها ‪ ،‬وهي اليت حتدى هللا هبا قريشاً ‪ ،‬قال ائتوا‬
‫بشيء قليل من مثل هذه املعجزة قال ائتوا بعشر سور مثله ‪ ،‬مث قال ائتوا بسورة ‪ ،‬وكلها عجزوا ما‬
‫جاؤوا ال بعشر سور وال بسورة ‪ ،‬وانبهروا من القرآن واندحروا وعجزوا عن مقاومته ومعارضته ‪.‬‬
‫فاهلل سبحانه وتعاىل أجرى العادة أبن معجزات األنبياء تكون مثل ما هو مشتهر ِف جمتمع قوم‬
‫النيب الذي بعث فيهم ‪.‬‬
‫والرسول (‪ : )4‬ذكر آاته هللا خارقة وقرهنا ابلتحدي ‪ ،‬ألن التحدي شرط ‪ ،‬أما اخلارقة فقد أتيت‬
‫إما كرامة لبعض أولياء هللا وإما خارق شيطاين ‪ ،‬لكن ْقرهنا ابلتحدي هذا هو الذي جيعلها معجزة‬
‫‪ ،‬أييت أبمر خارق للعادة ويتحدى الناس أن يعارضوه ‪.‬‬
‫لذا يقول العلماء يف تعريف املعجزة ‪ :‬هي أمر خارق للعادة مقرون ابلتحدي ‪ ،‬جيريه هللا على يد‬
‫عبد من عباده ‪ ،‬ويكون مدعياً للنبوة ‪.‬‬
‫وهم إن اختلفوا ِف التعريف لكن هذه الفصول هي اليت جيمعون عليها ‪.‬‬
‫خبالف الكرامة فإهنا أمر خارق للعادة جيريه هللا على يد أحد من عباده الصاحلني ولكن ال يكون‬
‫مقروان ابلتحدي ‪.‬‬
‫وأما اخلارق الشيطاين فهو أمر خارق للعادة جيريه هللا على يد عبد ال يعرف ابلصالح وال‬
‫ابالستقامة وال ابتباع السنة ‪ ،‬بل يعرف خبالف ذلك ‪.‬‬
‫فهذه هي اخلوارق و املخاريق الشيطانية ‪ ،‬وهذا هو الفرق بني اخلارق الشيطاين والكرامة واملعجزة ‪.‬‬
‫وما بعث هللا من نيب إال وأعطاه آية على مثلها يؤمن البشر ‪ ،‬يعين أعطاه آية تبهر العقول وخترق‬
‫العادة ويتحداهم أبن أيتوا مبثلها ‪ ،‬ولكنهم يعجزون ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ ) 4‬الشيخ هنا مل يرد هنا تعريف الرسول ‪ ،‬لكنه أراد التفريق بني الرسول والويل ليصل إىل تعريف املعجزة كما سيأيت ‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫واإلميان ابلنبيني أحد أصول اإلميان ‪ ،‬فإن املسلمني أمجعوا على أن الرسل واألنبياء عليهم الصالة‬
‫والسالم بشر أوحى هللا إليهم واصطفاهم هللا واجتباهم واختصهم بوحيه ‪ ،‬أما من يسمون بفالسفة‬
‫اإلسالم ‪ ،‬وكذلك امللحدون ممن يدعون اإلسالم كالقرامطة والباطنية ومن يسمون أبهل التخييل ‪،‬‬
‫فإن هؤالء ال يقرون بنبوة األنبياء ‪ ،‬وإمنا يقولون هم رجال ذوو عبقرية (‪ )4‬كبرية ولديهم الشخصية‬
‫املؤثرة ولديهم اإلرادة واإلدراك والتخييل الكامل وهم هبذه الصفات خييلون على الناس أهنم رسل‬
‫وإال فهم انس من الناس امتازوا عليهم هبذه الصفات ‪.‬‬
‫فالرسل صلوات هللا وسالمه عليهم أعطاهم هللا قوة اإلميان وقوة الصرب وقوة التوكل على هللا ‪ ،‬يظهر‬
‫ذلك من قصة هود عليه الصالة والسالم ‪ ،‬فهود عليه الصالة والسالم رجل واحد بعث إىل قومه‬
‫ودعاهم وكذبوه ونسبوه إىل اجلنون وإىل السفه ‪ ( :‬قالوا اي هود ما جئتنا ببينة وما حنن بتاركي آهلتنا‬
‫عن قولك وما حنن لك مبؤمنني * إن نقول إال اعرتاك بعض أهلتنا بسوء ) يعين أصابتك اآلهلة‬
‫جبنون وخبل ‪ ،‬ماذا قال ؟ هل خشي منهم وخاف ؟ ( قال إين أشهد هللا )‬
‫رجل واحد يتحدى امة ‪ ( :‬واشهدوا أين برئ مما تشركون * من دونه فكيدوين مجيعاً مث ال تنظرون‬
‫)(سورة هود آية‪ )54-55:‬ال متهلون ‪ ،‬كل ما عندكم من كيد ‪ ،‬أان برئ منكم وبرئ من شرككم‬
‫وبرئ من عبادتكم وال أعبد إال هللا ولكن أحتداكم أبن جتمعوا كل ما لديكم من سوء وبطش‬
‫وعذاب وإيذاء وأن ال متهلون ‪ ،‬كل ما لديكم ائتوا به مث ال تنظرون ‪ ،‬علل قوة صربه وعدم اكرتاثه‬
‫هبم وبكثرهتم وبقوهتم علل ذلك مباذا ؟ ( إين توكلت على هللا ريب وربكم ما من دابة إال هو آخذ‬
‫بناصيتها إن ريب على صراط مستقيم )(سورة هود آية‪ )51:‬وكل رسل هللا صلوات هللا وسالمه‬
‫عليهم موقفهم هذا املوقف مع قومهم ‪.‬‬
‫والرسول دمحم عليه الصالة والسالم بعث إىل قومه رجالً واحداً ليس له نصري وال وزير وال ظهري وال‬
‫معني والقى منهم أصناف العذاب وأنواع النكال والتسفيه والضرب والتجهيل واحلبس والنفي ومع‬
‫هذا صرب ومل يتأثر بشيء من ذلك حىت أظهره هللا عليهم ونصره عليهم وأصبح األمر له ودحروا و‬
‫اخنذلوا ‪ ،‬وهكذا طريقة رسل هللا صلوات هللا وسالمه عليهم ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬وهلذا درج بعض املعاصرين بوصف النيب عليه الصالة والسالم ابلعبقرية ‪ ،‬ومسوا بعض مؤلفاهتم بذلك ‪ ،‬مع أن‬
‫الرسالة أعلى ما ميدح به الرسل ‪ ،‬أما العبقرية والذكاء وغريمها فإهنا من ضمن الرسالة ‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫( والكتب املنزلة على املرسلني ونشهد أهنم كانوا على احلق املبني )‬
‫الشرح ‪ :‬الكتب هي الوحي الذي ينزله هللا على أنبيائه صلوات هللا وسالمه عليهم ‪ ،‬كالتوراة‬
‫واإلجنيل والقرآن والزبور وصحف إبراهيم وموسى وغريها ‪ ،‬ألن هللا سبحانه وتعاىل أنزل على رسله‬
‫كتباً منها ما بينه هللا لنا ومنها ما خفي علينا ‪.‬‬
‫فمذهب أهل السنة واجلماعة ِف هذه املسألة اإلميان جبميع ما أنزل هللا على رسله إمجاالً ما عدا‬
‫الذي أنزل على دمحم ملسو هيلع هللا ىلص فإنه جيب اإلميان به تفصيالً‪.‬‬
‫فنؤمن أبن هللا أنزل على موسى التوراة وأنزل على عيسى اإلجنيل وعلى داود الزبور وعلى إبراهيم و‬
‫موسى الصحف ‪ ،‬لكن هناك فرق بني اإلميان ابلكتب املنزلة السابقة وبني اإلميان ابلكتاب الذي‬
‫أنزله هللا على نبيه ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬فإن ما عدا القرآن نؤمن به وال يلزمنا العمل به إال إذا أيده كتاب هللا أو‬
‫شرع نبينا دمحم ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬فنؤمن أبن هللا أنزل على موسى كالماً هو التوراة ونؤمن أبن هللا أنزل على‬
‫عيسى كالماً هو اإلجنيل ونؤمن أبن هللا أنزل على إبراهيم وموسى كالماً هو الصحف ‪ ،‬وليس‬
‫إمياننا ابإلجنيل كإميان النصارى فإن النصارى يؤمنون ابإلجنيل ويدعون إليه ولكن ال يقولون إنه‬
‫كالم هللا وال يعتقدون أن هللا الذي تكلم به بل هو كالم الرسل والرسل عندهم يوحنا ومرقص‬
‫ومىت وبولس هؤالء هم الذين ينشئون الكالم ‪ ،‬فال يدعون أن هذا الكالم نزل على عيسى وإمنا‬
‫يدعون أهنم علموا عن عيسى هذه اآلداب واألخالق واألمور اليت يزعمون أهنا ِف اإلجنيل ‪ ،‬وأن‬
‫عيسى علم تالمذته هذه النصائح وهذه املواعظ ‪.‬‬
‫فالرسل عند النصارى رجال أو على األصح تالميذ لعيسى عليه الصالة والسالم ‪ ،‬أما حنن فإمياننا‬
‫ابلرسل ليس كإميان هؤالء بل نؤمن أبن هللا تعاىل نزل على رسله كالماً إما تكليماً كما كلم موسى‬
‫أو عن طريق رسل املالئكة كجربيل ‪ ،‬و إمياننا ابلكتب السابقة إميان جممل ‪ ،‬فنؤمن أبن هللا أنزل‬
‫كتبا نقطع أبهنا حمرفة ألن هللا سبحانه وتعاىل أخربان ِف كتابه العزيز أبهنم ( حيرفون الكلم ) واألمثلة‬
‫على هذا كثرية ِف الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫أما إمياننا ابلكتاب العزيز فهو أعم من ذلك ‪ ،‬نؤمن به كتاابً من عند هللا ونؤمن به شرعاً نتبعه‬
‫ونتقيد به ‪ ،‬فنحن مكلفون أبن نؤمن أبن القرآن كالم هللا سبحانه وتعاىل نزله على نبيه صلى هللا‬
‫عليه وسلم ومكلفون أبن نؤمن ونعتقد أبنه جيب علينا العمل مبا جاء ِف القرآن ‪ ،‬أما الكتب‬
‫السابقة فال يلزمنا ذلك – يلزمنا أن نصدق هبا وأهنا نزلت على رسل هللا إمجاال ‪ ،‬وأن هلل كتبا‬
‫خيفي علينا علمها كما أن له رسالً كذلك ‪ ،‬منهم رسل قصهم هللا على نبيه ومنهم رسل مل خيرب هبم‬

‫‪258‬‬
‫نبيه عليه الصالة والسالم كما قال ( رسالً قد قصصناهم عليك من قبل ورسالً مل نقصصهم عليك‬
‫)(سورة النساء آية‪. )411 :‬‬
‫وكذلك نؤمن أبن من كتاب هللا ما جيب العمل به وأن آايت نزلت على النيب ملسو هيلع هللا ىلص نسخ العمل هبا‬
‫‪ ،‬كما قال سبحانه وتعاىل ( ما ننسخ من آية أو ننسها أنت خبري منها أو مثلها )(سورة البقرة‬
‫آية‪. )4٧1:‬‬

‫والنسخ حق جيب اإلميان به ‪ ،‬أما اليهود فإهنم ينكرون النسخ ويقولون النسخ ال ميكن ‪ ،‬إذا حكم‬
‫هللا حبكم فال جيوز أن ينسخه ألنه لو قلنا أبن هللا ينزل آية أو ينزل حكماً مث ينسخه للزم من ذلك‬
‫أن يكون بدا رأى آخر ‪ ،‬كان يرى أن احلكم كذا مث نسخه ‪ ،‬مبعىن أن عواقب األمور قد خفيت‬
‫عليه ‪ ،‬فعلم أنه أخطأ فشرع حكما آخر كما يقولون ‪ ،‬وهذا ابطل من عدة وجوه ‪:‬‬

‫من أوضحها أن هللا سبحانه وتعاىل ينزل الشريعة واألحكام حسب الظروف وحسب املقتضيات ‪،‬‬
‫فقد يوحي إىل نبيه حبكم ِف وقت وتنتهي مصلحة ذلك احلكم فينسخه حبكم آخر ‪ ،‬كما أنه‬
‫سبحانه وتعاىل أوجب على الصحابة ِف الغزوات ِف أول األمر مصابرة الواحد منهم للعشرة من‬
‫الكفار يربز إليهم كما قال سبحانه وتعاىل ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتني )(سورة‬
‫األنفال آية‪ )15:‬مث بعد ذلك ملا ضعفت شوكت الكفار وكثر الصحابة وزالت العلة املقتضية نسخ‬
‫هذا احلكم أبخف منه كما قال عز وجل ‪ ( :‬اآلن خفف هللا عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن‬
‫منكم مائة صابرة يغلبوا مائتني )(سورة األنفال آية‪ )11:‬الواحد يغلب اثنني ‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعاىل‬
‫يشرع احلكم ملصلحة فإذا زالت املصلحة املقتضية نسخه حبكم آخر ‪.‬‬

‫وبعضهم يقول إن النسخ يعترب ختصيصا للحكم ‪ ،‬لكن التخصيص غري النسخ ‪ ،‬فاهلل سبحانه‬
‫وتعاىل نسخ استقبال بيت املقدس ابستقبال الكعبة ‪ ،‬فهل يقال هذا ختصيص للحكم األول ‪،‬‬
‫ومن اطلع على تعريف النسخ تبني له أن النسخ معناه النقل واإلزالة ‪.‬‬
‫والذي جيب علينا العمل به من كتاب هللا هو احملكم ‪ ،‬أما املنسوخ فباتفاق املسلمني أنه ال جيب‬
‫علينا العمل به وأن حكمه غري ابق ‪.‬‬

‫‪259‬‬
‫( ونسمي أهل قبلتنا مسلمني مؤمنني ما داموا مبا جاء به النيب ملسو هيلع هللا ىلص معرفني وله بكل ما قاله‬
‫وأخرب مصدقني )‬
‫الشرح ‪ :‬هذا فيما يتعلق مبسألة األمساء واألحكام ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬أهل القبلة ) من دان بدين النيب ملسو هيلع هللا ىلص وصلى إىل القبلة ‪ ،‬مث من دخل ِف اإلسالم فهو من‬
‫أهل القبلة ‪ ،‬كما جاء ِف األثر ‪ ( :‬من صلى صالتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو املسلم له‬
‫ما لنا وعليه ما علينا )(‪. )4‬‬
‫ومسألة من هو املسلم الكالم فيها طويل ‪ ،‬اآلن املسلمون ِف العامل يقولون إن تعدادهم مليار ‪ ،‬إذاً‬
‫املسلمون ألف مليون مسلم ‪ ،‬لكن املسلم ليس هو من يدعي اإلسالم فقط ‪ ،‬وليس هو من ِف‬
‫حفيظته أو جوازه مسلم ‪ ،‬بل املسلم هو من أدى أركان اإلسالم وأركان اإلسالم هي الشهاداتن‬
‫وإقامة الصالة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت هللا احلرام ‪ ،‬هذه األركان اخلمسة هي عالمة‬
‫املسلم ‪ ،‬من أتى هبا فهو املسلم كما ِف حديث جربيل الطويل ملا سأل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال أخربين‬
‫عن اإلسالم ‪ ،‬ما معىن اإلسالم ‪ ،‬أخربين عن األمر الذي إذا فعله اإلنسان صار مسلماً ‪ ،‬فقال‬
‫عليه الصالة والسالم ‪ ( :‬اإلسالم أن تشهد أن ال إله إال هللا وأن دمحماً رسول هللا وتقيم الصالة‬
‫وتؤيت الزكاة وتصوم رمضان وحتج البيت )(‪ )9‬هذا هو املسلم ‪ ،‬إذا مل يفعل مع هذه شيئاً ينقض‬
‫إسالمه ‪ ،‬وال نقول من أتى هبذه كلها فهو مسلم دائماً ‪ ،‬فقد يكون يشهد أن ال إله إال هللا وأن‬
‫دمحماً رسول هللا ويقيم الصالة ويؤيت الزكاة ويصوم رمضان وحيج البيت ولكنه كافراً ‪ ،‬مبعىن أنه قد‬
‫يفعل شيئا من املكفرات ‪ ،‬وإذا فعل شيئا من املكفرات كفر ‪ ،‬ولو كان أييت أبركان اإلسالم ‪ ،‬ألن‬
‫هذه األركان ثبوهتا لإلنسان له ضوابط وله شروط ‪ ،‬والنيب ملسو هيلع هللا ىلص علق عصمة دم املرء املسلم أبركان‬
‫اإلسالم (‪ ، )4‬كما قال عليه الصالة والسالم ِف إحدى رواايت احلديث قال ‪ ( :‬أمرت أن أقاتل‬
‫الناس حىت يشهدوا أن ال إله إال هللا وأين رسول هللا ويقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة )(‪ )1‬ومل يقل ‪:‬‬
‫أمرت أن أقاتل الناس حىت يكتبوا ِف حفائظهم أو هوايهتم ( مسلم ) ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 424‬والنسائي ( ‪ . ) 1221‬قال ابن سحمان رمحه هللا معلقا على هذا احلديث ‪ :‬هذا فرضه‬
‫وحمله ِف أهل األهواء من هذه األمة ومن ال خترجه بدعته من اإلسالم ‪ .‬الدرر السنية ‪144 / 4٧‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخاري ( ‪ ) 5٧‬ومسلم ( ‪. ) 2‬‬
‫(‪ )4‬سيأيت ص ‪ 921‬الكالم على حل دم املسلم إذا أوجب الشرع ذلك ‪ ،‬كما ِف حديث ‪ ( :‬ال حيل دم امرئ مسلم‬
‫إال إبحدى ثالث ‪ ) ..‬احلديث ‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ( ‪ ) 95‬ومسلم ( ‪. ) 99‬‬

‫‪261‬‬
‫وإن كان سواد املسلمني كثرياً إال أهنم قليل ‪ ،‬ألن هناك من يصلي ويشهد أن ال إله إال هللا وأن‬
‫دمحماً رسول هللا ويقيم الصالة ويؤيت الزكاة ويصوم رمضان وحيج البيت ولكنه حيكم ابلقانون –‬
‫حيكم الطاغوت – جيعل الدستور الذي يسري عليه ِف حكمه هو القوانني وهذا كافر ‪.‬‬
‫فمن حكم القوانني الوضعية وظن أهنا تقوم مقام حكم هللا ورسوله فهو كافر حىت لو صلى وصام‬
‫وشهد أن ال إله إال هللا ‪ ،‬وهذا البالء والعياذ ابهلل عام ِف حكام املسلمني ‪ ،‬كل حكام املسلمني‬
‫حيكمون ابلقانون ‪ ،‬لكن منهم من يطبق القانون ِف كل شيء ما عدا مسائل تعد على األصابع‬
‫مثل األحوال الشخصية كالنكاح وغريه ‪ ،‬بل حىت الطالق يطبقونه على القانون ‪ ،‬ومنهم من حيكم‬
‫الشريعة اإلسالمية ِف بعض جماالت احلياة وحيكم القانون ِف الكثري ‪ ،‬جتد احلاكم مسلماً يصلي‬
‫ويصوم ولكنه يضع للعمال حمكمة قانونية يتحاكمون إليها ويضع لفض النزاع واملخاصمات‬
‫التجارية حمكمة يتقاضون إليها ‪ ،‬ومينع قضااي من أن حتال إىل احملاكم الشرعية ‪ ،‬فيمنع أن حتيل‬
‫قضية من قضااي البنوك أو من قضااي املصارف أو من قضااي العمال أو غري ذلك – يصدر قوانني‬
‫مبنعها من إحالتها إىل احملاكم الشرعية ‪ ،‬لكنه يدع األمر إذا اعتدى إنسان على إنسان بضرب أو‬
‫مبال أو بنحو ذلك ‪ ،‬وما ميانع أن حيال إىل احملاكم الشرعية ‪.‬‬
‫احلاصل أن من حكام املسلمني من حيكمون القوانني مطلقاً ومنهم من حيكم القوانني ِف معظم‬
‫أموره وحيكم احملاكم الشرعية ِف بعض املسائل اليت تقع بني الناس ‪ ،‬واملكفرات كثرية ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬مسلمني مؤمنني ) هذا على أصل املؤلف رمحه هللا ‪ ،‬فإنه من مرجئة الفقهاء ال فرق‬
‫عندهم بني اإلسالم واإلميان ‪ ،‬ألن اإلميان التصديق فال جيعلون العمل داخالً ِف مسمى اإلميان ‪،‬‬
‫وهلذا املسلم مؤمن كامل اإلميان ولو كان مقصراً عاصياً ‪ ،‬وال خيتلف الناس عندهم ِف اإلميان ‪ ،‬إمنا‬
‫االختالف ِف التقى والفضل ‪،‬كما سيأيت قول املاتن ( وأهله ِف أصله سواء )(‪ )4‬أي ِف اإلميان ‪،‬‬
‫فأصل اإلميان عند الناس سواء كلهم واحد ‪.‬‬
‫والراجح ِف مذهب أيب حنيفة ِف مسمى اإلميان أنه التصديق فقط ‪ ،‬وهو شيء واحد وجزء ال‬
‫يتجزأ ‪ ،‬لكن ملا كان التصديق ال يعرف إال ابلنطق ابللسان قالوا ‪ :‬النطق ابللسان ركن وليس جزء‬
‫من اإلميان (‪ ، )9‬ألنه ال يُعرف هل هو مصدق ابهلل أو ليس مبصدق ‪ ،‬أما العمل عندهم فإنه‬
‫أطلق على اإلميان جمازا ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬انظر ص ‪. 9٧1‬‬
‫(‪ )9‬أييت مزيد بيان إن شاء هللا ص ‪. 9٧1‬‬

‫‪261‬‬
‫وهم هبذا ال ُخيَرجون عن أهل السنة ‪ ،‬ألهنم يرون وجوب العمل ‪ ،‬فريون وجوب الصالة والصوم‬
‫والزكاة واحلج ‪ ،‬ويرون أهنا يعاقب عليها اتركها ِف الدنيا واآلخرة لكنهم ال يسمونه إمياان فال يسمى‬
‫اتركها كافرا بل مؤمنا ‪.‬‬
‫أما اترك الصالة عند اإلمام حنيفة رمحه هللا لو تركها عمداً بدون عذر فإنه ال يقتل بل حيبس حىت‬
‫يتوب ويصلي أو ميوت ‪ ،‬هذه عقوبته ‪ ،‬أما األئمة الثالثة فغري ٍ‬
‫خاف أهنم يوجبون قتل اترك‬
‫الصالة سواء أكان قتله حداً كما يراه اإلمام مالك والشافعي أو ردة وكفراً كما هو مذهب أمحد‬
‫رمحه هللا وكثري من السلف ‪.‬‬
‫احلاصل أن مجهور أهل السنة واجلماعة ال يسمون املسلم مؤمناً دائماً بل قد يكون مسلماً كامل‬
‫اإلميان وقد يكون مسلماً انقص اإلميان ‪.‬‬
‫واإلسالم له تعريف ِف اللغة وله تعريف ِف الشرع ‪.‬‬
‫فتعريفه يف اللغة ‪ :‬الذل واخلضوع ‪.‬‬
‫وتعريفه شرعا ‪ :‬فهو مع الذل واخلضوع – امتثال األوامر واجتناب النواهي ‪ ،‬كما قال عليه‬
‫الصالة والسالم ‪ ( :‬ما منكم إال وله قرين من اجلن وقرين من املالئكة ) ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وإايك اي رسول‬
‫هللا ؟ قال ‪ ( :‬وإايي ‪ ،‬إال أن هللا أعانين عليه فأسلم )(‪.)4‬‬
‫ألجل الفرق بني املعىن اللغوي لإلسالم واملعىن الشرعي لإلسالم اختلف شراح احلديث ِف معىن (‬
‫أسلم ) ‪ ،‬فمنهم من قال ‪ :‬أي استسلم يل وخضع وذل ‪ ،‬ومنهم من فسره ابإلسالم الشرعي أي‬
‫فدخل ِف اإلسالم ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ويؤيد هذا قوله ‪ ( :‬فال أيمرين إال خبري ) وأظن فيه رواية ابلضم (‬
‫فأسلم ) أي‬
‫َ‬ ‫فأسلم ) ذكرها – أظن – عياض ِف شرح صحيح مسلم ‪ ،‬وإال فمعظم الرواايت (‬ ‫ُ‬
‫فأسلم ) هذه تبني أنه يسلم من قرينه ال أن قرينه دخل ِف‬‫ُ‬ ‫فاستسلم وذل وخضع ‪ ،‬ولكن ‪( :‬‬
‫اإلسالم ‪.‬‬
‫ويبني لك الفرق بني اإلسالم واإلميان قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬قالت األعراب آمنا قل مل تؤمنوا‬
‫ولكن قولوا أسلمنا )(سورة احلجرات آية‪ )41:‬فبني أن اإلسالم اللغوي غري اإلميان ‪ (:‬قالت‬
‫األعراب آمنا قل مل تؤمنوا )أنتم مل تؤمنوا بعد ولكن قولوا ‪ :‬استسلمنا وخضعنا وذللنا وأنق ْدان فقط‪.‬‬
‫وأييت الكالم على اإلميان ِف موضوعه إن شاء هللا ِف بيان حقيقة اإلميان والفرق بني اللغوي‬
‫والشرعي واختالف العلماء ِف حقيقته ومذاهبهم ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم ( ‪ ) 9٧41‬وأمحد ِف مسنده ( ‪ ) 411٧‬وغريمها ‪.‬‬

‫‪262‬‬
‫قوله ‪ ( :‬ما داموا مبا جاء به النيب ملسو هيلع هللا ىلص معرتفني ) ‪ ،‬االعرتاف غري التصديق ‪ ،‬االعرتاف يعىن انه‬
‫يعرف ذلك ويعرتف و يقر به ‪ ،‬فإن اإلنسان قد يعرف الشيء وينكره جيحده ‪ ،‬والتصديق ‪ :‬إذا‬
‫كان مصدقاً ابلشيء فهو عارف به ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬وله بكل ما قال وأخرب مصدقني ) هم معرتفون بصدق النيب ملسو هيلع هللا ىلص معرتفون أبن ما قاله‬
‫حق ‪ ،‬ويصدقونه ِف أخباره وأحكامه ‪ ،‬وقد يكون معىن معرتفني و مصدقني متقارب ‪.‬‬
‫ولو قال ‪ :‬عارفني لكانت هي اليت يفسر اجلهم بن صفوان وأتباعه اإلميان هبا ‪ ،‬يقول ‪ :‬اإلميان هو‬
‫املعرفة فقط ‪ ،‬إذا عرف اإلنسان ربه فهو مؤمن كامل اإلميان حىت لو كفر ابهلل وحىت لو أنكر‬
‫الشرع وأنكر كل شيء ‪ ،‬ما دام عارفا فهو مؤمن إمياانً اتما ‪.‬‬

‫( وال خنوض يف هللا )‬


‫الشرح ‪ :‬اخلوض معناه الشك والريب واالختالف واملخاصمة واملنازعة ‪ ،‬وهذا يعين أننا ال نتمحل‬
‫ِف اجلدال واملراء مع اآلخرين فيما يتعلق بذات هللا سبحانه وتعاىل ‪ ،‬بل نؤمن به وننزهه عن كل‬
‫ماال يليق به ‪ ،‬ونثبت له ما يستحقه من الكمال ‪ ،‬وال نقول إنه ليس بكذا وال كذا وال فوق العامل‬
‫وال حتت العامل وال كذا كذا ‪ ،‬يعين ال خنوض ِف هللا ِف كالم يلزم عليه ضالل أو ابتداع أو فساد ‪،‬‬
‫فنقتصر ِف الكالم ِف هللا وأمسائه وأفعاله وذاته على ما ورد ِف القرآن واحلديث وال خنوض كما‬
‫خاض فيه األعداء من جهمية ومعتزلة وغريهم ‪ ،‬الذين دخلوا ِف متاهات هلكوا وضلوا فيها ‪،‬‬
‫كاستعماهلم السلوب املفصلة والفلسفة اليت ليس هلا هناية ‪ ،‬بل هنايتها الضالل وهنايتها العدم ‪ ،‬ال‬
‫نكون كهؤالء بل نسلم هلل ولرسوله من غري إن جنادل أو مناري أو خنوض ِف ذلك ‪.‬‬
‫ومعىن كالم املؤلف أنه يربأ من اجلهمية واملعتزلة و األشاعرة وغريهم ‪.‬‬

‫( وال مناري يف دين هللا وال جنادل يف القرآن )‬


‫الشرح ‪ :‬املراء معناه اجلدال الذي يقصد منه االنتصار للنفس أو االنتصار للمذهب الضال أو‬
‫الباطل أو املبتدع ‪ ،‬كل هذا ال مناري فيه وال جنادل ‪ ،‬واملراء ال يكون إال ابطال ‪.‬‬
‫واجلدال قد يكون حبق كما قال تعاىل ‪ ( :‬وال جتادلوا أهل الكتاب إال ابليت هي أحسن إال الذين‬
‫ظلموا منهم )(سورة العنكبوت آية‪ ، )11:‬وقد يكون ابطال إن كان من ابب املراء والتعمق‬
‫والتنطع والتقعر واالنتصار للمذهب ‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫أما اجلدل ففيه تفصيل ‪ ،‬وخالصة التفصيل إن كان اجلدل املراد به التمحل والتعصب للرأي واملراء‬
‫والظهور على اخلصم سواء أكان حقاً أو ابطالً فهذا ممنوع شرعاً وال جيوز ‪ ،‬وإن كان املراد به هو‬
‫املناقشة بقضية من القضااي والتحاج فيها ‪ ،‬كل واحد من املتعارضني ِف الرأي حيتج على رأيه‬
‫حسب ما يرى أنه حق إذا كان غرض املتجادلني كليهما إظهار احلق وإحقاقه إذا مل يصحب‬
‫اجلدال سب أو شتم أو تكرب على اآلخر فهذا جائز كما قال تعاىل ‪ ( :‬وال جتادلوا أهل الكتاب‬
‫إال ابليت هي أحسن إال الذين ظلموا منهم )(سورة العنكبوت آية‪ )11:‬كأنه يقول ‪ :‬جادلوا أهل‬
‫الكتاب ابليت هي أحسن وال جتادلوهم ابلطرق األخرى ‪ ،‬فكذلك أخوك املسلم من ابب أوىل أن‬
‫يكون جدالك معه هو طلب إلظهار احلق وإحقاقه ‪ ،‬وبعض املتجادلني حياول إظهار رأيه‬
‫ومسلكه ومنهجه وظهوره على خصمه سواء أكان حقاً أو ابطالً وهذا ال جيوز ‪ ،‬ألن هذا ٍ‬
‫تعد‬
‫على الغري والتعدي ممنوع ال جيوز ‪ ،‬يعين كونك حتاول أن تظهر على أخيك حبجتك إن كنت ِف‬
‫خصومة أو بدليلك وأتييد قولك إن كنت جمادالً وأنت تعلم إن ذلك ليس حبق أو تعلم أنك غري‬
‫حمق فهذا ال جيوز كما قال ملسو هيلع هللا ىلص فيما يتعلق ابخلصومات ‪( :‬إمنا أان بشر وإنكم ختتصمون إيل ولعل‬
‫بعضكم أن يكون أحلن حبجته من بعض فأقضي على حنو ما أمسع فمن قضيت له حبق أخيه شيئا‬
‫فال أيخذه فإمنا أقطع له قطعة من النار فليأخذها أو ليرتكها )(‪ ، )4‬يقول عليه الصالة والسالم‬
‫قد يكون أحدكما أيها املتخاصمان أفصح من اآلخر وأقدر على الكالم واإلقناع ‪ ،‬فال يغره ذلك‬
‫ويظن أن فعله ذلك حيلل له ما أحكم به له فإمنا أقطع له قطعة من انر فليأخذها أو ليدعها ‪،‬‬
‫لسن‬‫وكما قال عليه الصالة والسالم ‪ ( :‬إن أبغض الرجال إىل هللا األلد اخلصم )(‪ ، )9‬يعين ال ِ‬
‫القادر على الظهور على خصمه ولو ابطالً ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬وال جنادل ِف القرآن ) حيتمل أنه يريد ال جنادل ِف القرآن أي هل هو خملوق أو غري‬
‫خملوق ‪ ،‬وهل هو اللفظ واملعىن أو املعىن دون اللفظ أو ما أشبه ذلك ‪.‬‬
‫وحيتمل أنه مبعىن أال نعارضه ونلتمس األمور اليت تكون متعارضة معه ِف الظاهر كما يفعله أعداء‬
‫اإلسالم من علمانيني وغريهم ‪.‬‬

‫وحيتمل أنه يريد أال جنادل ِف القرآن أي ال مناري فيه ونلتمس األمور اليت جنعلها كمعارضة للقرآن‬
‫‪ ،‬واملالحدة معروف أهنم يعارضون القران ويلتمسون ذلك من كل حدب وصوب ‪ ،‬كما نقل عن‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 915٧‬ومسلم ( ‪) 4144‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخاري (‪ )9151‬ومسلم (‪)911٧‬‬

‫‪264‬‬
‫أيب العالء املعري الذي عارض قطع اليد بقوله ‪:‬‬
‫يد خبمس مئني عسجد وديت *** ما ابهلا قطعت يف ربع دينار‬
‫تناقض ما لنا رال السكوت له *** وأن نعوذ مبوالان من النـار(‪)4‬‬

‫وهذا من اجلدال الذي هنى عنه أو نفاه املؤلف ‪.‬‬

‫( ونشهد أنه كالم رب العاملني )‬


‫الشرح ‪ :‬هذه العبارة كل املسلمني يقولوهنا ‪ ،‬اجلهمية‪ ،‬املعتزلة‪ ،‬األشاعرة‪ ،‬أهل السنة واجلماعة‪،‬‬
‫كلهم يقولون نشهد أن القرآن كالم هللا ‪ ،‬لكن هل معىن كالم هللا أي تكلم به سبحانه وتعاىل‬
‫حبرف وصوت ومسع منه ‪ ،‬أو أنه كالم هللا مبعىن أنه خملوق من خملوقات هللا كما تقول اجلهمية‬
‫واملعتزلة ‪.‬‬
‫اجلهمية واملعتزلة يقولون القرآن كالم هللا لكن يعنون بذلك أنه كالم خلقه هللا ‪ ،‬كما تقول ‪ :‬عباد‬
‫هللا وكما تقول أرض هللا وكما تقول بيت هللا وكما تقول انقة هللا يعين أنه خملوق خلقه هللا ‪ ،‬أي‬
‫إضافة خملوق إىل خالقة ‪ ،‬وهم يعربون هبذه العبارة ‪ ،‬لكن يفسروهنا مبا ال يليق ومبا ال يتفق مع ما‬
‫يراه أهل احلق وأهل السنة واجلماعة ‪.‬‬
‫واألشاعرة والكالبية واملاتريدية يقولون القرآن كالم هللا ‪ ،‬ويعربون بعبارة املؤلف أنه كالم هللا لكنهم‬
‫يعنون بذلك أن معىن القرآن هو كالم هللا ‪ ،‬أما احلروف واألصوات فإهنا خملوقة ‪ ،‬لكن هل كالم‬
‫هللا عندهم اللفظ واملعىن واحلروف واألصوات ‪ ،‬أو كالم هللا بعض ذلك ؟ يقولون كالم هللا بعض‬
‫ذلك ‪ ،‬املعىن القائم بذاته سبحانه وتعاىل هو الكالم ‪ ،‬أما ما مسعه النيب ملسو هيلع هللا ىلص من جربيل فهو كالم‬
‫جربيل ‪ ،‬اللفظ لفظ جربيل واألصوات أصوات جربيل واحلروف اليت صدرت عن جربيل ‪ ،‬ويقولون‬
‫إن هللا ال يتكلم بكالم يسمع ‪ ،‬وهذا ابطل ألنه يعارض كتاب هللا وسنة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬قال الشنقيطي رمحه هللا ِف أضواء البيان ( ‪ ) 144 / 4‬عن شعر املعري ‪:‬‬
‫وللعلماء عنه أجوبه كثرية نظماً ونثراً ‪ .‬منها قوله القاضي عبد الوهاب جميباً له ِف حبره ورويه ‪:‬‬
‫عز األمانة ‪ :‬أغالها ‪ ،‬وأرخصها *** ذل اخليانة فافهم حكمة الباري‬

‫وقال بعضهم ‪ :‬ملا خانت هانت ‪ .‬ومن الواضح ‪ :‬أن تلك اليد اخلسيسة اخلائنة ملا حتملت رذيلة السرقة وإطالق اسم‬
‫السرقة عليها ِف شيء حقري كثمن اجملن واألترجة ‪ ،‬كان من املناسب املعقول أن تؤخذ ِف ذلك الشيء القليل ‪ ،‬الذي‬
‫حتملت فيه هذه الرذيلة الكربى ‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫وأما أهل احلق فإهنم يقولون القرآن كالم هللا كما قال املؤلف رمحه هللا ‪ ،‬ويعنون بذلك اللفظ واملعىن‬
‫واحلرف والصوت ‪ ،‬كما قال شيخ اإلسالم رمحه هللا ‪ ( :‬هو كالم هللا حروفه ومعانيه ليس الكالم‬
‫احلروف دون املعاين وال املعاين دون احلروف )(‪ ،)4‬فليس الكالم احلروف دون املعاين كما يدعيه‬
‫قوم ‪ ،‬أو حروف وأصوات خلقت ِف األزل ‪ ،‬وال املعاين دون احلروف كما تقوله األشاعرة ومن‬
‫وافقهم ‪ ،‬بل الكالم كله معناه ولفظه وأصواته وحروفه كلها كالم هللا ‪.‬‬
‫والقرآن أبدى وأعاد ِف هذا املعىن كما قال عز وجل ‪ ( :‬فأجره حىت يسمع كالم هللا )(سورة التوبة‬
‫آية‪ ، )1:‬وكذلك قوله ‪ ( :‬فلما جاء موسى مليقاتنا وكلمه ربه )(سورة األعراف اية‪)414:‬وقوله ‪:‬‬
‫( وكلم هللا موسى تكليما )(سورة النساء آية‪ ، )411:‬وكذلك ِف سورة الفتح آايت تدل على هذا‬
‫وهي صرحية ِف الداللة كما قال عز وجل ‪ ( :‬يريدون أن يبدلوا كالم هللا )(سورة الفتح آية‪)45:‬‬
‫والنيب ملسو هيلع هللا ىلص ذكر ذلك صرحياً ِف مواضع كثرية كما ِف حديث عبدهللا بن أنيس أنه قال ( حيشر هللا‬
‫غرال هبما‪ ،‬فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب ‪:‬‬ ‫اخلالئق يوم القيامة عراة حفاة ْ‬
‫أان امللك أان الداين )(‪ ، )9‬فذكر النداء والصوت ومل يقل إنه يفهم جربيل ما ِف نفسه فيتكلم‬
‫جربيل ‪ ،‬وكذلك قوله ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬إذا قضى هللا األمر ِف السماء ضربت املالئكة أبجنحتها خضعاانً‬
‫لقوله )(‪. )4‬‬
‫فالقرآن والسنة كالمها مملوءان من النصوص الصرحية الصحيحة اليت ال حتتمل إال أن القرآن كالم‬
‫هللا منه بدأ وإليه يعود وأنه منزل غري خملوق ‪ ،‬وهذا مذهب سلف األمة ما عدا ما ذكر من الفرق‬
‫الضالة اليت احنرفت عن هذا املنهج كاجلهمية واملعتزلة ‪ ،‬وهؤالء الرد عليهم وإفحامهم واضح ‪.‬‬
‫كما فعل ذل عبد العزيز الكناين رمحه هللا عندما قال للمريسي ‪:‬‬
‫أنت تقول إن هللا خلق كالمه ‪ .‬قال نعم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬اجبين عن أمور ثالثة ال رابع هلا ‪:‬‬
‫إذا سلمنا لك جدالً أنه خلق كالمه ‪ ،‬هل خلقه ِف ذاته الكرمية ‪ ،‬أو خلقه ِف مكان غري ذاته‬
‫الكرمية ‪ ،‬أو خلقه ال ِف مكان ‪ ،‬وال هناك قسم رابع ؟‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬انظر العقيدة الواسطية ِف ابب كالم هللا تعاىل ‪.‬‬
‫(‪ )9‬ذكره البخاري ِف صحيحه معلقا بعد حديث ( ‪ ) 11‬ووصله احلافظ ابن حجر ِف تغليق التعليق ( ‪) 455/5‬‬
‫ورواه البخاري أيضا ِف خلق أفعال العباد ص ‪ ، 22‬ورواه ِف صحيحه بلفظ آخر ( ‪ ، ) 11٧4‬وِف األدب املفرد (‬
‫‪ ) 21٧‬ورواه امحد ِف مسنده ( ‪ ) 41٧19‬بسند حسن ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 1٧٧٧‬وابن ماجه ( ‪. ) 421‬‬

‫‪266‬‬
‫وهذه كما تعلمون طريقة من طرق اجلدل واملناظرة تسمى ابلسرب والتقسيم ‪ ،‬والقسمة هنا عقلية‬
‫صحيحة ‪ ،‬فلما أفحمه وألقمه احلجر قال املريسي ‪:‬‬
‫أقول ‪ :‬خلقه كما خيلق األشياء ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ال بد أن جتيبين بواحد من هذه األمور الثالثة وإال فأنت انقطعت ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬أان أقول خلقه كما خيلق األشياء ‪.‬‬
‫فقال املأمون اي عبد العزيز ‪ :‬انقطع املريسي ‪ ،‬لكن اشرح لنا كالمك هذا ‪.‬‬
‫فقال اي أمري املؤمنني ‪ :‬لو قال خلقه ِف ذاته الكرمية لكفر ألن املسلمني جممعون أبن هللا سبحانه‬
‫وتعاىل ال يكون حمل احلوادث ‪ ،‬وأن من قال ذلك فهو كافر ‪ ،‬ولو قال خلقه ِف مكان آخر‬
‫لطالبناه ابلفرق بني كالم هللا وكالم اإلنسان ونبيح الكالب وهنيق احلمري وحنو ذلك ألن كلها‬
‫أصوات خلقها هللا ِف ذوات أخرى أو ِف أمكنة أخرى ‪ ،‬فأي فرق بني كالم هللا وبينها ‪ ،‬وأي ميزة‬
‫لكالم هللا عليها ‪ ،‬ولو قال ‪ :‬إن هللا خلقه ال ِف مكان وال أظنه يقوله ألن العقالء جممعون على‬
‫أن كل خملوق ال بد أن يكون له مكان وليس هناك خملوق ال يكون ِف مكان ‪ ،‬فانقطع املريسي‬
‫هبذه الطريقة (‪. )4‬‬
‫احلاصل أن بيان حقيقة كالم هللا سبحانه وتعاىل للناس فيه عدة أقوال ‪:‬‬
‫القول األول ‪ :‬مذهب أهل السنة واجلماعة والسلف الصاحل من الصحابة والتابعني وأئمة اهلدى‬
‫الذين اتبعوهم ‪ ،‬هؤالء يقولون إن القرآن كالم هللا منزل غري خملوق منه بدأ وإليه يعود ‪ ،‬والقرآن هو‬
‫كالم هللا معىن ولفظاً وحروفاً وأصوااتً ‪ ،‬ومن أدلتهم ما سبق ‪.‬‬
‫القول الثاين ‪ :‬قول األشاعرة والكالبية و املاتريدية ‪ ،‬يقولون إن كالم هللا املراد به واملنسوب إليه‬
‫هو عبارة عن املعىن القائم بنفسه ‪ ،‬يقولون إذا أراد هللا استفهاماً أفهم جربيل أنه يريد ذلك فتكلم‬
‫به ‪ ،‬وإذا أراد هللا أمراً أفهم جربيل أنه يريد ذلك فتكلم به ‪ ،‬وإذا أراد هللا هنياً أفهم جربيل أنه يريد‬
‫ذلك فتكلم به ‪ ،‬ويستحيل على هللا أن يتكلم بكالم يسمع ‪ ،‬يقولون ألن الكالم حيتاج إىل أسنان‬
‫وحيتاج إىل شفتني وحيتاج إىل حلق وحيتاج إىل كذا وحيتاج إىل كذا وهذه خاصة ابملخلوقني ‪.‬‬
‫ولكن هذه الشبهة اليت يلبس ون هبا على الناس أجاب علماء السلف عنها بقوهلم ‪:‬‬
‫إن الكالم الذي حيتاج إىل هذه األمور هو كالم املخلوق أما كالم اخلالق سبحانه وتعاىل فإن‬
‫كالمه ال حيتاج إىل هذه األمور ‪ ،‬فهو يتكلم أبي طريقة أرادها ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬ذكر الشيخ رمحه هللا هذه القصة خمتصرة مع شيء من الشرح ‪ ،‬وجتد نصها ِف كتاب احليدة لعبدالعزيز الكناين ص‬
‫‪ 491‬حتقيق د‪ .‬مجيل صليبا ‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫وأيضاً فإنه ميكن صدور الكالم بدون هذه اآلالت كلها ِف املخلوقات ‪ ،‬فمثالً قوله تعاىل ‪ ( :‬مث‬
‫استوى إىل السماء وهي دخان فقال هلا ولألرض ائتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعني )(سورة‬
‫فصلت آية‪ )44:‬قالتا ‪ ،‬فهل لألرض لسان وأسنان وشفتان وحلق ‪ ،‬وهل للسماء شيء من ذلك‬
‫‪ ،‬وكذلك أشياء أخرى تكلمت مثل اجلذع الذي تركه النيب ملسو هيلع هللا ىلص ملا فقده حن له(‪ ، )4‬واجلذع ليس‬
‫له هذه اآلالت ‪ ،‬وعلى كل فكثري من املخلوقات أخرب هللا عنها ورسوله أهنا تقول وتتكلم ومع هذا‬
‫ليس هلا هذه اآلالت ‪ ،‬فقوهلم ال جيوز على هللا الكالم ألنه يلزم عليه هذه األمور قول ابطل ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬ألن هللا ال يقاس خبلقه وإن كان املخلوق حمتاجاً إىل مثل هذا ‪.‬‬
‫واثنياً ‪ :‬أن هناك خملوقات ميكن منها الكالم من غري أن تكون هلا ه ذه اآلالت ‪.‬‬

‫( نزل به الروح األمني فعلمه سيد املرسلني دمحما )‬


‫الشرح ‪ :‬نزل به الروح األمني جربيل عليه الصالة والسالم فعلمه سيد املرسلني دمحماً‬
‫وطريقة الوحي إىل النيب ملسو هيلع هللا ىلص خمتلفة ليست هي بطريقة واحدة ‪ ،‬جربيل أييت اترة ِف صورة رجل‬
‫ويبلغه الوحي ‪ ،‬واترة ينفث ِف روعه الكالم ‪ ،‬وعلى كل فالوحي له عدة طرق وقد تكلم عليها‬
‫السيوطي كالما جيداً ِف اإلتقان بطريقة مفيدة جداً ‪ ،‬وكتاب هللا سبحانه وتعاىل بني أن جربيل‬
‫نزل به على النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ ( :‬نزل به الروح األمني * على قلبك لتكون من املنذرين )(سورة الشعراء‬
‫آية‪ )424-421:‬وقال ( علمه شديد القوى )(سورة النجم آية‪ )5:‬وذكر أنه قول جربيل ِف‬
‫بعض األحيان ( إنه لقول رسول كرمي * ذي قوة )(سورة التكوير آية‪ )42-9٧:‬مبعىن أنه جاء به‬
‫للنيب ملسو هيلع هللا ىلص وبلغه إايه قوالً ‪ ،‬أي كلمه مشافهة ‪ ،‬والفرق بني هذه اآلية وبني آية احلاقة ( إنه لقول‬
‫رسول كرمي * وما هو بقول شاعر قليالً ما تؤمنون )(سورة احلاقة آية‪ )1٧-14:‬املراد ابلرسول‬
‫هناك دمحم ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬واملراد به هنا ِف سورة التكوير جربيل ‪ ،‬وعلمه النيب ملسو هيلع هللا ىلص أبي طريقة من طرق‬
‫الوحي ‪.‬‬

‫( وهو كالم هللا تعاىل ال يساويه شيء من كالم املخلوقني ‪ ،‬وال نقول خبلقه وال خنالف مجاعة‬
‫املسلمني )‬
‫الشرح ‪ :‬نعم ‪ ،‬ألن من قال خبلق القرآن فهو خمالف جلماعة املسلمني خمالف ألهل السنة واجلماعة‬
‫‪ ،‬والسلف الصاحل الذين منهم الصحابة رضوان هللا عليهم والتابعون هلم إبحسان ‪ ،‬واملؤلف يرى أن‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه النسائي ( ‪ ) 4421‬وامحد ِف مسنده ( ‪ ) 41419‬وعبدالرزاق ِف املصنف ( ‪ ) 5951‬إبسناد صحيح‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫القول خبلق القرآن خرق لإلمجاع ألنه ال يَعترب إمجاع املعتزلة واجلهمية ‪.‬‬

‫( وال نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب )(‪)4‬‬


‫الشرح ‪ :‬أهل السنة واجلماعة من قواعدهم أهنم ال يكفرون ابلذنوب ما مل تكن الذنوب مكفرة‬
‫مبقتضى نص شرعي ‪ ،‬أو ما مل يستحل املرتكب للذنب ذنبه ‪ ،‬هذه قاعدة يسري عليها أهل السنة‬
‫واجلماعة سلفاً وخلفاً ‪ ،‬وهذه املسألة للناس فيها أربعة مذاهب ‪.‬‬
‫املذهب األول ‪ :‬هو مذهب أهل السنة واجلماعة أن اإلنسان املسلم ال خيرج من اإلسالم وال من‬
‫اإلميان مبقتضى ذنب يرتكبه ما مل يكن ذلك الذنب مكفراً أو ما مل يستحله ‪ ،‬وهذا أدلته كثرية ِف‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬ونصوص القرآن بتسمية العاصي أو الفاسق مؤمناً كثرية ‪ ،‬واحلديث عن النيب‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص فيه كثري أيضا ‪ ،‬ومن أقوى ما يستدل به أهل السنة واجلماعة على أن املعاصي ال توجب‬
‫الكفر وأن اإلنسان ال خيرج من اإلسالم واإلميان مبقتضى الذنب قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬وإن‬
‫طائفتان من املؤمنني اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحدامها على األخرى فقاتلوا اليت تبغي حىت‬
‫تفيء إىل أمر هللا )(سورة احلجرات آية‪ )2:‬وقوله ‪ ( :‬إمنا املؤمنون أخوة فأصلحوا بني أخويكم )‬
‫(سورة احلجرات آية‪ )4٧:‬فجعل الفئة اخلارجة على الفئة األخرى – سواء أكانت الفئة الدولة أو‬
‫فئتان من املسلمني اقتتلوا فاخلارج مرتكب لذنب كبري ومع هذا عدَّه هللا سبحانه وتعاىل ِف كتابه‬
‫العزيز مؤمنا ‪ ،‬فأهل السنة واجلماعة ال خيرجونه من اإلميان مبقتضى الذنب وإمنا حيكمون عليه‬
‫بنقص اإلميان ‪ ،‬ويقولون مؤمن انقص اإلميان أو يعربون عنه بقوهلم ‪ :‬مؤمن إبميانه فاسق بكبريته ‪،‬‬
‫وهذا مقتضى النصوص ‪ .‬والنيب ملسو هيلع هللا ىلص أيت برجل قد شرب اخلمر فقال ‪ ( :‬اضربوه ) ‪ ،‬قال أبو هريرة‬
‫هنع هللا يضر ‪ :‬فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه ‪ ،‬فلما انصرف قال بعض القوم ‪ :‬أخزاك‬
‫وح َّد ومع هذا عده‬
‫هللا ! قال ‪(:‬ال تقولوا هكذا ال تعينوا الشيطان على أخيكم )(‪ )9‬رجل سكران ُ‬
‫عليه الصالة والسالم أخاً للذي سبه أو شتمه أو قذفه ‪ ،‬فدل ذلك على أن الذنب ال خيرج به‬
‫املسلم واملؤمن من اإلميان‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ ) 4‬الطحاوي رمحه هللا أراد هنا أن يرد على اخلوارج القائلني ابلتكفري ابلكبائر ‪ ،‬وابن أيب العز نقل امتناع كثري من‬
‫األئمة من إطالق قول الطحاوي هذا ‪ ،‬قال رمحه هللا ‪ :‬بل يقال ‪ :‬ال نكفرهم بكل ذنب ( الشرح ص ‪ 144‬ت الرتكي‬
‫) ‪ .‬مع انه سيأيت بعد قليل قول الطحاوي ( وال خيرج العبد من اإلميان إال جبحود ما أدخله فيه ) وهذا إرجاء واضح‬
‫خمالف ملذهب أهل السنة كما سيأيت تبيني الشيخ محود لذلك ‪ ،‬وهلذا فقد ميز الشيخ هنا قول أهل السنة أبهنم ال‬
‫يكفرون ابلذنوب مامل تكن الذنوب مكفرة ‪ ،‬وهذا قيد مهم ‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخاري ( ‪ ) 11٧4‬وأبو داود ( ‪)11٧1‬‬

‫‪269‬‬
‫وكذلك قوله سبحانه وتعاىل ( فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع ابملعروف وأداء إليه إبحسان‬
‫)(سورة البقرة آية‪ )41٧:‬هذه اآلية الكرمية عدت القاتل أخا لويل القصاص ‪ ،‬وال معىن لألخوة هنا‬
‫إال أخوة اإلسالم واإلميان ‪.‬‬
‫احلاصل أن النصوص مستفيضة ِف أتييد مذهب أهل السنة واجلماعة ِف أن املسلم إذا ارتكب‬
‫معصية ال خيرج هبا من اإلميان بل ينقص إميانه بقدر ذلك الذنب وأدلة هذا كثرية ‪.‬‬
‫بعض فرق املعتزلة يسمون العاصي فاسقاً ولكن ليس حكمهم كحكم أهل السنة عليه ابلفسق ‪،‬‬
‫فهم يسمونه فاسقا تسمية فقط ‪ ،‬وِف الدنيا حيكمون عليه حبكم اإلسالم ابألحكام الظاهرة ‪ ،‬وأما‬
‫ِف اآلخرة فهو خملد ِف النار سواء مسوه فاسقاً أو مسوه مبنزلة بني املنزلتني ‪.‬‬
‫املذهب الثاين ‪ :‬اخلوارج واملعتزلة ‪ ،‬وإن كان بينهما بعض الفروق إال أن مؤدى مذهبهم واحد ِف‬
‫اآلخرة ‪ ،‬فاخلوارج حيكمون على مرتكب الكبرية ابلكفر واخلروج من اإلميان ِف الدنيا واخللود ِف‬
‫النار ِف اآلخرة ‪ ،‬واملعتزلة حيكمون عليه ابخلروج من اإلميان ِف الدنيا ولكن ال حيكمون عليه‬
‫ابلكفر بل يقولون إنه خرج من اإلميان وبقى ِف مرتبة بني الكفر واإلميان يسموهنا املنزلة بني‬
‫املنزلتني ‪ ،‬وهذا أصل من أصول املعتزلة ‪.‬‬
‫واملعتزلة أصول الدين عندهم مخسة كما ال خيفى على الكثري ‪:‬‬
‫‪ – 4‬التوحيد ‪.‬‬
‫‪ – 9‬والعدل ‪.‬‬
‫‪ – 4‬واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر ‪.‬‬
‫‪ – 1‬وإنفاذ الوعيد ‪.‬‬
‫‪ – 5‬واملنزلة بني املنزلتني ‪ ،‬و هي خروج العاصي مبعصيته من اإلميان وبقاؤه مبنزلة دون الكفر ‪،‬‬
‫هذه نقطة اخلالف بني اخلوارج واملعتزلة ‪ ،‬اخلوارج واملعتزلة متفقون كلهم على أنه خيرج من اإلميان‬
‫مبجرد ارتكابه للمعصية ‪ ،‬لكن اخلوارج يوافقوهنم على هذا وخيالفوهنم ِف احلكم عليه بعد خروجه‬
‫من اإلميان ‪ ،‬يقولون أبنه خبروجه من اإلميان دخل الكفر وأصبح كافراً حالل الدم واملال ‪.‬‬
‫أما املعتزلة فيقولون كذلك ولكن جيعلونه ِف طبقة من النار – أعوذ ابهلل – أخف من عذاب‬
‫الكافرين ‪ ،‬وال دليل هلؤالء اخلوارج واملعتزلة إال ظواهر نصوص ال تدل على ما ذهبوا إليه كقوله‬
‫سبحانه وتعاىل ( فما تنفعهم شفاعة الشافعني )(سورة املدثر آية‪ )1٧:‬يقولون إن هذه اآلية دليل‬
‫على أن العاصي ال يشفع فيه وال خيرج من النار أبداً ‪ ،‬وكذلك تقول املعتزلة إن قوله سبحانه‬
‫وتعاىل ( إنك من تدخل النار فقد أخزيته )(سورة آل عمران آية‪ )429:‬يقولون هذا نص ِف أن‬

‫‪271‬‬
‫من يدخل النار فإنه ال خيرج منها ‪ ،‬فإنه إذا استحق خزي هللا فال يليق به أن يدخله هللا اجلنة‬
‫ويبقى ِف النار خالداً خملداً فيها ‪.‬‬
‫فأما استدالهلم بقوله ( فما تنفعهم شفاعة الشافعني) فهذا خاص ابلكفار كما دلت عليه اآلايت‬
‫اليت بعدها وقبلها ‪.‬‬

‫وأما استدالهلم بقوله سبحانه ( إنك من تدخل النار فقد أخزيته ) فقد أجاب عنه السلف أبن‬
‫اخلزي هنا ليس الذي معناه اإلبعاد – اللعن والغضب وإمنا معناه اخلجل ‪ ،‬يعين ربنا إنك من‬
‫تدخل النار من املسلمني فقد سببت له اخلجل ‪ ،‬ألنه إذا حكم عليه ابلنار ودخل النار ورآه أقاربه‬
‫وأصحابه الذي يظنون أنه جمتنب للكبائر ومتباعد عنها إذا رأوه ِف النار فإنه خيجل منهم خيزى ‪،‬‬
‫فمعىن قوله ( فقد أخزيته )(‪ )4‬فقد أخجلته ‪.‬‬
‫فاحلاصل أن مرتكب الكبرية عند املعتزلة واخلوارج ال خيرج من النار أبداً أما عند أهل السنة‬
‫واجلماعة فإن مرتكب الكبرية إذا مات مصراً عليها ومل يكن مستحالً هلا ومل تكن تلك الكبرية من‬
‫املكفرات فإنه حيتمل أحد أمرين ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أما أن يتفضل هللا عليه ويعامله ابلفضل ويعفو عنه ويغفر له ويدخله اجلنة من أول وهلة ‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬وإما أن يدخله النار ليطهره مبقتضى أعماله السيئة مث خيرجه من النار بشفاعة الشافعني أو‬
‫برمحة أرحم الرامحني ‪.‬‬
‫هذا هو مذهب أهل السنة واجلماعة وهم ال خيتلفون ِف هذا األصل أبداً ‪.‬‬

‫املذهب الثالث ‪ :‬مذهب املرجئة ‪ ،‬واملرجئة قوم يعتمدون على نصوص الرجاء ويرجحوهنا على‬
‫نصوص الوعيد ‪ ،‬ومسوا هبذا االسم هلذا السبب ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬قال ابن فارس ِف مادة ( خزو ) ‪:‬‬
‫ومن هذا الباب قوهلم خزي الرجل ‪ :‬استحيا من قبح فعله ‪ ..‬قال جرير ‪:‬‬
‫محى مل حيمه غري ْفرتين *** وغري ابن ذي الكريين خزاين ضائع‬
‫وإن ً‬

‫‪271‬‬
‫وهم طبقات ‪:‬‬
‫الطبقة األوىل ‪ :‬املرجئة احملضة ‪ ،‬وهم اجلهم بن صفوان وأتباعه ‪ ،‬هؤالء يقولون ال يضر مع اإلميان‬
‫ذنب مطلقا ‪ ،‬فاملؤمن العارف ما دام أنه عرف هللا ال يضره ذنب مهما كان ذلك الذنب سواء‬
‫كان تركا للصالة أو ارتكااب للفواحش ألن اإلميان عندهم جمرد املعرفة (‪. )4‬‬
‫وهؤالء الطبقة كفار ‪ ،‬ألهنم حيكمون على ترك العمل وعلى ارتكاب العمل احملرم أبنه ال يضر ‪ ،‬وال‬
‫يشرتطون ِف اإلميان اإلقرار والتصديق ‪ ،‬يقولون إذا كان عارفاً فهو مؤمن كامل اإلميان وال يضره‬
‫أي ذنب فعله ‪ ،‬ولذا قال السلف رضوان هللا عليهم ‪ :‬يرد على هذا أبن إبليس وفرعون وغريهم من‬
‫الذين عرفوا هللا هل كانوا مؤمنني كاملي اإلميان ‪.‬‬

‫الطبقة الثانية ‪ :‬مرجئة الفقهاء ‪ ،‬وهم الذين أخرجوا العمل عن حقيقة اإلميان وقالوا إنه ال يسمى‬
‫إمياان ‪ ،‬وهؤالء أخف بكثري من املرجئة احملضة ‪ ،‬ألن هؤالء ال يبيحون ارتكاب املعاصي وال‬
‫يبيحون ترك الواجبات ‪ ،‬ويوجبون على املسلم أن يعمل الواجب وان يرتك احملرم ‪ ،‬لكنهم ال جيعلون‬
‫العمل من مسمى اإلميان ‪.‬‬

‫( ما مل يستحله )‬
‫الشرح ‪ :‬هذا ابإلمجاع ‪ ،‬من ارتكب كبرية مستحال هلا فهو كافر إبمجاع املسلمني ‪ ،‬وال يشذ على‬
‫هذا إال الذين ال يعبئون بقواعد الشريعة ونصوصها ‪ ،‬ألن القائل بذلك مكذب للرسول ومكذب‬
‫للقرآن ‪ ،‬إذا كان القرآن يقول ‪ ( :‬وال تقربوا الزَّن )(سورة اإلسراء آية‪ )49:‬و الرسول عليه الصالة‬
‫والسالم جلد شارب اخلمر لكونه مستحقا للعقوبة ‪ ،‬وكذلك السارق حكم عليه القرآن والسنة‬
‫أبنه تقطع يده ‪ ،‬فإذا كانت هذه العقوابت ما وجبت إال لتحرمي ذلك الفعل ‪ ،‬فالذي يقول إن‬
‫اخلمر حالل أو الزَّن حالل أو أن السرقة مباحة أو أن القتل عمداً مباح هذا مكذب هلل ولرسوله‬
‫‪ ،‬فإذا كان مكذابً هلل ولرسوله فهو كافر ابالتفاق ‪ ،‬وهلذا ملا شرب بعض الصحابة رضوان هللا‬

‫______________________________________‬
‫(‪ ) 4‬قال ابن حزم ِف الفصل ‪ :‬الثاين ( يعين من فرق املرجئة ) ‪ :‬الطائفة القائلة إن اإلميان عقد ابلقلب ‪ ،‬وإن أعلن‬
‫الكفر بلسانه بال تقية ‪ ،‬وعبد األواثن أو لزم اليهودية أو النصرانية ِف دار اإلسالم ‪ ،‬وعبد الصليب وأعلن التثليث ِف‬
‫دار اإلسالم ‪ ،‬ومات على ذلك فهو مؤمن كامل اإلميان عند هللا عز وجل ‪ ،‬ويل هلل تعاىل من أهل اجلنة ‪ ،‬وهذا قول‬
‫أيب حمرز جهم بن صفوان السمرقندي ‪ .‬الفصل ‪ 499 / 4‬ت يوسف البقاعي‬

‫‪272‬‬
‫عليهم اخلمر متأولني قوله سبحانه وتعاىل ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصاحلات جناح فيما‬
‫طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا )(سورة املائدة آية‪ )24:‬جلده عمر وأقام عليه احلد وقال لو استحله‬
‫حلكمت بكفره وهذا ال أحد خيالف فيه (‪. )4‬‬

‫( وال نقول ال يضر مع اإلميان ذنب ملن عمله )‬


‫الشرح ‪ :‬ملا كان املؤلف رمحه هللا من مرجئة الفقهاء وكان ممكناً أن يتوهم متوهم – إذا كانوا مرجئة‬
‫– أهنم يقولون كما تقول املرجئة احملضة ال يضر مع اإلميان ذنب ‪ ،‬فقال حنن ال نقول ذلك ‪ ،‬يعين‬
‫حنن وإن مسينا مرجئة فال نوافق املرجئة احملضة على القول أبنه ال يضر مع اإلميان ذنب ‪ ،‬بل نقول‬
‫الذنوب تضر وتضعف اإلميان وال نقول إهنا تنقص اإلميان ‪ ،‬ألنه ليس من مذهبهم أن اإلميان‬
‫ينقص ‪ ،‬الطحاوي ال يرى نقص اإلميان لكنه يرى أن اإلميان يقوى ويضعف ‪ ،‬ويقول ‪ :‬الذنوب‬
‫تضر بتنقيصها لإلميان وتضر ابستحقاق مرتكبها العقوبة ِف الدنيا واآلخرة ‪.‬‬

‫( نرجو للمحسنني من املؤمنني أن يعفو عنهم ويدخلهم اجلنة برمحته وال أنمن عليهم )‬
‫الشرح ‪ :‬نرجو للمحسن وخناف على املسيء ‪ ،‬هذا مذهب أهل السنة واجلماعة ِف مسألة‬
‫الشهادة للمعني ابجلنة أو ابلنار ‪ ،‬إذا رأينا اإلنسان يعمل أعماال صاحلة ومستقيما على طاعة هللا‬
‫فإننا نرجو له اخلري مبقتضى إحسانه ‪ ،‬وال نشهد له ابجلنة ‪ ،‬وإذا رأينا إنساان مسرفا على نفسه‬
‫ابرتكاب املعاصي واإلساءة فإننا خناف عليه من عقاب هللا وخنشى عليه ونشفق عليه ‪ ،‬ولكن ال‬
‫نشهد له ابلنار أو نقنطه من رمحة هللا ‪ ،‬هذه القاعدة اليت عليها مذهب أهل السنة واجلماعة ‪.‬‬
‫وهو هنا يشري إىل أن اإلنسان احملسن يستحق اجلنة ولكن يستحقها بفضل من هللا ورمحته سبحانه‬
‫ال أن مقتضى العمل يكفي ِف إدخال العبد اجلنة ‪ ،‬ومسألة تعلق الثواب و العقاب ابلعمل(‪)9‬‬
‫فيها ثالثة أقوال للعلماء ‪:‬‬
‫املذهب األول ‪ :‬أن أي عمل يعمله اإلنسان ال يكون وحده كافيا ِف استحقاقه للجنة بل البد‬
‫أن ينضم إىل ذلك فضل هللا ورمحته سبحانه وتعاىل ولكن األعمال الصاحلة أسباب تقتضى الثواب‬
‫مبعىن أن الثواب والعقاب يتعلقان ابلعمل الصاحل تعلق املسبب ابلسبب ‪،‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬انظر نقل االتفاق على ذلك ِف شرح ابن أيب العز ص ‪ 111‬ت الرتكي ط ‪ ، 9‬و جمموع فتاوى ابن تيمية ‪/41‬‬
‫‪ 944‬واالستغاثة ِف الرد على البكري له أيضا ص ‪ 954‬والدرر السنية ‪. 414 / 4٧‬‬
‫(‪ )9‬هذه املسألة غري مسألة الشهادة ابجلنة أو النار للمعني ‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫وهذا هو الذي عليه أهل السنة واجلماعة ‪ ،‬ومن أدلتهم قوله سبحانه وتعاىل ( ادخلوا اجلنة مبا كنتم‬
‫تعلمون )(سورة آية‪ )49:‬أي بسبب أعمالكم ‪.‬‬

‫املذهب الثاين ‪ :‬مذهب القدرية واملعتزلة ‪ ،‬وهو أن الثواب والعقاب يتعلقان ابلعمل تعلق العِوض‬
‫عن املعوض ‪ ،‬يعين أنه إذا وجد العمل الصاحل حتتم وجود الثواب وإذا وجد العمل السيئ حتتم‬
‫وجود العقاب ‪ ،‬وأنه ال دخل ملشيئة هللا وأرادته وفضله وإحسانه ِف ذلك ‪.‬‬
‫املذهب الثالث ‪ :‬مذهب األشاعرة وكثري من اجلربية وهو أن الثواب والعقاب ال تعلق هلما ابلعمل‬
‫مطلقا ‪ ،‬وإمنا يتعلقان مبشيئة هللا وإرادته وقضائه وقدره ‪ ،‬فمن قضى هللا أن يكون مثااب فإنه يثاب‬
‫سواءا كان حمسنا أو مسيئا ‪ ،‬ومن قضى هللا أنه يعاقب فإنه سيعاقب سواءا كان حمسنا أو مسيئا‬
‫فال عالقة للعمل ابلثواب والعقاب مطلقا عند هؤالء ‪.‬‬
‫فأهل السنة واجلماعة استدلوا بقوله تعاىل ‪ ( :‬ادخلوا اجلنة مبا كنتم تعملون ) وحنوها ‪ ،‬وعلقوا‬
‫الثواب والعقاب على العمل أنه سبب له ‪.‬‬
‫أما املعتزلة والقدرية فإهنم أخذوا هبذه اآلية أيضا ( ادخلوا اجلنة مبا كنتم تعملون ) وقالوا إهنا تدل‬
‫على أن الثواب عوض عن العمل مبجرده من غري أن يكون هلل سبحانه وتعاىل ِف ذلك فضل وال‬
‫مشيئة وال إرادة ‪.‬‬
‫وأما منزع اجلربية ومن معهم فإهنم استدلوا بقوله ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬لن يدخل أحد منكم اجلنة بعمله قالوا وال‬
‫أنت اي رسول هللا قال وال أان إال أن يتغمدين هللا برمحة منه و فضل )(‪. )4‬‬
‫فالقدرية استدلوا ابآلية اليت ذكرهتا على أن الثواب عوض للعمل ‪ ،‬واجلربية واألشاعرة استدلوا‬
‫ابحلديث على أن العمل ال يكون مقتضيا للثواب والعقاب ال من حيث التسبب وال من حيث‬
‫احلقيقة ‪ ،‬ولكن أه ل السنة واجلماعة مجعوا بني الدليلني ‪.‬‬
‫هو صحيح أن قولكم ‪ ( :‬ادخلوا اجلنة مبا كنتم تعملون ) ظاهره أن العمل يدخل اجلنة ويدخل‬
‫النار ‪ ،‬وقوله ‪ ( :‬لن يدخل أحد منكم اجلنة بعمله ) ظاهره أن العمل ال ميكن أن يكون سببا‬
‫لدخول اجلنة أو لدخول النار لكن السلف مجعوا بني النصوص وقالوا ‪ :‬إن ( الباء ) ِف قوله (‬
‫ادخلوا اجلنة مبا كنتم تعملون ) هي ابء السبب ‪ ،‬أي أدخلوا اجلنة بسبب عملكم ‪ ،‬ال أن العمل‬
‫وحده مقتضي لدخول اجلنة أو النار ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وأما ( الباء ) ِف احلديث ‪ ( :‬لن يدخل أحد منكم‬
‫اجلنة بعمله ) فهي ابء العوض أي لن يكون عمل أحدكم كافيا ِف إدخاله اجلنة ‪،‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 1111‬ومسلم ( ‪.) 9٧4٧‬‬

‫‪274‬‬
‫بل البد أن ينضم إىل العمل أمور أخرى كإرادة هللا وإحسان هللا وفضل هللا سبحانه وتعاىل وحنو‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫فاملعتزلة الذين متسكوا بظاهر اآلية ما وفقوا إىل احلق ‪.‬‬
‫واألشاعرة واجلربية الذين أخذوا بظاهر احلديث ما وفقوا إىل احلق ‪.‬‬
‫فكان احلق مع أهل السنة واجلماعة الذين مجعوا بني النصوص ‪.‬‬
‫وأما اجلواب عن قوله عليه الصالة والسالم ‪ ( :‬لن يدخل أحد منكم اجلنة بعمله ) فإن أهل السنة‬
‫واجلماعة كما قلت أجابوا عن ذلك ابن الباء هنا للعوض ‪ ،‬وقالوا إن الرسول عليه الصالة والسالم‬
‫خيرب أبن العمل ال ميكن أن يكون مبجرده عوضا لدخول اجلنة وإمنا فيه اإلشارة إىل أن عمل‬
‫اإلنسان مهما بلغ ومهما كان ال يكفي وحده لدخول اجلنة وذلك أن هللا سبحانه وتعاىل تفضل‬
‫على عباده وأنعم عليهم وأحسن إليهم ِف هذه الدنيا بشىت أصناف النعم وأن كل عمل يعمله‬
‫اإلنسان مهما كان فإنه ال ميكن أن يقوم بشكر نعم هللا سبحانه وتعاىل عليه لوال أن هللا يعفو‬
‫ويتجاوز ويتفضل ‪.‬‬

‫ويستدل على هذا املعىن ابحلديث الصحيح أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص ذكر أنه كان فيمن كان قبلكم رجل‬
‫منقطع للعبادة ِف صومعته ال يشتغل بشيء سوى العبادة أطالقا حىت رزقه جيريه هللا عليه حبيث‬
‫هيأ له شجرة رمان تثمر له كل يوم حبة من الرمان فيتقوهتا ويتغذى هبا ‪ ،‬وأجرى عند صومعته عينا‬
‫عذبة يشرب منها فما يشتغل حىت بكسب رزق ‪ ،‬بل هو متفرغ للعبادة ‪ ،‬قال عليه الصالة‬
‫والسالم ‪ :‬فإذا كان يوم القيامة يؤتى هبذا الرجل إىل هللا ويعرض عليه فيقول سبحانه وتعاىل ‪:‬‬
‫أدخلوا عبدي اجلنة برمحيت ‪ ،‬قال ‪ :‬فيتكاثر عمله ويقول ‪ :‬ال اي رب ‪ ،‬بل بعملي ‪ ،‬فيقول هللا‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ :‬زنوا أعماله الصاحلة وزنوا النعم اليت أنعمت هبا عليه وقابلوا النعم ابألعمال اليت‬
‫عملها وفعلوا ‪ ،‬قالوا ‪ :‬فلم تقابل أعماله كلها نعمة البصر اليت من هللا هبا عليه وأنعم هبا عليه ‪،‬‬
‫فلما رأى ذلك قال ‪ :‬اي ريب برمحتك ‪.‬‬
‫فقوله عليه الصالة والسالم ‪ ( :‬لن يدخل أحد منكم اجلنة بعمله ) يعين أن العمل وحده ال ميكن‬
‫أن يكون كافيا لدخول اجلنة بل العمل سبب ‪ ،‬والبد أن ينضم إليه مكمالت السبب ومقتضياته ‪،‬‬
‫كتفضله سبحانه وتعاىل ومشيئة وإرادته وإحسانه على عباده ‪.‬‬

‫‪275‬‬
‫( وال نشهد هلم ابجلنة ‪ ،‬ونستغفر ملسيئهم ‪ ،‬وخناف عليهم وال نقنطهم )‬
‫الشرح ‪ :‬هذه املسألة اختلف العلماء فيها على ثالثة أو أربعة مذاهب ‪:‬‬
‫املذهب األول ‪ :‬أرجحها وأقواها مذهب أهل السنة واجلماعة وهو أنه ال يشهد ألحد بعينه أنه‬
‫من أهل اجلنة مهما كان عمله الذي يقوم به ‪ ،‬وال يشهد ألحد بعينه أنه من أهل النار مهما كان‬
‫العمل الذي يؤديه ويقوم به وإمنا يرجون للمحسن وخيافون على املسيء ‪.‬‬
‫أما على األعيان فال يشهدون ألحد جبنة وال انر إال إذا ورد نص صحيح صريح فلهذا يقولون من‬
‫شهد له النيب ملسو هيلع هللا ىلص بعينه نشهد له بعينه ‪ ،‬كعكاشة بن حمصن رضي هللا ألن النيب ملسو هيلع هللا ىلص ملا قال ( إن‬
‫سبعني ألفا من أميت يدخلون اجلنة بغري حساب وال عذاب ) قال عكاشة بن حمصن هنع هللا يضر ‪ :‬ادع‬
‫هللا أن جيعلين منهم قال ‪ ( :‬أنت منهم )(‪ ، )4‬نص ِف أن عكاشة من أهل اجلنة بعينة ‪ ،‬وكذلك‬
‫العشرة أبو بكر وعمر عثمان وعلي والستة الباقون كلهم شهد هلم النيب ملسو هيلع هللا ىلص ابجلنة أبعياهنم (‪، )9‬‬
‫وكذلك اثبت بن قيس بن مشاس هنع هللا يضر ملا نزل قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬اي أيها الذين أمنوا ال ترفعوا‬
‫أصواتكم فوق صوت النيب وال جتهروا له ابلقول كجهر بعضكم لبعض أن حتبط أعمالكم وأنتم ال‬
‫تشعرون )(سورة احلجرات آية‪ )9:‬قال هنع هللا يضر لقد حبط عملي ألنين رجل جهوري أرفع الصوت عند‬
‫رسول هللا ولزم بيته فسأل عنه النيب ملسو هيلع هللا ىلص فقالوا أنه لزم بيته يبكي ويقول حبط عملي فقال عليه‬
‫الصالة والسالم ‪( :‬بل هو من أهل اجلنة )(‪ )4‬فثابت بن قيس ممن شهد هلم أبعياهنم ابجلنة ‪.‬‬
‫وكذلك ال نشهد ألحد ابلنار إال إذا شهد له النص عن املعصوم ‪ ،‬ألن األصل الذي قام عليه‬
‫مذهب أهل السنة واجلماعة ِف الشقاوة والسعادة منوط مبا ميوت عليه اإلنسان ‪ ،‬فإذا رأينا إنساان‬
‫يكثر من الطاعات ويلزم املساجد وجياهد ِف سبيل هللا فال أنمن عليه أن تكون خامتته سيئة فقد‬
‫يرتد ‪ ،‬وكذلك لو رأينا إنساان كافراً عاصيا جياهر ابملعاصي والكفر والضالل ال نشهد له بعينه أنه‬
‫ِف النار ألنه رمبا يتوب ويرجع ويسلم وحيسن إسالمه ويكون من أهل اجلنة كما قال عليه الصالة‬
‫والسالم ‪ ( :‬إن أحدكم ليعمل بعمل أهل اجلنة حىت ما يكون بينه وبينها إال ذراع فيسبق عليه‬
‫الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حىت ما يكون بينه‬
‫وبينها إال ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل اجلنة فيدخلها )(‪. )1‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 51٧5‬و مسلم ( ‪) 941‬‬
‫(‪ )9‬رواه الرتمذي ( ‪ ) 411٧‬وامحد ِف الفضائل ( ‪ ) 91٧‬والبغوي ( ‪ ) 4295‬بسند صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 4144‬ومسلم ( ‪) 442‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ( ‪ ) 49٧٧‬ومسلم ( ‪) 9114‬‬

‫‪276‬‬
‫فإذا شهد نص أبن أحدا ما من أهل النار فإننا نقطع له أبنه من أهل النار قطعا ‪ ،‬كأيب هلب فإن‬
‫هللا سبحانه وتعاىل أخربان أبنه من أهل النار فقال ‪ ( :‬سيصلى انرا ذات هلب ) وإخبار هللا‬
‫سبحانه وتعاىل حق ‪ ،‬وكذلك عمرو بن حلي اخلزاعي نشهد له أبنه من أهل النار ألن الرسول عليه‬
‫الصالة والسالم قال ‪( :‬رأيت عمرو بن حلي اخلزاعي جير قصبه ِف النار)(‪ )9‬فمن ورد نص‬
‫صحيح من القرآن أو من احلديث أبنه من أهل النار أو أنه من أهل اجلنة فإننا نقطع له بعينه ‪ ،‬و‬
‫أما ما عدا ذلك فال ‪ ،‬ألن جمرد العمل ال يكفي ‪.‬‬
‫وأيدوا أهل السنة واجلماعة هذا املذهب أبمور منها ‪:‬‬
‫األمر األول ‪ :‬أن ظاهر اإلنسان ال يكفي فالبد أن يتفق الظاهر والباطن ‪ ،‬ألن العربة بعقيدة‬
‫اإلنسان وما يضمره ِف نفسه ‪ ،‬فقد يكون اإلنسان منافقا والعياذ ابهلل يصلي الصلوات ويؤدي‬
‫شعائر اإلسالم مع الناس ِف الظاهر ولكنه ِف الباطن ملحد يكفر ابهلل وبرسوله فإذا شهدان له‬
‫بعينه أنه من أهل اجلنة على ما نرى من أعماله الصاحلة وإقامته لشعائر اإلسالم نكون قد أخطأان‬
‫ألن هللا سبحانه وتعاىل علم أنه ِف الباطن غري ‪ ،‬أما ابلنسبة للحكم عليه ابإلسالم أو غريه فهذا‬
‫مناطه الظاهر ‪ ،‬يعين إذا رأينا من يؤدي شعائر اإلسالم ويقول ‪ :‬ال إله إال هللا حنكم له ابإلسالم‬
‫ظاهرا وأما ابطنه وسريرته فنكلها إىل هللا ‪.‬‬
‫األمر الثاين ‪ :‬أن العربة ابملوافاة فقد يكون اإلنسان مؤمنا ِف الظاهر يؤدي شعائر اإلسالم ومؤمنا‬
‫ِف الباطن أيضا ولكن يطرأ عليه سوء اخلامتة – والعياذ ابهلل – ينحرف ويرتد فيموت كافرا فتكون‬
‫شهادتنا له ابجلنة خمالفة ملا علمه هللا وأراده ‪ ،‬كذلك أيضا قد يكون اإلنسان كافرا ظاملا ملحدا‬
‫ابطنا وظاهرا ال يؤدي شعائر اإلسالم وال يعتقد بصحة الشرائع مث عند اخلامتة يهديه هللا ويوفقه‬
‫للخري ومين عليه ابهلداية فيتوب من كفره وضالله ويشهد أن ال إله إال هللا وأن دمحما رسول هللا‬
‫فيعمل بعمل أهل اجلنة فيكون من أهلها ‪ .‬وهذا هو أمثل األقوال وأرجحها ‪.‬‬
‫هناك قول اثن‪ :‬يقول ال نشهد ألحد جبنة وال انر إال األنبياء فقط ‪ ،‬إذا ثبتت لنا نبوة نيب قطعنا‬
‫أنه من أهل اجلنة ‪ ،‬أما غري األنبياء فال نشهد هلم وهذا متعارض مع النصوص اليت صرح عليه‬
‫الصالة والسالم هبا ألشخاص معينني أبهنم من أهل اجلنة ‪.‬‬
‫وهلذا يكون هذا املذهب بدرجة أقل من درجة املذهب األول ألنه ال يعرف له أصل يستند عليه‬
‫القائل ال تعليل وال دليل ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )9‬رواه البخاري ( ‪ ) 4594‬ومسلم ( ‪. ) 9٧51‬‬

‫‪277‬‬
‫القول الثالث ‪ :‬من يسلك مسلك أهل السنة واجلماعة ولكن يتوسعون فيه ويقولون ال نشهد‬
‫ملعني ابجلنة وال ابلنار إال ملن شهد له النص أو شهد له املسلمون ‪ ،‬إذا شهد النص من القرآن أو‬
‫احلديث قطعنا أنه من أهل اجلنة أو من أهل النار ‪ ،‬وإذا شهد املسلمون له بذلك فإننا نقطع له‬
‫أيضا ابجلنة أو ابلنار ألهنم ال جيمعون على ضاللة وألهنم شهداء هللا ِف أرضه ‪.‬‬
‫وهؤالء مستندهم أنه مرت جنازة برسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص فأثين عليها خرياً حىت تتابعت األلسن فقال رسول‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬وجبت ) قال ‪ :‬ومرت به جنازة أخرى فأثين عليها بشر حىت تتابعت األلسن فقال رسول‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬وجبت ) فقال عمر بن اخلطاب ‪ :‬اي رسول هللا ‪ :‬قلت ِف اجلنازة األوىل وجبت وقلت ِف‬
‫الثانية كذلك فقال ‪ ( :‬هذا أثنيتم عليه خريا فوجبت له اجلنة وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار‬
‫أنتم شهداء هللا ِف األرض مرتني أو ثالاث )(‪. )4‬‬

‫ولكن هذه الزايدة ال يرضاها السلف وجييبون عنها فيقولون إن قوله عليه الصالة والسالم ‪( :‬‬
‫وجبت ) ليس السبب ِف ذلك أن املسلمني شهدوا له ‪ ،‬بل السبب ِف ذلك أنه يعلم صلى هللا‬
‫عليه وسلم أن هذا من أهل اجلنة وأن هذا من أهل النار ‪ ،‬أي ليس احلامل له على أن يقول‬
‫وجبت للذي أثىن عليه اخلري وقوله لآلخر وجبت الذي أثىن عليه الشر ليس دليله على وجوب‬
‫اجلنة أو النار شهادة املسلمني بل كان يعلم هو عليه الصالة والسالم من هللا عن طريق الوحي أن‬
‫هذا من أهل اجلنة وأن هذا من أهل النار ‪.‬‬

‫يبني هذا املعىن قوله عليه الصالة والسالم ِف احلديث اآلخر ‪ ( :‬توشكون أن تعلموا أهل اجلنة من‬
‫أهل النار ) قالوا ‪ :‬مب اي رسول هللا ؟ قال ‪ ( :‬ابلثناء احلسن والثناء السيئ أنتم شهداء هللا بعضكم‬
‫على بعض )(‪ ، )9‬فقوله ‪ ( :‬توشكون ) يدل على أهنم ال يقطعون وإمنا ثناؤهم ابخلري أو ابلشر‬
‫يكون قرينة تدل على ذلك ‪ ،‬ألن أوشك ‪ :‬مبعىن قرب ‪ ،‬فتوشكون مبعىن تقربون ‪.‬‬
‫إذاً فالقول الراجح هو املذهب األول وهو أننا ال نقطع إلنسان بعينه جبنة وال انر إال إذا شهد له‬
‫النص ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 4411‬ومسلم ( ‪) 212‬‬
‫(‪ )9‬رواه ابن ماجه ( ‪ ) 1994‬و امحد ِف املسند بسند صحيح ( ‪ ) 45142‬ت الرتكي‬

‫‪278‬‬
‫( واألمن و اإلايس ينقالن عن ملة اإلسالم وسبيل احلق بينهما ألهل القبلة )‬
‫الشرح ‪ :‬األمن معناه أن أيمن اإلنسان من عذاب هللا وأيمن من مكر هللا وأيمن من أخذ هللا ‪،‬‬
‫وهذا مذهب هنجته املرجئة ‪.‬‬
‫الذين يرتكبون املعاصي ويرتكون الواجبات ويقولون ال يضر مع اإلميان ذنب معناه األمن من‬
‫عذاب هللا ‪ ،‬واألمن من عذاب هللا حمرم وال جيوز ومن أمن من عذاب هللا فإنه ينكر عليه ويبدع (‬
‫أفأمنوا مكر هللا فال أيمن مكر هللا إال القوم اخلاسرون )(سورة األعراف آية‪. )22:‬‬
‫كذلك اليأس والقنوط ‪ ،‬كون اإلنسان ييأس من ورح هللا وييأس من رمحة هللا ويقنط من رمحة هللا‬
‫ويقطع الرجاء هنائيا هذا أيضا حمرم وال جيوز ‪ ،‬بل قال بعض أهل العلم ‪ :‬إن الرجاء واخلوف‬
‫ابلنسبة للمسلم كجناحي الطائر فكما أن الطائر ال يستقيم طرياان وال يطري إال جبناحني فكذلك‬
‫الرجاء واخلوف ‪.‬‬
‫فاملسلم ال يسلم ِف دينه إال إذا كان عنده رجاء ولكن ال يصل إىل درجة األمن وعنده خوف ‪،‬‬
‫لكنه ال يصل إىل درجة اليأس ‪ ،‬يكون كالطائر الذي سلمت جناحاه فإنه يستقيم ويطري ‪.‬‬

‫أما لو قُطع أحد جناحيه فال ميكن أن يطري ‪ ،‬كذلك املسلم لو فقد األمن واعتمد على اليأس ما‬
‫نفعه ذلك ‪ ،‬أو فقد اليأس واعتمد على األمن ما نفعه ذلك ‪ ،‬فالقنوط من رمحة هللا حمرم واألمن‬
‫من عذاب هللا حمرم أيضا ‪.‬‬

‫( وال خيرج العبد من اإلميان رال جبحود ما أدخله فيه )‬


‫الشرح ‪ :‬هذه النقطة عليه – رمحه هللا – فيها مؤاخذة ‪ ،‬ومعىن كالمه هنا أنه ال شيء يكفر إال‬
‫اجلحد ‪ ،‬فاألعمال ال تكون مكفرة ‪ ،‬وهذا خالف مذهب أهل السنة واجلماعة ‪ ،‬لكن اإلمام‬
‫الطحاوية رمحة هللا من املرجئة ‪ ،‬واملرجئة ال يرون أن األعمال من اإلميان ‪ ،‬وال يكفرون مبجرد‬
‫العمل فقوله ‪ ( :‬وال خيرج العبد من اإلميان إال جبحود ما أدخله فيه ) هذا غري صحيح ‪ ،‬فقد خيرج‬
‫من اإلميان بغري جحود ‪ ،‬قد يكون مقراً غري جاحد ‪ ،‬ولكنه يرتكب شيئا من املكفرات فيكون‬
‫كافرا خارجا من اإلميان ‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫( واإلميان هو اإلقرار ابللسان والتصديق ابجلنان )‬
‫الشرح‪ :‬اإلميان مصدر آمن يؤمن إمياانً ‪ ،‬وحقيقته عند أهل السنة واجلماعة أنه اعتقاد ابلقلب‬
‫ونطق ابللسان وعمل ابجلوارح ‪ ،‬فاالعتقاد جزء من اإلميان ‪ ،‬والعمل ابجلوارح جزء من اإلميان ‪،‬‬
‫والنطق ابللسان جزء من اإلميان ‪ ،‬يعين كل واحد من هذه الثالثة يسمى إمياان حقيقة (‪. )4‬‬
‫وأما على رأي املؤلف فهو ‪ :‬اعتقاد ابلقلب ونطق ابللسان ‪ ،‬أما العمل فإنه ال يدخل عند املؤلف‬
‫– ومن سبقه من األحناف – ِف مسمى اإلميان ‪.‬‬
‫واإلميان للناس يف تعريفه وحقيقته مذاهب ‪:‬‬
‫املذهب األول ‪ :‬وهو املتمشي مع كتاب هللا وسنة نبيه وسلف األمة أنه اعتقاد ابلقلب ونطق‬
‫ابللسان وعمل ابألركان ‪ ،‬وهذا أدلته نستعرضها أن شاء هللا ‪.‬‬
‫املذهب الثاين ‪ :‬مذهب األحناف – ومنهم املؤلف ‪: -‬أنه اعتقاد ابلقلب ونطق ابللسان أما‬
‫العمل فال يدخل ِف مسمى اإلميان ‪.‬‬
‫املذهب الثالث ‪ :‬مذهب الكرامية وهو أن اإلميان جمرد النطق ابللسان فقط ‪ ،‬فاملنافق عندهم‬
‫مؤمن ‪.‬‬
‫املذهب الرابع ‪ :‬مذهب اجلهمية ‪ ،‬اجلهم بن صفوان وأتباعه ‪ ،‬وهو أن اإلميان جمرد املعرفة فقط ‪،‬‬
‫يعين أن املعرفة هي اإلميان ‪ ،‬فعلى مذهب اجلهمية ال يبقى هناك كافر ‪ ،‬ألن الكل يعرف هللا ‪.‬‬
‫أما مذهب أهل السنة واجلماعة فإنه هو املذهب الصحيح ألنه هو املذهب الذي يعضده الكتاب‬
‫والسنة ‪.‬‬
‫فمن الكتاب قوله سبحانه وتعاىل وهو أوضح األدلة ( وما كان هللا ليضيع إميانكم )(سورة البقرة‬
‫آية‪ )414:‬أمجع املفسرون من الصحابة وغريهم أن املراد ‪ :‬وما كان هللا ليضيع صالتكم ‪ ،‬ألن‬
‫سبب نزول اآلية يبني ذلك ‪ ،‬ملا حولت القبلة قال بعض الصحابة ضاع إميان إخواننا الذين ماتوا‬
‫وهم يستقبلون بيت املقدس ‪ ،‬ظنوا أن إمياهنم كان ابطال ألن القبلة الصحيحة هي الكعبة ‪ ،‬فنزل‬
‫قوله تعاىل ( وما كان هللا ليضيع إميانكم ) ومثله كثري ِف القرآن ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬بعض أهل العلم يرى أن التعريف املشهور ‪ :‬قول ابللسان واعتقاد ابجلنان وعمل ابألركان ‪ ..‬تعريف انقص ‪،‬‬
‫وذلك أن فيه ذكر اعتقاد القلب دون عمله ‪ ،‬واالعتقاد غري العمل ‪ ،‬وأن الصواب هو ‪ :‬قول القلب واللسان وعمل‬
‫القلب واللسان واجلوارح ينظر شرح الشيخ سليمان العلوان لسنن الرتمذي كتاب الصيام ابب ما جاء ِف التشديد ِف‬
‫الغيبة ‪.‬‬

‫‪281‬‬
‫ومن السنة قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪ ( :‬اإلميان بضع وسبعون شعبة أعالها قول ال إله إال هللا وأدانها إماطة األذى‬
‫عن الطريق واحلياء شعبة من اإلميان )(‪ ، )4‬فاحلياء عمل من أعمال القلب وإماطة األذى عن‬
‫الطريق عمل من أعمال اجلوارح ‪ ،‬وهذا احلديث صحيح وال كالم فيه ‪ ،‬أما األحناف فإهنم قالوا‬
‫إن هذا احلديث روي ‪:‬ب ( سبع وسبعون شعبة ) وِف لفظ آخر ( بضع وسبعون شعبة ) قالوا فهذا‬
‫يدل على اضطراب احلديث ‪ ،‬واالختالف ِف العدد ال يقدح ابحلديث إبمجاع علماء احلديث ‪،‬‬
‫ألن هذه الرواية غري الرواية األخرى ويكون بعض اخلصال الزائدة على الثالث والستني داخلة فيه ‪.‬‬
‫وأما مذهب األحناف فإهنم قالوا اإلميان هو االعتقاد ابلقلب والنطق ابللسان فقط ‪ ،‬أما عمل‬
‫اجلوارح فال يدخل ِف مسمى اإلميان ‪ ،‬وقالوا إن اإلميان واحد ‪.‬‬
‫واستدلوا على هذا أبمور منها عطف العمل على اإلميان ِف قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬إن الذين‬
‫آمنوا وعملوا الصاحلات ) قالوا َعطف العمل على اإلميان ومعلوم أن العطف يقتضي املغايرة ‪،‬‬
‫واجلواب عن هذا سهل يسري ‪ ،‬أجاب به السلف رضوان هللا عليهم فقالوا ‪:‬‬
‫إن العطف يقتضي املغايرة غالبا ‪ ،‬لكنه قد أييت العطف لغري املغايرة ‪ ،‬فقد يعطف الشيء على‬
‫نفسه العتبار من االعتبارات ‪ :‬فعطف عام على خاص أو عطف خاص على عام ‪ ،‬أو أي أمر‬
‫يقتضى ذلك يوجب أن يعطف شيء على نفسه كقوله سبحانه وتعاىل ‪( :‬من كان عدوا هلل‬
‫ومالئكته ورسله وجربيل )(سورة البقرة آية‪ )2٧:‬جربيل اآلن عُطف على املالئكة فهل جربيل غري‬
‫املالئكة ؟ جربيل من املالئكة ولكنه عُطف عليهم َعطف خاص على عام لبيان مزيته عليهم ‪،‬‬
‫ولبيان فضله عند هللا سبحانه وتعاىل ‪ ،‬إذ هو سفريه إىل رسله ‪ ،‬وإال فهو من املالئكة ‪.‬‬
‫وكذلك قوله سبحانه وتعلى (حافظوا على الصلوات والصالة الوسطى )(سورة البقرة آية‪)94٧:‬‬
‫هل الصالة الوسطى خارجة عن الصلوات اخلمس ‪ ،‬الصالة الوسطى من الصلوات اخلمس لكنه‬
‫عطفها على الصلوات من ابب عطف اخلاص على العام لتأكيد أمهية هذه الصالة وهي صالة‬
‫العصر كما هو الراجح ‪.‬‬
‫وكذلك يعطف العام على خلاص كما ِف قوله تعاىل ‪ ( :‬رب اغفر يل ولوالدي وملن دخل بييت‬
‫مؤمنا وللمؤمنني واملؤمنات )(سورة نوح آية‪ )9٧:‬فعطف املؤمنني على من دخل بيته وعلى والديه‬
‫وعطف عليهم عموم املؤمنني فدل على أن الشيء‬ ‫وهم منهم ‪ ،‬فوالديه ومن دخل بيته مؤمنون َ‬
‫يعطف على نفسه العتبارات ‪ ،‬حىت إنه ورد ِف اللغة عطف الشيء على نفسه وليس هناك مميز‬
‫للمعطوف واملعطوف عليه وال مغايرة مطلقا إال جمرد اللفظ ‪ ،‬كقول الشاعر ‪:‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 2‬ومسلم ( ‪ ) 45‬وبقية أصحاب السنن ‪.‬‬

‫‪281‬‬
‫فقـ ّددت األدمي لراهشـيه *** وألفـى قوهلـا كذاب وميـنا (‪)4‬‬
‫والكذب هو املني و املني هو الكذب ‪ ،‬ومع هذا عطف املني على الكذب الختالف اللفظ فقط‬
‫‪ ،‬فبطل استدالهلم بعطف العمل على اإلميان ‪.‬‬
‫قالوا ومن أدلة ذلك أن اإلميان يطلق ِف اللغة على التصديق كقول إخوة يوسف عليه السالم‬
‫ألبيهم ‪(:‬وما أنت مبؤمن لنا ولو كنا صادقني )(سورة يوسف آية‪ )41:‬وما أنت مبؤمن أي مصدق‬
‫‪ ،‬ولكن اجلواب عن هذا أن يقال ‪ :‬إن حقيقة اإلميان ِف اللغة التصديق (‪ ، )9‬لكن حقيقة اإلميان‬
‫شرعا ‪ :‬هو ما دل عليه الشرع ‪ ،‬وفرق بني احلقيقة اللغوية واحلقيقة الشرعية ‪ ،‬وكل حقيقة شرعية‬
‫مبنية على احلقيقة اللغوية فقوهلم ‪ ( :‬وما أنت مبؤمن لنا ) أرادوا بذلك اإلميان اللغوي ال اإلميان‬
‫الشرعي ‪.‬‬
‫والصالة ‪ :‬األصل فيها لغة الدعاء ‪ ،‬يقول الشاعر ‪:‬‬
‫وقابلها الريح يف دنّـها *** وصلى على دهنّا وارتسم (‪)3‬‬

‫أي دعا ‪ ،‬هذه احلقيقة اللغوية اليت هي الدعاء للصالة أخذها الشارع وأضاف إليها قيودا‬
‫فأصبحت حقيقة شرعية ‪ ،‬و كانت حقيقة الصالة شرعاً هي الدعاء على وجه خاص ‪ ،‬أي‬
‫الدعاء ِف الوقت الذي يبدأ فيه بتكبرية اإلحرام وخيتم ابلتسليم ‪ ،‬هذا الدعاء اخلاص مسي صالة‬
‫ألن أصل الصالة ِف اللغة الدعاء ‪.‬‬
‫وكذلك الصيام ‪ ،‬فحقيقة الصيام ِف اللغة اإلمساك مطلقاً ‪ ،‬واإلمساك عن أي عمل يسمى ِف‬
‫اللغة الصيام ‪ ،‬كقول الشاعر ‪:‬‬
‫خيل صيام وخيل غـري صائمة *** حتت العجاج وأخرى تعل اللجما (‪)1‬‬
‫يعين واقفة عن اجلري ‪ ،‬وكذلك قوله سبحانه وتعاىل حكاية عن مرمي (إين نذرت للرمحن صوماً‬
‫)(سورة مرمي آية‪ )91:‬هل هي نذرت للرمحن أن تصوم عن األكل والشرب ؟ ال ‪ ،‬نذرت أن‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬انظر لسان العرب مادة مني ‪.‬‬
‫(‪ )9‬هذا التعريف اللغوي قال به الشيخ حافظ حكمي رمحه هللا ( معارج القبول ‪ ، ) 94/ 9‬والشيخ محود جعل‬
‫التعريف الشرعي هنا مكمال للغوي مزيدا عليه بقيود خبالف املرجئة الذين اكتفوا ابللغوي ‪ ،‬وسوف ترى بعد قليل أن‬
‫الشيخ خيطئ تقييد إطالق مسمى اإلميان على التعريف اللغوي فقط دون ما أضافه إليه أهل السنة ‪.‬‬
‫(‪ )4‬ينظر معجم مقاييس اللغة مادة صلى ‪.‬‬
‫(‪ )1‬ينظر لسان العرب مادة صوم ‪.‬‬

‫‪282‬‬
‫متسك عن الكالم ‪،‬إذاً فحقيقة الصيام لغة اإلمساك مطلقاً ‪ ،‬لكن الشارع أخذ هذه احلقيقة‬
‫اللغوية وأضاف إليها قيودا فأصبحت هي حقيقة الصيام ِف الشرع ‪ ،‬فقال ‪ :‬الصيام هو اإلمساك‬
‫عن األكل والشرب و املفطرات اخلاصة من طلوع الفجر إىل غروب الشمس ‪.‬‬
‫فكل حقيقة شرعية ال بد وأن توجد فيها احلقيقة اللغوية ‪.‬‬
‫فاستدالهلم أبن اإلميان يطلق ِف اللغة على التصديق ال يصح من هذا الوجه ‪ ،‬يعين من حيث كونه‬
‫يطلق ِف اللغة فقط ‪.‬‬
‫واألحناف يسمون ابملرجئة ‪ ،‬ويقيد إرجاؤهم إبرجاء الفقهاء ‪ ،‬فيقال مرجئة الفقهاء أو يقال مرجئة‬
‫أهل السنة ‪ ،‬وقد حاول شارح الطحاوية رمحه هللا وهو حنفي أن يوفق بني مذهب أهل السنة‬
‫واجلماعة وبني مذهب األحناف وحاول أن جيعل اخلالف لفظياً ‪ ،‬ولكن أَّن له ذلك ‪ ،‬اخلالف‬
‫معنوي واضح يتبني أبن أهل السنة واجلماعة يكفرون ابلعمل أما األحناف فإهنم ال يرون العمل‬
‫مكفراً مطلقاً ال الرتكاب احملرم وال ترك الواجب ‪ .‬أما الكرامية فمذهبهم ابطل وهو أنه يلزم عليه‬
‫أن املنافقني كانوا مسلمني ألهنم يقولون ال إله إال هللا ويقرون أبلسنتهم وال ميكن أن أيتوا بدليل‬
‫يربر هذا املذهب ‪ ،‬إال ما علم من عمومات النصوص من أن ال اله إال هللا تدخل ِف اإلسالم ‪،‬‬
‫كما قال عليه الصالة والسالم ألسامة (أقتلته بعدما قال ال إله إال هللا)(‪ )4‬وحنو ذلك ‪ ،‬ولكن‬
‫هذا له شروط وله قيود وله أركان ‪ ،‬وليس جمرد النطق ابلكلمة يكفي ِف اإلميان ‪ .‬وأما املرجئة‬
‫احملضة وهم اجلهمية فإهنم ال يشرتطون التصديق ‪ ،‬يقولون إذا وجدت املعرفة ِف قلب اإلنسان فهو‬
‫مؤمن كامل اإلميان ولو أنكر وحدانية هللا وأنكر وجود هللا ‪ ،‬إذا كان يعرف هللا بنفسه فهو مؤمن ‪،‬‬
‫وألزمهم أهل السنة على هذا املذهب أبن إبليس مؤمن وأن فرعون مؤمن وأن أاب طالب مؤمن ‪،‬‬
‫قالوا ألن إبليس يعرف هللا بدليل قوله ( رب مبا أغويتين )(سورة احلجر آية‪ ، )42:‬وآايت كثرية ‪،‬‬
‫وكذلك فرعون يعرف هللا بدليل قوله سبحانه وتعاىل ( وجحدوا هبا واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً‬
‫)(سورة النمل آية‪ )41:‬يعين عرفتها نفوسهم ‪ ،‬وكذلك قوله سبحانه وتعاىل ( لقد علمت ما أنزل‬
‫هؤالء إال رب السموات واألرض )(سورة اإلسراء آية‪ )4٧9:‬وهللا لقد علمت اي فرعون ما أنزل‬
‫هؤالء اآلايت إال رب السموات واألرض وأبو طالب كذلك يعرف هللا بدليل قوله (‪: )9‬‬
‫ولقد علمت أبن دين حمـمد ***من خري أديـان الربية ديـنا(‪)3‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 1912‬ومسلم ( ‪) 21‬‬
‫(‪ )9‬انظر شرح ابن أيب العز للطحاوية ص ‪ 114‬ت الرتكي ط ‪9‬‬
‫(‪ )4‬انظر شرح ابن أيب العز للطحاوية ص ‪ 114‬ت الرتكي ط ‪9‬‬

‫‪283‬‬
‫فبطالن مذهب اجلهمية ال حيتاج إىل أن يستدل عليه بدليل ‪.‬‬
‫ومن يقول ما فيه كفر خيرج من امللة إال كفر االعتقاد فهذا ينطبق عليه مذهب املرجئة متاما (‪، )4‬‬
‫فمثال لو نبذ الشرع وراء ظهره فحكم القانون حلكمنا بكفره مبجرد العمل ‪ ،‬أما ما ِف قلوهبم – أي‬
‫احملكمني للقانون – فال علم لنا به وال عالقة له ‪ .‬هذا ملخص ما افرتق فيه الناس حول بيان‬
‫حقيقة اإلميان شرعاً ‪ ،‬وأما مسائل أخرى ِف اإلميان أتيت إن شاء هللا ‪.‬‬

‫( وأن مجيع ما أنزل هللا يف القرآن وما صح عن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص من الشرع والبيان كله حق )‬
‫الشرح ‪:‬كل ما صح من الشرع والبيان نؤمن أبنه حق هذا مذهب أهل السنة واجلماعة ‪.‬‬

‫( واإلميان واحد وأهله يف أصله سواء )‬


‫الشرح ‪ :‬هذا على منهج األحناف – مرجئة الفقهاء – اإلميان عندهم واحد وهو التصديق فقط ‪،‬‬
‫وأما النطق ابللسان فال يدخل ِف اإلميان ‪ ،‬اإلميان يقوى ويضعف ‪ ،‬كالنور لكن بعض النور أقوى‬
‫من بعض ‪ ،‬فأبو بكر وأان وأنت كلنا ِف أصل اإلميان سواء ‪ ،‬إال أن أاب بكر يفضلنا بقوة اإلميان‬
‫وبقوة التقوى ‪.‬‬
‫وال يقرون أبنه يزيد وينقص ‪ ،‬ألن اإلميان عندهم شيء واحد ‪ ،‬وإذا كان شيئاً واحداً فإنه ال يزيد‬
‫وال ينقص(‪ ، )9‬وأهله خيتلفون فيه فيما يتعلق ابلتقوى واهلدى ‪ ،‬يعين فمن كان أتقى فإميانه أقوى‬
‫‪ ،‬وال يقولون إن إميانه أكثر ألن الزايدة تكون ِف العمل والقول ومها ليسا من اإلميان(‪. )4‬‬
‫فكلما أكثر املؤمن من الذكر والتسبيح والتحميد زاد إميانه وكلما أكثر من العمل الصالة والزكاة‬
‫وحنوها زاد إميانه ‪ ،‬وإذا كانوا ال يدخلون هذه األمور ِف اإلميان فهم ال مفر هلم من أن يقولوا إنه‬
‫شيء واحد ال يزيد وال ينقص ‪.‬‬
‫فأما مذهب أهل السنة واجلماعة فأدلته كثرية من الكتاب والسنة ( إمنا املؤمنون الذين إذا ذكر هللا‬
‫وجلت قلوهبم وإذا تليت عليهم آايته زادهتم إمياانً وعلى رهبم يتوكلون )(سورة األنفال آية‪)9:‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬من بدهيات مذهب أهل السنة أهنم يكفرون ابلقول والفعل والرتك واالعتقاد والشك ‪ ،‬ينظر نواقض اإلميان القولية‬
‫والعملية للشيخ عبدالعزيز بن عبداللطيف ص ‪ 41‬وما بعدها ‪.‬‬
‫(‪ )9‬ينظر اإلميان عند السلف وعالقته ابلعمل حملمد بن حممود آل خضري ‪. 915/4‬‬
‫(‪ )4‬سبق ص ‪ 914‬قول الشيخ ‪ :‬ملا كان التصديق ال يعرف إال ابلنطق ابللسان ( يعين عند األحناف ) قالوا ‪ :‬النطق‬
‫ابللسان ركن وليس جزء من اإلميان ألنه ال يُعرف هل هو مصدق ابهلل أو ليس مبصدق ‪ ،‬أما العمل عندهم فإنه أطلق‬
‫على اإلميان جمازا ‪.‬‬

‫‪284‬‬
‫وزادهتم إمياان نص ‪ ،‬كذلك قوله ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬اإلميان بضع وسبعون شعبة ) فالتصديق واحد ‪ ،‬والرسول‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص قال ‪ ( :‬بضع وسبعون شعبة ) وهذا مما يدل على أن اإلميان غري التصديق ‪ ،‬فإذا كان بضعا‬
‫وسبعني شعبة إذاً فهو عدد ‪ ،‬وهلذا مثل بقول ‪ ( :‬أعالها قول ال إله إال هللا ) وقول ال إله إال هللا‬
‫ليس من التصديق ‪ ( ،‬وأدانها إماطة األذى عن الطريق )(‪ )4‬وإماطة األذى عن الطريق عمل من‬
‫أعمال اجلوارح ‪ ،‬مساه ‪ ( :‬اإلميان ) ‪.‬‬
‫فالنصوص كثرية ِف القرآن واحلديث على أن اإلميان يزيد وينقص ‪ ،‬أما األحناف فقالوا إنه شيء‬
‫واحد ال يزيد وال ينقص وقالوا ‪ :‬األعمال ال تكون معه وال تسمى إمياانً ‪ ،‬ال جيوزون أن يطلق على‬
‫األعمال إميان ألن حقيقة اإلميان التصديق ‪.‬‬
‫واستدلوا على هذا بقوله سبحانه وتعاىل ( إن الذين آمنوا وعملوا الصاحلات ) قالوا ‪:‬‬
‫لو كان العمل من اإلميان ملا صح عطفه عليه ‪ ،‬ألن العطف يقتضي املغايرة ‪ ،‬ورد عليهم القائلون‬
‫بزايدة اإلميان ونقصانه أبن العطف وإن كان ِف األصل للمغايرة إال أنه قد أييت وال يقصد منه‬
‫املغايرة فقد يعطف الشيء على نفسه العتبارات أخرى كقوله تعاىل ( حافظوا على الصلوات‬
‫والصالة الوسطى )(سورة البقرة آية‪ )94٧:‬فالصالة الوسطى داخلة ِف الصلوات ومع هذا عطفها‬
‫على الصلوات وكذلك قوله (من كان عدوا هلل ومالئكته ورسله وجربيل وميكال )(سورة البقرة‬
‫آية‪ )2٧:‬جربيل من املالئكة ومع هذا عطفه عليه ولكن هذا عطف خاص على عام وهو داخل‬
‫ِف ذلك العام والنكتة من عطفه لبيان ما له من القدر والفضل ‪ ،‬وجربيل من املالئكة وصالة‬
‫العصر من أفضل الصلوات فكان ذكر جربيل مرتني وذكر صالة العصر مرتني يدل على زايدة‬
‫األمهية فعطف الشيء على نفسه جائز إذا كان العطف خاصاً على عام لبيان العناية والفضل‬
‫ابملعطوف ‪ ،‬وكذلك العكس عطف العام على اخلاص كقوله سبحانه وتعاىل(رب اغفر يل ولوالدي‬
‫وملن دخل بييت مؤمناً وللمؤمنني واملؤمنات)(سورة نوح آية‪ )9٧:‬فاملؤمنني عُطفوا على من دخل‬
‫بيت النيب نوح عليه السالم وهم أعم ‪ ،‬وهذا كثري جداً وأييت ِف القرآن وغري القرآن يعطف الشيء‬
‫على نفسه ألجل بيان فضله ومزيته العامة ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 2‬ومسلم ( ‪ ) 45‬وبقية أصحاب السنن ‪.‬‬

‫‪285‬‬
‫( والتفاضل بينهم ابخلشية والتقى )‬
‫الشرح ‪ :‬مقصوده الكيفية ‪ ،‬أي القوة والضعف ‪ ،‬وليس قصده الزايدة والنقصان ‪ ،‬ألهنا ليست‬
‫عندهم كما سبق ‪ ،‬وإمنا قصده التصديق الذي يكون ِف قلب اإلنسان ويعقد عليه خيتلف من‬
‫شخص آلخر ‪ ،‬فأحد إميانه قوي جدا كمحمد عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وجربيل عليه السالم ‪،‬‬
‫وأحد إميانه ضعيف كسائر الناس ‪ ،‬فالشيء الواحد يكون قواي ويكون ضعيفا ‪ ،‬لكن ال يزيد وال‬
‫ينقص ‪ ،‬وهذا يرد عليهم ابلنصوص اليت سبق ذكر بعض منها اليت صرحت أبن اإلميان يزيد‬
‫وينقص ‪.‬‬

‫( وخمالفة اهلوى ومالزمة األوىل )‬


‫الشرح ‪ :‬خمالفة اهلوى يعين االستقامة على أمر هللا وجهاد النفس عن ارتكاب املعاصي اليت متيل‬
‫إليها النفس وهوى اإلنسان ‪.‬‬

‫( واملؤمنون كلهم أولياء الرمحن ‪ ،‬وأكرمهم عند هللا أطوعهم وأتبعهم للقرآن )‬
‫الشرح ‪ :‬املؤمنون حقاً هم أولياء الرمحن ‪ ،‬وأما أكثرهم والية فهو أطوعهم هللا سبحانه وتعاىل ‪.‬‬

‫( واإلميان هو ‪ :‬اإلميان ابهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقدر خريه وشره ‪ ،‬وحلوه‬
‫ومره من هللا تعاىل )‬
‫الشرح ‪ :‬اإلميان ابهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر واإلميان ابلقضاء والقدر ‪ ،‬هذه األصول‬
‫الستة هي اليت تضمنها حديث عمر هنع هللا يضر حينما جاء جربيل إىل النيب ملسو هيلع هللا ىلص ِف صورة رجل فقال‬
‫أخربين عن اإلسالم ‪ ،‬قال ‪ ( :‬أن تشهد أن ال إله إال هللا وأن دمحما رسول هللا وتقيم الصالة وتؤيت‬
‫الزكاة وتصوم رمضان ‪ ،‬قال جربيل ‪ :‬صدقت ‪ ،‬قال الصحابة رضوان هللا عليهم عجبنا له يسأله‬
‫ويصدقه ‪ ،‬مث قال ‪ :‬أخربين عن اإلميان قال ‪ :‬أن تؤمن ابهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر‬
‫وتؤمن ابلقدر خريه وشره )(‪. )4‬‬
‫أما اإلميان ابهلل فمعناه التصديق اجلازم الذي ال يتطرق إليه شك أبن هللا سبحانه وتعاىل موجود‬
‫وأنه متصف بصفات الكمال وأنه ال يتطرق إليه شيء من صفات النقص أو العيب ‪ ،‬وأنه املعبود‬
‫وحده دون غريه ‪ ،‬وأنه اخلالق الرازق وحده دون غريه ‪ ،‬وال يكون العبد مؤمنا ابهلل إال إذا حقق‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 1111‬ومسلم (‪.)4‬‬

‫‪286‬‬
‫هذه األمور ‪ ،‬أن يؤمن بوجود هللا وكماله وأن يؤمن بوحدانيته ِف العبادة ‪ ،‬وأن يؤمن بوحدانية هللا‬
‫ِف الربوبية ‪ ،‬فإذا أقر أبن هللا موجود وأنه كامل وأثبت له صفات الكمال ونزهه عن النقائص‬
‫والعيوب وأقر إقراراً جازما أبن العبادة خاصة ابهلل وأنه ال جيوز صرف شيء منها لغري هللا واعتقد‬
‫اعتقادا جازما أبنه ال خيلق وال يرزق وال يدبر وال يتصرف ِف العامل إال هللا سبحانه وتعاىل فقد‬
‫أصبح مؤمنا ابهلل ‪.‬‬
‫واإلميان ابملالئكة كذلك هو االعتقاد أبن هلل سبحانه وتعاىل مالئكة يدبرهم ويستعملهم فيما يشاء‬
‫سبحانه وتعاىل من األعمال ‪ ،‬وأن أعماهلم ومهماهتم خمتلفة ‪ ،‬منهم من وكل ابلقطر ومتابعة‬
‫السحاب ‪ ،‬ومنهم وكل ابلنبات ومنهم من وكل بقبض أراوح العباد ومنهم من وكل ابلوحي أييت به‬
‫من هللا إىل رسله كجربيل ومنهم من وكلوا بكتابة أعمال العباد وهم الكاتبان ومنهم من وكل حبفظ‬
‫اإلنسان وهم احلفظة ‪ .‬واملالئكة عند أهل السنة واجلماعة عباد اصطفاهم وأكرمهم خلقهم من نور‬
‫‪ ،‬وهم نورانيون علويون خمتلفون عن بين آدم ‪.‬‬
‫وهنالك فرق ضالة تفسر املالئكة بغري ما دل عليه الكتاب والسنة كالفالسفة الذين يقولون إهنم‬
‫قوى عقليه تدبر الكون ‪ ،‬وليس هلا أجسام وليس هلا عقول وهي قوة عقلية ‪.‬‬
‫كل حىت من املسلمني من أخطئوا ِف بيان حقيقة املالئكة ِف اعتقادهم ‪ ،‬ومنهم دمحم عبده‬ ‫على ٍ‬
‫الذي يسمونه اإلمام األكرب ‪ ،‬ومنهم دمحم رشيد رضا ‪ ،‬يقولون ‪ :‬إن املالئكة هم عبارة عن القوى‬
‫اليت تُ ْعمل احليوان وتُ ْعمل النبات ‪ ،‬فقوة النمو ِف النبات يقولون ‪ :‬هي من املالئكة ‪ ،‬وقوة النمو‬
‫ِف اإلنسان من مالئكة وهكذا ‪ ،‬وهذا ضالل كبري ‪.‬‬
‫العلماء إذا حبثوا اإلميان ابملالئكة تعرضوا إىل املقارنة بينهم وبني صاحلي البشر ‪ :‬أيهم أفضل فمن‬
‫املسلمني من يفضل املالئكة على صاحلي البشر ومنهم من يفضل صاحلي البشر كالرسل على‬
‫املالئكة وهذا هو مذهب أهل السنة واجلماعة(‪ ، )4‬ومن أهل السنة من مييل إىل ما ذهبت إليه‬
‫املعتزلة من تفضيل املالئكة على صاحلي البشر ‪ ،‬واملقارنة أطال عليها الكالم شارح الطحاوية ‪،‬‬
‫وذكر أدلة هؤالء وهؤالء وقارن بني هذه وهذه وانقشها بكالم ال طائل حتته ‪.‬‬
‫مث الذي يلزمنا ومكلفون به هو اإلميان بوجود املالئكة وأهنم عباد مطيعون هلل سبحانه وتعاىل ِف‬
‫أوامره ونواهيه أما هل هم أفضل أو صاحلو البشر أفضل فهذا شغل ٍ‬
‫وقت بدون فائدة ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬يقول ابن القيم رمحه هللا ‪ :‬ومن ذرية آدم من هو خري من املالئكة ‪ .‬انظر بدائع الفوائد ‪ 4552 /1‬ت علي‬
‫العمران ‪.‬‬

‫‪287‬‬
‫( وحنن مؤمنون بذل كله ال نفرق بني أحد من رسله ونصدقهم كلهم على ما جاؤوا به )‬
‫الشرح ‪ :‬وحنن مؤمنون بذلك كله مثل ما سبق من أصول اإلميان ‪ ،‬مؤمنون ابهلل مؤمنون مبالئكته‬
‫ومؤمنون بكتبه ومؤمنون برسله ومؤمنون ابليوم اآلخر ومؤمنون ابلقضاء والقدر ‪ ،‬وال نفرق بني‬
‫رسله فنقول نؤمن هبذا ونكفر هبذا ‪ ،‬كطريقة الكفار الذين يقولون ( نؤمن ببعض ونكفر ببعض )‬
‫(سورة النساء آية‪ )45٧:‬أما حنن فالواجب علينا اإلميان جبميع رسل هللا أهنم رسل من عند هللا‬
‫وأهنم أمروا بتبليغ قومهم لكن ال يلزمنا العمل برساالهتم وشرائعهم ألن شريعة دمحم صلى هللا عليه‬
‫وسلم نسخت شرائعهم ‪.‬‬

‫أما اليهود فإهنم يؤمنون مبوسى عليه السالم وينكرون رسالة عيسى ورسالة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬والنصارى‬
‫يؤمنون بعيسى عليه السالم وينكرون رسالة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص ويعارضوهنا ‪ ،‬وهذا هو الكفر ‪ ،‬وهؤالء هم‬
‫الذين يقولون ‪ ( :‬نؤمن ببعض ونكفر ببعض ) ‪.‬‬
‫ويُلحق هبذا لو رأينا إنساان حيكم بعض نصوص الشريعة ويرفض حتكيم بعضها ‪ ،‬وحيكم بدال منها‬
‫القانون فإنه داخل ِف عموم قوله تعاىل ‪ ( :‬نؤمن ببعض ونكفر ببعض )(سورة النساء آية‪)45٧:‬‬
‫فإنه إذا حكم بعض األمور كأنه آمن هبا ‪ ،‬وإذا رفض حتكيم بعض الشريعة فكأنه كفر هبا ‪ ،‬فهو‬
‫داخل ِف هذه اآلية ‪.‬‬

‫أما اإلميان ابلكتب فحقيقته االعتقاد اجلازم أبن هللا سبحانه وتعاىل أنزل إىل رسله كتباً وأمرهم‬
‫بتبليغها لقومهم ودعوهم هبذه الكتب إىل توحيد هللا وإىل شرع هللا ‪ ،‬ما ذكر مفصال فنؤمن به‬
‫مفصال ‪ ،‬فنؤمن أبن هللا نزل على موسى التوراة ونؤمن أبن هللا نزل على عيسى اإلجنيل ونؤمن أبن‬
‫هللا نزل على إبراهيم صحفا وعلى داود الزبور وعلى دمحم القرآن ‪ ،‬أما اإلمجال فهو أننا نؤمن بصحة‬
‫كل كتاب ثبت أن هللا سبحانه أنزله على نبيه ‪ ،‬نؤمن به مبعىن أننا نصدق به وليس معىن ذلك أننا‬
‫نعمل به ‪.‬‬

‫واليوم اآلخر معناه أننا نؤمن أبن هللا تعاىل سيبعث الناس يوم القيامة بعثا حقيقيا يبعث أرواحهم‬
‫وأجسادهم ‪ ،‬وأن هناك حياة أخرى يدانون فيها على أعماهلم أو جيازون ‪ ،‬وسوف أييت هلذا‬
‫استطراد إن شاء هللا ‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫( وأهل الكبائر من أمة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص يف النار ال خيلدون ‪ ،‬رذا ماتوا وهم موحدون ‪ ،‬ورن مل يكونوا‬
‫تئبني ‪ ،‬بعد أن لقوا هللا عارفني مؤمنني ‪ ،‬وهم يف مشيئته وح ْكمه ‪ ،‬رن شاء غفر هلم وعفا‬
‫عنهم بفضلة ‪ ،‬كما ذكر عز وجل يف كتابة ( ويغفر ما دون ذل ملن يشاء ) ورن شاء عذهبم‬
‫يف النار بعدله ‪ ،‬مث خيرجهم منها برمحته وشفاعة الشافعني من أهل طاعته ‪ ،‬مث يبعثهم رىل جنته‬
‫‪ ،‬وذل أبن هللا تعاىل موىل أهل معرفته ‪ ،‬ومل جيعلهم يف الدارين كأهل نكرته ‪ ،‬الذين خابوا من‬
‫هدايته ‪ ،‬ومل ينالوا من واليته ‪ ،‬اللهم اي ويل اإلسالم وأهله ثبتنا على اإلسالم حىت نلقاك به )‬
‫الشرح ‪ :‬الكبائر مجع كبرية ‪ ،‬والكبرية هي الذنب واملعصية الكبرية ‪.‬‬
‫والكبرية أصلها وصف ‪ ،‬لكن غلبت عليها االمسية وأصبحت كأهنا اسم مستقل ‪ ،‬وإال فهي صفة‬
‫السم قبلها ‪ ،‬أي املعصية الكبرية أو اخلص لة الكبرية أو ما أشبه ذلك ‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء ِف ضابط الكبرية على أقوال كثرية جداً أوصلها بعضهم إىل أربعني قوال ‪ ،‬لكن‬
‫املهم منها أن الذي عليه أهل السنة واجلماعة أن الكبرية ‪ :‬هي كل ذنب ثبت فيه حد ِف الدنيا أو‬
‫وعيد ِف اآلخرة بغضب أو لعنة أو انر ‪ ،‬كالزان والسرق ة أو الرباءة من الشخص الذي يفعل ذلك ‪،‬‬
‫كما ِف قوله ( ‪ ( :‬من غشنا فليس منها )(‪. )4‬‬
‫وهذا التعريف من أحسن ما ح ّدت به الكبرية ألمور منها ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬أنه مضطرد منعكس ‪ ،‬مبعىن أنه جامع مانع فال خيرج منه شيء من الكبائر وال يدخل معه‬
‫شيء من الصغائر ‪.‬‬
‫اثنيا ‪ :‬من مرجحات هذا التعريف أنه مروي عن السلف رضوان هللا عليهم كبعض الصحابة ‪،‬‬
‫وبعض األئمة الذين عرفوا الكبرية هبذا التعريف ‪.‬‬
‫وأما التعاريف األخرى فكلها إما أن تكون جامعة غري مانعة أو مانعة غري جامعة أو ال جامعة وال‬
‫مانعة ‪.‬‬
‫من التعاريف األخرى قول من يقول إن الكبرية هي كل ذنب اتفقت الشرائع على حترميه ‪ ،‬وهذا‬
‫التعريف غري جامع ‪ ،‬ألن الشرائع اختلفت ِف حترمي اخلمر ‪ ،‬فبعض الشرائع حترمه وبعض الشرائع‬
‫تبيحه ‪ ،‬وعلى هذا التعريف يكون شرب اخلمر صغرية ‪ ،‬ملاذا ؟ ألن الشرائع اختلفت فيه ‪ ،‬إذاً فهو‬
‫غري جامع خلصال الكبرية ‪ ،‬وهو غري مانع أيضا ‪ ،‬فإن هناك من الصغائر ما أمجعت الشرائع على‬
‫حترميها ‪ ،‬فالكذب جممع على حترميه ِف مجيع شرائع الرسل ‪ ،‬والسرقة جممع على حترميها ِف مجيع‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم ( ‪ ) 4٧4‬وأبو داود ( ‪ ) 4159‬والرتمذي ( ‪ ) 4445‬وابن ماجه ( ‪) 9991‬‬

‫‪289‬‬
‫شرائع الرسل ‪ ،‬وجند ِف شريعتنا أن من الكذب ما هو صغرية ‪،‬مثلوا هلذا فقالوا ‪ :‬لو أن إنساان‬
‫كذب كذبة صغرية ال يرتتب عليها ضرر على أحد وال فساد فإهنا تعد من الصغائر ‪ ،‬وكذلك من‬
‫السرقة ماهو صغري ‪ ،‬مثلوا لذلك فقالوا ‪ :‬لو أن أنساان سرق حبة ٍبر أو مترة من خمزن فيه مئات‬
‫األطنان ‪ ،‬قالوا هذا ليس بكبرية ‪ ،‬وإن كان سرقة لعدم تعلق البال واالهتمام به لزهادته وقلته ‪.‬‬
‫ومن الناس من قال إن الكبرية ليس هلا ضابط ‪ ،‬ألن كل ذنب كبرية ابلنسبة ملا دونه ‪ ،‬صغرية‬
‫ابلنسبة ملا فوقه ‪ ،‬وهذا خيالف ما جاء ِف القرآن واحلديث من تسمية الذنوب كبائر ‪.‬‬
‫ومنهم من قال الكبرية هي كل ذنب سد ابب املعرفة ابهلل وهذا ال ضابط له ألن الذنوب كلها قد‬
‫حتجب اإلنسان عن معرفة ربه وعن اإلقبال إليه حىت الصغائر ‪.‬‬
‫وهناك تعاريف كثرية أخرى ال يتسع اجملال الستعراضها ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬وأهل الكبائر من أمة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص ِف النار ال خيلدون إذا ماتوا وهم موحدون ) هذا أصل من‬
‫أصول أهل السنة واجلماعة ‪ ،‬أن من مات من أمة دمحم فإنه ال خيلد ِف النار ‪ ،‬بل يكون إما أن‬
‫يعامله هللا سبحانه وتعاىل بعفوه وفضله فيكفر عنه سيئاته ويدخله اجلنة من أول وهلة ‪ ،‬وإما أن‬
‫يعامله بعدله فيعذبه ِف النار بقدر ذنوبه مث خيرجه منها إىل اجلنة ‪ ،‬فمآل املوحد إذا مات وعليه‬
‫ذنوب مصر عليها – مآله إىل اجلنة ‪ ،‬سواء طهر ِف النار أو أدخل اجلنة دون تعذيب ‪ ،‬بشرط أن‬
‫ال تكون هذه الذنوب شركا ‪.‬‬
‫أما الشرك فالبد من أن أيخذ املشرك عقابه ‪ ،‬فإذا كان شركه أكرب فإنه البد له من النار والبد له‬
‫من اخللود فيها ‪ ،‬وإذا كان شركه أصغر فإنه يعذب ِف النار والبد ‪ ،‬لقوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬إن‬
‫هللا ال يغفر أن يشرك به ) ولكن خيرج من النار بعد التطهري ‪.‬‬
‫إذاً الفرق بني الشرك األصغر والكبرية أن الكبرية قد يعفى لصاحبها وقد يؤاخذ ‪ ،‬أما الشرك‬
‫األصغر فالبد أن يؤاخذ وال بد أن يطهر ِف النار بقدر شركه ‪.‬‬
‫فالفرقة األوىل ‪ :‬أهل السنة واجلماعة يقولون من مات وهو مرتكب للكبرية من غري توبة فإنه إما‬
‫أن يعفو هللا عنه وإما أن يدخله النار مث خيرجه منها إىل اجلنة ‪.‬‬
‫ومنشأ مذهبهم هو األخذ أبحاديث الوعيد وأحاديث الوعد واجلمع والتوفيق بينهما وختصيص‬
‫العام وتقييد املطلق ‪.‬‬
‫وأما غري أهل السنة واجلماعة من فرق املسلمني فإن اخلوارج يكفرون مرتكب الكبرية ابرتكابه هلذه‬
‫الكبرية ‪ ،‬خيرجونه من اإلميان وحيكمون عليه ابلكفر وخيلدونه ِف النار إذا مات من غري توبة ‪.‬‬

‫‪291‬‬
‫وأما املعتزلة فإهنم أيضاً خيرجونه من اإلميان مبقدار الكبرية ‪ ،‬ولكن ال يدخلونه ِف الكفر كما تفعل‬
‫اخلوارج ‪ ،‬وإذا أخرجوه من اإلميان منهم من يقول هو ِف املنزلة بني املنزلتني – بني اإلميان والكفر‬
‫– ال يسمى مؤمنا وال يسمى كافرا ‪ ،‬ومنهم من يقول هو فاسق ولكن ِف اآلخرة إذا مات من غري‬
‫توبة يتفقون مع اخلوارج على أنه خالد خملد ِف النار ‪.‬‬
‫ومنشأ مذهبهم أهنم أخذوا أحاديث الوعيد وأمهلوا أحاديث الوعد ونبذوها وراء ظهورهم ‪.‬‬
‫الفرقة الرابعة ‪ :‬املرجئة احملضة كاجلهم بني صفوان وأتباعه هؤالء يقولون إن الكبائر ال تضر ‪ ،‬فال‬
‫ذنب ارتكبه ‪ ،‬سواء ارتكب احملرمات أو ترك الواجبات ‪ ،‬فلو مل يصل‬ ‫يضر مع اإلميان ذنب ‪ ،‬أي ٍ‬
‫ومل حيج ‪ ،‬ولو ارتكب الزان والسرقة والقتل وشرب اخلمر وغري ذلك فإنه ال يضره ذلك كله ما دام‬
‫مؤمنا ‪.‬‬
‫واإلميان عندهم هو معرفة هللا ‪ ،‬فما دام عارفا ابهلل فال يضره ذنب ‪.‬‬
‫ومنشأ مذهبهم أهنم اعتمدوا على نصوص الوعد وأمهلوا نصوص الوعيد فلم يلتفتوا إليها ‪.‬‬

‫( ونرى الصالة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة وعلى من مات منهم )‬


‫الشرح ‪ :‬هذا هو أصل مذهب أهل السنة واجلماعة أهنم يطيعون اإلمام الشرعي – اإلمام األعظم‬
‫أو انئبه – وجياهدون معه ويؤدون اجلمع واجلماعات خلفه سواء كان برا أو فاجرا ‪ ،‬وال يردهم ِف‬
‫ذلك كونه فاسقا أو جائرا أو ظاملا ‪ ،‬فالصالة خلف األئمة الفجار هي طريقة أهل السنة واجلماعة‬
‫رضوان هللا عليهم ‪ ،‬وال يقتضي فسق اإلمام أو جوره – ال يقتضي معصيته واخلروج عليه ‪ ،‬لكن‬
‫بشرط أن يكون آمراً ابملعروف انهيا عن املنكر حمكما لكتاب هللا وسنة نبيه ملسو هيلع هللا ىلص أما إذا حصل منه‬
‫ما خيرجه من اإلسالم فإنه ال جيوز الصالة خلفه ‪ ،‬وال جتوز الصالة عليه أيضا إذا مات (‪. )4‬‬
‫واإلمام األعظم هو ‪:‬‬
‫‪ – 4‬من نصبه املسلمون – انتخبوه – إماما عليهم ‪.‬‬
‫‪ – 9‬أو من َع ِه َد له ُ‬
‫اإلمام السابق ابإلمامة ‪ ،‬ووافقه املسلمون على ذلك ‪.‬‬
‫‪ – 4‬أو من استوىل على السلطة وخضعت له األمة ‪ ،‬ودانت له ‪ ،‬وأصبح هو احلاكم ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ ) 4‬أشار الشيخ عبداللطيف بن عبدالرمحن رمحه هللا أن املؤمن قد يصلي خلف املرتدين إذا كان هلم شوكة ودولة ويعيد‬
‫صالته ‪ ،‬وقد نقل عن عبدهللا بن أمحد أن اإلمام أمحد كان يعيد صالة اجلمعة وغريها إذا صالها خلف املرتدين ‪( ،‬‬
‫الدرر السنية ‪ 199 / 4٧‬بتصرف ) ‪.‬ونقل أبو احلارث عن اإلمام أمحد النهي عن الصالة خلف املبتدع ‪ ،‬إال إذا خافه‬
‫فيصلي مث يعيد ‪ ،‬أنظر املسائل والرسائل املروية عن اإلمام امحد بن حنبل ِف العقيدة ‪ 145 / 9‬لعبداالله األمحدي‬

‫‪291‬‬
‫فمثل هؤالء الثالثة هم األئمة الذين يصلى خلفهم ‪.‬‬
‫أما إذا حصل من أحدهم ما يقدح ِف إميانه وإسالمه وخيرجه من اإلسالم ‪ ،‬كالردة ‪ ،‬أو احلكم‬
‫بغري ما أنزل هللا ‪ ،‬أو كإلزام املسلمني ابملعاصي ‪ ،‬أو هنيهم عن أداء الواجبات ‪ ،‬فإن هذا ال يصلى‬
‫خلفه ‪ ،‬كما ال يطاع ِف أمره وهنيه ‪.‬‬
‫والصالة خلف الفاسق – غري اإلمام األعظم – للعلماء رمحهم هللا خالف فيها ‪ ،‬منهم من يرى‬
‫أن الصالة خلف اإلمام الذي نصبه اإلمام األعظم وعينه إماما للناس أن الصالة خلفه صحيحة‬
‫ولو كان فاسقا ‪ ،‬وهذا القول تدل عليه العمومات ‪ ،‬كقوله ملسو هيلع هللا ىلص ملا سئل عن األئمة الفجار قال ‪:‬‬
‫( يصلون لكم فإن أصابوا فلكم وهلم وإن أخطؤا فلكم وعليهم )(‪ ، )4‬وكما جاء ِف بعض‬
‫األحاديث وإن كان فيه ما فيه ‪ ،‬قال ‪ ( :‬صلوا خلف من قال ال إله إال هللا )(‪ ، )9‬و ‪ ( :‬صلوا‬
‫خلف كل بر وفاجر )(‪ ، )4‬وكما كان السلف رضوان هللا عليهم يصلون خلف األئمة الفجار‬
‫كاحلجاج وغريه وهم يعلمون أنه جائز ظامل ‪ ،‬كل هذه األمور ترجح املذهب القائل ابلصالة خلف‬
‫اإلمام الفاسق مطلقا ‪.‬‬
‫الفسق ال يبطل صالة اإلمام الفاسق إذا صلى فصالته ِف‬ ‫ومما يرجح ذلك من حيث املعىن أن ْ‬
‫نفسه ولنفسه صحيحة ‪ ،‬ومل يقل أحد من املسلمني إن صالته ابطلة ‪ ،‬فإذا كان كذلك فمن ابب‬
‫أوىل أن تكون صالة املأموم صحيحة ‪ ،‬وهذا هو أقوى ما يؤيد به ويرجح به هذا القول ‪.‬‬
‫وهناك من الطوائف كاخلوارج واملعتزلة من يقول إن الفسق يبطل إمامة الفاسق وال يصح االئتمام‬
‫به ‪ ،‬وإذا صلى إنسان خلفه وجب عليه إعادة الصالة ‪.‬‬
‫و مسألة الصالة خلف اإلمام الفاسق هلا ابب ِف الفقه – ابب اإلمامة – ولكن علماء العقيدة‬
‫رمحهم هللا جرت العادة أهنم يذكروهنا ِف عقائدهم ‪ ،‬ألن هناك من الفرق الضالة من خيالف ِف‬
‫ذكرت ‪ ،‬كاخلوارج واملعتزلة فقد ذكر العلماء هذه املسألة ِف كتب العقائد للرد على تلك‬ ‫ذلك كما ُ‬
‫الطوائف الضالة اليت ضلت ِف هذه ملسألة ‪.‬‬
‫أما من أم الناس ِف الصالة وهو فاسق ‪ ،‬وهو ليس اإلمام وال انئب اإلمام فهذه املسألة جرى فيها‬
‫اخلالف بني الفقهاء ‪ ،‬فالبعض أجاز الصالة خلفه كاإلمام األعظم ‪ ،‬والبعض أبطلوها‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪. ) 121‬‬
‫(‪ )9‬رواه الدارقطين أبسانيد ضعيفة وقال ‪ :‬ال يثبت منها شيء ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الدارقطين والبيهقي إبسناد ضعيف ‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫وقالوا إن النصوص اليت وردت ِف احلث على االئتمام ابإلمام الفاسق كلها ختص اإلمام األعظم ‪،‬‬
‫وقالوا الصالة ابطلة ‪ ،‬ومذهب املتأخرين من احلنابلة أن الصالة ال تصح خلف اإلمام الفاسق إذا‬
‫مل يكن هو اإلمام األعظم ‪ ،‬كما أشار إىل ذلك ِف زاد املستنفع ِف قوله ‪ :‬وال تصح خلف فاسق‬
‫كالكافر(‪. )4‬‬
‫وِف املسألة أقوال للعلماء وتفصيالت ‪.‬‬
‫وكذلك الصالة على من مات من األئمة الفساق ‪ ،‬ومن الفساق غري األئمة ‪ ،‬مذهب أهل السنة‬
‫واجلماعة أن الصالة عليهم مشروعة وال جيوز ترك الصالة عليهم ‪ ،‬إال بعض الفساق كالغال‬
‫وكالقاتل لنفسه ‪ ،‬ومثل هؤالء ال يصلي اإلمام عليهم وإمنا يصلي عليهم املسلمون ‪.‬‬
‫وأما عامة فساق األمة أعين غري اإلمام وانئبه فهؤالء مذهب أهل السنة واجلماعة أن الصالة عليهم‬
‫جائزة ‪ ،‬بل هم أحوج ِف الصالة عليهم من غريهم ‪ ،‬ألن الصالة على امليت معناها الدعاء له ‪،‬‬
‫ومن مات على فسق أو ظلم فإنه أوىل أن يصلى عليه من التقي النقي الذي ال تكون حاجته إىل‬
‫دعاء املسلمني كحاجة الفاسق الظامل اجلائر من أبناء املسلمني ‪ ،‬والرسول عليه الصالة والسالم‬
‫صلى على الغامدية رضي هللا عنهما(‪ ، )9‬وعلى أمثاهلا من الذين ارتكبوا الذنوب ‪ ،‬وهلذا قال‬
‫عليه الصالة والسالم ملا قال له عمر تصلى عليها وقد زنت اي رسول هللا قال ‪ ( :‬لقد اتبت توبة‬
‫لو قسمت على سبعني من أهل املدينة لوسعتهم )(‪ )4‬واحلاصل أن الراجح والذي يتمشى مع‬
‫مذهب السلف الصالة على كل مسلم مطلقا ‪.‬‬

‫( وال ننزل أحدا منهم جنة وال انرا )‬


‫الشرح ‪ :‬هذه مسألة القطع للمعني ابجلنة أو النار ‪ ،‬هذه فيها ثالثة أقول ‪:‬‬
‫القول األول ‪ :‬قول السلف ومجهور واملسلمني أننا ال نقطع ملعني جبنة وال بنار مهما كان عمله ‪،‬‬
‫يعين لو كان انسكا عابداً جمتهدا ِف الطاعات وال نعرف عنه معصية مث مات فإننا ال نقطع له‬
‫ابجلنة وإمنا نرجو له اخلري ‪ ،‬وهلذا يقولون نرجو للمحسن وخناف على املسيء ‪ ،‬إال من شهد له‬
‫نص معصوم من القرآن أو من احلديث ينص على أن فالن ا بعينة من أهل اجلنة نقطع له بذلك ‪،‬‬
‫كما ثب ت عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال ‪ ( :‬إن سبعني ألفا من أميت يدخلون اجلنة بغري حساب وال‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬انظر حاشية الروض املربع البن قاسم ‪4٧2 – 4٧1 / 9‬‬
‫(‪ )9‬رواه مسلم (‪)4125‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪)4121‬‬

‫‪293‬‬
‫عذاب) فقام عكاشة هنع هللا يضر وقال اي رسول هللا ‪:‬أدع هللا أن جيعلين منهم ‪ ،‬قال ‪ (:‬أنت منهم )(‪، )4‬‬
‫فهذه شهادة من النيب ملسو هيلع هللا ىلص لعكاشة بن حمصن أنه من السبعني الفائزين الذين يدخلون اجلنة بغري‬
‫حساب وال عذاب ‪ ،‬إذاً فقطعنا لعكاشة أنه ِف اجلنة من شهادة النيب ملسو هيلع هللا ىلص له بذلك ‪ ،‬حىت على‬
‫الرواية األخرى أنه قال له ‪ ( :‬اللهم اجعله منهم )(‪ )9‬وهذا يدل على أنه منهم ‪ ،‬وكذلك من‬
‫األمثلة اثبت بن قيس بن مشاس هنع هللا يضر نشهد له بعينه أنه من أهل اجلنة ‪ ،‬ألنه ملا نزل قوله تعاىل ( اي‬
‫أيها الذين أمنوا ال ترفعوا أصواتكم فوق صوت النيب وال جتهروا له ابلقول كجهر بعضكم لبعض أن‬
‫حتبط أعمالكم وأنتم ال تشعرون )(سورة احلجرات آية‪ )9:‬وكان اثبت هنع هللا يضر جهوري الصوت ‪ ،‬لزم‬
‫بيته يبكي وقال حبط عملي ‪ ،‬ألنه كان يرفع صوته عند النيب ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬ففقده النيب ملسو هيلع هللا ىلص فسأل عنه‬
‫فقيل له هكذا فقال ‪ :‬ملسو هيلع هللا ىلص بل هو من أهل اجلنة (‪ ، )4‬فشهد له بعينه ‪ ،‬وكذلك اخللفاء األربعة‬
‫وبقية العشرة كل هؤالء نشهد هلم ابجلنة أبعينهم ‪.‬‬
‫وكذلك من شهد له النص أنه ِف النار فإان تقطع أبنه ِف النار بعينه كعمرو بن حلي اخلزاعي لعنه‬
‫هللا ‪ ،‬ألن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أخرب أنه رآه ليلة أسري به جير أمعاءه ِف النار ‪ ،‬فهذا نص من املعصوم عليه‬
‫الصالة والسالم أن هذا لشخص ِف النار ‪ ،‬وكذلك أبو هلب ِف قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬سيصلى‬
‫انراً ذات هلب )(سورة املسد آية‪ ، )4:‬احلاصل أن هذا القول الذي هو قول السلف ومجهور‬
‫املسلمني أننا نقطع ابجلنة ونقطع ابلنار للشخص بعينة إذا شهد له نص من القرآن أو احلديث ‪،‬‬
‫أما غريه فمهما كان عمله صاحلا أو فاسدا فال نقطع له ابجلنة وال ابلنار ‪.‬‬
‫قالوا دليل هذا املذهب أمران ‪:‬‬
‫األمر األول ‪ :‬أننا ال نعلم ماذا تكون عليه خامتة اإلنسان ‪ ،‬من يعمل عمال صاحلا ال ندري هل‬
‫يستمر عليه إىل الوفاة أو يرتكه ويرتد ويعود إىل الكفر وكذلك الكافر أو املشرك ال نقطع له ابلنار‬
‫ألننا ال نعلم ما هي احلقيقة أو احلالة اليت ميوت عليها ‪ ،‬والرسول عليه الصالة والسالم أخربان أن‬
‫العربة ابخلواتيم حيث قال ‪ ( :‬إن أحدكم جيمع خلقه ِف بطن أمه أربعني يوماً ‪ ،‬مث يكون علقة مثل‬
‫ذلك ‪ ،‬مث يكون مضغة مثل ذلك ‪ ،‬مث يرسل إليه ملك فيؤمر أبربع كلمات ‪ :‬يكتب رزقه وعمله‬
‫وأجله وشقي أو سعيد مث ينفخ فيه الروح ) مث قال ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬والذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل‬
‫بعمل أهل اجلنة حىت ما يكون بينه وبينها إال ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 51٧5‬و مسلم ( ‪) 941‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخاري ( ‪) 1514‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 4144‬ومسلم ( ‪. ) 442‬‬

‫‪294‬‬
‫فيدخلها ‪ ،‬وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حىت ما يكون بينه وبينها إال ذراع فيسبق عليه‬
‫الكتاب فيعمل بعمل أهل اجلنة فيدخلها )(‪)4‬‬
‫األمر الثاين ‪ :‬أننا ال نعلم بواطن األمور ‪ ،‬فإذا رأينا إنساان يعمل الصاحلات ويكثر منها فقد يكون‬
‫ِف الباطن خبالف ذلك فقد يعمل األعمال الصاحلات وهو منافق كافر ‪ ،‬والعكس فقد يكون‬
‫اإلنسان يرتكب املعاصي وفيه من اإلميان واخلوف والوجل واخلشية والندم ‪ ،‬وهو ِف ابطن أمره‬
‫يكفر ذلك ‪.‬‬
‫القول الثاين ‪ :‬هناك من يقول ال نقطع ملعني مطلقا إال لألنبياء والرسل فقط ‪ ،‬وهذا ال يعرف له‬
‫دليل خاص ‪ ،‬وهو قول قيل ‪.‬‬
‫القول الثالث ‪ :‬أهنم يقولون نشهد ملعني ابجلنة أو النار إذا شهد له النص أو إذا شهد له‬
‫املسلمون ‪ ،‬يضيفون إىل املنهج األول قوهلم إذا شهد املسلمون لشخص بعينه ‪ ،‬وهؤالء يستدلون‬
‫مبا ثبت عنه ملسو هيلع هللا ىلص أنه مر جبنازة فأثين عليها خريا فقال ‪ ( :‬وجبت ) ومر أبخرى فأثىن عليها شراً‬
‫فقال ( وجبت ) فقال عمر هنع هللا يضر اي رسول هللا ما وجبت فقال ‪ ( :‬هذا أثنيتم عليه خريا وجبت له‬
‫اجلنة وهذا أثنيتم عليه شراً وجبت له النار أنتم شهداء هللا ِف أرضه )(‪. )9‬‬
‫ولكن هذا احلديث جياب عنه أبن شهادة املسلمني للمعني تكون قرينه ترجح حالته اليت هو عليها‬
‫وال تكفي للقطع بدليل قوله عليه الصالة والسالم ِف احلديث اآلخر ‪ ( :‬توشكون أن تعرفوا أهل‬
‫جلنة من أهل النار ) قالوا مب اي رسول هللا قال ‪ ( :‬ابلثناء احلسن والثناء السيئ ‪ ،‬أنتم شهداء هللا‬
‫بعضكم على بعض )(‪ ، )4‬فقوله ‪ :‬توشكون يدل على أهنم ال يقطعون وأن شهادهتم ال تكفي‬
‫للقطع وإمنا هي قرينه ‪ ،‬ألن توشكون من أوشك وأوشك معناها قرب ‪.‬‬
‫فعلى هذا يكون املذهب الراجح هو األول ‪.‬‬

‫( وال نشهد عليهم بكفر وال بشرك وال بنفاق ما مل يظهر منهم شيء من ذل ونذر سرائرهم‬
‫رىل هللا تعاىل )‬
‫الشرح ‪ :‬قوله ‪ ( :‬ونذر ) ندع ونرتك سرائرهم إىل هللا سبحانه وتعاىل ما مل يظهر منهم فعل مكفر ‪،‬‬
‫فمجرد إسرافهم ِف فعل املعاصي وتفريطهم ِف الطاعات ال نشهد بكفرهم مبجرد ذلك ‪ ،‬لكن لو‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 49٧٧‬ومسلم ( ‪) 9114‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخاري ( ‪ ) 4411‬ومسلم ( ‪) 212‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن ماجه ( ‪ ) 1994‬و امحد ِف املسند بسند صحيح ( ‪ ) 45142‬ت الرتكي‬

‫‪295‬‬
‫ظهر من أحدهم فعل يكفر من املكفرات من ردة وغريها فإننا نكفره ‪.‬‬

‫( وال نرى السيف على أحد من أمة دمحم رال من وجب عليه السيف )‬
‫الشرح ‪ :‬وال نرى السيف على أحد من أمة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬وِف نسخه ‪ ( :‬وال نرى القتل على أحد من‬
‫أمة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص واملعىن واحد ‪ ،‬ومعىن ذلك أننا ال حنل دم أحد من املسلمني إال إذا أوجب الشرع‬
‫وأابح دمه ‪ ،‬كما قال عليه الصالة والسالم ‪ ( :‬ال حيل دم امرئ مسلم يشهد أال اله إال هللا وأين‬
‫رسول هللا إال إبحدى ثالث ‪:‬الثيب الزاين ‪ ،‬النفس ابلنفس ‪ ،‬والتارك لدينه املفارق للجماعة )(‪)4‬‬
‫هؤالء نرى قتلهم ودمهم مباح ‪ ،‬كما قال ذلك عليه الصالة والسالم ‪.‬‬
‫وكذلك من جحد أركان اإلسالم ورفض اإلتيان هبا فإنه يقاتل ويقتل حىت أييت هبا ‪ ،‬وكذلك اترك‬
‫الصالة عند كثري من السلف إذا تركها عمدا من غري عذر وخرج وقتها وضاق وقت ما جتمع إليه‬
‫ومل يصلها فإنه يقتل ردة ‪ ،‬هذا مذهب أمحد رمحه هللا وأصحابه و األوزاعي والثوري وكثري من‬
‫السلف ‪ ،‬يقولون من ترك الصالة عمدا من غري عذر ودعي إليها ومل يصل فإنه يقتل ردة‬

‫قوله ‪ ( :‬رال من وجب عليه شيء )‬


‫الشرح ‪ :‬يعين إال من حل قتله مبقتضى نص من نصوص الشريعة كما مثلنا ‪.‬‬

‫( وال نرى اخلروج على أئمتنا ووالة أموران ورن جاروا ‪ ،‬وال ندعو عليهم ‪ ،‬وال ننزع يدا من‬
‫طاعتهم ‪ ،‬ونرى طاعتهم من طاعة هللا عز وجل فريضة ما مل أيمروا مبعصية ‪ ،‬و ندعو هلم‬
‫ابلصالح واملعافاة )‬
‫الشرح ‪ :‬قال سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬اي أيها الذين أمنوا أطيعوا هللا وأطيعوا الرسول وأويل األمر منكم‬
‫)(سورة النساء آية‪ )52:‬فطاعة ويل األمر عند السلف رضوان هللا عليهم واجبة ما مل أيمر مبعصية ‪،‬‬
‫وال يكفي جمرد ظلمه أو جوره وفسقه ملعصيته واخلروج عليه ‪ ،‬ولكن إذا حصل منه ما يضر‬
‫ابإلسالم كتعطيله للجهاد وكتعطيله للحدود وكأمره للناس ابملعاصي أو إابحتها للناس ‪ ،‬أو كنهي‬
‫الناس عن احلج وغريه ‪ ،‬أو ارتد أبي فعل من أفعال الردة كتحكيم القوانني ونبذ الكتاب والسنة أو‬
‫ما أشبه ذلك ‪ ،‬فمثل هذا ال يطاع وخيرج عليه إذا أمكن ‪ ،‬إذا قدرت األمة على اخلروج عليه وقد‬
‫وصل إىل هذه الدرجة فلهم ذلك ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 1٧1٧‬ومسلم ( ‪ ) 4111‬وغريمها ‪.‬‬

‫‪296‬‬
‫وطاعة والة األمور وبذل الطاعة هلم حيصل به اجتماع األمر وعدم الفنت وعدم التفرق وعدم‬
‫الشقاق ‪ ،‬وهذه املصلحة مصلحة أكرب من املفسدة اليت هي فسقهم أو ظلمهم أو معصيتهم ‪،‬‬
‫لكن إذا كانوا يتعاطون ما يضر أبصول اإلسالم فإهنم ال يطاعون ِف ذلك وهلذا ورد وعيد عنه‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص ِف ذلك حيث قال ‪ ( :‬خيار أئمتكم الذين حتبوهنم وحيبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم‬
‫‪ ،‬وشرار أئمتكم الذين تبغضوهنم ويبغضونكم وتلعنوهنم ويلعنونكم ) ‪ :‬قالوا اي رسول هللا ‪ :‬أفال‬
‫ننابذهم ابلسيف ؟ قال ‪ ( :‬ال ‪ .‬ما أقاموا فيكم الصالة )(‪ )4‬يعين ما بقوا على اإلسالم وحتقيق‬
‫واجباته والنهي عن ارتكاب احملرمات من ارتكاب املعاصي وغريها ‪.‬‬
‫هللا املستعان ‪ ،‬أئمة اليوم ما فيهم أحد ينطبق عليه هذا احلديث ‪ ،‬كلهم حيكمون القوانني ويعطلون‬
‫اجلهاد وحيتقرون القرآن والسنة ‪ ،‬ويوالون الكفار أعداء هللا وحيبوهنم ورمبا فضلوهم على املؤمنني‬
‫وقدموهم عليهم ‪ ،‬وقدموا آراءهم على آراء املسلمني الصاحلني فهذا كله يطعن ِف إمامتهم ويقدح‬
‫فيها ‪.‬‬

‫( ونتبع السنة واجلماعة وجنتنب الشذوذ واخلالف والفرقة )‬


‫الشرح ‪ :‬السنة ِف اللغة معناها الطريقة ‪ ،‬وتطلق ِف الشرع على اطالقات كثرية ‪:‬‬
‫تطلق اترة ويراد هبا ضد البدعة ‪ ،‬فيقال هذا األمر سنة وهذا األمر بدعة ‪.‬‬
‫وتطلق اترة ِف مقابل الكتاب ‪ ،‬فيقال هذا األمر اثبت ِف السنة وهذا األمر اثبت ِف الكتاب ‪.‬‬
‫وتطلق اترة ِف مقابل الفرض ‪ ،‬فيقال هذا األمر فرض وهذا األمر سنة ‪.‬‬
‫فأما السنة اليت يطلقوهنا ِف مقابل البدعة فرياد هبا طريقة السلف ‪.‬‬
‫وأما السنة اليت تطلق ِف مقابل القرآن فاملراد هبا أقواله وأفعاله وتقريراته ملسو هيلع هللا ىلص فأي فعل فعله فهو من‬
‫السنة ما مل يثبت بيان اختصاصه بذلك كالوصال مثال ‪ ،‬وأي قول قاله أو أمر به فهو سنة ‪ ،‬وأي‬
‫فعل فُعل عنده وأقره فهو من السنة أيضا ‪.‬‬
‫وأما السنة اليت تطلق ِف مقابل الواجب والفرض فهي التنفل الذي يؤديه املسلم نفال ‪ ،‬يكون‬
‫مسنوان ومطلواب منه ومندواب إليه ال على سبيل الوجوب بل على سبيل االستحباب ‪.‬‬
‫والذي يريده املؤلف هنا ِف قوله ‪ ( :‬ونتبع السنة ) يريد ابلسنة ما يقابل البدعة ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬اجلماعة ) اجلماعة ِف اللغة هم ما زادوا على اثنني فأكثر ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم ( ‪ ) 4٧55‬وأبو داود ( ‪ ) 111٧‬وغريمها‪.‬‬

‫‪297‬‬
‫وِف الشرع ما اجتمع عليه املسلمون ‪ ،‬أو مجاعة املسلمني ‪ ،‬وال ينظر لكثرهتم أو قلتهم بل من كانوا‬
‫على احلق فهم اجلماعة ‪ ،‬ولو كانوا قليال ولو كان الذي على احلق واحداً فهو اجلماعة كما قال‬
‫سبحانه وتعاىل عن إبراهيم عليه الصالة والسالم ( إن إبراهيم كان أمة قانتاً هلل حنيفاً ومل يك من‬
‫املشركني )(سورة النحل آية‪ )49٧:‬علما أبن إبراهيم واحد ولكن ملا كان على احلق وصف أبنه‬
‫أمة ‪ ،‬فاجلماعة هم من كانوا على احلق ‪ ،‬سواء أكانوا أكثر من غريهم أو أقل من غريهم ‪.‬‬

‫والكثرة غالبا تكون خبالف الصواب كما قال سبحانه وتعاىل ( وإن تطع أكثر ِف األرض يضلوك‬
‫عن سبيل هللا )(سورة األنعام آية‪ )441:‬فالكثرة ليست عربة ِف اإلتباع واألخذ بل العربة ابإلتباع‬
‫واألخذ هو ما كان عليه السلف الصاحل ومثله عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬وقد أشار عليه الصالة والسالم إىل‬
‫هذا املعىن ِف قوله ‪ ( :‬افرتقت اليهود على إحدى وسبعني فرقه وافرتقت النصارى على ثنتني‬
‫وسبعني فرقه وستفرتق هذه األمة على ثالث وسبعني فرقه كلها ِف النار إال واحدة )(‪ )4‬قيل من‬
‫هم اي رسول هللا ؟ قال ‪ ( :‬من كان على مثل ما أان عليه اليوم وأصحايب )(‪ )9‬وجاء ِف بعض‬
‫ألف اظ احلديث أنه قال ‪ ( :‬وهي اجلماعة )(‪. )4‬‬
‫أما قوله ‪ ( :‬الشذوذ واخلالف ) فهو خمالفة املسلمني والشذوذ عن طريقهم ‪ ،‬ألن اتباع مجاعة‬
‫املسلمني أصل من أصول أهل السنة واجلماعة – يتبعون اجلماعة وجيتنبون الفرقة واخلالف‬
‫والشذوذ ‪.‬‬

‫قوله ‪ ( :‬والفرقة ) معناها ما يقتضي تفرق املسلمني أو يقتضي إيقاع خالف بني املسلمني ِف أمر‬
‫من األمور ‪ ،‬والشذوذ عن طريقة السلف رضوان هللا عليهم ‪ ،‬والتفرق مذموم شرعا ( إن الذين‬
‫فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم ِف شيء )(سورة األنعام آية‪ ( ، )452:‬واعتصموا حببل هللا‬
‫مجيعا وال تفرقوا )(سورة آل عمران آية‪ ، )4٧4:‬وكثري ِف القرآن ذم الفرقة ألهنا حتدث ضعفا ِف‬
‫األمة وانشقاقا وشرخا ِف قوة األمة ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه امحد ِف املسند ( ‪ ) 499٧٧ ، ٧421‬والرتمذي ( ‪ ) 911٧‬وقال حديث حسن صحيح ‪ ،‬قال ابن تيمية‬
‫( جمموع الفتاوى ‪ : ) 415/4‬احلديث صحيح مشهور ِف السنن واملسانيد ‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه الرتمذي ( ‪ ) 9114‬وسنده حسن ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود ( ‪ ) 1521‬والدرامي ‪ 914/9‬وامحد ( ‪ ، ) 41241‬وابن ماجه ( ‪. )4229‬‬

‫‪298‬‬
‫واملسلمون كانوا ِف عصر الصحابة رضوان هللا عليهم ومعظم التابعني على السنة إىل أن ظهرت‬
‫رؤوس البدع اليت حرفتهم عن السنة وأوجدت الفرقة واخلالف كما حصل من الذين أحدثوا مذهب‬
‫القدرية ِف األمة ومن الذين أحدثوا مذهب الروافض ومذهب اخلوارج وغريهم هؤالء جاءوا بعد‬
‫عصر الصحابة رضوان هللا عليهم وإن كان بعض البدع والشبه والضالالت وجدت ِف عصر‬
‫الصحابة كنفي القدر ‪ ،‬بل وجذور هذه البدع كانت موجودة ِف عصر النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪:‬‬
‫فشبهة القدرية ونفي القدر كانت موجودة كما ِف قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬الذين قالوا إلخواهنم لو‬
‫أطاعوان ما قتلوا )(‪ )4‬هذا دليل على نفي القدر و أهنم ما أقروا ابلقدر ولكن قالوا ‪ ( :‬لو أطاعوان‬
‫ما قتلوا ) معناه أهنم ما التفتوا إىل القضاء والقدر وما نظروا إليه وال أيقنوا أبن ذلك أمر مقدر‬
‫عليهم ‪.‬‬
‫وكذلك شبهة اجلربية أصلها موجود ِف قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬وقال الذين أشركوا لو شاء هللا ما‬
‫أشركنا وال آابؤان وال حرمنا من شيء ) فقوهلم هذا يساوي قول اجلربية متاما ‪ ،‬ألن معىن اآلية أهنم‬
‫يقولون لو شاء هللا عدم إشراكنا ما أشركنا ولكنه شاء إشراكنا فأشركنا ‪ ،‬فهم حيتجون على جواز‬
‫الشرك ابلقضاء والقدر كونه أمراً مقدراً عليهم ‪.‬‬

‫وكذلك شبهة اخلوارج ظهرت بذورها ِف عهده ملسو هيلع هللا ىلص حينما قال ذو اخلويصرة ‪ :‬اي دمحم اعدل فإنك‬
‫مل تعدل ‪ ،‬فقال عليه الصالة والسالم ‪ ( :‬ويلك من يعدل إذا مل أعدل )(‪ )9‬وِف لفظ قال ‪( :‬‬
‫خيرج من ضئضئ(‪ )4‬هذا الرجل قوم ميرقون من اإلسالم كما ميرق السهم عن الرمية )(‪ ، )1‬يعين‬
‫اخلوارج ‪ ،‬فأصول الشبهة موجودة على عهده ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬وظهر بعضها ِف عصر الصحابة ولكن‬
‫ظهورها كمذاهب هلا أصول وهلا قوانني وهلا أئمة جاء متأخرا كما ظهرت بدعة املعتزلة ِف أئمة‬
‫املعتزلة كواصل بن عطاء وأيب هذيل العالف وعمرو بن عبيد وغريهم ‪ ،‬فظهور بدعة اخلوارج كان‬
‫ِف عهد علي هنع هللا يضر ِف أواخر عهد الصحابة حينما خرجوا عليه وقاتلوه ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫ت إِ ْن ُكْن تُ ْم‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )4‬يشري إىل قوله تعاىل (الَّ ِذين قَالُوا ِِإلخواهنِِم وقَع ُدوا لَو أَطَاع َ ِ‬
‫وان َما قُتلُوا ۗ قُ ْل فَ ْاد َرءُوا َع ْن أَنْ ُفس ُك ُم الْ َم ْو َ‬‫َْ ْ َ َ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ني)[سورة آل عمران ‪]41٧‬‬ ‫ِِ‬
‫صادق َ‬
‫َ‬
‫(‪ )9‬رواه البخاري ( ‪ ) 414٧‬ومسلم ( ‪) 4٧11‬‬
‫(‪ )4‬أي من أصله ونسله ‪ .‬أنظر اللسان مادة ضأضأ ‪ .‬وذكر لنا الشيخ محود رمحه هللا ِف أحد دروسه أن عمود الظهر‬
‫يسمى ضئضئ ‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )4411‬ومسلم (‪. )4٧11‬‬

‫‪299‬‬
‫وكذلك بدعة الرافضة أيضا خرجت ِف أواخر عهد الصحابة حينما دعا إليها اليهودي الذي جاء‬
‫مدعيا اإلسالم ومسى نفسه عبد هللا بن سبأ ‪ ،‬فهذا وقت ظهورها وهو الذي تبناها ‪ ،‬علما أبنه‬
‫أول من قاد الناس إىل بدعة اخلوارج فإنه أول من خطط للخروج وقاد الناس حينما دعا إىل الثورة‬
‫على عثمان هنع هللا يضر وقاد أهل الشام وبعض املتمردين للثورة املسلحة عليه هنع هللا يضر ‪ ،‬حىت قتلوه وخلعوه‬
‫من احلكم ‪.‬‬
‫احلاصل أن السنة واجلماعة هي الطريقة اليت كان عليها النيب ملسو هيلع هللا ىلص وأصحابه ‪.‬‬

‫( وحنب أهل العدل واألمانة ونبغض أهل اجلور واخليانة )‬


‫الشرح ‪ :‬العدل واألمانة معنامها أن يكون اإلمام عادال أمينا على حقوق األمة ‪ ،‬واجلور واخليانة‬
‫معناه أن يكون اإلمام جائرا ظاملا وخائنا ألمته ودينه ‪ ،‬فهو يقول حنب هؤالء ونبغض هؤالء ‪،‬‬
‫وليس معىن قوله ‪ ( :‬نبغض أهل اجلور واخليانة ) ما يفهم منه أنه يدعوا إىل اخلروج على اإلمام إذا‬
‫جار أو ظلم أو خان ‪ ،‬وإمنا يبني أنه ال تالزم بني السمع والطاعة لإلمام وبني بغضه ‪ ،‬فإنه يكون‬
‫إماماً شرعياً ولو كان يبغضه املسلمون لظلمه وجوره وخيانته ‪ ،‬ألن هذا ال يقدح ِف إمامته ويبيح‬
‫اخلروج عليه ‪.‬‬
‫لكن اخليانة ختتلف ‪ ،‬إذا كانت اخليانة تضر اإلسالم ومسرية اإلسالم أبن كانت اخليانة هي تقريب‬
‫الكفار ومواالهتم واالعتماد عليهم دون املسلمني ‪ ،‬أو كانت اخليانة معناها تعطيل شرائع هللا‬
‫وإبداهلا بتحكيم القوانني فهذه اخليانة تبيح اخلروج على اإلم ام ‪.‬‬
‫أما اخليانة اليت معناها أخذ أموال الناس أو حماابته ِف الوظائف أو األعمال فهذه خيانة ولكنها ال‬
‫تقتضي الثورة عليه واخلروج عليه ‪.‬‬

‫( ونقول هللا أعلم فيما اشتبه علينا علمه )‬


‫الشرح ‪ :‬يعين ما علمناه قلنا به واعتقدانه وحكمنا به ‪ ،‬وما اشتبه علينا علمه نرد علمه إىل عامله‬
‫كما أشار سبحانه إىل ذلك ِف قوله ( فأما الذي ِف قلوهبم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة‬
‫وابتغاء أتويله )(سورة آل عمران آية‪ )1:‬وكما جاء عن عائشة اهنع هللا يضر أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال ‪ ( :‬إذا رأيتم‬
‫الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين مسى هللا فاحذروهم )(‪ )4‬يعين مساهم بقوله تعاىل ‪( :‬‬
‫وأما الذين ِف قلوهبم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة ) ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 1511‬ومسلم ( ‪. ) 9115‬‬

‫‪311‬‬
‫احلاصل أن املسلم جيب عليه جتاه نصوص القرآن واحلديث أنه إذا علم معىن النص اعتقده إن كان‬
‫عقيدة ‪ ،‬أو عمل به إن كان شريعة ‪ ،‬أو صدقه إن كان خربا ‪ ،‬وإذا اشتبه عليه ذلك فإنه يرد إىل‬
‫هللا ‪ ،‬فيقول هللا أعلم بذلك ‪.‬‬

‫واملؤلف يشري رمحة هللا إىل ما حدث لألمة من التفرق واالشتباه بسبب الشبة اليت ْتع ِرض للناس ‪،‬‬
‫فمن أجل هذا االشتباه ومن أجل عدم رده للمحكم يقع العبد ِف اخلطأ ‪ ،‬سواء كان خطأ‬
‫اعتقاداي أو خطأ شرعياً ‪ ،‬فعلينا اإلميان مبا علمناه والتصديق به والعمل به ‪ ،‬وعلينا جتاه املتشابه أن‬
‫نرده إىل هللا سبحانه وتعاىل إال إذا أمكن تبيينه ابحملكم فإننا نرده إىل احملكم ونبينه به ‪.‬‬

‫( ونرى املسح على اخلفني يف السفر واحلضر كما جاء يف األثر )‬


‫الشرح ‪ :‬املسح على اخلفني مسألة فرعية فقهية حمضة ‪.‬‬
‫وهلذا يُسأل ‪ :‬ملاذا ذكر املؤلف رمحه هللا مسألة املسح على اخلفني ِف املعتقد وهي من مسائل الفقه‬
‫؟‬
‫جياب عن هذا كما قلت ِف مسألة اإلمامة ‪ :‬أنه ملا كان هناك من يعارض أو ينكر هذه السنة‬
‫الثابتة كالرافضة جرت عادة املؤلفني ِف املعتقدات أن يذكروا هذه املسألة ليبينوا أن السنة األخذ هبا‬
‫وأن عدم إتباعها من عالمات االبتداع و الرفض ‪.‬‬
‫واملسح على اخلفني اثبت عنه ملسو هيلع هللا ىلص ِف أحاديث كثرية ‪ ،‬قال اإلمام أمحد رمحه هللا ليس ِف نفسي‬
‫شي من املسح ‪ ،‬فيه أربعون حديثا عن النيب(‪ )4‬ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬وذهب اجلمهور إىل أن أحاديث املسح من‬
‫قسم املستفيض ‪ ،‬ولكن ذهب علماء احلديث إىل أهنا من املتواتر ولذا ذكرت مع بعض املسائل‬
‫اليت ذكر أهنا متواترة ‪ ،‬وقد مجعها بعضهم ِف بيتني ‪:‬‬

‫مما تواتر حديث من كذب‬


‫ومن بىن هلل بيتـا واحتسب‬
‫شفـاعة ورؤية واحلـوض (‪)1‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬انظر املغين البن قدامة ‪ 414/4‬ت الرتكي ‪.‬‬
‫(‪ )9‬ينظر نظم املتناثر من احلديث املتواتر حملمد بن جعفر الكتاين ‪4٧ / 4‬‬

‫‪311‬‬
‫مما تواتر عند هذا الناظم حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعدة من النار )(‪ )4‬وحديث ‪:‬‬
‫( من بنا هلل بيتا بىن هللا له بيتا ِف اجلنة )(‪ )9‬وكذا الشفاعة ورؤية هللا سبحانه ‪ ،‬وحوض نبينا دمحم‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬هذه األمور يرى صاحب هذا النظم أهنا من املتواتر ‪ ،‬وكذا أحاديث املسح فقوله ‪ :‬ومسح‬
‫اخلفني وهذى بعض ‪ .‬أي هذه بعض ما جاء متواترا عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪.‬‬

‫واملسح على اخلفني تدرس ِف ابب املسح على اخلفني ِف الفقه ‪ ،‬والقواعد الثابتة أن املسح سنة ‪،‬‬
‫وأنه للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثالثة أايم بلياليها ‪ ،‬وأن ذلك يكون ِف احلدث األصغر وأما‬
‫احلدث األكرب فالبد فيه عند االغتسال من خلع اخلفاف ‪ ،‬والبد أن يكون اخلف مباحا طاهرا‬
‫ساترا ‪ ،‬وأن يكون لبسه على ط هارة ‪.‬‬

‫وهناك مسائل كثرية خالف فيها املبتدعة أهل السنة واجلماعة وذكرت ِف املعتقدات ‪ ،‬منها مسألة‬
‫اإلمامة ومسألة املسح على اخلفني كما ذكران ‪ ،‬وهناك مسائل أخرى كاحلج واجلهاد مع اإلمام‬
‫لكن اليت يشتهر فيها اخلالف مع املبتدعة هي اليت يذكرها أهل العلم ِف معتقداهتم ‪.‬‬

‫( واحلج واجلهاد ماضيان مع أويل األمر من املسلمني برهم و فاجرهم رىل قيام الساعة ‪ ،‬ال‬
‫يبطلهما شيء وال ينقضهما )‬
‫الشرح ‪ :‬أي قيادة اإلمام للمسلمني ِف احلج ‪ ،‬هذا أمر واجب عند أهل السنة واجلماعة البد‬
‫للمسلمني من إمام يقودهم ويدبر أمرهم فيه ‪ ،‬وال ينقطع هذا الوجوب إىل قيام الساعة ‪ ،‬وكذلك‬
‫اجلهاد ‪.‬‬
‫واجلهاد واجب مع كل إمام براً كان أو فاجراً ‪ ،‬ال يشرتط لإلمام أن يكون تقيا براً ‪ ،‬ال ِف مسألة‬
‫اجلهاد وال ِف مسألة احلج وال ِف مسألة إمامة اجلمع واجلماعات بل إذا كان إماما للمسلمني أو‬
‫انئبا إلمام املسلمني فإنه يصلي ابلناس وحيج هبم ويقودهم ِف اجلهاد ولو كان فاجرا ‪ ،‬ألن املصلحة‬
‫تقتضي ذلك ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 44٧‬ومسلم ( ‪. ) 4‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخاري ( ‪ ) 15٧‬ومسلم ( ‪.) 544‬‬

‫‪312‬‬
‫واجلهاد هو ركن من أركان اإلسالم فال يتم إسالم بدون جهاد ‪ ،‬وهو دائم مستمر ال ينقطع حىت‬
‫تقوم الساعة كما أخرب عليه الصالة والسالم أن اهلجرة ابقية إىل قيام الساعة(‪ )4‬واهلجرة من‬
‫اجلهاد – مهاجرة اإلنسان من بالد الكفار إىل بالد املسلمني نوع من اجلهاد ‪ ،‬وجهاد الكفار‬
‫كذلك واجب ‪ ،‬مات النيب ملسو هيلع هللا ىلص وهو واجب وفرض مل ينسخه شيء ‪.‬‬
‫ووجوب اجلهاد على الكفاية ‪ ،‬يعين جيب على املسلمني عموما أن جياهدوا لكن وجوب كفائي إذا‬
‫قام ابجلهاد من يكفي من األمة سقط التكليف واإلمث عن الباقني ‪ ،‬إال ِف بعض احلاالت يكون‬
‫فيها اجلهاد فرض عني ‪:‬‬

‫احلالة األوىل ‪ :‬لو استنفر اإلمام شخصا بعينه وجب عليه النفور وااللتحاق ابجملاهدين ‪.‬‬

‫احلالة الثانية ‪ :‬إذا حضر املسلم املعركة وجب عليه نصرة املسلمني ‪ :‬إذا قامت معركة بني املسلمني‬
‫والكفار وحضرها بعض من املسلمني وجب عليهم الدخول والقتال مع إخواهنم املسلمني ‪ ،‬وال‬
‫يقولون هذا فرض كفاية وإخواهنم فيهم كفاية ‪ !.‬ال ‪ .‬حىت لو كان فيهم الكفاية ‪ ،‬إذا حضروا‬
‫تالحم الصفوف واملعارك فإنه جيب عليهم وجواب عينيا ‪.‬‬

‫احلالة الثالثة ‪ :‬إذا حاصر العدو البلد ‪ ،‬وخيف من سقوطها بيده فإنه جيب على كل مسلم بعينه‬
‫أن يقوم ويشارك ِف الدفاع عن البلد ‪.‬‬
‫أما ِف غري هذه املسائل الثالث فاجلهاد فرض كفاية إذا قام به من يكفى سقط اإلمث عن الباقني ‪.‬‬
‫وملا كان اجلهاد هو أساس قيام دولة املسلمني و نصرهتم ‪ ،‬وهو الذي به تقوى األمة كان أعداء‬
‫اإلسالم حياولون إيقاف اجلهاد و إضعافه أو تعطيله ‪ ،‬وهلذا جتد أعداء اإلسالم يوجدون مجاعات‬
‫وفرق تدعوا إىل تعطيل اجلهاد ‪ ،‬كالقاداينية ‪ ،‬فإن من أصول القاداينية تعطيل اجلهاد وعدم‬
‫الوقوف ِف وجه الدولة ‪ ،‬فقالوا جيب على الناس أن يهملوا اجلهاد ويعطلوه فال يكون له أثر وال‬
‫مكان ‪.‬‬
‫ومن الفرق اليت تدعوا إىل ذلك مجاعة التبليغ ‪ ،‬فإن من األصول اليت تدعو إليها تعطيل اجلهاد‬
‫وإيقافه ‪ ،‬وأن يكتفى عن اجلهاد ابخلروج للقرى واألرايف وغريها للدعوة وتذكري الناس ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬روى أمحد ( ‪ ) 412٧1‬وأبو داود ( ‪ ) 9112‬والنسائي ( ‪ ) 1419‬أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬ال تنقطع اهلجرة ما قوتل‬
‫الكفار ) ‪.‬‬

‫‪313‬‬
‫وكال الفرقتني حدوثهما كان من مؤامرات اإلجنليز (‪ ، )4‬فإن اإلجنليز هم الذين أوجدوا القاداينية‬
‫ِف اهلند وابكستان وهم الذين أوجدوا مجاعة التبليغ ودعوا إليهما ِف اهلند وابكستان أيضا ‪ ،‬وألهنم‬
‫كانوا يعرفون أمهية اجلهاد ويعلمون حتمس املسلمني للجهاد قاوموه إبحداث فرق تدعو إىل تعطيله‬
‫وإيقافه ‪.‬‬

‫وال يقوم أمر املسلمني بدون اجلهاد إطالقا ‪ ،‬وال ينفع ِف املسلمني سواه ‪ ،‬وهو هدفهم ومطلبهم ‪،‬‬
‫ألن دولتهم ما قامت إال على اجلهاد ‪ ،‬وهلذا ملا كادت تبدأ املعركة بني املسلمني والروم ِف غزوة‬
‫مؤتة ورأى الروم صرامة املسلمني وحبهم للقتال وحرصهم على بدء املعركة أرسلوا رسوهلم إىل خالد‬
‫بن الوليد فقال الرسول خلالد ‪ :‬يقول لك القائد حنن نعلم أنكم ما أخرجكم من بالدكم إال احلاجة‬
‫واجلوع وطلبكم للرزق فهل لكم أن نعطيكم أمواال لكم وألمريكم الذي أرسلكم وتكون عادة لكل‬
‫سنة ؟ فقال خالد ‪ :‬قل له إنه واهم ِف ظنه هذا ‪ ،‬حنن ما خرجنا إال للجهاد ‪ ،‬حنن قوم حنب دماء‬
‫أعدائنا الكفار ‪ ،‬وقد ذكر لنا أنه ال أحلى من دم الروم فجئنا لنشرب من دمهم ‪ ،‬فلما مسع قائد‬
‫الروم هذا الكالم اهنارت معنوايهتم وضعفت ‪ ،‬وحصلت املعركة وأسفرت عما تعلمون ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬جلأ احملتل الصلييب االجنليزي لبالد اهلند قبل قرنني تقريبا إىل بعض من يتظاهر ابلعلم لكي يستصدروا منهم فتوى‬
‫تقول أبن اجلهاد ِف حالة عدم التكافؤ بني قوة املسلمني وقوة احملتل عبارة عن عبث ومضيعة للنفس واملال ‪ ،‬وأن‬
‫املستعمر مادام أنه ال يتدخل ِف الصالة وأداء الفرائض فال تكون البالد اإلسالمية احملتلة بالد حرب ‪ ،‬وكان الغرض من‬
‫هذه الفتوى هو إبطال الفتوى القدمية اليت أصدرها الشيخ شاه عبدالعزيز الدهلوي ابن اإلمام ويل هللا الدهلوي ( ت‬
‫‪ ) 4942‬سنة ‪ 4٧٧4‬م واليت تقول أبن دار اإلسالم إذا احتلها الكافر فهي دار حرب ‪ ،‬ولو أقيمت فيها الصالة‬
‫والشعائر اإلسالمية ‪ ،‬وقد كون املسلمون هبذه الفتوى جيشا حلرب االجنليز والسيك حىت وقفت ضدهم القاداينية‬
‫وغريها بعد وعد الصليبيني هلؤالء اخلونة ووعيدهم ‪.‬‬
‫واجلدير ابلذكر أن الصليبيني أثروا على أولئك املسرتزقة لكي حيرضوا بعض علماء مكة املهاجرين من اهلند ليؤيدوا‬
‫فتواهم مبنع اجلهاد ‪ ،‬وفعال أصدرت تلك الفتوى عام ‪ 4٧1٧‬م بتوقيع تسعة منهم ‪ ،‬وهي فتوى تدل على مدى ختوف‬
‫احملتل الصلييب من نشر فقه اجلهاد بني املسلمني ‪.‬‬
‫وفتوى الشيخ شاه ويل هللا موجودة ِف كتاب ( فتاوى عزيزية ) للشاه عبدالعزيز ابللغة الفارسية طبع دهلي ص ‪– 41‬‬
‫‪ ، 41‬وِف كتاب ( اتريخ اإلسالم ِف اهلند ) ‪ .‬وِف فتاوى الشيخ عبدالرمحن السعدي ص‪ ٧1‬ذكر أن البحرين والعراق‬
‫إابن احتالل االجنليز السابق تعتربان دار حرب وإن كان هبا كثري من املسلمني ألن احلكم فيها والنفوذ للكفار ‪ ،‬وأحكام‬
‫الكفر جتري فيها ‪ ،‬وهو قول ابن حجر ( حتفة احملتاج ‪ ) 4٧2-4٧٧/49‬وقول إسحاق بن عبدالرمحن آل الشيخ (‬
‫األجوبة السمعيات ص ‪ ) 14‬وابن سحمان ( منهاج أهل احللق ص ‪. ) 4٧9‬‬

‫‪314‬‬
‫( ونؤمن ابلكرام الكاتبني ‪ ،‬فإن هللا قد جعلهم علينا حافظني )‬
‫الشرح ‪ :‬الكرام الكاتبون هم املالئكة الذين يكتبون أعمال العباد ‪ ،‬ألن هللا سبحانه وتعاىل وكل‬
‫ابلعبد عند بلوغه ملكني أحدمها عن اليمني واآلخر عن الشمال يكتبون أفعال العبد وأقواله حىت‬
‫النيات ‪ ،‬يطلعهم هللا على ما ينويه اإلنسان فيسجلونه ‪ ،‬وهللا سبحانه وتعاىل أخرب عن ذلك ِف‬
‫الكتاب العزيز فقال ‪ ( :‬وإن عليكم حلافظني * كراما كاتبني * يعلمون ما تفعلون )(سورة اإلنفطار‬
‫آية‪ )4٧-49:‬وقال ابلنسبة لكتابة األقوال ‪ ( :‬ما يلفظ من قول إال لديه رقيب عتيد )(سورة ق‬
‫آية‪ )4٧:‬أما ابلنسبة لكتابة ما يَ ِه ُم به العبد وينويه فيستدل عليه بقوله تعاىل ِف احلديث القدسي‬
‫‪ :‬يقول هللا تعاىل ملالئكته ‪ ( :‬إذا هم عبدي بسيئة فال تكتبوها عليه فإن عملها فاكتبوها سيئة ‪،‬‬
‫وإذا هم حبسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة فإن عملها فاكتبوها عشرا )(‪ ، )4‬وهذا دليل على أهنم‬
‫يكتبون ما يَ ِه ُم به اإلنسان وال يقال إهنم يعلمون الغيب ‪ ،‬هللا سبحانه وتعاىل يطلعهم على ذلك‬
‫فيعلمونه ويكتبونه ‪.‬‬

‫وهناك مالئكة غري الكرام الكاتبني ‪ ،‬هناك مالئكة حفظة وهم الذين وكلوا ابإلنسان حيفظونه من‬
‫أمر هللا أو َحيفظوا أبمر هللا كما قال سبحانه ‪ ( :‬له معقبات من بني يديه ومن خلفه حيفظونه من‬
‫أمر هللا )(سورة الرعد آية‪ )44:‬هللا سبحانه وتعاىل جعل مجاعات املالئكة املعقبني حيفظون‬
‫اإلنسان من ورائه ومن أمامه ‪ ،‬فقوله ( حيفظونه من أمر هللا ) أي أبمر هللا ‪ ،‬وليس املعىن أهنم‬
‫حيفظونه ومينعون أمر هللا من أن يقع به ‪ ،‬بل حيفظونه وحفظهم له حاصل أبمر هللا هلم بذلك ‪،‬‬
‫وحرف ( من ) وحرف ( الباء ) كثريا ما يتناوابن ‪ ،‬وله أمثلة كثرية من قول العرب ‪ ،‬كقول‬
‫الشاعر (‪: )9‬‬
‫شربن مباء البـحر مث ترفـعت ***مىت جلج خضر هلن نئيج‬

‫فقوله ‪ :‬شربن مباء البحر ‪ ،‬أي شربن من ماء البحر ‪ ،‬فالباء هنا جاءت بدال من ( من ) ‪،‬‬
‫وكذلك ( حيفظونه من أمر هللا ) ‪ ( ،‬من ) جاءت بدال من ( الباء ) ‪ ،‬وقوله ‪ :‬شربن مباء البحر‬
‫يعين روينا مباء البحر ‪ ،‬وشرب ال يعدى ب ( الباء ) ال يقال شربت مباء كذا وإمنا يؤول أو يفسر‬
‫بروي ‪ ،‬وهذا كثري أييت ِف اللغة العربية كقول الشاعر ‪:‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 15٧4‬ومسلم ( ‪)49٧‬‬
‫(‪ ) 9‬البيت أليب ذؤيب اهلذيل ‪ ،‬ينظر شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك ت دمحم حمي الدين عبداحلميد ‪4٧/9‬‬

‫‪315‬‬
‫علفتـها تبـنا وماءا بـاردا ***حىت ْ‬
‫شتت مهالة عيناها (‪)4‬‬

‫فاملاء ال يعلف ‪ ،‬ولكن يقولون ‪ :‬إنه ضمنه فعال يؤدي األمرين ‪ ،‬ومعىن علفتها ‪ ( :‬انولتها ) أو‬
‫أعطيتها تبنا وماء ‪ ،‬أو أطعمها ‪ ،‬أو أن ذلك يؤول بوجه آخر فيكون هناك فعل حمذوف هو‬
‫العامل ابملاء ‪ ،‬فيكون املعىن علفتها تبنا وسقيتها ماءا وهذا وجه آخر ‪.‬‬
‫ومثل هذا البيت أيضا بيت الشاعر الذي يقول فيه ‪:‬‬
‫رذا ما الغانيات برزن يومـا *** وزججن احلواجب والعيـوان (‪)1‬‬

‫التزجيج خاص ابحلواجب ‪ ،‬فخرج على أحد الوجهني ‪ ،‬كما خرج ِف البيت السابق ‪ ،‬قالوا إنه‬
‫ذكر فعالً – الذي هو التزجيج – يصلح لألمرين ‪ ،‬فيكون زججنا مبعىن حسن ‪ ،‬أي حسن‬
‫احلواجب وحسن العيون ‪ ،‬وحسن تصلح للحواجب وتصلح للعيون ‪ ،‬أو الوجه اآلخر ‪ :‬يقدر‬
‫للعيون فعل مناسب حمذوف فيكون املعىن ‪ :‬زججنا احلواجب وكحلنا العيون ‪ ،‬والتزجيج هو األخذ‬
‫من احلواجب مأخوذ من ِ‬
‫الزج ‪ ،‬و زج الرمح دقيق جداً فتدقق حواجبها وجتعلها كزج الرمح ‪.‬‬
‫والكرام الكاتبون مالئكة يتعاقبون ‪ ،‬كما قال ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬يتعاقبون فيكم مالئكة ابلليل ومالئكة‬
‫ابلنهار ‪ ،‬وجيتمعون ِف صالة الفجر وصالة العصر ‪ ،‬مث يعرج الذين ابتوا فيكم فيسأهلم – وهو‬
‫أعلم هبم ‪ : -‬كيف تركتم عبادي؟ فيقولون ‪ :‬تركناهم وهم يصلون ‪ ،‬وأتيناهم وهم يصلون )(‪. )4‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬يتعاقبون فيكم مالئكة ) استعمل ملسو هيلع هللا ىلص لغة ‪ :‬أكلوين الرباغيث ‪ ،‬ولغة أكلوين الرباغيث‬
‫هي أن أييت بعد ضمري املتكلم أو املخاطب أو الغائب اسم ظاهر ‪.‬‬
‫( الواو ) هن ا ِف ( يتعاقبون ) عبارة عن فاعل ‪ ،‬لكن ( مالئكة ) ماذا نفعل هبا ؟‬
‫قالوا خيرج على أحد ثالثة أوجه ‪:‬‬
‫‪ –4‬إما أن يكون االسم الظاهر بدال من الضمري فيعرب إعرابه ‪ ،‬يكون الضمري هو الفاعل واالسم‬
‫الظاهر الذي أييت بعده بدال منه ‪ ،‬فنقول الواو هنا فاعل و (مالئكة ) بدل من الواو ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬البيت نسبه الفراء إىل بعض بين أسد ِف معاين القران ‪ 41 / 4‬وِف ‪ 491 / 4‬نسبه إىل بعض بين دبري ‪ ،‬وانظر‬
‫خزانة األدب ‪ / 4‬رقم ‪4٧4‬‬
‫(‪ ) 9‬البيت للراعي النمريي وامسه عبيد بن عمري ‪ ،‬ينظر شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك ت حميي الدين عبداحلميد‬
‫‪994/9‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 555‬ومسلم ( ‪) 149‬‬

‫‪316‬‬
‫‪ –9‬أو يقال تكون اجلملة امسية ومالئكة مبتدأ مؤخر ‪ ،‬و ( يتعاقبون فيكم ) فعل وفاعل ‪،‬وتكون‬
‫اجلملة ِف حمل رفع خرب مقدم كأنه يقول ‪ :‬مالئكة يتعاقبون فيكم ‪ ،‬فقدم اخلرب على املبتدأ ‪.‬‬
‫‪ –4‬وهناك وجه آخر وهو أضعف الوجوه ‪ :‬أن جيعل الضمري حرفا فيقال عند إعراب يتعاقبون ‪:‬‬
‫الواو حرف دال على اجلمع ‪ ،‬ومالئكة فاعل ‪ ،‬لكن هذا أضعف التوجيهات ‪.‬‬
‫وهذه اللغة وإن كانت لقبيلة خاصة من العرب إال أهنا كثريا ما أتيت ِف شعر الشعراء ‪ ،‬يقول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫فكلهم يعذل (‪)4‬‬
‫ُ‬ ‫يلومونين يف ا ْشراء النخيــل أهلي ‪،‬‬

‫فأهلي بدل من الواو ِف يلوموين ‪ ،‬أو على حسب األوجه الثالثة اليت سبقت ‪.‬‬
‫ومثله قول الشاعر ‪:‬‬
‫رأين الغواين الشيب الح بعـارضي‬
‫فأعرضن عين ابخلدود النواظر (‪)1‬‬

‫النون ِف رأين فاعل ‪ ،‬و الغواين إما بدل منه وإما مبتدأ مؤخر ‪ ،‬وإما أن تكون النون حرفا داال‬
‫على مجع النسوة كالتخريج السابق ‪.‬‬

‫( ونؤمن مبل املوت املوكل بقبض أرواح العاملني )‬


‫الشرح ‪ :‬ملك املوت هو من مالئكة هللا وكله هللا بقبض أرواح العباد ‪ ،‬فما من عبد ميوت إال‬
‫وهناك ملك يقبض روحه ويسلمها إىل مالئكة الرمحة إن كان صاحلا أو مالئكة العذاب – والعياذ‬
‫ابهلل – إن كان غري ذلك ‪ ،‬كما قال سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬قل يتوفاكم ملك املوت الذي وكل بكم‬
‫)(سورة السجدة آية‪.)44:‬‬
‫والكالم على ملك املوت عادة يتطلب اجلمع بني آايت وردت ِف التوِف كقوله سبحانه وتعاىل ‪( :‬‬
‫قل يتوفاكم ملك املوت الذي وكل بكم ) وقوله ِف آية أخرى ‪ ( :‬هللا يتوىف األنفس حني موهتا )‬
‫(سورة الزمر آية‪)19:‬وقوله ِف آية أخرى (حىت إذا جاء أحدكم املوت توفته رسلنا )(سورة املؤمنون‬
‫آية‪)22:‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬ينظر شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك ‪191 /4‬‬
‫(‪ )9‬ينظر شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك ‪19٧/4‬‬

‫‪317‬‬
‫ففي إحدى اآلايت ملك املوت هو الذي يتوىف األنفس وِف األخرى هللا هو الذي يتوىف الناس وِف‬
‫الثالثة رسل هللا هم الذين يتوفون اإلنسان ‪.‬‬
‫واجلمع بني هذه اآلايت متيسر واحلمد هلل ‪:‬‬
‫فتوِف هللا معناه‬
‫وذلك أن هللا يتوىف األنفس مبعىن أنه قضى عليها املوت وأمر ملك املوت بقبضها ‪َ ،‬‬
‫قضاء األمر ‪ ،‬وتوِف ملك املوت هو مباشرةُ قبض أرواحهم ‪ ،‬وأما ‪ ( :‬توفته رسلنا ) فاملراد هبم‬
‫ملك املوت وأعوانه ‪ ،‬ألنه يقبضها مث يسلمها ألعوانه من مالئكة الرمحة أو مالئكة العذاب ‪.‬‬
‫واإلميان مبلك املوت من أصول أهل السنة واجلماعة ‪ ،‬يؤمنون أبن هناك ملكا سخره هللا وكلفه‬
‫بتوِف عباد هللا ‪.‬‬
‫وقد يرد رشكال فيقال ‪ :‬كيف ميكن مللك املوت أن يقبض الناس لو مات مجاعة ِف غرق أو‬
‫حرق أو هدم أو ِف معارك ميوتون مجيعا ‪ ،‬كيف يتمكن من قبض أرواحهم مجيعا وهو واحد ؟‬
‫واجلواب عليه أن يقال ‪ :‬هذا السؤال يوجهه الذي ال يعلم قدرة هللا سبحانه و تعاىل وال يتصور‬
‫عظمة هللا سبحانه وتعاىل ‪ ،‬فإن هللا يقدره على ذلك ِف حلظة واحدة ‪ ،‬وهلذا لو أن إنساان قبل‬
‫مائة سنة يتكلم ِف أمريكا مث يسمعه العامل مجيعا ِف حلظة واحدة هل يصدق ذلك ؟ ال ميكن أن‬
‫يصدق ‪ ،‬لكن رأيناه اآلن أبعيننا ‪ ،‬فما دام أنه أمكن ِف الدنيا أن يقع ما كان مستحيل التصور‬
‫قبل مائة سنة – قبل أن يقع – فكذلك قدرته على قبض أرواح الناس مجيعا ِف آن واحد متصور‬
‫‪ ،‬مبعىن أن هللا جيعل ذلك ِف إمكانه وِف قدرته ‪.‬‬

‫( وبعذاب القرب ملن كان له أهال ‪ ،‬وسؤال منكر ونكري يف قربه عن ربه ودينه ونبيه ‪ ،‬على ما‬
‫جاءت به األخبار عن رسول هللا ( وعن الصحابة رضوان هللا عليهم )‬
‫الشرح ‪:‬من أصول مذهب أهل السنة واجلماعة اإلميان بعذاب القرب ِف الربزخ ملن كان أهال لذلك‪.‬‬
‫والربزخ يف اللغة ‪ :‬الفاصل كما ِف قوله تعاىل ( وجعل بينهما برزخا )(سورة الفرقان آية‪، )54:‬‬
‫ومسيت الفرتة اليت تبدأ مبوت اإلنسان وتنتهي ببعثته يوم القيامة برزخا ألهنا حتجز بني الدنيا واآلخرة‬
‫‪ ،‬وقد أشار القرآن إىل الربزخ ِف قوله سبحانه تعاىل ‪ ( :‬حىت إذا جاء أحدهم املوت قال رب‬
‫ارجعون * لعلي أعمل صاحلا فيما تركت كال إهنا كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إىل يوم يبعثون‬
‫)(سورة املؤمنون آية‪. )22-4٧٧:‬‬
‫ومن أصرح األدلة على عذاب القرب من كتاب هللا قوله عز وجل ‪ ( :‬النار يعرضون عليها غدوا‬
‫وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد الع ذاب )(سورة غافر آية‪. )11:‬‬

‫‪318‬‬
‫ومن أصرح ما ورد ِف السنة على ذلك قوله ملسو هيلع هللا ىلص ِف احلديث الذي رواه ابن عباس رضي هللا عنهما‬
‫قال مر النيب ملسو هيلع هللا ىلص على قربين فقال ‪ ( :‬إهنما ليعذابن وما يعذابن ِف كبري – وإنه لكبري – أما‬
‫أحدمها فكان ال يستربئ من بوله وأما اآلخر فكان ميشي بني الناس ابلنميمة ) مث دعا جبريدة‬
‫فشقها نصفني مث وضع على كل قرب شق مث قال ‪ ( :‬لعله خيفف عنهما ما مل ييبسا )(‪. )4‬‬
‫مر بقربين فقال ( إهنما ليعذابن ) خرب مبؤكدين ( إن ) و ( الالم ) ألن اخلرب اترة يكون جمرداً واترة‬
‫يكون مؤكداً ‪ ،‬فاجملرد لو قال ‪ :‬يعذابن صاحبا هذا القرب أو صاحبا هذا القرب يعذابن ‪ ،‬هذا خرب‬
‫جمرد مرسل عن التوكيد لكنه قال ( إهنما ليعذابن ) والالم هنا موطئه للقسم واخلرب منه صلى هللا‬
‫عليه وسلم إذاً فنقطع أبن عذاب القرب يقع ِف الربزخ وأنه حق ‪.‬‬
‫ومن أدلة عذاب القرب ونعيمة أيضا حديث الرباء بن عازب هنع هللا يضر قال ‪ ،‬قال رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ( :‬إذا كان العبد املؤمن ِف انقطاع من الدنيا وإقبال على اآلخرة جاءته مالئكة كأن‬
‫وجوهم الشمس ‪ ،‬فجلسوا منه مد البصر ‪ ،‬مث أييت ملك املوت فيجلس عند رأسه فيقول ‪ :‬أيتها‬
‫الروح الطيبة أخرجي إىل روح ورحيان ورب غري غضبان فتخرج تسيل كما تسيل قطرة من ِف السقا‬
‫‪ ،‬فيأخذها ملك املوت فإذا أخذها مل يدعها مالئكة الرمحة ِف يده طرفة عني – وأخرب أن مع كل‬
‫واحد منهم كفن وحنوط من اجلنة ‪ ،‬فيضعون الروح ِف هذه األكفان ويصعدون هبا إىل السماء مث‬
‫يؤمرون ابلرجوع هبا إىل صاحبها – قال فيفسح له ِف قربه مد بصره ‪ ،‬ويفتح له ابب إىل اجلنة‬
‫ويرى منزله فيها ‪ ،‬وأيتيه من روح اجلنة ونعيمها من هذا الباب الذي فتح له ) فهذا شاهد على‬
‫نعيم القرب ‪.‬‬
‫قال ‪ ( :‬وإذا كان العبد الكافر ِف انقطاع من اآلخرة وإقبال على الدنيا نزلت مالئكة سود الوجوه‬
‫ومعهم املسوح – واملسوح هي نسيج من الصوف اخلشن لكنها من انر – وأييت ملك املوت‬
‫وجيلس عند رأسه ويقول أيتها الروح اخلبيثة أخرجي إىل غضب من هللا وعذاب ‪ ،‬أو كما قال‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص قال فتتفرق ِف بدنه ال تريد اخلروج إىل هذه العذاب ‪ ،‬قال فيجتذهبا وينزعها كما ينزع السفود‬
‫من الصوف املبلول – السفود الشوك إذا علق ابلصوف يصعب جدا انتزاعه منه السيما إذا صار‬
‫الصوف مبلوال – قال فيأخذها فإذا أخذها مل يدعوها ِف يده طرفة عني حىت يضعوها ِف تلك‬
‫األكفان – والعياذ ابهلل – فيصعدون هبا إىل السماء مث ال يفتح هلم ويطرحوهنا ِف األرض طرحا‬
‫فتذهب إىل جسد صاحبها مث يقعد ويفتح له ابب إىل النار وأيتيه من حرها ومسومها ويضيق عليه‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 1٧55‬ومسلم ( ‪.) 929‬‬

‫‪319‬‬
‫قربه – والعياذ ابهلل – حىت ختتلف إضالعه ) (‪.)4‬‬
‫نسأل هللا العافية ‪ ،‬وهذا من شواهد عذاب القرب واحلديث خمرج ِف السنن ‪ ،‬واآلاثر من ذلك كثرية‬
‫‪ ،‬منها أن يهوديتني دخلتا على عائشة اهنع هللا يضر فقالتا ‪ :‬إن أهل القبور يعذبون ِف قبورهم ‪ ،‬قالت ‪:‬‬
‫فكذبتهما ‪ ،‬ومل أنعم أن أصدقهما فخرجتا ‪ ،‬ودخل علي رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص فقلت له ‪ :‬اي رسول هللا‬
‫إن عجوزين من عجز يهود املدينة دخلتا علي فزعمتا أن أهل القبور يعذبون ِف قبورهم فقال ‪( :‬‬
‫صدقتا ‪ ،‬إهنم يعذبون عذااب تسمعه البهائم )(‪. )9‬‬
‫وأما املعتزلة وبعض املالحدة من فالسفة وغريهم فإهنم أنكروا عذاب القرب وقالوا ال يعقل أن‬
‫اإلنسان إذا مات وحتلل جسمه وحتول إىل مواد أخرى ال يقبل العقل أنه يعذب أبداً ‪ ،‬ولكن هذا‬
‫اتباع للعقول الفاسدة اليت هي أحقر من أن تدرك تلك األسرار وتلك احلقائق اليت تكون غائبة‬
‫عنا‪.‬‬
‫وعذاب القرب يكون للمقبور وغري املقبور ‪ ،‬إذا مات اإلنسان وهو مستحق لعذاب القرب عذب ‪،‬‬
‫وإذا مات وهو مستحق لنعيم القرب نعم ‪ ،‬سواء قرب أو ترك على ظهر األرض أو أحرق أو أكلته‬
‫السباع فالبد أن ينال من عذاب القرب أو نعيمه ما قسم له ‪ ،‬على الكيفية اليت يريدها هللا سبحانه‬
‫وتعاىل ‪ ،‬ومعرفة حقيقة العذاب غري معرفة كيفية العذاب ‪ ،‬فإن الذي أُمران به وُكلفنا به هو اعتقاد‬
‫حصول العذاب وحصول النعيم أما كيف يكون العذاب وكيف يكون النعيم فهذا مل خيربان عنه‬
‫املعصوم ولن تشاهده عقولنا وتطلع عليه ‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعاىل طوى علمه عنا فال نكلف أنفسنا‬
‫ابلتخرص والتحري ‪ ،‬فإذا كان كذلك فعلينا إذاً علينا أن نكل علمه إىل هللا سبحانه وتعاىل ‪،‬‬
‫فنقول يعذب ِف قربه وينعم ِف قربه على كيفية يعلمها هللا سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫والعذاب والنعيم ‪:‬‬
‫قيل للروح واجلسد مجيعا وهذا هو مذهب أهل السنة واجلماعة ‪ ،‬إال أن نصيب الروح منه أكرب من‬
‫نصيب اجلسد ‪.‬‬
‫وقيل للروح فقط ‪ ،‬وهذا قول ينقل عن بعض أهل السنة ‪.‬‬
‫وقيل للجسد فقط ‪ ،‬وهذا قول ابطل ال يدل عليه دليل ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬حديث طويل رواه أبو داود ( ‪ ) 1154‬و أمحد ِف املسند ( ‪ ) 4٧141‬ت الرتكي وغريمها ‪ ،‬وصححه ابن القيم‬
‫ِف الروح ص ‪. 11‬‬
‫الشيخ رمحه هللا ذكر احلديث خمتصرا ‪ ،‬وله أصل ِف الصحيحني رواه البخاري ( ‪ ) 4412‬ومسلم (‪. ) 9٧14‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخاري ( ‪ ) 1411‬ومسلم ( ‪.) 5٧1‬‬

‫‪311‬‬
‫أما القول األول فهو مذهب أهل السنة واجلماعة ‪ ،‬بدليل العمومات ‪ ،‬كحديث الرباء بن عازب ‪:‬‬
‫( إذا كان العبد ِف انقطاع من الدنيا ‪ )4()..‬احلديث ‪ ،‬والعبد اسم للروح واجلسد مجيعا ‪.‬‬
‫وابن القيم رمحه هللا ذكر أن للروح ِف اجلسد ثالث تعلقات (‪:)9‬‬
‫‪ – 4‬تعلقها به ِف الدنيا وهذا ختتلف فيه األحكام ‪ ،‬أحكام النعيم والعذاب بني الروح واجلسد ‪.‬‬
‫‪ – 9‬وتعلقها به ِف الربزخ وهذا ختتلف فيه أيضا األحكام ‪.‬‬
‫‪ – 4‬وتعلقها به بعد البعث أي يوم القيامة ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فأما ِف الدنيا فالعذاب والنعيم يكون للبدن ‪ ،‬وينال الروح قسط منه على سبيل التبعية ‪،‬‬
‫فإذا تعذب البدن تعذبت الروح وإذا تنعم البدن تنعمت الروح ‪ ،‬ولكن عذاب البدن وعذاب الروح‬
‫أقوى ‪ ،‬فإذا كان ِف الربزخ انعكس األمر فيكون العذاب والنعيم للروح والبدن ‪ ،‬ولكن نصيب‬
‫الروح من العذاب والنعيم أقوى من نصيب البدن ‪ ،‬فتعذب الروح ويعذب البدن تبعا للروح ‪ ،‬وأما‬
‫ِف اآلخرة فيكون العذاب والنعيم للروح والبدن مجيعا ‪ ،‬وكل من البدن والروح حيس ابلعذاب‬
‫إحساسا كامال ‪.‬‬

‫( والقرب روضة من رايض اجلنة أو حفرة من حفر النريان )‬


‫الشرح ‪ :‬القرب روضة من رايض اجلنة على من أراد هللا نعيمه ‪ ،‬وحفرة من حفر النريان إذا أراد هللا‬
‫لصاحبها العذاب ‪ ،‬وقد قال عليه الصالة و السالم ‪ ( :‬لوال أن ال تدافنوا لدعوت هللا أن‬
‫يسمعكم من عذاب القرب الذي امسع منه )(‪ ،)4‬وهذا استدل به بعض اجلهلة أن من مل يقرب ال‬
‫يعذب ‪ ،‬ولكن هذا فهم ابطل ألنه عليه الصالة والسالم قال ذلك بناء على ما يَظن أن الناس‬
‫يتومهون أبن الذي ال يقرب ال يعذب ‪ ،‬فكأنه يقول عليه الصالة والسالم بناء على هذا الوهم –‬
‫ومهكم – أان ال أدعوا هللا أن يسمعكم ذلك خشية أن تطبقوا هذا الوهم وترتكوا مواتكم على ظهر‬
‫األرض ‪.‬‬
‫وقال بعض العلماء ‪ :‬رمبا يكون قوله هذا قبل أن يعلمه هللا أبن العذاب والنعيم يكوانن ملن يقرب‬
‫ومن ال يقرب ولكن اجلواب األول هو الصحيح ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سبق ختريج احلديث قبل قليل‪.‬‬
‫(‪ )9‬الشيخ محود رمحه هللا نقل هنا كالم ابن القيم ابختصار ‪ ،‬وقد ضمن التعلقات اخلمس اليت ذكرها ابن القيم هبذه‬
‫الثالث ‪ .‬انظر شرح الطحاوية ت الرتكي ط‪ 9‬ص ‪.51٧‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم ( ‪.) 9٧11‬‬

‫‪311‬‬
‫والقاعدة عند السلف هي اإلميان ابلنعيم والعذاب وعدم اخلوض ِف كيفية ذلك‬
‫أما ما رآه ِف ليلة اإلسراء كتعذيب عمرو بن حلي وغريه فقد رآهم رؤية صحيحة كاملة وهللا قادر‬
‫على أن يصور له أجسادهم وأرواحهم ‪ ،‬كما يقال هذا ِف األنبياء الذين أمهم النيب ملسو هيلع هللا ىلص ِف القدس‬
‫فمن العلماء من قال أم أرواحهم ‪ ،‬والصحيح أنه أم أرواحهم وأشباحهم ‪ ،‬وقد مثلت وهيئت له‬
‫فأمهم ‪.‬‬
‫فقدرة هللا سبحانه تفوق إدراك العقل فإذا عجز العقل عن ذلك قال (‪ : )4‬هللا سبحانه وتعاىل‬
‫قادر على كل شيء ‪.‬‬

‫( ونؤمن ابلبعث )‬
‫الشرح ‪ :‬البعث يطلق يف اللغة على معنيني ‪:‬‬
‫‪ – 4‬يطلق على إحياء األموات ‪.‬‬
‫‪ – 9‬ويطلق على اإلرسال ‪.‬‬
‫تقول ِف اللغة بعث هللا األموات مبعىن أحياءهم ‪ ،‬وتقول بعثت فالان إىل فالن مبعىن أرسلته إليه‬
‫كما قال سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬ولقد بعثنا ِف كل رسوال أن أعبدوا هللا واجتبوا الطاغوت )(سورة‬
‫النحل آية‪. )41:‬‬
‫هذان املعنيان ِف اللغة للبعث ‪ ،‬ويستعمل البعث جمازاً ِف أمور أخرى ‪ ،‬كقولك ‪ :‬بعثت فيه اليقظة‬
‫أو بعثت فيه احلركة ‪ ،‬أو إذا أردت فقل أيقظت مهته أو أيقظت وعيه ‪ ،‬مبعىن أنه حصل منك له‬
‫هذا األمر الذي جعله ينبعث فيه بعد أن كان غافال ‪ ،‬املهم أن معناه الوضعي إحياء األموات‬
‫واإلرسال ‪.‬‬
‫ويراد ِف البعث وإحياء األموات النشور والنشر ‪ ،‬تقول نشر هللا األموات مبعىن أحياهم ‪ ،‬ومن ذلك‬
‫قوله ( ِف الدعاء املأثور ‪ ( :‬اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك حنيا وبك منوت وإليك النشور‬
‫)(‪ )9‬ومثله كثري ِف القرآن ‪ ،‬كقول الكفار ( وما حنن مبنشرين )(سورة الدخان آية‪ )45:‬أي‬
‫مببعوثني ‪ ،‬ومن أدلة إطالق النشر على إحياء األموات ِف اللغة العربية قول مهلهل ‪:‬‬
‫اي لبكر انشروا يل كليبـا *** اي لبكر أين أين الفـرار (‪)3‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬يعين صاحب العقل‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه أبو داود ( ‪ ) 5٧1٧‬والرتمذي ( ‪ ) 4424‬بسند صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )4‬من أبيات ملهلهل بن ربيعة ‪ ،‬ينظر تفسري الطربي عند قوله تعاىل ‪ ( :‬يقول اإلنسان يومئذ أين املفر )‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫فمعىن انشروا يل كليبا أي أحيوه ‪.‬‬
‫احلاصل أن النشر والبعث ِف أحد معنييه يطلقان على إحياء األموات ‪.‬‬
‫والشعراء معروفون ِف املبالغة لكن نورد هنا ألحدهم شاهدا للمعىن الذي حنن فيه وأظنه لألعشى‬
‫إن مل ختين الذاكرة ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫لو أسندت ميتـا رىل حنـرها *** عاش ولـم ينقل رىل قابـر‬
‫حىت يقـول النـاس مما رأوا *** يـا عجـبا للميت النـاشر (‪)4‬‬

‫الناشر أي املنشور املبعوث احمليا ‪.‬‬


‫والبعث بعد املوت فيه ثالثة مذاهب للناس ‪:‬‬
‫املذهب األول ‪ :‬مذهب مجهور املسلمني من أهل السنة واجلماعة ومن مبتدعة ‪ ،‬أن البعث حق‬
‫وأنه واقع البد منه ‪ ،‬وأنه يكون بعثا لألرواح واألبدان مجيعا ‪ ،‬وأدلته ِف القرآن كثرية جدا بل أكثر‬
‫ما تقرأ ِف سور القرآن البد وأن جتد فيه ما يشري إىل ثبوت البعث وأنه حق ‪ ،‬لكن أساليب األدلة‬
‫ِف القرآن على ثبوت البعث متنوعة ‪:‬‬
‫منها أدلة عقلية ترشد العقول وتلفتها إىل اإلقرار أبن هللا سبحانه وتعاىل يبعث الناس يوم القيامة ‪:‬‬
‫من ذلك االستدالل إبحياء األرض بعد موهتا على إحياء األموات ‪ ،‬كثريا ما يذكر سبحانه وتعاىل‬
‫دليال على قدرته ِف بعث اخللق بقدرته على إحياء األرض بعد أن تكون ميتة – تكون ايبسة‬
‫مغربة فينزل هللا املطر مث بعد فرتة تراها خضراء نضرة مهتزة ‪ ،‬كما قال سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬وترى‬
‫األرض هامدة فإذا أنزلنا عليها املاء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج هبيج * ذلك أبن هللا هو‬
‫احلق وأنه حيي املوتى وأنه على كل شي قدير )(سورة احلج آية‪ ، )5-1:‬واآلية األخرى اليت يقول‬
‫ِ‬ ‫آايتِِه أَنَّ َ‬ ‫فيها سبحانه وتعاىل ‪ِ :‬‬
‫ت ِۚ‬ ‫ض َخاش َعةً فَإِ َذا أَنْ َزلْنَا َعلَْي َها الْ َماءَ ْاهتَ َّز ْ‬
‫ت َوَربَ ْ‬ ‫ك تَ َرى ْاأل َْر َ‬ ‫(وم ْن َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫اها لَ ُم ْحيِي الْ َم ْوتَ َٰى ِۚ إِنَّهُ َعلَ َٰى ُك ِل َش ْيء قَدير ) [سورة فصلت ‪ ، ]42‬وهذا كثرياً ما‬ ‫ِ‬
‫إِ َّن الَّذي أ ْ‬
‫َحيَ َ‬
‫يتكرر ِف القرآن ‪ ،‬يلفت سبحانه وتعاىل عقول عباده إىل قدرته على البعث استدالال بقدرته على‬
‫إحياء األرض وإجياد احلياة فيها ‪.‬‬
‫وكذلك االستدالل ببدء اخللق على اإلعادة كلفته سبحانه وتعاىل أنظار عباده إىل أهنم وجدوا من‬
‫العدم ‪ ،‬وأن هللا بدأ خلقهم من غري أن يكون هلم مثال سابق ‪ ،‬فإذا كان كذلك فمتقرر عقال أن‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬من أبيات لألعشى ‪ ،‬ينظر أضواء البيان ‪. 919/1‬‬

‫‪313‬‬
‫إعادة الفعل أهون من البدء به ‪ ،‬وهلذا قال سبحانه وتعاىل ‪ (:‬وهو الذي يبدأ اخللق مث يعيده )‬
‫(سورة الروم آية‪ )91:‬وكذلك ِف قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬ويقول اإلنسان أإذا ما مات لسوف‬
‫أخرج حيا )(سورة مرمي آية‪ )11:‬اإلنسان يستغرب أنه يبعث وحيي بعد املوت ‪ !.‬رد هللا عليه بقوله‬
‫‪ ( :‬أوال يذكر اإلنسان أان خلقناه من قبل ومل يك شيئاً )(سورة مرمي آية‪ )11:‬أي أيدعي اإلنسان‬
‫عجزان عن اإلحياء والبعث وينسى وال يذكر اإلنسان أننا أوجدانه من العدم من غري مثال سابق؟‪.‬‬
‫وكذلك قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬أومل ير اإلنسان أن خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبني *‬
‫وضرب لنا مثال ونسي خلقه )(سورة يس آية‪ )11-1٧:‬وسبب نزول هذه اآلية أن أحد طغاة‬
‫قريش (‪ )4‬أخذ عظما قد أرم وبلي وفته بني يدي الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وقال ‪ :‬اي دمحم أتزعم أننا إذا صران‬
‫مثل هذا نبعث ؟! فنزل قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬وضرب لنا مثال ) اآلية ‪ ،‬ضرب مثال لعجز هللا‬
‫سبحانه وتعاىل عن البعث هبذا العظم امليت ‪ ،‬لكن هللا رد عليه بقوله ‪ ( :‬ونسي خلقه ) يعين‬
‫نسيت اي أيها الطاغية كونه سبحانه وتعاىل أوجدك من ال شيء حىت تستبعد قدرته على خلقك‬
‫مرة أخرى ‪ ( :‬قال من حيي العظام وهي رميم )(سورة يس آية‪ ، )1٧:‬قوله ‪ ( :‬قال من حيي‬
‫العظام ) حكاية ملا فعله هذه الطاغية حيث فت العظم ‪ ،‬وقال ‪ :‬هذا العظم الذي قد أرم تزعم اي‬
‫دمحم أن هللا يبعثه إذ صران مثله ؟!‬
‫فقال سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬قل حيييها – يعين العظام – الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم‬
‫)(سورة يس آية‪ )12:‬يعين بدء خلقكم وإعادتكم هو عليم به سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬الذي جعل‬
‫لكم من الشجر األخضر انراً )(سورة يس آية‪ ، )٧٧:‬يقول ابن القيم رمحه هللا عن هذه اآلية ‪:‬‬
‫هذا رد على هذا امللحد من جنس حجته ‪ ،‬فهو احتج على عدم قدرة هللا على البعث بكون‬
‫ابل ‪ ،‬قال رمحه هللا ‪ :‬فهو يقول هذا العظم بلغ الغاية ِف اليبس والربودة ‪،‬‬ ‫العظم يصري إىل رميم ٍ‬
‫ليس فيه أي حرارة وليس فيه أي رطوبة ‪ ،‬ومعلوم أن حياة املخلوقني البد أن تكون متصفة‬
‫ابلرطوبة واحلرارة ‪ ،‬وال ميكن أن يوجد خملوق حي ويستغين عن أن يكون فيه رطوبة وحرارة ‪ ،‬كيف‬
‫يوجد هللا احلياة اليت هي مستلزمة للرطوبة واحلرارة من هذه العظام اليت هي مستلزمة لليبوسة‬
‫والربودة ‪ ،‬يقول ‪ :‬إن هللا تعاىل رد عليه بقوله ‪ ( :‬الذي جعل لكم من الشجر األخضر انراً )‬
‫ومعلوم أن النار طبيعتها احلرارة واليبوسة وقد أوجدها – ِف ضدها – ِف الشجر األخضر الذي‬
‫طبيعته الرطوبة والربودة ‪ ،‬فإذا كان يقدر سبحانه وتعاىل على إجياد العنصر احلار اليابس من‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬ذكر ابن كثري ِف تفسريه هلذه اآلية أن هذا الطاغية هو أيب بن خلف ‪.‬‬

‫‪314‬‬
‫الشجر الذي هو عنصر ابرد رطب فكذلك قادر على إجياد احلياة ِف العظم البارد اليابس وإن‬
‫كانت مستلزمة للحرارة والرطوبة ‪.‬‬
‫وهناك دليل أخر كثريا ما يتكرر ِف القرآن ‪ ،‬وهو استدالله سبحانه وتعاىل بقدرته على خلق‬
‫الشيء العظيم خبلق ما هو أكرب منه ‪:‬‬
‫من ذلك قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬أو ليس الذي خلق السماوات واألرض بقادر على أن خيلق‬
‫مثلهم بلى وهو اخلالق العليم )(سورة يس آية‪ )٧4:‬أي ‪ :‬أليس هللا الذي خلق هذه السماوات‬
‫العظيمة واألرض العظيمة بقادر على أن خيلق مثل بين آدم أو يعيدهم مرة أخرى ‪ ،‬وكذلك قوله‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬أأنتم أشد خلقا أم السماء )(سورة النازعات آية‪ )91:‬معلوم أن السماء أشد‬
‫خلقا وأعظم ‪ ،‬أذاً فهو قادر على بعث الناس وخلقهم ‪ ،‬وكذلك قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬خللق‬
‫السماوات واألرض أكرب من خلق الناس )(سورة غافر آية‪ )51:‬كل هذه اآلايت دالئل على قدرته‬
‫سبحانه وتعاىل على البعث ‪.‬‬
‫ومن أصناف األدلة على قدرته على البعث كونه سبحانه وتعاىل حيي بعض الناس يف الدنيا ‪:‬‬
‫وقد حصل منه إحياء بعض األموات ِف الدنيا وشوهدوا ‪ ،‬كإحياء قتيل بين إسرائيل ‪ ( :‬فقلنا‬
‫اضربوه ببعضها كذلك حيي هللا املوتى )(سورة البقرة آية‪ )14:‬أي اضربوا القتيل ببعض من هذه‬
‫البقرة فيحيا فضربوه فحيي ‪ ،‬فما دام أن هللا سبحانه وتعاىل قدر على إحياء هذا القتيل فإنه قادر‬
‫على إحياء مجيع األموات إذا أراد ‪ ،‬وكذلك ِف قوله تعاىل ‪ ( :‬أو كالذي مر على قرية وهي خاوية‬
‫على عروشها قال أَّن حيي هذه هللا بعد موهتا فأماته هللا مائة عام مث بعثه قال كم لبثت قال لبثت‬
‫يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إىل طعامك وشرابك مل يتسنه – مل يتغري – وأنظر‬
‫إىل محارك ولنجعلك آية للناس وانظر إىل العظام كيف ننشزها مث نكسوها حلما فلما تبني له قال‬
‫أعلم أن هللا على كل شيء قدير )(سورة البقرة آية‪ )952:‬ملا رأى احلمار يبعثه هللا طورا بعد طور‬
‫حىت قام حيا كامال قال ‪ ( :‬أعلم أن هللا على كل شيء قدير ) أي فهو قدير على بعث الناس ‪،‬‬
‫وكذلك قوله سبحانه وتعاىل ِف اآلية اليت بعد هذه ‪ ( :‬وإذ قال إبراهيم رب أرين كيف حتي املوتى‬
‫قال أومل تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قليب قال فخذ أربعة من الطري فصرهن إليك – أي اجعلهن‬
‫إليك – مث أجعل على كل جبل منهن جزءا مث أدعهن أيتينك سعيا واعلم أن هللا عزيز حكيم )‬
‫(سورة البقرة آية‪ )91٧:‬قال املفسرون إن هذه اآلية تعين أن هللا أمر إبراهيم أن يعصب عدداً من‬
‫الطري ويذحبها ويقطعها أجزاء مث خيلط هذه األجزاء بعضها ببعض مث جيعل كل جزء منها على‬
‫جبل مث يدعوها ‪ ،‬ففعل فجاءته حية تسعى ‪.‬‬

‫‪315‬‬
‫وهناك طريقة أخرى لالستدالل على قدرة هللا على البعث وهي كونه يضرب على آذان بعض‬
‫الناس للنوم سنني طويلة جداً مث يوقظهم ‪:‬‬
‫كما حصل ألصحاب الكهف ملا هجروا قومهم وفروا من الشرك و الكفر وأووا إىل كهف ِف جبل‬
‫‪ ،‬انموا وبقوا ِف نومهم أكثر من ثالمثائة سنة ‪ ،‬مث استيقظوا وظنوا أهنم ما انموا إال يوما أو بعض‬
‫يوم ‪ ،‬وهللا سبحانه ذكر هذه القصة ِف سورة الكهف ليبني لعباده أن الذي قدر على حفظ احلياة‬
‫أو إعادة وعيهم وحياهتم بعد ثالمثائة سنة وأكثر – أنه قادر على إحياء األموات ‪ ( :‬فضربنا على‬
‫أذاهنم ِف الكهف سنني عدداً )(سورة الكهف آية‪ )44:‬إىل أخر اآلايت اليت تشري إىل هذا املعىن‪.‬‬
‫ومن مباحث البعث اليت ينبغي عدم إمهاهلا ِف هذه املناسبة أن هللا سبحانه وتعاىل أكثر ِف القرآن‬
‫ِف تكرار الرباهني الدالة على البعث والدالة على توحيد اإلهلية ‪ ،‬فأنت إذا قرأت سورة قَل أن خترج‬
‫منها إال ولديك حجة على قدرته على البعث أو حجة على وحدانية سبحانه وتعاىل على اإلهلية ‪.‬‬
‫وهلذا يرد سؤال هنا ملاذا يكثر ِف القرآن جداً تكرار االستدالل على البعث وتكرار االستدالل على‬
‫توحيد اإلهلية أكثر من غريمها بكثري ؟‬
‫واجلواب عن هذا أن يقال ‪ :‬هناك أمران يقتضيان هذا التكرار ‪:‬‬
‫األمر األول ‪ :‬أن القوم الذين بعث فيهم النيب ملسو هيلع هللا ىلص كانوا يبالغون ِف إنكار البعث ويبالغون ِف‬
‫إنكار توحيد اإلهلية ‪ ،‬و يعجبون من دعوة النيب ملسو هيلع هللا ىلص إىل توحيد هللا ِف العبادة ( أجعل اآلهلة إهلا‬
‫واحداً إن هذا لشيء عجاب )(سورة ص آية‪ ، )5:‬وكذلك يعجبون ويستنكرون من ذكره عليه‬
‫الصالة والسالم أن هللا يبعث الناس مرة أخرى ‪ ،‬فلما كانوا يبالغون ِف إنكار البعث وإنكار‬
‫التوحيد احتاجوا إىل تكرار األدلة واحلجج وتنويعها وتصنيفها ليكون ذلك مقنعا هلم ‪.‬‬
‫األمر الثاين ‪ :‬أن هذين األمرين هامان جداً ‪ ،‬والرسول عليه الصالة والسالم هو أخر الرسل لن‬
‫أييت بعده رسول ‪ ،‬والرسل الذين كانوا قبله كان إذا مات نيب خلفه نيب آخر جيدد ما نسي من‬
‫الشريعة ويبني ما غمض و اندرس منها ‪ ،‬أما النيب ملسو هيلع هللا ىلص فهو خامت األنبياء ولن أييت بعده نيب ‪،‬‬
‫فكان تكرار هذه األدلة واحلجج والرباهني وتصنيفها وتنويعها لئال يتطرق إليها االندراس والنسيان‬
‫والغموض ‪.‬‬
‫ومما يبحث أيضا ِف هذا الباب دعوى الفالسفة أبن الرسل صلوات هللا وسالمه عليهم مل ينذروا‬
‫أممهم ويبلغوهم ابلبعث ‪ ،‬ومل يفصح عن البعث إال دمحم ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬ولكن هذا قول ابطل والقرآن مملوء‬
‫من حتذير الرسل لقومهم من البعث ‪ ،‬ولكن الفالسفة ملا رأوا كثرة األدلة والرباهني ِف القرآن قالوا ‪:‬‬
‫إنه مل يفصح عن البعث إال دمحم ‪.‬‬

‫‪316‬‬
‫واجلواب عن هذا – عن كالم الفالسفة – هو املذهب األول ِف مسلك الناس فيما يتعلق إبثبات‬
‫البعث وهو مذهب الرسل وإتباعهم الذين يقولون ببعث األجسام وبعث األرواح مجيعا ‪ ،‬وقد سبق‬
‫ذكره ‪.‬‬
‫املذهب الثاين‪ :‬هو للفالسفة الذين يسمون ابلفالسفة اإلسالميني ‪ ،‬كابن سيناء والفارايب‬
‫والكندي وغريهم ‪ ،‬هؤالء يقولون هناك بعث بعد املوت ولكنه بعث لألرواح فقط أما األبدان فإهنا‬
‫تبلى وتنعدم وال تبعث لكن األرواح هي اليت تبعث وهي اليت جتازى ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬إن األرواح إذا‬
‫مات صاحبها وهي فاضلة تفعل اخلري فإهنا تنعم ‪ ،‬وإذا كانت شريرة تفعل الشر فإهنا تعذب ‪،‬‬
‫ولكن العذاب والنعيم معنواين وليسا حسيني ‪ ،‬فليس ِف اآلخرة أكل وال شرب وال مجاع وال لبس‬
‫وال تلذذ أبي شيء إمنا النعيم هو عبارة عن انشراح وانبساط وفرح حيصل للروح ‪ ،‬والنار عبارة عن‬
‫كآبة وحزن وانقباض وحنو ذلك ‪ ،‬إذاً هم ال يقرون بشيء من العذاب احلسي أو النعيم ‪.‬‬
‫املذهب الثالث ‪ :‬مذهب املالحدة من العامل ‪ ،‬الذين ينكرون بعث األرواح وبعث األبدان مجيعا ‪،‬‬
‫ويقولون ‪( :‬إن هي إال حياتنا الدنيا منوت وحنيا وما حنن مببعوثني )(سورة املؤمنون آية‪ )41:‬وهؤالء‬
‫ليس هلم أي دليل وال من زع إال قوهلم ‪ :‬يقولون إذا مات اإلنسان وبلى وحتلل ال ميكن بعثة ‪،‬‬
‫فكيف نبعث ؟ هذه شبهتهم ‪.‬‬

‫( وجزاء األعمال يوم القيامة )‬


‫الشرح ‪ :‬أي نؤمن أبن هللا سبحانه وتعاىل يبعث الناس وحياسبهم وجيازيهم على أعماهلم ‪ ،‬إ ْن خرياً‬
‫فخري وإ ْن شراً فشر ‪ ،‬وهذا مذهب أهل السنة واجلماعة وكثري من الطوائف األخرى كاملعتزلة‬
‫واجلهمية وغريهم ‪.‬‬

‫أما اجلربية فإهنم ال يؤمنون بذلك وال يقرون ويقولون ما حيصل لإلنسان ِف اآلخرة من جنة وانر‬
‫ليس جزاء ألعماهلم وإمنا هو من هللا حيصل هلذا العذاب و هلذا النعيم ‪ ،‬بناءً على املشيئة السابقة‬
‫فقط ‪ ،‬أما األعمال فليس هلا جزاء ألهنا ليست أعماهلم وإمنا هي أفعال هللا أجربهم عليها ‪ ،‬فال‬
‫ميكن أن يكون اجلزاء مرتتبا عليها ألنه إذا أراد هللا أن يعذب اإلنسان ِف األزل فإنه يعذبه ولو كان‬
‫من الصاحلني واألولياء وغريهم ‪ ،‬ومن أراد هللا ِف األزل أن ينعمه ويثيبه فإنه يفعل به ذلك ولو كان‬
‫من الكافرين وغريهم ‪ .‬فال عالقة للجزاء ابلعمل عند هؤالء الضالل ‪.‬‬

‫‪317‬‬
‫( والعرض واحلساب )‬
‫الشرح ‪ :‬العرض املراد به عرض الناس على هللا سبحانه وتعاىل يوم القيامة ‪ ،‬والناس يعرضون عليه‬
‫حفاة عراة غرال ‪ ،‬كما جاء ِف احلديث الصحيح (‪ ،)4‬فإهنم حينما يبعثون ميوج بعضهم ِف بعض‬
‫ال يدرون ماذا يفعل هبم وال يدرون كيف حياسبون إال أهنم إذا اشتد هبم األمر ذهبوا إىل الرسل‬
‫طلبا للشفاعة ألن يعرضوا عليه ويقضي بينهم وكل إنسان يتبني سبيله إما إىل اجلنة أو إىل النار ‪،‬‬
‫فيسألون آدم مث نوحا مث إبراهيم مث موسى مث عيسى وكلهم يعتذرون عن الشفاعة ‪ ،‬فإذا جاؤوا إىل‬
‫دمحم ملسو هيلع هللا ىلص قال أان هلا ‪ ،‬مث ذهب وسجد حتت العرش ‪ ،‬قال ‪ ( :‬مث يفتح هللا علي من حمامده ما مل‬
‫أكن أعلمه قط فيقال ‪ :‬اي دمحم ارفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أميت أميت )(‪ )9‬مث‬
‫أييت سبحانه وتعاىل للقضاء بني الناس والفصل بينهم فيعرض الناس عليه كلهم ويقررهم أبعماهلم‬
‫كما قال سبحانه ( وعرضوا على ربك صفا لقد جئتموان كما خلقناكم أول مرة )(سورة الكهف‬
‫آية‪ )1٧:‬يعرضون عليه وخياطبهم سبحانه وتعاىل ويقررهم أبعماهلم عملت كذا يوم كذا وكذا ِف‬
‫مكان كذا فيحصل منهم اعتذار وإنكار ‪ ،‬مث ِف آخر األمر خيتم على أفواههم وتتكلم أعضاؤهم‬
‫وجلودهم وألسنتهم مبا كانوا يعملون ‪ ،‬هذا معىن قول املؤلف ‪ ( :‬والعرض ) ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬واحلساب ) معناه حماسبة هللا سبحانه وتعاىل لعباده على أعماهلم وجمازاهتم عليها ‪ ،‬فمن‬
‫عمل صاحلا جازاه على عمله إبدخاله اجلنة ومن عمل سيئا جازاه عليها بتعذيبه ِف النار إن شاء ‪.‬‬
‫واجلزاء الذي يكون يف اآلخرة أنواع ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬جزاء لألعمال الصاحلات ‪ ،‬الذين يعملون الصاحلات جزاؤهم اجلنة ‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬جزاء للكافرين واملنافقني وهؤالء جزاؤهم اخللود ِف النار ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬جزاء للعصاة من أمة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص الذين ماتوا على الكبائر ‪ ،‬من أراد هللا أن جيازيه بسيئاته‬
‫منهم ‪ ،‬ألن من مات مصراً على املعصية وهو من أهل التوحيد فإنه معرض ألحد أمرين ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬إما أن يعفو هللا عنه ويدخله اجلنة من أول وهلة ‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬وإما أن يدخله النار ويعذبه بقدر أعماله مث يصري إىل اجلنة ‪.‬‬
‫إذاً اجلزاء ثالثة أنواع ‪ :‬إما ِف اجلنة خالدين ‪ ،‬وإما ِف النار خالدين ‪ ،‬وإما ِف النار يعذبون عذااب‬
‫مؤقتا مث خيرجون إىل اجلنة ‪ ،‬واجلزاء معناه جمازاة العامل على عمله ‪ ،‬وهذا ابتفاق املسلمني ما عدا‬
‫اجلربية من فرق الضالل كما سبق ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 1591‬ومسلم ( ‪. ) 9٧52‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخاري ( ‪ ) 154٧‬ومسلم ( ‪. ) 424‬‬

‫‪318‬‬
‫( وقراءة الكتاب )‬
‫الشرح ‪ :‬قراءة الكتاب معناها أن كل إنسان له كتاب ‪ِ ،‬ف هذه الدنيا هللا سبحانه وتعاىل وكل‬
‫بكل إنسان عند البلوغ ملكني يكتبان ِف هذا الكتاب ما يفعله هذا اإلنسان وما يقوله وما يهم به‬
‫وما ينويه ‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة عرض على صاحبه وسلم إايه ‪ ،‬لكن من الناس من يعطى كتابه‬
‫بيمنه ومنهم من يعطى كتابه بشماله – والعياذ ابهلل – فإن كان من عباد هللا املطيعني مث أعطي‬
‫كتابه بيمينه فرح به مث دفعه إىل كل من يعرفه من أصدقائه وأهله وأقاربه ‪ ،‬ويقول أقرؤوا ‪ ( :‬فأما‬
‫من أوتى كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه ) أي خذوا كتايب اقرؤوه – من الفرح والسرور – (‬
‫( وأما من أويت كتابه بشماله – والعياذ ابهلل – فيقول اي ليتين مل أوت كتابيه )(سورة احلاقة‬
‫آية‪ )42-95:‬يتمىن أن مل يعط إايه ألن فيه خسارته وفيه ما يقتضي عذابه والعياذ ابهلل ‪.‬‬
‫وجاء ِف القرآن الكرمي أن اإلنسان يعطى كتابه بشماله وجاء ِف آية أخرى أنه يعطى كتابه وراء‬
‫ظهره ‪ ( :‬وأما من أويت كتابه وراء ظهره * فسوف يدعو ثبوراً )(سورة االنشقاق آية‪)4٧-44 :‬‬
‫قوله تعاىل ‪ ( :‬وأما من أويت كتابه بشماله فيقول اي ليتين مل أوت كتابيه )(سورة احلاقة آية‪. )95:‬‬
‫قد يقول قائل كيف يعطى بشماله ومن وراء ظهره ؟‬
‫واجلواب عن هذا أن يقال ‪ :‬أنه يعطى كتابه بشماله ومن وراء ظهره ‪ ،‬يعين يدفع له من وراء ظهره‬
‫وليس من األمام ليكون ذلك أشد تبكيتا وتعنيفا و إهانة ‪.‬‬
‫وقد أنشد عبد هللا بن املبارك رمحه هللا أبيات يف هذا املعىن فقال‪:‬‬
‫وطارت الصحف ِف األيدي منشرة يود قوم ذوو عز لو أهنم فكيف سهمك واألنباء واقعة أِف‬
‫اجلنان وفوز ال انقطاع له هتوي بساكنها طوراً وترفعه طال البكاء فلم ينفع تضرعهم فيها السرائر‬
‫واجلبار مطلع هم اخلنازير كي ينجو أو الضبع عما قليل وال تدري مبا تقع أم اجلحيم فال تبقي وال‬
‫تدع إذا رجوا خمرجا من غمها قمعوا هيهات ال رقة تغين وال جزع (‪)4‬‬
‫املعىن أهنم مل تنفعهم فدية وال بكاء وال غريه ‪ ،‬وهذا املقام يصور دفع الكتب للناس كوهنم يعطون‬
‫إايها ِف ذلك الوقت الذي تكون فيه احلسرة أو تكون فيه الفرحة ‪ ،‬فمن آخذ كتابه بيمينه أو‬
‫بشماله ‪ .‬وهللا سبحانه وتعاىل أشار إىل هذا ِف كثري من آايت القرآن ‪ ( :‬وكل إنسان ألزمناه طائره‬
‫ِف عنقه وخنرج له يوم القيامة كتااب يلقاه منشوراً اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا‬
‫)(سورة اإلسراء آية‪ )44:‬كل إنسان يقرأ ما ِف كتابه سواء أكان قارائ أم غري قارئ ‪،‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سري أعالم النبالء ‪. 144/٧‬‬

‫‪319‬‬
‫وغري القارئ يعطيه هللا سبحانه وتعاىل قدرة على القراءة حىت لو كان ِف الدنيا غري قارئ ‪.‬‬

‫( والثواب والعقاب )‬
‫الشرح ‪ :‬يعين نؤمن ابلثواب والعقاب وأنه منوط ابألعمال وأن الثواب والعقاب نتيجة عمل‬
‫اإلنسان ‪.‬‬
‫ويف مسألة ارتباط الثواب ابلعمل ثالثة مذاهب ‪:‬‬
‫املذهب األول‪ :‬واألحق واملطابق لكتاب هللا عز وجل وسنة نبيه ملسو هيلع هللا ىلص هو مذهب أهل السنة‬
‫واجلماعة ومن وافقهم من فرق األمة ‪ ،‬وهو أن الثواب مرتتب على العمل ومربوط به ‪ ،‬والعمل‬
‫الصاحل سبب حلصول الثواب ‪ ،‬والعمل السيئ سبب حلصول العقاب ‪ ،‬ولكن ليس كون الثواب‬
‫مرتتبا على العمل أن يكون هذا الرتتب حتميا ‪ ،‬هم يقولون إن األعمال أسباب ولكن األسباب ال‬
‫تتم مسبباهتا إال بشروط وانتفاء موانع ‪ ،‬فمن الشروط أن يشاء هللا سبحانه وتعاىل ترتب الثواب أو‬
‫العقاب على العمل ‪ ،‬وهلذا يقولون إن املعاصي سبب لدخول النار ولكن ليس كل من ارتكب‬
‫معصية ومات مصراً عليها دخل النار ‪ ،‬فقد يعفو هللا عنه ويتواله ابلعفو ويدخله اجلنة ولو وجد‬
‫منه السبب الذي هو العمل السيئ ‪.‬‬
‫املذهب الثاين ‪ :‬مذهب املعتزلة ‪ ،‬يقولون إن الثواب والعقاب مرتتب على العمل ‪ ،‬فالثواب مرتتب‬
‫على العمل الصاحل والعقاب مرتتب على العمل السيئ ‪ ،‬ولكن خيتلفون عن أهل السنة ِف أن هذا‬
‫الرتتب يكون حتما ‪ ،‬يعين البد وأن حيصل ‪ ،‬فمىت ما عمل اإلنسان صاحلا فالبد وأن حيصل ثوابه‬
‫‪ ،‬وال يعلقون ذلك مبشيئة هللا ‪ ،‬وإذا حصل معصية فالبد أن ينال العقاب وال يعلقون ذلك مبشيئة‬
‫هللا بل يقولون الثواب مرتتب على العمل كرتتب العوض على املعوض متاما ‪ ،‬فال جيوز أن يوجد‬
‫عاص ‪ ،‬وال يوجد عقاب أبداً ‪.‬‬
‫املذهب الثالث ‪ :‬مذهب اجلربية ‪ ،‬فإهنم يقولون ال صلة بني الثواب والعقاب كما تقدم ‪ ،‬فالثواب‬
‫ال يتعلق ابلعمل الصاحل والعقاب ال يتعلق ابلعمل السيئ بل هو متعلق ابملشيئة فقط ‪ ،‬ووجهتهم‬
‫كما سبق يقولون إن العبد ليس له عمل حىت يثاب عليه أو يعاقب ألنه جمبور على عمله ‪.‬‬

‫( والصراط )‬
‫الشرح ‪ :‬يعين نؤمن ابلصراط ‪ ،‬والصراط ِف اللغة الطريق ‪ ،‬يقال هذا صرا ط مستقيم يعين طريق ال‬
‫اعوجاج فيه ‪.‬‬

‫‪321‬‬
‫فيطلق على الطريق املعنوي كاملذهب والدين واملنهج ‪ ،‬فيقال هذا صراط هللا وهذا صراط الشيطان‬
‫‪ ،‬كما ِف قوله سبحانه ( صراط الذين أنعمت عليهم )(سورة الفاحتة آية‪ )1:‬واملراد ابلصراط هنا‬
‫الطريق املعنوي وهو الدين ‪.‬‬
‫ويطلق أيضا على الطريق احلسي كما هو أصله ‪ ،‬وهو الذي أراده هنا ‪ ،‬وهو الصراط احلسي ‪ ،‬أي‬
‫اجلسر الذي ينصب على منت جهنم يوم القيامة ويكلف الناس ابجتيازه ‪ ،‬وجيتازونه على حسب‬
‫أعماهلم ‪ ،‬فمن الناس من جيتازه بسرعة خاطفة ومنهم من جيتازه بسرعة بطيئة ومنهم من حيبو حبواً‬
‫تقر رجل وتعلق أخرى ‪ ،‬وتقر يد وتعلق أخرى ‪ ،‬لكنه خيلص منها وينجو ‪ ،‬فإذا جنا قال احلمد هلل‬
‫الذي آاتين ما مل يؤت أحداً من خلقه ‪ ،‬ألن النجاة من النار فضل ال يتصور اإلنسان ِعظَمه ‪.‬‬
‫ومذهب أهل السنة و اجلماعة اإلميان ابلصراط ‪ ،‬وقد جاءت أوصافه ِف أحاديث كثرية منها أنه‬
‫أدق من الشعرة وأحد من السيف وأحر من اجلمر وأنه دحض مزلة ‪ ،‬لكن من أئمة السلف من‬
‫يؤمن ابلصراط وأنه جسر منصوب على منت جهنم ولكن‬ ‫يرى أن هذه الصفات مل تثبت كلها ‪ِ ،‬‬
‫يقول هذه الصفات مل تثبت ‪.‬‬
‫وعادة العلماء يبحثون ِف مسألة الصراط معىن الورود كما ِف قوله تعاىل ‪ ( :‬وإن منكم إال واردها‬
‫)(سورة مرمي آية‪ )14:‬هذه اآلية للمفسرين ِف معناها ثالثة مذاهب ‪:‬‬
‫املذهب األول ‪ :‬الورود الذي ذكر ِف اآلية معناه العبور على الصراط ابلنسبة للمؤمنني ‪ ،‬والدخول‬
‫إىل النار ابلنسبة للكافرين ‪ ،‬يعين ال أحد إال وسوف يرد النار ‪ ،‬إما أن يدخل فيها إن كان من‬
‫أهلها وإما أن مير عليها إن كان من أهل اجلنة ‪.‬‬
‫املذهب الثاين ‪ :‬أن الورود معناه الوقوف حول النار واإلطالع عليها من كثب ويستدل هؤالء‬
‫بقوله تعاىل ‪( :‬وملا ورد ماء مدين )(سورة القصص آية‪ )94:‬يقولون إنه أطلق الورود مع أن موسى‬
‫ما دخل ِف ماء مدين ( ورد ماء مدين ) يعين وقف قربه ووقف حوله ‪.‬‬
‫املذهب الثالث ‪ :‬الذين يقولون ما من أحد إال سيدخل النار دخوال حقيقا ‪ ،‬من أهل اجلنة ومن‬
‫أهل النار ‪ ،‬فأما أهل اجلنة فتكون عليهم برداً و سالما مث خيرجون منها إىل اجلنة ‪ ،‬وهؤالء يقولون‬
‫إن تفسري الورود ابملرور على الصراط يرده قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬وإن منكم إال واردها – إىل‬
‫قوله – مث ننجي الذين اتقوا )(سورة مرمي آية‪ ، )14-19:‬قالوا ‪ :‬فيفهم من هذا أن النجاة‬
‫حصلت بعد الوقوع ِف النار ‪.‬‬

‫‪321‬‬
‫وهذا أجاب عنه العلماء أبنه ال يلزم من وصف اإلنسان ابلنجاة من الشيء أنه دخل فيه ‪ ،‬بل إذا‬
‫انعقدت أسباب األمر وأوشك أن حيصل مث مل حيصل قيل جنى ‪ ،‬ولذا قال سبحانه جنينا هوداً جنينا‬
‫صاحلا جنينا شعيبا ‪ ،‬مع أن العذاب الذي أصاب قومهم ما أصاهبم ‪ ،‬ومع هذا قال جنيناهم ‪.‬‬
‫فيكون معىن ‪ ( :‬مث ننجي الذين اتقوا ) أي ننجيهم من النار بطريق عبورهم على الطريق ‪ ،‬وليس‬
‫بعد أن دخلوا فيها ‪.‬‬
‫واألقوال يف مسألة الورود هي هذه الثالثة ‪:‬‬
‫‪ – 4‬إما العبور على الصراط ابلنسبة للمؤمنني ودخول النار ابلنسبة للكافرين ‪.‬‬
‫‪ – 9‬وإما الوقوف حوهلا والقرب منها ‪.‬‬
‫‪ – 4‬وإما الدخول احلقيقي جلميع الناس فيها ‪ ،‬لكنها تكون برداً وسالما على املؤمنني كما كانت‬
‫برداً وسالماً على إبراهيم ‪.‬‬
‫والراجح األول هو الذي عليه أكثر املفسرين ‪.‬‬

‫( و امليزان )‬
‫الشرح ‪ :‬اإلميان ابمليزان من أصول أهل السنة واجلماعة ‪ ،‬وهو أن هللا سبحانه وتعاىل ينصب امليزان‬
‫يوم القيامة و يزن أعمال العباد ليتبني ثقلها من خفتها ‪.‬‬
‫واملعتزلة أنكروا ذل وقالوا هذا غري صحيح وال يعقل وقد أنكروه بشبهتني ‪:‬‬
‫الشبهة األوىل ‪ :‬قالوا هللا سبحانه وتعاىل عامل أبفعال العباد ال حيتاج إىل امليزان ‪ ،‬الذي حيتاج إىل‬
‫امليزان هو الفوال والبقال الذين ال يعرفون العواقب وال يعرفون املقادير ‪ ،‬أما هللا سبحانه وتعاىل فإنه‬
‫عامل أبعمال العباد فال حاجة به إىل وزهنا ‪.‬‬
‫الشبهة الثانية ‪ :‬قالوا إن األعمال أعراض ‪ ،‬واألعراض ال تقبل الوزن وليس هلا ثقل حىت توزن ‪،‬‬
‫إمنا الذي يقبل الوزن األعيان ‪.‬‬
‫لكن أجاب أهل السنة واجلماعة عن هاتني الشبهتني فقالوا ‪:‬‬
‫أما األوىل ‪ :‬فإننا نقول إن هللا سبحانه وتعاىل عامل أبعمال العباد قبل وزهنا وأنه ال حاجة له إىل‬
‫وزهنا ‪ ،‬ولكن يريد سبحانه وتعاىل أن يُعذر من عباده ‪ ،‬وأن يوقفهم على أعماهلم وجيعلهم يرون‬
‫ميزاهنم إذا ثقل أو خف حىت ال حيتجوا فإهنم إذا شاهدوا صحفهم تطيش وختف عندها ال ميكنهم‬
‫االحتجاج أو االعتذار ‪ ،‬وأيضا قالوا فإن هللا سبحانه وتعاىل حيب العدل ويريد أن يري عباده عدله‬
‫‪،‬فإذا شاهدوها عرفوا أنه ما ظلم أحداً ‪.‬‬

‫‪322‬‬
‫وأما الشبهة الثانية ‪ :‬وهي قوهلم إن األعمال أعراض فأجابوا عنها بقوهلم ‪:‬‬
‫إن هللا سبحانه وتعاىل قادر على قلب األعراض أعياان ‪ ،‬هو صحيح أن األعمال وإن كانت –‬
‫كالصالة والصيام – أعراضا لكن إذا كان يوم القيامة جيعلها هللا سبحانه وتعاىل أعياان ‪ ،‬كما ورد‬
‫أن القرآن أييت ِف صورة رجل يوم القيامة جيادل عن صاحبه وحياج دونه ‪ ،‬وكذلك الصيام ‪ ،‬وقد‬
‫ورد ِف الصحيح ‪ ( :‬اقرؤوا القران فإنه أييت يوم القيامة شفيعا ألصحابه ‪ ،‬اقرؤوا الزهراوين ‪ :‬البقرة‬
‫وسورة آل عمران فإهنما أتتيان يوم القيامة كأهنما غمامتان أو كأهنما غيايتان أو كأهنما فرقان من‬
‫طري صواف حتاجان عن أصحاهبما اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة وال تستطيعها‬
‫البطلة )(‪ )4‬وكذلك ثبت ِف الصحيح عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال ‪ (:‬يؤيت ابملوت يوم القيامة ِف صورة‬
‫كبش أملح فيذبح فيقال ألهل اجلنة خلود فال موت واي أهل النار خلود فال موت )(‪ )9‬وليس‬
‫املراد ابملوت ملك املوت كما يغلط بعض الناس ويفهم ذلك ‪ ،‬بل املراد ابملوت املوت الذي هو‬
‫مفارقة احلياة ‪ ،‬وهو معىن من املعاين ‪ ،‬ومع هذا يؤتى به ِف صورة كبش ‪ ،‬فإذا كان املوت كذلك‬
‫فإن هللا سبحانه وتعاىل جيعل األعراض أجسادا تقبل الوزن وتوضع ِف امليزان ‪ ،‬فبطلت هااتن‬
‫الشبهتان ‪.‬‬
‫ويبحث بعض العلماء يف الوزن هل يكون للعمل أو للعامل أو للصحف ؟‬
‫من العلماء من قال الذي يوزن العامل نفسه ‪ ،‬جيعل ِف كفة وأعماله ِف كفة أخرى ‪ ،‬وهؤالء‬
‫يستدلون أبحاديث منها قوله عليه الصالة والسالم حينما كان مع أصحابه ِف السفر قالوا حتت‬
‫شجر األراك وبدؤوا جينون من مثره ‪ ،‬فعبد هللا بن مسعود تسلق الشجرة ليجين للنيب ملسو هيلع هللا ىلص من مثرها‬
‫‪ ،‬وكان دقيق الساقني وصغري اجلسم وهناك ريح كانت تقلبه مع الغصن ‪ ،‬فرآه الصحابة فضحكوا‬
‫‪ ،‬فقال عليه الصالة والسالم ‪ ( :‬مم تضحكون ) ‪ ،‬قالوا ‪ :‬من دقة ساقيه اي رسول هللا فقال عليه‬
‫الصالة والسالم ‪ ( :‬والذي نفسي بيده إهنما ِف امليزان أثقل من جبل أحد )(‪ )4‬هذا استدل به‬
‫من يقول أبن العامل هو الذي يوزن ‪ ،‬وكذلك جاء ِف احلديث قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪ ( :‬يؤيت ابلرجل العظيم‬
‫السمني يوم القيامة فيوضع ِف امليزان ال يزن عن د هللا جناح بعوضة )(‪. )1‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم ( ‪. ) ٧٧1‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخاري ( ‪ ) 114٧‬ومسلم ( ‪. ) 9٧12‬‬
‫(‪ )4‬رواه أمحد ِف مسنده ( ‪ ) 4224‬والبخاري ِف األدب املفرد ( ‪ ) 941‬وغريمه ا بسند صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ( ‪ ) 1192‬ومسلم ( ‪. ) 91٧5‬‬

‫‪323‬‬
‫وهناك قول آخر يقول به السلف أن الصحف هي اليت توزن ‪ ،‬وهؤالء استدلوا حبديث البطاقة‬
‫حينما أويت برجل وأخرج له تسعة وتسعون سجال كلها مسودة ابلسيئات ‪ ،‬كل سجل منها مد‬
‫البصر ‪ ،‬فقال هللا له ‪ :‬أتنكر من هذا شيئا ؟ أظلمك كتبيت احلافظون ؟ فيقول ‪ :‬ال ايرب ‪ ،‬فيقول‬
‫هللا ‪ :‬أفلك عذر ؟ فيقول ‪ :‬ال ايرب ‪ ،‬فيقول ‪ :‬بلى إن لك عندان حسنة ‪ ،‬فإنه ال ظلم عليك‬
‫اليوم ‪ ،‬فتخرج بطاقة فيها ‪ :‬أشهد أن ال إله إال هللا وأشهد أن دمحم رسول هللا ) فيقول ‪ :‬احظر‬
‫وزنك ‪ ،‬يقول ‪ :‬اي رب ما هذه البطاقة مع هذه السجالت ؟ ‪ -‬يعين ماذا جتدي ورقة مع هذه‬
‫السجالت املائة اليت كل وأحد منها مد البصر ؟ ‪ -‬فقال‪ ( :‬إنك ال تظلم ) فتوضع السجالت ِف‬
‫كفة و البطاقة ِف كفة ‪ ،‬فطاشت السجالت وثقلت البطاقة (‪ ، )4‬فرتجح ابلسيئات فينجو‬
‫وخيلصه هللا هبذه البطاقة ‪ ،‬قالوا هذا دليل على أن الصحائف هي اليت توزن ‪.‬‬
‫وهناك قول اثلث يقول إن الوزن للعمل وليس للعامل وال للصحف ‪ ،‬توضع السيئات ِف كفة‬
‫واحلسنات ِف كفة وأيهما رجحت كان هلا احلكم ‪ ،‬وهؤالء مما استدلوا به قوله ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬الطهور‬
‫شطر اإلميان واحلمد هلل متأل امليزان )(‪ ، )9‬وقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪ ( :‬كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان ِف‬
‫امليزان حبيبتان إىل الرمحن سبحان هللا وحبمده سبحان هللا العظيم )(‪. )4‬‬
‫ومجع بعض العلماء بني هذه األقوال فقال إنه ميكن وزن العامل والعمل والصحف مجيعا وال‬
‫تعارض بني هذه النصوص اليت وردت ِف هذه ‪.‬‬

‫هذا ما يتعلق هبذه النقاط ‪ ،‬وقد اختصرهتا اختصاراً شديداً جداً ‪ ،‬وإال فكل نقطة منها حتتاج إىل‬
‫حماضرة وقد كنت أدرس ِف اجلامعة امليزان أجعل له حماضرتني والصراط حماضرتني والبعث أجعل فيه‬
‫أكثر من عشر حماضرات ‪ ،‬لكنين ضغطها لك ابختصار زائد جداً ‪.‬‬

‫( واجلنة و النار خملوقتان ال تفنيان أبدا وال تبيدان )‬


‫الشرح ‪ :‬اجلنة معناها ِف اللغة البستان ‪ ،‬فكل بستان امسه جنة ‪ ،‬ألنه ُجتن أرضه وما حتته ‪،‬‬
‫فالبستان يكون فيه أشجار واألشجار جتن ما حتتها أي تسرته ‪ ،‬فاجلنة مأخوذة من جن مبعىن سرت‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي ( ‪ ) 9142‬وابن ماجه ( ‪ ) 14٧٧‬وسنده صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه مسلم ( ‪ ) 994‬والرتمذي ( ‪. ) 4549‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 1514‬ومسلم ( ‪.) 9121‬‬

‫‪324‬‬
‫وهذه املادة اليت هي جن ( اجليم والنون ) ِف أي تركيب استعملت فإهنا تدل على السرت والتغطية‬
‫من ذلك قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬فلما جن عليه الليل رأى كوكبا )(سورة األنعام آية‪ ، )11:‬أي‬
‫سرته وغطاه بظالله ‪ ،‬كما قال الراجز ‪:‬‬
‫ط‬
‫حىت رذا جن الظالم و اختل ْ‬
‫ط (‪)4‬‬
‫جاؤوا مبذق هل رأيت الذئب ق ْ‬

‫قوله ‪ :‬جن الظالم أي سرت وغطى األرض ‪.‬‬


‫ومنه اجلنني مسي جنينا الستتاره ِف رحم أمه ‪ ،‬من ذلك قول عمرو بن كلثوم ‪:‬‬
‫ذراعي عيطل أدماء بـك ٍر‬
‫هجـان اللون مل تقرأ جنينا (‪)9‬‬

‫فأطلق عليه اسم اجلنني الجتنانه ِف بطن أمه ‪.‬‬


‫واجملن هو شيء يسترت به احملارب ويغطي به نفسه من السيوف والرماح ‪ ،‬ورمبا الرصاص إذا كان‬
‫قواي ‪.‬‬
‫ومنه قول عمرو بن ربيعة ‪:‬‬
‫فكان جمين دون من كنـت اتقى‬
‫ثالث شخـوص كاعبان ِ‬
‫ومعصر (‪)4‬‬

‫فكان جمين ‪ :‬أي سرتي ‪ ،‬يصور النساء الثالث الاليت هن صديقاته أنه جعلهن كالسرت عليه عن‬
‫عيون الناس ‪.‬‬

‫وقوله ‪ ( :‬ثالث شخوص ) هنا وقفة حنوية ‪:‬‬


‫فإن القاعدة للعدد من ثالث إىل عشرة أن يذكر مع املؤنث ويؤنث مع املذكر ‪ ،‬مبعىن أنه إذا‬
‫كانت الثالثة إىل العشرة ملذكر فإنه يؤتى ابلتاء فتقول ثالثة ‪ ،‬وإذا كان ملؤنث حتذف التاء فتقول‬
‫ثالث ‪ ،‬وهو هنا قال ‪ :‬فكان جمين دون من كنت أتقى ثالث شخوص ‪ ،‬والشخوص مجع شخص‬
‫______________________________________‬
‫(‪)4‬ينظر شرح ألفية ابن مالك البن عقيل ‪ 4٧5/9‬ت دمحم حمي الدين عبداحلميد ‪.‬‬
‫(‪ )9‬ينظر أضواء البيان ‪.1/1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر تفسري القرطيب ‪. 419/42‬‬

‫‪325‬‬
‫والشخص مذكر ‪ ،‬فلماذا جاء ابلتاء ِف مجع الثالثة مع أهنا مذكر ‪ ،‬والقاعدة أنه ال أتيت التاء ؟‬
‫قالوا الذي أابح هذا كون الشخوص مذكرا لفظا ومؤنثا معىن ‪ ،‬يعين قوله ثالث شخوص أي‬
‫ثالث نساء ‪ ،‬فلما كان معىن الشخوص هنا مؤنثا ساغ حذف التاء ‪ ،‬فقال ‪ :‬ثالث شخوص ‪،‬‬
‫وإال فاألصل والقاعدة أن يقول ثالثة شخوص ‪.‬‬
‫بقي أن يقال ما الدليل على أن هذه الشخوص مؤنث ؟‬
‫الدليل على ذلك أنه وصف هذه األشخاص الثالثة أبوصاف ال تنطبق إال على النساء فقال‬
‫ثالث شخوص كاعبان ومعصر ‪ ،‬فالكاعب واملعصر أوصاف ال يوصف هبا إال النساء ‪ ،‬ألن‬
‫الكاعب هي اليت تكعب ثديها أي برز ‪ ،‬واملعصر هي الفتاة اليت قاربت احليض ومل حتض ‪ ،‬وهذان‬
‫الوصفان ال يقعان إال على النساء ‪ ،‬إذاً فالشخوص نساء فساغ أتنيث العدد هنا ‪.‬‬
‫ومنه قل الراجز ‪:‬‬
‫جـاريـة بسـفوان دارهــا‬
‫متـشي اهلويىن ساقطا مخارهـا‬
‫قد أعصرت أو قد دان رعصارها (‪)4‬‬

‫يعين حاضت أو قارب حيضها ‪.‬‬


‫ويطلق جمازاً على املطر ‪ ،‬إذا قاربت السحب املطر يقال هذه سحابة معصر ‪ ،‬كما ِف قوله تعاىل ‪:‬‬
‫( وأنزلنا من املعصرات ماءً ثجاجا )(سورة النبأ آية‪. )41:‬‬
‫احلاصل أن الشخوص ِف البيت السابق معناه ثالث نساء ‪.‬‬
‫وعادة الشعراء أهنم يزعمون – سواء كان صحيحا أو يزعمون – أن صديقاهتم أو معشوقاهتم تسرت‬
‫عليهم بكسائها ‪ ،‬كما قال امرئ القيس ‪:‬‬
‫خرجت هبـا أمشي جتر وراءان‬
‫على أثرينا ذيل مرط مرجل (‪)9‬‬

‫أي جتر مرطها على األثر ‪ ،‬تعميها عن الناس حىت ال يعرفوا جميئه إليها ‪.‬‬
‫هذا معىن اجلنة ِف اللغة ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬ينظر تفسري القرطيب ‪.414/42‬‬
‫(‪ )9‬ينظر زاد املسري عند تفسريه لقوله تعاىل ( كان مل يغنوا فيها ‪.) ..‬‬

‫‪326‬‬
‫أما معىن اجلنة ِف اآلخرة فهي تلك الدار اليت أعد هللا فيها لعباده املؤمنني ما ال عني رأت وال أذن‬
‫مسعت وال خطر على قلب بشر من النعيم والسرور واحلور وغري ذلك ‪.‬‬
‫وأما النار لغة ‪ :‬هي العنصر احملرق املعروف ‪ ،‬تسمى انراً وتسمى جهنم وتسمى جحيما وتسمى‬
‫احلطمة هلا أمساء كثرية ‪ ،‬وجهنم لفظ أصله فارسي ‪ ،‬ألن الفرس يسمون النار كهنام ‪ ،‬فالعرب‬
‫عربوها وقالوا جهنم وأطلقوها على النار ‪.‬‬
‫َّ‬
‫أما النار شرعا ‪ :‬فهي تلك الدار اليت أعدها هللا مكاان لعباده العاصني والكافرين واملنافقني ‪،‬‬
‫وأوجد فيها من اجلحيم والسعري واألغالل – والعياذ ابهلل – والسالسل ما ال يتصوره بشر ‪.‬‬
‫أما حكم وجود اجلنة والنار اآلن فجمهور املسلمني على أهنما موجوداتن ‪ ،‬خلقهما هللا قبل أن‬
‫خيلق اخللق ‪ ،‬وأعدمها وهيأمها ‪ ،‬وال يزال سبحانه وتعاىل يوجد فيهما من أصناف النعيم والعذاب ‪،‬‬
‫حيدثه فيهما شيئا بعد شيء إىل يوم القيامة ‪ ،‬حىت بعد دخول أهل اجلنة اجلنة وأهل النار النار ‪.‬‬
‫أما املعتزلة فإهنم أنكروا وجود اجلنة والنار اآلن وقالوا إهنما غري خملوقتني اآلن ولن ختلقا إال يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬وال جيوز خلقهما قبل يوم القيامة ‪.‬‬
‫ما دليلهم على ذلك ‪ ،‬ألن قوهلما اجلنة والنار معدومتان اآلن هذه قضية إجيابية ‪ ،‬وكل قضية –‬
‫سواء كانت إجيابية أم سلبية – ال تقبل من صاحبها إال بدليل ‪.‬‬
‫إذاً فما الدليل لدى املعتزلة على عدم وجود اجلنة والنار اآلن وأهنما لن توجدا إال يوم القيامة ؟‬
‫الشبهة األوىل ‪ :‬قالوا من حيث املعىن فإن هللا سبحانه وتعاىل حكيم وجيب عقال تن زيهه عن‬
‫العبث والقبح ‪ ،‬ووجود اجلنة والنار قبل يوم القيامة عبث ألنه ال حكمة ِف ذلك ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬لو أن إنساان أعد بيتا وجعله مهيئا ‪ ،‬بناه وفرشه وهيئه سنني بدون ساكن لعد هذا عبثا ‪،‬‬
‫إذاً فكذلك هللا ‪ ،‬فما احلكمة ِف كون اجلنة والنار يوجدان مث يبقيان سنني طويلة بل ماليني السنني‬
‫بدون ساكن ‪ ،‬إذاً فال جيوز عقال أن تكون اجلنة والنار موجودتني اآلن ‪.‬‬
‫مجهور املسلمني الذين قالوا بوجودمها أجابوا عن هذه الشبهة وقالوا ‪:‬‬
‫الوجه األول ‪ :‬ال جيوز قياس اخللق على اخلالق أو قياس اخلالق على اخللق ‪ ،‬وحىت لو كان مثل‬
‫هذا ابلنسبة للمخلوق عبثا ‪ ،‬فإنه ِف حقه سبحانه وتعاىل ال يكون عبثا ألنه ال جيوز لنا أن نقيس‬
‫اخلالق على املخلوق ‪ ،‬وال جيوز لنا أن نقيس أفعاله على أفعال املخلوق ‪ ،‬وهللا سبحانه ال يشبه‬
‫خلقه ِف شيء من األشياء وال الصفات اليت يتصفون هبا ‪ ،‬هللا سبحانه حكيم وفاعل ملا خيتار وال‬
‫يكون ِف فعله قبيح ‪.‬‬

‫‪327‬‬
‫الوجه الثاين ‪ :‬أن يقال إن مثل هذا ممكن أن يصدر عن خملوق وال يكون عبثا ‪ ،‬ميكن لإلنسان‬
‫أن يتوقع قدوم ضيف عليه أو قريب له مسافر ويهيئ له منزال ويعده ويفرشه ويهيئه ويبقى أشهراً‬
‫وأكثر من أشهر بدون ساكن ‪ ،‬بل مهيئا ملن سيسكنه فيما بعد فال يعد هذا عبثا ِف حق اإلنسان‬
‫‪ ،‬فمن ابب أوىل أن يكون ذلك ِف حق هللا سبحانه وتعاىل ليس عبثاً ‪.‬‬
‫الشبهة الثانية ‪ :‬متسكوا بظواهر نصوص ال تدل وال توصل إىل ما ذهبوا إليه ‪:‬‬
‫‪ -4‬من ذلك قوله سبحانه وتعاىل حكاية عن امرأة فرعون أهنا قالت ‪ ( :‬رب ابن يل عندك بيتاً ِف‬
‫اجلنة )(سورة التحرمي آية‪ )44:‬قالوا ‪ :‬لو كانت اجلنة موجودة اآلن ملا طلبت أن يبين هللا هلا بيتاً ِف‬
‫اجلنة ‪.‬‬
‫‪ -9‬ومن ذلك قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬كل من عليها فان )(سورة الرمحن آية‪ )91:‬قالوا لو كانت‬
‫اجلنة والنار خملوقتني اآلن للزم أن تفنيا ضرورة قبل يوم القيامة ‪.‬‬
‫‪ -4‬قالوا وكذلك قوله ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬لقيت أيب إبراهيم ليلة أسري يب فقال أقرئ أمتك عين السالم‬
‫وأخربهم أن اجلنة طيبة الرتبة عذبة املاء وأهنا قيعان وأن غراسها سبحان هللا واحلمد هلل ‪)..‬‬
‫احلديث (‪. )4‬‬
‫‪ -1‬واستدلوا أيضا بقوله ملسو هيلع هللا ىلص ‪( :‬من ق ال سبحان هللا العظيم وحبمده غرست له خن لة ِف اجلنة)‬
‫(‪.)9‬‬
‫قالوا هذا يدل على أن اجلنة غري موجودة ‪ ،‬فلو كانت موجودة مل يكن للغراس معىن ‪ ،‬كما أنه مل‬
‫يكن للبناء معىن ِف آية التحرمي السابقة ‪ ،‬وكون البناء موجودا إذا خلقت اجلنة معناه أن كل شيء‬
‫موجود ‪ ،‬هذا وجه الداللة عندهم ‪.‬‬
‫واجلواب أن يقال ‪:‬‬
‫أوال‪ :‬قوهلم إن قوله تعاىل حكاية عن امرأة فرعون ‪ ( :‬رب ابن يل عندك بيتا ِف اجلنة ) يلزم لو كنا‬
‫نقول إن هللا خلق اجلنة والنار ومل يَبق شيء إال وخلقه فيهما ‪ ،‬حنن نقول إن اجلنة والنار خملوقتان‬
‫ولكننا ال نقول إن خلقهما قد كمل وإن هللا تعاىل ال خيلق فيهما شيئا وال حيدث فيهما شيئا ‪ ،‬لو‬
‫كنا نقول هذا لكان ما ذكروه دليال ‪ ،‬حنن نقول ‪ :‬خلق هللا اجلنة والنار وال يزال سبحانه وتعاىل‬
‫خيلق فيهما وحيدث فيهما من البناء و الغراس وغري ذلك إىل يوم القيامة ‪ ،‬بل بعد أن يدخل أهل‬
‫اجلنة اجلنة والنار النار فإنه حيدث وخيلق فيهما من أنواع النعيم والعذاب الشيء الكثري ‪ ،‬إذاً فال‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي ( ‪ ) 4119‬بسند صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه الرتمذي ( ‪ ) 4111‬بسند صحيح ‪.‬‬

‫‪328‬‬
‫يبقي لالحتجاج هبذه اآلايت شيء ‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬وأما قوله تعاىل ‪ ( :‬كل من عليها فان )(سورة الرمحن آية‪ )91:‬كقوله تعاىل ‪ ( :‬كل شيء‬
‫هالك إال وجهه )(سورة القصص آية‪ )٧٧:‬وهذه اآلية أقوى هلم ِف االستدالل من األخرى ‪ ،‬ألن‬
‫النار واجلنة شيء ‪ ،‬فلو كانتا موجودتني اآلن للزم أهنما يهلكان قبل يوم القيامة ويفنيان ‪.‬‬
‫واجلواب عن هذا أن يقال ‪ :‬إن قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬كل من عليها فان ) أي كل شيء قابل‬
‫للفناء فإن هللا سبحانه تعاىل سيفنيه ‪ ،‬كما أن كل شيء قابل للهالك ومن شأنه أن ميوت فإن هللا‬
‫سبحانه وتعاىل سيهلكه قبل يوم القيامة ‪ ،‬أما اجلنة والنار فهما خلقتا للبقاء وال ميكن عليهما‬
‫الفناء ‪ ،‬إذاً فال يدخالن ِف عموم ( كل شيء هالك ) وال ِف عموم ( كل من عليها فان ) ‪.‬‬
‫وأما أدلة أهل السنة واجلماعة ومجهور املسلمني وغريهم فالقرآن والسنة كلها مملوءة من األدلة على‬
‫أن هللا أعد اجلنة والنار كما ِف قوله تعاىل ( أعدت للكافرين ) وقوله عن اجلنة ( أعدت للمتقني )‬
‫‪ ،‬ومعىن اإلعداد اإلجياد ‪ ،‬ومعىن أعدها أي أوجدها وهيأها ‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬أما إخباره عليه الصالة والسالم ليلة أسري به أنه دخل اجلنة وأنه نظر إىل النار وأنه وجد ِف‬
‫اجلنة كذا ووجد ِف النار كذا فهذا عليهم وليس هلم ‪ ،‬ألن كل هذا يدل على أن اجلنة والنار‬
‫خملوقتان اآلن ‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أما اجلواب عن حديث (من ق ال سبحان هللا العظيم وحبمده غرست له خن لة ِف اجلنة)(‪. )4‬‬
‫فاجلواب عليه أن يقال ‪:‬‬
‫هذا احلديث وغريه مما ي ْشبهه كان ذكره ترغيبا للمؤمنني ِف املسارعة للعمل الصاحل ‪ ،‬ومثله يقال‬
‫فيما رآه النيب عليه الصالة والسالم ِف النار من تعذيب عمرو بن حلي وغريه أن ذلك كان ترهيبا‬
‫للكافرين ‪ ،‬وال يعين اإلحداث فيهما عدم وجودمها ‪.‬‬
‫أما ما يتعلق بدوامهما وعدم فنائهما ‪ ،‬هل اجلنة والنار تفنيان أو ال تفنيان أو يفىن أحدمها ‪ ،‬أو‬
‫تدومان وتبقيان وختلدان املسألة ابختصار فيها أربعة مذاهب ‪:‬‬
‫املذهب األول ‪ :‬أن اجلنة والنار ابقيتان خالداتن ال تفنيان وال تبيدان أبداً ‪ ،‬وهذا عليه مجهور‬
‫املسلمني من أهل السنة واجلماعة واألشاعرة واملعتزلة وغريهم ‪ ،‬هؤالء كلهم يعتقدون أن اجلنة والنار‬
‫دائمتان خالداتن ال تفنيان وال تبيدان أبداً ‪ ،‬واألدلة على ذلك كثرية من القرآن واحلديث ال يتسع‬
‫املقام لسردها منها ‪ ،‬من ذلك قوله سبحانه و تعاىل ‪ ( :‬خالدين فيها أبدا )‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي ( ‪ ) 4111‬بسند صحيح ‪.‬‬

‫‪329‬‬
‫‪ ،‬وقوله سبحانه وتعاىل ابلنسبة للنار ‪ ( :‬وما هم منها مبخرجني ) ‪ ،‬وقوله سبحانه وتعاىل ابلنسبة‬
‫للجنة ‪( :‬عطاء غري جمذوذ )(سورة هود آية‪ )4٧٧:‬أي غري مقطوع ‪ ،‬ونصوص كثرية جداً ال يتسع‬
‫املقام لسردها ‪.‬‬
‫املذهب الثاين ‪ :‬مذهب ينسب لبعض السلف ووردت به آاثر عن بعض الصحابة أهنم قالوا به ‪،‬‬
‫وهو ‪:‬أن اجلنة ابقية خالدة ال تفىن أبداً وال تبيد وأهلها خالدون ال يبغون عنها حوال ‪ ،‬وأما النار‬
‫تبقى مدة طويلة يعذب فيها أهلها مث تفىن وخيرج منها أهلها ‪ ،‬وهذا قول يروى عن بعض السلف‬
‫‪ ،‬نقل عن عمر وغريه أهنم قالوا ‪(:‬لو لبث أهل النار ِف النار كقدر رمل عاجل جلاء هلم يوم خيرجون‬
‫فيه ) (‪ ،)4‬وكذلك ما روي عن أيب هريرة ومثله عن ابن مسعود وغريمها أهنم قالوا ‪ ( :‬سيأيت على‬
‫جهنم يوم تصفق فيه أبواهبا من قلة الساكنني )(‪. )9‬‬
‫هذه اآلاثر وأمثاهلا استدل هبا القائلون بفناء النار دون اجلنة وأجابوا عن كل دليل يورده القائلون‬
‫ببقاء النار أبن ذلك حاصل ما دامت النار موجودة ‪:‬‬
‫كقوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬وما هم خبارجني من النار ) هذا نص على دوام النار ‪ ،‬لكنهم مينعون‬
‫ذلك ويقولون هذا ِف حالة حمدودة ‪ ،‬يعين ما دامت موجودة ‪.‬‬
‫وكذلك قوله سبحانه تعاىل ‪ ( :‬إن عذاهبا كان غراما )(سورة الفرقان آية‪ )15:‬أي مالزم ألهلها‬
‫مادامت ابقية ‪.‬‬
‫فكل آية أو حديث وردت تدل على أتبيد النار يقولون ‪ :‬هذا مراد به ما دامت موجودة ‪.‬‬
‫ومما استدل به القائلون بفناء النار أن هللا سبحانه وتعاىل قال ‪ ( :‬إن هللا ملا قضى اخللق كتب عنده‬
‫فوق عرشه‪ :‬إن رمحيت سبقت غضيب )(‪ . )4‬وِف لفظ ‪ ( :‬تغلب غضىب )(‪ ، )1‬قالوا فإذا كانت‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه عبد بن محيد عن عمر بن اخلطاب هنع هللا يضر وقد ضعفه الصنعاين ِف رفع األستار ص‪. 15‬‬
‫(‪ )9‬يقول ابن القيم رمحه هللا تعاىل ِف أول الوابل الصيب ‪ .‬وملا كان الناس ثالث طبقات ‪:‬‬
‫طيب ال يشوبه خبث ‪ ،‬وخبيث ال طيب فيه وآخرون فيهم خبث وطيب ‪ ،‬كانت دورهم ثالثة ‪:‬‬
‫دار الطيب احملض ودار اخلبيث احملض وهااتن الداران ال تفنيان ‪.‬‬
‫ودار ملن معه خبث وطيب وهي الدار اليت تفىن وهي دار العصاة فإنه ال يبقى ِف جهنم من عصاة املوحدين أحد فإهنم‬
‫إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا اجلنة وال يبقى إال دار الطيب احملض ودار اخلبيث احملض ‪.‬‬
‫انظر شرح الطحاوية البن أيب العز حتقيق الرتكي ص ‪.191‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪. ) 1551‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ( ‪ ) 4421‬ومسلم ( ‪.) 9154‬‬

‫‪331‬‬
‫رمحة هللا تغلب الغضب وتسبقه ‪ ،‬واجلنة أثر الرمحة والنار أثر الغضب فالبد أن يغلب أثر الرمحة أثر‬
‫الغضب ‪ ،‬فاجلنة هي أثر الرمحة ستغلب النار اليت هي أثر الغضب ‪ ،‬فتبقى وختلد وتدوم ‪ ،‬أما النار‬
‫فتفىن ‪.‬‬
‫قالوا وكذلك من وجه آخر ‪ :‬العذاب مراد هلل سبحانه وتعاىل لغريه ال لذاته ‪ ،‬والرمحة مرادة هلل‬
‫سبحانه وتعاىل لالحسان لذاته ‪ ،‬فاهلل يريد اإلحسان وحيب اإلحسان ألجل اإلحسان ويريد‬
‫العذاب واالنتقام ال ألجل العذاب واالنتقام ‪ ،‬ولكن ألجل أتديب املعذبني وتطهريهم وهتديدهم‬
‫عن درن الكفر واملعاصي اليت ارتكبوها ‪ ،‬فإذا عذهبم هللا ِف النار مدداً كافية لتطهريهم وأتديبهم‬
‫فإن التأديب بعد ذلك يبقى ال حكمة فيه ‪ ،‬فالبد أن خيرج أهل النار منها إذا تطهروا وهتذبوا ‪.‬‬
‫وكذلك قوله سبحانه وتعاىل (ورمحيت وسعت كل شيء)(سورة األعراف آية‪ )451:‬قالوا ‪ :‬املعذبون‬
‫ِف النار شيء ‪ ،‬فال بد أن تسعهم رمحة هللا فيخرجون من النار ‪ .‬وهكذا استمروا ِف سرد الشبهة‬
‫اليت يرون أهنا توصل إىل ما ذهبوا إليه ‪ .‬وقد نسب هذا القول إىل ابن القيم وابن تيمية ولكن‬
‫عندما تتأمل أقواهلما ومتحصها يتبني لإلنسان أهنما متوقفان مل يقطعا بفناء النار وال خبلودها(‪. )4‬‬
‫املذهب الثالث ‪ :‬مذهب اجلهم بن صفوان واتباعه ‪ :‬وهو أن النار واجلنة كالمها تفىن وتبيد ‪ ،‬وأن‬
‫ما فيهما يفىن ويبيد ‪.‬‬
‫شبهتهم ِف ذلك ‪ :‬أن اجلنة والنار لو بقيتا وخلدات إىل ما ال هناية لكانتا مشاهبة هلل سبحانه وتعاىل‬
‫ِف صفة البقاء والدوام ‪ ،‬ألن من صفات هللا سبحانه وتعاىل الدوام والبقاء ‪ ،‬وعدم قبول العدم‬
‫عقال ‪.‬‬
‫واجلواب عن هذا أن يقال ‪ :‬هناك فرق بني وصف هللا سبحانه وتعاىل ابلدوام والبقاء وبني وصف‬
‫اجلنة والنار ابلدوام والبقاء ‪ ،‬فإن دوامه سبحانه وتعاىل واجب لذاته وال يقبل العقل خبالفه ‪ ،‬أما‬
‫دوام اجلنة والنار فهو ممكن إال أن هللا سبحانه وتعاىل حكم به وأراد أن تبقيا ‪ ،‬فلوال إرادة هللا‬
‫وحكمه لبقائهما لكانتا كغريمها من املخلوقات تفنيان وتبيدان ‪.‬‬
‫املذهب الرابع ‪ :‬مذهب أيب اهلذيل العالف وأتباعه من أئمة املعتزلة ‪ ،‬وهذا املذهب ال يبعد عن‬
‫مذهب اجلهم بن صفوان ‪ ،‬ألن اجلهم بن صفوان يقول تفىن النار وتفىن اجلنة ويفىن من فيهما ‪،‬‬
‫أما أبو اهلذيل العالف فمذهبه قائم على أن اجلنة والنار ابقيتان وأن من فيهما ابقون ولكن تنقطع‬
‫األفعال ‪ ،‬أي يبقون ِف النار وِف اجلنة بسكون دائم ال يتحركون وال أيكلون وال يشربون وال‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬وقد نشر لشيخ اإلسالم ابن تيمية كتاب "الرد على من قال بفناء اجلنة والنار" ط دار بلنسية عام ‪4225‬م ‪.‬‬

‫‪331‬‬
‫يتنعمون وال يتلذذون فيبقون ِف اجلنة إىل ما ال هناية ويبقون ِف النار إىل ما الهناية ‪ ،‬من دون أن‬
‫يكون هلم أفعال أو حركات ‪.‬‬
‫وشبهته تقرب جداً من شبهة اجلهم بن صفوان يقولون ‪ :‬لو قلنا بدوام حركات أهل اجلنة والنار‬
‫ودوام أفعاهلما للزم أن تكون مشبهة ألفعال هللا سبحانه تعاىل فإذا كانت أفعاله تدوم وال تنقطع‬
‫وقلنا أبن أفعال أهل اجلنة وأهل النار تدوم وال تفىن لصارت مثل أفعال هللا ‪ ،‬فاقرتح هذا املذهب‬
‫الوسط بني مذهب مجهور املسلمني وبني مذهب اجلهم بن صفوان ‪.‬‬
‫ولكن املذهب الصحيح األول ‪ ،‬والثاين يليه ِف الصحة (‪ ، )4‬أما املذهب الثالث والرابع فهما‬
‫مذهبان ابطالن ال يقومان على أساس وال يقومان على مبدأ ‪.‬‬

‫( وأن هللا تعاىل خلق اجلنة والنار قبل اخللق وخلق هلما أهال ‪ ،‬فمن شاء منهم رىل اجلنة فضال‬
‫منه ‪ ،‬ومن شاء منهم رىل النار عدال منه ‪ ،‬وكل يعمل ملا قد فرغ له وصائر رىل ما خلق له و‬
‫اخلري و الشر مقدران على العباد )‬
‫الشرح ‪ :‬هذا املقطع يتعلق ابلقضاء والقدر ‪ ،‬مبعىن أن هللا سبحانه وتعاىل قدر وشاء وكتب ما‬
‫سيصري إليه العبد قبل أن خيلقه ‪ ،‬فهو إذا كان سعيداً أو شقيا فهذا كله مكتوب ومقدر ‪ ،‬ويدل‬
‫علية آايت كثرية من القرآن وكذلك أحاديث ‪ ،‬كقوله ملسو هيلع هللا ىلص عند خلق اجلنني ‪ ( :‬ويؤمر أبربع‬
‫كلمات ‪ :‬يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد )(‪. )9‬‬
‫يورد القدرية – نفاة القدر – على هذا فيقولون ‪:‬‬
‫إذا كان هللا قدر على العباد الشقاوة والسعادة فلماذا يعملون ‪ ،‬ملاذا ال يتكلون على كتابتهم‬
‫السابقة وال حاجة إىل العمل ‪.‬‬
‫وهذا جوابه أن يقال ‪ :‬إن الصحابة سألوا النيب ملسو هيلع هللا ىلص عن ذلك ملا خطبهم وأخربهم أبن هللا كتب‬
‫الشقاوة والسعادة قام سراقة بن مالك فقال‪ :‬اي رسول هللا ‪ :‬بني لنا ديننا ‪ ،‬كأان خلقنا اآلن ‪ ،‬فيم‬
‫العمل اليوم ؟ أفيما جفت به األقالم وجرت به املقادير ‪ ،‬أم فيما يستقبل ؟ قال ‪ ( :‬ال ‪ ،‬بل فيما‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬ال يعين قول الشيخ ( يليه ِف الصحة ) تصويب هذا القول ‪ ،‬ولكن يعين قبول االجتهاد ِف األخذ به وأن ذلك ال‬
‫يلزم عليه التبديع والتضليل ‪ ،‬وذلك لورود بعض اآلاثر عن السلف هبذا القول ‪ ،‬وهناك فتوى خمصوصة للشيخ حول‬
‫هذه املسألة‪ .‬أنظر ص‪ ، 4٧4‬مما قال فيها ‪ :‬فمن اجتهد وهو من أهل االجتهاد ‪ ،‬وأخذ أبحد القولني فإنه ال ينكر‬
‫عليه وال يضلل وال يبدع ‪ ..‬اخل ‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخاري ( ‪ ) 49٧٧‬ومسلم ( ‪. ) 9114‬‬

‫‪332‬‬
‫جفت به األقالم وجرت به املقادير )‪ ،‬قال ‪ :‬ففيم العمل ؟ فقال ‪ ( :‬اعملوا فكل ميسر ملا خلق‬
‫له )(‪ )4‬فإذا كان هللا سبحانه وتعاىل أخربان ابلقضاء والقدر وأمران أن نعمل فنؤمن إبخباره لنا‬
‫ابلقضاء والقدر ونصدقه ونعتقد ذلك ونعمل بقوله اعملوا كما قال سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬فأما من‬
‫أعطى واتقى * وصدق ابحلسىن * فسنيسره لليسرى * وأما من خبل واستغىن * وكذب ابحلسىن *‬
‫فسنيسره للعسرى )(سورة الليل آية‪ )5-4٧:‬إذاً فنحن مطلوب منا اإلميان ابلقضاء والقدر‬
‫ومأمورون ابلعمل ‪ ،‬فالبد لنا من األمرين ‪ ،‬البد أن نؤمن مبا أخربان به من سبق القضاء والقدر ‪،‬‬
‫وال بد لنا أن نطيع هللا ورسوله ونعمل ‪ ،‬وهللا ييسر لنا اخلري و يقدران إليه سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫والقضاء والقدر كرره املؤلف ِف الكتاب وأييت إن شاء هللا زايدة كالم ِف موضع آخر‪.‬‬

‫( واالستطاعة اليت جيب هبا الفعل من حنو التوفيق الذي ال يوصف املخلوق به تكون مع‬
‫الفعل ‪ ،‬وأما االستطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكن وسالمة اآلالت فهي قبل الفعل و‬
‫هبا يتعلق اخلطاب كما قال تعاىل ‪ :‬ال يكلف هللا نفسا رال وسعها )‬
‫الشرح ‪ :‬االستطاعة معناها لغة القدرة والطاقة ‪.‬‬
‫وهلا يف اصطالح العلماء ثالثة مذاهب ‪:‬‬
‫املذهب األول ‪ :‬مذهب أهل السنة واجلماعة ‪.‬‬
‫املذهب الثاين ‪ :‬مذهب القدرية ‪.‬‬
‫املذهب الثالث ‪ :‬مذهب اجلربية و األشاعرة ‪.‬‬
‫فأما خالصة مذهب أهل السنة واجلماعة ِف االستطاعة فهي عندهم نوعان ‪:‬‬
‫نوع يكون قبل الفعل ‪ ،‬ونوع يكون مع الفعل ‪.‬‬
‫فالنوع األول ‪ :‬ما يكون قبل الفعل وهو القدرة على الفعل ‪ ،‬يعين الوسع والتمكن وسالمة آالت‬
‫الفعل ‪ ،‬فمن كانت عنده هذه االستطاعة فهو مكلف وإن مل تكن عنده فليس مبكلف ‪ ،‬ولذا‬
‫فسرها بسالمة آالت الفعل ‪ .‬مثال ‪ :‬الرجل األعمى يقال ال يستطيع الكتابة ملاذا ؟ ألن آالت‬
‫الكتابة عنده غري موجودة وهي البصر ‪ ،‬وكذلك املريض الذي ال يستطيع القيام للصالة هذا ال‬
‫يكلف أبن يصلي قائما بل يكفي منه شرعاً أن يصلي قاعداً كما قال ملسو هيلع هللا ىلص‪ ( :‬صل قائماً فإن مل‬
‫تستطع فقاعداً فإن مل تستطع فعلى جنب )(‪. )9‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم ( ‪ ) 911٧‬و البخاري بلفظ آخر ( ‪. ) 4419‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخاري ( ‪ ) 4441‬وأبو داود ( ‪ ) 259‬والرتمذي ( ‪ ) 419‬وابن ماجه ( ‪. ) 4994‬‬

‫‪333‬‬
‫إذاً هذا النوع من أنواع االستطاعة يفسر ابلقدرة على الفعل بكون العبد ميكنه أن يفعل ‪ ،‬مبعىن أن‬
‫تكون آالت الفعل موجودة كاملة عنده وليس هناك ما مينعه من أن يفعل ‪ ،‬فمن كان مستطيعا‬
‫للنوع األول كلف وخوطب وأثيب على فعله وعوقب على تركه ‪ ،‬ومن مل يكن مستطيعا فإنه ال‬
‫يكلف وال يعاقب على ترك الفعل ‪.‬‬
‫النوع الثاين ‪ :‬هو ما يعطيه هللا للعبد من التوفيق والتسديد واإلعانة حىت حيصل منه الفعل ‪ ،‬وهذا‬
‫النوع يكون مع الفعل مقاران له ‪ ،‬ال أييت وحده بل ال ميكن أن يوجد الفعل إال وهذا النوع من‬
‫االستطاعة مقارن ومصاحب له ‪ ،‬إذاً فهو استطاعة ‪ ،‬ولكن ال يتعلق هبا التكليف الشرعي لكون‬
‫هذه االستطاعة من هللا سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وألن التكليف يتعلق مبعىن سالمة الفعل واآلالت‬
‫والتمكن منه ‪.‬‬

‫ويستدل أهل السنة على النوع األول آبايت كثرية وأحاديث ‪:‬‬
‫كقوله سبحانه ( ال يكلف هللا نفسا إال وسعها )(سورة البقرة آية‪ )9٧1:‬هذا يدل على أن‬
‫اإلنسان إذا فقد االستطاعة اليت مبعىن التمكن من الفعل فهو غري مكلف ‪.‬‬
‫وكذا قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬فاتقوا هللا ما استطعتم )(سورة التغابن آية‪. )41:‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ ( :‬وهلل على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيال )(سورة آل عمران آية‪)21:‬‬
‫فالعاجز عن أداء احلج إذا مل يكن لديه مال وال راحلة يتوصل هبما إىل مكة فال يكلف ‪ ،‬ألن‬
‫االستطاعة اليت هي مناط التكليف مفقودة منه ‪.‬‬
‫وكذا قول النيب ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬صل قائما فإن مل تستطع فقاعداً فإن مل تستطع فعلى جنب )(‪. )4‬‬
‫و يستدلون على النوع الثاين ‪:‬‬
‫كما ِف قوله سبحانه وتعاىل عن الكفار ( ما كانوا يستطيعون السمع )(سورة هود آية‪ )9٧:‬فهل‬
‫الكفار صم ما يسمعون ؟ هم يسمعون ‪ ،‬فنفيه عنهم االستطاعة مما يدل على أنه نفى عنهم‬
‫التوفيق واإلعانة والتسديد فقوله ( ما كانوا يستطيعون ) يعين ما حصل هلم التسديد من هللا‬
‫واإلعانة من هللا وال التوفيق من هللا ‪.‬‬
‫وكذلك قوله ( إنك لن تستطيع معي صرباً ) اخلضر قال ملوسى لن حيصل منك استطاعة ملا‬
‫سأفعله ‪ ،‬فهل موسى عاجز عن االستطاعة اليت هي مبعىن التمكن من الفعل ؟ موسى عليه‬
‫السالم من أويل العزم اخلمسة الذين أمر نبينا ملسو هيلع هللا ىلص أن يقتدى هبم كما ِف قوله تعاىل‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 4441‬وأبو داود ( ‪ ) 259‬والرتمذي ( ‪ ) 419‬وابن ماجه ( ‪. ) 4994‬‬

‫‪334‬‬
‫( فاصرب كما صرب أولو العزم من الرسل ) وموسى واحد منهم ‪ ،‬وهم يستطيعون الصرب أكثر من‬
‫غريهم ومع هذا قال اخلضر ( إنك لن تستطيع معي صربا )(سورة الكهف آية‪ )11:‬يعين لن‬
‫حيصل منك فعل الصرب ‪ ،‬ولن يعطيك هللا فعل الصرب ‪ ،‬فاالستطاعة اليت مع الفعل هي اليت مبعىن‬
‫التوفيق واإلعانة والتسديد من هللا سبحانه وتعاىل ‪.‬‬

‫املذهب الثاين ‪ :‬مذهب القدرية ‪ ،‬والقدرية يقرون ابالستطاعة اليت قبل الفعل ‪ ،‬اليت هي مبعىن‬
‫التكليف والقدرة على الفعل ‪ ،‬ولكن ينكرون النوع الثاين ‪ ،‬ويقولون ليس هناك استطاعة مع الفعل‬
‫‪ ،‬فاالستطاعة عندهم نوع واحد وهي اليت تكون قبل الفعل وهي اليت يتعلق هبا التكليف ‪.‬‬
‫يعين النوع األول عند أهل السنة واجلماعة يقر به املعتزلة ‪ ،‬ولكن ينكرون النوع الثاين الذي هو‬
‫مبعىن التوفيق ‪ .‬وشبهتهم ِف ذلك يقولون ‪ :‬إذا قلنا إن هناك استطاعة مبعىن توفيق هللا وإعانته وأنه‬
‫يوفق من يشاء وال يوفق من يشاء ويعني من يشاء وال يعني من يشاء ‪ ،‬لو أقرران هبذا لكان هللا‬
‫ظاملاً ‪ ،‬كيف يوفق هذا ومينع توفيقه عن هذا ‪ ،‬فينكرون اليت مع الفعل هبذه الشبه الفاسدة تعاىل‬
‫هللا عن ذلك وتقدس ‪.‬‬
‫ولكن شبهتهم هذه أبطلها أهل السنة واجلماعة وقالوا ‪ :‬إن التوفيق والتسديد واإلعانة ملك هلل‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ ،‬واملالك للشيء يعطيه من شاء ومينعه من شاء وال يكون ظاملا ‪ ،‬فأنت إذا كان‬
‫لك شيء متلكه كتاابً أو غريه ‪ ،‬فلو أعطيت فالان ومنعت فالان ال تعترب ظاملا ألن الكتاب ملكك‬
‫‪ ،‬واملالك للشيء يعطيه من شاء فضال ومينعه من شاء عدال ‪.‬‬
‫وهلذا ملا دخل عبد اجلبار اهلمذاين املعتزيل على الصاحب بن عباد وكان عنده اإلسفرائيين ‪ ،‬وكان‬
‫االسفرائيين أشعراي خيالف املعتزلة ‪ ،‬وعبد اجلبار منهم ينكر االستطاعة اليت مع الفعل واالسفرائيين‬
‫يقر هبا ألنه اشعري جربي ‪.‬‬
‫قال عبداجلبار على الفور ‪ :‬سبحان من تن زه عن الفحشاء ‪.‬‬
‫فقال اإلسفرائيين فورا ‪ :‬كلمة حق أريد هبا ابطل ‪ ،‬سبحان من ال يقع ِف ملكه إال ما يشاء ‪.‬‬
‫فقال عبداجلبار – وفهم انه قد عرف مراده ‪ : -‬أيريد ربنا أن يعصى ؟‬
‫فقال أبو إسحاق ‪ :‬أيعصى ربنا قهرا ؟‬
‫فقال عبد اجلبار ‪ :‬أرأيت إن منعين اهلدى وقضى علي ابلردى ‪ ،‬أحسن إيل أم أساء ؟‬
‫فقال اإلسفرائيين ‪ :‬إن كان منعك ماهو لك فقد أساء ‪ ،‬وإن كان منعك ماهو له فيختص برمحته‬
‫من يشاء ‪.‬‬

‫‪335‬‬
‫فانقطع القدري عبداجلبار وسكت ومل جيد جواابً (‪. )4‬‬
‫فقوله ‪ :‬سبحان من تن زه عن الفحشاء يعين سبحان من ال خيلق املعاصي ‪ ،‬واالسفرائيين قال ‪:‬‬
‫كلمة حق أريد هبا ابطل ‪ .‬يعين قول من يقول إن هللا متن زه عن الفحشاء حق ولكنك تريد ابطال‬
‫فلما عرف قصده رد عليه مبا ذكر ‪.‬‬
‫فاحلاصل أن املعتزلة ينكرون االستطاعة اليت مبعىن التوفيق واإلعانة والتسديد وأهنا ال وجود هلا ‪،‬‬
‫ويقرون ابالستطاعة اليت تكون قبل الفعل واليت هي مناط التكليف واليت يتعلق هبا اخلطاب ‪.‬‬
‫املذهب الثالث ‪ :‬مذهب اجلربية األشاعرة ‪ ،‬فهؤالء ينكرون اليت قبل الفعل ‪ ،‬ويقولون ال أتثري هلا‬
‫وال وجود هلا ‪ ،‬ويقرون ابالستطاعة اليت مع الفعل فقط ‪ ،‬واليت هي مبعىن التوفيق والتسديد ‪،‬‬
‫يقولون هي األساس فإن حصلت من هللا حصل الفعل وإن مل حتصل مل حيصل الفعل ‪.‬‬
‫وهناك كالم طويل للعلماء ِف هذا املوضوع ‪.‬‬
‫لكن خالصة ما يقال ِف هذه املسألة أن أهل السنة واجلماعة يقولون ابلنوعني ‪ ،‬والقدرية يقرون‬
‫ابليت تكون قبل الفعل ‪ ،‬واألشاعرة واجلربية يقرون ابليت تكون مع الفعل فقط ‪.‬‬

‫( وأفعال العباد خلق هللا )‬


‫الشرح ‪ :‬وأفعال العباد خلق هللا وكسب من العباد ‪ ،‬أما خلق هللا فهذا مذهب أهل السنة واجلماعة‬
‫قاطبة ‪ ،‬وهو أن هللا سبحانه وتعاىل هو اخلالق ألفعال العباد وأن كل شيء يقوم به العبد من حركة‬
‫أو سكون أو حسن أو قبيح أو طاعة أو معصية كله خلق هلل سبحانه وتعاىل ‪ ،‬ال خالق إال هللا‬
‫تعاىل ‪.‬‬
‫فأهل السنة يقرون أبن هللا هو اخلالق ألفعال العباد ولكن العبد هو الفاعل ‪ ،‬وفرق بني اخللق‬
‫والفعل ‪ ،‬والعبد فاعل حقيقة وله مشيئة وإرادة بفعله ‪ ،‬ولكن فعله ال يكون بدون إرادة هللا ومشيئة‬
‫هللا ‪ ،‬هللا عز وجل يريد فعل العبد وييسره له ويعينه عليه والعبد هو املتحرك بفعله وهو الفاعل وهللا‬
‫اخلالق ولكن ذلك اتبع ملشيئته سبحانه ‪.‬‬
‫هذا هو املذهب األول وهو مذهب أهل السنة واجلماعة ومن تبعهم من الطوائف األخرى ‪ ،‬وهذا‬
‫هو الذي توافرت عليه األدلة من الكتاب واحلديث ‪:‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬انظر دفع إيهام االضطراب للشنقيطي ِف آخر أضواء البيان ‪ ، 444/4٧‬ولوامع األنوار البهية للسفاريين ‪/ 4‬‬
‫‪. 442‬‬

‫‪336‬‬
‫فمن الكتاب قوله تعاىل ( أتعبدون ما تنحتون *وهللا خلقكم وما تعملون )(سورة الصافات‬
‫آية‪ )25-21:‬أي خلقكم وخلق أعمالكم ومعموالتكم ‪ ،‬و ( ما ) هنا موصولة ‪.‬‬
‫وكذلك قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬ونفس ما سواها * فأهلمها فجورها وتقواها )(سورة الشمس‬
‫آية‪ )1-٧:‬فقوله ‪ ( :‬أهلمها ) دليل على أن هللا سبحانه وتعاىل هو املوفق للعباد واملعني هلم على‬
‫أفعاهلم ‪ ،‬فبدون إعانته ال حتصل األفعال وقوله ( فجورها وتقواها ) إضافة الفجور إىل النفس‬
‫وإضافة التقوى إىل النفس ‪ ،‬دليل على أهنا هي الفاعل لفعلها ‪.‬‬
‫وهذا املذهب أدلته كثرية ِف القرآن ‪.‬‬
‫املذهب الثاين ‪:‬‬
‫وأما من خالف أهل احلق كاملعتزلة والرافضة فإهنم أنكروا أن يكون هللا سبحانه وتعاىل هو اخلالق‬
‫ألفعال العباد ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬هللا هو اخلالق للعباد ‪ ،‬لكن العباد هم من خيلق أفعاهلم ‪ ،‬ويقولون لو كان‬
‫هللا هو اخلالق ألفعاهلم للزم من ذلك وصف هللا ابلظلم ‪ ،‬خيلق الكفر مث يعاقب عليه ‪ !.‬خيلق‬
‫املعصية مث يعاقب عليها ‪ !.‬يقولون هذا ظلم ‪ ،‬وهللا سبحانه وتعاىل من زه عن الظلم ‪.‬‬
‫ومن أدلتهم اليت لبسوا هبا ‪:‬‬
‫قوله سبحانه تعاىل ‪ ( :‬فتبارك هللا أحسن اخلالقني )(سورة املؤمنون آية‪ )41:‬وجه االستدالل من‬
‫اآلية أهنا تضمنت بيان تعدد اخلالقني ‪ ،‬فإذا كان هناك خالقون كان هناك خالق غري هللا ‪ ،‬إذاً‬
‫فاخلالقون هنا هللا والعباد ‪ ،‬هللا خيلق العباد والعباد خيلقون أفعاهلم ‪.‬‬
‫أهل السنة واجلماعة أجابوا عن الشبهة األوىل اليت يزعمون أهنا دليل عقلي فقـالوا ‪:‬‬
‫إن شبهتكم هذه تلزمكم ِف كل شيء لو طبقت ‪ ،‬فإننا نناظركم ِف هذه املسألة ونقول لكم ‪:‬‬
‫أنتم تقولون إن هللا مل خيلق أفعال العباد ‪ ،‬ألنه لو خلقها وعاقبهم عليها للزم أن يكون ظاملا هلم ‪،‬‬
‫فهل تقرون أبن هللا يعلم أفعال العباد قبل أن خيلقها العباد على حسب زعمكم ‪ ،‬أو كان جاهال‬
‫هبا ؟‬
‫وهذا معىن قول الشافعي رمحه هللا ‪ :‬انظروا القدرية ابلعلم فإن أقروا به خصموا وإن أنكروه كفروا ‪.‬‬
‫فيقال هل تعتقد أيها القدري وتعرتف أبن هللا عز وجل علم أفعال العباد كاملعاصي والكفر قبل أن‬
‫خيلقها أو جهلها ؟ وال بد له من جواب ‪:‬‬
‫إما أن يقول ‪ :‬علمها هللا ‪ ،‬وإما أن يقول جهلها ‪.‬‬

‫‪337‬‬
‫فإن قال ‪ :‬إن هللا كان جاهال هبا كفر ابإلمجاع ‪ ،‬ألن املسلمني أمجعوا كلهم على أن من نسب إىل‬
‫هللا اجلهل فهو كافر ‪ ،‬وهذا معىن ما قاله اإلمام الشافعي ‪ :‬فإن أنكروه – أي العلم – كفروا ‪ ،‬يعين‬
‫إن قالوا ‪ :‬إن هللا جيهل أفعال العباد قبل أن يوجدوها كفروا ‪.‬‬
‫وإن قال ‪ :‬بل علمها هللا تعاىل قبل أن خيلقوها ‪.‬‬
‫قيل له ‪ :‬هل كان قادراً على صرفهم عن املعاصي والكفر أو كان عاجزاً ؟‬
‫فإن قال ‪ :‬كان عاجزاً ‪.‬‬
‫قيل له ‪ :‬كفرت ابإلمجاع ‪ ،‬ألن املسلمني أمجعوا على أن من وصف هللا ابلعجز فهو كافر ‪.‬‬
‫فإن قال ‪ :‬بل علمها وكان قادراً على صرفهم عنها ‪.‬‬
‫قيل له ‪ :‬إذاً إذا كان عاملا أبن فالان سيفعل الكفر وقادراً على صرفه عن الكفر إىل اإلميان فكونه‬
‫تركه يكفر ومل يصرفه إىل اإلميان مع قدرته عليه يكون ظاملا له ‪.‬‬
‫إذاً فهم ال خيلوا إما أن يكفروا وإما أن يَلزمهم نظري ما فروا منه ‪.‬‬
‫وهناك طريقة أخرى للمناظرة وهي أن يقال ‪:‬‬
‫إن معىن قول ‪ :‬إن هللا خيلق أفعال العباد ‪ ،‬مبعىن أنه يوفقهم ويعينهم ويهديهم وييسر هلم الفعل‬
‫فهذه اهلداية وهذا التوفيق وهذا التسديد الذي به حيصل الفعل هل هو ملك للعبد أو هو ملك هلل‬
‫؟ ومعلوم قطعا أنه ملك هلل ‪ ،‬فإذا اقروا أبنه ملك هلل مل يكن هللا ظاملا هلم إذا منعهم إايها ‪ ،‬فهم‬
‫كفروا بسبب منع هللا سبحانه وتعاىل هلدايته هلم وتوفيقه ‪ ،‬إذاً الذي منعه عنهم هو ملكه ‪ ،‬ومعلوم‬
‫عقال أن املالك للشيء إذا منعه عن الغري ال يسمى ظاملا ‪ ،‬وال يعترب ظاملا ‪ ،‬ألن املالك للشيء قد‬
‫يعطيه من شاء فضال ومينعه من شاء عدال ‪ ،‬وكذلك هللا سبحانه وتعاىل أقدرهم على الفعل فجعل‬
‫وسائل الفعل موجودة عندهم ‪ ،‬فجعلهم قادرين وجعلهم أصحاء وأعطاهم االختيار وبني هلم احلق‬
‫من الباطل ‪ ،‬ولكن غاية ما هنالك أنه منعهم التوفيق ‪ ،‬والتوفيق ملك هللا سبحانه وتعاىل إن شاء‬
‫أعطاهم إايه وإن شاء منعهم إايه ‪ ،‬وإذا منعهم إايه فهو ملكه واملانع مللكه ال يكون ظاملا ملن منعه‬
‫عنه ‪.‬‬
‫هذا جواهبم عن الشبهة العقلية ‪.‬‬

‫أما عن الشبهة السمعية ‪ :‬وهي قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬فتبارك هللا أحسن اخلالقني )(سورة‬
‫املؤمنون آية‪ )41:‬يقال هلم ‪:‬‬

‫‪338‬‬
‫أوال ‪:‬‬
‫كيف استدللتم ابآلية وأنتم من أصولكم أن النقل ال يصلح دليال على مسائل األصول ‪ ،‬ألن من‬
‫األصول والقواعد عند املعتزلة أنه ال يُستدل على مسائل أصول الدين إال أبدلة عقلية (‪ ، )4‬أما‬
‫األدلة السمعية فإهنم ال يرون فيها داللة (‪ ، )9‬ألهنا إما أن تكون ظنية الثبوت كاآلحاد وإما أن‬
‫تكون ظنية الداللة كالقرآن واملتواتر من السنة ‪.‬‬
‫السمع عند املعتزلة وعلماء الكالم قسمان ‪ ،‬كما هو عند غريهم ‪ :‬متواتر وآحاد ‪ ،‬هم يقولون‬
‫املتواتر واآلحاد كالمها ال يصلح دليال على مسائل أصول الدين – أي العقائد – قالوا ‪:‬‬
‫ألن اآلحاد ليست قطعية الثبوت بل هي ظنية الثبوت ‪ ،‬فإذا كانت ظنية فالظين حيتمل الثبوت‬
‫وحيتمل عدمه ‪ ،‬فال داللة فيه ‪.‬‬
‫أما القرآن واملتواتر من احلديث فهو وإن كان قطعي الثبوت فإنه ظين الداللة ‪ ،‬داللته حمتمله ‪،‬‬
‫واملثال قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬الرمحن على العرش استوى )(سورة طه آية‪ ، )5:‬يقولون داللته‬
‫على االستقرار والعلو ظنية ‪ ،‬ملاذا ؟ ألنه حيتمل االستواء وحيتمل االستيالء ‪.‬‬
‫فيقال هلم ‪ :‬أنتم ال ترون ِف األدلة النقلية حجة على مسائل األصول فلماذا استدللتم هبذه اآلية ؟‬
‫اثنيا ‪:‬‬
‫يقال هلم ‪ :‬حىت النصوص اليت استدللتم هبا واعتقدمت صحتها فإن قوله سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬فتبارك‬
‫هللا أحسن اخلالقني ) ال داللة فيها لكم (‪: )4‬‬
‫ألن اخللق يطلق ِف اللغة اترة ويراد به اإلجياد من العدم ‪ ،‬ويطلق اترة ويراد به التصوير واالخرتاع ‪،‬‬
‫تقول خلق هللا اإلنسان وخلق هللا اخللق أي أوجدهم من العدم ‪ ،‬وتقول خلق اخلراز النعل أي‬
‫قاسه وصوره وقدره ‪ ،‬وخلق اخلياط الثوب مبعىن فصله ‪ ،‬يعين هيأ صورته وقوله تعاىل ‪ ( :‬فتبارك هللا‬
‫أحسن اخلالقني ) أي املقدرين املصورين ‪ ،‬وليس املوجودين ‪ ،‬فإنه ال موجد إال هللا ‪ ،‬فاهلل سبحانه‬
‫وتعاىل أحسن املقدرين وأحسن املصورين ‪ ،‬أما اإلجياد فال يوجد ِ‬
‫موجد إال هللا سبحانه وتعاىل‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬يقول عضد الدين االجيي ِف املوقف األول من ( املواقف ) ‪:‬‬
‫الثاين ‪ :‬ما يتوقف عليه النقل مثل وجود الصانع ونبوة دمحم فهذا ال يثبت إال ابلعقل ‪.‬‬
‫انظر التنكيل للمعلمي ‪. 495 / 9‬‬
‫(‪ )9‬بل يقول الغزايل ِف اإلحياء ‪: 4٧٧ /4‬‬
‫فأما من أيخذ معرفة هذه األمور من السمع فال يستقر له فيها قدم وال يتعني له موقف ‪.‬‬
‫(‪ )4‬ينظر ص ‪.911‬‬

‫‪339‬‬
‫وهذا معروف ِف لغة العرب ومنه قول الشاعر ِف ممدوحه ‪:‬‬
‫وألنت تفري ما خـلقت وبعـض القوم خيلق مث ال يفـري (‪)4‬‬

‫تفري أي تنفذ ‪ ،‬يصف ممدوحه أبن لديه القدرة على تنفيذ ما خيلق أي ما يقدره ويصوره ويزينه‬
‫بنفسه من فعل ‪ ،‬والفري هنا متجوز به عن شق اخلراز اجللد ‪ ،‬فكما أن اخلراز املاهر إذ أراد أن‬
‫يوجد نعال فإنه يقدر مقدار النعل مث يفري اجللد أي يشقه على املقاس الذي أراده وال يرتدد ِف‬
‫ذلك وال خيطئ ‪ ،‬يقول أنت أيها املمدوح تفري ما خلقت أي تنفذ ما قدرته وصورته وال أحد‬
‫مينعك عن ذلك ‪ ،‬وأما غريك من الناس فهو وإن كان لديه اخللق مبعىن التقدير والتصوير والتخطيط‬
‫إال أنه يعجز عن التنفيذ فال يفري ‪.‬‬

‫فهذا دليل على أن اخللق يطلق ِف اللغة ويراد به غري اإلجياد وهو املراد ِف قوله تعاىل ‪ ( :‬أحسن‬
‫اخلالقني ) ‪.‬‬
‫هذا ردهم على الشبهة اليت تذرعوا هبا من النقل ‪.‬‬
‫وسياق اآلايت يدل على رد هذه الشبهة ‪ ،‬والذي هو مبعىن التصوير ‪ ،‬وهو قوله تعاىل ( ولقد‬
‫خلقنا اإلنسان من ساللة من طني * مث جعلناه نطفة ِف قرار مكني * مث خلقنا النطفة علقة‬
‫فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا املضغة عظاما فكسوان العظام حلما مث أنشأانه خلقا آخر فتبارك هللا‬
‫أحسن اخلالقني )(سورة املؤمنون آية‪. )44-41:‬‬

‫( وكسب من العباد )‬
‫الشرح ‪ :‬الكسب الذي يريده املؤلف هنا هو الفعل ‪ ،‬ألنه معروف أن مذهبه ِف هذه املسألة هو‬
‫مذهب أهل السنة واجلماعة ‪ ،‬فهو يقول هي خلق هلل وفعل للعبد ‪ ،‬لكنه عرب ابلكسب ألن‬
‫الكسب والفعل مبعىن واحد ال فرق بينهما ‪.‬‬
‫هو عرب ابلكسب عن الفعل وهو ال يريد الكسب الذي تريده األشاعرة ‪.‬‬
‫فإن األشاعرة يقولون العبد له كسب وليس له فعل وهذا تناقض ‪ ،‬فال يعقل شيء امسه الكسب‬
‫وشيء امسه الفعل ‪ ،‬بل الفعل هو الكسب وهذا هو الذي عرب عنه املؤلف ِف قوله ‪ ( :‬وكسب من‬
‫العبد ) هو يريد أن العباد أفعاهلم هلم وهي خملوقة هلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬ينظر مفردات الراغب األصفهاين مادة خلق ‪ ،‬وأضواء البيان ‪. 911/1‬‬

‫‪341‬‬
‫والكسب أطلقه املؤلف هنا ‪ ،‬والذي ال يعرف مذهب املؤلف قد يظن أنه يساير األشاعرة فيثبت‬
‫الكسب وينفي الفعل ‪ ،‬وهذا ليس هو مذهب املؤلف ‪ ،‬بل مذهبه إثبات الفعل للعبد على سبيل‬
‫احلقيقة واالختيار ‪ ،‬وإن كان يرى أن الفعل خملوق هلل سبحانه وتعاىل لكنه عرب ابلكسب عن‬
‫الفعل فقط ‪ ،‬وقوله ِف املقطع السابق ‪ ( :‬وأفعال العباد خلق هلل ) ينص على أنه مع أهل السنة‬
‫واجلماعة حيث جعلها خلقا هلل ‪ ،‬لكن األوضح لو قال ‪ :‬وأفعال العباد خلق هللا وهي أفعاهلم ‪،‬‬
‫لكنه قال ‪ ( :‬خلق هللا وكسب من العبد ) يعين وفعل هلم ‪.‬‬
‫املذهب الثالث (‪:)4‬‬
‫مذهب اجلربية و األشاعرة منهم ‪ ،‬فإهنم يثبتون للعبد كسبا وينفون عنه الفعل ‪.‬‬
‫والعلماء كلهم يقولون إن العقالء جممعون على أنه ليس هناك كسب غري الفعل ‪ ،‬بل الكسب هو‬
‫الفعل والفعل هو الكسب ‪ ،‬فمن أثبت الكسب لزمه ثبوت الفعل ومن نفى الفعل لزمه نفي‬
‫الكسب فالفعل والكسب سواء ‪ ،‬هذه هي احلقيقة ‪.‬‬
‫لكن األشاعرة يفرقون ‪ ،‬فيثبتون كسبا ال يعقل وقصدهم التسرت وهم يثبتون ذلك مغالطة ‪ ،‬وإال‬
‫فهم ِف ابب أفعال العباد جربية ‪ ،‬وقد صرح ابن تيمية ِف أكثر من موضع أبن األشاعرة جربية‬
‫حمضة ‪ ،‬ألهنم يقولون أفعال العباد أفعال هللا لكن هلم كسب ‪ ،‬مع أنه ال فرق بني الفعل والكسب‬
‫‪ ،‬فإذا قالوا إن العبد ال يفعل وإمنا أفعاله هي أفعال هللا إذاً فقوهلم له كسب ال معىن له ‪.‬‬
‫والعلماء قالوا إثبات الكسب ونفي الفعل من األمور املستحيلة عقال ‪.‬‬
‫فاجلربية يقولون إن العبد ليس له فعل وليس له اختيار وليس له مشيئة بل هو جمبور على ما يصدر‬
‫عنه من أفعال وهذه األفعال اليت تصدر عنه هي أفعال هللا تبارك وتعاىل فإذا قالوا قرأ فالن أو‬
‫كتب فإهنم يعنون قرأ هللا وكتب هللا ‪ ،‬يلزمهم هذا ‪ ،‬ألهنم يقولون ليس للعبد فعل مطلقا ‪.‬‬
‫فإذا قيل هلم ملاذا يسمى رذا فاعال وتنسب رليه األفعال ؟‬
‫قالوا ‪ :‬تنسب إليه على سبيل اجملاز املرسل ألنه حملها ‪ ،‬فنسبة الفعل إىل العبد إذا قلت قام فالن‬
‫نسبة جمازية عالقتها احمللية ‪ ،‬كما تقول خرج اجلامع وكما تقول خرجت الكلية وتقول خرجت‬
‫املدرسة وأنت تعين خرج الطالب فكذلك قام فالن وقعد فالن مثل ذلك متاما ‪ ،‬يعين قام هللا‬
‫وقعد هللا ‪ ،‬تعاىل هللا عما يقول هؤالء علوا كبريا ‪ ،‬فال يثبتون للعبد فعال مطلقا وال مشيئة وال‬
‫اختيارا ‪ ،‬بل هو جمبور وحركته أبفعاله كحركة أغصان هذه الشجرة إذا هبت هبا الرايح متاما ‪،‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ِ )4‬ف املقطع السابق ذكر مذهب أهل السنة ومذهب القدرية ‪.‬‬

‫‪341‬‬
‫فكما أن الشجرة تتحرك أغصاهنا بدون إرادة وبدون مشيئة وليست هي املتحركة بل هي حمركة ‪،‬‬
‫فكذلك العبد إذا فعل فهو جمبور عليه وحركته مفعولة فيه ‪ ،‬فعلها هللا وليس هو الفاعل هلا ‪.‬‬
‫وابلنسبة لفعل العبد فإن ِف مذهب القدرية جزء منه حق وجزء منه ابطل ‪ ،‬وِف مذهب اجلربية‬
‫جزء منه حق وجزء منه ابطل ‪ ،‬ومذهب أهل السنة واجلماعة هو جمموع جزئي احلق املوجودين ِف‬
‫مذهب القدرية وِف مذهب اجلربية ‪.‬‬
‫فالقدري يقول إن للعبد فعال ومشيئة واختياراً وهذا حق ‪ ،‬مث يقول ولكن هو اخلالق لفعله ‪ ،‬وهذا‬
‫هو الباطل ِف مذهب القدرية يعين مذهب القدرية جزآن ‪ ،‬العبد فاعل لفعله حقيقة له فعل وله‬
‫اختيار له مشيئة وله إرادة وهذا حق مث يقولون واخلالق ألفعاله هو وليس هللا خالقهما ‪.‬‬
‫واجلربية يقولون إن هللا سبحانه وتعاىل هو اخلالق ألفعال العباد ‪ ،‬خلقها وشاءها وأرادها وقدرها‬
‫وهذا حق ‪ ،‬ولكن يزيدون على هذا ويقولون العبد ليس له فعل بل هو جمبور على أفعاله وهذا‬
‫ابطل ‪.‬‬
‫إذاً فقول القدرية العبد فاعل حقيقة وله مشيئة واختيار وقول اجلربية هللا خالق أفعال العباد‬
‫ومقدرها هذا حق أيضا ‪.‬‬
‫فامجع هذا مع هذا يظهر لك مذهب أهل السنة واجلماعة ‪.‬‬
‫أهل السنة واجلماعة يقولون العبد فاعل حقيقة وله مشيئة واختيار ‪ ،‬واملعتزلة يقولون كذلك ‪،‬‬
‫ويقول أهل السنة واجلماعة هللا خالق أفعال العبد ومقدرها ومريدها ‪ ،‬وهكذا تقول اجلربية إمنا‬
‫اخلالف بني أهل السنة و اجلماعة وبني القدرية هو خلق الفعل ‪ ،‬فأهل السنة واجلماعة يقولون‬
‫اخلالق له هللا واملعتزلة يقولون اخلالق له العبد ‪.‬‬

‫واخلالف بني أهل السنة واجلماعة وبني اجلربية أن أهل السنة واجلماعة يقولون كما تقول اجلربية‬
‫أبن هللا خالق أفعال العباد ومقدرها ومريدها ‪ ،‬ولكن نقطة اخلالف بينهم وبني اجلربية أن العبد‬
‫جمبور كما تقول اجلربية وأهل السنة واجلماعة يقولون العبد ليس جمبوراً بل هو خمتار وفاعل ومريد‬
‫لفعله ‪.‬‬
‫بقى أن نعرف شبهة اجلربية بعد أن عرفنا شبهة القدرية ‪:‬‬
‫اجلربية يستدلون بقوله تعاىل ‪ ( :‬وما رميت إذ رميت ولكن هللا رمى )(سورة األنفال آية‪)41:‬‬
‫يقولون هذه اآلية نص على أن العبد ال فعل له ‪ ،‬فإنه نفى عنه الفعل فقال ‪ ( :‬وما رميت )‬
‫وأثبت الفعل هلل فقال ‪ ( :‬ولكن هللا رمى ) إذاً فالف اعل هو هللا وإن حترك العبد ابلفعل ‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫وأهل السنة واجلماعة أجابوا عن هذه الشبهة وهذا االستدالل اخلاطئ فقالوا ‪:‬‬
‫رن الرمي يطلق يف لغة العرب ويراد به أحد أمرين ‪:‬‬
‫‪ – 4‬اترة يطلق ويراد به اإلصابة ‪ ،‬إصابة السهم للهدف ‪.‬‬
‫‪ – 9‬واترة يطلق ويراد به إرسال السهم ‪.‬‬
‫وهللا سبحانه وتعاىل نفى عن العبد أحد النوعني وهو اإلصابة وأثبت له أحدمها وهو اإلرسال فقال‬
‫سبحانه ‪ ( :‬إذ رميت ) وهذا إثبات ‪ ،‬ألن العبد رمى ولكن نفى عنه اإلصابة ‪ ،‬فكأنه يقول ما‬
‫أصبت إذ حذفت أو أطلقت السهم ‪ .‬و قد رد عليهم من نفس اآلية ‪.‬‬

‫( ومل يكلفهم هللا تعاىل رالّ ما يطيقون ‪ ،‬وال يطيقون رال ما كلفهم )‬
‫الشرح ‪ :‬قوله ‪ ( :‬وال يطيقون إال ما كلفهم ) هذه الفقرة عليها شيء من املالحظة ‪.‬‬
‫فقوله ‪ ( :‬ومل يكلفهم هللا تعاىل إال ما يطيقون ) هذا صحيح ‪ ،‬هللا سبحانه وتعاىل ال يكلف نفسا‬
‫إال وسعها ‪ ،‬ال يكلف أحداً ما ال يطيق ‪ ،‬وهذا هو الراجح من مذهب األصوليني أن التكليف‬
‫بغري املستطاع ال جيوز ‪ ،‬وليس من احلكمة أن يكلف هللا أحدا مباال يطيقه عقال ‪ ،‬و الشرع كذلك‬
‫دل على ذلك كقوله تعاىل ‪ ( :‬ال يكلف هللا نفسا إال وسعها )(سورة البقرة آية‪ ، )9٧1:‬لكن‬
‫قوله ‪ ( :‬وال يطيقون إال ما كلفهم ) هذا عليه مالحظة ‪ ،‬ألن هللا سبحانه وتعاىل كلف الناس‬
‫بتكاليف ‪ ،‬كلفنا خبمسة فروض ِف أربع وعشرين ساعة ‪ ،‬وكلفنا بصيام شهر من اثين عشر شهراً ‪،‬‬
‫لكن هل معىن ذلك أننا ال نطيق سوى هذا ؟ لو أن هللا سبحانه وتعاىل جعل الفرائض ستة ‪:‬‬
‫الفجر والضحى والظهر والعصر واملغرب والعشاء ؟ هل نطيق ذلك أوال نطيق ؟ نطيق ذلك‬
‫بسهولة ‪ ،‬ولكن مقتضى كالم املؤلف أننا ال نطيق أكثر مما كلفنا لقوله ‪ ( :‬وال يطيقون إال ما‬
‫كلفهم ) وهذا غري صحيح ‪ ،‬لذلك فالعبارة فيها خطأ ‪ ،‬ويلتمس هلا تصويب ‪ ،‬ومما التمس هلا من‬
‫التصويب قول بعض العلماء إنه يعين بقوله ( وال يطيقون إال ما كلفهم ) أي ال يطيقون بدون‬
‫مشقة وبدون ثقل إال ما كلفهم ‪ ،‬أما ما مل يكلفهم به فإهنم يطيقونه ولكن مبشقة وجهد ‪ ،‬فلو أن‬
‫هللا سبحانه وتعاىل فرض علينا صيام شهرين ِف السنة ألطقنا ذلك ‪ ،‬لكن يكون ِف ذلك كلفة‬
‫وفيه ثقل وفيه مشقة ‪ ،‬فقوله ‪ ( :‬وال يطيقون إال ما كلفهم ) أي وال يطيقون بيسر وسهولة إال ما‬
‫كلفهم به ‪ ،‬أما ما مل يكلفهم به فلو كلفهم به ألطاقوه ولكن مبشقة وعسر ‪.‬‬
‫هذا ما أجاب به العلماء عما ِف هذه العبارة من قلق وأظن الشارح أشار وال حظ عليها ووجهها‬
‫بتوجيهات منها الصحيح ومنها غري الصحيح لكن أحسن ما يقال ِف االعتذار عن املؤلف مبا‬

‫‪343‬‬
‫سبق ‪ ،‬وكونه مثال فرض على النيب ملسو هيلع هللا ىلص كل يوم وليلة هذا تكليف ‪ ،‬لكنهم ملا كانوا ال يطيقونه‬
‫عادة أي يصعب عادة أن يؤدي اإلنسان مخسني فرضا ِف أربع عشرين ساعة نسخ لكنه شرع ِف‬
‫األول ‪.‬‬
‫وينظّرون لذل بقوهلم ‪:‬كما لو أن إنساان يبغض إنساان قال ‪ :‬أان ال أطيق النظر إىل فالن هل‬
‫معىن ذلك أنه ليس ِف استطاعته أن ينظر إليه ‪ ،‬ال ‪ .‬هو يقدر ويطيق ذلك لكنه ال يطيقه إال‬
‫بثقل وعسر ‪ .‬والتكليف مبا ال يطاق حمل حبثه ِف أصول الفقه وِف علم الكالم ‪ .‬والراجح أن هللا‬
‫سبحانه وتعاىل ال يكلف مبا ال يطاق عقال ‪ ،‬أما ماال يطاق عادة فقد يكلف به سبحانه وتعاىل ‪.‬‬

‫( وهو تفسري ال حول وال قوة رال ابهلل ‪ ،‬نقول ال حيلة ألحد وال حركة ألحد وال حتول ألحد‬
‫وال حركة ألحد عن معصية هللا رال مبعونة هللا ‪ ،‬وال قوة ألحد على رقامة طاعة هللا والثبات‬
‫عليها رال بتوفيق هللا تعاىل )‬
‫الشرح ‪ :‬قوله ال حول وال قوة إال ابهلل يعين ال يكلفهم هللا إال ما يطيقون وال يطيقون إال ما كلفهم‬
‫‪ ،‬أي أن اإلنسان ال حيلة له وال حتول له من حال املعصية إىل الطاعة أو العكس إال بتوفيق من‬
‫هللا سبحانه وتعاىل ‪ ،‬فاإلنسان ال قوة له على التحول من املعاصي للطاعات والعكس إال ابهلل‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ ،‬ال حيلة ألحد أي ال قوة إال ابهلل ‪ ،‬وال حتول من حال إىل حال إال ابهلل سبحانه‬
‫وتعاىل ‪.‬‬

‫( وكل شيء جيري مبشيئة هللا تعاىل وعلمه وقضائه وقدره ‪ ،‬غلبت مشيئته املشيئات كلها ‪،‬‬
‫وغلب قضاؤه احليل كلها ‪ ،‬يفعل ما يشاء وهو غري ظامل أبدا )‬
‫الشرح ‪ :‬هذا من متام الكالم على القضاء والقدر ‪ ،‬علم كل شيء وقدره وشاءه قبل أن يكون ‪،‬‬
‫وكل شيء جيري من ابن آدم على حسب ما قضاه هللا وقدره وشاءه من خري أو شر ‪.‬‬
‫والظلم معناه وضع الشيء ِف غري موضعه ‪ ،‬وهللا سبحانه وتعاىل ال يظلم أحداً ‪ ،‬والقران مليء من‬
‫اآلايت اليت تنص على أن هللا ال يظلم أحداً ( وما ربك بظالم للعبيد )(سورة فصلت آية‪)11:‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ ( :‬وال يظلم ربك أحداً )(سورة الكهف آية‪ )12:‬وقوله تعاىل ‪ ( :‬وما ظلمناهم ولكن‬
‫ظلموا أنفسهم )(سورة هود آية‪ )4٧4:‬وكثريا ما ين زه نفسه سبحانه عن الظلم ‪ ،‬بل وحرم الظلم‬
‫على نفسه كما ِف احلديث القدسي أن هللا سبحانه قال ‪ ( :‬إين حرمت الظلم على نفسي وجعلته‬
‫بينكم حمرما فال تظاملوا )(‪ )4‬فهو حرم على نفسه سبحانه وتعاىل أن يظلم الناس ألن الظلم ال‬

‫‪344‬‬
‫يليق به سبحانه وتعاىل وهذا هو مذهب أهل السنة واجلماعة وهو أن هللا ال يظلم أحداً ال لعجزه‬
‫عن الظلم ولكن لتن زيهه نفسه عنه ‪ ،‬فالظلم ممكن عقال ولكنه ممتنع عادة ‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعاىل‬
‫أجرى العادة أنه ال يظلم أحداً ‪ ،‬وال نقول إنه مستحيل على هللا ولو أراد أن يظلم لعجز ‪ ،‬ال ‪.‬‬
‫نقول الظلم ممكن ولكنه حرمه على نفسه ونزه نفسه عنه ‪ ،‬ولو كان الظلم مستحيال عقال ملا جاز‬
‫نفيه وملا جاز أتمني الناس منه ‪ ( :‬ومن يعمل من الصاحلات وهو مؤمن فال خياف ظلما وال‬
‫هضما )(سورة طه آية‪ )449:‬لو كان الظلم مستحيال ملا أمن هللا املؤمنني من الظلم ‪ ،‬وملا كان‬
‫هلذه اآلية معىن ِف نفي الظلم ‪ ،‬وذلك أن املستحيل ال خياف منه – ملا أمن املؤمنني من الظلم دل‬
‫ذلك على انه ممكن وليس مبستحيل وحيرمه على نفسه ‪.‬‬
‫أما القدرية واملعتزلة فإهنم ينزهون هللا عن الظلم ولكنهم يقولون إنه ال يقع منه الظلم لعجزه‬
‫واستحالته عن أن يفعل ذلك ‪ ،‬ولو أراد أن يظلم أحدا ملا قدر (‪ ، )4‬تعاىل هللا عن ذلك علوا‬
‫كبريا ‪.‬‬

‫( تقدس عن كل سوء وحني ‪ ،‬وتنـزه عن كل عيب وشني )‬


‫الشرح ‪ :‬السوء ما يسوء من األفعال الرديئة ‪ ،‬واحلَني بفتح احلاء اهلالك ‪ ،‬وهللا من زه سبحانه وتعاىل‬
‫عن أن يتصف بسوء وعيب ‪ ،‬وهو قدمي أزيل أبدي ال جيوز عليه الفناء وال جيوز عليه اهلالك‬
‫سبحانه وتعاىل ‪.‬‬

‫( ال يسأل عما يفعل وهم يسئلون )‬


‫الشرح ‪ :‬هذه قاعدة من القواعد اليت هنج عليها السلف رضوان هللا عليهم أهنم ال يسألون عن‬
‫أفعال هللا سبحانه سؤال احتجاج واعرتاض ‪ ،‬وإمنا يسألون سؤال استفهام واستعالم ملعانيها ‪ ،‬ألن‬
‫أفعاله سبحانه وتعاىل صادرة عن حكمة ومشيئة وإرادة ‪ ،‬فإن أدركنا معىن الفعل أو معىن التشريع‬
‫وحكمته فبها ‪ ،‬وإن عجزان فال نرده ونقول إننا ال نعلم معىن هذا الفعل أو هذا التشريع ‪ ،‬هللا‬
‫سبحانه وتعاىل أفعاله وتشريعاته كلها تصدر عن حكمة ‪ ،‬لكن منها ما ندرك حكمته ونعرفها‬
‫وتظهر لنا ومنها ما خيفى علينا ‪ ،‬والكثري مما ال نعلمه أكثر مما يظهر لنا ونعلمه ‪ ،‬ألن هللا سبحانه‬
‫وتعاىل ‪ ( :‬ال يسأل عما يفعل وهم يسئلون )(سورة األنبياء آية‪ )94:‬فالسؤال بلِ َم ال جيوز ‪،‬‬
‫______________________________________‬
‫=(‪ )4‬رواه مسلم ( ‪. ) 9511‬‬
‫(‪ )4‬انظر الفصل ِف امللل واألهواء والنحل ‪ 449 / 4‬ت يوسف البقاعي ‪.‬‬

‫‪345‬‬
‫ال جيوز أن تقول مل فعل كذا مل شرع كذا مل خلق كذا ‪ ،‬هذا اعرتاض على حكم هللا وعلى إرادته‬
‫سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫وإن كان السؤال عن معاين أفعاله وتشريعاته لتُعلم فهذا جائز ‪.‬‬

‫( ويف دعاء األحياء وصدقاهتم منفعة لألموات )‬


‫الشرح ‪ :‬هذه مسألة إهداء الثواب للغري ‪ ،‬أي تصلي وتصوم وحتج وتقرأ قرآان وتتصدق وهتدي‬
‫ثواب هذه ال ُقَرب لغريك ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬منفعة لألموات ) ليس ذلك خاصاً ابألموات ‪ ،‬بل املسألة تعم األموات وغريهم ‪.‬‬
‫ومسألة إهداء ال ُقَرب ‪ ،‬هل ينتفع به املهدى له ويصل إليه ويستفيد منه أم ال ؟‬
‫هذه املسألة فيها ثالثة مذاهب ‪:‬‬
‫املذهب األول ‪ :‬أن كل ما يهدى من طاعات للغري من املسلمني سواء كان ذلك حل ٍي أو ٍ‬
‫ميت‬
‫جيوز ذلك ويصل ثوابه للمهدى إليه ‪ ،‬وسواء أكان املهدى ثواب عمل بدين أو مايل أو غري ذلك‬
‫‪ ،‬مطلقا ‪ ،‬وهذا ِف القرآن والسنة الكثري من األدلة عليه من حيث العمومات ‪.‬‬
‫ين َسبَ ُقو َان‬ ‫ِِ ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫من ذلك قوله تعاىل ‪ِ َّ :‬‬
‫ين َجاءُوا م ْن بَ ْعده ْم يَ ُقولُو َن َربَّنَا ا ْغف ْر لَنَا َوإل ْخ َواننَا الذ َ‬
‫(والذ َ‬‫َ‬
‫ان )(‪ )4‬فهؤالء استغفروا لغريهم ودعوا هلم ‪ ،‬فلو مل يكن ذلك ينفع ملا ورد مثله ِف القرآن ‪،‬‬ ‫ِاب ِْإلميَ ِ‬
‫والرسول عليه الصالة والسالم أخرب ِف مواضع كثرية أن من حج عن غريه نفعه ذلك (‪ ،)9‬ومن‬
‫صام عن غريه نفعه ذلك (‪ ،)4‬ومن تصدق عن غريه نفعه ذلك(‪ِ ، )1‬ف آاثر كثرية ِف هذا املعىن‬
‫‪ ،‬وهذا عليه مذهب اإلمام أمحد وكثري من العلماء ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪[)4‬سورة احلشر ‪]4٧‬‬
‫(‪ )9‬منها ما روى البخاري ِف صحيحه ( ‪ ) 4٧59‬ابب احلج والنذور عن امليت ‪ :‬أن امرأة من جهينة جاءت إىل‬
‫النيب ملسو هيلع هللا ىلص فقالت ‪ :‬إن أمي نذرت أن حتج فلم حتج حىت ماتت أفأحج عنها ؟ قال ‪ ( :‬نعم حجي عنها أرأيت لو كان‬
‫على أمك دين أكنت قاضيته ؟! اقضوا هللا فاهلل أحق ابلوفاء ) ‪.‬‬
‫(‪ )4‬حلديث ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) رواه البخاري ( ‪ ) 4259‬ومسلم ( ‪) 4411‬‬
‫(‪ )1‬ملا روى البخاري ِف صحيحه ( ‪ : ) 9151‬أن رجال أتى النيب ملسو هيلع هللا ىلص فقال ‪ :‬اي رسول هللا إن أمي توفيت وأان غائب‬
‫عنها فهل ينفعها أن تصدقت عنها؟ قال ‪ ( :‬نعم ) قال ‪ :‬فإين أشهدك أن حائط املخراف صدقة عنها ) ‪ ،‬وما رواه‬
‫مسلم ( ‪ ) 4149‬وغريه عن أيب هريرة أن رسول هللا ( قال ‪ ( :‬إذا مات اإلنسان انقطع عمله إال من ثالث ‪ :‬إال من‬
‫صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صاحل يدعو له ) ‪.‬‬

‫‪346‬‬
‫املذهب الثاين ‪ :‬أن ال ُقَرب تنقسم إىل قسمني ‪:‬‬
‫‪ – 4‬قرب مالية ‪.‬‬
‫‪ – 9‬وقرب بدنية ‪.‬‬
‫فالقرب املالية يصح إهداء ثواهبا وتصل إىل من أهديت إليه ‪ ،‬وأما القرب البدنية فال يصح‬
‫إهداؤها وال يصل إىل املهدي إليه ‪ ،‬وهذا عليه كثري من العلماء أيضا ‪ ،‬منهم اإلمام الشافعي وكثري‬
‫من أصحابه ‪.‬‬
‫وهؤالء يستدلون على ذلك أبمور ‪:‬‬
‫منها أثر يروى عن ابن عباس أنه قال ( ال يصوم أحد عن أحد وال يصلي أحد عن أحد )(‪)4‬‬
‫وهذا األثر موقوف على ابن عباس ‪ ،‬وليس مرفوعا إىل النيب ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬ولو صح لكان معىن ال يصلى‬
‫أحد عن أحد مبعىن ال ينوب أحد عن أحد ِف الفرض ‪ ،‬أي ال يقوم إنسان ويصلي صالة الظهر‬
‫عن إنسان يعفيه من الصالة ‪ ،‬وليس معناه أنه ال جيوز أن يتربع بثواب صالة من صلوات التطوع‬
‫أو غريها ‪.‬‬
‫املذهب الثالث ‪ :‬منع ذلك مطلقا سواء أكانت العبادة بدنية أو مالية ‪ ،‬وهذا رأي لبعض علماء‬
‫الكالم وبعض املتصوفة وهو مذهب ابطل ‪.‬‬
‫وحيتجون على ذلك بنحو قوله تعاىل ‪ ( :‬وأن ليس لإلنسان إال ما سعى )(سورة النجم آية‪)42:‬‬
‫وحنوها ‪ ،‬يقولون فيها داللة على أن اإلنسان ال ينتفع إال بسعيه هو ‪.‬‬
‫ولكن القائلون جبواز إهداء ثواب القرب أجابوا عن هذه اآلية وحنوها جبوابني ‪:‬‬
‫اجلواب األول ‪ :‬ابملنع ‪ ،‬قالوا ال نسلم أن اآلية تدل على أن اإلنسان ال يستفيد من سعي غريه ‪،‬‬
‫إمنا اآلية دليل على أن اإلنسان ال ميلك إال سعي نفسه ‪ ،‬أما سعي غريه فللغري إن شاء تربع به‬
‫وأهداه وإن شاء منعه ‪ ،‬وفرق بني قوهلم ال ينتفع اإلنسان إال بسعيه وبني قوله ال ميلك إال سعيه ‪،‬‬
‫فكونه ال ميلك إال سعيه هذا مسلم به وتدل عليه اآلية الكرمية ‪ ،‬ولكن ال ينتفع إال بسعيه هذا‬
‫معىن آخر واآلية مل تتعرض له ‪ ،‬ولو قالت اآلية ال ينتفع أحد إال بسعيه ‪ ،‬لكان فيها دليل لكن‬
‫اآلية تقول ‪ ( :‬ليس لإلنسان إال ما سعى ) الالم هنا للملك ‪ ،‬يعين ليس لإلنسان على سبيل‬
‫امللك إال سعيه ‪ ،‬أما سعي غريه فهو للساعي إن شاء تربع به للغري وأفاده ونفعه وإن شاء أمسكه‬
‫وحبسه لنفسه ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه النسائي ِف السنن الكربى ‪ 414/4‬بسند صحيح ‪.‬‬

‫‪347‬‬
‫اجلواب الثاين ‪ :‬ابلتسليم ‪ ،‬قالوا نسلم جدالً أن اإلنسان ال يستفيد إال من سعيه ‪ ،‬لكن كل ما‬
‫يُهدى إىل اإلنسان فهو من سعيه ‪ ،‬ألن املهدي إما أن يكون ولداً وإما أن يكون زوجا وإما أن‬
‫ُ‬
‫يكون صديقا ‪ ،‬واملهدى له سعيه ِف الصداقة وسعيه ِف التزوج وسعيه ِف إجناب األوالد هذا هو‬
‫الذي جعلهم يتصدقون ويهدون له ‪ ،‬فما يهدى له من ثواب أي قربة كانت فهو من سعيه ألنه‬
‫سعى إىل التزوج فكان إهداء زوجه له من سعيه ‪ ،‬وألنه سعى إىل إجناب األوالد فكان إهداء ولده‬
‫من سعيه ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬لو أهدى مسلم ملسلم آخر ثواب قربة وهو ليس ولداً وليس زوجا وليس مثال صديقا‬
‫فكيف يكون من سعي املهدى له ؟ قالوا إنه بدخوله ِف اإلسالم وانتسابه ألخوة اإلسالم يعترب‬
‫هذا سعيا له ‪ ،‬وسعيه كونه مسلما وأخا للمهدى له ‪ ،‬فيكون كل ما يهدى لإلنسان من ثواب‬
‫قربة فهو حصل له ذلك بسعيه ‪.‬‬
‫ومع كثرة األدلة الدالة عليه قالوا ‪ :‬حىت القياس العقلي يدل عليه ‪ ،‬ويرد به على الذين فرقوا بني‬
‫القرب املالية والقرب البدنية واملخالفني ‪ ،‬قالوا ‪:‬‬
‫إن األجري اخلاص لو أنه استؤجر على عمل أبجر فإنه ال جيوز له أن ينيب غريه ِف العمل الذي‬
‫استؤجر عليه ‪ ،‬لكنه إذا استحق األجر وقبضه جيوز له أن يتربع به لغريه ‪ ،‬فكذلك األعمال البدنية‬
‫وإن كانت ال تدخلها النيابة وال يصح النيابة فيها فإن ثواهبا ال أبس إبهدائه لغريه ‪.‬‬
‫والراجح أن ثواب القرب يصل مطلقا ‪ ،‬سواء أكانت بدنية أو مالية ‪ ،‬وسواء أكانت حلي أو مليت‬
‫هذا عليه أكثر العلماء من السلف ‪.‬‬

‫( وهللا تعاىل يستجيب الدعوات ويقضي احلاجات )‬


‫الشرح ‪ :‬قوله ‪ ( :‬وهللا تعاىل يستجيب الدعوات ويقضي احلاجات ) هذا املذهب احلق هو‬
‫مذهب أهل السنة واجلماعة ‪ ،‬وهو أن هللا سبحانه وتعاىل يستجيب الدعوات وأن الدعاء ينفع‬
‫الداعي كما قال سبحانه تعاىل ( ادعوين استجب لكم )(سورة غافر آية‪ )1٧:‬وكما قال سبحانه‬
‫وتعاىل ‪ ( :‬أدعوا ربكم تضرعا وخفية إنه ال حيب املعتدين )(سورة األعراف آية‪ )55:‬وكما دعا‬
‫سبحانه تعاىل ِف مواطن كثرية وأمر عباده ابلدعاء ‪ ،‬وقد قال ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬الدعاء مخ العبادة )(‪ )4‬وِف‬
‫لفظ ‪ ( :‬الدعاء هو العبادة )(‪. )9‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي ( ‪ ) 4414‬بسند فيه ضعف ‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه أبو داود ( ‪ ) 4112‬والرتمذي ( ‪ ) 9212‬وابن ماجه ( ‪ ) 4٧9٧‬بسند صحيح ‪.‬‬

‫‪348‬‬
‫والدعاء من أخلص أنواع العبادة ألن اإلنسان يلجأ إىل هللا ويتجه إليه سبحانه وتعاىل ويضرع إليه‬
‫وحده وهذا هناية اإلخالص ‪ ،‬وهلذا قال عليه الصالة والسالم الدعاء ‪ ( :‬مخ العبادة ) أي صافيها‬
‫وخالصها ‪.‬‬
‫وقد خالفت بعض الطوائف كالفالسفة وعلماء الكالم ِف فائدة الدعاء وقالوا ‪ :‬إنه ال يُشرع وال‬
‫يَنفع ‪ ،‬واستدلوا على ذلك بقياس فاسد ‪ ،‬قالوا ‪:‬‬
‫الدليل على أن الدعاء ال ينفع أن ما يدعو به اإلنسان ال خيلو من أمور ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬إما أن يكون هللا سبحانه وتعاىل قضى حصول ذلك األمر وقدره ‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬وإما أن يكون قضى وقدر عدم حصوله ‪.‬‬
‫وعلى كال التقديرين فإنه ال ينفع ‪.‬‬
‫والذي مل يلم أبصول وقواعد السرب والتقسيم قد يقول إن هذا الدليل حجة صحيحة ‪ ،‬وذلك انه‬
‫إما أن يكون هللا قضاه وأما أن يكون مل يقضه ‪ ،‬وعلى كال التقديرين فإن الدعاء ال ينفع ‪ ،‬ألنه إن‬
‫كان هللا قد قضاه وقدره فإنه سيحصل وال حمالة ‪ ،‬وإن كان هللا قدر عدم حصوله فإنه لن حيصل‬
‫وإن دعا اإلنسان طيلة عمره ‪.‬‬
‫ولكن هذا الدليل العقلي الذي أوردوه انقص ‪ ،‬ألن السرب والتقسيم دليل صحيح إذ كملت شروطه‬
‫‪ ،‬أما إذا نقصت الشروط فإنه يكون دليال فاسداً ‪ ،‬ومن شروط صحة االستدالل ابلسرب والتقسيم‬
‫ِ‬
‫املستدل أتى جبميع األقسام املمكنة ِف احملل ‪.‬‬ ‫أن يكون التقسيم حاصراً ‪ ،‬مبعىن أن‬
‫وحنن إذا أتملنا هذا التقسيم وجدانه انقصا ‪ ،‬والتقسيم الصحيح – كما ذكره ابن القيم رمحه هللا –‬
‫أن يقال ‪:‬‬
‫القسم األول ‪ :‬إما أن يكون هللا قدر وقضى حصول املدعو به مطلقا ‪.‬‬
‫القسم الثاين ‪ :‬وإما أن يكون قدر عدم حصوله مطلقا ‪.‬‬
‫القسم الثالث ‪ :‬إما أن يكون قدر حصوله بشرط الدعاء ‪.‬‬
‫وهذا القسم الثالث أمهله املستدل ففسد دليله ‪.‬‬
‫ونقول ‪ :‬إن هللا سبحانه وتعاىل ميكن أن يكون قدر حصول األمر املدعو به بشرط أن يدعو‬
‫الداعي حبصوله ‪.‬‬
‫فبطل هذا االستدالل ‪ ،‬وابن فساد هذا الدليل الذي مسوه برهاان ودليال عقليا ‪.‬‬

‫‪349‬‬
‫ولكن قد يرد سؤال هنا ويقول قائل ‪ :‬إننا نرى أن هناك من يدعو هللا فال يستجاب له فكيف‬
‫جياب عن ذلك مع قوله ‪ ( :‬وقال ربكم ادعوين استجب لكم )(سورة غافر آية‪ ، )1٧:‬وهذا معناه‬
‫أن من دعا هللا فإن هللا يستجيب له ؟‬
‫واجلواب عن هذا أن يقال ‪ :‬إن إجابة هللا سبحانه وتعاىل للدعاء شيء ‪ ،‬وحصول املدعو به‬
‫املعني شيء آخر ‪ ،‬فليست إجابة الدعاء هي حصول األمر املعني الذي سأل اإلنسان ربه إايه ‪،‬‬
‫بل قد تكون اإلجابة حبصول ذلك ‪ ،‬وقد تكون أبمر آخر‪.‬‬
‫فنقول دعاؤه أجيب ولكن ‪:‬‬
‫‪ – 4‬إما أن يكون هللا سبحانه وتعاىل ادخر له ِف اآلخرة من الثواب ما هو خري له من أن يعطيه‬
‫عني ما سأل ‪.‬‬
‫‪ – 9‬وإما أن يكون قد صرف عنه من الشر ما هو أهم وأصلح له من أن حيصل له ذلك األمر‬
‫الذي سأل هللا إايه ‪.‬‬
‫فإجابة الدعاء أعم من إعطاء السائل عني ما سأل ‪ ،‬وهذا ما أشار إليه ملسو هيلع هللا ىلص بقوله ‪ ( :‬ما من عبد‬
‫يدعو هللا بدعاء ليس فيه إمث وال قطيعة رحم إال أعطاه به أحد ثالثة أمور ‪ ،‬إما أن يعطيه عني ما‬
‫سأل ‪ ،‬وإما أن يصرف عنه من الشر ما هو خري له من ذلك ‪ ،‬وإما أن يدخر له الثواب ِف اآلخرة‬
‫)(‪ )4‬وهذا يبني هذا املعىن ‪.‬‬
‫مث يقال أيضا ‪ :‬اإلجابة هلا شروط وهلا موانع ‪ ،‬إذا كملت الشروط وانتفت املوانع فإن اإلجابة‬
‫حاصلة ال حمالة ‪ ،‬وإن وجد مانع مينع من اإلجابة فإن املدعو به ال حيصل ‪ ،‬كما قال ملسو هيلع هللا ىلص ِف‬
‫احلديث السابق ‪ ( :‬ما من عبد يدعو هللا بدعاء ليس فيه إمث وال قطيعة رحم ‪ ) ..‬احلديث ‪ ،‬فهذا‬
‫يدل على أن من شرط إجابة الداعي أن ال يكون ِف دعائه إمث – أي معصية – وال قطيعة رحم ‪،‬‬
‫فإن اشتمل الدعاء على ذلك فإنه ال جياب ‪ ،‬وال تشمله اآلية اليت تدل على أن هللا يستجيب‬
‫الدعاء ‪.‬‬
‫وكذلك القول ِف قوله ‪ (:‬ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه ال حيب املعتدين )(سورة األعراف آية‪)55:‬‬
‫فمن دعا بدعاء فيه اعتداء على غريه فإن هللا ال جييب دعاءه ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه امحد ِف املسند ( ‪ ) 44444‬والبخاري ِف األدب املفرد ( ‪ ) 14٧‬والبيهقي ِف الشعب ( ‪ ) 444٧‬والرتمذي‬
‫( ‪ ) 4514‬بلفظ مقارب ‪ ،‬وسنده صحيح ‪.‬‬

‫‪351‬‬
‫وكذلك احلديث الصحيح الذي ورد فيه ‪ ( :‬إن هللا طيب ال يقبل إال طيبا ) إىل قوله ‪ ( :‬مث ذكر‬
‫الرجل يطيل السفر أشعت أغرب ميد يديه إىل السماء ومطعمه حرام ومأكله حرام وملبسه حرام‬
‫وغذي ابحلرام فأَّن يستجاب لذلك )(‪ )4‬أي فكيف يستجاب له ‪.‬‬
‫بقي شبهة أخرى يوردوهنا أو يستدلون هبا على هذا املذهب الباطل وهي قوهلم ‪:‬‬
‫لو أن الدعاء ينفع وجيدي للزم أن يكون الداعي أثر ِف هللا سبحانه وتعاىل حىت جعله جييب‬
‫الدعاء ويعطيه املسئول ‪ ،‬وان هللا مل يكن يريد أن جييبك حىت دعوته وأثر دعاؤك فيه ‪.‬‬
‫ولكن أجاب أهل السنة عن ذلك وقالوا إن الداعي ليس هو الذي أثر ِف هللا ابتداء وجعله يعطيه‬
‫ما دعاه به ‪ ،‬وإمنا هللا سبحانه وتعاىل هو الذي حرك ِف نفس الداعي نية الدعاء والتوجه إليه وأثر‬
‫فيه ‪ ،‬ويسر له أسباب الدعاء وجعله يدعوه (‪. )9‬‬
‫إذاً فالدعاء من هللا واإلجابة من هللا وليس العبد هو الذي أثر ِف هللا ‪.‬‬

‫( وميل كل شيء وال ميلكه شيء )‬


‫الشرح ‪ :‬هللا سبحانه وتعاىل هو املالك لكل شيء وهو املتصرف ِف كل شيء وال ميلكه أحد وال‬
‫يتصرف فيه شيء ‪.‬‬

‫(وال غىن عن هللا تعاىل طرفة عني ومن استغىن عن هللا طرفة عني فقد كفر وصار من أهل‬
‫احلني)‬
‫الشرح ‪ :‬اإلنسان مفتقر إىل هللا سبحانه وتعاىل دائما ( اي أيها الناس أنتم الفقراء إىل هللا وهللا هو‬
‫الغين احلميد )(سورة فاطر آية‪ )45:‬فكل إىل هللا فقري وهللا سبحانه وتعاىل غين عن كل شيء ‪،‬‬
‫ومن زعم أنه يستغين عن هللا فقد كذب وأمث وصار من أهل احلني – أي اهلالك – ِف الدنيا‬
‫واآلخرة ‪ ،‬ألن هللا سبحانه وتعاىل هو املالك املتصرف املدبر للخلق وهو الذي ميلك اخللق وال‬
‫ميلكه أحد من اخللق سبحانه وتعاىل ‪ ،‬فال أحد يشاركه ِف اخللق والتدبر والتصرف والنفع والضر ‪،‬‬
‫وال أحد له عليه سلطان ِف تشريع أو ِف فعل من األفعال أو ِف قضائه وقدره ‪ ،‬بل هو الواحد‬
‫الفاعل وحده ‪ ،‬الفاعل إبرادته ومشيئته دون التوقف على غريه ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم ( ‪ ) 4٧54‬والرتمذي ( ‪ ) 92٧2‬وأمحد ِف املسند ( ‪) ٧41٧‬‬
‫(‪ )9‬انظر منهاج السنة البن تيمية ‪. 194 / 4‬‬

‫‪351‬‬
‫( وهللا يغضب ويرضى ال كأحد من الورى )‬
‫الشرح ‪ :‬هذا شروع من املؤلف ِف بيان إثبات صفات الفعل هلل سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وكذلك شروع‬
‫منه ِف الرد على األشاعرة والكالبية واملاتريدية وغريهم الذين فرقوا بني صفات الفعل وصفات‬
‫الذات ‪ ،‬فأقروا بصفات الذات ونفوا صفات الفعل ‪ ،‬ألن الغضب والرضى صفتان فعليتان للباري‬
‫سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫والعلماء قسموا الصفات رىل قسمني ‪:‬‬
‫‪ – 4‬صفات ذات‬
‫‪ – 9‬وصفات فعل ‪.‬‬
‫فالسلف الصاحل أقروا بصفات الذات وصفات الفعل ‪.‬‬
‫وبعضهم قسمها رىل ثالثة أقسام اصطالحا ‪ ،‬فقالوا ‪:‬‬
‫‪ – 4‬صفات الذات ‪.‬‬
‫‪ – 9‬وصفات الفعل ‪.‬‬
‫‪ – 4‬والصفات اخلربية ‪.‬‬
‫قالوا ‪:‬‬
‫الصفات الذاتية ‪ :‬هي الصفات اليت تكون الزمة لذات الباري تعاىل ‪ ،‬كالعلم واحلياة والقدرة‬
‫واإلرادة وحنوها ‪.‬‬
‫والصفات الفعلية ‪ :‬هي الصفات اليت تقوم ابلباري إذ شاء فعلها وإذا شاء مل يفعلها ‪ ،‬وتسمى‬
‫الصفات الفعلية ‪ ،‬وتسمى الصفات االختيارية كالغضب والرضى و النزول واالستواء واجمليء وغري‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫الصفات اخلربية ‪ :‬اصطلحوا على تسمية هذه الصفات ابخلربية ‪ ،‬قالوا ألن جمال ثبوهتا اخلرب ‪،‬‬
‫وهي اليد والقدم واإلصبع والعني والساق وغري ذلك ‪.‬‬
‫فالسلف رضوان هللا عليهم يثبتون هلل مجيع الصفات إذا ثبتت ِف الكتاب والسنة ‪ ،‬وال يفرقون بني‬
‫كوهنا صفات ذاتية أوصفات فعليه أو صفات خربية ‪.‬‬
‫والناس يف مسألة الصفات واألمساء على ثالثة مذاهب ‪:‬‬
‫املذهب األول ‪ :‬مذهب الغالة ِف التن زيه ‪ ،‬وهم اجلهمية واملعتزلة ‪ ،‬هؤالء ينفون عن هللا سبحانه‬
‫وتعاىل مجيع الصفات وال يثبتون له شيئا من الصفات اليت يوصف هبا اإلنسان مطلقا ‪ ،‬بل مجيعها‬
‫ينفوهنا ‪ ،‬ويعطلونه منها ‪ ،‬وكل ما ورد من القرآن أو من احلديث أولوه ‪ ،‬إما أن يردوه إن كان‬

‫‪352‬‬
‫آحاداً ويكذبوه ‪ ،‬وإما أن يؤولوا مدلوله إذا كان متواترا ‪ ،‬فينفون عن هللا مجيع الصفات الفعلية‬
‫واخلربية والذاتية وال يثبتون له شيئا ‪ ،‬اللهم إال املعتزلة يثبتون له األمساء ولكن جمردة عن املعاين ‪،‬‬
‫فيثبتون هلل العليم القدير ولكن جمردة عن العلم والقدرة وغريها ‪.‬‬
‫املذهب الثاين ‪ :‬مذهب معظم علماء الكالم األشاعرة والكالبية واملاتريدية ‪ ،‬فهؤالء ‪:‬‬
‫يثبتون هلل صفات الذات ‪.‬‬
‫وينكرون الصفات الفعلية والصفات اخلربية وال يقرون بشيء منها ‪.‬‬
‫وإذا قيل هلم ملاذا فرقتم فأثبتم صفات الذات ونفيتم الصفات الفعلية واخلربية ؟‬
‫قالوا إن صفات الذات يثبتها العقل ‪ ،‬أما الصفات األخرى فإن العقل ال يثبتها ‪ ،‬فما أثبته العقل‬
‫أثبتناه وما مل يثبته العقل نفيناه ‪.‬‬
‫فإذا قيل هلم ما هي الطريقة اليت أثبت العقل هبا هذه الصفات ؟‬
‫قالوا ‪ :‬العلم يدل على التخصيص ‪ ،‬لذا أثبتنا احلكمة هلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬واإلرادة تستلزم التخصيص ‪.‬‬
‫يعين هللا سبحانه وتعاىل إذا أراد أن يكون كذا على كذا وكذا فقد كان ِف فعله هذا ختصيصا دل‬
‫على اإلرادة فأثبتناها ‪ ،‬فلما وجدان ِف فعله تعاىل تفريقا و وختصيصا بني شيء وشيء عرفنا أنه ما‬
‫فعل ذلك إال إبرادة فأثبتنا له اإلرادة ‪.‬‬
‫واستمروا ِف هذه الطريقة ‪ ،‬ألهنم أيخذون من االسم أمراً يدل على الصفة القائمة بذلك االسم ‪،‬‬
‫أو متصلة بذلك االسم ‪.‬‬
‫فاإلحكام واإلتقان ِف أفعاله سبحانه وتعاىل جيعلونه دليال على صفة العلم ‪.‬‬
‫وكذلك – كما قلت – التخصيص والتنويع دليل على إثبات اإلرادة ‪.‬‬
‫واملشيئة واخللق واإلجياد دليال على صفة القدرة ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬العامل القادر املريد البد وأن يكون حياً ‪ ،‬ألن املتصف هبذه الصفات ال خيلوا من احلياة أو‬
‫ضدها ‪ ،‬إذاً فاهلل سبحانه وتعاىل موصوف ابحلياة ‪.‬‬
‫قالوا واحلي ال خيلوا إما أن يكون مسيعا بصرياً متكلما ‪ ،‬وإما أن يكون أصم أبكم أعمى وأحسن‬
‫األوصاف وأعالها مسيعا بصرياً متكلما ‪.‬‬
‫قالوا فالعقل أثبت الصفات السبع من هذه الطريقة ‪.‬‬
‫قالوا أما ما عداها فإننا ال جند العقل يدل عليها فال نثبتها ‪.‬‬

‫‪353‬‬
‫وقد انقشهم شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا ِف هذه املسألة كتابة ومشافهة ومناظرة وأفحمهم‬
‫إفحاما ‪ ،‬وقال هلم ‪:‬‬
‫أما قولكم إن العقل ال يثبت ما عدا الصفات السبع وانتم ال تثبتوهنا(‪ ، )4‬جياب عن هذا جبوابني‪:‬‬
‫اجلواب األول ‪ :‬ال يسلم لكم أن العقل ال يثبتها ‪ ،‬بل يقال ‪:‬‬
‫كما أن العقل أثبت الصفات السبع اليت أثبتموها فهو يثبت الصفات األخرى ابلطريقة اليت أثبتم‬
‫هبا الصفات السبع ‪:‬‬
‫فكما أنكم تقولون إن التخصيص دل على اإلرادة عقال فنقول حنن االنتقام منه سبحانه وتعاىل‬
‫يدل على الغضب عقال واإلحسان يدل على الرمحة عقال ‪ ،‬فنثبت ما نفيتم عقالً ابلطريقة اليت‬
‫أثبتم هبا ما قبل ذلك ‪.‬‬
‫مث قال رمحه هللا ‪:‬‬
‫هناك دليل آخر ‪:‬‬
‫وهو أننا نسلم لكم أن العقل ال يثبت صفات الفعل ‪ ،‬ولكنه ال ينفيها ‪ ،‬وكونه ال ينفيها أو ال‬
‫يدل عليها ال يلزم منه ارتفاعها ‪ ،‬أو عدم وجودها ‪ ،‬فإذا كان هناك مدلول خمتلف فيه مث انتفى‬
‫دليل معني على القيام ابلداللة على هذا املدلول فال نقول يلزم من ذلك انتفاء املدلول ‪ ،‬ألنه‬
‫ميكن أن يكون هذا املدلول اثبتا ِف نفس األمر بدليل أخر ‪ ،‬هاتوا لنا دليال عقليا ينفيها ‪ ،‬وليس‬
‫لديهم دليل عقلي ينفيها ‪ ،‬بل جمرد استدالهلم ال يكفي دليال لنفيها وعدم وجودها ‪ ،‬فقد تكون‬
‫اثبتة ِف نفس األمر بدليل أخر كما هو واقع ‪ ،‬فإن الصفات اليت انتفى دليل العقل عن الداللة‬
‫عليها اثبتة ابلدليل السمعي القرآن والسنة وغري ذلك ‪.‬‬
‫فالشيخ رمحه هللا أفحمهم هبذه املسألة عن طريق هذه املناظرة وقد قال هلم ابختصار ‪:‬‬
‫إذا كنتم تثبتون سبع صفات وتقولون دل عليها العقل وتنفون الباقي ألن العقل مل يدل عليها‬
‫فنجيب عن ذلك هبذين األمرين ‪:‬‬
‫إما أن نسلم لكم أن العقل مل يدل عليها ونثبتها بدليل أخر ‪.‬‬
‫وإما أن نثبت لكم أن العقل دل عليها ابلطريقة اليت سلكتموها أنتم ِف إثبات الصفات السبع ‪.‬‬
‫فالشيخ رمحه هللا انقشهم ِف مسألة الغضب والرضى واحتجاجهم بعدم صحة إثبات صفات‬
‫الفعل وزعمهم أن إثباهتا يقتضي التشبيه ‪ ،‬وقد مثلوا لذلك بقوهلم ‪:‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬الضمري عائد إىل غري الصفات السبع ‪.‬‬

‫‪354‬‬
‫إن الغضب غليان دم القلب ‪ ،‬وهللا سبحانه وتعاىل من زه عن ذلك ‪ ،‬فرد عليهم الشيخ رمحه هللا‬
‫وانقشهم فقال ‪:‬‬
‫الغضب الذي فسرمتوه بغليان دم القلب هو غضب اإلنسان ‪ ،‬أما غضب هللا سبحانه وتعاىل‬
‫فليس كذلك ‪ ،‬وأبطل عليهم هذه الشبهة من مذهبهم فقال ‪:‬‬
‫أنتم تثبتون هلل اإلرادة ‪ ،‬واإلرادة هي ميل القلب إىل املراد ‪ ،‬فأنتم أثبتم اإلرادة وهي تقتضي التشبيه‬
‫!‬
‫فقالوا ‪ :‬ال ‪ .‬اإلرادة اليت أثبتناها ليست هي اليت مبعىن ميل القلب ‪ ،‬إذ اإلرادة اليت مبعىن ميل‬
‫القلب هي إرادة املخلوق أما اإلرادة اليت نثبتها فهي إرادة تليق جبالله وعظمته وال متاثل إرادة‬
‫املخلوقني ‪ .‬فقال هنع هللا يضر ‪ :‬حنن نقول أيضاً إن الغضب الذي يفسر بغليان القلب هو غضب‬
‫اإلنسان أما غضب هللا سبحانه وتعاىل فهي صفة تليق جبالله وعظمته ‪ ،‬فقولوا ِف الغضب والرضى‬
‫كما قلتم ِف اإلرادة‪.‬‬
‫املذهب الثالث ‪ :‬أهل السنة واجلماعة ‪ ،‬وسبق الكالم عليه ِف عدة مواضع من الكتاب ‪.‬‬
‫أما املفوضة فليسوا فرقة رابعة ِف أهل اإلثبات والنفي للصفات ألهنم يقولون ‪ :‬هللا أعلم مبعناها ‪،‬‬
‫فيفوضون معناها ‪ ،‬ومنهم من يقول أنه ال معىن هلا إطالقاً ‪ ،‬وهم مع ذلك ال يعقلون ‪ ،‬وإمنا‬
‫يقولون يقتصر فيها على اللفظ والقراءة ‪.‬‬
‫و ابن تيمية رمحه هللا ِف التدمرية أطال ِف بيان تناقضهم كما ِف القاعدة اخلامسة فلرياجع ‪.‬‬
‫مث إنه ال يقال ‪ :‬هل للمفوضة أتويل سائغ أو غري سائغ ‪ ،‬ألهنم أصال مل يؤولوا الصفات ‪ ،‬بل‬
‫سكتوا عنها ‪ ،‬وهم مع ذلك ضالل ‪ ،‬لكن ال يقال بكفرهم ‪.‬‬

‫( وحنب أصحاب دمحم ملسو هيلع هللا ىلص وال نفرط يف حب أحد منهم ‪ ،‬وال نتربأ من أحد منهم ‪ ،‬ونبغض‬
‫من يبغضهم وبغري احلق يذكرهم ‪ ،‬وال نذكرهم رال خبري ‪ ،‬وحبهم دين ورميان ورحسان ‪،‬‬
‫وبغضهم كفر ونفاق وطغيان )‬
‫الشرح ‪ :‬الصحايب هو كل من رأى النيب ملسو هيلع هللا ىلص أو صحبه وآمن به ‪ ،‬وإن كانت صحبته ساعة من‬
‫هنار ‪ ،‬وكل الصحابة عدول بتعديل هللا تعاىل ورسوله ملسو هيلع هللا ىلص هلم ‪ ،‬فنؤمن أبن خري األمة بعد نبيها هم‬
‫األربعة ‪ ،‬أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ‪ ،‬وهم اخللفاء الراشدون املهديون ‪ ،‬وفيهم كانت اخلالفة‬
‫والنبوة (‪. )4‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬هذا التعريف منقول من كتاب الشيخ محود رمحه هللا ‪ :‬خمتصر عقيدة أهل السنة واجلماعة ‪.‬‬

‫‪355‬‬
‫وقد قال سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬دمحم رسول هللا والذين معه أشداء على الكفار رمحاء بينهم تراهم ركعاً‬
‫سجدا يبتغون فضال من هللا ورضواان )(سورة الفتح آية‪ )92:‬وقال عز وجل ‪ ( :‬والذين جاؤوا من‬
‫بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا وإلخواننا الذين سبقوان ابإلميان )(سورة احلشر آية‪ )4٧:‬اآلية يعين‬
‫املهاجرين واألنصار ‪ ،‬وقال سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬ال يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل‬
‫أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكالً وعد هللا احلسىن )(سورة احلديد آية‪)4٧:‬‬
‫والقرآن فيه كثري من الثناء على الصحابة ومدحهم وبيان رضي هللا سبحانه وتعاىل عنهم ‪ ،‬كما قال‬
‫سبحانه ‪ ( :‬لقد رضي هللا عن املؤمنني إذ يبايعونك حتت الشجرة )(سورة الفتح آية‪. )4٧:‬‬
‫ألجل هذا ‪ ،‬وألجل أهنم رضوان هللا عليهم هم الذين ظهر الدين على أيديهم وعلى أكتافهم وهم‬
‫الذين أعلوا كلمة ال إله إال هللا ورفعوا رايتها وجعلوها عالية فوق كل شيء ‪.‬‬
‫وألهنم هم الذين ضحوا بكل غال ورخيص ِف سبيل إعالء كلمة هللا ونشر كلمة التوحيد ‪ ،‬ضحوا‬
‫ابألموال ضحوا ابألبدان ضحوا ابألهل ضحوا ابلنفوس كل ذلك ضحوا به و أرخصوه ِف سبيل‬
‫نصرة النيب ملسو هيلع هللا ىلص ونصرة دينه ‪.‬‬
‫والذين هذا شأهنم وهذه صفاهتم هلم فضل كبري على األمة مهنع هللا يضر ‪.‬‬
‫ومع هذه الفضائل كلها هم الذين نقلوا لنا الشريعة وأخذوها عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص سليمة خالية من الغش‬
‫والباطل والفساد ‪ ،‬نقلوها لنا نقية واضحة ال لبس فيها ‪ ،‬فهم حلقة الوصل بني األمة وبني رسوهلا‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص ِف حتمل وتلقي الشريعة أصوال وفروعا ‪.‬‬
‫ملا كانت هذه ميزاهتم وهذه صفاهتم كان هلم علينا احلق الكبري ‪.‬‬
‫فكان من خالصة مذهب السلف ِف الصحابة رضوان هللا عليهم أهنم حيبوهنم ويتولوهنم ويرتضون‬
‫عنهم ويبغضون من يبغضهم ويتولون من يتوالهم ‪ ،‬ويعتقدون هلم الفضل الكبري على من دوهنم ‪،‬‬
‫وال خيوضون فيما حصل بينهم من خالفات ونزاع وحروب ‪ ،‬وميسكون عما شجر بينهم مطلقا ‪.‬‬
‫إذ من املعلوم أنه حصلت فتنة بني عثمان هنع هللا يضر وبني الذين اثروا عليه وخلعوه ‪ ،‬وبني عائشة اهنع هللا يضر‬
‫والزبري وطلحة مهنع هللا يضر من جهة و بني علي بن طالب هنع هللا يضر من جهة ِف حرب اجلمل ‪ ،‬وما حصل بني‬
‫علي ومعاوية رضي هللا عنهما أيضا ِف حرب صفني ‪.‬‬
‫هذه كلها فنت وجدت ِف اإلسالم بسبب كيد اليهود ‪ ،‬ألهنا كلها وراءها اليهودي ابن سبأ الذي‬
‫جاء مدعيا لإلسالم ‪ ،‬فأوقع هذه الفنت بني املسلمني ‪.‬‬

‫‪356‬‬
‫فمذهب السلف رضوان هللا عليهم فيما وقع بني الصحابة اإلمساك عنه وعدم اخلوض فيه ‪،‬‬
‫واعتقاد أن كل فريق منهم إما أن يكون جمتهدا مصيباً له أجر اجتهاده وأجر إصابته ‪ ،‬وإما أن‬
‫يكون جمتهداً خمطئا له أجر اجتهاده وخطؤه مغفور ‪.‬‬
‫ويقولون إمنا حصل منهم نزر يسري إذا نسب إىل ما هلم من الفضائل والكرامات واألعمال‬
‫الصاحلات ‪.‬‬
‫والناس يف مسألة الصحابة ومواالهتم ثالث فرق ‪:‬‬
‫الفريق األول ‪ :‬أهل السنة واجلماعة مذهبهم ما ذكرته قبل قليل ‪.‬‬
‫الفريق الثاين ‪ :‬الروافض ‪ ،‬و الروافض مذهبهم مواالة بعض الصحابة من آل البيت ومعاداة جل‬
‫الصحابة وتكفريهم ‪.‬‬
‫فيوالون علياً وآله ونزراً يسرياً من الصحابة كسلمان الفارسي ‪ ،‬ويعادون مجيع الصحابة ويبغضوهنم‬
‫بل ويكفروهنم ‪.‬‬
‫وأشد الصحابة بغضا عند الروافض أبو بكر وعمر وعثمان ‪.‬‬
‫الفريق الثالث ‪ :‬النواصب ‪ ،‬وهم قوم عادوا أهل البيت وأبغضوهم ونصبوا هلم العداء وجعلوا سبهم‬
‫وشتمهم مذهبا من مذاهبهم ‪ ،‬وهذا ظاهر ِف بعض حكام بين أمية وأتباعهم ‪ ،‬فإهنم نصبوا العداء‬
‫وكرهوا أهل البيت ‪ ،‬وجعلوا سبهم وشتمهم ديدهنم حىت إهنم جعلوا ِف خطبة اجلمعة فصال اثبتا‬
‫لسب بعض أهل البيت وشتمهم ‪ ،‬إىل أن جاء عمر بن عبد العزيز رمحه هللا فأبطل هذه البدعة‬
‫وهذه الضاللة وأزال الفصل من اخلطبة وجعل بدال منه آية كرمية وهي قوله تعاىل ‪ ( :‬إن هللا أيمر‬
‫ابلعدل واإلحسان وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء واملنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون‬
‫)(سورة النحل آية‪. )2٧:‬‬
‫و النواصب ينصبون العداء ألهل البيت فقط أما بقية الصحابة فإهنم ال يعادوهنم بل يوالوهنم ‪.‬‬
‫وهلذا قال شيخ اإلسالم رمحة هللا ِف الواسطية وغريها ‪:‬‬

‫إن أهل السنة واجلماعة وسط ِف أصحاب رسول هللا بني الرافضة والنواصب ‪ ،‬فالرافضة يغلون ِف‬
‫آل البيت ويكفرون من عداهم ‪ ،‬والنواصب يبغضون آل البيت ويسبوهنم ويوالون من عداهم ‪،‬‬
‫لكن أهل السنة واجلماعة حيبون اجلميع ويوالون اجلميع ويرتضون عن اجلميع ويتولون اجلميع ‪.‬‬
‫وهناك حبث حول رواية الصحايب وقوله ومن هو الصحايب ‪ ،‬وهذا موضوعه مكان آخر ‪.‬‬

‫‪357‬‬
‫أما درجات الصحابة وفضلهم فقد ذكر العلماء ِف كتبهم وبينوا أهنم على درجات خمتلفة ‪ ،‬فمثال‬
‫منهم من شهد النيب ملسو هيلع هللا ىلص له ابجلنة كالعشرة املبشرين ابجلنة وكثابت بن قيس بن مشاس (‪ )4‬وغريه ‪،‬‬
‫ومنهم من دون ذلك ‪ ،‬ومنهم أهل بدر الذين أطلع هللا عليهم فقال ‪ ( :‬اعملوا ما شئتم فقد‬
‫غفرت لكم )(‪ )9‬ومنهم أصحاب بيعة الرضوان (‪ ،)4‬ومنهم السابقون األولون ‪ ،‬ومنهم من هم‬
‫دون ذلك ‪ ،‬فدرجات الصحابة رضوان هللا عليهم خمتلفة حسب فضلهم وقدم إسالمهم ‪.‬‬
‫يدل على هذا أنه عليه الصالة والسالم غضب على خالد بن الوليد ‪ ،‬وهو كما يُعلم من فضالء‬
‫الصحابة ومن خريهتم ‪ ،‬غضب عليه ملا حصل بينه وبني عبد الرمحن بن عوف خالف ِف بعض‬
‫مسائل الغنيمة ‪ ،‬غضب غضبا شديداً وقال وهو خياطب خالدا ( ال تسبوا أصحايب والذي نفسي‬
‫بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم وال نصيفه )(‪ )1‬يعنف خالدا سيف‬
‫هللا ‪ ،‬يقول له ال تسب صاحيب عبد الرمحن بن عوف ‪ ،‬فأنت لو أنفقت مثل أحد ذهبا ما بلغ‬
‫جبلك هذا مد عبد الرمحن وال نصيفه ‪ ،‬فهذا يدل على فضيلة سبق الصحبة والتقدم واإلبالء ِف‬
‫اجلهاد واإلنفاق وغري ذلك ‪.‬‬

‫( ونثبت اخلالفة بعد رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬أوال أليب بكر الصديق هنع هللا يضر تفضيال له وتقدميا على مجيع‬
‫األمة ‪ ،‬مث لعمر بن اخلطاب هنع هللا يضر ‪ ،‬مث لعثمان هنع هللا يضر ‪ ،‬مث لعلي بن أيب طالب هنع هللا يضر ‪ ،‬وهم اخللفاء‬
‫الراشدون واألئمة املهتدون )‬
‫الشرح ‪ :‬هذه مسألة اخلالفة ‪ ،‬املسلمون جممعون على أن أاب بكر الصديق هنع هللا يضر هو اخلليفة الشرعي‬
‫بعد رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وليس هناك من خيالف – حسب ما أعلم – ِف شرعية خالفة أيب بكر‬
‫الصديق إال الرافضة ‪ ،‬هذا ابلنسبة لشرعية اخلالفة ‪.‬‬
‫أما ابلنسبة ألولوية أيب بكر ِف اخلالفة فإن هناك من ينضم مع الرافضة وهم الزيدية من الشيعة‬
‫فإهنم وإن أقروا خبالفة أيب بكر وقالوا إهنا شرعية إال أهنم يقولون إن عليا أوىل هبا منه ‪.‬‬
‫أما مسألة ثبوت اخلالفة أليب بكر الصديق فكما قلت ‪ :‬هي اثبتة ولكن ماهو الدليل على ثبوهتا ‪،‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 4144‬ومسلم (‪. )442‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخاري ( ‪ ) 4٧٧1‬ومسلم ( ‪. ) 9121‬‬
‫(‪ِ )4‬ف صحيح مسلم ( ‪ ) 9121‬قال عليه الصالة والسالم ‪ ( :‬ال يدخل النار إن شاء هللا من أصحاب الشجرة أحد‬
‫‪ ،‬الذين ابيعوا حتتها ) وِف مسلم أيضا ( ‪ ) 9125‬أن النيب عليه الصالة والسالم قال لغالم حاطب بن أيب بلتعة ‪( :‬‬
‫كذبت ‪ ،‬ال يدخلها – أي النار – فإنه شهد بدرا واحلديبية ) ‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ( ‪ ) 4114‬ومسلم ( ‪. ) 951٧‬‬

‫‪358‬‬
‫هل ثبتت له ابلنص من املصطفى ملسو هيلع هللا ىلص أو ابالختيار واالنتخاب من الصحابة رضوان هللا عليهم ‪،‬‬
‫فيه خالف بني العلماء ‪:‬‬
‫القول األول ‪ :‬من يقول إن الرسول عليه الصالة والسالم نص على خالفة أيب بكر الصديق‬
‫وعهد له هبا وأنه توالها بعهد منه ‪.‬‬
‫القول الثاين ‪ :‬أهنا ثبتت أليب بكر الصديق ابالختيار واالتفاق واالنتخاب ‪.‬‬
‫والذين قالوا إهنا ثبتت من الرسول ابلنص والوصية أوردوا عدة أدلة استدلوا هبا على ذلك ‪ ،‬لكن‬
‫سنبني عند مناقشة تلك األدلة أهنا ال توصل إىل ما ذهبوا إليه ‪:‬‬
‫قالوا من ذلك ما ِف صحيح مسلم أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال ِف مرض موته لعائشة اهنع هللا يضر ‪ ( :‬ادعي يل‬
‫أابك وأخاك ألكتب أليب بكر كتااب – مث قال – أيىب هللا واملسلون إال أاب بكر )(‪ ، )4‬ومل يكتب‬
‫‪ ،‬قالوا ‪ :‬فقوله ادع يل أخاك ألكتب أليب بكر كتااب معناه أنه نص على أنه هو اخلليفة ‪.‬‬
‫ومنها ما صح أن امرأة أتت النيب ملسو هيلع هللا ىلص فأمرها أن ترجع إليه ‪ ،‬قالت ‪ :‬أرأيت إن مل أجدك ؟ كأهنا‬
‫تريد املوت ‪ ،‬قال ‪ ( :‬إن مل جتديين فأيت أاب بكر )(‪ . )9‬قالوا فهذا نص على أن أاب بكر هو‬
‫اخلليفة ‪.‬‬
‫قالوا و مما يستدل به أيضا أنه عليه الصالة والسالم أقام أاب بكر الصديق إماما عنه ِف مرضه (‪)4‬‬
‫ومنها أنه قال ‪ ( :‬سدوا كل خوخة على املسجد إال خوخة أيب بكر )(‪.)1‬‬
‫قالوا كل هذه نصوص على أن أاب بكر الصديق هو اخلليفة ‪ ،‬وذكروا آاثرا كثرية ِف هذه املسألة ‪.‬‬
‫وأما الذين قالوا إن اخلالفة ثبتت أليب بكر الصديق ابتفاق الصحابة عليه واختيارهم له استدلوا‬
‫أبن عمر هنع هللا يضر ملا قيل له ‪ :‬أال تستخلف ؟ قال ‪ :‬إن استخلف فقد استخلف من هو خري مين –‬
‫أبو بكر ‪ ، -‬وإن أترك فقد ترك من هو خري مين – رسول هللا )(‪. )5‬‬
‫قالوا ‪ :‬فقوله وإن أترك فقد ترك من هو خري مين – رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ -‬نص من عمر أن رسول هللا‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص عليه وسلم مل يستخلف ‪ .‬وكذلك ما رواه مسلم ِف صحيحه أن عائشة اهنع هللا يضر سئلت ‪ :‬من كان‬
‫رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص مستخلفا لو استخلف ؟ قالت ‪ :‬أبو بكر ‪ ،‬فقيل هلا ‪ :‬مث من بعد أيب بكر ؟ قالت‬
‫‪ :‬عمر مث قيل هلا ‪ :‬من بعد عمر ؟ قالت أبو عبيدة عامر بن اجلراح (‪. )1‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم ( ‪ ) 94٧1‬والبخاري قريبا منه ( ‪ ) 5111‬و ( ‪) 1941‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخاري ( ‪ ) 141٧‬ومسلم ( ‪) 94٧1‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 112 ( ، ) 111‬ومسلم ( ‪. ) 19٧‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ( ‪ ) 111‬ومسلم ( ‪. ) 94٧9‬‬

‫‪359‬‬
‫فقول السائل ‪ :‬لو كان مستخلفا ‪ ،‬وإقرار عائشة له على ذلك يدل على أنه مل يوص ‪.‬‬
‫وأقوى األدلة والذي هو ِف نظري يرجح القول أبن اخلالفة ثبتت أليب بكر ابالتفاق واالختيار –‬
‫اختالف الصحابة بعد وفاة النيب ملسو هيلع هللا ىلص ِف سقيفة بين ساعدة (‪ )4‬فيمن يكون خليفة ‪ ،‬وهي قصة‬
‫مشهورة معروفة ومستفيضة ِف كتب احلديث والتاريخ ‪ ،‬أنه ملا توِف النيب ملسو هيلع هللا ىلص اجتمع الصحابة‬
‫رضوان هللا عليهم ِف سقيفة بين ساعدة ‪ ،‬واختلفوا فيمن يكون خليفة ‪ ،‬فاألنصار قالوا حنن الذين‬
‫نصران رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وحنن الذين ظهرت على أيدينا نصرة اإلسالم وظهر اإلسالم على أيدينا ‪،‬‬
‫فنحن أحق هبا منكم ‪ ،‬وقال املهاجرون حنن قوم النيب ملسو هيلع هللا ىلص وحنن الذين أيدانه وخرجنا معه ‪ ،‬تركنا‬
‫بالدان وأهلينا وأموالنا ِف سبيل هللا نصرة لإلسالم فنحن أحق هبا ‪ ،‬وتفتقت قرحية أحدهم وقال بل‬
‫احلل الوسط أن يكون منا أمري ومنكم أمري ‪ ،‬إىل أن جاء أبو بكر الصديق هنع هللا يضر وخطب الناس‬
‫وقال ‪ :‬إن العرب ال تعرف هلذا األمر إال هلذا احلي من قريش ‪ ،‬إىل أن قال ‪ :‬ولكين رضيت لكم‬
‫أحد هذين الرجلني إما عمر وإما أبو عبيدة ‪ ،‬فقام عمر وقال ‪ :‬بل حنن نبايعك مث قاموا مجيعهم‬
‫فبايعوه ‪.‬‬
‫فلو كان عندهم نص من النيب ملسو هيلع هللا ىلص هل جيوز للصحابة أن خيتلفوا ِف أمر فيه نص صريح عن النيب‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص ؟ ال ميكن أبداً ‪.‬‬
‫إذاً فهذا دليل قوي على أن اخلالفة ثبتت أليب بكر الصديق هنع هللا يضر ابالختيار واالتفاق ‪.‬‬
‫يبقى مناقشة أدلة القائلني أبن النيب ملسو هيلع هللا ىلص نص وعهد ابخلالفة أليب بكر فقد أجاب العلماء عنها‬
‫فقالوا ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬قوله ‪ ( :‬ادعي يل أخاك وأابك ألكتب أليب بكر كتااب ‪ )9() ..‬اجلواب عليه من وجهني ‪:‬‬
‫الوجه األول ‪ :‬أنه ال يعلم ما الذي أراد أن يكتبه ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬ال نعلم هل أراد أن يكتب له والية على‬
‫الصالة أو أراد أن يكتب له والية على أهله أو أراد أن يكتب له والية على بيت املال ‪ ،‬هو أراد‬
‫أن يكتب كتااب لكن مل يقل إنه يريد أن يكتب له ابخلالفة ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫= (‪ )5‬رواه البخاري ( ‪ ) 194٧‬ومسلم ( ‪. ) 4٧94‬‬
‫= (‪ )1‬رواه مسلم ( ‪ ) 94٧5‬والنسائي ِف الكربى ( ‪ ) ٧9٧9‬وأمحد ِف الفضائل ( ‪ ) 9٧1‬وِف املسند بلفظ مقارب‬
‫( ‪. ) 91411‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪) 411٧‬‬
‫(‪ )9‬رواه مسلم ( ‪ ) 94٧1‬والبخاري قريبا منه ( ‪ ) 5111‬و ( ‪. ) 1941‬‬

‫‪361‬‬
‫الوجه الثاين ‪ :‬أنه حىت لو كان ينوي أن يكتب له عهداً ابخلالفة فإنه مل يكتب ومل حيصل ذلك ‪،‬‬
‫إذاً فلم حيصل منه عهد وال نص أليب بكر ابخلالفة ‪.‬‬
‫اثنيا ‪ :‬وأما قوله للمرأة ‪ ( :‬ائيت أاب بكر )(‪ )4‬فال ندري ما األمر الذي جاءت ألجله املرأة ‪ ،‬هل‬
‫جاءت تطلب ماال أو جاءت تستفيت فال يعلم ماذا تريد ‪ ،‬و أبو بكر رضي هللا صاحل لقضاء‬
‫حاجتها من جهة املال وصاحل لقضاء حاجتها من جهة الفتيا ‪ ،‬ومل يقل ( أبو بكر اخلليفة بعدي ‪،‬‬
‫عهدت له ابخلالفة فأتيه ‪ ،‬ولو كان هناك نص ظاهر مل يكن ليخص أبو بكر على كل‬ ‫ُ‬ ‫أو‬
‫الصحابة ومل يكن مع هذا يعلم هبذا النص أحدهم ‪ ،‬وهلذا ملا كان هناك شيء يتعلق هبذا املوضوع‬
‫وإن مل يكن نصاً ِف املسألة أوردوه ‪ ،‬فقد قام رجل وقال ‪ :‬إن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال ( األئمة من‬
‫قريش )(‪ ، )9‬وقد كان الصحابة كلهم جمتمعون كبارهم وصغارهم ومل يقل واحد منهم أن الرسول‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص عهد إىل أيب بكر ‪.‬‬
‫وأما علي هنع هللا يضر فقد غاب عن ذلك ألنه كان مشغوال بتطمني زوجته فاطمة اهنع هللا يضر ومواساهتا ِف‬
‫مصاهبا بوفاة النيب ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬وهو حىت لو مل يبايع فهو معذور ِف ذلك ‪.‬‬
‫اثلثا ‪ :‬وأما ختليف النيب ملسو هيلع هللا ىلص أليب بكر ِف إمامة الصالة فهذا يدل على فضل أيب بكر وحب‬
‫رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص له ‪ ،‬وال يعين اخلالفة ‪.‬‬
‫إذاً كلها أدلة حمتملة ‪ ،‬وإذا كانت حمتمله ‪ ،‬فاألدلة األخرى أوضح منها وأقوى ‪ ،‬والذي أراه‬
‫وأرجحه هو القول الثاين وهو أن اخلالفة ثبتت أليب بكر ابالختيار ‪.‬‬
‫وترتيب اخللفاء الذي عليه أهل السنة واجلماعة أبو بكر الصديق ‪ ،‬فاخلالفة ثبتت له ابالختيار ‪،‬‬
‫مث عمر بن اخلطاب هنع هللا يضر ‪ ،‬واخلالفة ثبتت له ابلنص والعهد واالستخالف من أيب بكر ‪ ،‬مث عثمان‬
‫هنع هللا يضر واخلالفة ثبتت له ابلنص من بني عدة نفر ‪ ،‬مث علي هنع هللا يضر وأرضاه ‪.‬‬
‫ومسألة ترتيب اخللفاء ِف اخلالفة هذا هو الذي يرتتب عليه التضليل وعدمه ‪ ،‬يعين أن يقدم عمر‬
‫على أيب بكر أو يقدم عثمان على عمر أو يقدم علي على عثمان ‪ ،‬هذا يعترب من البدع املضلة ‪،‬‬
‫خبالف تقدميهم وترتيبهم ِف الفضل فإنه أهون ‪.‬‬
‫وهلذا قال شيخ اإلسالم رمحه هللا ِف الواسطية وغريها إن املسألة اليت يضلل فيها هي مسألة اخلالفة‬
‫أما مسألة الفضل فإنه ال يضلل من خالف فيها (‪. )4‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 141٧‬ومسلم ( ‪. ) 94٧1‬‬
‫(‪ )9‬رواه اإلمام امحد ِف املسند ‪ 4٧4 /9‬وصححه امحد شاكر ‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر جمموع الفتاوى ‪. 454 / 4‬‬

‫‪361‬‬
‫ومجهور السلف على أن ترتيبهم ِف الفضل كرتتيبهم ِف اخلالفة ما عدا األحناف وبعض العلماء‬
‫فإهنم قدموا علياً ِف الفضل على عثمان فقط (‪ ، )4‬أما ِف اخلالفة فاملسلمون كلهم جممعون على‬
‫أن أاب بكر أوهلم مث عمر مث عثمان مث علي ‪.‬‬

‫( وأن العشرة الذي مساهم رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وبشرهم ابجلنة نشهد هلم ابجلنة على ما شهد هلم‬
‫رسول هللا ( وقوله احلق ‪ ،‬وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبري وسعد وسعيد‬
‫وعبد الرمحن بن عوف وأبو عبيدة بن اجلراح وهو أمني هذه األمة مهنع هللا يضر أمجعني )‬
‫الشرح ‪ :‬نعم هؤالء العشرة شهد هلم الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ابجلنة (‪ )9‬فنشهد هلم هبا ‪.‬‬

‫وم ْن أحسن القول يف أصحاب رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وأزواجه الطاهرات من كل دنس و ذرايته‬
‫( َ‬
‫املقدسني من كل رجس فقد برئ من النفاق )‬
‫الشرح ‪ :‬حب الصحابة رضوان هللا عليهم وحب زوجات الرسول وحب ذرايت الرسول ملسو هيلع هللا ىلص هذا‬
‫من عالمات اإلميان ‪ ،‬والطعن فيهم أو ِف أحد منهم من عالمات النفاق ‪ ،‬وهلذا الروافض يعتربون‬
‫منافقني ألهنم يظهرون حب الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ولكنهم يبطنون بغضه وبغض دينه ‪ ،‬بدليل أهنم يكرهون‬
‫الصحابة الذين أظهروا الدين وتولوه ‪ ،‬يبغضوهنم ويسبوهنم ‪ ،‬وهذا يدل على أهنم منافقون ‪.‬‬
‫مع العلم أن النفاق أصل من أصوهلم ‪ ،‬التقية عند الروافض أصل من أصوهلم ‪ ،‬والتقية معناها‬
‫النفاق ‪ ،‬وهي إظهار أمر وِف الباطن ما خيالفه ‪ ،‬فبغض الصحابة نفاق ‪ ،‬ألنه ال ميكن أن يبغضهم‬
‫إال وهو يبغض ما جاؤوا به من شرع هللا ودين هللا ‪ ،‬وهوال يبغضهم إال على ذلك ‪ ،‬إذاً هو منافق‬
‫‪.‬‬
‫( وعلماء السلف من السابقني ومن بعدهم من التابعني أهل اخلري واألثر وأهل الفقه والنظر ال‬
‫يُ ْذ َكرون رال ابجلميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غري السبيل )‬
‫الشرح ‪ :‬وكذلك العلماء رضوان هللا عليهم أئمة هذه األمة ‪ ،‬علماء الشريعة أصوال وفروعا الذين‬
‫كرسوا أنفسهم لتأليف الكتب ِف الفقه واحلديث واألصول وغريها ‪ ،‬اهتموا بذلك ووقفوا حياهتم‬
‫كلها على خدمة الشريعة شرحا وأتليفا وتعليما ‪ ،‬هؤالء أيضاً نكن هلم االحرتام والتقدير ‪،‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬ذكر ابن عبدالرب رمحه هللا ِف االستيعاب ‪ 941 / 4‬أن أهل السنة استقر قوهلم على تقدمي عثمان على علي رضي‬
‫هللا عنهما ِف الفضل ‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه الرتمذي ( ‪ ) 411٧‬وامحد ِف الفضائل ( ‪ ) 91٧‬والبغوي ( ‪ ) 4295‬بسند صحيح ‪.‬‬

‫‪362‬‬
‫وال نذكرهم إال خبري ‪ ،‬ونذم ونسب ونعادي من يعاديهم ‪ ،‬ألنه ال جمال وال معىن ملعاداة أئمة األمة‬
‫وعلمائها إال ألجل ما محلوه وألجل ما قاموا به من خدمة هلذه الشريعة ‪.‬‬

‫( وال نفضل أحدا من األولياء على أحد من األنبياء عليهم السالم ونقول نيب واحد أفضل‬
‫من مجيع األولياء )‬
‫الشرح ‪ :‬هللا سبحانه وتعاىل أثىن على أوليائه بقوله ‪ ( :‬أال إن أولياء هللا ال خوف عليهم وال هم‬
‫حيزنون )(سورة يونس آية‪ )19:‬وبني سبحانه وتعاىل من هم األولياء فقال ‪ ( :‬الذين آمنوا وكانوا‬
‫يتقون )(سورة يونس آية‪ )14:‬هؤالء األولياء ‪ ،‬ولكن صار ِف اصطالح املتصوفة وغريهم للويل‬
‫مفهوم غري هذا ‪ ،‬فالويل عند املتصوفة هو العارف الذي وصل ِف زعمهم إىل النهاية ‪ ،‬أي وصل‬
‫إىل هللا سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وقد ضل ِف هذا الباب كثري من الناس وأضلوا ‪ ،‬حيث جعلوا الويل أرفع‬
‫من النيب وأرفع من الرسول ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬إن الرسول والنيب كالمها أيخذ الوحي عن هللا بواسطة امللك ‪،‬‬
‫أما الويل فإنه أيخذ الوحي عن هللا مباشرة ‪ ،‬يزعمون أن الويل جيتمع مع هللا وجيلس ِف حضرة هللا‬
‫وأيمره هللا وينهاه ويكلمه مشافهة ‪ ،‬ومن هؤالء الضالل ابن عريب الطائي والتلمساين وابن الفارض‬
‫واحلالج وغريهم ‪ ،‬هؤالء امللحدون الذين هم أئمة ِف االحتاد واإلحلاد والقول بوحدة الوجود –‬
‫هؤالء يزعمون أهنم أولياء ويزعمون أهنم أفضل من األنبياء والرسل ولذا قالوا‪:‬‬
‫مقام النبوة يف بـرزخ *** فويق الرسول ودون الويل (‪)4‬‬

‫فالرتيب يف الفضل عندهم ‪:‬‬


‫الويل أفضل من األنبياء والرسل ‪ ،‬والنيب أفضل من الرسل ‪ ،‬والرسول ِف املرتبة الثالثة ‪.‬‬
‫وبرروا ذلك بقوهلم ‪ :‬إن الويل أيخذ عن هللا مباشرة والرسول والنيب أيخذ عن امللك ‪ ،‬الويل أيخذ‬
‫من املعدن الذي أيخذ منه امللك ‪ ،‬فهو أفضل من األنبياء وأفضل من الرسل ‪ ،‬قاتلهم هللا ‪،‬‬
‫والشيخ رمحة هللا يقول إن نبياً واحدا أفضل من مجيع األولياء وهذا ابتفاق املسلمني ‪ ،‬فاملسلمون‬
‫يرون أنه ال أحد دون النيب يصل درجته ‪ ،‬والرسالة أعلى مث النبوة مث الوالية الصحيحة احلقيقية ‪،‬‬
‫وأولياء هللا ( الذين امنوا وكانوا يتقون )(سورة يونس آية‪ )14:‬الذين امنوا ابهلل وبرسوله واتقوا هللا‬
‫فيما يفعلون ويدعون ‪ ،‬هؤالء هم أولياء هللا ومع هذا فاألنبياء والرسل صلوات هللا وسالمه عليهم‬
‫أفضل من هؤالء وأرقى منهم درجة ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬ينظر جامع الرسائل البن تيمية ‪. 9٧2 / 4‬‬

‫‪363‬‬
‫وكثري من الناس – من املتصوفة وغريهم من القبوريني – يضلون ِف مسألة التربك ابلويل والتقرب‬
‫إليه ‪ ،‬فإهنم يعطون الويل من اخلصائص ماهلل من كشف الضر وجلب النفع وشفاء املريض وغري‬
‫ذلك ‪ ،‬يطلبون منهم حىت بعد موهتم ما ال يقدر عليه إال هللا سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وقد ضل ِف ذلك‬
‫فئام من الناس من املتصوفة وغري املتصوفة ‪ ،‬فالويل إذا كان من أولياء هللا حقا فإن هللا سبحانه‬
‫وتعاىل أمنه من اخلوف واحلزن ولكنه بشر ال ينفع وال يضر السيما إذا مات وأصبح ِف قربه عاجزاً‬
‫عن نفع نفسه ‪ ،‬فكيف ينفع اآلخرين ‪ ،‬وجتد الواحد من القبوريني يتربك بصاحب قرب أو يطوف‬
‫به أو يدعوه فإذا هنيته قال هذا من أولياء هللا وهللا تعاىل يقول ‪ ( :‬أال أن أولياء هلل ال خوف عليهم‬
‫وال هم حيزنون )(سورة يونس آية‪ )19:‬ومن هذا الطريق حصل الفساد والضالل واخلرافات اليت‬
‫أفسدت عامة املسلمني بسبب التلبيس ِف أن أولياء هللا ال خوف عليهم وال هم حيزنون ‪.‬‬

‫( ونؤمن مبا جاء من كراماهتم وصح عن الثقات من رواايهتم )‬


‫الشرح ‪ :‬الكرامات مجع كرامة وهي ما يكرم هللا هبا بعض عبادة وأوليائه ‪.‬‬
‫والكرامة ‪ :‬أمر خارق للعادة ‪ ،‬ممكن عقال ‪ ،‬خال من التحدي ‪ ،‬خال من دعوى النبوة ‪ ،‬وجيريه‬
‫هللا على يد عبد مستقيم ومتبع لكتاب هللا وسنة نبيه ملسو هيلع هللا ىلص ‪.‬‬
‫وممكن عقال يعين غري مستحيل ‪ ،‬فالعقل يقبله ولكنه خارق للعادة يعين العادة أن مثل هذا األمر‬
‫ال جيري على يد الناس لكنه جرى على يد هذا الرجل فخرق العادة ‪.‬‬
‫مث البد وأن يكون خاليا من دعوى النبوة ومن التحدي ‪ ،‬وإال لو اقرتنت به دعوى النبوة والتحدي‬
‫لكان معجزة وليس كرامة ‪.‬‬
‫مث أيضا البد أن يكون أجراه هللا على يد عبد صاحل من عباده الصاحلني ‪ ،‬وإال لو وجد أمر ممكن‬
‫عقال خارق للعادة خال من دعوى النبوة والتحدي ولكنه جرى على يد رجل معروف ابلفسق‬
‫وابلضالل وبعدم السلوك احلسن أو ابلبدعة فإنه يفسر أبنه من خوارق العادات الشيطانية ‪.‬‬
‫فالبد من هذه القيود حىت يكون هذا األمر كرامة ‪.‬‬
‫ومذهب أهل السنة واجلماعة اإلميان بكرامات األولياء ‪ ،‬اإلقرار هبا واالعرتاف هبا واإلميان هبا‬
‫وتصديقها إذا وقعت ‪ ،‬فإن هللا سبحانه وتعاىل يكرم بعض عباده فيجري على يده ما خيرق العادة‬
‫‪ ،‬ومصدر الكرامة أحدى ثالثة أمور ‪:‬‬
‫‪ – 4‬ابلتأثري ‪.‬‬
‫‪ – 9‬أو الغىن ‪.‬‬

‫‪364‬‬
‫‪ – 4‬أو الكشف ‪.‬‬
‫فالكرامة ابلتأثري ‪ :‬معناها أن جيري هللا على يد عبد من عباده أمراً يؤثر ِف أمور ال يقدر عادة‬
‫غريه أن يفعلها ‪ ،‬كمن ميشي على املاء وال يغوص فيه ‪ ،‬أو يطري ِف اهلواء ‪ ،‬أو يدخل النار وال‬
‫حترقه ‪ ،‬مثل ما حصل إلبراهيم عليه الصالة والسالم حينما ألقي ِف النار ومل حيرتق ‪ ،‬فهذه كرامة‬
‫من كرامات هللا سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫والكرامة ابلغين ‪ :‬معناها أن يؤت هللا من يريد كرامته من أوليائه من األمور اليت ال تؤتى لغريه‬
‫عادة ‪ ،‬كمثل ما حصل ملرمي عليها السالم حيث كانت أتتيها فاكهة الشتاء ِف الصيف وفاكهة‬
‫الصيف ِف الشتاء ‪.‬‬

‫وأمثلة الكرامة ابلغىن كثرية جدا كرزقه سبحانه وتعاىل لبعض عباده برزق مل جتر العادة حبصوله ِف‬
‫ذلك املكان أو ِف ذلك الزمان ‪ ،‬كما حصل للجيش الذي كان بقيادة بعض الصحابة رضوان هللا‬
‫عليهم ملا نفد ماؤهم ِف شدة الصيف ِف الدهناء (‪ )4‬وال ماء وال مورد ‪ ،‬فلما قاربوا من اهلالك‬
‫أنشأ هللا سبحانه وتعاىل سحابة ِف ذلك الوقت الذي ال أييت املطر فيه عادة فأمطرهتم فارتووا منها‬
‫وسقوا رواحلهم وملئوا قرهبم ‪ ،‬وهذه كرامة من كرامات هللا ساقها هللا هلم ‪ ،‬وهي من نوع الكرامة‬
‫ابلغين ‪ ،‬احتاجوا وافتقروا إىل املاء فأغناهم هللا هبذه ‪.‬‬
‫والكرامات ابلكشف ‪ :‬وهو أن يكشف هللا لعبد من عباده أموراً من املغيبات واملسائل العلمية‬
‫اليت مل جتر العادة بفتحها على غريه وكشفها لغريه ‪.‬‬
‫وكما قلت مذهب أهل السنة واجلماعة اإلميان بكرامة األولياء ‪ ،‬على البيان الذي بينته ‪.‬‬

‫أما املعتزلة فإهنم ينكرون الكرامات ويقولون ليس هناك كرامات لألولياء ‪ ،‬وحيتجون على ذلك أبنه‬
‫لو وجدت الكرامات اللتبست مبعجزات األنبياء ‪ ،‬فال يعرف الويل من النيب ‪.‬‬
‫فيقال الدعوى غري صحيحة يوضح ذلك تعريف كل من املعجزة والكرامة ‪ ،‬مث انه بعد نبينا دمحم‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص كيف يكون ذلك ‪ ،‬فال ميكن أن يبعث نيب بعده حىت خيشى املعتزلة من االلتباس بينه وبني‬
‫الويل ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬الدهناء صحراء معروفة ِف جند ‪.‬‬

‫‪365‬‬
‫( ونؤمن أبشراط الساعة )‬
‫الشرح ‪ :‬األشراط مجع َشَرط حبركتني ‪ ،‬خبالف الشروط فإهنا مجع َش ْرط وهي ليست مما معنا ‪،‬‬
‫شرط ابلفتح ‪ ،‬يقال َشَرط الساعة أي عالمتها ‪ ،‬و أشراط‬
‫واألشراط هي العالمات ‪ ،‬وواحدها َ‬
‫الساعة هي عالماهتا وأماراهتا اليت تدل على قيامها وهي ثالثة أقسام ‪:‬‬

‫القسم األول ‪ :‬أشراط وقعت ومضت ‪.‬‬


‫القسم الثاين ‪ :‬أشراط أتيت ‪ ،‬ولكنها ليست مقارنة لقيام الساعة ‪.‬‬
‫القسم الثالث ‪ :‬أشراط تقارن قيام الساعة وتصاحبها ‪.‬‬
‫فأشراط بعيدة هي اليت مضت وانتهت كما أخرب ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬أعدد ستا بني يدي الساعة ‪ ،‬مويت مث‬
‫فتح بيت املقدس مث مواتن أيخذ فيكم كعقاص الغنم ‪ ،‬مث استفاضة املال حىت يعطى الرجل مائة‬
‫دينار فيظل ساخطا ‪ ،‬مث فتنة ال يبقى بيت من العرب إال دخلته ‪ ،‬مث هدنة تكون بينكم وبني بين‬
‫األصفر ‪ ،‬فيغدرون فيأتونكم حتت مثانني غاية ‪ ،‬حتت كل غاية اثنا عشر ألفا )(‪ )4‬هذه كلها‬
‫مضت ‪ ،‬و أشراط متوسطة ليست بعيدة وال قريبة مقارنة ومالصقة للساعة ‪ ،‬وهي اليت أشار إليها‬
‫الرسول عليه لصالة والسالم ِف أحاديث كثرية كقوله ‪ ( :‬ال تقوم الساعة حىت يكثر املال ويفيض‬
‫حىت خيرج الرجل بزكاة ماله فال جيد أحدا يقبلها منه ‪ ،‬وحىت تعود جزيرة العرب مروجا وأهناراً‬
‫)(‪ ،)9‬أو ‪ :‬ال تقوم الساعة حىت حيصل كذا وحىت حيصل كذا وحىت حيصل كذا ‪.‬‬
‫وأما أشراط الساعة الكبرية القريبة ‪ ،‬فمنها خروج الدجال والدخان والدابة ونزول عيسى بن مرمي‬
‫سيأيت إن شاء هللا ذكرها ‪.‬‬

‫( من خروج الدجال )‬
‫الشرح ‪ :‬أحاديث كثرية تبلغ حد التواتر عند بعض العلماء أبن الدجال خيرج ِف آخر الزمان وأنه‬
‫رجل كافر يضل الناس ويفتنهم ‪ ،‬أييت ومعه املغرايت من األموال ‪ ،‬ولديه بطش وقدرة وقوة ‪،‬‬
‫فيفتنت به كثريون من الناس وخيرجون معه من أصفهان وال يبقى بلد إال ويدخله إال املدينة املنورة‬
‫ومكة ‪ ،‬فإنه ال يدخلهما ‪ ،‬واألحاديث الواردة ِف كثرية جدا ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 4411‬وابن ماجه ( ‪. ) 1٧19‬‬
‫(‪ )9‬رواه مسلم حتت حديث ( ‪. ) 4٧49‬‬

‫‪366‬‬
‫وهلذا من مذهب أهل السنة واجلماعة اإلميان خبروج الدجال ِف آخر الزمان ‪ ،‬وانه يعيث ِف‬
‫األرض الفساد إىل أن ينزل عيسى بن مرمي عليه السالم فيقتله وتنتهي فتنة وينتهي شره ‪ ،‬والرسول‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص قال ‪ ( :‬إين أنذركموه وما من نيب إال أنذره قومه ‪ ..‬ولكين سأقول لكم فيه قوال مل يقله نيب‬
‫لقومه ‪ :‬إنه أعور وليس ربكم أبعور وإن إحدى عينيه كأهنا عنبة طافية ومكتوب بني عينيه ك ف‬
‫ر يقرأها من يقرأ ومن ال يقرأ )(‪ )4‬فهذا كله وردت به اآلاثر واألحاديث ‪.‬‬
‫أما ابن صياد فالراجح أنه ليس هو الدجال ‪.‬‬

‫( ونزول عيسى بن مرمي عليه السالم من السماء )‬


‫الشرح ‪ :‬ونزول عيسى بن مرمي أيضا من أشراط الساعة ‪ ،‬ألنه ينزل ِف آخر الزمان ‪ ،‬وهللا سبحانه‬
‫وتعاىل أخرب بذلك ِف قوله ( وإن من أهل الكتاب إال ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون‬
‫عليهم شهيداً )(سورة النساء آية‪ ، )452:‬فإنه ينزل وحيكم ِف أهل األرض حكماً عادال ويبطل‬
‫القوانني والطواغيت و حيكم بشريعة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص ويقتل الدجال ‪.‬‬

‫( ونؤمن بطلوع الشمس من مغرهبا )‬


‫الشرح ‪ :‬وطلوع الشمس من مغرهبا من أشراط الساعة أيضا ‪ ،‬ولكنها من أشراط الساعة القريبة‬
‫جداً ‪ ،‬واليت إذا طلعت الشمس من مغرهبا آمن الناس كلهم ‪ ،‬وذلك حني ال ينفعهم إمياهنم ‪،‬‬
‫ألهنم رأوا األمر معاينة وذهب اإلميان ابلغيب وأصبح إمياهنم ال فائدة فيه وال مثرة له ‪ ،‬فيكون إمياهنم‬
‫ِف ذلك الوقت غري ٍ‬
‫جمد وغري انفع ‪.‬‬

‫( وخروج دابة األرض من موضعها )‬


‫الشرح ‪ :‬وكذلك الدابة ‪ ،‬وردت آاثر أبهنا خترج من األرض ‪ ،‬وأهنا دابة عظيمة كبرية طويلة ‪ ،‬وأهنا‬
‫تكلم الناس كما قال تعاىل ‪ ( :‬وإذا وقع القول عليهم أخرجنا هلم دابة من األرض تكلمهم أن‬
‫الناس كانوا آبايتنا ال يوقنون )(سورة النمل آية‪. )٧9:‬‬
‫قيل إهنا خترج من جبل جياد ِف مكة وقيل من غريه وهللا تعاىل أعلم ‪ ،‬ولكن اإلميان هبا واجب‬
‫ألن هللا سبحانه وتعاىل أخرب عنها ‪ ،‬والرسول ملسو هيلع هللا ىلص ذكرها ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 149٧‬ومسلم ( ‪. ) 9244‬‬

‫‪367‬‬
‫أيجوج ومأجوج ‪:‬‬
‫وكذلك أيجوج ومأجوج خروجهم من أشرط الساعة ‪ ،‬وهذا مل يذكره املؤلف ‪ ،‬ولكنه جاء ِف‬
‫القرآن وجاءت فيه أحاديث كثرية جدا (‪ ، )4‬ومن معتقد أهل السنة واجلماعة اإلميان خبروجهم ‪،‬‬
‫وأن هللا إذا أذن هلم ابخلروج خرجوا فعاثوا فساداً ِف األرض ‪ ،‬شربوا املياه وأكلوا الثمار وأفسدوا ‪،‬‬
‫وهم موجودون اآلن لكن هللا أعمى عنهم بصائر الناس ‪.‬‬
‫ومن الناس من ينكرهم ويقول ‪ :‬كيف يكونون موجودين اآلن علماً أبن االكتشافات مل ترتك شرباً‬
‫من األرض إال ووصلته ورأته ‪ ،‬ولكن هذا معارضة للنص ابلرأي ‪ ،‬وهللا سبحانه وتعاىل أخربان ‪( :‬‬
‫حىت إذا فتحت أيجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون )(سورة األنبياء آية‪ )21:‬وأخربان‬
‫عنهم ِف سورة الكهف ‪ ،‬فبني طريقة خروجهم ‪ ،‬وبني طريقة السد الذي أوجده ملنعهم ‪ ،‬فال‬
‫يعرتض على هذه النصوص بكون الناس ما رأوهم وما اكتشفوهم ‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعاىل ميكن أن‬
‫يكون قد أضل أبصار الناس وأعماها عنهم إىل أن أييت الوقت الذي أيذن هلم فيه فيخرجون ‪.‬‬

‫الدخان ‪:‬‬
‫وكذلك الدخان من أشراط الساعة ‪ ،‬وهو دخان يظهر ِف آخر الزمان ‪ ،‬وقد أشار القرآن إليه ‪( :‬‬
‫فارتقب يوم أتيت السماء بدخان مبني * يغشى الناس هذا عذاب أليم )(سورة الدخان آية‪-44:‬‬
‫‪. )4٧‬‬
‫وشارح الطحاوية رمحه هللا تكلم عليها واحداً واحداً وبسط الكالم عليها وأطال فالرجوع إليه مهم‬
‫جداً ‪.‬‬

‫( وال نصدق كاهنا وال عرافا وال من يدعي شيئا خيالف الكتاب والسنة ورمجاع األمة )‬
‫الشرح ‪ :‬قوله ‪ ( :‬وال من يدعي شيئا خيالف الكتاب والسنة وإمجاع األمة ) كاملنجم والساحر‬
‫وغريه ‪ ،‬فإن الكهانة والسحر والعرافة والتنجم كل هذه أفعال حمرمة وكلها يشبه بعضها بعضا ‪.‬‬
‫فالساحر ‪ :‬هو الذي يتعاطى السحر ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬روى البخاري ( ‪ ) 4411‬ومسلم ( ‪ ) 9٧٧٧‬من حديث زينب بن جحش زوج النيب ملسو هيلع هللا ىلص أهنا قالت ‪ :‬خرج‬
‫رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص يوما فزعا حممر الوجه يقول ‪ ( :‬ال إله إال هللا ويل للعرب من شر قد اقرتب فتح اليوم من ردم أيجوج‬
‫ومأجوج مثل هذه وحلق إبصبعه اإلهبام واليت تليها قالت فقلت ‪ :‬اي رسول هللا أهنلك وفينا الصاحلون قال نعم إذا كثر‬
‫اخلبث ) ‪.‬‬

‫‪368‬‬
‫والسحر ‪ :‬معناه ِف اللغة مأخوذ من اخلفاء واللطف ‪ ،‬وكل ما دق ولطف وخفي سببه فإنه يسمى‬
‫السحر الذي يكون‬ ‫سحرا ‪ ،‬وهلذا يسمى آخر الليل سحراً خلفائه وظلمته ولقلة من يسري فيه ‪ ،‬و َّ‬
‫ِف احليوان مسي َس َحراً ألنه يكون ِف آخر جمنة الصدر خفي ‪ ،‬وسواء أكان السحر سحرا حقيقيا‬
‫ابلعقاقري أو ابلنفث والعقد وغريها أو كان أمراً آخر ابلشعوذة والدجل وغريها فإنه كله يسمى‬
‫سحراً ‪.‬‬
‫والسحر تعلمه حمرم وتعاطيه حمرم ‪ ،‬وال جيوز لإلنسان أن يذهب إىل الساحر ليسحر له لقوله عليه‬
‫الصالة والسالم ‪ ( :‬من آتى كاهنا فصدقه مبا يقول فقد كفر مبا أنزل على دمحم )(‪ )4‬وقوله ‪ ( :‬من‬
‫أتى عرافا فسأله عن شيء مل تقبل له صالة أربعني ليلة )(‪. )9‬‬
‫من العلماء من يرى أن السحر كفر وأن الساحر كافر ‪ ،‬ألنه يتقرب إىل الشياطني بعمله السحر‬
‫من نفث ورقى ‪ ،‬وكذلك العقاقري اليت يعملها ‪ ،‬وألجل هذا حكم عليه ابلكفر عند بعض العلماء‪.‬‬
‫وبعض السلف يرون أنه يقتل كفراً وبعضهم يرى أن يقتل حداً وال يصل إىل درجة الكفر ‪،‬‬
‫وبعضهم يقول إن قَتل بسحره قُتل وإن مل يقتل بسحره فإنه يعزر تعزيرا رادعا يردعه ومينعه من‬
‫تعاطي السحر ‪.‬‬
‫وكذلك اختلف العلماء ِف السحر هل هو حقيقة أو هو ختييل ‪ ،‬والراجح عند السلف واخللف أن‬
‫السحر له حقيقة يؤثر ابملسحور حقيقة ‪ ،‬يؤدي إىل مرض املسحور وقد يؤدي إىل التفريق بني‬
‫الرجل وزوجه مبعىن أنه جيعل أحدمها يكره اآلخر حىت حتصل الفرقة بينهما ‪.‬‬
‫والرسول عليه الصالة والسالم ُسحر حقيقة ‪ ،‬حىت قالت عائشة اهنع هللا يضر كان خييل إليه أنه يفعل األمر‬
‫وال يفعله(‪ )4‬بسبب ما أصيب به من السحر حينما سحره اليهودي لعنه هللا ‪ ،‬وكان السحر قد‬
‫أثر فيه ملسو هيلع هللا ىلص فيما يتعلق ابألمور الدنيوية أما الوحي وأما ما خيرب به عن هللا فلم يكن للسحر عليه‬
‫أتثري ومل يكن له عليه أثر (‪. )1‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود ( ‪ ) 42٧1‬وابن ماجه ( ‪ ) 142‬بسند صحيح وانظر غاية املرام لأللباين رمحه هللا ص ‪414‬‬
‫(‪ )9‬رواه مسلم ( ‪. ) 994٧‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 5111‬ومسلم ( ‪ . ) 94٧2‬يقول دمحم فؤاد عبدالباقي ِف تعليقه على احلديث من سنن ابن‬
‫ماجه ( ‪ ) 4515‬عند قول عائشة اهنع هللا يضر ( خييل إليه ‪ )..‬قال ‪ :‬أي خييل إليه القدرة على الفعل مث يظهر له عند املباشرة‬
‫أنه غري قادر عليه ‪ ،‬وليس املراد أنه خييل إليه أنه فعل واحلال انه ما فعله ‪ .‬وانظر فتح الباري البن حجر ‪. 424 / 4٧‬‬
‫(‪ )1‬ينظر كالم عبدالرمحن املعلمي ِف األنوار الكاشفة ص ‪. 954‬‬

‫‪369‬‬
‫وعلى كل تقدير فجمهور املسلمني متفقون على أن الساحر يقتل سواء قتل ردة عند من يرى أن‬
‫الساحر كافر ‪ ،‬أو يقتل حداً عند من يرى أنه ال يكفر بسحره وإمنا يقتل ألنه ثبت عن الصحابة‬
‫رضوان هللا عليهم أهنم قتلوا السحرة (‪ ،)4‬فحفصة أم املؤمنني ثبت عنها أهنا قتلت جارية هلا‬
‫سحرهتا فأمرت هبا فقتلت (‪ ، )9‬وكذلك جندب هنع هللا يضر رأى ساحرا ابلبصرة يسحر الناس ويريهم أنه‬
‫يقطع رأسه مث يعيده فضربه ابلسيف فقطع رأسه وقال اآلن أعده (‪ ، )4‬ويروى عن النيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم أنه قال ‪ ( :‬حد الساحر ضربه ابلسيف )(‪. )1‬‬
‫ألجل هذه النصوص وأمثاهلا ذهب مجهور املسلمني إىل أن الساحر يقتل سواء وصل به سحره إىل‬
‫الكفر أم ال ‪.‬‬
‫ورأي اجلمهور أن للسحر حقيقة – كما تقدم – وأنه ميرض ويعطل الرجل عن امرأته ‪ ،‬ويفرق‬
‫بينهما ‪ ،‬وميرض العقل و اجلسم وله أثر ملموس ‪.‬‬
‫وبعضهم قالوا إن السحر ختييل وليس له حقيقة ‪ ،‬وإمنا هو متويه من الساحر وختييل على املسحور‬
‫‪ ،‬وهذا مذهب خمالف لرأي اجلمهور وخمالف لواقع السحرة ‪ ،‬لكن هؤالء يستدلون بقوله تعاىل ِف‬
‫حق سحرة فرعون ‪ ( :‬خييل إليه من سحرهم أهنا تسعى )(سورة طه آية‪ ، )11:‬قالوا خييل إليه ‪،‬‬
‫ومعىن ذلك أنه ليست احلبال والعصي تسعى حقيقة وإمنا ِف نظر موسى ُخيل له ذلك ‪ ،‬وهذا‬
‫ليس نصا ِف املوضوع ألن معىن خييل إليه أي رآها ‪.‬‬
‫والكاهن والعراف مها ممن يدعي علم الغيب ويزعم أنه يعرف شيئا من ذلك ‪ ،‬فالكاهن هو الذي‬
‫يفعل أفعاالً يزعم أنه هبا يطلع على الغيب ‪ ،‬يعين شيطانه يطلعه على شيء من الغيب ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬أخرج الشافعي ِف بدائع املنن ( ‪ ) 4549‬وعبدالرزاق ‪ 4٧٧ -412 / 4٧‬وأبو داود ( ‪ ) 4٧14‬وصححه ابن‬
‫حزم ‪ 421 /44‬عن جبالة بن عبدة قال ‪ ( :‬كتب عمر بن اخلطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة ‪ ،‬قال ‪ :‬فقتلنا ثالث‬
‫سواحر ) ‪ ،‬وقد ذكر الشيخ دمحم بن عبدالوهاب ِف كتاب التوحيد ِف ابب ما جاء ِف السحر انه من رواية البخاري ‪،‬‬
‫واألثر ِف صحيح البخاري ( ‪ ) 4451‬لكن دون ذكر قتل الساحر فلعله ِف نسخة لديه ‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخاري ِف التاريخ الكبري ‪ 999/9‬والبيهقي ‪ 441/٧‬بسند صحيح ‪ ،‬وقد صححه الشيخ دمحم ابن‬
‫عبدالوهاب ِف كتاب التوحيد ابب ما جاء ِف السحر ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مالك ِف املوطأ ِف كتاب العقول ‪ ،‬ابب ماجاء ِف الغيلة والسحر ‪ ٧14/9‬عن دمحم بن سعد بالغا ‪ ،‬ووصله‬
‫عبدهللا بن امحد ِف مسائل أبيه ص ‪ 191‬والبيهقي ‪ 441/٧‬وقد صححه الشيخ دمحم بن عبدالوهاب ِف كتاب التوحيد‬
‫ِف ابب ماجاء ِف السحر ‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه الرتمذي ( ‪ ) 411٧‬وقد أشار إىل أن وقفه على جندب هو الصحيح ‪.‬‬

‫‪371‬‬
‫والكهانة والعرافة هلا طرق ‪ ،‬فمن الكهنة والعرافني من يستعمل اخلطوط ‪ ،‬خيط ابألرض – يسمى‬
‫الطرق – ومنهم من يستعمل شيئا من اخلرز أو الودع يضرب به ِف األرض ‪ ،‬ومنهم من يستعمل‬
‫احلصى يضرب به األرض بضرابت حمصورة أو ُمعدة كما قال لبيد ‪:‬‬
‫لعمرك ما تدري الطوارق ابحلصى‬
‫وال زاجرات الطري ما هللا صانع (‪)4‬‬

‫يعين الضوارب ابحلصى اليت تضرب ابحلصى وابلودع وابخلرز وبغريها وتدعي أهنا بذلك تعلم الغيب‬
‫‪ ،‬وهذا كله ابطل ألن هللا سبحانه وتعاىل حرس السماء ‪ ،‬ابلشهب ‪ ،‬فأصبحت الشياطني ال‬
‫تدرك شيئا من أخبار الغيب وعلم الوحي ‪ ،‬وكانت ِف السابق تسرق ‪ ،‬يصعدون إىل السماء‬
‫ويستمعون ما يقضى فيه من األمر فيأتون به إذا أخذوا كلمة من الوحي زادوها مائة كذبه‬
‫ووضعوها لعميلهم ‪ ،‬فإذا أخرب أبمر فوقع قالوا ‪ :‬أليس قد قال كذا يوم كذا وكذا فكان ما قاله‬
‫صحيحا فيكذبون على إثر هذه الكلمة الصحيحة مبائة خرب كله كذب ‪.‬‬
‫وكذلك املنجم الذي يدعى علم الغيب ابلنظر ِف النجوم ‪ ،‬ينظر ِف النجوم ويرى أن الطالع الفالين‬
‫طلوعه يدل على كذا وغروبه يدل على كذا ‪ ،‬وهو يقول ذلك على أنه َعلِمه عن طريق عميله من‬
‫الشياطني ‪.‬‬
‫وهذه اليت تفعل اآلن من الكهانة والعرافة والتنجيم وغريها كل هذا من ابب التخرص واحلدس‬
‫والظن ‪ ،‬وكذلك الشعوذة اليت يفعلها املشعوذون كل هذه مبنية على غري برهان ويقني ‪.‬‬
‫أما قبل أن حترس السماء فكانوا قد حيصلون على كلمة مما يقال ِف السماء فيلقوهنا على عمالئهم‬
‫من اإلنس ويتكلموا هبا ‪ ،‬أما بعد ذلك كما ذكر سبحانه وتعاىل عن شياطني اجلن أهنم قالوا ‪( :‬‬
‫وأان كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع اآلن جيد له شهااب رصداً )(سورة اجلن آية‪، )2:‬‬
‫يقول كنا نقعد منها أي من السماء مقاعد للسمع واستماع اخلرب لكن يقول من يذهب إىل‬
‫السماء السرتاق السمع فإنه جيد له شهااب يرصده ويضربه وحيرقه ‪ ،‬فانتهت هذه الطريقة اليت كانوا‬
‫يسرقون هبا علم الغيب حبراسة هللا سبحانه وتعاىل للسماء هبذه الشهب اليت ال تدع أحدا من‬
‫هؤالء الشياطني يصعد إىل السماء ويقرتب منها ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬ينظر تفسري اللباب البن عادل ‪. 921 / 41‬‬

‫‪371‬‬
‫( ونرى اجلماعة حقا وصوااب والفرقة زيغا وعذااب )‬
‫الشرح ‪ :‬هذا مذهب أهل السنة واجلماعة ‪ ،‬يرون اجلماعة يعين إتباع اجلماعة و إتباع سنة النيب‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬يقصد بذلك ما ورد ِف قول النيب ملسو هيلع هللا ىلص ملا سئل عن الفرقة الناجية قال ِف بعض ألفاظ‬
‫احلديث ‪ ( :‬وهي اجلماعة )(‪، )4‬كما ِف قوله ملسو هيلع هللا ىلص افرتقت اليهود على إحدى وسبعني فرقه‬
‫وافرتقت النصارى على ثنتني وسبعني فرقه وستفرتق هذه األمة على ثالث وسبعني فرقه كلها ِف‬
‫النار إال واحدة ) قيل من هم اي رسول هللا ؟ قال ‪ ( :‬من كان على مثل ما أان عليه اليوم‬
‫وأصحايب )(‪ . )9‬إذاً فاجلماعة هم من كان على مثل ما كان عليه النيب ملسو هيلع هللا ىلص وأصحابه ‪ ،‬وهم من‬
‫اجتمعوا على احلق سوء أكانوا هم األكثر أم كانوا هم األقل ‪ ،‬إذاً فاجلماعة حق وصواب ‪،‬‬
‫وخمالفتهم ومفارقتهم زيغ وعذاب ‪ ،‬زيغ ‪ :‬أي ضالل عن سواء السبيل ‪ ،‬وعذاب ‪ِ :‬ف الدنيا‬
‫واآلخرة ‪ .‬فالتمسك مبا جاء به النيب ملسو هيلع هللا ىلص واتباعه والسري على طريقه هذا هو احلق وأما املفارقة‬
‫واملخالفة والشذوذ عن احلق والشذوذ عن مجاعة املسلمني فهذا عذاب وزيغ أيضا ‪ ،‬وهلذا كان‬
‫السلف الصاحل رضوان هللا عليهم حيثون على التمسك ابلسنة والتمسك إبتباع اجلماعة ‪ ،‬وحيذرون‬
‫من االفرتاق واخلالف والشذوذ عن طريق احملققني من املسلمني ‪.‬‬
‫فهذا الذي قرره رمحه هللا هو مذهب أهل السنة واجلماعة وهو اتباع اجلماعة واجتناب اخلالف‬
‫والفرقة والشذوذ ‪.‬‬

‫( ودين هللا يف األرض والسماء واحد وهو دين اإلسالم قال هللا تعاىل ‪ :‬رن الدين عند هللا‬
‫اإلسالم ‪ ،‬وقال تعاىل ‪ :‬ورضيت لكم اإلسالم دينا ‪ ،‬وهو بني الغلو والتقصري وبني التشبيه‬
‫والتعطيل وبني اجلرب والقدر ‪ ،‬وبني األمن و اإلايس ‪ ،‬هذا ديننا واعتقادان ظاهرا وابطنا ‪،‬‬
‫وحنن براء رىل هللا من كل من خالف الذي ذكرانه وبيناه )‬
‫الشرح ‪ :‬يقصد أن ما قدمه ِف هذه الرسالة هو اعتقاده الذي يدين هللا به وهو بريء من كل من‬
‫خالفه ‪ ،‬فكل من خالف ما قرره ِف هذه العقيدة فإنه بريء منه ألنه يرى أنه خمالف لطريقة‬
‫السلف ولسنة النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬ودين هللا واحد ليس هناك دين صحيح سوى اإلسالم ‪ ،‬فاإلسالم هو‬
‫دين هللا وال يقبل هللا من أحد سواه ‪ ( :‬إن الدين عند هللا اإلسالم )(سورة آل عمران آية‪. )42:‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود ( ‪ ) 1521‬والدرامي ‪ 914/9‬وامحد ‪ 4٧9/1‬و ابن ماجه ( ‪. ) 4229‬‬
‫(‪ )9‬رواه امحد ِف املسند ( ‪ ) 499٧٧ ، ٧421‬والرتمذي ( ‪ ) 9114 – 911٧‬وقال حديث حسن صحيح ‪،‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ( جمموع الفتاوى ‪ : ) 415/4‬احلديث صحيح مشهور ِف السنن واملسانيد ‪..‬‬

‫‪372‬‬
‫قوله ‪ ( :‬دين اإلسالم ) هبذه اجلملة حصر للدين ِف اإلسالم ‪ ،‬وهذه طريقة من طرق القصر ‪،‬‬
‫فإنه قصر الدين هنا على اإلسالم ‪ ،‬فالدين معرفة واإلسالم معرفة ‪ ،‬إذاً فهو أخرب رمحه هللا أبن‬
‫الدين الصحيح مقصور على اإلسالم ‪ ،‬وأنه ال دين سواه كما قال سبحانه وتعاىل ‪ ( :‬ومن يبتغ‬
‫غري اإلسالم دينا فلن يقبل منه )(سورة آل عمران آية‪. )٧5:‬‬
‫والدين يَقصد به توحيد هللا وشريعة نبيه ملسو هيلع هللا ىلص فالدين واحد والشريعة واحدة فال جيوز ألحد أن يدين‬
‫هللا بدين اليهود وال أن يدين هللا بدين النصارى ويقول هذا دين األنبياء ‪.‬‬

‫كما ال جيوز له أن حيكم شريعة التوراة أو شريعة اإلجنيل أو غريها ألن هللا سبحانه وتعاىل حصر‬
‫الدين ِف اإلسالم فقال ‪ ( :‬إن الدين عند هللا اإلسالم )(سورة آل عمران آية‪ )42:‬وقال ‪ ( :‬ومن‬
‫يبتغ غري اإلسالم دينا فلن يقبل منه وهو ِف اآلخرة من اخلاسرين )(سورة آل عمران آية‪)٧5:‬‬
‫ودين األنبياء كلهم واحد – ابلنسبة للتوحيد وعبادة هللا – كلهم يدعون إىل عبادة هللا وحده من‬
‫أوهلم إىل آخرهم ‪ ،‬كما قال عليه الصالة والسالم ‪ ( :‬إان معاشر األنبياء ديننا واحد واألنبياء أخوة‬
‫لعالت ديننا واحد )(‪ )4‬يعين كلنا ديننا التوحيد وديننا عبادة هللا وحده وهلذا ما بعث هللا من نيب‬
‫إال دعا قومه لعبادة هللا وحده ونبذ ما سواها من عبادة األصنام وغريها ‪ ،‬أما شرائع الرسل عليهم‬
‫السالم فإهنا قد ختتلف ‪ ،‬قد ختتلف شريعة موسى عن شريعة عيسى ‪ ،‬قد ختتلف شريعة عيسى‬
‫عن شريعة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص كما قال سبحانه وتعاىل ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا )(سورة املائدة‬
‫آية‪ )1٧:‬الشرائع ابلنسبة للتحرمي والتحليل ختتلف ‪ ،‬أما ابلنسبة للتوحيد فدين األنبياء واحد ال‬
‫خيتلف ‪ ،‬كلهم من أوهلم إىل آخرهم دينهم واحد هو عبادة هللا وحده ال شريك له والكفر مبا يعبد‬
‫من دونه ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري ( ‪ ) 4114‬ومسلم ( ‪. ) 9415‬‬

‫‪373‬‬
‫( ونسأل هللا تعاىل أن يثبتنا على اإلميان وخيتم لنا به ويعصمنا من األهواء املختلفة واآلراء‬
‫املتفرقة واملذاهب الردية مثل املشبهة واملعتزلة واجلهمية واجلربية والقدرية وغريهم من الذين‬
‫خالفوا السنة واجلماعة وحالفوا الضاللة وحنن منهم براء ‪ ،‬وهم عندان ضالل و أردايء ‪ ،‬وابهلل‬
‫العصمة والتوفيق )‬
‫الشرح ‪ :‬رمحه هللا ‪ ،‬نعم هذا الذي ذكره مذهب أهل السنة واجلماعة وهو أهنم يربؤون من كل‬
‫هؤالء الضالل ويرون أهنم ضالون وأهنم زائغون عن طريق احلق ‪ ،‬وهو يسأل هللا ‪ ،‬وهللا حري أن‬
‫يثبته على اإلميان وأن يعصمه من طريق هؤالء الزائغني كاجلهمية واملعتزلة واجلربية واملشبهة وغريهم ‪،‬‬
‫ألن هؤالء هم الذين ضلوا ِف العقيدة ‪ ،‬فاملشبهة ضلوا حيث شبهوا اخلالق ابملخلوق فحادوا وضلوا‬
‫وأزاغوا عن طريق احلق ‪ ،‬واجلربية ضلوا حيث جعلوا العبد جمبوراً على أفعاله ونسبوها إىل هللا وقال‬
‫إن هذه األفعال هي أفعال هللا ‪ ،‬واملعطلة اجلهمية وغريهم ضلوا حيث عطلوا الباري عن صفات‬
‫الكمال ونفوها عنه ومل يثبتوا له شيئا من صفات الكمال ‪ ،‬وهؤالء كلهم زائغون ‪.‬‬
‫واملؤلف رمحه هللا يسأل ربه أن يعصمه وجينبه طريقهم فنحن نسأل هللا لنا وإلخواننا املسلمني ذلك‪.‬‬

‫انتهـى وهلل احلمد ‪..‬‬

‫‪374‬‬
‫حكم اخلالف يف أصول اإلميان‬
‫بقلم الشيخ محود بن عبد هللا العقال ‪ :‬املدرس بكلية الشريعة (‪)4‬‬

‫احلمد هلل رب العاملني ‪ .‬وبعد ‪ :‬فإن الكتابة ِف هذا املوضوع تتطلب وقتا طويال نظرا ألمهية‬
‫وخطورته ‪ ..‬والبد يل قبل شروعى ِف البحث من تعريف اإلميان وبيان حقيقته تلك احلقيقة اليت‬
‫هي موضوع البحث ‪.‬‬
‫تعريف اإلميان‪:‬‬
‫سلك العلماء قدميا وحديثا ِف التعريف اإلميان مسلكني ‪ ..‬أحدمها ‪ ..‬أن اإلميان عبارة عن‬
‫التصديق واملعرفة القائمة ابلقلب فقط ‪ ..‬وهذا مسلك األحناف واملاتريدية واالشاعرة وغريهم من‬
‫املرجئة ‪..‬‬
‫غري أن األحناف يدخلون ِف هذه احلقيقة القول فيجعلونه جزءا من اإلميان ‪ ..‬أما العمل فال‬
‫يدخل ِف حقيقة اإلميان عندهم وال يسمونه إمياان وأن أطلق بعضهم على العمل اسم اإلميان فعلى‬
‫سبيل اجملاز ‪.‬‬
‫ومجاع ما يستدل به أصحاب هذا املسلك ثالثة أمور ‪.‬‬
‫‪ -4‬اإلميان ِف اللغة مرادف للتصديق فال فرق بني قولك ‪ .‬آمنت ابخلرب او صدقته عند العرب ‪.‬‬
‫وميثلون لذلك من القرآن بقوله تعاىل حكاية عن اخوة يوسف ( وما انت مبؤمن لنا ولو كنا‬
‫صادقني )(‪. )9‬‬
‫‪ - 9‬جواز عطف العمل على اإلميان فتقول آمنت وعملت ‪ .‬والعطف يفيد املغايرة فعطف العمل‬
‫على اإلميان يدل على أنه غريه كما ِف قوله تعاىل (( ان الذين آمنوا وعملوا الصاحلات ‪)4().‬‬
‫‪ - 4‬لو كان العمل من اإلميان للزم زوال حكم اإلميان بزوال العمل أي للزم أن ال حيكم لشخص‬
‫ابإلميان ولو كان مصدقا بقلبه مقرا بلسانه حىت يوجد منه العمل وحيث عرضت أدلة املرجئة‬
‫ابختصار فال بد من أن أشري إىل اجلواب عنها ‪.‬‬
‫فأقول‪:‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬مقال كتبه ِف جملة أضواء الشريعة الصادرة من كلية الشريعة ِف الرايض ِف ص ‪ 51‬العدد األول سنة ‪ 44٧2‬ه ‪.‬‬
‫(‪ )9‬سورة يوسف ‪.41 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة البقرة ‪.911 :‬‬

‫‪375‬‬
‫‪ -4‬أما دعوى أن اإلميان مرادف التصديق ِف لغة العرب فهذا غري مسلم وحيتاج اىل نقل ومل ينقل‬
‫نص عن العرب حسبما علمت ‪ .‬يقول اإلميان هو التصديق أو مرادف للتصديق وحىت لو ثبت‬
‫نقل بذلك المكن ان يقال ان حقيقة اإلميان ِف عرف الشارع ختتلف عن حقيقة اإلميان ِف أصل‬
‫الوضع ‪ .‬وأيضا فإننا إذا قاران بني آمن وصدق ِف أساليب العرب وجدان بينهما فروقا من اجلى‬
‫هذه الفروق ان صدق تتعدى بنفسها فتقول اخربين فالن فصدقته وأما آمن فال تتعدى اال‬
‫حبرف اجلر تقول اخربين فالن فآمنت له ‪ .‬وال يصح لغة ان تقول آمنته فاتضح الفرق بني صدق‬
‫وآمن ِف استعمال العرب هلاتني الكلمتني ‪.‬‬
‫‪ - 9‬وأما االستدالل بعطف العمل على اإلميان فيقال االصل ِف العطف ان يكون للمغايرة اال ان‬
‫الشيء قد يعطف على نفسه ابعتبار اخر كأن يعطف االعم على االخص او العكس مثل قوله‬
‫تعاىل‪(:‬من كان عدوا هلل ومالئكته ورسله وجربيل)(‪)4‬عطف جربيل على املالئكة وهو منهم وليس‬
‫غريا هلم لنكتة بالغية هي زايدة االهتمام واالعتناء هبذا اخلاص الذي ذكر ِف الكالم مرتني مرة مع‬
‫العام ومرة وحدة ومثل هذا عطف العمل على اإلميان فاإلميان اعم من العمل لكن عطف عليه‬
‫العمل وهو وان مل يكن غريا له لكن لبيان أمهية العمل واحلث على حتصيله ‪.‬‬
‫‪ - 4‬أما االستدالل بقوهلم يلزم من زوال العمل زوال اإلميان لو كان داخال ِف حقيقته ‪ ..‬فغري‬
‫مسلم النه ال يلزم من زوال اجلزء زوال الكل وإمنا العكس هو الصحيح اي يلزم من زوال الكل‬
‫زوال اجلزء ‪.‬‬
‫املسل الثاين ‪:‬‬
‫قول مجهور السلف ِف حقيقة اإلميان فإهنم يقولون اإلميان اسم يقع على حقيقة مكونة من تصديق‬
‫القلب وإقرار اللسان وعمل اجلوارح وهذا املسلك ‪ ..‬ابإلضافة اىل انه مذهب مجهور املسلمني‬
‫فالقرآن والسنة يدالن عليه ويرشدان إليه فإننا جند ِف القرآن قوله تعاىل (وما كان هللا ليضيع‬
‫اميانكم)(‪)9‬اتفق مجهور املفسرين على ان اإلميان املشار اليه ِف االية الصالة الهنم قالوا ِف سبب‬
‫نزول هذه االية ملا حولت القبلة ِف الصالة اىل الكعبة قال بعض الصحابة ‪ :‬كيف صالة اخواننا‬
‫الذين ماتوا قبل ان حتول القبلة فنزل قول هللا تعاىل (وما كان هللا ليضيع اميانكم) ‪ .‬وكذلك سنة‬
‫النيب ملسو هيلع هللا ىلص اذا أتملناها جند فيها الكثري مما يطلق فيه لفظ اإلميان على العمل من ذلك قوله ملسو هيلع هللا ىلص لوفد‬
‫عبد القيس ( وآمركم ابالميان ابهلل وحده اتدرن ما االميان ابهلل ؟ شهادة ان ال إله إال هللا وحده ال‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سورة البقرة ‪.2٧ :‬‬
‫(‪ )9‬سورة البقرة ‪.414 :‬‬

‫‪376‬‬
‫شريك له واقام الصالة)(‪)4‬احلديث وقوله ملسو هيلع هللا ىلص (االميان بضع وسبعون شعبه اعالها قول ال إله إال‬
‫هللا وادانها اماطة االذى عن الطريق)(‪..)9‬‬
‫نتيجة االختالف يف مسمى اإلميان‪:‬‬
‫أننا إذا تتبعنا مذهب املرجئة الذين تقدم ذكرهم جند اهنم (يوجبون) العمل مع التصديق وجيعلونه‬
‫شرطا لسعادة املؤمن ويقولون انه إذا ترك العمل استحق على تركه العقوبة ِف الدنيا واآلخرة‬
‫واستحق الذم شرعا غري اهنم ال يسمون شيئا من العمل إمياان إذا فيتضح لنا ان اخلالف بينهم وبني‬
‫اجلمهور خالف لفظي فإن الكل متفقون على ان املؤمن ال بد له من العمل وان تركه استحق‬
‫اجلزاء واللوم ‪.‬‬
‫أما املرجئة احملضة وهم اجلهمية فان خالفهم مع أهل السنة خالف معنوي ورأيهم ِف اإلميان قبيح‬
‫موصل اىل الكفر فإن املؤمن عندهم هو من عرف هللا واذا عرف هللا فال يضره فعل معصية وال‬
‫ترك طاعة وتصور هذا القول الضال كاف ِف إبطاله فانه يلزم عليه ان يكون إبليس مؤمنا كامل‬
‫االميان النه يعرف ربه ‪.‬‬
‫أصول اإلميان‪:‬‬
‫أن لإلميان أصوال ستة هي اإلميان ابهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقدر وقد بينها صلى‬
‫هللا عليه وسلم جلربيل عندما سأله عن اإلميان وكل واحد من هذه األصول مل خيل من خالف بني‬
‫الناس‪.‬‬
‫األصل األول ‪ .‬اإلميان ابهلل‪:‬‬
‫هو اإلعتقاد اجلازم بوجود هللا سبحانه وتعاىل واالعتقاد انه موصوف بصفات الكمال منزه عن‬
‫النقائص والعيوب وانه املستحق ألن يعبد وحده وانه املدبر لشئون العامل وحده وقد اختلف الناس‬
‫ِف هذا االصل فمنهم من جحد وجوده ابلكلية من الفالسفة دهريني وغريهم فقالوا ان هذا العامل‬
‫وجد ابلصدفة واالتفاق وليس له صانع وال موجد وهذا قول ابطل عقال وفطرة فضال عما تقتضيه‬
‫الشرائع السماوية من بطالنه فان كل إنسان عاقل يشعر ضرورة ان هلذا الكون صانعا وخالقا خلقه‬
‫وكذلك الشرائع السماوية كلها متواترة على ان للكون خالقا هو رب الناس ومعبودهم ‪ .‬أما مجهور‬
‫العامل غري هؤالء الدهريني فإهنم مقرون بوجود هللا سبحانه وتعاىل وقدمه ومع ان ثبوت وجود‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬اإلابنة الكربى البن بطة (‪.)195‬‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم (‪.)5٧‬‬

‫‪377‬‬
‫سبحانه وقدمه بديهي ال حيتاج إىل دليل فإن العلماء وضعوا أدلة قطعية على ان هللا سبحانه‬
‫وتعاىل واجب الوجود ‪ .‬وقد اختلفت مسالكهم ِف تنظيم األدلة على وجود هللا فمنهم من يسلك‬
‫ِف ذلك التأمل ِف مصنوعاته وخملوقاته وما فيها من التنظيم واالحكام واإلتقان الذي ال يصدر اال‬
‫عن فاعل مريد كما سلك ذلك (شيخ اإلسالم) مشس الدين بن القيم فإنه هنج ِف االستدالل‬
‫ابلتأمل ِف نظام العامل علوية وسفلية مسائه وأرضه ومشسه وقمره وجنومه وما ِف هذه األشياء من‬
‫بديع الصنع وإتقان اخللق مما يستحيل معه دعوى اجلاحدين املدعني ان الكون حصل صدفة‬
‫واتفاقا من غري ان يكون له فاعل خمتار وقد ضرب لذلك مثال فقال ِف مفتاح دار السعادة‬
‫فاسأل املعطل اجلاحد ما تقول ِف دوالب دائر على هنر قد احكمت آالته واحكم تركيبه وقدرت‬
‫أدواته احسن تقدير وأبلغه حبيث ال يرى الناظر فيه خلال ِف مادته وال ِف صورته وقد جعل على‬
‫حديقة عظيمة فيها من كل أنواع الثمار والزروع يسقيها حاجتها وِف تلك احلديقة من يلم شعثها‬
‫وحيسن مراعاهتا وتعهدها والقيام جبميع مصاحلها فال خيتل منه شيء وال يتلف مثارها مث يقسم‬
‫قيمتها عند اجلذاذ على سائر املخارج حبسب حاجاهتم وضروراهتم فيقسم لكل صنف منهم ما‬
‫يليق به ويقسم هكذا على الدوام اترى هذا اتفاقا بال صانع وال خمتار وال مدبر ؟ بل اتفق وجود‬
‫ذلك الدوالب وتلك احلديقة وكل ذلك اتفاقا من غري فاعل وال قيم وال مدبر ‪ .‬افرتى ما يقول‬
‫لك عقلك ِف ذلك لو كان ؟ وما الذي يفتيك به ؟ وما الذي يرشدك اليه ؟ اه‬
‫يريد ان يقول رمحه هللا ِف هذا املثال ان هذه اجلزئية الصغرية من جزيئات الكون الكثرية ال يصح ِف‬
‫عقل إنسان ان يكون هذا التدبري الذي تضمنه هذا املثال صدر عن غري فاعل مدبر فمن ابب‬
‫أوىل اال يصدر هذا الكون عن غري فاعل وصانع حكيم عليم يفعل مبشيئة وإرادته ‪.‬‬
‫وهذا النهج البن القيم ِف االستدالل قد تبع فيه هنج القرآن الكرمي قال تعاىل‪(:‬قالت هلم رسلهم‬
‫أِف هللا شك فاطر السماوات واألرض؟ )(‪ )4‬أي قالت الرسل الممهم املكذبني ابهلل اجلاحدين‬
‫أتشكون ِف وجود هللا ؟ وهو الذي خلق السموات واالرض وبدأ خلقهن على غري مثال سابق ‪..‬‬
‫أما علماء الكالم فيستدلون على وجود هللا سبحانه وتعاىل ابحلدوث اي حبدوث العامل وتقرير‬
‫الدليل عندهم اننا نشاهد كثريا من املوجودات حتدث وهي منقسمة اىل أعراض وجواهر واألعراض‬
‫اليت نرى حدوثها ِف كل آونة ال تقوم اال ابجلواهر إذا فاجلواهر ال ختلو من األعراض وهي حادثة‬
‫وما ال خيلو من احلادث فهو حادث إذا فيثبت حدوث العامل وحينئذ ال خيلو هذا احلادث من أن‬
‫يكون له حمدث اوال ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سورة إبراهيم ‪.4٧:‬‬

‫‪378‬‬
‫فان مل يكن له حمدث امتنع حدوثه وان كان له حمدث انتقل الكالم إليه وقيل فيه أما أن يكون له‬
‫حمدث اوال وهكذا فاما ان يلزم التسلسل والدور وهو حمال واما ان يثبت موجود واجب الوجود‬
‫قدمي وما سواه حمدث ‪.‬‬
‫واملعرتفون ابلصانع متفاوتون ِف اعرتافهم به فمنهم من ال يثبت اال موجودا مطلقا عن كل تقييد‬
‫بصفة او اضافة ويسمونه علة وجود العامل كالفالسفة االهليني ومن قال بقوهلم ‪.‬‬
‫ومنهم من يعرتف به اعرتافا حقيقيا كامال يثبت له كل ما يليق جبالله وعظمته من األمساء احلسىن‬
‫والصفات العليا وينفي عنه كل نقص وعيب وهذه طريقة أهل السنة واجلماعة من أتباع دمحم صلى‬
‫هللا عليه وسلم من الصحابة رضوان هللا عليهم ‪ .‬فمن جاء بعدهم ممن سار على طريقتهم إىل يومنا‬
‫هذا يؤمنون بكل ما ورد ِف القرآن او صح ِف السنة من أوصافه الكرمية سبحانه وتعاىل من غري‬
‫صرف وال أتويل وال حتريف وال تعطيل ومن غري تكييف وال متثيل يثبتون معاين الصفات اليت‬
‫يفهموهنا من ألفاظ القرآن والسنة ويكلون علم كنهها وكيفياهتا اىل هللا سبحانه وتعاىل فهم قد‬
‫محاهم هللا عن التعطيل كما محاهم عن التشبيه او التفويض ‪.‬‬
‫فكل من ينسب إىل السلف الصاحل اهنم ال يفهمون معاين آايت الصفات وأحاديثها بل يفوضوهنا‬
‫إىل هللا فقد افرتى عليهم وكذب وتقول عليهم ما مل يقولوه ‪.‬‬
‫سئل اإلمام مالك عن قوله تعاىل(الرمحن على العرش استوى)(‪)4‬كيف استوى ؟ فقال االستواء‬
‫معلوم والكيف غري معقول واإلميان به واجب والسؤال عنه بدعة ‪.‬‬
‫فقوله رمحه هللا االستواء معلوم يريد ان املعىن املتضمن له لفظ استوى معلوم يفسر ويرتجم بلغة‬
‫أخرى وان الكيفيات والكنه ال يدركها العقل البشري وهذا اجلواب من اإلمام مالك كاف شاف‬
‫عام ِف مجيع مسائل الصفات ‪.‬‬
‫فمن سأل عن قوله تعاىل(انين معكما امسع وأرى)(‪ )9‬كيف يسمع ؟ قيل السمع معلوم والكيف‬
‫غري معقول ‪..‬إخل ‪ .‬وهكذا يقال ِف العلم واحلياة واالستواء والنزول والرضى والغضب وغري ذلك‬
‫من الصفات مما ورد ِف الكتاب والسنة اثباته هلل فمعاين ذلك كله معلومة أما الكيفيات فغري‬
‫معقولة الن تعقلها فرع من تعقل ذاته الكرمية فإذا كان ذلك ال ميكن فكذلك كيفيات صفاته‬
‫سبحانه ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سورة طه ‪5 :‬‬
‫(‪ )9‬سورة طه ‪11 :‬‬

‫‪379‬‬
‫والطريقة السليمة ِف هذا الباب اليت هبا حتصل العصمة للعبد ان يصف هللا مبا وصف به نفسه او‬
‫وصفه به رسوله ملسو هيلع هللا ىلص من غري حتريف وال تعطيل وال تكييف وال متثيل وفقا لقوله تعاىل (ليس‬
‫كمثله شيء وهو السميع البصري)(‪ )4‬فمن شبه استواء هللا ابستواء املخلوقني فقد مثل(‪ )9‬من‬
‫نفى حقيقة االستواء فقد عطل ومن أثبت استواء حقيقيا الئقا بعظمة هللا وجالله وسار ِف‬
‫الصفات كلها على هذه الطريقة فهو املؤمن املوحد املنزه هلل سبحانه عن كل ما ال يليق بعظمته‬
‫وجالله وكان من الضرورة والبد هلذه العقيدة من أعداء وخصوم حبثوا عن الطريقة املثلى للقضاء‬
‫على هذه العقيدة او اضعافها على األقل فوجدوا ِف احداث البدع مرتعا خصبا لنشر أفكارهم‬
‫وبث مسومهم ويتمثل ذلك أبمهات البدع نفي القدر او الغلو ِف اثباته ‪ ،‬ونفي الصفات والرفض‬
‫واخلروج على االئمة وهذه األصول األربعة ترجع إليها مجيع الضالالت اليت نشأت ِف هذه األمة‬
‫ومزقتها شر ممزق مصداقا لقوله ملسو هيلع هللا ىلص ان هذه األمة ستفرتق على ثالث وسبعني فرقة كلها ِف النار‬
‫اال واحدة ‪.‬‬

‫ونستطيع أن نقسم مذاهب الناس يف الصفات اىل‪:‬‬


‫‪ -4‬قسم نفوا عن هللا مجيع صفاته الذاتية والفعلية وهم املعتزلة واجلهمية والفالسفة ‪.‬‬
‫‪ - 9‬قسم اثبتوا هلل صفات الذات كالعلم والقدرة واحلياة ونفوا عنه صفات الفعل كالنزول‬
‫واالستواء والغضب والرضى وهؤالء هم األشاعرة والكالبية واملاتوريدية‪.‬‬
‫‪ - 4‬وقسم اثبتوا هلل مجيع الصفات وغلوا فيها حىت مثلوا هللا خبلقه وشبهوه مبصنوعاته فقالوا له يد‬
‫كأيدينا وقدم كأقدامنا وهؤالء هم املشبهون ومن ائمتهم هشام بن احلكم الرافضي ‪.‬‬
‫‪ - 1‬أهل السنة واجلماعة اثبتوا هلل سبحانه وتعاىل كل ما ورد ِف القرآن وصح ِف السنة املطهرة‬
‫اثباات من غري تشبيه ونزهوه عما ال يليق به تنزيها من غري تعطيل وملا كان هذا األصل اعين اإلميان‬
‫ابهلل هو أساس وبقية أصول اإلميان اتبعة له والكالم عليها يستلزم تطويال وال حيتمله املقام اكتفيت‬
‫ِف حبثي هذا على بيان األصل األول وأرجو أن يتاح يل وقت آخر البني حكم االختالف ِف بقية‬
‫أصول اإلميان وملا بينت اختالف الناس ِف أصل اإلميان كان ال بد يل من بيان اختالفهم ِف حكم‬
‫مرتكب الكبرية اذ البحث فيه فرع عن البحث ِف اإلميان ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬الشورى ‪.44 :‬‬
‫(‪ )9‬يظهر من سياق الكالم أنه سقط حرف الواو ‪.‬‬

‫‪381‬‬
‫حكم مرتكب الكبرية ‪:‬‬
‫كان املسلمون األولون من الصحابة والتابعني يسمون كل من آمن ابهلل ورسوله وصدقه ِف شريعته‬
‫مسلما ومؤمنا وإذا أرتكب كبرية مل خيرجوه من اإلميان وال من اإلسالم حىت حدث ِف آخر عهد‬
‫الصحابة وأول عهد التابعني أقوال متضاربة ِف حكم مرتكب الكبرية حيث قالت اخلوارج بكفره ‪.‬‬
‫واألقوال ِف حكم مرتكب الكبرية ترجع إىل أربعة أقوال ‪.‬‬

‫‪ - 4‬قول أهل السنة واجلماعة ‪:‬‬


‫أن املسلم ال خيرج من دائرة اإلسالم وال من مطلق اإلميان مبجرد ارتكابه الكبرية ويقولون (هو‬
‫مؤمن فاسق بكبريته) فال يعطونه اسم اإلميان املطلق وال يسلبون مطلق اإلميان ألهنم مجعوا بني‬
‫نصوص الوعد اليت يفهم منها العفو عن املعاصي ونصوص الوعيد اليت يفهم منها التخليد ِف النار‬
‫ونفي اإلميان وحنو ذلك وقد نص القرآن الكرمي على أن املؤمن ال خيرج من دائرة اإلميان مبجرد‬
‫ارتكابه الكبرية قال تعاىل ِف حق القاتل عمدا عدواان (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع‬
‫ابملعروف)(‪ )4‬اآلية فقد اثبت القرآن األخوة اإلسالمية للقاتل وان كان مرتكبا كبرية القتل ‪ .‬وقال‬
‫تعاىل(وان طائفتان من املؤمنني اقتتلوا فاصلحو بينهما)(‪ )9‬اثبتت اآلية الكرمية للطائفتني املقتتلتني‬
‫اسم االميان وهبذا نعرف ان حكم اإلميان ال يزول عن املسلم مبجرد املعصية وهذا هو احلق الذي ال‬
‫مرية فيه وال غبار عليه وهو اجتماع من الصحابة رضوان هللا عليهم ‪.‬‬

‫‪ - 9‬مذهب اخلوارج ‪:‬‬


‫وهو أن املسلم اذا أرتكب كبرية كفر هبا وحل دمه وماله وان مات من غري توبة من هذه املعصية‬
‫فمصريه النار خالدا فيها مع الكافرين وشبهة هؤالء ِف هذا القول نصوص الوعيد الواردة ِف بيان‬
‫عقوبة مرتكب الكبرية كقوله تعاىل (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها)(‪ )4‬اآلية ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل (ومن يعص هللا ورسوله فان له انر جهنم خالدين فيها أبدا)(‪. )1‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سورة البقرة ‪41٧ :‬‬
‫(‪ )9‬سورة احلجرات ‪2 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة النساء ‪24:‬‬
‫(‪ )1‬سورة اجلن ‪94:‬‬

‫‪381‬‬
‫‪ -4‬مذهب املعتزلة‪:‬‬
‫يقولون اذا فعل مسلم كبرية خرج هبا من اإلميان لكنه ال يدخل ِف الكفر بل يبقى مبنزلة بني‬
‫منزلتني بني الكفر و اإلميان واذا مات من غري توبة فمصريه النار خالدا فيها مع الكافرين ‪ .‬وأول‬
‫من عرف عنه هذا القول هو واصل بن عطاء الغزال شيخ املعتزلة فقد كان حاضرا حلقة احلسن‬
‫البصري فسأل رجل احلسن قائال أن الكالم قد كثر ِف حكم مرتكب الكبرية فأحد يكفره وأحد ال‬
‫يكفره فما قولك ِف هذا فتكلم واصل من فوره وقال أان ال أقول مؤمن وال كافر بل هو مبنزلة بني‬
‫منزلتني مث اعتزل احلسن البصري أي واصل بن عطاء وجلس ِف انحية من املسجد يقرر هذه‬
‫القاعدة فقال ‪ :‬أن اإلميان عبارة عن خصال معينة جمتمعة فمن أتى هبا كلها فهو مؤمن ومن‬
‫فقدها كلها فهو كافر ومن فقد بعضها فهو غري مؤمن النه مل أيت جبميع خصال اإلميان وال كافر‬
‫النه مل يفقد مجيع خصال اإلميان وهذا القول كما هو ابطل ِف الشرع ابطل عقال ألن الكفر‬
‫واإلميان نقيضان يلزم من وجود أحدمها انتفاء األخر والعكس ‪.‬‬

‫‪ - 1‬مذهب املرجئة احملضة‪:‬‬


‫وأمامهم اجلهم بن صفوان ويقولون أن ارتكاب الكبائر ال يضر مع اإلميان وهذا املذهب اخبث‬
‫املذاهب وافسدها النه يدعو اىل ترك مجيع الطاعات وأرتكاب مجيع املعاصي ‪.‬‬

‫ومعلوم ان مذهبا مثل هذا ال يقصد منه أصحابه ومؤيدوه اال فساد الدين وابطال الشريعة وليس‬
‫الصحاب هذا املذهب من شبهة سوى تشبثهم بعمومات نصوص الوعد فعلى املسلم التباعد عن‬
‫هذا املذهب الضال وما مياثله من املذاهب اهلدامة اليت أسسها أعداء اإلسالم ِف القدمي واحلديث‬
‫للقضاء على اإلسالم ‪.‬‬
‫وأن يتمسك بكتاب ربه وسنة نبيه ملسو هيلع هللا ىلص ففيهم العصمة والنجاة وقد قال ملسو هيلع هللا ىلص ( أين اترك فيكم ما‬
‫ان متسكتم به لن تضلوا ابدا كتاب هللا)(‪ )4‬احلديث وقال عليه السالم( تركتكم على احملجة‬
‫البيضاء ليلها كنهارها ال يزيغ عنها بعدي اال هالك )(‪)9‬‬
‫وصدق ملسو هيلع هللا ىلص ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬املنتخب من مسند عبد بن محيد (‪ )91٧‬وحكم مصطفى العدوي صحيح لغريه ‪ .‬لفظ [ابدا] مل أجده ‪.‬‬
‫(‪ )9‬سنن ابن ماجة (‪ )14‬وحكم األلباين صحيح ‪ .‬لفظ [احملجة] مل اجدها‪.‬‬

‫‪382‬‬
‫حكم القول بفناء النار‬
‫فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب حفظه هللا من كل سوء ؛‬
‫ما رأي فضيلتكم ِف هذه الفتنة اليت ظهرت وانتشرت بني أوساط الشباب ال سيما صغار السن‬
‫منهم ‪ ،‬وهي القول بفناء النار أو عدم فنائها ؟‬
‫أفتوان جزاكم هللا خريا ‪.‬‬
‫اجلواب ‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‪ ،‬أما بعد ‪:‬‬
‫فإن هذه املسالة قد حبثت وق ت لت حبثا منذ عصر الصحابة مهنع هللا يضر والتابعني وأئمة اهلدى والدين‬
‫وعلماء سلف األمة املتقدمني منهم واملتأخرين‪.‬‬
‫اختلف السلف فيها على قولني على ضوء ما جاء ِف الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫عليه مجهور سلف األمة وهو خلود النار ودوامها وعدم فنائها ‪.‬‬

‫القول الثاين ‪:‬‬


‫لبعض السلف‪ ،‬وهو أن النار تبقى أحقاب مث تفىن وخيرج منها أهلها إذا هتذبوا وتطهروا وزال عنهم‬
‫درن الكفر مبا ذاقوه من العذاب ‪.‬‬
‫وكل من القولني مأثور عن السلف‪ ،‬وينظر ِف أدلة الفريقني فأيها كان أقوى داللة كان هو القول‬
‫الراجح ‪.‬‬
‫فأما القول األول وهو قول اجلمهور فمن أدلته ‪:‬‬
‫قوله تعاىل ‪ ﴿ :‬وما هم منها مبخرجني ﴾(سورة احلجر آية‪ ، )1٧:‬وقوله تعاىل ‪ ﴿ :‬إن عذاهبا كان‬
‫غراما ﴾(سورة الفرقان آية‪ )15:‬أي مالزما دائما‪ ،‬وقوله تعاىل ‪ ﴿ :‬وما هم خبارجني من النار ﴾‬
‫(سورة البقرة آية‪ ، )411:‬وقوله تعاىل ‪ ﴿ :‬ال يفرت عنهم وهم فيه مبلسون ﴾(سورة الزخرف‬
‫آية‪ ، )15:‬وقوله تعاىل ‪ ﴿ :‬خالدين فيها أبدا ﴾ ‪ ،‬وقول ه تعاىل ‪ ﴿ :‬ال يدخلون اجلنة حىت يلج‬
‫اجلمل ِف سم اخلياط ﴾(سورة األعراف آية‪. )1٧:‬‬
‫أما القائلني بفناء النار فمن أدلتهم ‪:‬‬
‫قوله تعاىل ‪ ﴿ :‬قال النار مثواكم خالدين فيها إال ما شاء ربك إن ربك حكيم عليم ﴾(سورة‬
‫األنعام آية‪ ، )49٧:‬وقوله تعاىل ‪ ﴿ :‬فأما الذين شقوا ففي النار هلم فيها زفري وشهيق * خالدين‬

‫‪383‬‬
‫فيها ما دامت السموات واألرض إال ما شاء ربك إن ربك فعال ملا يريد ﴾(سورة هود آية‪-4٧1:‬‬
‫‪ ، )4٧1‬وجه الداللة من اآليتني أنه مل أيت بعد االستثناء ما يدل على دوام النار كما جاء ِف‬
‫شأن اجلنة مما يدل على دوامها ِف قوله تعاىل ‪ ﴿ :‬عطاء غري جمذوذ ﴾(سورة هود آية‪، )4٧٧:‬‬
‫فدل على أن النار تفىن واجلنة نعيمها دائم ال ينقطع‪ ،‬وقوله تعاىل ‪ ﴿ :‬البثني فيها أحقااب ﴾(سورة‬
‫النبأ آية‪ )94:‬وجه االستدالل من اآلية أن األحقاب أوقات معدودة حمصورة ال بد هلا من هناية‪.‬‬
‫كما استدلوا آباثر عن الصحابة كأيب هريرة وابن مسعود وعمر بن اخلطاب مهنع هللا يضر ‪.‬‬
‫قال عمر بن اخلطاب هنع هللا يضر ‪ ( :‬لو لبث أهل النار ِف النار كقدر رمل عاجل لكان هلم على ذلك‬
‫ابلعرض ونعيم اجلنة مراد‬
‫وقت خيرج ون فيه )(‪ . )4‬قالوا ومن حيث املعىن فإن عذاب الكفار مراد َ‬
‫ابلعرض فإنه ينتهي ابنتهاء ذلك العرض‪ ،‬وما كان مرادا لذاته فإنه يدوم وال‬ ‫لذاته فما كان مرادا َ‬
‫ابلعرض يعين أن تعذيبهم َعَرض ألجل كفرهم فإذا نقوا وتطهروا ابلعذاب زال‬ ‫ينقطع‪ ،‬ومعىن مراد َ‬
‫عنهم درن الكفر فأصبح تعذيبهم ال حكمة فيه إىل غري ذلك مما مل يذكر‪.‬‬
‫فإذا كان األمر كذلك أعين أن املسألة فيها قوالن للسلف فمن اجتهد وهو من أهل االجتهاد‬
‫وأخذ أبحد القولني فإنه ال ينكر عليه وال يضلل وال يبدع‪ ،‬ألن السب والتجريح و تضليل اآلخرين‬
‫وهم ليسوا كذلك فيه إمث ومعصية ويرتتب عليه االختالف والفرقة اليت هنى هللا عباده عنها‪ ،‬ويفرح‬
‫به أعداء اجلميع من يهود ونصارى وعلمانيني وحداثيني ومنافقني وغريهم من أصناف الكفار‬
‫الذين يسرهم كثريا حصول االختالف والفرقة بني املسلمني‪.‬‬
‫وإين أهيب أببنائي من شباب‪ ،‬وإخواين من طلبة العلم أن يكفوا عن إاثرة هذه الفتنة وأن يوجهوا‬
‫أقالمهم إىل الرد على أعدائهم كلهم من يهود ونصارى وعلمانيني وغريهم من أنواع الكافرين‪ ،‬فإن‬
‫ذلك أحرى أبن تتحد كلمة األمة وعلمائها‪ ،‬وأن يفوتوا بذلك على األعداء فرصتهم‪ ،‬هذا أملى ِف‬
‫أبنائي الشباب وإخواين طلبة العلم واملعنيني ِف هذه املسألة أن يستجيبوا لندائي هذا ويوقفوا هذه‬
‫األعمال اليت ال يستفيد منها إال العدو ‪.‬‬
‫نسأل هللا تعاىل أن ينصر دينه ويعلي كلمته وجيمع على احلق كلمة املسلمني إنه على كل شيء‬
‫قدير‬
‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‬
‫أماله ‪ :‬محود بن عقالء الشعي يب ‪ 4194/1/4٧ .‬ه ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬حكم األلباين ضعيف ‪ .‬أنظر شرح الطحاوية ط ‪ -‬دار السالم ‪ -‬ص ‪.19٧‬‬

‫‪384‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫صفة العلو هلل سبحانه ‪ ،‬والصالة خلف من أنكر هذه الصفة‬
‫جواب ألهل الكويت‪.‬‬
‫فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب حفظه هللا ‪:‬‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته وبعد ‪...‬‬
‫ما هو مذهب أهل السنة واجلماعة ِف صفة علو هللا على خلقه ‪ ،‬واستوائه على عرشه ؟ ‪ ،‬وما‬
‫حكم من نفى علو هللا واستوائه على عرشه ‪ ،‬وهل تصح إمامته ِف الصالة ؟ ‪ ،‬أفتوان وجزاكم هللا‬
‫خريا ‪...‬‬
‫وأنمل أن يكون اجلواب مدعما ابألدلة من الكتاب والسنة ‪..‬‬
‫اجلواب ‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني ‪ ،‬أما بعد ‪...‬‬
‫فإن أهل السنة واجلماعة رمحة هللا عليهم جممعون على اعتقاد أن هللا سبحانه وتعاىل مستو على‬
‫عال على مجيع خلقه علوا بذاته ‪...‬‬ ‫عرشه ٍ‬
‫ومل خيالف ِف ذلك إال من طمس هللا بصريته من جهمية ومعتزلة وغريهم من فرق الضالل الذين‬
‫أعرضوا عن كتاب هللا وسنة نبيه وحكموا عقوهلم آراء شيوخهم ‪.‬‬

‫وعلو هللا سبحانه اثبت يف الكتاب والسنة والعقل والفطرة ‪:‬‬


‫أما كتاب هللا فهو مملوء ابلنصوص الدالة على علوه سبحانه وتعاىل بذاته فوق مجيع خملوقاته‬
‫أبساليب خمتلفة وصيغ متعددة ‪...‬‬
‫أوال ‪ :‬التصريح ابستوائه على عرشه جاء ذلك ِف سبعة مواضع ِف القران العزيز ‪.‬‬
‫اثنيا ‪ :‬التصريح بلفظ العلي و األعلى ‪ ،‬قال تعاىل ‪ ﴿ :‬وهو العلي العظيم ﴾ ‪ ،‬وقال تعاىل ‪ ﴿:‬له‬
‫ما ِف السموات وما ِف األرض وهو العلي العظيم ﴾(سورة الشورى آية‪ ، )1:‬وقال تعاىل ‪ ﴿:‬سبح‬
‫اسم ربك األعلى ﴾(سورة األعلى آية‪ ، )4:‬وقال تعاىل ‪ ﴿:‬إال ابتغاء وجه ربه األعلى ﴾(سورة‬
‫الليل آية‪. )9٧:‬‬

‫‪385‬‬
‫اثلثا ‪ :‬التصريح بلفظ الفوقية ِف عدة مواضع ‪ ..‬قال تعاىل ﴿ وهو القاهر فوق عباده ﴾‬
‫(سورة األنعام آية‪ .)4٧:‬وقال تعاىل ﴿ خيافون رهبم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ﴾‬
‫(سورة النحل آية‪.)5٧:‬‬
‫رابعا ‪ :‬التصريح بصعود األشياء إليه سبحانه ‪ ..‬قال س بحانه وتعاىل ﴿ إليه يصعد الكلم الطيب‬
‫والعمل الصاحل يرفعه ﴾سورة فاطر آية‪ . )4٧:‬وقال تعاىل﴿ وإذ قال هللا اي عيسى إين متوفيك‬
‫ورافعك إىل ﴾(سورة آل عمران آية‪ .)55:‬وقال تعاىل ﴿ بل رفعه هللا إليه ﴾(سورة النساء‬
‫آية‪ .)5٧:‬وقال تعاىل ﴿ تعرج املالئكة والروح إليه ﴾(سورة املعارج آية‪. )1:‬‬
‫خامسا ‪ :‬التصريح بنزول األشياء من عنده ‪ .‬قال تعاىل ﴿ حم * تن زيل الكتاب من هللا العزيز‬
‫العليم ﴾ (سورة غافر آية‪ . )4-9:‬وقال تعاىل ﴿ حم * تن زيل من الرمحن الرحيم ﴾(سورة فصلت‬
‫آية‪ . . )4-9:‬ووجه االستدالل هبذين والنوعني الرابع واخلامس أنه ال يعقل الصعود والرفع إال من‬
‫أسفل إىل أعلى ‪ ،‬وال يعقل النزول والتن زيل إال من أعلى إىل أسفل ‪..‬‬
‫سادسا ‪ :‬التصريح أبنه سبحانه وتعاىل ِف السم اء ‪ ..‬ق ال تعاىل ﴿ ءأمنتم من ِف السماء‬
‫‪ ﴾ ..‬إىل قوله سبحانه ﴿ أم أمنتم من ِف السماء ﴾(سورة امللك آية‪. )41-41:‬‬

‫أما السنة‪:‬‬
‫فهي طافحة ابألحاديث الدالة على علو هللا على خلقه ‪ ..‬منها ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬إخباره ملسو هيلع هللا ىلص أن هللا ِف السماء ‪ :‬قال عليه والصالة والسالم ‪ ( :‬أال أتمنوين وأان أمني من ِف‬
‫السماء )(‪ .)4‬وقال عليه والصالة والسالم للجارية ‪ ( :‬أين هللا ؟ ) ‪ ،‬قالت ‪ِ :‬ف السماء ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫( من أان ؟ ) ‪ ،‬قالت ‪ :‬أنت رسول هللا ‪ ،‬قال ‪ ( :‬اعتقها فإهنا مؤمنة )(‪ .)9‬وجه االستدالل من‬
‫هذا احلديث أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص شهد هلا ابإلميان ملا قالت هللا ِف السماء ‪.‬‬
‫اثنيا ‪ :‬قال عليه الصالة والسالم ِف رقية املريض ‪ ( :‬ربنا هللا الذي ِف السماء )(‪. )4‬‬
‫اثلثا ‪ :‬ملا خطب ملسو هيلع هللا ىلص ِف اجملمع العظيم ِف احلج قال ‪ ( :‬هل بلغت ؟ ) ‪ ،‬قالوا ‪ :‬نعم ‪ ،‬فرفع إصبعه إىل‬
‫السماء فقال ‪ ( :‬اللهم اشهد )(‪. )1‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ )1454‬ومسلم (‪)4٧11‬‬
‫(‪ )9‬رواه مسلم (‪ )541‬وأمحد (‪. )41215‬‬
‫(‪ )4‬سنن أيب داود (‪ )4٧29‬حكم األلباين ضعيف ‪.‬‬
‫(‪ )1‬سنن أيب داود (‪ )42٧5‬حكم األلباين صحيح‬

‫‪386‬‬
‫أما العقل‪:‬‬
‫فإنه يدل على أن هللا سبحانه وتعاىل ِف العلو وذلك عن طريق السرب والتقسيم ‪ ،‬أبن يقال ملنكر‬
‫علو هللا ‪ :‬إما أن يكون هللا سبحانه موجودا وإما أن يكون غري موجود ‪ -‬تعاىل هللا عن ذلك ‪، -‬‬
‫وعلى كال التقديرين يُلزم منكر العلو ببطالن قوله ‪ ،‬ألنه ال خيلو إما أن يكون هللا ِف العلو أو ِف‬
‫السفل ابطل ألنه يلزم منه أن يكون هللا حاال ِف خملوقاته وهذا كفر إبمجاع‬ ‫السفل ‪ ،‬وكونه ِف ُ‬‫ُ‬
‫السلف ‪ ،‬فلم يبقى إال القسم الثاين وهو كونه سبحانه وتعاىل ِف العلو ‪ ،‬فيتعني اعتقاد العلو ‪.‬‬
‫اثنيا ‪ :‬عن طريق السرب والتقسيم أيضا ‪ :‬أبن يقال ال خيلو احلال من أن يكون هللا فوق أو حتت أو‬
‫ميني أو يسار أو أمام أو خلف ‪ ،‬فينظر عند السرب أي اجلهات أشرف ‪ ،‬فنجد أن العلو هو‬
‫األشرف ‪ ،‬وهللا سبحانه وتعاىل مستحق لألشرف ‪ ،‬فيتعني كونه ِف جهة العلو ‪.‬‬

‫أما الفطرة‪:‬‬
‫فإن العقالء مجيعهم مفطورون على التوجه إىل العلو عند الدعاء واللجاء واالضطرار ‪ ،‬مما يدل‬
‫قطعا على أن هللا ِف العلو ‪ ،‬يشهد لذلك ما جرى بني اهلمذاين واجلويين حيث جاء اهلمذاين إىل‬
‫جملس اجلويين وهو يدرس تالمذته ويقرر مسألة نفي علو هللا على خلقه ‪ ،‬فقال اهلمذاين للجويين‬
‫‪ ( :‬اي أستاذ أخربان عن هذه الضرورة اليت جندها ِف نفوسنا فإنه ما توجه إنسان إىل هللا قط إال‬
‫وجيد ضرورة ِف نفسه أن هللا ِف جهة العلو ؟! ) ‪ ،‬فن زل اجلويين عن كرسيه وضرب على رأسه وقال‬
‫‪ ( :‬حريين اهلمذاين ‪ ،‬حريين اهلمذاين ) ‪.‬‬

‫أما احلكم على من أنكر علو هللا‪:‬‬


‫فإنه يكفر بذلك إذا مل يكن جاهال ابلنصوص الشرعية الدالة على صفة العلو ‪ ،‬وقد حكم بكفر‬
‫منكر العلو كثري من العلماء ‪:‬‬
‫فمنهم اإلمام أبو حنيفة حينما سأله أبو مطيِع الب ْلخي عمن ينفي استواء هللا على عرشه وعلوه‬
‫على خلقه فقال ‪ ( :‬هو كافر ) ‪ ،‬قال أبو مطيع ‪ ،‬قلت له ‪ ( :‬فإن كان يقول هللا مستو على‬
‫العرش وال أدري عرشه ِف السماء أم ِف األرض ) ‪ ،‬قال ‪ ( :‬هو كافر ) ‪.‬‬

‫وقال إمام األئمة دمحم بن خزمية عمن ينفي علو هللا على خلقه ‪ ،‬فقال ‪ ( :‬هو كافر يستتاب فإن‬
‫اتب وإال ضربت عنقه وألقيت جثته ِف املزابل مع جيف امليتات ) ‪.‬‬

‫‪387‬‬
‫أما حكم رمامة من ينكر علو هللا‪:‬‬
‫فهي ابطلة وال يصح االئتمام به وال تنصيبه إماما ِف الصالة ملا تقدم من أقوال العلماء ِف تكفريه‪.‬‬

‫هذا ما تيسر ذكره ِف هذه املسالة اخلطرية ولو استقصينا الكالم على بطالن مذهب هؤالء‬
‫اجلهمية الذين ينفون علو هللا على خلقه وعرضنا لت زييف شبههم لطال بنا الكالم ‪ ،‬وفيما ذكرانه‬
‫كفاية ملن أراد اهلداية ‪.‬‬

‫وابهلل التوفيق‬
‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‬
‫أماله ‪ :‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫األستاذ سابقا جبامعة اإلمام دمحم بن سعود‬
‫اإلسالمية فرع القصيم ‪.‬‬

‫‪4194/1/9٧‬ه‬

‫‪388‬‬
‫ميحرلا نمحرلا هللا‬ ‫بسم‬
‫الوالء والرباء ووجوب نصرة طالبان وحكم من ظاهر األمريكان عليها‬
‫صاحب الفضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعي يب ‪ ..‬حفظه هللا من كل سوء‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته ‪ ..‬وبعد‬
‫متقررا لدى كل منتسب للعلم الشرعي‪ ،‬أن الوالء والرباء أصل من أصول الشريعة املطهرة‪،‬‬ ‫فقد كان ً‬
‫غري أننا نرى اجتاهات كثري من احلكام العرب واملسلمني وكثري من العلماء ِف العامل اإلسالمي‬
‫وتصرفاهتم جتاه األحداث اليت وقعت ِف أمريكا وما ترتب عليها من توعد من تلك الدولة الكافرة‬
‫متقررا ِف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فنأمل‬
‫إلخواننا املسلمني ِف األفغان وغريها ‪ ..‬يتناقض مع ما كان ً‬
‫من فضيلتكم نبذة خمتصرة مدعمة بنصوص من الكتاب والسنة تبني مكانة الوالء والرباء ِف‬
‫اإلسالم وما يرتتب عليها من آاثر؟‬
‫اجلواب ‪..‬‬
‫احلمد هللا رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني ‪ ..‬أما بعد‬
‫فقبل أن أبدأ ببيان مكانة الوالء والرباء ِف اإلسالم البد من إيضاح معىن الوالء والرباء ِف اللغة وِف‬
‫اصطالح الشرع‪:‬‬
‫الوالء يف اللغة‪ :‬اسم مصدر من واىل يوايل مواالة ووالء‪ ،‬قال ِف لسان العرب ما خالصته‪ :‬املواالة‬
‫كما قال ابن األعرايب‪ :‬أن يتشاجر اثنان فيدخل اثلث بينهما للصلح‪ ،‬ويكون له ِف أحدمها هوى‪،‬‬
‫فالان إذا أحبه‪ ،‬والويل فعيل مبعىن فاعل‪ ،‬ومنه َولِيَه إذا قام به‪ ،‬ومنه‬
‫فيواليه أو حيابيه‪ ،‬وواىل فالن ً‬
‫قوله تعاىل‪ ﴿ :‬هللا ويل الذين آمنوا ﴾(سورة البقرة اآلية‪ ،)951:‬ويكون الويل مبعىن مفعول ِف حق‬
‫املطيع‪ ،‬فيقال‪ :‬املؤمن ويل هللا ووااله مواالة ووالء‪ ،‬من ابب قاتل أي اتبعه‪.‬‬
‫وهذه الكلمة املكونة من الواو والالم والياء يصاغ منها عدة أفعال خمتلفة الصيغ واملعاين‪ ،‬أييت منها‬
‫ويل ووىل وتوىل وواىل واستوىل‪ ،‬ولكل من هذه األفعال معىن خيتلف عن اآلخر عند االستعمال‪،‬‬ ‫َ‬
‫فالان أي قريب منه‪ ،‬قال‬
‫فالان‪ ،‬وفالن يلي ً‬ ‫أوال‪ :‬و َلني يطلق ويراد به القرب‪ ،‬تقول‪َ :‬‬
‫ويل فالن ً‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا‪ :‬والويل القريب‪ ،‬فيقال‪ :‬هذا يلي هذا أي يقرب منه‪ ،‬ومنه قوله‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص‪«:‬أحلقوا الفرائض أبهلها فما أبقت الفروض فألوىل رجل ذكر»(‪)4‬أي ألقرب رجل إىل امليت‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬البخاري(‪ )1149‬ومسلم (‪.)4145‬‬

‫‪389‬‬
‫ويل األمر بعده سلفه إذا صار األمر إليه‪.‬‬
‫ويل مبعىن‪ :‬االستيالء وامللك‪ ،‬فيقال‪َ :‬‬
‫وأييت‪َ :‬‬
‫اثنيا‪ :‬وىل أييت الزما‪ ،‬فيكون مبعىن ذهب‪ ،‬كقوله ملسو هيلع هللا ىلص ِف قصة ابن أم مكتوم حينما جاء يسأل‬
‫النيب ملسو هيلع هللا ىلص أن يصلي ِف بيته فرخص له ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬قال الراوي‪ :‬فلما وىل ‪-‬أي ذهب‪ -‬انداه فقال‪:‬‬
‫«أتسمع النداء؟» قال نعم‪ ،‬قال‪ :‬فأجب(‪ ،)4‬وِف لفظ ال أجد لك رخصة(‪.)9‬‬
‫فالان األمر إذا أسنده إليه‪ .‬اثلثًا‪ :‬توىل‪ ،‬أييت معدى حبرف (عن)‬ ‫متعداي فيقال‪ :‬وىل فالن ً‬
‫ً‬ ‫وأييت‬
‫فيكون مبعىن أعرض لقوله سبحانه وتعاىل‪ ﴿ :‬فتول عنهم فما أنت مبلوم ﴾(سورة الذارايت‬
‫متعداي بنفسه فيكون مبعىن اتبع‪ ،‬يقال‪ :‬تواله‪ :‬أي اتبعه واختذه‬ ‫ً‬ ‫آية‪ )51:‬أي‪ :‬أعرض عنهم‪ ،‬وأييت‬
‫وليًا كقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ومن يتوهلم منكم فإنه منهم إن هللا ال يهدي القوم الظاملني ﴾(سورة املائدة‬
‫ابعا‪:‬‬
‫قوما غريكم ﴾(سورة دمحم آية‪ )4٧:‬ر ً‬‫الزما كقوله تعاىل‪ ﴿ :‬وإن تتولوا يستبدل ً‬ ‫آية‪ )54:‬وأييت ً‬
‫خامسا‪ :‬استوىل‪:‬‬
‫ً‬ ‫فالان إذا أحبه واتبعه‪ ،‬والوالية معناها النصرة واحلماية واالتباع‪.‬‬
‫يقال واىل فالن ً‬
‫يقال استوىل اجليش على بلد العدو إذا أخذوها عنوة‪.‬‬
‫أما معىن الوالء يف الشرع ‪ :‬فهو تويل العبد ربه ونبيه ابتباع األوامر واجتناب النواهي وحب أولياء‬
‫هللا من املؤمنني‪ .‬هذا كله من الوالء‪.‬‬
‫الرباء تعريفه لغة ‪:‬مصدر برى مبعىن قطع‪ ،‬ومنه برى القلم مبعىن قطعه‪ ،‬واملراد هنا قطع الصلة مع‬
‫الكفار‪ ،‬فال حيبهم وال يناصرهم وال يقيم ِف دايرهم‪ .‬قال ابن األعرايب‪ :‬بري إذا ختلص‪ ،‬وبريء إذا‬
‫تن زه وتباعد‪ ،‬وبريء إذا أعذر وأنذر‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪ ﴿ :‬براءة من هللا ورسوله ﴾(سورة التوبة‬
‫آية‪ )4:‬أي إعذار وإنذار‪ ،‬والربيء والربي مبعىن واحد‪ ،‬إال أن الرباء أبلغ من الربيء‪.‬‬
‫والرباء يف الشرع ‪ :‬هو البعد واخلالص والعداوة بعد اإلنذار و اإلعذار‪ ،‬يقال برى وتربأ من الكفار‬
‫إذا قطع الصلة بينه وبينهم فال يواليهم وال حيبهم وال يركن إليهم وال يطلب النصرة منهم‪.‬‬
‫منـزلة الوالء والرباء يف اإلسالم ‪:‬الوالء والرباء قاعدة من قواعد الدين وأصل من أصول اإلميان‬
‫والعقيدة‪ ،‬فال يصح إميان شخص بدوهنما‪ ،‬فيجب على املرء املسلم أن يوايل ِف هللا وحيب ِف هللا‬
‫ويعادي ِف هللا‪ ،‬فيوايل أولياء هللا وحيبهم ويعادي أعداء هللا ويتربأ منهم ويبغضهم‪ ،‬قال ملسو هيلع هللا ىلص‪( :‬أوثق‬
‫عرى اإلميان املواالة ِف هللا واملعاداة ِف هللا واحلب ِف هللا والبغض ِف هللا)(‪.)4‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم ( ‪. ) 154‬‬
‫(‪ )9‬سنن أيب داود ( ‪ ) 559‬ابن ماجه ( ‪ ) 129‬وحكم األلباين صحيح‪.‬‬
‫(‪ )4‬معجم الكبري للطرباين (‪ )44541‬وحكم األلباين صحيح ‪ .‬أنظر السلسلة الصحيحة (‪)22٧‬‬

‫‪391‬‬
‫فمما تقدم يتبني لك أيها القارئ أن الوالء يقوم على احملبة والنصرة واالتباع‪ ،‬فمن أحب ىف هللا‬
‫وأبغض ِف هللا وواىل ِف هللا وعادى ِف هللا فإمنا تنال والية هللا بذلك‪ ،‬ولن جيد عبد طعم اإلميان‬
‫وإن كثرت صالته وصومه حىت يكون كذلك‪ ،‬وقد صارت مؤاخاة الناس على أمر الدنيا‪ ،‬وذلك ال‬
‫جيدي على أهله شيئًا‪.‬‬
‫أما من واىل الكافرين واختذهم أصدقاء وإخو ًاان فهم مثلهم‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬اي أيها الذين آمنوا ال‬
‫تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتوهلم منكم فإنه منهم إن هللا ال يهدي‬
‫القوم الظاملني ﴾(سورة املائدة آية‪ ، )54:‬والقرآن العزيز مشتمل على كثري من اآلايت اليت حتذر‬
‫من اختاذ الكافرين أولياء‪ ،‬كقوله تعاىل‪ ﴿ :‬اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا بطانة من دونكم ال‬
‫أيلونكم خباال ودوا ما عنتم قد ب دت البغضاء من أفواههم وما ختفي صدورهم أكرب قد بينا لكم‬
‫اآلايت إن ك نتم ت ع قلون ﴾(سورة آل عمران آية ‪ )44٧‬اآلايت‪ .‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬اي أيها الذين‬
‫آمنوا ال تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم ابملودة ﴾(سورة املمتحنة آية‪ )4:‬اآلايت‪.‬‬
‫أما الرباء فهو من األسس اليت تقوم عليها العقيدة اإلسالمية وهو البعد من الكفار ومعاداهتم وقطع‬
‫الصلة هبم‪ ،‬فال يصح إميان املرء حىت يوايل أولياء هللا ويعادي أعداءه ويتربأ منهم ولو كان أقرب‬
‫قريب‪ ،‬قال سبحانه وتعاىل‪ ﴿ :‬ال جتد قوما يؤمنون ابهلل واليوم اآلخر يوادون من حاد هللا ورسوله‬
‫ولو كانوا آابءهم أو أبناءهم أو إخواهنم أو عشريهتم أولئك كتب ِف قلوهبم اإلميان وأيدهم بروح منه‬
‫ويدخلهم جنات جتري من حتتها األهنار خالدين فيها مهنع هللا يضر ورضوا عنه أولئك حزب هللا أال إن‬
‫حزب هللا هم املفلحون ﴾(سورة اجملادلة آية‪ )99:‬فقد تضمنت هذه اآلية الكرمية أنه ال يتحقق‬
‫اإلميان إال ملن تباعد عن الكفر احملادين هلل ورسوله وبرئ منهم وعاداهم ولو كان أقرب قريب‪ ،‬وقد‬
‫أثىن سبحانه وتعاىل على خليله إبراهيم حينما تربأ من أبيه وقومه ومعبوداهتم حيث قال‪ ﴿ :‬وإذ‬
‫قال إبراهيم ألبيه وقومه إنين براء مما تعبدون * إال الذي فطرين فإنه سيهدين * وجعلها كلمة ابقية‬
‫ِف عقبه لعلهم يرجعون ﴾(سورة الزخرف آية‪ )91-9٧:‬وقد أمران سبحانه وتعاىل أبن نتأس‬
‫ابخلليل عليه الصالة والسالم حيث قال‪ ﴿ :‬قد كانت لكم أسوة حسنة ِف إبراهيم والذين معه إذ‬
‫قالوا لقومهم إان برآء منكم ومما تعبدون من دون هللا كفران بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء‬
‫حىت تؤمنوا ابهلل وحده ﴾(سورة املمتحنة آية‪. )1:‬‬
‫وهبذا املوجز املختصر عن الوالء والرباء يتبني جبالء مدى أمهية هذين الركنني ومكانتهما ِف اإلسالم‬
‫أما مظاهرة الكفار على املسلمني ومعاونتهم عليهم فهي كفر انقل عن ملة اإلسالم عند كل من‬
‫يعتد بقوله من علماء األمة قدميا وحديثًا‪ ،‬قال الشيخ اإلمام اجملدد دمحم بن عبد الوهاب رمحه هللا‪:‬‬

‫‪391‬‬
‫الناقض الثامن (مظاهرة املشركني ومعاونتهم على املسلمني‪ ،‬والدليل قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ومن يتوهلم‬
‫منكم فإنه منهم إن هللا ال يهدي القوم الظاملني ﴾(سورة املائدة آية‪. )54:‬‬
‫وقد سئل العالمة عبد هللا بن عبد اللطيف رمحه هللا عن الفرق بني املواالة والتويل‪ :‬فأجاب أبن‬
‫التويل‪ :‬كفر خيرج من امللة وهو كالذب عنهم ومعاونتهم ابملال والبدن والرأي‪ .‬وقال الشيخ العالمة‬
‫أمحد شاكر رمحه هللا ِف بيانه حكم مقاومة الكفار وحماربتهم‪ :‬جيب على كل مسلم ِف أي بقعة من‬
‫بقاع األرض أن حيارهبم وأن يقاتلهم حيثما وجدوا مدنيني أو عسكريني ‪ ..‬إىل قوله‪ :‬وأما التعاون‬
‫مع اإلجنليز أبي نوع من أنواع التعاون قل أو كثر فهو الردة اجلاحمة والكفر الصراح ال يقبل فيه‬
‫اعتذار وال ينفع معه أتويل وال ينجي من حكمه عصبية محقاء وال سياسة خرقاء وال جماملة هي‬
‫النفاق سواء كان ذلك من أفراد أو حكومات أو زعماء‪.‬‬
‫كلهم ِف الردة سواء إال من جهل ‪ ..‬إىل أن قال رمحه هللا‪ :‬أال فليعلم كل مسلم ومسلمة أن هؤالء‬
‫بطالان أصليًا ال يلحقه‬
‫الذين خيرجون على دينهم ويناصرون أعداءهم من يتزوج منهم فزواجه ابطل ً‬
‫تصحيح وال يرتتب عليه أي آثر من آاثر النكاح مع ثبوت نسب ومرياث وغري ذلك وأن من كان‬
‫متزوجا بطل زواجه‪ .‬اه‬
‫منهم ً‬
‫وبناءً على هذا فإن من ظاهر دولة الكفر على املسلمني وأعاهنم كأمريكا وزميالهتا ِف الكفر يكون‬
‫تدا عن اإلسالم أبي شكل كانت مظاهرهتم وإعانتهم‪ ،‬ألن هذه احلملة املسعورة اليت ما‬ ‫كافرا مر ً‬
‫ً‬
‫فتئ يدعو إليها اجملرم بوش وزميله ِف الكفر واإلجرام رئيس وزراء بريطانيا بلري واليت يزعمان فيها‬
‫أهنما حيارابن اإلرهاب هي محلة صليبية كسابقاهتا من احلمالت الصليبية ضد اإلسالم واملسلمني‬
‫فيما مضى من التاريخ‪ ،‬وقد صرح اجملرم بوش مبلء فيه بذلك‪ ،‬حيث قال سنشنها حراب صليبية ‪،‬و‬
‫سواء أكان مثال عندما قال ذلك أو كان واعيًا فإن هذا هو ما يعتقده هو وأمثاله من أساطني‬
‫الكفر‪.‬‬
‫وهذا العداء واحلقد على اإلسالم واملسلمني من قبل هؤالء الصليبيني والصهاينة ال يستغرب ألن‬
‫الكفر وإن كان ِملَالً شىت إال أهنم ملة واحدة ابلنسبة لعداء املسلمني واحلقد عليهم‪ .‬قال‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬وال يزالون يقاتلونكم حىت يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ﴾(سورة البقرة آية‪. )941:‬‬
‫إذا فال غرابة من عدائهم للمسلمني وحماربتهم هلم‪ ،‬إن الغرابة كل الغرابة ِف مظاهرة بعض احلكام‬
‫واملسلمني هلؤالء الك َفرة وتقدمي العون هلم ومنحهم األرض واألجواء والقواعد ليستعملها أعداء هللا‬
‫ورسوله ِف ضرب املسلمني‪.‬‬

‫‪392‬‬
‫وحكاما أن يهبوا لنصرة إخواهنم اجملاهدين ِف‬
‫ً‬ ‫شعواب‬
‫ً‬ ‫وهبذه املناسبة فإننا ندعو مجيع املسلمني‬
‫األفغان بكل ما يستطيعون من عون ابلنفس واملال والدعاء والدعاية‪ ،‬كما نوصي إخواننا ِف‬
‫األفغان ابلصرب والثبات واالستماتة ِف مقاومة هذا العدوان‪ ،‬وكلنا أمل ِف هللا أن تكون األفغان‬
‫مقربة هلؤالء الطغاة واملستكربين كما كانت مقربة لالحتاد السوفييت واإلجنليز قبلهم‪.‬‬
‫كما نذكر إخواننا األفغان حبالة املسلمني يوم األحزاب حينما تكالبت عليهم قوى الكفر وحتالفوا‬
‫على غزو املدينة واستئصال شأفة املسلمني إال أن هللا سبحانه وتعاىل بقوته اليت ال تقهر زلزهلم‬
‫وف رق مشلهم كما أش ار سبحانه وتعاىل إىل ذلك بقوله سبحانه‪ ﴿ :‬إذ جاءوكم من فوقكم ومن‬
‫أسفل منكم وإذ زاغت األبصار وبلغت القلوب احلناجر وتظنون ابهلل الظنوان * هنالك ابتلي‬
‫شديدا ﴾(سورة األحزاب آية‪. )4٧-44:‬‬ ‫املؤمنون وزلزلوا زلزاال ً‬
‫نسال هللا أن ينصر إخواننا ِف أفغانستان وأن جيمع كلمتهم وأن ينصرهم على اليهود والنصارى‬
‫ومن شايعهم ومن أعاهنم‪ ،‬اللهم عليك ابألمريكان وأعواهنم ‪ ،‬اللهم شتت مشلهم وأدر الدائرة‬
‫عليهم‪ .‬وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أماله فضيلة الشيخ أ‪ .‬محود بن عقالء الشعي يب‬
‫‪ 4199 /1 /49‬ه‬

‫‪393‬‬
‫نصرة طالبان هلدمهم األواثن‬
‫فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب حفظه هللا تعاىل من كل سوء ‪..‬‬
‫عندما قامت حكومة طالبان اإلسالمية بكسر األواثن املوجودة ِف أفغانستان قامت قوى الكفر‬
‫ومن شايعهم وبعض من يدعي اإلسالم ابلتنديد واالستنكار هلذا الفعل ‪ ،‬و ألقى البعض ببعض‬
‫الشبه وشكك هبذا العمل منها ‪.‬‬
‫نرجوا من فضيلتكم أن تبينوا لنا مدى شرعية هذا الفعل من حكومة طالبان اإلسالمية ‪ ،‬والرد على‬
‫بعض الشبه اليت قيلت ‪.‬‬
‫نسأل هللا لكم التوفيق والتثبيت واإلعانة على ما تقومون به ‪.‬‬
‫اجلواب ‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني ‪.‬‬
‫والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫وبعد ‪. . .‬‬
‫فإن هللا سبحانه وتعاىل بعث دمحما ملسو هيلع هللا ىلص لكسر األوث ان واألصنام وحتطيمها وأمره ابلكفر ابلطاغوت‬
‫والرباءة من الشرك وأهله وأال يعبد إال هو سبحانه وتعاىل وحده ال شريك له ‪ ،‬بل هذا هو أصل‬
‫دعوة كل نيب بعثه هللا سبحانه وتعاىل ‪ ،‬يق ول ع ز وجل ﴿ولقد بعثنا ِف كل أمة رسوال أن اعبدوا‬
‫هللا واجتنبوا الطاغوت ﴾(سورة النحل آية‪ ، )41:‬وإن الدفاع عن التوحيد وأبوابه ملن أفضل ما‬
‫يتقرب به العبد إىل مواله جل وعال ‪ ،‬ومن أجل ما تقضى به األوقات وتفىن به األعمار ‪ ،‬وما‬
‫تقوم به حكومة طالبان اإلسالمية من عزمها على حتطيم أوكار الشرك والتعدي على ألوهية الواحد‬
‫وسحقا للشرك وأهله ‪ ،‬يقول تعاىل ﴿ اي أيها الذين آمنوا إن‬ ‫القهار ليعد مفخرة لإلسالم و أهل ه َ‬
‫تنصروا هللا ينصركم ويثبت أقدامكم ﴾(سورة دمحم آية‪ )1:‬ويقول تبارك وتعاىل ﴿ وتعاونوا على الرب‬
‫والتقوى ﴾(سورة املائدة آية‪ )9:‬فعليهم أن يعتصموا حببل هللا سبحانه وأن يكملوا الطريق أبن‬
‫يقضوا على مظاهر الشرك ورموز الطواغيت ‪ ،‬وأال يكرتثوا مبعارضة املعرتضني من كفار ‪ ،‬أو‬
‫استنكار املنهزمني ‪ ،‬بل عليهم أن ميضوا قدما ِف سبيل إقامة توحيد رب العاملني ‪ ،‬وهللا انصرهم‬
‫ولن يرتهم أعماهلم ‪.‬‬
‫وإن من الكفر ابلطاغوت خلع األنداد واألصنام وبغضها ومعاداهتا وحموها ‪ ،‬فهل يُتَصور أن ُحيقق‬
‫التوحيد من هنى أو خذل عن ذلك ؟‬

‫‪394‬‬
‫جاء ِف صحيح مسلم رمحه هللا أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال (من قال ال إله إال هللا وكفر مبا يعبد من‬
‫دون هللا حرم ماله ودمه وحسابه على هللا )(‪.)4‬‬
‫يقول الشيخ دمحم بن عبد الوهاب رمحه هللا على هذا احلديث ‪ ( :‬إن الكفر ابلطاغوت أعظم ما‬
‫يبني معىن ال إله إال هللا ‪ ،‬فإنه مل جيعل التلفظ هبا عاصما للدم واملال بل وال معرفة معناها مع‬
‫لفظها ‪ ،‬بل وال اإلقرار بذلك ‪ ،‬بل وال كونه ال يدعو إال هللا وحده ال شريك له ‪ ،‬بل ال حيرم ماله‬
‫ودمه حىت يضيف إىل ذلك الكفر مبا يُعبد من دون هللا ‪ ،‬فإن شك أو توقف مل حيرم ماله ودمه ) ‪.‬‬
‫اه‬
‫وقد نقل صاحب تيسري العزيز احلميد إمجاع أهل العلم على معىن كالم الشيخ دمحم بن عبد الوهاب‬
‫رمحه هللا ‪ ،‬ذكره ِف ابب تفسري التوحيد ‪.‬‬
‫فهل الدعوة إىل إبقاء األصنام املعظمة اليت يعبدها البوذيون أو األقباط مما يعد ترااث أو حضارة هل‬
‫هو من الكفر ابلطاغوت أم هو من التساهل ؟ سبحانك هذا هبتان عظيم ‪.‬‬
‫وإن من الكفر مبا يعبد من دون هللا القيام على هذه الطواغيت واليت فتح أهل الكفر ابب الدعوة‬
‫هلا ابسم العودة إىل الرتاث واحلضارة ‪ ،‬وابسم اآلاثر الثمينة ‪ ،‬حىت وصل احلال ببعض اجلهلة أن‬
‫يقول ‪ :‬إن توفري الطعام والكساء والدواء وغريه أهم من القيام على هذه األصنام !! فجاءوا‬
‫يهرعون مستنكرين على حك ومة طالبان اإلسالمية فعلها ‪ ،‬فهل يعد هؤالء اجلهلة إبقاء األصنام‬
‫اليت يعبدها البوذيون أو غريهم ترااث وحضارة وأن هناك أمورا أهم منها حىت اتفقوا بقوهلم هذا مع‬
‫صناديد الكفر ابهلل بتلك احلجج الواهية وتلك الشبه اليت ألقوها على عوام املسلمني ليجاروا‬
‫الكفار متطلبات العصر وضرورات احلضارة زعموا‪.‬‬
‫يقول ابن القيم رمحه هللا تعاىل عن ترك تلك األصنام ‪( :‬ال جيوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت‬
‫بعد القدرة على هدمها وإبطاهلا يوما واحدا ‪ ،‬فإهنا شعار الكفر والشرك ‪ ،‬وهي أعظم املنكرات ‪،‬‬
‫املشاهد اليت بنيت على القبور اليت اختذت‬ ‫فال جيوز اإلقرار عليها مع القدرة ألبتة ‪ ،‬وهذا حكم َ‬
‫أواثان وطواغيت تعبد من دون هللا ‪ ،‬واألحجار اليت تقصد للتعظيم والتربك والنذر والتقبيل ‪ ،‬ال‬
‫جيوز إبقاء شيء منها على وجه األرض مع القدرة على إزالته ‪ ،‬وكثري منها مبنزلة الالت والعزى‬
‫ومناة الثالثة األخرى أو أعظم شركا عندهم وهبا ‪ ،‬وهللا املستعان ‪ ،‬ومل يكن أحد من أرابب‬
‫الطواغيت يعتقد أهنا ختلق أو ترزق أو متيت وحتيي ‪ ،‬و إمنا كانوا يفعلون عندها وهبا ما يفعله‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم (‪. )94‬‬

‫‪395‬‬
‫إخواهنم املشركون اليوم عند طواغيتهم ‪ ،‬فاتبع هؤالء سنن من كان قبلهم وسلكوا سبيلهم حذو‬
‫القذة ابلقذة ‪ ،‬وأخذوا مأخذهم شربا بشرب وذراعا بذراع ‪ ،‬وغلب الشرك على أكثر النفوس لظهور‬
‫اجلهل وخفاء العلم ‪ ،‬فصار املعروف منكرا واملنكر معروفا ‪ ،‬والسنة بدعة والبدعة سنة ‪ ،‬ونشأ ِف‬
‫ذلك الصغري وهرم عليها الكبري ‪ ،‬وطمست األعالم واشتد البأس وظهر الفساد ِف الرب والبحر مبا‬
‫كسبت أيدي الناس ‪ ،‬ولكن ال تزال طائفة من العصابة احملمدية ابحلق قائمني وألهل الشرك‬
‫جماهدين إىل أن يرث هللا األرض ومن عليها وهو خري الوارثني ) اه [زاد املعاد ‪.]5٧1 / 4‬‬
‫وال شك أن حكومة طالبان اإلسالمية اليت أقدمت على حتطيم آاثر الشرك والكفر ابلطاغوت من‬
‫هذه العصابة احملمدية اليت ذكرها ابن القيم ‪.‬‬
‫يقول النووي الشافعي رمحه هللا تعاىل ‪ ( :‬فيا علماء الدين واي ملوك املسلمني أي رزء لإلسالم أشد‬
‫من الكفر وأي بالء هبذا الدين أضر عليه من عبادة غري هللا ‪ ،‬وأي مصيبة يصاب هبا املسلمون‬
‫تعدل هذه املصيبة ‪ ،‬وأي منكر جيب إنكاره إن مل يكن إنكار هذا الشرك من البني الواضح ؟ ) اه‬
‫[عون املعبود ‪.]41/2‬‬
‫وإن اإلنسان ال يعجب من تكالب الكفار وما يقومون به من محلة مسعورة على حكومة طالبان‬
‫اإلسالمية لقيامها هبذا العمل اجلليل مع أننا مل نر مثل هذه الوقفة منهم ملا هدم املسجد البابري ِف‬
‫اهلند و إمنا املستغرب من بعض املنتسبني إىل اإلسالم املتطفلني على العلم الشرعي أن يوافقوا‬
‫الكفار على هذا التنديد هلذا العمل الشريف الذي هو حمو للطاغوتية ‪ ،‬وإن دل هذا على شيء‬
‫فإمنا يدل على أن الكفر ملة واحدة ‪ ،‬وأهنم مهما حاولوا تشويه فعل حكومة طالبان اإلسالمية‬
‫هذا أو غريه فإمنا هي خمادعة واستغفال مهما طبل هلا مطبل ﴿ ليميز هللا اخلبيث من الطيب‬
‫وجيعل اخلبيث بعضه على بعض فريكمه مجيعا فيجعله ِف جهنم أولئك هم اخلاسرون‪(﴾ . . .‬سورة‬
‫األنفال آية‪ )41:‬وال يشك عاقل أن هذه األصنام اليت تريد حكومة طالبان اإلسالمية تكسريها‬
‫أُوجدت لعبادة غري هللا سبحانه ‪.‬‬
‫وما صيحات البوذيني وغريهم من طوائف الكفر ِف مشارق األرض ومغارهبا إال أكرب شاه د ع ل ى‬
‫ما نق ول ﴿ إال تنصروه فقد نصره هللا‪(﴾ . . .‬سورة التوبة آية‪. )1٧:‬‬

‫األدلة من كتاب هللا على وجوب كسر األصنام‪:‬‬


‫قوله تعاىل ﴿ وإذ قال إبراهيم ألبيه آزر أتتخذ أصناما آهلة إين أراك وقومك ِف ضالل مبني‪. .‬‬
‫‪(﴾ .‬سورة األنعام آية‪. )11:‬‬

‫‪396‬‬
‫وقوله تعاىل ﴿ واتهلل ألكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ﴾(سورة األنبياء آية‪. )51:‬‬
‫وقال ِف موضع آخر ﴿ فراغ إىل آهلتهم فقال أال أتكلون * مالكم ال تنطقون * فراغ عليهم ضراب‬
‫ابليمني * فأقبلوا إليه يزفون* قال أتعبدون ما تنحتون‪ . . .‬اآلية ﴾(سورة الصافات آية‪-25:‬‬
‫‪ . )24‬وقوله تعاىل حكاية عن موسى عليه الصالة والسالم ِف قصته مع السامري ‪ ﴿ :‬وانظر إىل‬
‫إهلك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه مث لننسفنه ِف اليم نسفا ﴾(سورة طه آية‪. )21:‬‬
‫وقوله سبحانه وتعاىل بعد تكسري رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص لألصنام اليت حول الكعبة ﴿ وقل جاء احلق وزهق‬
‫الباطل إن الباطل كان زهوقا ﴾(سورة اإلسراء آية‪ ﴿ ، )٧4:‬جاء احلق وما يبدىء الباطل وما‬
‫يعيد ﴾(سورة سبأ آية‪. )12:‬‬

‫ومن سنة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ‪:‬‬


‫ما رواه مسلم رمحه هللا تعاىل ِف صحيحه عن عمرو بن عبَسة قال ‪ :‬قلت اي رسول هللا ‪ :‬أبي‬
‫شيء أرسلك هللا ؟ قال ‪ :‬بصلة األرحام وكسر األواثن ‪ ،‬وأن يوحد هللا وال يشرك به شيئا(‪.)4‬‬
‫وِف الصحيح عن أيب اهلياج هنع هللا يضر قال ‪ :‬قال يل علي هنع هللا يضر ‪ ( :‬أال أبعثك على ما بعثين عل يه رسول‬
‫هللا ملسو هيلع هللا ىلص أال تدع صورة إال طمستها وال قربا مشرفا إال سويته )(‪ ، )9‬وعند أمحد ( وأن أطمس كل‬
‫صنم )(‪ ، )4‬وِف رواية أخرى أيضا عنده ( وأن تلطخ كل صنم )(‪. )1‬‬
‫وما رواه أمحد رمحه هللا وغريه عن أيب أمامة هنع هللا يضر قال ‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬إن هللا بعثين رمحة‬
‫للعاملني وأمرين ريب عز وجل مبحق األواثن )(‪. )5‬‬
‫وثبت من فعله ملسو هيلع هللا ىلص وبيده الكرمية كما جاء ِف صحيح البخاري ومسلم ملا فتح الرسول ملسو هيلع هللا ىلص مكة‬
‫كان حول الكعبة ثالمثائة وستون صنما فجعل يطعنها ابلقوس ويقول ‪ ﴿ :‬جاء احلق وزهق الباطل‬
‫إن الباطل كان زهوقا ﴾ ‪ ﴿ ،‬جاء احلق وما يبدىء الباطل وما يعيد ﴾(‪ )1‬واألصنام تتساقط‬
‫على وجهها ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم (‪)٧49‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم (‪)212‬‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد (‪ )٧٧2‬وحكم األرانؤوط إسناده ضعيف‬
‫(‪ )1‬مسند أمحد (‪ )4411‬وحكم األرانؤوط إسناده ضعيف‬
‫(‪ )5‬مسند أمحد (‪ )994٧1‬وحكم األرانؤوط إسناده ضعيف جدا‬
‫(‪ )1‬البخاري (‪ )119٧‬وصحيح مسلم (‪)41٧٧‬‬

‫‪397‬‬
‫وجاء عند البخاري أن النيب عليه الصالة والسالم جذب منطا فيه تصاوير حىت هتكه ‪ .‬وروى‬
‫الرتمذي عن عدي بن حامت هنع هللا يضر قال ‪ :‬أتيت النيب ملسو هيلع هللا ىلص وِف عنقي صليب من ذهب ‪ ،‬فقال ‪ (:‬ما‬
‫هذا ايعدي ؟ اطرح عنك الوثن )(‪. )4‬‬

‫سراايه ملسو هيلع هللا ىلص يف ذل ‪:‬‬


‫‪ - 4‬أرسل سرية بقيادة خالد بن الوليد هنع هللا يضر لتحطيم الع زى وكان صنما تعظمه قريش فكسرها‬
‫وحطمها ‪٧‬‬
‫‪ - 9‬وأرسل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص سرية لكسر مناة ‪.‬‬
‫‪ – 4‬وأرسل سرية عمرو بن العاص هنع هللا يضر فاتح مصر إىل سواع صنم هلذيل فكسره عمرو بيده ‪.‬‬
‫‪ - 1‬وأرسل علي بن أيب طالب هنع هللا يضر إىل صنم طيء يدعى الفلس ‪ ،‬وكان صنما منحوات على جبل‬
‫من جباهلم ‪.‬‬
‫‪ - 5‬وأرسل سرية لتحطيم الالت أييت ذكرها بعد قليل ‪.‬‬

‫وهذه األصنام الثالث ‪ :‬العزى والالت ومناة الثالثة األخرى هي أعظم أصنام العرب ‪ ،‬قال‬
‫تعاىل ﴿ أفرأيتم الالت والعزى * ومناة الثالثة األخرى‪ . . .‬اآلية ﴾(سورة النجم آية‪، )42-9٧:‬‬
‫ومع ذلك مل يكرتث أبن جتتمع عليه العرب أبمجعها فجعلها رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص جذاذا كلها ومل يدع‬
‫شيئا ‪.‬‬
‫‪ - 1‬وأرسل سرية جرير بن عبدهللا هنع هللا يضر كما رواها البخاري ِف مغازيه ‪ ،‬قال جرير ‪ :‬قال يل رسول‬
‫هللا ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ((:‬أال ترحيين من ذي اخللَصة ؟)) قال ‪ :‬فنفرت ِف مائة ومخسني راكبا فكسرانه وقتلنا من‬
‫وجدان عنده(‪. )9‬‬
‫‪ - 1‬قصة ثقيف ملا سألت رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص أن يدع هلم الطاغية صنمهم الالت ال يهدمها ثالث‬
‫سنني فأىب ‪ ،‬فما برحوا يسألونه سنة سنة وأيىب عليهم ‪ ،‬حىت سألوه شهرا واحدا فأىب أن يدعها‬
‫فبعث رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص أاب سفيان بن حرب واملغرية بن شعبة رضي هللا عنهما يهدماهنا فهدماها ِف‬
‫مشهد عظيم ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن الرتمذي (‪ )4٧25‬وحكم األلباين حسن ‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري (‪. )4٧9٧‬‬

‫‪398‬‬
‫يقول ابن القيم رمحه هللا تعاىل ِف زاد املعاد [‪ِ ]1٧٧،1٧4/4‬ف فقه قصة وفد ثقيف ‪ ،‬قال ‪( :‬‬
‫ومنها هدم مواضع الشرك اليت تتخذ بيوات للطواغيت ‪ ،‬وهدمها أحب إىل هللا ورسوله وأنفع‬
‫لإلسالم واملسلمني من ه دم احلاانت واملواخري ‪ ،‬وهذا حال امل َشاهد املبنية على القبور اليت تعبد‬
‫َ‬
‫شرك أبرابهبا مع هللا ‪ ،‬ال حيل إبقاؤها ِف اإلسالم وجيب هدمها‪. ) . . .‬‬ ‫من دون هللا ويُ َ‬
‫‪ - ٧‬وبعث رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص الطفيل بن عمرو الدوسي هنع هللا يضر إىل صنم دوس يقال له ذو الكفني‬
‫فحرقه ‪.‬‬
‫‪ -2‬وبعث رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص خالد بن الوليد هنع هللا يضر من غزوة تبوك هلدم ودا وقاتلهم حىت هدمه وكسره‬

‫هذا هدي رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص إمام املوحدين وحمطم أصنام امللحدين ‪.‬‬

‫فعل السلف و من بعدهم وامللوك واجملاهدين ‪:‬‬


‫‪ - 4‬فقد جاء ِف معجم البلدان [‪ : ]141/9‬ملا غلب عبدالرمحن بن مسرة بن حبيب على انحية‬
‫سجستان ِف أايم عثمان هنع هللا يضر سار إىل الدوار فحصرهم ِف جبل الزون ‪ ،‬و على الزون صنم من‬
‫ذهب فقطع يديه وقطعه املسلمون وكسروه ‪.‬‬
‫‪ - 9‬القائد حممود الغزنوي [‪ 194-41٧‬ه ] ِف هناية القرن الرابع قال عنه ابن كثري رمحه هللا ‪( :‬‬
‫امللك الكبري اجملاهد الغازي ‪ ،‬وكان حيب العلماء واحملدثني وحيب أهل اخلري والدين ) [البداية‬
‫والنهاية ‪ ، ]49/49‬حينما غزا اهلند كسر صنمهم األكرب وامسه سومنات سنة ‪141‬ه ‪.‬‬
‫وذكرابن اجلوزي رمحه هللا ِف [تلبيس إبليس ‪ ]11/4‬أن أهل ب ْلخ كان هلم صنم بناه بنو شهر فلما‬
‫ظهر اإلسالم خربه أهل بلْخ ‪.‬‬
‫‪ - 4‬وكذا ما فعله الشيخ دمحم بن عبد الوهاب من حتطيم األصنام واألواثن ِف عصره وهو أمر‬
‫معروف مشهور ‪.‬‬
‫هذا هدي كتاب هللا وهذا هدي رسوله ملسو هيلع هللا ىلص وهذا هدي صحابته رضوان هللا عليهم وهذا هدي‬
‫سلف األمة من ملوك و غريهم ‪ ،‬أفيجيء بعدهم من اجلهلة من يشكك هبذه السنة الرابنية حبجج‬
‫واهية أملتها عليهم ضرورة جماراة العصر واحلضارات الكافرة ؟ ونسوا أو تناسوا أهنم وافقوا الكفار ‪،‬‬
‫وما هذه الشبه اليت تلقى على املسلمني واألقاويل اليت يتناوهلا هؤالء إال ختذيل إلمتام رسالة دمحم‬
‫عليه الصالة والسالم عل م ه ؤالء أو جهلوا ‪ ،‬وهللا سبحانه وتعاىل يقول ﴿ فال تكونن ظهريا‬
‫للكافرين ﴾(سورة القصص آية‪ ، )٧1:‬ويقول سبحانه وتعاىل ﴿ وال تكن للخائنني خصيما ﴾‬

‫‪399‬‬
‫(سورة النساء آية‪ ، )4٧5:‬ويقول تبارك وتعاىل ﴿ وال جتادل عن الذين خيتانون أنفسهم ﴾(سورة‬
‫النساء آية ‪ ، )4٧1:‬ويقول تبارك وتعاىل ﴿ وال تعاونوا على اإلمث والعدوان ﴾ (سورة املائدة‬
‫آية‪. )9:‬‬
‫وقد جاء الوعيد الشديد ملن نصب األصنام واألواثن كما حدث للطاغية عمرو بن حلي اخلزاعي‬
‫إمام الشرك والوثنية ِف قريش ‪ ،‬فقد قال ملسو هيلع هللا ىلص فيما رواه البخاري ِف املناقب ِف ابب قصة خزاعة‬
‫عن أيب هريرة هنع هللا يضر قال ‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬رأيت عمرو بن حلي اخلزاعي جير قصبه ِف النار‬
‫وكان أول من سيب السوائب )(‪. )4‬‬

‫قال ابن كثري رمحه هللا تعاىل ِف سورة املائدة ‪ ( :‬عمرو بن حلي أحد رؤوس خزاعة وكان أول من‬
‫غري دين إبراهيم فأدخل األصنام إىل احلجاز ) اه ‪.‬‬

‫قال ابن حجر رمحه هللا تعاىل ِف الفتح على هذا احلديث ‪ ( :‬إن لفظ احلديث أورده ابن إسحاق‬
‫ِف السري أبمت من هذا ولفظه ‪ :‬إن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال ‪ ((:‬رأيت عمرو بن حلي جير قصبه ِف النار‬
‫ألنه أول من غري دين إمساعيل فنصب األواثن)) ) اه ‪.‬‬

‫وأما اإلمجاع ‪:‬‬


‫فمنعقد على وجوب كسر هذه األصنام واألواثن ومل خيالف ِف ذلك أحد ممن يعتد بقوله ‪ ،‬حىت‬
‫إن الشافعي رمحه هللا تعاىل نقل عن أئمة مكة أهنم كانوا أيمرون هبدم ما بين على القبور [شرح‬
‫النووي ملسلم اجلنائز ابب تسوية القرب] ‪.‬‬
‫ونقل ِف تيسري العزيز احلميد [ص ‪ ]449‬إمجاع أهل العلم على النهي عن البناء على القبور‬
‫وحترميه ووج وب هدمه ‪ ،‬فكيف ابألصنام واألواثن واليت مل توضع إال لعبادة غري هللا ‪.‬‬
‫ونقل املال علي القارئ احلنفي رمحه هللا تعاىل ِف املرقاة [‪ ]411/1‬قول العلماء ِف وجوب حمو‬
‫الصور ‪ ،‬وهذا الذي قاله املال رمحه هللا يقول به عامة علماء األحناف وغريهم ‪.‬‬
‫ويقول أبو حيىي األنصاري الشافعي رمحه هللا ِف أسىن املطالب ِف [كتاب الغصب ابب الضمان] ‪:‬‬
‫( ويلزم املكلف القادر كسر األصنام ‪ ،‬مث نقل عن صاحب اإلحياء أنه قال ‪ :‬ليس ألحد أن مينع‬
‫أحدا من كسرها ‪ ،‬وأن الصيب غري املكلف مأجور على كسرها ) ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )4594‬‬

‫‪411‬‬
‫أما ابن العريب املالكي رمحه هللا فقد أوجب كسر األصنام كما ذكره ِف تفسريه ‪.‬‬
‫وجاء ِف جممع األهنار شرح ملتقى األحبر قوله ‪ ( :‬وِف الشريعة قتل الكفار وحنوه من ضرهبم وهنب‬
‫أمواهلم وهدم معابدهم وكسر أصنامهم وغريه‪ . . .‬واملراد االجتهاد ِف تقوية الدين ) اه ‪.‬‬
‫وتقدم رأي احلنابلة كما نُقل رأي الشيخ دمحم بن عبد الوهاب رمحه هللا تعاىل وابن القيم رمحه هللا ‪.‬‬

‫مث يقال هلؤالء املشككني ‪:‬‬


‫إن األدلة اليت تدل على حتطيم األصنام عامة فأين التخصيص لألصنام املعدة للرتاث أو النفع‬
‫االقتصادي أو املعدة للسياحة أو غريه كما يزعمون ‪ ،‬وهل هناك نفع فيما وصفه هللا تبارك وتعاىل‬
‫أنه رجس ؟ يقول عز وج ل ‪ ﴿ :‬إمنا اخلمر وامليسر واألنصاب واألزالم رجس من عمل الشيطان‬
‫فاجتنبوه‪ . . .‬اآلية ﴾(سورة املائدة آية‪. )2٧:‬‬
‫وجاء ِف الصحيح من حديث جابر هنع هللا يضر مرفوعا ‪ :‬إن هللا ورسوله حرما بيع اخلمر وامليتة واخلنزير واألصنام‬
‫اه (‪ .)4‬فحرم هللا ورسوله بيع األصنام ومل جتعل اباب من أبواب االجتار والنفع االقتصادي ‪ ،‬وهل‬
‫أصنام العرب إال من اآلاثر القدمية اليت هي إرث حضاري فاسد ؟ فهل تركها رسول هللا صلى هللا‬
‫علي ه وسل م أم حطمها ؟ وملاذا مل أيمر عليه الصالة والسالم إببقائها لكوهنا حضارة أو اترخيا أو‬
‫نفعا اقتصاداي للمسلمني وهو أحرص الناس عليهم ؟ فهل تركها عليه الصالة و السالم أو احرتمها‬
‫؟ أم حطمها وقضى عليها ؟ وملاذا مل يرتكها للتذكري أبنعم هللا كما يزعم بعض اجلهلة ‪ ،‬قال‬
‫تعاىل ﴿ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقني ﴾(سورة النمل آية ‪. )11:‬‬

‫مث من يقول من هؤالء اجلهلة رن احملرم من التماثيل هو ما صنعه املسلمون ‪:‬‬


‫نقول له إن املسلمني ال يصنعون األصنام ‪ ،‬ومن زعم ذلك فهو جاهل ببدهيات الشريعة ‪ ،‬وإن‬
‫األصنام اليت حطمها الرسول عليه الصالة والسالم وأصحابه ومن تبعهم مل يكن منها واحد من‬
‫صنع املسلمني بل هي من وضع اجلاهلية ‪ ،‬مث نقول أين املخصص هلذا القول واألحاديث عامة‬
‫؟ أما ما يقال من أن عمرو بن العاص هنع هللا يضر ترك أصنام مصر كأيب اهلول أو غريه فنقول لو ثبت‬
‫أهنا مل تطمرها األتربة و أصلحت ِف الزمن الذي تلى زمن عمرو هنع هللا يضر فإن تلك األصنام عظيمة‬
‫كبرية فال يُقدر على حتطيمها ‪ ،‬وهلم ِف هذا عذر ‪ ،‬وحنن نرى اآلن حكومة طالبان اإلسالمية ال‬
‫تقدر على حتطيم ما عندها من أصنام إال ابملتفجرات والصواريخ كما يعلم اجلميع فكيف بعص ٍر‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪.)9941‬‬

‫‪411‬‬
‫السالح فيه القوس والرمح وما شاهبه ؟ وقد سبق أن نقلنا أن عمرو بن العاص هنع هللا يضر أمره رسول هللا‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص على سرية لكسر بعض أصنام العرب ‪ ،‬فكيف يقال إنه ترك أصنام مصر جلواز تركها ؟ ولو‬
‫قيل ما قيل فالقدوة ِف ذلك رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص فكيف مبن خالفه ؟‬
‫وأما ما يقال إهنا ال تشكل خطرا على املسلمني فلو كانت كذلك مل يتفق الرسل عليهم الصالة‬
‫والسالم على حتطيمها وعدم إبقائها ‪ ،‬إذ األصنام وكل ما يعبد من دون هللا خطر على التوحيد‬
‫الذي أمر هللا سبحانه وتعاىل عباده أن يقيموه ‪ ،‬ومن املعلوم أنه ال يتفق وجود اإلسالم ووجود‬
‫عبادة األواثن ‪.‬‬
‫ومن زعم أنه ال جيوز هدمها وأنه جيب تركها للمنافع املذكورة فهذه جرأة على شهادة أن الإله إال‬
‫هللا وجرأة على التشريع ‪ ،‬يقول عز وجل ﴿قل إمنا حرم ريب الفواحش ما ظهر منها وما بطن واإلمث‬
‫والبغي بغري احلق وأن تشركوا ابهلل مامل ي ن زل به سلطاان وأن تقولوا على هللا ما ال تعلمون ﴾(سورة‬
‫األعراف آية‪ ، )44:‬ويقول تبارك وتع اىل ﴿ وال تقولوا ملا تصف ألسنتكم الكذب هذا حالل‬
‫وهذا حرام لتفرتوا على هللا الكذب‪ . . .‬اآلية ﴾(سورة النحل آية‪. )441:‬‬
‫والرسول عليه الصالة والسالم ملا كسرها كان يتلوا قول ه تعال ى ﴿ وقل جاء احلق وزهق الباطل إن‬
‫الباطل كان زهوقا ﴾(سورة اإلسراء آية ‪ )٧4:‬فعد بقاء األصنام ابطال ‪ ،‬وهؤالء بقوهلم يزعمون أن‬
‫بقاء األواثن والطواغيت واملعبودات لغري هللا حق وكسرها ابطل فحرموه وجعلوه إهدارا وتضييعا‬
‫لرتاث األمم السابقة ‪.‬‬
‫وأما قياس هؤالء اجلهلة إبقائها على قصص القرآن جبامع العربة فقد أمر هللا سبحانه وتعاىل‬
‫بتحطيمها وعدم تركها بل دل ذلك بفعله هو ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬ولو كان فيها عربة أو ما شابه ذلك ألذن‬
‫إببقائها عليه الصالة والسالم ‪.‬‬

‫مث نقول ملن أاثر هذه الشبه على املسلمني ‪:‬‬


‫هذه الشبه اليت أثريت هل علمها الرسول ملسو هيلع هللا ىلص أم جهلها ؟ فإن كان علمها ومع ذلك حطم األصنام فما‬
‫كان ملؤمن وال مؤمنة إذا قضى هللا ورسوله أمرا أن يكون هلم اخلرية من أمرهم ‪ ،‬وهللا سبحانه وتعاىل يقول‬
‫‪ ﴿ :‬قل أأنتم أعلم أم هللا‪ . . .‬؟ ﴾سورة البقرة آية ‪ )41٧‬وإن كان جهلها فكيف جهل الرسول صلى‬
‫هللا عليه وسلم شيئا فيه خري لألمة مث علمتموه انتم ‪.‬‬
‫فعلى حكومة طالبان اإلسالمية أال تكرتث هبذا اهلجوم من أعداء هللا وغريهم مهما استمرت‬
‫التنديدات والتهديدات والشبه ﴿ فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث ِف‬

‫‪412‬‬
‫األرض ﴾(سورة الرعد آية‪ ، )41:‬فاهلل انصرهم ‪ ،‬وعليهم أن يتمسكوا مباهم عليه من االعتصام‬
‫بكتاب هللا وسنة رسوله ملسو هيلع هللا ىلص ونبذ الشركيات ‪ ،‬وأما هذا التكالب من الكفار عليهم فهذا طريق‬
‫األنبياء والرسل ‪.‬‬
‫وكما أن قوى الكفر تقف صفا واحدا ضد هذا العمل الذي هو من صميم التوحيد والذي وفقت‬
‫حكومة طالبان اإلسالمية ابلقيام به فإننا هنيب بعلماء املسلمني أن يهبوا إىل أتييد طالبان أن تسري‬
‫ِف طريق إقامة شعرية التوحيد وأن يقفوا صفا واحدا ِف ذلك ‪.‬‬

‫نسأل هللا سبحانه وتعاىل أن يثبتهم وأن أيجرهم على إحياء سنن الرسل صلوات هللا وسالمه عليهم‬
‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‬

‫أماله فضيلة الشيخ أ ‪ .‬محود بن عقالء الشعييب‬


‫‪4194 / 49 / 4٧‬ه‬

‫‪413‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫بيان للرئيس احلايل ملنظمة املؤمتر اإلسالمي وأعضائه بشأن حتطيم حكومة‬
‫طالبان اإلسالمية لألصنام‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫حممدا ملسو هيلع هللا ىلص إىل أهل األرض ابهلدى ودين‬
‫أمجعني ‪ ..‬أما بعد ‪ .‬فإن هللا سبحانه وتعاىل حينما أرسل ً‬
‫احلق ليخرجهم من الظلمات إىل النور بدأ عليه الصالة والسالم ابلدعوة إىل التوحيد وحتقيقه‬
‫وختليصه من مظاهر الشرك ألن التوحيد ال يتم وال يستقيم إال إبخالص العبادة هلل وحده والكفر‬
‫مبا يعبد من دون هللا كما قال تعاىل‪ ﴿ :‬ولقد بعثنا ِف كل أمة رسوالً أن اعبدوا هللا واجتنبوا‬
‫الطاغوت ‪(﴾ .‬سورة النحل اآلية‪ .)41:‬ومن اجتناب الطاغوت الكفر مبا يعبد من دون هللا‬
‫وحتطيم األصنام واألواثن فقام عليه الصالة والسالم ِف هذا األمر أمت قيام فعندما دخل مكة فاحتًا‬
‫مجيعا‪ ،‬مث‬
‫صنما كان أول عمل بدأ به هو حتطيم هذه األصنام ً‬ ‫وكان عند الكعبة ثالمثائة وستون ً‬
‫بعد ذلك بعث بعوثه وسراايه لتحطيم بقية األصنام اليت كان يعبدها العرب من دون هللا كود‬
‫مجيعا ومل يبق منها صنم واحد‪ ،‬حىت إن‬ ‫وسواع ومناة والعزى والالت وذي اخللصة وغريها‪ ،‬فأزاهلا ً‬
‫بعض قبائل العرب ملا دخلوا ِف اإلسالم طلبوا منه أن يبقى صنمهم ثالث سنني فرفض ومل يبقه‬
‫حلظه واحدة‪ ،‬وقد أمجع علماء األمة قدميًا وحديثًا على حترمي اختاذ األصنام ووجوب حتطيمها‬
‫وإزالتها ومل يشذ منهم أحد مطل ًقا‪ ،‬إىل أن أتى أشخاص تطفلوا على الشريعة وادعوا علمها وهم‬
‫أيضا بعيد كل‬‫بعيدون عنها كل البعد‪ ،‬إمنا تربوا على املذهب الذي يسمونه املذهب العقلي وهو ً‬
‫البعد عن الشريعة‪ ،‬هذا املذهب الفاسد الذي أابحوا من خالله االختالط بني الرجال والنساء‬
‫أيضا مساع الغناء واملوسيقى وغريها كثري‪ ،‬فضللوا فئات من الناس نتيجة‬ ‫وأابحوا من خالله ً‬
‫تتلمذهم على ذلك املذهب ونتيجة تتلمذهم على أشخاص مغموزين ِف معتقدهم كجمال الدين‬
‫األفغاين ودمحم عبده وطه حسني وأمثاهلم من أرابب هذا الفكر الفاسد ‪ .‬والدليل على ما قلنا أهنم‬
‫ملا قامت حكومة طالبان اإلسالمية بتحطيم األصنام البوذية قامت قوى الكفر على مستوى الدول‬
‫واملؤسسات واملنظمات واهليئات واألفراد ابلتنديد واالستنكار هلذا العمل اإلسالمي اجلليل‪ ،‬وانضم‬
‫إليهم ابالستنكار والتنديد هؤالء املشبوهني املتهمون ِف دينهم فضموا أصواهتم ونباحهم إىل ما‬
‫قامت به قوى الكفر من تنديد واستنكار‪ ،‬فألقوا الشبه اليت تدل على جهلهم وغباوهتم ليضللوا هبا‬
‫اجلهلة من احلكام واحملكومني كقول املدعو يوسف القرضاوي‪ :‬إن األصنام اليت جيب حتطيمها هي‬
‫اليت يصنعها املسلمون أبيديهم ‪ ..‬اه ‪ ،‬أليس هناك أحد يفهم هذا الغيب أن املسلمني ال يصنعون‬

‫‪414‬‬
‫أيضا‬
‫األصنام إذ األصنام اليت حطمها الرسول عليه الصالة والسالم من صنع اجلاهلية؟ ومن شبهه ً‬
‫قوله إن عمرو بن العاص ملا دخل مصر مل حيطم الصنم املسمى أبو اهلول وغريه ‪ ..‬وقد أجبت على‬
‫هذه الشبهة ِف فتوى نصرة طالبان وبينت أن الصحابة قد تكون هلم أعذار ِف تركها إما لعدم العلم‬
‫هبا أو لعجزهم عن إزالتها‪ ،‬ومع ذلك نقول إن قدوتنا اليت جيب علينا اتباعها هو دمحم عليه الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ِف حتطيم األصنام ال غبار عليها‪ ،‬وعلى كل حال‬
‫أيضا قوهلم إن هذه‬‫فكل قول خالف قول رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ضربنا به عرض احلائط ‪ .‬ومن شبههم ً‬
‫األصنام آاثر حضارة وتراث مثني ‪ ..‬فيقال هلؤالء اجلهلة أليست األصنام اليت حطمها املصطفى‬
‫آاثر حضارة وتراث مثني؟ فلماذا حطمها عليه الصالة والسالم وأزاهلا؟ مث إن‬ ‫عليه الصالة والسالم ُ‬
‫القرآن العزيز قص علينا ما قام به اخلليل عليه الصالة والسالم من حتطيمه األصنام‪ ،‬قال تعاىل‬
‫حكاية عن إبراهيم اخلليل‪ ﴿ :‬واتهلل ألكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين (‪ )51‬فجعلهم جذاذًا‬
‫كبريا هلم لعلهم إليه يرجع ون ﴾(سورة األنبياء اآلية‪ ،)51-5٧:‬وق ال سبحان ه ‪ ﴿ :‬فتولوا عنه‬ ‫إال ً‬
‫مدبرين * فراغ إىل آهلتهم فقال أال أتكلون * ما لكم ال تنطقون * فراغ عليهم ضرًاب ابليمني‬
‫‪(﴾ ..‬سورة الصافات اآلية‪ ،)2٧-24:‬فإذا كان حتطيم األصنام هو من سنة اخلليلني عليهما‬
‫الصالة والسالم وإمجاع أهل العلم قدميًا وحديثًا ‪ ..‬فكيف يُلتفت إىل ما يلقيه أدعياء الشريعة من‬
‫جدا ما تناقلته األخبار من أن حاكم قطر قد بعث إىل ممثل حكومة‬ ‫شبه واهية ؟‪ ،‬ومن املؤسف ً‬
‫طالبان ِف الباكستان بصفته رئيس الدورة احلالية ملنظمة املؤمتر اإلسالمي‪ ،‬فهل هناك خزي وعار‬
‫يلحق هبذه املنظمة أكرب من هذا اخلزي والعار إن كانت فوضت حاكم قطر هبذا األمر ؟!! وإن‬
‫كانت املنظمة مل تفوضه ومل تعلم عنه فهذا يدل على أن هذا احلاكم ليس أهالً لتويل رائسة هذه‬
‫الدورة‪ ،‬ألن املأمول من منظمة املؤمتر اإلسالمي أن تقف إىل جانب حكومة طالبان وتؤيدها على‬
‫هذا العمل اإلسالمي اجلليل ال أن تقف ضدها‪ .‬وجيب على املسلمني أن يهبوا إىل تدمري مظاهر‬
‫الشرك من متاثيل وقباب وأضرحة وغري ذلك؟ هذا وإان واثقون أن هللا سبحانه وتعال سينصر‬
‫حكومة طالبان وسوف يؤيدها وينصرها إبذن هللا تعاىل على أعدائهم‪ ،‬كما نوصي إخواننا ِف‬
‫األفغان أن يثبتوا على هذا املبدأ وأال يعريوا هذه احلملة املسعورة أي اهتمام‪ ،‬كما هنيب إبخواننا‬
‫مجيعا‬
‫العلماء وطلبة العلم ِف هذه البالد وغريها أن يقفوا مع الدولة األفغانية كما تقف قوى الكفر ً‬
‫وعمالؤها ضدها‪ ،‬وهللا املوفق‪ .‬نسأل هللا جلت قدرته أن ينصر دينه ويذل عدوه إنه وحده القادر‬
‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‪ .‬أماله فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعي يب‬
‫األستاذ ساب ًقا جبامعة اإلمام دمحم بن سعود اإلسالمية ابلقصيم ‪4194 /49 /45 .‬ه‬

‫‪415‬‬
‫القول املختار يف حكم االستعانة ابلكفار‬

‫سرية املؤلف‪:‬‬
‫هو الشيخ العالمة أبو عبد هللا محود بن عبد هللا بن عقالء بن دمحم بن علي بن عقالء الشعييب‬
‫اخلالدي من آل جناح من بين خالد‪ ،‬ولد سنة ‪4411‬ه ونشأ ِف بلدة الشقة من أعمال بريدة‪،‬‬
‫وعندما بلغ السابعة من عمره كف بصره بسبب مرض اجلدري‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك واصل‬
‫دراسته ِف الكتَّاب‪ ،‬وكان لوالده جهد كبري ِف تنشئته وتعليمه‪ ،‬وقد حفظ القرآن وعمره مخسة‬
‫عشر عاماً ِف الكتَّاب أيضاً على يد الشيخ عبد هللا بن مبارك العمري‪ ،‬مث رحل إىل الرايض لطلب‬
‫العلم وذلك ِف سنة ‪4411‬ه إبشارة من والده‪ ،‬فبدأ بتلقي العلوم على فضيلة الشيخ عبد اللطيف‬
‫بن إبراهيم آل الشيخ‪ ،‬أخذ عنه مبادىء العلوم‪ ،‬مث انتقل إىل مساحة الشيخ دمحم بن إبراهيم آل‬
‫الشيخ سنة ‪441٧‬ه ‪ ،‬فالزمه وأكثر من األخذ عنه ِف شىت فنون العلم‪ ،‬وقد تتلمذ على عدة‬
‫مشايخ غري هؤالء منهم فضيلة الشيخ إبراهيم بن سليمان وفضيلة الشيخ سعود بن رشود وفضيلة‬
‫الشيخ عبد هللا بن دمحم ابن محيد وفضيلة الشيخ عبد العزيز بن رشيد وغريهم ‪.‬‬

‫وبعد أن فتحت كلية الشريعة ابلرايض أخذ فيها عن مساحة الشيخ عبد العزيز بن ابز رمحه هللا‪،‬‬
‫وعلى الشيخ دمحم األمني الشنقيطي فالزمه حىت ِف بيته فأخذ عنه املنطق وأصول الفقه والتفسري‪،‬‬
‫وِف سنة ‪4411‬ه خترج من كلية الشريعة وعني ِف نفس السنة مدرساً ِف املعهد العلمي ابلرايض‪،‬‬
‫وِف عام ‪441٧‬ه عني مدرساً ِف كلية الشريعة‪ ،‬وتوىل فيها على مدى أربعني سنة تدريس احلديث‬
‫والفقه وأصول الفقه‪ ،‬والتوحيد والنحو والتفسري‪ ،‬مث ترقى خالهلا حىت وصل إىل درجة أستاذ‬
‫ولشيخنا حبوث ومؤلفات عدة‪ ،‬منها‪ :‬اإلمامة العظمى‪ ،‬والرباهني املتظاهرة ِف حتمية اإلميان ابهلل‬
‫والدار اآلخرة‪ ،‬وشرح جزء من بلوغ املرام‪ ،‬وشارك ِف أتليف كتاب تسهيل الوصول إىل علم‬
‫األصول املقرر ِف اجلامعة اإلسالمية‪ ،‬وهذا البحث املبارك " القول املختار ِف حكم االستعانة‬
‫ابلكفار " وله فتاوى ومذكرات كثرية متفرقة متداولة‪ ،‬تتضمن الوقوف ضد التيارات املنحرفة‬
‫واملبتدعة‪ ،‬منها ِف التصوير والتحذير من احلفالت الغنائية‪ ،‬واألعياد املبتدعة وقيادة املرأة السيارة‬
‫وغريها‪ ،‬ومنها تزكيات للعلماء واملصلحني‪ ،‬فجزاه هللا خرياً من جماهد صادق‪ ،‬وقد خترج على يده‬
‫ثلة غفرية من العلماء واألساتذة والوزراء‪ ،‬منهم معايل الدكتور عبد هللا بن عبد احملسن الرتكي وزير‬
‫الشؤون اإلسالمية‪ ،‬ومعايل الدكتور عبد هللا بن دمحم بن إبراهيم آل الشيخ وزير العدل‪ ،‬وفضيلة‬

‫‪416‬‬
‫الشيخ الدكتور صاحل بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء‪ ،‬وفضيلة الشيخ اجملاهد سلمان بن‬
‫فهد العودة‪ ،‬وفضيلة الشيخ اجملاهد علي بن خضري اخلضري‪ ،‬وفضيلة الشيخ قاضي متييز عبد الرمحن‬
‫بن صاحل اجلرب‪ ،‬وفضيلة الشيخ قاضي متييز عبد الرمحن بن سليمان اجلارهللا‪ ،‬وفضيلة الشيخ قاضي‬
‫الكليِة‪ ،‬وفضيلة الشيخ قاضي متييز عبد الرمحن بن غيث‪ ،‬وفضيلة‬ ‫متييز عبد الرمحن بن عبد العزيز ِ‬
‫الشيخ عبد الرمحن بن عبد هللا العجالن رئيس حماكم منطقة القصيم‪ ،‬وفضيلة الشيخ سليمان ابن‬
‫مهنا رئيس حماكم الرايض‪ ،‬وفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الرمحن السعيد الرئيس العام هليئات‬
‫األمر ابملعروف والنهي عن املنكر ورئيس هيئة التحقيق واالدعاء العام فضيلة الشيخ دمحم بن‬
‫مهوس‪ ،‬وفضيلة الشيخ الدكتور عبد هللا الغنيمان‪ ،‬وفضيلة الشيخ محد بن فراين وكيل وزارة العدل‪،‬‬
‫وفضيلة الشيخ إبراهيم بن داود وكيل وزارة الداخلية‪ ،‬وممن أشرف على رسائلهم العلمية سواء ِف‬
‫الدكتوراه أو املاجستري‪ :‬الدكتور دمحم عبد هللا السكاكر‪ ،‬والدكتور عبد هللا بن صاحل املشيقح‪،‬‬
‫والدكتور عبد هللا بن سليمان اجلاسر‪ ،‬والدكتور صاحل بن عبد الرمحن احمليميد‪ ،‬والدكتور دمحم بن‬
‫الحم‪ ،‬والدكتور عبد العزيز بن صاحل اجلوعي‪ ،‬والدكتور انصر السعوي‪ ،‬والدكتور خليفة اخلليفة‪،‬‬
‫والدكتور إبراهيم ابن دمحم الدوسري وغريهم كثري‪ ،‬فجزاه هللا خري اجلزاء ونفع هللا بعلمه وختم له‬
‫خبري‪.‬‬

‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه وسلم أمجعني‪.‬‬

‫‪419٧/9/45‬ه‬
‫ألحد تالمذته‬

‫‪417‬‬
‫املقدمة‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والعاقبة للمتقني وال عدوان إال على الظاملني‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا‬
‫وحده ال شريك له‪ ،‬إله األولني واآلخرين‪ ،‬وأشهد أن دمحماً عبده ورسوله صلى هللا عليه وعلى سائر‬
‫إخوانه من النبيني واملرسلني وعلى آله وأصحابه وأتباعه أمجعني‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن هللا سبحانه وتعاىل ملا أراد أبهل األرض خرياً أرسل إليهم دمحماً ملسو هيلع هللا ىلص ابهلدى ودين احلق وأمره أن‬
‫يبلغ هذا الدين ألمته‪ ،‬فقام صلوات هللا وسالمه عليه هبذا األمر أمت قيام فما ترك خرياً وصالحاً إال‬
‫دل األمة عليه وأمرهم به وبني هلم أسباب الوصول إليه‪ ،‬وما ترك شراً إال وحذر األمة منه وهناهم‬
‫عنه وبني هلم الطرق املوصلة إليه ليجتنبوه‪ ،‬فما توِف عليه الصالة والسالم إال وقد بني ألمته كل ما‬
‫حتتاج إليه ويصلحها ِف دنياها وأخراها‪ .‬قال تعاىل‪{ :‬اليوم أكملت لكم دينكم وأمتمت عليكم‬
‫نعميت ورضيت لكم اإلسالم ديناً} [‪ .]4‬وقال عليه الصالة والسالم‪ " :‬تركتكم على البيضاء ليلها‬
‫كنهارها ال يزيغ عنها بعدي إال هالك " [‪ .]9‬وقال أبو ذر هنع هللا يضر‪ " :‬ما توىف رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وطائر‬
‫يقلب جناحيه ِف اهلواء إال وذكر لنا منه علماً " [‪.]4‬‬
‫وإن مما حذر منه عليه الصالة والسالم وهنى عنه ِف آخر حياته وِف مرض موته ملسو هيلع هللا ىلص إقامة اليهود‬
‫والنصارى واملشركني ِف جزيرة العرب واستعانة املسلمني ابلكفار ِف القتال وِف غريه‪ ،‬واملستقرىء‬
‫لكتاب هللا العزيز جيد فيه النصوص الكثرية ِف حترمي الركون إىل الكفار ومواالهتم واالستعانة هبم‪،‬‬
‫وكذلك ِف سنة النيب ملسو هيلع هللا ىلص نصوص كثرية متظافرة تنهى هنياً مؤكداً عن إقامة اليهود والنصارى‬
‫واملشركني ِف جزيرة العرب‪ ،‬وعن االستعانة ابلكفار والركون إليهم ومواالهتم كذلك‪ ،‬وهذا اثبت عنه‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص ِف الصحيحني واملسانيد والسنن وغريها كما ستقف عليه إن شاء هللا ِف أثناء هذا البحث‪،‬‬
‫وملا رأيت بعض احلكومات ‪ -‬اليت تدعي اإلسالم ‪ِ -‬ف اجلزيرة العربية قد جتاهلت مدلول هذه‬
‫النصوص فسهلت الطريق لدخول اليهود والنصارى إىل اجلزيرة ومكنتهم من اإلقامة فيها‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]4‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪.4‬‬
‫[‪ ]9‬رواه ابن ماجه ِف املقدمة‪ ،‬رقم (‪ ،)14‬والرتمذي ِف املناقب (‪ ،)41٧1‬ومالك ِف املوطأ ِف القدر‪ ،‬ابب النهي عن‬
‫القول ابلقدر بالغاً رقم (‪ )4‬تنوير احلوالك‪ ،‬واحلاكم ‪ 21/4‬بسند صحيح‪.‬‬
‫[‪ ]4‬رواه أمحد برقم (‪ 9٧422‬و ‪ )9٧111‬وأورده اهليثمي ِف جممع الزوائد ‪ ،911/٧‬وقال رجاله رجال الصحيح‪،‬‬
‫والطرباين ِف الكبري ‪ 411/9‬رقم (‪ )4111‬إبسناد جيد‪.‬‬

‫‪418‬‬
‫وتكديس ترساانت أسلحتهم املتنوعة فيها إلرهاب املسلمني وهتديد استقرار الشعوب العربية‬
‫املسلمة ومهامجتهم ابألسلحة الفتاكة واستمرار اهلجمات والضرابت العسكرية عليهم من وقت‬
‫علي أن أبني هذه احلقيقة وفق ما يفهم من كتاب هللا وسنة رسوله عليه‬ ‫آلخر‪ ...‬رأيت لزاماً َّ‬
‫الصالة والسالم فكتبت هذا البحث املختصر وضمنته بعضاً من النصوص الواردة ِف القرآن الكرمي‬
‫وِف السنة املطهرة ِف هذا الشأن كما ذكرت فيه مجلة من أقوال علماء األمة الذين أدوا األمانة‬
‫ووفوا ابلعهود اليت أخذها هللا عليهم فجزاهم هللا عن اإلسالم واملسلمني خرياً‪.‬‬

‫ولقد عزمت على كتابة هذا البحث إبراءاً للذمة وأداءاً لألمانة واتقاءاً للوعيد الذي تضمنه قوله‬
‫تعاىل‪{ :‬إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات واهلدى من بعد ما بيناه للناس ِف الكتاب أولئك‬
‫يلعنهم هللا ويلعنهم الالعنون} [‪.]1‬‬

‫وهللا أسأل أن ينفع به وجيعله خالصاً لوجهه الكرمي‪.‬‬

‫محود بن عبد هللا بن عقالء الشعييب‬


‫األستاذ سابقاً ِف كلية الشريعة وأصول الدين‬
‫ِف جامعة اإلمام دمحم بن سعود اإلسالمية ‪ /‬فرع القصيم‬
‫‪ 45‬شوال ‪4142‬ه‬

‫_______________________________________‬
‫[‪ ]1‬سورة البقرة‪ ،‬آية ‪.452‬‬

‫‪419‬‬
‫متهيد‪:‬‬
‫قبل الشروع ِف البحث البد يل من متهيد بني يديه تعرف من خالله السبب الذي من أجله أوصى‬
‫عليه الصالة والسالم إبجالء اليهود والنصارى من جزيرة العرب وهنى عن االستعانة ابلكفار‪.‬‬

‫فأقول‪ :‬أعلم وفقنا هللا وإايك أنه منذ أشرق نور اإلسالم ِف ربوع مكة املكرمة ُج َّن جنون أعداء‬
‫فشمروا عن سواعدهم حملاربة اإلسالم ومعارضته وقاموا‬
‫الرسل من يهود ونصارى ومشركني ومنافقني َّ‬
‫بشىت نعوت الذم والعيب والتنقص‬ ‫حبمالت كالمية استهدفوا فيها شخص النيب ملسو هيلع هللا ىلص حيث نعتوه َّ‬
‫ليشوهوا ما جاء به وينفروا عنه الناس فتارة قالوا ساحر ومرة قالوا شاعر وأخرى معلَّم جمنون وقالوا‪:‬‬
‫رد عليهم ِف كتابه العزيز ونفى كل هذه النعوت الكاذبة احلاقدة عن‬ ‫مف ٍرت ولكن هللا سبحانه وتعاىل َّ‬
‫نبيه عليه الصالة والسالم فقال {وما صاحبكم مبجنون} [‪ ]5‬وقال‪{ :‬فذكر فما أنت بنعمة ربك‬
‫بكاهن وال جمنون} [‪ .]1‬وقال‪{ :‬وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إال ذكر وقرآن مبني}‬
‫[‪ .]1‬وقال‪{ :‬إنه لقول رسول كرمي وما هو بقول شاعر قليالً ماتؤمنون} [‪ ]٧‬إىل غري ذلك من‬
‫اآلايت الكثرية اليت نزه هللا هبا نبيه عن تلك النعوت الكاذبة‪.‬‬

‫وملا مل تنجح هذه األساليب ِف صد الناس عن اتباع الرسول عليه الصالة والسالم جلأوا إىل إيذاء‬
‫أصحابه وأتباعه وتسلطوا عليهم ابلتعذيب واإلهانة والقتل أحياانً رجاء أن يرجعوا عن اعتناقهم‬
‫اإلسالم واتباع النيب ملسو هيلع هللا ىلص وملا مل تكن هذه األساليب انجحة ِف صرف املسلمني عن اتباع نبيهم‬
‫السم ِف الطعام ومرة سحروه‬‫ملسو هيلع هللا ىلص جلأ قتلة األنبياء إىل حماولة القضاء على النيب ملسو هيلع هللا ىلص فتارة وضعوا له ُّ‬
‫وأخرى حاولوا إلقاء حجر عليه من شاهق غري أن هذه احملاوالت احلاقدة ابءت ابلفشل حيث‬
‫محى هللا نبيه وأطلعه على هذه احملاوالت الشريرة اليت استهدفت القضاء على النيب وعلى دين‬
‫اإلسالم الذي جاء به وملا استفحل أمرهم وعظم شرهم وتكرر نقضهم للعهود واملواثيق قاومهم‬
‫النيب وجرت بينه وبينهم معارك عسكرية هي غزوة بين قينقاع وبين النضري وبين قريظة وغزوة خيرب‪،‬‬
‫وِف كل هذه املعارك انتصر اإلسالم‪ ،‬واهنزم أعداء هللا‪ ،‬وعندما فتح هللا على نبيه خيرب‬

‫_______________________________________‬
‫[‪ ]5‬سورة التكوير‪ ،‬آية ‪.99‬‬
‫[‪ ]1‬سورة الطور‪ ،‬آية ‪.92‬‬
‫[‪ ]1‬سورة يس‪ ،‬آية ‪.12‬‬
‫[‪ ]٧‬سورة احلاقة‪ ،‬آية ‪.14-1٧‬‬

‫‪411‬‬
‫صاحل عليه الصالة والسالم اليهود على البقاء فيها والعمل ِف أرضها بشطر ما خيرج منها ولكنه‬
‫ص ْلح جعل اخليار فيه للمسلمني أبن قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬نقركم فيها ما شئنا " [‪.]2‬‬ ‫ُ‬
‫فمقتضى هذا الصلح أن للمسلمني اخليار‪ ،‬فمىت شاءوا أخرجوا اليهود وأهنوا الصلح معهم وهذه‬
‫الصورة للصلح هي إحدى صورتني صاحل فيهما النيب ملسو هيلع هللا ىلص أعداءه‪ ،‬واألخرى ص ْلحه مع املشركني‬
‫صلْح حمدد بزمن معني ينتهي ابنتهاء ذلك الزمن‪ ،‬أما غري هاتني الصورتني فلم‬ ‫يوم احلديبية وهو ُ‬
‫ص ْلح بني النيب وبني الكفار حسب علمي اللهم إال أن يقال إنه عند قدومه صلى هللا عليه‬ ‫حيصل ُ‬
‫وسلم للمدينة وادع اليهود وهذا صحيح ولكن وادعهم على أال يعتدوا عليه وال يعينوا عليه أحداً‬
‫ص ْلح يتضمن تنازل املسلمني عن شيء من أراضيهم لليهود‬ ‫مقابل بقائهم ِف قراهم ومزارعهم‪ ،‬أما ُ‬
‫أو أحد من الكفار وتبقى ملك للعدو إىل األبد ويكونون أصدقاء هلم ويعرتفون هبم ويلغون‬
‫مقاتلتهم وجهادهم فهذا مل يقع منه ملسو هيلع هللا ىلص حسب ما علمت‪.‬‬

‫جرت هذه املعارك بني النيب ملسو هيلع هللا ىلص وبني اليهود كما جرت بينه وبني النصارى معارك أخرى هي مؤتة‬
‫وهي غزوة موجهة إىل نصارى العرب وغزوة تبوك املوجهة إىل الروم النصارى وما ذاك إال لعلمه‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص خبطرهم على اإلسالم واملسلمني مث جدد األخطبوط ‪ -‬اليهود والنصارى ‪ -‬صراعهم بعد عهد‬
‫النبوة فحاولوا القضاء على اخلالفة اإلسالمية ابجلهود اليت قام هبا طاغوهتم وأشقاهم عبد هللا بن‬
‫سبأ [‪ ]4٧‬اليهودي فقد آتمروا على أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب فقتلوه‪ ،‬وآتمروا على أمري‬
‫املؤمنني عثمان بن عفان فخلعوه من اخلالفة وقتلوه‪ ،‬مث قتلوا أمري املؤمنني علي ابن أيب طالب رضي‬
‫هللا عنه‪ ،‬مث فيما بعد ما قام به النصارى الصليبيون ِف الداخل من التعاون مع أعداء الدين ضد‬
‫املسلمني مث ما قاموا به من محالت صليبية عسكرية استولوا هبا على أجزاء من بالد املسلمني حىت‬
‫جاءت فتنة االستعمار العسكري املباشر ِف القرن املاضي‪ ،‬مث الغزو الفكري‪ ،‬مث التغريب والتبعية‪،‬‬
‫مث العلمنة‪ ،‬واليوم يقومون بنفس الدور ِف حماربة اإلسالم واملسلمني لكن أبمساء خمتلفة وشعارات‬
‫خمدرة مبا يسمى ابلنظام العاملي اجلديد‪ ،‬ومظلة األمم املتحدة‪،‬‬

‫_______________________________________‬
‫[‪ ]2‬احلديث رواه البخاري ِف كتاب املزارعة‪ ،‬رقم (‪ ،)9944‬ومسلم ِف كتاب املساقاة‪ ،‬رقم (‪.)4554‬‬
‫[‪ ]4٧‬عبد هللا بن سبأ اليهودي‪ ،‬الذي يقال له‪ :‬ابن السوداء‪ ،‬رأس الطائفة السبئية‪ ،‬وكانت تقول أبلوهية علي‪ ،‬أصله‬
‫من اليمن‪ ،‬كان يقول‪ :‬العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع‪ ،‬وملا بويع علي هنع هللا يضر قام إليه ابن سبأ فقال له‪ :‬أنت خلقت‬
‫األرض وبسطت الرزق‪ .‬قال ابن حجر‪ :‬ابن سبأ من غالة الزاندقة‪ ،‬أحسب أن علياً حرقه ابلنار‪ ،‬هلك قريب سنة‬
‫‪1٧‬ه ‪ .‬الفتاوى ‪ ،19٧/9٧‬األعالم ‪ ،٧٧/1‬عقائد الثالث والسبعني فرقة ‪.451/4‬‬

‫‪411‬‬
‫والشرعية الدولية‪ ،‬ومن تلك األساليب ما يطلقونه على اجملاهدين من ألقاب كاألصولية واإلرهاب‬
‫والتطرف والتشدد‪ ،‬فعادوا إىل املنطقة اإلسالمية أبمساء مستعارة كالصداقة ومسمى التعاون أو‬
‫االستعانة أو إعادة الشرعية‪ ،‬والواقع أن اليهود والنصارى من أخطر أعداء اإلسالم‪ ،‬ولذا جاء‬
‫ذمهم كثرياً ِف القرآن الكرمي والسنة املطهرة والتحذير من شرورهم‪.‬‬
‫وِف اجلملة فإن كل فساد وضالل وقع ِف العقيدة اإلسالمية فاليهود والنصارى ور ُاؤه‪ ،‬فإذا أتملت‬
‫ضاللة اخلوارج [‪ ]44‬وبدعتهم وجدت أن وراءَها اليهود‪ ،‬ألن حمدثها اليهودي الذي مسى نفسه‬
‫عبد هللا بن سبأ‪ ،‬وإذا أتملت بدعة الرفض [‪ ]49‬وجدت أن حمدثها هو ابن سبأ‪ ،‬وإذا أتملت‬
‫ضاللة القدرية [‪ ]44‬وجدت أن حمدثها يهودي من يهود البصرة يقال له سوسن اليهودي [‪،]41‬‬
‫وإذا أتملت كفر الباطنية [‪ ]45‬وجدت أن حمدثه ميمون بن ديصان اليهودي [‪ ،]41‬وإذا أتملت‬
‫بدعة اجلهمية [‪]41‬‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]44‬اخلوارج‪ :‬كل من خرج على اإلمام الذي اتفقت اجلماعة عليه يسمى خارجياً‪ ..‬وقد اختلفوا هل علي بن أيب‬
‫طالب هنع هللا يضر كافر أو مشرك‪ ،‬وأمجعوا على أن هللا سبحانه وتعاىل يعذب أصحاب الكبائر عذاابً دائماً‪.‬‬
‫مقاالت اإلسالميني ص‪ ،٧1‬امللل والنحل ‪.449/4‬‬
‫[‪ ]49‬هم الذين يرفضون إمامة أيب بكر وعمر رضي هللا عنهما ويتربأون منهما‪ ،‬ويسبون أصحاب رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‬
‫يد بن علي رفضته شيعته‪ ،‬فقال رفضتموين؟ فسموا رافضة‪ ،‬أما من مل يرفضه‬ ‫رحم على أيب بك ٍر وعمر ز ُ‬
‫ويتنقصوهنم‪ ،‬وملا تَ َّ‬
‫منهم مسي زيدايً‪ .‬منهاج السنة ‪ ،٧/4‬بذل اجملهود إلثبات مشاهبة الرافضة لليهود ‪.٧1/4‬‬
‫[‪ ]44‬القدرية‪ :‬هم من نفا القدر عن هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬ونسبه إىل بين آدم خريه وشره‪ ،‬وان العبد هو الذي خيلق‬
‫فعله‪ ،‬ويطلق القول ابلقدر على املعتزلة‪ ،‬على الضد من اجلربية‪ .‬امللل والنحل ‪.51/4‬‬
‫[‪ ]41‬سوسن اليهودي‪ :‬مل أجد له ترمجة فيما لدي من املصادر‪.‬‬
‫[‪ ]45‬الباطنية‪ :‬زاندقة مسوا بذلك ألهنم يقولون إن لكل شيء ظاهراً وابطناً‪ ،‬وهلم أمساء غري ذلك مثل اإلمساعيلية‬
‫والقرامطة ومنهم النصريية والدروز‪ ،‬وهم يعتقدون أن اإلله ال يوصف بوجود وال عدم وال معلوم وال جمهول ومذهبهم قائم‬
‫على استباحة احملظورات وإنكار الشرائع وإنكار القيامة وغري ذلك‪ .‬امللل والنحل ‪ ،99٧/4‬الفرق بني الفرق ص‪،9٧4‬‬
‫الفهرست ص‪.94٧‬‬
‫[‪ ]41‬ميمون بن ديصان‪ :‬بن داود القداح‪ ،‬رأس الفرقة (امليمونية) من اإلمساعيلية‪ ،‬كان يظهر التشيع ويبطن الزندقة‪،‬‬
‫ولد حنو سنة ‪4٧٧‬ه وهلك حنو سنة ‪41٧‬ه ‪ .‬انظر‪ :‬األعالم ‪.414/1‬‬
‫[‪ ]41‬اجلهمية‪ :‬هم املنتسبون إىل جهم بن صفوان‪ ،‬واجلهمية تطلق أحياانً مبعىن عام ويقصد هبا نفاة الصفات عامة‪،‬‬
‫وتطلق أحياانً ابملعىن اخلاص ويقصد هبا متابعوا اجلهم بن صفوان ِف آرائه وأمهها‪ :‬نفي الصفات‪ ،‬والقول ابجلرب‪ ،‬والقول‬
‫بفناء اجلنة والنار‪ .‬مقاالت اإلسالميني ‪ ،44٧/4‬الفرق بني الفرق ‪ ،9٧٧-422‬امللل والنحل ‪.21/4‬‬

‫‪412‬‬
‫وجدت أن سند اجلهم بن صفوان [‪]4٧‬يتصل بلبيد بن األعصم اليهودي [‪ ]42‬الذي سحر النيب‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وحىت املذاهب الكفرية املعاصرة‪،‬مثل الشيوعية [‪ ]9٧‬والبهائية [‪ ]94‬والقاداينية [‪]99‬‬
‫وجدت أن حمدثيها اليهود والنصارى‪ ،‬فإن إمام الشيوعية كارل ماركس [‪ ]94‬يهودي‪ ،‬والقاداينية‬ ‫َ‬
‫والبهائية من صنع الربيطانيني‪ ،‬أحدثوها ِف اهلند وفارس ودعوا إليها وعملوا على نشرها ِف العامل‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫وهبذا التمهيد املختصر تعرف األسباب اليت من أجلها أمران رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص إبخراج اليهود‬
‫والنصارى واملشركني من جزيرة العرب‪ ،‬وهناان أن نستعني هبم أو نركن إليهم‪ ،‬وألن االستعانة هبم‬
‫تستلزم مواالهتم والركون إليهم واختاذهم أولياء وأصدقاء‪.‬‬

‫_______________________________________‬
‫[‪ ]4٧‬اجلهم بن صفوان السمرقندي أبو حمرز‪ ،‬رأس اجلهمية‪.‬‬
‫قال الذهيب‪ :‬الضال املبتدع‪ ،‬هلك ِف زمن صغار التابعني‪ ،‬وقد زرع شراً عظيماً‪ ،‬كان يقضي ِف عسكر احلارث بن‬
‫سريج اخلارج على أمراء خرسان فقبض عليه نصر بن سيار وقتل سنة ‪49٧‬ه ‪ ،‬وانظر‪ :‬ميزان االعتدال ‪،191/4‬‬
‫األعالم ‪.414/9‬‬
‫[‪ ]42‬لبيد بن األعصم‪ :‬اليهودي حليف بين زريق‪ ،‬كان أعلم اليهود ابلسحر والسموم‪ ،‬وقد جعل له اليهود ثالثة داننري‬
‫ليسحر رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ملا رجع من صلح احلديبية ففعل‪ ،‬وقصته مشهورة ِف كتب السنة والتفسري‪ .‬انظر‪ :‬البخاري رقم‬
‫(‪ )514٧‬ومسلم رقم (‪ .)94٧2‬انظر‪ :‬فتح الباري‪ ،‬كتاب الطب‪ ،‬ابب السحر حتت حديث رقم (‪.)5114‬‬
‫[‪ ]9٧‬الشيوعية‪ :‬مذهب وضعه اليهودي الروسي (كارل ماركس) وهو مذهب يقوم على اإلحلاد‪ ،‬وأن املادة هي أساس‬
‫كل شيء‪ ،‬وأن الدين مثل املخدرات‪ ،‬بل (أفيون الشعوب)‪ ،‬وهم ي ْدعون إىل تغيري القيم الروحية واملثالية والتقاليد‬
‫واملعاين األخالقية‪ ،‬وأنه ال خالق‪ .‬انظر‪ :‬كيف تعرفهم ‪.4٧٧-4٧1‬‬
‫[‪ ]94‬البهائية‪ :‬حركة نشأت سنة ‪491٧‬ه حتت رعاية االستعمار الروسي واليهودية العاملية‪ ،‬واالستعمار االجنليزي‪،‬‬
‫هبدف إفساد العقيدة اإلسالمية‪ ،‬وهي حركة قائمة على معتقد احللول واالحتاد‪ ،‬والقول ابلتناسخ‪ ،‬وخلود الكائنات‪...‬‬
‫انظر‪ :‬املوسوعة امليسرة ِف األداين واملذاهب املعاصرة ص‪.14‬‬
‫[‪ ]99‬القاداينية‪ :‬حركة نشأت سنة ‪42٧٧‬م بتخطيط من االستعمار االجنليزي ِف القارة اهلندية وكان من أبرز‬
‫الشخصيات فيها‪ ،‬مريزا غالم أمحد القادايين‪ ،‬وكان ينتمي إىل أسرة اشتهرت خبيانة الدين‪ ،‬وكان قد فتحت هلم اليهودية‬
‫املراكز واملدارس ومكنتهم من طبع كتبهم وجمالهتم ونشراهتم‪ .‬انظر‪ :‬املوسوعة امليسرة لألداين ص‪.4٧2‬‬
‫[‪ ]94‬كارل ماركس‪4٧٧4-4٧4٧ :‬م‪ :‬فيلسوف أملاين واجتماعي وثوري حمرتف‪ ،‬يهودي روسي حفيد احلاخام‬
‫اليهودي (مردخاي ماركس) كان املؤسس الرئيسي حلركتني مجاهرييتني مها‪ :‬االشرتاكية والشيوعية‪ ،‬ولد ونشأ ِف إقليم‬
‫(ترير) التابع ملا كان يعرف ابسم (بروسيا) وكان ماركس يعتقد أن االقتصاد احلر يؤدي إىل تراكم الثروة مع إنفاقها بغري‬
‫تعقل‪ ،‬وأن ذلك سينشر البؤس بني بين البشر‪ ،‬كان كاتباً متعجرفاً له آراء متطرفة‪ .‬انظر‪ :‬املوسوعة العربية العاملية‬
‫‪ ،11/99‬انظر‪ :‬كيف تعرفهم ص‪.4٧1‬‬

‫‪413‬‬
‫قبل الكالم على حكم إجالء اليهود والنصارى واملشركني من جزيرة العرب ال بد من بيان اجلزيرة‬
‫العربية وموقعها وحدودها وأمهيتها والدول الواقعة فيها‪.‬‬

‫تعريف اجلزيرة‪:‬‬
‫لغة‪ :‬جاء ِف املصباح املنري [‪ " :]91‬جزر املاء جزراً من ابيب ضرب وقتل احنسر وهو رجوعه إىل‬
‫خلف ومنه اجلزيرة مسيت بذلك الحنسار املاء عنها "‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬واجلزيرة ِف اصطالح اجلغرافيني واملؤرخني وعلماء البلدان‪" :‬بقعة من اليابسة حييط هبا‬
‫املاء من مجيع جهاهتا ولذا مسيت جزيرة ألن املاء جزر عنها وبقيت ايبسة"‪.‬‬
‫وجزيرة العرب هبذا التعريف تكون شبه جزيرة ألن املاء حييط هبا من أغلب جهاهتا ال من مجيع‬
‫جهاهتا ونسبت إىل العرب ألهنا مقرهم منذ كانوا‪.‬‬
‫موقعها‪ :‬فأما موقعها فهي تقع ِف الطرف اجلنويب الغريب من قارة آسيا‪.‬‬
‫حدودها‪ :‬وأما حدودها فقد أتفق املؤرخون واجلغرافيون تقريباً على حدودها الثالثة الغريب واجلنويب‬
‫والشرقي واختلفوا ِف احلد الشمايل اختالفاً يقرب من أن يكون لفظياً‪.‬‬
‫والذي يتلخص من كالم املؤرخني واجلغرافيني ِف حتديد اجلزيرة أهنا حتد من الغرب ببحر القلزم‬
‫املعروف ابلبحر األمحر‪ ،‬ومن اجلنوب ابلبحر العريب‪ ،‬ومن الشرق ابخلليج العريب (خليج البصرة)‪،‬‬
‫ومن الشمال ببادية الشام‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم [‪ ]95‬تقي الدين‪ " :‬جزيرة العرب اليت هي من حبر القلزم إىل حبر البصرة‪ ،‬ومن‬
‫أقصى حجر اليمامة إىل أوائل الشام حبيث كانت تدخل اليمن ِف دارهم وال تدخل فيها الشام‪،‬‬
‫وِف هذه األرض كانت العرب حني البعث وقبله " أه [‪. ]91‬‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]91‬املصباح املنري ص‪ ،4٧‬وانظر‪ :‬النهاية ِف غريب احلديث ‪ ،91٧/4‬ابب (اجليم مع الزاي)‪.‬‬
‫[‪ ]95‬أبو العباس أمحد بن عبد احلليم بن عبد السالم بن تيمية النُّمريي احلراين‪ ،‬ولد سنة ‪114‬ه حبران‪ ،‬قرأ على أكثر‬
‫من مائيت شيخ منهم والده وابن عبد الدائم والتنوخي وغريهم‪ ،‬وتتلمذ عليه ابن القيم وأكثر منه‪ ،‬والذهيب وابن كثري‬
‫واملزي وابن عبد اهلادي وغريهم من األئمة ‪ .‬قال الشوكاين‪ " :‬وأقول‪ :‬أان ال أعلم بعد ابن حزم مثله (يعين ابن تيمية)‬
‫وما أظنه مسح الزمان ما بني عصر الرجلني مبن شاهبهما أو يقارهبما " اه ‪ .‬ولشيخ اإلسالم قريب السبعمائة مؤلف بني‬
‫رسالة وكتاب وفتوى وقاعدة ورد‪ ،‬منها‪ :‬منهاج السنة‪ ،‬ودرء تعارض العقل والنقل‪ ،‬واجلواب الصحيح ملن بدل دين‬
‫املسيح وغريها‪ ،‬توِف رمحه هللا سنة ‪19٧‬ه ‪ .‬انظر‪ :‬العقود الدرية البن عبد اهلادي ص‪ ،4‬الزايرات للقاضي نور الدين‬
‫الصاحلي ص‪ 21‬رقم (‪ ،)2٧‬مقدمة حمقق الصارم املسلول‪ ،‬التأصيل لبكر أبو زيد ‪ ،94/4‬البدر الطالع ص‪.٧9‬‬
‫[‪ ]91‬اقتضاء الصراط املستقيم ‪.1٧1/4‬‬

‫‪414‬‬
‫قال أبو عبيد [‪ ]91‬واألصمعي [‪ " :]9٧‬هي من ريف العراق إىل عدن طوالً‪ ،‬ومن هتامة وما‬
‫وراءها إىل أطراف الشام عرضاً " أه [‪.]92‬‬
‫وقال أبو عبيدة [‪ " :]4٧‬هي من حفر أيب موسى إىل اليمن طوالً ومن رمل يربين إىل منقطع‬
‫السماوه عرضاً " أه [‪.]44‬‬
‫قال اخلليل [‪ " :]49‬إمنا قيل هلا جزيرة العرب ألن حبر احلبش وحبر فارس والفرات قد أحاطت هبا‬
‫" أه [‪.]44‬‬
‫وقال مساحة الشيخ العالمة بكر أبو زيد‪ " :‬حدود اجلزيرة العربية غرابً حبر القلزم والقلزم مدينه على‬
‫طرفه الشمايل وهو املعروف ابسم البحر األمحر‪ ،‬وحيدها جنوابً حبر العرب ويقال حبر اليمن‪ ،‬وشرقاً‬
‫خليج البصرة (اخلليج العريب) والتحديد من هذه اجلهات الثالث ابألحبر املذكورة حمل اتفاق بني‬
‫احملدثني والفقهاء واملؤرخني واجلغرافيني وغريهم احلد الشمايل حيدها مشاالً ساحل البحر األمحر‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]91‬القاسم بن سالم اهلروي األزدي أبو عبيد اإلمام احلافظ اجملتهد ولد سنة ‪451‬ه ‪ ،‬مسع من حيىي بن سعيد وابن‬
‫عيينة وابن املبارك وغريهم‪ ،‬وعنه ابن أيب الدنيا وأمحد بن يوسف وغريهم‪.‬‬
‫وكان أمحد بن حنبل يقول‪ :‬أبو عبيد ممن يزداد عندان كل يوم خرياً اه ‪ .‬له تصانيف كثرية منها األموال وغريب احلديث‬
‫وغريها‪ .‬توِف رمحه هللا سنة ‪991‬ه ‪ .‬األعالم للزركلي ‪ ،411/5‬سري أعالم النبالء ‪.12٧/4٧‬‬
‫[‪ ]9٧‬أبو سعيد عبد امللك بن قُريب بن عبد امللك األصمعي البصري اإلمام العالمة احلافظ لسان العرب وحجة‬
‫األدب‪ ،‬ولد سنة ‪499‬ه ‪ ،‬مسع من أيب عمرو بن العالء وسليمان التيمي وآخرون وعنه أبو عبيد وابن معني وآخرون‪،‬‬
‫روى له البخاري تعليقاً بعد حديث (‪ )1121‬من كتاب الرقاق‪ ،‬له كتاب (اإلبل) و (األضداد) وغريها‪ .‬توِف رمحه هللا‬
‫سنة ‪941‬ه ‪ .‬األعالم ‪ ،419/1‬سري أعالم النبالء ‪.415/4٧‬‬
‫[‪ ]92‬أحكام أهل الذمة ‪.411/4‬‬
‫[‪َ ]4٧‬م ْع َم ْر بن املثىن التيمي ابلوالء‪ ،‬النحوي صاحب اللغة‪ ،‬ولد سنة ‪44٧‬ه ابلبصرة‪ ،‬روى عن هشام بن عروة وأيب‬
‫عمرو بن العالء وعنه أبو عبيد وعمر بن شبه وآخرون‪ ،‬وقال الدارقطين‪ :‬ال أبس به إال أنه يتهم بشيء من رأي اخلوارج‪،‬‬
‫عد الندمي من تصانيفه مائة وعشرة كتب منها (اإلنسان) وغريها‪ .‬توِف رمحه هللا ابلبصرة سنة ‪9٧2‬ه ‪ .‬هتذيب التهذيب‬
‫‪ ،5٧9/5‬ميزان االعتدال ‪ ،455/1‬األعالم ‪.919/1‬‬
‫[‪ ]44‬أحكام أهل الذمة ‪.411/4‬‬
‫العروض‪ ،‬كان رأساً ِف‬ ‫[‪ ]49‬أبو عبد الرمحن اخلليل بن أمحد الفراهيدي البصري اإلمام صاحب العربية ومنشىء علم َ‬
‫لسان العرب‪ ،‬ديناً ورعاً ولد سنة ‪4٧٧‬ه ‪ ،‬مسع من أيوب السختياين وعاصم األحول وآخرون وعنه سيبويه واألصمعي‬
‫وآخرون‪ ،‬له كتاب (العني) مل يكمله ولكن العلماء يغرفون من حبره‪ ،‬توِف رمحه هللا سنة ‪41٧‬ه ‪ .‬سري أعالم النبالء‬
‫‪ ،192/1‬شذرات الذهب ‪.915/4‬‬
‫[‪ ]44‬أحكام أهل الذمة ‪.411/4‬‬

‫‪415‬‬
‫الشرقي وما على ماسامته شرقاً من مشارف الشام وأطرافه (األردن حالياً) ومنقطع السماوة من‬
‫ريف العراق واحلد غري داخل ِف احملدود هنا " أه [‪.]41‬‬
‫وابجلملة فاجلزيرة العربية هي قاعدة اإلسالم واملسلمني ومنطلقه العريق وهي أوىل البالد أبن تكون‬
‫خالصة لإلسالم واملسلمني طاهرة من رجس اليهود والنصارى‪ .‬أبي مسمى جاؤوا إليها سواء‬
‫مسمى اإلعانة أو الدفاع أو اإلقامة‪ ،‬ولذا جاء التحذير من الرسول ملسو هيلع هللا ىلص بتطهري اجلزيرة العربية‬
‫منهم‪.‬‬
‫قال ممليه عفا هللا عنه‪ :‬والعجب مما ذهب إليه بعض العلماء من أن املراد جبزيرة العرب اليت ورد‬
‫ذكرها ِف األحاديث هي احلجاز فقط حيث خصصوا احلكم إبجالء اليهود والنصارى واملشركني‬
‫من احلجاز مع أن احلجاز ال ينطبق عليه تعريف اجلزيرة ألن اجلزيرة جزء من اليابسة حييط به املاء‬
‫من مجيع جهاته أو من أغلبها واحلجاز ال حييط به املاء من مجيع جهاته وال من أغلبه وإمنا حيده‬
‫من جهة واحدة وهي اجلهة الغربية فكيف يطلق عليه الرسول ملسو هيلع هللا ىلص جزيرة العرب ِف األحاديث‬
‫الكثرية‪ ،‬وقد حبثت عن دليل خيص احلجاز هبذه التسمية فلم أجد سوى أمرين استدل هبما‬
‫القائلون أبن احلجاز هي جزيرة العرب‪ ،‬ومها دليالن ال يوصالن إىل املدعى‪ ،‬أما األول فقالوا إنه‬
‫ورد عنه ملسو هيلع هللا ىلص ِف أكثر من حديث قوله‪ " :‬أخرجوا اليهود من احلجاز " [‪ ،]45‬وأما الثاين‪ :‬فإهنم‬
‫احلكام وبعض العلماء تركوا اليهود ِف اليمن وتيماء فلو كانت هذه األماكن من اجلزيرة ملا‬ ‫قالوا إن َّ‬
‫تركوا اليهود فيها‪.‬‬

‫اجلواب عن هذين الدليلني‪:‬‬


‫أما األول‪ :‬فإنه قوله ملسو هيلع هللا ىلص أخرجوا اليهود من احلجاز وهو ال يتناىف مع قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬أخرجوهم من‬
‫جزيرة العرب [‪ ]41‬ألن احلجاز جزء من جزيرة العرب ومعلوم أنه قد تقرر ِف علم األصول أن‬
‫ذكر بعض أفراد العام أو أجزاء الكل ال خيلو من أحد أمرين‪ :‬إما أن يكون ذكر بعض أفراد العام‬
‫أو أجزاء الكل خمالفاً حلكم العام أو الكل أو موافقاً له‪ ،‬فإن كان موافقاً له فهو مؤكد له غري‬

‫_______________________________________‬
‫[‪ ]41‬خصائص اجلزيرة العربية ص‪.45‬‬
‫[‪ ]45‬أخرجه الدارمي ِف كتاب السري ‪ ،4٧1/9‬والبخاري ِف التاريخ الكبري ‪ 51/1‬من طرق وسكت عنه‪ ،‬وأمحد‬
‫‪ ،425/4‬قال اهليثمي‪ :‬رواه أمحد إبسنادين ورجال طريقني منها ثقات متصل إسنادمها‪ .‬اجملمع ‪ ،495/5‬انظر‪ :‬سلسلة‬
‫األحاديث الصحيحة رقم (‪.)4449‬‬
‫[‪ ]41‬متفق عليه بلفظ‪ " :‬أخرجوا املشركني من جزيرة العرب " وسيأيت خترجيه ص‪.141‬‬

‫‪416‬‬
‫معارض له كما ِف ذكر إجالء اليهود من احلجاز فإنه موافق لقوله‪ " :‬أخرجوا اليهود والنصارى من‬
‫جزيرة العرب " [‪ ]41‬غري معارض له ألن احلجاز من جزيرة العرب ‪ ،‬وإن كان ذكر بعض أفراد‬
‫العام أو أجزاء الكل خمالفاً حلكم العام أو الكل فهو خمصص له غري انسخ له ‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬أما استدالهلم برتك بعض َّ‬


‫احلكام والعلماء لليهود ِف تيماء واليمن فاجلواب عنه أن يقال‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬قد يكون لرتكهم لليهود ِف اليمن وغريه مربر يقتضي ذلك أبن يكون تركهم ِف هذه األماكن‬
‫وعدم إجالئهم فيه مصلحة لإلسالم واملسلمني تربوا على مفسدة بقائهم‪ .‬اثنياً‪ :‬وقد يكونون غري‬
‫قادرين على إجالئهم‪.‬‬

‫وقد تعرض اإلمام الصنعاين [‪ِ ]4٧‬ف كتاب اجلهاد من كتاب سبل السالم هلذا فقال رمحه هللا‪" :‬‬
‫قلت‪ :‬ال خيفى أن األحاديث املاضية فيها األمر إبخراج من ذكر من أهل األداين غري دين‬
‫اإلسالم من جزيرة العرب واحلجاز بعض جزيرة العرب وورد ِف حديث أيب عبيدة [‪ ]42‬األمر‬
‫إبخراجهم من احلجاز وهو بعض مسمى جزيرة العرب واحلكم على بعض مسمياهتا حبكم ال‬
‫يعارض احلكم عليها كلها بذلك احلكم كما قرر ِف األصول أن احلكم على بعض أفراد العام ال‬
‫خيصص العام [‪.]1٧‬‬

‫وهذا نظريه‪ ،‬وليست جزيرة العرب من ألفاظ العموم كما وهم فيه مجاعة من العلماء وغاية ما أفاده‬
‫حديث أيب عبيدة زايدة التأكيد من إخراجهم من احلجاز ألنه أدخل إخراجهم من احلجاز حتت‬
‫األمر إبخراجهم من جزيرة العرب‪ ،‬مث أفرد ابألمر زايدة أتكيد ال أنه ختصيص أو نسخ كيف وقد‬
‫كان آخر كالمه ملسو هيلع هللا ىلص‪ " :‬أخرجوا املشركني من جزيرة العرب " [‪.]14‬‬

‫_______________________________________‬
‫[‪ ]41‬متفق عليه بلفظ " أخرجوا املشركني من جزيرة العرب " وسيأيت خترجيه ص‪.141‬‬
‫[‪ ]4٧‬أبو إبراهيم عز الدين دمحم بن إمساعيل بن صالح احلسين الكحالين مث الصنعاين املعروف كأسالفه ابألمري‪ .‬ولد‬
‫سنة ‪4٧22‬ه بكحالن‪ ،‬ونشأ بصنعاء جمتهد من بيت اإلمامة ِف اليمن‪ ،‬أصيب مبحن كثرية من اجلهالء والعوام‪ ،‬له‬
‫حنو مائة مؤلف منها‪ :‬سبل السالم‪ ،‬وتطهري االعتقاد وغريها‪ .‬توِف بصنعاء رمحه هللا سنة ‪44٧9‬ه ‪ .‬البدر الطالع‬
‫‪ ،494/9‬األعالم ‪.4٧/1‬‬
‫[‪ ]42‬سبق خترجيه ص‪.14٧‬‬
‫[‪ ]1٧‬انظر‪ :‬إرشاد الفحول للشوكاين ص‪.944‬‬
‫[‪ ]14‬سيأيت خترجيه ص‪.141‬‬

‫‪417‬‬
‫وأخرج البيهقي [‪ ]19‬من حديث مالك عن إمساعيل بن أيب حكيم أنه مسع عمر بن عبد العزيز‬
‫[‪ ]14‬يقول‪ " :‬بلغين أنه كان آخر ما تكلم به رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال‪ :‬قاتل هللا اليهود والنصارى‬
‫اختذوا قبور أنبيائهم مساجد ال يبقني دينان أبرض العرب " [‪.]11‬‬
‫وأما قول الشافعي [‪ :]15‬إنه ال يعلم أحداً أجالهم من اليمن فليس ترك إجالئهم بدليل فإن‬
‫أعذار من ترك ذلك كثرية‪ ،‬وقد ترك أبو بكر هنع هللا يضر إجالء أهل احلجاز مع االتفاق على وجوب‬
‫إجالئهم لشغله جبهاد أهل الردة ومل يكن ذلك دليالً على أهنم ال جيلون بل أجالهم عمر هنع هللا يضر‪،‬‬
‫وأما القول أبنه ملسو هيلع هللا ىلص أقرهم ِف اليمن بقوله ملعاذ‪ " :‬خذ من كل حامل ديناراً أو عدله معافرايً "[‪]11‬‬
‫فهذا كان قبل أمره ملسو هيلع هللا ىلص إبخراجهم فإنه كان عند وفاته كما عرفت‪ ،‬فاحلق وجوب إجالئهم من‬
‫اليمن لوضوح دليله‪ ،‬وكذا القول أبن تقريرهم ِف اليمن قد صار إمجاعاً سكوتياً ال ينهض على دفع‬

‫_______________________________________‬
‫[‪ ]19‬أمحد بن احلسني بن علي بن عبد هللا البيهقي النيسابوري احلافظ الكبري األصويل ولد سنة ‪4٧1‬ه ومسع من أيب‬
‫احلسني العلوي وأيب طاهر الزايدي واحلكم بن فورك وغريهم‪ ،‬وعنه ولده إمساعيل وزاهر بن طاهر وعبد اجلبار اخلوري‬
‫وغريهم‪ .‬قال اجلويين‪ :‬ما من شافعي إال وللشافعي فضل عليه غري البيهقي‪ ...‬اخل‪ .‬له األمساء والصفات وشعب اإلميان‬
‫واالعتقاد وغريها‪ ،‬توِف رمحه هللا تعاىل سنة ‪15٧‬ه ‪ .‬طبقات السبكي ‪ ،٧/1‬األعالم ‪.441/4‬‬
‫[‪ ]14‬أبو حفص عمر بن عبد العزيز أمري املؤمنني حقاً‪ ،‬اإلمام احلافظ اجملتهد‪ ،‬ابن مروان بن احلكم بن العاص القرشي‬
‫األموي‪ ،‬أشج بين أمية‪ ،‬ولد حبلوان قرية ِف مصر سنة ‪14‬ه ‪ ،‬مسع من عبد هللا بن جعفر والسائب بن يزيد وأنس بن‬
‫مالك وغريهم‪ ،‬وعنه الزهري وحيىي بن سعيد ورجاء بن حيوة وغريهم‪ ،‬قال الليث‪ :‬ملا ويل عمر بن عبد العزيز بدأ‬
‫بلحمته وأهل بيته فأخذ ما أبيديهم ومسى أمواهلم مظامل‪ ،‬وكان يقول‪ :‬إن اهلديِة كانت لرسول هللا صلى هلل عليه وسلم‬
‫وهي لنا اليوم رشوة‪ ،‬توىف رمحه هللا مسموماً سنة ‪4٧4‬ه وقد توىل اخلالفة سنتني ونصف تقريباً‪ .‬اتريخ اخللفاء‬
‫ص‪ ،99٧‬سري أعالم النبالء ‪.441/5‬‬
‫[‪ ]11‬أخرجه البيهقي ِف السنن الكربى ‪ 45٧/2‬رقم (‪ ،)4٧15٧‬وأمحد ِف املسند عن عائشة ‪ ،411/4٧‬ومالك ِف‬
‫املوطأ من كتاب اجلامع تنوير احلوالك ‪ ،٧٧/4‬وأبو عبيد ِف كتاب األموال ص‪ 4٧1‬رقم (‪ )919‬موصوالً بنحوه وهو‬
‫صحيح على شرط الشيخني‪.‬‬
‫[‪ ] 15‬أبو عبد هللا دمحم بن إدريس بن العباس بن هاشم املطليب‪ ،‬إليه نسبة الشافعية‪ ،‬ولد ِف غزة بفلسطني سنة ‪45٧‬ه ‪،‬‬
‫مسع من مالك بن أنس وإبراهيم بن سعد ومسلم بن خالد وغريهم‪ ،‬وعنه أمحد بن حنبل وسليمان بن داود وأبو ثور‬
‫والبويطي وغريهم‪ ،‬حفظ املوطأ وعرضه على مالك‪ ،‬أذن له مسلم بن خالد ابلفتوى وهو ابن عشرين سنة أو دوهنا وكان‬
‫ذا ذكاء مفرط‪ ،‬له كتاب األم مجعه البويطي‪ ،‬واملسند وفضائل قريش والسنن وغريها توِف ِف مصر رمحه هللا سنة‬
‫‪9٧1‬ه ‪ .‬األعالم ‪ ،91/1‬تذكرة احلفاظ ‪ ،414/4‬هتذيب التهذيب ‪.9٧/5‬‬
‫[‪ ]11‬أخرجه النسائي ِف كتاب الزكاة رقم (‪ ،)915٧‬وابو داود ِف كتاب اخلراج واإلمارة والفيء رقم (‪،)4٧4٧‬‬
‫والرتمذي ِف كتاب الزكاة رقم (‪ ،)194‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن‪ ،‬وهو كما قال‪ .‬انظر‪ :‬إرواء الغليل رقم (‪.)125‬‬

‫‪418‬‬
‫األحاديث فإن السكوت من العلماء على أمر وقع من اآلحاد أو من خليفة أو غريه من فعل‬
‫حمظور أو ترك واجب ال يدل على جواز ما وقع وال على جواز ما ترك فإنه إن كان الواقع فعالً أو‬
‫تركاً ملنكر وسكتوا مل يدل سكوهتم على أنه ليس مبنكر ملا علم من أن مراتب اإلنكار ثالث ابليد‬
‫أو اللسان أو القلب‪ ،‬وانتفاء اإلنكار ابليد واللسان ال يدل على انتفائه ابلقلب وحينئذ فال يدل‬
‫سكوته على تقريره ملا وقع حىت يقال قد أمجع عليه إمجاعاً سكوتياً إذ ال يثبت أنه قد أمجع‬
‫الساكت إذا علم رضاه ابلواقع وال يعلم ذلك إال عالم الغيوب‪ .‬وهبذا يعرف بطالن القول أبن‬
‫اإلمجاع السكويت حجة وال أعلم أحداً قد حرر هذا ِف رد اإلمجاع السكويت مع وضوحه واحلمد هلل‬
‫املنعم املتفضل فقد أوضحناه ِف رسالة مستقلة‪ ،‬فالعجب ممن قال‪ " :‬ومثله قد يفيد القطع " ‪،‬‬
‫وكذلك قول من قال‪ " :‬إنه حيتمل أن حديث األمر ابإلخراج كان عند سكوهتم بغري جزية " ابطل‬
‫ألن األمر إبخراجهم عند وفاته ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬واجلزية فرضت ِف التاسعة من اهلجرة عند نزول " براءة "‬
‫فكيف يتم هذا‪ ،‬مث إن عمر أجلى أهل جنران وقد كان صاحلهم ملسو هيلع هللا ىلص على مال واسع كما هو‬
‫ورد ما ورد من النصوص مبثل هذه التأويالت‬ ‫معروف وهو جزية ‪ ،‬والتكلف لتقومي ما عليه الناس ِ‬
‫مما يطيل تعجب الناظر املنصف أه [‪.]11‬‬

‫فأما الدول الواقعة فيها فمنها مجهورية اليمن واململكة والكويت واإلمارات العربية املتحدة وقطر‬
‫وعمان‪.‬‬

‫وبعد الفراغ من بيان اجلزيرة العربية وموقعها وحدودها وأمهيتها والدول الواقعة فيها نتكلم على‬
‫حكم إقامة اليهود والنصارى واملشركني فيها‪.‬‬

‫_______________________________________‬
‫[‪ ]11‬سبل السالم ‪.441/1‬‬

‫‪419‬‬
‫حكم رقامة اليهود والنصارى واملشركني يف اجلزيرة العربية‪:‬‬
‫لقد اتفق من يعتد بقوله من فقهاء األمة وعلمائها على أهنا ال جتوز إقامة اليهود والنصارى‬
‫واملشركني ِف جزيرة العرب ال إقامة دائمة وال مؤقتة ما عدا أن بعض العلماء يرى جواز إقامتهم‬
‫ثالثة أايم للضرورة‪ ،‬وال جيوز ملسلم أن أيذن هلم ِف دخوهلا لإلقامة‪ .‬معتمدين على األحاديث‬
‫الصحيحة عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص واآلاثر الثابتة عن الصحابة رضوان هللا عليهم‪ .‬فمن تلك النصوص‪:‬‬
‫أوال‪ :‬ما رواه ابن عباس رضي هللا عنهما أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أوصى عند موته بثالث‪ " :‬أخرجوا املشركني‬
‫من جزيرة العرب‪ ،‬وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم‪ ،‬ونسيت الثالثة " [‪ .]1٧‬وِف صحيح‬
‫مسلم[‪ ]12‬من طريق أيب الزبري[‪ ]5٧‬أنه مسع جابر بن عبد هللا يقول أخربين عمر بن اخلطاب أنه‬
‫مسع رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص يقول‪ ":‬ألخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حىت ال أدع فيها إال مسلماً‬
‫"[‪ .]54‬وِف الصحيحني‪ ":‬أن عمر بن اخلطاب هنع هللا يضر أجلى اليهود والنصارى من أرض احلجاز‬
‫"[‪ .]59‬ومنها ما رواه اإلمام أمحد [‪ِ ]54‬ف مسنده من طريق دمحم بن إسحاق [‪]51‬‬

‫_______________________________________‬
‫[‪ ]1٧‬رواه البخاري ِف كتاب اجلهاد والسري رقم (‪ ،)4٧54‬ومسلم ِف كتاب الوصية رقم (‪.)4141‬‬
‫[‪ ]12‬اإلمام الكبري احلافظ الصادق أبو احلسني مسلم بن احلجاج بن ورد‪ ،‬من بين قشري‪ ،‬ولد سنة ‪ 9٧1‬بنيسابور قال‬
‫إسحاق الكوسج ملسلم‪ :‬لن نعدم اخلري ما أبقاك هللا للمسلمني مسع مسلم من أمحد بن حنبل والبخاري وابن معني وابن‬
‫املديين ومجع غفري‪ ،‬وعنه الرتمذي وابو بكر بن خزمية وابن صاعد والسراج ومجع‪ ،‬له الصحيح‪ ،‬والعلل‪ ،‬واملسند الكبري‪،‬‬
‫توىف رمحه هللا سنة ‪914‬ه ‪ ،‬قيل بسبب سلة متر أكل منها حىت فنيت‪ ...‬هتذيب التهذيب ‪ ،191/5‬سري أعالم النبالء‬
‫‪ ،551/49‬تذكرة احلفاظ ‪ ،5٧٧/9‬األعالم ‪.994/1‬‬
‫[‪ ]5٧‬أبو الزبري‪ :‬دمحم بن مسلم بن تدرس األسدي موالهم‪ ،‬صدوق إال أنه يدلس‪ ،‬مات سنة ‪491‬ه ‪ .‬التقريب‬
‫‪.1444‬‬
‫[‪ ]54‬رواه مسلم ِف كتاب اجلهاد والسري رقم (‪ ،)4111‬والرتمذي ِف كتاب السري رقم (‪.)41٧1‬‬
‫[‪ ]59‬رواه البخاري ِف كتاب فرض اخلمس رقم (‪ ،)4459‬ومسلم ِف كتاب املساقاة رقم (‪.)4554‬‬
‫[‪ ]54‬أبو عبد هللا أمحد بن دمحم بن حنبل بن هالل الشيباين‪ ،‬اإلمام حقاً وشيخ اإلسالم صدقاً‪ ،‬صاحب املذهب‪ ،‬ثقة‬
‫سرخس‪ ،‬جلد وسجن ليقول خبلق القرآن فصرب‬ ‫حافظ فقيه حجة‪ ،‬ولد سنة ‪411‬ه ‪ ،‬أصله من مرو وكان أبوه وايل َ‬
‫ندر والشافعي وابن مهدي وغريهم‪ ،‬وعنه البخاري ومسلم وأبو داود وابن معني‬ ‫وامتنع‪ ،‬مسع من ُهشيم وابن عيينة وغُ َ‬
‫وغريهم‪ ،‬له املسند والناسخ واملنسوخ وفضائل الصحابة وغريها‪ ،‬توِف رمحه هللا سنة‪914‬ه ‪ ...‬سري أعالم النبالء‬
‫‪ ،411/44‬األعالم ‪ ،9٧4/4‬تقريب التهذيب ص‪2٧‬‬
‫[‪ ]51‬دمحم بن إسحاق بن يسار املطليب موالهم‪ ،‬إمام املغازي‪ ،‬حسن احلديث إذا صرح ابلتحديث وإال هو مدلس‪،‬‬
‫توِف سنة ‪454‬ه ‪ .‬ميزان االعتدال ‪.11٧/4‬‬

‫‪421‬‬
‫قال حدثين صاحل بن كيسان [‪ ]55‬عن الزهري [‪ ]51‬عن عبيد هللا ابن عبد هللا بن عتبة [‪]51‬‬
‫عن عائشة قالت‪ " :‬كان آخر ما عهد به رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال‪ :‬ال يرتك جبزيرة العرب دينان "‬
‫[‪ .]5٧‬وقال اإلمام مالك [‪ ]52‬عن إمساعيل بن أيب حكيم [‪ ]1٧‬أنه مسع عمر ابن عبد العزيز‬
‫يقول كان آخر ما تكلم به رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص أن قال‪ " :‬قاتل هللا اليهود والنصارى اختذوا قبور أنبيائهم‬
‫مساجد ال يبقني دينان أبرض العرب " وحدثين مالك عن ابن شهاب أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال‪" :‬‬
‫ال جيتمع دينان ِف جزيرة العرب فأجلى يهود خيرب " [‪.]14‬‬
‫وروى البخاري [‪ ]19‬ومسلم من حديث أيب هريرة هنع هللا يضر قال‪ :‬بينما حنن ِف املسجد إذ خرج‬
‫علينا رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص فقال‪ " :‬انطلقوا إىل يهود فخرجنا معه حىت جئنا بيت املدراس [‪ ]14‬فقام‬
‫النيب ملسو هيلع هللا ىلص فناداهم‪ :‬اي معشر يهود أسلموا تسلموا‪ ،‬فقالوا‪ :‬قد بلغت اي أاب القاسم فقال‪ :‬ذلك أريد‬
‫مث قاهلا الثانية فقالوا‪ :‬قد بلغت اي أاب القاسم‪ ،‬مث قال ِف الثالثة فقال‪ :‬اعلموا أن األرض هلل ورسوله‬
‫وإين أريد أن أجليكم فمن وجد منكم مباله شيئاً فليبعه وإال فاعلموا أمنا األرض هلل ورسوله [‪.]11‬‬

‫_______________________________________‬
‫[‪ ]55‬صاحل بن كيسان مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز‪ ،‬روى له أصحاب الكتب الستة‪ ،‬توِف سنة ‪41٧‬ه ‪ .‬هتذيب‬
‫التهذيب ‪.541/9‬‬
‫[‪ ] 51‬أبو بكر دمحم بن مسلم بن شهاب الزهري بن كالب القرشي احلافظ الفقيه‪ ،‬متفق على جاللته وإتقانه ولد سنة‬
‫‪5٧‬ه ‪ ،‬ومسع من أنس بن مالك وسهل بن سعد وحممود بن الربيع وأيب هريرة ومجع‪ ،‬وعنه عطاء بن أيب رابح وعمر بن‬
‫عبد العزيز وقتادة وحيىي بن سعيد ومجع‪ ،‬قيل إنه أول من دون احلديث‪ ،‬توِف رمحه هللا ِف " ش ْغب " أول أعمال‬
‫فلسطني سنة ‪491‬ه ‪ ...‬سري أعالم النبالء ‪ ،491/5‬التقريب رقم ‪.1441‬‬
‫[‪ ]51‬عبيد هللا بن عبد هللا بن عتبةة اهلذيل مؤدب عمر بن عبد العزيز‪ ،‬روى له أصحاب الكتب الستة‪ ،‬توِف سنة‬
‫‪2٧‬ه ‪ ...‬هتذيب التهذيب ‪.4٧/1‬‬
‫[‪ ]5٧‬مسند أمحد (‪)91459‬‬
‫احلم ريي ولد سنة ‪24‬ه ِف املدينة‪ ،‬صاحب‬ ‫[‪ ]52‬أبو عبد هللا إمام داراهلجرة مالك بن أنس بن مالك األصبحي ْ‬
‫املذهب‪ ،‬كان صلباً ِف دينه بعيداً عن األمراء وامللوك‪ ،‬وجه الرشيد إليه ليأتيه فيحدثه‪ ،‬فقال‪ :‬العلم يؤتى‪ ،‬فقصد الرشيد‬
‫منزله فاستند إىل اجلدار‪ ،‬فقال مالك‪ :‬اي أمري املؤمنني من إجالل رسول هللا إجالل العلم‪ ،‬فجلس بني يديه‪ .‬امتحن‬
‫فضربه الوايل سياطاً حىت اخنلعت كتفه‪ ،‬أخذ عن الزهري وابن دينار وانفع وربيعة وآخرون‪ ،‬وعنه حيىي بن سعيد وابن‬
‫مهدي والشافعي وابن املبارك وآخرون توِف ِف املدينة رمحه هللا سنة ‪412‬ه ‪ .‬هتذيب التهذيب ‪ ،45٧/5‬األعالم‬
‫‪ ،951/5‬سري أعالم النبالء ‪1٧/٧‬‬
‫[‪ ]1٧‬إمساعيل بن أيب حكيم القرشي كان عامالً لعمر بن عبد العزيز‪ ،‬ثقة روى له مسلم وغريه توِف سنة ‪44٧‬ه ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬هتذيب التهذيب ‪.4٧1/4‬‬
‫[‪ .]14‬البيهقي ِف السنن الكربى (‪)4٧154‬‬

‫‪421‬‬
‫هذه النصوص وغريها مما مل أورده تدل داللة قاطعة على أنه ال جيوز لليهود والنصارى وغريهم من‬
‫الكفار أن يبقوا ِف جزيرة العرب وهي كما ترى ِف مكان من حيث الصحة والصراحة ووضوح‬
‫املعىن واإلحكام حبيث ال ميكن الطعن فيها ابلتضعيف أو التأويل أو دعوى النسخ وذلك أهنا‬
‫خمرجة ِف الصحيحني وبعضها ِف املسند وبعضها ِف السنن وقد اتفق العلماء على أن ما اتفق على‬
‫إخراجه البخاري ومسلم رمحهم هللا أنه يفيد العلم اليقيين ألن األمة تلقته ابلقبول والتصديق فال‬
‫جمال للطعن فيما اتفق عليه البخاري ومسلم [‪ ،]15‬وأما عدم جواز أتويلها فذلك ألجل صراحة‬
‫ألفاظها ووضوحها وكوهنا نصاً ِف املوضوع ال حيتمل لفظها معىن غري املعىن الظاهر منها وما كان‬
‫كذلك فال يصح أتويله عند علماء األصول وغريهم من العلماء إمنا الذي جيوز أتويله من‬
‫النصوص هو الذي يكون لفظه حمتمالً ملعنيني فريجح أحدمها ألجل قرينة حتف به [‪ ،]11‬أما‬
‫كوهنا حمكمة وغري قابلة للنسخ فألجل أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أمر وأوصى إبخراجهم من جزيرة العرب ِف‬
‫آخر حياته كما روى اإلمام أمحد عن عائشة أهنا قالت‪ " :‬كان آخر ما عهد به رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم أنه قال‪ :‬ال يرتك جبزيرة العرب دينان " [‪ .]11‬وكما قال اإلمام مالك رمحه هللا ِف‬
‫املوطأ‪ " :‬أنه مسع عمر يقول‪ " :‬كان آخر ما تكلم به رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال‪ :‬قاتل هللا اليهود‬
‫والنصارى اختذوا قبور أنبيائهم مساجد ال يبقني دينان أبرض العرب " [‪ .]1٧‬فإذا كان األمر‬
‫كذلك فدعوى النسخ غري واردة ملعرفة أتخر أتريخ تكلمه ملسو هيلع هللا ىلص بذلك‪ ،‬وأيضاً فعمر بن اخلطاب‬
‫هنع هللا يضر أجلى اليهود من خيرب والنصارى من جنران بعد وفاة النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فلو كان أمره ملسو هيلع هللا ىلص إبخراجهم‬
‫_______________________________________‬
‫اجلعفي البخاري حرب اإلسالم‪ ،‬ولد سنة ‪ 421‬ببخارى ونشأ يتيماً وقد‬ ‫=[‪ ]19‬أبو عبد هللا دمحم بن إمساعيل بن إبراهيم ْ‬
‫(خ ْرتَْنك) فمات فيها‪ ،‬وكتابه الصحيح أول ما وضع ِف اإلسالم مبثل‬ ‫تعصب عليه مجاعة فرموه ابلتهم فأخرج إىل َ‬
‫طريقته‪ ،‬وقد عرضه على اإلمام أمحد وابن معني وابن املديين كان يقول رمحه هللا‪ :‬أرجو أن ألقى هللا وال حياسبين أين‬
‫الذهلي وحيىي بن حيىي وغريهم‪ ،‬وعنه الرتمذي وقد أكثر منه وأبو حامت وابن‬ ‫اغتبت أحداً‪ ،‬مسع من أمحد والرتمذي ومن ْ‬
‫أيب الدنيا وابن خزمية وخلق‪ ،‬للبخاري (الصحيح) (واألدب املفرد) (وخلق أفعال العباد) وغريها‪ ،‬توِف رمحه هللا سنة‬
‫‪951‬ه ‪.‬طبقات احلنابلة ‪ ،914/9‬سري أعالم النبالء ‪ ،424/49‬األعالم ‪ ،41/1‬هدي الساري ص ‪.1‬‬
‫=[‪ ]14‬بيت املدراس‪ :‬هو البيت الذي يدرس فيه كتاهبم‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري ‪.1٧1/1‬‬
‫=[‪ ]11‬أخرجه البخاري ِف كتاب اإلكراه رقم (‪ ’ )1211‬ومسلم ِف كتاب اجلهاد والسري رقم (‪.)4115‬‬
‫[‪ ]15‬انظر‪ :‬تيسري مصطلح احلديث ص‪.14‬‬
‫[‪ ]11‬انظر‪ :‬نثر الورود شرح مراقي السعود‪ ،‬شرح الشيخ دمحم األمني الشنقيطي ‪.492/4‬‬
‫[‪ ]11‬رواه أمحد ‪ 411/4٧‬بسند صحيح وانظر ص ‪.194‬‬
‫[‪ ]1٧‬رواه مالك ِف املوطأ من كتاب اجلامع مرسالً تنوير احلوالك ‪ ،٧٧/4‬ويشهد له احلديث الذي قبله وقد سبق‬
‫خترجيه ص‪.145‬‬

‫‪422‬‬
‫من اجلزيرة منسوخاً مل جيلهم عمر‪ ،‬وال يقال ميكن أن خيفى على عمر هنع هللا يضر النسخ‪ ،‬كما يدل على‬
‫هذا ما أخرجه البخاري رمحه هللا ِف صحيحه عن ابن عمر رضي هللا عنهما قال ملا فدع أهل خيرب‬
‫عبد هللا بن عمر قام عمر خطيباً فقال‪ :‬إن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص كان عامل يهود خيرب على أمواهلم‬
‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ى عليه من الليل فَ ُفد َع ْ‬ ‫وقال‪ :‬نقركم ما أقركم هللا وإن عبد هللا ابن عمر خرج إىل ماله هناك فَعُد َ‬
‫يداه ورجاله وليس لنا هناك عدو غريهم هم عدوان وهتمتنا وقد رأيت إجالءهم فلما أمجع عمر‬
‫وعاملنا على‬ ‫على ذلك أاته أحد بين أيب احلقيق فقال‪ :‬اي أمري املؤمنني أخترجنا وقد أقران دمحم ملسو هيلع هللا ىلص َ‬
‫األموال وشرط ذلك لنا؟ فقال عمر‪ :‬أظننت أين نسيت قول رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬كيف بك إذا‬
‫ليلة؟ فقال‪ :‬كانت هذه ُهَزيْله من أيب القاسم‪.‬‬ ‫أخرجت من خيرب تعدو بك قلوصك ليلةً بعد ٍ‬
‫فقال‪ :‬كذبت اي عدو هللا فأجالهم عمر وأعطاهم قيمة ما كان هلم من الثمر ماالً وإبالً وعُُروضاً‬
‫من أقتاب وحبال وغري ذلك" [‪.]12‬‬

‫ذكر طرف من أقوال العلماء يف رجالء اليهود والنصارى من جزيرة العرب‪:‬‬


‫قال اإلمام ابن القيم رمحه هللا [‪ " :]1٧‬قال اإلمام مالك أرى أن جيلو من أرض العرب كلها ألن‬
‫رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال‪ :‬ال جيتمع دينان ِف جزيرة العرب ويقول‪ :‬ألخرجن اليهود والنصارى من جزيرة‬
‫العرب حىت ال أدع فيها إال مسلماً " [‪.]14‬‬
‫وقال تقي الدين شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا‪ " :‬وقد أمر النيب ملسو هيلع هللا ىلص ِف مرض موته أن خترج‬
‫اليهود والنصارى من جزيرة العرب فأخرجهم عمر هنع هللا يضر من املدينة وخيرب وينبع واليمامة وخماليف‬
‫هذه البلد ومل خيرجهم من الشام بل ملا فتح الشام أقر اليهود والنصارى ابألردن وفلسطني وغريمها‬
‫كما أقرهم بدمشق وغريها " [‪.]19‬‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]12‬رواه البخاري ِف كتاب الشرط رقم (‪ ،)914٧‬ومسلم ِف كتاب املساقاة رقم (‪.)4554‬‬
‫[‪ ]1٧‬أبو عبد هللا دمحم بن أيب بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي املعروف اببن القيم‪ ،‬ولد سنة ‪124‬ه مسع من ابن عبد‬
‫الدائم وابن الشريازي‪ ،‬وأكثر من ابن تيمية حىت قال عنه ابن حجر‪ :‬وغلب عليه حب ابن تيمية حىت كان الخيرج عن‬
‫شيء من أقواله بل ينتصر هلا‪ ...‬وهو الذي هذب كتبه ونشر علمه‪ ..‬اخل اه ‪ .‬كان عاملاً ابلتفسري ال جيارى عليه‬
‫واألصول وإليه املنتهى فيه والفقه والعربية‪ ،‬وقد حبس فرتة إلنكاره شد الرحال لقرب اخلليل‪ ،‬له أحكام أهل الذمة وزاد‬
‫املعاد وإعالم املوقعني وغريه كثري جداً‪ ،‬توِف رمحه هللا سنة ‪154‬ه ‪.‬انظر‪ :‬الدرر الكامنة ‪ ،1٧٧/4‬ذيل طبقات احلنابلة‬
‫‪.111/9‬‬
‫[‪ ]14‬أحكام أهل الذمة ‪.4٧1/4‬‬
‫[‪ ]19‬الفتاوى ‪ 14٧/9٧‬بتصرف‪.‬‬

‫‪423‬‬
‫وقال أيضاً رمحه هللا فيما نقله عنه اإلمام ابن القيم‪ " :‬وأيضاً فإن النيب ملسو هيلع هللا ىلص مل يضرب جزية راتبة‬
‫على من حاربه من اليهود ال بين قينقاع وال النضري وال قريظة وال خيرب‪ ،‬بل نفى بين قينقاع إىل‬
‫أذرعات وأجلى النضري إىل خيرب وقتل قريظة وقاتل أهل خيرب فأقرهم فالحني ما شاء هللا وأمر‬
‫إبخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب " [‪.]14‬‬
‫وقال الشيخ دمحم بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ [‪ ]11‬رمحه هللا ِف كتاب اجلهاد من‬
‫الفتاوى ما نصه‪ " :‬الوثنية احملضة ال تقر حبال ال ِف مشارق األرض وال ِف مغارهبا واملرتدون أغلظ‬
‫وأغلظ واليهود والنصارى يقرون ابجلزية لكن ال ِف جزيرة العرب " ال جيتمع دينان ِف جزيرة العرب‬
‫" [‪ .]15‬وإقرار النيب ملسو هيلع هللا ىلص لليهود ِف خيرب ابجلزية إلصالح ما يصلحون منسوخ مبا أوصى به عند‬
‫موته " أه [‪.]11‬‬

‫حكم االستعانة ابليهود والنصارى وسائر الكفار‪:‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫ملا أوجد هللا اخلليقة على هذه األرض كانوا مفتقرين وحمتاجني لبعضهم ِف حتقيق أمورهم ألن كل‬
‫فرد من البشر مهما كانت قدرته وغناه‪ ،‬ومهما بلغ من العلم ال يستطيع أن يقوم بكل شؤونه بل‬
‫البد أن حيتاج إىل غريه ِف حتقيق ما يريد حىت ولو كان ملكاً أو عاملاً أو غنياً‪ ،‬فلو كان امللك مثالً‬
‫على جانب من الشجاعة والعلم بشؤون احلرب والقتال ماهراً ِف علوم السياسة والقيادة وأراد الغزو‬
‫لقتال العدو فالبد أن حيتاج إىل من يعينه على هذه املهمة من مستشارين وضباط وجنود وغريهم‬
‫وأولئك األعوان حمتاجون إىل امللك ِف ما أيخذونه من أجور على أعماهلم‪.‬‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]14‬أحكام أهل الذمة ‪.59/4‬‬
‫[‪ ]11‬دمحم بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ التميمي مفيت اجلزيرة العربية العامل احملقق املدقق‪ ،‬ولد ِف الرايض سنة‬
‫‪4444‬ه ِف بيت علم وشرف‪ ،‬فقد بصره وهو ِف احلادية عشرة من عمره‪ ،‬أخذ عن الشيخ سعد بن عتيق والشيخ ابن‬
‫فارس‪ ،‬وكانوا معجبني بفرط ذكائه‪ ،‬توىل التدريس واإلمامة سنة ‪ 4٧‬وصار مفتياً للجزيرة العربية سنة ‪1٧‬ه ‪ ،‬له مؤلفات‬
‫ِف فنون العلم مجعها بن قاسم رمحه هللا‪ ،‬من تالمذته املؤلف والشيخ عبد العزيز ابن ابز وعبد هللا بن محيد رمحهما هللا‬
‫تعاىل وعبد الرمحن بن فراين وعبد هللا بن حسني أاب اخليل وغريهم توىف رمحه هللا سنة ‪44٧٧‬ه ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬روضة الناظرين حملمد القاضي ‪ ،445/9‬األعالم ‪.4٧1/5‬‬
‫[‪ ]15‬سبق خترجيه ص ‪.145‬‬
‫[‪ ]11‬فتاوى الشيخ دمحم بن إبراهيم ‪.94٧/1‬‬

‫‪424‬‬
‫ومثال آخر يبني مدى حاجة كل فرد من البشر إىل غريه‪ ،‬فلو أراد إنسان أن يقيم لنفسه قصراً فإنه‬
‫ال يقوى على حتقيق ذلك مهما كانت منزلته من الغىن والعلم بشؤون البناء واهلندسة بل البد من‬
‫احتياجه إىل من يعينه من بنائني وصناع وغريهم‪.‬‬
‫واخلالصة أن كل فرد من أفراد البشر حمتاج خلدمة غريه‪ ،‬وغريه حمتاج خلدمته وإن مل يشعر بذلك‪:‬‬

‫خدم‬
‫الناس للناس من بدو وحاضرة بعض لبعض ورن مل يشعروا ُ‬

‫وملا كان التعاون بني الناس هبذه املنزلة من األمهية أمر به اإلسالم ورغب فيه وحث عليه قال تعاىل‪:‬‬
‫{وتعاونوا على الرب والتقوى وال تعاونوا على اإلمث والعدوان‪ ،]11[ }...‬وامنت سبحانه وتعاىل على‬
‫عباده املؤمنني أبن جعلهم أمة واحدة متحدين متعاونني متناصرين بعد أن كانوا خمتلفني ومتفرقني‬
‫قال سبحانه وتعاىل‪{ :‬واعتصموا حببل هللا مجيعاً وال تفرقوا واذكروا نعمة هللا عليكم إذ كنتم أعداءً‬
‫فألف بني قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواانً‪ ]1٧[ }...‬اآلية‪ .‬وقال سبحانه وتعاىل ممتناً على نبيه‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص‪{ :‬هو الذي أيدك بنصره وابملؤمنني وألف بني قلوهبم لو أنفقت ما ِف األرض مجيعاً ما ألفت‬
‫بني قلوهبم ولكن هللا ألف بينهم إنه عزيز حكيم} [‪ ،]12‬وقال عليه الصالة والسالم‪ " :‬مثل‬
‫املؤمنني ِف توادهم وترامحهم وتعاطفهم كمثل اجلسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر‬
‫اجلسد ابحلمى والسهر " [‪ ،]٧٧‬وقال عليه الصالة والسالم‪ " :‬وهللا ِف عون العبد ما كان العبد‬
‫ِف عون أخيه " [‪ ،]٧4‬وملا كانت االستعانة تقتضي احلب واملواالة والركون إىل املستعان به رأيت‬
‫أن أقدم نبذة خمتصرة عن الوالء والرباء‪...‬‬

‫_______________________________________‬
‫[‪ ]11‬املائدة‪ ،‬آية ‪.9‬‬
‫[‪ ]1٧‬آل عمران‪ :‬آية ‪.4٧4‬‬
‫[‪ ]12‬األنفال‪ :‬آية ‪.14 - 19‬‬
‫[‪ ]٧٧‬رواه البخاري ِف كتاب األدب رقم (‪ ،)1٧44‬ومسلم ِف كتاب الرب والصلة واآلداب رقم (‪.)95٧1‬‬
‫[‪ ]٧4‬رواه مسلم ِف كتاب الذكر والدعاء رقم (‪،)9122‬وأبو داود ِف كتاب األدب رقم (‪ ،)1211‬وابن ماجه ِف‬
‫املقدمة رقم(‪ ،)995‬والرتمذي ِف كتاب احلدود رقم(‪)4195‬‬

‫‪425‬‬
‫الوالء‬
‫تعريفه يف اللغة‪:‬‬
‫الويل فعيل مبعىن فاعل ومنه َولِيَه إذا قام به‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪{ :‬هللا ويل الذين آمنوا} [‪ ]٧9‬ويكون‬
‫الويل مبعىن مفعول ِف حق املطيع‪ ،‬فيقال‪ :‬املؤمن ويل هللا ووااله مواالة ووالء‪ :‬من ابب"قاتل" أي‬
‫اتبعه [‪.]٧4‬‬
‫وقال ِف لسان العرب ماخالصته" املواالة كما قال ابن األعرايب[‪ ]٧1‬أن يتشاجر اثنان فيدخل‬
‫اثلث بينهما للصلح‪ ،‬ويكون له ِف أحدمها هوى فيواليه أو حيابيه وواىل فالن فالانً إذا أحبه "‬
‫[‪ ]٧5‬أه [‪. ]٧1‬‬
‫وهذه الكلمة املكونة من الواو والالم والياء يصاغ منها عدة أفعال خمتلفة الصيغ واملعاين أييت منها‬
‫يل ووىل وتوىل وواىل واستوىل ولكل من هذه األفعال معىن خيتلف عن اآلخر عند االستعمال‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ىل فالن فالانً‪ ،‬وفالن يلي فالانً أي قريب منه‪ ،‬قال شيخ‬ ‫أوال‪َ :‬و َ‬
‫ىل‪ :‬يطلق ويراد به القرب‪ ،‬تقول َو َ‬
‫اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا‪ " :‬والويل القريب‪ ،‬فيقال هذا يلي هذا أي يقرب منه‪ ،‬ومنه قوله صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ " :‬أحلقوا الفرائض أبهلها فما أبقت الفرائض فألوىل رجل ذكر " [‪.]٧1‬‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]٧9‬سورة البقرة‪ ،‬آية ‪.951‬‬
‫[‪ ]٧4‬املصباح املنري ‪.٧14/9‬‬
‫[‪ ]٧1‬أبو عبد هللا دمحم بن زايد بن األعرايب اهلامشي موالهم الكوِف األحول النسابة إمام اللغة ولد سنة ‪45٧‬ه ‪ ،‬مسع من‬
‫أيب معاوية الضرير والكسائي والقاسم بن معن وغريهم‪ ،‬وعنه إبراهيم احلريب وعثمان الدارمي وآخرون‪ ،‬قال الذهيب‪ :‬كان‬
‫صاحب سنة واتباع اه ‪ .‬له كتاب‪( :‬أمساء اخليل وفرساهنا) و (اتريخ القبائل) وغريها‪ ،‬توِف رمحه هللا سنة ‪944‬ه ‪ .‬سري‬
‫أعالم النبالء ‪ ،1٧1/4٧‬األعالم ‪.444/1‬‬
‫[‪ ]٧5‬لسان العرب ‪.2٧5/4‬‬
‫الوالية بفتح الواو اليت هي ضد العداوة‪ ،‬وقد قرأ محزة {ما لكم من ِواليتهم من شيء} بكسر الواو‪،‬‬ ‫[‪ ]٧1‬والويل‪ :‬من َ‬
‫توىل بعض‬ ‫والباقون بفتحها‪ ،‬وقيل مها لغتان‪ ،‬وقيل ابلفتح النصرة‪ ،‬وابلكسر اإلمارة‪ .‬قال الزجاج‪ :‬وجاز الكسر ألن ِف ِ‬
‫القوم بعضاً جنساً من الصناعة والعمل وكل ما كان كذلك مكسور الفاء مثل اخلياطة وحنوها‪ ،‬فاملؤمنون أولياء هللا وهللا‬
‫تعاىل وليهم‪ .‬قال هللا تعاىل‪{ :‬هللا ويل الذين آمنوا خيرجهم من الظلمات إىل النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت‬
‫خيرجوهنم من النور إىل الظلمات} وقال تعاىل‪{ :‬ذلك أبن هللا موىل الذين آمنوا وأن الكافرين ال موىل هلم}‪ ،‬وقال‬
‫تعاىل‪{ :‬واملؤمنون واملؤمنات بعضهم أولياء بعض}‪ ،‬وقال تعاىل‪{ :‬إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا أبمواهلم وأنفسهم‬
‫ِف سبيل هللا والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض} وقال تعاىل‪{ :‬إمنا وليِكم هللا ورسوله والذين آمنوا الذين‬
‫يقيمون الصالة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول هللا ورسوله والذين آمنوا فإن حزب هللا هم الغالبون}‪.‬‬
‫[‪ ]٧1‬رواه البخاري ِف كتاب الفرائض رقم (‪ ،)1149‬ومسلم ِف كتاب الفرائض رقم (‪.)4145‬‬

‫‪426‬‬
‫أي ألقرب رجل إىل امليت " أه [‪ .]٧٧‬وأييت ويل مبعىن االستيالء وامللك فيقال ويل األمر بعد‬
‫سلفه إذا صار األمر إليه‪.‬‬
‫وىل‪ :‬أييت الزماً فيكون مبعىن ذهب كقوله ملسو هيلع هللا ىلص ِف قصة ابن أم مكتوم حينما جاء يسأل النيب‬ ‫اثنيا‪َّ :‬‬
‫وىل ‪ -‬أي ذهب ‪ -‬انداه‪ ،‬قال‪ :‬أتسمع‬ ‫ملسو هيلع هللا ىلص أن يصلي ِف بيته رخص له ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬قال الراوي‪ " :‬فلما َّ‬
‫النداء؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فأجب "‪ .‬وِف لفظ قال‪ " :‬ال أجد لك رخصة " [‪ .]٧2‬وأييت متعدايً‬
‫فيقال َّ‬
‫وىل فالن فالانً األمر إذا أسنده إليه‪.‬‬
‫معدى حبرف اجلر " عن " فيكون مبعىن أعرض كقوله سبحانه وتعاىل‪{ :‬فتول‬ ‫ً‬ ‫اثلثا‪َّ :‬‬
‫توىل‪ :‬أييت‬
‫عنهم فما أنت مبلوم} [‪ .]2٧‬أي أعرض عنهم وأييت متعدايً بنفسه فيكون مبعىن اتَّبَ َع‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫تواله أي اتبعه واختذه ولياً كقوله تعاىل‪{ :‬ومن يتوهلم منكم فإنه منهم إن هللا ال يهدي القوم‬
‫الظاملني} [‪ ،]24‬وأييت الزماً كقوله تعاىل‪{ :‬وإن تتولوا يستبدل قوماً غريكم} [‪.]29‬‬
‫رابعا‪ :‬واىل‪ :‬يقال واىل فالن فالانً إذا أحبه واتبعه‪ ،‬واملوىل‪ :‬اسم يطلق على مجاعة كثرية فهو الرب‬
‫واملالك والسيد واملنعم واملعتق والناصر واحملب واجلار وابن العم والتابع والصهر واحلليف والعقيد‬
‫واملنعم عليه والعبد واملعتق‪ ،‬هذه املعاين تقوم على النصرة واحملبة‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬استوىل‪ ،‬يقال استوىل اجليش على بلد العدو إذا أخذوها عنوة‪.‬‬

‫فهذه النصوص كلها ثبت فيها مواالة املؤمنني بعضهم لبعض وأهنم أولياء هللا وأن هللا وليهم‬
‫وموالهم‪ ،‬فاهلل يتوىل عباده املؤمنني فيحبهم وحيبونه ويرضى عنهم ويرضون عنه‪ ،‬ومن عادى له ولياً‬
‫فقد ابرزه ابحملاربة وهذه الوالية من رمحته وإحسانه ليست كوالية املخلوق للمخلوق حلاجة إليه‪،‬‬
‫قال تعاىل‪{ :‬وقل احلمد هلل الذي مل يتخذ ولداً ومل يكن له شريك ِف امللك ومل يكن له ويل من‬
‫الذل وكربه تكبرياً} فاهلل تعاىل ليس له ويل من الذل بل هلل العزة مجيعاً خالف امللوك وغريهم ممن‬
‫يتواله لذلة وحاجة إىل ويل ينصره‪ [ .‬شرح الطحاوية ص‪.] 451‬‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]٧٧‬الفتاوى ‪.414/44‬‬
‫[‪ ]٧2‬أخرجه مسلم ِف كتاب املساجد رقم (‪ ،)154‬والنسائي ِف كتاب اإلمامة رقم (‪ ،)٧5٧‬وابن ماجة ِف كتاب‬
‫املساجد واجلماعات برقم (‪ ،)129‬وأبو داود ِف كتاب الصالة رقم (‪ ،)559‬والبغوي ِف شرح السنة ‪ 412/4‬برقم‬
‫(‪.)121‬‬
‫[‪ ]2٧‬سورة الذارايت‪ ،‬آية ‪.51‬‬
‫[‪ ]24‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪.54‬‬
‫[‪ ]29‬سورة دمحم‪ ،‬آية ‪.4٧‬‬

‫‪427‬‬
‫منزلة الوالء والرباء يف اإلسالم‪:‬‬
‫الوالء والرباء قاعدة من قواعد الدين وأصل من أصول اإلميان والعقيدة‪ ،‬فال يصح إميان شخص‬
‫بدوهنما‪ ،‬فيجب على املرء املسلم أن يوايل ِف هللا وحيب ِف هللا ويعادي ِف هللا فيوايل أولياء هللا‬
‫وحيبهم ويعادي أعداء هللا ويتربأ منهم ويبغضهم‪ ،‬قال ملسو هيلع هللا ىلص‪ " :‬أوثق عرى اإلميان املواالة ِف هللا‬
‫واملعاداة ِف هللا واحلب ِف هللا والبغض ِف هللا " [‪.]24‬‬

‫قال ممليه عفا هللا عنه‪ :‬الناس ابلنسبة للمواالة واملعاداة ثالثة أقسام‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬من آمن ابهلل ورسوله‪ ،‬وصدق بدينه وشرعه‪ ،‬وامتثل ألوامره‪ ،‬وجتنب معاصيه‪ ،‬فهذا‬
‫القسم أهله يستحقون الوالية الكاملة من مجيع الوجوه‪.‬‬

‫القسم الثاين‪ :‬من كفر ابهلل ورسوله‪ ،‬ومل يؤمن بدينه وشرعه‪ ،‬فهؤالء يستحقون املعاداة الكاملة من‬
‫مجيع الوجوه‪.‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬الذين آمنوا ابهلل ورسوله ودينه وشرعه‪ ،‬ولكن حصلت منهم بعض املخالفات من‬
‫ارتكابه بعض املعاصي وترك بعض الواجبات فهؤالء يوالون من جهة إمياهنم ابهلل ورسوله ويعادون‬
‫من جهة تقصريهم ِف األوامر والنواهي‪.‬‬

‫ومما تقدم يتبني لك أيها القارىء أن الوالء يقوم على احملبة والنصرة واالتباع‪ ،‬فمن أحب ِف هللا‬
‫وأبغض ِف هللا‪ ،‬وواىل ِف هللا‪ ،‬وعادى ِف هللا‪ ،‬فهو ويل هللا‪.‬‬

‫قال ابن عباس رضي هللا عنهما‪ " :‬من أحب ِف هللا وأبغض ِف هللا وواىل ِف هللا وعادى ِف هللا فإمنا‬
‫تنال والية هللا بذلك‪ ،‬ولن جيد عبد طعم اإلميان وإن كثرت صالته وصومه حىت يكون كذلك وقد‬
‫صارت مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك ال جيدي على أهله شيئاً " [‪.]21‬‬

‫_______________________________________‬
‫[‪ ]24‬رواه الطرباين ِف املعجم الكبري (‪ )44541‬وسنده حسن‪ ،‬انظر‪ :‬السلسلة الصحيحة لأللباين ‪،4٧1/1‬‬
‫‪.141/9‬‬
‫[‪ ]21‬حلية األولياء (‪ ،)449/4‬جامع العلوم واحلكم ص‪.4٧‬‬

‫‪428‬‬
‫أما من واىل الكافرين واختذهم أصدقاء وإخواانً فهو مثلهم‪ ،‬قال هللا تعاىل‪{ :‬اي أيها الذين آمنوا ال‬
‫تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض‪ ،‬ومن يتوهلم منكم فإنه منهم إن هللا ال يهدي‬
‫القوم الظاملني‪ .‬فرتى الذين ِف قلوهبم مرض يسارعون فيهم يقولون خنشى أن تصيبنا دائرة فعسى‬
‫هللا أن أييت ابلفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا ِف أنفسهم اندمني} [‪.]25‬‬
‫والقرآن العزيز مشتمل على كثري من اآلايت اليت حتذر من اختاذ الكافرين أولياء كقوله سبحانه‬
‫وتعاىل‪{ :‬اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا بطانة من دونكم ال أيلونكم خباالً ودوا ما عنتم قد بدت‬
‫البغضاء من أفواههم وما ختفي صدورهم أكرب قد بينا لكم اآلايت إن كنتم تعقلون ها أنتم أوالء‬
‫حتبوهنم وال حيبونكم وتؤمنون ابلكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضو عليكم األانمل من‬
‫الغيظ قل موتوا بغيظكم إن هللا عليم بذات الصدور‪ .‬إن متسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة‬
‫يفرحوا هبا وإن تصربوا وتتقوا ال يضركم كيدهم شيئاً إن هللا مبا يعملون حميط} [‪.]21‬‬
‫قال ابن جرير [‪ ]21‬رمحه هللا عند تفسريه هلذه اآلايت الكرمية‪ :‬يعين بذلك تعاىل ذكره‪ :‬اي أيها‬
‫الذين صدقوا هللا ورسوله وأقروا مبا جاءهم به نبيهم من عند رهبم {ال تتخذوا بطانة من دونكم}‬
‫يقول‪{ :‬ال تتخذوا أولياء وأصدقاء ألنفسكم {من دوهنم} من دون أهل دينكم وملتكم يعين من‬
‫ىل بطنه من ثيابه حللوله منه ِف‬ ‫ِ‬
‫غري املؤمنني‪ ،‬وإمنا جعل " البطانة " مثالً خلليل الرجل فشبهه مبا َو َ‬
‫ِ‬
‫ىل َج َسده من ثيابه‪ ،‬فنهى هللا‬ ‫ِ‬
‫اطالعه على أسراره وما يطويه عن أابعده‪ ،‬وكثري من أقاربه حمل ما َو َ‬
‫املؤمنني به أن يتخذوا من الكفار به أخالء وأصفياء مث عرفهم ما هم عليه هلم منطوون من الغش‬
‫واخليانة وبغيهم إايهم الغوائل فحذرهم بذلك منهم ومن خمالتهم فقال تعاىل ذكره {ال أيلونكم‬
‫خباالً} يعين ال يستطيعونكم شراً من (ألوت آلُو ألواً)‪ ،‬يقال ما أال فالن كذا‪ :‬أي ما استطاع كما‬
‫قال الشاعر‪:‬‬

‫جهراء ال أتلو رذا هي أظْهر تْـبصرا وال ِمن َعي ٍ‬


‫لة تغنيين‬ ‫ْ ْ‬ ‫ََ‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]25‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪.59 ،54‬‬
‫[‪ ]21‬آل عمران‪ ،‬آية ‪.49٧-442-44٧‬‬
‫[‪ ]21‬أبو جعفر دمحم بن جرير بن يزيد الطربي اإلمام املفسر‪ ،‬ولد سنة ‪991‬ه ِف اَُمل طربستان‪ ،‬خيلط بينه وبني‬
‫رافضي حيمل امسه وكنيته ولقبه‪ ،‬يرى ِف الوضوء املسح على القدمني فنسب ذلك لشيخنا هذا‪ ،‬ذكر ذلك ابن القيم ِف‬
‫هتذيب السنن‪ ،‬ونسب أيضاً إىل الرفض بسبب ذلك‪ ،‬له اتريخ الطربي وجامع البيان ِف تفسري القرآن وغريه‪ ،‬توِف رمحه‬
‫هللا سنة ‪44٧‬ه ‪ .‬هتذيب السنن ‪ ،2٧/4‬ميزان االعتدال ‪ ،12٧/4‬األعالم ‪ ،12/1‬طبقات الشافعية ‪.49٧/4‬‬

‫‪429‬‬
‫يعين‪ :‬ال تستطيع عند الظهر إبصاراً‪ ،‬وإمنا يعين جل ذكره بقوله {ال أيلونكم خباالً} البطانة اليت‬
‫هنى املؤمنني عن اختاذها من دوهنم فقال‪ :‬إن هذه البطانة ال ترتككم طاقتها خباالً أي ال تدع‬
‫اخلبل واخلبال الفساد مث يستعمل ِف معان كثرية يدل على‬ ‫جهدها فيما أورثكم اخلبال‪ ،‬وأصل ْ‬
‫خببل أو جراح‪ .‬وأما قوله‪{ :‬ودوا ما عنتم} فإنه يعين ودوا‬ ‫ذلك اخلرب عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص من أصيب ْ‬
‫يسركم‪ ،‬وذكر أن هذه اآلية‬‫الشر ِف دينكم وما يسوءكم وال ُّ‬ ‫عنتكم يقول‪ :‬يتمنون لكم العنَت و َّ‬
‫املودة‬
‫نزلت ِف قوم من املسلمني كانوا خيالطون حلفاءهم من اليهود وأهل النفاق منهم ويصافوهنم َّ‬
‫ابألسباب اليت كانت بينهم ِف جاهليتهم قبل اإلسالم فنهاهم هللا عن ذلك‪ ،‬وأن يستنصحوهم ِف‬
‫شيء من أمورهم‪ ،‬مث استشهد رمحه هللا على صحة تغري هذه اآلايت أبحاديث وآاثر كثرية نكتفي‬
‫منها مبا رواه رمحه هللا‪ ،‬فقد روى بسنده عن ابن عباس قال‪ ،‬كان رجال من املسلمني يواصلون‬
‫رجاالً من اليهود ملا كان بينهم من اجلوار واحلِلْف ِف اجلاهلية‪ ،‬فأنزل هللا عز وجل فيهم ينهاهم عن‬
‫ختوف الفتنة عليهم منهم {اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا بطانة من دونكم ‪ -‬إىل قوله ‪-‬‬ ‫مباطنتهم ُّ‬
‫وتؤمنون ابلكتاب كله} " أه [‪.]2٧‬‬
‫قال ممليه عفا هللا عنه‪ :‬وقد تضمنت هذه اآلايت الكرمية معان جليلة منها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬هنيه سبحانه وتعاىل وحتذيره لعباده املؤمنني عن اختاذ الكافرين بطانة أي أولياء وأصدقاء‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬بني سبحانه وتعاىل األسباب املقتضية للنهي عن مواالة الكافرين والتحذير من مودهتم‬
‫والركون إليهم‪ ،‬من هذه األسباب‪ :‬أهنم ال أيلون خباالً ِف إعنات املؤمنني وإيذائهم بكل ما‬
‫ِ‬
‫يستطيعونه من األذى‪ ،‬ومنها‪ :‬أهنم أعداء للمؤمنني عداءاً مستحكماً حبيث تظهر البغضاءُ‬
‫والكراهيةُ على ألسنتهم وما خيفونه من العداء والبغضاء ِف صدورهم أكرب مما يبدو على ألسنتهم‪،‬‬
‫ومنها‪ :‬أهنم الحيبون املؤمنني واليؤمنون مبا جاء به النيب ملسو هيلع هللا ىلص إال ظاهراً أما ِف الباطن فإهنم يكفرون‬
‫مبا جاء به النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪{ :‬وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضُّو عليكم األانمل من الغيظ} [‪.]22‬‬
‫ومنها‪ :‬أن ما يصيب املؤمنني من خري يسؤهم وما يصيب املؤمنني من شر فإهنم يفرحون به‬
‫ويسرهم‪ ،‬وقال سبحانه وتعاىل مبيناً املواالة احلقيقية‪{ :‬إمنا وليُّكم هللا ورسوله والذين آمنوا الذين‬
‫يقيمون الصالة ويؤتون الزكاة وهم راكعون‪ .‬ومن يتول هللا ورسولَه والذين آمنوا فإن حزب هللا هم‬
‫الغالبون‪ .‬اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا الذين اختذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من‬
‫قبلكم والكفار أولياء واتقوا هللا إن كنتم مؤمنني} [‪.]4٧٧‬‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]2٧‬تفسري الطربي ‪.1٧1/4‬‬
‫[‪ ]22‬سورة آل عمران‪ ،‬آية ‪.442‬‬

‫‪431‬‬
‫بعد أن هنى سبحانه وتعاىل عن مواالة اليهود والنصارى وبني أن من اختذهم أولياء فهو منهم‬
‫حصر الوالية الصحيحة مبواالة هللا ورسوله واملؤمنني إبمنا اليت هي أبلغ طرق احلصر بعد احلصر‬
‫ابلنفي واالستثناء حيث تقرر ِف علم املعاين أن أبلغ طرق القصر هي النفي واالستثناء كقولك‪" :‬‬
‫ال إله إال هللا " ويليها ِف البالغة احلصر إبمنا‪ ،‬كما تضمنت هذه اآلية الكرمية أن النصر والغلبة‬
‫والتأييد حيصل بتويل هللا ورسوله واملؤمنني فقط {ومن يتول هللا ورسوله والذين آمنوا فإن حزب هللا‬
‫هم الغالبون} [‪.]4٧4‬‬

‫قال ابن جرير رمحه هللا عند تفسريه هلذه اآلية‪ " :‬يعين تعاىل ذكره بقوله‪{ :‬إمنا وليكم هللا ورسوله‬
‫والذين آمنوا} [‪ ،]4٧9‬أنه ليس لكم أيها املؤمنون انصر إال هللا ورسوله واملؤمنون الذين صفتهم‬
‫ما ذكر تعاىل ذكره فأما اليهود والنصارى الذين أمركم هللا أن تربأوا من َواليتهم وهناكم أن تتخذوا‬
‫صراء بل بعضهم أولياء بعض وال تتخذوا منهم ولياً وال نصرياً‬ ‫منهم أولياء فليسوا لكم أولياء وال نُ َ‬
‫أه [‪.]4٧4‬‬

‫وقال ابن كثري [‪ ]4٧1‬رمحه هللا ِف تفسريه‪ " :‬عند قوله تعاىل {اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا‬
‫الذين اختذوا دينكم هزواً ولعباً‪...‬اآلية} [‪ ]4٧5‬وهذا تنفري من مواالة أعداء اإلسالم وأهله من‬
‫الكتابيني واملشركني الذين يتخذون أفضل ما يعمله العاملون وهي شرائع اإلسالم املطهرة احملكمة‬
‫املشتملة على كل خري دنيوي وأخروي يتخذوهنا هزواً يستهزئون هبا‪ ،‬ولعباً يعتقدون أهنا نوع من‬
‫اللعب ِف نظرهم الفاسد وفكرهم الفاسد أه [‪.]4٧1‬‬

‫_______________________________________‬
‫[‪ ]4٧٧‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪.51 - 51 - 55‬‬
‫[‪ ]4٧4‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪.51‬‬
‫[‪ ]4٧9‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪.55‬‬
‫[‪ ]4٧4‬تفسري الطربي ‪.19٧/1‬‬
‫[‪ ]4٧1‬إمساعيل بن عمر بن كثري القيسي حافظ مؤرخ فقيه مفسر‪ ،‬ولد ِف قرية ِف أعمال بُصرى ِف الشام سنة‬
‫‪1٧4‬ه ‪ ،‬أخذ عن ابن تيمية واملزي وابن عساكر‪ ،‬قال الذهيب ِف املختص‪ :‬اإلمام املفيت احملدث البارع‪ ،‬ثقة متفنن‬
‫حمدث متقن اه ‪.‬له البداية والنهاية‪ ،‬وتفسري القرآن العظيم‪ ،‬وعلوم احلديث وغريها‪ .‬توِف رمحه هللا تعاىل سنة ‪111‬ه ‪.‬‬
‫ذيل تذكرة احلفاظ ص‪ ،414‬الدرر الكامنة ‪ ،414/4‬األعالم ‪.49٧/4‬‬
‫[‪ ]4٧5‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪.51‬‬
‫[‪ ]4٧1‬تفسري القرآن العظيم ‪.11/9‬‬

‫‪431‬‬
‫وقال أيضاً ابن كثري رمحه هللا عند تفسريه تعاىل‪{ :‬لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود‬
‫والذين أشركوا‪ }...‬اآلية [‪ ،]4٧1‬قال‪ :‬وما ذاك إال ألن كفر اليهود كفر عناد وجحود ومباهتة‬
‫للحق وغمط للناس وتنقص حبملة العلم وهلذا قتلوا كثرياً من األنبياء حىت مهوا بقتل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‬
‫غري مره ومسوه وسحروه وألبوا عليه أشباههم من املشركني عليهم لعائن هللا املتتابعة إىل يوم القيامة‬
‫أه [‪ .]4٧٧‬مث ذكر رواية احلافظ أبو بكر ابن مردويه [‪ ]4٧2‬بسنده عن أيب هريرة هنع هللا يضر قال‪ :‬قال‬
‫رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ " :‬ما خال يهودي مبسلم قط إال هم بقتله " [‪ .]44٧‬وصدق رمحه هللا فيما ذكره‬
‫من صفات اليهود من أهنم أشد الناس عداءاً للرسل واألداين وخصوصاً عدائهم لنبينا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬والقرآن‬
‫الكرمي‪ ،‬استدل على ذلك بعشرات اآلايت اليت تذم اليهود وتبني مكرهم وغدرهم ابلرسل واتباعهم‪،‬‬
‫املذمة ِف‬ ‫وقد اطلعت على كالم لبعض العلماء ذكره عنهم ابن النقاش [‪ِ ]444‬ف كتابه " َّ‬
‫استعمال أهل الذمة " تضمن بيان بعض صفات اليهود والنصارى الذميمة اليت جاءت ِف القرآن‬
‫فأحببت ذكره للقارىء على ما فيه من طول جلودته وكثرة فوائده فقال رمحه هللا [‪" :]449‬ومعلوم‬
‫أن اليهود والنصارى موسومون بغضب هللا ولعنته‪ ،‬والشرك به‪ ،‬واجلحد لوحدانيته‪ ،‬وقد فرض هللا‬
‫على عباده ِف مجيع صلواهتم أن يسألوا هداية سبيل الذين أنعم هللا عليهم من النبيني والصديقني‬
‫والشهداء والصاحلني وجتنبهم سبيل الذين أبعدهم من رمحته وطردهم من جنته فباءوا بغضبه ولعنته‬
‫من املغضوب عليهم والضالني‪ ،‬فاألمة الغضبية هم اليهود بنص القرآن‪ ،‬وأمة الضالل هم النصارى‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]4٧1‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪.٧9‬‬
‫[‪ ]4٧٧‬تفسري القرآن العظيم ‪.٧٧/9‬‬
‫[‪ ]4٧2‬أبو بكر أمحد بن موسى بن مردويه األصبهاين احلافظ مؤرخ مفسر ولد سنة ‪494‬ه حدث عن أيب سهل‬
‫القطان وميمون بن إسحاق وإمساعيل اخلطيب وخلق‪ ،‬وعنه عبد الوهاب وعبد الرمحن إبنا منده وسليمان بن إبراهيم‬
‫احلافظ وغريهم‪ ،‬له املستخرج على صحيح البخاري وتفسري القرآن العظيم وغريمها‪ ،‬توِف رمحه هللا سنة ‪14٧‬ه ‪ .‬شذرات‬
‫الذهب ‪ ،42٧/4‬سري أعالم النبالء ‪.4٧٧/41‬‬
‫[‪ ]44٧‬احلديث أخرجه ابن حبان ِف كتاب اجملروحني ‪ ،499/4‬قال ابن كثري‪ :‬هذا حديث = غريب جداً‪ .‬انظر‪:‬‬
‫العج ْلوين ِف كشف اخلفاء ‪ 4٧1/9‬ما نصه‪ " :‬فأقول‪:‬‬ ‫ضعيف اجلامع الصغري لأللباين رقم ‪ 5٧19‬ص‪ .149‬قال ْ‬
‫ويؤيد ذلك ما ذكره شيخنا املرحوم يونس املصري أنه كان يقرأ على يهودي يوماً ِف املنطق‪ ،‬فقال له وقد انفرد به‪ :‬ال‬
‫أتتين إال ومعك سكني أو حنوها ألن اليهودي إذا خال مبسلم ومل يكن معه سالح لزمه التعرض لقتله اه ‪.‬‬
‫[‪ ]444‬أبو سعيد دمحم بن علي بن عمرو األصبهاين احلنبلي النقاش احلافظ ولد سنة ‪44٧‬ه مسع من جده ألمه أمحد‬
‫بن احلسن وابن اخلشاب والطرباين وخلق‪ ،‬وعنه الفضل بن علي وأبو العباس بن أشته وغريهم‪ ،‬كان رمحه هللا رحالة‬
‫طاف البالد‪ ،‬له كتاب القضاة وطبقات الصوفية وغريها‪ ،‬توِف رمحه هللا تعاىل سنة ‪141‬ه ‪ .‬سري أعالم النبالء‬
‫‪ ،4٧1/41‬تذكرة احلفاظ ‪.4٧52/4‬‬

‫‪432‬‬
‫املثلثة عباد الصلبان‪ ،‬وقد أخرب تعاىل عن اليهود أبهنم ابلذلة واملسكنة والغضب موسومون فقال‬
‫تعاىل‪{:‬ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إال حببل من هللا وحبل من الناس وابءوا بغضب من هللا‬
‫وضربت عليهم املسكنة ذلك أبهنم كانوا يكفرون آبايت هللا ويقتلون األنبياء بغري حق ذلك مبا‬
‫عصوا وكانوا يعتدون}[‪ ،]444‬وأخرب سبحانه أبهنم ابؤوا بغضب على غضب وذلك جزاء‬
‫املفرتين‪ ،‬فقال سبحانه‪{:‬بئسما اشرتوا به أنفسهم أن يكفروا مبا أنزل هللا بغياً أن ِ‬
‫ينزل هللا من فضله‬
‫على من يشاء من عباده فباؤوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهني}[‪.]441‬‬
‫وأخرب سبحانه أنه لعنهم وال أصدق من هللا قيالً فقال سبحانه‪{:‬اي أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا‬
‫مبا نزلنا مصدقاً ملا معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدابرها أو نلعنهم كما لعنا‬
‫أصحاب السبت وكان أمر هللا مفعوالً}[‪ ،]445‬وحكم سبحانه بينهم وبني املسلمني حكماً‬
‫بش ٍر من ذلك‬
‫ترتضيه العقول ويتلقاه كل منصف ابإلذعان والقبول فقال سبحانه‪{:‬قل هل أنبئكم َّ‬
‫مثوبةً عند هللا من لعنه هللا وغضب عليه وجعل منهم القردة واخلنازير وعبد الطاغوت أولئك شر‬
‫مكاانً وأضل عن سواءَ السبيل}[‪ ،]441‬وأخرب سبحانه عما أحل هبم من العقوبة اليت صاروا هبا‬
‫مثالً ِف العاملني فقال تعاىل‪{ :‬فلما نسوا ما ذكروا به أجنينا الذين ينهون عن السوء وأخذان الذين‬
‫ظلموا بعذاب بئيس مبا كانوا يفسقون فلما عتو عن ما هنوا عنه قلنا هلم كونوا قرد ًة خاسئني}‬
‫[‪ ]441‬مث حكم عليهم حكماً مشتمالً عليهم ِف الذراري واألعقاب على مر السنني واألحقاب‬
‫فقال تعاىل‪{:‬وإذ أتذن ربك ليبعثن عليهم إىل يوم القيامة من يسومهم سوءَ العذاب إن ربك لسريع‬
‫العقاب}اآلية [‪ ،]44٧‬فكان هذا العذاب ِف الدنيا بعض االستحقاق {ولعذاب اآلخرة أشق وما‬
‫هلم من هللا من واق}[‪ ،]442‬فهم أجنس األمم قلوابً‪ ،‬وأخبثهم طويَّه وأرداهم سجية وأوالهم‬
‫يطهر قلوهبم هلم ِف الدنيا خزي وهلم ِف اآلخرة عذاب‬ ‫ابلعذاب األليم {أولئك الذين مل يرد هللا أن ِ‬
‫عظيم} [‪ ،]49٧‬فهم أمة اخليانة هلل ورسوله ودينه وكتابه وعباده املؤمنني فقال سبحانه‪:‬‬
‫_________________________________‬
‫=[‪ ]449‬ص‪.22‬‬
‫[‪ ]444‬سورة آل عمران‪ ،‬آية ‪.449‬‬
‫[‪ ]441‬سورة البقرة‪ ،‬آية ‪.2٧‬‬
‫[‪ ]445‬سورة النساء‪ ،‬آية ‪.11‬‬
‫[‪ ]441‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪.1٧‬‬
‫[‪ ]441‬سورة األعراف‪ ،‬آية ‪.411-415‬‬
‫[‪ ]44٧‬سورة األعراف‪ ،‬آية ‪.411‬‬
‫[‪ ]442‬سورة الرعد‪ ،‬آية ‪.41‬‬

‫‪433‬‬
‫{وال تزال تطَّلع على خائنة منهم إال قليالً منهم فاعف عنهم وأصفح إن هللا حيب احملسنني}‬
‫[‪ ،]494‬وأخرب عن سوء ما يصنعون ويقولون وخبث ما أيكلون وحيكمون فقال تعاىل وهو‬
‫أصدق القائلني‪{ :‬مساعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم‬
‫وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئاً وإن حكمت فاحكم بينهم ابلقسط إن هللا حيب املقسطني}‬
‫[‪ ،]499‬وأخرب تعاىل أنه لعنهم على ألسنة أنبيائه ورسله مبا كانوا يكسبون فقال سبحانه‪{ :‬لعن‬
‫الذين كفروا من بين إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مرمي ذلك مبا عصوا وكانوا يعتدون‪ .‬كانوا‬
‫ال يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون‪ .‬ترى كثرياً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما‬
‫قدمت هلم أنفسهم أن سخط هللا عليهم وِف العذاب هم خالدون} [‪ ،]494‬وقطع املواالة بني‬
‫اليهود والنصارى وبني املؤمنني وأخرب أن من توالهم فإنه منهم ِف حكمه املبني فقال تعاىل وهو‬
‫أصدق القائلني‪{ :‬اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن‬
‫يتوهلم منكم فإنه منهم إن هللا ال يهدي القوم الظاملني} [‪ ،]491‬وأخرب عن حال متوليهم مبا ِف‬
‫قلبه من املرض املؤدي إىل فساد العقل والدين بقوله‪{ :‬فرتى الذين ِف قلوهبم مرض يسارعون فيهم‬
‫يقولون خنشى أن تصيبنا دائرة فعسى هللا أن أييت ابلفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا‬
‫ِف أنفسهم اندمني}[‪ ،]495‬مث أخرب عن حبوط أعمال متوليهم ليكون املؤمن لذلك من احلذرين‬
‫فقال‪{ :‬ويقول الذين آمنوا أهؤالء الذين أقسموا ابهلل جهد أمياهنم إهنم ملعكم حبطت أعماهلم‬
‫فأصبحوا خاسرين}[‪ ،]491‬وهنى املؤمنني عن اختاذ أعدائه أولياء وقد كفروا ابحلق الذي جاءهم‬
‫من رهبم وأهنم ال مينعون من سوء ينالوهنم به أبيديهم أو ألسنتهم إذا قدروا عليه فقال تعاىل‪{ :‬اي‬
‫أيها الذين آمنوا ال تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم ابملودة وقد كفروا مبا جاءكم من احلق‬
‫‪ -‬إىل قوله ‪ -‬إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم ابلسوء وودوا لو‬
‫تكفرون}[‪ ]491‬وجعل سبحانه لعباده املسلمني أسوة حسنة ِف إمام احلنفاء ومن معه‬
‫_______________________________________‬
‫=[‪ ]49٧‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪.14‬‬
‫[‪ ]494‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪.44‬‬
‫[‪ ]499‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪.19‬‬
‫[‪ ]494‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪.٧٧ - 12 - 1٧‬‬
‫[‪ ]491‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪.54‬‬
‫[‪ ]495‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪.59‬‬
‫[‪ ]491‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪.54‬‬
‫[‪ ]491‬سورة املمتحنة‪ ،‬آية ‪.9-4‬‬

‫‪434‬‬
‫من املؤمنني إذا تربأوا مما ليس على دينهم امتثاالً ألمر هللا وإيثار مرضاته وما عنده فقال تعاىل‪:‬‬
‫{قد كانت لكم أسوة حسنة ِف إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إان برءاؤا منكم ومما تعبدون من‬
‫دون هللا كفران بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حىت تؤمنوا ابهلل وحده} [‪، ]49٧‬‬
‫وتربأ سبحانه ممن اختذ الكفار أولياء من دون املؤمنني فقال تعاىل وهو أصدق القائلني‪{ :‬ومن‬
‫يفعل ذلك فليس من هللا ِف شيء إال أن تتقوا منهم تقاة وحيذركم هللا نفسه وإىل هللا املصري}‬
‫[‪ ،]492‬فمن ضروب الطاعات أهانتهم ِف الدنيا قبل اآلخرة اليت هم إليها صائرون‪ ،‬ومن حقوق‬
‫هللا الواجبة‪ :‬أخذ جزية رؤوسهم اليت يعطوهنا عن يد وهم صاغرون‪.‬‬

‫ومن األحكام الدينية‪:‬‬


‫أن تعم مجيع الذمة إال من ال جتب عليه ابستخراجها وأن يعتمد ِف ذلك سلوك سبيل السنة‬
‫احملمدية ومناهجها وأال يسامح هبا أحد منهم ولو كان ِف قومه عظيماً وأال يقبل إرساله هبا ولو‬
‫كان فيهم زعيماً وأال حييل هبا على أحد من املسلمني وال يوكل من إخراجها عنه أحداً من‬
‫املوحدين بل تؤخذ منه على وجه الذلة والصغار إعزازاً لإلسالم وأهله وإذالالً لطائفة الكفار وأن‬
‫تستوىف من مجيعهم حق االستيفاء وأهل خيرب وغريهم ِف ذلك على السواء‪ ،‬وأما ما ادعاه اجلبابرة‬
‫من وضع اجلزية عنهم بعهد من رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص فإن ذلك زور وهبتان وكذب ظاهر يعرفه أهل العلم‬
‫واإلميان َّلف َقه القوم البهت وزوروه وضعوه من تلقاء أنفسهم ومتموه وظنوا أن ذلك خيفى على‬
‫الناقدين أو يروج على علماء املسلمني وأيىب هللا إال أن يكشف حمال املبطلني وإفك املفرتين وقد‬
‫تظاهرت السنن وصح اخلرب أبن خيرب فتحت عنوة وأوجف عليها رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص واملسلمون اخليل‬
‫والركاب فعزم رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص على إجالئهم عنها كما أجلى إخوانيهم من أهل الكتاب‪ ،‬فلما ذكروا‬
‫ُجَراء وجعل هلم نصف األبضاع وكان ذلك‬ ‫أهنم أعرف بسقي خنلها ومصاحل أرضها أقرهم فيها كاأل َ‬
‫شرطاً مبنياً وقال‪ " :‬نقركم فيها ما شئنا " [‪ ،]44٧‬فأقر بذلك اجلبابرة صاغرين وأقاموا على هذا‬
‫الشرط ِف األرض عاملني ومل يكن للقوم من الذمام واحلرمة ما يوجب إسقاط اجلزية عنهم دون من‬
‫عداهم من أهل الذمة كيف وِف الكتاب املشحون ابلكذب واملني شهادة سعد بن معاذ وكان قد‬
‫توىف قبل ذلك أبكثر من سنتني وشهادة معاوية ابن أيب سفيان وإمنا أسلم عام الفتح بعد خيرب‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]49٧‬سورة املمتحنة‪ ،‬آية ‪.1‬‬
‫[‪ ]492‬سورة آل عمران‪ ،‬آية ‪.9٧‬‬
‫[‪ ]44٧‬سبق خترجيه ص‪.1٧5‬‬

‫‪435‬‬
‫الس َخر [‪ ،]444‬ومل يكن على زمانه‬‫فو ُ‬ ‫سنة مثان وِف الكتاب املكذوب أنه أسقط عنهم ال ُكلَ ْ‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص ِف شيء من ذلك وال على زمان خلفائه الذين ساروا ِف الناس أحسن السري‪.‬‬
‫وملا اتسعت رقعة اإلسالم ودخل فيه اخلاص والعام وكان ِف املسلمني من يقوم بعمل األرض‬
‫وسقى النخل أجلى عمر ابن اخلطاب هنع هللا يضر اليهود من خيرب بل من جزيرة العرب ممتثالً أمر رسول‬
‫هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ " :‬أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب " [‪.]449‬‬
‫وقال‪ " :‬لئن بقيت ألخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حىت ال أدع فيها إال مسلماً "‬
‫[‪.]444‬‬

‫الرباء‬
‫تعريفه يف اللغة‪:‬‬
‫مصدر بََرى مبعىن قطع ومنه برى القلم مبعىن قطعه واملراد هنا‪ :‬قطع الصلة مع الكفار فال حيبهم وال‬
‫يناصرهم وال يقيم ِف دايرهم‪.‬‬
‫وقال ابن األعرايب‪ :‬بري إذا ختلص وبرىء إذا تنزه وتباعد وبرىء إذا أعذر وأنذر ومنه قوله تعاىل‪:‬‬
‫{برآءة من هللا ورسوله}[‪ .]441‬أي إعذار وإنذار [‪ .]445‬والربىء والرباء مبعىن واحد إال أن‬
‫الرباء أبلغ من الربىء ‪.‬‬

‫والرباء يف االصطالح‪ :‬هو البعد واخلالص والعداوة بعد اإلعذار واإلنذار [‪.]441‬‬
‫يقال برىء وتربأ من الكفار إذا قطع الصلة بينه وبينهم فال يواليهم وال حيبهم وال يركن إليهم وال‬
‫يطلب النصرة منهم ‪.‬‬
‫_______________________________________‬
‫الس َخر‪ :‬التسخري ما كان بال أجر وال مثن‪.‬‬
‫[‪ ]444‬ال ُكلَف‪ :‬مجع ال ُك ْلفة‪ ،‬وهي ما تكلف به من أمر ِف انئبة أو حق‪ُ .‬‬
‫انظر حتقيق املرجع نفسه ص‪.4٧1‬‬
‫[‪ ]449‬متفق عليه بلفظ‪ " :‬اخرجوا املشركني من جزيرة العرب "‪ .‬انظر‪ :‬ص‪ .91‬وأما اللفظ الذي أورده ابن النقاش‬
‫فلم يوجد ِف أمهات كتب احلديث‪ ،‬لكن عند الدارمي ‪ 4٧5/9‬عن أيب عبيدة مرفوعاً‪ " :‬أخرجوا اليهود من احلجاز‪،‬‬
‫وأهل جنران من جزيرة العرب "‪.‬‬
‫[‪ ]444‬سبق خترجيه ص‪141‬‬
‫[‪ ]441‬سورة التوبة‪ ،‬آية ‪.4‬‬
‫[‪ ]445‬لسان العرب ‪ ،4٧4/4‬والقاموس احمليط ‪.٧/4‬‬
‫[‪ ]441‬الوالء والرباء ص‪.2٧‬‬

‫‪436‬‬
‫مكانة الرباء يف العقيدة اإلسالمية‪:‬‬
‫إن من األسس اليت تقوم عليها العقيدة اإلسالمية البعد عن الكفار ومعاداهتم وقطع الصلة هبم فال‬
‫يصح إميان املرء حىت يوايل أولياء هللا ويعادي أعداءَه ويتربء منهم ولو كانوا أقرب قريب‪.‬‬
‫قال سبحانه وتعاىل‪{ :‬ال جتد قوماً يؤمنون ابهلل واليوم اآلخر يوادون من حاد هللا ورسوله ولو كانوا‬
‫آابءهم أو أبناءهم أو إخواهنم أو عشريهتم أولئك كتب ِف قلوهبم اإلميان وأيدهم بروح منه ويدخلهم‬
‫جنات جتري من حتتها األهنار خالدين فيها مهنع هللا يضر ورضوا عنه أولئك حزب هللا أالَ إن حزب هللا هم‬
‫املفلحون}[‪ ،]441‬فقد تضمنت هذه اآلية الكرمية أنه ال يتحقق اإلميان إال ملن تباعد عن الكفار‬
‫احملادين هلل ورسوله وبرىء منهم وعاداهم ولو كانوا أقرب قريب وقد أثىن سبحانه وتعاىل على خليله‬
‫إبراهيم حينما تربأ من أبيه وقومه ومعبوداهتم حيث قال‪{ :‬وإذ قال إبراهيم ألبيه وقومه إنين براء مما‬
‫تعبدون إال الذي فطرين فإنه سيهدين وجعلها كلمةً ابقيةً ِف عقبه لعلهم يرجعون} [‪ ]44٧‬وقد‬
‫هنى سبحانه وتعاىل عباده املؤمنني عن اختاذ الكافرين أولياء فقال‪{ :‬اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا‬
‫عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم ابملودة وقد كفروا مبا جاءكم من احلق خيرجون الرسول وإايكم أن‬
‫تؤمنوا ابهلل ربكم إن كنتم خرجتم جهاداً ِف سبيلي وابتغاء مرضايت تسرون إليهم ابملودة وأان أعلم‬
‫مبا أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل‪ .‬إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداءً‬
‫ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم ابلسوء وودوا لو تكفرون لن تنفعكم أرحامكم وال أوالدكم يوم‬
‫القيامة يفصل بينكم وهللا مبا تعملون بصري قد كانت لكم أسوة حسنة ِف إبراهيم والذين معه إذ‬
‫قالوا لقومهم إان برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون هللا كفران بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضآء‬
‫أبداً} [‪.]442‬‬

‫قال اإلمام ابن كثري رمحه هللا تعاىل عند تفسريه هلذه اآلية قال‪ :‬يعين املشركني والكفار الذين هم‬
‫حماربون هلل ولرسوله وللمؤمنني الذين شرع هللا عداوهتم ومصارمتهم وهنى أن يتخذوا أولياء وأصدقاء‬
‫وأخالء كما قال تعاىل‪{ :‬اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء‬
‫بعض ومن يتوهلم منكم فإنه منهم} اآلية [‪ ،]41٧‬وهذا هتديد شديد ووعيد أكيد كما قال تعاىل‪:‬‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]441‬سورة اجملادلة‪ ،‬آية ‪99‬‬
‫[‪ ]44٧‬سورة الزخرف‪ ،‬آية ‪.9٧-91-91‬‬
‫[‪ ]442‬سورة املمتحنة‪ ،‬آية ‪.1-4-9-4‬‬
‫[‪ ]41٧‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪.54‬‬

‫‪437‬‬
‫{اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا الذين اختذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم‬
‫والكفار أولياء واتقوا هللا إن كنتم مؤمنني} [‪ ،]414‬وقال تعاىل‪{ :‬اي أيها الذين آمنوا التتخذوا‬
‫الكافرين أولياء من دون املؤمنني أتريدون أن جتعلوا هلل عليكم سلطاانً مبيناً} [‪ ، ]419‬وقال‬
‫تعاىل‪{ :‬ال يتخذ املؤمنون الكافرين أولياء من دون املؤمنني ومن يفعل ذلك فليس من هللا ِف ٍ‬
‫شىء‬
‫عذر حاطب‬ ‫إال أن تتقوا منهم تقاة وحيذركم هللا نفسه}[‪ ،]414‬وهلذا قَبِ َل ُ‬
‫رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص َ‬
‫[‪ ،]411‬ملا ذكر أنه إمنا فعل ذلك مصانعة لقريش ألجل ما كان له عندهم من األموال واألوالد‪،‬‬
‫مث قال رمحه هللا تعاىل‪ :‬وقوله تعاىل‪{ :‬خيرجون الرسول وإايكم} [‪ ،]415‬هذا مع ما قبله من‬
‫التهيج على عداوهتم وعدم مواالهتم ألهنم أخرجوا الرسول وأصحابه من بني أظهرهم كراهة ملا هم‬
‫عليه من التوحيد وإخالص العبادة هلل وحده وهلذا قال تعاىل‪{ :‬أن تؤمنوا ابهلل ربكم} أي مل يكن‬
‫لكم عندهم ذنب إال إميانكم ابهلل رب العاملني كقوله تعاىل‪{ :‬وما نقموا منهم إال أن يؤمنوا ابهلل‬
‫العزيز احلميد} [‪ ،]411‬وكقوله تعاىل‪{ :‬الذين أخرجوا من دايرهم بغري حق إال أن يقولوا ربنا‬
‫هللا} [‪. ]411‬‬
‫وقوله تعاىل‪{ :‬إن كنتم خرجتم جهاداً ِف سبيلي وابتغاء مرضايت}أي إن كنتم كذلك فال تتخذوهم‬
‫أولياء إن كنتم خرجتم جماهدين ِف سبيلي ابغني ملرضايت عنكم فال توالوا أعدائي وأعداءكم وقد‬
‫أخرجوكم من دايركم وأموالكم حنقاً عليكم وسخطاً لدينكم وقوله تعاىل‪{ :‬تسرون إليهم ابملودة‬
‫وأان أعلم مبا أخفيتم وما أعلنتم} أي تفعلون ذلك وأان العامل ابلسرائر والضمائر والظواهر {ومن‬
‫يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداءً ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم‬
‫ابلسوء} أي لو قدروا عليكم ملا أبقوا فيكم من أذى ينالونكم به ابملقال والفعل {وودوا لو‬
‫تكفرون} أي وحيرصون على أن ال تنالوا خرياً‪ ،‬فهم عداوهتم لكم كامنة وظاهره فكيف توالون مثل‬
‫هؤالء؟ وهذا هتييج على عداوهتم أيضاً وقوله تعاىل‪{:‬لن تنفعكم أرحامكم وال أوالدكم يوم القيامة‬
‫يفصل بينكم وهللا مبا تعملون بصري}‪،‬أي قرابتكم ال تنفعكم عند هللا إذا أراد هللا بكم سوءاً‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]414‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪.51‬‬
‫[‪ ]419‬سورة النساء‪ ،‬آية ‪.411‬‬
‫[‪ ]414‬سورة آل عمران‪ ،‬آية ‪.9٧‬‬
‫[‪ ]411‬حاطب بن أيب بلتعة‪ ،‬أحد صحابة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص الذين شهدوا بدراً‪.‬‬
‫[‪ ]415‬سورة املمتحنة‪ ،‬آية ‪.4‬‬
‫[‪ ]411‬سورة الربوج‪ ،‬آية ‪.٧‬‬
‫[‪ ]411‬سورة احلج‪ ،‬آية ‪.1٧‬‬

‫‪438‬‬
‫ونفعهم ال يصل إليكم إذا أرضيتموهم مبا أسخط هللا ومن وافق أهله على الكفر لريضيهم فقد‬
‫خاب وخسر وضل عمله وال ينفعه عند هللا قرابته من أحد ولو كان قريباً إىل نيب من األنبياء‪ .‬مث‬
‫قال رمحه هللا تعاىل‪ :‬يقول تعاىل لعباده املؤمنني الذي أمرهم مبصارمة الكافرين وعداوهتم وجمانبتهم‬
‫والتربي منهم {قد كانت لكم أسوة حسنة ِف إبراهيم والذين معه} [‪ ،]41٧‬أي وأتباعه الذين‬
‫آمنوا معه {إذ قالوا لقومهم إان برءاؤا منكم} أي تربأان منكم {ومما تعبدون من دون هللا كفران‬
‫بكم} أي بدينكم وطريقكم {وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً} يعين وقد شرعت العداوة‬
‫والبغضاء من اآلن بيننا وبينكم ما دمتم على كفركم فنحن أبداً نتربأ منكم ونبغضكم {حىت تؤمنوا‬
‫ابهلل وحده}‪ .‬أي إىل أن توحدوا هللا فتعبدوه وحده ال شريك له وتدعوا ما تعبدوه معه من األواثن‬
‫واألنداد " اه ‪.‬‬
‫وحيسن أن خنتم حبث الوالء والرباء أببيات قاهلا الشيخ سليمان ابن سحمان [‪ ]412‬حيث قال‬
‫رمحه هللا‪:‬‬
‫ِ‬
‫طامسات املعامل‬ ‫فأضحت‬
‫ْ‬ ‫وملة ربراهيم غُودر هنجها عفاء‬
‫وقد عدمت فينا وكيف وقد سفت عليها السوايف من مجيع األقامل‬
‫الرباء من كل غا ٍو وآمث‬
‫وما الدين رال احلب والبغض والوال كذاك َ‬
‫وليس هلا من سال متمس بدين النيب األبطحي ابن هاشم‬
‫وامنحت به امللة السمحاء رحدى القواصم‬
‫ْ‬ ‫فلسنا نرى ما حل ابلدين‬
‫فنأسى على التقصري منّا ونلتجي رىل هللا يف حمو الذنوب العظائم‬
‫فنشكوا رىل هللا القلوب اليت قست وران عليها كسب تل املآمث‬
‫متضمخ أبوضار أهل الشرك من كل ظامل‬
‫ألسنا رذا ما جاءان َ‬
‫هنش رليهم ابلتحية والثنا وهنرع يف ركرامهم ابلوالئم‬
‫وقد برء املعصوم من كل مسلم يقيم بدار الكفر غريُ مصارم‬
‫وال مظهر للدين بني ذوي الردى‬
‫فهل كان منا هجر أهل اجلرائم‬
‫ولكنما العقل املعيشي عندان مساملة العاصني من كل آمث [‪]45٧‬‬

‫_______________________________________‬
‫[‪ ]41٧‬سورة املمتحنة‪ ،‬آية ‪.1‬‬

‫‪439‬‬
‫فصل؛ االستعانة ابلكفار‬
‫حكم االستعانة ابلكفار‪:‬‬
‫بعد أن بينا حكم الوالء والرباء ومكانتهما ِف عقيدة املسلم نبدأ ببيان حكم االستعانة ابلكفار‪.‬‬
‫االستعانة خيتلف حكمها ابختالف حاالهتا ابلنسبة للمستعان هبم واملستعان عليهم ونوع‬
‫االستعانة‪ ،‬فاالستعانة ابلكفار اترة يكون املستعان به دولة كافرة‪ ،‬واترة يكونون أفراد‪ ،‬واترة تكون‬
‫االستعانة هبم ِف احلرب والقتال‪ ،‬واترة تكون ابلسالح واملال واملستعان عليهم اترة يكونون دولة‬
‫كافرة‪ ،‬واترة تكون دولة مسلمة‪ ،‬واترة تكون طائفة مسلمة كأهل البغي‪ ،‬وخيتلف حكم االستعانة‬
‫ابلكفار حسب هذه التقسيمات‪.‬‬

‫أوال؛ استعانة املسلمني ابلدولة الكافرة على دولة كافرة‪:‬‬


‫اتفق مجهور فقهاء األمة وعلمائها على حترمي هذا النوع حترمياً عاماً ال يستثىن منه شيء واستدل‬
‫أصحاب هذا املذهب أبمور منها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الكتاب العزيز‪:‬‬
‫حيث شدد سبحانه وتعاىل ِف النهي عن مواالة الكفار والركون إليهم واختاذهم أولياء وأصدقاء ِف‬
‫كثري من آايت الكتاب العزيز فمن ذلك قوله‪{ :‬وال تركنوا إىل الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم‬
‫من دون هللا من أولياء مث ال تنصرون} [‪ ،]454‬وقال سبحانه وتعاىل‪{ :‬اي أيها الذين آمنوا ال‬
‫تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتوهلم منكم فإنه منهم إن هللا ال يهدي‬
‫القوم الظاملني}[‪.]459‬‬

‫_______________________________________‬
‫= [‪ ]412‬سليمان بن سحمان بن مصلح اخلثعمي العامل اجلليل من مواليد (تبالة) جنوب اجلزيرة العربية سنة‬
‫‪491٧‬ه ‪ ،‬كان أبوه عاملاً فالزمه‪ ،‬مث انتقل إىل الرايض وقرأ على الشيخ عبد الرمحن بن حسن وعبد اللطيف بن عبد‬
‫الرمحن بن حسن ومحد بن عتيق وغريهم‪ ،‬كان شاعراً ابرعاً وكان آية ِف اجلدل واالستحضار وله ِف ذلك صوالت‬
‫وجوالت ِف الذب عن حياض الدين ونصرة أهله‪ .‬قرأ عليه الشيخ سليمان بن محدان وعمر بن حسن وعبد هللا العنقري‬
‫وغريهم‪ ،‬له األسنة احلداد والصواعق املرسلة الشهابية وكشف شبهات البغدادي وغريها‪ .‬توِف رمحه هللا تعاىل سنة‬
‫‪4412‬ه ‪ .‬روضة الناظرين للقاضي ‪ ،445/4‬األعالم ‪.491/4‬‬
‫= [‪ ]45٧‬ديوان سليمان بن سحمان‪ ،‬ص ‪.152‬‬
‫[‪ ]454‬سورة هود ’ آية ‪.444‬‬
‫[‪ ]459‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪.54‬‬

‫‪441‬‬
‫وقال سبحانه وتعاىل‪{ :‬اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا بطانة من دونكم ال أيلونكم خباالً}‬
‫[‪ .]454‬وقال سبحانه وتعاىل‪{ :‬اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم‬
‫ابملودة} [‪ ،]451‬فهذه اآلايت وأمثاهلا كثرية ِف الكتاب العزيز‪ ،‬كلها حتذر من الركون إىل‬
‫الكافرين ومواالهتم واختاذهم أصدقاء‪ ،‬واالستعانة ابلكفار ال تتم إال مبواالهتم والركون إليهم ‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬من السنة املطهرة‪:‬‬
‫ومنها‪ :‬ما ثبت عن أم املؤمنني عائشة رضي هللا تعاىل عنها أهنا قالت‪ :‬خرج رسول هللا صلى هللا‬
‫وجندة ففرح أصحاب‬ ‫الوبَره أدركه رجل قد كان يذكر منه ُجرأة َْ‬ ‫حبرة َ‬ ‫عليه وسلم قِبَل بدر فلما كان َّ‬
‫رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص حني رأوه فلما أدركه قال لرسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬جئت ألتبعك وأصيب معك‪ ،‬قال له‬
‫رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬تؤمن ابهلل ورسوله؟ قال‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬فارجع فلن استعني مبشرك قالت‪ :‬مث مضى حىت‬
‫إذا كنا ابلشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة فقال له النيب ملسو هيلع هللا ىلص كما قال أول مرة قال‪:‬‬
‫فارجع فلن أستعني مبشرك‪ ،‬قال مث رجع فأدركه ابلبيداء فقال له كما قال أول مرة تؤمن ابهلل‬
‫ورسوله قال نعم فقال له رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص انطلق " [‪.]455‬‬
‫ومنها‪ :‬ما أخرجه الطحاوي [‪]451‬واحلاكم [‪ ]451‬عن أيب محيد الساعدي أن رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم خرج يوم أحد حىت إذا جاوز ثنية الوداع إذا هو بكتيبة خشناء [‪،]45٧‬‬

‫_______________________________‬
‫[‪ ]454‬سورة آل عمران‪ ،‬آية ‪.44٧‬‬
‫[‪ ]451‬سورة املمتحنة‪ ،‬آية ‪.4‬‬
‫[‪ ]455‬رواه مسلم ِف كتاب اجلهاد والسري برقم (‪ ،)4٧41‬وأبو داود ِف كتاب اجلهاد برقم (‪ ،)9149‬والرتمذي ِف‬
‫كتاب السري برقم (‪ ،)455٧‬وابن ماجه برقم (‪.)9٧49‬‬
‫[‪ ]451‬أبو جعفر أمحد بن دمحم بن سالمه األزدي احلَ ْجري الطحاوي ولد ِف طحا قرية ِف صعيد مصر سنة ‪942‬ه ‪،‬‬
‫مسع من النسائي وأيب بكر بن أيب داود وأبو زرعة الدمشقي وغريهم‪ ،‬وعنه احلافظ الطرباين وابن عدي واحلافظ أبو‬
‫سعيد بن يونس املصري وغريهم له اختالف العلماء ومعاين اآلاثر والعقيدة الطحاوية وغريها‪ ،‬توِف رمحه هللا تعاىل‬
‫ابلقاهرة سنة ‪494‬ه ‪ .‬سري أعالم النبالء ‪ ،91/45‬األعالم ‪ ،9٧1/4‬مقدمة حتقيق شرح الطحاوية للرتكي ص‪.55‬‬
‫[‪ ]451‬أبو عبد هللا دمحم بن عبد هللا بن محدويه الطهماين النيسابوري احلافظ اإلمام املعروف اببن البيِع‪ ،‬ولد بنيسابور‬
‫سنة ‪494‬ه ‪ ،‬مسع من دمحم بن علي املذكِر ودمحم بن األصم ومجع غفري يقاربون األلفي شيخ‪ ،‬وعنه أبو احلسن الدارقطين‬
‫وأبو بكر البيهقي وأبو صاحل املؤذن وغريهم‪ ،‬له كتاب اتريخ نيسابور واملستدرك على الصحيحني وعلوم احلديث‬
‫وغريها‪ ،‬توِف رمحه هللا بنيسابور سنة ‪1٧5‬ه ‪ ...‬ميزان االعتدال ‪ ،1٧٧/4‬طبقات الشافعية ‪ ،455/1‬األعالم‬
‫‪.991/1‬‬
‫[‪ ]45٧‬خشناء‪ :‬كثرية السالح‪.‬‬

‫‪441‬‬
‫فقال من هؤالء؟ فقالوا‪ :‬هذا عبد هللا ابن أيب بن سلول ِف ستمائة من مواليه من اليهود أهل‬
‫قينقاع وهم رهط عبد هللا بن سالم قال‪ :‬وقد أسلموا؟ قالوا‪ :‬ال اي رسول هللا قال‪ :‬قولوا هلم‬
‫فلريجعوا فإان ال نستعني ابملشركني على املشركني " [‪.]452‬‬
‫ومنها‪ :‬ما رواه اإلمام أمحد واحلاكم عن خبيب بن أساف قال‪ :‬خرج رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ِف بعض‬
‫غزواته فأتيته أان ورجل قبل أن نسلم فقلنا إان نستحي أن يشهد قومنا مشهداً وال نشهده معهم‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أأسلمتما قلنا‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬فإان ال نستعني ابملشركني على املشركني " [‪.]41٧‬‬
‫هذه النصوص كما ترى غاية ِف الصحة والصراحة على حترمي االستعانة ابملشركني ِف احلرب‬
‫والقتال‪ ،‬فال حيل ملسلم يؤمن ابهلل واليوم اآلخر أن يستعني بكافر أو جييز االستعانة هبم وهو يعلم‬
‫هذه النصوص الصحيحة الصرحية‪ .‬وكما ثبت ابلكتاب والسنة منع االستعانة ابلكفار كما ترى‬
‫فكذلك الصحابة رضوان هللا عليهم ذهبوا إىل منع االستعانة ابلكفار ومن ذلك ما ثبت عن أمري‬
‫املؤمنني عمر ابن اخلطاب هنع هللا يضر إنكاره على أيب موسى حينما استعمل كاتباً نصرانياً ذكر ذلك‬
‫البيهقي عن أيب موسى‪ " :‬أنه استكتب نصرانياً فانتهره عمر وقرأ‪{ :‬اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا‬
‫اليهود والنصارى أولياء‪ ...‬اآلية} [‪ .]414‬فقال أبو موسى وهللا ما توليته وإمنا كان يكتب فقال‪:‬‬
‫أما وجدت ِف أهل اإلسالم من يكتب؟ فقال‪ :‬ال تدهنم إذ أقصاهم هللا وال أتمنهم إذ خوهنم هللا‬
‫وال تعزهم بعد أن أذهلم هللا " [‪.]419‬‬
‫املذمة [‪ ]414‬عن عمر هنع هللا يضر غري هذا اخلرب فقال‪ :‬وكتب إليه بعض عماله (أي‬ ‫وقد ذكر صاحب َّ‬
‫عمر) ليستشريه ِف استعمال الكفار فقال‪ " :‬إن املال قد كثر وليس حيصيه إال هم فاكتب إيل‬
‫_______________________________‬
‫[‪ ]452‬رواه الطحاوي ِف مشكل اآلاثر ‪ ،914/4‬واحلاكم ِف املستدرك ‪ ،499/9‬وإسناده حسن‪ .‬انظر‪ :‬سلسلة‬
‫األحاديث الصحيحة رقم (‪.)44٧4‬‬
‫[‪ ]41٧‬رواه أمحد ِف املسند ‪ 19/95‬حتقيق الرتكي‪ ،‬واحلاكم ِف املستدرك ‪ 499-494/9‬وصححه وسكت عنه‬
‫الذهيب‪ ،‬والطحاوي ِف مشكل اآلاثر (‪ ،)9511‬والبخاري ِف التاريخ الكبري ‪ 9٧2/4‬وسكت عنه‪ ،‬والبيهقي ِف السنن‬
‫‪ ،11/2‬وسنده حسن‪ ،‬ويشهد له ما عند مسلم بلفظ‪ " :‬فلن استعني مبشرك " رقم (‪.)4٧41‬‬
‫[‪ ]414‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪.54‬‬
‫[‪ ]419‬األثر رواه اإلمام أمحد ِف املسند‪ ،‬انظر‪ :‬أحكام أهل الذمة البن القيم ‪ ،94٧/4‬والبيهقي ِف السنن الكربى ِف‬
‫كتاب اجلزية‪ ،‬ابب ال يدخلون مسجداً بغري إذن ‪ ،9٧1/2‬وأورده ابن كثري ِف تفسري ‪ 1٧/9‬عن ابن أيب حامت‬
‫بسنده‪ ...‬انظر‪ :‬عيون األخبار البن قتيبة ‪ ،14/4‬وقد صححه شيخ اإلسالم ابن تيمية ِف اقتضاء الصراط املستقيم‬
‫‪.411/4‬‬
‫[‪ ]414‬املذمة ِف استعمال أهل الذمة ص‪.51‬‬

‫‪442‬‬
‫مبا ترى فكتب إليه‪ :‬ال تدخلوهم ِف دينكم [‪ ]411‬وال تسلموهم ما منعهم هللا منه وال تؤمنوهم‬
‫على أموالكم وتعلموا فإمنا هي الرجال "‪ ،‬وكتب هنع هللا يضر إىل عماله أما بعد‪ " :‬فإنه من كان قِبَله كاتب‬
‫من املشركني فال يعاشره وال يوادده وال جيالسه وال يعتضد برأيه فإن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص مل أيمر‬
‫ابستعماهلم وال خليفته من بعده "‪.‬‬
‫وورد عليه كتاب معاوية بن أيب سفيان‪ " :‬أما بعد‪ :‬اي أمري املؤمنني فإن ِف عملي كاتباً نصرانياً ال‬
‫يتم أمر اخلراج إال به فكرهت أن أقلده دون أمرك فكتب إليه‪ :‬عافاان هللا وإايك قرأت كتابك ِف‬
‫أمر النصراين‪ " :‬أما بعد‪ :‬فإن النصراين قد مات والسالم " [‪ ،]415‬وكان لعمر عبد نصراين فقال‬
‫له‪ :‬أسلم حىت نستعني بك على بعض أمور املسلمني فإنه ال ينبغي لنا أن نستعني على أمورهم مبن‬
‫ليس منهم فأىب فأعتقه وقال‪ :‬اذهب حيث شئت " وكتب هنع هللا يضر إىل أيب هريرة هنع هللا يضر‪ :‬أما بعد‪:‬‬
‫فللناس نفره على سلطاهنم فأعوذ ابهلل أن تدركين وإايك أقم احلدود ولو ساعة من النهار فإذا‬
‫حضرك أمران أحدمها‪ :‬أمر هلل واآلخر للدنيا فآثر هللا على نصيبك من الدنيا فإن الدنيا تفقد‬
‫واألخرى تبقى عد مرضى املسلمني واشهد جنائزهم وافتح اببك وابشرهم وأبعد أهل الشرك وأنكر‬
‫أفعاهلم وال تستعن ِف أمر من أمور املسلمني مبشرك وساعد على مصاحل املسلمني لنفسك فإمنا‬
‫أنت رجل منهم غري أن هللا سبحانه جعلك حامالً ألثقاهلم‪.‬‬
‫كما ذكر أيضاً [‪ ]411‬عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إىل مجيع عماله ِف اآلفاق‪ " :‬أما بعد‬
‫فإن عمر بن عبد العزيز يقرأ عليكم من كتاب هللا {اي أيها الذين آمنوا إمنا املشركون جنس}‬
‫[‪ ،]411‬جعلهم جنساً حزب الشيطان وجعلهم األخسرين أعماالً الذين ضل سعيهم ِف احلياة‬
‫الدنيا وهم حيسبون أهنم حيسنون صنعاً واعلموا أنه مل يهلك هالك قبلكم إال مبنعه احلق وبسط يد‬
‫الظلم وقد بلغين عن قوم من املسلمني فيما مضى أهنم إذا قدموا بلداً أاتهم أهل الشرك فاستعانوا‬
‫هبم ِف أعماهلم وكتابتهم لعلمهم ابلكتابة واجلباية والتدبري وال خري وال تدبري فيما يغضب هللا‬
‫ورسوله وقد كان هلم ِف ذلك مدة وقد قضاها هللا‪ ،‬فال أعلم أن أحداً من العمال أبقى ِف عمله‬
‫رجالً متصرفاً على غري دين اإلسالم إال نكلت به فإن حمو عمالكم كمحو دينهم وأنزلوهم منزلتهم‬
‫اليت خصهم هللا هبا من الذل والصغار " اه ‪.‬‬
‫___________________________________‬
‫[‪ ]411‬قوله‪ " :‬ال تدخوهلم ِف دينكم " مشكل ألنه قد يفهم منه النهي عن إدخاهلم ِف دين اإلسالم‪.‬‬
‫[‪ ]415‬صبح األعشى ِف صناعة اإلنشا ‪.21/4‬‬
‫[‪ ]411‬املذمة ِف استعمال أهل الذمة ص‪.51‬‬
‫[‪ ]411‬سورة التوبة‪ ،‬آية ‪.9٧‬‬

‫‪443‬‬
‫فإن قيل هذه النصوص اليت أوردمتوها كلها ِف رفضه عليه الصالة والسالم االستعانة ابألفراد أما‬
‫عدم االستعانة ابلدولة الكافرة فلم يرد فيه نص مينعه فاجلواب أن يقال‪:‬‬
‫أوال‪ :‬قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪ " :‬لن أستعني مبشرك " مشرك هنا نكرة جاءت ِف سياق النفي واتفق علماء‬
‫األصول على أن النكرة ِف سياق النفي صيغة من صيغ العموم فيكون قوله " لن استعني مبشرك "‬
‫يعم كل مشرك فرداً كان أو دولة ‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬الضرر املتوقع واخلطر احملتمل من االستعانة ابلفرد الكافر أخف من الضرر املرتتب على‬
‫االستعانة ابلدولة ألن الفرد يكون حتت سيطرة املسلمني ومراقبتهم له أما الدولة فإن قوهتا وقدرهتا‬
‫على إيقاع الضرر ابملسلمني أكثر من قدرة الفرد املتوقع حصوهلا ضد املسلمني فعلى هذا يكون‬
‫حترمي االستعانة ابلدولة الكافرة أوىل من حترمي االستعانة ابلفرد الكافر وهبذا يتبني أن االستعانة‬
‫ابلكفار ال جتوز مطلقاً أفراداً كانوا أو دوالً‪.‬‬

‫أما من جوز االستعانة ابلكفار من العلماء فقد استدل أبدلة واهية ال توصل رىل امل ّدعى ألهنا‬
‫رما ضعيفة أو غري صرحية يف الداللة أو متناقضة ورلي ما استدل به واجلواب عنه‪:‬‬
‫(‪ )4‬عن أيب هريرة هنع هللا يضر قال‪ " :‬شهدان مع رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص حنيناً فقال لرجل ممن يدعى ابإلسالم‪" :‬‬
‫هذا من أهل النار "‪ .‬فلما حضران القتال قاتل الرجل قتاالً شديداً فأصابته جراحة فقيل‪ :‬اي رسول‬
‫هللا الرجل الذي قلت له آنفاً " إنه من أهل النار " فإنه قاتل اليوم قتاالً شديداً وقد مات‪ .‬فقال‬
‫النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ " :‬إىل النار "‪ .‬فكاد بعض املسلمني أن يراتب‪ ،‬فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه مل ميت‪،‬‬
‫ولكن به جراحاً شديداً‪ ،‬فلما كان من الليل مل يصرب على اجلراح فقتل نفسه ‪.‬‬
‫فأخرب النيب ملسو هيلع هللا ىلص بذلك فقال " هللا أكرب أشهد أين عبد هللا ورسوله "‪ ،‬مث أمر بالالً فنادى ِف‬
‫الناس‪ " :‬إنه ال يدخل اجلنة إال نفس مسلمة وإن هللا يؤيد هذا الدين ابلرجل الفاجر " [‪.]41٧‬‬
‫قالوا‪ :‬فهذا الذي قاتل مع رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قد مات إىل النار فرمبا أنه كان ِف حقيقة أمره كافراً أو‬
‫أنه اراتب وشك ِف اإلميان فمات كافراً قالوا ويؤيد ذلك آخر احلديث وهو‪ " :‬الرجل الفاجر "‬
‫فالفجور عام ويشمل الفسق والكفر‪.‬‬

‫____________________________________‬
‫[‪ ]41٧‬رواه البخاري ِف كتاب اجلهاد والسري رقم (‪ ،)4٧19‬ومسلم ِف كتاب اإلميان رقم (‪.)444‬‬

‫‪444‬‬
‫(‪ )1‬واشتهر عند أهل السري أن صفوان بن امية شهد حنيناً مع النيب ملسو هيلع هللا ىلص وكان مشركاً قال ابن‬
‫حجر [‪ " :]412‬وقصته مشهورة ِف املغازي " [‪.]41٧‬‬
‫(‪ )3‬وجاء عن بعض أهل السري أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص استعان بناس من اليهود ومل يسهم هلم قال اإلمام‬
‫الرتمذي [‪ ]414‬يروى عن الزهري أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أسهم لقوم من اليهود قاتلوا معه [‪.]419‬‬
‫(‪ )1‬روى أبو داود بسنده قال‪ :‬قال جبري‪ :‬انطلق بنا إىل ذي ِخمْرب ‪ -‬رجل من أصحاب النيب‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص ‪ -‬فأتيناه‪ ،‬فسأله جبري عن اهلدنة‪ ،‬فقال‪ :‬مسعت رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص يقول‪ " :‬ستصاحلون الروم‬
‫عدواً من ورائكم " [‪.]414‬‬ ‫صلحاً آمناً‪ ،‬وتغزون أنتم وهم َّ‬
‫(‪ )5‬وروى البيهقي أن سعد بن مالك غزا بقوم من اليهود فرضخ هلم " [‪.]411‬‬
‫وهذه األدلة كما ترى ال تفيد جواز االستعانة ابلكفار ألهنا ضعيفة ال توصل إىل املدعى إما ِف‬
‫داللتها وإما ِف ثبوهتا فحديث أيب هريرة ليس صرحياً ِف أن الرجل الذي قاتل مع النيب ملسو هيلع هللا ىلص كان‬
‫كافراً بل فيه عكس ذلك حيث قال أبو هريرة هنع هللا يضر أنه " يدعي اإلسالم " كما أن القصة ال تفيد‬
‫أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص استعان به وإمنا أذن له فقط ِف احلضور والقتال‪ ،‬وكذلك الشأن ِف قصة صفوان‬
‫فالنيب ملسو هيلع هللا ىلص مل يطلب منه أن يقاتل بل إنه هو بنفسه الذي شهد الوقعة ومل يثبت أنه قاتل وإمنا كان‬
‫خروجه مع املسلمني للتفرج والنظر فيما حيصل وهلذا ملا اهنزم املسلمون ِف أول وهلة فرح أبو‬
‫سفيان بذلك وقال‪ " :‬وهللا ال يرد هزميتهم البحر " فقال له صفوان‪ :‬اسكت فض هللا فاك فوهللا‬
‫ألن يربين رجل من قريش أحب إيل من أن يربين رجل من هوازن " [‪ ]415‬اه ‪.‬‬
‫_______________________________‬
‫[‪ ]412‬أبو الفضل شهاب الدين أمحد بن علي بن دمحم بن دمحم الكناين العسقالين املصري الشافعي‪ ،‬احلافظ ولد ِف‬
‫مصر سنة ‪114‬ه ‪ ،‬أخذ عن السراج البلقيين وعن ابن امللقن والعراقي وغريهم‪ ،‬انتهى إليه معرفة الرجال واستحضارهم‬
‫ومعرفة العايل والنازل وعلل احلديث‪ ،‬حكي أنه شرب ماء زمزم ليصل إىل مرتبة الذهيب‪ .‬له تعليق التعليق وشرح البخاري‬
‫املسمى بفتح الباري والدرر الكامنة وغريها توِف رمحه هللا تعاىل سنة ‪٧59‬ه ‪ .‬ذيل تذكرة احلفاظ ص‪ ،4٧٧‬شذرات‬
‫الذهب ‪.91٧/1‬‬
‫[‪ ]41٧‬شذرات الذهب ‪.59/4‬‬
‫السلمي الرتمذي‪ ،‬أحد األئمة‪ ،‬ولد سنة ‪ ،9٧2‬تتلمذ على البخاري وشاركه ِف‬ ‫[‪ ]414‬أبو عيسى دمحم بن عيسى ُّ‬
‫بعض شيوخه وأخذ البخاري منه حديثاً واحداً‪ ،‬وروى عن مسلم حديثاً واحداً فقط ِف السنن برقم (‪ ،)1٧1‬له السنن‬
‫وكتاب العلل والشمائل وغريها‪ ،‬توِف رمحه هللا سنة ‪912‬ه ‪ .‬ميزان االعتدال رقم ‪ ،٧٧45‬األعالم ‪ ،499/1‬التقريب‬
‫رقم ‪ ،1911‬هتذيب التهذيب ‪.191/5‬‬
‫[‪ ]419‬سنن الرتمذي ِف كتاب السري‪ ،‬ابب ما جاء ِف أهل الذمة يغزون مع املسلمني هل يسهم هلم حتت رقم‬
‫(‪.)455٧‬‬

‫‪445‬‬
‫مث إن اخلرب الوارد ِف قصة صفوان على الرغم من أنه مل يتضمن الداللة على أن صفوان قاتل مع‬
‫النيب ملسو هيلع هللا ىلص فإنه ال تثبت به حجة‪ ،‬وهو غري اثبت وفيه اضطراب شديد مبتنه وسنده‪ ،‬قال أبو عمر‬
‫بن عبد الرب[‪ :]411‬حدثنا عبد هللا بن دمحم بن حيىي قال حدثنا دمحم بن بكر قال حدثنا أبو داود‬
‫قال حدثنا احلسن بن دمحم وسلمة بن شبيب قاال‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا شريك عن‬
‫عبد العزيز بن رفيع عن أمية ابن صفوان ابن أمية عن أبيه أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص استعار منه دروعاً يوم حنني‬
‫فقال‪ :‬اغصب اي دمحم‪ .‬فقال‪ :‬بل عارية مضمونة [‪ .]411‬مث قال ابن عبد الرب قال أبو داود‪ :‬هذه‬
‫رواية يزيد ببغداد وِف روايته بواسط غري هذا قال أبو داوود وكان أعاره قبل أن يسلم مث أسلم‪ :‬قال‬
‫أبو عمر‪ :‬حديث صفوان هذا اختلف فيه على عبد العزيز بن رفيع اختالفاً يطول ذكره فبعضهم‬
‫يذكر فيه الضمان وبعضهم ال يذكره وبعضهم يقول عن عبد العزيز عن ابن أيب مليكة عن ابن‬
‫صفوان قال‪ " :‬استعار النيب ملسو هيلع هللا ىلص ال يقول عن أبيه ومنهم من يقول عن عبد العزيز بن رفيع عن‬
‫أانس من آل صفوان أو من آل عبد هللا بن صفوان مرسالً أيضاً وبعضهم يقول فيه عن عبد العزيز‬
‫بن رفيع عن عطاء عن أانس من آل صفوان وال يذكر فيه الضمان وال يقول مؤداه بل عارية فقط‬
‫واالضطراب فيه كثري وال جيب عندي حبديث صفوان هذا حجة من تضمني العارية وهللا أعلم‪.‬‬
‫وقال أبو دمحم علي بن حزم [‪ :]41٧‬أما خرب دروع صفوان فإان رويناه من طريق أمحد بن شعيب‬
‫أنبأان عبد الرمحن بن دمحم بن سالم أنبأان يزيد بن هارون أنبأان شريك هو ابن عبد هللا القاضي‬

‫_______________________________________‬
‫=[‪ ]414‬رواه أبو داود ِف كتاب اجلهاد رقم ‪ 9111‬بسند صحيح‪.‬‬
‫=[‪ ]411‬سنن الكربى للبيهقي ‪11/2‬‬
‫=[‪ ]415‬بتصرف من كتاب االستعانة بغري املسلمني للدكتور عبد هللا بن إبراهيم الطريقي ص‪.91٧-911‬‬
‫ي األندلسي اجملتهد اإلمام العالمة حافظ املغرب ولد سنة‬‫[‪ ]411‬أبو عمر يوسف بن عبد هللا بن عبد الرب الن ََّمَر ُّ‬
‫‪41٧‬ه طال عمره فأدرك الكبار ومجع وصنف وسارت بتصانيفه الركبان‪ ،‬مسع من عبد هللا بن عبد املؤمن ومن دمحم بن‬
‫عبد امللك ومن أيب الوليد الفرضي‪ ،‬وعنه أبو دمحم بن حزم واحلافظ أبو علي الغساين وأبو عبد هللا احلميدي ومجع له‬
‫التمهيد واالستذكار واالستيعاب ِف أمساء الصحابة‪ ،‬توِف رمحه هللا تعاىل سنة ‪114‬ه انظر‪ :‬سري أعالم النبالء‬
‫‪ ،454/4٧‬تذكرة احلفاظ ‪.449٧/4‬‬
‫[‪ ]411‬التمهيد ‪.19-1٧/49‬‬
‫[‪ ]41٧‬أبو دمحم علي بن أمحد بن حزم الظاهري‪ ،‬عامل األندلس‪ ،‬أحد األئمة األعالم‪ ،‬ولد بقرطبة سنة ‪4٧1‬ه ‪ ،‬فارسي‬
‫األصل كانت له وألبيه من قبله رايسة الوزارة وتدبري اململكة‪ ،‬فزهد هبا وانصرف إىل العلم والتأليف‪ ،‬كان رمحه هللا تعاىل‬
‫بعيداً عن املصانعة‪ ،‬مسع من حيىي بن مسعود ومن يونس بن عبد هللا‪ ،‬صنف احمللى ِف الفقه واإليصال إىل فهم كتاب‬
‫اخلصال ِف مخسة عشر ألف ورقة‪ .‬توِف رمحه هللا تعاىل سنة ‪151‬ه ‪ .‬سري أعالم النبالء ‪ ،4٧1/4٧‬األعالم ‪.951/1‬‬

‫‪446‬‬
‫عن عبد العزيز بن رفيع عن أمية بن صفوان بن أمية عن أبيه أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص استعار منه يوم‬
‫حنني أدرعاً فقال‪ :‬غصب اي دمحم‪ .‬قال بل عارية مضمونة " شريك مدلس للمنكرات إىل الثقات‪،‬‬
‫وقد روى البالاي والكذب الذي ال شك فيه عن الثقات "‪.‬‬
‫وقال أيضاً رمحه هللا‪ :‬ومن طريق مسدد أنبأان أبو األحوص حدثنا عبد العزيز بن رفيع عن عطاء بن‬
‫أيب رابح عن انس من آل صفوان بن أمية استعار رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص من صفوان سالحاً فقال‪ :‬أعارية‬
‫أم غصب؟ قال‪ :‬بل عارية ففقدوا منها درعاً فقال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص إن شئت غرمناها لك فقال اي‬
‫رسول هللا إن ِف قليب من اإلميان ما مل يكن يومئذ‪ .‬هذا عند انس مل يسموا‪.‬‬
‫ومن طريق أمحد بن شعيب أنبأان أمحد بن سليمان حدثنا عبيد هللا ابن موسى أنبأان إسرائيل عن‬
‫عبد العزيز بن رفيع عن ابن أيب مليكة عن عبد الرمحن بن صفوان بن أمية أن رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية دروعاً فهلك بعضها فقال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬إن شئت‬
‫غرمناها لك فقال‪ :‬ال اي رسول هللا " إسرائيل ضعيف وقال ِف ص‪ 41‬وقد روينا من طريق ابن أيب‬
‫شيبة حدثنا جرير بن عبد احلميد عن عبد العزيز بن رفيع عن إايس بن عبد هللا بن صفوان أن‬
‫رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص إذ أراد حنيناً قال لصفوان هل عندك سالح‪ .‬قال‪ :‬عارية أم غصباً؟ قال ال بل‬
‫عارية فأعاره ما بني الثالثني إىل األربعني درعاً فلما هزم املشركون مجعت دروع صفوان ففقد منها‬
‫فقال له رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص إان فقدان من أدرعك أدرعاً فهل نغرم لك فقال‪ :‬ال اي رسول هللا إن ِف قليب‬
‫اليوم ما مل يكن " فهذا مرسل " اه ‪.‬‬

‫أما خرب خروج يهود بين قينقاع مع الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وأنه أسهم هلم أو رضخ هلم فهالك ألسباب‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أن اخلرب من مراسيل الزهري ومعلوم أن مراسيل الزهري ضعيفة ‪.‬‬
‫اثنياً‪ :‬أنه ورد ما يعارضه فقد روى الطحاوي [‪ ]412‬واحلاكم [‪ :]4٧٧‬هذا احلديث من‬
‫طريق الفضل ابن موسى السيناين شيخ إسحاق بن راهويه قال الطحاوي حدثنا عبيد بن‬
‫رجال قال حدثنا دمحم بن عمرو عن سعد ابن املنذر بن أيب محيد الساعدي عن جده الساعدي‬
‫قال‪ :‬خرج رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص يوم أحد حىت إذا خلف ثنية الوداع إذا هو بكتيبة خشناء فقال‪ :‬من‬
‫هؤالء فقالوا بنو قينقاع وهم رهط عبد هللا بن سالم وقوم عبد هللا بن أيب بن سلول فقال‪ :‬أسلموا‪.‬‬
‫فأبوا قال‪ :‬قل هلم فلريجعوا فإان ال نستعني ابملشركني على املشركني "‪.‬‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]412‬مشكل اآلاثر ‪.919/4‬‬
‫[‪ ]4٧٧‬املستدرك ‪.499/9‬‬

‫‪447‬‬
‫قال ممليه عفا هللا عنه‪ :‬والعجب ممن ذهب من العلماء إىل جواز االستعانة ابلكفار معتمداً ِف‬
‫ذلك على هذه اآلاثر واملراسيل الضعيفة واملضطربة ويعرض عن ما ُخ ِرج ِف صحيح مسلم والسنن‬
‫ومسند اإلمام أمحد وغريه من رفضه ملسو هيلع هللا ىلص االستعانة ابملشركني‪ ،‬إننا إذا سلكنا طريق الرتجيح وجدان‬
‫أن حديث عائشة اهنع هللا يضر الذي رواه مسلم ِف صحيحه وما وافقه من آاثر أخرى أرجح يقيناً من تلك‬
‫املراسيل املضطربة السند واملنت كما أسلفنا‪.‬‬
‫قال ابن عبد الرب‪ " :‬وأما شهود صفوان بن أمية مع رسول هللا حنيناً والطائف وهو كافر فإن مالكاً‬
‫قال مل يكن ذلك أبمر رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬قال مالك‪ :‬وال أرى أن يستعني ابملشركني على قتال‬
‫املشركني إال أن يكونوا خدماً أو نوتيه [‪.]4٧9[ ]4٧4‬‬
‫وقد انقش الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرمحن بن حسن [‪ ]4٧4‬أدلة القائلني ابجلواز فتكلم على‬
‫مرسل الزهري وبني عدم صحة داللته على املسألة فقال رمحه هللا ما نصه‪ " :‬أما مسألة االستنصار‬
‫هبم فمسألة خالفية والصحيح الذي عليه احملققون منع ذلك مطلقاً وحجتهم حديث عائشة وهو‬
‫متفق عليه‪ ،‬وحديث عبد الرمحن بن حبيب وهو حديث صحيح مرفوع اطلبهما جتدمها فيما عندك‬
‫من النصوص والقائل ابجلواز احتج مبرسل الزهري وقد عرفت ما ِف املراسيل إذا عارضت كتاابً أو‬
‫سنة مث القائل به قد شرط أن يكون فيه نصح للمسلمني ونفع هلم‪ ،‬وهذه القضية فيها هالكهم‬
‫وشَر َط أيضاً أن ال يكون للمشركني صولة ودولة خيشى منها‪ ،‬وهذا مبطل لقوله ِف هذه‬ ‫ودمارهم‪َ ،‬‬
‫القضية واشرتط كذلك أال يكون له دخل ِف رأي وال مشورة خبالف ما هنا كل هذا ذكره الفقهاء‬
‫وشراح احلديث ونقله ِف شرح املنتقى وضعف مرسل الزهري جداً وكل هذا ِف قتال املشرك‬
‫للمشرك مع أهل اإلسالم [‪.]4٧1‬‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]4٧4‬النويتُّ‪ :‬املالح ِف البحر‪ .‬انظر القاموس احمليط ص‪.9٧1‬‬
‫[‪ ]4٧9‬التمهيد ‪.45/49‬‬
‫[‪ ] 4٧4‬العامل اجلليل الفقيه احملقق عبد اللطيف بن عبد الرمحن بن حسن بن دمحم بن عبد الوهاب التميمي من املشارفه‪،‬‬
‫ولد مبدينة الدرعية سنة ‪4995‬ه ‪ ،‬وحفظ القرآن وعمره مثان سنوات‪ ،‬نفاه إبراهيم ابشا فيمن نفي إيل مصر وعمره مثان‬
‫سنني مع أقاربه‪ ،‬قرأ على علماء األزهر الشريف والزمهم سنني‪ ،‬تزوج هناك مث رجع إىل الرايض سنة ‪4911‬ه ‪ ،‬كان‬
‫رمحه هللا مهيباً شجاعاً حازماً وافر العقل‪ ،‬وكان يغزوا مع اإلمام فيصل‪ ،‬خترج على يديه ثلة من العلماء‪ ،‬منهم أخوه‬
‫إسحاق وابنه عبد هللا وسليمان بن سحمان وأمحد بن عيسى وغريهم‪ ،‬له مصباح الظالم‪ ،‬وشرح نونية ابن القيم مل‬
‫يكمله‪ ،‬وأتسيس التقديس وله نظم قوي يدل على براعته ِف الشعر وحبوره‪ ،‬حدث ِف زمنه قالقل وفنت ساهم ِف‬
‫إمخادها‪ .‬توِف رمحه هللا سنة ‪4924‬ه ِف الرايض‪ ...‬انظر‪ :‬روضة الناظرين للقاضي ‪.44٧/4‬‬
‫[‪ ]4٧1‬الرسائل واملسائل النجدية ‪.11/4‬‬

‫‪448‬‬
‫متسك هبا من قال جبواز االستعانة هي ما ذكرها بعض الفقهاء‬ ‫قال أيضاً ما نصه‪ " :‬الشبهة اليت َّ‬
‫من جواز االستعانة ابملشرك عند الضرورة وهو قول ضعيف مردود مبين على آاثر مرسلة تردها‬
‫النصوص القرآنية‪ ،‬واألحاديث الصحيحة الصرحية النبوية‪ ،‬مث القول هبا على ضعفها مشروط‬
‫بشروط نبه عليها شراح احلديث ونقل الشوكاين [‪ ]4٧5‬منها طرفاً ِف املنتقى‪ ،‬منها‪ :‬أمن الضرر‬
‫واملفسدة وأال يكون هلم شوكة وصولة وأن ال يدخلوا ِف الرأي واملشورة وأيضاً ففرضها ِف االنتصار‬
‫ابملشرك على املشرك‪ ،‬وأما االنتصار ابملشرك على الباغي عند الضرورة فهو قول فاسد ال أثر فيه‬
‫وال دليل عليه إال أن يكون حمض القياس وبطالنه أظهر شيء ِف الفرق بني األصل والفرع وعدم‬
‫االجتماع ِف مناط احلكم " أه [‪.]4٧1‬‬

‫قال ممليه عفا هللا عنه‪ :‬والضرورة اليت ترد ِف بعض كالم الفقهاء اجمليزين االستعانة ابلكافر هي‬
‫الضرورة اليت تتعلق ابلدين ومصلحة اإلسالم واملسلمني‪.‬‬
‫أما الضرورة اليت تتعلق حبكم احلاكم ومحاية كرسيه وسلطته فإهنا ال تبيح االستعانة ابلكفار حىت‬
‫عند القائلني جبواز االستعانة هبم للضرورة‪.‬‬
‫قال الشيخ سليمان بن سحمان [‪ ]4٧1‬رمحه هللا تعليقاً على كلمة الضرورة اليت جاءت ِف كالم‬
‫الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرمحن بن حسن‪ " :‬غلط صاحب الرسالة ‪ -‬يقصد بصاحب الرسالة‬
‫من رد عليه الشيخ عبد اللطيف ‪ِ -‬ف معرفة الضرورة فظنها عائدة إىل مصلحة ويل األمر من‬
‫رايسته وسلطانه وليس األمر كما زعم ظنه بل هي ضرورة الدين وحاجته إىل من يعني عليه وتصلح‬
‫به مصلحته كما صرح به من قال ابجلواز وقد تقدم ما فيه وهللا أعلم " اه ‪.‬‬

‫ومن األئمة الكبار الذين ذهبوا إىل عدم جواز االستعانة ابلكفار ِف مجيع األحوال الشيخ ابن‬
‫مفلح [‪ِ ]4٧٧‬ف اآلداب الشرعية حيث ذكر كالماً طويالً ِف هذا الباب ضمنه مقتطفات من‬
‫كالم شيخ اإلسالم ابن تيمية من كتاب اقتضاء الصراط املستقيم حيث قال‪ :‬فصل ِف االستعانة‬
‫أبهل الذمة‪ .‬قال بعض أصحابنا‪ :‬ويكره أن يستعني مسلم بذمي ِف شيء من أمور املسلمني مثل‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]4٧5‬دمحم بن علي بن دمحم الشوكاين‪ ،‬فقيه جمتهد‪ ،‬من كبار علماء اليمن من أهل صنعاء ولد هبجرة شوكان سنة‬
‫‪4414‬ه كان يرى حترمي التقليد‪ .‬له ‪ 441‬مؤلفاً توىل القضاء بصنعاء سنة ‪4992‬ه ومات حاكماً هبا‪ .‬له نيل األوطار‪،‬‬
‫والبدر الطالع‪ ،‬والسيل اجلرار بنقد كتاب األزهار‪ ،‬توِف رمحه هللا بصنعاء سنة ‪495٧‬ه ‪ ...‬األعالم ‪.92٧/1‬‬
‫[‪ ]4٧1‬الرسائل واملسائل النجدية ‪.411/4‬‬
‫[‪ ]4٧1‬الدرر السنية ‪.411/٧‬‬

‫‪449‬‬
‫كتابة وعمالة وجباية خراج وقسمة ِفء وغنيمة وحفظ ذلك ونقله إال ضرورة قال ِف الرعاية‬
‫الكربى وال يكون بواابً وال جالداً وحنوها‪.‬‬
‫وعن أيب موسى األشعري أنه اختذ كاتباً نصرانياً فانتهره عمر بن اخلطاب هنع هللا يضر [‪.]4٧2‬‬
‫وعن عمر أيضاً أنه قال‪ :‬ال ترفعوهم إذ وضعهم هللا‪ ،‬وال تعزوهم إذ أذهلم هللا‪.‬‬
‫وألن ِف االستعانة هبم ِف ذلك من املفسدة ما ال خيفى وهي ما يلزم عادة أو ما يفضى إليه من‬
‫تصديرهم ِف اجملالس‪ ،‬والقيام هلم وجلوسهم فوق املسلمني وابتدائهم ابلسالم أو ما ِف معناه ورده‬
‫عليهم على غري الوجه الشرعي وأكلهم من أموال املسلمني ما أمكنهم خليانتهم واعتقادهم حلها‬
‫وغري ذلك‪.‬‬
‫وألنه إذا منع من االستعانة هبم ِف اجلهاد مع حسن رأيهم ِف املسلمني واألمن منهم وقوة املسلمني‬
‫على اجملموع السيما مع احلاجة إليهم على قول فهذا ِف معناه وأوىل للزومه وإفضائه إىل ما تقدم‬
‫من احملرمات خبالف هذا‪ ،‬وهبذا يظهر التحرمي هنا وإن مل حترم االستعانة هبم على القتال‪ ،‬وقد هنى‬
‫هللا سبحانه وتعاىل املؤمنني أن يتخذوا الكفار بطانة هلم فقال تعاىل‪:‬‬
‫{اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا بطانة من دونكم} [‪ . ]42٧‬وبطانة الرجل تشبيهه ببطانة الثوب‬
‫الذي يلي بطنه ألهنم يستبطنون أمره ويطلعون عليه خبالف غريهم‪ ،‬وقوله {من دونكم} أي من‬
‫غري أهل ملتكم ‪ .‬مث قال تعاىل‪{ :‬ال أيلونكم خباالً}‪ .‬أي ال يبقون غاية ِف إلقائكم فيما يضركم‬
‫واخلبال الشر والفساد‪{ ،‬ودوا ما عنتم}‪ .‬أي يودون ما يشق عليكم من الضر والشر واهلالك‪،‬‬
‫ت فالانً أي يقصد إدخال املشقة واألذى عليه‪{ .‬قد بدت البغضاء‬ ‫ِ‬
‫والعنت املشقة يقال فالن يُعن ُ‬
‫من أفواههم}‪ .‬قيل ابلشتم والوقيعة ِف املسلمني وخمالفة دينكم‪ ،‬وقيل ابطالع املشركني على أسرار‬
‫املسلمني‪{ .‬وما ختفي صدورهم أكرب} أي أعظم‪{ ،‬قد بينا لكم اآلايت إن كنتم تعقلون}‪ .‬قال‬
‫القاضي أبو يعلى من أئمة أصحابنا وِف هذه اآلية دليل على أنه ال جيوز االستعانة أبهل الذمة‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]4٧٧‬مشس الدين أبو عبد هللا دمحم بن مفلح بن دمحم بن مفرج القاقوين املقدسي احلنبلي ولد سنة ‪1٧٧‬ه ‪ ،‬أعلم أهل‬
‫عصره مبذهب أمحد‪ .‬قال ابن كثري كان ابرعاً فاضالً متقناً ِف علوم كثرية والسيما ِف الفروع‪ .‬قال ابن حجر‪ :‬صنف‬
‫(الفروع) ِف جملدين أورد فيه من الفروع الغريبة ما هبر العلماء اه ‪ .‬له هذا الكتاب واآلداب الشرعية والنكت على احملرر‬
‫البن تيمية‪ ،‬أخذ عن شيخ اإلسالم ابن تيمية وكان يقول له‪ :‬ما أنت ابن مفلح بل أنت مفلح‪ ،‬وكان أخرب الناس‬
‫مبسائل ابن تيمية واختياراته‪ ...‬توِف رمحه هللا سنة ‪114‬ه ‪ .‬شذرات الذهب‪ ،422/1.‬الدرر الكامنة ‪ ،914/1‬األعالم‬
‫‪.4٧1/1‬‬
‫[‪]4٧2‬سنن الكربى للبيهقي(‪.)9٧1٧2‬‬
‫[‪ ]42٧‬سورة آل عمران‪ ،‬آية ‪.44٧‬‬

‫‪451‬‬
‫ِف أمور املسلمني من العماالت والكتبة وهلذا قال اإلمام أمحد هنع هللا يضر ال يستعني اإلمام أبهل الذمة‬
‫على قتال أهل احلرب‪ ،‬وقد جعل الشيخ موفق الدين رمحه هللا هذه املسألة أصالً ِف اشرتاط‬
‫اإلسالم ِف عامل الزكاة فدل على أهنا حمل وفاق ‪.‬‬
‫وقال اإلمام أمحد رمحه هللا ِف رواية أيب طالب وقد سأله يستعمل اليهودي والنصراين ِف أعمال‬
‫املسلمني مثل اخلراج؟ فقال‪ :‬ال يستعان هبم ِف شيء‪ .‬فانظر إىل هذا العموم من اإلمام أمحد نظراً‬
‫منه إىل ردىء املفاسد احلاصلة بذلك وإعدامها وهي وإن مل تكن الزمة من واليتهم وال ريب ِف‬
‫لزومها فال ريب ِف إفضائها إىل ذلك‪ ،‬ومن مذهبه اعتبار الوسائل والذرائع وحتصيالً للمأمور به‬
‫شرعاً من إذالهلم وإهانتهم والتضييق عليهم وإذا أمر الشارع عليه الصالة والسالم ابلتضييق عليهم‬
‫ِف الطريق املشرتكة فما حنن فيه أوىل هذا مما ال إشكال فيه‪ ،‬وألن هذه والايت بال شك‪ ،‬وهلذا ال‬
‫يصح تفويضها مع الفسق واخليانة‪ ،‬والكافر ليس من أهلها بدليل سائر الوالايت وهذا ِف غاية‬
‫الوضوح‪ ،‬وألهنا إذا مل يصح تفويضها إىل فاسق فإىل كافر أويل بال نزاع وهلذا قد نقول يصح‬
‫تفويضها إىل فاسق إما مطلقاً أو مع ضم أمني إليه يشارفه كما نقول ِف الوصية وألنه إذا مل تصح‬
‫وصية املسلم إىل كافر ِف النظر ِف أمر أطفاله أو تفريق ثلثه مع أن الوصي املسلم املكلف العدل‬
‫حيتاط لنفسه وماله وهي مصلحة خاصة يقل حصول الضرر فيها فمسألتنا أوىل هذا مما ال حيتاج‬
‫فيه إىل أتويل ونظر وهللا أعلم‪ .‬وقال تعاىل‪{:‬ولن جيعل هللا للكافرين على املؤمنني سبيالً}[‪.]424‬‬
‫وهذا من أعظم السبيل استدل الشيخ وجيه الدين وغريه من األصحاب هبذه اآلية على أنه ال جيوز‬
‫أن يكون عامالً ِف الزكاة وقد قال أصحابنا ِف كاتب احلاكم ال جيوز أن يكون كافراً واستدلوا بقوله‬
‫تعاىل‪{ :‬اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا بطانة} [‪ .]429‬وبقضية عمر على أيب موسى‪.‬‬
‫وقال الشيخ تقي الدين ِف أول الصراط املستقيم ِف أثناء كالم له‪ :‬وهلذا كان السلف يستدلون‬
‫هبذه اآلية على ترك االستعانة هبم ِف الوالايت فروى اإلمام أمحد إبسناد صحيح عن أيب موسى‬
‫قال قلت لعمر هنع هللا يضر إن يل كاتباً نصرانياً ‪ ،‬قال‪ :‬مالك قاتلك هللا ‪ ،‬أما مسعت هللا يقول‪{ :‬اي أيها‬
‫الذين آمنوا ال تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض} [‪ .]424‬أال اختذت حنيفياً؟‬
‫قال قلت‪ :‬اي أمري املؤمنني يل كتابته وله دينه‪ ،‬قال ال أكرمهم إذ أهاهنم هللا وال أعزهم إذ أذهلم هللا‬
‫وال أدنيهم إذ أقصاهم هللا‪ .‬انتهى كالمه [‪ .]421‬ورواه البيهقي وعنده فانتهرين وضرب على‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]424‬سورة النساء‪.414 ،‬‬
‫[‪ ]429‬سورة آل عمران‪.44٧ ،‬‬
‫[‪ ]424‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪.54‬‬

‫‪451‬‬
‫فخذي وعنده أيضاً فقال أبو موسى وهللا ما توليته إمنا كان يكتب‪ .‬فقال عمر‪ :‬له أما وجدت ِف‬
‫أهل اإلسالم من يكتب؟ ال تدهنم إذا أقصاهم هللا وال أتمنهم إذا أخاهنم هللا وال تعزهم بعد إذ‬
‫أذهلم هللا [‪ . ]425‬وروى اإلمام أمحد عن عمر هنع هللا يضر أنه قال‪ :‬ال تستعملوا اليهود والنصارى فإهنم‬
‫الرشاء [‪ .]421‬وقال سعيد بن منصور [‪ِ ]421‬ف سننه ثنا‬ ‫الرشاء ِف دينهم وال حتل ُّ‬ ‫يستحلون ُّ‬
‫هشيم [‪ ]42٧‬عن العوام [‪ ]422‬عن إبراهيم [‪ ]9٧٧‬التيمي قال قال عمر ال ترفعوهم إذا‬
‫وضعهم هللا وال تعزوهم إذ أذهلم هللا يعين أهل الكتاب كلهم أئمة لكن إبراهيم مل يلق عمر‪ ،‬وقطع‬
‫الشيخ تقي الدين ِف موضع آخر أبنه جيب على ويل األمر منعهم من الوالايت ِف مجيع أرض‬
‫اإلسالم‪ ،‬وقال أيضاً الوالية إعزاز وأمانة وهم يستحقون للذل واخليانة‪ ،‬وهللا يغين عنهم املسلمني‪،‬‬
‫فمن أعظم املصائب على اإلسالم وأهله أن جيعلوا ِف دواوين املسلمني يهودايً أو سامرايً [‪]9٧4‬‬
‫أو نصرانياً‪ ،‬وقال أيضاً‪ :‬ال جيوز استعماهلم على املسلمني فإنه يوجب من إعالئهم على املسلمني‬
‫خالف ما أمر هللا ورسوله ‪ ،‬والنيب ملسو هيلع هللا ىلص قد هنى أن يُبدأوا ابلسالم وأمر إذا لقيهم املسلمون أن‬
‫_______________________________________‬
‫=[‪ ]421‬اقتضاء الصراط املستقيم ‪.411/4‬‬
‫[‪ ]425‬سنن الكربى للبيهقي(‪.)9٧1٧2‬‬
‫[‪ ]421‬مل أجده ِف املسند‪.‬‬
‫[‪ ]421‬سعيد بن منصور بن شعبة اخلرساين أبو عثمان املروزي صاحب السنن‪ ،‬ولد جبوزجان‪ ،‬روى عن مالك وأبو‬
‫األحوص وابن عيينة وغريهم‪ ،‬وعنه مسلم وأبو داود وأمحد بن حنبل وغريهم‪ ،‬قال سلمة بن شبيب‪ :‬ذكرت سعيد بن‬
‫منصور ألمحد بن حنبل فأحسن الثناء عليه وفخم أمره‪ .‬توِف ِف مكة رمحه هللا تعاىل سنة ‪991‬ه ‪ .‬انظر‪ :‬سري أعالم‬
‫النبالء ‪ ،5٧1/4٧‬هتذيب التهذيب ‪.44٧/9‬‬
‫[‪ُ ]42٧‬هشيم بن بشري بن القاسم أبو معاوية ولد سنة ‪4٧5‬ه ‪ ،‬روى عن األعمش وسليمان التيمي واألحول‪ .‬وعنه‬
‫ت كثري التدليس واإلرسال اخلفي‪ .‬توِف رمحه هللا سنة‬ ‫مالك وشعبة وسعيد بن منصور وغريهم‪ .‬قال ابن حجر‪ :‬ثقة ثَْب ْ‬
‫‪4٧4‬ه ‪ .‬انظر‪ :‬التقريب رقم ‪ ،1419‬هتذيب التهذيب ‪.14/1‬‬
‫[‪ ]422‬العوام بن حوشب الشيباين أبو عيسى روى عن أيب إسحاق السبيعي وجماهد وجبلة بن سحيم‪ ،‬وعنه ابنه‬
‫سلمة وشعبة وحفص بن عمر وأصحاب الكتب الستة‪ ،‬كان صاحب أمر ابملعروف وهني عن املنكر‪ ،‬توِف رمحه هللا سنة‬
‫‪41٧‬ه ‪ .‬انظر‪ :‬هتذيب التهذيب ‪.194/1‬‬
‫[‪ ]9٧٧‬إبراهيم بن يزيد التيمي أبو أمساء‪ ،‬روى عنه أنس واحلارث بن سويد وغريهم وعنه بيان ابن بشر واحلكم بن عتبة‬
‫وأصحاب الكتب الستة وغريهم‪ ،‬قتله احلجاج بن يوسف سنة ‪29‬ه ‪ ،‬ومل يبلغ أربعني سنة رمحه هللا‪ .‬انظر‪ :‬هتذيب‬
‫التهذيب ‪ ،445/4‬التقريب رقم ‪.914‬‬
‫[‪ ]9٧4‬السامرة‪ :‬قوم يسكنون جبال بيت املقدس وقرااي من أعمال مصر يتقشفون ِف الطهارة أكثر من اليهود‪ ،‬يثبتون‬
‫نبوة موسى وهارون ويوشع عليهم السالم وينكرون نبوة غريهم وقبلتهم جبل يقال له كزيرمي بني بيت املقدس وانبلس‪،‬‬
‫ويذكر أهنم ليسوا من بين إسرائيل البتة‪ ،‬بل قدموا من بالد املشرق مث هتودوا‪ .‬انظر‪ :‬امللل والنحل ‪ 91٧/4‬مع التحقيق‪.‬‬

‫‪452‬‬
‫يضطروهم إىل أضيق الطرق [‪ ،]9٧9‬وقال اإلسالم يعلو وال يعلى عليه [‪ ،]9٧4‬وقد منعوا من‬
‫تعلية بنائهم على املسلمني فكيف إذا كانوا والة على املسلمني فيما يقبض منهم ويصرف إليهم‬
‫وفيما يؤمرون به من األمور املالية ويقبل خربهم ِف ذلك فيكونون هم اآلمرين الشاهدين عليهم؟‬
‫هذا من أعظم ما يكون من خمالفة أمر هللا ورسوله‪ ،‬وقد قدم أبو موسى على عمر رضي هللا عنهما‬
‫حبساب العراق فقال ادع يقرؤه فقال إنه ال يدخل املسجد فقال مل؟ قال ألنه نصراين‪ ،‬فضربه عمر‬
‫ابلداوة فلو أصابته ألوجعته وقال ال تعزوهم إذ أذهلم هللا وال تصدقوهم إذ كذهبم هللا وال أتمنوهم إذ‬
‫خوهنم هللا [‪ ،]9٧1‬وكتب إليه خالد بن الوليد إن ابلشام كاتباً نصرانياً ال يقوم خراج الشام إال‬
‫به‪ ،‬فكتب إليه ال تستعمله فأعاد عليه السؤال وإان حمتاجون إليه‪ ،‬فكتب إليه مات النصراين‬
‫والسالم [‪ ،]9٧5‬يعين قَ ِدر موته‪ ،‬فمن ترك هلل شيئاً عوضه هللا خرياً منه [‪ ،]9٧1‬إىل أن قال وقد‬
‫يشريون عليهم ابلرأي اليت يظنون أهنا مصلحة ويكون فيها من فساد دينهم ودنياهم ما ال يعلمه‬
‫إال هللا وهو يتدين خبذالن اجلند وغشهم يرى أهنم ظاملون‪ ،‬وأن األرض مستحقة للنصارى ويتمىن‬
‫أن ميتلكها النصارى ‪ .‬وقال أيضاً‪ :‬كان صالح الدين [‪ ]9٧1‬وأهل بيته يذلون النصارى ومل‬
‫يكونوا يستعملون منهم أحداً‪ ،‬وهلذا كانوا مؤيدين منصورين على األعداء مع قلة املال والعدد‪ ،‬وإمنا‬
‫قويت شوكة النصارى والتتار بعد موت العادل حىت قام بعض امللوك أعطاهم بعض مدائن‬
‫املسلمني وحدثت حوادث بسبب التفريط فيما أمر هللا به ورسوله فإن هللا تعاىل يقول‪{ :‬ولينصرن‬
‫هللا من ينصره}[‪ .]9٧٧‬إىل أن قال‪ :‬وهم إىل ما ِف بالد املسلمني أحوج من املسلمني إىل ما ِف‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]9٧9‬رواه مسلم ِف كتاب السالم رقم (‪ ،)9411‬والبخاري ِف األدب املفرد رقم (‪ )44٧4‬ورواه الرتمذي ِف السنن‬
‫من كتاب األدب رقم (‪.)91٧٧‬‬
‫[‪ ]9٧4‬رواه البخاري تعليقاً ِف كتاب اجلنائز‪ ،‬ابب إذا أسلم الصيب فمات هل يصلى عليه؟ والدارقطين ِف كتاب‬
‫النكاح‪ ،‬ابب املهر رقم (‪ 959/4 )4٧‬وسنده حسن‪.‬‬
‫[‪ ]9٧1‬سنن الكربى للبيهقي(‪..)9٧1٧2‬‬
‫[‪ ]9٧5‬صبح األعشى ‪.21/4‬‬
‫[‪ ]9٧1‬رواه اإلمام أمحد ِف مسنده بلفظ‪ " :‬إنك لن تدع شيئاً هلل عز وجل إال بدلك هللا به ما هو خري لك منه " برقم‬
‫(‪ )94٧11‬ورجاله ثقات‪.‬‬
‫[‪ ]9٧1‬السلطان الكبري صالح الدين أبو املظفر يوسف بن األمري جنم الدين أيوب بن شاذي الدويين التكرييت املولود‬
‫السلفي وأيب الطاهر بن عوف والقطب النيسابوري وغريهم‪ ،‬كان مهيباً شجاعاً‬ ‫ِف سنة ‪549‬ه ‪ ،‬مسع من أيب طاهر ِ‬
‫حازماً جماهداًكثري الغزو‪ ،‬قال عنه الذهيب رمحه هللا‪ :‬كانت له مهة ِف إقامة اجلهاد وإابدة األضداد ما مسع مبثلها ألحد ِف‬
‫دهر اه ‪ .‬قهر بين عبيد وحما دولتهم‪ ،‬وأسر ملوك الفرنج ِف (حطني) توِف رمحه هللا تعاىل بدمشق سنة ‪5٧2‬ه ‪ .‬سري‬
‫أعالم النبالء ‪ ،91٧/94‬شذرات الذهب ‪.92٧/1‬‬

‫‪453‬‬
‫بالدهم بل مصلحة دينهم ودنياهم ال تقوم إال مبا ِف بالد املسلمني واملسلمون وهلل احلمد مستغنون‬
‫عنهم ِف دينهم ودنياهم‪ ،‬ففي ذمة املسلمني من علماء النصارى ورهباهنم من حيتاج إليهم أولئك‬
‫النصارى وليس عند النصارى مسلم حيتاج إليه املسلمون مع أن افتداء اإلسراء من أعظم الواجبات‬
‫وكل مسلم يعلم أهنم ال يتجرون إىل بالد املسلمني إال ألغراضهم ال لنفع املسلمني‪ ،‬ولو منعهم‬
‫ملوكهم من ذلك لكان حرصهم على املال مينعهم من الطاعة فإهنم ارغب الناس ِف املال وهلذا‬
‫يتقامرون ِف الكنائس وهم طوائف كل طائفة تضاد األخرى وال يشري على ويل األمر مبا ِف إظهار‬
‫شعارهم ِف دار اإلسالم أو تقوية أيديهم بوجه من الوجوه إال رجل منافق أو له غرض فاسد أو ِف‬
‫غاية اجلهل ال يعرف السياسة الشرعية اليت تنصر سلطان املسلمني على أعدائه وأعداء الدين‪.‬‬
‫وليعترب املعترب بسرية نور الدين [‪ ]9٧2‬وصالح الدين مث العادل [‪ ]94٧‬كيف مكنهم هللا وأيدهم‬
‫وفتح هلم البالد وأذل هلم األعداء ملا قاموا من ذلك مبا قاموا وليعترب بسرية من وايل النصارى كيف‬
‫أذله وكبته إىل أن قال‪ :‬وثبت ِف الصحيح عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أن مشركاً حلقه ليقاتل معه فقال له‪ " :‬إين‬
‫ال استعني مبشرك " [‪ ،]944‬وكما أن استخدام اجلند اجملاهدين إمنا يصلح إذا كانوا مؤمنني‬
‫فكذلك الذين يعاونون اجلند ِف أمواهلم وأعماهلم إىل أن قال‪{ :‬اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا‬
‫بطانة من دونكم} [‪ .]949‬وقال تعاىل‪{ :‬اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا اليهود والنصارى أولياء‬
‫بعضهم أولياء بعض ومن يتوهلم منكم فإنه منهم} [‪.]944‬‬

‫_______________________________________‬
‫=[‪ ]9٧٧‬سورة احلج‪ ،‬آية ‪.1٧‬‬
‫[‪ ]9٧2‬أبو القاسم‪ ،‬تقي امللوك‪ ،‬ليث اإلسالم‪ ،‬نور الدين حممود بن األاتبك زنكي بن أقسن ُقر الرتكي السلطاين‬
‫امللكشاهي‪ ،‬ولد سنة ‪ 544‬ه ‪ ،‬كان بطالً شجاعاً وافر اهليبة حسن الرمي ذا تعبد وخوف وورع وكان يتعرض للشهادة‪،‬‬
‫قال ابن عساكر‪ :‬روى احلديث وأمسعه وأجازه اه ‪ .‬وكان أظهر السنة حبلب وقمع الرافضة‪ ،‬انتزع من الكفار نيفاً‬
‫ومخسني مدينة وحصناً‪ .‬يقال إنه اخلليفة الراشد السادس‪ .‬توىف رمحه هللا تعاىل سنة ‪512‬ه ‪ .‬نور الدين حممود‪ :‬حماضرة‬
‫للشيخ سفر احلوايل‪ ،‬سري أعالم النبالء ‪ 544/9٧‬نور الدين حممود‪ .‬حسني مؤنس‪.‬‬
‫[‪ ]94٧‬امللك العادل سيف الدولة أبو بكر دمحم بن أيوب بن شاذي التكرييت‪ ،‬ولد سنة ‪541‬ه ببعلبك‪ ،‬كان ذا عقل‬
‫ودهاء وشجاعة حليماً ديناً كان خليقاً للملك‪ ،‬أزال اخلمور والفاحشة ِف بعض أايم دولته‪ ،‬وكان كثري الصالة ويصوم‬
‫اخلميس‪ ،‬قليل املرض‪ ،‬سعيد احلظ والبخت‪ ،‬قال ابن خلكان‪ :‬كان مائالً إىل العلماء حىت لصنف له الرازي أتسيس‬
‫التقديس فذكر امسه ِف خطبته‪ .‬توِف رمحه هللا سنة ‪145‬ه ‪ ...‬انظر‪ :‬سري أعالم النبالء ‪.445/99‬‬
‫[‪ ]944‬سبق خترجيه ص‪.141‬‬
‫[‪ ]949‬سورة آل عمران‪ ،‬آية ‪.44٧‬‬
‫[‪ ]944‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪.54‬‬

‫‪454‬‬
‫وذكر سبب نزوهلا مث قال وقد عرف أهل اخلربة أن أهل الذمة من اليهود والنصارى واملنافقني‬
‫يكاتبون أهل دينهم أبخبار املسلمني ورمبا يطلعون على ذلك من أسرارهم وعوراهتم وغري ذلك وقد‬
‫قيل‪:‬‬

‫كل العداوات قد ترجى مودهتارال عداوة من عاداك يف الدين‬

‫انتهى كالمه‪.‬‬
‫وقد روي عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال‪ " :‬ال تستضيئوا بنار املشركني وال تنقشوا ِف خواتيمكم عربياً "‬
‫[‪ ]941‬رواه اإلمام أمحد والنسائي [‪ ]945‬وعبد ابن محيد [‪ ]941‬وغريهم‪ ،‬ومعىن قوله‪ " :‬وال‬
‫تستضيئوا بنار املشركني " أي ال تستشريوهم وال أتخذوا آراءهم‪ .‬جعل الضوء ِمثْال الرأي عند احلرية‬
‫هذا معىن قول احلسن [‪ ]941‬رواه عبد بن محيد‪ ،‬واحتج احلسن بقوله تعاىل‪{ :‬اي أيها الذين‬
‫آمنوا ال تتخذوا بطانة من دونكم} [‪ .]94٧‬وكذا فسره غريه‪ ،‬وفسر احلسن‪ " :‬وال تنقشوا ِف‬
‫خواتيمكم عربياً " أي ال تنقشوا فيها دمحماً وفسره غريه دمحم رسول هللا ألنه كان نقش خامت النيب‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وِف حديث عمر‪ " :‬ال تنقشوا ِف خواتيمكم العربية " وعن ابن عمر أنه كان يكره أن ينقش‬
‫ِف اخلامت القرآن ‪.‬‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]941‬رواه اإلمام أمحد ِف املسند ‪ ،4٧/42‬حتقيق الرتكي‪ ،‬والنسائي ِف كتاب الزينة رقم (‪ ،)59٧2‬والبيهقي ِف‬
‫السنن الكربى ‪ 491/2‬من طريق األزهر بن راشد عن أنس ابن مالك به‪ ،‬وإسناده ضعيف جلهالة األزهر هذا‪ ،‬ورواه‬
‫البخاري ِف التاريخ الكبري ‪ 41/1‬من طريق سليمان بن أيب سليمان موىل بين هاشم عن أنس بن مالك به‪ ،‬وهذا أيضاً‬
‫إسناد ضعيف جلهالة سليمان هذا‪ ،‬إال أنه صح اجلزء الثاين من احلديث وهو قوله‪ " :‬وال تنقشوا ِف خواتيمكم عربياً "‬
‫رواه البخاري ِف التاريخ الكبري ‪ 155/4‬بسند صحيح‪.‬‬
‫[‪ ]945‬اإلمام احلافظ أبو عبد الرمحن أمحد بن شعيب بن علي اخلراساين النسائي صاحب السنن ولد بنسا سنة‬
‫‪945‬ه ‪ ،‬ومسع من قتيبة بن سعيد وهشام بن عمار وعلي بن ُحجر ومجع وعنه أبو القاسم الطرباين وأبو بشر الدواليب‪،‬‬
‫وأبو علي احلسني النيسابوري وغريهم‪ .‬قال السبكي سألت شيخنا الذهيب‪ :‬ايهما أحفظ مسلم أو النسائي فقال‬
‫النسائي‪ .‬اه ‪ .‬له السنن الكربى‪ ،‬وأما الصغرى (اجملتىب) فمن مجع تلميذه ابن السين على ما ذكره الذهيب ِف سريته‪ ،‬وله‬
‫اخلصائص والضعفاء وغريها‪ ،‬توِف رمحه هللا تعاىل بفلسطني سنة ‪4٧4‬ه ‪ .‬طبقات الشافعية ‪ ،41/4‬سري أعالم النبالء‬
‫‪.495/41‬‬
‫[‪ ]941‬عبد بن محيد بن نصر الكشي أبو دمحم‪ ،‬مساه أبو حامت ِف الثقات بعبد احلميد‪ ،‬روى عن عبد الرزاق وأبو داود‬
‫وحيىي بن آدم وغريهم‪ ،‬وعنه مسلم والرتمذي والبخاري معلقاً وغريهم‪ ،‬كان ممن مجع وصنف‪ .‬توِف رمحه هللا تعاىل سنة‬
‫‪912‬ه ‪ ...‬هتذيب التهذيب ‪.541/4‬‬

‫‪455‬‬
‫وقال ابن عبد الرب قال ابن القاسم [‪ ]942‬سئل مالك عن النصراين يستكتب؟ قال ال أرى ذلك‪،‬‬
‫وذلك أن الكاتب يستشار‪ ،‬فيستشار النصراين ِف أمر املسلمني؟ ما يعجبين أن يستكتب‪ ،‬وذكر‬
‫ابن عبد الرب أنه استأذن على املأمون [‪ ]99٧‬بعض شيوخ الفقهاء فأذن له‪ ،‬فلما دخل عليه رأى‬
‫بني يديه رجالً يهودايً كاتباً له عنده منزله وقربه لقيامه مبا يصرفه فيه ويتواله من خدمته فلما رآه‬
‫الفقيه قال‪ :‬وقد كان املأمون أومأ إليه ابجللوس‪ ،‬فقال‪ :‬أأتذن يل اي أمري املؤمنني ِف إنشاد بيت‬
‫حضر قبل أن أجلس؟ قال نعم‪ ،‬فأنشده‪:‬‬
‫فت من أجله يزعم هذا أنه كاذب‬ ‫رن الذي ُش ِّر َ‬

‫وأشار إىل اليهودي‪ ،‬فخجل املأمون ووجم مث أمر حاجبه إبخراج اليهودي مسحوابً على وجهه‬
‫فأنفذ عهداً إبطراحه وإبعاده وأن ال يستعان أبحد من أهل الذمة ِف شيء من أعماله‪ .‬قال ابن‬
‫عبد الرب كيف يؤمتن على سر‪ ،‬أو يوثق به ِف أمر‪ ،‬ومن وقع ِف القرآن‪ ،‬و َّ‬
‫كذب النيب عليه السالم؟‬
‫وقد أمر الناصر لدين هللا [‪ ]994‬أن ال يستخدم ِف الديوان أبحد من أهل الذمة‪ ،‬فكتب إليه عن‬
‫نقدر أن رطيناً مات هل كان‬ ‫أيب منصور بن رطيناً النصراين إان ال جند كاتباً يقوم مقامه‪ ،‬فقال ِ‬
‫يتعطل الديوان؟ فحينئذ أسلم وحسن إسالمه [‪ ]999‬اه ‪.‬‬

‫_______________________________________‬
‫=[‪ ]941‬احلسن بن أيب احلسن البصري األنصاري‪ ،‬موالهم‪ ،‬ثقة فقيه فاضل‪ ،‬ولد لسنتني بقيتا من خالفة عمر‪ ،‬وروى‬
‫عن أنس وجابر وغريهم‪ ،‬قال أنس سلوا احلسن فإنه حفظ ونسينا قال الذهيب‪ :‬وأما مسألة القدر فصح عنه الرجوع‬
‫عنها‪ ،‬وأهنا زلة لسان‪ .‬توِف رمحه هللا سنة ‪44٧‬ه ‪ .‬انظر‪ :‬ميزان االعتدال ‪ ،1٧4/4‬هتذيب التهذيب ‪ ،1٧4/4‬التقريب‬
‫رقم (‪.)4991‬‬
‫=[‪ ]94٧‬سورة آل عمران‪ ،‬آية ‪.44٧‬‬
‫العتقي‪ ،‬أبو عبد هللا املصري الفقيه صاحب مالك ثقة مات سنة‬‫[‪ ]942‬عبد الرمحن بن القاسم بن خالد بن جنادة ُ‬
‫‪424‬ه رمحه هللا تعاىل‪ .‬التقريب رقم (‪.)1٧٧1‬‬
‫[‪ ]99٧‬أبو العباس عبد هللا بن هارون الرشيد سابع خلفاء بين العباس ِف العراق‪ ،‬ولد سنة ‪41٧‬ه كان أحد أعظم‬
‫وهشيم وعباد بن العوام وغريهم‪ ،‬وعنه ولده الفضل وابن أكثم وغريهم‪ ،‬وكان‬
‫امللوك لوال احملنة خبلق القرآن‪ ،‬مسع من أبيه ُ‬
‫مفرطاً ِف التشيع‪ ،‬ملا كرب عين ابلفلسفة فجره إىل القول خبلق القرآن‪ ،‬امتحن العلماء بذلك فآذاهم فأجاب من أجاب‬
‫وامتنع من امتنع‪ .‬توِف ِف بذندون سنة ‪94٧‬ه ‪ .‬اتريخ اخللفاء ص‪ ،4٧1‬األعالم ‪.419/1‬‬
‫[‪ ]994‬هو امللك املقلب أبمري املؤمنني أبو ِ‬
‫املطرف عبد الرمحن بن دمحم بن عبد الرمحن الداخل بن هشام بن عبد امللك‬
‫املرواين‪ ،‬ويل وعمره اثنتان وعشرون سنة فضبط املمالك وخافه األعداء‪ ،‬وكان رمحه هللا ينطوي على دين وحسن خلق‬
‫ومزاح‪ ،‬افتتح سبعني حصناً قال الذهيب ِف هناية ترمجته‪ :‬وإذا كان الرأس عايل اهلمة ِف اجلهاد‪ ،‬احتملت له هنات =‬

‫‪456‬‬
‫اثنيا؛ حكم االستعانة ابلكفار على الدولة املسلمة أو الطائفة املسلمة ‪ -‬كأهل‬
‫البغي ‪:‬‬
‫أهل البغي؛ طائفة من املسلمني خترج على اإلمام الشرعي بتأويل سائغ وال يكونون كفاراً مبجرد‬
‫خروجهم ألهنم ما خرجوا إال بتأويل سائغ بل وال يكونون فساقاً عند بعض العلماء ‪.‬‬
‫قال اإلمام تقي الدين ابن تيمية رمحه هللا [‪ ]994‬ما نصه‪ " :‬وأما إذا كان الباغي جمتهداً ومتأوالً‬
‫ومل يتبني له أنه ابغ بل اعتقد أنه على احلق وإن كان خمطئاً ِف اعتقاده‪ .‬مل تكن تسميته (ابغياً)‬
‫موجبة ألمثه‪ ،‬فضالً عن أن توجب فسقه‪ .‬والذين يقولون بقتال البغاة املتأولني يقولون‪ :‬مع األمر‬
‫بقتاهلم قتالنا هلم لدفع ضرر بغيهم ال عقوبة هلم بل للمنع من العدوان ويقولون إهنم ابقون على‬
‫العدالة ال يفسقون " اه ‪.‬‬
‫ومما استدل به القائلون بعدم تفسيق أهل البغي قوله تعاىل {وإن طائفتان من املؤمنني اقتتلوا‬
‫فأصلحوا بينهما فإن بغت إحدامها على األخرى فقاتلوا اليت تبغي حىت تفيء إىل أمر هللا فإن‬
‫فاءت فأصلحوا بينهما ابلعدل وأقسطوا إن هللا حيب املقسطني إمنا املؤمنون إخوة فأصلحوا بني‬
‫أخويكم واتقوا هللا لعلكم ترمحون} [‪ .]991‬وجه الداللة من اآلايت أنه قال {إمنا املؤمنون إخوة‬
‫فأصلحوا بني أخويكم} مث إن البغاة إذا خرجوا على اإلمام واحلالة هذه وجب عليه أن يدعوهم‬
‫ويسأهلم ما ينقمون منه فإن ذكروا مظلمة أزاهلا وإن ذكروا شبهة كشفها‪ ،‬فإن استمروا ِف اخلروج‬
‫بعد ذلك استعان ابهلل وقاتلهم‪ ،‬وال جيوز له أن يستعني ابلكفار على قتاهلم كما ال جيوز االستعانة‬
‫ابلكفار على قتال الدولة املسلمة اليت حصل بينه وبني حاكمها نزاع أو خالف ألن ِف االستعانة‬
‫ابلكافرين تسليطاً هلم على املسلمني وال جيوز ألحد أن يسلط كافراً على مسلم {ولن جيعل هللا‬
‫للكافرين على املؤمنني سبيالً} [‪. ]995‬‬
‫وقد اتفق من يعتد بقوله من علماء األمة وفقهائها على أنه ال جيوز للحاكم املسلم أن يستعني‬
‫ابلدولة الكافرة على املسلمني أبي حال من األحوال وذلك لألمور التالية‪:‬‬
‫_______________________________________‬
‫= وحسابه على هللا‪ ،‬أما إذا أمات اجلهاد‪ ،‬وظلم العباد‪ ،‬وللخزائن أابد‪ ،‬فإن ربك لباملرصاد اه ‪ .‬توِف والينا هذا سنة‬
‫‪45٧‬ه وله اثنتان وسبعون سنة رمحه هللا تعاىل‪ .‬سري أعالم النبالء ‪.519/45‬‬
‫[‪ ]999‬اآلداب الشرعية ‪.111/9‬‬
‫[‪ ]994‬الفتاوى ‪.11/45‬‬
‫[‪ ]991‬سورة احلجرات‪ ،‬آية ‪.4٧-2‬‬
‫[‪ ]995‬سورة النساء‪ ،‬آية ‪.414‬‬

‫‪457‬‬
‫‪ )4‬ما قدمناه من النصوص من الكتاب والسنة وأقوال العلماء من منع االستعانة ابلكفار على‬
‫الكفار فإن كان هذا هو الراجح ‪ -‬أعين منع استعانة املسلمني ابلكفار على الدولة الكافرة ‪ -‬فمن‬
‫ابب أوىل منع االستعانة هبم على الدولة املسلمة ‪.‬‬
‫‪ )1‬الكفار أعداء للمسلمني عداوة عقيدة ودين‪ ،‬ومعلوم أن الكفار إذا مكنوا من قتال املسلمني‬
‫انتقموا منهم واستأصلوا شأفتهم ملا يضمرون هلم من البغضاء والعداء [‪.]991‬‬
‫قال تعاىل‪{ :‬إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداءاً ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم ابلسوء وودوا لو‬
‫تكفرون} [‪.]991‬‬
‫وقال سبحانه‪{ :‬اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا بطانة من دونكم ال أيلونكم خباالً ودوا ما عنتم قد‬
‫بدت البغضاء من أفواههم وما ختفي صدورهم أكرب ‪ -‬إىل قوله ‪ -‬وإذا خلوا عضوا عليكم األانمل‬
‫من الغيظ} [‪ ،]99٧‬وقال تعاىل‪{ :‬ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون‬
‫عليكم ميلة واحدة} [‪.]992‬‬
‫‪ )3‬وابلنسبة ألهل البغي فالعلة ِف جواز قتاهلم هي كفهم وردهم إىل الطاعة ال قتلهم وإابدهتم‬
‫وهبذا يعلم أنه ال حاجة إىل الكفار فلم جتز االستعانة هبم‪.‬‬
‫‪ )1‬أن االستعانة ابلكفار ِف تلك احلال مواالة هلم وركون إليهم وقد قال تعاىل‪{ :‬وال تركنوا إىل‬
‫الذين ظلموا فتمسكم النار} [‪.]94٧‬‬
‫‪ )5‬مث إن ِف االستعانة هبم تعزيزاً وتقوية لبعض املسلمني على بعض وإشعاالً للحروب بينهم ودافعاً‬
‫هلم على التنازع على الرائسة وامللك وذلك ماال يقره الشرع حبال بل إنه يدعو املسلمني ِف تلك‬
‫احلال إىل اإلصالح فيما إذا كانوا مجيعاً طالب حق أو ملك أو رائسة فإذا كانت إحدى الطائفتني‬
‫املتحاربتني هي احملقة فاملقصود من قتاهلا لألخرى دفع بغيها ال إابدهتا وذلك يتحقق بدون‬
‫االستنصار ابلكفار‪.‬‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]991‬كما حصل مثل ذلك للشعب املسلم ِف العراق حينما تسلط عليهم الكفار من األمريكان واالجنليز بسبب‬
‫استعانة بعض احلكام هبم على قتاهلم فقد دمروا العراق وقواته واذاقوا شعبه الوابل فاصبح هذا الشعب املسلم يعاين من‬
‫األمراض ونقص الغذاء والدواء كل ذلك نتيجة تسلط هذه الدول الكافرة على هذا الشعب املسلم بسبب تلك‬
‫االستعانة وطلب النصرة منهم والتأييد‪.‬‬
‫[‪ ]991‬سورة املمتحنة‪ ،‬آية ‪9‬‬
‫[‪ ]99٧‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلايت ‪.442-44٧‬‬
‫[‪ ]992‬سورة النساء‪ ،‬آية ‪.4٧9‬‬
‫[‪ ]94٧‬سورة هود‪ ،‬آية ‪.444‬‬

‫‪458‬‬
‫‪ )6‬واالستعانة ابلكفار متكني هلم ِف كسر شوكة املسلمني والقضاء عليها بل رمبا إابدهتم أو طردهم‬
‫من بالدهم واالستيالء عليها وكفى ابلتاريخ شاهداً على ما نقول فاملسلمون ِف األندلس مثالً‬
‫وقعت بينهم الفنت العظيمة واستنصر بعضهم ابلنصارى على إخواهنم املسلمني حىت هلكوا مجيعاً‬
‫وزال سلطان املسلمني هناك واألمر هلل من قبل ومن بعد ‪.‬‬
‫‪ )7‬واالستعانة هبم كذلك سلم هلم للتدخل ِف شؤون املسلمني اخلاصة واالطالع على عورات‬
‫املسلمني ومكامن الضعف والقوة فيهم األمر الذي قد جيعلهم سادات وحكام حيتكم إليهم‬
‫املسلمون بل رمبا آل األمر أبولئك إىل حشد جيوشهم وسالحهم ِف بالد املسلمني ابسم احملافظة‬
‫على األمن وفض النزاع ونصرة املستضعفني واملظلومني وذلك مبجرد توجيه أدَّن إشارة إليهم‬
‫للنجدة والنصرة من بعض من ِف قلوهبم مرض من املسلمني أه [‪.]944‬‬

‫وقد ذهب بعض العلماء إىل أن من صور االستعانة ابلكفار على أهل البغي ما يكون كفراً‬
‫[‪.]949‬‬
‫قال اإلمام أبو دمحم علي بن حزم ِف احمللى‪ " :‬وأما من محلته احلمية من أهل الثَّغر من املسلمني‬
‫فاستعان ابملشركني احلربيني وأطلق أيديهم على قتل من خالفه من املسلمني أو على أخذ أمواهلم أو‬
‫سبيهم فإن كانت يده هي الغالبة وكان الكفار له كأتباع فهو هالك ِف غاية الفسوق وال يكون‬
‫بذلك كافراً ألنه مل أيت شيئاً وجب به عليه كفر قرآن أو إمجاع وإن كان حكم الكفار جارايً عليه‬
‫فهو بذلك كافر على ما ذكران فإن كاان متساويني ال جيري حكم أحدمها على اآلخر فما نراه‬
‫بذلك كافراً وهللا أعلم " [‪ .]944‬وهذا احلكم أعين منع االستعانة ابلكفار شامل للكفار احلربيني‬
‫وأهل الذمة واملرتدين قال اإلمام أبو دمحم علي بن حزم أيضاً [‪ " :]941‬هل يستعان على أهل‬
‫البغي أبهل احلرب أو أبهل الذمة أو أبهل بغي آخرين قال أبو دمحم رمحه هللا‪ :‬اختلف الناس ِف‬
‫هذا فقالت طائفة ال جيوز أن يستعان عليهم حبريب وال بذمي وال مبن يستحل قتاهلم مدبرين وهذا‬
‫قول الشافعي هنع هللا يضر وقد ذكران ِف كتاب اجلهاد قول رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ " :‬إان ال نستعني مبشرك "‬
‫[‪ ]945‬وهذا عموم مانع من أن يستعان هبم ِف والية أو قتال أو شيء من األشياء إال ما صح‬
‫اإلمجاع على جواز االستعانة هبم فيه كخدمة اهلداية أو االستئجار أو قضاء احلاجة وغري ذلك‬
‫مماال خيرجون فيه عن الصغار واملشرك يقع على الذمي واحلريب " اه ‪.‬‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]944‬انظر‪ :‬االستعانة‪ ،‬ص‪.922‬‬
‫[‪ ]949‬وذلك ِف حالة ما إذا كان حكم الكفار جا ٍر على املستعني هلم وغالب عليه‪.‬‬

‫‪459‬‬
‫أما من قال من املنتسبني للعلم جبواز االستعانة ابلكفار على قتال أهل البغي عند الضرورة فليس له‬
‫حجة وال دليل من كتاب وال سنة وال أثر صحيح‪.‬‬
‫قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرمحن بن حسن آل الشيخ رمحه هللا‪ " :‬أما استنصار املسلم‬
‫ابملشرك على الباغي فلم يقل هبذا إال من شذ واعتمدها القياس ومل ينظر إىل مناط احلكم واجلامع‬
‫بني األصل وفرعه ومن هجم على مثل هذه األقوال الشاذة واعتمد ِف نقله وفتواه فقد تتبع الرخص‬
‫ونبذ األصل املقرر عند سلف األمة وأئمتها املستفاد من حديث احلسن وحديث النعمان بن بشري‬
‫" أه [‪.]941‬‬

‫االستعانة ابلكفار يف غري مباشرة القتال‬

‫هذا النوع من االستعانة ابلكفار له حاالت‪:‬‬


‫احلالة األوىل‪ :‬االستعانة هبم ِف األعمال الكتابية واحلسابية واإلدارة وحنو ذلك‪ ،‬وهذا تقدم الكالم‬
‫فيه وذكران موقف أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب من هذه املسألة وتشديده النكري على أيب موسى‬
‫هنع هللا يضر حني استكتب نصرانياً وتقدم أيضاً عنه هنع هللا يضر أنه كتب لعماله ِف اآلفاق‪ :‬أما بعد فإنه من كان‬
‫قبله كاتب من املشركني فال يعاشره وال يوادده وال جيالسه وال يعتضد برأيه فإن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص مل‬
‫أيمر ابستعماهلم وال خليفته من بعده وعندما كتب إليه معاوية يستشريه ِف االستعانة ابلكفار ِف‬
‫الكتابة واحلساب هناه وقال‪ :‬عافاان هللا وإايك فإن النصراين قد مات والسالم‪.‬‬
‫وكذلك تقدم موقف اخلليفة عمر بن عبد العزيز ِف هذا حيث كتب لعماله ِف اآلفاق قائالً‪ :‬أما‬
‫بعد فإن عمر بن عبد العزيز يقرأ عليكم من كتاب هللا {اي أيها الذين آمنوا إمنا املشركون جنس}‬
‫[‪ ،]941‬فجعلهم جنساً حزب الشيطان إىل قوله‪ :‬فال أعلم أن أحداً من العمال أبقى ِف عمله‬
‫رجالً متصرفاً على غري دين اإلسالم إال نكلت به فإن حموا عمالكم كمحو دينهم وأنزلوهم منزلتهم‬
‫اليت خصهم هللا هبا من الذل والصغار اه ‪.‬‬
‫_______________________________________‬
‫=[‪ ]944‬احمللى ‪ ،9٧٧/44‬املسألة ‪.942٧‬‬
‫=[‪ ]941‬احمللى ‪ ،449/44‬مسألة ‪.945٧‬‬
‫=[‪ ]945‬سبق خترجيه ص‪.141‬‬
‫[‪ ]941‬جمموعة الرسائل واملسائل النجدية ‪.1٧/4‬‬
‫[‪ ]941‬سورة التوبة‪ ،‬آية ‪.9٧‬‬

‫‪461‬‬
‫مث إن االستعانة ابلكفار ِف هذا اجملال يتيح هلم الفرصة ِف إيقاع الضرر ابملسلمني وخيانتهم‬
‫واالطالع على أسرارهم وإبالغها لقومهم أعداء اإلسالم واملسلمني وميكنهم من معرفة مكامن القوة‬
‫والضعف واالطالع على طرق املسلمني ومسالكهم فيبلغون قومهم بذلك وهذا فيه أكرب الضرر‬
‫على املسلمني‪.‬‬
‫وهلذا فإن مذهب مجهور علماء األمة وفقهائها أعين عدم جواز االستعانة ابلكفار ذميني كانوا أم‬
‫غريهم ِف الوظائف اهلامة كالكتابة واإلدارة واحلساب والوزارة التنفيذية وغري ذلك هو الراجح من‬
‫أقوال العلماء ِف هذه املسألة لألمور التالية‪:‬‬
‫‪ )4‬لوجود األدلة الكثرية وهي ظاهرة الداللة‪.‬‬
‫‪ )9‬وألنه مل يعهد أن أحداً من والة املسلمني ِف صدر اإلسالم وىل ذمياً شيئاً من تلك الوالايت‪.‬‬
‫ختول صاحبها العمل واحلزم واحلل‬‫‪ )4‬والة الوظائف العامة فيها والية وسلطة وصالحيات كثرية ِ‬
‫والعقد والكافر ال سلطان له على املسلمني كما قال جل ثناؤه {ولن جيعل هللا للكافرين على‬
‫املؤمنني سبيالً} [‪. ]94٧‬‬
‫‪ )1‬مث إهنا وظائف غري مناسبة للكافر ألهنا تتطلب أمراً مهماً هو اإلميان أبمهية هذه الوظائف وأهنا‬
‫أمانة عظيمة ومسؤولية شرعية وهذا ال يوجد إال ِف املسلم ألن الدولة كلها تقوم على العقيدة‬
‫اإلسالمية والفكر اإلسالمي فهي دولة عقدية فكرية ذات أصول اثبتة وليست دولة دنيوية صرفه‪،‬‬
‫ومن غري املعقول أن تسند األعمال املهمة ِف هذه الدولة إىل من ال يؤمن أبصوهلا وأسسها‪.‬‬
‫‪ )5‬فإن هذه الوظائف هلا أمهية ابلغة ملا تنطوي عليه من األسرار اليت ال يتسع هلا قلب الكافر بل‬
‫ال ينبغي أن يطلع عليها [‪.]942‬‬
‫‪ )1‬معلوم أن الكفار أعداء للمسلمني عداوة ظاهرة وأهنم يتمنون أن تكون هلم سلطة على‬
‫املسلمني فينتقموا منهم بشىت أنواع االنتقام ويفرحون بكل ما يصيب املسلمني من ضرر وأذى‬
‫منهم أو من غريهم ويعتقدون أنه ال حرج عليهم ِف االستيالء على أموال املسلمني ومقدراهتم‪ .‬قال‬
‫تعاىل‪{ :‬ومن أهل الكتاب من إن أتمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن أتمنه بدينار ال يؤده‬
‫إليك إال ما دمت عليه قائماً ذلك أبهنم قالوا ليس علينا ِف األميني سبيل ويقولون على هللا‬
‫الكذب وهم يعلمون} [‪.]91٧‬‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]94٧‬سورة النساء‪ ،‬آية ‪.414‬‬
‫[‪ ]942‬االستعانة ص‪.4٧9‬‬
‫[‪ ]91٧‬سورة آل عمران‪ ،‬آية ‪.15‬‬

‫‪461‬‬
‫قال ِف املذمة [‪ :]914‬وقد أخرب هللا سبحانه وتعاىل عن أهل الكتاب أهنم يعتقدون أهنم ليس‬
‫عليهم إمث وال خطيئة ِف خيانة املسلمني وأخذ أمواهلم فقال تعاىل‪{ :‬ومن أهل الكتاب من إن‬
‫أتمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن أتمنه بدينار ال يؤده إليك إال ما دمت عليه قائماً ذلك‬
‫أبهنم قالوا ليس علينا ِف األميني سبيل ويقولون على هللا الكذب وهم يعلمون} (‪ .)9‬وهذه صفة‬
‫قبط مصر فإهنم الذين زعموا أهنم ليس عليهم ِف األميني سبيل وأن هلم أخذ أمواهلم وأنفسهم جماانً‬
‫ِف مقابلة ما أخذوا من أموال النصارى وأنفسهم ِف الزمان الغابر‪ .‬اه ‪.‬‬
‫أما استعانة املسلمني ابلكفار ِف اخلدمة كالداللة على الطريق واستئجارهم ِف اخلدمة العامة البعيدة‬
‫عن احلرب والقتال فهذا ال أبس به ألنه ال خيرجهم عن الذلة والصغار‪.‬‬
‫قال اإلمام أبو دمحم بن حزم بعد أن ذكر منع االستعانة ابلكفار حربيني كانوا أم ذميني قال‪ " :‬وهذا‬
‫عموم مانع من أن يستعان هبم ِف والية أو قتال أو شيء من األشياء إال ما صح اإلمجاع على‬
‫جواز االستعانة هبم فيه كخدمة اهلداية أو االستئجار أو قضاء احلاجة وغريه مما ال خيرجون فيه عن‬
‫الصغار " [‪ .]919‬ونقل ابن عبد الرب ِف التمهيد عن اإلمام مالك قوله‪ " :‬وال أرى أن يستعان‬
‫ابملشركني على قتال املشركني إال أن يكونوا خدماً أو نواتيه [‪ " ]914‬أه [‪.]911‬‬
‫أما استعانة الدولة املسلمة أبموال الدولة الكافرة فال خيلوا إما أن يكون على وجه القرض أو اهلبة‪،‬‬
‫فإن كان على سبيل القرض فعمومات النصوص من الكتاب والسنة على حترمي االستعانة ابلكفار‬
‫تدل على منع االستقراض منهم ألن العلة اليت من أجلها هنى الشارع عن االستعانة ابلكفار‬
‫موجودة ِف االستقراض منهم‪ ،‬وألن االستقراض من الكفار يرتتب عليه أمور منها‪:‬‬

‫‪ )4‬أن فيه ذل وصغار على الدولة ألنه من سؤال الند لنده‪.‬‬

‫‪ )9‬أن الدولة الكافرة لن تقرض الدولة املسلمة تعاطفاً معها أو رمحة هبا أو إكراماً هلا بل ملا ترجوه‬
‫من احلصول على الفوائد واألرابح فهي إما أن أتخذ فائدة معينة على القرض وهو صريح الراب‪،‬‬
‫وأما أن تشرتط على الدولة شروطاً تستفيد منها وتكون مرهقة للدولة املسلمة بل خزايً وعاراً‬
‫عليها‪.‬‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]914‬املذمة ِف استعمال أهل الذمة‪ ،‬ص‪.1٧‬‬
‫[‪ ]919‬احمللى ‪449/49‬‬
‫[‪ ]914‬انظر ص ‪ 119‬من هذا الكتاب‪.‬‬
‫[‪ ]911‬التمهيد ‪.45/49‬‬

‫‪462‬‬
‫‪ )4‬أن الدولة الكافرة وال سيما احملاربة رمبا اختذت من القروض أسلوابً الستعمار املسلمني وأرضهم‬
‫فإهنا تفتح صدرها للدولة املسلمة لالقرتاض منها كما تشاء فترتاكم الديون حىت تعجز الدولة‬
‫املسلمة عن وفائها فيكون ذلك سلماً لالستعمار احلقيقي أو املعنوي وهذه عالمة االنتكاس‬
‫واإلفالس للدولة املسلمة وِف العصر احلديث أثبتت ذلك دول الكفر عملياً‪.‬‬

‫‪ )1‬أن ِف االستقراض من الكفار ركوانً إليهم ومواالة هلم وخضوعاً لسلطاهنم‪.‬‬

‫احلالة الثانية‪ :‬االستعانة أبموال الدولة الكافرة عن طريق االستيهاب فهذا آكد منعاً وأغلظ حترمياً‬
‫ملا يرتتب عليه من ذل وهوان وصغار وركون إىل الكفار ومواالهتم وألن ِف االستيهاب مسألة‬
‫واملسألة هنى الشارع عنها بني املسلمني أنفسهم ال سيما إذا كان السؤال للكفار‪ ،‬وقد ورد ذم‬
‫املسألة ِف نصوص كثرية منها ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي هللا عنهما عن النيب‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص قال‪ " :‬ما يزال الرجل يسأل الناس حىت أييت يوم القيامة وليس ِف وجهه مزعة حلم " [‪،]915‬‬
‫وقال تعاىل {والهتنوا والحتزنوا وأنتم األعلون إن كنتم مؤمنني} [‪ ،]911‬وقال {وهلل العزة ولرسوله‬
‫وللمؤمنني} [‪ ،]911‬وألن سؤال الكفار يكشف ضعف املسلمني وفقرهم وفاقتهم وحاجتهم إىل‬
‫الدولة الكافرة ‪ ،‬األمر الذي يفرحهم ويسرهم بل وجيرئهم على العدوان ونقض العهود ‪ ،‬كما قال‬
‫تعاىل {إن متسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا هبا وإن تصربوا وتتقوا ال يضركم‬
‫كيدهم شيئاً إن هللا مبا يعملون حميط} [‪.]91٧‬‬

‫حكم االستعانة ابلكفار يف األمور املعنوية‪:‬‬

‫لقد بينا فيما سبق أن االستعانة هبم ال جتوز مطلقاً سواء أكانت االستعانة هبم ِف احلرب والقتال أم‬
‫ِف اإلدارة والكتابة وسائر األعمال وبرهنا على ذلك بنصوص من كتاب هللا وسنة نبيه صلى هللا‬
‫عليه وسلم وذكران أقوال علماء األمة ِف ذلك وِف هذا الفصل نبني حكم االستعانة هبم من حيث‬
‫املعىن مثل وقوفهم إىل جانب قضاايان وتصويتهم معنا ِف احملافل الدولية ألن ذلك ال يعدو األقوال‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]915‬رواه البخاري ِف صحيحه ِف كتاب الزكاة رقم (‪ ،)4111‬ومسلم ِف كتاب الزكاة رقم (‪.)4٧1٧‬‬
‫[‪ ]911‬سورة آل عمران‪ ،‬آية ‪.442‬‬
‫[‪ ]911‬سورة املنافقون‪ ،‬آية ‪.٧‬‬
‫[‪ ]91٧‬سورة آل عمران‪ ،‬آية ‪.49٧‬‬

‫‪463‬‬
‫دون الفعال فهم وإن وقفوا مع املسلمني وأيدوا قضاايهم ابلقول فلن يفعلوا شيئاً يكون فيه نصرة‬
‫للمسلمني أو نفع هلم ألهنم أعداء لإلسالم واملسلمني ويفرحون بكل ما من شأنه أن يضر بقضااي‬
‫املسلمني وكل عداوة قد يرجى زواهلا إال العداوة ِف الدين كما قال الشاعر‪:‬‬
‫كل العدوات قد ترجى مودهتارال عداوة من عاداك يف الدين‬

‫والواقع شاهد على ما نقول فقد أبيد املسلمون ِف البوسنة واهلرسك من قبل النصارى ودامت‬
‫احلرب سنوات واألمم الكافرة تشجب وتستنكر ِف هيئة األمم وِف غريها من احملافل الدولية وهتدد‬
‫لكن مل حيصل فعل وكذلك ِف إقليم كوسوفا فمنذ أكثر من سنة والصرب يبيدون املسلمني وجيلوهنم‬
‫من دايرهم وحيرقوهنا والغرب يشجب ويستنكر ويتوعد بضرابت عسكرية ضد صربيا لكنه مل يفعل‬
‫شيئاً‪.‬‬
‫قال الدكتور عبد هللا بن إبراهيم الطريقي‪ " :‬إن عصراً مثل عصران الذي قويت فيه شوكة الباطل‬
‫ودالت له الدولة وضعفت فيه األمة اإلسالمية وتفرقت دويالهتا مزقاً وضاعت فيه حقوقها‬
‫واغتصبت أراضيها وانتهكت حرماهتا ِف كثري من بلداهنا إن عصراً كهذا قد يدعو املسلمني إىل‬
‫عمل ما ميلكونه وما يستطيعونه لتوجيه أنظار العامل إىل قضاايهم الضائعة وحقوقهم املغتصبة‬‫ِ‬
‫وإقناعه أبمهيتها ومن مث طلب ضم الصوت لصاحلهم ابلتنديد أبعمال العدو املغتصب وضرورة‬
‫إعادة احلقوق إىل أصحاهبا‪ .‬وميكن أن نضرب لذلك مثالً بقضية املسلمني ِف " فلسطني " اليت‬
‫اغتصبها اليهود وأقاموا فيها دولتهم على مرأى ومسمع من العامل فهل مثل هذا العمل مشروع؟‬
‫إن اإلجابة عن هذا السؤال تستدعي إاثرة سؤالني مها‪:‬‬
‫األول‪ :‬هل من فائدة ِف استجداء الكفار واستعطافهم واسرتحامهم؟‬
‫الثاين‪ :‬ماواجب املسلمني حينما حيصل االعتداء من الكفار على دايرهم ومقدساهتم؟‬
‫وجنيب عن السؤال األول فنقول‪ :‬لعل مما ال ينكر شرعاً أو واقعاً أن استجداء الكفار واستعطافهم‬
‫ما هو إال ذل وصغار للمسلمني وال يزيدهم إال وهناً وال يزيد الكافرين إال عزة واستكباراً وأنفه‪،‬‬
‫وصدق هللا جل ثناؤه إذ يقول‪{:‬الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون املؤمنني أيبتغون عندهم‬
‫العزة فإن العزة هلل مجيعاً}[‪ ،]912‬وإذ يقول‪{:‬إن متسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة‬
‫يفرحوا هبا وإن تصربوا وتتقوا ال يضركم كيدهم شيئاً إن هللا مبا يعملون حميط}[‪،]95٧‬‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]912‬سورة النساء‪ ،‬آية ‪.442‬‬
‫[‪ ]95٧‬سورة آل عمران‪ ،‬آية ‪.49٧‬‬

‫‪464‬‬
‫ففي اآلية األوىل ينكر هللا على من يطلب العزة من الكفار وال شك أن طلب ضم الصوت منهم‬
‫يعترب طلباً للعزة وِف الثانية خيرب هللا تعاىل عن الكفار أهنم يساءون حينما يصيب املسلمني خري‬
‫ويفرحون إذا أصيبوا بشر فطلب التصويت منهم إذن ال جدوى فيه‪.‬‬
‫واجلواب على السؤال اآلخر‪ :‬إن واجب املسلمني عند وقوع االعتداء من الكفار أن يردوا االعتداء‬
‫مبثله ويدافعوا عن حقوقهم بال خالف وإن كان األمر كذلك فإن استجداء الكفار أبن يصوتوا ِف‬
‫صاحل القضااي اإلسالمية أمر عدمي الفائدة وال طائل حتته بل هو استجداء للمشركني وخضوع هلم‬
‫ولعل واقع املسلمني املعاصر يصور لنا ذلك ِف أوضح الصور فالقضية الفلسطينية مثالً ماذا‬
‫استفادت من استجداء العرب لدول الكفر واستعطافهم هلم فكم من البياانت املشرتكة والقرارات‬
‫بني دول العامل اإلسالمي وبني بعض دول الكفر اليت صدرت تستنكر وتندد بشدة " ظاهرايً "‬
‫أبعمال اليهود فإهنا مهما قيل وادعى من حصول املكاسب من ورائها فهو هراء‪.‬‬

‫هلذا نقول إن طلب التصويت أمر غري مشروع ملا عرفناه وواجب املسلمني جتاه حقوقهم املغتصبة‬
‫واملنتهكة أن يوحدوا صفوفهم ويعيدوها ابجلهاد وال شيء غري ذلك " [‪.]954‬‬

‫خامتة‪:‬‬
‫إن املستعرض هلذا البحث على اختصاره يالحظ أنه اشتمل على كثري من األحكام املتعلقة جبزيرة‬
‫العرب حيث تضمن بيان موقعها وحدودها وأحكام إقامة الكفار فيها فقد بينت ذلك كله بياانً‬
‫واضحاً وسقت ما ورد ِف ذلك من النصوص الشرعية وذكرت ما تضمنته القواميس اللغوية‪،‬‬
‫وذكرت املعول عليه من كالم العلماء ِف حكم إقامة اليهود والنصارى وغريهم من الكفار ِف هذه‬
‫اجلزيرة كما تضمن البحث بيان حكم االستعانة ابلكفار ِف القتال وِف غريه من األعمال األخرى‬
‫كاإلدارة والكتابة والوزارة وغريها وبينت ما شبَّه به اجمليزون لالستعانة ابلكفار من األدلة وأوضحت‬
‫أن ما ذكروه من األدلة الينهض لالستدالل إما لضعفه وإما لعدم وضوح داللته وإما الضطرابه‬
‫متناً وسنداً وهبذا مت البحث راجياً من هللا أن جيعله خالصاً لوجهه وأن ينفع به ونظراً إىل أنين بشر‬
‫والبشر معرض للخطأ فارجو ممن قرأه وعثر على خطأ فيه أن ينبهين على ذلك فأكون شاكراً له‪.‬‬

‫هذا وقد فرغت من إمالئه يوم االثنني املوافق ‪ 45‬شوال عام ‪4142‬ه ‪.‬‬
‫_______________________________________‬
‫[‪ ]954‬االستعانة ص ‪.4٧1 - 4٧5‬‬

‫‪465‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫حكم رقامة اليهود والنصارى يف جزيرة العرب ومتلكهم العقارات واستثمارها‬
‫وردان سؤال من بعض أهايل القدس الشريف هذا نصه ‪:‬‬
‫فضيلة الشيخ محود بن عبدهللا بن عقالء الشعييب حفظه هللا تعاىل ‪.‬‬
‫ما حكم إقامة اليهود والنصارى واملشركني ِف جزيرة العرب‪ ،‬وما حكم متليكهم العقارات والدور‪،‬‬
‫أال خيشى أن يصبح متلكهم للعقار ِف البلدان اليت سبق وأن سكنوها احتالال هلا كما حصل ذلك‬
‫ِف فلسطني ‪ ..‬أفتوان جزاكم هللا خري …‬
‫اجلواب ‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫وسلم … أما بعد ‪.‬‬
‫فقد اتفق من يعتد بقوله من فقهاء األمة وعلمائها على أهنا ال جتوز إقامة اليهود والنصارى‬
‫واملشركني ِف جزيرة العرب‪ ،‬ال إقامة دائمة وال مؤقتة ما عدى أن بعض العلماء يرى جواز إقامتهم‬
‫ثالثة أايم للضرورة وال جيوز ملسلم أن أيذن هلم ِف دخوهلا لإلقامة‪ ،‬معتمدين على األحاديث‬
‫الصحيحة عن النيب عليه الصالة والسالم واآلاثر الثابتة عن الصحابة مهنع هللا يضر ‪.‬‬
‫فمن تلك النصوص ما رواه ابن عباس رضي هللا عنهما أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أوصى قبل موته بثالث ‪:‬‬
‫(أخرجوا املشركني من جزيرة العرب)(‪ )4‬متفق عليه ‪ .‬وِف صحيح مسلم من طريق أيب الزبري أنه‬
‫مسع جابر بن عبدهللا يقول ‪ :‬أخربين عمر بن اخلطاب هنع هللا يضر أنه مسع رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص يقول ‪:‬‬
‫(ألخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حىت ال أدع فيها إال مسلما)(‪ . )9‬ومنها ما رواه‬
‫اإلمام أمحد ِف مسنده من طريق دمحم بن إسحاق قال حدثين صاحل بن كيسان عن الزهري عن‬
‫عبيد هللا بن عبدهللا بن عتبة عن عائشة قالت ‪( :‬كان آخر ما عهد به رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال ‪ :‬ال‬
‫يبقني جبزيرة العرب دينان)(‪ .)4‬وروى البخاري ومسلم من حديث أىب هريرة هنع هللا يضر قال ‪ :‬بينما حنن‬
‫ِف املسجد إذ خرج علينا رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص فقال ‪( :‬انطلقوا إىل يهود‪ ،‬فخرجنا معه حىت جئنا بيت‬
‫املدراس فقام النيب ملسو هيلع هللا ىلص فنادى ‪ :‬اي معشر يهود ‪ :‬أسلموا تسلموا‪ ،‬فقالوا قد بلغت اي أاب القاسم ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬ذلك أريد‪ ،‬مث قاهلا الثانية‪ ،‬فقالوا ‪ :‬قد بلغت اي أاب القاسم‪ ،‬مث قاهلا ِف الثالثة فقال ‪:‬‬
‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪.)4٧54‬‬
‫(‪ )9‬رواه مسلم (‪.)4111‬‬

‫‪466‬‬
‫اعلموا أن األرض هلل ورسوله وإين أريد أن أجليكم فمن وجد منكم مباله شيئا فليبعه وإال فاعلموا‬
‫أمنا األرض هلل ورسوله)(‪. )4‬‬
‫وهذه النصوص وغريها مما مل أورده تدل داللة قاطعة على أنه ال جيوز لليهود والنصارى وغريهم من‬
‫الكفار أن يبقوا ِف جزيرة العرب‪ ،‬وهي كما ترى ِف مكان من حيث الصحة والصراحة ووضوح‬
‫املعىن واألحكام حبيث ال ميكن الطعن فيها ابلتضعيف أو التأويل أو دعوى النسخ‪ ،‬وذلك أهنا‬
‫خمرجة ِف الصحيحني وبعضها ِف املسند وبعضها ِف السنن ‪.‬‬

‫وقد اتفق العلماء على أن ما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم رمحهما هللا أنه يفيد العلم اليقيين‪،‬‬
‫ألن األمة تلقته ابلقبول والتصديق فال جمال للطعن فيما اتفق عليه البخاري ومسلم‪ ،‬أما عدم جواز‬
‫أتويلها فذلك ألجل صراحة ألفاظها ووضوحها وكوهنا نصا ِف املوضوع ال حيتمل لفظها معىن غري‬
‫املعىن الظاهر منها‪ ،‬وما كان كذلك فال يصح أتويله عند علماء األصول وغريهم من العلماء‪ ،‬إمنا‬
‫الذي جيوز أتويله من النصوص هو الذي يكون لفظا حمتمال ملعنيني فريجح أحدمها ألجل قرينة‬
‫حتف به ‪ .‬أما كوهنا حمكمة وغري قابلة للنسخ فألجل أن النيب عليه الصالة والسالم أمر وأوصى‬
‫إبخراجهم من جزيرة العرب ِف آخر حياته كما سبق عن عائشة اهنع هللا يضر قالت ‪ :‬كان آخر ما عهد به‬
‫رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال ‪( :‬ال يبقني ِف جزيرة العرب دينان) ‪ .‬فإذا كان األمر كذلك فدعوى النسخ‬
‫غري واردة ملعرفة أتخر أتريخ تكلمه صلى هللا عيه وسلم بذلك ‪.‬‬

‫هذا ما يتعلق ِف بيان حكم إقامة اليهود والنصارى ِف جزيرة العرب من غري متلك للعقارات من‬
‫دور ومزارع وضيعات‪ ،‬ومن أراد االستزادة ِف هذه املسألة فلرياجع كتايب (القول املختار ِف حكم‬
‫االستعانة ابلكفار) ‪..‬‬
‫أما إذا مسح هلم امتالك العقارات فسوف يرتتب على ذلك مفاسد متعددة دينية واجتماعية‬
‫واقتصادية‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫أوال ‪:‬مصادمة النصوص احملرمة إلقامتهم ِف جزيرة العرب ألن متلكهم يكرس إلقامتهم دائما فيها ‪.‬‬

‫اثنيا ‪:‬إذا كانوا يقيمون ِف أمالكهم فسوف يتسلطون على املسلمني ويتعالون عليهم ويؤذوهنم ‪.‬‬

‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد (‪ )91459‬قال الشيخ شعيب األرانؤوط‪ :‬صحيح لغريه ‪ ،‬وهذا إسناد حسن‪.‬‬

‫‪467‬‬
‫اثلثا ‪ :‬بعض أهل الكتاب من يهود ونصارى هلم مطامع اترخيية ِف بعض البالد كخيرب وفدك‬
‫وتيماء واملدينة املنورة وجنران‪ ،‬وِف بلدان ِف اليمن‪ ،‬فيخشى أن يرتتب على متلكهم لشيء من هذه‬
‫البلدان احتالهلا كما فعلوا ذلك ِف فلسطني ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬متلكهم للعقار يدفع إىل التطبيع اخلفي مع اليهود إذ من املعلوم أن بعض الشركات الكربى‬
‫العظيمة يهودية اجلنسية ‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬أهنم إذا أصبحوا مالك عقارات فسيطالبون ابلرتفيه السياحي واالجتماعي وهي ترفيهات حمرمة‬
‫من الشاليهات واملسارح ودور السينما؛ ألن هذا جزء من حياهتم الغربية ‪ ،‬وسيقومون ابستثمار شركاهتم‬
‫بطرق جتارية حمرمة كاملعامالت الربوية‪ ،‬وتوسعها وظهور شركات التأمني احملرمة أبنواعها ‪ .‬كما أن هذه‬
‫الشركات األجنبية سوف تعمل وفق سياستها وقوانينها ومبادئها وليس وفق الشريعة‪ ،‬ومن مث سوف‬
‫تطالب أبن تكون مستثناة من أحكام الشريعة وأن يسعها اخلروج عن شريعة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص ‪.‬‬

‫سادسا ‪ :‬أن هؤالء الكفار إذا مسح هلم ابمتالك العقارات واستثمار الشركات التجارية فسيرتتب‬
‫على ذلك انتشار اجلرمية وتنوعها خصوصا اجلرمية املنظمة‪ ،‬وانتشار التهريب وجتارة املخدرات‬
‫والبغاء وغري ذلك ‪.‬‬

‫هذا ونسأل هللا أن ينصر دينه ويعلي كلمته إنه على كل شي قدير ‪ ،‬وصلى هللا على نبينا دمحم‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم‬

‫أماله فضيلة الشيخ‬


‫أ‪ .‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪4194/1/4٧‬ه‬

‫‪468‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫احلاكم بغري ما أنزل هللا‬
‫فتوى الشيخ محود بن عقالء الشعييب ِف احلاكم الذي حيكم بغري ما أنزل هللا ‪.‬‬

‫فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب ‪ ..‬حفظه هللا تعاىل‬


‫ما رأيكم حفظكم هللا ِف مسألة احلاكم الذي حيكم بغري ما أنزل هللا تعاىل‪ ،‬ويعتذر له البعض أبنه‬
‫مل يضع تلك القوانني املخالفة لشرع هللا بنفسه وإمنا وضعها غريه؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني ‪ ..‬وبعد‬
‫فال بد أوال من معرفة مسألتني مهمتني مرتبطتني هبذا املوضوع‪:‬‬

‫األوىل‪ :‬مسألة التشريع‬


‫وهذه حق خاص مطلق هلل وحده ال شريك له‪ ،‬ال جيوز إشراك غريه معه قال تعاىل‪ ﴿ :‬إن احلكم‬
‫إال هلل أمر أال تعبدوا إال إايه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ال يعلمون ﴾(سورة يوسف‬
‫آية‪ )1٧:‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إىل هللا ذلكم هللا ريب عليه توكلت‬
‫وإليه أنيب ﴾(سورة الشورى آية‪ ، )4٧:‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬أال له اخللق واألمر تبارك هللا رب‬
‫العاملني ﴾(سورة األعراف آية‪ ، )51:‬قال الطربي ‪-‬رمحه هللا‪( :-‬أال له اخللق كله‪ ،‬واألمر الذي ال‬
‫ُخيالف وال يُرد أمره‪ ،‬دون ما سواه من األشياء كلها‪ ،‬ودون ما عبده املشركون من اآلهلة واألواثن‬
‫اليت ال تضر وال تنفع‪ ،‬وال ختلق وال أتمر)‪ .‬وقال البغوي ‪-‬رمحه هللا‪( :-‬له اخللق ألنه خلقهم‪ ،‬وله‬
‫أحدا ﴾(سورة الكهف‬ ‫األمر أيمر ِف خلقه مبا شاء)‪ .‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬وال يشرك ِف حكمه ً‬
‫آية‪ ، )91:‬قال شيخنا دمحم األمني الشنقيطي ‪-‬رمحه هللا‪ِ -‬ف هذه اآلية‪( :‬شامل لكل ما يقضيه‬
‫جل وعال‪ ،‬ويدخل ِف ذلك التشريع دخوال أوليًا)‪ .‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬إن احلكم إال هلل يقص احلق‬
‫وهو خري الفاصلني ﴾(سورة األنعام آية‪ . )51:‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬إن احلكم إال هلل عليه توكلت‬
‫وعليه فليتوكل املتوكلون ﴾ (سورة يوسف آية‪ . )11:‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬أال له احلكم وهو أسرع‬
‫احلاسبني ﴾(سورة األنعام آية‪ . )19:‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬بل هلل األمر مجيعا ﴾(سورة الرعد آية‪. )44:‬‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬وهللا حيكم ال معقب حلكمه وهو سريع احلساب ﴾(سورة الرعد آية‪. )14:‬‬

‫‪469‬‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬وربك خيلق ما يشاء وخيتار ما كان هلم اخلرية سبحان هللا وتعاىل عما يشركون ﴾‬
‫(سورة القصص آية‪. )1٧:‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون * وهو هللا ال‬
‫إله إال هو له احلمد ِف األوىل واآلخرة وله احلكم وإليه ترجعون ﴾(سورة القصص آية‪. )12-1٧:‬‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬وال يصدنك عن آايت هللا بعد إذ أنزلت إليك وادع إىل ربك وال تكونن من‬
‫املشركني * وال تدع مع هللا إهلاً آخر ال إله إال هو كل شيء هالك إال وجهه له احلكم وإليه‬
‫ترجعون ﴾(سورة القصص آية‪ . )٧1-٧٧:‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬هللا الذي أنزل الكتاب ابحلق وامليزان‬
‫وما يدريك لعل الساعة قريب ﴾(سورة الشورى آية‪ . )41:‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬مث جعلناك على شريعة‬
‫من األمر فاتبعها وال تتبع أهواء الذين ال يعلمون * إهنم لن يغنوا عنك من هللا شيئًا وإن الظاملني‬
‫بعضهم أولياء بعض وهللاُ ويل املتقني ﴾(سورة اجلاثية آية‪. )4٧-42 :‬‬
‫وهبذا يتبني أن من شرع تشر ًيعا فيه ُخمالفة ملا شرعه هللا ورسوله فقد اعتدى على حق من حقوق‬
‫هللا تعاىل الىت اختص هبا لنفسه‪ ،‬ويكفر بذلك الفعل حىت وإن مل ُحيكم أو ُحيَكم مبا شرع من‬
‫أنظمة وقوانني تضاد حكم هللا تعاىل‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬مسألة احلكم‬


‫حكما لقوم يوقنون ﴾(سورة املائدة‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬أفحكم اجلاهلية يبغون ومن أحسن من هللا ً‬
‫آية‪ . )5٧:‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ومن مل حيكم مبا أنزل هللا فأولئك هم الكافرون ﴾(سورة املائدة‬
‫آية‪ . )11:‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ومن مل حيكم مبا أنزل هللا فأولئك هم الفاسقون ﴾(سورة املائدة‬
‫آية‪ . )11:‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬ومن مل حيكم مبا أنزل هللا فأولئك هم الظاملون ﴾(سورة املائدة‬
‫آية‪. )15:‬‬
‫وقال ابن تيمية ‪ -‬رمحه هللا‪( :-‬إن احلاكم إذا كان دينًا لكنه حكم بغري علم كان من أهل النار‪،‬‬
‫وإن كان عاملا لكنه حكم خبالف احلق الذي يعلمه كان من أهل النار‪ ،‬وإذا حكم بال عدل وال‬
‫ً‬
‫علم كان أوىل أن يكون من أهل النار‪ ،‬وهذا إذا حكم ِف قضية معينة لشخص‪ ،‬وأما إذا كان‬
‫عاما ِف دين املسلمني فجعل احلق ابطال والباطل ح ًقا‪ ،‬والسنة بدعة والبدعة سنةً‪،‬‬ ‫حكما ً‬
‫ً‬
‫منكرا واملنكر معروفًا‪ ،‬وهنى عما أمر هللا به ورسوله‪ ،‬وأمر مبا هنى هللا عنه ورسوله‪ ،‬فهذا‬
‫واملعروف ً‬
‫لون آخر حيكم فيه رب العاملني وإل ه امل رسلني‪ ،‬مالك يوم الدين‪ ،‬ال ذي ﴿ له احلمد ِف األوىل‬
‫واآلخ رة ول ه احلكم وإليه ترجعون ﴾(سورة القصص ‪.)1٧:‬‬

‫‪471‬‬
‫شهيدا ﴾(سورة‬
‫﴿ هو الذي أرسل رسوله ابهلدى ودين احلق ليظهره على الدين كله وكفى ابهلل ً‬
‫الفتح ‪ . )9٧ :‬قال شيخنا دمحم بن إبراهيم ‪-‬رمحه هللا‪( :-‬السادس‪ :‬ما حيكم به كثري من رؤساء‬
‫العشائر والقبائل من البوادي وحنوهم‪ ،‬من حكاايت عن آابئهم وأجدادهم وعاداهتم اليت يسموهنا‬
‫[سلومهم] يتوارثون ذلك منهم‪ ،‬وحيكمون به‪ ،‬وحيضون على التحاكم إليها عند الن زاع بقاءً على‬
‫اضا ورغبة عن حكم هللا ورسوله‪ ،‬فال حول وال قوة إال ابهلل)‪.‬‬‫أحكام اجلاهلية‪ ،‬وإعر ً‬
‫وقال شيخنا دمحم األمني الشنقيطي ‪ -‬رمحه هللا‪ِ -‬ف تفسري قوله تعاىل ﴿ وال يشرك ِف حكمه‬
‫أحدا ﴾ ‪( :‬ويفهم من هذه اآلايت كقوله تعاىل‪ ﴿ :‬وال يشرك ِف حكمه أحدا ﴾ أن متبعي‬
‫أحكام املشرعني ِف غري ما شرعه هللا أهنم مشركون ابهلل‪ ،‬وهذا املفهوم مبينًا ِف آايت أخر كقوله‬
‫فيمن اتبع تشريع الشيطان ِف إابحة امليتة بدعوى أهنا ذبيحة هللا‪ ﴿ :‬وال أتكلوا مما مل يذكر اسم هللا‬
‫عليه وإنه لفسق وإن الشياطني ليوحون إىل أوليائهم ليُجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم ملشركون ﴾‬
‫فصرح أبهنم مشركون بطاعتهم‪ ،‬وهذا اإلشراك ِف الطاعة واتباع التشريع املخالف ملا شرعه هللا‬
‫تعاىل‪ ،‬هو املراد بعبادة الشياطني ِف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬أمل أعهد إليكم اي بين آدم أن ال تعبدوا‬
‫الشيطان إنه لكم عدو مبني * وأن اعبدوين هذا صراط مستقيم ﴾ مث قال‪( :‬وهبذه النصوص‬
‫السماوية اليت ذكران يظهر غاية الظهور أن الذين يتبعون القوانني الوضعية اليت شرعها الشيطان‬
‫على ألسنة أوليائه خمالفة ملا شرعه هللا جل وعال على ألسنة رسله صلى هللا عليهم وسلم‪ ،‬أنه ال‬
‫يشك ِف كفرهم وشركهم إال من طمس هللا بصريته‪ ،‬وأعماه عن نور الوحي مثلهم) فاحلاكم الذي‬
‫حيكم بغري ما أنزل هللا تعاىل فهو كافر ابهلل تعاىل خارج عن شريعته‪ ،‬ولو مل يكن راض هبا ملا حكم‬
‫هبا فإن الواقع يكذبه فالكثري من احلكام لديه الصالحيات ِف أتجيل احلكم‪ ،‬وتغيري الدستور‪،‬‬
‫واحلذف وغريها ‪ .‬وإن تنازلنا وقلنا أهنم مل يضعوها ويشرعوها لشعوهبم فمن الذي ألزم الرعية‬
‫ابلعمل هبا‪ ،‬ومعاقبة من خالفها‪ ،‬وما حاهلم وحال التتار الذين نقل ابن تيمية وابن كثري ‪-‬رمحهما‬
‫هللا‪ -‬اإلمجاع على كفرهم ببعيد‪ ،‬فإن التتار مل يضعوا ومل يشرعوا [الياسق] بل الذي وضعه أحد‬
‫حكامهم األوائل ويسمى جنكيز خان‪ ،‬فصورة هؤالء كحال أولئك‪.‬‬

‫وبذلك يتبني أن احلاكم بغري ما أنزل هللا تعاىل قد يقع ِف الكفر من جهة أو من جهتني‪ ،‬األول‬
‫من جهة التشريع‪ ،‬والثانية من جهة احلكم إن حكم‪.‬‬

‫أماله فضيلة الشيخ أ‪ .‬محود بن عقالء الشعييب‬


‫‪ 419٧ /49 / 4‬ه‬

‫‪471‬‬
‫فتوى يف التحاكم رىل القوانني الوضعية‬
‫فضيلة شيخنا الشيخ محود بن عبدهللا بن عقالء الشعييب حفظه هللا تعاىل‬

‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته أما بعد ‪.‬‬


‫فقد كثر ِف هذا العصر اعتماد احلكام ِف العامل اإلسالمي والعريب وغريهم على حتكيم القوانني‬
‫الوضعية بدال من حتكيم شرع هللا فما هو احلكم على هؤالء احلكام ؟‬
‫نرجوا أن يكون اجلواب مدعما ابألدلة الشرعية من الكتاب والسنة وأقوال العلماء ‪.‬‬
‫اجلواب ‪..‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم على آله وصحبه‬
‫أمجعني ‪ ،‬أما بعد ‪..‬‬

‫فإن هللا سبحانه وتعاىل عندما بعث نبيه دمحما ملسو هيلع هللا ىلص هبذا الدين القومي الذي أخرج البشرية من‬
‫الظلمات إىل النور ‪ ،‬وكان الناس إذ ذاك يهيمون ِف ظلمات اجلهل والضالل ‪ ،‬غارقني ِف حبر‬
‫اخلرافات والتقاليد البالية ‪ ،‬اليت ورثوها عن آابئهم وأسالفهم ِف مجيع أمورهم ‪ِ ،‬ف املعتقدات‬
‫والعبادات والتقاضي واحملاكمات ‪ ،‬فكانت معتقداهتم وعباداهتم قائمة على الشرك ابهلل سبحانه‬
‫وتعاىل ‪ ،‬فيجعلون له شركاء وأندادا من شجر وحجر ومالئكة وجن وبشر وغري ذلك ‪ ،‬يتقربون‬
‫إليهم بشىت أنواع القرب اليت ال جيوز صرفها لغري هللا ‪ ،‬كالذبح والنذر وغري ذلك ‪.‬‬

‫أما التقاضي واحملاكمات فهي ال تقل ضالال وفسادا عن طريقتهم ِف العبادة ‪ ،‬إذ كانوا ينصبون‬
‫الطواغيت والكهان وعرافني ‪ ،‬يتولون القضاء بني الناس ِف مجيع ما ينشأ بينهم من خالف‬
‫وخصومة ِف األموال والدماء والفروج وغري ذلك ‪ ،‬يقيمون ِف كل حي واحدا من هؤالء الطواغيت‬
‫‪ ،‬وإذا صدر احلكم فهو انفذ ال يقبل النقض وال التعقيب ‪ ،‬على الرغم من كونه جائرا ظاملا ‪ ،‬فلما‬
‫بعث هللا دمحما صلى هلل عليه وسلم هبذه الشريعة املطهرة أبطل هذه العادات ‪ ،‬والتقاليد وقضى‬
‫عليها ‪ ،‬وقصر العبادة على هللا سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وقصر التقاضي والتحاكم على شرع هللا ‪ ،‬قال‬
‫تعاىل ( إن احلكم إال هلل أمر أال تعبدوا إال إايه)(سورة يوسف آية‪ )1٧:‬اآلية ‪ ،‬وقوله ( إن احلكم‬
‫إال هلل ) قصر احلكم على شرع هللا ‪ ،‬و ( أال تعبدوا إال إايه ) ‪ :‬قصر العبادة هلل سبحانه وتعاىل‬
‫على عبادته سبحانه وتعاىل بطريقة هي أبلغ طرق القصر وهي النفي واالستثناء ‪.‬‬

‫‪472‬‬
‫مث إن املستقرئ لكتاب هللا جيد ِف اآلايت الكثرية اليت تنص على وجوب التحاكم إىل ما أنزله هللا‬
‫من الشرع املطهر على نبيه ملسو هيلع هللا ىلص‪:‬‬
‫‪ - 4‬قال تعاىل ( ومن مل حيكم مبا أنزل هللا فأولئك هم الكافرون )(سورة املائدة آية‪ ، )11:‬فهذه‬
‫اآلية الكرمية نص ِف كفر من عدل عن حكم هللا ورسوله إىل غريه ‪.‬‬

‫وقد حاول اجلهلة من مرجئة العصر أن يصرفوا داللة هذه اآلية عن كفر احلاكم بغري ما أنزل هللا‬
‫فقالوا ‪ :‬اآلية نزلت ِف اليهود ‪ ،‬فال يشملنا حكمها ‪.‬‬
‫وهذا يدل على مدى جهلهم ابلقواعد األصولية اليت وضعها علماء التفسري واحلديث وأصول الفقه‬
‫‪ ،‬وهي أن العربة بعموم اللفظ ال خبصوص السبب ‪ ،‬فإذا نزل حكم على سبب معني فإنه ال‬
‫يقتصر على سببه ‪ ،‬بل يتعداه ‪ ،‬فيشمل كل من يدخل حتت اللفظ ‪ ،‬و ( َم ْن ) ِف اآلية صيغة‬
‫عموم ‪ ،‬فال يكون احلكم مقصورا على سببه إال إذا اقرتن به نص من الشرع يقصر احلكم على‬
‫سببه ‪ ،‬كقوله ملسو هيلع هللا ىلص ملا سأله أحد الصحابة هنع هللا يضر ‪ :‬اي رسول هللا إنه كانت يل عناق أحب إىل من‬
‫شاة فضحيت هبا فهل جتزئين ؟ فقال عليه الصالة والسالم ‪ :‬جتزئك وال جتزئ أحدا بعدك ‪.‬‬
‫وقالوا أيضا (أي املرجئة ) قد روي عن ابن عباس رضي هللا عنهما أنه سئل عن تفسري هذه اآلية (‬
‫ومن مل حيكم مبا أنزل هللا فأولئك هم الكافرون ) فقال ابن عباس ‪ :‬كفر دون كفر ‪ ،‬وِف رواية ‪:‬‬
‫ليس الكفر الذي يذهبون إليه ‪.‬‬
‫واجلواب عن هذا أن نقول ‪ :‬هشام بن حجري راوي هذا األثر عن طاووس عن ابن عباس متكلم‬
‫فيه من قبل أئمة احلديث كاإلمام أمحد و حيي بن معني وغريمها ‪ ،‬وقد خالفه ِف هذه الرواية عن‬
‫طاووس من هو أوثق منه وهو عبدهللا بن طاووس ‪ ،‬وقد روى عن أبيه أن ابن عباس ملا سئل عن‬
‫تفسري هذه اآلية قال ‪ :‬هي به كفر ‪.‬‬

‫‪ – 9‬قال تعاىل ( فال وربك ال يؤمنون حىت حيكموك فيما شجر بينهم مث ال جيدوا ِف أنفسهم‬
‫حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما )(سورة النساء آية‪. )15:‬‬
‫هذه اآلية نص ِف انتفاء اإلميان عمن مل حيكم شرع هللا ‪ ،‬ألن هللا أقسم فيها على انتفاء اإلميان عن‬
‫املرء حىت توجد منه غاايت ثالث‪:‬‬
‫أ – التحاكم إىل شرع هللا ‪.‬‬
‫ب – إال جيد ِف نفسه حرجا ِف ذلك ‪ ،‬بل يرضى به ‪.‬‬
‫ج _ أن يسلم حلكم هللا ويرض به ‪.‬‬

‫‪473‬‬
‫وكما حاول املرجئة صرف داللة اآلية السابقة عن كفر احلاكم بغري ما أنزل هللا ‪ ،‬فقد حاولوا أيضا‬
‫صرف داللة اآلية عن انتفاء اإلميان ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬إن النفي لكمال اإلميان ‪ ،‬ال لنفي حقيقته ‪ ،‬وما‬
‫علم هؤالء اجلهلة أن األصل ِف الكالم العريب احلقيقة ‪ ،‬وال يصار إىل اجملاز إال إذا اقرتن به قرينة‬
‫توجب صرف اللفظ عن االحتمال الراجح إىل االحتمال املرجوح ‪ ،‬فأي دليل وأي قرينة توجب‬
‫صرف هذه اآلية عن نفي حقيقة اإلميان إىل نفي كماله ‪.‬‬

‫‪ – 4‬قال تعاىل ( أمل تر إىل الذين يزعمون أهنم آمنوا مبا أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن‬
‫يتحاكموا إىل الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضالال بعيدا * وإذا قيل‬
‫هلم تعالوا إىل ما أنزل هللا وإىل الرسول رأيت املنافقني يصدون عنك صدودا )(سورة النساء‬
‫آية‪ ، )1٧-14:‬هذه اآلية الكرمية نص ِف أن من يتحاكم إىل الطاغوت أو حيكمه فقد انتفى عنه‬
‫اإلميان بدليل قوله تعاىل (يزعمون أهنم آمنوا ) ‪ ،‬إذ لو كانوا مؤمنني حقا ملا عرب عن ادعائهم‬
‫اإلميان ابلزعم ‪ ،‬فلما عرب ابلزعم دل على انتفاء حقيقة اإلميان ابهلل ‪ ،‬كما أن ِف قوله تعاىل ( وقد‬
‫أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضالال بعيدا ) دليل أيضا على انتفاء حقيقة اإلميان‬
‫عنهم ‪ ،‬ويتضح كفر من حتاكم إىل الطاغوت أو حكمه مبعرفة سبب نزول هذه اآلية ‪ ،‬وقد ذكر‬
‫املفسرون أن سبب نزول اآلية أهنا كانت بني رجل من اليهود وآخر من غري اليهود خصومة ‪ ،‬فقال‬
‫اليهودي ‪ :‬نرتافع إىل رسول هللا ‪ ،‬وقال اآلخر ‪ :‬بل نرتافع إىل كعب بن األشرف اليهودي ‪ ،‬فنزلت‬
‫هذه اآلية ‪ ،‬وقال الشعيب ‪ :‬كان بني رجل من املنافقني ورجل من اليهود خصومة ‪ ،‬فقال اليهودي‬
‫‪ :‬نرتافع إىل دمحم ‪ ،‬عرف أنه ال أيخذ الرشوة ‪ ،‬وقال املنافق ‪ :‬نتحاكم إىل اليهود ‪ ،‬لعلمه أهنم‬
‫أيخذون الرشوة ‪ ،‬فاتفقا أن أيتيا كاهنا ِف جهينة ‪ ،‬ويتحاكما إليه ‪ ،‬فنزلت ( أمل تر إىل الذين‬
‫يزعمون ‪ ) ..‬اآلية ‪ ،‬وهذا األثر املروي عن الشعيب وإن كان فيه ضعف إال أن له شواهد متعددة‬
‫تعضده وتقوية ‪ ،‬ووجه االستشهاد بسبب نزول هذه اآلية على كفر وردة من ذكروا فيها ‪ :‬أن عمر‬
‫بن اخلطاب هنع هللا يضر قتل الرجل الذي مل يرض حبكم النيب ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬فلو مل يكن مرتدا ملا قتله ‪.‬‬

‫كما روي عن عروة بن الزبري أنه قال ‪ :‬اختصم إىل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص رجالن فقضى ألحدمها ‪ ،‬فقال‬
‫الذي قضى عليه ‪ :‬ردان إىل عمر هنع هللا يضر ‪ ،‬فقال الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ‪ :‬نعم انطلقوا إىل عمر ‪ ،‬فانطلقا ‪ ،‬فلما‬
‫آتيا عمر ‪ ،‬قال الذي قضى له ‪ :‬اي ابن اخلطاب ‪ :‬إن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قضى يل ‪ ،‬وإن هذا قال ‪:‬‬
‫ردان إىل عمر فردان إليك رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬أكذلك ؟ للذي قضى عليه ‪ ،‬فقال نعم ‪،‬‬

‫‪474‬‬
‫فقال عمر ‪ :‬مكانك حىت أخرج فأقضي بينكما ‪ ،‬فخرج مشتمال على سيفه فضرب الذي قال‬
‫ردان إىل عمر فقتله ‪.‬‬
‫وهذا االختالف احلاصل ِف سياق القصة ال يقدح ِف ثبوهتا الحتمال التعدد ‪ ،‬كما أن ِف قوله‬
‫تعاىل ‪ ( :‬وإذا قيل هلم تعالوا إىل ما أنزل هللا وإىل الرسول رأيت املنافقني يصدون عنك صدودا )‬
‫داللة على أن من صد عن حكم هللا ورسوله وأعرض عنه فحكم غريه أنه منافق ‪ ،‬واملنافق كافر ‪.‬‬
‫وكما أن احملكم للقوانني الوضعية كافر كما تقدم ‪ ،‬فإن املشرع للقوانني والواضع هلا كافر أيضا ‪،‬‬
‫ألنه بتشريعه للناس هذه القوانني صار شريكا هلل سبحانه وتعاىل ِف التشريع قال تعاىل ( أم هلم‬
‫شركاء شرعوا هلم من الدين ما مل أيذن به هللا ) وقال تعاىل ( وال يشرك ِف حكمه أحدا ) وقال عز‬
‫وجل ( اختذوا أحبارهم ورهباهنم أراباب من دون هللا ) ‪ ،‬وهلذا ملا مسع عدي بن حامت هذه اآلية قال‬
‫اي رسول هللا ‪ :‬إان لسنا نعبدهم ‪ ،‬فقال ملسو هيلع هللا ىلص ‪ :‬أليس حيرمون ما أحل هللا فتحرمونه وحيلون ما حرم‬
‫هللا فتحلونه ‪ ،‬قال ‪ :‬بلى ‪ ،‬قال ‪ :‬فتلك عبادهتم (‪.)4‬‬
‫فتبني من اآلية الكرمية من حديث عدي بن حامت أن التحليل والتحرمي والتشريع من خصائصه‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ ،‬فمن حلل أو حرم أو شرع ما خيالف شرع هللا فهو شريك هلل ِف خصائصه ‪.‬‬
‫ومما تقدم من اآلايت الكرمية وتعليقنا عليها يتبني أن من حكم بغري ما أنزل هللا وأعرض عن شرع‬
‫هللا وحكمه أنه كافر ابهلل العظيم خارج من اإلسالم ‪ ،‬وكذلك مثله من وضع للناس تشريعات‬
‫وضعية ‪ ،‬ألنه لو مل يرض هبا ملا حكم هبا ‪ ،‬فإن الواقع يكذبه ‪ ،‬فالكثري من احلكام لديه من‬
‫الصالحيات ِف أتجيل احلكم ‪ ،‬وتغيري الدستور واحلذف وغريها ‪.‬‬
‫وإن تن زلنا وقلنا إهنم مل يضعوها ويشرعوها لشعوهبم فمن الذي ألزم الرعية ابلعمل هبا ومعاقبة من‬
‫خالفها ؟ وما حاهلم وحال التتار الذي نقل ابن تيمية وابن كثري رمحهما هللا اإلمجاع على كفرهم‬
‫ببعيد ‪ ،‬فإن التتار مل يضعوا ومل يشرعوا ( الياسق ) ‪ ،‬بل الذي وضعه أحد حكامهم األوائل‬
‫ويسمى ( جنكز خان ) ‪ ،‬فصورة هؤالء كحال أولئك ‪.‬‬

‫وبذلك يتبني أن احلاكم بغري ما أنزل هللا تعاىل يقع ِف الكفر من جهة أو جهتني ‪:‬‬
‫األوىل ‪ :‬من جهة التشريع إن شرع ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬من جهة احلكم إن حكم ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪)4‬سنن الرتمذي (‪ )4٧25‬وحكم االلباين حسن ‪ .‬أنظر السلسة الصحيحة (‪.)4924‬‬

‫‪475‬‬
‫وحيث قد فرغت من ذكر النصوص الدالة على كفر من حيكم القوانني الوضعية فسأذكر اآلن‬
‫أقوال العلماء واألئمة على كفر حم ّكمي القوانني ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬قال شيخ اإلسالم تقي الدين بن تيمية كما ِف الفتاوى ( ‪: ) 911 / 4‬‬
‫واإلنسان مىت حلل احلرام اجملمع عليه أو حرم احلالل اجملمع عليه أو بدل الشرع اجملمع عليه كان‬
‫كافرا ابتفاق الفقهاء ‪.‬‬

‫وقال ِف الفتاوى ( ‪: ) 419 / 45‬‬


‫ومىت ترك العامل ما علمه من كتاب هللا وسنة رسوله واتبع حكم احلاكم املخالف حلكم هللا ورسوله‬
‫كان مرتدا كافرا ‪ ،‬يستحق العقوبة ِف الدنيا واآلخرة ‪.‬‬

‫اثنيا ‪ :‬قال ابن كثري ِف البداية والنهاية ( ‪: ) 442 / 44‬‬


‫من ترك الشرع احملكم املن زل على دمحم خامت األنبياء عليه الصالة والسالم وحتاكم إىل غريه من‬
‫الشرائع املنسوخة كفر ‪ ،‬فكيف مبن حتاكم إىل الياسق وقدمها عليه ‪ ،‬ومن فعل ذلك كفر إبمجاع‬
‫املسلمني ‪.‬‬

‫اثلثا ‪ :‬قال شيخنا الشيخ دمحم األمني الشنقيطي رمحه هللا بعد أن ذكر النصوص الدالة على كفر‬
‫حمكمي القوانني ‪:‬‬
‫وهبذه النصوص السماوية اليت ذكران يظهر غاية الظهور أن الذين يتبعون القوانني الوضعية اليت‬
‫شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه خمالفة ملا شرعه هللا جل وعال على ألسنة رسله صلى هللا عليهم‬
‫وسلم ‪ ،‬أنه ال يشك ِف كفرهم وشركهم إال من طمس هللا بصريته وأعماه عن نور الوحي مثلهم ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬شيخنا الشيخ دمحم بن إبراهيم آل الشيخ ِف تعليقه على قوله تعاىل ( فال وربك ال يؤمنون‬
‫‪ ) ..‬اآلية ‪ ،‬قال ‪ :‬وقد نفى هللا سبحانه وتعاىل اإلميان عن من مل حيكموا النيب ملسو هيلع هللا ىلص فيما شجر‬
‫بينهم ‪ ،‬نفيا مؤكدا بتكرار أداة النفي ابلقسم ‪ .‬هذا ما قاله رمحه هللا ِف تعليقه على هذه اآلية ‪.‬‬

‫وحيث إنين الزمت حلقته رمحه هللا سنوات عدة فقد مسعته أكثر من مرة يشدد ِف هذه املسألة‬
‫ويصرح بكفر من حكم غري شرع هللا ‪ ،‬كما أوضح ذلك ِف رسالة حتكيم القوانني ‪.‬‬

‫‪476‬‬
‫خامسا ‪ :‬شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن ابز رمحه هللا ِف رسالته ( نقد القومية العربية ص ‪ ) 42‬قال‬
‫عمن اختذ أحكاما وضعية ختالف القرآن ‪ :‬وهذا هو الفساد العظيم والكفر املستبني والردة السافرة‬
‫كما قال تعاىل ( فال وربك ال يؤمنون حىت حيكموك فيما شجر بينهم مث ال جيدوا ِف أنفسهم‬
‫حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) وقال تعاىل ( أفحكم اجلاهلية يبغون ومن أحسن من هللا‬
‫حكما لقوم يوقنون ) ‪ ..‬إىل أن قال الشيخ رمحه هللا ‪ :‬وكل دولة ال حتكم بشرع هللا وال تنصاع‬
‫حلكم هللا فهي دولة جاهلية كافرة ظاملة فاسقة بنص هذه اآلايت احملكمات ‪ ،‬جيب على أهل‬
‫اإلسالم بغضها ومعاداهتا ِف هللا ‪ ،‬وحترم عليهم مودهتا ومواالهتا حىت تؤمن ابهلل وحده وحتكم‬
‫شريعته ‪ .‬اه‬

‫وما ذكرته من نصوص وأقوال للعلماء كاف ِف بيان أن حتكيم القوانني الوضعية كفر ‪ ،‬وأن احملكم‬
‫هلا كافر ابهلل العظيم ‪ ،‬ولو نقلت ما قاله علماء األمة وأئمتها ِف هذا الباب لطال الكالم ‪ ،‬ومبا‬
‫ذكرته كفاية إلجابة السائل على سؤاله وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫أماله فضيلة الشيخ‬


‫أ‪ .‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪ 4199 / 9 / 4٧‬ه‬

‫‪477‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫الرد على افراءات العنربي‬
‫وبيان فساد أصل مذهبه يف اإلرجاء‬
‫احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬والعاقبة للمتقني ‪ ،‬وال عدوان إال على الظاملني ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا‬
‫وحده ال شريك له ‪ ،‬إله األولني واآلخرين ‪ ،‬وأشهد أن دمحماً عبده ورسوله ‪ ،‬الصادق األمني ‪،‬‬
‫صلى هللا عليه وعلى آله وأصحابه أمجعني ‪ .‬أما بعد ‪:‬‬

‫فقد اطلعت على جمموع مقاالت خالد العنربي ‪ ،‬فاتضح يل من قراءيت هلذه املقاالت وبعض كتبه‬
‫أنه مرجئ حمض من املرجئة اخللص الذين ينتمون إىل مدرسة اجلهم بن صفوان ِف اإلرجاء ‪.‬‬

‫تلك املدرسة اليت من أصوهلا أن أحداً ال يكفر إال ابجلحود واالستحالل ‪ ،‬أما من عرف هللا وأقر‬
‫به فإنه ال يكفر وال خيرج من امللة ‪ ،‬وهذه الضاللة انتشرت ِف هذا العصر ‪ ،‬وما كان هذا االنتشار‬
‫إال بسبب هذا وأمثاله من مرجئة العصر فضلوا وأضلوا ‪.‬‬

‫ولقد اجرتأ خالد العنربي على الكذب واالفرتاءات على علماء األمة وأئمتها الذين يرون كفر من‬
‫حيكم القوانني الوضعية ‪ ،‬من هؤالء األئمة شيخنا الشيخ اإلمام اجملاهد دمحم بن إبراهيم آل الشيخ‬
‫يرمحه هللا ‪ ،‬فقد موه العنربي وحرف وتصرف ِف كالم شيخنا وكذب عليه عدة مرات كما سوف‬
‫يتضح بعد قليل ‪ ،‬وأراد أن يوهم الناس أن الشيخ يرى أن احلكم ابلقوانني الوضعية فيه تفصيل وأنه‬
‫ال يكفر إال إذا جحد واعتقد واستحل فقط ‪ ،‬وإن حكم ابلقوانني الوضعية من غري ذلك فهو غري‬
‫كافر ‪ ،‬أما افرتاؤه فهو كالتايل ‪:‬‬

‫االفراء األول‪ :‬ذكر العنربي ِف كتابه ( احلكم بغري ما أنزل هللا وأصول التكفري ص‪ )444‬عن‬
‫رسالة الشيخ دمحم بن إبراهيم ( رسالة حتكيم القوانني ) قال ‪ [ :‬إن ِف هذه الرسالة ما يدل داللة‬
‫واضحة على التفصيل ] ‪ ،‬ويقصد ابلتفصيل هو ما يذهب إليه العنربي أن احلكم ابلقوانني‬
‫الوضعية ال يكفر صاحبه إال ابجلحود واالستحالل والنص الذي نقله كالتايل ‪ ( :‬فانظروا كيف‬
‫سجل هللا تعاىل على احلاكمني بغري ما أنزل هللا الكفر والظلم والفسوق ومن املمتنع أن يسمى هللا‬
‫سبحانه احلاكم بغري ما أنزل هللا كافراً وال يكون كافراً بل هو كافر مطلقاً إما كفر عملي وإما‬

‫‪478‬‬
‫اعتقادي وما جاء عن ابن عباس ِف تفسري هذه اآلية من رواية طاووس وغريه يدل على أن احلاكم‬
‫بغري ما أنزل هللا كافر إما كفر اعتقادي انقل عن امللة وإما كفر عملي ال ينقل عن امللة ‪ ) .‬انتهى‬
‫ما نقله حبروفه ‪.‬‬
‫وترك ما نقله وكتبه الشيخ ِف القوانني الوضعية بعد هذا حيث قال الشيخ ‪:‬‬
‫أما األول وهو كفر االعتقاد فهو أنواع ‪:‬‬

‫أحدها ‪ :‬أن جيحد احلاكم بغري ما أنزل هللا أحقية حكم هللا ورسوله ‪.‬‬

‫الثاين ‪ :‬أال جيحد احلاكم بغري ما أنزل هللا كون حكم هللا ورسوله حقاً ‪ ،‬لكن اعتقد أن حكم غري‬
‫الرسول ملسو هيلع هللا ىلص أحسن من حكمه وأمت وأمشل ‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬أن ال يعتقد كونه أحسن من حكم هللا ورسوله لكن اعتقد أنه مثله ‪.‬‬

‫الرابع ‪ :‬أن ال يعتقد كون حكم احلاكم بغري ما أنزل هللا مماثالً حلكم هللا ورسوله فضالً عن كونه‬
‫أحسن منه لكن اعتقد جواز احلكم مبا خيالف حكم هللا ورسوله ‪.‬‬

‫اخلامس ‪ :‬وهو أعظمها وأمشلها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة ألحكامه ومشاقة هلل ورسوله‬
‫ومضاهاة ابحملاكم الشرعية إعداداً وإمداداً وإرصاداً وأتجيالً وتفريعاً وتشكيالً وتنويعاً وحكماً وإلزاماً‬
‫ومراجع ومستندات ‪ ،‬فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع ومستندات مرجعها كلها إىل كتاب هللا‬
‫وسنة رسوله ملسو هيلع هللا ىلص فلهذه احملاكم مراجع هي القانون امللفق من شرائع شىت وقوانني كثرية كالقانون‬
‫الفرنسي والقانون األمريكي والقانون الربيطاين وغريها من القوانني ومن مذاهب بعض البدعيني‬
‫املنتسبني إىل الشريعة وغري ذلك إىل أن قال ‪ " :‬فأي كفر فوق هذا الكفر وأي مناقضة للشهادة‬
‫أبن دمحماً رسول هللا بعد هذه املناقضة " انتهى ‪.‬‬

‫فانظر إىل العنربي يريد بنقله السابق أن يوحي إليك أن الشيخ ال يكفر ابلقوانني الوضعية مع أنه‬
‫هنا قال فيها ‪ :‬وأي كفر فوق هذا الكفر أي احلكم ابلقوانني الوضعية‪.‬‬
‫االفراء الثاين‪ :‬أن العنربي قال ِف مقاالته ‪ -‬املقال األول ‪ -‬قال ‪ [ :‬فقد ألفيت كالم الشيخ ‪-‬‬
‫أي دمحم بن إبراهيم ‪ -‬اآلخر ِف فتاواه (‪ )٧٧/4‬إذ يقول ِف كالم أوضح من أن يوضح مؤرخ ِف‬
‫‪44٧5/4/2‬ه أي بعد طباعة رسالة حتكيم القوانني خبمس سنني ] ‪ ،‬وسوف ننقل كالم الشيخ‬

‫‪479‬‬
‫دمحم بعد قليل لكن املقصود أنه هنا أراد أن يُقنع القارئ أن الشيخ تراجع عن فتواه ِف القوانني‬
‫الوضعية ولذا ذكر التاريخ بعده خبمس سنوات فاملتأخر انسخ ومبطل للقول األول ‪ِ ،‬ف حني أنه‬
‫ِف نفس املقال قال ‪ [:‬وأان مل أقل أن الشيخ تراجع] ‪ ،‬وبعده أبسطر يقول أن الشيخ تراجع ليوهم‬
‫أنه فعالً تراجع فيدعي عدم القول ابلرتاجع مث يكذب على الشيخ دمحم أبنه تراجع بعد رسالته ِف‬
‫حتكيم القوانني خبمس سنني ‪.‬‬

‫االفراء الثالث ‪ :‬أنه ملا نقل الرتاجع الذي يزعمه ِف فتاوى الشيخ دمحم (‪ )٧٧/4‬قال العنربي نص‬
‫الرتاجع هو ‪ ( :‬وكذلك حتقيق معىن دمحم رسول هللا من حتكيم شريعته والتقيد هبا ونبذ ما خالفها‬
‫من القوانني واألوضاع وسائر األشياء اليت ما أنزل هللا هبا من سلطان واليت من حكم هبا أو حاكم‬
‫إليها معتقداً صحة ذلك وجوازه فهو كافر الكفر الناقل عن امللة وإن فعل ذلك بدون اعتقاد ذلك‬
‫وجوازه فهو كافر الكفر العملي الذي ال ينقل عن امللة ) ‪ .‬قال العنربي ‪ ( :‬فهذا التفصيل املبني‬
‫من الشيخ العالمة دمحم بن إبراهيم رمحه هللا هو الذي بنيت عليه كتايب وواجهت به املكفرين‬
‫للحاكم إبطالق ) اه ‪.‬‬

‫فيجاب عن هذا االفراء أبجوبة ‪:‬‬

‫‪ - 4‬كيف أن الشيخ يرتاجع وال يعلم وال يشتهر تراجعه بني طالبه وبني الناس ؟‬

‫‪ - 9‬ولو كان هناك تراجع ملا خفي على الشيخ دمحم بن عبد الرمحن القاسم جامع فتاوى الشيخ‬
‫دمحم بن إبراهيم وكتبه على ذلك بل إنه ذكر رسالة حتكيم القوانني ِف أجزاء الحقة من الفتاوى ‪،‬‬
‫بل إن تلميذه اجلامع للفتاوى نقل تقرير للشيخ دمحم ِف ‪ 9٧٧/49‬قال الشيخ دمحم ‪ ( :‬والقوانني‬
‫كفر انقل عن امللة ‪ .‬اعتقاد أهنا حاكمة وسائغة ‪ .‬وبعضهم يراها أعظم ) مث قال ‪ ( :‬أما الذي‬
‫جعل قوانني برتتيب وختضيع فهو كفر وإن قالوا أخطأان وحكم الشرع أعدل ففرق بني املقرر‬
‫واملثبت واملرجع جعلوه هو املرجع فهذا كفر انقل عن امللة ) ونقل القاسم أيضاً ‪ 9٧1/49‬حتت‬
‫عنوان حتكيم القوانني من الكفر األكرب مث نقل نفس رسالة حتكيم القوانني فلو كان هناك تراجع‬
‫لبينه أو حذف هذه الرسالة ومل جيعلها ِف أجزاء بعد اجلزء املزعوم أن فيه تراجع ‪.‬‬

‫‪481‬‬
‫‪ - 4‬كيف يكون الشيخ تراجع عن فتوى عامة ظهرت وانتشرت فيرتاجع عنها ِف رسالة خاصة‬
‫بعثها إىل مجعية خاصة كان األوىل أن يرتاجع ِف رسالة عامة فإن النص الذي ادعى فيه العنربي أنه‬
‫تراجع هو ضمن رسالة جوابية خاصة كتبها إىل مجعية العلماء املركزية ِف دهلي وقد أثىن على‬
‫اجلمعية وأهنا هتدف لإلصالح ‪.‬‬

‫‪ - 1‬مث رسالة حتكيم القوانني طبعت عدة مرات فلو كان هناك تراجع ملا أعيد طبعها ‪.‬‬

‫‪ - 5‬أن الشيخ عبدهللا بن جربين حفظه هللا وهو من طالب الشيخ أنكر على من قال أن الشيخ‬
‫دمحم بن إبراهيم تراجع كما ِف تعقيبه على كالم العنربي وهو منقول ِف مقال العنربي األول ‪.‬‬

‫‪ - 1‬وكذا اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء ِف فتواها ِف اتريخ ‪419٧/4٧/91‬ه ضد‬
‫كتاب العنربي قالت أن ِف كتاب العنربي احلكم بغري من أنزل هللا فيه الكذب على أهل العلم‬
‫وذلك ِف نسبته للعالمة الشيخ دمحم ابن إبراهيم آل الشيخ رمحه هللا ما مل يقله ‪.‬‬
‫نعود اآلن إىل النص الذي ادعى فيه العنربي الرتاجع ونذكر مناسبته ونصه كامالً وهي موجودة ِف‬
‫فتاوى الشيخ دمحم ‪ 1٧/4‬وهي رسالة جوابية أرسلها السكرتري العام جلمعية العلماء املركزية ‪ -‬دهلي‬
‫‪ -‬حيث قرر اجمللس التنفيذي للجمعية أن يتصل ابهليئات اإلسالمية ليستنري آبراء رجاهلا وما‬
‫وضعوه من قوانني ِف سبيل اإلصالح الديين واالجتماعي الذي يتالءم مع التعاليم واألخالق‬
‫اإلسالمية متهيداً إلصدار قوانني إصالحية شاملة للنهوض ابملسلمني ِف اهلند ‪ ،‬مث سألوا الشيخ دمحم‬
‫عن أسئلة فقهية لكي يستنريوا برأيه فيها ‪ ،‬فأجاب عن املسائل الفقهية لكن جعل مقدمة قبلها‬
‫فقال قبل الشروع ِف اجلواب ‪ :‬أحب أن أقدم مقدمة خمتصرة مهمة وهي أنه مما يسران ويسر كل‬
‫مسلم غيور على دينه أن يتكون من اجلمعيات العامة اليت هتدف إىل إصالح األوضاع والتمسك‬
‫أبصل الدين وتعاليمه الشريفة وحماربة كل ما خالف الشريعة اإلسالمية من البدع واخلرافات‬
‫والدجل وكذلك ما هو أهم من ذلك ما يدخله امللحدون والزاندقة واملستشرقون وغريهم ِف أفكار‬
‫بعض املسلمني ِف تشكيكهم ِف أصل دينهم وتضليلهم عن سنة نبيهم ملسو هيلع هللا ىلص وشريعته وحتكيم‬
‫القوانني الوضعية املخالفة للشريعة اإلسالمية وأهم من ذلك معرفة أصل التوحيد الذي بعث هللا به‬
‫رسوله دمحم ملسو هيلع هللا ىلص وحتقيقه علماً وعمالً وحماربة ما خيالفه من الشرك األكرب الذي خيرج من امللة أو من‬
‫أنواع الشرك األصغر وهذا هو حتقيق معىن ال إله إال هللا وكذلك حتقيق معىن دمحم رسول هللا من‬
‫حتكيم شريعته والتقيد هبا ونبذ ما خالفها من القوانني واألوضاع وسائر األشياء اليت ما أنزل هللا هبا‬

‫‪481‬‬
‫من سلطان واليت من حكم هبا أو حاكم إليها معتقداً صحة ذلك وجوازه فهو كافر الكفر الناقل‬
‫عن امللة وإن فعل ذلك بدون اعتقاد ذلك وجوازه فهو كافر الكفر العملي الذي ال ينقله عن امللة‬
‫) انتهى حبروفه ‪.‬‬
‫فالشيخ دمحم تكلم مرتني عن القوانني ِف املرة األوىل قال القوانني وأضاف إليها الوضعية وجعلها مما‬
‫يدخله امللحدون والزاندقة واملستشرقون على املسلمني فجعل القوانني الوضعية من عمل املالحدة‬
‫والزاندقة وحث اجلمعية على حماربته محاية للمسلمني وجعل ذكر القوانني الوضعية هنا من ابب‬
‫حتقيق األلوهية ومن ابب حتقيق معىن ال إله إال هللا ‪.‬‬
‫أما املرة الثانية اليت نقل فيها القوانني فهي ِف معىن حتقيق أن دمحماً رسول هللا واملالحظة أنه مل يضف‬
‫كلمة وضعية إمنا أضاف معها أشياء أخرى مثل القوانني واألوضاع وسائر األشياء اليت ما أنزل هللا‬
‫هبا من سلطان ‪ .‬فأراد ابلقوانني واألوضاع هي البدع اليت يضعها املبتدعة اليت تناقض حتقيق متابعة‬
‫الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وجعل ِف هذه القوانني واألوضاع تفصيالً ألهنا من ابب البدع فالقوانني ذكرها مرتني‬
‫مرة ِف معىن حتقيق ال إله إال هللا ومره ِف حتقيق معىن دمحم رسول هللا لذا فهما ِف حتقيقني فيختلف‬
‫معنامها وإال اقتضى التكرار مث األُوىل أضاف إليها الوضعية والثانية جمردة ‪ .‬إمنا أضاف إليها‬
‫األوضاع وسائر األشياء اليت ما أنزل هللا هبا من سلطان وهذه فيها تفصيل ‪ ،‬وعلى كل حال فهذا‬
‫التماس وتفسري مبين على حسن الظن ابلشيخ دمحم ومبين أيضاً على فتواه ِف القوانني الوضعية‬
‫وكوننا جنعل كالمه يفسر بعضه بعضاً ويؤيد بعضه بعضاً أوىل من ضرب كالمه بعضه ببعض‬
‫وادعاء تراجع وتناقض واختالف ‪.‬‬

‫افراؤه على شيخنا دمحم األمني الشنقيطي رمحه هللا‪:‬‬


‫نقل العنربي ِف كتابه احلكم بغري ما أنزل هللا وأصول التكفري ِف صفحة ‪ 14-1٧‬وأراد أن يوهم أن‬
‫الشيخ الشنقيطي ال يرى أن القوانني الوضعية كفر حيث نقل كالم شيخنا الشنقيطي ‪ ،‬فهو من العلماء‬
‫الذين ادعى العنربي أهنم ال يكفرون ابلقوانني الوضعية إال ابجلحود ون ْقله الذي نقله عن الشنقيطي ‪:‬‬
‫( واعلم أن حترير املقام ِف هذا البحث أن الكفر والظلم والفسق كل واحد منهما أطلق ِف الشرع‬
‫مراداً به املعصية اترة والكفر املخرج من امللة أخرى { ومن مل حيكم مبا أنزل هللا } معارضة للرسل‬
‫وإبطاالً ألحكام هللا فظلمه وفسقه غري خمرج من امللة ) اه ‪ .‬مع أنه هنا مل يتكلم عن القوانني‬
‫الوضعية وترك العنربي كالم شيخنا الشنقيطي الواضح ِف القوانني الوضعية حيث قال ِف تفسريه‬
‫ِف سوره الكهف عن آية { وال يشرك ِف حكمه أحداً } فقال وهبذه النصوص السماوية اليت‬

‫‪482‬‬
‫ذكران يظهر غاية الظهور أن الذين يتتبعون القوانني الوضعية اليت شرعها الشيطان على ألسنة‬
‫أوليائه خمالفة ملا شرعه هللا جل وعال على ألسنة رسله عليهم الصالة والسالم أنه ال يشك ِف‬
‫كفرهم وشركهم إال من طمس هللا بصريته وأعماه عن نور الوحي مثلهم ‪.‬‬

‫مث قال الشنقيطي مباشرة ‪:‬‬


‫( تنبيه ‪ :‬اعلم أنه جيب التفصيل بني النظام الوضعي الذي يقتضي حتكيمه الكفر خبالق السماوات‬
‫واألرض وبني النظام اإلداري الذي ال يقتضي ذلك ‪) .‬‬
‫مث قال ‪ ( :‬أما النظام الوضعي املخالف لتشريع خالق السماوات واألرض فتحكيمه كفر خبالق‬
‫السماوات واألرض ‪ - ،‬مث ذكر بعض قوانينهم الوضعية ِف املرياث والزواج واحلدود وإهنا خمالفة‬
‫للشرع ‪ -‬مث قال ‪ :‬فتحكيم هذا النوع من النظام ِف أنفس اجملتمع وأمواهلم وأعراضهم وأنساهبم‬
‫وعقوهلم وأدايهنم كفر خبالق السماوات واألرض ) اه ‪.‬‬

‫فلماذا يرتك هذا الكالم الصريح ِف القوانني الوضعية إىل غريه ؟!‬

‫افراؤه على اإلمام ابن كثري رمحه هللا‪:‬‬


‫حيث ينقل عنه نصوصاً يوهم هبا أنه مع من مل يكفر ابلقوانني الوضعية حيث نقل عنه صفحة ‪12‬‬
‫ضمن من ادعى أهنم ال يكفرون ابلقوانني مع أن ابن كثري له كالم صريح ِف " ايسق " التتار وهو‬
‫أنه عبارة عن قوانني وضعية وكفرهم بذلك بل نقل اإلمجاع عليه فقال رمحه هللا عند تفسريه آلية {‬
‫أفحكم اجلاهلية يبغون } سورة املائدة ‪ ،‬قال ‪ ( :‬ينكر تعاىل على من خرج عن حكم هللا احملكم‬
‫املشتمل على كل خري الناهي عن كل شر وعدل إىل ما سواه من اآلراء واألهواء واالصطالحات‬
‫اليت وضعها الرجال بال مستند من شريعة هللا كما كان أهل اجلاهلية حيكمون به من الضالالت‬
‫واجلهاالت مما يضعوهنا آبرائهم وأهوائهم وكما حيكم به التتار من السياسات امللكية املأخوذة عن‬
‫ملكهم جنكيز خان الذي وضع هلم الياسق وهو عبارة عن كتاب جمموع من أحكام قد اقتبسها‬
‫من شرائع شىت من اليهودية والنصرانية وامللة اإلسالمية وغريها وفيها كثري من األحكام أخذها من‬
‫جمرد نظره وهواه فصارت ِف بنيه شرعاً متبعاً يقدمونه على احلكم بكتاب هللا وسنة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‬
‫فمن فعل ذلك منهم فهو كافر جيب قتله ‪) .‬‬

‫‪483‬‬
‫وقال ابن كثري ِف البداية والنهاية ‪ ( : 442 ، 44٧/44‬فمن ترك الشرع احملكم املنزل على دمحم بن‬
‫عبدهللا ملسو هيلع هللا ىلص خامت األنبياء وحتاكم إىل غريه من الشرائع املنسوخة كفر فكيف مبن حتاكم إىل الياسق‬
‫وقدمها عليه من فعل ذلك فقد كفر إبمجاع املسلمني ) اه ‪.‬‬

‫األمر اآلخر أن العنربي ينقل كالم علماء مل يعاصروا انزلة حتكيم القوانني الوضعية إمنا ماتوا قبلها‬
‫فينقل كالمهم يوهم أهنم على مذهبه ِف أنه ال يكفر ابحلكم ابلقوانني إال إذا جحد واستحل ‪.‬‬

‫وهذه النازلة اليت نزلت ِف املسلمني وهي احلكم ابلقوانني الوضعية مل تقع إال ِف عصر التتار وعصر‬
‫ابن تيمية وابن كثري فال ينقل من كالم هذين اإلمامني ما يدل على كفر من حتاكم إىل الياسق بل‬
‫إنه ِف كتابه املذكور صفحة ‪ 44٧‬ذكر أن تكفري ابن كثري وابن تيمية للتتار ألن هلم نواقض أخرى‬
‫غري الياسق مع أن كالم ابن كثري واضح أن احلكم علقه ابلياسق مث وقعت هذه النازلة وهي حتكيم‬
‫القوانني الغربية مرة أخرى أايم حكم االستعمار العسكري على العامل اإلسالمي وأحدثوا احملاكم‬
‫القانونية فتكلم العلماء املعاصرين هلذه النازلة كالشيخ أمحد شاكر حيث قال ِف حتقيقه لتفسري ابن‬
‫كثري عن آية { أفحكم اجلاهلية يبغون } ‪ 411/1‬فقال ‪ ( :‬إن األمر ِف هذه القوانني الوضعية‬
‫واضح وضوح الشمس هي كفر بواح ال خفاء فيه وال مداورة وال عذر ألحد فيمن ينتسب‬
‫لإلسالم كائناً من كان ِف العمل هبا ) اه ‪.‬‬

‫وكذا الشيخ حممود شاكر الذي حاول العنربي ِف كتابه ص‪ 44٧‬أن يوهم أنه ال يكفر ابلقوانني‬
‫الوضعية إال اجلاحد ‪.‬‬
‫قال الشيخ حممود شاكر وقد نقل كالمه أخوه أمحد شاكر ِف تفسري ابن كثري قال حممود شاكر ‪:‬‬
‫( وإذن فلم يكن سؤاهلم كما احتج به مبتدعة زماننا من القضاء ِف األموال واألعراض والدماء‬
‫بقانون خمالف لشريعة أهل اإلسالم وال ِف إصدار قانون ملزم ألهل اإلسالم ابالحتكام إىل حكم‬
‫غري حكم هللا ِف كتابه وعلى لسان نبيه ملسو هيلع هللا ىلص فهذا الفعل إعراض عن حكم هللا ورغبة عن دينه‬
‫وإيثار ألحكام أهل الكفر على حكم هللا سبحانه وتعاىل وهذا كفر ال يشك أحد من أهل القبلة‬
‫على اختالفهم ِف تكفري القائل به والداعي إليه ) اه ‪.‬‬
‫ومثل شيخنا الشيخ دمحم بن إبراهيم حيث أفىت ِف القوانني الوضعية ومثل شيخنا دمحم األمني‬
‫الشنقيطي ‪ ،‬كل هؤالء وغريهم ممن عاصر القوانني الوضعية كان األوىل أن أيخذ كالمهم وفتاويهم‬
‫ِف القوانني إال أنه أييت بكالمه اآلخر ِف غري القوانني ليوهم أهنم على مذهبه واعتقاده أنه ال يكفر‬

‫‪484‬‬
‫من حكم ابلقوانني إال ابالستحالل واجلحود ‪ ،‬فهي كبرية من كبائر الذنوب ‪ .‬بل أن العنربي يتجرأ‬
‫أكثر فينقل اإلمجاع على أنه ال يكفر من حكم بغري ما أنزل هللا ابلقوانني والتشريع العام إال‬
‫املستحل علماً أبن العنربي ال يفرق بني احلكم بغري ما أنزل هللا هوى أو شهوة أو بقوانني وضعية‬
‫كالمها عنده واحد وإذا نقل اإلمجاع فإمنا يقصد مجيع ذلك وال يفرق ‪.‬‬

‫أما علماء اإلسالم ففرقوا فإذا ذكروا احلكم بغري ما أنزل هللا هنا فصلوا بني من يفعله هوى أو‬
‫شهوة ‪ .‬أما إذا تكلموا عن القوانني الوضعية فال يفصلون بني املستحل واجلاحد أو من فعله هوى‬
‫كما سبق ِف تقرير الشيخ دمحم بن إبراهيم فقال ‪ ( :‬أما الذي جعل قوانني برتتيب وختضيع فهو‬
‫كفر وإن قالوا أخطأان وحكم الشرع أعدل ففرق بني املقرر واملثبت واملرجع جعلوه هو املرجع فهذا‬
‫كفر انقل عن امللة ‪ ، ) .‬وكذا فيما نقلنا عن ابن كثري َكفََّر مبجرد التحاكم فارجع إىل قوله ‪ ،‬ومثله‬
‫يفصلون ِف القوانني الوضعية ‪.‬‬‫شيخنا الشنقيطي وابنا شاكر وغريهم كلهم ال ِ‬

‫هذا ما تيسر ِف الرد عليه على عجالة وشغل ونسأل هللا أن يهدي اجلميع ملا حيبه ويرضاه وأن يوفق‬
‫العنربي وأمثاله من مرجئة العصر إىل الرجوع إىل مذهب سلف األمة إنه على كل شيء قدير ‪ .‬وصلى‬
‫هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫أماله‬
‫أ ‪ .‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫األستاذ سابقا بكلية الشريعة و أصول الدين‬
‫جبامعة اإلمام دمحم بن سعود اإلسالمية‬
‫فرع القصيم‬
‫‪4194/1/9٧‬ه‬

‫‪485‬‬
‫كلمة حق يف سيد قطب‬
‫فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب حفظه هللا ‪:‬‬
‫كثرت األقوال ِف سيد قطب رمحه هللا ‪ ،‬فهذا ين زهه من كل خطأ‪ ،‬وذاك جيعله ِف عداد الفاجرين‬
‫بل الكافرين فما هو احلق ِف ذلك ؟‬
‫اجلواب ‪ :‬احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬والصالة والسالم على من ال نيب بعده ‪.‬‬
‫وبعد ‪:‬‬
‫فإن املفكر األديب سيد قطب رمحه هللا له أعداء كثريون‪ ،‬خيت لفون ِف كيفية النقد وأهدافه‬
‫والغاايت منه‪ ،‬ويت ف قون ِف مصاحل مشرتكة‪ ،‬وقبل أن أكشف بطالن مثالب اجلراحني واملطاعن‬
‫املوجهة إىل سيد رمحه هللا ‪ ،‬أبني أوال ملاذا يستهدف سيد قطب خاصة ؟ ومن املستفيد من‬
‫إسقاطه ؟ إن سيدا رمحه هللا يعد ِف عصره علما من أعالم أصحاب منهج مقارعة الظاملني والكفر‬
‫هبم ‪ ،‬ومن أفذاذ الدعاة إىل تعبيد الناس لرهبم والدعوة إىل توحيد التحاكم إىل هللا ‪ ،‬فلم يقض إال‬
‫مضاجع أعداء هللا ورسوله كجمال عبدالناصر وأمثاله ‪ ..‬وما فرح أحد بقتله كما فرح أولئك‪ ،‬ولقد‬
‫ضاق أولئك األذانب هبذا البطل ذرعا‪ ،‬فلما ظنوا أهنم قد قتلوه إذا بدمه حييي منهجه ويشعل‬
‫كلماته محاسا‪ ،‬فزاد قبوله بني املسلمني وزاد انتشار كتبه‪ ،‬ألنه دلل بصدقه وإقدامه على قوة‬
‫منهجه‪ ،‬فسعوا إىل إعادة الطعن فيه رغبة منهم لقتل منهجه أيضا وأَّن هلم ذلك‪.‬‬
‫فاستهداف سيد قطب رمحه هللا مل يكن استهدافا جمردا لشخصه‪ ،‬فهو ليس الوحيد من العلماء‬
‫الذي وجدت له العثرات‪ ،‬فعنده أخطاء ال ننكرها‪ ،‬ولكن الطعن فيه ليس إلسقاطه هو بذاته فقد‬
‫قدم إىل ربه ونسأل هللا له الشهادة‪ ،‬ولكن الذي ال زال يقلق أعداءه وأتباعهم هو منهجه الذي‬
‫خيشون أن ينتشر بني أبناء املسلمني ‪ .‬وإين إذ أمسع الطعن ِف سيد قطب رمحه هللا ال أستغرب‬
‫ذلك لقوله هللا تعاىل‪ ﴿ :‬وكذلك جعلنا لكل نيب عدوا ﴾ فكل من معه نور من النبوة أيضا له‬
‫أعداء من أهل الباطل بقدر ما معه من مرياث نبينا دمحم عليه الصالة والسالم ‪ ،‬فما يضري سيدا‬
‫طعن الطاعنني‪ ،‬بل هو رفعة له وزايدة ِف حسناته‪ ،‬ولكن الذي يثري االستغراب هو فعل أولئك‬
‫القوم الذين يدعون اتباع احلق ومع ذلك ينقصون امليزان وال يزنون ابلقسطاس املستقيم وهللا‬
‫يقول‪ ﴿ :‬ويل للمطففني * الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم‬
‫خيسرون ﴾(سورة املطففني آية ‪ ، )4-4:‬فأولئك إذا أرادوا مدح أحد عليه من املآخذ ما يفوق‬
‫سيدا أبضعاف قالوا كلمتهم املشهورة "تغمس أخطاؤه ِف حبر حسناته" وقالوا "إذا بلغ املاء قلتني مل‬
‫حيمل اخلبث" وغري ذلك‪ ،‬وإذا أرادوا ذم آخر كسيد رمحه هللا الذي يعد جمددا ِف ابب ( إن احلكم‬

‫‪486‬‬
‫إال هلل ) سلكوا معه طريق اخلوارج وكفروه ابملعاصي والزالت ‪ .‬وسيد رمحه هللا ال ندعي له العصمة‬
‫من اخلطأ‪ ،‬بل نقول إن له أخطاء ليس هذا جمال تفصيلها‪ ،‬ولكنها ال ختل أبصل دعوته ومنهجه‪،‬‬
‫كما أن عند غريه من األخطاء اليت مل تقدح ِف من زلتهم وعلى سبيل املثال ابن حجر والنووي وابن‬
‫اجلوزي وابن حزم(‪ ،)4‬فهؤالء هلم أخطاء ِف العقيدة إال أن أخطاءهم مل جتعل أحدا من أبناء األمة‬
‫وال أعالمها ميت نع من االستفادة منهم أو يهضمهم حقهم وينكر فضائلهم ‪ ،‬فهم أئمة إال فيما‬
‫أخطئوا فيه‪ ،‬وهذا احلال مع سيد رمحه هللا فأخطاؤه مل تقدح ِف أصل منهجه ودعوته لتوحيد‬
‫احلاكمية وتعبيد الناس لرهبم‪ .‬والقاعدة اليت جيب أن تقرر ِف مثل هذه احلاالت هي ما يستفاد من‬
‫قول هللا تعاىل ﴿ يسألونك عن اخلمر وامليسر قل فيهما إمث كبري ومنافع للناس وإمثهما أكرب من‬
‫نفعهما ﴾ (سورة البقرة آية‪ )942:‬فكل من حقق ما جيب حتقيقه من أصل الدين‪ ،‬ينظر بعد‬
‫ذلك ِف سائر منهجه فإن كان خطؤه أكثر من صوابه وشره يغلب على نفعه فإنه يهمل قوله‬
‫وتطوى كتبه وال تروى ‪ ،‬وعلى ذلك فالقول الفصل ِف سيد رمحه هللا أن أخطاءه مغمورة ِف جانب‬
‫فضائله ودفاعه عن ( ال إله إال هللا )‪ ،‬ال سيما أنه حقق أصول املعتقد الصحيح ‪ ،‬وإن كان عليه‬
‫بعض املآخذ وعبارات أطلقها ال نوافقه عليها رمحه هللا ‪.‬‬
‫وختاما ‪ :‬ال يسعين إال أن أذكر أنين أحسب سيدا وهللا حسيبه يشمله قوله عليه الصالة والسالم‬
‫( سيد الشهداء محزة‪ ،‬ورجل قام عند سلطان جائر فأمره وهناه فقتله )(‪ )9‬فنحسب أن سيدا رمحه‬
‫هللا قد حقق ذلك الشرط حيث قال كلمة حق عند سلطان جائر فقتله ‪ ..‬وأنقل كلمة له رمحه هللا‬
‫قبل إعدامه بقليل عندما أعجب أحد الضباط بفرح سيد قطب وسعادته عند مساعه نبأ احلكم‬
‫عليه ابإلعدام "الشهادة" وتعجب ألنه مل حيزن ويكتئب وينهار وحيبط فسأله قائال ‪ :‬أنت تعت قد‬
‫أنك ستكون شهيدا فما معىن شهيد عندك؟ أجاب رمحه هللا قائال ‪ :‬الشهيد هو الذي يقدم‬
‫شهادة من روحه ودمه أن دين هللا أغلى عنده من حياته‪ ،‬ولذلك يبذل روحه وحياته فداء لدين‬
‫هللا ‪ .‬وله رمحه هللا من املواقف واألقوال اليت ال يشك عارف ابحلق أهنا صادرة عن قلب قد مليء‬
‫حبب هللا وحب رسوله ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وحب التضحية لدينه‪ ،‬نسأل هللا أن يرمحنا ويعفو عنا وإايه‪.‬‬
‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫قاله ؛ محود بن عقالء الشعييب ‪4194/5/41 .‬ه‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬يقول الشيخ عبدالرمحن اجلفن ‪ :‬بدأت مع شيخنا محود بن عقالء الشعييب رمحه هللا ِف قراءة كتاب ِ‬
‫الفصل ِف امللل‬
‫البن حزم فأمر بعدم إكماله معتذراً خبلط مؤلفه ِف املعتقد ‪..‬‬
‫(‪ )9‬املستدرك للحاكم (‪ )1٧٧1‬وحكم األلباين حسن ‪ .‬أنظر السلسة الصحيحة (‪.)411‬‬

‫‪487‬‬
‫حتذير الشيخ من تكفري مرتكيب املعاصي من املسلمني‬
‫فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب متعنا هللا بعلمه‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته أما بعد ‪.‬‬

‫بعض الشباب ِف بالدان يعتقد كفر املتربجات وغريهن من اجملاهرين ابملعاصي ‪ ،‬وحجته ِف ذلك‬
‫أن املتربجة أو غريها من اجملاهرين خترج من بيتها سافرة مطمئنة النفس مبعصيتها حىت صارت‬
‫عندها هذه املعصية كالعادة ‪ ،‬ويذهب هؤالء الشباب إىل أن هذا الفعل استحالل عملي للذنب‬
‫وكفر خمرج من امللة ‪.‬‬
‫فما هو ضابط االستحالل العملي ؟ ومباذا تنصح هؤالء الشباب ‪ ،‬علما أبننا نصحناهم وقلنا هلم‬
‫أبن اخلوارج تكفر ابلذنب وأنتم كفرمت الناس ابسم االستحالل العملي دون وقوع االستحالل‬
‫وجزاكم هللا خريا ‪.‬‬
‫اجلواب ‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني وصلى هللا وسلم وابرك على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني أما بعد ‪.‬‬
‫فإن التربج والسفور واحنالل األخالق من املعاصي اليت حذر هللا سبحانه وتعاىل عباده املؤمنني من‬
‫الوقوع فيها ‪ ،‬و قد بني هلم سبحانه أهنا من عمل أهل اجلاهلية كما ِف قوله تعاىل ( وقرن ِف‬
‫بيوتكن وال تربجن تربج اجلاهلية األوىل )(سورة األحزاب آية‪. )44:‬‬

‫وأما استحالل احملرمات فقد اتفق أهل السنة واجلماعة على أن من استحل أمرا معلوما ابلضرورة‬
‫حترميه من الدين فقد كفر وارتد عن اإلسالم ‪.‬‬

‫وأما التكفري على فعل الكبرية فإنه من منهج اخلوارج الذين حذر علماء األمة من السلوك ِف‬
‫طريقهم أو انتهاج منهجهم ‪ ،‬وما ظهر مثل هذا التوجه ِف صفوف بعض الشباب إال لكوهنم يرون‬
‫هذا الفساد قائما على أشده تدعمه القنوات الفضائية والصحف واجملالت الفاسدة والفتاوى‬
‫املميعة للدين ‪ ،‬فال حول وال قوة إال ابهلل ‪.‬‬
‫وأما أولئك املتربجات فما فعلنه ليس من الكفر ِف شيء حىت يثبت ابلدليل أهنن استحللن ذلك‬
‫الفعل ‪ ،‬أما جمرد فعلهن فال يدل على أنه استحالل ‪ ،‬بل قد ميارسن هذا الفعل وهن يعتقدن أنه‬
‫من احملرمات بل من الكبائر ‪ ،‬ولضعف إمياهنن ولعدم وجود الرادع ولسكوت ِ‬
‫العامل تقية ومداهنة‬
‫غريه خوفا كثر اجلهل وعمت البلوى وظهرت مثل هذه األفعال ‪.‬‬

‫‪488‬‬
‫ونصيحيت هلؤالء الشباب وفقهم هللا أن يلتحموا بعلماء أهل السنة حىت يبينوا هلم السبيل الواقي من‬
‫الوقوع ِف مثل هذه البدع املنكرة ‪.‬‬
‫وعليهم أن يتجنبوا من حيمل فكرا منحرفا أو توجها يسيء لإلسالم ‪ ،‬وعليهم أن يتمعنوا ِف كتب‬
‫سلف األمة وأئمة الدعوة فإن فيها بعد كتاب هللا سبحانه وتعاىل وسنة نبيه ملسو هيلع هللا ىلص سالمة املنهج‬
‫وحسن التوجه ‪.‬‬
‫نسأل هللا مبنه وكرمه أن يعز الدين وأهله وأن يذل الكفر وأهله إنه وحده القادر وصلى هللا على‬
‫نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني ‪ ،‬وآخر دعواان أن احلمد هلل رب العاملني ‪.‬‬

‫أماله فضيلة الشيخ‬


‫أ‪ .‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪ 4199 / 5 / 4٧‬ه‬

‫‪489‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫حكم الدعوة رىل وحدة األداين‬
‫فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعي يب حفظه هللا‪.‬‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته ‪ ..‬وبعد‬
‫يرتدد ِف بعض األوساط واحملافل الدولة نظرية خالصتها أن اإلسالم حيرتم األداين السماوية‬
‫األخرى ‪ ..‬وأنه ال فرق بني هذه األداين كما يُزعم وبني اإلسالم ‪ ..‬وقد عقد هلذه النظرية املؤمترات‬
‫ومجع من أجلها اجملامع ‪ ..‬وتسنم هلا بعض من قياديي العلم اإلسالمي ‪ ..‬فما احلكم ِف هذه‬
‫القضية؟ ابرك هللا فيكم وسددكم وأعانكم للخري‪..‬‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني ‪ ..‬أما بعد‬
‫ترديدا لشعارات منحرفة ومصطلحات غريبة بدأت تغزوا‬ ‫فقد بدأان ِف اآلونة األخرية نسمع ً‬
‫املسلمني ‪ ..‬مبطنة بباطن الكفر والردة ‪ ..‬ملفوفة بشعارات ماكرة ابسم مؤمترات وملتقيات حول‬
‫األداين‪ ،‬وابسم تقارب األداين أو العاملية‪ ،‬وتصرحيات سياسية ابسم احرتام األداين كما يزعمون‪.‬‬
‫ويزعم أصحاب هذه الدعوة أن العاملية هي السبيل إىل مجع الناس على مذهب واحد وتزول معه‬
‫خالفاهتم الدينية والعنصرية إلحالل السالم العاملي‪ ،‬وقد حرص أعداء هذا الدين على إجياد ذرائع‬
‫مبطنة واستحداث وسائل مقنعة للوصول إىل مآرهبم‪ ،‬وبدءوا جياهرون بضرورة التعايش بني‬
‫األداين‪ ،‬وضرورة احرتام األداين واالعرتاف هبا‪.‬‬
‫وأييت النظام العاملي اجلديد أو ما يسمى ابلعوملة عامالً رئيسيًا ِف إحياء تلك الدعوات اخلبيثة‪،‬‬
‫ولذا نالحظ كثرة املؤمترات والتصرحيات السياسية هلذا األمر‪ ،‬نسمعها من العلمانيني وبعض‬
‫العصريني‪ ،‬ومن ملوك ورؤساء وسياسيني حمسوبني على اإلسالم‪ ،‬وال خيفى أن الدعوة إىل وحدة‬
‫األداين دعوة قدمية وجدت عند مالحدة الصوفية من أهل احللول واالحتاد ‪ ..‬كابن سبعني وابن‬
‫التنصر واإلسالم‪ ،‬والتدين هبذه األداين (الفتاوى ‪/41‬‬ ‫التهود و ُّ‬
‫جيوزون ُّ‬ ‫هود والتلمساين ‪ ..‬حيث ِ‬
‫أيضا التتار ووزراؤهم فقال عنهم ابن تيمية رمحة هللا عليه‪ :‬وكذلك األكابر من‬ ‫‪ .)411‬وتزعمها ً‬
‫وزرائهم وغريهم جيعلون دين اإلسالم كدين اليهود والنصارى‪ ،‬وأن هذه كلها طرق إىل هللا مبن زلة‬
‫املذاهب األربعة عند املسلمني‪( .‬الفتاوى ‪)594 /9٧‬‬

‫‪491‬‬
‫مث جدد هذه الدعوى مجال الدين األفغاين ِف القرن املاضي وساعده على ذلك تلميذه دمحم عبده‪،‬‬
‫وِف العصر احلايل تبناها رجاء جارودي فيما مساه وثيقة أشبيلية‪ ،‬واآلن يتبناها بعض العصريني‬
‫والعقليني وبعض السياسيني برعاية أقطاب النظام العاملي اجلديد أو العوملة‪.‬‬
‫قال ابن تيمية رمحة هللا عليه (الفتاوى ‪ :)591 /9٧‬ومعلوم ابالضطرار من دين املسلمني وابتفاق‬
‫مجيع املسلمني أن من سوغ اتباع دين غري دين اإلسالم أو اتباع شريعة غري شريعة دمحم صلى هللا‬
‫عليه وسلم فهو كافر‪ .‬ا‪.‬ه‬
‫ونقل الشيخ دمحم بن عبد الوهاب رمحة هللا عليه ِف النواقض العشرة أن من مل يكفر املشركني أو‬
‫إمجاعا‪ ،‬وقال ابن حزم رمحة هللا عليه ِف مراتب اإلمجاع ص‬ ‫شك ِف كفرهم أو صحح مذهبهم كفر ً‬
‫كفارا‪.‬‬
‫‪ :442‬واتقوا على تسمية اليهود والنصارى ً‬
‫وقال القاضي عياض رمحة هللا عليه كما ِف الشفا‪ :‬وهلذا نكفر من دان بغري ملة اإلسالم من امللل‬
‫أو وقف فيهم أو شك أو صحح مذهبهم وإن أظهر مع ذلك اإلسالم ‪.‬‬
‫وما ذكره العلماء من حكم تكفري من صحح دين اليهود والنصارى مبين على أنه يلزم من ذلك‬
‫تكذيب القرآن ألن هللا سبحانه وتعاىل يقول‪﴿ :‬ومن يبتغ غري اإلسالم ديناً فلن يقبل منه ﴾(سورة‬
‫آل عمران آية‪ )٧5:‬ويقول‪ ﴿ :‬إن الدين عند هللا اإلسالم ﴾(سورة آل عمران آية‪. )42:‬‬
‫كما يلزم منه تكذيب النيب عليه الصالة والسالم‪ ،‬حيث صح عنه عليه الصالة والسالم أنه أخرب‬
‫عن نسخ الدايانت األخرى غري اإلسالم‪ ،‬إذ صح عنه عليه الصالة والسالم أنه رأى ِف يد أمري‬
‫شديدا وقال‪« :‬أِف شك أنت ايبن‬ ‫املؤمنني عمر بن اخلطاب هنع هللا يضر ورقة من التوراة فغضب غضبًا ً‬
‫اخلطاب»(‪ )4‬وِف لفظ «أمتهوكون فيها ايبن اخلطاب؟ لقد جئتكم هبا بيضاء نقية‪ ،‬وهللا لو أن‬
‫أخي موسى حيًّا ما وسعه إال اتباعي»(‪ )9‬وروى أبو هريرة هنع هللا يضر أنه قال‪ :‬كان الناس من أصحاب‬
‫رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص يكتبون التوراة فذكروا ذلك لرسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص فقال‪« :‬أمحْق احلمق وأضل الضاللة قوم‬
‫رغبوا عما جاء به نبيهم إليهم ‪ )4(»..‬احلديث‪.‬‬
‫فتبني من هذه النصوص اليت ذكرهتا وما مياثلها مما مل أذكره نسخ وبطالن أي دين غري دين‬
‫أشخاصا من قادة املسلمني يروجون هلذه النظرية الفاسدة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اإلسالم‪ ،‬والعجب كل العجب أن‬
‫ويصرحون ِف احملافل العاملية الكافرة أهنم يدعون إىل آتخي األداين السماوية اخلالدة زعموا ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم ‪.)4112( - 41‬‬
‫(‪ )9‬رواه أمحد (‪ )45451‬وحكم األلباين حديث حسن ‪ .‬أنظر إرواء الغليل (‪.)45٧2‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه اإلمساعيلي ِف " املعجم "(‪ )4٧1‬وحكم األلباين ضعيف جدا ‪ .‬أنظر السلسة الضعيفة (‪. )5٧15‬‬

‫‪491‬‬
‫خالدا غري دين اإلسالم؟ بعدما نسختها شريعة دمحم‬‫وهل ميكن ملسلم عاقل يتصور أن هناك دينًا ً‬
‫علما أبن األداين السماوية السابقة كاليهودية والنصرانية دخلها التبديل‬
‫عليه الصالة والسالم ‪ً ..‬‬
‫والتحريف والزايدة والنقص والكتمان بسبب ما قام به أحبار السوء والضاللة قال تعاىل‪ ﴿:‬فويل‬
‫للذين يكتبون الكتاب أبيديهم مث يقولون ه ذا من عند هللا ليشرتوا ب ه مثنًا ق ليال ‪(﴾ ..‬سورة‬
‫البقرة اآلية‪ ،)12:‬وقوله ت عاىل‪ ﴿ :‬قل من أنزل الكتاب الذي ج اء به م وسى ن ًورا وهدى للناس‬
‫كثريا ‪(﴾ ..‬سورة األنعام اآلية‪. )24:‬‬
‫جتعلون ه قراطيس تبدوهنا وختف ون ً‬
‫ومع هذا التحريف والتبديل فقد نسختها شريعة دمحم عليه الصالة والسالم وأبطلتها كما سبق‪.‬‬
‫نسأل هللا سبحانه أن يعز دينه ويعلي كلمته وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني ‪..‬‬
‫أماله‬
‫أ‪ .‬محود بن عقالء الشعي يب‬
‫‪ 4194/1/41‬ه‬

‫‪492‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫فتوى يف طائفة النصريية‬
‫فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب حفظه هللا من كل سوء‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته ‪:‬‬
‫من هم النصريية وإىل من ينتسبون وِف أي اتريخ نشأت هذه الطائفة ‪ ،‬وِف أي بلد تتواجد ‪ ،‬وما‬
‫هي داينتهم ‪ ،‬وما رأي علماء األمة فيهم ‪ ،‬وهل جتوز هتنئتهم أبفراحهم وتعزيتهم ِف أحزاهنم‬
‫مبصاهبم ‪ ،‬وهل جتوز الصالة على من مات منهم …؟‬
‫أفتوان عن هذه األسئلة مأجورين … وجزاكم هللا خريا ‪..‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬والصالة والسالم على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني ‪ ...‬وبعد‬
‫فإن اإلجابة على هذه األسئلة حتتمل جملدا ولكن سنختصر ِف اجلواب ‪:‬‬
‫النصريية طائفة من غالة الشيعة ‪ ،‬نشأت ِف القرن الثالث اهلجري ‪ ،‬ودخل فيها طوائف كفرية من‬
‫غريها ‪ :‬كالباطنية واإلمساعيلية والبوذية وغريهم من الفرق الكافرة واملنحدرة من أصل جموسي ‪ .‬وهي‬
‫ب إىل رجل يدعى دمحم بن نصري‬ ‫تكثر ِف سوراي ‪ ،‬وهلا وجود ِف البلدان اجملاورة لسوراي ‪ .‬وهي تُْن َس ُ‬
‫النمريي الذي ادعى النبوة وزعم أن أاب احلسن العسكري ‪ -‬اإلمام احلادي عشر من الشيعة ‪ -‬كان‬
‫راب وأنه هو الذي أرسله نبيا ‪.‬‬
‫أما داينتهم فهي تقوم على معتقدات فاسدة وطقوس ابلية ملفقة من اليهودية النصرانية والبوذية‬
‫واإلسالم ‪ ..‬ومن هذه املعتقدات الفاسدة هلذه الطائفة ‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الغلو ِف اإلمام على بن أىب طالب هنع هللا يضر واالعتقاد أبنه إله ورب ‪ ،‬وأنه خلق السماوات‬
‫واألرض ومجيع الكائنات ‪ ،‬ومن عباداهتم ِف الغلو بعلي هنع هللا يضر قوهلم ‪ :‬ال إله إال حيدرة األنزع البطني‬
‫‪ ،‬وال حجاب عليه إال دمحم الصادق األمني ‪ ،‬وال طريق إليه إال سلمان ذو القوة املتني ‪ ..‬وهبذا‬
‫القول يتبني أهنم أكفر من اليهود والنصارى واملشركني ‪ ..‬ألهنم بعبارهتم هذه أسندوا اخللق والتدبري‬
‫إىل اإلمام علي بن أىب طالب هنع هللا يضر ‪ ،‬أما اليهود والنصارى واملشركون فإهنم مقرون أبن هللا تعاىل‬
‫اخلالق املدبر املتصرف بشؤون اخللق ‪..‬‬

‫اثنيا ‪ :‬القول بتناسخ األرواح ‪ :‬وهو أن اإلنسان إذا مات خرجت روحه وسكنت بدن حيوان آخر‬
‫‪ ،‬إما إنسان وإما حيوان على حسب سلوك الشخص امليت الذي خرجت منه ‪ ،‬إن كان فاضال‬
‫سكنت بدن حيوان فاضل ‪ ،‬وإن كان سيئا سكنت بدن حيوان حقري كالكالب وغريها ‪..‬‬

‫‪493‬‬
‫وحقيقة هذا املذهب أن الدنيا ال خترب وال تنتهي وأنه ال بعث وال جنة وال انر ‪ ،‬بل تستمر‬
‫األرواح ابلتنقل من بدن إىل بدن إىل ماال هناية ‪ ،‬وهذا املعتقد الفاسد أخذوه عن البوذية ألن من‬
‫أصول مذهب البوذيني تناسخ األرواح ‪ .‬ومن األمور املتأصلة ِف مذهب النصريية شدة عدائهم‬
‫لإلسالم واملسلمني وبغضهم هلم ‪ ،‬ومن شدة عدائهم لإلسالم أهنم يلقبون الفاروق أمري املؤمنني‬
‫عمر بن اخلطاب هنع هللا يضر إببليس األابلسة ويليه ِف اإلبليسية أبو بكر مث عثمان ‪ ..‬وحيرمون زايرة قرب‬
‫النيب ملسو هيلع هللا ىلص ألن ِف جواره أىب بكر وعمر رضي هللا عنهما !! وهذه الطائفة كانت حمصورة ِف مكان‬
‫ِف بالد الشام ال ميكنون من الوظائف وال من التعليم بناء على فتوى صادرة بذلك من شيخ‬
‫اإلسالم بن تيمية رمحه هللا وما زالوا كذلك إىل أن احتلت فرنسا بالد الشام فأخرجتهم ولقبتهم‬
‫ابلعلويني ومكنتهم من املناصب اهلامة ابلدولة ‪.‬‬
‫أما رأي علماء اإلسالم فيهم فهو احلكم عليهم ابخلروج من امللة ملا يقوم عليه مذهبهم من الشرك‬
‫والقول بتناسخ األرواح وإنكار البعث و اجلنة والنار ‪.‬‬
‫وقد سئل شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحة هللا عليه عن النصريية فأجاب مبا نصه‪:‬‬
‫( احلمد هلل رب العاملني ‪ ..‬هؤالء القوم املسمون ابلنصريية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية‬
‫أكفر من اليهود والنصارى بل أكفر بكثري من املشركني ‪ ،‬ضررهم على أمة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص أعظم من ضرر‬
‫الكفار احملاربني فإن هؤالء يتظاهرون عند جهال املسلمني ابلتشيع ومواالة أهل البيت وهم ِف‬
‫احلقيقة ال يؤمنون ابهلل وال برسوله وال بكتابه وال أبمر وال بنهي وال ثواب وال عقاب وال جبنة وال‬
‫بنار وال أبحد من املرسلني قبل دمحم ملسو هيلع هللا ىلص وال مبلة من امللل وال بدين من األداين السالفة ‪ ،‬بل‬
‫أيخذون من كالم هللا ورسوله املعروف عند علماء املسلمني ويتأولونه على أمور يفرتوهنا ويدعون‬
‫أهنا علم الباطن من جنس ما ذكره السائل‪ - ....‬مث استمر رمحه هللا ِف اجلواب إىل أن قال ‪: -‬‬
‫ومن املعروف عندان أن السواحل الشامية إمنا استوىل عليها النصارى من وجهتهم ‪ -‬أي وجهة‬
‫النصريية ‪ -‬وهم مع كل عدو للمسلمني ‪ ،‬ومن أعظم املصائب عندهم انتصار املسلمني على التتار‬
‫!! ) ‪ ..‬والفتوى طويلة نكتفي منها مبا ذكر ‪.‬‬
‫أما هتنئتهم أبفراحهم وتعزيتهم مبصاهبم والصالة على مواتهم فهذه أمور حمرمة وال جتوز ‪ ،‬ملخالفتها‬
‫قاعدة الوالء والرباء اليت هي أصل مهم من أصول التوحيد ‪..‬‬
‫هذا وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى اله وصحبه أمجعني ‪..‬‬
‫أماله أ‪ .‬محود بن عقالء الشعييب ‪4194/4/95‬ه‬

‫‪494‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫فتوى يف املدعو حسن فرحان املالكي‬
‫فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعي يب ‪ ..‬حفظه هللا‪.‬‬
‫لقد كثر احلديث عن حسن بن فرحان املالكي وخاصة بعد إاثرته لعدد من القضااي ِف وسائل‬
‫اإلعالم كالصحف واجملالت والقنوات الفضائية‪ ،‬وهذه القضااي عن عدالة الصحابة والدفاع عن‬
‫الفرق الضالة واهتام كتب أهل السنة وأئمتهم ابلنصب‪ ،‬وغريها من القضااي اليت نرجو من فضيلتكم‬
‫خريا‪.‬‬
‫بياهنا وجزاكم هللا ً‬
‫اجلواب ‪:‬‬
‫احلمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا وعلى آله وصحبه أمجعني ‪ ..‬وبعد‬
‫فقد كثر ِف عصران احلداثيون والعلمانيون واملعتزلة وغريهم من أصحاب العقائد الفاسدة‪ ،‬الذين‬
‫أثرا من مجع خليطًا من هذه العقائد‬ ‫يفسدون ِف األرض وال يصلحون‪ ،‬وأخطرهم وأعظمهم ً‬
‫الفاسدة واألفكار املنحرفة‪ ،‬ال سيما الطعن ِف الصحابة‪ ،‬والقدح ِف أهل السنة وِف كتبهم‪ ،‬والدفاع‬
‫عن أهل الضالل‪ ،‬وعلى رأس هؤالء حسن بن فرحان املالكي‪ ،‬الذي قد تضخمت احنرافاته‪،‬‬
‫وتعاظم شره‪ ،‬وبيان ذلك أبمور‪:‬‬
‫أوال‪ :‬طعنه ِف الصحابة وحصره الصحبة ِف املهاجرين واألنصار فقط وأهنم الذين هاجروا قبل‬
‫احلديبية وبيعة الرضوان‪ ،‬وقوله بعدم عدالتهم ِف اجلملة‪ ،‬وزعم أن هذا التعريف عليه مجهرة من‬
‫أيضا أبن الصحابة ليس كلهم عدول واألدلة اليت ذكرها العلماء ِف‬ ‫احملدثني وأكثر الصحابة‪ ،‬وقوله ً‬
‫إثبات عدالة الصحابة كلهم ال تفيد ذلك‪ ،‬وقال إن بيعة أيب بكر لو سبقها شورى واتفاق فإن‬
‫معظم الناس سيختارون عليا لفضله وقربه من النيب ملسو هيلع هللا ىلص وكونه من بين هاشم أفضل قبيلة ِف قريش‪،‬‬
‫وسبب ميل األنصار لعلي أكثر من ميلهم أليب بكر وعمر ألن عليًّا كان أكثر فت ًكا ِف مشركي‬
‫أحدا ابستثناء رجل واحد‬‫قريش بعكس أيب بكر وعمر وعثمان إذ مل يثبت أهنم قتلوا من قريش ً‬
‫قتله عمر يوم بدر‪ ،‬وقال إن بيعة أيب بكر أشبه ما تكون ابلغلبة والقهر ومجهور الصحابة ال يرون‬
‫بيعته بال شورى‪ ،‬وأن نصف األنصار وافق على بيعة أيب بكر على مضض‪ ،‬وقال إن البعض يرى‬
‫أن اختالف الصحابة ِف السقيفة على اخلالفة مل يكن أبسباب حبثهم عن مصلحة اإلسالم‪ ،‬بل‬
‫هناك أسباب قبلية وتعصب لفئات وأشخاص وليس هناك دليل شرعي مينع من هذا‪ ،‬وقال إن‬
‫األمر مل يستتب أليب بكر وال لعمر إال ابنشغال الناس ابلفتوحات اليت أنستهم األحق ِف اخلالفة‪،‬‬
‫عضوضا واستأثر ببيت مال‬
‫ً‬ ‫وقال عن معاوية إنه انتزى على األمة ابلسيف وجعل اخلالفة مل ًكا‬

‫‪495‬‬
‫املسلمني وأحدث مفاسد‪ ،‬وأنه خرج على علي هبدف سياسي حبت وليس املطالبة بدم عثمان وال‬
‫أيضا كثري من املهاجرين‬ ‫غريه‪ ،‬وأنه من أبرز النواصب ِف الشام‪ ،‬وقد لعنه ابن عباس وكان يلعنه ً‬
‫السابقني واألنصار وذهب إىل جواز لعنه من العلماء املتأخرين دمحم بن عقيل ِف كتابه (النصائح‬
‫الكافية)‪ ،‬وقال عن أيب سفيان شكك العلماء ِف إسالمه‪ ،‬وقال إن أاب هريرة يروي عن كعب‬
‫األحبار بعض اإلسرائيليات فريويها الناس عنه ظنًا منهم أهنا أحاديث عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وقال عن أيب‬
‫أيضا أنه يهم وينسى ِف التحديث‪ ،‬وكذلك قال عن عبد هللا بن عمرو أنه ظفر بزاملتني‬ ‫هريرة هنع هللا يضر ً‬
‫يوم الريموك فهو حيدث منهما فيظن الناس أنه حيدث عن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وقال أبن عبد هللا بن الزبري‬
‫يقاتل من أجل امللك‪ ،‬وقال عبد هللا بن عمر يهم وينسى ِف احلديث‪ ،‬وقال الذين أسلموا بعد‬
‫الفتح ليسوا صحابة وهم أصحاب أطماع مادية‪ ،‬وقوله عمرو بن العاص وخالد بن الوليد واملغرية‬
‫بن شعبة ومن أسلم بعدهم ليسوا من الصحابة‪ ،‬هذا بعض ما قاله إىل غري ذلك من تعمده ذم‬
‫الصحابة وإنكار فضلهم وإسقاط عدالتهم‪.‬‬
‫وجتسيما‪ ،‬ومييل‬
‫ً‬ ‫اثنيا‪ :‬عدم إثباته لبعض من الصفات اليت وردت ِف السنة ويزعم أن فيها ً‬
‫تشبيها‬
‫إىل قول اجلهمية واملعتزلة ِف عدم التشبيه والتجسيم كما زعموا‪ ،‬ويقول أبن أهل السنة يثبتون بعض‬
‫الصفات هلل اليت أخذوها من التلمود‪ ،‬ويتهم احلنابلة أبهنم متفقون مع العامة ابلتجسيم والتشبيه‪،‬‬
‫وال يثبت تشبيه صوت هللا إذا تكلم جبر السلسلة على صفوان كما عند البخاري ويقول املالكي‬
‫تشبهي واضح ال يليق ابهلل تعاىل وال يثبت بسند صحيح‪ ،‬ويكذب رؤاي النيب ملسو هيلع هللا ىلص أبن هللا وضع‬
‫يده بني كتفيه حىت وجد بردها خزعبالت رغم أنه حديث حسن‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬تركيزه على أن عقيدة أهل السنة صنعها الصراع السياسي وأهنا تشكلت حسب الصراع‬
‫وليس بناء على األدلة الشرعية أو اتباع الرسول ملسو هيلع هللا ىلص أو الصحابة‪ ،‬مث رمى األمة أبهنا أحدثت ِف‬
‫أمورا ما أنزل هللا هبا من سلطان وذلك أبسباب الصراعات السياسية كالقول بعدم خلق‬ ‫العقيدة ً‬
‫القرآن و تشبيه هللا خبلقه إبثبات صفات له كصفات البشر‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬ملزه أئمة أهل السنة‪ ،‬فخذ مثال ذلك‪،‬قال عن ابن تيمية أنه هو الذي أحيا عقيدة النصب‬
‫بعد أن كادت أن تنتهي ِف بداية القرن الثامن‪ ،‬وقال ابن كثري انصيب متأثر أبهل بلده‪ ،‬والذهيب‬
‫كذلك‪ ،‬وقال عن ابن القيم أنه قليل العلم قليل الورع متعصب يكفر مجهور املسلمني والربهباري‬
‫صاحب إرهاب فكري على خصومه‪ ،‬وعبد هللا ابن اإلمام أمحد يروي اخلزعبالت واملوضوعات‬
‫كثريا بسبب ثوراهتم السياسية‪.‬‬
‫واإلسرائيليات‪ ،‬وأهل السنة وال يروون عن آل البيت ً‬

‫‪496‬‬
‫خامسا‪ :‬قدحه ِف أئمة احلنابلة وطعنه ِف كتبهم والتشكيك آبرائهم‪ ،‬واحلامل له على ذلك قوة‬
‫احلنابلة ِف العقيدة ومحلهم راية التوحيد ومصاولة الباطل ومقارعة الفساد‪ ،‬زايدة على ذلك قيامهم‬
‫على أهل البدع والتشريد هبم وكشف أابطيلهم وبيان ضالهلم‪ ،‬فاملالكي يدعي على احلنابلة بعدة‬
‫دعاوى هي‪:‬‬
‫‪ -4‬أبهنم أدخلوا ِف العقيدة ما ليس فيها‪.‬‬
‫‪ -9‬أن عندهم غلو ِف التكفري‪.‬‬
‫‪ -4‬عندهم إرهاب خلصومهم‪.‬‬
‫‪ -1‬يضعون األحاديث ويغريون ِف األسانيد واملتون ويكذبون على أمحد بن حنبل خلدمة مذهبهم‪.‬‬
‫‪ -5‬شهدوا على كثري من املسلمني ابلفاحشة وقتلوا بعض فقهاء الشافعية‪.‬‬
‫‪ -1‬ال يفهمون حجج اخلصوم وحيكمون عليه بالزم أقواهلم‪.‬‬
‫مجيعا وعندهم ظلم وتكفري وافرتاء على خصومهم‪.‬‬ ‫‪ -1‬يعممون خطأ الفرد على أهل مذهبه ً‬
‫‪ -٧‬تضعيفهم لثقات املخالفني وتوثيقهم‪.‬‬
‫‪ -2‬عندهم غلو ِف شيوخهم‪.‬‬
‫‪ -4٧‬متقدم احلنابلة ِف القرن الثالث والرابع فيهم احنراف عن علي ابن أيب طالب‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬قدحه ِف كتب العقيدة عند أهل السنة وقوله إن فيها من احلق قليال‪ ،‬وهي كتب الفساد‬
‫واإلفساد‪ ،‬وما هزم املسلمون إال أبثر كتب العقائد؛ ألن فيها تكفريا للمسلمني وغلوا ِف املشايخ‪،‬‬
‫وفيها كذب وقسوة وشتم وظلم‪ ،‬وفيها جتسيم وتشبيه صريح‪ ،‬والتأويل الباطل للنصوص‪ ،‬وإرهاب‬
‫للمتسائلني‪ ،‬وتفضيل الكفار على املسلمني وتفضيل الظلمة والفسقة على الصاحلني‪ ،‬واملغالطة‬
‫واالنتصار ابألساطري واألحالم‪ ،‬وجتويز قتال اخلصوم‪ ،‬ورواايت لإلسرائيليات‪ ،‬والتناقض والكذب‬
‫على اخلصوم وزرع الكراهية الشديدة مع عدم معرفة حق املسلم‪ ،‬واستشارة العامة والغوغاء‪،‬‬
‫والتزهيد من العود للقرآن الكرمي مع املبالغة ِف نشر أقوال العلماء الشاذة‪ ،‬والرتكيز على اجلزئيات‬
‫وزورا‪ ،‬ومسة من مسات كتب العقائد‬
‫كذاب ً‬
‫وترك األصول‪ ،‬وإطالق دعاوى اإلمجاع ودعاوى االتفاق ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫التناقض ً‬
‫سابعا‪ :‬دفاعه عن أهل البدع والضالل‪ ،‬كالرافضة والقرامطة وغالة املعتزلة واجلهمية واملتفلسفة‪،‬‬
‫وعدهم من مجهور املسلمني‪ ،‬بل إنه يدافع عن أئمة الضالل مثل عمرو بن عبدي وواصل بن‬
‫املطهر واجلهم بن صفوان واجلعد بن درهم وغيالن الدمشقي وغريهم ممن يسميهم‬ ‫عطاء وابن َّ‬
‫العلماء ‪-‬كما يزعم‪ -‬وهم كأيب حنيفة وأمحد بن حنبل وابن تيمية ودمحم بن عبد الوهاب وقال‬

‫‪497‬‬
‫مانصه ‪:‬كنت آسفا على سنوات أضعتها ىف بغض ولعن اجلهمية والقدرية ومل أنتبه لرباءهتما‬
‫وظلمي هلما إال بعد حبثي ِف املوضوع ِف فرتة متأخرة وقد اخندع كثري ما علماء األمة اإلسالمية‬
‫عظيما‪ ،‬وقال عن املعتزلة‪ :‬يكاد يتفق دارسو التاريخ على إثبات دورهم‬ ‫اطؤا ً‬
‫هبذا وتواطئوا عليه تو ً‬
‫الكبري ِف صد شبه امللحدين والزاندقة‪ ،‬وهم فرقة هلم أخطاء لكنهم ِف اجلملة ال يستغين عنهم وال‬
‫وظاهرا وهذا يوجب هلم حق اإلسالم كما‬ ‫ً‬ ‫عن تراثهم وعلومهم وهم مسلمون بدين اإلسالم ابطنًا‬
‫ال خيفى على عاقل‪.‬‬
‫مدافعا عنهم ابلباطل‬
‫مناصرا ً‬
‫ً‬ ‫ويتضح لك من ذلك أنك ال تراه مع أهل البدع والضالل إال مواليًا‬
‫وينفي ما نقله العلماء عنهم أنه حق بدعوى أنه اهتام من خصومهم‪ ،‬وإذا جاء احلديث عن أهل‬
‫السنة وعلمائهم تنصل من نصرهم وحاول التشكيك ِف علومهم واجتهاداهتم‪ ،‬وذمهم مبا هو شرف‬
‫هلم‪.‬‬
‫اثمنا‪ :‬جراءته ِف الكذب على األئمة فهو ال خيجل ً‬
‫أبدا أبن ينسب قوال من األقوال الشاذة إىل‬
‫كثريا ما يدعي اتفاق الصحابة على أمر مل يثبت أو ينفي‬
‫أيضا‪ ،‬و ً‬
‫أحد من األئمة أو إىل الصحابة ً‬
‫اتفاقهم على أمر ثبت أبسانيد صحيحة كقوله مثال عن الصحابة مل جيمعوا إال على شيء معروف‬
‫ِف نص شرعي غالبًا لكن أكثر دعواان ِف إمجاعهم افرتاء عليهم كتفضيل أيب بكر‪ ،‬أوقوله عن أنس‬
‫بن مالك وشعبة وسعيد بن املسيب وحيىي بن معني وأيب زرعة وغريهم أهنم ال يرون أن الصحايب‬
‫كل من رأى النيب ملسو هيلع هللا ىلص بل الصحايب هو املهاجري أو األنصاري الذي أسلم قبل احلديبية‪ ،‬ومستنده‬
‫هو الكذب واالفرتاء ونصرة مذهبه وبدعته‪.‬‬
‫تسعا‪ :‬جهله حىت مبعاين احلديث فلما مسع حديث تكليم هللا ملوسى وكان موسى عليه جبة من‬
‫صوف ونعلني من جلد محار‪ ،‬ظن أن احلنابلة يزعمون أن هللا هو الذي كان يلبس جبة الصوف‬
‫والنعلني فاستعظم األمر وسب احلنابلة الفرتائهم على هللا‪.‬‬
‫عاشرا‪ :‬أسلوبه ِف كتاابته خبيث سييء ِف ما يكتب عن أهل السنة وكتبهم وأئمتهم‪ ،‬وابملقابل‬
‫أيضا يفتقد إىل الطرح العلمي املوثق ويعتمد على‬
‫هني لني وديع مع الرافضة ورواهتم‪ ،‬وأسلوبه ً‬
‫الكذب وبرت النصوص‪ ،‬والتعامل ونسبة املقوالت اليت سبقه هبا الرافضة أو غريهم إىل نفسه‪.‬‬
‫احلادي عشر‪ :‬سعيه احلثيث والدائم على تشويه حقائق التاريخ والتشكيك هبا‪ ،‬رغم أنه مل أيت‬
‫ومعتربا عند أهل التخصص سوى بعض كالمه على‬ ‫ً‬ ‫نقدا علميًا موث ًقا‬
‫إىل اآلن مبا يصلح أن يكون ً‬
‫مجيعا‪ ،‬ووصفه أبن التاريخ وضع ليخدم السالطني‪ ،‬وال‬
‫سيف بن عمر‪ ،‬إمنا مهه النيل من املؤرخني ً‬
‫يوجد عندان من التواريخ ما يصلح ألن نعتمد عليه كحقائق فكلها متثل وص ًفا للصراعات السياسية‬

‫‪498‬‬
‫واملذهبية فقط‪ ،‬والسلطة السياسية هي املسؤولة عن تشويه التاريخ زايدة إىل الن زاعات املذهبية‬
‫وضعف العقل وضعف التحليل‪ ،‬وأن الذي يقرأ كتب املتقدمني ِف التاريخ أو العلوم الشرعية‬
‫إبحسان ظن مبالغ فيه فإنه سيكون ضحية للتشويهات والتحيزات اليت فيها‪ ،‬واهتامه جلميع‬
‫املؤرخني املعاصرين ابجلهل وتشويه حقائق التاريخ وكتبهم أكثرها خلط وحتكيم للعقل ومجع‬
‫للضعيف وال حيسن أحد منهم على حتقيق إسناد واحد وهم أبعد الناس عن منهج أهل احلديث‪،‬‬
‫وكثري منهم يستحلون الكذب والتحريف‪ ،‬وقد طمسوا احلقائق وبعضهم تالعب بتارخينا اإلسالمي‪،‬‬
‫إىل غري ذلك من التهم‪.‬‬
‫الثاين عشر‪ :‬اهتامه األمة أبهنا مل تقاتل ألجل الدين بل كانت تقاتل ألجل الدنيا‪ ،‬كما قال أان ال‬
‫استعمارا‬
‫ً‬ ‫أعد الفتوحات اإلسالمية إال ِف عهد اخللفاء الراشدين‪ ،‬أما العهد األموي فغالبًا يسميه‬
‫أمواي‪.‬‬
‫ً‬
‫الثالث عشر‪ :‬لديه تقية وغموض ِف طرحه فتارة يردد أقوال الرافضة فإذا رد عليه أحد انقلب ليثين‬
‫على الصحابة‪ ،‬فهو مضطرب املنهج والنقل‪ ،‬ففي كل مقالة له يظهر لنا ما يدل على اضطرابه‬
‫وتذبذبه‪.‬‬
‫كثريا ما يطرح للعامة بعض التساؤالت اليت حتريهم‪،‬‬ ‫الرابع عشر‪ :‬تشكيكه للعامة ابحلق‪ ،‬فهو ً‬
‫كقوله أبن التاريخ حيتاج إىل حتقيق شامل وفيه من الدس كثري‪ ،‬وقوله صحيح البخاري فيه أخطاء‬
‫كثرية وحيتاج إىل حتقيق ألن البخاري عنده ضعف ِف أسلوبه ألنه كما يروي ابملعىن والرواية ابملعىن‬
‫إشكالة كربى‪ ،‬وقوله إن العقيدة أدخل فيها ما ليس من العقيدة ِف شيء‪ ،‬والسنة الصحيحة حوهلا‬
‫جدال كبري‪ ،‬واألحاديث حىت اآلن مل ختضع لنقد علمى منصف متجرد‪ ،‬وغري ذلك مما يشكك به‬
‫األمة ويسقط أصوهلا‪.‬‬
‫اخلامس عشر‪ :‬تعميم خطأ الفرد على اجلميع‪ ،‬يفرح املالكي إذا وجد على أحد من العلماء خطأ‬
‫ِف كتاب من كتبه‪ ،‬خاصة إذا كان من احلنابلة فيسارع إذا ظفر مبثل ذلك إىل اهتام أهل البلد‬
‫مجيعا أو املذهب كله بذلك فيعمم خطأ الفرد ليشمل اجلميع‪ ،‬انهيك عن إسقاط الكتب بسبب‬ ‫ً‬
‫خطأ واحد جيده فيها يعمل على تضخيمه ليؤدي غرضه‪ ،‬وهذه أسهل طريقة يسقط هبا اآلخرين‪.‬‬
‫مجيع ما ذكرته من أقوال له موجودة ِف كتبه‪( :‬الصحابة بني الصحبة اللغوية والصحبة الشرعية)‬
‫و(قراءة ِف كتب العقائد) وحماضرات صوت هي (عدالة الصحابة) ومقابلة صوتية مع قناة اجلزيرة‬
‫ِف يوم ‪ 4194 /1 /99‬ه ومقاالت متفرقة ِف جريدة الرايض طبعتها اجلريدة بعنوان (حنو إنقاذ‬
‫التاريخ اإلسالمي)‪.‬‬

‫‪499‬‬
‫السادس عشر‪ :‬ختم هذا النكرة سلسلة ضالالته وهذاينه الذي بدأه ابلطعن ىف أصحاب رسول‬
‫هللا ملسو هيلع هللا ىلص وجترحيهم وإخراج معظمهم من شرف صحبة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬وأنكر وجود بعضهم وادعى‬
‫أنه خرافة مل يرد ذكره إال عند واحد من املؤرخني ‪ ،‬ويعىن بذلك البطل الشجاع الذي ال ختفى‬
‫مواقفه املشرفة ىف املعارك على أحد حىت على العوام ‪ ،‬وهو البطل القعقاع بن عمرو ‪.‬‬
‫مث استمر ىف طريقته القذرة يتناول بكتاابته أئمة اهلدى والدين ابلسب والتجريح ‪ ،‬أولئك األئمة‬
‫غال ونفيس لنصرة العقيدة والشريعة‬ ‫األعالم الذين دافعوا عن عقيدة السلف ‪ ،‬وضحوا بكل ٍ‬
‫والذب عنها ‪ ،‬والوقوف ىف وجه كل ضال وملحد ‪ ،‬كاإلمام أمحد بن حنبل رمحه هللا واإلمام ابن‬
‫تيمية وابن القيم وغريهم من أئمة أهل السنة رمحهم هللا ‪.‬‬
‫مث ختم ذاك النكرة سلسلة ضالالته بنقد اإلمام اجملدد الذي استطاع بتوفيق هللا مث مبا أعطاه هللا‬
‫من علم وحنكة وإخالص لربه أن يغري حالة اجلزيرة العربية وما حوهلا من البلدان من كوهنا تعيش‬
‫ىف جاهلية جهالء تغلب عليها الوثنية من عبادة األصنام واألواثن والقبور واألشجار إىل جعلها‬
‫ومقرا للتوحيد اخلالص ‪ ،‬أال وهو اإلمام الشيخ دمحم بن عبد الوهاب رمحه هللا ‪ ،‬حمىي السنة‬ ‫مركزاً ًّ‬
‫وقامع البدعة ‪ ،‬حيث تناول كشف الشبهات الذي يعترب من أنفس ما كتب رمحه هللا ىف توحيد‬
‫اإلهلية والرد على املشركني وكسر شبههم ‪ ،‬فتناول املالكي هذا الكتاب اجلليل ابلرد الذي مساه ‪:‬‬
‫نقض كشف الشبهات ‪.‬‬
‫بعضا من هذاين هذا اجلاهل اجملهول ‪ ،‬وأكتفي بذكرها اترًكا للقارئ تقييمها‬ ‫وسأذكر فيما يلي ً‬
‫واالطالع على عورها ‪ ،‬وقد مسى املالكي هذاينه هذا ( نقض كشف الشبهات ) وهذا العنوان‬
‫كاف ىف إظهار ما يكنه هذا األرعن من حقد دفني ضد أهل السنة واجلماعة ‪ ،‬وما سأذكره من‬
‫نقاط تساوى عشر ما رمى به هذا اجلاهل هذا الشيخ اإلمام ‪.‬‬
‫قال ص‪ : 4‬هكذا يرسم صورة مجيلة (يعىن الشيخ دمحم بن عبد الوهاب) عن كفار قريش ليربر له‬
‫تكفري املسلمني ‪ ،‬وقد تكرر مثل هذا الكالم ىف غري هذا املوضع ‪ ،‬وقال ىف نفس الصفحة ‪ :‬إن‬
‫الشيخ دمحم بن عبد الوهاب قاتل املسلمني ‪.‬‬
‫وىف ص‪ 1‬قال ‪ :‬إن الشيخ يكفر علماء املسلمني ‪ ،‬وىف ص‪ ٧‬يزعم أن ىف كالم الشيخ ظلم ‪ ،‬وىف‬
‫نفس الصفحة ينسب إىل الشيخ تكفري املسلمني ‪ ،‬والكتاب قائم على دعم هذه الفكرة ىف كثري‬
‫من صفحاته ‪ ،‬وىف ص‪ 4٧‬قال ىف تعليق له على كالم الشيخ ‪ ،‬قال ‪ :‬سبحانك هذا هبتان عظيم‬
‫‪ ،‬وىف نفس الصفحة قال معل ًقا على كالم الشيخ ‪ :‬هذا ظلم أعظم من ظلم خصوم الشيخ له ‪،‬‬
‫وىف ص‪ 44‬قال ‪ :‬هذا تكفري صريح للمخالفني له ممن يسموهنم خصوم الدعوة أو أعداء التوحيد‬

‫‪511‬‬
‫أو أعداء اإلسالم ‪ ،‬وىف ص‪ 44‬قال‪ :‬إن الشيخ غفل عن مثل هذه الدقائق فوقع ىف تكفري‬
‫املسلمني ‪ ،‬ويقول ىف نفس الصفحة ‪ :‬على هذا لن يدخل اجلنة ىف زمن الشيخ إال أهل العيينة‬
‫والدرعية ‪.‬‬
‫مستطريا ‪ ،‬وأنه ابلغ حىت وصل إىل الغلو املذموم‬
‫ً‬ ‫وشرا‬
‫كثريا ًّ‬
‫خريا ً‬‫وىف ص‪ 41‬قال ‪ :‬إن الشيخ زرع ً‬
‫‪ ،‬وقال ىف نفس الصفحة ‪ :‬بل إن اخلوارج أنفسهم ىف األزمان املتأخرة ال أظن أهنم كفروا العوام أو‬
‫استحلوا دماءهم كما فعل أتباع الشيخ بفتوى منه ىف العلماء والعوام ‪ ،‬وىف ص‪ 45‬نسب التكفري‬
‫املعاصر إىل فتاوى الشيخ وعلماء الدعوة ‪ ،‬وىف نفس الصفحة يرى أن الدرر السنية فيها تكفري‬
‫للمسلمني ‪ ،‬وىف ص‪ 41‬قال‪ :‬إن هذه الفوضى التكفريية من نتائج منهج الشيخ دمحم بن عبد‬
‫الوهاب الذي توسع ىف التكفري ‪ ،‬ويدعى ىف ص‪ 41‬أن الشيخ يفرح إذا علم حبوادث شركية ىف‬
‫احلجاز أو عسري أو سدير ليتخذها حجة ىف تكفري وقتال تلك اجلهة ‪ ،‬وىف ص‪ 42‬وصف الشيخ‬
‫دمحم ابجلهل ىف األمساء واألحكام وموانع التكفري ‪.‬‬
‫وقال ىف ص‪ : 9٧‬تعقيبًا على كالم الشيخ ‪ :‬فأنتم تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ‪ ،‬وأملح‬
‫ىف ص‪ 91‬إىل أن منهج الشيخ يلزمه الكفر ‪ ،‬وىف ص‪ 9‬يرى أن الغلو ىف الصاحلني ليس من‬
‫الشرك األكرب املخرج من امللة ‪ ،‬وىف ص‪ 44‬يدافع عن ابن فريوز وابن عفالق وأضراهبم ويستنكر‬
‫صحيحا ما ذكر من أن املشركني‬‫ً‬ ‫تكفريهم ‪ ،‬وىف ص‪ ٧‬خيالف صريح القرآن إذ يقول ‪ :‬وليس‬
‫يعلمون أن هللا هو اخلالق الرازق ‪ ،‬وىف ص‪ :49‬يقول فاخلوارج قالوا بصرف احلكم كله هلل (ال‬
‫حكم إال هلل ) وهى كلمة ٍ‬
‫حق أُريد هبا ابطل مثلما أراد الوهابية من قوهلم ‪ ( :‬ال ذبح إال هلل وال‬
‫توسل إال ابهلل وال استغاثة إال ابهلل ‪ )..‬وىف ص‪ 95‬يرى أن عند الصحابة ( الطلقاء ) اعتقادات‬
‫ابطلة ‪.‬‬
‫وما ذكرته قليل من كثري‪ ،‬فلو تتبعت كل ما قاله هذا األرعن لطال الكتاب ‪ ،‬ولكن أكتفي مبا‬
‫قدمته فهو ٍ‬
‫كاف إلدانته ‪.‬‬

‫وبناء على ما تقدم فإنه يتعني أن يتخذ ىف حقه ما يلي ‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬منعه من الكتابة ‪.‬‬
‫اثنيًا ‪ :‬مصادرة ما كتبه من حبوث ومنع تداوهلا ‪.‬‬
‫اثلثًا ‪ :‬إبعاده عن أي عمل له عالقة ابلتعليم ‪.‬‬

‫‪511‬‬
‫ابعا ‪ :‬إحالته للقضاء الشرعي لتتم حماكمته لطعنه ابلصحابة وعقيدهتم وقذفه أئمة اهلدى ابلضالل‬
‫رً‬
‫واإلضالل والتشبيه والتجسيم والنصب ‪ ،‬وطعنه ىف عقيدة الشيخ اإلمام دمحم بن عبد الوهاب‬
‫وافرتائه عليه ‪.‬‬
‫نسأل هللا أن ينصر دينه ويعلى كلمته ‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني‪.‬‬
‫قاله‪ /‬فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعي يب‬
‫‪ 4194 /1 /91‬ه‬

‫‪512‬‬
‫مقاالت الشيخ العالمة محود بن عقالء الشعييب‬
‫الشهية)(‪)4‬‬ ‫رسالة نقد (الثمار‬
‫الشك أن العقيدة الواسطية هلا مكانة مرموقة بني العلماء احملققني وهلا ميزهتا اخلاصة من حيث‬
‫اختصار اللفظ ودقة املعىن وسهولة التعبري ‪،‬فقد مجعت من أدلة أصول الدين العقلية والنقلية الكثري‬
‫واشتملت على أصول وقواعد قطعية قلما توجد ِف غريها ‪،‬من ذلك فقد ظلت ردحا من الزمن‬
‫بدون شرح جيلو غوامضها ويكشف ماخفي من عباراهتا إىل أن وفق لشرحها فضيلة األستاذ اجلليل‬
‫حافال ابملسائل والبحوث املمتعة متحليًّا حبسن‬
‫الشيخ زيد بن فياض فجاء شرحه وافيا ابملقصود ً‬
‫الرتتيب للنقول ‪،‬إذ قد سلك ِف النقل طريقة الئقة ‪،‬فقد راعى أمانة ِف التأليف فنسب كل نقل‬
‫إىل مصدره مشرياً إىل الكتاب والصفحة اليت نقل منها‪ ،‬وهي طريقة ال شك مستحسنة ‪،‬كما أن‬
‫لفضيلة الشيخ العامل العالمة عبد الرمحن بن انصر سعدي حاشية على الواسطية مل تطبع حىت‬
‫مجيال له قيمته ومكانته العلمية ‪.‬‬
‫شرحا ً‬
‫اآلن‪ .‬ولفضيلة أستاذان الشيخ اجلليل عبد العزيز بن رشيد ً‬
‫خريا شرحها األستاذ دمحم خليل هراس‪ ،‬وهو وال شك ِف فضله وعلمه ‪ ،‬فقد عين بقراءة كتب‬ ‫وأ ً‬
‫كتااب أمساه‬
‫السلف وال سيما مؤلفات شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ،‬فقد أتثر هبا ‪ ،‬وكتب عن حياته ً‬
‫‪(:‬ابن تيمية السلفي) ‪ .‬مث كتب شرحه على (الواسطية) الذي حنن بصدده ‪ ،‬وهو موضوع حبثنا ‪،‬‬
‫وميتاز ابالختصار وعدم التكلف ‪ ،‬غري أن يل عند قراءته بعض املالحظات ‪ ،‬عرضت يل عند‬
‫قراءته فأحببت أن ألفت نظر قارئ هذا الكتاب ؛ليتنبه هلذه األخطاء‪:‬‬
‫فقال املؤلف ِف (ص ‪ )4‬عندما تكلم عن اشتقاق االسم ‪(:‬واملختار أنه مشتق من السمة ‪ ،‬مبعىن‬
‫العالمة) فقوله ‪ :‬واملختار أنه مشتق من السمة ! غري صحيح ‪ ،‬فإن املختار ‪:‬أنه مشتق من السمو‬
‫مسمى حتته‪.‬‬
‫‪ ،‬أي ‪ :‬العلو ‪.‬كما هو رأي البصريني ‪ ،‬ويدل عليه قول املربد ‪ :‬االسم ‪ :‬ما دل على ً‬
‫أما الرأي الذي ذكره األستاذ ‪ :‬أنه املختار ‪ ،‬فمردود من عدة أوجه ‪:‬‬

‫‪ -4‬أن النحاة أمجعوا على أن مهزته مهزة تعويض ‪ .‬والقاعدة املطردة‪ :‬أن اهلمزة ال تعوض ِف أول‬
‫الكلمة ‪ .‬والقاعدة ‪ :‬أنه إذا حذفت الفاء أن يعوض عنها اهلاء ِف اآلخر ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيفة القصيم ‪ -‬العدد (‪ِ )41‬ف ‪4412/2/1‬ه ‪.‬‬
‫مل أجد للشيخ محود رمحه سوى ثالثة مقاالت والشيخ رمحه هللا يقول ان له مقاالت كثري ِف جريدة القصيم ولكين مل‬
‫أجدها ؟ ‪.‬‬

‫‪513‬‬
‫‪ -9‬أهنم مجعوه على (أمساء) ‪ .‬ولو كان ًّ‬
‫مشتقا من الوسم جلمع على (أوسام) ‪.‬‬
‫‪ -4‬أهنم صغروه على (مسي) ولو كان اشتقاقه من الوسم لصغر على (وسيم)‪.‬‬
‫‪ -1‬أنك تقول ‪:‬أمسيت الشيء ‪ .‬ولو كان من الوسم لقيل ‪ :‬ومسته ‪.‬‬

‫ووجه مالحظيت على كالم األستاذ ؛ ال ألنه ذكر أحد الرأيني ‪ ،‬بل ألنه ذكر أنه املختار ‪ ،‬واملختار‬
‫خالفه كما علمت ‪.‬‬
‫ملعىن تعيينًا له ‪ ،‬أو‬
‫أيضا قال ِف نفس الصفحة ِف تعريف االسم ‪(( :‬واالسم هو اللفظ املوضوع ً‬ ‫و ً‬
‫متييزا)) ‪ .‬هذا ما عرف به االسم ! غري أنه تعريف انقص؛ ألن احلد جيب فيه أن يكون منعكسا‬ ‫ً‬
‫جامعا ‪ ،‬وهذا التعريف الذي ذكره الشارح جامع غري مانع ‪ ،‬فإنه وان كان‬ ‫مانعا ً‬
‫مطردا ‪ ،‬أي ‪ً :‬‬
‫ً‬
‫جامعا ألفراد االسم فهو غري مانع لغريه من الدخول ‪ ،‬فإن الفعل واحلرف داخالن ِف هذا التعريف‬‫ً‬
‫متييزا ‪.‬‬
‫ملعىن ‪ ،‬تعيينًا له أو ً‬
‫؛ إذ كل منهما لفظ وضع ً‬

‫ملعىن ِف نفسه غري مقرتن بزمن ‪.‬‬


‫واحلد الصحيح ‪ :‬أن يقال‪ :‬االسم‪ :‬لفظ وضع ً‬
‫اعلم أيها القارئ الكرمي أنين أحببت أن أتكلم على الكتاب من أول صفحة منه ؛ لذا بدأت‬
‫هباتني النظرتني ‪ ،‬أما الرد اجلوهري الذي ميس العقيدة فسنمر عليه ِف النشرات القادمة إن شاء هللا‬
‫‪ ...‬للحديث صلة ‪.‬‬
‫محود بن عقالء‬

‫‪514‬‬
‫الشهية)(‪)4‬‬ ‫رسالة النقد حول (الثمار‬
‫بعضا من مالحظايت على كتاب ( الثمار الشهية)‪.‬‬ ‫قدمت لك أيها القارئ العزيز ِف العدد املاضي ً‬
‫ووعدت أبين سأواِف القراء ببقية املالحظات ابلتسلسل ‪:‬‬
‫قال الشارح ِف صفحة (‪ِ )2‬ف كالمه حول شهادة ال إله إال هللا ‪ ( :‬وال تعترب الشهادة إال إذا‬
‫كانت مصحوبة ابإلقرار واإلذعان ‪ ،‬وواطأ عليها القلب اللسان) ‪.‬‬
‫يتضح لك من كالمه أن الشهادة ال تعترب بوجه من الوجوه إال إذا تواطأ عليها القلب واللسان !‬
‫قطعا ِف بعض األحوال ‪ ،‬كعصمة الدم واملال ‪ ،‬وصحة التزوج‬ ‫وهذا خطأ ؛ فإن الشهادة معتربة ً‬
‫من املسلمني ‪ ،‬والتوارث معهم ‪ ،‬واستحقاق القسم من الغنيمة ‪.‬‬
‫وابجلملة فالشهادة معتربة ِف األمور الظاهرة دون الباطنة وإن مل يواطئ عليها القلب اللسان ‪ ،‬وهلذا‬
‫اعتربت من املنافقني مع عدم مواطأة ما ِف قلوهبم ملا تنطق به ألسنتهم ‪.‬‬
‫ولعل من أوضح ما يستدل به ِف هذا املقام ‪ ،‬قوله ملسو هيلع هللا ىلص ‪( :‬أمرت أن أقاتل الناس حىت يشهدوا أن‬
‫ال إله إال هللا وأين رسول هللا ‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك عصموا مين دماءهم وأمواهلم إال حبقها ‪ ،‬وحساهبم‬
‫على هللا)(‪ . )9‬فمدلول احلديث أن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص اعترب الشهادة عاصمة للدم واملال مبجرد النطق‬
‫هبا ‪ ،‬ووكل إقرار القلب ومواطأته اللسان إىل هللا سبحانه ؛ إذ قال ‪( :‬وحساهبم على هللا) ‪ .‬أي ‪:‬‬
‫هللا حياسبهم على بواطنهم ‪ .‬وقال ِف صفحة (‪ِ )4٧‬ف معرض حديثه عن قول ابن تيمية (إقر ًار به‬
‫وتوحيدا) ‪( :‬أي ‪ :‬التوحيد الطليب اإلرادي) ‪.‬‬
‫ً‬
‫يفهم من حصر الشارح التوحيد ِف عبارة الشيخ ابن تيمية ابلتوحيد الطليب اإلرادي ‪ :‬أن الشيخ‬
‫(توحيدا) ِف عبارة‬
‫ً‬ ‫رمحه هللا ال يقر بتوحيد األمساء والصفات واألفعال ! وليس األمر كذلك ؛ فإن‬
‫الشيخ مصدر لفعل حمذوف ‪ ،‬أي ‪:‬وأوحد هللا توحيدا ‪ .‬فيشمل أنواع التوحيد كلها ‪ .‬وواقع ابن‬
‫تيمية وسريته يشهدان بذلك ‪ ،‬فلقد قضى أايم حياته ِف تقرير التوحيد أبنواعه الثالثة ‪ ،‬ولعل ِف‬
‫كتابه رسالة (الواسطية) اليت شرحها األستاذ اهلراس‪ ،‬أقوى دليل على ماذكران ‪.‬‬

‫ومما تقدم يتبني للقارئ ‪ :‬أن عبارة ابن تيمية ال تقتصر على هذا النوع من التوحيد ‪ .‬وأان وإن كنت‬
‫ال أشك أن األستاذ معي ِف هذا الرأي ‪ ،‬وملا كان ِف العبارة قصور ‪ ،‬نبهت عليه ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيفة القصيم ‪ -‬العدد (‪4412/2/44 - )45‬ه ‪.‬‬
‫(‪ )9‬أخرجه البخاري ( ‪ ، )9211 ، 4422 ، 95‬ومسلم (‪ )99 ،9٧‬من حديث أيب هريرة وابن عمر مهنع هللا يضر ‪.‬‬

‫‪515‬‬
‫وهذا ‪ ،‬وقال ِف صفحة (‪ِ )44‬ف تعريفه للفرقة الناجية ؛ أهل السنة واجلماعة ‪ ( :‬واملراد هبم هنا‬
‫سلف هذه األمة من الصحابة والتابعني) ‪ .‬كذا قال ‪ .‬وهو قاصر ؛ فإن أهل السنة واجلماعة (‪)4‬‬
‫ال حيصرون مبن ذكر ‪ ،‬بل هم من كان على مثل ما عليه الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وأصحابه إىل يوم القيامة ‪،‬‬
‫كما عرفهم الرسول عندما سئل ‪ :‬من هم الفرقة الناجية ؟ فقال‪ ( :‬هم من كان على مثل ما أان‬
‫عليه اليوم وأصحايب)(‪)1‬‬
‫محود بن عقالء‬
‫املدرس بكلية الشريعة ابلرايض‬
‫***‬

‫______________________________________‬
‫(‪ِ )4‬ف األصل ‪((:‬السنة اجلماعية)) ‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الطرباين ِف األوسط (‪ )1٧1٧ ، 1٧٧1‬من حديث أنس وأخرجه احلاكم (‪، )492/4‬واملروزي ِف السنة‬
‫(‪ ، )52‬وابن بطة ِف اإلابنة (‪ )915‬من حديث عبد هللا بن عمرو مهنع هللا يضر ‪.‬‬
‫وانظر السلسلة الصحيحة (‪ ، )4129 ، 9٧4‬والضعيفة (‪)4٧45‬‬

‫‪516‬‬
‫الشهية)(‪)4‬‬ ‫رسالة النقد حول (الثمار‬
‫سبق أن قدمنا لك بعض األخطاء اليت وردت ِف كتاب (الثمار الشهية) ‪ ،‬وبينا وجه الصواب فيها‬
‫‪ ،‬وحنن نتابع الكتابة ِف هذا املوضوع ‪ ،‬فنقول ‪:‬‬
‫قال ِف صفحة (‪ ( : )54‬على أنه اليلزم من هذا اجمليء واإلتيان شغل مكان وتفريغ مكان ‪ ،‬وال‬
‫اهلبوط أو االنتقال )كذا قال ! ولكن ما ذكره خمالف لرأي السلف الصاحل وأئمة اهلدى من‬
‫طريقني ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬أنه من النفي املفصل الذي يفضي بصاحبه إىل التعطيل احملض ‪.‬‬
‫اثنيا ‪ :‬أنه من اخلوض ِف كيفية الصفات اليت يستحيل على البشر معرفتها ‪ ،‬والطريقة اإلمجالية‬
‫(‪ )9‬السلف ِف النصوص الصفات ‪ :‬أهنم يؤمنون مبعانيها ويقروهنا مبا يوافق اللغة ‪ ،‬وميسكون عن‬
‫اخلوض ِف كيفيتها وكنهها ‪ ،‬وإليك بعض األمثلة على ذلك ‪:‬‬
‫استَ َو َٰى) [ طه‪ :‬اآلية ‪ ]5‬كيف استوى ؟ فقال ‪:‬‬ ‫محَ ُن َعلَى الْ َع ْر ِش ْ‬
‫(الر ْ َٰ‬
‫سئل مالك ‪ ،‬فقيل له ‪َّ :‬‬
‫االستواء غري جمهول ‪ ،‬والكيف غري معقول ‪ ،‬واإلميان به واجب ‪ ،‬والسؤال عنه بدعة ‪ ،‬وغضب‬
‫وأمر إبخراج السائل ؛ ألنه عرف أن سؤاله عن الكيفية ‪ ،‬فأراد غلق ابب اخلوض ِف كيفية‬
‫الصفات ‪ ،‬واالقتصار على ما ورد ‪.‬‬
‫وقال ِف صفحة (‪ ( : )19‬وأما القدرة فهي الصفة اليت تتعلق ابملمكنات ) ‪.‬‬
‫ختصيص قدرة هللا ابملمكنات من علم الكالم املذموم الذي هو أصل كل بالء وضالل ِف أصول‬
‫الدين ‪ ،‬وإال فقدرة هللا عامة شاملة لكل شيء ‪ ،‬وكما نص القرآن على ذلك ‪ ،‬حيث يقول ‪:‬‬
‫اَّللَ َعلَ َٰى ُك ِل َش ْي ٍء قَ ِدير) [ البقرة ‪ :‬اآلية ‪ ]9٧‬أما ما يذكرونه من الفرضيات املستحيلة اليت ال‬
‫(إِ َّن َّ‬
‫يتصور وقوعها ‪ ،‬فليست بشيء حىت يقال ‪ :‬هل تتعلق هبا القدرة أو ال تتعلق هبا ‪.‬‬
‫وقال ِف صفحة (‪ِ )11‬ف معرض كالمه على أفعال هللا االختيارية ‪ ( :‬فإهنا تتجدد ِف ذاته ) ‪.‬‬
‫كرر هذا القول ِف أكثر من موضع من كتابه ‪ ،‬وهو خطأ ؛ إذ ال يليق إطالق هذا القول ِف حق‬
‫حمال للحوادث ‪ ،‬فالواجب أن يقال ‪ :‬قامت األفعال االختيارية ابهلل‬ ‫هللا ؛ ألنه يوهم أن يكون هللا ً‬
‫وال جيوز أن يقال ‪ :‬حدثت ِف ذات هللا ‪ ،‬أو حلًّت أو جتددت ِف ذاته ؛ ملا ِف هذه األلفاظ من‬
‫اإلمجال واإليهام ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيفة القصيم ‪ -‬العدد (‪ِ )94‬ف ‪4412 /44/ 41‬ه ‪.‬‬
‫(‪ِ )9‬ف األصل ‪( :‬اإلمجاعية)‬

‫‪517‬‬
‫وقال ِف صفحة (‪ )12‬حول اختالف الناس ِف كالم هللا ‪ ( :‬ومنهم من زعم أنه حروف وأصوات‬
‫قدمية الزمة للذات ‪ ،‬وقال ‪ :‬إهنا مقرتنة ِف األزل ‪ ،‬فهو سبحانه ال يتكلم هبا شيئًا بعد شي ‪.‬‬
‫وهم بعض الغالة من احلنابلة ) ‪.‬‬
‫أيضا عن طائفة من علماء الكالم ‪ ،‬وكما هو قول‬ ‫ختصيص بعض احلنابلة غري صحيح ؛ فإنه روي ً‬
‫لبعض احملدثني ‪ ،‬وعلى كل فهو قول ابطل ‪ ،‬جيب تنزيه الباري عنه ‪.‬‬
‫وقال ِف صفحة (‪( : )٧9‬وليس فقط عبارة أو حكاية عن كالم هللا ‪ ،‬كما يقوله األشعرية ) ‪.‬‬
‫نسبة هذا القول إىل األشاعرة ‪ ،‬هكذا على اإلطالق ليست صحيحة ‪ ،‬فاألشاعرة ‪ ،‬وإن قالوا ‪:‬‬
‫أبنه عبارة عن كالم هللا ال يقولون ‪ :‬إنه حكاية عنه ‪ .‬وإمنا الذي يقول ‪ :‬القرآن حكاية عن كالم‬
‫هللا هم ال ُكالًّبية ‪ .‬وقال ِف صفحة (‪( : )2٧‬حكم السنة حكم القرآن ِف ثبوت العلم واليقني) ‪.‬‬
‫ليس هذا القول على إطالقه ‪ ،‬فإن السنة قسمان ‪ :‬آحاد وتواتر ‪ .‬ومعظم السنة من القسم األول‬
‫‪ ،‬وكالمه إمنا يصدق على القسم الثاين ‪ ،‬أما القسم األول الذي هو قسم اآلحاد ‪ ،‬وهو معظم‬
‫السنة ‪ ،‬فال يثبت له حكم القرآن ؛ إذ داللته ظنية ‪ ،‬وداللة القرآن قطعية ‪ .‬وقال ِف صفحة‬
‫خيارا)‪.‬‬
‫(‪( : )4٧1‬عدوالً ً‬
‫مجع املؤلف عدل على عدول ‪ ،‬وهو وإن عرب به بعض الفقهاء ‪ ،‬فإنه ال جيوز لغة ؛ ألنه من‬
‫النعت ابملصدر ‪ ،‬والنعت ابملصدر ال جيوز مجعه ‪ ،‬بل جيب إفراده وتذكريه ‪ ،‬قال ابن مالك ِف‬
‫كثريا فالتزموا اإلفراد والتذكريا ‪ .‬وقال ِف صفحة (‪ )444‬حول الكالم‬ ‫(اخلالصة) ‪ :‬ونعتوا مبصدر ً‬
‫على مراتب القدر ‪ ( :‬واثنيهما ‪ :‬اإلميان ابألمر الشرعي) ‪ .‬قوله ‪ :‬واثنيهما ‪ :‬اإلميان ابألمر‬
‫الشرعي ‪ .‬غلط ‪ ،‬ال صلة له بدرجات القدر اليت ذكرها ابن تيمية ‪.‬والصواب أن اثنيهما ‪ :‬خلق‬
‫هللا لألشياء ‪ ،‬وإجياده هلا ‪ ،‬وإيضاح ذلك أن القدر على درجتني ‪ ،‬كل درجة تتضمن شيئني ؛‬
‫فالدرجة األوىل تشتمل على أمرين ؛ أوالً ‪ :‬علم هللا القدمب جبميع األشياء ‪.‬‬
‫اثنيا ‪ :‬كتابته هلا ِف اللوح احملفوظ ‪.‬‬
‫أيضا ‪ ،‬أوال ‪ :‬مشيئة هللا الشاملة جلميع األشياء‪ .‬اثنيًا ‪:‬‬
‫والدرجة الثانية ‪ :‬تشتمل على شيئني ً‬
‫خلقه لتلك األشياء ‪ ،‬وإجياده هلا ‪ .‬وهذا القسم األخري من الدرجة الثانية ‪ ،‬وهو موضع املؤلف ‪،‬‬
‫حيث جعل بدله وجوب اإلميان ابألمر الشرعي ‪.‬‬
‫وهبذه الفقرة تنتهي جولتنا حول ((الثمار الشهية)) ‪ ،‬وقد جاءت مالحظاتنا مقصورة على بيان‬
‫األخطاء اليت وردت ِف الكتاب ‪.‬وأما ما وقع فيه من نقول غري منسوبة ‪ ،‬ومن اختصار خمل ِف‬
‫بعض املواضع ‪ ،‬وغري ذلك فلم نتعرض له بشيء ‪.‬‬

‫‪518‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬

‫تسهيل الوصول رىل فهم علم األصول‬


‫مقدمة‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني‪ ،‬نبينا دمحم وعلى آله‬
‫وأصحابه إبحسان إىل يوم الدين‪ ...‬وبعد‪:‬‬
‫فقد كان الناس ِف صدر اإلسالم يعيشون ِف ظل التشريع‪ ،‬وما قبض رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص حىت أرسى هللا‬
‫ابلقرآن قواعد الدين؛ وفصلت السنة فروعه وأابنت معامله وفقه الناس دينهم‪،‬مث جاء اخللفاء‬
‫الراشدون فاقتفى الناس آاثرهم وترمسوا خطاهم‪.‬‬
‫وملا اتسعت رقعة اإلسالم عظمت احلاجة إىل وضع قواعد وأصول يرتمسها العلماء ِف استنباط‬
‫األحكام‪ ،‬فكان أول من هنض لذلك هو اإلمام الشافعي رمحه هللا‪ ،‬هذا وقد عهدت اإلدارة العامة‬
‫للمعاهد والكليات إىل بعض أبنائها بوضع مذكرة ِف هذا الفن وفق املنهج املقرر للسنة اخلامسة‬
‫الثانوية ِف املعاهد العلمية‪ ،‬يتوخى فيها اإلجياز ودقة التعبري ووضوح العبارة ووفرة األمثلة‪ ،‬فاستعنا‬
‫ابهلل تعاىل ِف كتابة هذه املذكرة‪ ،‬وقد مسيناها‪« :‬تسهيل الوصول إىل فهم علم األصول»‪.‬‬
‫ونرجو هللا تعاىل أن تكون حمققة للغرض وافية ابملطلوب‪.‬‬

‫املؤلفون‬
‫***‬
‫محود بن عقالء الشعييب ‪ -‬املدرس بكلية الشريعة يف الرايض‬
‫عطية دمحم سامل ‪ -‬املدرس ابجلامعة اإلسالمية يف املدينة املنورة‬
‫عبد احملسن العباد ‪ -‬املدرس ابجلامعة اإلسالمية يف املدينة املنورة‬

‫‪519‬‬
‫أصول الفقه‪:‬‬
‫اعلم أن أصول الفقه مركب من مضاف وهو كلمة «أصول»‪ ،‬ومضاف إليه وهو كلمة «الفقه»‬
‫علما على العلم املعهود‪ ،‬فينبغي تعريفه‬
‫ويسمى مركبًا إضافيا‪ ،‬وقد أخذ هذا املركب اإلضاِف فوضع ً‬
‫علما‪:‬‬
‫ابعتبار كونه مركبًا إضافيا وابعتبار كونه ً‬
‫أوال‪ :‬تعريفه ابعتبار كونه مركبا رضافيا‪:‬‬
‫‪4‬ـ كلمة أصول‪:‬‬
‫األصول مجع أصل‪ ،‬واألصل ِف اللغة ما انبىن عليه غريه‪ ،‬كاألساس أصل للسقف واجلدار وكعروق‬
‫الس َم ِاء ﴾ [إبراهيم‪.]91:‬‬ ‫َصلُ َها َاثبِت َوفَ ْرعُ َها ِِف َّ‬
‫الشجرة الثابتة ِف األرض كما ِف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬أ ْ‬
‫وِف االصطالح يطلق األصل على عدة معان منها‪:‬‬
‫ول‬
‫الر ُس ُ‬
‫آات ُك ُم َّ‬
‫‪ 4‬القاعدة العامة‪ :‬كقوهلم‪ :‬األمر يقتضي الوجوب‪ ،‬يوضح ذلك قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وَما َ‬
‫فَ ُخ ُذوهُ ﴾ [احلشر‪ ،]1:‬فهذا أمر عام يقتضي وجوب األخذ بكل ما آاتان الرسول صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬من غري تعرض ِف هذه اآلية ابلذات إىل فرد من أفراد األوامر اليت وجهها إلينا رسول هللا‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص‪.‬‬
‫يام ﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ب َعلَي ُك ُم الص ُ‬
‫ين َآمنُوا ُكت َ‬
‫ََ َيها الذ َ‬
‫‪ 9‬الدليل كقولك‪ :‬أصل وجوب الصوم قوله تعاىل‪ ﴿ :‬اي أ َ‬
‫[البقرة‪ ]44٧:‬أي‪ :‬دليله‪.‬‬
‫‪1‬ـ كلمة الفقه‪:‬‬
‫الفقه لغة‪:‬‬
‫احلُ ْل عُ ْق َد ًة ِمن لِ َس ِاين (‪ )91‬ي ْف َق ُهوا قويل‬
‫الفهم‪ ،‬ومنه قوله تعاىل حكاية عن موسى‪َ ﴿:‬و ْ‬
‫﴾[طه‪ ]9٧،91:‬أي‪ :‬يفهموه‪.‬‬
‫ويف االصطالح‪:‬‬
‫العلم ابألحكام الشرعية اليت طريقها االجتهاد من أدلتها التفصيلية‪.‬‬
‫فأصول الفقه إذًا قواعده اليت يبىن عليها‪.‬‬
‫شرح تعريف الفقه‪:‬‬
‫‪ 4‬املراد ابلعلم ما يشمل عليه الظن كما ِف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬فَإ ْن علِمتُموه َّن م ْؤِمنَ ٍ‬
‫ات ﴾‬ ‫َُْ ُ ُ‬
‫[املمتحنة‪ ]4٧:‬أي‪ :‬ظننتموهن‪.‬‬

‫‪511‬‬
‫‪ 9‬املراد ابألحكام الشرعية‪ :‬الوجوب والندب واحلرمة والكراهة واإلابحة فيخرج بقيد الشرعية‪:‬‬
‫ابردا والعادية كنزول املطر بعد‬
‫األحكام العقلية كالواحد نصف االثنني واحلسية مثل كون الثلج ً‬
‫الرعد والربق‪.‬‬
‫‪ 4‬واملراد ابليت طريقها االجتهاد‪ :‬إخراج ما ال يصح فيه اجتهاد كمعرفة كون الصالة والصيام‬
‫واجبني‪ ،‬والزان والسرقة حمرمني‪ ،‬ملعرفة ذلك من الدين ابلضرورة‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬تعريفه ابعتبار كونه لقبًا هلذا الفن‪:‬‬
‫هو علم يبحث عن أحوال أدلة الفقه اإلمجالية وطرق االستفادة منها وحال املستفيد‪.‬‬
‫***‬
‫شرح هذا التعريف ‪:‬‬
‫‪ 4‬املراد بطرق االستفادة‪ :‬معرفة الرتجيح عند التعارض مثالً‪.‬‬
‫‪ 9‬وابإلمجالية‪ :‬ما عدا التفصيلية‪ ،‬كاألمر يقتضي الوجوب والنهي يقتضي التحرمي‪ ،‬واملطلق حيمل‬
‫على املقيد‪ ،‬والعام خيص ابملخصص‪ ،‬والقياس واإلمجاع حجة‪.‬‬
‫موضوعه‪:‬‬
‫وموضوع هذا الفن‪ :‬األدلة املوصلة إىل معرفة الفقه‪ ،‬وكيفية االستدالل هبا على األحكام مع معرفة‬
‫حال املستدل‪.‬‬
‫فائدته‪:‬‬
‫وفائدة هذا العلم هي‪ :‬العلم أبحكام هللا تعاىل املتضمنة للفوز بسعادة الدارين‪.‬‬
‫استمداده‪:‬‬
‫ويستمد هذا العلم من ثالثة أشياء‪:‬‬
‫‪ 4‬علم أصول الدين أي التوحيد‪ :‬لتوقف األدلة الشرعية على معرفة الباري جل وعال‪ ،‬وصدق‬
‫املبلغ عنه ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬ومها مبينان فيه مقررة أدلتهما ِف مباحثه‪.‬‬
‫‪ 9‬علم اللغة العربية‪ :‬ألن فهم الكتاب والسنة واالستدالل هبما متوقفان على معرفتها إذ مها‬
‫عربيان‪.‬‬
‫‪ 4‬األحكام الشرعية من حيث تصورها‪ :‬ألن املقصود إثباهتا أو نفيها وغري املتصور هلا ال يتمكن‬
‫من ذلك ألن احلكم على الشيء فرع عن تصوره‪.‬‬
‫حكمه‪:‬‬
‫وحكم تعلم أصول الفقه وتعليمه فرض كفاية‪.‬‬

‫‪511‬‬
‫األحكام الشرعية‪:‬‬
‫تقدم لك أن الفقه هو العلم ابألحكام الشرعية‪ ،‬وإليك فيما يلي بيان هذه األحكام إبجياز‪:‬‬
‫تعريف احلكم‪:‬‬
‫اصطالحا‪ :‬مقتضى خطاب هللا املتعلق أبفعال املكلفني‪.‬‬
‫ً‬ ‫احلكم لغة‪ :‬املنع‪ ،‬و‬
‫أقسام احلكم الشرعي‪:‬‬
‫واألحكام الشرعية على قسمني‪:‬‬
‫‪ 4‬تكليفية‪.‬‬
‫‪ 9‬وضعية‪.‬‬
‫فاحلكم التكليفي‪ :‬هو مقتضى خطاب هللا تعاىل املتعلق أبفعال املكلفني‪ ،‬على جهة االقتضاء أو‬
‫التخيري‪.‬‬
‫واحلكم الوضعي‪ :‬هو ما وضعه الشارع من أسباب وشروط وموانع تعرف عند وجودها أحكام‬
‫الشرع من إثبات أو نفي‪.‬‬
‫الفرق بني القسمني‪:‬‬
‫والفرق بني التكليفية والوضعية هو‪ :‬أن التكليفية كلف املخاطب مبقتضاها فعالً أو ترًكا‪ ،‬وأما‬
‫الوضعية فقد وضعت عالمات للفعل أو الرتك أو أوصافًا هلما‪.‬‬

‫أقسام احلكم التكليفي‪:‬‬


‫ينقسم احلكم التكليفي إىل مخسة أقسام‪:‬‬
‫ألنه إما أن يكون بطلب فعل أو بطلب ترك‪ ،‬وكالمها إما جازم أو غري جازم‪ ،‬وإما أن يكون فيه‬
‫ختيري بني الفعل والرتك‪ ،‬وبياهنا كاآليت‪:‬‬
‫‪ 4‬فاخلطاب بطلب الفعل اجلازم‪ :‬إجياب‪ ،‬ومتعلقه‪ :‬واجب‪.‬‬
‫‪ 9‬واخلطاب بطلب الفعل غري اجلازم‪ :‬ندب‪ ،‬ومتعلقه‪ :‬مندوب‪.‬‬
‫‪ 4‬واخلطاب بطلب الرتك اجلازم‪ :‬حترمي‪ ،‬ومتعلقه‪ :‬حمرم‪.‬‬
‫‪ 1‬واخلطاب بطلب الرتك غري اجلازم‪ :‬كراهة‪ ،‬ومتعلقه‪ :‬مكروه‪.‬‬
‫‪ 5‬واخلطاب ابلتخيري بني الفعل والرتك‪ :‬إابحة‪ ،‬ومتعلقه‪ :‬مباح‪.‬‬

‫‪512‬‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫جرى األصوليون على عد املباح من أقسام احلكم التكليفي وِف ذلك تسامح‪ ،‬إذ املباح ال تكليف‬
‫فيه الستواء طرفيه‪.‬‬
‫***‬
‫أوال‪ :‬الواجب‪:‬‬
‫ت ُجنُوبُ َها فَ ُكلُوا ِمْن َها ﴾‬
‫الواجب ِف اللغة‪ :‬الالزم والثابت‪ ،‬قال هللا تعاىل‪ ﴿ :‬فَإذَا َو َجبَ ْ‬
‫[احلج‪ ،]41:‬أي‪ :‬سقطت واستقرت على األرض وقال الشاعر‪:‬‬
‫**** عن السلم حىت كان أول واجب‬ ‫أطاعت بنو بكر أمريا هنامهوا‬

‫ويف االصطالح‪ :‬هو ما يثاب فاعله امتثاالً ويستحق اتركه العقاب‪.‬‬


‫تقسيمات الواجب‪:‬‬
‫أوال‪:‬‬
‫ينقسم حبسب فاعله إىل فرض عني وفرض كفاية ألنه‪:‬‬
‫مطلواب من كل فرد بعينه كالصلوات اخلمس فهو فرض عني‪.‬‬
‫ً‬ ‫أ إما أن يكون‬
‫ب أو يكتفى فيه بفعل البعض كصالة اجلنازة فهو فرض كفاية‪.‬‬
‫وذلك ألن الشارع ال ينظر إىل األخري من حيث الفاعل‪ ،‬بل من حيث وجود الفعل ممن كان هو‪.‬‬
‫اثنيا‪:‬‬
‫حبسب وقته احملدد له‪ :‬إىل مضيق وموسع ألنه‪:‬‬
‫أ إن كان الوقت احملدد لفعله بقدره فقط فمضيق‪.‬‬
‫كوقت الصيام ِف رمضان فإن الصوم يستغرق ما بني طلوع الفجر إىل غروب الشمس فال ميكن‬
‫صيام نفل معه‪ ،‬وكذلك آخر الوقت إذا مل يبق إال ما تؤدى فيه الفريضة كقبيل طلوع الشمس‬
‫ابلنسبة إىل الصبح أو قبيل غروهبا ابلنسبة إىل العصر‪.‬‬
‫ب وإن كان يسعه ويسع غريه من جنسه معه فموسع‪ ،‬كأوقات الصلوات اخلمس فإن وقت كل‬
‫صالة يسعها ويسع غريها معها من النوافل‪.‬‬
‫اثلثا‪:‬‬
‫حبسب الفعل‪ :‬على معني ومبهم ألنه‪:‬‬
‫مطلواب بعينه ال يقوم غريه مقامه‪ ،‬كالصالة والصوم واحلج وحنوها فمعني‪.‬‬
‫ً‬ ‫أ إن كان الفعل‬

‫‪513‬‬
‫مبهما ِف أشياء حمصورة جيزىء فعل واحد منها كخصال الكفارة من عتق أو‬
‫ب وإن كان الفعل ً‬
‫إطعام أو صوم‪ ،‬فمبهم إذ الواجب واحد ال بعينه‪.‬‬
‫***‬
‫اثنيا‪ :‬املندوب‪:‬‬
‫املندوب لغة‪ :‬اسم مفعول من الندب وهو الدعاء إىل الفعل كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ال يسألون أخاهم حني يندهبم ***** ويف النائبات على ما قال برهاان‬

‫ويف االصطالح‪ :‬ما يثاب فاعله وال يعاقب اتركه ويطلبه الشارع طلبًا غري جازم‪.‬‬
‫وهو مرادف للسنة واملستحب والتطوع‪.‬‬
‫اَّلل أيْمر ِابلْع ْد ِل واإلحس ِ‬
‫ان‬ ‫ومذهب اجلمهور أن املندوب مأمور به‪ ،‬ومن أدلتهم قوله تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬
‫إن ََّ ُ ُ َ َ ْ َ‬
‫وف ﴾ [لقمان‪ ،]4 1:‬وقوله‪َ ﴿ :‬وأْ ُم ْر‬ ‫وإيت ِاء ِذي الْ ُقرىب﴾ [النحل‪ ،]2٧:‬وقوله‪ ﴿ :‬وأْمر ِابلْمعر ِ‬
‫َ ُْ َ ُْ‬ ‫َْ‬ ‫ََ‬
‫ف ﴾ [األعراف‪ ،]422:‬ومن هذه األشياء املأمور هبا ما هو مندوب‪ ،‬ومنها‪ :‬أن األمر‬ ‫ِابلْعر ِ‬
‫ُْ‬
‫مأمورا به‪.‬‬
‫استدعاء وطلب واملندوب مستدعى ومطلوب‪ ،‬فيكون ً‬
‫***‬

‫اثلثا‪ :‬احملظور‪:‬‬
‫احملظور لغة‪ :‬املمنوع‪.‬‬
‫واصطالحا‪ :‬ما يثاب اتركه امتثاالً ويستحق فاعله العقاب‪ ،‬كالزان‪ ،‬والسرقة وشرب اخلمر‪،‬‬
‫وحجرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫حمرما ومعصية وذنبًا‬
‫والدخان‪ ،‬وحلق اللحى وحنو ذلك‪ ،‬ويسمى ً‬
‫***‬
‫رابعا‪ :‬املكروه‬
‫ب إلَي ُك ُم اإلميَا َن َوَزينَهُ ِِف قُلُوبِ ُك ْم َوَكَّرَه‬ ‫املكروه لغة‪ :‬ضد احملبوب قال هللا تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَكِ َّن َّ‬
‫اَّللَ َحبَّ َ‬
‫صيا َن ﴾ [احلجرات‪.]1:‬‬ ‫إلَي ُكم الْ ُك ْفر والْ ُفس َ ِ‬
‫وق َوالْع ْ‬ ‫ُ ََ ُ‬
‫واصطالحا هو‪ :‬ما يقتضي الثواب على تركه امتثاالً ال العقاب على فعله كتقدمي الرجل اليسرى‬
‫عند دخول املسجد‪ ،‬واليمىن عند اخلروج منه‪.‬‬

‫***‬

‫‪514‬‬
‫خامسا‪ :‬املباح‪:‬‬
‫املباح لغة‪ :‬كل ما ال مانع دونه‪ ،‬كما قيل‪:‬‬
‫ولقد أحبنــا ما محيـ **** ـت وال مبيح ملا محينا‬

‫ويف االصطالح‪ :‬ما كان اخلطاب فيه ابلتخيري بني الفعل والرتك‪ ،‬فلم يثب على فعله ومل يعاقب‬
‫خريا‬
‫على تركه‪ ،‬كاألكل والنوم واالغتسال للتربد‪ ،‬وحمل ذلك ما مل تدخله النية فإن نوى ابملباح ً‬
‫أجرا‪.‬‬
‫كان له به ً‬

‫أقسام احلكم الوضعي‪:‬‬


‫أوال‪ :‬السبب‪:‬‬
‫السبب يف اللغة‪ :‬ما توصل به إىل غريه‪.‬‬
‫طالحا‪ :‬ما يلزم من وجوده الوجود‪ ،‬ومن عدمه العدم لذاته كزوال الشمس فإنه سبب ِف‬
‫واص ً‬
‫وجوب صالة الظهر‪ ،‬وكملك النصاب فإنه سبب ِف وجوب الزكاة وكالوالء والنسب ِف املرياث‪.‬‬
‫***‬
‫اثنيا‪ :‬الشروط‪:‬‬
‫الشرط لغة‪ :‬واحد الشروط مأخوذ من الشرط ابلتحريك واحد األشراط واملراد به العالمة‪.‬‬
‫وِف االصطالح‪ :‬ما يلزم من عدمه العدم‪ ،‬وال يلزم من وجوده وجود وال عدم لذاته كالطهارة مثالً‬
‫فإهنا شرط ِف صحة الصالة‪ ،‬فيلزم من عدم وجود الطهارة عدم وجود الصالة الشرعية‪ ،‬وال يلزم‬
‫متطهرا وميتنع من فعل الصالة‪.‬‬
‫ً‬ ‫من وجود الطهارة وجود الصالة‪ ،‬إذ قد يكون اإلنسان‬
‫***‬
‫اثلثا‪ :‬املانع‬
‫املانع يف اللغة‪ :‬احلاجز‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬ما يلزم من وجوده العدم‪ ،‬وال يلزم من عدمه وجود‪ ،‬وال عدم لذاته‪ ،‬كالقتل ِف‬ ‫ً‬ ‫و‬
‫املرياث‪ ،‬واحليض ِف الصالة‪ ،‬فإن وجد القتل امتنع املرياث‪ ،‬وإن وجد احليض امتنعت الصالة وقد‬
‫ينعدمان وال يلزم مرياث وال صالة‪ ،‬فهو بعكس الشرط إذ الشرط يتوقف وجود املشروط على‬
‫وجوده‪ ،‬واملانع ينفي وجوده‪ .‬ولكي يتبني لك الفرق بني السبب والشرط واملانع‪ ،‬انظر ِف زكاة املال‬

‫‪515‬‬
‫مثالً‪ ،‬جتد سبب وجوهبا وجود النصاب‪ ،‬ويتوقف ذلك الوجوب على حوالن احلول‪ ،‬فهو شرط‬
‫فيه‪ ،‬وإن وجد دين منع وجوهبا فهو مانع لذلك الوجوب على القول أبن الدين مانع‪.‬‬
‫***‬
‫رابعا‪ :‬الصحيح والفاسد‪:‬‬
‫الصحيح لغة‪ :‬ضد السقيم‪.‬‬
‫واصطالحا‪ :‬ما يتعلق به اعتداد ِف العبادات‪ ،‬ونفوذ ِف املعامالت كأن تقع الصالة مثالً مستوفاة‬
‫شروطها‪ ،‬اتمة أركاهنا‪ ،‬مع انتفاء املوانع ولو ِف اعتقاد الفاعل‪ ،‬وكذلك البيع يقع من جائز التصرف‬
‫على مباح مقدور على تسليمه‪ ،‬مملوك ِف نفس األمر‪ ،‬فلو ابع ما يظن أنه ملك غريه فبان أنه‬
‫ملكه صح البيع‪ ،‬إذ املعامالت مبناها على ما ِف نفس األمر‪ ،‬والعبادات على ما ِف اعتقاد‬
‫الفاعل‪.‬‬
‫والفاسد لغة‪ :‬املختل‪.‬‬
‫واصطالحا‪ :‬ما ال اعتداد به ِف العبادات كإيقاع الصالة املفروضة قبل دخول وقتها‪ ،‬وال نفوذ له‬
‫ِف املعامالت كبيع ما ال ميلك مثالً‪ .‬ويرادفه الباطل إال عند أيب حنيفة فيغاير بينهما‪ ،‬إذ الفاسد‬
‫عنده ما شرع أبصله ومنع بوصفه كبيع مد قمح مبد قمح ودرهم‪ ،‬فبيع مد مبد صحيح مشروع‬
‫نظرا إىل أصل مشروعيته‪.‬‬
‫أبصله‪ ،‬فلو رفع الدرهم صح البيع ً‬
‫***‬
‫خامسا‪ :‬الرخصة والعزمية‪:‬‬
‫العزمية لغة‪ :‬القصد املؤكد‪.‬‬
‫واصطالحا‪ :‬احلكم الثابت بدليل شرعي‪ ،‬خال من معارض راجح كتحرمي الزان ِف املنهيات‪،‬‬
‫ووجوب الصالة ِف املأمورات‪.‬‬
‫والرخصة لغة‪ :‬اللني والسهولة‪ ،‬يقال شيء رخص أي‪ :‬لني‪.‬‬
‫واصطالحا‪ :‬ما ثبت على خالف دليل شرعي ملعارض راجح‪ ،‬كتيمم املريض ملرضه مع وجود املاء‪،‬‬
‫ين‬ ‫وأكل امليتة عند االضطرار‪ .‬فالتيمم ثبت على خالف دليل شرعي وهو قوله تعاىل‪{ :‬اي أ َّ ِ‬
‫َيها الذ َ‬
‫َ‬
‫تعاىل‪{:‬وإن‬ ‫وه ُك ْم} [املائدة‪ ]1:‬ملعارض راجح وهو قوله‬ ‫آمنُوا إ َذا قُمتُم َإىل َّ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫الصالة فَا ْغسلُوا ُو ُج َ‬ ‫ْْ‬ ‫َ‬
‫ضى أ َْو َعلَى َس َف ٍر} [النساء‪ ،]41:‬وكذلك أكل املضطر للميتة على خالف دليل شرعي‬ ‫ُكنتُم َّم ْر َ‬
‫{ح ِرَم ْ‬
‫ت َعلَي ُك ُم الْ َميتَةُ} [املائدة‪ ،]4:‬وقد أجيز لدليل راجح عليه وهو قوله تعاىل‪:‬‬ ‫هو قوله تعاىل‪ُ :‬‬

‫‪516‬‬
‫ص ٍة} [املائدة‪ ]4:‬فدفعه أبكل امليتة عن نفسه اجلوع املفضي إىل اهلالك أرجح‬
‫اضطَُّر ِِف خمَْ َم َ‬
‫{فَ َم ِن ْ‬
‫بال شك من مطلق تضرره خببثها‪.‬‬

‫أقسام الكالم‪:‬‬
‫من املعلوم أن الكتاب والسنة مها أصال الدين وقوامه‪ ،‬وأهنما بلسان عريب مبني فيتوقف العلم هبما‬
‫على العلم ابلكالم العريب نفسه‪ ،‬والوقوف على أقسامه املتعددة‪.‬‬
‫ولكن قبل تقسيمه ينبغي تعريفه أوالً‪ ،‬إذ معرفة أقسام الشيء فرع عن معرفته‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تعريف الكالم‪.‬‬


‫يطلق الكالم على جمموع أمرين‪ :‬اللفظ واملعىن كالقرآن وسائر الكتب املنزلة واألحاديث القدسية‬
‫فإهنا كالم هللا تعاىل داهلا ومدلوهلا‪.‬‬
‫هذا هو قول أهل احلق‪ ،‬وقد أطلقه مجاعة من املبتدعة على املعىن املستقر ِف القلب وهو قول‬
‫مردود بكتاب هللا وسنة رسوله ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وإن أطلق الكالم ِف بعض األحيان على املعىن القائم ابلنفس‪،‬‬
‫فال بد من تقييده مبا يدل على ذلك كم ا ِف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وي ُقولُو َن ِِف أَن ُف ِس ِه ْم لَْوال َيع ِذبُنَا َّ‬
‫اَّللُ ِمبَا‬
‫ول ﴾ [اجملادلة‪ ]٧:‬فلوال تقييده بقوله‪ِِ ﴿ :‬ف أَن ُف ِس ِه ْم ﴾ النصرف إىل القول ابللسان‪ ،‬وقد‬ ‫نَ ُق ُ‬
‫يطلق على كل ما أفهم املراد كقول الشاعر‪:‬‬

‫رددت عليها ابلدموع البوادر‬ ‫****‬ ‫رذا كلمتين ابلعيون الفوات‬

‫ويطلق عند النحاة على‪ :‬اللفظ املركب تركيبًا ً‬


‫مفيدا فائدة حيسن السكوت عليها مثل‪ :‬دمحم رسول‬
‫هللا‪.‬‬
‫أقل ما حتصل به الفائدة‪:‬‬
‫حتصل الفائدة بكل ما اشتمل على نسبة إسنادية‪ ،‬وأقل ما يكون ذلك ِف أحد الرتاكيب اآلتية‪:‬‬
‫‪ 4‬الرتكيب من امسني كاملبتدأ واخلرب مثل‪ :‬هللا أحد‪ ،‬هللا الصمد‪.‬‬
‫‪ 9‬الرتكيب من فعل واسم كالفعل مع فاعله مثل‪ :‬جاء احلق وزهق الباطل‪.‬‬
‫‪ 4‬الرتكيب من حرف واسم مثل‪ :‬اي هللا‪.‬‬

‫‪517‬‬
‫والصحيح أن الرتكيب الثالث راجع إىل الرتكيب الثاين ألن احلرف انئب عن فعل‪ ،‬وحتصل الفائدة‬
‫ابلكلمة الواحدة املتضمنة ملعىن كالم مفيد كحرف اجلواب حنو‪ :‬ال وبلى ونعم‪ ،‬وفعل األمر حنو‪:‬‬
‫استقم‪.‬‬
‫***‬
‫تقسيم الكالم رىل خرب ورنشاء‪:‬‬

‫ينقسم الكالم رىل خرب ورنشاء‪.‬‬


‫تعريف اخلرب‪:‬‬
‫هو ما احتمل الصدق والكذب لذاته‪.‬‬
‫فقولنا‪« :‬ما احتمل الصدق والكذب» احرتاز على اإلنشاء فإنه ال حيتمل الصدق وال الكذب‪.‬‬
‫وقولنا‪« :‬لذاته» ليشمل التعريف كالم هللا تعاىل مثل‪ ﴿ :‬أَ ْهلَا ُك ُم التَّ َكاثُُر (‪َ )4‬ح َّىت ُزْرُمتُ الْ َم َقابَِر ﴾‬
‫[التكاثر‪ ،]9 ،4:‬واألمور البديهية مثل الواحد نصف االثنني‪ ،‬والكل أكرب من اجلزء‪.‬‬

‫تقسيم اخلرب رىل صدق وكذب‪:‬‬


‫وينقسم اخلرب إىل صدق وكذب‪ ،‬فإن طابق مضمونه الواقع نفيا مثل‪« :‬ال يصلح الناس فوضى ال‬
‫إثباات مثل‪« :‬الناس سواسية كأسنان املشط»‪ ،‬فصدق‪ ،‬وإن خالفه نفيا مثل‪« :‬ال‬
‫سراة هلم»‪ ،‬أو ً‬
‫إثباات مثل‪« :‬الفرس أسرع من الطائرة» فكذب‪.‬‬
‫حاجة إىل تعلم الصناعات النافعة» أو ً‬

‫تعريف اإلنشاء‪:‬‬
‫هو ما ال حيتمل الصدق وال الكذب لذاته ك «أقم الصالة»‪« ،‬ال تشرك ابهلل»‪ ،‬وهو نوعان‪ :‬طليب‪،‬‬
‫وغري طليب‪.‬‬
‫أقسام اإلنشاء‪:‬‬
‫‪4‬ـ اإلنشاء الطليب‪:‬‬
‫مطلواب غري حاصل وقت الطلب وهو أقسام منها‪:‬‬
‫ً‬ ‫وهو ما استدعى‬
‫األمر‪ :‬وهو طلب إجياد الشيء بصيغة دالة عليه مثل‪« :‬أطع والديك»‪.‬‬
‫النهي‪ :‬وهو طلب الكف عن فعل بصيغة دالة عليه حنو‪« :‬ال تقصر ِف واجبك»‪.‬‬
‫استفهام‪ :‬وهو طلب اإلفهام عن شيء حنو‪« :‬هل ذاكرت درسك؟»‪.‬‬

‫‪518‬‬
‫التمين‪ :‬وهو ما كان مدلوله طلب أمر ال مطمع فيه أو عسري املنال بصيغة دالة عليه‪.‬‬
‫شبااب بيع فاشرتيت‪.‬‬
‫مثال األول‪ :‬ليت ً‬
‫ومثال الثاين‪ :‬ليت املسلمني يتحدون‪.‬‬
‫الرجي‪ :‬وهو ما كان املطلوب فيه ممكنًا‪ ،‬وكان ً‬
‫حمبواب بصيغة دالة عليه مثل‪« :‬لعل شباب املسلمني‬
‫يتجهون إىل النهل من معني دينهم احلنيف»‪.‬‬
‫العرض‪ :‬وهو الطلب برفق مثل قولك لصديقك‪« :‬أال تزور صديقك؟!»‪.‬‬
‫الرس ِ‬ ‫ِ‬
‫ول َوُهم‬ ‫التحضيض‪ :‬وهو الطلب حبث مثل‪ ﴿ :‬أَال تُ َقاتلُو َن قَ ْوًما نَّ َكثُوا أَميَانَ ُه ْم َوَمهُّوا ِإب ْخَر ِاج َّ ُ‬
‫بَ َدءُوُك ْم أ ََّوَل َمَّرةٍ ﴾ [التوبة‪.]44:‬‬

‫‪1‬ـ اإلنشاء غري الطليب‪:‬‬


‫كصيغ العقود حنو‪ :‬بعت واشرتيت وزوجت مر ًادا هبا إمضاء العقد‪ ،‬وكصيغ القسم حنو‪« :‬وهللا‬
‫ألصدقن ِف احلديث»‪ ،‬وكاملدح حنو‪« :‬نعم الطالب اجملد»‪ ،‬والذم حنو‪« :‬بئست الصفة احلسد»‪.‬‬
‫***‬
‫تقسيم الكالم رىل حقيقة وجماز‪:‬‬
‫اعلم أوال أن الناس يف تقسيم الكالم رىل حقيقة وجماز ثالثة آراء‪:‬‬
‫منع هذا التقسيم أصال وأنه ال جماز ال يف القرآن وال يف اللغة العربية‪:‬‬
‫ومن الذاهبني إىل ذلك أبو إسحاق اإلسفراييين‪ ،‬وقد نصر هذا القول شيخ اإلسالم ابن تيمية ِف‬
‫كتاب اإلميان فقال‪:‬‬
‫اصطالحا حاد ًاث بعد انقضاء القرون الثالثة‪ ،‬مل يتكلم به‬
‫ً‬ ‫«إن ِف تقسيم الكالم إىل حقيقة وجماز‬
‫أحد من األئمة املشهورين ِف العلم‪ :‬كمالك‪ ،‬والثوري‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬وأيب حنيفة‪ ،‬والشافعي‪ ،‬بل وال‬
‫تكلم به أئمة اللغة والنحو مثل‪ :‬اخلليل‪ ،‬وسيبويه ‪،‬وأيب عمرو بن العالء‪ ،‬وحنوهم‪.»...‬‬
‫إىل أن قال‪« :‬وهذا الشافعي هو أول من جرد الكالم ِف أصول الفقه مل يقسم هذا التقسيم وال‬
‫تكلم بلفظ احلقيقة واجملاز»‪.‬‬

‫منع وجود اجملاز يف القرآن دون اللغة‪:‬‬


‫ونسبه ِف كتاب اإلميان إىل أيب احلسن اجلزري وابن حامد من احلنابلة ودمحم بن منداد من املالكية‬
‫وإىل داود بن علي الظاهري وابنه أيب بكر‪.‬‬

‫‪519‬‬
‫وقوع اجملاز يف اللغة ويف القرآن‪:‬‬
‫وهو قول القاضي أيب يعلى وابن عقيل وأيب اخلطاب وغريهم من احلنابلة‪ ،‬ورجحه ابن قدامة ِف‬
‫كالما‬
‫«روضة الناظر» ونسبه الزركشي ِف كتابه «الربهان ِف علوم القرآن» إىل اجلمهور‪ ،‬وإليك ً‬
‫موجزا يتعلق بتقسيم الكالم إىل حقيقة وجماز عند من يرى ذلك التقسيم‪:‬‬
‫ً‬

‫احلقيقة‪:‬‬
‫لغة ‪ :‬مأخوذة من احلق‪ ،‬مبعىن الثابت على أنه فاعل أو املثبت على أنه مبعىن مفعول‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬اللفظ املستعمل فيما وضع له ابتداء ِف اصطالح التخاطب‪ ،‬كلفظ أسد‪ِ ،‬ف احليوان‬
‫ً‬
‫املفرتس‪ ،‬ومشس ِف الكوكب املضيء‪ ،‬وكلمة ِف اصطالح التخاطب تبني لنا أصل تقسيمهم‬
‫احلقيقة إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪ 4‬لغوية‪.‬‬
‫‪ 9‬عرفية‪.‬‬
‫‪ 4‬شرعية‪.‬‬

‫احلقيقة اللغوية‪:‬‬
‫هي اللفظ املستعمل فيما وضع له أوالً ِف اللغة كأسد ِف احليوان املفرتس‪.‬‬
‫احلقيقة العرفية‪:‬‬
‫وتكون عامة وخاصة‪.‬‬
‫أ فالعرفية العامة ‪ :‬ما تعارف عليه عامة أهل اللغة بغلبة استعمال اللفظ ِف بعض مدلوله أو‬
‫بتغليب اجملاز على احلقيقة‪.‬‬
‫فاألول‪ :‬أن يكون اللفظ قد وضع ِف أصل اللغة ملعىن عام‪ ،‬مث خصصه العرف ببعض مسمياته‬
‫كلفظ «دابة» فإن أصله لكل ما دب على وجه األرض غري أن العرف خصصه بذوات األربع‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أن يكون اللفظ ِف أصل اللغة ملعىن‪ ،‬مث يشتهر ِف عرف االستعمال ِف املعىن اجملازي‬
‫حبيث ال يفهم من اللفظ عند إطالقه غريه كلفظ «الغائط» فإنه ِف أصل الوضع املكان املطمئن‬
‫من األرض مث نقل عنه إىل الفضلة اخلارجة من اإلنسان‪ ،‬وكلفظ «الرواية» فإنه ِف األصل للبعري‬
‫الذي يستقى عليه مث نقل عنه إىل املزادة‪.‬‬

‫‪521‬‬
‫ب والعرفية اخلاصة ‪ :‬ما تعارف عليه بعض الطوائف من األلفاظ اليت وضعوها ملعىن عندهم‬
‫كتعارف أهل النحو على استعمال الرفع والنصب وأدوات اجلر ِف معان اصطلحوا عليها‪،‬‬
‫وكتعارف أهل البالغة على املسند واملسند إليه وحنو ذلك‪.‬‬

‫احلقيقة الشرعية‪:‬‬
‫هي اللفظ املستعمل فيما وضع له أوالً ِف الشرع‪ ،‬كالصالة للعبادة املخصوصة املفتتحة ابلتكبري‬
‫املختتمة ابلتسليم‪ ،‬وكاإلميان لالعتقاد والقول والعمل‪.‬‬

‫اجملاز‪:‬‬
‫وهو لغة‪ :‬مكان اجلواز أو اجلواز على أنه مصدر ميمي‪.‬‬
‫ويف االصطالح قسمان‪ :‬لغوي وعقلي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬اجملاز اللغوي‬


‫هو‪ :‬اللفظ املستعمل ِف غري ما وضع له أوال لعالقة مع قرينة‪.‬‬
‫مثال له‪ :‬لفظة «أسد» ِف الرجل الشجاع‪ ،‬فإهنا استعملت ِف غري ما وضعت له أوالً إذ الوضع‬
‫األول هلا إمنا هو ِف احليوان املفرتس واستعماهلا ِف الرجل الشجاع ابلوضع الثاين بسبب التجوز هبا‬
‫عن حملها األول‪.‬‬

‫العالقة والغرض منها‪ :‬واشرتاط العالقة خيرج استعمال اللفظ ِف غري ما وضع له بطريق السهو أو‬
‫الغلط كقولك ‪ :‬خذ هذا القلم وتشري إىل كتاب مثالً‪ ،‬أو بطريق القصد ولكن ال مناسبة بني‬
‫ثواب إذ ال مناسبة بني الكتاب‬
‫تفاحا أو ً‬
‫كتااب تريد ً‬
‫املعنيني كقولك ‪ :‬خذ هذا الكتاب أو اشرتيت ً‬
‫والتفاح وال بني الكتاب والثوب‪.‬‬

‫والغرض من العالقة‪ :‬انتقال الذهن من املعىن األول إىل املعىن الثاين عن طريقها فهي كاجلسر‬
‫أسدا يرمي‪ ،‬فإن جسر االنتقال من احليوان املفرتس إىل‬
‫للذهن يعرب عليها كما ِف قولك‪ :‬رأيت ً‬
‫الرجل الشجاع إمنا هي الشجاعة اليت تربط بني املعنيني ِف قولك‪ :‬حيوان مفرتس ورجل شجاع‪.‬‬

‫‪521‬‬
‫أقسام العالقة‪:‬‬
‫والعالقة رما املشاهبة‪ :‬كمشاهبة الرجل الشجاع لألسد ِف الشجاعة ِف املثال املتقدم ألهنا معىن‬
‫مشرتك بينهما‪.‬‬

‫وأما غري املشاهبة كقوهلم‪« :‬بث األمري ً‬


‫عيوان ِف املدينة» أي‪ :‬جواسيس‪ ،‬وكل جماز عالقته املشاهبة‬
‫يسمى «استعارة» ألنك شبهت مث استعرت لفظ املشبه به وأطلقته على املشبه وكل جماز عالقته‬
‫جمازا مرسالً» ألنه أرسل عن قيد املشاهبة‪.‬‬‫غري املشاهبة يسمى « ً‬
‫والعالقات بغري املشاهبة متعددة ألهنا تعم كل مناسبة أو مالبسة بني املعنيني تصحح نقل اللفظ‬
‫من معناه األول إىل الثاين كالكلية واجلزئية فاألوىل كأن تطلق الكل وتريد اجلزء كما تقول‪ :‬قبضت‬
‫الشرطة على اللص‪ ،‬إذ القبض مل حيصل من مجيع الشرطة وإمنا حصل من بعضهم‪ ،‬والثانية‬
‫كإطالق العني وإرادة كل اإلنسان ِف املثال املتقدم للجاسوس‪.‬‬
‫وكالسببية أو املسببية فالسببية أن تطلق السبب وتريد املسبب كأن تقول‪« :‬رعينا الغيث» واملسببية‬
‫بيعا»‪.‬‬
‫أن تطلق املسبب وتريد السبب كأن تقول‪« :‬أمطرت السماء ر ً‬
‫وكاحلالية أبن تطلق احلال وتريد احملل أو احمللية أبن تطلق احملل وتريد احلال فيه إىل غري ذلك‪.‬‬

‫واجملاز اللغوي يكون مفردا ومركبا‪:‬‬


‫فاملفرد‪ :‬هو ما كان ِف اللفظ املفرد وتقدمت أمثلته‪.‬‬
‫واملركب‪ :‬ما كان ِف اجلمل فإن كانت العالقة فيه املشاهبة مسي استعارة متثيلية‪ ،‬وإال فمجاز مركب‬
‫مرسل كتشبيه صورة بصورة‪ ،‬ونقل الدال على الصورة املشبه هبا وإطالقها على الصورة املشبهة‬
‫كقولك ملرتدد ِف أمر‪« :‬أراك تقدم رجالً وتؤخر أخرى»‪.‬‬
‫وقولك ملن مجع خصلتني ذميمتني كشرب الدخان وحلق اللحى مثالً‪« :‬أحشفا وسوء كيلة»‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬اجملاز العقلي‪:‬‬


‫ويكون اجملاز عقليا إذا كانت األلفاظ مستعملة ِف حقائقها ولكن التجوز حصل ِف اإلسناد‬
‫قصرا‪ ،‬ف «بىن» و«األمري» و«القصر» مستعملة ِف حقائقها‪ ،‬ولكن التجوز‬‫كقولك‪ :‬بىن األمري ً‬
‫حصل بنسبة البناء إىل األمري إذ الباين له حقيقة العمال‪.‬‬

‫‪522‬‬
‫األم ـ ــر‪:‬‬
‫يطلق لفظ األمر رطالقني‪:‬‬
‫لصالةِ ﴾ [طه‪ ،]449:‬وهذا األمر جيمع‬ ‫ك ِاب َّ‬ ‫األول‪ :‬على طلب الفعل كقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وأْ ُم ْر أ َْهلَ َ‬
‫على أوامر‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬على الفعل واحلال والشأن كقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َشا ِوْرُه ْم ِِف األ َْم ِر ﴾ [آل عمران‪ ]452:‬وهذا‬
‫األمر جيمع على أمور واملراد هنا‪ :‬األول ملا فيه من الطلب‪.‬‬
‫واألمر ِف االصطالح‪ :‬استدعاء فعل ابلقول الدال عليه على سبيل االستعالء وأكثر األصوليني ال‬
‫يشرتط العلو وال االستعالء ِف األمر واستشهدوا بقول عمرو بن العاص ملعاوية‪:‬‬
‫وكان من التوفيق قتل ابن هاشم‬ ‫****‬ ‫أمرت أمرا جازما فعصيتين‬

‫خارجا على معاوية فظفر به مث عفا عنه‪ ،‬فخرج عليه مرة أخرى‪ ،‬ومعلوم أنه ليس هناك علو‬ ‫وكان ً‬
‫وال استعالء من عمرو على معاوية‪ ،‬وكذلك قوله تعاىل حكاية عن فرعون لقومه ﴿ فَ َماذَا َأتْ ُم ُرو َن‬
‫﴾ [األعراف‪.]44٧:‬‬
‫وميكن أن جياب على ذلك أبنه حني منحهم سلطة إبداء الرأي كان ذلك إعالء هلم‪.‬‬

‫صيغ األمر‪:‬‬
‫ولألمر صيغ تدل على طلب الفعل إذا جتردت من القرائن الصارفة عنه‪ ،‬وهي أربع‪:‬‬
‫استَ ْغ ِف ُروا َربَّ ُكم ﴾ [نوح‪ ﴿ ،]4٧:‬اي‬ ‫الصال َة ﴾ [اإلسراء‪ْ ﴿ ،]1٧:‬‬ ‫‪ 4‬فعل األمر‪ :‬مثل‪ ﴿ :‬أَقِ ِم َّ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ني ﴾ [التوبة‪.]14:‬‬ ‫َيها النَِّيب َجاهد ال ُكف َ‬
‫َّار َواملُنَافق َ‬ ‫أَ‬
‫ضوا تَ َفثَهم ولْيوفُوا نُ ُذورهم ولْيطََّّوفُوا ِابلْب ِ‬
‫يت‬ ‫‪ 9‬املضارع اجملزوم بالم األمر‪ :‬مثل قوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬مثَّ لْي ْق ُ‬
‫َ‬ ‫َُ ْ َ‬ ‫ُْ َ‬
‫الْ َعتِ ِيق ﴾ [احلج‪.]92:‬‬
‫ََن ُف َس ُك ْم ﴾ [املائدة‪.]4٧5:‬‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َآمنُوا َعلَي ُك ْم أ َ‬
‫ََ َيها الذ َ‬‫‪ 4‬اسم فعل األمر‪ :‬مثل قوله تعاىل‪ ﴿ :‬اي أ َ‬
‫اب ﴾ [دمحم‪.]1:‬‬ ‫ضرب ال ِرقَ ِ‬
‫‪ 1‬املصدر النائب عن فعل األمر‪ :‬مثل قوله تعاىل‪ ﴿ :‬فَ َ ْ َ‬
‫صيغ تفيد ما تفيده صيغ األمر‪:‬‬
‫تقدم ذكر صيغ األمر األصلية‪ ،‬وهناك صيغ أخرى تدل على األمر ابلشيء وطلب إجياده ومن‬
‫هذه الصيغ‪:‬‬
‫‪ 4‬التصريح بلفظ األمر‪ :‬مثل‪« :‬أمركم‪ ،‬وأمرتكم‪ ،‬أنتم مأمورون»‪.‬‬

‫‪523‬‬
‫‪ 9‬وكذا التصريح ابإلجياب‪ ،‬والفرض والكتب‪.‬‬
‫‪ 4‬ولفظة‪ :‬حق على العباد وعلى املؤمنني‪.‬‬
‫‪ 1‬وكذا ما فيه ترتيب الذم والعقاب على الرتك أو إحباط العمل ابلرتك وحنو ذلك‪.‬‬
‫أمرا‪ ،‬فإن السيد إذا قال لعبده‪:‬‬
‫هذا هو رأي اجلمهور واستدلوا إبمجاع أهل اللغة على تسمية ذلك ً‬
‫مطيعا إن فعل وعاصيا إن ترك‪.‬‬
‫أمرا وعد العبد ً‬ ‫«أعطين كذا» عد ً‬
‫وذهب األشاعرة ومن وافقهم إىل أن األمر ليست له صيغة لفظية ألن الكالم عندهم املعىن القائم‬
‫ابلنفس دون اللفظ‪ ،‬وإمنا جعل اللفظ ليعرب به عن املعىن النفسي ويدل عليه‪ ،‬وهذا الرأي ابطل‬
‫ملخالفة الكتاب والسنة‪.‬‬

‫الث لَ ٍ‬
‫يال َس ِواي ﴾ [مرمي‪ ]4٧:‬فإنه مل‬ ‫ِ‬
‫ك أَالَّ تُ َكل َم الن َ‬
‫َّاس ثَ َ‬ ‫أما الكتاب فقوله تعاىل لزكراي‪ ﴿ :‬آيتُ َ‬
‫كالما‪.‬‬
‫يسم املعىن الذي قام بنفس زكراي وأفهمه قومه ابإلشارة إليهم‪ً :‬‬
‫وأما السنة فقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إن هللا جتاوز ألمىت عما حدثت به أنفسها ما مل تتكلم به أو تعمل»(‪،)4‬‬
‫ففرق بني املعىن القائم ابلنفس والكالم‪ ،‬وأخرب برفع املؤاخذة ِف األول دون الثاين‪.‬‬

‫احلكم الذي تقتضيه صيغة األمر عند اإلطالق‪:‬‬


‫إذا وردت صيغة األمر جمردة عن القرائن الدالة على املراد هبا اقتضت الوجوب وهو قول اجلمهور‬
‫ك ﴾ [األعراف‪،]49:‬‬ ‫ك أَالَّ تَ ْس ُج َد إ ْذ أ ََم ْرتُ َ‬‫وعليه دلت األدلة كقوله تعاىل إلبليس‪َ ﴿ :‬ما َمنَ َع َ‬
‫ين خيَالُِفو َن‬ ‫وقوله‪ ﴿ :‬وإذَا قِيل َهلم ارَكعوا ال يرَكعو َن ﴾ [املرسالت‪ ،]1٧:‬وقوله‪ ﴿ :‬فَ ْل ِ َّ ِ‬
‫يح َذر الذ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُْ‬ ‫َ ُُ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يت أ َْم ِري ﴾‬ ‫ص َ‬ ‫َع ْن أ َْم ِرهِ أَن تُصيبَ ُه ْم فْت نَة أ َْو يصيبَ ُه ْم َع َذاب أَليم ﴾ [النور‪ ،]14:‬وقوله‪ ﴿ :‬أَفَ َع َ‬
‫اَّللُ َوَر ُسولُهُ أ َْمًرا أَن ي ُكو َن َهلُُم ا ْخلِ َريةُ ِم ْن‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ضى َّ‬ ‫[طه‪ ،]24:‬وقوله‪َ ﴿ :‬وَما َكا َن ل ُم ْؤم ٍن َوال ُم ْؤمنَة إذَا قَ َ‬
‫أ َْم ِرِه ْم ﴾ [األحزاب‪ ]41:‬إىل غري ذلك إذ ال خالص للمأمور من الوعيد وال جناة له من العذاب‬
‫أيضا أن الصحابة مهنع هللا يضر كانوا يستدلون ابألمر على‬ ‫وال من عار العصيان إال ابالمتثال ويدل لذلك ً‬
‫إمجاعا‪ ،‬وكذلك إطباق أهل اللغة على ذم العبد‬ ‫الوجوب‪ ،‬ومل يقع بينهم خالف ِف ذلك فكان ً‬
‫الذي مل ميتثل أمر سيده ووصفه ابلعصيان‪ ،‬وال يذم ويوصف ابلعصيان إال من كان اترًكا لواجب‬
‫عليه‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )1111‬‬

‫‪524‬‬
‫األمر ابلشيء أمر به ومبا ال يتم رال به‪:‬‬
‫أيضا ضرورة توقف حصول‬ ‫إذا كان الواجب املطلق يتوقف وجوده على شيء‪ ،‬فإن األمر يشمله ً‬
‫الواجب عليه كالطهارة فإن األمر ابلصالة يشملها وهذا معىن قوهلم‪« :‬األمر ابلشيء أمر به ومبا ال‬
‫يتم إال به» وليس معىن ذلك أن وجوبه جاء ضمنًا بدون دليل مستقل‪ ،‬بل له أدلة أخرى‪ ،‬غري أن‬
‫األمر اخلاص بذلك الواجب يقتضي وجوب ما توقف الواجب عليه‪.‬‬
‫هذا ِف الواجب املطلق فإن وجوب الصالة مثالً غري مشروط بقيد فيكون األمر هبا مقتضيا األمر‬
‫مبا ال يتم إال به وهو الطهارة‪.‬‬

‫أمرا‬
‫أما ِف الواجب املقيد فليس كذلك كالزكاة فإن وجوهبا مقيد مبلك النصاب فليس األمر هبا ً‬
‫بتحصيل النصاب ليتم وجوب إخراجها ابمتالكه‪ ،‬ألن ذلك إمتام للوجوب ال للواجب‪ ،‬ولذا‬
‫يقولون‪ :‬ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب‪ ،‬وما ال يتم الوجوب إال به فليس بواجب‪ ،‬والصالة‬
‫قد استقر وجوهبا‪ ،‬أما الزكاة فال جتب حىت حيصل النصاب‪.‬‬

‫استعمال صيغة األمر يف غري معناها األصلي‪:‬‬


‫قد خترج صيغة األمر على معناها األصلي إىل معان ترشد إليها القرائن‪ ،‬ومن ذلك ما أييت‪:‬‬
‫‪ 4‬لإلابحة مثل قوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬كلُوا َوا ْشَربُوا ﴾ [البقرة‪.]1٧:‬‬
‫‪ 9‬وللتهديد‪ْ ﴿ :‬اع َملُوا َما ِشْئ تُ ْم ﴾ [فصلت‪.]1٧:‬‬
‫‪ 4‬ولالمتنان‪ِ ﴿ :‬ممَّا َرَزقْ نَا ُك ْم ﴾ [البقرة‪.]951:‬‬
‫ني ﴾ [احلجر‪.]11:‬‬ ‫‪ 1‬ولإلكرام‪ْ ﴿ :‬ادخلُوها بِس ٍ ِ ِ‬
‫الم آمن َ‬ ‫ُ َ َ‬
‫‪ 5‬وللتعجيز‪ ﴿ :‬فَأْتُوا بِ ُس َورةٍ ِمن ِمثْلِ ِه ﴾ [البقرة‪.]94:‬‬
‫صِربُوا ﴾ [الطور‪.]41:‬‬ ‫اصِربُوا أ َْو ال تَ ْ‬
‫‪ 1‬وللتسوية‪ ﴿ :‬فَ ْ‬
‫‪ 1‬ولالحتقار‪ ﴿ :‬أَلْ ُقوا َما أَنتُم ُّم ْل ُقو َن ﴾ [يونس‪.]٧٧:‬‬
‫‪ ٧‬وللمشورة‪ ﴿ :‬فَانظُْر َماذَا تَ َرى ﴾ [الصافات‪.]4٧9:‬‬
‫‪ 2‬ولالعتبار‪ ﴿ :‬انظُُروا َإىل َمثَِرهِ إذَا أَْمثََر ﴾ [األنعام‪.]22:‬‬
‫ب ا ْغ ِف ْر ِيل ﴾ [األعراف‪.]454:‬‬ ‫‪ ٧4‬وللدعاء‪ ﴿ :‬ر ِ‬
‫َ‬
‫‪ 44‬ولاللتماس‪ :‬مثل قولك لزميلك‪« :‬انولين القلم»‪ ،‬إىل غري ذلك من املعاين املتنوعة‪.‬‬

‫‪525‬‬
‫تكرار املأمور به أو عدم تكراره‪:‬‬
‫ِف هذا البحث ثالث صور‪ :‬ألن األمر إما أن يقيد مبا يفيد الوحدة أو مبا يفيد التكرار أو يكون‬
‫خاليا عن القيد‪.‬‬
‫السا ِر ُق‬
‫فاألول‪ :‬حيمل على ما قيد به‪ ،‬والقيد إما صفة أو شرط‪ ،‬فالقيد بصفة كقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫َيد ُيه َما ﴾ [املائدة‪ ،]4٧:‬فكلما حصلت السرقة وجب القطع‪ ،‬ما مل يكن‬ ‫السا ِرقَةُ فَاقْطَعوا أ ِ‬
‫َو َّ‬
‫ُ‬
‫تكرارها قبله‪ ،‬واملقيد كقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إذا مسعتم املؤذن فقولوا مثل ما يقول‪ )4(»...‬إخل‪.‬‬
‫اع إلَ ِيه‬ ‫ِ‬ ‫والثاين‪ :‬حيمل على ما قيد به أيضا كقوله تعاىل‪ ﴿ :‬وََِّّللِ علَى الن ِ ِ‬
‫َّاس ح ُّج الْبَيت َم ِن ْ‬
‫استَطَ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ً‬
‫َسبِيالً ﴾[ آل عمران‪ ،]12:‬وقد سئل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬أِف كل عام اي رسول هللا؟(‪ )9‬فأجاب مبا‬
‫يدل على أنه ِف العمر مرة‪ ،‬فيحمل ِف اآلية على الوحدة هلذا القيد‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬وهو اخلايل عن القيد فاألكثرون على عدم إفادته التكرار ألنه ملطلق إجياد املاهية واملرة‬
‫الواحدة تكفي فيه فمثالً لو قال الزوج لوكيله‪« :‬طلق زوجيت» مل ميلك إال تطليقة واحدة‪ ،‬ولو أمر‬
‫السيد عبده بدخول الدار مثالً برأت ذمته مبرة واحدة ومل حيسن لومه وال توبيخه‪.‬‬
‫األمر املطلق يقتضي فعل املأمور به على الفور‪:‬‬
‫فورا ِف أول زمن‬ ‫إذا وردت صيغة األمر خالية مما يدل على فور أو تراخ اقتضت فعل املأمور به ً‬
‫اإلمكان لقيام األدلة على ذلك كقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َسا ِرعُوا َإىل َم ْغ ِفَرةٍ ِمن َّربِ ُك ْم ﴾ [آل‬
‫ِ ِ‬
‫عمران‪ ،]444:‬وقوله‪َ ﴿ :‬سابِ ُقوا َإىل َم ْغفَرةٍ من َّربِ ُك ْم ﴾ [احلديد‪ ،]94:‬وقوله‪ ﴿ :‬فَ ْ‬
‫استَبِ ُقوا‬
‫ات ﴾‬ ‫ك يسا ِرعو َن ِِف ا ْخلري ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ََ‬ ‫ا ْخلَ َريات ﴾ [البقرة‪ ،]41٧:‬وكمدحه املسارعني ِف قوله‪ ﴿ :‬أ ُْولَئ َ َ ُ‬
‫[املؤمنون‪ ،]14:‬ووجه داللة هذه النصوص أن وضع االستباق واملسابقة واملسارعة للفورية‪.‬‬
‫ك‬‫ك أَالَّ تَ ْس ُج َد إ ْذ أ ََم ْرتُ َ‬
‫وكذم هللا تعاىل إلبليس على عدم املبادرة ابلسجود بقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ما َمنَ َع َ‬
‫يس ﴾‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫آلد َم فَ َس َج ُدوا إال إبْل َ‬ ‫اس ُج ُدوا َ‬
‫﴾[األعراف‪ ،]49:‬أي ِف قوله‪َ ﴿ :‬وإ ْذ قُ ْلنَا ل ْل َمالئ َكة ْ‬
‫[البقرة‪ ،]41:‬ولو مل يكن األمر للفور ملا استحق الذم ويدل لذلك من جهة اللغة‪ :‬أن السيد لو‬
‫أمر عبده فلم ميتثل فعاقبه فاعتذر العبد أبن األمر على الرتاخي مل يكن عذره مقبوالً عندهم ‪.‬‬

‫وما استدل به القائلون أبنه على الرتاخي من أتخري النيب ملسو هيلع هللا ىلص احلج إىل سنة عشر مدفوع بكون‬
‫النيب ملسو هيلع هللا ىلص حيتمل أنه أخره ألغراض منها‪ :‬كراهيته ملشاهدة ما كان املشركون يفعلونه ِف احلرم مما فيه‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪)4٧1( - 44‬‬
‫(‪ )9‬مسند أمحد (‪ )94٧1‬وحكم األلباين صحيح ‪ .‬أنظر إرواء الغليل (‪)2٧٧‬‬

‫‪526‬‬
‫خمالفة للشريعة‪ ،‬فلما أذن مؤذنوه ِف السنة التاسعة برباءة هللا ورسوله ملسو هيلع هللا ىلص من املشركني ومنعهم من‬
‫قرابن احلرم وطهر هللا مكة من أدران الشرك حج عليه الصالة والسالم‪.‬‬

‫من يدخل يف خطاب التكليف ومن ال يدخل‪:‬‬


‫الناس على قسمني‪:‬‬
‫‪ 4‬قسم مل يكتمل إدراكه‪ :‬وذلك إما لعدم البلوغ كالصغري أو لفقدان العقل كاجملنون‪ ،‬أو لتغطيته‬
‫كالسكران أو لذهوله كالساهي‪.‬‬
‫‪ 9‬قسم مكتمل اإلدراك‪ :‬وهو البالغ العاقل السامل من العوارض املتقدمة‪.‬‬
‫فالقسم األول ‪:‬ال يدخل ِف نطاق التكليف وال يشمله اخلطاب بدليل العقل والنقل‪.‬‬
‫أمرا ال يتأتى منه امتثاله‪.‬‬
‫أ أما من جهة العقل فألن األمر يقتضي االمتثال ومن مل يدرك ً‬
‫ب وأما من جهة النقل فلحديث‪« :‬رفع القلم عن ثالث‪ )4(»...‬احلديث‪.‬‬
‫وال يعرتض على هذا بتضمني ما أتلفه ألن ضمان حق الغري يستوي فيه العاقل وغري العاقل حىت‬
‫لو أتلفته هبيمة لزم صاحبها ضمانه‪.‬‬

‫وأما القسم الثاين‪ :‬فهو إما مسلمون أو غري مسلمني‪ ،‬واخلطاب إما أبصل كالعقائد وإما بفرع‬
‫كالصالة والصيام وحنو ذلك‪.‬‬
‫أ فاخلطاب أبصل يشملهما اتفاقًا‪.‬‬
‫ب واخلطاب بفرع فيه خالف والصحيح دخول الكفار فيه كاملسلمني‪ ،‬ومن أدل ة ذلك قول ه‬
‫ك نُطْعِ ُم‬ ‫تعاىل عن الكفار‪ ﴿ :‬ما سلَ َك ُكم ِِف س َقر (‪ )19‬قَالُوا َمل نَك ِمن الْم ِ‬
‫ني (‪َ )14‬وَملْ نَ ُ‬ ‫صل َ‬
‫ْ ُ َ ُ َ‬ ‫َ َ ْ ََ‬
‫ب بِ ْيوِم ال ِدي ِن ﴾ [املدثر‪،]11_19:‬‬ ‫ِ‬
‫ني (‪َ )15‬وُكنَّا نُ َكذ ُ‬
‫ِِ‬
‫وض َم َع ا ْخلَائض َ‬
‫ني (‪َ )11‬وُكنَّا َخنُ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫الْم ْسك َ‬
‫فذكروا من أسباب تعذيبهم تركهم ملا أمروا به من الفروع‪ ،‬كرتكهم الصالة والزكاة وارتكاهبم ملا هنوا‬
‫عنه خبوضهم مع اخلائضني ومل يقتصروا على ذكر السبب األكرب وهو تكذيبهم بيوم الدين‪.‬‬
‫اَّللِ ِزْد َان ُه ْم َع َذ ًااب‬
‫ص ُّدوا َعن َسبِ ِيل َّ‬
‫ين َك َف ُروا َو َ‬
‫َّ ِ‬
‫ومنها رمجه ملسو هيلع هللا ىلص الي هوديني‪ ،‬وكذل ك قول ه تعاىل‪ ﴿ :‬الذ َ‬
‫اب ﴾ [النحل‪.]٧٧:‬‬ ‫فَو َق الْع َذ ِ‬
‫ْ َ‬
‫وكما أن املؤمن يثاب على إميانه وعلى امتثاله األوامر واجتناب النواهي فكذلك الكافر يعاقب‬
‫على ترك التوحيد وعلى ارتكاب النواهي وعدم امتثال األوامر‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد (‪ )91121‬وحكم األلباين صحيح ‪ .‬أنظر إرواء الغليل (‪)921‬‬

‫‪527‬‬
‫الـنـه ــي‪:‬‬
‫تعريف النهي‪:‬‬
‫النهي لغة‪ :‬املنع‪ ،‬ومنه مسي العقل «هنية» ألنه ينهى صاحبه ومينعه من الوقوع فيما ال يليق‪.‬‬
‫النهي اصطالحا‪ :‬طلب الكف عن فعل على سبيل االستعالء‪ ،‬بغري كف وحنوها‪.‬‬
‫ين‬ ‫اط ِل ﴾ [النساء‪ ،]92:‬وقوله‪ ﴿ :‬اي أ َّ ِ‬ ‫مثاله قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ال َأتْ ُكلُوا أَموالَ ُكم بينَ ُكم ِابلْب ِ‬
‫َيها الذ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬
‫اانتِ ُك ْم َوأَنتُ ْم تَ ْعلَ ُمو َن ﴾[األنفال‪.]91:‬‬
‫ول َوَختُونُوا أ ََم َ‬
‫الر ُس َ‬
‫اَّللَ َو َّ‬
‫َآمنُوا ال َختُونُوا َّ‬
‫صيغته‪« :‬كل مضارع جمزوم بال»‪ ،‬وال يدخل ِف ذلك‪ :‬كف‪ ،‬أو خل‪ ،‬أو ذر‪ ،‬أو دع مما جاء‬
‫اإلمث َوَاب ِطنَهُ ﴾ [األنعام‪َ ﴿ ،]49٧:‬وَد ْع أَ َذ ُاه ْم‬
‫اهر ِْ‬‫ِ‬
‫لطلب الكف كما ِف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َذ ُروا ظَ َ‬
‫﴾ [األحزاب‪ ﴿ ،]1٧:‬فَ َخلُّوا َسبِيلَ ُهم ﴾ [التوبة‪ ]5 :‬ألهنا وإن كانت تفيد طلب الكف إال أهنا‬
‫بصيغة األمر‪.‬‬
‫مقتضى النهي‪:‬‬
‫التحرمي حقيقة ابالتفاق لقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬وما هنيتكم عنه فاجتنبوه»(‪.)4‬‬
‫صيغ تفيد ما تفيده صيغة النهي‪:‬‬
‫ويلتحق بصيغة النهي ِف إفادة التحرمي‪ :‬التصريح بلفظ التحرمي‪ ،‬والنهي واحلظر والوعيد على الفعل‪،‬‬
‫وذم الفاعل‪ ،‬وإجياب الكفارة ابلفعل‪ ،‬وكلمة ما كان هلم كذا ومل يكن هلم‪ ،‬وكذا ترتيب احلد على‬
‫الفعل وكلمة «ال حيل» ووصف الفعل أبنه فساد أو أنه من تزيني الشيطان وعمله‪ ،‬وأنه تعاىل ال‬
‫يرضاه لعباده‪ ،‬وال يزكي فاعله‪ ،‬وال يكلمه وال ينظر إليه وحنو ذلك‪.‬‬

‫ورود صيغة النهي بغري التحرمي‪:‬‬


‫‪ 4‬ترد للكراهية كالنهي عن الشرب من فم القربة‪.‬‬
‫أان ﴾‬
‫َخطَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ 9‬وترد للدعاء إن كان من أدَّن ألعلى مثل‪ ﴿ :‬ربَّنَا ال تُ َؤاخ ْذ َان إ ْن نَسينَا أ َْو أ ْ‬
‫[البقرة‪.]9٧1:‬‬
‫ََ ْشياءَ إن تُْب َد لَ ُك ْم تَ ُس ْؤُك ْم ﴾‬
‫ََلُوا َع ْن أ َ‬
‫‪ 4‬وترد لإلرشاد مثل قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ال تَ ْسأ َ‬
‫[املائدة‪.]4٧4:‬‬
‫وعلى العموم فإهنا ترد لكثري مما يرد له األمر غري أن األمر لطلب الفعل والنهي لطلب الكف ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪)4441( - 44٧‬‬

‫‪528‬‬
‫أحوال النهي‪:‬‬
‫أحوال النهي أربع‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ 4‬أن يكون النهي عن شيء واحد فقط وهو الكثري كالنهي عن الزان مثالً‪.‬‬
‫‪ 9‬أن يكون النهي عن اجلمع بني متعدد‪ ،‬وللمنهي أن يفعل أيها شاء على انفراده‪ ،‬كاجلمع بني‬
‫األختني‪ ،‬واجلمع بني املرأة وعمتها‪ ،‬وبينها وبني خالتها‪.‬‬
‫‪ 4‬أن يكون النهي عن التفريق بني شيئني أو أكثر دون اجلمع كالتفريق بني رجليه ينعل إحدامها‬
‫معا‪.‬‬
‫معا أو حيفيهما ً‬ ‫دون األخرى‪ ،‬بل على املنهي أن ينعلهما ً‬
‫تماعا واف رتاقًا م ثل ق وله ت عاىل‪َ ﴿ :‬وال تُ ِط ْع ِمْن ُه ْم ِآمثًا أ َْو َك ُف ًورا ﴾‬
‫‪ 1‬أن يكون املنهي عن متعدد اج ً‬
‫[اإلنسان‪ ،]91:‬فال جتوز طاعتهما جمتمعني وال مفرتقني‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك‪ ،‬ال أتكل السمك وتشرب اللنب‪ ،‬على جزم الفعلني‪ ،‬فإن النهي منصب على‬
‫األكل والشرب اجتماعا وافرتاقًا‪ ،‬فإذا نصب الثاين كان مثاالً للحالة الثانية‪ ،‬وإذا رفع كان مثاالً‬
‫للحالة األوىل‪.‬‬

‫اقتضاء النهي فساد املنهي عنه‪:‬‬


‫املنهيات على قسمني‪:‬‬
‫‪ 4‬قسم منهي عنه ومل يتوجه إليه طلب قط مثل قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وال تَ ْقَربُوا ال ِز ََّن ﴾ [اإلسراء‪،]49:‬‬
‫اَّللَ َوال تُ ْش ِرُكوا بِِه َشيئًا ﴾ [النساء‪.]41:‬‬
‫﴿ َو ْاعبُ ُدوا َّ‬
‫لزوما‪ ،‬وما ترتب عليه‬
‫قطعا وابطل ً‬ ‫وهذا هو املنهي عنه لذاته‪ ،‬أي‪ :‬لقبحه ِف نفسه‪ ،‬فهذا حمرم ً‬
‫ابطل كذلك‪ ،‬كالولد من الزان ال يلحق أببيه‪ ،‬وعمل املشرك ال يثاب عليه‪.‬‬
‫‪ 9‬وقسم منهي عنه من وجه‪ ،‬مع وجود أمر به من وجه آخر وهذا القسم على ثالث صور‪:‬‬
‫أ منهي عنه لصفته‪.‬‬
‫ب منهي عنه ألمر الزم له‪.‬‬
‫ج منهي عنه ألمر خارج عنه‪.‬‬
‫األمثلة على ما تقدم‪:‬‬
‫أوال‪ :‬املنهي عنه لصفته‪:‬‬
‫أيضا‪.‬‬
‫أ ِف العبادات‪ :‬هني احلائض عن الصالة‪ ،‬وهني السكران عنها ً‬
‫ب ِف املعامالت‪ :‬النهي عن بيع املالقيح وذلك جلهالة البيع‪.‬‬

‫‪529‬‬
‫اثنيا‪ :‬املنهي عنه ألمر الزم له‪:‬‬
‫أ ِف العبادات‪ :‬النهي عن الصوم يوم العيد‪ ،‬ملا يلزمه من اإلعراض عن ضيافة هللا ِف ذلك اليوم‪.‬‬
‫ب ِف املعامالت‪ :‬النهي عن بيع العبد املسلم لكافر إذا مل يعتق عليه ملا فيه من والية الكافر على‬
‫املسلم املبيع‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬املنهي عنه ألمر خارج عنه‪:‬‬
‫أ ـ يف العبادات‪ :‬النهي عن الوضوء مباء مغصوب أو الصالة ِف أرض مغصوبة‪.‬‬
‫وبيان كون النهي ألمر خارج عنه‪ ،‬أن النهي ال لنفس الوضوء ولكن ألنه حق للغري ال جيوز‬
‫استعماله بغري إذن فسواء فيه اإلتالف بوضوء أو إبراقة أو غري ذلك‪.‬‬
‫ويتضح لك الفرق بني املنهي عنه لذاته واملنهي عنه ألمر خارج عنه ابلفرق بني املاء املتنجس واملاء‬
‫املغصوب‪.‬‬
‫ب ـ يف املعامالت‪ :‬النهي عن البيع بعد النداء لصالة اجلمعة‪.‬‬
‫وبيان كونه ألمر خارج عنه أن البيع قد استوىف شروطه ولكنه مظنة لفوات الصالة كما أن فوات‬
‫الصالة قد يكون لعدة أسباب أخرى‪.‬‬
‫واجلمهور على أن النهي ِف هذه الصورة ال يقتضي الفساد ألن نفس املنهي عنه وهو البيع سامل‬
‫من مبطل والنهي لذلك اخلارج‪ ،‬فاجلهة منفكة أي جهة صحة البيع عن جهة توجه النهي إليه‪.‬‬
‫وعند أمحد أن النهي يقتضي الفساد ألن النهي يقتضي العقاب والصحة تقتضي الثواب فال يثاب‬
‫ويعاقب ِف وقت واحد بسبب عمل واحد‪.‬‬
‫األدلة على اقتضاء النهي الفساد‪:‬‬
‫منها‪ :‬قوله عليه السالم ِف احلديث الصحيح‪« :‬من عمل عمالً ليس عليه أمران فهو رد»(‪ )4‬أي‪:‬‬
‫مردودا على فاعله فكأنه مل يوجد‪ ،‬والرد إذا أضيف إىل العبادات اقتضى عدم‬‫ً‬ ‫مردود وما كان‬
‫االعتداد هبا وإذا أضيف إىل العقود اقتضى فسادها وعدم نفوذها‪.‬‬
‫صاعا من التمر اجليد بصاعني من الرديء برده وإعالمه أبن ذلك‬ ‫ومنها‪ :‬أمره ملسو هيلع هللا ىلص حني اشرتى ً‬
‫عني الراب‪ .‬ومنها‪ :‬أن الصحابة كانوا يستدلون على الفساد ابلنهي كاستدالهلم على فساد عقود‬
‫الراب بقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ال تبيعوا الذهب ابلذهب إال مثالً مبثل»(‪)9‬وعلى فساد نكاح احملرم ابلنهي عنه‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪.)414٧( - 4٧‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري (‪.)9411‬‬

‫‪531‬‬
‫األمر والنهي بلفظ اخلرب‪:‬‬
‫األمر والنهي بلفظ اخلرب كاألمر والنهي بلفظ الطلب ِف مجيع األحكام‪.‬‬
‫ورلي األمثلة على النوعني‪:‬‬
‫أ ـ مثال األمر بلفظ اخلرب‪ :‬قوله تعاىل ‪ ﴿ :‬والْمطَلَّ َقات يت ربَّصن ِأبَن ُف ِس ِه َّن ثَالثَةَ قُر ٍ‬
‫وء ﴾‬ ‫ُ‬ ‫ُ ََ ْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ني ﴾ [البقرة‪.]944:‬‬ ‫ِ‬
‫ني َكاملَ ِ‬
‫الد ُه َّن َحولَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ات ْيرض ْع َن أ َْو َ‬
‫[البقرة‪ ،]99٧:‬وقوله‪َ ﴿ :‬والْ َوال َد ُ‬
‫وقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬من مات وعليه صيام صام عنه وليه»(‪.)4‬‬
‫وق َوال ِج َد َال ِِف ا ْحلَ ِج ﴾‬ ‫ث َوال فُ ُس َ‬ ‫ب ومثال النهي بلفظ اخلرب‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬فَال َرفَ َ‬
‫[البقرة‪ ]421:‬وقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ال ضرر وال ضرار»(‪)9‬وقوله ملسو هيلع هللا ىلص ِف كتابه لعمرو بن حزم‪« :‬وأن ال‬
‫ميس القرآن إال طاهر»(‪)4‬‬

‫الـعـ ــام‬
‫تعريف العام‪:‬‬
‫هو يف اللغة‪ :‬الشامل‪.‬‬
‫والعموم مشول أمر آلخر مطل ًقا‪.‬‬
‫ويف االصطالح‪ :‬وهو اللفظ املستغرق ملا يصلح له دفعة بوضع واحد من غري حصر‪.‬‬
‫فخرج بقولنا‪« :‬دفعة» حنو رجل‪ِ ،‬ف سياق اإلثبات فإنه وإن كان مستغرقًا جلميع ما يصلح له إال‬
‫أن هذا االستغراق على سبيل البداية ال دفعة واحدة‪.‬‬
‫وبقولنا‪« :‬بوضع واحد» املشرتك مثل «القرء والعني» فإنه بوضعني أو أكثر‪.‬‬
‫وبقولنا‪ِ« :‬ف غري حصر» أمساء األعداد كعشرة ومائة‪ ،‬وهذا عند من ال يرى لفظ العدد من صيغ‬
‫العموم‪.‬‬
‫صيغ العموم‪ :‬وللعموم ألفاظ دالة عليه تسمى صيغ العموم ومنها ما أييت‪:‬‬
‫ت ﴾ [األنبياء‪ ،]45:‬وقوله‪ُ ﴿ :‬كلٌّ آمن ِاب ََّّللِ‬ ‫س َذائَِقةُ الْمو ِ‬
‫‪-4‬كل‪ :‬مثل قوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬ك ُّل نَ ْف ٍ‬
‫ََ‬ ‫َْ‬
‫َوَمالئِ َكتِ ِه ﴾ [البقرة‪.]9٧5:‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪)4259‬‬
‫(‪ )9‬سنن ابن ماجة (‪ )941٧‬وحكم األلباين صحيح‬
‫(‪ )4‬سنن الدارمي (‪ )9449‬وحكم األلباين صحيح ‪ .‬أنظر إرواء الغليل (‪)499‬‬

‫‪531‬‬
‫‪ -9‬مجيع‪ :‬مثل جاء القوم مجيعهم‪.‬‬
‫‪ -4‬اجلمع املعرف ابأللف والالم لغري العهد‪ :‬مثل‪ ﴿ :‬قَ ْد أَفْ لَ َح الْ ُم ْؤِمنُو َن ﴾ [املؤمنون‪ ،]4:‬وكذا‬
‫الد ُك ْم ﴾ [النساء‪.]44:‬‬ ‫اَّلل ِِف أَو ِ‬ ‫ِ‬
‫املعرف ابإلضافة مثل‪ ﴿ :‬يوصي ُك ُم َُّ ْ‬
‫اإلنسا َن لَِفي ُخ ْس ٍر (‪ )9‬إالَّ‬ ‫إن َ‬ ‫ص ِر (‪َّ )4‬‬ ‫‪ -1‬املفرد املعرف ابأللف والالم لغري العهد‪ :‬مثل‪َ ﴿ :‬والْ َع ْ‬
‫اص ْوا ِاب َّ‬ ‫الَّ ِذين آمنُوا وع ِملُوا َّ ِ ِ‬
‫لص ِْرب ﴾ [العصر‪ ،]4 4:‬وكذا املعرف‬ ‫اص ْوا ِاب ْحلَ ِق َوتَ َو َ‬
‫الصاحلَات َوتَ َو َ‬ ‫َ َ ََ‬
‫وها ﴾ [النحل‪.]4٧:‬‬ ‫ابإلضافة‪ ﴿ :‬وإن تَع ُّدوا نِعمةَ َِّ‬
‫صَ‬ ‫اَّلل ال ُْحت ُ‬ ‫َ ُ َْ‬
‫‪ -5‬املثىن املعرف أبل‪ :‬مثل قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إذا التقى املسلمان بسيفيهما‪ )4(»...‬فإنه يعم كل‬
‫مسلمني‪.‬‬
‫اَّللِ َاب ٍق ﴾‬
‫ند َّ‬‫‪ -1‬ما‪ :‬وهي ملا ال يعقل مثاهلا موصولة ‪ :‬قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ما ِعن َد ُك ْم ين َف ُد َوَما ِع َ‬
‫اَّللُ ﴾ [البقرة‪.]421:‬‬ ‫[النحل‪ ]21:‬ومثاهلا شرطية قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وَما تَ ْف َعلُوا ِم ْن َخ ٍري ْيعلَ ْمهُ َّ‬
‫‪ -1‬من‪ :‬وهي ملن يعقل‪ ،‬مثاهلا موصولة قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وال تُ ْؤِمنُوا إالَّ لِ َمن تَبِ َع ِدينَ ُك ْم ﴾ [آل‬
‫ال َذ َّرةٍ َخ ًريا َيرهُ ﴾ [الزلزلة‪.]1:‬‬ ‫عمران‪ ،]14:‬ومثاهلا شرطية قوله تعاىل‪ ﴿ :‬فَ َمن ْيع َم ْل ِمثْ َق َ‬
‫‪ -٧‬مىت‪ :‬للزمان املبهم شرطية مثل‪« :‬مىت زرتين أكرمك»‪.‬‬
‫ت﴾‬ ‫‪ -2‬أين‪ :‬للمكان املبهم شرطية مثل‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬أَينَما تَ ُكونُوا ي ْد ِر ُّ‬
‫كك ُم الْ َم ْو ُ‬ ‫َ‬
‫[النساء‪.]1٧:‬‬
‫نصا ِف العموم وظاهرة فيه‪.‬‬ ‫‪ -4٧‬النكرة ِف سياق النفي وتكون َّ‬

‫نصية النكرة يف العموم وظهورها فيه‪:‬‬


‫نصا صرحيًا ِف العموم ِف احلاالت اآلتية‪:‬‬ ‫تكون النكرة ِف سياق النفي ًّ‬
‫‪ 4‬إذا بنيت مع ال‪ ،‬حنو‪ :‬ال إله إال هللا‪.‬‬
‫‪ 9‬إذا زيدت قبلها « ِمن» وتزاد « ِمن» قبلها ِف ثالثة مواضع‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أ قبل الفاعل مثل‪ ﴿ :‬لتُنذ َر قَ ْوًما َّما أ ََات ُهم ِمن نَّذي ٍر ِمن قَ ْبل َ‬
‫ك لَ َعلَّ ُه ْم يتَ َذ َّك ُرو َن ﴾‬
‫[القصص‪.]11:‬‬
‫ك ِمن َّرس ٍ‬ ‫ِ‬
‫ول ﴾ [األنبياء‪.]95:‬‬ ‫ُ‬ ‫ب قبل املفعول مثل‪َ ﴿ :‬وَما أ َْر َس ْلنَا ِمن قَ ْبل َ‬
‫احد ﴾ [املائدة‪.]14:‬‬ ‫ج قبل املبتدأ مثل‪ ﴿ :‬وما ِمن إلٍَه إالَّ إلَه و ِ‬
‫َ‬ ‫ََ ْ‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪)44‬‬

‫‪532‬‬
‫ض ِم َن‬
‫‪ 4‬النكرة الالزمة للنفي‪ :‬مثل‪ :‬داير‪ ،‬كما ِف قوله تعاىل عن نوح‪ ﴿ :‬ال تَ َذ ْر َعلَى األ َْر ِ‬
‫ِ‬
‫ايرا ﴾ [نوح‪.]91:‬‬ ‫الْ َكاف ِر َ‬
‫ين َد ً‬
‫نصا فيما عدا ذلك كالنكرة العاملة فيها «ال» عمل ليس‪ ،‬مثل قولك‪« :‬ال رجل‬ ‫وتكون ظاهرة ال ًّ‬
‫ِف الدار»‪.‬‬

‫داللة اللفظ العام واستعماالته‪:‬‬


‫األصل ِف العام أن تكون داللته كلية أي يكون احلكم فيه على كل فرد من أفراده املتدرجة حتته‪،‬‬
‫وهذا إن مل يدخله ختصيص هو العام الباقي على عمومه وهو قليل ومن أمثاله‪:‬‬
‫اَّللِ ِرْزقُ َها ﴾ [هود‪.]1:‬‬ ‫ض إالَّ َعلَى َّ‬ ‫‪ 4‬قوله‪َ ﴿ :‬وَما ِمن َدابٍَّة ِِف األ َْر ِ‬
‫يء َعلِيم ﴾ [البقرة‪.]9٧9:‬‬ ‫اَّلل بِ ُك ِل ش ٍ‬
‫َ‬ ‫‪ 9‬وقوله‪َ ﴿ :‬و َُّ‬
‫ت َعلَي ُك ْم أ َُّم َهاتُ ُك ْم ﴾ [النساء‪.]94:‬‬ ‫‪ 4‬وقوله‪ُ ﴿ :‬ح ِرَم ْ‬
‫فردا من أفراده‪ ،‬وهذا هو العام املراد به اخلصوص‪ ،‬كقوله تعاىل‪﴿ :‬‬ ‫وقد يطلق ويكون املراد به ً‬
‫َّاس ﴾ [آل عمران‪ ]414:‬على أن املراد ابلناس خصوص نعيم بن مسعود أو‬ ‫َّ ِ‬
‫ال َهلُُم الن ُ‬
‫ين قَ َ‬
‫ا لذ َ‬
‫ضلِ ِه ﴾ [النساء‪ ،]51:‬على أن‬ ‫اَّللُ ِمن فَ ْ‬
‫آات ُه ُم َّ‬
‫َّاس َعلَى َما َ‬ ‫غريه‪ ،‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬أ َْم ْحي ُس ُدو َن الن َ‬
‫عاما مث يدخله التخصيص‪ ،‬وهنا هو العام املخصوص‪.‬‬ ‫املراد ابلناس هنا رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وقد يطلق ًّ‬
‫وء ﴾ [البقرة‪ ]99٧:‬فلفظ املطلقات عام‬ ‫كقوله تعاىل‪ ﴿ :‬والْمطَلَّ َقات يت ربَّصن ِأبَن ُف ِس ِه َّن ثَالثَةَ قُر ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ ََ ْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫يض ْع َن َمحْلَ ُه َّن ﴾ [الطالق‪ ،]1:‬فجعل‬
‫َجلُ ُه َّن أَن َ‬ ‫الت األ ْ ِ‬
‫َمحَال أ َ‬ ‫خصص بقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وأ ُْو ُ‬
‫أجلهن وضع احلمل ال ثالثة قروء‪.‬‬

‫عموم حكم اخلطاب اخلاص به ملسو هيلع هللا ىلص‪:‬‬


‫اخلطاب اخلاص ابلنيب ملسو هيلع هللا ىلص يتناول حكمه األمة إال إذا دل على اختصاصه به‪.‬‬
‫ني‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضى َزيد مْن َها َوطًَرا َزَّو ْجنَا َك َها ل َكي ال ي ُكو َن َعلَى الْ ُم ْؤمن َ‬
‫ومن أدلة ذلك قوله تعاىل‪ ﴿ :‬فَلَ َّما قَ َ‬
‫ض ْوا ِمْن ُه َّن َوطًَرا ﴾ [األحزاب‪ ،]41:‬وقوله تعاىل ِف الواهبة نفسها‪:‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َحَرج ِِف أ َْزَو ِاج أ َْدعيائ ِه ْم إ َذا قَ َ‬
‫ني ﴾ [األحزاب‪ ،]5٧:‬ولو كان حكم اخلطاب به خيتص به مل‬ ‫ِ ِِ‬ ‫﴿ خالِصةً لَّ َ ِ‬
‫ك من ُدون الْ ُم ْؤمن َ‬ ‫َ َ‬
‫يصح التعليل ِف اآلية األوىل ومل حيتج إىل التخصيص ِف اآلية الثانية‪.‬‬

‫‪533‬‬
‫العربة بعموم اللفظ ال خبصوص السبب‪:‬‬
‫إذا ورد لفظ العموم على سبب خاص مل يسقط عمومه سواء كان السبب سؤاالً أو غريه‪ ،‬كما‬
‫روي أنه ملسو هيلع هللا ىلص مر على شاة ميتة مليمونة فقال‪« :‬أميا إهاب دبغ فقد طهر»(‪ )4‬ويدل لذلك أن‬
‫الصحابة كانوا يستدلون ابلعموميات الواردة ِف أسباب خاصة من غري خالف‪ ،‬وأصرح األدلة ِف‬
‫ات ﴾[هود‪]441:‬‬ ‫السيئَ ِ‬
‫نب َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ذلك أن األنصاري الذي قبَّل األجنبية ونزلت فيه‪َّ ﴿:‬‬
‫إن ا ْحلَ َسنَات ي ْذه ْ َ‬
‫سأل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص عن حكم هذه اآلية هل خيتص به بقوله‪ :‬أيل هذا وحدي؟ فأجابه النيب ملسو هيلع هللا ىلص‬
‫مبا يدل على التعميم حيث قال‪« :‬بل ألميت كلهم»(‪ .)9‬ويوضحه من جهة اللغة‪ :‬أن الرجل لو‬
‫قالت له زوجته‪ :‬طلقين فطلق مجيع نسائه وقع الطالق عليهن ومل خيتص ابلطالبة وحدها‪.‬‬
‫احلكم على املفرد حبكم العام ال يسقط عمومه‪:‬‬
‫إذا ذكر عام حمكوم عليه حبكم مث حكم بذلك احلكم على بعض أفراده مل يسقط به حكم العام‬
‫وح ﴾ [القدر‪ ]1:‬أم ال مثل‬ ‫الر ُ‬ ‫معا مثل‪ ﴿ :‬تَنَ َّزُل الْ َمالئِ َكةُ َو ُّ‬
‫خالفًا أليب ثور‪ ،‬وسواء ذكرات ً‬
‫حديث‪« :‬أميا إهاب دبغ فقد طهر»(‪ )4‬مع حديث مسلم أنه ملسو هيلع هللا ىلص مر بشاة ميتة فقال‪« :‬هال‬
‫أخذمت إهاهبا فانتفعتم به» ومثل حديث‪« :‬من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من‬
‫الغرماء»(‪ ،)1‬ومثل قول جابر هنع هللا يضر‪ :‬قضى رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ابلشفعة ِف كل شيء‪ ،‬مع حديث‪:‬‬
‫«فإذا وقعت احلدود وصرفت الطرق فال شفعة»(‪ .)5‬وفائدة احلكم على بعض العام حبكم العام‬
‫قيل إهنا على احتمال إخراجه من العام‪.‬‬
‫ما ينـزل منـزلة العموم‪ :‬اشتهر بني األصوليني فيما ينزل منزلة العموم عبارة منسجمة تنسب إىل‬
‫الشافعي رمحه هللا ونصها‪« :‬ترك االستفصال ِف حكاية احلال مع قيام االحتمال ينزل منزلة العموم‬
‫ِف املقال وحيسن به االستدالل» ومن أمثلة هذه القاعدة قوله ملسو هيلع هللا ىلص لغيالن الثقفي وقد أسلم على‬
‫معا أو على‬‫عشرة نسوة‪«:‬أمسك منهن أر ًبعا وفارق سائرهن»(‪ )1‬ومل يسأله هل عقد عليهن ً‬
‫الرتتيب فدل على عدم الفرق بني احلالني‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن ابن ماجة (‪ )41٧2‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري (‪. )591‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪. )411( - 4٧4‬‬
‫(‪ )1‬سنن ابن ماجة (‪ )945٧‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري (‪. )9944‬‬
‫(‪ )1‬موطأ مالك برواية دمحم بن احلسن الشيباين (‪. )54٧‬‬

‫‪534‬‬
‫الـخـ ــاص‪:‬‬
‫تعريف اخلاص‪:‬‬
‫اخلاص مقابل للعام‪ ،‬فإذا كان العام يتناول أكثر من واحد بال حصر فإن اخلاص ال يتناول سوى‬
‫واحد كزيد مثالً أو يتناول أكثر منه ولكنه على سبيل احلصر‪ ،‬كاثنني أو مخسة أو مائة ألنه خاص‬
‫عبدا‪ ،‬فإنه وإن‬
‫هبذا العدد‪ ،‬ومنه النكرة ِف سياق اإلثبات كقولك‪ :‬رأيت رجالً ِف البيت أو اعتنق ً‬
‫كان صاحلًا لكل رجل‪ ،‬وصادقًا أبي عبد إال أنه عمليا ال يصدق إال بفرد واحد خيتص به ألنه‬
‫حدا‪.‬‬
‫عبدا وا ً‬
‫احدا واعتنق ً‬
‫مبعىن‪ :‬رأيت رجالً و ً‬

‫التخصيص‪:‬‬
‫تعريف التخصيص‪:‬‬
‫لغة‪ :‬اإلفراد‪.‬‬
‫واصطالحا‪ :‬قصر املقام على بعض أفراده لدليل يدل على ذلك‪.‬‬
‫مقصورا على بعض أفراده إبخراج البعض اآلخر عنه وقد يكون‬
‫ً‬ ‫أي جعل احلكم الثابت للعام‬
‫أيضا‪.‬‬
‫التخصيص قصر املتعدد على بعض أفراده ً‬
‫األمثلة‪:‬‬
‫اَّلل ِِف أَو ِ‬
‫الد ُك ْم ﴾ [النساء‪ ،]44:‬فهذا عام ِف مجيع أوالد‬ ‫ِ‬
‫أ قصر العام‪ :‬كقوله تعاىل‪ ﴿ :‬يوصي ُك ُم َُّ ْ‬
‫املخاطبني وعام ِف كل ولد‪ ،‬فخص األول بقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إان معاشر األنبياء ال نورث»(‪ )4‬فأخرج‬
‫أوالد األنبياء من عموم أوالد املخاطبني‪.‬‬
‫وقال ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ال يرث املسلم الكافر‪ )9(»...‬فخص عموم كل ولد إبخراج الولد الكافر‪.‬‬
‫ب مثال قصر املتعدد‪ :‬كقولك مثالً‪ :‬له علي عشرة داننري إال ثالثة فإن فيه قصر الدين على‬
‫سبعة فقط ‪.‬‬
‫فتحصل يف هذا أمران‪:‬‬
‫‪ 4‬عام أو متعدد‪ ،‬أخرج منه البعض‪ ،‬فهو العام املخصوص املتقدم ذكره‪.‬‬
‫‪ 9‬دال على اإلخراج‪ ،‬فهو املخصص ابسم الفاعل كاحلديثني املذكورين‪ ،‬واالستثناء ِف األخري‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد (‪ )2219‬وحكم شعيب األرنؤوط إسناده صحيح‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري (‪)1111‬‬

‫‪535‬‬
‫املخصصات‪:‬‬
‫املخصص العام على قسمني‪ :‬متصل ومنفصل‪.‬‬
‫األول‪ :‬هو ما ال يستقل بنفسه بل يتعلق معناه ابللفظ فهو مقارن له ً‬
‫دائما‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬هو ما استقل بنفسه وال ارتباط له ِف الذكر مع العام من لفظ أو غريه‪.‬‬
‫املخصصات املتصلة‪:‬‬
‫وهي مخسة أشياء‪:‬‬
‫‪ 4‬االستثناء‪.‬‬
‫‪ 9‬الشروط‪.‬‬
‫‪ 4‬الصفة‪.‬‬
‫‪ 1‬الغاية‪.‬‬
‫‪ 5‬بدل البعض‪.‬‬

‫التخصيص ابالستثناء‪:‬‬
‫تعريفه‪ :‬هو إخراج البعض أبداة «إالَّ» أو ما يقوم مقامها‪.‬‬
‫وهو قسمان‪ :‬متصل ومنقطع‪.‬‬
‫بعضا من املستثىن منه كقوله تعاىل ِف شأن نوح عليه السالم‪﴿ :‬‬‫‪ 4‬فاملتصل‪ :‬ما كان فيه املستثىن ً‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫فَلَبِ ِ‬
‫ني َع ًاما ﴾ [العنكبوت‪ ]41:‬وهذا القسم هو املقصود ابتفاق‪.‬‬ ‫ث في ِه ْم أَلْ َ‬
‫ف َسنَة إالَّ مخَْس َ‬ ‫َ‬
‫كتااب‪.‬‬
‫بعضا من املستثىن منه حنو‪ :‬له علي عشرة داننري إال ً‬ ‫‪ 9‬واملنقطع‪ :‬ما مل يكن فيه املستثىن ً‬
‫وِف التخصيص هبذا النوع خالف وعلى القول به كما عند املالكية حيتاج إىل التأويل أي إال قيمة‬
‫الكتاب‪ ،‬فيكون املخرج من العشرة داننري قيمة الكتاب فكأنه يعود عمليا إىل النوع األول‪.‬‬
‫شروط صحة االستثناء‪:‬‬
‫ولصحة التخصيص ابالستثناء شروط منها‪:‬‬
‫ظلما عند املالكية‪.‬‬
‫‪ 4‬أن يكون ملفوظًا يسمع ال مبجرد النية‪ ،‬إال ِف ميني ً‬
‫‪ 9‬أن يكون متصالً مبا قبله لفظًا ِف العرف‪ ،‬فال يضر فصله بتنفس أو عطاس خالفًا البن عباس‬
‫إذ أجاز فصله مطل ًقا‪.‬‬
‫لغوا أو أكثر من النصف عند احلنابلة‬
‫‪ 4‬أن ال يستغرق املستثىن منه كخمسة إال مخسة ألنه يعد ً‬
‫كخمسة إال ثالثة ألن االستثناء إلخراج القليل‪.‬‬

‫‪536‬‬
‫وحاصل اخلالف يف الشرط األخري كاآليت‪:‬‬
‫‪ 4‬أن يكون املستثىن أقل مما بقي كخمسة إال اثنني فهذا صحيح ابإلمجاع‪.‬‬
‫‪ 9‬أن يكون املستثىن مستغرقًا جلميع املستثىن منه كخمسة إال مخسة وهذا ابطل عند األكثر خالفًا‬
‫البن طلحة األندلسي‪.‬‬
‫‪ 4‬أن يكون املستثىن أكثر مما بقي كخمسة إال أربعة وهو جائز عند اجلمهور ممنوع عند احلنابلة‪.‬‬

‫ورود االستثناء بعد مجل متعاطفة‪:‬‬


‫ني َج ْل َدةً َوال‬ ‫ِ‬ ‫ات ُمثَّ َمل أيْتُوا ِأبَرب ع ِة ُشه َداء فَ ِ‬
‫قال هللا تعاىل‪ ﴿ :‬والَّ ِذين يرمو َن الْمحصنَ ِ‬
‫وه ْم َمثَان َ‬
‫اجل ُد ُ‬
‫َْ َ َ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُْ ُ ْ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اَّللَ‬
‫إن َّ‬‫َصلَ ُحوا فَ َّ‬
‫ك َوأ ْ‬ ‫ين َاتبُوا ِم ْن بَ ْعد َذل َ‬ ‫ِ‬ ‫ادةً أَبَ ًدا َوأ ُْولَئِ َ‬
‫ك ُه ُم الْ َفاس ُقو َن (‪ )1‬إالَّ الذ َ‬ ‫تَ ْقبَ لُوا َهلُْم َش َه َ‬
‫َغ ُفور َّرِحيم ﴾ [النور‪.]5،1:‬‬

‫فقد ورد االستثناء يف هذه اآلية بعد ثالث مجل‪:‬‬


‫‪ 4‬مجلة األمر ابجللد‪.‬‬
‫‪ 9‬مجلة النهي عن قبول الشهادة منهم‪.‬‬
‫‪ 4‬مجلة احلكم عليهم ابلفسق‪.‬‬
‫فهل يعود االستثناء إىل اجلميع أو إىل اجلملة األخرية فقط‪ ،‬خالف‪.‬‬
‫أ فاجلمهور على أنه يعود إىل اجلميع ألنه الظاهر ما مل يدل دليل على خالف ذلك فال يصح‬
‫رجوعه إىل مجلة اجللد ِف هذه اآلية مثالً‪.‬‬
‫ب وأبو حنيفة على أنه يعود إىل اجلملة األخرية فقط ألنه املتيقن‪.‬‬
‫أيضا حنو‪ :‬تصدق على الفقراء واملساكني والغارمني إال‬ ‫ومثله ورود االستثناء بعد مفردات متعاطفة ً‬
‫الفسقة منهم‪.‬‬
‫التخصيص ابلشرط‪:‬‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫املراد ابلشرط هنا‪ :‬الشرط اللغوي وهو املعروف بتعليق أمر أبمر‪ ،‬وأدواته كثرية منها‪« :‬إن وإذا»‬
‫مثل‪« :‬إن جنح زيد فأعطه جائزة»‪.‬‬
‫ووجه التخصيص ابلشرط ِف املثال املتقدم‪ :‬أنه خيرج من الكالم حاالً من أحوال زيد وهي عدم‬
‫جناحه ولوال الشرط لوجب إعطاؤه اجلائزة على كل حال ‪.‬‬

‫‪537‬‬
‫الصالةِ ﴾‬
‫ص ُروا ِم َن َّ‬
‫يس َعلَي ُك ْم ُجنَاح أَن تَ ْق ُ‬ ‫ِ‬ ‫وقد جاء ِف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وإذَا َ ِ‬
‫ضَربْتُ ْم ِف األ َْرض فَلَ َ‬
‫[النساء‪ ]4٧4:‬تعليق قصر الصالة على حصول الشرط وهو الضرب ِف األرض‪ ،‬ولوال الشرط‬
‫وسفرا‪ ،‬لكنه خص حبالة السفر‪ ،‬ويشرتط للتخصيص ابلشرط أن يتصل‬ ‫حضرا ً‬ ‫جلاز القصر مطل ًقا ً‬
‫ابملشروط لفظًا كما ِف االستثناء‪.‬‬

‫التخصيص ابلصفة‪:‬‬
‫واملراد ابلصفة‪ :‬الصفة املعنوية‪ ،‬ال النعت املعروف ِف علم النحو‪ ،‬فتشمل احلال والظرف والتمييز‬
‫وغريها‪.‬‬
‫والغالب ِف الصفة أن جتيء خمصصة للموصوف قبلها ورمبا تقدمت عليه كما ِف إضافة الصفة إىل‬
‫املوصوف‪.‬‬
‫ووجه التخصيص ابلصفة‪ :‬أهنا تقصر احلكم على ما تصدق عليه وخترج مفهومها عن نطاق احلكم‬
‫إذا كان هلا مفهوم معترب‪.‬‬
‫أ فمثالً‪ :‬اقرأ الكتب النافعة ِف البيت‪ ،‬فإن قولك لصديقك‪ :‬اقرأ الكتب‪ ،‬عام ِف كل كتاب‬
‫ولكن الوصف ابلنفع قصر حكم القراءة على النافع منها وأخرج ما عدا ذلك‪.‬‬
‫ب وكذلك‪« :‬اقرأ الكتب» عام ِف كل مكان ولكن قولك‪ِ« :‬ف البيت» قصر القراءة ِف مكان‬
‫دون غريه‪.‬‬
‫ومبكرا‬
‫ً‬ ‫مبكرا أدركت الدرس األول» فحضرت عام ِف مجيع األحوال‪،‬‬ ‫ج وقولك‪« :‬إذا حضرت ً‬
‫يستَ ِط ْع ِمن ُك ْم طَْوالً أَن ينكِ َح‬ ‫َّ‬
‫ختصيص له‪ ،‬ومن أمثلة التخصيص ابلصفة قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وَمن ملْ ْ‬
‫ات ﴾ [النساء‪ ،]95:‬فلفظة‬ ‫ات فَ ِمن َّما ملَ َكت أَميَانُ ُكم ِمن فَتَياتِ ُكم الْم ْؤِمنَ ِ‬
‫ات الْم ْؤِمنَ ِ‬
‫الْمحصنَ ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ َ‬
‫«فتياتكم» عامة خصصتها الصفة ابملؤمنات‪.‬‬
‫شرط التخصيص ابلصفة‪ :‬ويشرتط لذلك أن تكون الصفة متصلة ابملوصوف لفظًا كما ِف الشرط‬
‫واالستثناء‪.‬‬

‫التخصيص ابلغاية‪:‬‬
‫غاية الشيء‪ :‬هنايته وهلا أدوات دالة عليها هي‪ :‬إىل وحىت‪ ،‬وهي اليت يتقدمها عموم يشمل ما‬
‫بعدها ألهنا خترج ما بعدها من عموم ما قبلها‪.‬‬

‫‪538‬‬
‫مثاهلا‪ :‬قال تعاىل‪ ﴿:‬قَاتِلُوا الَّ ِذين ال ْيؤِمنُو َن ِاب ََّّللِ وال ِابلْيوِم ِ‬
‫اآلخ ِر َوال حيَ ِرُمو َن َما َحَّرَم َّ‬
‫اَّللُ َوَر ُسولُهُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صاغِ ُرو َن ﴾[التوبة‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اب َح َّىت ْيعطُوا ا ْجل ْزيةَ َعن يد َوُه ْم َ‬ ‫ين أُوتُوا الْكتَ َ‬‫ين ا ْحلَق م َن الذ َ‬
‫َوال يدينُو َن د َ‬
‫‪.]92‬‬
‫فإن ما قبل الغاية وهو األمر بقتاهلم عام يشمل كل أحواهلم‪ ،‬فلوال التخصيص ابلغاية لكنا مأمورين‬
‫بقتاهلم سواء أعطوا اجلزية أم مل يعطوها‪.‬‬

‫التخصيص ببدل البعض‪:‬‬


‫خاصا هبم فهذا‬
‫إذا قلت‪« :‬أكرم القوم العلماء منهم» فقد أبدلت عموم القوم وجعلت اإلكرام ًّ‬
‫البدل خمصص عند البعض وهو الصحيح‪.‬‬
‫اع إلَ ِيه َسبِيالً ﴾ [آل عمران‪]21:‬‬ ‫ِ‬ ‫ومن أمثلته قوله تعاىل‪ ﴿ :‬وََِّّللِ علَى الن ِ ِ‬
‫َّاس ح ُّج الْبَيت َم ِن ْ‬
‫استَطَ َ‬ ‫َ َ‬
‫فلفظ الناس عام يشمل املستطيع وغري املستطيع‪ ،‬فلما ذكر بعده بدل البعض خصصه ابملستطيع‪.‬‬

‫املخصصات املنفصلة‪:‬‬
‫تقدم تعريف املخصص املنفصل وهو أقسام نذكر بعضها فيما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬التخصيص ابلنص عن الكتاب أو السنة وهو‪:‬‬
‫وء ﴾‬ ‫أ إما آية ختصص عموم آية‪ :‬مثل قوله تعاىل‪ ﴿ :‬والْمطَلَّ َقات يت ربَّصن ِأبَن ُف ِس ِه َّن ثَالثَةَ قُر ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ ََ ْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫يض ْع َن‬
‫َجلُ ُه َّن أَن َ‬ ‫ِ‬
‫َمحَال أ َ‬ ‫الت األ ْ‬
‫[البقرة‪ ]99٧:‬خصص منه أوالت األمحال بقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وأ ُْو ُ‬
‫ين َآمنُوا‬ ‫َمحلَه َّن ﴾ [الطالق‪ ]1:‬وخص منه أيضا املطلقات قبل املسيس بقوله تعاىل‪ ﴿ :‬اي أ َّ ِ‬
‫َيها الذ َ‬‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُْ‬
‫وه َّن فَ َما لَ ُك ْم َعلَي ِه َّن ِمن ِعدَّةٍ تَ ْعتَدُّونَ َها ﴾‬ ‫ات ُمثَّ طَلَّ ْقتُم ِ‬
‫وه َّن من قَ ْب ِل أَن متََ ُّس ُ‬
‫ُ ُ‬
‫إ َذا نَ َكحتُم الْم ْؤِمنَ ِ‬
‫ُْ ُ‬
‫[األحزاب‪.]12:‬‬
‫ت َعلَي ُك ُم الْ َميتَةُ ﴾ [املائدة‪]4:‬‬ ‫ب وإما حديث خيصص عموم آية‪ :‬مثل قوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬ح ِرَم ْ‬
‫خص منه السمك واجلراد بقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬أحلت لنا ميتتان ودمان أما امليتتان‪ :‬فاجلراد واحلوت»(‪)4‬‬
‫يض َوال‬ ‫اعتَ ِزلُوا النِ َساءَ ِِف الْ َم ِح ِ‬‫يض قُ ْل ُه َو أَذًى فَ ْ‬ ‫ك َع ِن الْ َم ِح ِ‬ ‫يسأَلُونَ َ‬
‫ومثل قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و ْ‬
‫وه َّن َح َّىت يطْ ُه ْر َن ﴾ [البقرة‪ ]999:‬خص مبا روي عن عائشة وأم سلمة أنه ملسو هيلع هللا ىلص كان أيمر‬ ‫تَ ْقَربُ ُ‬
‫بعض أزواجه أن تشد إزارها فيباشرها وهي حائض ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن ابن ماجة (‪ )4441‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬

‫‪539‬‬
‫ج وإما آية ختصص عموم حديث‪ :‬مثل قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ما أبني من حي فهو ميت»(‪ )4‬خص بقوله‬
‫اعا َإىل ِح ٍ‬ ‫تعاىل‪ ﴿ :‬وِمن أ ِ‬
‫ني ﴾ [النحل‪ ]٧٧:‬ومثل قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪:‬‬ ‫َص َواف َها َوأ َْوَاب ِرَها َوأَ ْش َعا ِرَها أَ َاث ًاث َوَمتَ ً‬
‫َ ْ ْ‬
‫«إذا التقى املسلمان بسيفيهما فالقاتل واملقتول ِف النار»(‪ )9‬خص بقوله تعاىل‪ ﴿ :‬فَ َقاتِلُوا الَِّيت‬
‫اَّللِ ﴾ [احلجرات‪.]2:‬‬ ‫تَْبغِي َح َّىت تَِفيءَ َإىل أ َْم ِر َّ‬
‫د وإما حديث خيصص عموم حديث‪ :‬مثل قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬فيما سقت السماء العشر»(‪ )4‬خص‬
‫بقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ليس فيما دون مخسة أوسق صدقة»(‪.)1‬‬

‫اثنيا‪ :‬اإلمجاع ‪:‬‬


‫الد ُكم لِ َّ‬
‫لذ َك ِر ِمثْل َح ِظ األُنثَي ِ‬ ‫ِ‬ ‫مثل قوله تعاىل‪ِ ﴿ :‬‬
‫ني ﴾ [النساء‪ ]44:‬خص منه‬ ‫ُ‬ ‫اَّللُ ِِف أ َْو ْ‬
‫يوصي ُك ُم َّ‬
‫الولد الرفيق ابإلمجاع ومنه ختصيص العمومات املانعة من الغرر ابإلمجاع على جواز املضاربة‪.‬‬

‫اثلثا‪ :‬القياس‪:‬‬
‫اح ٍد ِمْن ُه َما ِمائَةَ َجلْ َدةٍ ﴾ [النور‪ ]9:‬فإن عموم‬ ‫الزِاين فَاجلِ ُدوا ُك َّل و ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الزانِيةُ َو َّ‬
‫مثل قوله تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ف َما َعلَى‬ ‫ني بَِفاح َشة فَ َعلَي ِه َّن ن ْ‬
‫ص ُ‬ ‫الزانية خص ابلنص وهو قوله تعاىل ِف اإلماء‪ ﴿ :‬فَإ ْن أَتَ َ‬
‫اب ﴾ [النساء‪ ]95:‬وأما عموم الزاين فهو خمصص بقياس العبد على األمة‬ ‫ات ِمن الْع َذ ِ‬
‫الْمحصنَ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُْ َ‬
‫لعدم الفارق‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬احلس ‪:‬‬


‫يء ﴾ [القصص‪ ]51:‬وقوله عن ملكة سبأ‪﴿ :‬‬ ‫ومن أمثلته قوله تعاىل‪ ﴿ :‬جيىب إلَ ِيه َمثَرات ُك ِل ش ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َْ‬
‫يء ﴾ [النمل‪ ]94:‬فإن املشاهد ِف مكة حرسها هللا أهنا ال جتىب إليها مجيع‬ ‫وأُوتِيت ِمن ُك ِل ش ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫الثمار على اختالفها وتنوعها‪ ،‬وكذلك بلقيس مل تؤت البعض من كل شيء‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬العقل ‪:‬‬


‫ومن أمثلته قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ا ََّّلل خالِق ُك ِل ش ٍ‬
‫يء ﴾[الزمر‪ ]19:‬فإن العقل دل على أن ذات الرب‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُ‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬املستدرك للحاكم (‪ )152٧‬وقال هذا حديث صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري (‪. )44‬‬
‫(‪ )4‬سنن ابن ماجة (‪ )4٧41‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري (‪. )41٧1‬‬

‫‪541‬‬
‫هلالج لج مع صفاته غري خملوقة‪ ،‬وإن كان لفظ الشيء يتناوله كما ِف قوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬كل ش ٍ‬
‫يء َهالِك إالَّ‬ ‫ُّ َ‬
‫َو ْج َههُ ﴾ [القصص‪.]٧٧:‬‬

‫أقسام اللفظ من حيث الداللة‪:‬‬


‫اللفظ من حيث هو دال على املعىن له حاالت‪:‬‬
‫ك َع َشَرة َك ِاملَة ﴾ [البقرة‪ ،]421:‬وقوله‪ ﴿ :‬فَتَ َّم‬
‫احدا كقوله تعاىل‪ ﴿ :‬تِلْ َ‬
‫‪ 4‬أال حيتمل إال معىن و ً‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫نصا» مأخوذ من منصة العروس‬ ‫ني لَيلَةً ﴾ [األعراف‪ ]419:‬ومثل هذا يسمى « ًّ‬ ‫ات َربِه أ َْربَع َ‬
‫مي َق ُ‬
‫ومعناه ِف اللغة الرفع‪.‬‬
‫‪ 9‬أن حيتمل أكثر من معىن على السواء كما ِف «قرء وعني» ويسمى «جممالً»‪.‬‬
‫ظاهرا»‪.‬‬
‫‪ 4‬أن حيتمل أكثر من معىن ولكنه ِف أحدها أرجح منه ِف غريه فالراجح يسمى « ً‬
‫أسدا» فهو حمتمل للحيوان املفرتس وللرجل الشجاع ولكنه ِف األول أرجح‪.‬‬ ‫كقولك‪« :‬رأيت اليوم ً‬
‫املؤول كحمل لفظ «أسد» على الرجل الشجاع ِف املثال‬ ‫‪ 1‬وإن محل على املعىن املرجوح فهو َّ‬
‫السابق‪ ،‬وال بد ِف محله على املعىن املرجوح من قرينة وإال كان ابطالً‪.‬‬
‫احدا فقط‪ ،‬أو أكثر فاألول النص‪،‬‬ ‫ووجه احلصر ِف هذه األقسام‪ :‬أن اللفظ إما أن حيتمل معىن و ً‬
‫والثاين إما أن يكون ِف أحد املعنيني أو املعاين‪ ،‬أظهر منه ِف غريه‪ ،‬أوالً أبن يكون على السواء‬
‫فاألول الظاهر ومقابله املؤول‪ ،‬والثاين اجململ‪.‬‬
‫حكم هذه األقسام‪:‬‬
‫‪ 4‬ال يعدل عن النص إال بنسخ‪.‬‬
‫‪ 9‬ال يعمل ابجململ إال بعد البيان‪.‬‬
‫اجحا‪.‬‬
‫‪ 4‬ال يرتك الظاهر‪ ،‬وينتقل إىل املؤول إال لقرينة قوية‪ ،‬جتعل اجلانب املرجوح ر ً‬
‫مثاله‪ :‬لفظ «اجلار» ِف حديث‪« :‬اجلار أحق بسقبه»(‪ )4‬فإنه راجح ِف اجملاور مرجوح ِف الشريك‬
‫فحمله احلنابلة على الشريك مع أنه مرجوح لقرينة قوية وهي قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬فإذا ضربت احلدود‬
‫وصرفت الطرق فال شفعة»(‪ )9‬فقالوا‪ :‬ال ضرب حلدود وال صرف لطرق إال ِف الشركة‪ ،‬أما اجلريان‬
‫فكل على حدوده وطرقه‪ ،‬وهلذا قالوا‪ :‬ال شفعة جلار‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪.)995٧‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري (‪. )9944‬‬

‫‪541‬‬
‫اجململ واملبني‪:‬‬
‫أوال‪ :‬اجململ‪:‬‬
‫تعريفه لغة‪ :‬هو ما مجع ومجلة الشيء جمموعة كجملة احلساب‪.‬‬
‫واصطالحا‪ :‬ما احتمل معنيني أو أكثر من غري ترجح ألحدمها أو أحدمها على غريه‪.‬‬

‫األمثلة‪ :‬من ذلك لفظ القرء فهو مرتدد بني معنيني على السواء‪ :‬الطهر واحليض بدون ترجح‬
‫ألحدمها على اآلخر وهلذا الرتدد وقع اخلالف ِف املراد ابلقرء ِف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬والْ ُمطَلَّ َق ُ‬
‫ات‬
‫وء ﴾ [البقرة‪ ]99٧:‬فحمله الشافعي ومالك على الطهر‪ ،‬وأبو حنيفة‬ ‫يت ربَّصن ِأبَن ُف ِس ِه َّن ثَالثَةَ قُر ٍ‬
‫ُ‬ ‫ََ ْ َ‬
‫وأمحد محاله على «احليض»‪.‬‬

‫أنواع اإلمجال‪:‬‬
‫قد يكون اإلمجال ِف مركب أو مفرد‪ ،‬واملفرد يكون امسًا أو فعالً أو حرفًا‪ ،‬وقد يكون الختالف ِف‬
‫تقدير حرف حمذوف‪.‬‬
‫األمثلة‪:‬‬
‫اح ﴾‬ ‫‪ 4‬اإلمجال ِف املركب‪ :‬كقوله تعاىل‪ ﴿:‬إالَّ أَن يع ُفو َن أَو يع ُفو الَّ ِذي بِ ِ‬
‫يدهِ عُ ْق َدةُ النِ َك ِ‬ ‫ْ َْ‬ ‫ْ‬
‫[البقرة‪ ،]941:‬الحتمال أن يكون الزوج وأن يكون الويل‪ ،‬ولذا محله أمحد والشافعي على الزوج‪،‬‬
‫ومحله مالك على الويل‪.‬‬
‫‪ 9‬اإلمجال ِف املفرد‪:‬‬
‫أ اإلمجال ِف االسم‪ :‬تقدم منه لفظ‪« :‬القرء» ومثله لفظ «العني» للجارحة واجلارية والنقد‪.‬‬
‫س ﴾ [التكوير‪ ]41:‬لرتدده بني أقبل‬ ‫َّ ِ‬
‫ب اإلمجال ِف الفعل‪ :‬كقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬والليل إ َذا َع ْس َع َ‬
‫وأدبر‪.‬‬
‫َيدي ُكم ِمْنهُ ﴾ [املائدة‪ ]1:‬الحتمال‬ ‫وه ُكم وأ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ج اإلمجال ِف احلرف كقوله تعاىل‪ ﴿ :‬فَ ْام َس ُحوا ب ُو ُج ْ َ‬
‫«من» للتبعيض والبتداء الغاية ولذا محله أمحد والشافعي على األول‪ ،‬ومحله مالك وأبو حنيفة على‬
‫الثاين‪.‬‬
‫وه َّن ﴾‬ ‫ِ‬
‫‪ 4‬اإلمجال بسبب اخلالف ِف تقدير احلرف احملذوف‪ :‬كقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وتَ ْر َغبُو َن أَن تَنك ُح ُ‬
‫[النساء‪ ،]491:‬ألن احلرف املقدر بعد ترغبون حيتمل أن يكون «ِف» أي ترغبون ِف نكاحهن‬
‫جلماهلن‪ ،‬وحيتمل أن يكون «عن» أي ترغبون عن نكاحهن لفقرهن ودمامتهن‪.‬‬

‫‪542‬‬
‫العمل يف اجململ‪:‬‬
‫ينظر أوالً هل هناك قرائن أو مرجحات ألحد املعاين أصالً فإن وجدت عمل هبا‪ ،‬وإال ترك‬
‫االستدالل به ولذا قيل‪ :‬إذا وجد االحتمال بطل االستدالل‪.‬‬

‫نصوص ليست جمملة‪:‬‬


‫‪ 4‬التحرمي املضاف إىل األعيان كقوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬ح ِرَم ْ‬
‫ت َعلَي ُك ْم أ َُّم َهاتُ ُك ْم ﴾ [النساء‪ ،]94:‬وقوله‪:‬‬
‫ت َعلَي ُك ُم الْ َميتَةُ ﴾ [املائدة‪ ]4:‬ليس مبجمل لظهوره عرفًا ِف النكاح ِف األول‪ ،‬وِف األكل‬ ‫﴿ ُح ِرَم ْ‬
‫ِف الثاين‪.‬‬
‫‪ 9‬قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و ْام َس ُحوا بُِرءُو ِس ُك ْم ﴾ [املائدة‪ ]1:‬ليس مبجمل بل هو ظاهر ِف مسح مجيع‬
‫الرأس ألن الرأس اسم للكل ال للبعض‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬رفع عن أميت اخلطأ والنسيان»(‪ )4‬ليس مبجمل‪ ،‬إذ املراد به رفع املؤاخذة‪ ،‬ألن‬
‫إمجاعا فلم يبق إال‬
‫نسياان غري مرفوع ً‬ ‫ذات اخلطأ والنسيان غري مرفوعة‪ ،‬وضمان املتلف خطأ أو ً‬
‫رفع املؤاخذة‪.‬‬
‫‪ 1‬قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ال صالة إال بطهور»(‪ )9‬و «ال نكاح إال بويل»(‪ )4‬و «ال صيام ملن مل يبيت‬
‫شرعا‪.‬‬
‫الصيام من الليل»(‪ ،)1‬وحنو ذلك ليس مبجمل ألن املراد نفي الصحة واالعتداد ً‬
‫‪ 5‬قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ال عمل إال بنية»(‪ )5‬ليس مبجمل ألن العمل‪:‬‬
‫شرعا‪.‬‬
‫أ إن كان عبادة فاملراد فيه الصحة واالعتداد ً‬
‫إمجاعا‪ ،‬والنفي فيه ينصب على انتفاء األجر‪،‬‬ ‫ب وإن كان معاملة فهو يصح ويعتد به‪ ،‬دون النية ً‬
‫فمن رد األمانة واملغصوب مثالً ال يريد وجه هللا فإن املطالبة تسقط عنه ويصح فعله ويعتد به‬
‫ولكن ال أجر له‪ ،‬وكذلك مجيع املرتوك‪.‬‬

‫***‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن ابن ماجة (‪ )9٧15‬وحكم األلباين صحيح‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم (‪)991‬‬
‫(‪ )4‬سنن ابن ماجة (‪ )4٧٧٧‬وحكم األلباين صحيح‬
‫(‪ )1‬سنن النسائي (‪ )9441‬وحكم األلباين صحيح‬
‫(‪ )5‬أخرجه الديلمي ِف "مسند الفردوس" (‪ )1٧21‬وحكم األلباين ضعيف ‪ .‬أنظر السلسة الضعيفة (‪)4224‬‬
‫تنبيه‪ :‬ال يعين احلكم بضعف على احلديث انه اليصحه معناه ألنه يوجد أحاديث أخرى بنفس املعىن لكن بلفظ أخرى‬

‫‪543‬‬
‫اثنيا‪ :‬املبني‪:‬‬
‫أ املبني «ابلفتح» مبعىن البني الواضح وهو املقابل للمجمل ألنه املتضح معناه فال يفتقر إىل بيان‬
‫أيضا‪.‬‬
‫من خارج‪ ،‬ويسمى البيان ً‬
‫ب واملبني ابلكسر على زنة اسم الفاعل هو املوضح إلمجال اجململ‪.‬‬
‫وهو اصطالحا‪ :‬الكاشف عن املراد من اخلطاب‪ ،‬وعلى هذا أدرج أكثر األصوليني فخصوا البيان‬
‫إبيضاح ما فيه خفاء‪ ،‬ومنهم من يطلقه على كل إيضاح سواء تقدمه خفاء أم ال‪.‬‬

‫ما يقع به البيان‪:‬‬


‫معا‪ ،‬وقد يكون برتك الفعل ليدل على عدم الوجوب‪.‬‬
‫يقع البيان ابلقول اترة وابلفعل اترة وهبما ً‬
‫البيان ابلقول‪:‬‬
‫‪ 4‬كتاب بكتاب قال تعاىل‪ ﴿ :‬إالَّ َما ْيت لَى َعلَي ُك ْم ﴾ [املائدة‪ ]4:‬فهذا جممل بينه هللا بقوله‪﴿ :‬‬
‫َّم ﴾ [املائدة‪.]4:‬‬ ‫ُح ِرَم ْ‬
‫ت َعلَي ُك ُم الْ َميتَةُ َوالد ُ‬
‫ص ِادهِ ﴾ [األنعام‪ ]414:‬فحقه جممل بينه صلى‬ ‫‪ 9‬كتاب بسنة قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وآتُوا َحقَّهُ ْيوَم َح َ‬
‫هللا عليه وسلم بقوله‪« :‬فيما سقت السماء العشر‪ ،‬وفيما سقي ابلنضح نصف العشر»(‪.)4‬‬
‫البيان ابلفعل‪:‬‬
‫أ يكون بصورة العمل كصالته ملسو هيلع هللا ىلص فوق املنرب ليبني للناس ولذا قال هلم‪« :‬صلوا كما رأيتموين‬
‫أصلي»(‪ ،)9‬وكقطعه يد السارق من الكوع‪.‬‬
‫ب ويكون ابلكتابة ككتابته ملسو هيلع هللا ىلص أسنان الزكاة لعماله عليها‪.‬‬
‫ج ويكون ابإلشارة كقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬الشهر هكذا وهكذا وهكذا» وأشار أبصابع يديه وقبض اإلهبام‬
‫يوما‪.‬‬ ‫ِف الثالثة يعين تسعة وعشرين ً‬
‫البيان برك الفعل‪:‬‬
‫كرتكه ملسو هيلع هللا ىلص الرتاويح ِف رمضان بعد أن فعلها وكرتكه الوضوء مما مست النار‪ ،‬مما دل على عدم‬
‫الوجوب فيهما ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سبق خترجيه ‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري (‪. )1٧٧٧‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )54٧9‬‬

‫‪544‬‬
‫مراتب البيان‪:‬‬
‫قصدا‬
‫مراتبه متفاوتة فأعالها ما كان ابخلطاب مث ابلفعل‪ ،‬مث ابإلشارة‪ ،‬مث ابلكتابة ومعلوم أن الرتك ً‬
‫فعل‪.‬‬
‫أتخري البيان عن وقت احلاجة رليه‪:‬‬
‫أتخري البيان على قسمني‪:‬‬
‫‪ 4‬أتخري إىل أن أييت وقت العمل‪ :‬فهذا جائز وواقع فقد فرضت الصالة ليلة اإلسراء جمملة وأتخر‬
‫بياهنا إىل الغد حىت جاء جربيل وبينها‪ ،‬وقد علم رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص أن املراد بقوله تعاىل ِف مخس‬
‫الغنيمة‪َ ﴿ :‬ولِ ِذي الْ ُق ْرَىب ﴾ [األنفال‪ ]14:‬بنو هاشم وبنو املطلب دون إخواهنم من بين نوفل‬
‫وعبد مشس مع أن الكل أوالد عبد مناف فأخر بيانه حىت سأله جبري بن مطعم النوفلي وعثمان بن‬
‫عفان العبشمي رضي هللا عنهما فقال‪« :‬أان وبنو املطلب مل نفرتق ِف جاهلية وال ِف إسالم»(‪،)4‬‬
‫أيضا قوله تعاىل‪﴿ :‬‬
‫وكذا آايت الصالة والزكاة واحلج بينتها السنة ابلرتاخي والتدريج‪ ،‬ويدل لذلك ً‬
‫إن َعلَينَا بَيانَهُ ﴾ [القيامة‪ ،]42،4٧:‬ومث للرتاخي إىل غري ذلك‬ ‫فَإذَا قَ َرأْ َانهُ فَاتَّبِ ْع قُ ْرآنَهُ (‪ُ )4٧‬مثَّ َّ‬
‫من األدلة‪.‬‬
‫‪ 9‬أتخري عن وقت احلاجة‪ :‬فهذا ال جيوز ألنه يلزمه تكليف املخاطب مبا ال يطيق وهو غري جائز‪.‬‬
‫منـزلة املبني من املبني‪:‬‬
‫سندا أو داللة من املبني ابسم املفعول بل‬
‫ال يشرتط ِف املبني ابسم الفاعل أن يكون أقوى ً‬
‫جيوز بيان املتواتر أبخبار اآلحاد‪ ،‬واملنطوق ابملفهوم‪.‬‬
‫األمثلة‪:‬‬
‫أ بيان الكتاب ابلسنة‪ :‬كقوله تعاىل‪ ﴿ :‬فَإن طَلَّ َقها فَال َِحت ُّل لَه ِمن ب ع ُد ح َّىت تَ ِ‬
‫نك َح َزْو ًجا َغ َريهُ ﴾‬ ‫ُ ْ َْ َ‬ ‫َ‬
‫زوجا غريه‪ ،‬بني ملسو هيلع هللا ىلص نكاح الزوج الثاين‬
‫[البقرة‪ ]94٧:‬فإن طلقها فال حتل له من بعد حىت تنكح ً‬
‫أبنه الوطء بقوله المرأة رفاعة القرظي‪«:‬حىت تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك»‪.‬‬
‫استَطَ ْعتُم ِمن قُ َّوةٍ ﴾ [األنفال‪ ]1٧ :‬بينه ملسو هيلع هللا ىلص بقوله‪« :‬أال إن القوة‬ ‫ِ‬
‫وقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وأَع ُّدوا َهلُم َّما ْ‬
‫الرمي»(‪.)4‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪)1992‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري (‪)9142‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪)4241( - 411‬‬

‫‪545‬‬
‫ني لِلن ِ‬
‫َّاس َما نُِزَل إلَي ِه ْم ﴾‬ ‫ِ ِ‬
‫يك الذ ْكَر لتُبَ َ‬
‫ََ َنزلْنَا إلَ َ‬
‫ويدل لبيان الكتاب ابلسنة قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وأ َ‬
‫[النحل‪.]11:‬‬
‫الزِاين ﴾ [النور‪،]9:‬‬ ‫ب وبيان املنطوق ابملفهوم‪ :‬كبيان منطوق قوله تعاىل ِف سورة «النور»‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫اب ﴾ [النساء‪]95:‬‬ ‫ات ِمن الْع َذ ِ‬
‫مبفهوم املوافقة ِف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬فَعلَي ِه َّن نِصف ما علَى الْمحصنَ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ ُ َ َ ُْ َ‬ ‫َ‬
‫فإن مفهوم موافقته أن العبد كاألمة ِف ذلك جيلد مخسني جلدة فبني هذا املفهوم أن املراد ابلزاين‬
‫ِف سورة «النور» خصوص احلر‪.‬‬

‫ال يشرط يف البيان أن يعلمه كل رنسان‪:‬‬


‫ليس من شرط البيان أن يعلمه مجيع املكلفني املوجودين ِف وقته بل جيوز أن يكون بعضهم جاهالً‬
‫به‪ ،‬فإنه يقال‪ :‬بني له غري أنه مل يتبني‪.‬‬
‫اَّلل ِِف أَو ِ‬
‫الد ُك ْم ﴾ [النساء‪ ،]44:‬ال‬ ‫ِ‬
‫مثال ذلك أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص بني أن عموم قوله تعاىل‪ ﴿ :‬يوصي ُك ُم َُّ ْ‬
‫يتناول األنبياء بقوله‪« :‬إان معاشر األنبياء ال نورث»(‪ )4‬فال يقدح ِف هذا البيان أن فاطمة رضي‬
‫هللا عنها مل تعلم به وجاءت إىل أيب بكر تطلب مرياثها منه ملسو هيلع هللا ىلص‪.‬‬

‫ال ـنـسـ ــخ‪:‬‬


‫تعريفه‪:‬‬
‫لغة‪ :‬يطلق مبعىن اإلزالة‪ ،‬ومنه نسخت الشمس الظل أي‪ :‬أزالته وحلت حمله ونسخت الريح األثر‬
‫أيضا على ما يشبه النقل تقول‪ :‬نسخت الكتاب أي‪ :‬نقلت شيئًا يشبه ما فيه‪،‬‬
‫أي‪ :‬أزالته‪ ،‬ويطلق ً‬
‫ووضعته ِف حمل آخر‪.‬‬
‫والذي يوافق املعىن االصطالحي للنسخ من معنييه اللغويني هو األول إذ النسخ ِف االصطالح‪:‬‬
‫رفع احلكم الثابت خبطاب متقدم خبطاب آخر مرتاخ عنه‪.‬‬

‫شرح التعريف‪:‬‬
‫(الثابت) وصف للحكم‪ ،‬و(خبطاب متقدم) متعلق ابلثابت‪ ،‬و(خبطاب) الثانية متعلق برفع‪،‬‬
‫والضمري ِف عنه راجع للثابت خبطاب متقدم‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد (‪ )2219‬وحكم شعيب األرنؤوط إسناده صحيح‪.‬‬

‫‪546‬‬
‫(رفع احلكم) جنس يعم النسخ وغريه مما خيرج ابلقيود التالية لذلك‪ ،‬فيخرج منه بقيد (الثابت‬
‫خبطاب متقدم) الرباءة األصلية فإجياب الصالة والزكاة والصوم واحلج وغري ذلك رفع للرباءة األصلية‬
‫وليس بنسخ وخيرج منه بقيد (خبطاب آخر) رفع احلكم ابجلنون واملوت‪ .‬وخيرج بقيد (مرتاخ عنه)‬
‫نسخا‪.‬‬
‫ما كان متصالً ابخلطاب كالتخصيص فإن ذلك ال يسمى ً‬
‫وضوحا وهو أن الواجب ِف أول اإلسالم مصابرة الواحد من املسلمني‬ ‫ً‬ ‫وإليك مثالً نزيد به التعريف‬
‫للعشرة من الكفار ِف احلرب مث نسخ ذلك بوجوب مصابرة الواحد من املسلمني لالثنني من‬
‫الكفار فوجوب مصابرة الواحد للعشرة حكم ثبت خبطاب متقدم ه و قول ه ت عاىل‪ ﴿ :‬إن ي ُكن‬
‫ني ﴾ [األنفال‪ ]15:‬فرفع هذا احلكم خبطاب آخر متأخر عنه‬ ‫صابِرو َن ي ْغلِبُوا ِمائَتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من ُك ْم ع ْش ُرو َن َ ُ‬
‫صابَِرة ي ْغلِبُوا‬ ‫ِ ِ‬
‫ض ْع ًفا فَإن ي ُكن من ُكم مائَة َ‬
‫اَّلل عن ُكم وعلِم أ َّ ِ‬
‫َن في ُك ْم َ‬ ‫َّف َُّ َ ْ َ َ َ‬ ‫وهو قوله تعاىل‪ ﴿ :‬اآل َن َخف َ‬
‫ني ﴾ [األنفال‪.]11:‬‬ ‫ِمائَتَ ِ‬

‫جواز النسخ ووقوعه‪:‬‬


‫ت ِخبَ ٍري‬‫نسها َأنْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫شرعا ودليل ذلك قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ما نَْن َس ْخ م ْن آية أ َْو نُ َ‬ ‫النسخ جائز عقالً وواقع ً‬
‫ندهُ أ ُُّم الْ ِكتَ ِ‬
‫اب‬ ‫ت َو ِع َ‬‫يشاءُ َويثْبِ ُ‬ ‫ِمْن َها أ َْو ِمثْلِ َها ﴾ [البقرة‪ ،]4٧1:‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ميْ ُحو َّ‬
‫اَّللُ َما َ‬
‫آية ﴾ [النحل‪.]4٧4:‬‬ ‫﴾[الرعد‪ ،]42:‬وقوله‪ ﴿ :‬وإ َذا ب َّدلْنَا آيةً َّم َكا َن ٍ‬
‫َ َ‬
‫وقوله ملسو هيلع هللا ىلص فيما صح عنه‪« :‬كنت هنيتكم عن زايرة القبور فزوروها فإهنا تذكر اآلخرة»(‪.)4‬‬
‫ممتنعا مل يقع لكنه وقع للنصوص املذكورة وما ِف‬ ‫وشرعا إذ لو كان ً‬ ‫فدل ذلك على جوازه عقالً ً‬
‫معناها‪.‬‬
‫نسخ الرسم واحلكم‪:‬‬
‫ينقسم النسخ هبذا االعتبار رىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪ 4‬نسخ رسم اآلية مع بقاء حكمها‪ :‬مثال ذلك آية الرجم وهي قوله‪« :‬الشيخ والشيخة إذا زنيا‬
‫فارمجومها البتة نكاالً من هللا وهللا عزيز حكيم»(‪ ،)9‬كما ثبت التنويه هبذه اآلية عن عمر رضي هللا‬
‫عنه ِف خطبته ِف «الصحيحني»‪.‬‬
‫‪ 9‬نسخ حكم اآلية دون رمسها‪ :‬مثال ذلك نسخ حكم آية اعتداد املتوىف عنهن أزواجهن حوالً مع‬
‫بقاء رمسها ِف املصحف وتالوهتا ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد (‪ )94٧٧5‬وحكم شعيب األرنؤوط حديث صحيح‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري (‪ )1٧4٧‬صحيح مسلم ‪)4124( - 45‬‬

‫‪547‬‬
‫معا‪ :‬مثال ذلك ما ثبت ِف «صحيح مسلم» من حديث عائشة‬ ‫‪ 4‬نسخ رسم اآلية وحكمها ً‬
‫اهنع هللا يضر‪ :‬كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات حيرمن مث نسخن خبمس معلومات فتوِف‬
‫رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وهن فيما يقرأ من القرآن(‪.)4‬‬
‫فآية التحرمي بعشر الرضعات منسوخ رمسها وحكمها‪ ،‬وآية التحرمي خبمس الرضعات منسوخ رمسها‬
‫دون حكمها‪ ،‬فقد اجتمع ِف هذا احلديث مثاالن‪:‬‬
‫أ ملنسوخ التالوة واحلكم‪.‬‬
‫ب ملنسوخ التالوة دون احلكم كما ترى‪.‬‬

‫النسخ رىل غري بدل‪:‬‬


‫مذهب مجهور العلماء جواز النسخ إىل غري بدل عن احلكم املنسوخ‪.‬‬
‫ومن أدلتهم‪ :‬نسخ وجوب تقدمي الصدقة بني يدي جنوى رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص إىل غري بدل كما ِف سورة‬
‫«اجملادلة»‪.‬‬

‫النسخ رىل بدل‪:‬‬


‫والنسخ إىل بدل ال خيلو من واحد من ثالثة أقسام‪:‬‬
‫أ إما أن يكون الناسخ أخف من املنسوخ‪.‬‬
‫ب أو مساواي له‪.‬‬
‫ج أو أثقل منه‪.‬‬
‫وال خالف ِف جواز القسمني األولني‪ ،‬وأما الثالث فالقول جبوازه قول اجلمهور‪.‬‬
‫واألمثلة كاآليت‪:‬‬
‫ني ﴾‬ ‫صابِرو َن ي ْغلِبُوا ِمائَتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ 4‬النسخ إىل بدل أخف‪ :‬نسخ قوله تعاىل‪ ﴿ :‬إن ي ُكن من ُك ْم ع ْش ُرو َن َ ُ‬
‫ني ﴾ [األنفال‪ ،]11:‬فوجوب‬ ‫صابِرة ي ْغلِبُوا ِمائَتَ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫[األنفال‪ ،]15:‬بقوله‪ ﴿ :‬فَإن ي ُكن من ُكم مائَة َ َ‬
‫مصابرة الواحد لالثنني أخف من وجوب مصابرته للعشرة‪.‬‬
‫‪ 9‬النسخ إىل بدل مساو‪ :‬نسخ استقبال بيت املقدس الثابت ابلسنة بقوله تعاىل‪ ﴿ :‬فَ َوِل َو ْجهَ ََ َك‬
‫َشطَْر الْ َم ْس ِج ِد ا ْحلََرِام ﴾ [البقرة‪ ]411:‬فاستقبال الكعبة مسا ٍو الستقبال بيت املقدس ابلنسبة‬
‫لفعل املكلف‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪)4159( - 91‬‬

‫‪548‬‬
‫‪ 4‬النسخ إىل بدل أثقل‪ :‬نسخ التخيري بني صيام شهر رمضان واإلطعام بتعيني صيامهن ونسخ‬
‫أمر الصحابة برتك القتال واإلعراض عن املشركني إبجياب اجلهاد‪.‬‬
‫فتعيني الصيام أثقل من التخيري بينه وبني اإلطعام‪ ،‬ووجوب القتال أثقل من تركه‪.‬‬

‫نسخ الكتاب أو السنة بكتاب أو سنة‪:‬‬


‫النسخ هبذا االعتبار أقسام‪:‬‬
‫‪ 4‬نسخ الكتاب ابلكتاب وال خالف ِف جواز هذا القسم‪.‬‬
‫ومن أمثلته آيتا العدة وآيتا املصابرة كما تقدم ذلك‪.‬‬
‫‪ 9‬نسخ السنة ابلكتاب‪.‬‬
‫ومن أمثلته نسخ التوجه إىل بيت املقدس الثابت ابلسنة بقوله تعاىل‪ ﴿ :‬فَ َوِل َو ْجهَ ََ َك َشطَْر‬
‫الْ َم ْس ِج ِد ا ْحلََرِام ﴾ [البقرة‪.]411:‬‬
‫‪ 4‬نسخ الكتاب ابلسنة ويشتمل هذا القسم على شيئني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬نسخ الكتاب ابآلحاد من السنة‪ ،‬والقول مبنع جوازه مذهب اجلمهور‪ ،‬ألن القطعي ال‬
‫ينسخه الظين‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬نسخ الكتاب مبتواتر السنة‪ ،‬والقول مبنع جواز هذا النوع قول البعض مستدالًّ بقوله تعاىل‪:‬‬
‫ت ِخبَ ٍري ِمْن َها أ َْو ِمثْلِ َها ﴾ [البقرة‪.]4٧1:‬‬
‫نسها َأنْ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫﴿ َما نَْن َس ْخ م ْن آية أ َْو نُ َ‬
‫خريا منه‪ ،‬والقول ابجلواز مذهب اجلمهور كما‬ ‫ووجه الداللة أن السنة ال تكون مثل القرآن وال ً‬
‫حكاه ابن احلاجب‪ .‬ودليل هذا القول‪ :‬أن الكل وحي من هللا‪ ،‬وقد وقع نسخ الوصية للوالدين‬
‫بقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ال وصية لوارث»(‪ ،)4‬فإن اإلمجاع قد انعقد على معىن هذا احلديث‪.‬‬
‫‪ 1‬نسخ السنة ابلسنة‪ :‬اتفاقًا ِف جواز نسخ آحادها ومتواترها ابملتواتر منها‪ ،‬ونسخ آحادها‪،‬‬
‫واختالفًا ِف جواز نسخ املتواتر منها ابآلحاد‪ ،‬ومن أمثلة نسخ السنة ابلسنة قول النيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪« :‬كنت هنيتكم عن زايرة القبور فزوروها»(‪.)9‬‬
‫نسخ املتواتر واآلحاد مبتواتر وآحاد‪:‬‬
‫الصور املمكنة ِف ذلك تسع تقدمت ِف البحث الذي قبل هذا فنذكرها إمجاالً فيما يلي‪:‬‬
‫‪ 4‬نسخ املتواتر من القرآن ابملتواتر منه‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن ابن ماجة (‪ )9141‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )9‬سبق خترجيه‪.‬‬

‫‪549‬‬
‫‪ 9‬نسخ متواتر السنة ابملتواتر منها‪.‬‬
‫‪ 4‬نسخ اآلحاد من السنة ابآلحاد‪.‬‬
‫والناسخ يف هذه الصور الثالث مساو للمنسوخ‪.‬‬
‫‪ 1‬نسخ السنة األحادية ابلقرآن‪.‬‬
‫‪ 5‬نسخ اآلحاد ابملتواتر من السنة‪.‬‬
‫‪ 1‬نسخ متواتر السنة ابلقرآن‪.‬‬
‫والناسخ يف هذه الصور الثالث فوق املنسوخ‪.‬‬
‫‪ 1‬نسخ القرآن مبتواتر السنة‪.‬‬
‫‪ ٧‬نسخ القرآن ابآلحاد من السنة‪.‬‬
‫‪ 2‬نسخ متواتر السنة ابآلحاد‪.‬‬
‫والناسخ يف هذه الصور الثالث دون املنسوخ‪.‬‬

‫اإلجـم ــاع‪:‬‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫هو يف اللغة يطلق على شيئني‪:‬‬
‫‪ 4‬االتفاق‪ ،‬يقال‪ :‬أمجع القوم على كذا إذا اتفقوا عليه‪ ،‬وهذا ال يتأتى إال من اجلماعة‪.‬‬
‫‪ 9‬العزم املصمم يقال‪ :‬أمجع فالن رأيه على كذا‪ ،‬إذا صمم عزمه عليه وهذا يتأتى من الواحد ومن‬
‫اجلماعة‪.‬‬
‫ويف االصطالح هو‪ :‬اتفاق مجيع العلماء اجملتهدين من أمة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص بعد وفاته ِف عصر من‬
‫العصور على أمر ديين‪.‬‬

‫شرح التعريف‪:‬‬
‫«االتفاق» جنس يعم أشياء متعددة خيرج غري املراد منها ابلقيود التالية لذلك فخرج إبضافته إىل‬
‫مجيع العلماء اجملتهدين‪ :‬املتعلم الذي مل يبلغ درجة االجتهاد فضالً عن العامي ومن ِف حكمه فال‬
‫أيضا حصول اإلمجاع من بعض اجملتهدين دون البعض‪.‬‬ ‫عربة بوفاقهم وال خبالفهم وخرج به ً‬
‫وخرج بقيد «من أمة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص»‪ :‬إمجاع غريها من األمم‪ ،‬واملراد ابألمة‪ :‬أمة اإلجابة ال أمة الدعوة‪.‬‬

‫‪551‬‬
‫واملراد ابلتقييد مبا بعد وفاته ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬بيان بدء الوقت الذي يوجد فيه اإلمجاع ِف أي عصر وجد بعد‬
‫زمن النبوة سواء ِف ذلك عصر الصحابة ومن بعدهم‪.‬‬
‫وخرج بقيد «على أمر ديين»‪ :‬اتفاق جمتهدي األمة على أمر من األمور العقلية أو العادية مثالً‪.‬‬

‫أمثلة لإلمجاع‪:‬‬
‫تقدم ِف حبث اخلاص وغريه أمثلة لإلمجاع‪ ،‬وإليك مجلة من املسائل اجملمع عليها نقلناها من كتاب‬
‫«مراتب اإلمجاع» البن حزم رمحه هللا‪ ،‬اخرتانها من أبواب متعددة‪:‬‬
‫‪ 4‬اتفقوا على أن للمعتدة من طالق رجعي السكىن والنفقة‪.‬‬
‫‪ 9‬اتفقوا على أن الوطء يفسد االعتكاف‪.‬‬
‫‪ 4‬اتفقوا على أن فعل الكبائر واجملاهرة ابلصغائر جرح ترد به الشهادة‪.‬‬
‫‪ 1‬اتفقوا على أنه ال يرث مع األم جدة‪.‬‬
‫‪ 5‬اتفقوا على أن الوصية لوارث ال جتوز‪.‬‬
‫‪ 1‬اتفقوا على أنه ال قود على القاتل خطأ‪.‬‬
‫‪ 1‬اتفقوا على أن املطلقة طالقًا رجعيا يرثها الزوج وترثه ما دامت ِف العدة‪.‬‬
‫‪ ٧‬اتفقوا على أن سفر املرأة فيما أبيح هلا مع زوج أو ذي حمرم مباح‪.‬‬
‫‪ 2‬اتفقوا على أن ذبح األنعام ِف احملرم وللمحرم حالل‪.‬‬
‫‪ _4٧‬اتفقوا على أنه ليس ِف القرآن أكثر من مخس عشرة سجدة‪.‬‬
‫‪ 44‬اتفقوا على أن احلائض تقضي ما أفطرت ِف حيضها‪.‬‬
‫‪ _49‬اتفقوا على أنه ال يصوم أحد عن إنسان حي‪.‬‬
‫دليل حجية اإلمجاع‪:‬‬
‫ذهب اجلمهور إىل أن اإلمجاع حجة جيب العمل به‪ ،‬وخالف ِف ذلك النظام والشيعة واخلوارج‪.‬‬
‫وقد استدل اجلمهور حلجيته أبدلة كثرية منها‪:‬‬
‫ني نُ َولِِه َما‬‫ِِ‬
‫ني لَهُ ا ْهلَُدى َويتَّبِ ْع َغ َري َسبِ ِيل الْ ُم ْؤمن َ‬
‫الرس َ ِ ِ‬
‫ول م ْن بَ ْعد َما تَبَ َ‬
‫‪ 4‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ومن ِ‬
‫يشاق ِق َّ ُ‬
‫ََ َ‬
‫ص ًريا ﴾ [النساء‪ ،]445:‬وذلك أن هللا تعاىل توعد من خالف سبيل‬ ‫تمِ‬ ‫تَوَّىل ونُ ِ ِ‬
‫صله َج َهن ََّم َو َساءَ ْ َ‬‫َ َ ْ‬
‫املؤمنني ابلعذاب فوجب اتباع سبيلهم‪ ،‬وما ذاك إال ألنه حجة‪.‬‬
‫‪ 9‬قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ال تزال طائفة من أميت ظاهرين على احلق‪ )4(»...‬احلديث‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪. )429٧( - 41٧‬‬

‫‪551‬‬
‫فلو أمجع أهل عصر من العصور على ابطل لتخلف مصداق احلديث ِف ذلك العصر لعدم وجود‬
‫ظهري للحق فيه وذلك ابطل فبطل أن يكون إمجاعهم على خالف احلق‪ ،‬إذًا فهو حجة جيب‬
‫اتباعه‪.‬‬

‫عصر اإلمجاع‪:‬‬
‫تقدم ِف تعريف اإلمجاع أنه عام ِف أي عصر كان بعد وفاة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬ال فرق ِف ذلك بني‬
‫عصور الصحابة وعصور من بعدهم‪ ،‬وهذا قول اجلمهور خالفًا ملن خصه بعصر الصحابة‪ ،‬كداود‬
‫الظاهري ومن وافقه مستدلني أبن قلة عدد الصحابة وحصرهم وضعف دواعي اهلوى فيهم يتيسر‬
‫معه إمجاعهم واالطالع عليه فيمكن االحتجاج به خبالف من بعدهم فإن كثرهتم واختالف‬
‫أهوائهم وضعفهم عن مقاومة احلكام يبعد عادة حصول اإلمجاع منهم واالطالع عليه‪.‬‬
‫وقد رد اجلمهور هذا االستدالل أبن أرابب الشبه على كثرهتم واختالف أهوائهم قد اتفقت كلمتهم‬
‫على الباطل‪ ،‬واطلع على ذلك منهم كاليهود ِف إنكار نبوة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فإمجاع املسلمني على احلق‬
‫أوىل أبن يقع ويطلع عليه‪.‬‬
‫عصرا دون عصر‪،‬‬
‫ومن أدلة اجلمهور‪ :‬أن األدلة اليت دلت على حجية اإلمجاع عامة مل ختصص ً‬
‫فكان اإلمجاع ِف أي عصر حجة‪.‬‬

‫هل انقراض عصر اجملمعني شرط يف انعقاد رمجاعهم أو ال ؟‬


‫إذا حصل اإلمجاع من اجملتهدين ِف زمن فهل ينعقد إمجاعهم من وقت حصوله أو ال بد ِف انعقاده‬
‫من انقراض عصرهم فيه قوالن مها روايتان عن أمحد‪.‬‬
‫والصحيح األول وهو قول اجلمهور ويدل له أمور‪:‬‬
‫‪ 4‬أن أدلة اإلمجاع من الكتاب والسنة ال توجب اعتبار انقراضه‪.‬‬
‫‪ 9‬أن التابعني قد احتجوا إبمجاع الصحابة قبل انقراض عصرهم ولو كان ذلك شرطًا مل حيتجوا به‬
‫قبل انقراضهم‪.‬‬
‫‪ 4‬أن اشرتاط انقراض العصر يوجب أن ال يكون إمجاع إىل يوم القيامة‪ ،‬ألنه ال خيلو العصر من‬
‫جرا‪ ،‬وما أدى إىل‬‫توالد أفراد ونشأهتم وبلوغهم درجة االجتهاد وقبل انقراضهم يتوالد غريهم وهلم ًّ‬
‫إبطال انعقاد اإلمجاع فهو ابطل‪.‬‬

‫‪552‬‬
‫مثرة اخلالف‪ :‬ينبين على اخلالف يف هذه املسألة شيئان‪:‬‬
‫‪ 4‬على القول ابشرتاط انقراض العصر يسوغ لبعض اجملمعني الرجوع عن رأيه وال يعترب خمال ًفا‬
‫لإلمجاع ألنه مل ينعقد‪.‬‬
‫وعلى القول بعدم االشرتاط ال يسوغ ألحد الرجوع عن رأيه املوافق لإلمجاع ألن اإلمجاع احلاصل‬
‫منتف لألدلة الدالة على ذلك فلزم األول وهو كونه حقًّا‬ ‫إما أن يكون على حق أو ابطل‪ ،‬والثاين ٍ‬
‫وال جيوز العدول عما هو حق‪.‬‬
‫‪ 9‬على القول ابالشرتاط ال بد من موافقة من نشأ وبلغ درجة االجتهاد وإال ملا مت؛ ألنه مل ينعقد‬
‫إال ابنقراض العصر‪ ،‬وعلى القول بعدمه ال جيوز له خمالفة اإلمجاع؛ ألنه قد انعقد‪.‬‬
‫مستند اإلمجاع‪:‬‬
‫ال ينعقد اإلمجاع إال عن مستند من كتاب أو سنة وقال قوم‪ :‬جيوز انعقاده عن اجتهاد فقط ومنع‬
‫ذلك شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا ِف كتابه «معارج الوصول إىل أن أصول الدين وفروعه قد‬
‫بينها الرسول» حيث قال فيه‪:‬‬
‫«وال توجد مسألة يتفق اإلمجاع عليها إال وفيها نص‪ ،‬وقد كان بعض الناس يذكر مسائل فيها‬
‫إمجاع بال نص كاملضاربة‪ ،‬وليس كذلك بل املضاربة كانت مشهورة بينهم ِف اجلاهلية ال سيما‬
‫قريش فإن األغلب عليهم التجارة‪ ،‬وكان أصحاب األموال يدفعوهنا إىل العمال‪ ،‬ورسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم قد سافر مبال غريه قبل النبوة كما سافر مبال خدجية‪ ،‬والعري اليت كان فيها أبو‬
‫سفيان كان أكثرها مضاربة مع أيب سفيان وغريه‪ ،‬فلما جاء اإلسالم أقرها رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فكان‬
‫أصحابه يسافرون مبال غريهم مضاربة‪ ،‬ومل ينه عن ذلك‪ ،‬والسنة قوله وفعله وتقريره صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فلما أقرها كانت اثبتة ابلسنة» انتهى‪.‬‬

‫أقسام اإلمجاع‪:‬‬
‫ينقسم اإلمجاع من حيث هو رىل قسمني‪:‬‬
‫‪ 4‬إمجاع قويل أو فعلي‪.‬‬
‫‪ 9‬وإمجاع سكويت‪.‬‬
‫فاألول‪ :‬أن يصرح كل فرد بقوله ِف احلكم اجملمع عليه أو يفعله فيدل فعله إايه على جوازه عنده‪.‬‬
‫وهذا القسم من اإلمجاع ال خالف ِف حجيته عند القائلني بثبوت اإلمجاع‪.‬‬

‫‪553‬‬
‫والثاين‪ :‬أن حيصل القول أو الفعل من البعض وينتشر ذلك عنهم ويسكت الباقون عن القول به أو‬
‫فعله‪ ،‬أو ال ينكروا على من حصل منه‪.‬‬
‫ومن أمثلته‪ :‬العول حكم به عمر ِف خالفته مبشورة بعض الصحابة وسكت ابقيهم‪.‬‬
‫وهذا القسم اختلف فيه فقال قوم‪ :‬إنه إمجاع ال يسوغ العدول عنه‪ ،‬وقال قوم‪ :‬إنه ليس إبمجاع وال‬
‫حجة‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬إنه حجة وليس إبمجاع‪.‬‬
‫استدل القائلون أبنه إمجاع أبن التابعني كانوا إذا نقل إليهم عن الصحابة مثل هذا ال جيوزون‬
‫العدول عنهم‪ ،‬فهو إمجاع منهم على أنه حجة‪.‬‬
‫إمجاعا أبن السكوت من اجملتهد حيتمل أن‬
‫واستدل من قال أبنه ليس حبجة فضالً عن أن يكون ً‬
‫يكون للموافقة وحيتمل أن يكون لعدم اجتهاده ِف املسألة أو اجتهد فيها ولكن مل يظهر له فيها‬
‫شيء‪ ،‬أو سكت مهابة كما روى ابن عباس هنع هللا يضر ِف مسألة العول‪.‬‬
‫وأبن سكوت العلماء عند وقوع فعل منكر مثالً ال يدل على أنه عندهم ليس مبنكر ملا علم من أن‬
‫مراتب اإلنكار ثالث‪ :‬ابليد أو اللسان أو ابلقلب‪ ،‬وانتفاء اإلنكار ابليد واللسان ال يدل على‬
‫إمجاعا‬
‫انتفائه ابلقلب‪ ،‬فهل يدل السكوت على تقرير الساكت ملا وقع حىت يقال فقد أمجع عليه ً‬
‫سكوتيا وال يثبت ذلك عنه ويضاف إليه إال إذا علم رضاه ابلواقع وال يعلم ذلك إال عالم الغيوب‪.‬‬

‫األخـبـ ــار‪:‬‬
‫األخبار بفتح اهلمزة‪ :‬مجع خرب وهو لغة مأخوذ من اخلبار وهي األرض الرخوة ألن اخلرب يثري‬
‫الفائدة كما أن األرض اخلبار تثري الغبار إذا حفرها احلافر وحنوه‪.‬‬
‫وهو نوع خمصوص من القول وقسم من أقسام الكالم‪ ،‬وقد يستعمل ِف غري القول كما قيل‪ :‬ختربك‬
‫العينان ما القلب كامت‪.‬‬

‫وتعريف اخلرب من حيث هو‪ :‬ما حيتمل الصدق والكذب لذاته‪ ،‬أي إن احتماله هلما من حيث‬
‫خربا وقد يقطع بصدق اخلرب أو كذبه ألمر خارجي فاألول كخرب هللا تعاىل والثاين كاخلرب عن‬ ‫كونه ً‬
‫خربا‪.‬‬
‫احملاالت كقول القائل‪« :‬الضدان جيتمعان» فال خيرج بذلك عن كونه ً‬
‫واخلرب يطلق عند احملدثني على ما أضيف إىل النيب ملسو هيلع هللا ىلص من قول أو فعل أو تقرير أو وصف ُخلقي‬
‫أو َخلقي‪.‬‬

‫‪554‬‬
‫تقسيم اخلرب ابعتبار وصفه ابلصدق والكذب‪:‬‬

‫ينقسم اخلرب من حيث وصفه ابلصدق والكذب رىل ثالثة أقسام‪:‬‬


‫األول‪ :‬اخلرب املقطوع بصدقه‪:‬‬
‫‪ 4‬اخلرب الذي بلغ رواته حد التواتر‪.‬‬
‫‪ 9‬خرب هللا وخرب رسوله ملسو هيلع هللا ىلص‪.‬‬
‫‪ 4‬اخلرب املعلوم صدقه ابالستدالل كقول أهل احلق‪« :‬العامل حادث»‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬اخلرب املقطوع بكذبه وهو أنواع منها‪:‬‬


‫‪ 4‬ما علم خالفه ابلضرورة مثل قول القائل‪« :‬النار ابردة»‪.‬‬
‫‪ 9‬ما علم خالفه ابالستدالل مثل قول الفالسفة‪« :‬العامل قدمي»‪.‬‬
‫اترا‪ ،‬إما لكونه من أصول الشريعة‪،‬‬
‫صحيحا لتوفرت الدواعي على نقله متو ً‬
‫ً‬ ‫‪ 4‬اخلرب الذي لو كان‬
‫أمرا غريبًا كسقوط اخلطيب عن املنرب وقت اخلطبة مثالً‪.‬‬
‫أو لكونه ً‬
‫‪ 1‬خرب مدعي الرسالة من غري معجزة‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬اخلرب الذي مل يقطع بصدقه وال بكذبه وهو ثالثة أنواع‪:‬‬
‫‪ 4‬ما ظن صدقه كخرب العدل‪.‬‬
‫‪ 9‬ما ظن كذبه كخرب الفاسق‪.‬‬
‫‪ 4‬ما شك فيه كخرب جمهول احلال فإنه يستوي فيه االحتماالن لعدم املرجح‪.‬‬

‫***‬
‫تقسيم اخلرب رىل متواتر وآحاد‪:‬‬
‫ينقسم اخلرب ابعتبار طريقه املوصلة له إىل املخرب به إىل قسمني‪ :‬متواتر وآحاد‪.‬‬
‫املتواتر‪:‬‬
‫تعريفه‪ :‬وهو ِف اللغة املتتابع‪.‬‬
‫ويف االصطالح‪ :‬ما رواه مجاعة كثريون حتيل العادة تواطؤهم وتوافقهم على الكذب عن مجاعة‬
‫كذلك إىل أن ينتهي إىل حمسوس‪.‬‬

‫‪555‬‬
‫شروطه‪:‬‬
‫ويشرط يف املتواتر أربعة شروط‪:‬‬
‫‪ 4‬أن يكون رواته كثريين‪.‬‬
‫‪ 9‬أن حتيل العادة تواطؤهم وتوافقهم على الكذب‪.‬‬
‫‪ 4‬أن تستوي مجيع طبقات السند ابلشرطني السابقني إىل أن يتصل ابملخرب به‪.‬‬
‫‪ 1‬أن يكون علمهم بذلك حصل عن مشاهدة أو مساع‪.‬‬

‫أقسامه‪:‬‬
‫ينقسم املتواتر رىل قسمني‪:‬‬
‫متعمدا فليتبوأ مقعده‬
‫ً‬ ‫‪4‬ـ لفظي‪ :‬وهو ما اشرتك رواته ِف لفظ معني مثل حديث‪« :‬من كذب علي‬
‫من النار» وحديث‪« :‬املرء مع من أحب»‪.‬‬
‫‪1‬ـ معنوي‪ :‬وهو ما اختلفت الرواة ِف ألفاظه مع توافقهم ِف معناه مثل أحاديث حوض الرسول‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص وأحاديث املسح على اخلفني‪.‬‬

‫نوع العلم الذي يفيده املتواتر‪:‬‬


‫واملتواتر يفيد العلم اليقيين الذي يضطر اإلنسان إليه حبيث ال ميكنه دفعه‪ ،‬وهذا هو احلق‪َّ ،‬‬
‫فإان‬
‫جزما خاليا من الرتدد جاراي‬
‫نقطع بوجود البالد الغائبة عنا‪ ،‬واألشخاص املاضية قبلنا وجنزم بذلك ً‬
‫جمرى جزمنا ابملشاهدات‪.‬‬

‫اآلحاد‪:‬‬
‫تعريفه‪ :‬هو ما فقد شرطًا فأكثر من شروط املتواتر السابقة‪.‬‬
‫الذي تفيده‪:‬‬
‫اختلف ِف أخبار اآلحاد فذهب بعض العلماء إىل أهنا ال تفيد القطع ال بنفسها وال ابلقرائن‪ ،‬وإمنا‬
‫تفيد الظن‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬األصل ِف خرب الواحد أن يفيد الظن ورمبا أفاد القطع ابلقرائن مثل كونه مرواي ِف‬
‫«الصحيحني» وهذا هو الراجح‪.‬‬

‫‪556‬‬
‫التعبد أبخبار اآلحاد‪:‬‬
‫مسعا فمن ذلك‪:‬‬ ‫التعبد أبخبار اآلحاد جائز عقالً‪ ،‬وقد قام الدليل عليه ً‬
‫‪ 4‬إمجاع الصحابة مهنع هللا يضر على قبوهلا‪ ،‬فقد اشتهر عنهم الرجوع إليها ِف وقائع ال تنحصر كما ِف‬
‫إرث اجلدة السدس ودية اجلنني‪ ،‬وتوريث املرأة من دية زوجها‪ ،‬وحتول أهل قباء إىل القبلة ِف‬
‫صالهتم‪ ،‬وأخذ اجلزية من اجملوس كأهل الكتاب‪ ،‬وعامة أفعال الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ِف بيوته‪.‬‬
‫ف ََتَبَينُوا ﴾ [احلجرات‪ ،]1:‬وقوله‪﴿ :‬‬ ‫اسق بِنَ بَأٍ َ‬
‫‪ 9‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬اي أَيها الَّ ِذين آمنُوا إن جاء ُكم فَ ِ‬
‫ََ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫الدي ِن ولِ ِ‬
‫ينذ ُروا قَ ْوَم ُه ْم إ َذا َر َجعُوا إلَي ِه ْم لَ َعلَّ ُه ْم‬ ‫فَلَوال نَ َفر ِمن ُك ِل فِرقٍَة ِمْن هم طَائَِفة لِيت َفقَّهوا ِِف ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ ُْ‬ ‫ْ َ‬
‫ْحي َذ ُرو َن ﴾ [التوبة‪.]499:‬‬
‫‪ 4‬ما تواتر من بعثه ملسو هيلع هللا ىلص اآلحاد إىل النواحي لتبليغ األحكام مع العلم بتكليف املبعوث إليهم‬
‫بذلك‪.‬‬
‫‪ 1‬انعقاد اإلمجاع ِف قبول قول املفيت فيما خيرب به عن ظنه وقبول قوله فيما خيرب به عن السماع‬
‫الذي ال شك فيه أوىل‪.‬‬
‫تقسيم اآلحاد من حيث رواته قلة وكثرة‪:‬‬
‫تنقسم أخبار اآلحاد من حيث كثرة الرواة وقلتهم إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪ 4‬مشهور‪ 9 .‬عزيز‪ 4 .‬غريب‪.‬‬
‫‪ -4‬املشهور‪ :‬ما قصر ِف عدد رواته عن درجة التواتر ومل ينزل ِف طبقة من طبقاته عن ثالثة‪.‬‬
‫مثاله حديث‪« :‬املسلم من سلم املسلمون من لسانه ويده»(‪.)4‬‬
‫‪ 9‬والعزيز‪ :‬ما نزل سنده ولو ِف بعض الطبقات إىل اثنني فقط‪.‬‬
‫مثاله حديث‪« :‬ال يؤمن أحدكم حىت أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أمجعني»(‪.)9‬‬
‫‪ 4‬والغريب‪ :‬ما نزل سنده ولو ِف بعض الطبقات إىل واحد‪.‬‬
‫مثاله حديث عمر بن اخلطاب هنع هللا يضر الذي جيعله كثري من املصنفني ِف احلديث فاحتة كتبهم وهو‬
‫قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إمنا األعمال ابلنيات وإمنا لكل امرئ ما نوى»(‪.)4‬‬
‫أقسام اآلحاد من حيث القبول أو الرد‪:‬‬
‫قطعا‪.‬‬
‫من املعلوم أن املتواتر مقبول ً‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح خباري (‪. )4٧‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم ‪. )11( - 1٧‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )4‬‬

‫‪557‬‬
‫صحيحا‪ ،‬ويكون حسنًا‪ ،‬وكالمها مقبول‪ ،‬ويكون ضعي ًفا وهو املردود وذلك‬
‫ً‬ ‫أما خرب الواحد فيكون‬
‫حبسب قرائن الصحة واحلسن أو أسباب الرد‪ ،‬ولكل ضوابط كاآليت‪:‬‬
‫اتما من غري شذوذ وال علة‪.‬‬ ‫‪ 4‬الصحيح لذاته‪ :‬هو ما اتصل سنده برواية العدل الضابط ضبطًا ًّ‬
‫ولغريه‪ :‬ما خفت فيه شروط الصحيح لذاته وجرب بكثرة الطرق‪.‬‬
‫‪ 9‬واحلسن لذاته‪ :‬ما خفت فيه شروط الصحيح لذاته ومل جيرب بكثرة الطرق‪.‬‬
‫ولغريه‪ :‬هو احلديث املتوقف فيه إذا قامت قرينة ترجح جانب قبوله‪ ،‬كحديث مستور احلال إذا‬
‫تعددت طرقه‪.‬‬
‫‪ 4‬والضعيف‪ :‬هو الذي مل يتصف بشيء من صفات الصحيح وال من صفات احلسن‪.‬‬
‫فإجياب الرد‪ :‬إما سقوط من السند أو طعن ِف الراوي وتفصيل ذلك ِف فن املصطلح‪.‬‬
‫احدا أو أكثر‪ ،‬وبني كونه ِف أول السند أو وسطه أو آخره‪.‬‬
‫حيث يفرقون بني كون الساقط و ً‬

‫أما األصوليون فإهنم يقسمونه من حيث اتصال السند وانقطاعه رىل قسمني‪:‬‬
‫‪ 4‬مسند‪.‬‬
‫‪ 9‬مرسل‪.‬‬

‫أوال‪ :‬املسند‪.‬‬
‫اسم مفعول من اإلسناد وهو ضم جسم إىل آخر‪ ،‬مث استعمل ِف املعاين يقال‪ :‬أسند فالن اخلرب إىل‬
‫فالن إذا نسبه إليه‪.‬‬
‫ويف االصطالح‪ :‬ما اتصل سنده إىل منتهاه‪ ،‬أبن يرويه عن شيخه بلفظ يظهر منه أنه أخذه عنه‬
‫وكذلك شيخه عن شيخه متصالً إىل الصحايب إىل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬املرسل‪.‬‬
‫اسم مفعول من اإلرسال‪.‬‬
‫ويف االصطالح‪ :‬هو رواية الراوي عمن مل يسمع منه‪ ،‬فهو على هذا مل يتصل سنده ً‬
‫ظاهرا لسقوط‬
‫احدا أو أكثر من أي موضع ِف السند وهذا ِف اصطالح‬ ‫بعض رواته وسواء كان الساقط و ً‬
‫األصوليني خالفًا ألهل احلديث إذ خيصون اسم املرسل مبا سقط منه الصحايب سواء كان وحده أو‬
‫مع غريه من الصحابة والتابعني إذا كان املرسل له صحابيا أو اتبعيا‪.‬‬

‫‪558‬‬
‫أقسام املرسل‪:‬‬
‫واملراسيل على ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪ 4‬مراسيل الصحابة‪.‬‬
‫‪ 9‬مراسيل التابعني‪.‬‬
‫‪ 4‬مراسيل غريهم ممن بعدهم‪.‬‬
‫وإليك بياهنا‪:‬‬
‫مرسل الصحابة‪:‬‬
‫أن يقول الصحايب فيما مل يسمعه من النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص كذا وحنو ذلك‪.‬‬
‫متأخرا وحديثه عن أمر متقدم‪ ،‬ومل يكن حتمل من‬ ‫ويعرف عدم مساعه منه ذلك أبن يكون إسالمه ً‬
‫رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قبل إسالمه أو بكونه من صغار الصحابة ويروي عنه ملسو هيلع هللا ىلص ما وقع قبل والدته‪ ،‬فإذا‬
‫قدر أن مثل هذا الصحايب مل يسمع احلديث من الرسول ملسو هيلع هللا ىلص مشافهة بل مسعه من واسطة فتلك‬
‫إسالما‪ ،‬كأحاديث أيب هريرة‬
‫ً‬ ‫الواسطة يغلب على الظن أهنا صحايب آخر أكرب منه أو أسبق منه‬
‫عما قبل السنة السابعة من اهلجرة لتأخر إسالمه إىل تلك السنة‪ ،‬وكأحاديث ابن عباس وابن عمر‬
‫وحنومها عن أوائل اإلسالم لتأخر مولدمها‪ ،‬فيكون هذا املرسل مقبوالً ألن الصحابة كلهم عدول‬
‫فحكمه حكم املسند‪.‬‬
‫مرسل التابعي‪:‬‬
‫وإذا أرسل التابعي احلديث فأسنده إىل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص مباشرة فقد أسقط واسطة بينه وبني الرسول‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وهذه الواسطة حيتمل أن تكون صحابيا أو اتبعيا أو أكثر من ذلك‪.‬‬
‫أما الصحايب فقد علمت عدالته وإن جهل خبالف التابعي فال سبيل إىل احلكم عليه ألنه جمهول‬
‫واحلكم على إنسان فرع معرفته‪.‬‬
‫يستثىن من ذلك عند اجلمهور مراسيل ابن املسيب فإهنا تتبعت كلها فوجدت مروية عن الصحابة‬
‫فهي كاملسند ملا علم أن الصحابة كلهم عدول‪.‬‬
‫مرسل غري الصحايب والتابعي‪:‬‬
‫هو أن يروي شخص ِف أثناء السند عمن مل يلقه فيسقط واسطة بينه وبني الذي روى عنه‪.‬‬
‫حكم املرسل‪:‬‬
‫أ علمنا أن مراسيل الصحابة ِف حكم املسند فهي حجة وال عربة بشذوذ من شذ ويدل لذلك‪:‬‬

‫‪559‬‬
‫‪ 4‬اتفاق األمة على قبول رواية ابن عباس وأمثاله من أصاغر الصحابة مع إكثارهم من الرواية‬
‫فبعض روايتهم عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص مراسيل‪.‬‬
‫أيضا فإن الصحابة قد علمت عدالتهم‪ ،‬فال يروون إال عن صحايب غالبًا وإن رووا عن غريه‬ ‫‪9‬و ً‬
‫اندرا فال يروون إال عمن علموا عدالته‪.‬‬ ‫ً‬
‫ب وأما مراسيل التابعني فمن بعدهم فهي حجة عند مالك وأمحد ِف رواية وأيب حنيفة غري حجة‬
‫عند الشافعي وأهل احلديث إال مراسيل سعيد بن املسيب كما تقدم‪.‬‬
‫تصرف الراوي يف نقله للخرب‪:‬‬
‫للراوي يف كيفية نقله للخرب أحوال أربع‪:‬‬
‫‪ 4‬أن يرويه ابللفظ الذي مسع‪ ،‬وهذه احلالة هي األصل ِف الرواية‪ ،‬وهي أفضل أحواله‪.‬‬
‫‪ 9‬أن يرويه مبعناه‪ ،‬وهذه احلالة ال جتوز إال لعارف مبدلوالت األلفاظ ومبا حييل املعاين‪.‬‬
‫‪ 4‬أن حيذف بعض لفظ اخلرب‪ ،‬وهذا ممنوع إذا كان احملذوف له تعلق ابملذكور؛ ال إذا مل يكن له‬
‫تعلق‪ ،‬وكثري من السلف سلك هذه الطريقة فاقتصر ِف الرواية على قدر احلاجة املستدل عليها‪ ،‬ال‬
‫سيما ِف األحاديث الطويلة‪.‬‬
‫‪ 1‬أن يزيد ِف اخلرب على ما مسعه من النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وهذا جائز إذا كان ما زاده يتضمن بيان سبب‬
‫احلديث أو تفسري معناه‪ ،‬لكن بشرط أن يبني ما زاده حىت يفهم السامع أنه ليس من كالم النيب‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص‪.‬‬
‫الشروط املعتربة يف الراوي‪:‬‬
‫يشرط يف الراوي أربعة شروط‪:‬‬
‫‪ 4‬اإلسالم‪ :‬فالكافر ال تقبل روايته ألنه متهم ِف الدين إال إذا حتمل ِف كفره وأدى بعد إسالمه‬
‫كما ِف قصة أيب سفيان مع هرقل‪.‬‬
‫‪ 9‬التكليف وقت األداء‪ :‬فال تقبل رواية الصيب‪ ،‬وما مسعه ِف الصغر بعد التمييز وأداه بعد البلوغ‬
‫مقبول‪ ،‬إلمجاع الصحابة مهنع هللا يضر على قبول رواية أصاغر الصحابة كابن عباس وابن الزبري وحممود بن‬
‫الربيع واحلسن واحلسني وحنوهم‪.‬‬
‫‪ 4‬العدالة‪ :‬فال تقبل رواية الفاسق‪ ،‬وقيل‪ :‬إال املتأول إذا مل يكن داعية إىل بدعته‪.‬‬
‫‪ 1‬الضبط‪ :‬وهو ضبط صدر وضبط كتاب‪ ،‬فإن من ال حيسن ضبط ما حفظه عند التحمل ليؤديه‬
‫على وجهه ال يطمأن إىل روايته وإن مل يكن فاس ًقا‪.‬‬
‫فقيها‪.‬‬
‫مبصرا‪ ،‬وال ً‬
‫حرا‪ ،‬وال ً‬ ‫ذكرا‪ ،‬وال ًّ‬
‫وال يشرتط ِف الراوي أن يكون ً‬

‫‪561‬‬
‫صيغ األداء‪:‬‬
‫للصحايب ِف نقله اخلرب عن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ألفاظ‪ ،‬ترتيبها حبسب القوة كاآليت‪:‬‬
‫‪ 4‬أن يقول‪ :‬مسعت رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬أو حدثين‪ ،‬أو شافهين‪ ،‬أو رأيته يفعل كذا وحنو ذلك‪ ،‬فهذا‬
‫اللفظ ال يتطرق إليه احتمال الواسطة أصالً‪ ،‬وهو حجة بال خالف‪.‬‬
‫‪ 9‬أن يقول‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص كذا‪ ،‬فهذا حمتمل للواسطة والظاهر فيه االتصال‪.‬‬
‫‪ 4‬أن يقول‪ :‬أمر رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص بكذا أو هنى عن كذا‪ ،‬وهذا فيه مع احتمال الواسطة احتمال أن‬
‫أمرا وهنيا‪ ،‬والصحيح أنه كسابقه‪ ،‬وأن الصحايب ال‬ ‫يكون الصحايب قد ظن ما ليس أبمر أو هني ً‬
‫أمر» أو «هنى» إال بعد مساعه ما هو أمر أو هني حقيقة‪.‬‬ ‫يقول‪َ « :‬‬
‫‪ 1‬أن يقول‪ :‬أُمران بكذا أو هنينا عن كذا‪ ،‬وهذا فيه مع االحتمالني السابقني عدم تعيني اآلمر أو‬
‫الناهي أهو النيب ملسو هيلع هللا ىلص أم غريه؟‬
‫والصحيح أنه ال حيمل إال على أمر رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص أو هنيه‪ ،‬وِف معناه‪ :‬من السنة كذا‪.‬‬
‫‪ 5‬أن يقول‪ :‬كنا نفعل كذا وكانوا يفعلون كذا‪ ،‬فهذا عند إضافته إىل زمن النبوة حجة لظهور‬
‫إقرارهم عليه‪ ،‬وقال أبو اخلطاب‪ :‬إن قول الصحايب‪« :‬كانوا يفعلون كذا» نقل لإلمجاع‪.‬‬
‫مراتب ألفاظ الرواية من غري الصحايب‪:‬‬
‫وأللفاظ الرواية من غري الصحايب مراتب بعضها أقوى من بعض وهي‪:‬‬
‫املرتبة األوىل‪ :‬قراءة الشيخ على التلميذ ِف معرض اإلخبار لريوي عنه‪ ،‬وهذه املرتبة ِف الغاية ِف‬
‫التحمل‪ ،‬وهي طريقة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وللتلميذ ِف هذه املرتبة أن يقول‪ :‬حدثين أو أخربين وقال فالن‬
‫ومسعته يقول وحنو ذلك‪.‬‬

‫املرتبة الثانية‪ :‬قراءة التلميذ على الشيخ وهو يسمع فيقول‪ :‬نعم أو يسكت فتجوز الرواية بذلك‬
‫خالفًا لبعض الظاهرية‪ ،‬ويقول التلميذ ِف هذه املرتبة‪ :‬أخربين أو حدثين قراءة عليه‪ ،‬وهل يسوغ له‬
‫ترك «قراءة عليه»؟ قوالن مها روايتان عن أمحد رمحه هللا‪.‬‬

‫املرتبة الثالثة‪ :‬املناولة‪:‬‬


‫فرعا مقابالً عليه‪ ،‬أو حيضر التلميذ ذلك األصل أو فرعه‬
‫وهي أن يناول الشيخ تلميذه أصله أو ً‬
‫املقابل عليه‪ ،‬ويقول الشيخ‪ :‬هذا رواييت عن فالن فاروه عين ‪.‬‬

‫‪561‬‬
‫ومذهب اجلمهور‪ :‬جواز الرواية هبا ويقول التلميذ ِف هذه املرتبة‪ :‬انولين‪ ،‬أو أخربين أو حدثين‬
‫مناولة وأجاز بعضهم ترك كلمة «مناولة»‪.‬‬
‫املرتبة الرابعة‪ :‬اإلجازة‪ ،‬وهي أن يقول الشيخ لتلميذه‪ :‬أجزت لك رواية الكتاب الفالين أو ما‬
‫صح عندك من مسموعايت‪.‬‬
‫ومذهب اجلمهور جواز الرواية هبا‪ ،‬ونقل عن أمحد أنه قال‪ :‬لو بطلت لضاع العلم‪.‬‬
‫قال بعضهم‪ :‬ومن فوائدها أنه ليس ِف قدرة كل طالب الرحلة ِف طلب العلم‪ ،‬ويقول التلميذ ِف‬
‫هذه املرتبة‪ :‬أجازين‪ ،‬أو يقول‪ :‬أخربين أو حدثين إجازة‪ ،‬وأجاز بعضهم ترك كلمة «إجازة»‪.‬‬

‫أفعال الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وتقريراته‬


‫أوال‪ :‬أفعاله عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫تنقسم أفعال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص رىل أقسام‪:‬‬
‫‪ 4‬ما كان يفعله مبقتضى اجلبلة كالقيام والقعود واألكل والشرب‪ ،‬فحكمه اإلابحة‪.‬‬
‫مرتددا بني اجلبلة والتشريع كوقوفه ملسو هيلع هللا ىلص راكبًا بعرفة ونزوله ابحملصب‪.‬‬ ‫‪ 9‬ما كان ً‬
‫مباحا كما تقدم‪ ،‬أو ابلتشريع فيتأسى به؟ فيه قوالن‪.‬‬ ‫فهل يلحق ابجلبلي فيكون ً‬
‫َيها‬
‫‪ 4‬ما ثبتت خصوصيته به مثل جواز مجعه بني أكثر من أربع نسوة ابلنكاح لقوله تعاىل‪ ﴿ :‬اي أ َ‬
‫ك ﴾ [األحزاب‪ ،]5٧:‬وكن أكثر من أربع‪ ،‬ونكاح الواهبة نفسها لقوله‬ ‫اج َ‬
‫ك أ َْزَو َ‬ ‫النَِّيب َّإان أ ْ‬
‫َحلَْلنَا لَ َ‬
‫ني ﴾ [األحزاب‪ ]5٧:‬فهذا ال شركة ألحد معه فيه‪.‬‬ ‫تعاىل‪ ﴿ :‬خالِصةً لَّ َ ِ ِ ِ ِ‬
‫ك من ُدون الْ ُم ْؤمن َ‬ ‫َ َ‬
‫السا ِر ُق‬
‫بياان لقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َّ‬ ‫بياان لنص قرآن كقطعه ملسو هيلع هللا ىلص يد السارق من الكوع ً‬ ‫‪ 1‬ما كان ً‬
‫َيد ُيه َما ﴾ [املائدة‪ ،]4٧:‬وكأعمال احلج والصالة فهما بيان لقوله تعاىل‪﴿ :‬‬ ‫السا ِرقَةُ فَاقْطَعوا أ ِ‬‫َو َّ‬
‫ُ‬
‫اع إلَ ِيه َسبِيالً ﴾‬ ‫ِ‬ ‫الصالةَ ﴾ [البقرة‪ ،]14:‬وقوله‪ ﴿:‬وََِّّللِ علَى الن ِ ِ‬ ‫وأ ِ‬
‫َّاس ح ُّج الْبَيت َم ِن ْ‬
‫استَطَ َ‬ ‫َ َ‬ ‫يموا َّ‬ ‫ََق ُ‬ ‫ََ‬
‫[آل عمران‪،]21:‬ولذا قال ملسو هيلع هللا ىلص‪«:‬صلوا كما رأيتموين أصلي»(‪،)4‬وقال‪«:‬خذوا عين مناسككم»‬
‫(‪ .)9‬فهذا القسم حكمه لألمة حكم املبني ابلفتح ففي الوجوب واجب‪ ،‬وِف غريه حبسبه‪.‬‬
‫‪ 5‬ما فعله ملسو هيلع هللا ىلص ال جلبلة وال لبيان ومل تثبت خصوصيته‪ ،‬فهذا على قسمني‪:‬‬
‫أ أن يعلم حكمه ابلنسبة إىل الرسول ملسو هيلع هللا ىلص من وجوب أو ندب أو إابحة‪ ،‬فيكون حكمه لألمة‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سبق خترجيه ‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم ‪. )4921( - 44٧‬‬

‫‪562‬‬
‫كذلك كصالته ملسو هيلع هللا ىلص ِف الكعبة‪ ،‬وقد علمنا أهنا ِف حقه ملسو هيلع هللا ىلص جائزة‪ ،‬فهي لألمة على اجلواز‪.‬‬
‫ب أن ال يعلم حكمه ابلنسبة إليه ملسو هيلع هللا ىلص وِف هذا القسم أربعة أقوال‪:‬‬
‫‪ 4‬الوجوب‪ :‬عمالً ابألحوط وهو قول أيب حنيفة وبعض الشافعية ورواية عن أمحد‪.‬‬
‫أيضا‪.‬‬
‫‪ 9‬الندب‪ :‬لرجحان الفعل على الرتك وهو قول بعض الشافعية ورواية عن أمحد ً‬
‫‪ 4‬اإلابحة‪ :‬ألهنا املتيقن ولكن هذا فيما ال قربة فيه إذ القربة ال توصف ابإلابحة‪.‬‬
‫‪ 1‬التوقف‪ :‬لعدم معرفة املراد‪ ،‬وهو قول املعتزلة‪ ،‬وهذا أضعف األقوال ألن التوقف ليس فيه أتس‪.‬‬
‫نداب‪.‬‬
‫وجواب أو ً‬
‫فتحصل لنا من هذه األقوال األربعة أن الصحيح الفعل أتسيا برسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ً‬
‫ومثلوا هلذا الفعل خبلعه ملسو هيلع هللا ىلص نعله ِف الصالة فخلع الصحابة كلهم نعاهلم‪.‬‬
‫فلما انتهى ملسو هيلع هللا ىلص سأهلم عن خلعهم نعاهلم‪ ،‬قالوا‪ :‬رأيناك فعلت ففعلنا‪ ،‬فقال هلم‪« :‬أاتين جربيل‬
‫وأخربين أن ِف نعلي أذى فخلعتهما»(‪ ،)4‬فإنه أقرهم على خلعهم أتسيا به ومل يعب عليهم مع‬
‫أهنم مل يعلموا احلكم قبل إخباره إايهم‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬تقريراته ملسو هيلع هللا ىلص‪:‬‬


‫وتلحق تقريراته ملسو هيلع هللا ىلص أبفعاله‪ ،‬فكل أمر أقر عليه ومل ينكر على فاعله فحكمه حكم فعله ملسو هيلع هللا ىلص قوالً‬
‫كان ذلك األمر أو فعالً‪.‬‬
‫كافرا أو مناف ًقا فال يدل تقريره له على اجلواز‬ ‫منقادا لشرع‪ ،‬فإن كان ً‬
‫هذا إذا كان اإلنسان املقرر ً‬
‫كتقريره ملسو هيلع هللا ىلص الذي على الفطر ِف هنار رمضان‪ ،‬فمثال تقريره على القول تقريره ملسو هيلع هللا ىلص أاب بكر هنع هللا يضر‬
‫على قوله إبعطاء سلب القتيل لقاتله ومثال تقريره على الفعل‪ :‬تقريره ملسو هيلع هللا ىلص خالد ابن الوليد على‬
‫أكل الضب‪ ،‬وحسان على إنشاد الشعر ِف املسجد‪.‬‬
‫هذا فيما رآه ملسو هيلع هللا ىلص أو مسعه أو بلغه فأقره‪.‬‬
‫وكذلك استبشاره ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬كاستبشاره ملسو هيلع هللا ىلص بقول جمزز الدجلي وقد بدت أقدام زيد بن حارثة وابنه‬
‫أسامة رضي هللا عنهما من حتت الغطاء أن هذه األقدام بعضها من بعض‪ ،‬ألنه ملسو هيلع هللا ىلص ال يقر على‬
‫ابطل وال يستبشر لباطل‪.‬‬
‫ولذا قال الشافعي وأمحد رمحهما هللا إبثبات النسب عن طريق القافة‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح ابن خزمية (‪ )1٧1‬قال األعظمي‪ :‬إسناده حسن‬

‫‪563‬‬
‫ال ـقـي ـ ــاس‪:‬‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫القياس يف اللغة‪ :‬التقدير والتسوية‪ ،‬تقول‪ :‬قست الثوب ابلذراع إذا قدرته به‪ ،‬وفالن يقاس‬
‫بفالن‪ ،‬أي يسوى به‪.‬‬

‫ويف االصطالح هو‪ :‬إحلاق فرع أبصل ِف حكم جلامع بينهما كإحلاق األرز ابلرب ِف حترمي الراب‬
‫جلامع هو الكيل عند احلنابلة واالقتيات واالدخار عند املالكية والطعم عند الشافعية‪.‬‬

‫رثبات القياس على منكريه‪:‬‬


‫شرعا عند اجلمهور ومنهم األئمة األربعة رمحهم هللا واستدلوا‬ ‫التعبد ابلقياس جائز عقالً وواقع ً‬
‫إلثباته أبدلة كثرية منها‪:‬‬
‫صا ِر ﴾ [احلشر‪ ]9:‬واالعتبار من العبور وهو االنتقال من‬ ‫اعتَِربُوا اي أ ُْوِيل األَبْ َ‬
‫‪ 4‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬فَ ْ‬
‫مأمورا به‪.‬‬
‫شيء إىل آخر والقياس فيه انتقال ابحلكم من األصل إىل الفرع فيكون ً‬
‫‪ 9‬تصويب النيب ملسو هيلع هللا ىلص ملعاذ هنع هللا يضر حني قال‪ :‬إنه جيتهد حيث ال كتاب وال سنة فإن االجتهاد حيث‬
‫ال نص يكون ابإلحلاق ابملنصوص‪.‬‬
‫‪ 4‬قوله ملسو هيلع هللا ىلص للخثعمية حني سألته عن احلج عن الوالدين‪« :‬أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته‬
‫أكان ينفعه؟» قالت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪« :‬فدين هللا أحق أن يقضى»(‪ )4‬فهو تنبيه منه ملسو هيلع هللا ىلص على قياس‬
‫دين اخللق‪.‬‬
‫‪ 1‬قوله ملسو هيلع هللا ىلص لعمر حني سأله عن القبلة للصائم‪« :‬أرأيت لو متضمضت»(‪ )9‬فهو قياس للقبلة على‬
‫املضمضة‪.‬‬
‫غالما أسود‪ ،‬فمثل له النيب ملسو هيلع هللا ىلص ابإلبل احلمر اليت يكون األورق‬
‫‪ 5‬قصة الرجل الذي ولدت امرأته ً‬
‫من أوالدمها‪ ،‬ووجه االستدالل من القصة‪ :‬أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قاس ولد هذا الرجل املخالف للونه بولد‬
‫اإلبل املخالف لونه أللواهنا‪ ،‬وذكر العلة اجلامعة وهي نزع العرق‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )1122‬‬
‫(‪ )9‬مسند أمحد (‪ )44٧‬وحكم شعيب األرنؤوط إسناده صحيح ‪.‬‬

‫‪564‬‬
‫أركان القياس وتعريف كل ركن‪:‬‬
‫ظهر لنا من تعريف القياس أنه ال بد فيه من أربعة أركان هي‪:‬‬
‫‪ 4‬أصل مقيس عليه‪ :‬وهو احملل الذي ثبت حكمه وأحلق به غريه كاخلمر ثبت هلا التحرمي وأحلق‬
‫هبا النبيذ‪.‬‬
‫‪ 9‬فرع ملحق ابألصل‪ :‬وهو ِف اللغة ما تولد عن غريه والنهي عليه‪.‬‬
‫ويف اصطالح األصوليني‪ :‬احملل املطلوب إحلاقه بغريه ِف احلكم‪ ،‬كالنبيذ طلب إحلاقه ابخلمر ِف‬
‫حكمها وهو التحرمي‪.‬‬
‫‪ 4‬علة جتمع بني األصل والفرع‪ :‬وهي املعىن املشرتك بني األصل والفرع املقتضي إثبات احلكم‬
‫كاإلسكار املستدعي إحلاق النبيذ ابخلمر ِف حكم التحرمي‪.‬‬
‫‪ 1‬احلكم الثابت لألصل املقيس عليه‪ :‬وهو األمر املقصود إحلاق الفرع ابألصل فيه كالقصاص‬
‫أثبت ِف القتل ابملثقل إحلاقًا له ابلقتل ابحملدد‪.‬‬
‫شروط القياس‪:‬‬
‫وللقياس شروط جيب توفرها فيه لصحته منها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬شروط األصل‪:‬‬
‫‪ 4‬يشرتط ِف األصل الذي هو املقيس عليه أن يكون احلكم فيه اثبتًا بنص أو إمجاع أو اتفاق‬
‫اخلصمني‪.‬‬
‫‪ 9‬أن ال يكون معدوالً به عن قاعدة عامة مثل بيع العرااي وشهادة خزمية فال يصحان أصالً يقاس‬
‫مطردا خالفًا ملن جييز القياس ِف‬
‫عليه ألن احلكم ِف القياس مطرد واخلارج عن القاعدة العامة ليس ً‬
‫قياسا على الرطب‪.‬‬
‫الرخص فيجوز العرية ِف العنب والتني ً‬
‫وما ذكر ِف هذين الشرطني بناءً على القول أبن األصل هو نفس احلكم‪ ،‬ال حمل حلكم‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬شروط الفرع‪ ،‬ويشرط يف الفرع شرطان‪:‬‬
‫‪ 4‬وجود علة األصل فيه ألهنا مناط تعدية احلكم إليه‪.‬‬
‫منصوصا على حكمه‪ ،‬فإن كان مل حيتج إىل قياسه على غريه‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ 9‬أن ال يكون‬
‫اثلثا‪ :‬شروط حكم األصل‪ ،‬ويشرط يف حكم األصل شرطان‪:‬‬
‫‪ 4‬أن يكون الفرع مساواي له ِف األصل كقياس األرز على الرب ِف حترمي الراب فإن كان احلكم ِف‬
‫الفرع أزيد منه ِف األصل أو أنقص مل يصح القياس‪ ،‬كأن يكون حكم األصل الوجوب وحكم‬
‫الفرع الندب أو العكس‪.‬‬

‫‪565‬‬
‫‪ 9‬أن يكون شرعيا‪ ،‬ال عقليا فال يثبت ذلك ابلقياس ألنه يطلب فيه اليقني والقياس يفيد الظن‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬شروط العلة‪ ،‬ويشرط يف العلة شرطان‪:‬‬
‫‪ 4‬أن تكون العلة متعدية فإن كانت قاصرة على حملها امتنع القياس هبا لعدم تعديها إىل الفرع‪.‬‬
‫مثال ذلك‪:‬‬
‫جعل شهادة خزمية كشهادة رجلني لعلة سبقه إىل تصديق النيب ملسو هيلع هللا ىلص بنوع من التصديق مل يسبقه‬
‫إليه غريه‪.‬‬
‫‪ 9‬أن تكون كاإلسكار فكلما وجد اإلسكار ِف شيء وجد التحرمي فيه‪ ،‬وكالطعم والكيل فكلما‬
‫وجد الكيل أو الطعم ِف شيء حرم الراب فيه‪ ،‬فإذا ختلفت فإن كان ختلفها ملانع فال تبطل كما لو‬
‫قيل‪ :‬القتل العمد ‪ ،‬العدوان علة للقصاص وقد ختلفت ِف قتل الوالد لولده عدو ًاان إذ إنه ال يقتل‬
‫به فيقال‪ :‬إهنا ختلفت ملانع هو األبوة فال تبطل ِف غري األب‪ ،‬فكلما وجد القتل العمد العدوان من‬
‫غري األب وحنوه وجب القصاص‪.‬‬
‫قياسا على‬
‫وإن كان ختلفها من غري مانع فال يصح التعليل هبا كما لو قيل‪ :‬جتب الزكاة ِف املواشي ً‬
‫األموال جبامع دفع حاجة الفقري فيقال‪ :‬إن التعليل بدفع حاجة الفقري قد ختلف عنها احلكم ِف‬
‫اجلواهر مثالً‪.‬‬

‫تقسيم القياس‪:‬‬
‫تقسيم القياس رىل قطعي وظين‪ ..‬أو جلي وخفي‪.‬‬
‫أوال‪ :‬القياس القطعي‪:‬‬
‫تعريفه‪ :‬هو ما ال حيتاج معه إىل التعرض للعلة اجلامعة بل يكتفى فيه بنفي الفارق املؤثر ِف احلكم‬
‫كإلغاء الفارق بني البول ِف املاء الراكد والبول ِف إانء وصبه فيه‪ ،‬وهو أنواع منها‪:‬‬
‫‪ 4‬ما كان املسكوت عنه أوىل ابحلكم من املنطوق مع القطع بنفي الفارق كإحلاق مثقال احلب‬
‫مبثقال الذرة ِف املؤاخذة‪ ،‬وإحلاق ضرب الوالدين ابلتأفيف ِف التحرمي‪ ،‬وإحلاق ما دون القنطار‬
‫وفوق الدينار هبما ِف التأدية من بعض أهل الكتاب إذا ائتمن عليه ِف األول واملطل من بعضهم ِف‬
‫الثاين‪.‬‬
‫‪ 9‬ما كان املسكوت عنه مساواي للمنطوق ِف احلكم مع القطع بنفي الفارق كإحلاق إغراق مال‬
‫اليتيم وإحراقه أبكله ِف التحرمي‪.‬‬

‫‪566‬‬
‫اثنيا‪ :‬القياس الظين‪:‬‬
‫القياس الظين هو‪ :‬ما احتيج فيه إىل البحث عن العلة اجلامعة كإحلاق األرز ابلرب ِف حترمي الراب‬
‫جبامع الكيل‪.‬‬
‫فتحصل من هذا أن لإلحلاق طريقتني‪ :‬إحلاق بنفي الفارق وإحلاق ابجلامع‪.‬‬

‫تقسيم القياس ابعتبار التصريح ابلعلة وعدمه‪:‬‬


‫ينقسم القياس هبذا االعتبار رىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪ 4‬قياس العلة‪ :‬وهو ما مجع فيه ابلوصف املناسب املشتمل على املصلحة الصاحلة لرتتيب احلكم‬
‫عليها كقياس النبيذ على اخلمر جبامع اإلسكار‪.‬‬
‫‪ 9‬قياس الداللة‪ :‬وهو ما مجع فيه بني األصل والفرع مبا يدل على العلة ويرشد إليها كقياس النبيذ‬
‫على اخلمر جبامع الرائحة الكريهة والشدة الدالة على العلة وهي اإلسكار‪.‬‬
‫‪ 4‬قياس ِف معىن األصل‪ :‬وهو ما اكتفي فيه بنفي الفارق املؤثر ِف احلكم‪ ،‬وهو مفهوم املوافقة‪،‬‬
‫والقياس اجللي كقياس األمة على العبد ِف تقومي حصة الشريك على شريكه املعتق نصيبه‪.‬‬
‫قياس الشبه‪:‬‬
‫إذا شابه الفرع أصلني خمتلفني وحصل تردد أبيهما يلحق فهو قياس الشبه‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬إذا قتل العبد مثالً فهل يلحق ابحلر فتكون فيه الدية‪ ،‬أو ابملتاع فتكون فيه القيمة؟‬
‫فمن جهة أنه إنسان مكلف شابه احلر‪ ،‬وِف احلر الدية‪ ،‬ومن جهة أنه يباع ويوهب ويورث شابه‬
‫املتاع وِف املتاع القيمة فقد مجع بني شبهني خمتلفني‪ ،‬شبه احلر فيوجب الدية‪ ،‬وشبه املتاع فيوجب‬
‫القيمة‪ ،‬وهلذا مسي قياس الشبه‪ ،‬مث وجدانه ألصق أبحدمها ِف احلكم الشرعي حيث إنه يباع‬
‫ويوهب ويورث بل وتضمن أجزاؤه ابلقيمة فهذه كلها رجحت شبهه ابملال فلحق به ِف الضمان‪.‬‬

‫تقسيم العلة ابعتبار جماري االجتهاد فيها‪:‬‬


‫تنقسم العلة هبذا االعتبار إىل ثالثة أقسام‪ :‬حتقيق العلة‪ ،‬وتنقيحها‪ ،‬وخترجيها‪.‬‬
‫إال أن عادة األصوليني جرت إبضافة هذه املصادر الثالثة إىل أحد ألقاب العلة وهو املناط‪ ،‬واملناط‬
‫مشتق من النوط وهي تعليق الشيء بشيء آخر فلذا أطلق الفقهاء املناط على متعلق احلكم وهو‬
‫العلة اجلامعة بني األصل والفرع‪.‬‬

‫‪567‬‬
‫األول‪ :‬حتقيق املناط‪:‬‬
‫وهو البحث عن وجود العلة ىف الفرع واالجتهاد ىف حتقيقها فيه بعد النص عليها أو االتفاق عليها‬
‫ِف ذاهتا وهو قسمان‪:‬‬
‫‪ 4‬أن تكون القاعدة الكلية منصوصا أو متف ًقا عليها وإمنا يبحث اجملتهد عن حتقيقها ِف آحاد‬
‫َّع ِم ﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصور وتطبيقها على اجلزئيات‪ ،‬فالقاعدة مثل قوله تعاىل‪ ﴿ :‬فَ َجَزاء مثْلُ َما قَتَ َل م َن الن َ‬
‫[املائدة‪.]25:‬‬
‫واجلزئي‪ :‬الذي حققت فيه إجياب بقرة على من هو صاد وهو حمرم ً‬
‫محارا وحشيا للمماثلة بينهما‬
‫ِف نظر اجملتهد‪ ،‬وهذا النوع متفق عليه وليس من القياس ِف شيء‪.‬‬
‫‪ 9‬البحث عن وجود العلة ِف الفرع بعد االتفاق عليها ِف ذاهتا كالعلم أبن السرقة هي مناط القطع‬
‫فيحقق اجملتهد وجودها ِف النبَّاش ألخذه الكفن من حرز مثله خفية‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬تنقيح املناط‪:‬‬


‫التنقيح ِف اللغة‪ ،‬التهذيب والتصفية؛ فتنقيح املناط هتذيب العلة وتصفيتها إبلغاء ما ال يصلح‬
‫للتعديل واعتبار الصاحل له‪.‬‬
‫مثال ذل ‪ :‬قصة األعرايب الذي جاء إىل النيب ملسو هيلع هللا ىلص يضرب صدره وينتف شعره وهو يقول‪ :‬هلكت‬
‫وأهلكت واقعت أهلي ِف هنار رمضان‪ ،‬فقال له النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬أعتق رقبة‪)4(»...‬احلديث‪.‬فكونه‬
‫أعرابيا‪ ،‬وكون املوطوءة زوجته‪ ،‬وكونه جاء يضرب صدره وينتف شعره مثالً كلها أوصاف ال تصلح‬
‫للتعليل فتلغى‪.‬‬
‫فلو وطئ حضري سريته ِف هنار رمضان وجاء بتؤدة وطمأنينة يسأل عما جيب عليه ألجيب‬
‫بوجوب الكفارة‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬ختريج املناط‪:‬‬


‫وهو أن ينص الشارع على حكم دون علته فيستخرج اجملتهد علته ابجتهاده ونظره ِف حمل احلكم‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬الرب نُص على حكمه وهو حترمي الراب دون العلة‪ ،‬فرأى اجملتهد بعد البحث أهنا الكيل‬
‫مثالً فقاس عليه األرز وحنوه‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )5٧٧1‬‬

‫‪568‬‬
‫مسال العلة‪:‬‬
‫مسال العلة هي طرقها الدالة عليها وهي كثرية نذكر منها ثالثة‪:‬‬
‫املسل األول‪ :‬النص الصريح على العلة وهو ما يدل على التعليل بلفظ موضوع له ِف لغة‬
‫ك َكتَ ب نَا علَى ب ِين ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يل ﴾ [املائدة‬ ‫َج ِل َذل َ ْ َ َ ْ‬
‫إسَرائ َ‬ ‫العرب مثل‪«:‬من أجل»كما ِف قوله تعاىل‪ ﴿:‬م ْن أ ْ‬
‫‪ ،]49:‬اآلية ومثل‪«:‬إمنا جعل االستئذان من أجل البصر»‪ ،‬ومثل «الباء» كما ِف قوله تعاىل‪﴿:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ك‬ ‫َّاه ْم ﴾[املائدة‪ ،]44:‬ومثل «الالم» كما ِف قوله تعاىل‪َ ﴿:‬وَك َذل َ‬ ‫فَبِ َما نَ ْقض ِهم ميثَاقَ ُه ْم لَ َعن ُ‬
‫ت ا ْجلِ َّن‬ ‫َج َع ْلنَا ُك ْم أ َُّمةً َو َسطًا لِتَ ُكونُوا ُش َه َد ََاءَ ََ َعلَى الن ِ‬
‫َّاس ﴾[البقرة‪،]414:‬وقوله‪َ ﴿ :‬وَما َخلَ ْق ُ‬
‫ون ﴾ [الذارايت‪ ،]51:‬ومثل «كي» كما ِف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬كي ال ي ُكو َن ُدولَةً‬ ‫واإلنس إالَّ لِيعب ُد ِ‬
‫ُْ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫ني األَ ْغنِياء ﴾ [احلشر‪.]1:‬‬ ‫بَ َ‬
‫املسل الثاين‪ :‬النص املومئ إىل العلة‪ ،‬ويسمى اإلمياء والتنبيه‪ ،‬وضابطه أن يقرتن احلكم بوصف‬
‫على وجه لو مل يكن علة لكان الكالم معيبًا عند العقالء وهو أقسام منها‪:‬‬
‫متقدما كما ِف قوله‬ ‫ً‬ ‫‪ 4‬تعليق احلكم على العلة ابلفاء‪ :‬أبن تدخل الفاء على العلة ويكون احلكم‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص ِف املح ِرم الذي وقصته انقته‪« :‬وكفنوه ِف ثوبيه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا»(‪.)4‬‬
‫ُ‬
‫السا ِرقَةُ فَاقْطَعُوا‬
‫السا ِر ُق َو َّ‬
‫أو تدخل الفاء على احلكم وتكون العلة متقدمة كما ِف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫اعتَ ِزلُوا النِ َساءَ ِِف الْ َم ِح ِ‬ ‫ك َع ِن الْ َم ِح ِ‬ ‫ِ‬
‫يض ﴾‬ ‫يض قُ ْل ُه َو أَ ًذى فَ ْ‬ ‫يسأَلُونَ َ‬
‫أَيد ُيه َما ﴾ [املائدة‪َ ﴿،]4٧:‬و ْ‬
‫[البقرة‪ ،]999:‬ويلتحق هبذا القسم ما رتبه الراوي ابلفاء كقوله‪« :‬سها النيب ملسو هيلع هللا ىلص فسجد»(‪،)9‬‬
‫و«زان ماعز فرجم»(‪.)4‬‬
‫اَّللَ ْجي َعل لَّهُ‬
‫‪ 9‬ترتيب احلكم على الوصف بصيغة الشرط واجلزاء‪ ،‬مثل قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وَمن يت َِّق َّ‬
‫اَّللِ فَ ُه َو َح ْسبُهُ ﴾ [الطالق‪.]4:‬‬ ‫خمََْر ًجا ﴾ [الطالق‪َ ﴿ ،]9:‬وَمن يتَ َوَّك ْل َعلَى َّ‬
‫‪ 4‬أن حيكم الشارع حبكم عقب حادثة سئل عنها كقوله ملسو هيلع هللا ىلص لألعرايب‪« :‬أعتق رقبة»(‪ )1‬جو ًااب‬
‫لسؤاله عن مواقعة أهله ِف هنار رمضان وهو صائم‪ ،‬فإنه دليل على كون الوقاع علة لوجوب‬
‫الكفارة‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )4915‬‬
‫(‪ )9‬مسند أمحد (‪ )145٧‬وحكم شعيب األرنؤوط إسناده صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد (‪ )1٧12‬وحكم شعيب األرنؤوط صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )1‬سبق خرجيه ‪.‬‬

‫‪569‬‬
‫‪ 1‬أن يذكر مع احلكم شيئًا ولو يقدر التعليل به ملا كان لذكره فائدة وهو قسمان‪:‬‬
‫‪ 4‬أن يستنطق السائل عن الواقعة أبمر ظاهر الوجود مث يذكر احلكم عقبه كقوله ملسو هيلع هللا ىلص ملا سئل عن‬
‫بيع الرطب ابلتمر‪« :‬أينقص الرطب إذا يبس؟» قالوا‪ :‬نعم قال‪«:‬فال إ ًذا»(‪ )4‬فلو مل يكن نقصان‬
‫لغوا‪.‬‬
‫الرطب ابليبس علة للمنع لكان االستكشاف عنه ً‬
‫‪ 9‬أن يعدل ِف اجلواب إىل نظري حمل السؤال كما روي أنه ملسو هيلع هللا ىلص ملا سألته اخلثعمية عن احلج عن‬
‫الوالدين‪« :‬أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيتيه أكان ينفعه؟» قالت‪ :‬نعم قال‪« :‬فدين هللا‬
‫أحق أن يقضى»(‪ )9‬فيفهم منه التعليل بكونه دينًا‪.‬‬
‫املسل الثالث‪ :‬اإلمجاع على العلة‪ ،‬فإنه مىت وجد االتفاق من جمتهدي األمة على العلة صح‬
‫التعليل هبا‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬الصغر فقد أمجع على أنه عالمة لثبوت الوالية على املال فيقاس عليه‬
‫الوالية على النكاح‪.‬‬

‫ترتيب األدلة‪:‬‬
‫وترجيح بعضها على بعض‬
‫ترتيب األدلة‪:‬‬
‫األدلة‪ :‬مجع دليل واملراد به هنا‪ :‬ما تثبت به األحكام الشرعية من الكتاب والسنة واإلمجاع‬
‫والقياس وقول الصحايب واالستصحاب‪.‬‬
‫والرتتيب ِف اللغة‪ :‬جعل واحد من شيئني أو أكثر ِف رتبته اليت يستحقها‪ ،‬ومعلوم أن األدلة‬
‫الشرعية متفاوتة ِف القوة فيحتاج إىل معرفة األقوى ليقدم على غريه عند التعارض‪.‬‬

‫ودرجات األدلة الشرعية على الرتيب اآليت‪:‬‬


‫‪ 4‬اإلمجاع‪ :‬ألنه قطعي معصوم من اخلطأ وال يتطرق إليه نسخ‪ ،‬واملراد به اإلمجاع القطعي وهو‬
‫النطق املنقول ابلتواتر أواملشاهد خبالف غريه‪.‬‬
‫‪ 9‬النص القطعي‪ :‬وهو نوعان‪:‬‬
‫أ الكتاب‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن ابن ماجة (‪ )9911‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )9‬سبق خترجيه ‪.‬‬

‫‪571‬‬
‫ب السنة املتواترة‪ ،‬وهي ِف قوة الكتاب ألهنا تفيد العلم القطعي‪.‬‬
‫‪ 4‬خرب اآلحاد‪ :‬ويقدم منها الصحيح لذاته‪ ،‬فالصحيح لغريه‪ ،‬فاحلسن لذاته‪ ،‬فاحلسن لغريه‪.‬‬
‫‪ 1‬القياس‪ :‬وعند أمحد يقدم قول الصحايب على القياس ِف إحدى الروايتني عنه‪.‬‬
‫فإن مل يكن دليل من هذه األدلة استُصحب األصل وهو براءة الذمة من التكاليف فإذا تعارض‬
‫أحد هذه األدلة مع اآلخر قدم األقوى منها‪.‬‬

‫تنبيه‪:‬‬
‫خمصصا له؛ ألن كل قطعي يفيد‬‫ً‬ ‫انسخا لآلخر أو‬
‫ال يقع تعارض بني قطعيني إال إذا كان أحدمها ً‬
‫العلم والعمل‪ ،‬فإذا تعارضا تناقضا والشريعة ال تتناقض‪.‬‬
‫خمصصا له‬
‫ً‬ ‫وال بني قطعي وظين‪ ،‬ألن الظين ال يقاوم القطعي بل يقدم القطعي عليه‪ ،‬ما مل يكن‬
‫فيكون من ابب ختصيص العام كما تقدم؛ فال يرتك الظين لوجود القطعي حينئذ‪.‬‬
‫َّم ﴾ [املائدة‪ ]4:‬فهذا نص قطعي الثبوت عام‬ ‫مثال ذلك قوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬ح ِرَم ْ‬
‫ت َعلَي ُك ُم الْ َميتَةُ َوالد ُ‬
‫الداللة ِف كل ميتة وكل دم مع حديث‪« :‬أحلت لنا ميتتان ودمان‪ ،‬أما امليتتان فاجلراد واحلوت‪،‬‬
‫وأما الدمان فالكبد والطحال»(‪.)4‬‬
‫وحديث ميتة البحر وهو قوله ملسو هيلع هللا ىلص ِف البحر‪« :‬هو الطهور ماؤه احلل ميتته»(‪.)9‬‬
‫فخصص عموم الكتاب وهو قطعي خبرب اآلحاد وهو ظين‪ ،‬ومل يقدم القطعي على الظين‪.‬‬
‫فإذا عرف أنه ال يقع تعارض بني قطعيني وال بني قطعي وظين مل يبق إال الظنيان‪ ،‬فإذا تعارض‬
‫ظنيان فال خيلو أمرمها من إحدى حالتني‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬إمكان اجلمع بينهما‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬عدم إمكانه‪.‬‬
‫ففي حالة إمكان اجلمع‪ :‬جيمع بينهما‪ ،‬سواء علم اترخيهما أو مل يعلم‪.‬‬
‫مثال ذلك حديث اغتسال الرسول ملسو هيلع هللا ىلص بفضل ميمونة وقوله هلا بعد أن أخربته أهنا كانت جنبًا‪:‬‬
‫«إن املاء ال جينب»(‪ )4‬مع حديث هنيه ملسو هيلع هللا ىلص أن تغتسل املرأة بفضل الرجل والرجل بفضل املرأة‪،‬‬
‫فجمع بينهما حبمل النهي على الكراهة والفعل على اإلابحة ويؤيد هذا اجلمع حديث بئر بضاعة‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سبق خترجيه‪.‬‬
‫(‪ )9‬سنن ابن ماجة (‪ )4٧1‬وحكم األلباين صحيح‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن أيب داود (‪ )1٧‬وحكم األلباين صحيح‪.‬‬

‫‪571‬‬
‫أن‪« :‬املاء طهور ال ينجسه شيء إال ما غلب على رحيه وطعمه ولونه»(‪.)4‬‬
‫فإذا مل ميكن اجلمع فله حالتان‪:‬‬
‫انسخا للمتقدم‪.‬‬
‫‪ 4‬معرفة التاريخ‪ :‬ويكون املتأخر ً‬
‫مثاله حديث طلق بن علي هنع هللا يضر أنه قدم املدينة وكان مسجد رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص من عريش‪ ،‬فسمع‬
‫أعرابيا يسأل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص عن الرجل ميسك ذكره بعد أن يتوضأ‪ ،‬أعليه وضوء؟ فقال له رسول‬
‫هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬وهل هو إال بضعة منك؟»(‪.)9‬‬
‫مع حديث بسرة بنت صفوان وأيب هريرة رضي هللا عنهما أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬من مس ذكره‬
‫فليتوضأ»(‪ )4‬فقد تعارض هذان احلديثان ومل ميكن اجلمع‪ .‬وقد علم تقدم حديث طلق وأتخر‬
‫حديث بسرة وأيب هريرة؛ ألن حديث طلق حني كان مسجد رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص من عريش أي ِف أول‬
‫قدوم رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص املدينة‪ ،‬مع أن إسالم أيب هريرة حصل ِف السنة السابعة من اهلجرة فحكم‬
‫بعض العلماء على األول ابلنسخ‪.‬‬
‫‪ 9‬فإن مل يعرف التاريخ‪ :‬فالرتجيح بطلب أمر خارج عنهما يرجح به أحدمها على اآلخر‪.‬‬
‫ومثاله األحاديث الدالة على التغليس بصالة الصبح مع األحاديث الدالة على اإلسفار هبا فإنه مل‬
‫ميكن اجلمع بينهما ومل يعلم التاريخ فرجح جانب التغليس ملوافقته لعموم قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َسا ِرعُوا‬
‫َإىل َم ْغ ِفَرةٍ ِمن َّربِ ُك ْم ﴾ [آل عمران‪.]444:‬‬
‫وكذلك حديث ابن عباس رضي هللا عنهما ِف زواج الرسول ملسو هيلع هللا ىلص مبيمونة وهو حمرم مع حديث أيب‬
‫رافع أنه تزوجها وهو حالل قال‪ :‬وكنت السفري بينهما‪ ،‬فالقصة واحدة وال تفاوت ِف الزمن‬
‫وحم ِرم ِف وقت‬ ‫ابلنسبة إىل احلديثني فال ميكن ادعاء النسخ ِف أحدمها وال ميكن اجلمع بني حالل ُ‬
‫واحد فانتقل إىل الرتجيح فرجح حديث أيب رافع على حديث ابن عباس ألمور منها‪:‬‬
‫سفريا بني رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وميمونة فيكون أعلم حبقيقة الواقع من ابن عباس إذ هو املباشر‬‫‪ 4‬كونه ً‬
‫للقصة‪.‬‬
‫‪ 9‬جاء عن ميمونة نفسها وهي صاحبة القصة أن الزواج كان ورسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص حالل غري ُحم ِرم‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن الدارقطين (‪. )12‬‬
‫(‪ )9‬صحيح ابن حبان (‪ )449٧‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن أيب داود (‪ )4٧4‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬

‫‪572‬‬
‫الـرجـي ــح‪:‬‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫هو تقوية أحد الطرفني املتعارضني فيقوم بسببه على غريه‪.‬‬

‫طرق الرجيح‪:‬‬
‫والرتجيح إما أن يكون عن طريق السند أو عن طريق املنت أو ألمر خارج عنهما‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الرجيح عن طريق السند‪:‬‬


‫سندا على األنزل منه‪.‬‬
‫‪ 4‬يقدم األكثر رواة على األقل واألعلى ً‬
‫‪ 9‬تقدم رواية األضبط األحفظ على رواية الضابط احلافظ‪.‬‬
‫‪ 4‬يقدم املسند على املرسل‪.‬‬
‫‪ 1‬تقدم رواية صاحب القصة واملباشر هلا على األجنيب عنها‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك‪ :‬تقدمي حديث ميمونة وأيب رافع على حديث ابن عباس كما تقدم قريبًا ألن‬
‫ميمونة هي صاحبة القصة وأبو رافع هو السفري بني رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وميمونة‪.‬‬
‫وكذلك تقدمي حديث عائشة وأم سلمة رضي هللا عنهما ِف صحة صوم من أدركه الفجر وهو‬
‫جنب على حديث أيب هريرة خبالف حديثهما‪ ،‬ألن عائشة وأم سلمة أدرى من أيب هريرة ِف ذلك‬
‫ألن غسل اجلنابة وما يشاكله من أمور البيت اليت يشهد أهنا وغريها يغيب عنها‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬الرجيح عن طريق املنت‪:‬‬
‫كأن يقدم النص على الظاهر‪ ،‬والظاهر على املؤول‪ ،‬واملؤول بقرينة صحيحة على ما ليست له‬
‫قرينة أو له ولكنها ابطلة‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬الرجيح ألمر خارج عنهما‪:‬‬
‫‪ 4‬يقدم ما تشهد له نصوص أخرى على ما مل تشهد له‪ ،‬كأحاديث التغليس ِف الصبح كما تقدم‪.‬‬
‫‪ 9‬ويقدم اخلرب الناقل عن حكم األصل واملوجب للعبادة مثالً على الناِف هلا؛ ألن الناِف جاء على‬
‫مقتضى العقل واآلخر متأخر فكان كالناسخ‪ ،‬مثل حديث بسرة وأيب هريرة ِف نقض الوضوء مبس‬
‫الذكر فيقدم على حديث طلق بن علي لكونه جاء على مقتضى األصل‪.‬‬
‫‪ 4‬تقدم رواية اإلثبات على رواية النفي ألن املثبت معه زايدة خفيت على الناِف‪.‬‬
‫‪ 1‬يقدم املقتضي للحظر على املبيح لكونه أحوط ‪.‬‬

‫‪573‬‬
‫االجتهاد والتقليد‪:‬‬
‫أوال‪ :‬االجتهاد‪:‬‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫االجتهاد يف اللغة‪ :‬بذل اجملهود واستفراغ الوسع ِف فعل من األفعال وال يستعمل إال فيما فيه‬
‫مشقة يقال‪ :‬اجتهد ِف محل الصخرة وال يقال ِف محل العصا أو النواة مثالً‪ ،‬واجلهد ابلفتح‬
‫ين ال ِجي ُدو َن إالَّ ُج ْه َد ُه ْم ﴾‬ ‫َّ ِ‬
‫املشقة والطاقة و ابلضم الطاقة فقط ومنه قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬والذ َ‬
‫[التوبة‪.]12:‬‬
‫ويف االصطالح‪ :‬بذل الوسع ِف النظر ِف األدلة للحصول على القطع أو الظن حبكم شرعي‪.‬‬

‫حكمه واألصل فيه‪:‬‬


‫ان ِِف ا ْحلر ِ‬
‫ث إ ْذ‬ ‫حكم االجتهاد فرض كفاية‪ ،‬واألصل فيه قوله تعاىل‪ ﴿ :‬وداود وسلَيما َن إ ْذ حي ُكم ِ‬
‫َْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ََ َُ َ ُ َ‬
‫يما َن َوُكالًّ آتَينَا ُح ْك ًما َو ِعلْ ًما ﴾‬ ‫ِ ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫نَ َف َش ِ ِ‬
‫اها ُسلَ َ‬
‫ين (‪ )1٧‬فَ َف َّه ْمنَ َ‬
‫ت فيه َغنَ ُم الْ َق ْوم َوُكنَّا حلُ ْكمه ْم َشاهد َ‬
‫ْ‬
‫[األنبياء‪.]12،1٧:‬‬
‫وقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إذا اجتهد احلاكم فأصاب فله أجران»(‪ ،)4‬وقوله ملسو هيلع هللا ىلص ملعاذ‪« :‬احلمد هلل الذي وفق‬
‫رسول رسول هللا ملا يرضي رسول هللا»(‪ )9‬حني قال للنيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬إنه جيتهد حيث ال كتاب وال سنة‪.‬‬
‫ابب االجتهاد مفتوح دائما‪:‬‬
‫ال جيوز خلو الزمان من جمتهد قائم هلل حبجته يبني للناس ما أنزل إليهم؛ خالفًا ملن قال إبغالق‬
‫ابب االجتهاد‪ ،‬ويدل للقول احلق قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ال تزال طائفة من أميت ظاهرين على احلق حىت تقوم‬
‫الساعة»(‪ )4‬فإنه ملسو هيلع هللا ىلص أخرب ِف هذا احلديث ابستمرار وجود القائمني ابحلق إىل انتهاء الدنيا‪.‬‬
‫شروط اجملتهد‪:‬‬
‫‪ 4‬أن يكون عاملا بوجود الرب وما جيب له سبحانه من صفات الكمال وما ميتنع عليه من صفات‬
‫ً‬
‫النقص والعيب وأن يكون مصدقًا ابلرسول ملسو هيلع هللا ىلص وما جاء به الشرع ليكون فيما يسنده من األقوال‬
‫واألحكام حمق ًقا‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬املنتقى البن اجلارود (‪ )221‬وحكم األلباين صحيح‪ .‬أنظر إرواء الغليل (‪. )952٧‬‬
‫(‪ )9‬سنن أيب داود (‪ )4529‬وحكم األلباين ضعيف ‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪. )429٧( - 41٧‬‬

‫‪574‬‬
‫‪ 9‬أن يكون عاملا بنصوص الكتاب والسنة اليت هلا تعلق مبا جيتهد فيه من األحكام وإن مل يكن‬
‫ً‬
‫حافظًا هلا‪.‬‬
‫‪ 4‬أن يكون عاملا مبسائل اإلمجاع واخلالف لئال يعمل ويفيت خبالف ما وقع اإلمجاع عليه‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ 1‬أن يكون عاملا ابلناسخ واملنسوخ لئال يعمل ويفيت ابملنسوخ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ 5‬أن يكون عارفًا مبا يصلح لالحتجاج به من األحاديث وما ال يصلح‪.‬‬
‫‪ 1‬أن يكون عاملا ابلقدر الالزم لفهم الكالم من اللغة والنحو‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ 1‬أن يكون على علم أبصول الفقه ألن هذا الفن هو الدعامة اليت يعتمد عليها االجتهاد‪.‬‬

‫أقسام اجملتهدين ومنزلة كل قسم‪:‬‬

‫واجملتهدون على أقسام‪:‬‬


‫‪ 4‬اجملتهد املطلق‪ :‬وهو الذي توفرت فيه شروط االجتهاد املتقدمة فيتمسك ابلدليل حيث كان‪،‬‬
‫فهذا القسم من اجملتهدين هم الذين يسوغ هلم اإلفتاء‪ ،‬ويسوغ استفتاؤهم ويتأدى هبم فرض‬
‫االجتهاد وهم الذين قال فيهم علي هنع هللا يضر‪ :‬لن ختلو من قائم هلل حبجته‪.‬‬
‫‪ 9‬جمتهد املذهب‪ :‬وهو العامل املتبحر مبذهب من ائتم به املتمكن من ختريج ما مل ينص عليه إمامه‬
‫نصا أمكنه االجتهاد فيها على‬‫على منصوص‪ ،‬فإذا نزلت به مثالً انزلة ومل يعرف إلمامه فيها ًّ‬
‫مقتضى املذهب وخترجيها على أصوله‪.‬‬
‫‪ 4‬جمتهد الفتوى والرتجيح‪ :‬وهو أقل درجة من سابقه ألنه قصر اجتهاده على ما صح عن إمامه‬
‫ومل يتمكن من ختريج غري املنصوص‪ ،‬وإذا كان إلمامه ِف مسألة قوالن فأكثر اجتهد ِف ترجيح‬
‫أحدمها‪ ،‬ففتاوى القسم األول كما قال ابن القيم رمحه هللا من جنس توقيعات امللوك‪ ،‬وفتاوى‬
‫القسم الثاين من جنس توقيعات نواهبم‪ ،‬وفتاوى القسم الثالث من جنس توقيعات نواب نواهبم‪.‬‬

‫املصيب واحد من اجملتهدين‪:‬‬


‫احلق ِف قول واحد من اجملتهدين املختلفني ومن عداه خمطئ لكن املخطئ ِف الفروع اليت ليس فيها‬
‫دليل قطعي معذور غري آمث بل له أجر على اجتهاده‪ ،‬وهذا هو القول احلق خالفًا ملن قال‪ :‬إن‬
‫كل جمتهد مصيب‪.‬‬

‫‪575‬‬
‫وفصل النزاع ِف هذه املسألة ما ثبت ِف احلديث املتفق على صحته من أن احلاكم إذا اجتهد‬
‫فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر‪ ،‬فإن احلديث صريح ِف أن احلق واحد وأن بعض‬
‫اجملتهدين يوافقه فيقال له‪ :‬مصيب مأجور أجرين على اجتهاده وإصابته‪ ،‬وبعض اجملتهدين خيالفه‬
‫فيقال له‪ :‬خمطئ مأجور مرة واحدة على اجتهاده‪ ،‬واستحقاقه األجر ال يستلزم كونه مصيبًا فإن‬
‫وقسما خمطئًا‪ ،‬ولو كان كل منهم مصيبًا كما ذهب‬
‫قسما مصيبًا ً‬
‫النيب ملسو هيلع هللا ىلص جعل اجملتهدين قسمني‪ً :‬‬
‫إليه من ذهب مل يكن هلذا التقسيم معىن‪.‬‬

‫جتزؤ االجتهاد‪:‬‬
‫مقلدا ِف‬
‫جمتهدا ِف نوع من العلم‪ً ،‬‬‫االجتهاد يقبل التجزؤ واالنقسام على الصحيح‪ ،‬فيكون الرجل ً‬
‫غريه كمن استفرغ وسعه ِف علم الفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة‪ ،‬دون غريه من‬
‫العلوم فيجوز له أن يفيت ِف النوع الذي اجتهد فيه؛ ألنه قد عرف احلق بدليله وقد بذل جهده ِف‬
‫معرفة الصواب‪ ،‬فحكمه ِف ذلك حكم اجملتهد املطلق ِف سائر األنواع‪ ،‬وال جيوز له اإلفتاء‪ ،‬فيما مل‬
‫جيتهد فيه فإن القاصر ِف فن كالعامي فيه‪.‬‬

‫اجتهاد النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪:‬‬


‫االجتهاد من النيب ملسو هيلع هللا ىلص جائز وواقع ومن أمثلة وقوعه‪ :‬إذنه ملسو هيلع هللا ىلص للمتخلفني عن غزوة تبوك قبل أن‬
‫يتبني صادقهم من كاذهبم‪ ،‬وأسره ألسارى بدر وأخذ الفداء منهم‪ ،‬وأمره برتك أتبري النخل‪ ،‬وقوله‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬لو استقبلت من أمري ما استدبرت ملا سقت اهلدي»(‪ ،)4‬وإرادته ملسو هيلع هللا ىلص النزول دون ماء بدر‬
‫حىت قال له احلباب بن املنذر هنع هللا يضر‪« :‬إن كان هذا بوحي فنعم‪ ،‬وإن كان الرأي واملكيدة فأنزل‬
‫ابلناس على املاء لتحول بينه وبني العدو» فقال ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إمنا هو رأي رأيته»‪ ،‬فرجع إىل قول احلباب‬
‫هنع هللا يضر‪.‬‬

‫االجتهاد يف زمن النبوة‪:‬‬


‫منع قوم االجتهاد ِف عصر النبوة مطل ًقا وأجازه قوم مطل ًقا والراجح التفريق بني من كان غائبًا عنه‬
‫حاضرا فال جيوز له إال إبذنه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ملسو هيلع هللا ىلص فيجوز له ومن كان‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن أيب داود (‪ )41٧1‬وحكم األلباين صحيح‬

‫‪576‬‬
‫ومن أدلة ذلك‪ :‬قصة معاذ هنع هللا يضر وتصويب النيب ملسو هيلع هللا ىلص له‪ ،‬وتفويضه ملسو هيلع هللا ىلص احلكم ِف بين قريظة إىل سعد‬
‫بن معاذ هنع هللا يضر ملا نزلوا على حكمه فحكم بقتل املقاتلة وسيب الذراري‪ ،‬فصوبه النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪.‬‬
‫متيمما ومل يغتسل من اجلنابة لشدة الربد‬ ‫وتقريره ملسو هيلع هللا ىلص لعمرو بن العاص هنع هللا يضر ملا صلى أبصحابه ً‬
‫استنادا إىل عموم قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وال تَ ْقتُلُوا أَن ُف َس ُك ْم ﴾ [النساء‪.]92:‬‬
‫ً‬
‫ومن ذلك أكل الصحابة مهنع هللا يضر وهم حمرمون من محار الوحش الذي صاده أبو قتادة هنع هللا يضر فإن أكلهم‬
‫منه ابجتهاد منهم‪ .‬ومنه حتول أهل قباء ِف صالهتم إىل الكعبة إىل غري ذلك من األدلة‪.‬‬

‫***‬
‫اثنيا‪ :‬التقليد‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫التقليد يف اللغة‪ :‬وضع الشيء ِف العنق مع اإلحاطة به‪ ،‬وذلك الشيء يسمى قالدة واجلمع‬
‫قالئد وقد يستعمل ِف تفويض األمر إىل الشخص كأن األمر حممول ِف عنقه كالقالدة‪.‬‬
‫ويف االصطالح‪ :‬هو قبول قول من ليس قوله حجة من غري معرفة دليله‪.‬‬
‫فخرج ابلقيد األول‪ :‬قبول قول النيب ملسو هيلع هللا ىلص واألخذ ابإلمجاع فإن ذلك حجة بنفسه‪.‬‬
‫وخرج ابلقيد الثاين‪ :‬قبول قول من ليس حجة إذا بني الدليل وأظهره فإن األخذ ابلدليل الذي‬
‫تقليدا‪.‬‬
‫اتباعا ال ً‬
‫أخرب به ال بقوله ويسمى ذلك ً‬
‫من يسوغ له التقليد ومن ال يسوغ له‪:‬‬
‫ال جيوز التقليد جملتهد أداه اجتهاده إىل الظن حبكم‪ ،‬أو مل جيتهد ابلفعل لكنه متمكن من االجتهاد‬
‫وجيوز للعامي وملن مل يبلغ درجة االجتهاد ِف علم أو ِف ابب من العلم ألن القاصر ِف فن كالعامي‬
‫فيه‪.‬‬

‫املفيت واملستفيت‪:‬‬
‫املفيت‪ :‬اسم فاعل من اإلفتاء قيل ِف القاموس‪ :‬إفتاء ِف األمر أبنه له والفتيا والفتوى وتفتح ما أفىت‬
‫به الفقيه‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫واملفيت يطلق على املخرب ابحلق على غري جهة اإللزام به‪.‬‬
‫ويطلق عند األصوليني على اجملتهد وهو‪ :‬الباذل وسعه ِف النظر ِف األدلة ليحصل على العلم أو‬
‫الظن حبكم شرعي‪.‬‬

‫‪577‬‬
‫واملستفيت‪:‬‬
‫اسم فاعل من االستفتاء وهو لغة‪ :‬طالب الفتوى‪.‬‬
‫وِف االصطالح هو‪ :‬من طلب احلكم الشرعي من اجملتهد‪ ،‬فيدخل فيه العامي واملتعلم الذي مل يبلغ‬
‫درجة االجتهاد‪.‬‬

‫من ورد اإلفتاء مسندا رليه يف الكتاب والسنة‪:‬‬


‫اَّللُ ي ْفتِي ُك ْم ﴾‬
‫مسندا إىل الرب كما ِف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬قُ ِل َّ‬ ‫ورد اإلفتاء ِف الكتاب العزيز ً‬
‫اب ﴾ [النساء‪ ]491:‬أي‬ ‫[النساء‪ ]491:‬وإىل القرآن كما ِف قوله‪ ﴿ :‬وما ْيت لَى َعلَي ُكم ِِف الْ ِكتَ ِ‬
‫ْ‬ ‫ََ‬
‫مسندا إىل الناس كما ِف قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬واإلمث ما حاك ِف النفس‬ ‫يفتيكم‪ .‬وورد ِف السنة املطهرة ً‬
‫وتردد ِف الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك»(‪.)4‬‬
‫من يستفيت املقلد‪:‬‬
‫املستفيت يستفيت من غلب على ظنه أنه أهل للفتوى‪ ،‬مبا يراه من انتصابه للفتيا واحرتام الناس له‬
‫وأخذهم عنه‪ ،‬أو خبرب عدل عنه‪.‬‬

‫رذا تعدد املفتون فأيهم يستفيت املقلد؟‬


‫إذا كان ِف البلد جمتهدون فللمقلد استفتاء من شاء منهم‪ ،‬وال يلزمه مراجعة األعلم‪ ،‬وقيل‪ :‬بل‬
‫يلزمه سؤال األفضل‪ ،‬واستدل لألول أبن املفضول من الصحابة والتابعني كان يفيت مع وجود‬
‫إمجاعا على جواز استفتائه مع القدرة على‬
‫الفاضل ومع اشتهار ذلك وتكرره ومل ينكر أحد فكان ً‬
‫استفتاء الفاضل‪ ،‬واستدل للثاين أبن األفضل أهدى إىل أسرار الشريعة من غريه‪.‬‬

‫آداب املفيت واملستفيت‪:‬‬


‫لكل من املفيت واملستفيت آداب فمن آداب املفيت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬من آداب املفيت‪:‬‬
‫‪ 4‬أن يكون ذا نية حسنة فإمنا األعمال ابلنيات‪ ،‬ومن فقد النية احلسنة مل يكن عليه نور وال على‬
‫كالمه نور‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد (‪ )4٧٧٧1‬وحكم شعيب األرنؤوط إسناده ضعيف ‪.‬‬

‫‪578‬‬
‫‪ 9‬أن يكون ذا حلم ووقار وسكينة فإن ذلك هو كسوة العلم ومجاله‪ ،‬فإذا افتقدها املفيت كان علمه‬
‫كالبدن العاري من اللباس‪.‬‬
‫‪ 4‬أن يستعف عما ِف أيدي الناس‪ ،‬فإنه إن أكل منهم شيئًا أكلوا من حلمه ودمه أضعافه‪.‬‬
‫‪ 1‬أن يكون على جانب كبري من معرفة الناس فإنه إذا عدم ذلك تصور له الظامل بصورة املظلوم‬
‫وعكسه وراج عليه املكر واخلداع واالحتيال فكان ما يفسده أكثر مما يصلحه‪.‬‬
‫‪ 5‬أن يتوجه إىل هللا تعاىل ويتضرع إليه ويكثر من الدعاء واالستغفار ليلهمه الصواب ويفتح له‬
‫طريق السداد‪.‬‬
‫‪ 1‬أن يتحرز ما أمكنه التحرز من نسبة احلكم إىل هللا تعاىل وإىل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص إال بنص يستند‬
‫عليه ِف ذلك‪.‬‬
‫‪ 1‬أن يستشري ِف فتواه من يثق بعلمه ودينه فإن عمر هنع هللا يضر كان إذا نزلت به النازلة استشار من‬
‫حضره من الصحابة ورمبا مجعهم فشاورهم‪.‬‬
‫‪ ٧‬أن يعمل بعلمه فإن العمل هو مثرة العلم وبدون العمل يكون علم اإلنسان حجة عليه‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬من آداب املستفيت‪:‬‬


‫‪ 4‬أن يتخلق ابألخالق الفاضلة مطل ًقا وابألخص مع املفيت فال يفعل معه ما جرت عادة العوام‬
‫به‪ ،‬كإمياء بيده ِف وجهه وال يقول له ما ال ينبغي كأن يقول‪ :‬أفتاين غريك بكذا‪ ،‬وال يسأله ِف‬
‫حالة ضجر أو هم أو غضب وحنو ذلك‪.‬‬
‫‪ 9‬أن ال يسأل عما ال يعين وال يكثر من األسئلة إىل حد يسأم فيه املفيت وميل‪.‬‬
‫هذا آخر ما يسر هللا ذكره ِف هذه املذكرة‪.‬‬
‫وآخرا‬
‫واحلمد هلل أوالً ً‬

‫وصلى هللا وسلم وابرك على نبينا دمحم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم إبحسان إىل يوم الدين ‪.‬‬

‫‪579‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫بيان لفضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب‬
‫عما حصل من لبس يف شروط اإلفتاء‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني ‪ ..‬أما بعد‬
‫فإن هللا سبحانه وتعاىل عندما بعث نبيه دمحما ملسو هيلع هللا ىلص هبذا الدين القومي يبني فيه ما حيتاج إليه اخللق مما‬
‫اضحا ال لبس فيه وال خفاء‪ ،‬ومل يَ ِكل فهم شرعه إىل آراء‬ ‫بياان و ً‬‫فيه صالحهم ِف دنياهم وأخراهم ً‬
‫نقصاان‪،‬‬
‫ً‬ ‫البشر وأهوائهم بل توىل تفاصيل شرعه بنفسه وأكمل دينه لعباده حبيث ال يقبل زايدة وال‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬اليوم أكملت لكم دينكم وأمتمت عليكم نعميت ورضيت لكم اإلسالم دينا ﴾(سورة‬
‫املائدة آية‪ ، )4:‬وقال عليه الصالة والسالم‪« :‬تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها ال يزيغ عنها‬
‫بعدي إال هالك»(‪ .)4‬وقال أبو ذر هنع هللا يضر‪ :‬ما توِف رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وطائر يقلب جناحيه ِف اهلواء‬
‫علما(‪ ،)9‬وقال عليه الصالة والسالم‪«:‬من أحدث ِف أمران هذا ما ليس منه فهو‬ ‫إال وذكر لنا منه ً‬
‫رد»(‪ ،)4‬فحفظ عنه صحابته مهنع هللا يضر تعاليم هذا الدين وبلغوه إىل من بعدهم من العلماء الرابنيني‬
‫وأئمة السلف املخلصني‪.‬‬
‫وإن من األمور املهمة اليت جاء هبا هذا الشرع الشريف مسألة املفيت واملستفيت‪ ،‬قال تعاىل‬
‫‪ ﴿:‬فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ال تعلمون ﴾(سورة األنبياء آية‪ ،)1:‬وإن الفتيا مقامها عظيم لذا‬
‫عين أئمة السلف وعلمائهم من أصوليني وفقهاء بشأن الفتيا‪ ،‬حيث وضعوا هلا القواعد وبينوا‬
‫الشروط اليت يلزم حتققها ِف املفيت واملستفيت‪ ،‬قال النووي رمحه هللا تعاىل ِف كتابه آداب الفتوى‪:‬‬
‫قال العلماء‪ :‬فإن املفيت موقع عن هللا‪ ،‬وقاله ابن القيم رمحه هللا ِف كتابه أعالم املوقعني‪.‬‬
‫واملفيت هو املبلغ عن هللا تعاىل والواسطة بني هللا وخلقه ِف بيان احلالل واحلرام ملن استفتاه‪ ،‬ومقامه‬
‫خصوصا فيما يتعلق ابلصدع ابحلق وبيان احلالل واحلرام ِف املسائل اليت حتتاجها اإلمة‬ ‫ً‬ ‫عظيم‪،‬‬
‫ويكثر فيها االلتباس واخلفاء‪ ،‬أو تكثر فيها األهواء والباطل‪ ،‬وسأذكر مناذج لبعض الكتب اليت عين‬
‫أصحاهبا ِف حبث هذه املسألة من ذلك‪:‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن ابن ماجة (‪ )14‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )9‬الطرباين ِف الكبري رقم (‪ )4111‬وحكم األلباين إسناد صحيح ‪ .‬أنظر السلسلة الصحيحة (‪. )4٧٧4‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪. )414٧‬‬

‫‪581‬‬
‫ما ذكره اجلويين مثالً ِف كتابيه الربهان ِف أصول الفقه وكتابه الورقات ِف أصول الفقه‪ ،‬وما ذكره‬
‫اإلمام املظفر السمعاين ِف كتابه قواطع وأدلة ِف األصول‪ ،‬وابن القيم ِف أعالم املوقعني‪ ،‬واملسودة‬
‫ِف أصول الفقه‪ ،‬والشوكاين ِف إرشاد الفحول‪ ،‬وكتاب القواعد الفقهية ِف أصول الفقه للحنفية‪،‬‬
‫وكتاب الفقيه واملتفقه للخطيب البغدادي وابن حزم ِف كتابيه ِف أصول الفقه اإلحكام ِف أصول‬
‫األحكام والنبذة الكافية والتمهيد أليب اخلطايب احلنبلي‪ ،‬وامللهم ِف أصول الفقه للشريازي‪،‬‬
‫واإلحكام ِف أصول األحكام لآلمدي‪ ،‬وروضة الناظر البن قدامة‪.‬‬
‫وكل هؤالء العلماء وغريهم حينما يذكرون صفات املفيت يف ابب االجتهاد يشرطون يف املفيت‬
‫الشروط اآلتية‪:‬‬
‫‪ -4‬اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -9‬التكليف‪.‬‬
‫‪ -4‬العدالة‪.‬‬
‫‪ -1‬األمانة‪.‬‬
‫‪ -5‬العلم ابلكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪ -1‬الفقه‪.‬‬
‫‪ -1‬معرفة الناس‪.‬‬

‫وكذل الكتب املتخصصة يف جمال الفتوى‪ :‬أمثال‪:‬‬


‫‪ -4‬كتاب آداب الفتوى واملفيت للنووي‪.‬‬
‫‪ -9‬وكتاب صفة الفتوى واملفيت البن محدان احلنبلي‪.‬‬
‫‪ -4‬وكتاب أدب املفيت واملستفيت البن الصالح‪.‬‬
‫كلها مشتملة على الشروط اليت ذكرت ِف الكتب السابقة‪ ،‬ومل يذكر واحد من هؤالء العلماء‬
‫اشرتاط إذن ويل األمر للمفيت أو اشرتاط اجلماعة ِف الفتوى‪.‬‬
‫وِف اجلملة فإن هذه املسألة ‪-‬أعين مسألة املفيت واملستفيت‪ -‬قد فصلت تفصيالً ال حيتاج إىل زايدة‬
‫ووضعت هلا القواعد والضوابط من قبل األصوليني والفقهاء‪ ،‬وأي كتاب من كتب الفقه أو أصول‬
‫الفقه إذا طالعت فيه ابب االجتهاد وحكم اجملتهدين تبني لك بوضوح ما يشرتط لصحة الفتيا‪،‬‬
‫ولكن الباعث يل على كتابة هذه األسطر ما أحدثه بعض القائمني على الربامج الدينية كربانمج‬
‫اسألوا أهل الذكر وبرانمج الدين واحلياة ِف إذاعة هابطة ‪ hbt‬تعين الربامج الغنائية واإلعالانت‬

‫‪581‬‬
‫التجارية املشتملة على الدعاية للراب وامليسر ِف الغالب واملسلسالت الرديئة وغريها مما يتناىف مع‬
‫تعاليم اإلسالم‪.‬‬
‫وإن كثريين ممن تبوءوا أو بوئوا منرب هذه اإلذاعة أحدثوا للفتيا شرطني مل يسبقهم إليها أحد من‬
‫أهل العلم وحكموا أبن كل فتيا ال تشتمل على هذين الشرطني تعترب غري انفذة وغري شرعية‬
‫الشرطان مها‪:‬‬
‫‪ -4‬أن يكون املفيت خموالً من ويل األمر‪.‬‬
‫‪ -9‬أال تكون الفتيا فردية‪ ،‬بل ال بد أن تصدر عن مجاعة‪.‬‬
‫واملتأمل لكتاب هللا وسنة نبيه ملسو هيلع هللا ىلص وأقوال العلماء ال جيد هذين الشرطني وال أدري من أين جاءوا‬
‫هبما‪ ،‬ولو اعتربان هذين الشرطني لبطلت فتاوى من سبق من علماء األمة كفتاوى شيخ اإلسالم‬
‫جملدا مل تكن فيها فتوى واحدة خوله فيها ويل األمر أو‬
‫ابن تيمية رمحه هللا اليت بلغت ستة وثالثني ً‬
‫شاركه ِف إصدارها مجع‪ ،‬وكذلك ِف العصر احلديث الدرر السنية لعلماء أئمة الدعوة واليت تبلغ‬
‫جملدا كلها فتاوى فردية صادرة من علماء جند بدون ختويل من ويل األمر‪.‬‬ ‫ستة عشر ً‬
‫ومن بني احملدثني هلذين الشرطني بعض املنتسبني للعلم عندما سئل عن فتاوى صادرة من أحد‬
‫كبار العلماء ِف هذه البالد أجاب بعدم صحة هذه الفتاوى ونفوذها‪ ،‬ألن صاحبها مل خيوله ويل‬
‫األمر ابإلفتاء وألهنا أحادية غري مجاعية‪ ،‬وألن صاحبه مل يستشر أمثال هذا املنتسب للعلم‪.‬‬
‫وختاما‪...‬‬
‫نريد من هذا وأمثاله أن يتحفوان بذكر نص من كتاب هللا أو سنة نبيه ملسو هيلع هللا ىلص على أن الفتيا ال تكون‬
‫انفذة وصحيحة إال إبذن ويل األمر وأن تكون مجاعية غري أحادية‪.‬‬
‫مشرعا وإمنا هو منفذ لشرع هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬نعم ويل األمر‬ ‫مث ينبغي أن يُعلم أن ويل األمر ليس ً‬
‫يطاع ِف املعروف كما أمر به عليه الصالة والسالم‪ ،‬أما إذا أمر مبعصية أو هنى عن طاعة واجبة فال‬
‫مسع له وال طاعة‪.‬‬
‫هذا ونسأل هللا أن يوفق هؤالء املنتسبني للعلم إىل اإلخالص ِف القول والعمل إنه جواد كرمي‪،‬‬
‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أماله فضيلة الشيخ‬
‫أ‪ .‬محود بن عقالء الشعي يب‬
‫‪ 4199 /4٧ /4‬ه‬

‫‪582‬‬
‫(‪)4‬‬ ‫اإلمامة العظمى‬
‫مقدمة‬
‫ابَّلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪،‬‬
‫إن احلمد ََّّلل حنمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ َّ‬
‫اَّلل وحده ال شريك له‬
‫اَّلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال َّ‬ ‫من يهده َّ‬
‫اَّلل عليه‬
‫حممدا عبده ورسوله‪ ،‬أرسله رمحة للعاملني‪ ،‬وهاداي إىل سواء السبيل‪ ،‬صلى َّ‬ ‫وأشهد أن ً‬
‫اَّلل كل غال ورخيص‪ ،‬ونذروا أنفسهم حلماية‬ ‫وعلى آله وأصحابه الذين بذلوا ِف سبيل إعالء كلمة َّ‬
‫اَّلل عنهم ‪.‬‬ ‫دولة اإلسالم اليت أنشأها دمحم ملسو هيلع هللا ىلص فأصبحوا بذلك َّ‬
‫حكام العامل وقادة الدنيا رضي َّ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فهذا حبث يشتمل على بيان مجلة من مسائل اإلمامة العظمى وصالحيات اإلمام ومسئولياته‪ ،‬كما‬
‫أيضا بيان بعض القواعد اهلامة واألسس اليت يقوم عليها احلكم وتتطلبها سياسة امللك‪،‬‬ ‫يتضمن ً‬
‫وهذا البحث يتكون من عشرة فصول وخامتة‪:‬‬

‫الفصل األول‬
‫يف احلالة السياسية يف اجلزيرة العربية قبل اإلسالم‬
‫وفيه ستة مباحث‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬تقسيم سكان اجلزيرة إىل بدو وحضر‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬الواقع السياسي للقبائل البدوية‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬الواقع السياسي جملتمعات احلضر ِف مكة على وجه اخلصوص‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬مناصب قريش ِف مكة قبل اإلسالم‪.‬‬
‫نظاما سياسيا قبل اإلسالم‪.‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬مكة املكرمة مل تعرف ً‬
‫املبحث السادس‪ :‬ممالك اجلزيرة العربية قبل اإلسالم‪.‬‬
‫الفصل الثاين‬
‫يف نشأة الدولة اإلسالمية‬
‫_______________________________________‬
‫(‪ )4‬لقد اعتمدت ِف تصحيح الكتاب على نسختني ‪ ،‬األوىل من جملة كلية أصول الدين ‪ -‬جامعة اإلمام‪ -‬الرايض ‪-‬‬
‫العدد ‪( 4‬ص ‪ -915‬ص‪ )4٧2‬عام (‪ 41٧٧ - 41٧4‬ه ) والثانيه من املوقع الرمسي للشيخ محود بن عقالء الشعييب‬
‫رمحه هللا تعاىل وأضفت كل الزايدات املوجودة ِف كال النسختني دون اإلشارة إليهما ‪.‬‬

‫‪583‬‬
‫وفيه مبحثان‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬ظهور الكيان السياسي اإلسالمي‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬ممارسة الدولة اإلسالمية لوظائفها‪.‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫يف اإلمامة واخلالفة‬
‫وفيه مبحثان‪:‬‬
‫اصطالحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫املبحث األول‪ :‬تعريف اإلمامة واخلالفة لغة و‬
‫املبحث الثاين‪ِ :‬ف الفرق بينهما وبني امللك‪.‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫يف حكم نصب اإلمام األعظم‬
‫وفيه مبحثان‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬وجوب نصب اإلمام‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ِ :‬ف خالف املعتزلة مع اجلمهور ِف حقيقة املقتضي لوجوب نصب اإلمام‪.‬‬
‫الفصل اخلامس‬
‫يف عقد اإلمامة‬
‫وفيه ثالثة مباحث‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬صفة العقد‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬طرق تولية اإلمام وفيها ستة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬طريقة االختيار‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬طريقة العهد‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬طريقة القهر والغلبة‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬ترجيح طريقة االختيار‪.‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬إمامة أيب بكر الصديق‪.‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬العهد إىل األبناء‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬رأي الشيعة ِف اإلمامة‪.‬‬
‫الفصل السادس‬
‫يف أهل احلل والعقد‬

‫‪584‬‬
‫وفيه ثالثة مباحث‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الصفات املعتربة ِف أهل احلل والعقد‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬الشروط املعتربة ِف اإلمام وفيه ستة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬اإلسالم‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الذكورية‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬العدالة‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬العلم‪.‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬الكفاءة‪.‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬النسب القرشي‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬فقدان الشروط عند العقد وبعده‪.‬‬
‫الفصل السابع‬
‫فـي الـبـيـع ــة‬
‫وفيه مبحثان‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬صفة البيعة ومعناها‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬تعدد البيعة ألكثر من إمام وفيه ستة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬رأي اجلمهور مع أدلته‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬رأي املاوردي‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬رأي ابن حزم‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬رأي أيب بكر الباقالين‪.‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬رأي أيب املعايل اجلويين‪.‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬مناقشة آراء الكرامية ِف هذه املسألة‪.‬‬
‫الفصل الثامن‬
‫واجبات اإلمام وحقوقه‬
‫وفيه مبحثان‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬واجبات اإلمام‪،‬وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مسئولية احلاكم أمام هللا‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬مسئولية احلاكم أمام األمة‪.‬‬

‫‪585‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬حقوق اإلمام‪.‬‬
‫الفصل التاسع‬
‫تـولـيـات اإلمــام‬
‫وفيه سبعة مباحث‪:‬‬
‫املبحث األول‪ِ :‬ف تعريف الوزارة‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬تقسيم الوزارة‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬وزارة التفويض‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬تقليد الوزارة‪.‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬وزارة التنفيذ‪.‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬املقارنة بني وزاريت التفويض والتنفيذ‪.‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬وحدة الوزارة‪.‬‬
‫الفصل العاشر‬
‫القيم السياسية يف نظام الدول اإلسالمية‬
‫وفيه أربعة مباحث‪:‬‬
‫املبحث األول‪ِ :‬ف الشورى وفيه مخسة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف الشورى‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أدلة حجية الشورى ِف القرآن الكرمي‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الشورى ِف السنة النبوية‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬نطاق الشورى‪.‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬مدى إلزام الشورى‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ِ :‬ف العدل وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬حترمي الظلم‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬العدل بني النظرة اإلسالمية والنظرة الغربية املعاصرة‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬االلتزام ابلعدل غري قاصر على احلكام‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬احلرية‪ ،‬وفيها أربعة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬حرية الرأي والفكر‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬سرية الرسل تؤكد حرية الرأي‪.‬‬

‫‪586‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬القرآن والسنة يقرران حرية الرأي‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬العلماء املسلمون وحرية الرأي السياسي‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ِ :‬ف املساواة‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬املساواة ِف اإلسالم‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬املساواة ِف احلقوق واملسئوليات‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬املساواة ِف املثول أمام القضاء‪.‬‬
‫خامتة البحث‬
‫يف عزل اإلمام‬

‫اَّلل العقالء الشعي يب‬


‫محود بن عبد َّ‬
‫األستاذ املشارك‬
‫قسم العقيدة جامعة اإلمام دمحم بن سعود اإلسالمية‬
‫حتر ًيرا ِف ‪ 91‬ربيع الثاين ‪41٧4‬ه‬
‫املوافق ‪ 9٧‬فرباير ‪42٧4‬م‬

‫‪587‬‬
‫الفصل األول يف احلالة السياسية ىف اجلزيرة العربية قبل اإلسالم‬
‫املبحث األول تقسيم سكان اجلزيرة رىل بدو وحضر‪:‬‬
‫ملا كان موضوع حبثنا‪« :‬اإلمامة الشرعية وصالحيات اإلمام أي‪ :‬رئيس الدولة » كان البد من‬
‫بيان احلالة السياسية لسكان اجلزيرة العربية قبل اإلسالم‪.‬‬
‫ومن املعروف أن سكان اجلزيرة العربية كانوا وال يزالون منقسمني إىل قسمني كبريين‪:‬‬
‫البدو واحلضر‪:‬‬
‫البدو سكان الصحراء واحلضر سكان املدن‪ ،‬وعماد حياة البدو الرعي وما اتصل به‪ ،‬بينما يعمل‬
‫احلضر ِف التجارة أو الزراعة أو أنواع الصناعة‪ ،‬ويرتبط هذا التقسيم على حد كبري ابلطبيعة‬
‫اجلغرافية للبالد اليت سكنها العرب‪ ،‬ومبا هلذه الطبيعة من أثر ِف احلياة الفردية واجلماعية للسكان‬
‫القاطنني فيها‪.‬‬
‫دائما بينهم وبني قسوة البيئة اليت وجدوا فيها نتيجة اضطرارهم‬ ‫اعا ً‬ ‫وقد كان البدو يعيشون صر ً‬
‫الدائم إىل التنقل سعيا وراء األمطار وخصوبة األرض طلبًا لعيشهم ومرعى أغنامهم‪ ،‬وقد كان من‬
‫نتائج هذا األسلوب ِف حياة البدو أن تتجمع أفرادهم ِف وحدات قامت على أساس صلة الدم‬
‫والنسب‪ ،‬ومسيت هذه الوحدات أبمساء خمتلفة يدل كل منها ِف الغالب على حجم الوحدة اليت‬
‫شيوعا‪ :‬العشرية‪ ،‬والرهط‪ ،‬والقوم‪ ،‬والقبيلة‪ ،‬واحلي‪.‬‬
‫يطلق عليها‪ ،‬وقد كان من أكثر هذه األمساء ً‬
‫وقد كان هذا االرتباط بني املنحدرين من أصل واحد ارتباطًا عضواي غريزاي دفع إليه األفراد كأثر‬
‫من آاثر غريزة احملافظة على النوع‪ ،‬ولذلك متيز هذا االرتباط مبيزتني‪:‬‬
‫أوالمها‪ :‬أن كل إنسان غري من ت ٍم إىل هذا األصل املشرتك ألفراد العشرية أو الرهط كان يعترب ًّ‬
‫عدوا‬
‫هلم‪.‬‬
‫واثنيتهما‪ :‬أن اجلماعة رغم متاسكها الواضح مل تفقد األفراد شعورهم بذواهتم وابستقالهلم الفردي‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬فإن مثل هذه اجملتمعات ترتكز إىل دواعي احلاجة الغريزية أو الفطرة دون أن تعي‬
‫ضرورات احلياة االجتماعية أي‪ :‬دون أن يكون مبناها «الفكرة»‪.‬‬
‫***‬
‫املبحث الثاين الواقع السياسي للقبائل البدوية‪:‬‬
‫ِف ظل هذا اجملتمع املستند إىل غريزة البقاء‪ ،‬كان من الطبيعي أالَّ يشكل انضواء األفراد حتت لواء‬
‫تبعا لذلك أية صورة للسلطة السياسية داخل هذه اجملتمعات‪.‬‬ ‫جمتمعا سياسيا‪ ،‬وأن تغيب ً‬‫اجلماعة ً‬

‫‪588‬‬
‫أساسا بوجود سلطة عُليا ِف اجلماعة خيضع هلا سائر األفراد وما قد يوجد‬ ‫فاجملتمع السياسي يتميز ً‬
‫خضوعا كامالً ت فرضه ابلقوة إذا اقتضت الظروف ذلك ومل يكن ملثل هذه السلطة‬ ‫ً‬ ‫من تنظيمات‬
‫مجيعا يتساوون ِف احلقوق‬‫وجود ِف جتمعات البدو أو وحداهتم اليت ينتمون إليها‪ ،‬بل كان األفراد ً‬
‫والواجبات مساواة جعلت من رئيس القبيلة أو شيخها أو من سيد احلي جمرد شخص ذي سلطة‬
‫معنوية هدفها احلفاظ على الوحدة بني أبناء قبيلته أو عشريته‪.‬‬
‫نوعا من‬
‫وقد ذهب بعض الباحثني ِف اتريخ العرب قبل اإلسالم إىل أن القبيلة العربية عرفت ً‬
‫التنظيم السياسي متثل ِف حق رئيس القبيلة ِف إعالن احلرب على األعداء‪ ،‬وِف منح اجلوار ملن‬
‫يطلبه‪ ،‬وِف تقرير طرد املخالفني لنظام القبيلة أو اخلارجني على تقاليدها‪.‬‬
‫بل لقد قيل‪ :‬إن رئيس القبيلة كان مبثابة ملك يدير مملكة رعاايها هم األفراد املنتمون إىل القبيلة‬
‫والذين يعتقدون ابحندارهم من أصل أو نسب مشرتك‪ ،‬والواقع أنه إذا كان هذا الرأي يستجيب إىل‬
‫مسلمة من مسلمات العلوم السياسية املعاصرة مؤداها‪ :‬أن جوهر السياسة كان ِف اإلنسان ذاته‬
‫اضحا مع‬
‫تعارضا و ً‬
‫ً‬ ‫حبيث يعترب اإلنسان كائنًا سياسيا بطبعه‪ ،‬فإنه أي‪ :‬هذا الرأي يتعارض‬
‫لمة أخرى من مسلمات العلوم السياسية مؤداها‪ :‬أنه لكي يعترب جمتمع ما جمتمعاً سياسيا فإنه‬ ‫مس ٍ‬
‫َُ‬
‫البد من توفر عناصر أساسية معينة أمهها عنصران‪:‬‬
‫‪ 4‬التقيد اإلقليمي‪ :‬أي ارتباط اجلماعة إبقليم معني ارتباطًا مفضيا إىل ظهور مفهوم الوطن مبا‬
‫يتبعه من شعور األفراد بواجب احملافظة على الوطن والدفاع عنه‪.‬‬
‫احتكارا‬
‫ً‬ ‫‪ 9‬ظهور السلطة السياسية‪ :‬اليت حتتكم القوة الفعلية والشرعية (القانونية) ِف هذا اجملتمع‬
‫ميكنها من إقرار السالم والعمل على استمرار التقدم ِف اجملتمع الذي تقوم فيه ‪.‬‬
‫وهذان العنصران ال ميكن االدعاء بتوافرمها ِف التجمعات البدوية ِف جزيرة العرب قبل اإلسالم‪.‬‬
‫***‬
‫املبحث الثالث الواقع السياسي جملتمعات احلضر يف مكة على وجه اخلصوص‪:‬‬
‫إذا كان هذا هو جممل احلالة السياسية ِف اجملتمعات البدوية ِف جزيرة العرب قبل اإلسالم فكيف‬
‫كانت احلالة السياسية ِف جمتمعات احلضر؟‬
‫الواقع أن حال احلضر خاصة ِف احلجاز حيث ظهر اإلسالم‪ ،‬وحيث انتشر مل يكن أفضل من‬
‫حال البدو من وجهة النظر السياسية‪ ،‬فرغم سكىن أهل احلجاز ِف مدن كبرية نسبيا كمكة‬
‫والطائف واملدينة يثرب كما عرفت آنئذ فإن العالقات الفردية واالجتماعية كانت حتكمها ِف‬
‫الغالب ذات القواعد اليت حتكم العالقات املماثلة لدى البدو‪ ،‬ومل تظهر ِف هذه املدن أو أي منها‬

‫‪589‬‬
‫سلطة سياسية ابملعىن املعروف هلذه الكلمة إىل أن ظهر اإلسالم ونشأت دولته ِف املدينة‪ ،‬وقد ال‬
‫حيتاج هذا القول إىل أكثر من تقريره فيما يتعلق ابلطائف ويثرب‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق مبكة فلعلنا حباجة إىل التفصيل إلثبات صحة ما ذهبنا إليه‪ .‬والسر ِف ذلك‪ :‬هو أن‬
‫مكة حبكم جتمع القبائل ِف قريش فيها‪ ،‬وجوار بعضها لبعض‪ ،‬وحبكم اتصاهلا ابلعامل اخلارجي عن‬
‫طريق الرحالت التجارية اليت كان ينظمها جتارها مرتني ِف كل عام‪ ،‬وكذلك بسبب وجود الكعبة‬
‫نوعا من التنظيم الذي عهد‬ ‫فيها ووفود احلجيج إليها ِف كل عام‪ ،‬حبكم ذلك كله عرفت مكة ً‬
‫مبقتضاه لبعض قبائل قريش أو بطوهنا ببعض املناصب على النحو التايل‪:‬‬
‫***‬
‫املبحث الرابع مناصب قريش قبل اإلسالم‪:‬‬
‫السدانة واحلجابة‪:‬‬
‫السادن‪ :‬خادم الكعبة وبيت األصنام‪ ،‬وسدنة الكعبة‪ :‬هم حجاهبا الذين يقومون على خدمتها‬
‫ويتولون أمرها ويفتحون أبواهبا ويغلقوهنا‪ ،‬وقد كانت السدانة واحلجابة ِف مكة لبين عبد الدار بن‬
‫قصي بن كالب‪.‬‬
‫السقاية والعمارة‪:‬‬
‫والسقاية‪ :‬هي تقدمي املاء وبعض أنواع الشراب «وعلى األخص‪ :‬الزبيب املنبوذ ابملاء» للحجيج‪،‬‬
‫اَّلل صلى هللا‬
‫وقد كان أمر السقاية ِف اجلاهلية وِف اإلسالم إىل العباس بن عبد املطلب عم رسول َّ‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫يشا كانت جتمع بني سقاية املاء وسقاية الشراب للحجاج ِف اجلاهلية‪ ،‬أما‬ ‫والثابت ِف التاريخ أن قر ً‬
‫سقاية املاء‪ :‬فلندرته وحاجة الناس إليه‪ ،‬وأما الشراب‪ :‬فإكر ًاما لضيوف البيت احلرام‪.‬‬
‫أما العمارة‪ :‬فلها ِف اللغة معان عديدة‪ ،‬وقد ورد ِف معناها ِف حق البيت احلرام‪ :‬أهنا منع الناس‬
‫أن يتكلموا ِف املسجد احلرام هبجر أو رفث‪ ،‬أو أن يرفعوا أصواهتم‪ ،‬وقد كانت العمارة مع السقاية‬
‫للعباس بن عبد املطلب‪.‬‬
‫ِّ‬
‫الرفادة‪:‬‬
‫طعاما‬
‫الرفادة‪ :‬مال كانت خترجه قريش ِف كل عام‪ ،‬فتدفعه إىل قصي بن كالب ليصنع به ً‬
‫للحجيج فيأكل منه من ليس له سعة وال زاد معه‪ ،‬وكان يستمر طيلة أايم مىن حىت إذا انقضت‬
‫أايم احلج انقطع طعام الرفادة وقفل الناس إىل بالدهم وقد كان أول من صنع الرفادة‪ :‬قصي بن‬
‫اَّلل وأهل بيته وأهل احلرم وإن احلجاج‬
‫كالب حني قال لقومه‪ :‬اي معشر قريش! إنكم جريان َّ‬

‫‪591‬‬
‫طعاما وشر ًااب حىت يصدروا‬‫اَّلل وأهله وزوار بيته وهم أحق الناس ابلكرامة‪ ،‬فاجعلوا هلم ً‬ ‫ضيوف َّ‬
‫عنكم‪.‬‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص كانت الرفادة لبين عبد مناف‪.‬‬
‫وحني بُعث رسول َّ‬
‫هذه هي أهم املناصب اليت ثبت ِف اتريخ العرب قبل اإلسالم وجودها لدى أهل مكة‪ ،‬وواضح‬
‫مجيعا مناصب دينية جتلب لصاحبها ذيوع الصيت‪ ،‬وحسن السمعة‪ ،‬والفخر‬ ‫من استعراضها أهنا ً‬
‫مجيعا تقدس البيت احلرام وحتج إليه‪.‬‬‫بني قبائل العرب اليت كانت ً‬
‫حىت إن القبائل ِف قريش تنازعت على تقسيم هذه املناصب وتوزيعها بينها قبل اإلسالم‪ ،‬وكاد‬
‫األمر أن يفضي إىل احلرب بني القبائل املتنازعة‪.‬‬
‫أما أن تُعترب هذه املناصب دليالً على وجود تنظيم سياسي أو تعترب ِف ذاهتا مناصب تضفي على‬
‫بعيدا عن الصواب‪.‬‬
‫صاحبها سلطة سياسية كما ذهب بعض الباحثني‪ ،‬فذلك ما يبدو ً‬
‫وإن كل ما ميكن لنا قوله‪ :‬أنه كان ِف مكة دون غريها من مواطن القبائل العربية نوع من التقاليد‬
‫اليت حيرتمها أهلها ِف الغالب وحيرتمها سائر الناس‪ ،‬وأن هذه التقاليد كانت مرتبطة ارتباطًا وثي ًقا‬
‫بوجود الكعبة ِف مكة وحبج الناس إليها ِف كل عام‪ ،‬وال ميكن أن ترقى هذه التقاليد إىل تشكيل‬
‫نظام سياسي ِف مكة ِف تلك الفرتة من اترخيها أو أن يعترب من ُولوا هذه املناصب أو بعضها‬
‫أصحاب السلطة السياسية ِف مكة‪.‬‬

‫***‬
‫املبحث اخلامس مكة املكرمة مل تعرف نظاما سياسيا قبل اإلسالم‪:‬‬
‫إن الواقع الذي يؤيده استقراء احلوادث التارخيية اليت بني أيدينا عن تلك الفرتة من التاريخ هو أن‬
‫كثريا عنها ِف مواطن بقية القبائل العربية األخرى‪ ،‬فلم يكن‬
‫احلالة السياسية ِف مكة مل تكن ختتلف ً‬
‫هناك نظام سياسي‪.‬‬
‫ومل تعرف تلك القبائل سلطة سياسية على أي صورة من صور السلطة السياسية‪،‬وقد حاول بعض‬
‫نوعا من التنظيم السياسي قبل اإلسالم مستدالً على ذلك‬ ‫الباحثني أن يثبت أن أهل مكة عرفوا ً‬
‫أبن بعض أهله قد عقدوا حل ًفا امسه «حلف الفضول» تعاقدوا فيه على أن ينصفوا املظلومني من‬
‫الظاملني وأن ينصروا املستضعفني على الباغني‪.‬‬
‫وحنن نرى أن عقد حلف الفضول ِف حد ذاته يعترب دليالً كافيا على غياب أي سلطة سياسية عن‬
‫اجملتمع املكي قبل اإلسالم‪ ،‬إذ لو وجدت هذه السلطة ملا كان مكان لعقد مثل هذا احللف الذي‬

‫‪591‬‬
‫ضم مخسة فقط من قبائل قريش دون سائر القبائل‪ ،‬ولو وجدت سلطة سياسية لكان من أول‬
‫مهامها الوقوف ِف وجه أبرهة األشرم وملا هربت مكة إىل أعايل جباهلا‪ ،‬وأخذ عبد املطلب يفاوض‬
‫أبرهة ِف رد إبله‪.‬‬
‫ويدل كذلك على عدم وجود سلطة سياسية خيضع هلا اجلميع ِف مكة قصة تنازع القبائل عند‬
‫إعادة بناء الكعبة حول إعادة وضع احلجر األسود ِف مكانه من الكعبة‪ ،‬بل إن القصة تعترب دليالً‬
‫على أن السلطة الدينية املتعلقة ابلكعبة ذاهتا مل تكن سلطة يقبلها أو خيضع هلا اجلميع وإال النفرد‬
‫أصحاب احلجابة أو العمارة «مثالً» بتقرير حل هذا الن زاع‪ ،‬وإمنا كانت القبيلة املسيطرة عليهم‬
‫والتعصب للقبيلة هو الروح ِ‬
‫املوجه لتصرفاهتم ومواقفهم‪.‬‬
‫***‬
‫املبحث السادس ممال اجلزيرة العربية قبل اإلسالم‪:‬‬
‫قروان طويلة‪ ،‬وحفظ التاريخ‬
‫أما أطراف اجلزيرة العربية وسواحلها‪ ،‬فقد عرفت فيها ممالك عاشت ً‬
‫كثريا من حوادثها وتطورات احلكم فيها‪ ،‬وأوضح مثال لذلك مملكة سبأ اليت قص القرآن طرفًا من‬ ‫ً‬
‫اَّلل سليمان وملكة‬
‫قصتها ِف سورة النمل(‪ )9‬وفيها بني القرآن الكرمي كيف متت مراسلة بني نيب َّ‬
‫سبأ‪ ،‬انتهت بدخوهلا ِف دين سليمان وإسالمها ََّّلل رب العاملني‪.‬‬
‫بل تبني هذه اآلايت كذلك أنه كان ِف هذه اململكة نظام الشورى تلتزم به امللكة‪ ،‬فيحكي القرآن‬
‫ون ﴾ [النمل‪.]94 :‬‬ ‫ِ‬
‫اطعةً أَمرا ح َّىت تَ ْشه ُد ِ‬
‫َ‬ ‫نت قَ َ ْ ً َ‬ ‫عن قوهلا ألهل شوراها ﴿ َما ُك ُ‬
‫وكذلك كان هناك دولة «محري» بني سبأ والبحر األمحر‪ ،‬ودولة «كنده» ِف حضرموت‪ ،‬ودولة‬
‫«معني» اليت امتد نفوذها إىل مشال احلجاز(‪.)4‬‬
‫وكذلك ظهرت ِف ابدية الشام وهي جزء من اجلزيرة العربية ممالك متعددة منها‪ :‬مملكة تدمر‪ ،‬مث‬
‫مملكة الغساسنة‪ ،‬وقد حتالف ملوكها مع الدولة البيزنطية اليت كانت تعاين من غارات البدو‪ ،‬على‬
‫أن يكفي الغساسنة هذه الدولة شر الغارات العربية عليها‪ ،‬وقد عرف الغساسنة بني قبائل العرب‬
‫ابسم (روم العرب) أو «العرب املتنصرة» لدخوهلم ِف دين حلفائهم البيزنطيني وهو «النصرانية»‬
‫وكانت بينهم وبني املناذرة حروب ومناوشات‪ ،‬كما أهنم وقفوا مع الروم ضد املسلمني‪ ،‬وشاركوا ِف‬
‫قتاهلم‪ ،‬ومع فتح الشام انتهت دولتهم‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )9‬اآلايت (‪.)11 99‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬كتاب «اتريخ العرب قبل اإلسالم» الدكتور أمحد الرحيم (ص‪.)444:‬‬

‫‪592‬‬
‫غري أن هذه األنظمة امللكية وهي بال شك أنظمة ذات طابع سياسي مل يكن هلا من أثر يذكر‬
‫على عرب احلجاز حيث نشأ اإلسالم‪ ،‬فكانت حياة العرب حىت ِف مكة كما قدمنا ال تعرف‬
‫أي تنظيم سياسي ابملعىن املتعارف عليه للتنظيم السياسي إىل أن ظهر اإلسالم وأنشأ الرسول صلى‬
‫هللا عليه وسلم دولته األوىل ِف املدينة‪ ،‬ولذلك تعد هذه الدولة بداية التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ويعترب ما‬
‫ظهر خالل وجودها من أفكار وآراء املصدر األول الذي ت فرعت عنه األفكار والنظرايت السياسية‬
‫اإلسالمية (‪. )1‬‬
‫***‬

‫الفصل الثاين ىف نشأة الدولة اإلسالمية‬


‫املبحث األول ظهور الكيان اإلسالمي‪:‬‬
‫مل يتمكن النيب ملسو هيلع هللا ىلص ِف إجياد تنظيم سياسي أو تكوين دولة ِف مكة املكرمة النشغاله ابلدعوة إىل‬
‫اَّلل وتقرير أصول العقيدة الصحيحة‪ ،‬ولعدم توفر العناصر الضرورية للدولة وهي‪ :‬األرض‪،‬‬ ‫َّ‬
‫والشعب‪ ،‬والسلطة‪.‬‬
‫غري أن هذه الفرتة املكية كانت مبثابة التمهيد للفرتة املدنية من العهد النبوي‪ ،‬فقد تكونت فيها نواة‬
‫اجملتمع اإلسالمي من أولئك األفراد الذين قبلوا الدين اجلديد وآمنوا برسوله‪ ،‬وتقررت فيها قواعد‬
‫اإلسالم األساسية وخاصة ما تعلق منها ابلعقيدة مجاع اإلسالم كله فوضحت بذلك وجهة‬
‫اإلسالم وسبيله‪ ،‬وبعد أن توفرت مقومات الدولة وعناصرها األساسية توجه الشعب ابهلجرة وجتمع‬
‫املسلمون من مهاجرين وأنصار‪ ،‬ووجدت األرض اليت تقوم عليها الدولة‪ ،‬ووجدت السلطة هبجرة‬
‫اَّلل عليهم حوله‪ ،‬فتكونت بذلك الدولة‬ ‫وبتجمع أصحابه رضوان َّ‬ ‫ُّ‬ ‫النيب ملسو هيلع هللا ىلص إىل املدينة‬
‫وحينئذ مست احلاجة إىل التشريع العملي على أمت صورة‪ ،‬فاجته‬ ‫ٍ‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وأصبح هلا كيان دويل‪،‬‬
‫فشرع هلم األحكام اليت تتناول شئوهنم كلها‪ ،‬سواء منها‬ ‫الوحي إىل تنظيم الدولة داخليا وخارجيا‪َّ ،‬‬
‫ما يتعلق حبياة الفرد أو اجلماعة أو بعالقة الدولة بغريها‪.‬‬
‫وكانت الفرتة الثانية تفصيالً ملا أمجل من قواعد اإلسالم ِف الفرتة األوىل‪ ،‬ونزلت التشريعات اليت‬
‫احتاجت إليها الدولة اجلديدة ِف الشئون العامة واخلاصة على سواء‪ ،‬ونزل الوحي بعدد كبري من‬
‫القواعد العامة اليت تستنبط فيها التشريعات اجلزئية اليت مل ينص عليها مباشرة ِف القرآن أو السنة‪،‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬كتاب النظام السياسي للدولة اإلسالمية لألستاذ دمحم سليم العوا (ص‪ )92 :‬الطبعة الثالثة‪.‬‬

‫‪593‬‬
‫وما كان ذلك كله إال للنتيجة الطبيعية لنشوء الدولة اإلسالمية األوىل‪ ،‬ومتيز املسلمني كافة عن‬
‫غريهم ممن عاشوا ِف اجلزيرة العربية خالل هذه الفرتة‪ ،‬وهذا االتصال بني الفرتة املكية والفرتة املدنية‬
‫واضح؟ لكل من استقرأ مسرية الدعوة اإلسالمية وتطورها ِف عصر النبوة‪.‬‬
‫ظهور الكيان السياسي اإلسالمي‪:‬‬
‫مر بقسميه مرحلة أتسيس وبناء لكيان األمة اإلسالمية ووضع األسس‬ ‫قد كان العصر النبوي َّ‬
‫العامة اليت سوف حتكم مسرية هذه األمة على طول التاريخ‪.‬‬
‫وكان هذا هو الشأن ِف الناحية السياسية كما كان هو الشأن ِف كل النواحي األخرى اليت َعَرض‬
‫هلا اإلسالم ِف تشريعاته وتنظيماته‪ ،‬وِف نصوص الوحي وإشاراته‪.‬‬
‫ولذلك فإن النصوص اليت تتعلق ابلنظام السياسي ِف هذه الفرتة ال تتعرض للتفصيالت إال ابلقدر‬
‫الذي متليه الضرورات العملية للمجتمع املسلم ِف املدينة فحسب وتكتفي فيما عدا ذلك‪.‬‬
‫***‬
‫املبحث الثاين ممارسة الدولة اإلسالمية لوظائفها‪:‬‬
‫وبعد أن استقر أمر الدولة اإلسالمية ِف املدينة هبجرة النيب ملسو هيلع هللا ىلص وأصحابه إليها ومسارعته إىل بناء‬
‫املسجد‪ ،‬واملؤاخاة بني املهاجرين واألنصار ومعاهدته لليهود املقيمني ِف املدينة أخذت الدولة‬
‫متارس وظائفها وتباشر مهامها اليت مشلت كل نواحي النشاط السياسي املعروفة آنذاك ِف جماالهتا‬
‫املختلفة‪.‬‬
‫فأقامت العدالة عن طريق القضاء‪ ،‬ونظمت الدفاع وسياسة احلروب ِف الغزوات اليت ابشرها‬
‫الرسول ملسو هيلع هللا ىلص بنفسه أو بواسطة قواد سراايه وبعوثه‪ ،‬وبثت التعليم بني رعاايها ومن انضم إىل الدين‬
‫اجلديد خارج املدينة‪ ،‬كما حدث ِف اليمن والبحرين وغريمها‪ ،‬ونظمت موارد الدولة املالية بتنظيم‬
‫الزكاة‪ ،‬وطرق جبايتها وفق ظروف العصر‪ ،‬وعقدت املعاهدات مع اجلماعات اليت كانت حماربة هلا‬
‫أو اليت اختارت طريق السلم إزاء دعوهتا‪ ،‬وأنفذت السفارات إىل العامل اخلارجي‪ ،‬فوضعت بذلك‬
‫أساسا للعالقات الدولية حىت تكون الدولة اإلسالمية طرفًا فيها‪.‬‬ ‫ً‬
‫وعلى هذه الصورة ثبتت دعائم النظام السياسي ِف املدينة‪ ،‬ورسخت قدم الدولة الناشئة اليت‬
‫ضمت بعد عشر سنوات تقريبًا معظم أحناء اجلزيرة العربية‪ ،‬ودخل ِف عقيدهتا وانضوى حتت‬
‫مجيعا تقريبًا ‪ ،‬وقد مارست هذه الدولة اجلديدة السلطات اليت‬ ‫حكومتها سكان هذه اجلزيرة ً‬
‫متارسها أية دولة ِف العامل قدمية أو حديثة‪ ،‬وهي سلطات التشريع والقضاء والتنفيذ‪ ،‬ورغم أن هذه‬
‫التعبريات من بدع النظم الدستورية والقانونية ِف العصر احلديث‪ ،‬إال أنه من املسلم به‪ :‬أن الدولة‬

‫‪594‬‬
‫اإلسالمية منذ قيامها قد عرفت هذه السلطات الثالث‪ ،‬وأن ممارسة هذه السلطات قد نظمت‬
‫وفصلت القواعد الضابطة هلا ِف ضوء املبادئ األصولية والفقهية اليت شرحها فيما بعد الفقهاء‬
‫املسلمون‪.‬‬
‫***‬
‫الفصل الثالث يف اإلمامة واخلالفة‬
‫املبحث األول تعريف اإلمامة واخلالفة لغة واصطالحا‪:‬‬
‫إماما يتبعونه ويقتدون به‪ ،‬ومنه قوله‬ ‫اإلمامة يف اللغة‪ :‬مشتقة من‪َّ :‬أم القوم أو‪َّ :‬أم يؤم إذا صار هلم ً‬
‫ك لِلن ِ‬
‫َّاس َإم ًاما ﴾[البقرة‪.]491:‬‬ ‫تعاىل‪ِ ﴿ :‬إين ج ِ‬
‫اعلُ َ‬ ‫َ‬
‫ويطلق على القيم على الشيء املصلح له‪ ،‬والطريق الواضح‪ ،‬والكتاب‪ ،‬ودليل القوم‪.‬‬
‫ائتم به قوم كانوا على الصراط املستقيم أو كانوا ضالني»(‪)5‬‬ ‫قال ابن منظور‪« :‬اإلمام كل من َّ‬
‫وقال الزبيدي ِف «اتج العروس»‪« :‬واإلمام‪ :‬الطريق الواسع‪ ،‬وبه فُ ِسر قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وإنَّ ُه َما لَبِ َإم ٍام‬
‫ني ﴾ [احلجر‪ ]12 :‬أي‪ :‬بطريق َيؤم أي‪ :‬يقصد‪ :‬فيتميز »(‪. )1‬‬ ‫ُّمبِ ٍ‬
‫طارحا اهلوى‬ ‫اإلمامة يف االصطالح‪ :‬فهي النظر ِف مصاحل العباد مبقتضى شرع َّ‬
‫اَّلل تعاىل‪ً ،‬‬
‫واملصاحل الشخصية جانبًا‪ ،‬متحراي احلق أينما كان‪.‬‬
‫قال املاوردي‪« :‬اإلمامة موضوعة خلالفة النبوة ِف حراسة الدين وسياسة الدنيا به»(‪. )1‬‬
‫وعرفها ابن خلدون بقوله‪« :‬هي محل الكافة على مقتضى النظر الشرعي ِف مصاحلهم األخروية‬
‫والدنيوية الراجعة إليها»‪ ،‬إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إىل اعتبارها مبصاحل اآلخرة‪ ،‬فهي‬
‫ِف احلقيقة خالفة عن صاحب الشرع ِف حراسة الدين وسياسة الدنيا به»(‪. )٧‬‬
‫اخلالفة يف اللغة‪ :‬مأخوذة من خلف الرجل خيلفه إذا قام ابألمر من بعده‪.‬‬
‫اخلالفة يف االصطالح‪ :‬هو محل الكافة على مقتضى النظر الشرعي ِف مصاحلهم األُخروية‬
‫والدنيوية الراجعة إليها‪ ،‬إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إىل اعتبارها مبصاحل اآلخرة‪ ،‬فهي‬
‫ِف احلقيقة خالفة عن صاحب الشرع ِف حراسة الدين وسياسة الدنيا‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪« )5‬لسان العرب» البن منظور‪ :‬مجال الدين دمحم بن مكرم (‪ )19/94‬مادة (أمم)‪.‬‬
‫(‪« )1‬اتج العروس من جواهر القاموس» حملمد مرتضى الزبيدي (ج‪/٧‬ص‪.)424‬‬
‫(‪« )1‬األحكام السلطانية» للماوردي (ص‪.)14:‬‬
‫(‪« )٧‬املقدمة البن خلدون» (ص‪.)949:‬‬

‫‪595‬‬
‫اَّلل أعلم أنه ال فرق بني لفظي اإلمامة واخلالفة وإىل ذلك ذهب النووي‬ ‫والذي يظهر يل و َّ‬
‫اَّلل تعاىل حيث قال‪« :‬جيوز أن يقال لإلمام‪ :‬اخلليفة واإلمام وأمري املؤمنني»(‪ ،)2‬وحكاه‬ ‫رمحه َّ‬
‫ابن خلدون ِف «مقدمته» حني قال‪« :‬وإذ قد بينا حقيقة هذا املنصب وأنه نيابة عن صاحب‬
‫الشريعة ِف حفظ الدين وسياسة الدنيا به تسمى‪:‬خالفة وإمامة والقائم به‪ :‬خليفة وإمام(‪ )4٧‬وقد‬
‫كان اخللفاء األُول يلقبون ابخللفاء كما يلقبون ابألئمة‪.‬‬
‫***‬

‫املبحث الثاين يف الفرق بينهما وبني املل ‪:‬‬


‫أما امللك فينقسم إىل‪ :‬طبيعي وسياسي‪.‬‬
‫امللك الطبيعي‪ :‬هو محل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة‪.‬‬
‫وامللك السياسي‪ :‬هو محل الكافة على مقتضى النظر العقلي ِف جلب املصاحل الدنيوية ودفع‬
‫املضار(‪. )44‬‬
‫والفرق بينهما وبني امللك اثبت ِف األحاديث الصحيحة عن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص منها ما رواه أمحد ِف‬
‫اَّلل أن تكون‪ ،‬مث‬
‫اَّلل عنه أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬تكون النبوة فيكم ما شاء َّ‬
‫مسنده عن حذيفة رضي َّ‬
‫اَّلل أن تكون‪ ،‬مث‬
‫يرفعها إذا شاء أن يرفعها‪ ،‬مث تكون خالفة على منهاج النبوة‪ ،‬فتكون ما شاء َّ‬
‫اَّلل أن يكون‪ ،‬مث يرفعها إذا‬ ‫يرفعها إذا شاء أن يرفعها‪ ،‬مث تكون مل ًكا عاضًّا(‪ )49‬فيكون ما شاء َّ‬
‫اَّلل أن تكون‪ ،‬مث يرفعها إذا شاء أن يرفعها‪،‬‬ ‫شاء أن يرفعها‪ ،‬مث تكون مل ًكا جربية‪ ،‬فتكون ما شاء َّ‬
‫مث تكون خالفة على منهاج النبوة» مث سكت(‪. )44‬‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬ستكون اخلالفة‬
‫وما رواه أهل السنن عن سعيد بن مجهان عن سفينة موىل رسول َّ‬
‫عاما مث يكون امللك»(‪. )41‬‬
‫ثالثون ً‬
‫______________________________________‬
‫(‪« )2‬روضة الطالبني» للنووي (ج‪/٧4‬ص‪،)21 :‬وانظر حنو هذا الكالم ِف «مغين احملتاج» للشربيين (‪.)944/1‬‬
‫(‪« )4٧‬املقدمة البن خلدون» (ص‪.)949:‬‬
‫(‪ )44‬انظر‪« :‬مقدمة ابن خلدون» (ص ‪.)454‬‬
‫عضوضا‪.‬‬
‫ً‬ ‫(‪ )49‬وِف رواية‪:‬‬
‫(‪ )44‬رواه أمحد حديث رقم (‪ ، )4٧1٧1‬وحسنه األلباين ِف «السلسلة الصحيحة» حديث رقم (‪.)٧/4( )5‬‬
‫(‪ )41‬رواه أمحد ِف «املسند» (‪/1‬ص‪ ،)419:‬وأبو داود ِف «كتاب السنة» (‪ 124/94‬عون)‪ ،‬والرتمذي ِف‬
‫«كتاب الفنت» حديث رقم (‪ ،)9991‬واحلديث صححه األلباين ِف «السلسلة الصحيحة» برقم (‪)152‬‬
‫(‪/4‬ص‪.)٧9٧‬‬

‫‪596‬‬
‫عرف دمحم سليم العوا اخلالفة ِف كتابه «النظام السياسي للدولة اإلسالمية» أبهنا‪« :‬تنظيم‬ ‫وقد َّ‬
‫علما على نظام احلكم ِف الدول‬ ‫لرائسة الدولة» وقال‪« :‬إن لفظ اخلالفة أو اإلمامة أصبح ً‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وال يعين ِف مدلوله السياسي أو الدستوري أكثر من تنظيم رائسة الدولة اإلسالمية‬
‫تنظيما يشمل اختيار الرئيس وتقرير حقوقه وواجباته على حنو يشري إىل حماولة اتباع املثل األعلى‬ ‫ً‬
‫قائما ِف بداية نشوء الدولة اإلسالمية حني كان الرسول ملسو هيلع هللا ىلص يتوىل رائستها‪ ،‬لكن هذا‬
‫الذي كان ً‬
‫اللفظ «اخلالفة» ال يدل على نظام حكم معني حمدود التفاصيل‪ ،‬بل إنه ليس ِف الشريعة‬
‫اإلسالمية نظام حكم معني حمدد التفاصيل‪ ،‬وإمنا جاءت الشريعة اإلسالمية ِف هذا اجملال ابلقواعد‬
‫العامة فحسب‪.‬‬
‫قياما على أمرين‪:‬‬ ‫تنظيما لرائسة الدولة ً‬ ‫ويتضمن املدلول الدستوري للخالفة ابعتبارها ً‬
‫أوهلما‪ :‬أن ترشيح من يصلح لتويل اخلالفة يتم بناءً على ما تنتهي إليه شورى املسلمني‪.‬‬
‫واثنيهما‪ :‬أن تولية هذا املرشح يتم بناء على بيعة املسلمني له وعلى هذا النحو متت تولية اخللفاء‬
‫مجيعا وإن اختلفت طريقة الشورى اليت سبقت الرتشيح للخالفة من حالة إىل أخرى‬ ‫الراشدين ً‬
‫فإذا توىل شخص ما أمر املسلمني أو أصبح يشغل منصب اخلليفة فعليه أن يلتزم ِف حكمه أحكام‬
‫الشريعة اإلسالمية ويبذل جهده ِف حتقيق مصاحل الناس على هدي مبادئها‪ ،‬وللمسلمني أن يبذلوا‬
‫له النصح ويلتزموا بطاعته وهلم بل عليهم أمره ابملعروف وهنيه عن املنكر»(‪. )45‬‬
‫ويع ِرف عبد احلي الكتاين اخلالفة فيقول‪« :‬اخلالفة هي‪ :‬الرايسة العظمى والوالية العامة اجلامعة‬ ‫َ‬
‫اَّلل صلى هللا عليه‬
‫القائمة حبراسة الدين والدنيا‪ ،‬والقائم هبا يسمى اخلليفة؛ ألنه خليفة عن رسول َّ‬
‫وسلم واإلمام؛ ألن اإلمامة واخلطبة ِف عهد الرسول ملسو هيلع هللا ىلص واخللفاء الراشدين الزمة له ال يقوم هبا‬
‫غريه إال بطريق النيابة عنه»(‪. )41‬‬

‫***‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )45‬انظر‪ :‬كتاب «النظام السياسي للدولة اإلسالمية للعوا» (ص‪.)44٧ :‬‬
‫(‪« )41‬الرتاتيب اإلدارية» (‪.)9/4‬‬

‫‪597‬‬
‫الفصل الرابع يف حكم نصب اإلمام األعظم‬
‫املبحث األول وجوب نصب اإلمام‪:‬‬
‫اَّلل األرض ومن‬‫إن اجملتمع البشري ضروري الستمرار احلياة وبقاء النوع اإلنساين إىل أن يرث َّ‬
‫عليها؛ إذ الفرد وحده ال يقوى على حتصيل قوته من الطعام والشراب‪ ،‬وال ميكنه القيام مبا حيتاجه‬
‫من حرف وصناعات‪ ،‬بل البد أن حيتاج إىل غريه ِف حتصيل ما ذُكر مهما كان عليه من غىن‬
‫دائما حمتاج إىل غريه ِف حتصيل القوت‪.‬‬
‫مطاعا‪ ،‬فاإلنسان ً‬
‫وقدرة على األشياء ولو كان مل ًكا ً‬
‫مث إن هذا االجتماع إذا حصل للبشر‪ ،‬ومت عمران العامل هبم فالبد من وازع يدفع بعضهم عن‬
‫بعض‪ ،‬ملا ِف طباعهم احليوانية ِف العدوان والظلم‪ ،‬وليست آلة السالح اليت جعلت دافعة لعدوان‬
‫احليواانت العجم عنهم كافية ِف دفع العدوان عنهم؛ ألهنا موجودة جلميعهم‪ ،‬فالبد من شيء آخر‬
‫يدفع عدوان بعضهم عن بعض‪ ،‬وال يكون ِف غريهم لقصور مجيع احليواانت عن مداركهم‬
‫احدا منهم يكون له عليهم الغلبة والسلطان‪ ،‬واليد القاهرة حىت ال‬
‫وإهلاماهتم‪ ،‬فيكون ذلك الوازع و ً‬
‫يصل أحد إىل غريه بعدوان وهذا هو معىن امللك‪ ،‬وقد تبني لك هبذا أنه خاصة لإلنسان طبيعة‬
‫والبد هلم فعلها(‪. )41‬‬
‫وجوب نصب اإلمام‪ :‬البد من إقامة خليفة على املسلمني يهتم بشئون األمة‪ ،‬ويرعى مصاحلها‬
‫الدينية والدنيوية‪ ،‬ويقوم ابجلهاد‪ ،‬وينظم اجليوش‪ ،‬ويدرأ عن األمة خطر أعدائها‪ ،‬ويتوىل تنفيذ‬
‫األحكام الشرعية‪ ،‬ويعتين جبباية أموال الدولة ِف مواردها‪ ،‬وينفقها ِف مصارفها‪ ،‬إىل غري ذلك من‬
‫األمور اليت يتعني على اخلليفة القيام هبا‪ ،‬وال تتم مصاحل األمة إال هبا‪.‬‬
‫ألحد خالف سوى ما‬‫وهذا حمل إمجاع بني املسلمني أعين‪ :‬وجوب نصب اإلمام مل يعرف فيه ٍ‬
‫يروى عن األصم(‪ )4٧‬والفوطي(‪ )42‬من املعتزلة وبعض اخلوارج‪ ،‬وخالف هؤالء ال يقدح بصحة‬
‫اإلمجاع؛ ألنه قول شاذ مل ينب على دليل صحيح وال حجة اثبتة(‪.)9٧‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )41‬مقدمة ابن خلدون ‪51/4‬‬
‫(‪ )4٧‬األصم‪ :‬امسه عبد الرمحن بن كيسان‪ ،‬أحد كبار أئمة املعتزلة‪ ،‬انظر «فرق وطبقات املعتزلة» (ص‪.)51:‬‬
‫(‪ )42‬وهو هشام بن عمر الفوطي من أهل البعرة‪ ،‬إليه تنسب فرقة اهلشامية من املعتزلة‪ ،‬انظر «الفرق بني ِ‬
‫الفرق»‬
‫(ص‪.)254 :‬‬
‫(‪ )9٧‬انظر‪« :‬اجلامع ألحكام القرآن» (‪ ،)119/4‬و«فتح الباري» (‪ ،)44٧/44‬و«مراتب اإلمجاع» (ص‪،)194:‬‬
‫و«مقدمة ابن خلدون» (ص‪ ،)424:‬و«السياسة الشرعية» البن تيمية (ص‪.)414:‬‬

‫‪598‬‬
‫اَّلل تعاىل ‪« :‬اتفق مجيع أهل السنة‪ ،‬ومجيع املرجئة‪ ،‬ومجيع‬ ‫وِف هذا يقول اإلمام ابن حزم رمحه َّ‬
‫الشيعة‪ ،‬ومجيع اخلوارج على وجوب اإلمامة‪ ،‬وأن األمة واجب عليها االنقياد إلمام عادل‪ ،‬يقيم‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص حاشا النجدات من‬
‫اَّلل‪ ،‬ويسوسهم أبحكام الشريعة اليت أتى هبا رسول َّ‬ ‫فيهم أحكام َّ‬
‫اخلوارج فإهنم قالوا‪ :‬ال يلزم الناس فرض اإلمامة‪ ،‬وإمنا عليهم أن يتعاطوا احلق بينهم»(‪. )94‬‬
‫اَّلل تعاىل ‪« :‬وال خالف ِف وجوب ذلك بني األمة وال بني األئمة‪ ،‬إال ما‬ ‫وقال القرطيب رمحه َّ‬
‫روي عن األصم‪ ،‬حيث كان عن الشريعة أصم‪ ،‬وكذلك كل من قال بقوله واتبعه على رأيه‬
‫ومذهبه»(‪.)99‬‬
‫قال عبد اجلبار اهلمداين ِف املغين‪ :‬فبينَّا أن خالف األصم ومن وافقه ِف عدم وجوب نصب اإلمام‬
‫ال يقدح ِف اإلمجاع‪.‬‬
‫قال‪ :‬وبعد‪ ،‬فإنه قد ثبت ابلشرع الذي ألجله يقام اإلمام ما يقوم مبصلحة الدنيا أو الدين ِف‬
‫اجتالب النفع ودفع املضار ِف غري ختصيص يعترب‪ ،‬بل ال أحد منهم إال وله ِف ذلك حظ ما أو‬
‫قوي‪ ،‬وقد علمنا أن ما هذا حاله يلزم التوصل إليه‪ ،‬ألنه توصل إىل دفع املضار املظنونة أو‬
‫املعلومة‪.‬‬
‫وقد بينا من قبل أن األمر ابملعروف والنهي عن املنكر حيمالن على الوجوه اليت ذكرانها وما يقوم‬
‫به اإلمام إن مل يزد حاله على حاهلا مل ينقص فيجب التوصل إليه‪ ،‬وقد اعتمدوا غريمها على ما‬
‫يثبت ِف إمجاع الصحابة؛ ألهنم بعد وفاة النيب ملسو هيلع هللا ىلص فزعوا إىل إقامة إمام على وجه يقتضي أنه البد‬
‫منه‪ ،‬وما نقل من األخبار وتواتر ِف ذلك يدل على ما قلناه ِف حاهلم عند العقد أليب بكر يوم‬
‫السقيفة مث بعده لعمر ِف قصة الشورى‪.‬‬
‫وقد علمنا أن التشدد ِف ذلك على الوجوه اليت جرت منهم حاالً بعد حال ال يكون إال ِف األمر‬
‫الواجب الذي البد منه‪ ،‬ومما يبني صحة اإلمجاع ِف ذلك أن كل من خالف فيه ال يعد ِف‬
‫اإلمجاع؛ ألنه إمنا خالف ِف ذلك بعض اخلوارج‪ ،‬وقد ثبت أهنم ال يعدون ِف اإلمجاع‪.‬‬
‫وأما «ضرار» فأبعد من أن يعد ِف اإلمجاع‪ ،‬وأما «األصم» فقد سبقه اإلمجاع‪ ،‬وإن كان قد حكي‬
‫بعضا وزال الظامل وما‬
‫عنه على أنه غري خمالف ِف ذلك‪ ،‬وأنه إمنا قال‪ :‬لو أنصف الناس بعضهم ً‬
‫يوجب إقامة احلد الستغىن الناس عن إمامهم‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪« )94‬الفصل ِف امللل واألهواء والنحل» (‪/1‬ص‪.)1٧:‬‬
‫(‪« )99‬اجلامع ألحكام القرآن» للقرطيب (‪.)114/4‬‬

‫‪599‬‬
‫األدلة‪ :‬يرى أهل السنة أن اإلمامة واجبة على األمة‪ ،‬مستدلني أبدلة من الكتاب والسنة وإمجاع‬
‫علماء األمة‪ ،‬فمن أدلتهم على وجوهبا ِف القرآن‪:‬‬
‫ول َوأ ُْوِيل األ َْم ِر ِمن ُك ْم‬
‫الر ُس َ‬ ‫اَّلل وأ ِ‬
‫َطيعُوا َّ‬ ‫ِ‬ ‫الدليل األول‪ :‬قول هللا تعاىل‪ ﴿ :‬اي أ َّ ِ‬
‫ين َآمنُوا أَطيعُوا ََّ َ‬
‫َيها الذ َ‬
‫َ‬
‫ول إن ُكنتم تُؤِمنو َن ِاب ََّّللِ والْيوِم ِ ِ‬‫الرس ِ‬ ‫ٍ‬
‫يء فَرُّدوه َإىل َِّ‬
‫َح َس ُن‬
‫ك َخري َوأ ْ‬ ‫اآلخ ِر ذَل َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُْ ْ ُ‬ ‫اَّلل َو َّ ُ‬ ‫فَإن تَنَ َاز ْعتُ ْم ِِف َش ُ ُ‬
‫َأتْ ِويالً ﴾ [النساء‪.]52 :‬‬
‫اَّلل أعلم أن اآلية عامة ِف مجيع أويل األمر من األمراء والعلماء»(‪.)94‬‬ ‫قال ابن كثري‪« :‬الظاهر و َّ‬
‫اَّلل تعاىل ال أيمر‬ ‫اَّلل تعاىل أمر بطاعة أويل األمر‪ ،‬واألمر دليل على الوجوب‪ ،‬و َّ‬ ‫وجه الداللة‪ :‬أن َّ‬
‫بطاعة من ال وجود له‪ ،‬فتعني على األمة نصب إمام هلم‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس‬
‫وم الن ُ‬ ‫اب َوالْم َيزا َن لي ُق َ‬ ‫الدليل الثاين‪ :‬قوله تعاىل‪ ﴿ :‬لََق ْد أ َْر َس ْلنَا ُر ُسلَنَا ِابلْبَينَات َوأ َ‬
‫َنزلْنَا َم َع ُه ُم الْكتَ َ‬
‫اَّللَ‬
‫إن َّ‬ ‫يب َّ‬ ‫ينصرهُ ور ُسلَهُ ِابلْغَ ِ‬
‫اَّللُ َمن ُ ُ َ ُ‬ ‫َّاس َولِ ْيعلَ َم َّ‬
‫يد فِ ِيه َأبْس َش ِديد َوَمنَافِ ُع لِلن ِ‬ ‫َنزلْنَا ا ْحلَ ِد َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ِابلْق ْسط َوأ َ‬
‫قَ ِوي َع ِزيز ﴾ [احلديد‪.]95:‬‬
‫اَّلل تعاىل أمر رسله عليهم السالم ومن تبعهم أن يقيموا العدل بني الناس‬ ‫وجه الداللة‪ :‬أن َّ‬
‫اَّلل تعاىل‪ ،‬وال يكون ذلك إال إبمام ينظم مسريهتم‪ ،‬وينظر ِف مصاحلهم‪،‬‬ ‫على ما جاء ِف كتاب َّ‬
‫ويقارن بني أمورهم‪ .‬واآلايت ِف ذلك كثرية‪ ،‬والواقع أننا لو نظران إىل آايت احلدود والقصاص‬
‫واألحكام املتعلقة مبصاحل ومفاسد العباد لرأينا أنه يتعني على األمة إقامة إمام هلم‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬األدلة من السنة‪:‬‬
‫اَّلل عنهما أن النيب صلى‬ ‫الدليل األول‪ :‬ما رواه مسلم ِف «صحيحه» عن عبد َّ‬
‫اَّلل بن عمر رضي َّ‬
‫هللا عليه وسلم قال‪« :‬من مات وليس ِف عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»(‪. )91‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬أن البيعة واجبة على املسلم وال تكون البيعة إال إبمام‪ ،‬وما ال يتم الواجب إال به‬
‫فهو واجب‪ ،‬لذا تعني نصب اإلمام على األمة‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬ما رواه أهل السنن عن العرابض بن سارية عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال‪...« :‬وإنه من‬
‫كثريا‪ ،‬فعليكم بسنيت وسنة اخللفاء الراشدين املهديني‪ ،‬متسكوا هبا‬ ‫يعش منكم فسريى اختالفًا ً‬
‫وعضوا عليها ابلنواجذ‪ ،‬وإايكم وحمداثت األمور‪ ،‬فإن كل بدعة ضاللة»(‪. )95‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪« )94‬تفسري القرآن العظيم» البن كثري (‪.)4٧4/9‬‬
‫(‪ )91‬رواه مسلم ِف «كتاب اإلمارة» ابب وجوب الوفاء ببيعة اخللفاء برقم ‪.)411٧/4( )4٧54( - 5٧‬‬
‫(‪ )95‬رواه الرتمذي ِف «كتاب العلم» برقم (‪ ،)9111‬وقال‪ :‬حسن صحيح ورواه أبو داود ِف «كتاب السنة» ابب‬
‫(‪ 254/94/5‬عون)‪ ،‬وابن ماجة حديث رقم (‪ )19‬وحكم األلباين صحيح‬

‫‪611‬‬
‫اثلثا‪ :‬من اإلمجاع‪:‬‬
‫اَّلل عليهم ‪ ،‬فقد مههم األمر حىت قبل دفنه صلى هللا عليه‬ ‫الدليل األول‪ :‬إمجاع الصحابة رضوان َّ‬
‫اَّلل صلى هللا‬ ‫اَّلل عنها‪« :‬أن رسول َّ‬ ‫وسلم‪ ،‬فقد روى البخاري ِف «صحيحه» عن عائشة رضي َّ‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬قالت‪ :‬وقال‬ ‫اَّلل ما مات رسول َّ‬ ‫عليه وسلم مات وأبو بكر ابلسنح‪ ،‬فقام عمر يقول‪ :‬و َّ‬
‫اَّلل فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم‪ ،‬فجاء أبو‬ ‫اَّلل ما كان يقع ِف نفسي إال ذاك‪ ،‬وليبعثنه َّ‬ ‫عمر‪ :‬و َّ‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص فقبَّله‪ ،‬فقال‪ :‬أبيب أنت وأمي طبت حيا وميتًا‪ ،‬والذي نفسي‬ ‫بكر فكشف عن رسول َّ‬
‫أبدا‪ ،‬مث خرج فقال‪ :‬أيها احلالف على رسلك‪ ،‬فلما تكلم أبو بكر‬ ‫اَّلل املوتتني ً‬ ‫بيده‪ ،‬ال يذيقنك َّ‬
‫حممدا قد‬ ‫حممدا ملسو هيلع هللا ىلص فإن ً‬‫اَّلل أبو بكر وأثىن عليه‪ ،‬وقال‪ :‬أال من كان يعبد ً‬ ‫جلس عمر‪ ،‬فحمد َّ‬
‫ك َميت َوإنَّ ُهم َّميتُو َن ﴾ [ الزمر‪]4٧:‬‬ ‫اَّلل حي ال ميوت وقال‪ ﴿ :‬إنَّ َ‬ ‫اَّلل فإن َّ‬
‫مات‪ ،‬ومن كان يعبد َّ‬
‫ات أ َْو قُتِ َل ان َقلَْب تُ ْم َعلَى أ َْع َقابِ ُك ْم‬
‫الر ُسلُ أَفَإن َّم َ‬ ‫ت ِمن قَ ْبلِ ِه ُّ‬ ‫وقال‪َ ﴿ :‬وَما ُحمَ َّمد إالَّ َر ُسول قَ ْد َخلَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ﴾ [آل عمران‪ .]411 :‬قال‪:‬‬ ‫اَّللُ الشَّاك ِر َ‬
‫يج ِزي َّ‬
‫اَّللَ َشيئًا َو َس ْ‬ ‫يضَّر َّ‬
‫ب َعلَى َعقبَيه فَلَن ُ‬ ‫َوَمن ين َقل ْ‬
‫فنشج الناس يبكون‪ ،‬قال‪ :‬واجتمعت األنصار إىل سعد بن عبادة ِف سقيفة بين ساعدة‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫منا أمري ومنكم أمري‪ ،‬فذهب إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن اجلراح‪ ،‬فذهب عمر يتكلم‪،‬‬
‫كالما قد أعجبين‬ ‫اَّلل ما أردت بذلك إال أين قد هيأت ً‬ ‫فأسكته أبو بكر‪ ،‬وكان عمر يقول‪« :‬و َّ‬
‫خشيت أال يبلغه أبو بكر»‪ ،‬مث تكلم أبو بكر‪ ،‬فتكلم أبلغ الناس‪ ،‬فقال ِف كالمه‪ :‬حنن األمراء‬
‫اَّلل ال نفعل‪ ،‬منا أمري ومنكم أمري‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬ال ولكنا‬ ‫وأنتم الوزراء‪ ،‬فقال ُحباب بن املنذر‪ :‬و َّ‬
‫أنسااب‪ ،‬فبايعوا عمر أو أاب عبيدة‪ ،‬فقال عمر‪ :‬بل‬ ‫دارا وأعرهبم ً‬ ‫األمراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب ً‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فأخذ عمر بيده فبايعه وابيعه‬ ‫نبايعك أنت‪ ،‬فأنت سيدان وخريان وأحبنا إىل رسول َّ‬
‫الناس»(‪.)91‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬أن الصحابة رضوان َّ‬
‫اَّلل عليهم مبجرد وصول خرب وفاة النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬ابدروا إىل‬
‫تنصيب إمام هلم‪ ،‬وأمجعوا على وجوب ذلك ومل خيالف منهم أحد‪.‬‬
‫اَّلل تعاىل ‪« :‬أمجعت الصحابة بعد اختالف وقع بني املهاجرين واألنصار ِف‬ ‫قال القرطيب رمحه َّ‬
‫سقيفة بين ساعدة ِف التعيني‪...‬فلو كان فرض اإلمامة غري واجب ال ِف قريش وال ِف غريهم ملا‬
‫ساغت هذه املناظرة واحملاورة عليها‪ ،‬ولقال قائل‪ :‬إهنا ليست واجبة ال ِف قريش وال ِف غريهم فما‬
‫لتنازعكم وجه‪ ،‬وال فائدة ِف أمر ليس بواجب(‪. )91‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )91‬رواه البخاري ِف «صحيحه» «كتاب مناقب الصحابة» حديث رقم (‪.)411٧ ( ، )4111‬‬
‫(‪« )91‬اجلامع ألحكام القرآن» للقرطيب (‪.)129/4‬‬

‫‪611‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬ما قاله اهليثمي‪« :‬اعلم ً‬
‫أيضا أن الصحابة رضوان هللا عليهم أمجعوا على أن نصب‬
‫اإلمام بعد انقراض زمن النبوة واجب‪ ،‬بل جعلوه أهم الواجبات حيث اشتغلوا به عن دفن رسول‬
‫هللا ملسو هيلع هللا ىلص»(‪. )9٧‬‬
‫***‬
‫املبحث الثاين يف خالف املعتزلة مع اجلمهور‬
‫يف حقيقة املقتضي لوجوب نصب اإلمام‪:‬‬
‫قلت‪ :‬ومجهور املسلمني على أن وجوب نصب اإلمام معلوم عن طريق السمع أي‪ :‬عن طريق‬
‫اَّلل عنه‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص عند وفاته ابدروا إىل بيعة أيب بكر رضي َّ‬
‫النصوص الشرعية؛ ألن أصحاب رسول َّ‬
‫وتسليم النظر إليه ِف أمورهم‪ ،‬وكذا ِف كل عصر من بعد ذلك‪ ،‬ومل ترتك الناس فوضى ِف عصر‬
‫إمجاعا(‪. )92‬‬
‫من األعصار واستقر ذلك ً‬
‫مث إنه قد ثبت عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص اإلرشاد إليها واإلشارة إىل منصبها‪ :‬كما ِف قوله‪« :‬األئمة من‬
‫ين َآمنُوا‬ ‫قريش»(‪ )4٧‬وثبت كتااب وسنة األمر ابلطاعة لألئمة كما ِف قوله تعاىل‪ ﴿ :‬اي أ َّ ِ‬
‫َيها الذ َ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ول َوأ ُْوِيل األ َْم ِر ِمن ُك ْم ﴾ [النساء‪.]52 :‬‬
‫الر ُس َ‬ ‫اَّلل وأ ِ‬
‫َطيعُوا َّ‬ ‫ِ‬
‫أَطيعُوا ََّ َ‬
‫وأرشد ملسو هيلع هللا ىلص إىل االستنان بسنة اخللفاء الراشدين فقال‪«:‬عليكم بسنيت وسنة اخللفاء الراشدين‬
‫عاما»(‪. )49‬‬ ‫املهديني»(‪ )44‬وهو حديث صحيح وكذلك قوله‪« :‬اخلالفة بعدي ثالثون ً‬
‫ووقعت منه اإلشارة إىل من سيقوم بعده‪.‬‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص قدموا أمر اإلمامة ومبايعة اإلمام قبل كل شيء حىت أهنم‬ ‫مث إن الصحابة ملا مات رسول َّ‬
‫اَّلل عنه عهد إىل عمر‪ ،‬مث عهد عمر‬ ‫اشتغلوا بذلك قبل جتهيزه ملسو هيلع هللا ىلص مث ملا مات أبو بكر رضي َّ‬
‫اَّلل عنه ابيعوا عليا‪ ،‬وبعد علي احلسن‪ ،‬مث استمر‬ ‫إىل النفر املعروفني‪ ،‬مث ملا قتل عثمان رضي َّ‬
‫احدا‪ ،‬وأمر األمة جمتمع‪ .‬مث ملا اتسعت أقطار‬
‫املسلمون على هذه الطريقة حيث كان السلطان و ً‬
‫______________________________________‬
‫(‪« )9٧‬الصواعق احملرقة ِف الرد على أهل البدع والزندقة» البن حجر اهليتمي (ص‪.)1‬‬
‫(‪« )92‬مقدمة ابن خلدون» (ص‪ ،)454:‬وانظر‪« :‬تفسري القرطيب» (ص‪.)519/4:‬‬
‫(‪ )4٧‬رواه أبو داود الطيالسي (‪ )9911‬عن ابن سعد عن أبيه عن أنس‪ ،‬ورواه أمحد (‪ )494٧1‬من طريق بكري بن‬
‫وهب اجلزري عن أنس واحلديث صحيح‪.‬‬
‫(‪ )44‬تقدم خترجيه صفحة (‪.)94‬‬
‫(‪ )49‬رواه أمحد (‪ ،)994/5‬وأبو داود (‪ ،)1111‬والرتمذي (‪ )9991‬من حديث سفينة وحكم األلباين صحيح‪.‬‬

‫‪612‬‬
‫اإلسالم ووقع االختالف بني أهله واستوىل على كل قطر من األقطار سلطان‪ ،‬اتفق أهله على أنه‬
‫إذا مات ابدروا بنصب من يقوم مقامه‪.‬‬
‫اَّلل صلى هللا عليه‬ ‫وهذا معلوم مل خيالف فيه أحد‪ ،‬بل هو إمجاع املسلمني أمجعني منذ قبض رسول َّ‬
‫وسلم إىل هذه الغاية ملا هو مرتبط ابلسلطان من مصاحل الدين والدنيا‪ ،‬ولو مل يكن منها إال مجعهم‬
‫اَّلل تعاىل به‬ ‫على جهاد عدوهم‪ ،‬وأتمني سبلهم‪ ،‬وإنصاف مظلومهم من ظاملهم‪ ،‬وأمرهم مبا أمر َّ‬
‫اَّلل تعاىل‪ ،‬فمشروعية‬ ‫اَّلل تعاىل عنه‪ ،‬ونشر السنن‪ ،‬وإماتة البدع‪ ،‬وإقامة حدود َّ‬
‫وهنيهم عما هناهم َّ‬
‫نصب السلطان هي من هذه احليثية(‪ .)44‬ومما يؤيد وجوب نصب اإلمام عن طريق الشرع كونه‬
‫جموزا ِف العقل أن ال يرد التعبد هبا فلم يكن العقل موجبًا هلا وإمنا مينع‬ ‫أمورا شرعية قد كان ً‬‫يتوىل ً‬
‫كل واحد نفسه من العقالء عن التظامل والتقاطع وأيخذ مبقتضى العدل ِف التناصف والتواصل‬
‫فيتدبر بعقله ال بعقل غريه‪ ،‬ولكن جاء الشرع بتفويض األمور إىل وليه ِف الدين وقال ملسو هيلع هللا ىلص‪:‬‬
‫«سيليكم بعدي والة فيليكم الرب بربه والفاجر بفجوره فامسعوا هلم وأطيعوا ِف كل ما وافق احلق فإن‬
‫أحسنوا فلكم وهلم وإن أساءوا فلكم وعليهم»(‪.)41‬‬
‫أما رأي أكثر املعتزلة‪ :‬فهو على أن وجوب نصب اإلمام عُلم من طريق العقل وذلك ملا ِف طباع‬
‫العقالء من التسليم لزعيم مينعهم من التظامل ويفصل بينهم ِف التنازع والتخاصم ولوال‬
‫ومهجا مضاعني وقد قال األفوه األودي وهو شاعر جاهلي‪:‬‬ ‫الوالة لكانوا فوضى مهملني ً‬
‫ال يصلح الناس فوضى ال سراة هلم***وال سراة رذا جهاهلم سادوا (‪)45‬‬

‫قلت‪ :‬وال منافاة بني أن يكون وجوب إقامة اإلمام عُلِ َم عن طريق العقل أو عن طريق الشرع‬
‫معا؛ ألن العقل الصريح ال يتعارض مع النقل الصحيح‪ ،‬وال‬ ‫إلمكان أن يعلم ذلك ابلعقل والشرع ً‬
‫شك أن العقل هو الطريق ملعرفة الشرع‪ ،‬إذ بدون العقل ال حتصل املعرفة وال التمييز بني األشياء‬
‫شرعا ألهنم ال يريدون هذا‬
‫وال يرد على القائلني أبن العقل هو مدرك علم وجوهبا أن يكون العقل ً‬
‫علما يقينيا أبن هذا األمر واجب‪ ،‬وضرورة من‬ ‫املعىن وإمنا يريدون أن املقتضيات العقلية أكسبت ً‬
‫ضرورايت استمرار حياة البشر وبقائه‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )44‬من كتاب‪« :‬إكليل الكرام ِف تبيان مقاصد األمامة» لصديق حسن خان ص‪ .19‬وهو مقتبس من كتاب السيل‬
‫اجلرار للشوكاين ص‪241‬‬
‫(‪ )41‬سنن الدارقطين (‪ )4152‬وحكم األلباين أسناده ضعيف‬
‫(‪ )45‬انظر «األحكام السلطانية» أليب احلسن املاوردي (ص‪.)5:‬‬

‫‪613‬‬
‫***‬
‫الفصل اخلامس يف عقد اإلمامة‬
‫املبحث األول صـفـة الـعـقـد‪:‬‬
‫وإذ قد بينت وجوب نصب اإلمام‪ ،‬وأن األمة اإلسالمية أمجعت عليه‪ ،‬فال بد من معرفة كيفية‬
‫عقد اإلمامة‪ ،‬ومعرفة الصفات اليت ينبغي توفرها ِف العاقدين‪.‬‬
‫إماما أبن يصلح لذلك‬ ‫اعلم أنه ال خالف بني من ال يقول ابلنص ِف كل إمام أنه ال يصري ً‬
‫إماما لذلك لوجب أحد أمرين‪ :‬إما املنع من‬ ‫وجيتمع فيه الشرطان ويبني صحة ذلك أنه لو صار ً‬
‫املساواة بني االثنني ِف ذلك‪ ،‬أو جتويز إمامني وهذا فاسد وال يصح على رأى مجهور املسلمني‬
‫كما يدل عليه حال الصحابة‪ ،‬حيث مل يقتصروا ِف إثبات اإلمامة على صالحه لذلك‪ ،‬بل جعلوه‬
‫إماما ابلعقد والبيعة على الوجه الذي جرت عادهتم به‪ ،‬يدل على ما ذكرانه‪ ،‬وقد ثبت مبا سأذكره‪،‬‬ ‫ً‬
‫إماما ابختيار الغري‪ ،‬وأن يلزم قبول العقد إذا كان كامل الشرائط‪ ،‬وبيان‬ ‫أن الصحيح أنه يكون ً‬
‫ذلك أنه البد للعقد من صفة وللعاقدين من صفة(‪.)41‬‬
‫وال يوجد نص من الكتاب والسنة جيربان على طريقة بعينها ِف تولية اإلمام‪ ،‬بل أمامنا اتريخ اخللفاء‬
‫الراشدين لنستعرض ونستنبط منه الطرق اليت اتبعها سلف األمة ِف هذا الباب‪ ،‬ولذا أرى أن هذه‬
‫الطرق اليت مت هبا تولية هؤالء الراشدين طرق شرعية ألمرين‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬ما ورد عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص من احلث على اتباع هنجهم واالقتداء هبديهم‪ ،‬ملا رواه‬
‫أهل السنن عن العرابض بن سارية عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال‪...«:‬وإنه من يعش منكم فسريى اختالفًا‬
‫كثريا‪ ،‬فعليكم بسنيت وسنة اخللفاء الراشدين املهديني متسكوا هبا وعضوا عليها ابلنواجذ‪ ،‬وإايكم‬ ‫ً‬
‫وحمداثت األمور فإن كل بدعة ضاللة»(‪. )41‬‬
‫اَّلل‬
‫اَّلل عليهم على ذلك وقبوهلم له‪ ،‬وإمجاعهم رضوان َّ‬‫األمر الثاين‪ :‬إمجاع الصحابة رضوان َّ‬
‫عليهم حجة‪ ،‬ومل يورد لنا أهل التاريخ والسري ما يعارض ذلك‪ ،‬وإن ورد اعرتاض ليتمسك به‬
‫البعض إال أنه يصرف إىل االختالف ِف الشخص املوىل ال ِف الطريقة اليت ويل هبا‪.‬‬

‫***‬
‫______________________________________‬
‫(‪« )41‬املغين» (‪.)95٧/9٧‬‬
‫(‪ )41‬سنن أيب داود رقم (‪ )11٧1‬وصححه األلباين‪.‬‬

‫‪614‬‬
‫املبحث الثاين طرق تولية اإلمام‬
‫املطلب األول طـريـقــة االخـتـيــار‪:‬‬
‫لكيفية انعقاد اإلمامة العظمى أكثر من طريقة‪ ،‬ولكن ثالث منها هي املعول عليها‪ ،‬وسأذكرها‬
‫مرتبة حسب أولويتها ِف نظري‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬طريقة االختيار واالنتخاب‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬طريقة العهد والوصية من قبل اخلليفة السابق لشخص آخر‪.‬‬
‫اثلثًا‪ :‬أن يتغلب شخص على األمة ويقهرها بسيفه‪.‬‬
‫فأما الطريقة األوىل وهي االختيار لإلمام يقوم هبا أهل احلل والعقد‪ ،‬وهي الطريقة اليت متت هبا‬
‫اَّلل عنهما‪ ،‬فقد روى البخاري ِف «صحيحه»‬ ‫تولية أيب بكر الصديق وعلي بن أيب طالب رضي َّ‬
‫اَّلل نبيه صلى هللا‬
‫اَّلل عنه قال‪..« :‬وأنه قد كان من خربان حني توىف َّ‬ ‫عن عمر بن اخلطاب رضي َّ‬
‫عليه وسلم أن األنصار خالفوان واجتمعوا أبسرهم ِف سقيفة بين ساعدة‪ ،‬وخالف عنا علي والزبري‬
‫ومن معهما‪ ،‬واجتمع املهاجرون إىل أيب بكر‪ ،‬فقلت أليب بكر‪ :‬انطلق بنا إىل إخواننا هؤالء من‬
‫األنصار‪ ،‬فانطلقنا نريدهم‪ ،‬فلما دنوان منهم لقينا منهم رجالن صاحلان‪ ،‬فذكرا ما متاأل عليه القوم‪،‬‬
‫فقاال‪ :‬أين تريدون اي معشر املهاجرين؟ فقلنا‪ :‬نريد إخواننا هؤالء من األنصار‪ ،‬فقاال‪ :‬ال عليكم أال‬
‫اَّلل لنأتينهم‪ ،‬فانطلقنا حىت أتيناهم ِف سقيفة بين ساعدة‪ ،‬فإذا رجل‬ ‫تقربوهم اقضوا أمركم‪ ،‬فقلت‪ :‬و َّ‬
‫مزمل بني ظهرانيهم‪ ،‬فقلت‪ :‬من هذا؟ فقالوا‪ :‬هذا‬
‫اَّلل مبا‬
‫سعد بن عبادة‪ ،‬فقلت‪ :‬ما له؟ فقالوا‪ :‬يوعك‪ ،‬فلما جلسنا قليالً تشهد خطيبهم فأثىن على َّ‬
‫اَّلل وكتيبة اإلسالم‪ ،‬وأنتم رهط‪ ،‬وقد دفَّت دافَّة من‬
‫هو أهله‪ ،‬مث قال‪ :‬أما بعد‪ :‬فنحن أنصار َّ‬
‫قومكم _فإذا هم يريدون أن خيتزلوان من أصلنا‪ ،‬وأن حيضنوان من األمر‪ ،‬فلما سكت أردت أن‬
‫أتكلم وكنت أداري منه بعض احلسد فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر‪ :‬على رسلك‪ ،‬فكرهت أن‬
‫اَّلل ما ترك كلمة أعجبتين ِف تزويري إال قال ِف بديهته‬‫أغضبه فتكلم فكان هو أحلم مين وأوقر‪ ،‬و َّ‬
‫مثلها أو أفضل منها حىت سكت‪ ،‬فقال‪ :‬ما ذكرمت فيكم من خري فأنتم له أهل‪ ،‬ولن يعرف هذا‬
‫ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلني‬ ‫األمر إال هلذا احلي من قريش‪ ،‬هم أوسط العرب نسبًا ً‬
‫فبايعوا أيهما شئتم‪ ،‬فأخذ بيدي ويد أيب عبيدة عامر بن اجلراح وهو جالس بيننا‪ ،‬فلم أكره مما قال‬
‫أأتمر على قوم‬
‫اَّلل أن أقدم فتضرب عنقي ال يقربين من ذلك إمث أحب إيل من أن َّ‬ ‫غريها‪ ،‬كان و َّ‬
‫فيهم أبو بكر‪ ،‬اللَّهم إال أن تسول إيل نفسي عند املوت شيئًا ال أجده اآلن‪ ،‬فقال قائل من‬
‫األنصار‪ :‬أان جذيلها احملكك وعذيقها املرجب‪ ،‬منا أمري ومنكم أمري اي معشر قريش‪ ،‬فكثر اللغط‪،‬‬

‫‪615‬‬
‫وارتفعت األصوات حىت فرقت من االختالف‪ ،‬فقلت‪ :‬ابسط يدك اي أاب بكر‪ ،‬فبسط يده فبايعته‬
‫وابيعه املهاجرون مث ابيعته األنصار»(‪. )4٧‬‬
‫اَّلل عنه‬
‫فهؤالء أهل الفضل واحلل والعقد اجتمعوا ِف سقيفة بين ساعدة‪ ،‬وابيعوا أاب بكر رضي َّ‬
‫مث تلتها بيعة عامة ِف املسجد لباقي الناس كما أورده البخاري ِف «صحيحه» عن أنس بن مالك‬
‫اَّلل عنه‪.‬‬
‫رضي َّ‬
‫اَّلل عنه فقد أوردها ابن كثري ِف «البداية والنهاية»‬ ‫أما قصة تولية علي بن أيب طالب رضي َّ‬
‫فقال‪« :‬ذكر سيف بن عمر عن مجاعة من شيوخه‪ ،‬قالوا‪ :‬بقيت املدينة مخسة أايم بعد مقتل‬
‫عثمان وأمريها الغافقي بن حرب يلتمسون من جييبهم إىل القيام ابألمر‪ ،‬واملصريون يلحون على‬
‫علي وهو يهرب منهم إىل احليطان‪ ،‬ويطلب الكوفيون الزبري فال جيدونه‪ ،‬والبصريون يطلبون طلحة‬
‫أحدا من هؤالء الثالثة‪ ،‬فمضوا إىل سعد بن أيب وقاص‬ ‫فال جييبهم‪ ،‬فقالوا فيما بينهم‪ :‬ال نويل ً‬
‫فقالوا‪ :‬إنك من أهل الشورى فلم يقبل منهم‪ ،‬مث راحوا إىل ابن عمر فلم يقبل منهم‪ ،‬فحاروا ِف‬
‫أمرهم‪ ،‬مث قالوا‪ :‬إن حنن رجعنا إىل أمصاران بقتل عثمان من غري إمرة اختلف الناس ِف أمرهم ومل‬
‫نسلم‪ ،‬فرجعوا إىل علي بن أيب طالب فأحلوا عليه‪ ،‬وأخذ األشرت النخعي بيده فبايعه‪ ،‬وذلك يوم‬
‫اخلميس الرابع والعشرين من ذي احلجة‪ ،‬وذلك بعد مراجعة الناس هلم ِف ذلك‪ ،‬وكلهم يقول‪ :‬ال‬
‫يصلح هلا إال علي‪ ،‬فلما كان يوم اجلمعة وصعد املنرب ابيعه من مل يبايعه ابألمس(‪. )42‬‬
‫وقد اختلف يف كيفية هذه الطريقة على أقوال‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن اإلمامة ال تصح إال إبمجاع فضالء األمة ِف أقطار البالد‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أن اإلمامة تصح بعقد أهل حضرة اإلمام واملوضع الذي فيه قرار األئمة‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬وإليه ذهب أبو علي دمحم بن عبد الوهاب اجلبائي إىل أن اإلمامة ال تصح أبقل من‬
‫عقد مخسة رجال‪.‬‬
‫وقد انقش أبو دمحم علي بن حزم هذه اآلراء فقال‪« :‬أما من قال‪ :‬إن اإلمامة ال تصح إال بعقد‬
‫فضالء األمة ِف أقطار البالد فباطل؛ ألنه تكليف ما ال يطاق‪ ،‬وما ليس ِف الوسع‪ ،‬وما هو أعظم‬
‫اَّلل تعاىل ال يكلف نفسا إال وسعها‪ ،‬وقال تعاىل‪ ﴿:‬وما جعل علَي ُكم ِِف ِ‬
‫الدي ِن ِم ْن‬ ‫احلرج‪ ،‬و َّ‬
‫ََ َ َ َ َ ْ‬ ‫ً‬
‫َحَرٍج ﴾[احلج‪ ،]1٧:‬وال حرج وال تعجيز أكثر من تصرف إمجاع فضالء من ِف املولتان واملنصورة‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4٧‬رواه البخاري «كتاب احلدود» ابب رجم احلبلى (‪ ،)1٧4٧‬و«مسند أمحد» (‪ )15/4‬بتحقيق أمحد شاكر‪.‬‬
‫(‪« )42‬البداية والنهاية» البن كثري (‪.)991/1‬‬

‫‪616‬‬
‫إىل بالد ِمهره إىل عدن إىل أقاصي املصامدة إىل طنجة إىل األشبونة إىل جزائر البحر إىل سواحل‬
‫الشام إىل أرمينية إىل جبل الفتح إىل أمسار وفرغانة وأسروشنة إىل أقاصي خراسان إىل اجلورجان إىل‬
‫كابل املولتان‪ ،‬فما بني ذلك من املدن والقرى‪ ،‬والبد من ضياع أمور املسلمني قبل أن جيمع جزء‬
‫من مائة جزء من فضالء أهل هذه البالد‪ ،‬فبطل هذا القول الفاسد مع أنه لو كان ممكنًا ملا لزم؛‬
‫ألنه دعوى بال برهان»‪.‬‬
‫أيضا حيث قال‪:‬‬ ‫وأما قول اجلبائي وهو‪« :‬أن اإلمامة ال تنعقد إال خبمسة»‪ ،‬فقد انقشه ابن حزم ً‬
‫اَّلل عنه ِف الشورى‪ ،‬إذ قلدها ستة‬
‫«أما قول اجلبائي فإنه تعلق بفعل عمر رضي َّ‬
‫احدا منهم‪ ،‬فصار االختيار منهم خبمسة فقط‪ ،‬وهذا ليس شيئًا لوجوه‪:‬‬‫رجال‪ ،‬وأمرهم أن خيتاروا و ً‬
‫أوهلا‪ :‬أن عمر مل يقل‪ :‬إن تقليد االختيار أقل من مخسة ال جيوز‪ ،‬بل قد جاء عنه أنه قال‪ :‬إن مال‬
‫ثالثة منهم إىل واحد وثالثة إىل واحد‪ ،‬فاتبعوا الثالثة الذين فيهم عبد الرمحن بن‬
‫عوف‪ ،‬فقد أجاز عقد ثالثة‪.‬‬
‫ووجه اثن وهو‪ :‬أن فعل عمر رضي َّ‬
‫اَّلل عنه ال يلزم األمة حىت يوافق نص قرآن أو سنة‪ ،‬وعمر‬
‫اَّلل‬
‫اَّلل عنهم ال جيوز أن خيصه وجوب اتباعه دون غريه من الصحابة رضي َّ‬‫كسائر الصحابة رضي َّ‬
‫عنهم‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أن أولئك اخلمسة رضي َّ‬
‫اَّلل عنهم قد تربءوا من االختيار‪ ،‬وجعلوه إىل واحد منهم خيتار‬
‫هلم وللمسلمني من رآه أهالً لإلمامة‪ ،‬وهو عبد الرمحن بن عوف وما أنكر ذلك أحد من الصحابة‬
‫صح إمجاعهم على أن اإلمامة تنعقد بعقد واحد‪.‬‬‫احلاضرين وال الغائبني إذ بلغهم ذلك‪ ،‬فقد َّ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬إمنا جاز ذلك ألن مخسة من فضالء املسلمني قلدوه قيل له‪ :‬إن كان هذا عندك‬
‫اضا فالتزم مثله سواء بسواء فمن قال لك‪ :‬إمنا صح عقد أولئك اخلمسة ألن اإلمام امليت‬ ‫اعرت ً‬
‫قلَّدهم ذلك‪ ،‬ولوال ذلك مل جيز عقدهم‪ ،‬وبرهان ذلك أنه إمنا عقد هلم االختيار منهم ال من‬
‫غريهم‪ ،‬فلو اختاروا من غريهم ملا لزم االنقياد هلم‪ ،‬فال جيوز عقد مخسة أو أكثر إال إذا قلدهم‬
‫اإلمام ذلك‪ ،‬أو من قال لك‪ :‬إمنا صح عقد أولئك اخلمسة إلمجاع فضالء أهل ذلك العصر على‬
‫الرضا مبن اختاروه‪ ،‬ولو مل جيمعوا على الرضا به ملا جاز عقدهم‪ ،‬وهذا مما ال خملص منه أصالً‬
‫فبطل هذا القول بيقني(‪. )1٧‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )1٧‬منقول بتصرف من كتاب «الفصل ِف امللل والنحل» (‪.)411/1‬‬

‫‪617‬‬
‫قلت‪ :‬وما ذكره أبو دمحم من أن عمر بن اخلطاب رضي َّ‬
‫اَّلل عنه كغريه من الصحابة ابألخذ بقوله‬
‫غري صحيح‪ ،‬ملا ثبت ِف الصحيحني عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال‪« :‬اقتدوا ابللذين من بعدي‪:‬أيب بكر‬
‫وعمر»(‪ ،)14‬وملا ثبت ِف السنن عنه ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال‪« :‬عليكم بسنيت وسن ة اخللفاء الراشدين‬
‫املهديني من بع دي متسكوا هبا»(‪. )19‬‬
‫وقد روي عن أيب هاشم املعتزيل أنه يرى انعقاد اإلمامة بواحد‪ ،‬مستدالًّ بظاهر قصة مبايعة عمر‬
‫هنع هللا يضر أليب بكر الصديق حيث قام وقال‪ :‬اُمدد يدك أابيعك‪ ،‬وأبن عبد الرمحن بن عوف رضي‬
‫هللا عنه هو الذي عقد اإلمامة لعثمان هنع هللا يضر كما أيد رأيه هذا أبن قال‪ :‬من احملتمل أن ميوت‬
‫إمام املسلمني ويفاجئهم العدو أو ينفتح عليهم ثغر‪ ،‬فلو عمدوا إىل التشاور والتداول‬
‫والبحث عن أهل الفضل والصالح والسري احلميدة ليعقدوا لإلمام‪ ،‬لغلبهم العدو قبل أن يفرغوا‬
‫من التداول والتشاور وتعيني اإلمام‪ ،‬وهذا ليس بشيء؛ ألن مبايعة عمر بن اخلطاب هنع هللا يضر أليب‬
‫بكر الصديق كانت مبوافقة ُجل الصحابة احلاضرين ِف السقيفة‪ ،‬أما مبايعة عبد الرمحن بن عوف‬
‫لعثمان فكانت برضا أعضاء الشورى حيث وكلوا األمر إليه وفوضوه ِف أن خيتار اإلمام الذي يرى‬
‫فيه املقدرة على حتقيق مصاحل املسلمني‪.‬‬

‫***‬
‫املطلب الثاين طريقة العهد والوصية أو االستخالف‪:‬‬
‫وهو أن يعهد اإلمام لشخص آخر ابإلمامة بعد موته بعد مشاورة أهل احلل والعقد ِف ذلك‪ ،‬كما‬
‫عهد أبو بكر الصديق هنع هللا يضر ابخلالفة لعمر بن اخلطاب من بعده‪ ،‬وكما عهد عمر هنع هللا يضر ابخلالفة‬
‫احدا منهم‪.‬‬
‫للنفر الستة ليختاروا و ً‬
‫فقد ذكر ابن اجلوزي ِف مناقب عمر بن اخلطاب عن احلسن بن أيب احلسن هنع هللا يضر قال‪ :‬ملا ثقل أبو‬
‫بكر رضوان هللا تعاىل عليه واستبان له من نفسه‪ ،‬مجع الناس فقال‪ :‬إنه قد نزل يب ما ترون‪ ،‬وال‬
‫أظين إال ملأيت‪ ،‬وقد أطلق هللا أميانكم من بيعيت‪ ،‬وحل عنكم عقديت‪ ،‬ورد عليكم أمركم‪ِ ،‬‬
‫فأمروا‬
‫عليكم من أحببتم فإنكم إن َّأمرمت عليكم ِف حياة مين كان أجدر أالَّ ختتلفوا بعدي‪ ،‬فقاموا ِف‬
‫ذلك وحلوا عنه فلم تستقم هلم‪ ،‬فقالوا‪ِ :‬أمر لنا اي خليفة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬فقال‪ :‬فلعلكم ختتلفون؟‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )14‬املستدرك للحاكم (‪ )1154‬وصححه الذهيب‬
‫(‪ )19‬رواه الرتمذي رقم (‪ )9111‬وصححه األلباين‬

‫‪618‬‬
‫قالوا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فعليكم عهد هللا على الرضا؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فأمهلوين أنظر هلل ولدينه ولعباده‪،‬‬
‫فأرسل أبو بكر إىل عثمان بن عفان هنع هللا يضر ‪ ،‬فقال‪ :‬أشر علي برجل‪ ،‬وهللا إنك عندي هلا ألهل‬
‫موضع‪ ،‬فقال‪ :‬عمر‪ ،‬فقال‪ :‬اكتب فكتب حىت انتهى إىل االسم فغشي عليه مث أفاق‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫اكتب عمر»(‪ . )14‬وهذه الطريقة هي اليت اختارها كثري من العلماء منهم‪ :‬أبو دمحم علي بن حزم‬
‫حيث قال‪« :‬إن عقد اإلمامة يصح بوجوه‪:‬‬
‫إماما بعد موته‪،‬وسواء فعل ذلك ِف صحته‬ ‫أوهلا وأفضلها‪ :‬أن يعهد اإلمام امليت إىل إنسان خيتاره ً‬
‫أو ِف مرضه أو عند موته إذ ال نص وال إمجاع على املنع من أحد هذه الوجوه‪ ،‬كما فعل رسول هللا‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص أبيب بكر‪ ،‬وكما فعل أبو بكر بعمر‪ ،‬وكما فعل سليمان بن عبد امللك بعمر بن عبد العزيز‪،‬‬
‫وهذا هو الوجه الذي خنتاره ونكره غريه‪ ،‬ملا ِف هذا الوجه من اتصال اإلمامة‪ ،‬وانتظام أمر اإلسالم‬
‫وأهله‪ ،‬ورفع ما يتخوف من االختالف والشغب مما يتوقع ِف غريه من بقاء األمة فوضى‪ ،‬ومن‬
‫انتشار األمر‪ ،‬وارتفاع النفوس‪ ،‬وحدوث األطماع»(‪. )11‬‬
‫قلت‪ :‬وقوله كما فعل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص أبيب بكر يعين‪ :‬أن رسول هللا عليه الصالة والسالم عهد‬
‫ابخلالفة أليب بكر الصديق من بعده‪ ،‬وهذا حمل خالف بني العلماء سأحققه فيما بعد ‪.‬‬
‫هذا وإن صنيع ابن خلدون يدل على أنه يفضل عقد اإلمامة ابلعهد على غريها من الطرق‬
‫األخرى قال ِف مقدمته‪« :‬اعلم أان قدمنا الكالم ِف اإلمامة ومشروعيتها‪ ،‬ملا فيها من املصلحة‪،‬‬
‫وأن حقيقتها النظر ِف مصاحل األمة لدينهم ودنياهم‪ ،‬فهو وليهم واألمني عليهم ينظر هلم ذلك ِف‬
‫حياته ويتبع ذلك أن ينظر هلم بعد مماته ويقيم هلم من يتوىل أمورهم‪ ،‬كما كان هو يتوالهم ويثقون‬
‫بنظره هلم ِف ذلك‪ ،‬كما وثقوا به فيما قبل‪ ،‬وقد عرف ذلك من الشرع إبمجاع األمة على جوازه‬
‫وانعقاده‪ ،‬إذ وقع بعهد أيب بكر هنع هللا يضر لعمر مبحضر من الصحابة وأجازوه وأوجبوا على أنفسهم‬
‫به الطاعة لعمر هنع هللا يضر‪ ،‬وكذلك عهد عمر ِف الشورى إىل الستة بقية العشرة وجعل هلم أن خيتاروا‬
‫للمسلمني ففوض بعضهم إىل بعض حىت أفضى ذلك إىل عبد الرمحن بن عوف فاجتهد ونظر ِف‬
‫املسلمني فوجدهم متفقني على عثمان وعلي‪ ،‬فآثر عثمان ابلبيعة على ذلك ملوافقته إايه على لزوم‬
‫االقتداء ابلشيخني ِف كل ما يعن دون اجتهاده‪ ،‬فانعقد أمر عثمان لذلك وأوجبوا طاعته واملأل من‬
‫الصحابة حاضرون لألوىل والثانية ومل ينكر أحد منهم‪ ،‬فدل على أهنم متفقون على صحة هذا‬
‫العهد عارفون مبشروعيته‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪« )14‬مناقب عمر بن اخلطاب» البن اجلوزي (ص‪)11:‬‬
‫(‪« )11‬الفصل ِف امللل والنحل» (‪.)214/1‬‬

‫‪619‬‬
‫واإلمجاع حجة كما عُرف وال يتهم اإلمام ِف هذا األمر‪ ،‬وإن عهد إىل أبيه أو ابنه ألنه مأمون‬
‫على النظر هلم ِف حياته‪ ،‬فأوىل أن ال يتحمل فيها تبعة بعد مماته خالفًا ملن قال ابهتامه ِف الولد‬
‫الظنة ِف ذلك كله‪ ،‬السيما إذا‬ ‫والوالد‪ ،‬أو ملن خصص التهمة ابلولد دون الوالد فإنه بعيد عن ِ‬
‫أسا كما‬ ‫كانت هناك داعية تدعو إليه من إيثار مصلحة أو وقوع مفسدة فتنتفي الظنَّة عند ذلك ر ً‬
‫وقع ِف عهد معاوية البنه يزيد‪ ،‬وإن كان فعل معاوية مع وفاق الناس له حجة ِف الباب‪ ،‬والذي‬
‫دعا معاوية إليثار ابنه يزيد ابلعهد دون من سواه إمنا هو مراعاة املصلحة ِف اجتماع الناس واتفاق‬
‫يومئذ ال يرضون سواهم‪،‬‬ ‫أهوائهم ابتفاق أهل احلل والعقد عليه حينئذ من بين أمية‪ ،‬إذ بنو أمية ٍ‬
‫وهم عصابة قريش وأهل امللة أمجع وأهل الغلبة منهم فآثره بذلك دون غريه ممن يظن أنه أوىل هبا‬
‫حرصا على االتفاق واجتماع األهواء الذي شأنه أهم عند‬ ‫وعدل عن الفاضل إىل املفضول ً‬
‫الشارع‪.‬‬
‫وإن كان ال يظن مبعاوية غري هذا فعدالته وصحبته مانعة من سوى ذلك‪ ،‬وحضور أكابر الصحابة‬
‫لذلك وسكوهتم عنه دليل على انتفاء الريب فيه فليسوا ممن أيخذهم ِف احلق هوادة‪ ،‬وليس معاوية‬
‫اَّلل بن‬
‫ممن أتخذه العزة ِف قبول احلق‪ ،‬فإهنم كلهم أجل من ذلك وعدالتهم مانعة منه‪ ،‬وفرار عبد َّ‬
‫ع مر من ذلك أي‪ :‬البيعة ليزيد إمنا هو حممول على تورعه من الدخول ِف شيء من األمور‬
‫حمظورا‪ ،‬كما هو معروف عنه ومل يبق ِف املخالفة هلذا العهد الذي اتفق عليه‬ ‫ً‬ ‫مباحا كان أو‬‫ً‬
‫اجلمهور إال ابن الزبري وندور املخالف معروف»(‪. )15‬‬
‫اَّلل عنه فقد روى البخاري ِف «صحيحه» عن عمرو بن ميمون ح دي ثًا‬ ‫أما تولية عثمان رضي َّ‬
‫ط ويالً ث م ذك ر‪... :‬فقالوا‪ :‬أوص اي أمري املؤمنني! استخلف فقال‪ :‬ما أجد أحق هبذا األمر من‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص وهو عنهم راض‪ :‬فسمى عليا‪ ،‬وعثمان‪ ،‬والزبري‪ ،‬وطلحة‪،‬‬
‫هؤالء النفر الذين توِف رسول َّ‬
‫اَّلل بن عمر وليس له من األمر شيء‪ ،‬فإن أصابت‬ ‫وسعدا‪ ،‬وعبد الرمحن‪ ،‬وقال‪ :‬يشهدكم عبد َّ‬ ‫ً‬
‫سعدا فهو ذلك وإال فليستعن به أيكم ما أ ُِمر‪ ،‬فإين مل أعزله عن عجز وال خيانة‪...‬إىل أن‬ ‫اإلمرة ً‬
‫قال الراوي‪ :‬فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤالء الرهط‪ ،‬فقال عبد الرمحن‪ :‬اجعلوا أمركم إىل ثالثة‬
‫منكم‪ ،‬فقال الزبري‪ :‬قد جعلت أمري إىل علي‪ ،‬فقال طلحة‪ :‬قد جعلت أمري إىل عثمان‪ ،‬وقال‬
‫سعد‪ :‬قد جعلت أمري إىل عبد الرمحن بن عوف‪ ،‬فقال عبد الرمحن‪ :‬أيكما تربأ من هذا األمر‬
‫اَّلل عليه واإلسالم لينظرن أفضلكم ِف نفسه‪ ،‬فسكت الشيخان‪ ،‬فقال عبد الرمحن‪:‬‬ ‫فنجعله إليه و َّ‬

‫______________________________________‬
‫(‪« )15‬مقدمة ابن خلدون» (ص‪.)919‬‬

‫‪611‬‬
‫اَّلل علي أن ال آلو عن أفضلكم؟ قاال‪ :‬نعم‪ ،‬فأخذ بيد أحدمها فقال‪ :‬لك قرابة من‬‫أجتعلونه إيل و َّ‬
‫رت عُثمان‬
‫فاَّلل عليك لئن َّأمرتك لتعدلن ولئن َّأم ُ‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص والقدم ِف اإلسالم ما قد علمت‪َّ ،‬‬
‫رسول َّ‬
‫لتسمعن ولتطيعن‪.‬‬
‫مث خال ابآلخر فقال مثل ذلك‪ ،‬فلما أخذ امليثاق قال‪ :‬ارفع يدك أابيعك اي عثمان فبايعه‪ ،‬فبايعه‬
‫علي ووجل أهل الدار فبايعوه(‪. )11‬‬

‫وقد أمجع الصحابة على جواز العهد‪ ،‬ومل يذكر عن أحد منهم خالف ذلك‪ .‬وروى اإلمجاع كثري‬
‫من العلماء منهم‪ :‬املاوردي ِف «األحكام السلطانية» حيث قال‪« :‬وأما انعقاد اإلمامة بعهد من‬
‫قبله فهو مما انعقد اإلمجاع على جوازه‪ ،‬ووقع االتفاق على صحته»(‪. )11‬‬
‫قال اإلمام النووي ِف شرحه لصحيح مسلم‪« :‬حاصله أن املسلمني أمجعوا على أن اخلليفة إذا‬
‫حضرته مقدمات املوت وقبل ذلك جيوز له االستخالف‪ ،‬وجيوز له تركه‪ ،‬فإن تركه فقد اقتدى‬
‫اَّلل تعاىل عنه ‪ ،‬وأمجعوا على انعقاد اخلالفة‬
‫ابلنيب ملسو هيلع هللا ىلص ِف هذا‪ ،‬وإال فقد اقتدى أبيب بكر رضي َّ‬
‫ابالستخالف»(‪. )1٧‬‬

‫***‬
‫املطلب الثالث طريقة القهر والغلبة‪:‬‬
‫هي أن يتغلب شخص ما على املسلمني ويقهرهم بسيفه ويفرض عليهم سلطانه‪ ،‬فيتم له األمر‬
‫إماما شرعيا‪ ،‬جتب الطاعة مبوجبه‪ ،‬كما حصل ملعاوية بن‬
‫وتسلم له األمة‪ ،‬فإنه يكون هبذا التغلب ً‬
‫اَّلل عنهما حني ظهر على األمة وقهرها‪ ،‬استوىل على مقاليد أمورها‪ ،‬واستتب‬ ‫أيب سفيان رضي َّ‬
‫له األمر بعد مقتل أمري املؤمنني علي بن أيب طالب‪ ،‬وتنازل احلسن بن علي عن اخلالفة‪ ،‬فإذا‬
‫استسلمت األمة هلذا اإلمام‪ ،‬ودانت له ابلطاعة‪ ،‬فال جيوز اخلروج عليه وال منازعته األمر‪ ،‬بل‬
‫إماما شرعيا واجب الطاعة‪.‬‬
‫يصبح ً‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )11‬رواه البخاري ِف «كتاب فضائل الصحابة»‪ ،‬ابب قصة البيعة واالتفاق على عثمان رقم (‪ )25/1( )41٧٧‬مع‬
‫«الفتح»‪ ،‬وانظر «مسند أمحد» (‪ )924/4‬و «البداية والنهاية» (‪. )514/41‬‬
‫(‪« )11‬األحكام السلطانية» لإلمام املاوردي (ص‪.)54:‬‬
‫(‪« )1٧‬صحيح مسلم بشرح النووي» (‪.)5٧9/54‬‬

‫‪611‬‬
‫قال اإلمام النووي ِف «روضة الطالبني»‪« :‬أما الطريق الثالث‪ :‬فهو القهر واالستيالء‪ ،‬فإذا مات‬
‫اإلمام فتصدى لإلمامة من مجع شرائطها من غري استخالف وال بيعة‪ ،‬وقهر الناس بشوكته‬
‫جامعا للشرائط‪ ،‬أبن كان فاس ًقا أو‬
‫وجنوده‪ ،‬انعقدت خالفته‪ ،‬لين تظم مشل املسلمني‪ ،‬فإن مل يكن ً‬
‫أيضا ما ذهب‬‫جاهالً فوجهان‪ :‬أصحهما‪ :‬انعقادها ملا ذكرانه‪ ،‬وإن كان عاصيا بفعله(‪ ،)12‬وهو ً‬
‫إليه اإلمام أمحد(‪ ،)5٧‬ومالك(‪ )54‬والشافعي(‪ )59‬والقرطيب(‪ )54‬وشيخ اإلسالم ابن‬
‫اَّلل تعاىل»‪.‬‬
‫تيمية(‪ ، )51‬وابن حجر(‪ ، )55‬واإلمام دمحم بن عبد الوهاب(‪ ،)51‬رمحهم َّ‬
‫ولكن هذه الطريقة ليست من الطرق الشرعية‪ ،‬وال جيوز اإلقدام عليها إال ملصلحة األمة‪ ،‬ويسمى‬
‫ِف وقتنا هذا ابالنقالب العسكري‪.‬‬
‫***‬
‫املطلب الرابع ترجيح طريقة االختيار‪:‬‬
‫وحيث قد ذكرت أن طريقة االختيار أوىل ِف نظري من طريقة العهد‪ ،‬وطريقة التغلب على السلطة‬
‫ابلقوة‪ ،‬فالبد من ذكر أمور أرجح هبا هذه الطريقة‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬أن اجتماع أهل احلل والعقد وأهل الفضل والصالح وتشاورهم ِف اختيار اإلمام من‬
‫أروع صور الشورى بني املسلمني‪ ،‬وإن مل يكن هذا هو عني الشورى فماذا يكون؟ وأضيف إىل‬
‫هذه احلقيقة أن يكون االختيار أساسه الشورى كان هو رأي عمر نفسه‪ ،‬فقد روى عنه عبد الرزاق‬
‫ِف «املصنف» أنه قال‪« :‬اإلمارة شورى»‪ ،‬وروى عنه بسند قوله‪« :‬من دعا إىل إمارة نفسه أو غريه‬
‫اَّلل بن عمر‬
‫من غري شورى من املسلمني فال حيل لكم إال أن تقتلوه»(‪ )51‬وروى عنه ولده عبد َّ‬
‫أنه قال ألهل الشورى قبل وفاته‪« :‬من أتمر منكم من غري شورى من املسلمني فاقتلوه»(‪.)5٧‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪« )12‬روضة الطالبني» (‪.)11/٧4‬‬
‫(‪ )5٧‬انظر‪« :‬األحكام السلطانية» أليب يعلى (ص‪.)49:‬‬
‫(‪ )54‬انظر‪« :‬االعتصام» للشاطيب (‪.)9٧4/9‬‬
‫(‪ )59‬انظر‪« :‬مناقب الشافعي» للبيهقي (‪.)211/4‬‬
‫(‪ )54‬انظر‪« :‬اجلامع ألحكام القرآن» (‪.)219/4‬‬
‫(‪ )51‬انظر‪« :‬منهاج السنة النبوية» (‪.)914/4‬‬
‫(‪ )55‬انظر‪« :‬فتح الباري» (‪.)1/144‬‬
‫(‪ )51‬انظر‪« :‬الدرر السنية» (‪.)249/1‬‬
‫(‪ )51‬مصنف عبد الرزاق (‪)2152‬‬
‫(‪ )5٧‬مصنف عبد الرزاق (‪)2111‬‬

‫‪612‬‬
‫وإذا كانت الشورى هي طريقة اختيار احلاكم فإن ذلك يعين أن األمة جيب أن يكون هلا رأي فيمن‬
‫يتوىل شئون احلكم ِف الدولة اإلسالمية‪ ،‬فمسئولية االختيار راج عة إىل األمة نفسها‪ ،‬وقد كان‬
‫اضحا حني قرر أن من حاول أن يفرض نفسه‬ ‫اَّلل عنه ِف ذلك و ً‬ ‫حكم عم ر بن اخلطاب رضي َّ‬
‫أو غريه دون رضا املسلمني املبين على مشاورهتم وجب أن يعاقب عقاب املفسدين ِف األرض‬
‫«فال حيل لكم إال أن تقتلوه»‪.‬‬
‫اَّلل عنهم أن هناك‬
‫وليس ِف أصول اإلسالم القرآن والسنة وال ِف املأثور عن الصحابة رضي َّ‬
‫حمددا لتطبيقها؛ وذلك ألن هذا األمر مما ال جيوز‬
‫نظاما ً‬ ‫وسيلة معينة إلجراء هذه الشورى‪ ،‬وال ً‬
‫محل الناس بشأنه على طريقة واحدة ال تتغري وإمنا جيب أن تراعى فيه ظروف الزمان واملكان‪،‬‬
‫وليس أدل على صحة هذا الفهم من أن أسلوب الشورى اليت سبقت اختيار كل واحد من اخللفاء‬
‫أتثرا ابلظروف اليت سبقت وعاصرت اختيار كل خليفة‪ ،‬وقد ختتلف‬ ‫األربعة الراشدين كان خمتل ًفا ً‬
‫اضحا‪ ،‬وليس مثة جدال ِف أن‬‫احدا وو ً‬
‫أساليب الشورى وتتعدد صورها ويبقى مع ذلك اهلدف و ً‬
‫أسلوب الشورى اليوم ال ميكن أن يتفق مع أي من األساليب اليت اتبعت ِف اختيار اخللفاء‬
‫الراشدين لكن ذلك ليس هو األمر األساس‪ ،‬إمنا األمر األساس أن ال تفقد األمة حقها ِف اختيار‬
‫حاكمها وأن متارس حقها ِف الشورى ِف ظل خمتلف الظروف(‪. )52‬‬
‫األمر الثاين‪ :‬أن الطريقة اليت مت فيها عقد اإلمامة خلليفة رسول َّ‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص وأول رئيس للدولة‬
‫اَّلل عنه‬
‫اإلسالمية بعد وفاة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص كان ابالختيار أعين‪ :‬عقد اإلمامة أليب بكر الصديق رضي َّ‬
‫اَّلل عليهم بعد وفاة النيب ملسو هيلع هللا ىلص مباشرة وقبل أن ينظروا ِف أي شيء ِف‬
‫فقد اجتمع الصحابة رضوان َّ‬
‫سقيفة بين ساعدة للنظر ِف اختيار من خيلف النيب ملسو هيلع هللا ىلص ِف قيادة األمة‪ ،‬وجرى التداول بينهم ِف‬
‫ئيسا للدولة‪ ،‬فاألنصار يرون أهنم‬ ‫هذا الشأن‪ ،‬فتعددت االقرتاحات‪ ،‬واختلفت اآلراء فيمن يكون ر ً‬
‫أحق هبا ألهنم آووا النيب ملسو هيلع هللا ىلص ونصروه وأيدوه ِف دعوته وبذلوا ِف سبيل نصرته كل غال ونفيس‪،‬‬
‫واملهاجرون يرون أهنم أحق هبا؛ ألهنم قوم النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وأول من اتبعه وهاجر معه وترك األهل‬
‫والوطن ِف سبيل نصرته ملسو هيلع هللا ىلص وملا كان اهلدف من ذلك االجتماع وتلك االقرتاحات هو التوصل إىل‬
‫إماما‬
‫ما فيه صالح األمة وانتظام شأهنا اتفق اجملتمعون على ترشيح أيب بكر الصديق واختياره ً‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬ولقد أمجع املسلمون عدا الرافضة على أن أاب بكر الصديق هو أوىل األمة‬
‫وخليفة لرسول َّ‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬إال أنه جرى خالف بينهم‪ :‬هل كان عقد اإلمامة له ابالختيار أو بعهد من‬
‫خبالفة رسول َّ‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )52‬بتصرف من كتاب «النظام السياسي للدولة اإلسالمية» للعوا (ص‪.)٧٧:‬‬

‫‪613‬‬
‫النيب ملسو هيلع هللا ىلص؟ فالقول املختار ِف هذه املسألة‪ :‬أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص مل يعهد ابخلالفة ألحد ال أليب بكر‪ ،‬وال‬
‫اَّلل صلى‬
‫اَّلل عنهم نظروا فوجدوا خريهم وأفضلهم وأحبهم إىل رسول َّ‬ ‫لغريه‪ ،‬وإمنا الصحابة رضي َّ‬
‫هللا عليه وسلم أاب بكر‪ ،‬فاتفقوا على اختياره من بينهم‪ ،‬وقلدوه أمورهم‪ ،‬فهذا الرأي هو الذي عليه‬
‫اتفق احملققون من أهل التواريخ والسري‪.‬‬
‫ومن أقوى ما يستدل به على هذا الرأي أن عقد اإلمامة كان ابالختيار وأن النيب ملسو هيلع هللا ىلص مل يعهد له‬
‫متقررا لدى كل مسلم أن الصحابة‬ ‫هبا اختالف الصحابة فيمن خيلف الرسول ملسو هيلع هللا ىلص؛ ألنه كان ً‬
‫أمرا له ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فلو كان قد عهد ابخلالفة أليب بكر ملا وقع اخلالف‬ ‫اَّلل عليهم ال يعارضون ً‬ ‫رضوان َّ‬
‫املتقدم بينهم‪.‬‬
‫يوضح هذا أنه ملا روي قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪«:‬األئمة من قريش»(‪ )1٧‬انصاع هلذا النص اجلميع‪ ،‬وسلموا ومل‬
‫اَّلل‬
‫اَّلل بن عمر رضي َّ‬ ‫يبق ِف نفس أحد شيء من عقد اإلمامة أليب بكر الصديق‪ ،‬وقد روى عبد َّ‬
‫عنهما أنه قال‪« :‬ملا أصيب عمر قيل له‪ :‬استخلف اي أمري املؤمنني؟ قال‪ :‬إن أستخلف فلقد‬
‫استخلف من هو خري مين يعين‪ :‬أاب بكر وإن ال أستخلف فلم يستخلف من هو خري مين‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص »(‪. )14‬‬
‫يعين‪ :‬رسول َّ‬
‫اَّلل عنه على أن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص مل يوص‬ ‫وهذا نص صريح من أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب رضي َّ‬
‫اَّلل صلى هللا‬ ‫اَّلل عنها أهنا سئلت‪« :‬من كان رسول َّ‬ ‫أليب بكر ابخلالفة‪ ،‬وقد روي عن عائشة رضي َّ‬
‫عليه وسلم مستخل ًفا لو استخلف؟»(‪ ، )19‬وهذا يوضح أن الرسول عليه الصالة والسالم مل‬
‫يستخلف أي أحد ومل يعهد ألحد ابخلالفة‪.‬‬
‫وأهل الرأي الثاين يذهبون إىل أن عقد اإلمامة أليب بكر كان بعهد ووصية من الرسول عليه الصالة‬
‫والسالم وهذا يتناىف مع ما قدمت من أدلة‪ ،‬وما حيتج به أهل هذا الرأي من أدلة يزعمون أهنا‬
‫تدعم قوهلم وتؤيده فسأانقشها بعد عرضها وأبني أهنا ال تدل على ما ذهبوا إليه‪.‬‬

‫***‬

‫______________________________________‬
‫أيضا البخاري ومسلم بغري هذا اللفظ‪.‬‬
‫(‪ )1٧‬أخرجه أمحد ِف «املسند» (‪ ،)4٧4/4‬وأخرجه ً‬
‫(‪ )14‬أخرجه البخاري ِف كتاب «األحكام» ابب (‪ 9٧1/44( )45‬فتح)‪ ،‬ومسلم ِف «كتاب اإلمارة» (‪)44‬‬
‫(‪ 9٧1/49‬شرح النووي)‪ ،‬وأمحد ِف «املسند» (‪ ،)41/4‬والرتمذي ِف كتاب «الفنت» (‪ ،)9٧5/1( )14‬وأبو داود‬
‫كتاب «اإلمارة» (‪ 154/٧‬عون)‪.‬‬
‫أيضا أخرجه أمحد ِف «املسند» (‪)91411‬‬
‫(‪ )19‬أخرجه مسلم «فضائل الصحابة» (‪ )94٧5‬و ً‬

‫‪614‬‬
‫املطلب اخلامس رمامة أيب بكر الصديق‪:‬‬
‫اختلف أهل العلم ِف نصية اإلمامة أليب بكر الصديق من النيب ملسو هيلع هللا ىلص ومن أدلة من قال بنصية‬
‫إمامته هنع هللا يضر ما يلي‪:‬‬
‫الدليل األول‪ :‬ما رواه البخاري ومسلم ِف «صحيحيهما» عن جبري بن مطعم قال‪ :‬أتت امرأة إىل‬
‫النيب ملسو هيلع هللا ىلص فأمرها أن ترجع إليه‪ ،‬قالت‪ :‬أرأيت إن جئت فلم أجدك؟ كأهنا تريد املوت‪ ،‬قال‪« :‬إن مل‬
‫جتديين فآيت أاب بكر»(‪.)14‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬ما ِف «الصحيحني» عن عائشة اهنع هللا يضر وعن أبيها قالت‪ :‬قال يل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪:‬‬
‫كتااب فإين أخاف أن يتمىن متم ٍن ويقول قائل‪ :‬أان أوىل» مث‬ ‫«ادعي يل أابك وأخاك حىت أكتب ً‬
‫قال‪« :‬وأيىب هللا واملؤمنون إال أاب بكر»(‪ . )11‬وِف رواية‪« :‬فال يطمع ِف هذا األمر طامع»‪.‬‬
‫كتااب ال خيتلف عليه» مث قال‪:‬‬ ‫وِف رواية قال‪« :‬ادعي يل عبد الرمحن بن أيب بكر ألكتب أليب بكر ً‬
‫«معاذ هللا أن خيتلف املؤمنون ِف أيب بكر»(‪. )15‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬ما رواه حذيفة بن اليمان هنع هللا يضر عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال‪« :‬اقتدوا ابلَّلذين من بعدي‬
‫أيب بكر وعمر»(‪. )11‬‬
‫الدليل الرابع‪ :‬تقدمي النيب ملسو هيلع هللا ىلص (له ِف إمامة الصالة أايم مرضه)(‪. )11‬‬
‫الدليل اخلامس‪ :‬قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬لو كنت متخ ًذا من أهل األرض خليالً الختذت أاب بكر‬
‫خليالً»(‪. )1٧‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )14‬رواه البخاري ِف «كتاب األحكام» ابب (‪ )9٧1/44( )45‬مع «الفتح»‪ ،‬ورواه مسلم ِف «كتاب الفضائل»‬
‫ابب فضائل أيب بكر (‪ )4٧51/1‬حديث رقم (‪.)94٧1‬‬
‫(‪ )11‬البخاري «كتاب األحكام»‪ ،‬ابب‪ ،)9٧5/44( )45( :‬ومسلم «كتاب فضائل الصحابة»‪ ،‬ابب‪ :‬فضائل أيب‬
‫بكر حديث رقم (‪.)4٧51/1( )94٧1‬‬
‫(‪ )15‬أخرجه أمحد ِف «املسند» (‪ )91422‬ومسند أيب داود الطيالسي حديث رقم (‪.)4144‬‬
‫(‪ )11‬أخرجه الرتمذي «كتاب املناقب» ابب ِف مناقب أيب بكر وعمر حديث رقم (‪ ،)4114(،)4119‬وابن ماجه‪:‬‬
‫ىف «املقدمة» ابب ِف فضائل أصحاب رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص حديث (‪ ،)12‬وصححه األلباين ِف «صحيح اجلامع» برقم‬
‫(‪ ،)4544‬وِف «سلسلة األحاديث الصحيحة» برقم (‪.)4494‬‬
‫(‪ )11‬أخرجه البخاري‪« :‬كتاب األذان» ابب أهل العلم والفضل أحق ابإلمامة‪ ،‬حديث (‪،)1٧9(،)112(،) 11٧‬‬
‫ومسلم «كتاب الصالة» ابب استخالف اإلمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغريمها من يصلي ابلناس‪ ،‬وحديث‬
‫(‪.)4٧4 21 21‬‬
‫(‪ )1٧‬أخرجه البخاري‪« :‬كتاب فضائل الصحابة» ابب قول النيب ملسو هيلع هللا ىلص «لوكنت متخ ًذا خليالً»‪ ،‬حديث (‪4151‬‬
‫‪ ،)415٧‬ومسلم كتاب «فضائل الصحابة»‪ ،‬ابب من فضائل أيب بكر (ج‪.)1 4‬‬

‫‪615‬‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص يقول‪« :‬بينما أان‬
‫الدليل السادس‪ :‬ما ِف «الصحيحني» عن أيب هريرة قال‪ :‬مسعت رسول َّ‬
‫ذنواب‬
‫اَّلل مث أخذها ابن أيب قحافة فن زع منها ً‬ ‫انئم رأيتين على قليب عليها دلو فن زعت منها ما شاء َّ‬
‫اَّلل يغفر له‪ ،‬مث استحالت غرًاب فأخذها ابن اخلطاب فلم أر عبقراي من‬ ‫أو ذنوبني وِف نزعه ضعف و َّ‬
‫الناس يفري فريه حىت ضرب الناس بعطن»(‪. )12‬‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص أن َس ْله‬
‫اَّلل عنه قال‪ :‬بعثين بنو املصطلق إىل رسول َّ‬
‫الدليل السابع‪ :‬حديث أنس رضي َّ‬
‫إىل من ندفع صدقاتنا بعدك؟ فأتيته فسألته فقال‪« :‬إىل أيب بكر»(‪. )1٧‬‬
‫هذا أقوى ما استدل به القائلون أبن عقد اإلمامة أليب بكر كان ابلنص‪.‬‬
‫وحنن إذا أتملنا هذه األدلة وحمصناها متجردين من التعصب للرأي وجدانها ال توصل إىل ما‬
‫ذهبوا إليه‪ ،‬وغاية ما تدل عليه فضل أيب بكر وأولويته ِف اخلالفة‪ ،‬وهذا حمل اتفاق بني اجلميع مل‬
‫يقع فيه خالف‪ ،‬إمنا اخلالف الذي وقع‪ :‬هل الرسول ملسو هيلع هللا ىلص عهد ابخلالفة أو مل يعهد هبا له؟‬
‫أما الدليل األول وهو أن امرأة أتت إىل النيب ملسو هيلع هللا ىلص فأمرها أن ترجع إليه‪ ،‬قالت‪ :‬أرأيت إن جئت فلم‬
‫أجدك؟ كأهنا تريد املوت قال‪« :‬إن مل جتديين فآيت أاب بكر»‪ ،‬فهو ال يدل على استخالف‬
‫الرسول ملسو هيلع هللا ىلص أليب بكر‪ ،‬ألنه حيتمل أن املرأة أتت النيب ملسو هيلع هللا ىلص لتسأله عن مسألة علمية‪ ،‬أو تسأله عن‬
‫حاجة دنيوية‪ ،‬وإذا كان الدليل حمتمالً بطل االستدالل به‪.‬‬
‫اَّلل عنها وعن أبيها قالت‪ :‬قال يل رسول‬ ‫وأما استدالهلم مبا ِف «الصحيحني» عن عائشة رضي َّ‬
‫كتااب فإين أخاف أن يتمىن متمن ويقول قائل‪ :‬أان‬ ‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ادعي يل أابك وأخاك حىت أكتب ً‬
‫َّ‬
‫اَّلل واملؤمنون إال أاب بكر»‬
‫أوىل»‪ ،‬مث قال‪« :‬أيىب َّ‬
‫وِف رواية‪« :‬فال يطمع ِف هذا األمر طامع» ‪ ،‬وِف رواية قال‪« :‬ادعي يل عبد الرمحن بن أيب بكر‬
‫اَّلل أن خيتلف املؤمنون ِف أيب بكر»‬ ‫كتااب ال خيتلف عليه»‪ ،‬مث قال‪َ « :‬معاذ َّ‬ ‫ألكتب أليب بكر ً‬
‫فمعارض‪:‬‬

‫كتااب يتعلق بشئون أهله من بعده أو بتوليته‬


‫أوالً‪ :‬ابحتمال أن يكون أراد ملسو هيلع هللا ىلص أن يكتب أليب بكر ً‬
‫منصبًا دينيا كإمامة الصالة أو غريها‪.‬‬
‫كتااب‪.‬‬
‫واثنيا‪ :‬وهو األقوى أن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص مل يكتب أليب بكر ً‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )12‬أخرجه البخاري «كتاب فضائل الصحابة» ابب مناقب عمر حديث رقم (‪ ،)9٧14‬ومسلم حديث رقم‬
‫(‪.)14‬‬
‫(‪ )1٧‬رواه احلاكم (‪ )11/4‬وصححه ووافقه الذهيب‪.‬‬

‫‪616‬‬
‫أما استدالهلم حبديث حذيفة بن اليمان عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال‪« :‬اقتدوا ابللذين من بعدي‪ :‬أيب‬
‫فمعارض أبنه لو دل على أن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص نص على خالفة أيب بكر للزمت الداللة‬ ‫بكر وعمر» ُ‬
‫منه على أن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص نص على خالفة عمر‪ ،‬وهذا مل يقل به أحد ممن يعتد بقوله‪.‬‬
‫أما استدالهلم بتقدميه عليه الصالة والسالم أليب بكر ِف الصالة فال يلزم منه أن يكون خليفة له‬
‫ِف اإلمامة العظمى ألن إمامة الصالة ختتلف عن اإلمامة العظمى وليس كل من يصلح للقيام‬
‫إبمامة الصالة يصلح لتويل اإلمامة‪.‬‬
‫وأما قوله عليه الصالة والسالم‪« :‬لو كنت متخ ًذا من أهل األرض خليالً الختذت أاب بكر‬
‫أيضا يقول‪«:‬بينما أان انئم رأيتين على قليب عليها دلو‬ ‫خليالً»‪ ،‬وقوله عليه الصالة والسالم ً‬
‫اَّلل‬
‫ذنواب أو ذنوبني وِف نزعه ضعف و َّ‬ ‫اَّلل مث أخذها ابن أيب قحافة فن زع منها ً‬ ‫فن زعت منها ما شاء َّ‬
‫يغفر له‪ ،‬مث استحالت غرًاب فأخذها ابن اخلطاب فلم أر عبقراي من الناس يفري فريه حىت ضرب‬
‫اَّلل عنه وهذا‬ ‫الناس بعطن»(‪ )14‬فغاية ما فيهما الداللة على فضل أيب بكر الصديق رضي َّ‬
‫حمل اتفاق ال خالف فيه؛ فاتضح بيقني أن خالفة أيب بكر الصديق كانت ابالختيار واالتفاق من‬
‫اَّلل عليهم وأن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص مل ينص على أحد ابخلالفة ال أليب بكر وال علي وال‬‫الصحابة رضوان َّ‬
‫العباس وال غريهم‪.‬‬
‫اَّلل تعاىل ِف هذه املسألة‪ ،‬حيث قال ِف «منهاج السنة»‪« :‬التحقيق أن النيب‬ ‫قال ابن تيمية رمحه َّ‬
‫دل املسلمني على استخالف أيب بكر وأرشدهم إليه أبمور متعددة من أقواله وأفعاله‪ ،‬وأخرب‬ ‫ملسو هيلع هللا ىلص َّ‬
‫خبالفته إخبار راض بذلك حامد له» إىل أن قال‪« :‬فخالفة أيب بكر الصديق دلت النصوص‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص له هبا‪ ،‬وانعقدت مببايعة املسلمني له‬
‫اَّلل ورسول َّ‬
‫الصحيحة على صحتها وثبوهتا ورضا َّ‬
‫اَّلل أمر‬
‫اَّلل ورسوله هبا وأهنا حق وأن َّ‬
‫اختيارا استندوا فيه إىل ما علموه من تفضيل َّ‬ ‫ً‬ ‫واختيارهم إايه‬
‫هبا وقدرها‪ ،‬وأن املؤمنني خيتاروهنا وكان هذا أبلغ من جمرد العهد هبا‪ ،‬ألنه حينئذ يكون طريق ثبوهتا‬
‫العهد‪ ،‬وأما إذا كان املسلمون اختاروه من غري عهد ودلت النصوص على صواهبم فيما فعلوه ورضا‬
‫اَّلل ورسوله بذلك كان دليالً على أن الصديق كان فيه من الفضائل اليت ابن هبا عن غريه ما علم‬ ‫َّ‬
‫املسلمون به أنه أحقهم ابخلالفة فإن ذلك ال حيتاج إىل عهد خاص»(‪ ،)19‬ولو كانت اخلالفة‬
‫اَّلل عنه من النيب ملسو هيلع هللا ىلص ملا أخذ أبو بكر بيدي عمر وأيب عبيدة بن‬
‫منصوصا عليها أليب بكر رضي َّ‬ ‫ً‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )14‬صحيح البخاري (‪)4111‬‬
‫(‪« )19‬منهاج السنة» البن تيمية (‪.)419 -442/4‬‬

‫‪617‬‬
‫اجلراح ِف السقيفة وقوله‪« :‬قد اخرتت لكم أحد هذين الرجلني فبايعوا أيهما شئتم» ِف القصة اليت‬
‫عهدا ملا جاز أليب بكر أن حييد عنه‪.‬‬
‫أوردها البخاري ِف كتاب احلدود‪ ،‬فلو أن هنالك ً‬
‫***‬
‫املطلب السادس الـعهــد رلـى األبـن ــاء‪:‬‬
‫أصبح من املألوف منذ قيام الدولة األموية إىل يومنا هذا عهد اآلابء إىل األبناء أو اإلخوة‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل العلم ِف جواز ذلك إىل قولني‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬اجلواز ِف ذلك ألنه أمري األمة‪ ،‬واألعلم ابألصلح هلا‪ ،‬وأمره انفذ عليهم ووجب‬
‫عليهم السمع والطاعة له‪.‬‬
‫قال ابن خلدون ِف «مقدمته»‪« :‬وال يتهم اإلمام ِف هذا األمر‪ ،‬وإن عهد إىل أبيه أو ابنه؛ ألنه‬
‫مأمون النظر هلم ِف حياته‪ ،‬فأوىل أن ال يتحمل فيها تبعة ما بعد مماته‪ ،‬خالفًا ملن قال ابهتامه ِف‬
‫الولد والوالد‪ ،‬أو ملن خصص اهتامه ابلولد دون الوالد‪ ،‬فإنه بعيد عن الظنة ِف ذلك كله‪ ،‬السيما‬
‫أسا‪،‬‬
‫إذا كانت هناك داعية تدعو إليه من إيثار مصلحة أو توقع مفسدة فتن تفي الظنة عند ذلك ر ً‬
‫كما وقع ِف عهد معاوية إليثار ابنه يزيد ابلعهد دون سواه‪...‬إمنا هو مراعاة املصلحة ِف اجتماع‬
‫الناس»(‪. )14‬‬
‫القول الثاين‪ :‬عدم اجلواز‪ ،‬وذلك ألن العهد كالشهادة فال تقبل شهادة الرجل ألصوله وال لفروعه‪.‬‬
‫الرجيح‪ :‬والذي يرتجح عندي هو الرأي الثاين‪ ،‬فإن اخللفاء الراشدين كانوا أبعد عن هذا األمر‪،‬‬
‫اَّلل عنهم أمجعني ‪ ،‬وعمر مل يعهد إىل‬
‫فأبو بكر مل يعهد البنه من بعده بل عهد إىل عمر رضي َّ‬
‫ابنه بل جعلها شورى بني الستة وجعله من أهل الشورى‪ ،‬وشدد على أنه ليس له من األمر شيء‬
‫اَّلل عنه‬
‫فال يتوىل اخلالفة‪ ،‬وكذلك عثمان مل يعهد إىل أحد من أقاربه‪ ،‬وعلي بن أيب طالب رضي َّ‬
‫اَّلل صلى هللا‬
‫حني سأله رجل‪ :‬أال تعهد اي أمري املؤمنني؟ قال‪ :‬ال؛ ولكين أترككم كما ترككم رسول َّ‬
‫عليه وسلم(‪. )11‬‬
‫اَّلل عنهم‪ ،‬ومن أجاز‬
‫فوجب علينا االقتداء هبؤالء األعالم والسري على هنجهم‪ ،‬وأخذ سن تهم رضي َّ‬
‫العهد لألبناء إمنا اشرتط رجحان وتيقن املصلحة وأمن الفتنة‪ ،‬وإال فإن اإلمامة ال تُورث وليست‬
‫حكرا على عائلة بعينها ال خترج منها‪.‬‬
‫ً‬
‫______________________________________‬
‫(‪« )14‬املقدمة البن خلدون» (ص‪ )549‬بتصرف‪.‬‬
‫أيضا اهليثمي ِف‬
‫(‪ )11‬انظر‪« :‬مسند أمحد» بتحقيق العالمة أمحد شاكر (‪ ،)919/9‬وقال إسناده صحيح‪ ،‬وأخرجه ً‬
‫«جممع الزوائد» (‪ )441/2‬وقال فيه‪ :‬رجاله رجال الصحيح غري عبد هللا بن سبيع وهو ثقة‪.‬‬

‫‪618‬‬
‫قال ابن خلدون‪« :‬وأما أن يكون القصد ابلعهد حفظ الرتاث على األبناء فليس من املقاصد‬
‫خيص به من يشاء من عباده‪ ،‬وينبغي أن حتسن فيه النية ما أمكن خوفًا‬
‫اَّلل ُّ‬
‫الدينية‪ ،‬إذ هو أمر من َّ‬
‫اَّلل على هذا‬
‫من العبث ابملناصب الدينية‪ ،‬وامللك ََّّلل يؤتيه من يشاء»(‪ )15‬وشدد ابن حزم رمحه َّ‬
‫األمر فقال‪« :‬ال خالف بني أحد من أهل اإلسالم ِف أنه ال جيوز التوارث فيها»(‪.)11‬‬
‫***‬
‫املبحث الثالث رأي الشيعة يف اإلمامة‪:‬‬
‫اعلم أن الشيعة لغة‪ :‬هم الصحب واألتباع‪.‬‬
‫ويطلق ِف عرف الفقهاء واملتكلمني من اخللف والسلف على‪ :‬أتباع علي بن أيب طالب وبنيه رضي‬
‫اَّلل عنهم‪.‬‬
‫َّ‬
‫مجيعا املتفقون عليه أن اإلمامة ليست من املصاحل العامة اليت تفوض إىل نظر األمة‪،‬‬ ‫ومذهبهم ً‬
‫ويتعني القائم هبا بتعيينهم بل هي ركن الدين وقاعدة اإلسالم‪ ،‬وال جيوز لنيب إغفالُهُ‪ ،‬وال تفويضه‬
‫معصوما من الكبائر والصغائر‪ ،‬وأن عليا رضي‬‫ً‬ ‫إىل األمة‪ ،‬بل جيب عليه تعيني اإلمام هلم‪ ،‬ويكون‬
‫اَّلل وسالمه عليه بنصوص ينقلوهنا ويؤولوهنا على مقتضى مذهبهم‬ ‫اَّلل عنه هو الذي عينه صلوات َّ‬
‫َّ‬
‫ال يعرفها جهابذة السنة وال نقلة الشريعة‪ ،‬بل أكثرها موضوع أو مطعون ِف طريقه‪ ،‬أو بعيد عن‬
‫أتويالهتم الفاسدة‪.‬‬
‫وتنقسم هذه النصوص عندهم رىل جلي وخفي‪:‬‬
‫فاجللي مثل قوله‪« :‬من كنت مواله فعلي مواله»(‪ )11‬قالوا‪ :‬ومل تطرد هذه الوالية إال من علي‪،‬‬
‫وهلذا قال له عمر‪ :‬أصبحت موىل كل مؤمن ومؤمنة‪ ،‬ومنها قوله‪« :‬أقضاكم علي» وال معىن‬
‫اَّلل وأ ِ‬
‫َطيعُوا‬ ‫ِ‬
‫اَّلل وهو املراد أبويل األمر الواجبة طاعتهم بقوله‪﴿ :‬أَطيعُوا ََّ َ‬
‫لإلمامة إال القضاء أبحكام َّ‬
‫ول َوأ ُْوِيل األ َْم ِر ِمن ُك ْم ﴾ [النساء‪ ]52 :‬واملراد احلكم والقضاء‪ ،‬وهلذا كان َح َك ًما ِف قضية‬
‫الر ُس َ‬
‫َّ‬
‫اإلمامة يوم السقيفة دون غريه‪ ،‬ومنها قوله‪« :‬من ي بايعين على روحه وهو وصي وويل هذا األمر من‬
‫بعدي؟» فلم ي بايعه إال علي‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪« )15‬املقدمة البن خلدون» (ص‪.)419:‬‬
‫(‪« )11‬الفصل ِف امللل والنحل» البن حزم (‪.)411/1‬‬
‫(‪ )11‬أخرجه الرتمذي‪« :‬كتاب املناقب» ابب مناقب علي بن أيب طالب هنع هللا يضر‪ ،‬حديث (‪،)4144‬وابن ماجه‬
‫«املقدمة» ابب ِف فضائل أصحاب رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬حديث (‪ ،)494‬وذكره العالمة األلباين ِف «سلسلة األحاديث‬
‫برقم (‪ ،)415٧‬وِف «صحيح اجلامع» برقم (‪.)1422‬‬

‫‪619‬‬
‫ومن اخلفي عندهم بعث النيب ملسو هيلع هللا ىلص عليا لقراءة سورة براءة ِف املوسم حني أنزلت؛ فإنه بعث هبا أوالً‬
‫أاب بكر مث أوحي إليه‪ :‬لي بلغه رجل منك أو من قومك‪ ،‬فبعث عليا ليكون القارئ املبلغ‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫أحدا على (علي)‪.‬‬
‫أيضا فلم يعرف أنه قدم ً‬ ‫وهذا يدل على تقدمي علي‪ ،‬و ً‬

‫مرةً وعمرو بن العاص مرة أخرى‪ ،‬وهذه‬ ‫وأما أبو بكر وعمر فقدم عليهما ِف غزوتني أسامة بن زيد َّ‬
‫كلها أدلة شاهدة بتعني علي للخالفة دون غريه‪ ،‬فمنها ما هو غري معروف‪ ،‬ومنها ما هو بعيد عن‬
‫أتويلهم‪ ،‬مث منهم من يرى أن هذه النصوص تدل على تعيني علي وتشخيصه‪ ،‬وكذلك تن تقل منه‬
‫إىل من بعده وهؤالء هم اإلمامية‪ ،‬ويتربءون من الشيخني حيث مل يقدما عليا وي بايعاه مبقتضى هذه‬
‫النصوص‪.‬‬
‫مث اختلفت أقوال هؤالء الشيعة ِف مساق اخلالفة بعد علي‪ :‬فمنهم من ساقها ِف ولد فاطمة‬
‫احدا بعد واحد على ما يذكر بعد وهؤالء يسمون‪ :‬اإلمامية نسبة إىل مقالتهم‬ ‫ابلنص عليهم و ً‬
‫ابشرتاط معرفة اإلمام وتعيينه ِف اإلميان‪ ،‬وهي أصل عندهم‪ ،‬ومنهم من ساقها ِف ولد فاطمة لكن‬
‫شجاعا داعيا إىل إمامته‪،‬‬
‫ً‬ ‫اهدا جو ًادا‬
‫ابالختيار من الشيوخ‪ ،‬ويشرتط أن يكون اإلمام منهم عاملا ز ً‬
‫ً‬
‫وهؤالء هم الزيدية نسبة إىل صاحب املذهب‪ ،‬وهو زيد بن علي بن احلسني السبط‪ ،‬وقد كان‬
‫حممدا الباقر على اشرتاط اخلروج على اإلمام‪ ،‬فيلزمه الباقر أن ال يكون أبومها زين‬ ‫يناظر أخاه ً‬
‫إماما ألنه مل خيرج وال تعرض للخروج‪ ،‬وكان مع ذلك ينعي عليه مذاهب املعتزلة‪ ،‬وأخذه‬ ‫العابدين ً‬
‫يدا ِف إمامة الشيخني‪ ،‬ورأوه يقول إبمامتهما وال‬ ‫إايها عن واصل ابن عطاء‪ ،‬وملا انظر اإلمامية ز ً‬
‫يتربأ منهما رفضوه ومل جيعلوه من األئمة‪ ،‬وبذلك مسوا رافضة‪.‬‬
‫ومنهم من ساقها بعد علي وابنيه السبطني على اختالفهم ِف ذلك إىل أخيهما دمحم ابن احلنفية‪ ،‬مث‬
‫إىل ولده‪ ،‬وهم الكيسانية نسبة إىل كيسان مواله‪ ،‬وبني هذه الطوائف اختالفات كثرية تركناها‬
‫اختصارا(‪. )1٧‬‬
‫ً‬

‫***‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )1٧‬انظر‪« :‬مقدمة ابن خلدون» (ص‪.)455:‬‬

‫‪621‬‬
‫الفصل السادس يف أهل احلل والعقد‬

‫املبحث األول الصفات املعتربة يف أهل احلل والعقد‪:‬‬


‫اعلم أنه البد أن تتحقق صفات فيمن يتولون عقد اإلمامة‪ ،‬وهم أهل االختيار أي‪ :‬الذين يلزمهم‬
‫إماما لألمة وهذه‬
‫تويل أمر نصب اإلمام بعد أن جيتهدوا ِف التشاور والنظر فيمن يرضون به ً‬
‫الصفات منها‪:‬‬
‫‪ 4‬العدالة اجلامعة لشروطها‪.‬‬
‫‪ 9‬العلم الذي يتوصل به إىل معرفة من يستحق اإلمامة على الشروط املعتربة منهم‪.‬‬
‫‪ 4‬الرأي واحلكمة املؤداين إىل اختيار من هو لإلمامة أصلح‪ ،‬وبتدبري املصاحل أقوم وأعرف‪ ،‬وليس‬
‫ملن كان ِف بلد اإلمام على غريه من أهل البالد فضل مزية تقدمه على غريه‪ ،‬وإمنا صار من حيضر‬
‫شرعا‪ ،‬لسبق علمهم مبوته‪ ،‬وألن من يصلح للخالفة ِف‬‫ببلد اإلمام متوليا لعقد اإلمامة عرفًا ال ً‬
‫األغلب موجودون ِف بلده(‪. )12‬‬
‫وقد اشرتط مجهور العلماء هذه الصفات ِف العاقدين ألن من ال يعرف مجلة الدين ال يعرف من‬
‫يصلح لإلمامة‪ ،‬فالبد أن يكون عارفًا بذلك‪ ،‬ومىت مل يعرف من يصلح لإلمامة مل يكن له طريق‬
‫إىل اختيار اإلمام‪ ،‬فالبد من أن يعرف ذلك‪ ،‬والبد من أن يكون من أهل الرأي؛ ألنه حيتاج ِف‬
‫احد على آخر ألحوال ترجع إىل الدين‪ ،‬وإىل الشجاعة وغريها‪ ،‬ومىت مل يلزم أهل‬ ‫ذلك إىل تقدمي و ٍ‬
‫الرأي مل يصح ذلك فيه‪.‬‬
‫والبد من أن يكون من أهل السري والصالح‪ ،‬ليوثق ابختياره‪ ،‬وألن أمر اإلمامة أعظم من غريها‬
‫من الوالايت‪ ،‬فإذا قدح الفسق ِف مجيعها وقدح ِف الشهادة والقضاء فبأن يقدح ِف اختيار اإلمام‬
‫أوىل‪.‬‬
‫وال جيب أن يكون من صفتهم أن يكونوا أفضل من ِف الزمان‪ ،‬ألنه قد ثبت أن فيمن عقد أليب‬
‫بكر من مل يقاربه الفضل فالبد أن يعترب ِف العاقدين ما ذكر(‪. )٧٧‬‬

‫***‬

‫______________________________________‬
‫(‪« )12‬األحكام السلطانية» للماوردي (ص‪.)1‬‬
‫(‪« )٧٧‬املغين» لعبد اجلبار اهلمداين (ص‪.)911:‬‬

‫‪621‬‬
‫املبحث الثاين الشروط املعتربة يف اإلمام األعظم‪:‬‬
‫وحيث قد انتهيت من الكالم على بيان حكم نصب اإلمام‪ ،‬وكيفية عقد اإلمامة‪ ،‬والشروط املعتربة‬
‫ِف العاقدين‪ ،‬فالبد من بيان شروط اإلمام‪ ،‬ولقد اختلفت عبارات العلماء ِف بيان الشروط املعتربة‬
‫ِف اإلمام على أقوال منهم من حيصرها ِف أربعة‪ ،‬ومنهم من يزيد على ذلك‪ ،‬ومنهم من ينقص‪،‬‬
‫ومنهم من يقسمها إىل شروط واجبة وشروط مستحبة‪ ،‬وسأبينها وأذكر املتفق عليه منها واملختلف‬
‫فيه‪.‬‬
‫فمن الشروط املتفق عليها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬اإلسالم‪:‬‬
‫ألن غري املسلم ال ينبغي أن يكون له والية على املسلمني‪ ،‬لقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ولَن جيعل َّ ِ ِ‬
‫اَّللُ ل ْل َكاف ِر َ‬
‫ين‬ ‫َ َْ َ‬
‫ني َسبِيالً ﴾ [النساء‪ ،]414 :‬وال سبيل أعظم من الوالية العظمى‪ ،‬وألن ديننا قد‬ ‫ِِ‬
‫َعلَى الْ ُم ْؤمن َ‬
‫أوجب على اليهود والنصارى أن يؤخذوا ابجلزية والصغار حىت يسلموا‪ ،‬أما من كان من غري أهل‬
‫الكتاب من الكفار فحكمه القتل؛ إال أن يسلم‪ ،‬فال يتصور تنصيب أحد‬
‫إماما للمسلمني‪،‬؛ وألنه ال خالف أن إمامة الكافر ال‬ ‫من هؤالء مع ما ذُكر فيه من الصفات ً‬
‫تصح‪ ،‬وألنه أي‪ :‬اإلمام أعلى درجة من احلاكم واألمري‪ ،‬فإذا مل يصح منهما إال أن يكوان‬
‫مسلمني فبأن ال يصح ذلك ِف اإلمام أوىل‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬الذكورية‪:‬‬
‫وهذا حمل إمجاع من علماء األمة(‪ )٧4‬ومل يعرف عن أحد أنه جوز إمامة املرأة‪ ،‬لقوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪« :‬لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة»(‪ ،)٧9‬وألن املرأة غالبًا ال تتمتع ابلصفات اليت يتمتع‬
‫هبا الرجل من الشجاعة وبعد النظر؛ وألن املرأة سريعة العاطفة‪ ،‬وألن الشارع جعل للرجل الوالية‬
‫على املرأة ِف النكاح؛ وألن الرجال قوامون على النساء‪ ،‬كما قال تعاىل‪ ﴿ :‬ال ِر َج ُ‬
‫ال قَ َّو ُامو َن َعلَى‬
‫ض َوِمبَا أَن َف ُقوا ِم ْن أ َْم َواهلِِم ﴾[النساء‪.]41:‬‬
‫ض ُه ْم َعلَى بَ ْع ٍ‬
‫اَّللُ بَ ْع َ‬
‫َّل َّ‬ ‫ِ ِِ‬
‫الن َساء مبَا فَض َ‬
‫اثلثا‪ :‬العدالة‪:‬‬
‫ألنه قد ثبت أن العدالة مطلوبة ِف الشاهد واحلاكم‪ ،‬وال خالف أن اإلمامة أعلى من زلة منهما فيما‬
‫وحاكما فبأن‬
‫ً‬ ‫شاهدا‬
‫يتعلق أبمر الدين ألن إليه ما إليهما وزايدة‪ ،‬فإذا كان الفسق مينع من كونه ً‬
‫إماما أوىل‪.‬‬
‫مينع من كونه ً‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )٧4‬انظر‪« :‬مراتب اإلمجاع» البن حزم (ص‪ ،)495‬وكذلك تفسري الشنقيطي املسمى «أضواء البيان» (‪.)55/4‬‬
‫(‪ )٧9‬أخرجه البخاري‪« ،‬كتاب املغازي» (‪ ،)1195( )491/٧‬من حديث أيب بكرة‪.‬‬

‫‪622‬‬
‫وال يرد على هذا أن يقال‪ :‬الفاسق تصح إمامته ِف الصالة‪ ،‬وإن كان فاس ًقا فكذلك اإلمام‬
‫األعظم فتجوز إمامته وإن كان فاس ًقا؛ ألن إمامته ِف الصالة ال يتعلق هبا حقوق للغري كما تتعلق‬
‫ابإلمامة العظمى‪ ،‬وحيث وجد الفرق فال يصح قياس اإلمامة العظمى على إمامة الصالة؛ وألن‬
‫من واجبات اإلمام األعظم أن يقوم ابحلقوق‪ :‬كاحلدود واألحكام واإلنصاف وأخذ األموال من‬
‫وجوهها وصرفها ِف حقها‪ ،‬والفاسق ال يؤمتن على ذلك‪ ،‬وكذلك القول ِف األمر ابملعروف‪ ،‬إذ‬
‫الفسق ال مينع عنه؛ ألنه ال يتصل ابحلقوق مضار اإلمام كاحلاكم ِف وجوب كونه عدالً(‪. )٧4‬‬
‫رابعا‪ :‬العلم‪:‬‬
‫اعلم أنه ال يشرتط ِف اإلمام األعظم أن يكون عاملا جبميع العلوم‪ ،‬وشىت الفنون‪ ،‬وخمتلف اللغات؛‬
‫ً‬
‫ألن هذا أمر يعسر العثور على من يتصف به‪ ،‬وإمنا العلم املشرتط ِف اإلمام أن يكون عاملا‪ ،‬أو ِف‬
‫ً‬
‫حكم العامل مبا يتصل ابألحكام والشرائع‪.‬‬
‫يبني ذلك أن احلاكم يقوم ابألمور اليت يقوم هو هبا‪ ،‬فإذا مل يعترب ِف احلاكم إال ما ذكرانه فكذلك‬
‫القول ِف اإلمام‪.‬‬
‫وبعد فال خيلو إذا قال املخالف‪ :‬جيب أن يعلم أكثر مما ذكر أن يوجب ِف كونه عاملا أن يستقل‬
‫ً‬
‫بنفسه وأن ال حيتاج إىل غريه ِف شيء من األحكام‪ ،‬أو جيوز ذلك منه‪ ،‬فإن منعه لزمه أن يعلم كل‬
‫ما يتصل ابألحكام من الفهم واإلرث وما يتصل ابلصناعات‪ ،‬وبطالن ذلك واضح يبينه جواز‬
‫رجوعه إىل غريه‪ ،‬فيجب أن يكون عاملا بطريقة االجتهاد‪ ،‬وفيما يعرض من األحكام إذا كان‬
‫ً‬
‫طريقها االجتهاد‪ ،‬فإن مل يتوفر له ذلك عن طريق االجتهاد شاور فيه العلماء وأخذ أبصح‬
‫األقاويل‪ ،‬وما ليس طريقه االجتهاد جيب أن يكون عاملا به‪ ،‬أو ابلطريق املوصل إليه؛ ألنه عند‬
‫ً‬
‫ذلك فيما فوض إليه فإمنا املعترب أن يكون متمكنًا من ذلك‪.‬‬
‫إماما أن يرجع إىل قول العلماء‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إن مل يكن من أهل االجتهاد فيجب أن جيوز كونه ً‬
‫قيل له‪ :‬قد ثبت أن ذلك ميتنع ِف احلكام فإن اإلمام جيب أن يكون أعلى رتبة فال يصح ذلك؛‬
‫وألن إلزام احلكم فتوى من الفتيا‪ ،‬فإن مل حيل أن يفيت إال وهو من أهل االجتهاد فبأن ال حيل أن‬
‫حيكم إال وهو كذلك أوىل(‪.)٧1‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪« )٧4‬املغين» لعبد اجلبار اهلمداين جملد (‪.)9٧9/9٧‬‬
‫(‪ )٧1‬انتهى بنصه من كتاب املغين لعبد اجلبار اهلمداين جملد (‪.)9٧٧/9٧‬‬

‫‪623‬‬
‫خامسا‪ :‬الكفاية‪:‬‬
‫بصريا هبا‪ ،‬كفيالً حبمل الناس عليها‪ ،‬عارفًا‬
‫وهو أن يكون جريئًا على إقامة احلدود واقتحام احلروب ً‬
‫ابلعصبية وأحوال الدهاء‪ ،‬قواي على معاانة السياسة؛ ليصح له بذلك ما جعل إليه من محاية‬
‫الدين‪ ،‬وجهاد العدو‪ ،‬وإقامة األحكام‪ ،‬وتدبري املصاحل(‪. )٧5‬‬
‫وهذه الشروط اخلمسة اليت ذُكرت متفق على أنه البد من توفرها ِف اإلمام األعظم عند اختياره‬
‫وعقد اإلمامة له‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬النسب القرشي‪:‬‬
‫هناك من الشروط ما هو حمل خالف بني العلماء وهو اشرتاط أن يكون اإلمام من قريش‪ ،‬فقد‬
‫ذهب أكثر العلماء إىل اشرتاط القرشية فيه لقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬األئمة من قريش» كما سيأيت‪.‬‬
‫اعلم أن املراد ابلقرشي من كان من نسل فهر بكسر الفاء وسكون اهلاء ابن مالك بن النضر وامسه‬
‫قيس بن كنانة بن خزمية بن مدركة وامسه عمر بن إلياس وامسه حبيب بن مضر بن نزار بن معد بن‬
‫عدانن‪.‬‬
‫يشا؛ ألهنم كانوا‬
‫ففهر مجاع قريش ِف قول الكليب وغريه من العلماء ِف أنساب العرب‪ ،‬ومسوا قر ً‬
‫يقرشون عن َخلة الناس بفتح اخلاء املعجمة‪ ،‬أي حاجتهم وفقرهم ومعناه‪ :‬ينقبون عنها‪ ،‬ليغنوهم‬
‫ويسدوا خلتهم‪ ،‬وكأن ذلك من قوهلم‪ :‬تقارشت الرماح إذا تداخلت ِف احلرب؛ ألن املستعلم‬
‫املستجد يداخل أحوال الذي يطلب علم حاله ليحصل له مقصوده‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه مأخوذ من‬
‫التقريش وهو التعييش؛ ألهنم كانوا يعيشون احلاج‪ ،‬فيطعمون اجلائع ويكسون العاري وحيملون‬
‫املنقطع‪ ،‬قال اجلوهري‪ :‬القرش الكسب واجلمع‪ ،‬وقد قرش يقرش ابلكسر قال الفراء وبه مسيت‬
‫قريش وقيل مسوا بدابة عظيمة أتكل الدواب ِف البحر وقيل غري ذلك‪.‬‬

‫وإمنا اشرتط كونه من قريش لقول الرسول ملسو هيلع هللا ىلص‪«:‬األئمة من قريش» رواه اإلمام أمحد(‪ )٧1‬وأبو‬
‫اَّلل عنه‪ ،‬وروى الرتمذي حنوه من‬
‫يعلى(‪ِ )٧1‬ف «مسنديهما»‪ ،‬والطرباين من حديث أيب برزة رضي َّ‬
‫مرفوعا ولفظه‪« :‬امللك ِف قريش»(‪ )٧٧‬وسنده صحيح‪ ،‬وروى‬ ‫اَّلل عنه ً‬
‫حديث أيب هريرة رضي َّ‬

‫______________________________________‬
‫(‪« )٧5‬مقدمة ابن خلدون» (ص‪.)954‬‬
‫(‪ )٧1‬رواه أمحد ِف «املسند» (‪ )494٧1( )294/4‬وحكم األلباين صحيح ‪ .‬أنظر إرواء الغليل (‪. )59٧‬‬
‫(‪ )٧1‬رواه أبو يعلى ِف «جممع الزوائد» (‪،)924/5‬ورواه أبو داود الطيالسي (‪.)414/9‬‬
‫(‪ )٧٧‬سنن الرتمذي (‪ )4241‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬

‫‪624‬‬
‫أيضا‪ ،‬وروى البزار من حديث‬ ‫اإلمام أمحد أنه ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬اخلالفة ِف قريش»(‪ ،)٧2‬ورواه الطرباين ً‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬األمراء من قريش‪ ،‬أبرارها أمراء‬
‫اَّلل عنه قال‪ :‬قال رسول َّ‬
‫علي بن أيب طالب رضي َّ‬
‫يشا وال تَ َقدَّموها»(‪ ،)24‬وقول‬ ‫أبرارها‪ ،‬وفجارها أمراء فجارها»(‪ ،)2٧‬وِف احلديث‪«:‬قدموا قر ً‬
‫الصديق واملهاجرين لألنصار‪ :‬إن العرب ال تدين إال هلذا احلي من قريش‪ ،‬ورووا هلم تلك‬
‫األخبار(‪ . )29‬وإلمجاع الصحابة يوم السقيفة على ذلك‪ ،‬واحتجت قريش على األنصار ملا مهوا‬
‫يومئذ ببيعة سعد بن عبادة‪ ،‬وقالوا‪ :‬منا أمري ومنكم أمري‪ ،‬وأبن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أوصاان أن حنسن إىل‬ ‫ٍ‬
‫حمسنكم ‪ ،‬ونتجاوز عن مسيئكم‪ ،‬ولو كانت اإلمارة فيكم مل تكن الوصية بكم‪ ،‬فحجوا األنصار‬
‫ورجعوا عن قوهلم‪ :‬منا أمري ومنكم أمري‪ ،‬وعدلوا عما كانوا مهوا به من بيعة سعد لذلك‪.‬‬
‫أيضا ِف «الصحيح»‪« :‬ال يزال هذا األمر ِف هذا احلي من قريش»(‪ ،)24‬وأمثال هذه‬ ‫وثبت ً‬
‫األدلة كثرية إال أنه ملا ضعف أمر قريش وتالشت عصبيتهم مبا انهلم من الرتف والنعيم ومبا أنفقتهم‬
‫الدولة ِف سائر أقطار األرض عجزوا بذلك عن محل اخلالفة وتغلبت عليهم األعاجم وصار احلل‬
‫والعقد هلم‪ ،‬فاشتبه ذلك على كثري من احملققني حىت ذهبوا إىل نفي اشرتاط القرشية‪.‬‬
‫احلكمة يف اشراط القرشية‪ :‬ولنتكلم اآلن ِف حكمة النسب ليتحقق به الصواب ِف هذه‬
‫املذاهب‪ ،‬فنقول‪ :‬إن األحكام الشرعية كلها البد هلا من مقاصد وحكم تشتمل عليها‪ ،‬وتشرع‬
‫ألجلها‪ ،‬وحنن إذا حبثنا عن احلكمة ِف اشرتاط النسب القرشي ومقصد الشارع منه‪ ،‬مل يقتصر فيه‬
‫اعتبارا‬
‫على التربك بوصله النيب ملسو هيلع هللا ىلص كما هو ِف املشهور؛ ألننا إذا سربان وقسمنا مل جندها إال ً‬
‫لعصبية تكون هبا احلماية واملطالبة‪ ،‬ويرتفع اخلالف والفرقة بوجودها لصاحب املنصب‪ ،‬فتسكن‬
‫يشا كانوا عصبة مضر‪ ،‬وأصلهم‪ ،‬وأهل‬ ‫إليه امللة وأهلها‪ ،‬وين تظم حبل األلفة فيها‪ ،‬وذلك أن قر ً‬
‫الغلب منهم‪ ،‬وكان هلم على سائر مضر العزة ابلكثرة والعصبية والشرف‪ ،‬فكان سائر العرب يعرتف‬
‫هلم بذلك‪ ،‬ويستكينون لغلبهم‪ ،‬فلو ُجعل األمر ِف سواهم لتوقع افرتاق الكلمة مبخالفتهم‪ ،‬وعدم‬
‫انقيادهم‪ ،‬وال يقدر غريهم من قبائل مضر أن يردهم عن اخلالف‪ ،‬وال حيملهم على الكره‪ ،‬فتفرتق‬
‫اجلماعة وختتلف الكلمة‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )٧2‬مسند أمحد (‪ )41151‬وحكم األلباين إسناده جيد‪ .‬أنظر السلسة الصحيحة (‪)4٧54‬‬
‫(‪ )2٧‬مسند البزار (‪)152‬‬
‫(‪ )24‬صح مرسالً عن الزهري ورواه الشافعي (ج‪/9‬ص‪ )5٧2‬وله أسانيد مرفوعة ال يصح منها شيء‪.‬‬
‫(‪« )29‬لوامع األنوار البهية» (‪.)191/9‬‬
‫ش ما ب ِقي ِمْن هم اثْنَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ان)‬ ‫(‪ )24‬صحيح البخاري (‪ )45٧4‬بلفظ ( الَ يََز ُال َه َذا األ َْمُر ِف قُ َريْ ٍ َ َ َ ُ ُ‬

‫‪625‬‬
‫والشارع حيذر من ذلك حريص على اتفاقهم‪ ،‬ورفع التنازع والشتات بينهم؛ لتحصل اللحمة‬
‫والعصبية وحتسن احلماية‪ ،‬خبالف ما إذا كان األمر ِف قريش؛ ألهنم قادرون على سوق الناس بعصا‬
‫الغلب إىل ما يراد منهم‪ ،‬فال خيشى من أحد خالف عليهم وال فرقة‪ ،‬ألهنم كفيلون ٍ‬
‫حينئذ بدفعها‪،‬‬
‫هم القرشي ِف هذا املنصب‪ ،‬وهم أهل العصبية القوية ليكون أبلغ ِف‬ ‫ومنع الناس منها‪ُِ ،‬‬
‫فاشرتط نسبُ ُ‬
‫انتظام امللة واتفاق الكلمة‪ ،‬وإذا انتظمت كلمتهم انتظمت ابنتظامها كلمة مضر أمجع‪ ،‬فأذعن هلم‬
‫سائر العرب‪ ،‬وانقادت األمم سواهم إىل أحكام امللة‪ ،‬ووطئت جنودهم قاصية البالد كما وقع ِف‬
‫أايم الفتوحات‪ ،‬واستمر بعدها ِف الدولتني إىل أن اضمحل أمر اخلالفة‪ ،‬وتالشت عصبية العرب‪،‬‬
‫ويعلم ما كان لقريش من الكثرة والتغلب على بطون مضر‪ ،‬من مارس أخبار العرب وسريهم‪،‬‬
‫وتفطن لذلك ِف أحواهلم‪.‬‬
‫وقد ذكر ذلك ابن إسحاق ِف كتاب «السري» وغريه‪ ،‬فإذا ثبت أن اشرتاط القرشية إمنا هو لدفع‬
‫التنازع مبا كان هلم من العصبية والغلب‪ ،‬وعلمنا أن الشارع ال خيص األحكام جبيل وال عصر وال‬
‫أمة‪ ،‬علمنا أن ذلك إمنا هو من الكفاية فرددانه إليها‪ ،‬وطردان العلة املشتملة على املقصود من‬
‫القرشية وهي وجود العصبية‪ ،‬فاشرتطنا ِف القائم أبمور املسلمني أن يكون من قوم أويل عصبية قوية‬
‫غالبة على من معها لعصرها‪ ،‬ليستتبعوا من سواهم‪ ،‬وجتتمع الكلمة على حسن احلماية‪ ،‬وال يعلم‬
‫ذلك ِف األقطار واآلفاق كما كان ِف القرشية‪ ،‬إذ الدعوة اإلسالمية اليت كانت هلم كانت عامة‪،‬‬
‫وعصبية العرب كانت وافية هبا فغلبوا سائر األمم‪ ،‬وإمنا خيص هلذا العهد كل قطر مبن تكون له فيه‬
‫العصبية الغالبة‪.‬‬

‫اَّلل ِف اخلالفة مل نعد هذا؛ ألنه سبحانه إمنا جعل اخلليفة انئبًا عنه ِف القيام أبمور‬
‫وإذا نظران سر َّ‬
‫عباده ليحملهم على مصاحلهم ويردهم عن مضارهم‪ ،‬وهو خماطب بذلك‪ ،‬وال خياطب ابألمر إال‬
‫من له قدرة عليه(‪.)21‬‬

‫قلت‪ :‬وما تقدم من اشرتاط القرشية ِف اإلمام األعظم هو مذهب مجهور العلماء‪ ،‬وقد ذهب أبو‬
‫بكر الباقالين واخلوارج إىل جواز عقد اإلمامة لغري القرشي(‪ )25‬مستدلني بظواهر أخبار وعمومات‬
‫ال تدل على ما ذهبوا إليه‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )21‬ابن خلدون (ص‪ )451‬مع شيء من التصرف‪.‬‬
‫(‪ )25‬انظر‪« :‬مقدمة ابن خلدون» (ص‪.)924:‬‬

‫‪626‬‬
‫مما استدلوا به قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬امسعوا وأطيعوا وإن ويل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبي بة»(‪،)21‬‬
‫وهذا ال تقوم به حجة ِف ذلك؛ فإنه خرج خمرج التمثيل والفرض للمبالغة ِف إجياب السمع‬
‫كثريا كقوله عليه الصالة والسالم‪« :‬من بىن ََّّلل‬
‫والطاعة ‪ ،‬ومثل هذا املعىن يرد عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص ً‬
‫اَّلل له بيتًا ِف اجلنة»(‪،)21‬‬ ‫مسجدا ولو كمفحص قطاة بىن َّ‬
‫ً‬
‫وكقوله ملسو هيلع هللا ىلص ِف احلث على التصدق واإلهداء‪«:‬تصدقي ولو بظلف حمرق»(‪ ،)2٧‬ومعلوم لدى كل‬
‫مسجدا لصغره‪ ،‬وأن الظلف احملرق ال‬ ‫ً‬ ‫عاقل أن مفحص القطاة ال يصلح وال ميكن أن يكون‬
‫يستفاد منه وال ين تفع به‪ ،‬وإمنا خرج األمر ِف هذين احلديثني خمرج التمثيل واملبالغة ِف الرتغيب ِف‬
‫بناء املساجد والتصدق واإلنفاق‪.‬‬

‫اَّلل عنه ‪« :‬لو كان‬‫ومما استدل به القائلون بعدم اشرتاط القرشية قول عمر بن اخلطاب رضي َّ‬
‫أيضا ال يفيد ذلك ملا علمت أن‬‫سامل موىل حذيفة حيا لوليته» أو «ملا دخلتين فيه الظنة»‪ ،‬وهو ً‬
‫نصا وألن موىل القوم منهم وعصبية الوالء حاصلة لسامل‬
‫مذهب الصحايب ليس حبجة‪ ،‬إذا خالف ًّ‬
‫ِف قريش وهي الفائدة ِف اشرتاط النسب‪ ،‬وملا استعظم عمر أمر اخلالفة ورأى شروطها كأهنا‬
‫مفقودة عدل إىل سامل لتوفر شروط اخلالفة عنده حىت من النسب املفيد للعصبية ومل يبق إال‬
‫صراحة النسب فرآه غري حمتاج إليه‪ ،‬إذ الفائدة ِف النسبة إمنا هي العصبية وهي حاصلة من الوالء‪،‬‬
‫اَّلل عنه على النظر للمسلمني وتقليد أمرهم ملن ال تلحقه فيه‬
‫حرصا من عمر رضي َّ‬ ‫فكان ذلك ً‬
‫أيضا ليس ِف هذا اخلرب بيان الوجه الذي كان ال يتخاجله الشك فيه‪ ،‬وحيتمل أن يريد أن‬‫الئمة‪ ،‬و ً‬
‫يدخله ِف املشورة أو رأي دون الشورى فال يصح أن يقدح به مع احتماله فيما صح عن النيب‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص من األخبار‪ ،‬بل ولو ثبت عنه الرضا الصريح ِف ذلك ال جيوز أن يعرتض به ملخالفته لألخبار‬
‫الصحيحة(‪. )22‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )21‬البخاري «كتاب األحكام» ابب السمع والطاعة لإلمام ما مل تكن معصية حديث رقم (‪.)9141‬‬
‫(‪ )21‬أخرجه البزار‪ ،‬وابن حبان ِف «صحيحه»‪ ،‬والطرباين‪ ،‬وصححه الشيخ األلباين‪ ،‬انظر‪« :‬صحيح الرتغيب»‬
‫(ح‪.)991/4( )912‬‬
‫(‪ )2٧‬أخرجه الرتمذي‪« :‬كتاب الزكاة» ابب ما جاء ِف حق السائل (ح‪ ٧19/4( )11٧‬عون» وقال‪ :‬حديث‬
‫حسن صحيح‪ ،‬وأبو داود «كتاب الزكاة» ابب حق السائل (ح‪ )4٧1/9( )٧114‬وصححه األلباين ِف «الرتغيب»‬
‫برقم (‪ ،)1٧٧‬وِف «صحيح أبو داود» برقم (‪.)4111‬‬
‫(‪« )22‬املغين» لعبد اجلبار اهلمداين (‪ )941/9٧‬بتصرف‪.‬‬

‫‪627‬‬
‫وأبو بكر الباقالين ملا أدرك ما عليه عصبية قريش من التالشي واالضمحالل واستبدال ملوك العجم‬
‫على اخللفاء أسقط اشرتاط القرشية‪ ،‬وإن كان مواف ًقا لرأي اخلوارج ملا رأى عليه حال اخللفاء لعهده‬
‫وبقي اجلمهور على القول ابشرتاطها وصحة اإلمامة للقرشي‪.‬‬
‫ويرد عليه سقوط شرط الكفاية اليت يقوى هبا على أمره ألنه إذا ذهبت الشوكة بذهاب العصبية‬
‫أيضا إىل العلم والدين وسقط‬
‫فقد ذهبت الكفاية‪ ،‬وإذا وقع اإلخالل بشرط الكفاية تطرق ذلك ً‬
‫اعتبار شروط هذا املنصب وهو خالف اإلمجاع‪.‬‬

‫هل جيوز العدول عن قريش يف عقد اإلمامة ؟‬


‫ما قدمته من الكالم ِف اشرتاط النسب عند عقد اإلمامة خاص فيما إذا كان يوجد من قريش من‬
‫يصلح هلا‪ ،‬أما إذا مل يوجد قرشي فهل جيوز العدول عن قريش إىل غريهم‪ ،‬فتعقد اإلمامة لغري‬
‫القرشي؟‬
‫هذا ما سأذكره ِف هذه املسألة‪:‬‬
‫اعلم أن العلماء اختلفوا ِف هذه املسألة‪ ،‬فمنهم من ذهب إىل أنه ال خيلو زمان من وجود من‬
‫يصلح لإلمامة من قريش‪ ،‬فعلى هذا الرأي البد أن يكون اإلمام قرشيا ال حمال‪ ،‬وال جيوز عقدها‬
‫لغريه على كل حال‪.‬‬
‫ومنهم من يرى أنه من اجلائز أن خيلو زمان ما من القرشيني‪ ،‬فالبد من العدول عنهم إىل غريهم‬
‫لضرورة إقامة إمام‪ ،‬فيختار أهل احلل والعقد من األمة من يرونه صاحلًا للقيام بشئون املسلمني‪،‬‬
‫ومن هؤالء قاضي القضاة عبد اجلبار اهلمداين حيث نقل عن شيخه أيب علي اجلبائي مثل هذا‬
‫املذهب أبسلوب يدل على أنه يرتضيه ويرجحه حيث قال‪ :‬احملفوظ عن شيخنا أيب علي بعض‬
‫كتاب اإلمامة وكتاب األمر ابملعروف جتويز أن ال يوجد من قريش من يصلح لذلك الشأن قال‪:‬‬
‫ألن كونه من قريش مل جيب من حيث ال يعلم هلا غريهم‪ ،‬أم ألهنم أصلح لإلمامة والناس هلم أشد‬
‫انقيادا‪ ،‬فيخالف هذا الشرط العقل والعدالة؛ ألن هذه الشروط البد منها ِف اإلمامة‪،‬وفقد الواحد‬
‫ً‬
‫أخريا‪ ،‬فذلك الشرط إمنا هو لتقدميهم‪ ،‬فإذا عُدم فيهم من يصلح‬ ‫إماما أوالً و ً‬
‫منها يؤثر ِف كونه ً‬
‫لذلك‪ ،‬وقد ثبت ابلكتاب وجوب نصب اإلمام من يقيم احلدود ويقوم ابألحكام فالبد عند ذلك‬
‫من نصب من يصلح لذلك‪.‬‬
‫وكذلك القول إذا كان من قريش من يصلح لذلك لكونه علة وأنه يقعده عن اإلمامة ألن هذا‬
‫الوجه كاألول ِف هذا الباب وإذا وجب طلب األفضل ومع ذلك جيوز العدول إىل املفضول إذا‬

‫‪628‬‬
‫كان أقوم ابألمور‪ ،‬فما الذي مينع من العدول عن القرشي إذا مل يصلح لبعض الوجوه لغريه‪ ،‬وليس‬
‫ألحد أن يقول‪ :‬إن قوله عليه الصالة والسالم‪« :‬األئمة من قريش» مينع من ذلك‪ ،‬وذلك ألن‬
‫املراد به ضرب من التكليف؛ ألنه ال جيوز أن يريد عليه الصالة والسالم أهنم منهم من غري اختيار‬
‫وعقد‪ ،‬وإمنا يعين ذلك على طريقة االختيار ووجوب البيعة هلم‪ ،‬وذلك يتضمن وجودهم إذ ال جيوز‬
‫أن يلتزم بيعة من ال يوجد على األوقات اليت جيوز أن يبايع له واخلرب ال مينع منه‪.‬‬

‫فإن قيل‪ :‬هالَّ قلتم إن اخلرب يتضمن صحة وجود من يصلح ومن يلزم العقد له منهم ً‬
‫أبدا ليصح‬
‫التكليف‪ ،‬قيل له‪ :‬إذا كان التكليف معل ًقا بشرط فما الذي مينع من أن ال يوجد فيهم‪ ،‬فال يلزم‬
‫اَّلل تعاىل فيها القيام‬
‫ذلك التكليف عن ذلك يرجع إىل الداللة فإذا وجب ابآلايت اليت أوجب َّ‬
‫ابحلدود وتنصيب اإلمام فأوجب أن يتضمن من غريهم إذا كانت احلال هذه‪.‬‬

‫فإن قيل‪ :‬هالَّ قلتم‪ :‬إنه مىت مل يوجد منهم من يصلح لذلك سقط التكليف ِف نصب األئمة كما‬
‫لو وجد كل من يصلح هلذا الشأن خمتل العدالة ليس فيها هذا التكليف‪.‬‬

‫قيل له‪ :‬إذا كان ما ألجله جيب نصب اإلمام من إقامة احلدود والقيام ابألحكام وغري ذلك ال‬
‫قائما‪ ،‬فأما ما‬
‫خيتص حال وجوده يصلح لذلك منهم ِف حال عدمه‪ ،‬فيجب أن يكون التكليف ً‬
‫سألت عنه فلو صح لكان التكليف ساقطًا؛ ألنه جيري جمرى التكليف مبا ال يطاق من حيث ال‬
‫يوجد من يصلح لذلك‪ ،‬ويبني صحة ما ذكرانه‪ :‬أن اإلمام جيوز أن يعتمد فيما إليه على الصاحلني‬
‫من غري قريش‪ ،‬وذلك يبني التفرقة بني األمرين‪ ،‬ومجلة القول ِف ذلك‪ :‬أن كل شرط ِف اإلمام لو‬
‫فقد أهنم أهل القيام هبذه األمور وال جيوز لو تعذر عليه أهل الصالح أن يعتمد على الفساق‪،‬‬
‫وذلك يبني التفرقة بني األمرين‪.‬‬

‫أمريا يقوم مبا إىل اإلمام‬


‫ومجلة القول ِف ذلك‪ :‬أن كل شرط ِف اإلمام لو فقد صلح أن يكون ً‬
‫فيجب أن مينع من عقد اإلمامة له على كل وجه‪ ،‬ولذلك نقول‪ :‬إن الفسق واجلهل بقدر من‬
‫إماما مينع من‬
‫أصول الدين والفقه والعبودية واختالف األحوال ِف العقل والرأي كما مينع من كونه ً‬
‫اإلمارة والقضاء‪ ،‬فلهذه اجلملة جيب نصب اإلمام ِف غري قريش إذا مل يوجد بينهم‪ ،‬وجيوز نصب‬
‫املفضول إذا كان أقوم ابإلمامة من الفاضل(‪. )4٧٧‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4٧٧‬انتهى بنصه من كتاب «املغين» لعبد اجلبار اهلمداين (‪.)942/9٧‬‬

‫‪629‬‬
‫فقدان الشروط عند العقد وبعده‪:‬‬
‫ال خالف ِف أن هذه الشروط املتقدمة متنع من عقد اإلمامة ابتداء‪.‬أما إذا اختلت أو بعضها بعد‬
‫إمجاعا وموجب خللع اإلمام كالردة‪ ،‬ومنها ما ال‬ ‫عقد اإلمامة فمنها ما فقده مبطل لعقد اإلمامة ً‬
‫يوجب خلع اإلمام وال اخلروج عليه‪ ،‬كالفسق‪ ،‬وقد ثبت عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص ِف أحاديث كثرية ما يدل‬
‫على أن الفسق إذا طرأ على اإلمام األعظم ال يبيح لألمة اخلروج عليه‪ ،‬وال خلعه ما دام معرتفًا‬
‫ابلواجبات الشرعية منف ًذا لألحكام‪ ،‬مل أيمر مبعصية‪ ،‬ومن ذلك ما ثبت ِف «الصحيحني» عنه‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال‪« :‬على املرء املسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إال أن يؤمر مبعصية‪ ،‬فإن أمر‬
‫مبعصية فال مسع وال طاعة»(‪ )4٧4‬متفق عليه من حديث ابن عمر‪ .‬ومن ذلك ما رواه ابن عباس‬
‫اَّلل عنهما عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال‪« :‬من رأى من أمريه شيئًا يكرهه فليصرب‪ ،‬فإن من فارق‬ ‫رضي َّ‬
‫شربا فمات فميتته جاهلية»(‪ )4٧9‬وِف رواية‪«:‬فقد خلع ربقة اإلسالم من عنقه»(‪)4٧4‬‬ ‫اجلماعة ً‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬خيار أئمتكم الذين حتبوهنم‬
‫اَّلل عنه عن رسول َّ‬ ‫وعن عوف بن مالك رضي َّ‬
‫وحيبونكم‪ ،‬وتصلون عليهم ويصلون عليكم‪ ،‬وشرار أئمتكم الذين تبغضوهنم‪ ،‬ويبغضونكم‪ ،‬وتلعنوهنم‬
‫اَّلل أفال ننابذهم ابلسيف عند ذلك؟ قال‪« :‬ال‪ ،‬ما أقاموا فيكم‬ ‫ويلعنونكم» فقلنا اي رسول َّ‬
‫الصالة‪ ،‬ال‪ ،‬ما أقاموا فيكم الصالة‪ ،‬أال من ويل عليه و ٍال فرآه أييت شيئًا من معصية فليكره ما أييت‬
‫َيها‬
‫يدا من طاعته»(‪ .)4٧1‬ويشري إىل هذا املعىن قوله تعاىل‪ ﴿ :‬اي أ َ‬ ‫اَّلل‪ ،‬وال ين زعن ً‬ ‫من معصية َّ‬
‫اَّللِ‬ ‫ول وأُوِيل األَم ِر ِمن ُكم فَإن ت نازعتم ِِف ش ٍ‬
‫يء فَ ُرُّدوهُ َإىل َّ‬ ‫اَّلل وأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َ‬ ‫ََ َ ْ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫الر ُس َ َ ْ‬
‫َطيعُوا َّ‬ ‫ين َآمنُوا أَطيعُوا ََّ َ‬‫ا لذ َ‬
‫ول إن ُكنتم تُؤِمنو َن ِاب ََّّللِ والْيوِم ِ ِ‬ ‫الرس ِ‬
‫َح َس ُن َأتْ ِويالً ﴾ [النساء‪ ]52:‬فتأمل كيف‬ ‫اآلخ ِر ذَل َ‬
‫ك َخري َوأ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُْ ْ ُ‬ ‫َو َّ ُ‬
‫ول َوأ ُْوِيل األ َْم ِر ِمن ُك ْم ﴾ ومل يقل‪ :‬وأطيعوا أويل األمر منكم؟ ألن‬ ‫الر ُس َ‬ ‫اَّلل وأ ِ‬
‫َطيعُوا َّ‬ ‫ِ‬
‫قال‪ ﴿ :‬أَطيعُوا ََّ َ‬
‫اَّلل ورسوله‪ ،‬وأعاد الفعل مع الرسول؛‬ ‫أويل األمر ال ينفردون ابلطاعة‪ ،‬بل يطاعون فيما هو طاعة َّ‬
‫اَّلل‪ ،‬بل هو معصوم ِف ذلك‪،‬‬ ‫اَّلل؛ فإن الرسول ال أيمر بغري طاعة َّ‬ ‫ألن من يطع الرسول فقد أطاع َّ‬
‫اَّلل‪ ،‬فال يطاع إال فيما هو طاعة ََّّلل ورسوله (‪. )4٧5‬‬ ‫وأما ويل األمر فقد أيمر بغري طاعة َّ‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4٧4‬البخاري‪« :‬كتاب األحكام» ابب السمع والطاعة لإلمام ما مل تكن معصية (ح‪ ،)1141‬ومسلم‪« :‬كتاب‬
‫اإلمارة» ابب وجوب طاعة األمراء ِف غري معصية‪ ،‬وحترميها ِف املعصية (ح‪.)٧4‬‬
‫أمورا تنكروهنا» حديث رقم (‪)15٧1‬‬
‫(‪ )4٧9‬أخرجه البخاري‪« :‬كتاب الفنت» ابب قول النيب ملسو هيلع هللا ىلص «سرتون بعدي ً‬
‫(‪ )4٧4‬أخرجه أمحد ِف«املسند» (‪ ،)44٧/1‬من رواية احلارث األشعري حديث رقم (‪ ،)4141٧‬واحلديث صححه‬
‫األلباين ِف «صحيح اجلامع» (‪ ،)419٧‬وكذلك ِف «صحيح الرتغيب والرتهيب» (‪.)455‬‬
‫(‪ )4٧1‬مسلم «كتاب اإلمارة» ابب خيار األئمة وشرارهم حديث رقم (‪.)11 15‬‬
‫(‪ )4٧5‬انظر «شرح العقيدة الطحاوية» (ص‪ )4٧4 ،4٧٧( ،)492:‬بتحقيق األلباين‪.‬‬

‫‪631‬‬
‫قال أبو يعلى ِف «األحكام السلطانية» بعد ذكره للشروط املعتربة ِف اإلمام‪ ،‬قال‪ :‬إذا وجدت هذه‬
‫جرحا ِف عدالته وهو الفسق‪ ،‬فإنه ال‬‫الصفات حالة العقد مث عدمت بعد العقد نظرت‪ :‬فإن كان ً‬
‫مينع من استدامة اإلمامة سواء كان متعل ًقا أبفعال اجلوارح‪ :‬وهو ارتكاب احملظورات‪ ،‬وإقدامه على‬
‫اتباعا لشهوته‪ ،‬أو كان متعل ًقا ابالعتقاد‪ :‬وهو املتأول بشبهة تعرض يذهب فيها إىل‬ ‫املنكرات ً‬
‫خالف احلق‪ ،‬وهذا ظاهر كالمه ِف رواية املروزي ِف األمري يشرب املسكر ويضل تراجع معه‪ ،‬وقد‬
‫كان يدعو املعتصم أبمري املؤمنني‪ ،‬وقد دعاه إىل القول خبلق القرآن‪ ،‬وقال حنبل ِف والية الواثق‪:‬‬
‫اَّلل‪ ،‬وقالوا‪ :‬هذا أمر قد تفاقم وفشى يعنون‪ :‬إظهار اخللق للقرآن‬ ‫اجتمع فقهاء بغداد إىل أيب عبد َّ‬
‫يدا‬
‫نشاور له ِف أان لسنا نرضى إبمرته وال سلطانه‪ ،‬فقال‪ :‬عليكم ابلنُّكرة وقلوبكم ‪ ،‬وال ختلعوا ً‬
‫من طاعة‪ ،‬وال تشقوا عصا املسلمني‪ ،‬وقال ِف رواية املروزي وذكر احلسن بن صاحل فقال‪ :‬كان يرى‬
‫السيف وال نرضى مبذهبه‪ ،‬وإن كان احلادث على بدنه‪ ،‬فننظر‪ :‬فإن كان زوال العقل نظرت فيه‬
‫مرجوا زواله كاإلغماء فهذا ال مينع من عقدها وال استدامتها؛ ألنه مرض قليل‬ ‫عارضا ًّ‬ ‫فإن كان ً‬
‫الزما ال يرجى زواله كاجلنون واخلبل‪،‬‬‫اللبث؛ وألن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أغمي عليه ِف مرضه‪ ،‬وإذا كان ً‬
‫فننظر‪ :‬فإن كان مطب ًقا ال يتخلله إفاقة فهذا مينع االبتداء واالستدامة‪ ،‬وإذا طرأ عليها أبطلها‪ ،‬ألنه‬
‫مينع املقصود الذي هو إقامة احلدود واستيفاء احلقوق‪ ،‬ومحاية املسلمني‪ ،‬وإذا كان يتخلله إفاقة‬
‫يعود فيها إىل حال السالمة نظرت‪ :‬فإن كان أكثر زمانه اخلبل فهو كما لو كان مطب ًقا‪ ،‬وإن كان‬
‫أكثر زمانه اإلفاقة‪ ،‬فقد قيل‪ :‬مينع حق فيه‪ ،‬وقد قيل‪ :‬ال مينع من استدامتها‪ ،‬وإن منع من عقدها؛‬
‫ألنه يراعى ِف ابتداء عقدها سالمة كاملة‪ ،‬وِف اخلروج منها نقص كامل(‪. )4٧1‬‬
‫***‬
‫الفصل السابع ال ـب ـي ـعـ ـ ــة‬
‫وحيث بينَّا وجوب نصب اإلمام‪ ،‬وأن ذلك أمر الزم لألمة‪ ،‬كان من الضروري بيان البيعة‪ ،‬وكما‬
‫تقدَّم من أن عقد اإلمامة يتم إما ابختيار أهل احلل والعقد‪ ،‬وإما بعهد ووصية من اإلمام السابق‪،‬‬
‫وإما ابلتغلب والقهر على األمة‪ ،‬فإذا كانت الطريقة لتولية اإلمام هي اختيار أهل احلل والعقد‬
‫وجب عليهم أن يتصفوا أبحوال أهل اإلمامة املوجودة فيهم شروطها فيقدموا للبيعة منهم أكثر‬
‫فضالً‪ ،‬وأكملهم شروطًا‪ ،‬فإذا تعني هلم بني اجلماعة من زادهم االجتهاد إىل اختياره‪ ،‬وعرضوها‬
‫عليه‪ ،‬فإن أجاهبم إليها ابيعوه عليها وانعقدت له اإلمامة ببيعتهم‪ ،‬ولزم كافة األمة الدخول ِف بيعته‬
‫______________________________________‬
‫(‪« )4٧1‬األحكام السلطانية» أليب يعلى (ص‪.)9٧ :‬‬

‫‪631‬‬
‫واالنقياد لطاعته‪ ،‬وإن امتنع من اإلمامة ومل جيب إليها مل جيرب عليها‪ ،‬وعدل إىل من سواه من‬
‫ُم ْس تحقيها فبويع عليها؛ فإن امتنع اجلميع من الدخول فيها فهل أيمثون بذلك؟ وهل يتعني عليهم؟‬
‫قال ِف رواية املروزي‪ :‬ال بد للمسلمني من حاكم؛ أتذهب حقوق الناس؟‬
‫وقال ِف رواية دمحم بن موسى ِف الشاهد أيىب أن يشهد أأيمث؟ قال‪ :‬إذا كان يضر أبهل القرية ومثله‬
‫حيتاج إليه فال يفعل‪ ،‬وظاهر كالمه أنه جعل القضاء والشهادة من فروض الكفاايت مع ما قد‬
‫جاء عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص ِف ذم القضاء فأوىل أن تكون اإلمامة الكربى كذلك‪ ،‬إذ ليس طلبها وال‬
‫مكروها وقد تنازعها أهل الشورى فما رد عنها طالب وال منع منها راغب؛ وألن‬ ‫ً‬ ‫الدخول فيها‬
‫ابلناس حاجة إىل ذلك حلماية البيضة والذب عن احلوزة وإقامة احلدود واستيفاء احلقوق فجرى‬
‫جمرى حاجتهم إىل غسل املوتى ومحلهم واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر‪.‬‬
‫ُّهما‪ ،‬وإن مل يكن ذلك شرطًا‪ ،‬فإن بويع أصغرمها جاز‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فإن تكافأ ِف شروط اإلمامة اثنان قُدم أسن ُ‬
‫فإن كان أحدمها أعلم واآلخر أشجع نظرت‪ :‬فإن كانت احلاجة إىل فضل الشجاعة أدعى النتشار‬
‫الثغور وظهور البغاة كان األشجع أحق‪ ،‬وإن كانت احلاجة إىل فضل العلم لسكون الدمهاء وظهور‬
‫أهل البدع كان األعلم أحق‪.‬‬
‫دحا مينعهما منها ملا بينَّا أن طلبها‬ ‫فإن وقع االختيار على واحد من اثنني فتنازعاها مل يكن ذلك قَ ً‬
‫غري مكروه ألنه قد تنازعها أهل الشورى‪ ،‬ومباذا نقطع تنازعهما كتكافؤ أحواهلما؟ فقياس قول‬
‫اَّلل‪ِ :‬ف مسجد‬ ‫اَّلل أن يقرع بينهما فيبيايع من قرع منهما؛ ألنه قال ِف رواية ابنه عبد َّ‬ ‫أمحد رمحه َّ‬
‫فيه رجالن تداعيا األذان فيه يقرع بينهما‪ ،‬واحتج بقول سعد‪ ،‬ولفظ احلديث‪:‬‬
‫ما رواه أبو حفص العكربي إبسناده عن ابن شربمة أن الناس تشاحوا ِف األذان يوم القادسية فأقرع‬
‫اَّلل عنه أن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬لو يعلم الناس ما ِف‬
‫بينهم سعد‪ .‬وإبسناده عن أيب هريرة رضي َّ‬
‫النداء والصف األول مث مل جيدوا إال أن يستهموا عليه الستهموا» رواه البخاري ومسلم(‪.)4٧1‬‬

‫املبحث األول صفة البيعة وبيان معناها‪:‬‬


‫وصفة البيعة أن يقال‪« :‬ابيعناك على بيعة رضا‪ ،‬على إقامة العدل واإلنصاف والقيام بفروض‬
‫اإلمامة»‪ ،‬وال حيتاج مع ذلك إىل قبضة اليد(‪.)4٧٧‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4٧1‬رواه البخاري برقم (‪ )191‬ابب فضل التهجري إىل الظهر‪ ،‬ومسلم برقم (‪ )141‬كالمها من طريق مالك عن‬
‫مرفوعا‪.‬‬
‫السمان عن أيب هريرة ً‬
‫مسي موىل أيب بكر عن أيب صاحل َّ‬
‫(‪« )4٧٧‬األحكام السلطانية» أليب يعلى (ص‪.)91:‬‬

‫‪632‬‬
‫ومعىن البيعة‪ :‬هي العهد على الطاعة‪ ،‬كأن املبايع يعاهد أمريه على أنه يسلم له النظر ِف أمر‬
‫نفسه وأمور املسلمني‪ ،‬ال ينازعه ِف شيء من ذلك‪ ،‬ويطيعه فيما يكلف به من األمر على املنشط‬
‫أتكيدا للعهد فأشبه ذلك فعل‬ ‫واملكره وكانوا إذا ابيعوا األمري وعقدوا عهده جعلوا أيديهم ِف يده ً‬
‫البائع واملشرتي فسمي بيعة‪ :‬مصدر ابع(‪ )4٧2‬وصارت البيعة مصافحة ابأليدي‪.‬‬
‫هذا مدلوهلا ِف عرف اللغة ومعهود الشرع وهو املراد ِف احلديث ِف بيعة النيب ملسو هيلع هللا ىلص ليلة العقبة وعند‬
‫الشجرة وحيثما ورد هذا اللفظ ومنه بيعة اخللفاء‪ ،‬ومنه أميان البيعة كأن اخللفاء يستخلفون على‬
‫العهد‪ ،‬ويستوعبون األميان كلها لذلك‪ ،‬فسمي هذا االستيعاب أميان البيعة‪ ،‬وكان اإلكراه فيها‬
‫اَّلل عنه بسقوط ميني اإلكراه أنكرها الوالة عليه‪ ،‬ورأوها‬ ‫أكثر وأغلب‪ ،‬وهلذا ملا أفىت مالك رضي َّ‬
‫اَّلل عنه ‪.‬‬
‫قادحة ِف أميان البيعة‪ ،‬ووقع ما وقع من حمنة اإلمام مالك رضي َّ‬
‫وأما البيعة املشهورة هلذا العهد فهي حتية امللوك الكسروية من تقبيل األرض أو اليد أو الرجل أو‬
‫جمازا ملا كان هذا اخلضوع ِف التحية‪،‬‬ ‫الذيل‪ ،‬أطلق عليها اسم البيعة اليت هي العهد على الطاعة ً‬
‫والتزام اآلداب من لوازم الطاعة وتوابعها‪ ،‬وغلب فيه حىت صارت حقيقة عرفية واستغين هبا عن‬
‫مصافحة أيدي الناس اليت هي احلقيقة ِف األصل‪ ،‬ملا ِف املصافحة لكل أحد من التن زل واالبتذال‬
‫املنافيني للرائسة‪ ،‬وصون املنصب امللوكي؛ إال ِف األقل ممن يقصد التواضع من امللوك‪ ،‬فيأخذ به‬
‫نفسه مع خواصه ومشاهري أهل الدين من رعيته فإهنم معىن البيعة ِف العرف‪ ،‬فإنه أكيد على‬
‫وجماان(‪.)44٧‬‬ ‫اإلنسان معرفته ملا يلزمه من حق سلطانه وإمامه‪ ،‬وال تكون أفعاله عبثًا ً‬

‫***‬
‫املبحث الثاين حكم تعدد البيعة ألكثر من رمام‪:‬‬
‫اعلم أن الغرض من عقد اإلمامة هو حتقيق مصاحل األمة‪ ،‬وإقامة حكم عادل بني أفرادها‪ ،‬وإذا‬
‫تعددت البيعة ألكثر من إمام مل يتحقق هذا الغرض بسبب ما حيدث بني اإلمامني أو أكثر من‬
‫نزاع وفرقة‪ ،‬وألن األمة تكون ملزمة بطاعة شخصني ِف الوقت الذي قد تتعارض فيه أوامر‬
‫اإلمامني‪ ،‬وهلذا وقع اخلالف بني العلماء ِف هذه املسألة وصار فيها أكثر من رأي‪.‬‬

‫***‬
‫______________________________________‬
‫مصدرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫(‪ )4٧2‬إطالق املصدر ابع فيه تساهل ألنه اسم مصدر وليس‬
‫(‪« )44٧‬مقدمة ابن خلدون» (ص‪.)415 :‬‬

‫‪633‬‬
‫املطلب األول رأي اجلمهــور‪:‬‬
‫ذهب مجهور العلماء أنه ال يصح أن يعقد ألكثر من إمام سواء كان ِف بلد واحد أو ِف بلدين‬
‫خمتلفني‪ ،‬وأنه لو بويع ألكثر من واحد وجبت طاعة األول ولزم فسخ البيعة ابلنسبة لآلخر‪.‬‬
‫أدلة اجلمهور‪:‬‬
‫وقد استدل اجلمهور آبايت من القرآن الكرمي‪ ،‬وأحاديث عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وإبمجاع الصدر األول من‬
‫اعب ُد ِ‬
‫ون﴾‬ ‫ِ‬ ‫هذه األمة‪ ،‬ومن نصوص القرآن قوله تعاىل‪ِ ِ َّ ﴿:‬‬
‫إن َهذه أ َُّمتُ ُك ْم أ َُّمةً َواح َدةً َوأ ََان َربُّ ُك ْم فَ ْ ُ‬
‫[األنبياء‪ ،]29:‬ومن األحاديث ما رواه مسلم عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬من أاتكم وأمركم مجيع على‬
‫رجل واحد يريد أن يشق عصاكم‪ ،‬أو أن يفرق مجاعتكم فاقتلوه»(‪. )444‬‬
‫وقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ستكون هنات وهنات‪ ،‬فمن أراد أن يفرق هذه األمة وهي مجع فاضربوه ابلسيف‬
‫كائنًا من كان»(‪ . )449‬وقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إذا بويع خلليفتني فاقتلوا اآلخر منهما»(‪. )444‬‬
‫إماما فأعطاه صفقة يده ومثرة قلبه فليعطه ما استطاع فإن جاء آخر ينازعه‬ ‫وقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬من ابيع ً‬
‫فاضربوا عنق اآلخر»(‪ . )441‬فهذه اآلايت الكرمية‪ ،‬واألحاديث النبوية الشريفة‪ ،‬نص ِف حمل‬
‫ابَّلل واليوم اآلخر أن خيالف ما دلت عليه من وجوب كون اإلمام األعظم‬ ‫الن زاع ال حيل ملن يؤمن َّ‬
‫احدا‪.‬‬‫و ً‬
‫اَّلل عنهم قد اتفقوا على أنه ال جيوز أن يتوىل رائسة الدولة‬‫وأما اإلمجاع‪ :‬فإن الصحابة رضي َّ‬
‫اإلسالمية إال إمام واحد بدليل أن املهاجرين مل يوافقوا األنصار عندما طالبوا أن يكون منهم أمري‬
‫إمجاعا على وحدة‬
‫ومن املهاجرين أمري‪ ،‬مث رضي األنصار بعد ذلك مبا رآه املهاجرون‪ ،‬فصار ذلك ً‬
‫اإلمام وعدم جواز تعددها(‪. )441()445‬‬
‫وملزيد من اإليضاح سأذكر بعضا من آراء العلماء ِف هذه املسألة ‪.‬‬
‫***‬
‫______________________________________‬
‫(‪« )444‬صحيح مسلم شرح النووي» (‪( )919/49‬ح‪ )95٧4‬من حديث عرفجة بن شريح‪.‬‬
‫(‪« )449‬صحيح مسلم شرح النووي» (ج‪.)414/49‬‬
‫(‪ )444‬أخرجه مسلم «كتاب اإلمارة» ابب إذا بويع اخلليفتني (‪ )41٧٧/4‬ح (‪)4٧54‬‬
‫(‪ )441‬أخرجه مسلم «كتاب اإلمارة» ابب وجوب الوفاء ببيعة اخللفاء (‪ )4114/4‬ح(‪.)4٧11‬‬
‫(‪« )445‬األسس اليت تقوم عليها احلكومة اإلسالمية» ملعاود عايد عيد العوِف (ص‪.)21‬‬
‫(‪ )441‬ومن نقل اإلمجاع على ذلك اإلمام النووي ِف شرح «صحيح مسلم» (‪ ،)949/49‬والقرطيب ِف كتابه «اجلامع‬
‫ألحكام القرآن» (‪،)914/4‬وابن حزم ِف مراتب اإلمجاع (ص‪،)411‬والقاضي عبد اجلبار ِف كتاب «املغين»‬
‫(‪.)914/9٧‬‬

‫‪634‬‬
‫املطلب الثاين رأي املــاوردي‪:‬‬
‫قال ِف «األحكام السلطانية ص ‪ :»2‬وإذا عقدت اإلمامة إلمامني ِف بلدين مل تنعقد إمامتهما؛‬
‫ألنه ال جيوز أن يكون لألمة إمامان ِف وقت واحد‪ ،‬وإن شذ قوم فجوزوه‪.‬‬
‫واختلف الفقهاء ِف اإلمام منهما‪ ،‬فقالت طائفة‪ :‬هو الذي عقدت له اإلمامة ِف البلد الذي مات‬
‫فيه من تقدمه ألهنم بعقدها أحض وابلقيام هبا أحق‪ ،‬وعلى كافة األمة ِف األمصار كلها أن‬
‫يفوضوا عقدها إليهم‪ ،‬ويسلموها ملن ابيعوه لئال ينتشر األمر ابختالف اآلراء وتباين األهواء‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل على كل واحد منهما أن يدفع اإلمامة عن نفسه ويسلمها إىل صاحبه طلبًا‬
‫وحسما للفتنة ليختار أهل العقد أحدمها أو غريمها‪.‬‬
‫ً‬ ‫للسالمة‬
‫وقطعا للتخاصم‪ ،‬فأيهما قرع كان ابإلمامة أحق‪.‬‬ ‫دفعا للتنازع‪ً ،‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬بل يقرع بينهما ً‬

‫والصحيح يف ذل وما عليه الفقهاء احملققون‪:‬‬


‫وعقدا‪ ،‬كالوليني ِف نكاح املرأة إذا َّزوجاها ابثنني كان النكاح ألسبقهما‬
‫أن اإلمامة ألسبقهما بيعة ً‬
‫عقدا‪.‬‬
‫ً‬
‫فإذا تعني السابق منهما استقرت له اإلمامة‪ ،‬وعلى املسبوق تسليم األمر إليه والدخول ِف بيعته‬
‫وإن عقدت اإلمامة هلما ِف حال واحد مل يسبق هبا أحدمها فسد العقدان‪ ،‬واستؤنف العقد‬
‫ألحدمها أو لغريمها وإن تقدمت بيعة أحدمها وأشكل املتقدم منهما وقف أمرمها على الكشف‪،‬‬
‫فإن تنازعاها و َّادعى كل واحد منهما أنه األسبق مل تسمع دعواه ومل حيلف عليها؛ ألنه ال خيتص‬
‫مجيعا فال حكم ليمينه فيه وال لنكوله عنه‪ ،‬وهكذا لو قطع‬ ‫ابحلق فيها‪ ،‬وإمنا هو حق املسلمني ً‬
‫التنازع فيها وسلمها أحدمها إىل اآلخر مل تستقر إمامته إال ببينة تشهد بتقدمه‪ ،‬ولو أقر له ابلتقدم‬
‫خرج منها املقر ومل تستقر لآلخر؛ ألنه مقر ِف حق املسلمني‪ ،‬فإن شهد له املقر بتقدمه فيها مع‬
‫شاهد آخر مسعت شهادته إن ذكر اشتباه األمر عليه عند التنازع‪ ،‬ومل يسمع منه إن مل يذكر‬
‫االشتباه ملا ِف القولني من التكاذب‪ ،‬وإذا دام االشتباه بينهما بعد الكشف‪ ،‬ومل تقم بينة ألحدمها‬
‫ابلتقدم مل يقرع بينهما ألمرين‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أن اإلمامة عقد والقرعة ال مدخل هلا ِف العقود‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أن اإلمامة ال جيوز االشرتاك فيها‪ ،‬والقرعة ال مدخل هلا فيما ال يصح االشرتاك فيه‬
‫كاملناكح‪ ،‬وتدخل فيما يصح فيه االشرتاك كاألموال‪ ،‬ويكون دوام هذا االشتباه مبطالً لعقدي‬
‫اإلمامة فيهما‪ ،‬ويستأنف أهل االختيار عندها ألحدمها‪ ،‬فلو أرادوا العدول هبا عنهما إىل غريمها‪،‬‬

‫‪635‬‬
‫فقد قيل جبوازه خلروجهما عنها‪ ،‬وقيل‪ :‬ال جيوز ألن البيعة هلما قد صرفت اإلمامة عمن عدامها‪،‬‬
‫وألن االشتباه ال مينع ثبوهتا ِف أحدمها‪«.‬انتهى»(‪.)441‬‬
‫***‬
‫املطلب الثالث رأي ابن ح ـ ــزم‪:‬‬
‫وقال أبو دمحم علي بن حزم ِف «الفصل»‪ :‬فال تصح إقامة الدين إال ابإلسناد إىل واحد‪ ،‬أو إىل‬
‫فصاعدا بينهما أو بينهم ما ذكران فال‬ ‫ً‬ ‫أكثر من واحد‪ ،‬فالبد من أحد هذين الوجهني‪ ،‬فإن االثنني‬
‫يتم أمر ألبتة‪ ،‬فلم يبق وجه تتم به األمور إال اإلسناد إىل واحد فاضل‪ ،‬عامل ‪ ،‬حسن السياسة‪ ،‬قوي‬
‫فصاعدا‪،‬‬
‫ً‬ ‫على اإلنفاذ‪ ،‬إال أنه وإن كان خبالف ما ذكران فالظلم واإلمهال معه أقل منه مع االثنني‬
‫وإذ ذلك كذلك ففرض الزم لكل الناس أن يكفوا عن الظلم ما أمكنهم‪ ،‬إن قدروا على كف كله‬
‫لزمهم ذلك‪ ،‬وإال فكف ما قدروا على كفه منه ولو قضية واحدة ال جيوز غري ذلك‪.‬‬
‫مث اتفق من ذكران ممن يرى فرض اإلمامة على أنه ال جيوز كون إمامني ِف وقت واحد ِف العامل‪ ،‬وال‬
‫جيوز إال إمامة واحدة إال دمحم بن كرام السجستاين وأاب الصباح السمرقندي وأصحاهبما‪ ،‬فإهنم‬
‫أجازوا كون إمامني ِف وقت وأكثر ِف وقت واحد‪.‬‬
‫واحتج هؤالء بقول األنصار‪ ،‬أو من قال منهم يوم السقيفة للمهاجرين‪ :‬منا أمري ومنكم أمري‪.‬‬
‫اَّلل عنهم‪.‬‬
‫أيضا أبمر علي واحلسن مع معاوية رضي َّ‬ ‫واحتجوا ً‬
‫اَّلل عنهم ما ذكران مل يكن‬ ‫قال أبو دمحم‪ :‬وكل هذا ال حجة هلم فيه؛ ألن قول األنصار رضي َّ‬
‫صو ًااب بل كان خطأً‪ ،‬إذ أداهم إليه االجتهاد‪ ،‬وخالفهم فيه املهاجرون‪ ،‬والبد إذا اختلف القائالن‬
‫على قولني متنافيني من أن يكون أحدمها حقًّا‪ ،‬واآلخر «خطأً»‪ ،‬وإذ ذلك كذلك فواجب رد ما‬
‫اَّلل عز وجل الرد إليه عند التنازع‪ ،‬إذ يقول تعاىل‪ ﴿:‬فَإن تَنَ َاز ْعتُ ْم ِِف‬ ‫تنازعوا فيه إىل ما افرتض َّ‬
‫اآلخ ِر ﴾[النساء‪ .]52:‬فنظران ِف ذلك‬ ‫ول إن ُكنتُم تُ ْؤِمنُو َن ِاب ََّّللِ والْيوِم ِ‬ ‫الرس ِ‬ ‫ٍ‬
‫يء فَرُّدوه َإىل َِّ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫اَّلل َو َّ ُ‬ ‫َش ُ ُ‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬إذا بويع إلمامني فاقتلوا اآلخر منهما»‪.‬‬ ‫فوجدان رسول َّ‬
‫اختَ لَ ُفوا ﴾ [آل عمران‪.]4٧5:‬‬ ‫َّ ِ‬
‫ين تَ َفَّرقُوا َو ْ‬
‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬وال تَ ُكونُوا َكالذ َ‬
‫اَّلل عز وجل‬‫ب ِرحيُ ُك ْم ﴾ [األنفال‪ ]11:‬فحرم َّ‬ ‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬وال تَنَ َازعُوا فَتَ ْف َشلُوا َوتَ ْذ َه َ‬
‫التفرق‪ ،‬والتنازع‪ ،‬وإذا كان إمامان فقد حصل التفرق احملرم‪ ،‬فوجد التنازع‪ ،‬ووقعت املعصية ََّّلل‬
‫تعاىل‪ ،‬وقلنا ما ال حيل لنا‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )441‬األحكام السلطانية (ص‪.)2:‬‬

‫‪636‬‬
‫وأما من طريق النظر واملصلحة‪ :‬فلو جاز أن يكون ِف العامل إمامان جلاز أن يكون فيه ثالثة‬
‫متحكما بال برهان‪ ،‬ومدعيا بال دليل‪ ،‬وهذا الباطل‬
‫ً‬ ‫وأربعة وأكثر؛ فإن منع من ذلك مانع كان‬
‫الذي ال يعجز عنه أحد ‪ .‬وإن جاز ذلك زاد األمر حىت يكون ِف كل عمل إمام أو ِف كل مدينة‬
‫إماما وخليفة ِف من زله‪ ،‬وهذا هو الفساد احملض‪،‬‬
‫إمام أو ِف كل قرية إمام‪ ،‬ويكون كل واحد ً‬
‫اَّلل عنهم وهلة خطأ وقد رجعوا عنه إىل‬
‫وهالك الدين والدنيا‪ ،‬فصح أن قول األنصار رضي َّ‬
‫اَّلل تعاىل من التمادي عليه(‪. )44٧‬اه ‪.‬‬
‫احلق‪ ،‬وعصمهم َّ‬
‫***‬
‫املطلب الرابع رأي أيب بكر الباقالين‪:‬‬
‫وقال الباقالين‪ :‬فإن قالوا‪ :‬فما تقولون‪ :‬إذا عقدت مجاعات من أهل احلل والعقد لعدة أئمة ِف‬
‫اقعا على عدم إمام وذي عهد‬ ‫بلدان متفرقة وكانوا كلهم يصلحون لإلمامة‪ ،‬وكان العقد لسائرهم و ً‬
‫من إمام‪ ،‬وما احلكم فيهم عندكم‪ ،‬ومن أوىل ابإلمامة منهم؟‬
‫قيل هلم‪ :‬إذا اتفق مثل هذا تصفحت العقود ونظر هبا السابق فأقرت اإلمامة فيمن بدئ ابلعقد له‪،‬‬
‫وقيل للباقني‪ :‬انزلوا عن األمر‪ ،‬فإن فعلوا وإال قوتلوا على ذلك وكانوا عصاة ِف املقام عليها‪ ،‬وإذا مل‬
‫يعلم أيهما تقدم على اآلخر و َّادعى كل واحد منهم أن العقد سبق له أبطلت سائر العقود‬
‫واستؤنف العقد لواحد منهم أو من غريهم‪ ،‬وإن أبوا ذلك قاتلهم الناس عليه‪ ،‬فإن متكنوا وإال فهم‬
‫ِف غلبة وفتنة وعذر ِف ترك إمامة اإلمام‪ ،‬وإن متكن من العقد لغريهم فعل ذلك وكان املعقود له‬
‫حرًاب لسائر هؤالء حىت يذعنوا ويرجعوا إىل الطاعة والسداد وإن تُؤملت العقود ووجدت كلها‬
‫مجيعا واستؤنف العقد لرجل منهم أو من غريهم‪( .‬انتهى)‬‫أيضا ً‬ ‫وقعت ِف وقت واحد أبطل ً‬
‫هذا منوذج من آراء بعض األئمة ِف هذا الشأن يدل على أن هذا الرأي هو احلق وأن ما عداه من‬
‫اآلراء ال يقوم على أساس وال يستند إىل حجة صحيحة‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬وقد ذهب بعض العلماء إىل التفريق بني أن يكون عقد اإلمامة ألكثر من واحد ِف بلد أو‬
‫أكثر‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن عُقد إلمامني فأكثر ِف بلد واحد أو ِف بلدين متقاربني فالعقد غري صحيح إن مل‬
‫يعرف األول منهما‪ ،‬فإن عرف صحت البيعة ِف حق األول وبطلت فيمن عداه‪ ،‬وإن كان عقدها‬
‫ألكثر من اثنني ِف بلدين متباعدين تفصل بينهما حبار واسعة ‪ ،‬صح عقدها لكل إمام ِف كل بلد‬
‫منها‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )44٧‬الفصل ِف امللل واألهواء والنحل (‪.)٧1/1‬‬

‫‪637‬‬
‫وممن ذهب إىل هذا املذهب عبد القاهر البغدادي حيث قال ِف كتاب أصول الدين‪( :‬اختلف‬
‫املوجبون لإلمامة ِف عدد األئمة ِف كل وقت‪ ،‬فقال أصحابنا‪ :‬ال جيوز أن يكون ِف الوقت الواحد‬
‫إمامان واجبا الطاعة‪ ،‬وإمنا تنعقد إمامة واحد ِف الوقت ويكون الباقون حتت رايته‪.‬‬
‫وإن خرجوا عليه من غري سبب يوجب عزله فهم بغاة إال أن يكون بني البلدين حبر مانع من‬
‫وصول نصرة أهل كل واحد منهما إىل اآلخرين‪ ،‬فيجوز حينئذ ألهل كل واحد منهما عقد اإلمامة‬
‫لواحد من أهل انحيته)‪.‬اه ‪.‬‬
‫***‬
‫املطلب اخلامس رأي اجلــويـين‪:‬‬
‫وقال إمام احلرمني ِف كتابه «اإلرشاد إىل قواطع األدلة ِف أصول االعتقاد»‪« :‬ذهب أصحابنا إىل‬
‫منع عقد اإلمامة لشخصني ِف طرِف العامل‪ ،‬والذي عندي فيه أن عقد اإلمامة لشخصني ِف صقع‬
‫واحد متضايق اخلطط واملخالف غري جائز‪ ،‬وقد حصل االجتماع عليه وأما إذا بعد املدى وختلل‬
‫بني اإلمامني شسوع النوى فلالحتمال ِف ذلك جمال وهو خارج عن القواطع»(‪. )442‬‬
‫اثلثًا‪ :‬وذهب الكرامية وأبو الصاحل السمرقندي وأتباعه إىل جواز عقد اإلمامة ألكثر من واحد‬
‫مستدلني على جواز ذلك مبا يلي‪:‬‬
‫‪ 4‬قول األنصار يوم السقيفة‪« :‬منا أمري ومنكم أمري»‪.‬‬
‫اَّلل عنهم وما وقع بني عبد امللك بن مروان وابن‬
‫‪ 9‬ما وقع بني علي واحلسن ومعاوية رضي َّ‬
‫الزبري‪.‬‬
‫‪ 4‬أن الغرض من نصب اإلمام حتقيق مصاحل األمة وهذا إمنا يتم بتعدد األئمة ِف األقطار‬
‫املختلفة؛ ألنه إذا كان ِف كل قطر إمام كان كل واحد أقدر على القيام أبعباء املنصب ومتابعة من‬
‫يوليهم من الوالة والقضاة وسائر العمال‪ ،‬وذلك من قلة املصاحل الناشئة من صغر مساحة كل‬
‫قطر‪.‬‬
‫‪ 1‬أنه ملا جاز أن يوجد أكثر من نيب ِف عصر واحد ومل يؤد ذلك إىل بطالن النبوة جاز ذلك ِف‬
‫البيعة من ابب أوىل‪ ،‬ألهنا فرع من النبوة‪ ،‬هذا مجلة ما استدل به القائلون جبواز تعدد البيعة ألكثر‬
‫من واحد‪.‬‬
‫***‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )442‬نظام احلكم ِف الشريعة والتاريخ» لظافر القامسي (ص‪.)194‬‬

‫‪638‬‬
‫املطلب السادس مناقشة أدلة الكرامية‪:‬‬
‫وحنن إذا انقشنا هذه األدلة وجدان أهنا ال توصل إىل ما ذهبوا إليه‪.‬‬
‫اَّلل عنه‬
‫فاستدالهلم مبا وقع لعلي مع خصومه‪ ،‬وملا وقع لعبد امللك وابن الزبري‪ ،‬فإن معاوية رضي َّ‬
‫اَّلل عنه وواليته على الشام بتولية من‬
‫مل يدَّع اإلمامة لنفسه‪ ،‬وإمنا َّادعى املطالبة بدم عثمان رضي َّ‬
‫قبله من األئمة‪ ،‬وأما احلسن فإنه رأى املصلحة ِف توحيد اإلمامة‪ ،‬ولذلك تنازل عن اخلالفة ملعاوية‬
‫اَّلل عنه(‪. )49٧‬‬ ‫ليجتمع مشل املسلمني‪ ،‬وقد حصل ما أراده رضي َّ‬
‫أيضا فإن أمر علي‪ ،‬واحلسن ومعاوية‪ ،‬قد صح عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أنه أنذر خبارجة خترج من طائفتني‬ ‫و ً‬
‫اَّلل عنه فهو صاحب‬ ‫من أمة يقتلها أوىل الطائفتني ابحلق‪ ،‬فكان قاتل تلك الطائفة علي رضي َّ‬
‫عمارا تقتله الفئة الباغية‪ ،‬فصح أن عليا هو صاحب‬ ‫احلق بال شك‪ ،‬وكذلك أنذر عليه السالم أبن ً‬
‫احلق‪ ،‬وكان علي السابق إىل اإلمامة فصح بعد أنه صاحبها‪ ،‬وأن من انزعه فيها فهو خمطئ‪،‬‬
‫اَّلل عنه خمطئ مأجور مرة ألنه جمتهد‪ ،‬وال حجة ِف خطأ املخطئ فبطل قول هذه‬ ‫فمعاوية رضي َّ‬
‫الطائفة‪.‬‬
‫وهكذا يقال ِف شأن عبد امللك بن مروان وابن الزبري‪.‬‬
‫اَّلل عنهم ‪« :‬منا أمري ومنكم أمري» فيخرج على أهنم إمنا أرادوا أن يلي‬ ‫وأما قول األنصار رضي َّ‬
‫أبدا على أن يكون إمامان ِف وقت وهذا‬ ‫و ٍال منهم‪ ،‬فإذا مات ويل من املهاجرين آخر‪...‬وهكذا ً‬
‫هو األظهر من كالمهم(‪. )494‬‬
‫اَّلل عنه يوم السقيفة‪« :‬منا أمري ومنكم أمري» ال حجة‬ ‫أو يقال‪ :‬إن قول احلباب بن املنذر رضي َّ‬
‫هلم فيه؛ ألن قول األنصار أداهم إليه االجتهاد ومل يكن صو ًااب بل كان خطأ وقد خالفهم فيه‬
‫املهاجرون؛ ألهنم رأوا أنه ال مصلحة لألمة وال للدين ِف تعدد األئمة‪.‬‬
‫اَّلل عنهم رجعوا إىل احلق والصواب حينما تبني هلم وهم جمتهدون فيما‬ ‫وكذلك األنصار رضي َّ‬
‫قالوا فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر‪.‬‬
‫وأما قوهلم‪ :‬إن تعدد األئمة جيعلهم أقدر على القيام أبعبائهم فقد رده اجلمهور أبن منصب‬
‫أيضا لتحقيق مصاحلها الدنيوية وتعدد األئمة‬ ‫اإلمامة كما جعل لتحقيق مصاحل األمة الدينية جعل ً‬
‫خيل بتحقيق مصاحل األمة الدينية والدنيوية كما سبق بيانه ِف أدلة اجلمهور‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪« )49٧‬األسس اليت تقوم عليها احلكومة اإلسالمية» ملعاود عايد عيد العوِف (ص‪.)21‬‬
‫(‪« )494‬الفصل ِف امللل واألهواء والنحل» (‪.)٧٧/1‬‬

‫‪639‬‬
‫وأما قياس اإلمامة على النبوة فهو قياس مع الفارق؛ ألن األنبياء معصومون من عداوة بعضهم‬
‫بعضا‪ ،‬أما األئمة فهم غري معصومني ولذلك يقع بينهم االختالف والعداوة مع التحاسد‬‫ً‬
‫والبغي(‪. )499‬‬
‫***‬
‫الفصل الثامن واجبات اإلمام وحقوقه‬
‫املبحث األول واجبات اإلمام‪:‬‬
‫إن على كل فرد من أفراد األمة واجبات‪ ،‬وله حقوق وفق ما تقتضيه أحكام الشريعة‪ ،‬سواء أكان‬
‫فردا عاداي أم مسئوالً عن رائسة الدولة أو جانب من جوانبها‪ ،‬غري أن تلك الواجبات ختتلف‬
‫ً‬
‫ابختالف متعلقاهتا‪ ،‬فواجبات رئيس الدولة ختتلف عن واجبات الفرد العادي؛ ألنه مسئول أمام‬
‫اَّلل وأمام األمة عن تلك الواجبات‪.‬‬
‫َّ‬
‫***‬
‫املطلب األول مسئولية احلاكم أمام اّلل‪:‬‬
‫خاصا حيميه من النصح والتوجيه‪ ،‬ويعفيه من بعض‬ ‫كزا ًّ‬ ‫فاحلاصل أن اإلسالم ال يعرف للخليفة مر ً‬
‫ما يكون على أبناء األمة من واجبات فهو ليس إال رجالً اختارته األمة ليكون ممثالً هلا‪ ،‬ويتوىل‬
‫اإلشراف على أمورها وتدبري شئوهنا‪ ،‬وألزمته أن ال خيرج على أحكام الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فكان من‬
‫الطبيعي حتقي ًقا للعدالة واملساواة واستجابة للمنطق أن يسأل احلاكم عن كل خمالفة للشريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬سواء تعمد هذا العمل أو وقع منه نتيجة إمهاله ما دام كل‬
‫فرد ِف األمة اإلسالمية يسأل عن أعماله وأقواله املخالفة للشريعة اإلسالمية‪ ،‬فاحلاكم مسئول عن‬
‫اَّلل ِف اآلخرة‪ ،‬مثله ِف ذلك مثل أي فرد عادي ِف األمة‪.‬‬ ‫أفعاله وتصرفاته أمام َّ‬
‫اَّلل‬
‫اضحا ِف نصوص القرآن الكرمي وهو قول َّ‬ ‫ظاهرا وو ً‬ ‫وجند أن مبدأ املسئولية ِف اآلخرة ً‬
‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ب َرِهني ﴾[الطور‪ ]94:‬وقوله تعاىل‪ْ ﴿ :‬يوَم َِجت ُد ُك ُّل نَ ْف ٍ‬
‫س َّما َعملَ ْ‬
‫ٍِ‬
‫تعاىل‪ُ ﴿:‬ك ُّل ْام ِرئ مبَا َك َس َ‬
‫ِمن خ ٍري ُّحمضرا وما ع ِملَت ِمن س ٍ‬
‫يدا ﴾ [آل عمران‪ ،]4٧:‬وقوله‬ ‫َن بَينَ َها َوبَينَهُ أ ََم ًدا بَعِ ً‬
‫وء تَ َوُّد لَ ْو أ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ْ ًَ َ َ َ ْ‬
‫اَّلل س ِريع ا ْحلِس ِ‬ ‫يج ِزي َّ‬
‫اَّللُ ُك َّل نَ ْف ٍ‬ ‫ِ‬
‫اب﴾[إبراهيم‪ ،]54:‬وغري ذلك من‬ ‫ت إ َّن ََّ َ ُ َ‬ ‫س َّما َك َسبَ ْ‬ ‫تعاىل‪ ﴿ :‬ل ْ‬
‫اآلايت اليت تبني أن كل إنسان مسئول عن أقواله وأفعاله أاي كان مركزه‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪« )499‬األسس اليت تقوم عليها احلكومة اإلسالمية» ملعاود عايد عيد العوِف (ص‪.)25‬‬

‫‪641‬‬
‫وعلى قدر اتساع سلطة اإلنسان وامتداد قدرته تكون مسئوليته وكذلك على قدر ضعفه وعجزه‬
‫دائما حبدود سلطته وإمكانياته‬‫يكون إعفاؤه من الواجب‪ ،‬ولذلك نرى أن مسئولية كل فرد حمدودة ً‬
‫فهي ابلنسبة ملن يلي من أمور املسلمني شيئًا تتسع على قدر اتساع سلطة اإلنسان وامتداد قدرته؛‬
‫ولذا فمسئولية احلاكم أكرب من مسئولية احملكوم؛ ألن التكليف املنوط به أضخم‪ ،‬ومطالبته ابلعمل‬
‫على ما حيقق للناس مصاحلهم‪ ،‬من حيث اخلطط واملشروعات‪ ،‬وتوفري وسائل احلياة الكرمية لكل‬
‫فرد من أفراد اجملتمع الذي يتوىل رعاية مصاحله الدينية والدنيوية وفق شريعة اإلسالم‪ ،‬وكما بينت‬
‫اَّلل ِف اآلخرة نبه الرسول صلى هللا عليه‬ ‫اآلايت الكرمية مسئولية احلاكم عن أقواله وأفعاله أمام َّ‬
‫اَّلل رعية ميوت يوم ميوت وهو‬ ‫وسلم إىل عظم مسئولية والة األمر فقال‪« :‬ما من عبد يسرتعيه َّ‬
‫اَّلل يوم القيامة وأدانهم منه‬
‫اَّلل عليه اجلنة»(‪ ،)494‬وقوله‪« :‬أحب الناس إىل َّ‬ ‫غاش لرعيته إال حرم َّ‬
‫جملسا‪ :‬إمام جائر»(‪ ، )491‬وغري ذلك من‬ ‫اَّلل وأبعدهم منه ً‬ ‫جملسا‪ :‬إمام عادل وأبغض الناس إىل َّ‬
‫ً‬
‫اَّلل مسئولية يلقى نتائجها يوم احلساب‬ ‫األحاديث اليت تبني أن اإلمام أو احلاكم مسئول أمام َّ‬
‫اَّلل عليه‪ :‬فأنصف‬
‫واجلزاء‪ ،‬فإن نصح لألمة وعدل فيها و َّأدى ما عليه حنوها من واجبات أوجبها َّ‬
‫اَّلل أحسن اجلزاء‪ ،‬وكان له‬
‫مظلومها‪ ،‬ومحى ضعيفها ورعى سائر شئوهنا ودافع عن حوزهتا جازاه َّ‬
‫اَّلل ‪.‬‬
‫بذلك أعلى الدرجات مما ال يكون ألعظم العباد املعتكفني على عبادة َّ‬

‫وإن ظلم وغش وأساء كان له من اجلزاء ما ينال مثله اجملرمون والقتلة والفاسقون وسائر اخلارجني‬
‫اَّلل أو رسوله ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فإنه جيب عليه أن يقوم‬
‫اَّلل‪ ،‬فاحلاكم عندما خياطب أبمر من أوامر َّ‬
‫على حدود َّ‬
‫بتنفيذ هذا األمر‪ ،‬واخلضوع له‪ ،‬ووضع كل القواعد الالزمة إلنفاذه‪ ،‬ألن ذلك مما يقتضيه األمر أو‬
‫اَّلل‪.‬‬
‫النهي‪ ،‬ومما هو مسئول عنه أمام َّ‬

‫وإذا أراد احلاكم أن أييت ابملسئولية على وجهها الصحيح فعليه أن يلتزم األمور التالية‪:‬‬
‫اَّلل‪ ،‬وحب اآلخرة‪ ،‬وعدم اتباع اهلوى‪ ،‬وعليه ابلعفة‪،‬‬ ‫أوالً‪ :‬التزام التقوى‪ ،‬والورع‪ ،‬واخلوف من َّ‬
‫والعبادة‪ ،‬والعدالة‪ ،‬واملساواة‪ ،‬وغريها من الصفات احملمودة ال ألنه حيكمهم‪ ،‬بل ألنه أقوى منهم‪،‬‬
‫قادرا على أن يسوق الناس بعصاه أو يقرهبم مباله وجاهه فهم من الطائعني‬ ‫فكلما كان احلاكم ً‬
‫السامعني‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )494‬صحيح مسلم ‪)419( - 991‬‬
‫(‪« )491‬جامع األصول من أحاديث الرسول» البن األثري (‪.)119/1‬‬

‫‪641‬‬
‫تبعا لذلك أن يتحكم ِف‬ ‫وإذا ضعف احلاكم واستطاع أحد منافسيه أن يتغلب عليه فإنه يستطيع ً‬
‫وعبيدا لصاحب السلطة سواء أورث سلطانه أم اكتسبه‪ .‬وملا‬‫خدما ً‬ ‫رقاب الرعية‪ ،‬وكأن الرعية تُعترب ً‬
‫كان احلاكم يستمد سلطانه من قوته مل تكن سلطة أي حاكم تساوي سلطة اآلخر‪ ،‬ومل تكن‬
‫هناك حدود مرسومة للحكام ال يتعدوهنا‪ ،‬بل كان للحاكم أن أييت ما يشاء ويدع ما يشاء دون‬
‫حسيب أو رقيب‪.‬‬
‫فرأينا مثالً ِف اجلاهلية من احلكام من بلغ االستبداد به إىل حد أن كل من حيل أبرضه يصري‬
‫عبدا له‪ ،‬أيمتر أبمره‪ ،‬وينتهي إذا هناه‪ ،‬فبلغ من جربوت كليب وائل أنه كان ال يسمح ألحد أن‬ ‫ً‬
‫يتكلم ِف جملسه‪ ،‬وبلغ االستعباد أن يقهر عوف كل من حل بواديه حىت صار ذلك مثالً لدى‬
‫اَّلل بعباده أن جاءت الشريعة اإلسالمية فاستبدلت‬
‫العرب (ال أحد بوادي عوف) ولكن رمحة من َّ‬
‫هبذه األوضاع البالية أوضاعاً جديدة تتفق مع الكرامة اإلنسانية واحلاجات االجتماعية فجعلت‬
‫أساس العالقة بني احلكام واحملكومني حتقيق مصلحة اجلماعة ال قوة احلاكم أو ضعف احملكومني‪،‬‬
‫وتركت للجماعة حق اختيار احلاكم الذي يرعى مصلحتها وحيفظها‪ ،‬وجعلت لسلطة احلاكم‬
‫حدود ليس له أن يتعداها‪ ،‬فإن خرج عليها كان عمله ابطالً‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬عدم االستعالء على الناس ابحلكم‪ ،‬فينبغي على احلاكم أن يقدم الرمحة واحللم والعفو على‬
‫الغلظة والشدة ِف تصرفاته وأعماله‪ ،‬وأن يرتك الرتف وإظهار األهبة ِف ملبسه ومسكنه وغري ذلك‪،‬‬
‫اَّلل تعاىل ابلتواضع‪ ،‬وعليه االهتمام أبمور املسلمني والعمل على‬‫وأن جيعل واليته للتقرب إىل َّ‬
‫اكتساب رضاهم وحمبتهم بطريق يوافق الشرع وال خيالفه‪.‬‬
‫***‬

‫املطلب الثاين مسئولية احلاكم أمام األمة‪:‬‬


‫حاكما ابلعدل منف ًذا ألحكام الشرع‪،‬‬
‫ً‬ ‫اَّلل‬
‫قائما أبمر َّ‬
‫ما دام اإلمام أو حاكم الدولة اإلسالمية ً‬
‫ملتزما هبا‪ِ ،‬ف أعماله‪ ،‬وتصرفاته‪ ،‬راعيا ألمانته وعهده وهو مستوفيا للشرائط اليت اشرتطت فيه‬ ‫ً‬
‫حينما توىل الوالية فهو إذن حاكم عادل‪ ،‬ومسئولية اإلمام ِف اإلسالم مزدوجة‪ ،‬فهو مسئول أمام‬
‫اَّلل‪ ،‬أما مسئولية اإلمام أمام األمة فألنه َّ‬
‫توىل والية عليها ابلعقد‬ ‫أيضا أمام َّ‬
‫األمة‪ ،‬وهو مسئول ً‬
‫الذي عقدته له فهي اليت منحته حق احلكم وأمدته ابلسلطة‪ ،‬وما هو إال وكيل عنها اختارته إلدارة‬
‫شئوهنا مث ابيعته على الطاعة مقابل تعهده إبقامة العدل وتنفيذ الشريعة والسري عليها واختاذها خطة‬
‫له‪ ،‬فلها احلق أن تسأله عن عمله ألن اجلهة اليت هلا حق إنشاء العقد؛ هلا حق فسخه إذا أوجدت‬

‫‪642‬‬
‫األسباب لذلك؛ ولكل واحد من أفراد األمة حق النصح له‪ ،‬فاألمة رقيبة عليه ابستمرار مبا هي‬
‫اَّلل تعاىل‪َ ﴿ :‬ولْتَ ُكن ِمن ُك ْم أ َُّمة ي ْدعُو َن‬ ‫ملزمة به من وجوب األمر ابملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬قال َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حو َن ﴾ [آل عمران‪،]4٧1:‬‬ ‫ك ُه ُم الْ ُم ْفل ُ‬ ‫َإىل ا ْخلَ ِري َوأيْ ُم ُرو َن ِابمل ْع ُروف َو ْين َه ْو َن َع ِن الْ ُمن َك ِر َوأ ُْولَئِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ت للنَّاس َأت ُم ُرو َن ابلْ َم ْع ُروف َوتَْن َه ْو َن َعن الْ ُمن َكر َوتُ ْؤمنُو َن‬ ‫ِ‬
‫ُخر َج ْ‬‫وقوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬كنتُ ْم َخ َري أ َُّمة أ ْ‬
‫ِاب ََّّللِ ﴾ [آل عمران‪ .]44٧:‬وكذلك مبا هلا من حق الشورى‪ ،‬وما هي مأمورة به من بذل النصح‬
‫فضالً عما هلا من احلق بوصفها الطرف األول ِف العقد‪ ،‬فإذا حاد عن الطريق السوي ومل يرع‬
‫األمانة‪ ،‬وإذا جار وظلم أو بدل السرية أو عطل احلدود أو خالف الشرع من أي وجه من الوجوه‬
‫فإن األمة قوامة عليه‪ ،‬وهلا إما حق تقوميه‪ ،‬أو حق عزله؛ ألن احلاكم مسئول عن أقواله وأفعاله‬
‫اَّلل يوم القيامة‪ ،‬ولكن مسئوليته ِف الدنيا تكون أمام األمة اليت‬ ‫كسائر الناس كما هو مسئول أمام َّ‬
‫وكلته وأانبته عنها ِف إدارة شئوهنا والتكفل بصيانة حقوقها‪.‬‬
‫اضحا ِف نصوص القرآن الكرمي والسنة وسرية اخللفاء‬ ‫ظاهرا وو ً‬ ‫وجند مبدأ مسئولية احلاكم ِف الدنيا ً‬
‫اَّلل عنهم‪.‬‬ ‫الراشدين رضي َّ‬
‫ني‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل أيْمرُكم أَن تُؤُّدوا األَم َ ِ‬ ‫ففي القرآن الكرمي قال تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬
‫اانت َإىل أ َْهل َها َوإذَا َح َك ْمتُم بَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إن ََّ ُ ُ ْ‬
‫َّاس أَن َْحت ُك ُموا ِابلْ َع ْد ِل ﴾ [النساء‪ .]5٧:‬وقد ذكر العلماء ِف تفسري هذه اآلية أن اخلطاب فيها‬ ‫الن ِ‬
‫موجه إىل والة األمر أبداء األماانت إىل أهلها‪ ،‬وأن حيكموا ابلعدل بني الناس‪ ،‬وأن يقوموا برعاية‬
‫اَّلل أمرهم ابلرجوع إىل الكتاب والسنة‬ ‫الرعية ومحلهم على موجب الدين والشريعة ورد املظامل‪ ،‬وأن َّ‬
‫فيما أشكل عليهم‪ ،‬وإذا حاد والة األمر عن العمل أبحكام الشرع فإنه ال طاعة هلم‪.‬‬
‫وِف السنة قول الرسول ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬كلكم راع‪ ،‬وكلكم مسئول عن رعيته فاإلمام راع ومسئول عن‬
‫رعيته»(‪ .)495‬فنصوص القرآن والسنة تقرر أن مسئولية احلاكم أوسع نطاقًا ومدى من مسئولية‬
‫مجيعا؛ فهو يتحمل على عاتقه القيام بشئون الدولة وتدبري أمورها‪ ،‬وتشمل مسئولية كافة‬ ‫األفراد ً‬
‫كل ما هو أساسي وحيوي ابلنسبة لكل مسلم‪ ،‬واحلاكم مسئول عن كافة تصرفاته أمام األمة‪،‬‬
‫وذلك ألنه يستمد سلطانه منها‪ ،‬ويعتمد ِف بقائه على هذا السلطان على ثقتها به ونظره ِف‬
‫مصاحلها‪ ،‬فهو ال يعدو أن يكون انئبًا عنها ِف مباشرة شئوهنا‪ ،‬ومقتضى هذا أن يكون مسئوالً عن‬
‫اَّلل عنهم هذه املسئولية وعرفوا نطاق‬ ‫كافة تصرفاته أمامها‪ ،‬وقد فهم اخللفاء الراشدون رضي َّ‬
‫تطبيقها ومداها‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪« )495‬شرح صحيح اإلمام البخاري» (‪.)4٧1/٧‬‬

‫‪643‬‬
‫اَّلل عنه ِف أول خطبة بعد توليه اخلالفة مبينًا مبدأ مسئوليته‬ ‫فيقول أبو بكر الصديق رضي َّ‬
‫وحدود هذه املسئولية‪« :‬أيها الناس إين قد وليت عليكم ولست خبريكم‪ ،‬فإن أحسنت فأعينوين‪،‬‬
‫وإن أسأت فقوموين»(‪ ،)491‬وكل من جاء بعده من اخللفاء الراشدين سلك طريقة أيب بكر‬
‫فأدى ما‬
‫اَّلل عنه وهنج هنجه ِف مدى اإلحساس ابملسئولية امللقاة على عاتقه‪َّ ،‬‬ ‫الصديق رضي َّ‬
‫عليه حنوها على خري وجه وأبمثل طريقة سليمة عرفها اترخينا اإلسالمي‪.‬‬
‫اَّلل عنهم أهنم خري من جاء بعد الرسول ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وأدى ما‬ ‫والذي يشهد للخلفاء الراشدين رضي َّ‬
‫اَّلل وأمام األمة‪ ،‬واحلاكم ِف أدائه واجباته‬ ‫عليه من واجب املسئولية اليت البد من السؤال عنها أمام َّ‬
‫مسئول عن أخطائه وإمهاله وتقصريه وسوء استعماله للسلطة املمنوحة له فضالً عما يتعمده من‬
‫خروج على حدود السلطة وما يرتكبه من جور أو تعسف أو ظلم‪ ،‬وهو ِف هذا كله خاضع‬
‫للنصوص العامة؛ ألن اإلسالم ال يفرق بني فرد وفرد‪ ،‬وال بني حاكم وحمكوم‪ ،‬بل الكل سواء‪،‬‬
‫يسري على هذا ما يسري على ذاك دون متييز بينهما‪ ،‬ال يعفيه اإلسالم من أخطائه‪ ،‬وال خيفف‬
‫أشخاصا ال قداسة هلم‬ ‫ً‬ ‫من مسئوليته‪ ،‬وال مييزه عن أي شخص آخر‪ ،‬لذلك كان اخللفاء واألئمة‬
‫وال يتميزون عن غريهم‪ ،‬وإذا ارتكب أحدهم جرمية عوقب عليها كما يعاقب أي شخص آخر‬
‫يرتكبها ِف الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫بعد أن بينت واجبات احلاكم وحقوقه وحددت سلطته جعلته مسئوالً عن كل عمل يتجاوز به‬
‫سلطته سواء تعمد هذا العمل أم وقع العمل نتيجة إمهاله ومل تكن الشريعة اإلسالمية ِف تقرير‬
‫مسئولية احلكام عن تصرفاهتم أمام األمة إال متمشية مع منطق األشياء‪ ،‬فقد بينت للحاكم حقوقه‬
‫وواجباته وألزمته أبن ال خيرج عن أحكام الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫أما احلاكم الذي ال يقوم ابلتزاماته أو أن خيرج عن حدود الشريعة فليس له أن ينتظر من األمة‬
‫اَّلل‪،‬‬
‫السمع والطاعة‪ ،‬وعليه أن يتنحى عن مركزه ملن هو أقدر منه على احلكم ِف حدود ما أنزل َّ‬
‫مكرها‪ ،‬واختاروا غريه ليتوىل تصريف شئون األمة‪ ،‬وهذا‬
‫خمتارا حناه أهل احلل والعقد ً‬
‫فإن مل يتنح ً‬
‫الذي يقتضيه املنطق هو نفس حكم الشريعة اإلسالمية الصريح جاء به القرآن الكرمي‪ ،‬وأمر به‬
‫اَّلل عنهم(‪.)491‬‬
‫الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وعمل به اخللفاء الراشدون رضي َّ‬

‫______________________________________‬
‫أيضا «البداية» للحافظ ابن كثري (‪ )4٧4/1‬وقال‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )491‬انظر‪« :‬سرية ابن هشام» (‪ )411/1‬و ً‬
‫(‪ )491‬انظر‪« :‬األسس اليت تقوم عليها احلكومة اإلسالمية» ملعاود عايد عيد العوِف (ص‪.)144‬‬

‫‪644‬‬
‫وقد أوجز أبو يعلى واجبات اإلمام جتاه األمة وحصرها ِف عشرة أشياء حيث قال ِف «األحكام‬
‫السلطانية»‪« :‬ويلزم اإلمام من أمور األمة عشرة أشياء‪:‬‬
‫‪ 4‬حفظ الدين على األصول اليت أمجع عليها سلف األمة‪ ،‬فإن زاغ ذو شبهة عنه بني له احلجة‬
‫حمروسا من اخللل واألمة‬ ‫وأوضح له الصواب وأخذه مبا يلزمه من احلقوق واحلدود ليكون الدين ً‬
‫ممنوعة من الزلل‪.‬‬
‫‪ 9‬تنفيذ األحكام بني املتشاجرين‪ ،‬وقطع اخلصام بني املتنازعني حىت تعم النصفة فال يتعدى ظامل‪،‬‬
‫وال يضعف مظلوم‪.‬‬
‫‪ 4‬محاية البيضة‪ ،‬والذب عن احلوذة ليتصرف الناس ِف املعايش‪ ،‬وينتشروا ِف األسفار آمنني‪.‬‬
‫اَّلل تعاىل عن االنتهاك‪ ،‬وحتفظ حقوق عباده عن إتالف‬ ‫‪ 1‬إقامة احلدود لتصان حمارم َّ‬
‫واستهالك‪.‬‬
‫حمرما أو‬
‫غرة ينتهكون هبا ً‬ ‫‪ 5‬حتصني الثغور ابلعدة املانعة‪ ،‬والقوة الدافعة‪ ،‬حىت ال تظفر األعداء بِ َّ‬
‫دما ملسلم أو معاهد‪.‬‬ ‫يسفكون فيها ً‬
‫‪ 1‬جهاد من عاند اإلسالم بعد الدعوة حىت يسلم أو يدخل ِف الذمة‪.‬‬
‫اجتهادا من غري خوف وال عسف‪.‬‬ ‫نصا و ً‬ ‫‪ 1‬جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع ًّ‬
‫‪ ٧‬تقدير العطااي وما يستحق ِف بيت املال من غري سرف وال تقتري ودفعه ِف وقت ال تقدمي فيه‬
‫وال أتخري‪.‬‬
‫‪ 2‬استكفاء األمناء‪ ،‬وتقليد النصحاء فيما يفوض إليهم من األعمال ويكله إليهم من األموال‬
‫لتكون األعمال ابلكفاءة مضبوطة واألموال ابألمناء حمفوظة‪.‬‬
‫‪ 4٧‬أن يباشر بنفسه مشارفة األمور‪ ،‬وتصفح األحوال لينهض ويهتم بسياسة األمة وحراسة امللة‪،‬‬
‫اَّلل‬
‫وال يعول على التفويض تشاغالً بلذة أو عبادة‪ ،‬فقد خيون األمني‪ ،‬ويغش الناصح‪ ،‬وقد قال َّ‬
‫ك‬ ‫َّاس ِاب ْحل ِق وال تَتَّبِ ِع ا ْهلوى فَ ِ‬
‫يضلَّ َ‬ ‫ََ‬ ‫ني الن ِ َ َ‬ ‫اح ُكم بَ َ‬ ‫اك َخلِي َفةً ِِف األ َْر ِ‬
‫ض فَ ْ‬ ‫ود َّإان َج َع ْلنَ َ‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬اي َد ُاو ُ‬
‫اَّللِ ﴾ [ص‪ .]91:‬فلم يقتصر سبحانه على التفويض دون املباشرة‪ ،‬وال عذره ِف االتباع‬ ‫َعن َسبِ ِيل َّ‬
‫حىت وصفه ابلضالل‪ ،‬وهذا وإن كان مستحقًّا عليه حبكم الدين ومنصب اخلالفة فهو من حقوق‬
‫السياسة لكل مسرتٍع‪ ،‬قال النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته»(‪. )492( )49٧‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )49٧‬أخرجه البخاري «كتاب اجلمعة»‪ :‬ابب اجلمعة ِف القرى واملدن (ح‪ ،)4٧٧/9( )٧24‬ومسلم «كتاب‬
‫اإلمارة» ابب فضيلة اإلمام العادل ح (‪.)4٧92‬‬
‫(‪« )492‬األحكام السلطانية» (ص‪.)91‬‬

‫‪645‬‬
‫***‬
‫املبحث الثاين حقوق اإلمام‪:‬‬
‫فإذا أدى اإلمام ما عليه من واجبات حنو األمة وجبت له عليهم حقوق‪.‬‬
‫وقد حصرها املاوردي ِف‪ :‬النصرة‪ ،‬والطاعة‪ ،‬وهذا ال خالف فيه بني العلماء؛ لكثرة النصوص‬
‫الواردة ِف احلث على طاعة والة األمور وعدم منازعتهم األمر ما مل أيمر مبعصية وكذلك من‬
‫اَّلل؟ قال‪:‬‬
‫حقوق اإلمام بذل النصح واملشورة‪ ،‬لقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬الدين النصيحة»‪ ،‬قيل‪ :‬ملن اي رسول َّ‬
‫« ََّّلل ولكتابه‪ ،‬ولرسوله‪ ،‬وألئمة املسلمني‪ ،‬وعامتهم»(‪. )44٧‬‬

‫***‬
‫الفصل التاسع تـولـيـات اإلم ـ ــام‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫مما ال شك فيه أن اإلمام وهو شخص واحد يتعذر عليه القيام مبهماته كاملة ال سيما مع اتساع‬
‫مضطرا إىل املعاونة ِف تنفيذ شئون الدولة‪ ،‬من تسيري‬
‫ًّ‬ ‫الدولة وتعدد أقطارها‪ ،‬األمر الذي جيعله‬
‫اجليوش‪ ،‬وجباية األموال‪ ،‬والفصل بني املتخاصمني‪ ،‬وإمامة اجلمع واجلماعات‪ ،‬واألعياد‪ ،‬وغري‬
‫ذلك من األمور اليت هي ِف األصل منوطة ابإلمام األعظم‪ ،‬هلذا جاز أن يقيم اإلمام والة عنه ِف‬
‫تويل هذه الشئون وغريها مما تستدعي إىل اإلانبة فيه‪ ،‬ومن ذلك الوزارة‪.‬‬
‫***‬
‫املبحث األول يف تعريف الوزارة‪:‬‬
‫تعريفها لغة‪ :‬الوزارة مشتقة من «األزر» أو «الوزر»‪،‬وأكثر ما تطلق ِف اللغة على الوزر‪ ،‬ولذا ال‬
‫جند كلمة وزير ِف املعاجم ِف مادة أزر‪ ،‬وإمنا جندها ِف مادة «وزر»‪ ،‬واختلف ِف اشتقاقها‪ ،‬وقد‬
‫أورد ابن منظور أوجه االختالف‪:‬‬
‫‪ 4‬فذهب قوم إىل أهنا الوزر‪ ،‬والوزر‪ :‬اجلبل الذي يعتصم به لينجي من اهلالك‪ ،‬وكذلك وزير‬
‫اخلليفة معناه‪ :‬الذي يعتمد على رأيه ِف أموره ويلتجئ إليه‪.‬‬
‫‪ 9‬وقيل‪ :‬قيل لوزير السلطان‪ :‬وزير ألنه ي ِزُر عن السلطان أثقاالً مما أُسند إليه من تدبري اململكة‬
‫أي حيمل ذلك‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )44٧‬رواه مسلم ِف «صحيحه» (‪.)15،11/4‬‬

‫‪646‬‬
‫وإىل ذلك ذهب اجلوهري فقال‪ :‬الوزير املوازر كاألكيل املواكل ألنه حيمل عنه وزره أي‪ :‬ثقله‬
‫‪ 4‬ووازره على األمر‪ :‬أعانه وقواه‪ ،‬واألصل آزره‪.‬‬
‫قال ابن سيده‪ :‬ومن هاهنا ذهب بعضهم إىل أن الواو ِف وزير بدل من اهلمزة‪.‬‬
‫وِف اللسان‪ :‬الوزير حبأُ امللك الذي حيمل ثقله ويعينه برأيه‪ ،‬واحلبأ‪ :‬جليس امللك وخاصته‪ ،‬وحالته‪:‬‬
‫الوزراة وال ِوزارة‪ ،‬والكسر أعلى(‪. )444‬‬‫َ‬
‫وقال الزخمشري ِف «أساس البالغة»‪ :‬وهو وزير امللك الذي يوازره أعباء امللك أي‪ :‬حيامله وليس‬
‫من املؤازرة‪ :‬املعاونة؛ ألن واوها عن مهزة‪ ،‬وفعيل منها أزير‪ ،‬ووزر فالن لألمري يزر له وزارة واستوزر‬
‫استيز ًارا‪.‬‬
‫فصيحا من جذام يقول‪ :‬حنن أوزاره أمجعون أي‪ :‬وزراؤه وأنصاره حنن‬ ‫وعن النظر‪ :‬مسعت رجالً ً‬
‫أشراف وأيتام(‪. )449‬‬
‫وِف «دائرة املعارف اإلسالمية» كلمة الوزير كمفهومها من أصل فارس ومعناه‪:‬احلاكم واملقرر‪ ،‬وقد‬
‫أخذ العرب هذا اللقب عن ملوك ساسان‪ ،‬مث عاد الفرس واستعملوه ِف هلجتهم احلديثة وهم‬
‫يظنونه عربيا‪ ،‬ورجح أمحد أمني أن أصل الكلمة عريب على ما ذهب إليه بعض املستشرقني من‬
‫أصل الكلمة فهو مأخوذ من فيرت [ ‪ ]ARIHC - I‬ومعناه األمر أو التقرير‪.‬‬
‫والراجح أن كلمة وزير عربية فصيحة ألهنا عرفت قبل اإلسالم‪ ،‬ذلك أبن من املسلم به عند علماء‬
‫اللغة العربية أن القرآن الكرمي ميثل من الناحية اللغوية هناية العصر اجلاهلي‪ ،‬وقد وردت الكلمة فيه‬
‫مرتني على ما سأبينه‪.‬‬
‫اَّلل بن الزبري آوى إىل داره رجال من األفراد يدعى وز ًيرا ويغلب على الظن أن‬ ‫وِف الطربي‪ :‬أن عبد َّ‬
‫الرجل الذي آواه ابن الزبري إىل داره كان قد جتاوز الثالثني ألن ابن الزبري كلفه مبهمة يؤديها إىل أم‬
‫املؤمنني عائشة‪ ،‬أي أنه من ذوي احلنكة واخلربة‪ ،‬فإذا كان العرب ِف اجلاهلية تسمي أبناءها وز ًيرا‬
‫فذلك دليل شيوع الكلمة واستعماهلا قبل اإلسالم‪.‬‬
‫ومما يرجح القول أبن كلمة وزير مشتقة من األزر‪ ،‬مبعىن‪ :‬املعاونة قوله تعاىل ِف سورة طه حكاية‬
‫َخي (‪ )4٧‬ا ْش ُد ْد بِِه أ َْزِري‬ ‫عن موسى عليه السالم‪ ﴿ :‬واجعل ِيل وِزيرا ِمن أَهلِي (‪ )92‬هارو َن أ ِ‬
‫َُ‬ ‫َ ً ْ ْ‬ ‫َ َْ‬
‫(‪َ )44‬وأَ ْش ِرْكهُ ِِف أ َْم ِري ﴾ [طه‪]44_92:‬؛ ألن القرآن أعظم وأعلى مرجع لالحتجاج به عند‬
‫مجيع علماء اللغة‪ ،‬ذلك املصدر اليقني الثابت الذي ال أيتيه الباطل من بني يديه وال من خلفه‪،‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )444‬انظر‪« :‬لسان العرب» البن منظور (‪ )9٧4،9٧9/2‬مادة (وزر)‪.‬‬
‫(‪« )449‬أساس البالغة» (ص‪.)411‬‬

‫‪647‬‬
‫وهو النص الذي بلغ الذروة ِف البالغة‪ ،‬كما أن ما جاء فيه حجة على الناس كافة‪.‬‬
‫اَّلل أن جيعل أخاه‬
‫فاآلية نص ِف أن الوزير مشتق من األزر؛ ألن موسى عليه السالم طلب من َّ‬
‫وز ًيرا له أي‪ :‬معينًا بدليل قوله‪ ﴿ :‬ا ْش ُد ْد بِِه أ َْزِري (‪َ )44‬وأَ ْش ِرْكهُ ِِف أ َْم ِري ﴾ ‪ ،‬وِف اآلية الكرمية‬
‫دليل على جواز اختاذ الوزير؛ ألنه إذا جاز ِف النبوة فمن ابب أوىل أن جيوز فيما دوهنا‪.‬‬
‫***‬
‫املبحث الثاين تقسيم الوزارة‪:‬‬
‫اعلم أن تقسيم الوزارة إىل‪ :‬وزارة تفويض‪ ،‬ووزارة تنفيذ‪ ،‬أنه تقسيم اصطالحي نظري مبعىن أنه مل‬
‫يكن معروفًا لدى اخللفاء واألئمة ِف العصور املاضية‪ ،‬أن يقولوا‪ :‬أنت اي فالن وزير تفويض‪ ،‬وأنت‬
‫وزير تنفيذ‪ ،‬ولكن الذين اصطلحوا على تقسيم الوزارة على هذا املعىن نظروا ِف وقائع التاريخ‪،‬‬
‫وتتبعوا أحوال امللوك واخللفاء مع وزرائهم‪ ،‬فوجدوا أن من الوزراء من يكون له صالحيات تقرب‬
‫من صالحيات اإلمام فسموا هذا وزير تفويض كحال وزراء هارون الرشيد‪ ،‬ووجدوا شكالً آخر‬
‫مقصورا على التنفيذ فقط مسوه وزير تنفيذ‪.‬‬
‫ً‬ ‫للوزارة يكون‬
‫***‬
‫املبحث الثالث وزارة التفويض‪:‬‬
‫هي أن يستوزر اإلمام من يفوض إليه تدبري األمور برأيه وإمضاءها على اجتهاده‪.‬‬
‫ويعترب ِف تقليد هذه الوزارة شروط اإلمامة‪ ،‬وهو أن يكون من أهل الكفاية فيما وكل إليه من أمر‬
‫خبريا هبما‪ ،‬فإنه مباشر هلما اترة بنفسه واترة يستنيب فيهما أخرى‪ ،‬وال يصل إىل‬ ‫احلرب واخلراج‪ً ،‬‬
‫استنابة الكفاية إال أن يكون منهم‪ ،‬كما ال يقدر على املباشرة إذا قصر عنهم‪.‬‬
‫كتااب قيل‪ :‬إن املأمون كتبه واعترب ما جاء فيه الشروط اجلامعة لوزير التفويض قال‪:‬‬ ‫وروى املاوردي ً‬
‫جامعا خلصال اخلري‪ ،‬ذا عفة‬
‫حكي أن املأمون كتب ِف اختيار وزير‪ :‬إين التمست ألموري رجالً ً‬
‫ِف خالئقه واستقامة ِف طرائقه‪ ،‬قد هذبته اآلداب‪ ،‬وأحكمته التجارب‪ ،‬إن اؤمتن على األسرار قام‬
‫هبا‪ ،‬وإن قلد مهمات األمور هنض فيها‪ ،‬يسكته احللم‪ ،‬وينطقه العلم‪ ،‬وتكفيه اللحظة‪ ،‬وتغنيه‬
‫اللمحة‪ ،‬له صولة األمراء‪ ،‬وأانة احلكماء‪ ،‬وتواضع العلماء‪ ،‬وفهم الفقهاء‪ ،‬إن أحسن إليه شكر‪،‬‬
‫وإن ابتلي ابإلساءة صرب‪ ،‬ال يبيع نصيب يومه حبرمان غده‪ ،‬يسرتق قلوب الرجال خبالبة لسانه‬
‫وحسن بيانه‪.‬‬
‫وعلى الرغم من هذا التفويض املطلق لوزير التفويض فإن العلماء قد افرتضوا وجوب رجوعه إىل‬
‫اخلليفة ِف األمور اليت يربمها نيابة عنه كما افرتضوا قيام اخلليفة مبراجعة أعمال الوزير‪.‬‬

‫‪648‬‬
‫قال املاوردي‪ :‬النظر ِف وزارة التفويض وإن كان على العموم معترب بشرطني يقع الفرق هبما بني‬
‫اإلمامة والوزارة‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬خيتص ابلوزير وهو مطالعة اإلمام ملا أمضاه من تدبري‪ ،‬وأنفذه من والية وتقليد‪ ،‬لئال يصري‬
‫ابالستبداد كاإلمام‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬خمتص ابإلمام وهو أن يتصفح أفعال الوزير وتدبريه األمور ليقر منها ما وافق الصواب‪،‬‬
‫ويستدرك ما خالفه؛ ألن تدبري األمر إليه موكول وعلى اجتهاده حممول‪.‬‬
‫ولكن هذا االفرتاض الذي يدعو إليه العقل كما تدعو إليه السياسة والتدبري وحسن العالقات بني‬
‫دوما‪ ،‬ورمبا استبد الوزير فعالً بكل شئون الدولة‪ ،‬ورمبا حجر على‬
‫اإلمام والوزير مل يكن مرعيا ً‬
‫اخلليفة أو حبسه ِف قلعة أو قصر‪.‬‬
‫قال السيوطي‪ :‬احندر املعتمد على هللا إىل سامراء فتلقاه هناك ابن خملد جبانب املوفق (أخ املعتمد)‬
‫فأنزله ِف دار أمحد بن اخلطيب‪ ،‬ومنعه من نزول دار اخلالفة‪ ،‬ووكل به مخسمائة رجل مينعون من‬
‫الدخول إليه‪ ،‬وأقام هناك ِف خدمة املعتمد‪ ،‬ولكن ليس للمعتمد حل وال ربط وقال املعتمد ِف‬
‫ذلك‪:‬‬
‫اليس من العجائب ان مثلي *** يري ما قل ممتنعا عليه‬
‫وتؤخذ ابمسه الدنيا مجيعا *** وما من ذاك شيء يف يديه‬
‫اليه حتمل األموال طُرا *** ومينع بعض ما جيىب اليه‬

‫وهو أول خليفة قهر وحجر عليه ووكل به‪ ،‬وأمثال ذلك ِف التاريخ كثري‪ ،‬وقد تكون صالحيات‬
‫وزير التفويض ال حد هلا مثل ما كان لوزراء هارون الرشيد الربامكة‪ ،‬وقصة جعفر الربمكي اليت‬
‫رواها اجلهشياري برواية إبراهيم بن املهدي خري مثال على مدى ما يتمتع به بعض وزراء التفويض‬
‫من صالحيات مطلقة‪:‬‬
‫يوما وحضر ندماؤه وكنت فيهم وتقدم احلاجب حبفظ الباب إال‬‫قال‪ :‬خال جعفر بن حيىي ِف من زله ً‬
‫من عبد امللك بن جندان كاتبه فوقع ِف أذن احلاجب عبد امللك ومضى صدر من النهار‪ ،‬وبلغ‬
‫عبد امللك بن صاحل مقام جعفر ِف من زله فركب إليه فوجه احلاجب إىل جعفر‪ :‬قد حضر عبد‬
‫امللك‪ ،‬فقال‪ :‬يؤذن له‪ ،‬وهو يظنه ابن جندان‪ ،‬فدخل عبد امللك بن صاحل‪ ،‬فلما رآه جعفر اسود‬
‫وجهه‪ ،‬ورآان على حالنا‪ ،‬وكان عبد امللك ال يشرب النبيذ‪ ،‬وكان ذلك سبب وجد الرشيد عليه؛‬
‫ألنه كان يلتمس ندامته فيأىب عليه‪ ،‬فوقف عبد امللك على ما رأى من جعفر‪ ،‬وأقبل حىت وقف‬

‫‪649‬‬
‫على ابب اجمللس الذي حنن فيه‪ ،‬فسلم ودعا بطعام فأكل‪ ،‬فلما أراد االنصراف قال له جعفر‪:‬‬
‫سل حاجتك‪ ،‬فما حيتط مقدريت مبكافأة ما كان منك‪.‬‬
‫فقال‪ :‬إن ِف قلب أمري املؤمنني هنه فتسأل الرضا عين‪.‬‬
‫قال‪ :‬قد رضي عنك أمري املؤمنني‪.‬‬
‫قال‪ :‬وعلي أربعة آالف درهم تقضى عين‪.‬‬
‫قال‪ :‬إهنا لعندي حاضرة‪ ،‬ولكن اجعلها من مال أمري املؤمنني‪ ،‬فإهنا أنبل لك وأحب إليك‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإبراهيم ابين أحب أن أشد ظهره بصهر من أوالد اخلالفة‪.‬‬
‫قال‪ :‬قد زوجه أمري املؤمنني الغالية‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأحب أن خيفق لواء على رأسه‪.‬‬
‫قال‪ :‬قد واله مصر‪.‬‬
‫وانصرف عبد امللك وحنن نتعجب من إقدام جعفر على قضاء احلوائج من غري استئذان وقلنا‪ :‬لعله‬
‫أن جياب إىل ما سأل من احلوائج‪ ،‬فكيف ابلتزويج هل يطلق جلعفر أن يغره؟!‬
‫فلما كان من الغد وقفنا على ابب الرشيد‪ ،‬ودخل جعفر فلم يلبث أن دعي أبيب يوسف القاضي‪،‬‬
‫وزِوج ومحلت البدر إىل‬‫ودمحم بن احلسن‪ ،‬وإبراهيم بن عبد امللك‪ ،‬وخرج إبراهيم وقد خلع عليه‪ُ ،‬‬
‫من زل عبد امللك‪ ،‬وخرج جعفر‪ ،‬فأشار إلينا ابتباعه إىل من زله‪ ،‬فلما صران إليه قال‪ :‬تعلقت قلوبكم‬
‫من أول احلديث من أمر عبد امللك فأحببتم علم آخره‪ :‬إين ملا دخلت على أمري املؤمنني‪ ،‬فقمت‬
‫اَّلل حىت إذا‬
‫بني يديه ابتدأت القصة كيف كانت من أوهلا إىل آخرها‪ ،‬فجعل يقول‪ :‬أحسن و َّ‬
‫أمتمت خربه قال‪ :‬ما صنعت به؟ فأخربته مبا سأل فجعل يقول ِف ذلك‪ :‬أحسنت‪ ...‬أحسنت‪...‬‬
‫فهل رأيت أكثر من التمادي وأبعد من هذا التطاول إال أن مرد ذلك إىل ما كان يتمتع به جعفر‬
‫من ثقة لدى الرشيد وملا آنس عنه من تسليط على مثل هذه األمور‪.‬‬
‫أمورا ثالثة ال يصح لوزير‬
‫ولكن على الرغم من هذا التفويض املطلق‪ ،‬فإن العلماء قد نصبوا ً‬
‫التفويض أن يقوم هبا‪.)444(:‬‬

‫قال املاوردي‪« :‬وجيوز هلذا الوزير أي‪ :‬وزير التفويض أن حيكم بنفسه‪ ،‬وأن يقلد احلكام‪ ،‬كما جيوز‬
‫ذلك لإلمام؛ ألن شروط احلكم فيه معتربة‪ ،‬وجيوز أن ينظر ِف املظامل ويستنيب فيها ألن شروط‬
‫املظامل فيه معتربة‪ ،‬وجيوز أن يتوىل اجلهاد بنفسه‪ ،‬وأن يقلد من يتواله؛ ألن شروط احلرب فيه‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )444‬نظام احلكم والشريعة والتاريخ‪ -‬ظافر القامسي ص‪14٧‬‬

‫‪651‬‬
‫معتربة‪ ،‬وجيوز أن يباشر تنفيذ األمور اليت دبرها‪ ،‬وأن يستنيب ِف تنفيذها ألن شروط الرأي والتدبري‬
‫فيه معتربة‪ ،‬وكل ما صح من اإلمام صح من الوزير إال ثالثة أشياء‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬والية العهد؛ فإن لإلمام أن يعهد إىل من يرى‪ ،‬وليس ذلك إىل الوزير‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن لإلمام أن يستعفي األمة من اإلمامة‪ ،‬وليس ذلك للوزير‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن لإلمام أن يعزل من قلده الوزير‪ ،‬وليس للوزير أن يعزل من قلده اإلمام‪.‬‬
‫وما سوى هذه الثالثة فحكم التفويض إليه يقتضي جواز فعله وصحة نفوذه منه (‪. )441‬‬
‫قال املاوردي‪ :‬فإن عارضه اإلمام ِف رد ما أمضاه‪ ،‬فإن كان ِف حكم نفذ على وجهه‪ ،‬أو ِف مال‬
‫وضع ِف حقه مل جيز نقض ما نفذ ابجتهاده من حكم وال اسرتجاع ما فرق برأيه ِف مال‪ ،‬فإن‬
‫كان ِف تقليد وال‪ ،‬أو جتهيز جيش وتدبري حرب جاز لإلمام معارضته بعزل املوىل‪ ،‬والعدول‬
‫ابجليش إىل حيث يرى‪ ،‬وتدبري احلرب مبا هو أوىل‪ ،‬ألن لإلمام أن يستدرك ذلك من أفعال نفسه‪،‬‬
‫فكان أوىل أن يستدركه من أفعال وزيره(‪. )445‬‬
‫***‬

‫املبحث الرابع تقليد الوزارة‪:‬‬


‫جمازا ِف‬
‫التقليد بلغة اليوم هو التعيني أو التسمية‪ ،‬وِف كتب اللغة مشتق من القالدة‪ ،‬وأنه مستعمل ً‬
‫احتمال األمر وتوليه‪ ،‬وخييل إيل أن وجه اجملاز هو أن العرب تقول‪ :‬طوقت عنقي مبن تك‪ ،‬والتطويق‬
‫مبعىن التقليد؛ ألن الطوق والقالدة مبعىن واحد‪ ،‬وقد أطلقوا هذه التسمية (التقليد) حينما يعهد‬
‫وجها آخر‪.‬‬
‫من عليه‪ ،‬ولست أرى هلذا اجملاز ً‬‫اخلليفة إىل شخص ابلوزارة‪ ،‬وكأهنم يعنون أنه قد َّ‬
‫غري أن هذا املعىن الواقعي العملي الذي يتم على احلقيقة الفعلية‪ ،‬وإن كان الفقهاء قد استعملوه‬
‫عقدا ثنائي الطرف ككل العقود‪.‬‬‫إال أهنم رأوا أن تقليد الوزارة أو أية والية كانت ليست إال ً‬
‫قال الفراء ِف «األحكام السلطانية» (ص‪ :)44‬ويفتقر تقليده أي‪ :‬الوزير إىل لفظ اخلليفة؛ ألهنا‬
‫والية تفتقر إىل عقد‪ ،‬والعقود ال تصح إال ابلقول‪ ،‬فإن وقع له ابلنظر أو أذن له فيه (أي‪ :‬كتابة)‬
‫فالقياس أنه يصح التقليد هذا عند الفراء‪.‬‬
‫حكما وإن أمضاه الوالة عرفًا فأنزل العرف من زلة احلكم‬
‫أما املاوردي فقد اعترب أنه مل يتم التقليد ً‬
‫صحيحا‬
‫ً‬ ‫الشرعي وقد فصل الفقهاء الصيغ اليت ينبغي أن تتم ابلقول أو الكتابة حىت يكون التقليد‬
‫______________________________________‬
‫(‪« )441‬األحكام السلطانية» للماوردي (ص‪ )59 99:‬الباب الثاين‪ِ :‬ف تقليد الوزارة‪.‬‬
‫(‪ )445‬اتريخ اخللفاء للسيوطي ص‪. 944‬‬

‫‪651‬‬
‫وذهبوا ِف ذلك إىل افرتاضات ال غىن فيها وال طائل حتتها ألهنا ال متت إىل الواقع العملي أبي صلة‬
‫غري أن املاوردي قد أشار ِف هذا املوضوع إىل انحية سياسية دقيقة تعلل اإلجياز ِف عقود اخللفاء‬
‫وامللوك قال‪ :‬وليس يراعى فيما يباشره اخللفاء وملوك األمم من العقود العامة ما يراعى ِف اخلاصة‬
‫ومن الشروط املؤكدة ألمرين‪:‬‬
‫خمصوصا‪ ،‬ورمبا‬
‫ً‬ ‫أحدمها‪ :‬أن من عادهتم االكتفاء بيسري القول عن كثريه‪ ،‬فصار ذلك فيهم عرفًا‬
‫استثقلوا الكالم‪ ،‬فاقتصروا على اإلشارة غري أنه ليس يتعلق هبا ِف الشرع حكم لناطق سليم‪،‬‬
‫فكذلك خرجت ابلشرع من عرفهم‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أهنم لقلة ما يباشرونه من العقود جتعل شواهد احلال ِف أتهبهم هلا موجبًا حلمل لفظهم‬
‫اجململ على الغرض املقصود دون االحتمال اجملرد‪.‬‬
‫ولكن هذا اإلجياز الذي رأى املاوردي أنه من مستلزمات اخلالفة وامللك مل يكن مرعيا إال ِف‬
‫أيضا فقد ابتدأت قصرية وانتهت طويلة مرتبة‬‫العقود الشفهية أما العقود الكتابية وتسمى العهود ً‬
‫ابحملسنات اللفظية‪.‬‬
‫***‬
‫املبحث اخلامس وزارة التنفيذ‪:‬‬
‫أيضا ال جندها إال ِف كتب األحكام السلطانية‪،‬‬ ‫أما وزارة التنفيذ فإن هذه التسمية نظرية علمية ً‬
‫وال جندها ِف كتب الرتاجم أو ِف كتب التاريخ‪ ،‬أو ِف الكتب‪ ،‬أما ِف كتب التاريخ اليت حبثت عن‬
‫اتريخ الوزراء‪ ،‬ولو تدبران التعريف الذي أورده العلماء لوزير التنفيذ لوجدان أن عمله دائم حينًا‬
‫ومؤقت حينًا آخر‪ ،‬وهو من انحية أشبه بصاحب الربيد أو بصاحب اخلرب‪ ،‬ومن انحية أخرى‬
‫يتمتع ابختصاصات عملية وال يقتصر عمله على األخبار احملضة‪ ،‬وال ريب عندي ِف أن مثل هذا‬
‫اضحا خالل قراءايت‪،‬‬
‫العمل قد كان‪ ،‬وأنه وجد له أمثلة ِف اتريخ احلكم‪ ،‬غري أين مل أجد له مثاالً و ً‬
‫وإليك ما قاله الفراء(‪ )441‬واملاوردي(‪ِ )441‬ف تعريف وزير التنفيذ واختصاصه‪« :‬وأما وزارة‬
‫التنفيذ فحكمها أضعف وشروطها أقل؛ ألن النظر فيها مقصور على رأي اإلمام وتدبريه‪ ،‬وهذا‬
‫الوزير وسيط بينه وبني الرعااي والوالة يؤدي عنه ما أمر‪ ،‬وينفذ عنه ما ذكر‪ ،‬وميضي ما حكم‪،‬‬
‫وخيرب بتقليد الوالة‪ ،‬وجتهيز اجليوش‪ ،‬ويعرض عليه ما ورد من مهم وجتدد من حدث ملم‪ ،‬ليعمل‬
‫متقلدا هلا‪ ،‬فإن شورك ِف الرأي‬
‫فيه ما يؤمر به‪ ،‬فهو معني ِف تنفيذ األمور‪ ،‬وليس بوال عليها وال ً‬
‫______________________________________‬
‫(‪( )441‬ص‪.)54 :‬‬
‫(‪( )441‬ص‪.)59 :‬‬

‫‪652‬‬
‫كان ابسم الوزارة أخص‪ ،‬وإن مل يشارك فيه كان ابسم الواسطة والسفارة أشبه»‪.‬‬
‫هذا ما ذكر العلماء وهو كما ترى قد يكون ِف قاعدة اخلالفة وقد يكون خارجها‪.‬‬
‫أما الطريقة اليت يعني فيها وزير التنفيذ فإليك ما قاله املاوردي(‪« : )44٧‬وليس تفتقر هذه الوزارة‬
‫إىل تقليد وإمنا يراعى فيها جمرد اإلذن»‪.‬‬
‫أما الصفات اليت جيب أن تتوفر فيها فقالوا عنها‪« :‬وال تعترب ِف املؤهل هلا احلرية وال العلم؛ ألنه‬
‫ليس له أن ينفرد بوالية‪ ،‬وال تقليد فتعترب فيه احلرية‪ ،‬وال جيوز له أن حيكم فيعترب فيه العلم وإمنا هو‬
‫مقصور النظر على أمرين‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أن يؤدي إىل اخلليفة‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أن يؤدي عنه‪.‬‬
‫فرياعى فيه سبعة أوصاف‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬األمانة حىت ال خيون فيما قد اؤمتن عليه‪ ،‬وال يغش فيما قد استنصح فيه‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬صدق اللهجة حىت يوثق خبربه فيما يؤديه‪ ،‬ويعمل على قوله فيما ينهيه‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬قلة الطمع حىت ال يرتشي فيما يلي‪ ،‬وال ينخدع فيتساهل‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬أن يسلم فيما بينه وبني الناس من عداوة وشحناء‪ ،‬فإن العداوة تصد عن التناصف ومتنع‬
‫من التعاطف‪.‬‬
‫ذكورا ملا يؤديه إىل اخلليفة وعنه ألنه شاهد وعليه‪.‬‬
‫واخلامس‪ :‬أن يكون ً‬
‫والسادس‪ :‬الذكاء والفطنة حىت ال تدلس عليه األمور فتشتبه‪ ،‬وال متوه عليه فتلتبس‪ ،‬فال يصح مع‬
‫اشتباهها عزم وال يصلح مع التباسها حزم‪.‬‬
‫والسابع‪ :‬أن ال يكون من أهل األهواء فيخرجه اهلوى من احلق إىل الباطل‪ ،‬ويتدلس عليه احملق من‬
‫املبطل‪ ،‬فإن اهلوى خادع األلباب وصارف له عن الصواب‪.‬‬
‫وظاهر النصوص يفيد أن لفظ «وزير التنفيذ» مل يكن يطلق إال ملن كانت له مشاركة ِف الرأي كما‬
‫سفريا‪ ،‬ويتأكد ذلك من قوهلم‪« :‬فإن‬ ‫يفيد ظاهرها أن لو مل تكن هذه املشاركة مسي‪ :‬وسيطًا أو ً‬
‫كان هذا الوزير مشارًكا ِف الرأي احتاج إىل وصف اثمن وهو‪ :‬احلنكة والتجربة اليت تؤديه إىل‬
‫صحة الرأي وصواب التدبري‪ ،‬فإن ِف التجارب خربة بعواقب األمور»‪.‬‬
‫وإن مل يشارك ِف الرأي مل حيتج إىل هذا الوصف‪ ،‬وإن كان ينتهي إليه مع كثرة املمارسة‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )44٧‬ص‪.91‬‬

‫‪653‬‬
‫ومنعوا تويل املرأة وزارة التنفيذ وأجازوها ألهل الذمة فقالوا‪« :‬وال جيوز أن تكون بذلك امرأة‪ ،‬وإن‬
‫كان خربها مقبوالً‪ ،‬ملا تضمنه معىن الوالايت املصروفة عن النساء‪ ،‬لقول النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬لن يفلح قوم‬
‫ولوا أمرهم امرأة»(‪ )442‬وألن فيها من طلب الرأي وثبات العزم ما تضعف عنه النساء‪ ،‬ومن‬
‫الظهور ِف مباشرة األمور ما هو عليهن حمظور‪.‬‬
‫وجيوز أن يكون هذا الوزير من أهل الذمة وإن مل جيز أن يكون وزير التفويض منهم‪.‬‬
‫***‬
‫املبحث السادس املقارنة بني وزاريت التفويض والتنفيذ‪:‬‬
‫ويكون الفرق بني هاتني الوزارتني حبسب الفرق بينهما ِف النظرين‪ ،‬وذلك من أربعة أوجه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أنه جيوز لوزير التفويض مباشرة احلكم والنظر ِف املظامل‪ ،‬وليس ذلك لوزير التنفيذ‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أنه جيوز لوزير التفويض أن يستبد بتقليد الوالة‪ ،‬وليس ذلك لوزير التنفيذ‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أنه جيوز لوزير التفويض أن ينفرد بتسيري اجليوش‪ ،‬وتدبري احلروب‪ ،‬وليس ذلك لوزير‬
‫التنفيذ‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬أنه جيوز لوزير التفويض أن يتصرف ِف أموال بيت املال بقبض ما يستحق له وبدفع ما‬
‫جيب فيه‪ ،‬وليس ذلك لوزير التنفيذ(‪. )41٧‬‬
‫أيضا ِف أربعة شروط‪:‬‬‫قالوا‪ :‬ويفرتقان ً‬
‫احلرية‪ ،‬واإلسالم‪ ،‬والعلم ابألحكام الشرعية‪ ،‬واملعرفة أبمري احلرب واخلراج‪ ،‬فهي معتربة ِف وزارة‬
‫التفويض وغري معتربة ِف وزارة التنفيذ‪.‬‬
‫***‬
‫املبحث السابع وحدة الوزارة‪:‬‬
‫مرت بنا نظرايت العلماء ِف وحدة اخلالفة وتعددها‪ ،‬وحيث كان وزير التفويض انئبًا عن اخلليفة‬
‫لذلك حبث العلماء وحدة الوزارة وتعددها‪ ،‬فاتفقوا على أنه‪:‬‬
‫جيوز للخليفة أن يقلد وزيري تنفيذ على اجتماع وانفراد‪ ،‬وال جيوز أن يقلد وزيري تفويض على‬
‫االجتماع لعموم واليتهما؛ كما ال جيوز تقليد إمامني ألهنما رمبا تعارضا ِف العقد واحلل‪ ،‬والتقليد‬
‫اَّلل تعاىل‪ ﴿ :‬لَ ْو َكا َن فِي ِه َما ِآهلَة إالَّ َّ‬
‫اَّللُ لََف َس َد َات ﴾ [األنبياء‪.]99 :‬‬ ‫والعزل وقد قال َّ‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )442‬صحيح البخاري (‪. )1195‬‬
‫(‪ )41٧‬االحكام السلطانية املاوردي ص‪ 91‬والفراء ص ‪. 41‬‬

‫‪654‬‬
‫فإن قلد وزيري تفويض مل خيل حال تقليده هلما من ثالثة أقسام‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن يفوض إىل كل واحد منهما عموم النظر‪ ،‬فال يصح ملا قدمناه من دليل وتعليل‪ ،‬وينظر‬
‫معا‪ ،‬وإن سبق أحدمها اآلخر صح تقليد‬ ‫ِف تقليدمها‪ ،‬فإن كان ِف وقت واحد بطل تقليدمها ً‬
‫السابق وبطل تقليد املسبوق‪ ،‬والفرق بني فساد التقليد والعزل‪ :‬أن فساد التقليد مينع‬
‫من نفوذ ما تقدم من نظره‪ ،‬والعزل ال مينع من نفوذ ما تقدم من نظره‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬أن يشرك بينهما ِف النظر على اجتماعهما فيه‪ ،‬وال جيعل إىل واحد منهما أن ينفرد‬
‫به‪ ،‬فهذا يصح وتكون الوزارة بينهما ال ِف واحد منهما‪ ،‬وهلما تنفيذ ما اتفق رأيهما عليه‪ ،‬وليس‬
‫وخارجا عن نظر هذين الوزيرين‪.‬‬
‫ً‬ ‫هلما تنفيذ ما اختلفا فيه ويكون موقوفًا على رأي اخلليفة‬
‫القسم الثالث‪ :‬أن ال يشرك بينهما ِف النظر‪ ،‬ويفرد كل واحد منهما مبا ليس فيه لآلخر نظر‪،‬‬
‫وهذا يكون على أحد وجهني‪:‬‬
‫إما أن خيص كل واحد منهما بعمل يكون فيه عام النظر خاص العمل‪ ،‬مثل أن يسند إىل أحدمها‬
‫وزارة بالد املشرق وإىل اآلخر وزارة بالد املغرب‪.‬‬
‫وإما أن خيص كل واحد منهما بنظر يكون فيه عام العمل خاص النظر‪ ،‬مثل أن يستوزر أحدمها‬
‫على احلرب واآلخر على اخلراج‪ ،‬فيصح التقليد على كال الوجهني‪ ،‬غري أهنما ال يكوانن وزيري‬
‫تفويض‪ ،‬ويكوانن واليني على عملني خمتلفني‪.‬‬
‫***‬
‫الفصل العاشر القيم السياسية يف نظام الدولة اإلسالمية‬
‫ال ميكن حلكم احلاكم أن يكون مثاليا ما مل يقم على مبادئ سياسية معينة تعترب دعائم وأسس يقوم‬
‫عليها حكمه‪ ،‬وتعترب هذه املبادئ السياسية اليت سأوضحها فيما بعد ذات أثر كبري ِف صياغة‬
‫التصور اإلسالمي للدولة ووظيفتها وخصائص نظام احلكم فيها‪.‬‬
‫وأتسيسا عليها تبىن التفاصيل واجلزئيات اليت قد ال‬
‫ً‬ ‫وانطالقًا من هذه املبادئ أو القيم السياسية‪،‬‬
‫ميكن حصرها ِف نظام هذه الدولة وِف اختصاصات السلطات فيها وِف قيود مباشرة هذه‬
‫السلطات‪ ،‬وإىل هذه القيم حيتكم احلكام واحملكومون عند االختالف بينهم‪ ،‬وعلى هدي توجيهاهتا‬
‫يؤدي اجلميع ِف الدولة اإلسالمية واجباهتم‪ ،‬وينالون حقوقهم‪ ،‬ومن أهم هذه املبادئ السياسية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الشورى‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬العدل‪.‬‬

‫‪655‬‬
‫اثلثا‪ :‬احلرية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬املساواة‪.‬‬
‫***‬
‫املبحث األول الشورى يف اإلسالم‬
‫املطلب األول تعريف الشورى‪:‬‬
‫ومشارا ومشارة‪ :‬استخرجه من‬
‫ً‬ ‫وشيارا وشيارة‬
‫شورا ً‬‫تعريفها‪ :‬مأخوذة من شار العسل يشوره ً‬
‫موضعه واجتباه‪.‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫ال يهاب الشوك قطاف اجلنا *** واابر النحل مشتار الضرب‬
‫( الضرب = العسل )‬

‫شورا وشورها‬
‫قال أبو عبيد‪ :‬شرت العسل واشرتته‪ :‬اجتنيته وأخذته من موضعه‪ ،‬وشار اإلبل ً‬
‫وأشارها‪ :‬كل ذلك راضها أو ركبها عند العرض على مشرتيها‪.‬‬
‫شورا إذا قلبتها‪ ،‬والتشوير‪ :‬أن تشور الدابة تنظر كيف مشوارها‬
‫وكذلك يقال‪ :‬شرت الدابة أشورها ً‬
‫أي‪ :‬كيف سريهتا‬
‫ويقال‪ :‬للمكان الذي تشور فيه الدواب وتعرض‪ :‬املشوار‪ ،‬ويقال‪ :‬إايك واخلطب فإهنا مشوار كثري‬
‫العثار‪.‬‬
‫واستشاره‪ :‬طلب منه املشورة‪ ،‬ومثل الشورى املشورة واملشاورة وتقول‪ :‬شاورته ِف األمر واستشرته‬
‫مبعىن واحد‪.‬‬
‫قال الفراء‪ :‬الشورى أصلها مشورة‪ ،‬مث نقلت إىل شورى خلفتها(‪. )414‬‬
‫وقال الرازي ِف تفسريه‪« :‬يقال‪ :‬شاورهم مشاورة ومشو ًارا ومشورة»(انتهى)‪.‬‬

‫واملالحظ أن هذه املعاين كلها تدور حول االستخراج واالستظهار‪ ،‬وهبذا يتبني أن الشورى مصدر‬
‫يعين‪ :‬التشاور‪ ،‬يقال‪ :‬تشاور القوم إذا اجتمعوا على األمر ليستشري كل واحد منهم صاحبه‬
‫ويستخرج ما عنده من رأي‪ ،‬هذا معىن الشورى ِف اللغة‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪()414‬لسان العرب البن منظور ج ‪ 1‬ص ‪ - 4٧4‬ص‪ )4٧1‬والقاموس احمليط ج ‪ 9‬ص ‪15‬‬

‫‪656‬‬
‫أما الشورى يف االصطالح‪ :‬فقد وردت عدة تعريفات للشورى ِف االصطالح منها‪:‬‬
‫ما قاله الراغب‪ :‬هي استخراج الرأي مبراجعة البعض إىل البعض من قوله‪ :‬شرت العسل إذا أخذته‬
‫من موضعه واستخرجته منه(‪. )419‬‬
‫وقال ابن العريب‪ :‬هي االجتماع على األمر ليستشري كل واحد منهم صاحبه ويستخرج ما عنده‪.‬‬
‫ويرد على هذا التعريف أنه ال يستقيم ِف علم املنطق‪ :‬ألنه ِف املنطق كلمة «ليستشري» واردة ِف‬
‫تعريف الشورى مع أن املقصود من التعريف تفهم املعرف ابملعرف‪ ،‬فإذا كان كل واحد منهم‬
‫يتوقف فهمه على اآلخر فهذا يعين توقف الشيء على نفسه‪ ،‬وهو الدور‪ ،‬والدور ال يقبل ِف‬
‫احلدود عند علماء املنطق(‪. )414‬‬
‫وقال الطربي ِف «تفسريه»‪ :‬هي املفاوضة ِف الكالم ليظهر احلق(‪.)411‬‬
‫احدا‪ :‬هو استخراج الصواب بعد التعرف على آراء‬
‫وهذه التعاريف املتقدمة كلها تعطي معىن و ً‬
‫اآلخرين وإحالة النظر هبا‪.‬‬
‫ومن العلماء احملدثني من عرف الشورى ِف االصطالح أبهنا‪« :‬استطالع الرأي من ذوي اخلربة فيه‬
‫للتوصل إىل أقرب األمور للحق»(‪.)415‬‬
‫***‬
‫املطلب الثاين أدلة حجية الشورى يف القرآن الكرمي‪:‬‬
‫يستدل على حجية الشورى ابلقرآن والسنة‪.‬‬
‫أما القرآن الكرمي فقد وردت فيه آيتان كرميتان ذكرت فيهما الشورى كأمر واجب ِف إحدامها‪،‬‬
‫وكوصف ميدح فاعلوه املتصفون به ِف الثانية‪.‬‬
‫نت َهلُْم َولَ ْو‬‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص يقول له‪ ﴿ :‬فَبِما ر ْمح ٍة ِمن َِّ ِ‬
‫اَّلل ل َ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫ففي اآلية األوىل‪ :‬خياطب القرآن الكرمي رسول َّ‬
‫استَ ْغ ِف ْر َهلُْم َو َشا ِوْرُه ْم ِِف األ َْم ِر ﴾ [آل‬ ‫ِ‬ ‫نت فَظًّا َغلِي َ‬
‫ف َعْن ُه ْم َو ْ‬
‫اع ُ‬
‫ك فَ ْ‬‫ضوا ِم ْن َح ْول َ‬ ‫ظ الْ َقلْ ِ‬
‫ب الن َف ُّ‬ ‫ُك َ‬
‫عمران‪.]452:‬‬
‫ُحد اليت خرج إليها الرسول ملسو هيلع هللا ىلص نزوالً على رأي أصحابه‪ ،‬وكان‬ ‫وقد نزلت هذه اآلية عقب غزوة أ ُ‬
‫رأيه أن يبقوا ِف املدينة ويدافعوا عنها من داخلها‪ ،‬وبينت األحداث اليت مرت ابملسلمني ِف أثناء‬
‫______________________________________‬
‫(‪ ( )419‬الشورى ِف ظل النظام احلكم اإلسالمي ص ‪)44‬‬
‫(‪ ( )414‬الشورى بني النظرية والتطبيق ص ‪)41‬‬
‫(‪( )411‬ج ‪ 2‬ص ‪)44‬‬
‫(‪ ( )415‬األسس اليت تقوم عليها احلكومة االسالمية ص ‪( . 415‬ملعاود عايد عيد العوِف رسالة ماجستري)‬

‫‪657‬‬
‫اَّلل نبيه بعد هذه‬ ‫هذه الغزوة أن رأي الرسول ملسو هيلع هللا ىلص كان هو األصوب واألصح‪ ،‬ومع ذلك أمر َّ‬
‫األحداث أبن يستغفر ألصحابه وأبن يشاورهم ِف كل ما حيتاج إىل مشاورة‪ ،‬والنص هبذه الصورة‬
‫وِف هذه الظروف نص قاطع ال يدع جماالً للشك ِف أن الشورى مبدأ أساسي من مبادئ النظام‬
‫دائما وحتت مجيع‬ ‫السياسي اإلسالمي‪ ،‬وقيمة عليا جيب على األمة املسلمة أن تتمسك هبا ً‬
‫الظروف‪.‬‬
‫الصالةَ‬‫استَ َجابُوا لَِرِهبِ ْم َوأَقَ ُاموا َّ‬ ‫ين ْ‬
‫َّ ِ‬
‫اَّلل تعاىل ِف سورة الشورى‪َ ﴿ :‬والذ َ‬ ‫أما اآلية الثانية‪ :‬فهي قول َّ‬
‫اه ْم ي ِنف ُقو َن ﴾ [الشورى‪ ، ]٧4 :‬وهذه اآلية مكية نزلت ِف مكة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َوأ َْم ُرُه ْم ُش َورى بَينَ ُه ْم َوممَّا َرَزقْ نَ ُ‬
‫ومن مث فإن وصف املؤمنني أبن أمرهم شورى يفيد أن الشورى من خصائص اإلسالم اليت جيب أن‬
‫يتحلى هبا املؤمنون سواء أكانوا يشكلون مجاعة مل تقم هلم دولة بعد وذلك كان هو حال‬
‫املسلمني ِف مكة أم كانوا يشكلون دولة قائمة ابلفعل كما كان حال املسلمني ِف املدينة‪.‬‬
‫وابإلضافة إىل هاتني اآليتني يرى األستاذ الشيخ‪ /‬دمحم عبده أن ِف قوله تعاىل ِف سورة آل‬
‫ِ‬
‫ك ُه ُم‬ ‫عمران‪َ ﴿ :‬ولْتَ ُكن ِمن ُك ْم أ َُّمة ي ْدعُو َن َإىل ا ْخلَ ِري َوأيْ ُم ُرو َن ِابمل ْع ُروف َو ْين َه ْو َن َع ِن الْ ُمن َك ِر َوأ ُْولَئِ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫حو َن ﴾ [آل عمران‪ ]4٧1:‬دليالً أقوى على وجود الشورى من الدليل املستمد من اآليتني‬ ‫الْ ُم ْفل ُ‬
‫السابق ذكرمها‪ ،‬وهو يقدر ذلك ببيان أن آية سورة الشورى تبني أن التشاور ِف األمور وصف‬
‫اَّلل وأن آية «آل عمران» األخرى‪َ ﴿ :‬و َشا ِوْرُه ْم ِِف األ َْم ِر ﴾ توجب على احلاكم‬ ‫ممدوح عند َّ‬
‫املشاورة‪.‬‬
‫مث يستدرك قائالً‪ :‬ولكن إذا مل يكن هناك ضامن يضمن امتثاله أي احلاكم لألمر فماذا يكون إذا‬
‫هو تركه؟ وأما هذه اآلية فإهنا تفرض أن يكون ِف الناس مجاعة متحدون وأقوايء يتولون الدعوة إىل‬
‫اخلري واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬وهو عام ِف احلكام واحملكومني وال معروف أعرف من‬
‫العدل وال منكر أنكر من الظلم‪.‬‬

‫***‬
‫املطلب الثالث الشورى يف السنة النبوية‪:‬‬
‫أما السنة النبوية فإهنا زاخرة ابألمثلة العملية الستشارة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ألصحابه‪ ،‬حىت قال أبو هريرة‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص‪.‬‬
‫أحدا أكثر مشورة ألصحابه من رسول َّ‬
‫اَّلل عنه ‪ :‬ما رأيت ً‬ ‫رضي َّ‬

‫‪658‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬استشارة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ألصحابه ِف اخلروج يوم بدر‪ ،‬وِف املن زل الذي ين زله عندها‪ ،‬وِف‬
‫اخلروج أو البقاء ِف املدينة يوم أحد‪ ،‬وِف مصاحلة بعض األحزاب يوم اخلندق على ثلث مثار‬
‫املدينة‪ ،‬وغري ذلك كثري(‪. )411‬‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص تستفاد قاعدة عامة حمتواها أن احلاكم أو اإلمام يستشري‬
‫ومن هذه السنة العملية لرسول َّ‬
‫األمة أو أويل الرأي فيها فيما حيتاج الوصول إىل قرار بشأن تبادل اآلراء‪ ،‬وذلك ِف شأن الرسول‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص قاصر على األمور اليت مل يكن فيها نص بفعل أمر معني أو تركه‪ ،‬فإن ما كان حمالًّ لوحي فال‬
‫جمال للمشاورة وقد متتد حىت تغطي تلك املسائل املنصوص على أحكامها إذا كانت املناقشة‬
‫خالل الشورى ترمي إىل الوصول إىل اتفاق على فهم مالئم لظروف الوقائع أو الزمان أو املكان‬
‫لتطبيق النصوص ابإلضافة إىل مشول الشورى بطبيعة احلال لتلك األمور اليت مل يرد فيها نص معني‬
‫أي‪ :‬األمور اليت تركت لالجتهاد ‪.‬‬
‫والرأي الراجح بني الفقهاء‪ :‬هو أنه جيب على احلاكم مشاورة األمة ِف األمور العامة حبيث إذا‬
‫تركها احلاكم كان لألمة أن تطالبه هبا وأن تبدي رأيها ولو مل يطلب منها فيما قد يكون هلا فيه‬
‫رأي‪.‬‬
‫وهذا الوجوب مستفاد من اآليتني الكرميتني اللتني قدمنا ذكرمها ِف أدلة حجية الشورى‪.‬‬
‫ففي اآلية األوىل‪ :‬جاء األمر إىل الرسول ملسو هيلع هللا ىلص أبن يشاور أصحابه‪َ ﴿ :‬و َشا ِوْرُه ْم ِِف األ َْم ِر ﴾‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص وهو حيكم دولة اإلسالم األوىل فإهنا جتب كذلك‬ ‫وإذا كانت املشاورة واجبة على رسول َّ‬
‫اضحا إذا تذكران أن الرسول صلى‬ ‫من ابب أوىل على كل حاكم دولة إسالمية بعده‪ ،‬ويبدو ذلك و ً‬
‫هللا عليه وسلم كان ِف واقع األمر مستغنيا عن املشاورة‪ ،‬إذ أيتيه الوحي حبل ما قد يبدو مشكالً‬
‫من األمور‪ ،‬بينما ال سبيل أمام من بعده من احلكام إال أن يستفيدوا من خربات وآراء أويل الرأي‬
‫ِف األمة‪.‬‬

‫الزما للمؤمنني حيفها من ميينها ِف النص القرآين‬


‫وأما اآلية الثانية‪ :‬فقد جعلت الشورى وص ًفا ً‬
‫اَّلل‬
‫وصف املؤمنني ابالستجابة ََّّلل‪ ،‬وإقامة الصالة‪ ،‬ومن يسارها وصفهم ابإلنفاق مما رزقهم َّ‬
‫تعاىل وذلك كله من فرائض اإلسالم وواسطة عقد هذه اآلية الكرمية هي الشورى اليت مدح هبا‬
‫املؤمنون‪ ،‬وكأن وصف اإلميان الكامل ال يتحقق بغريها ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )411‬سنن الرتمذي (‪ )4141‬وحكم األلباين ضعيف‬

‫‪659‬‬
‫ومع أن القول ابلوجوب ِف شأن الشورى هو األرجح عند فقهاء املسلمني فقد ذهب البعض إىل‬
‫أن األمر الوارد ابلشورى إمنا هو للندب ال للوجوب‪ ،‬وأن املقصود هبذا الندب هو تطييب قلوب‬
‫الصحابة‪.‬‬
‫فهما ِف معىن اآلية الكرمية وسبب نزوهلا‪ ،‬وليس مثة ما مينع من‬
‫والواقع أن هذا ال يعدو أن يكون ً‬
‫القول أبن تطييب القلوب هو أحد أسباب األمر ابلشورى ولكنه ليس هو السبب الوحيد‪ ،‬وليس‬
‫أدل على ذلك من فعل الرسول ملسو هيلع هللا ىلص نفسه ِف كثرة مشاورته ألصحابه‪ ،‬وقد فطن الفقهاء املسلمون‬
‫إىل هذه املعاين كلها‪ ،‬فقد روي أن الشورى من عزائم األحكام اليت البد من نفاذها والعزائم من‬
‫الواجبات اليت ال جيوز تركها‪ ،‬ورتبوا على ذلك أن من ترك الشورى من احلكام فعزله واجب دون‬
‫خالف(‪. )411‬‬
‫***‬
‫املطلب الرابع نطاق الشورى‪:‬‬
‫أما نطاق الشورى‪ ،‬أي‪ :‬املسائل اليت ميكن أن تكون حمالًّ هلا فذلك ما ال جند له ِف النصوص‬
‫قاطعا‪ ،‬فقد ورد األمر ابلشورى ِف القرآن الكرمي واص ًفا إايها أبهنا‬
‫حتديدا ً‬
‫املقررة لوجوب الشورى ً‬
‫الشورى ِف األمر‪ ،‬وِف هذه الكلمة من العموم واإلطالق ما جيعلها تشمل كل شئون اجلماعة‬
‫املسلمة ِف كل نواحي حياهتا‪ ،‬فإذا متشينا مع هذا اإلطالق والعموم ِف كلمة (األمر) فإننا نستطيع‬
‫القول أبن مجيع الشئون العامة لألمة املسلمة ميكن أو جيب أن تكون حمالًّ للشورى‪ ،‬غري أن مثل‬
‫اإلطالق ِف الواقع ال ميكن أن يكون مر ًادا من النصوص اليت أتمر ابلشورى‪ ،‬ذلك أنه يوجد قيدان‬
‫جيب التقيد هبما ِف هذا اخلصوص‪.‬‬
‫القيد األول‪ :‬أن الشورى ال تكون ِف أي مسألة ورد فيها نص ِف القرآن الكرمي أو السنة اليت تعد‬
‫عاما‪ ،‬فهذه األمور خارجة ابلضرورة عن نطاق الشورى بعد ورود النص ـ‬ ‫تشر ًيعا ًّ‬
‫أن تكون حمالًّ هلا اللهم إال إذا كان موضوع الشورى هو تفسري النص أو تنفيذه‪ ،‬وال يكون ذلك‬
‫بداهة إال فيما بعد عصر الرسالة من عصور‪ ،‬إذ خيتص الرسول ملسو هيلع هللا ىلص بذلك التفسري والتنفيذ خالل‬
‫حياته ملسو هيلع هللا ىلص‪.‬‬
‫القيد الثاين‪ :‬هو أنه حني تعرض مسألة ما على الشورى فإنه ال جيوز أن ينتهي رأي املشريين أو‬
‫نصا من النصوص التشريعية الواردة ِف القرآن الكرمي أو السنة النبوية‪،‬‬
‫املستشارين إىل نتيجة ختالف ًّ‬
‫______________________________________‬
‫(‪ ()411‬تفسري القرطيب ج ‪ 1‬ص ‪ - 912‬ص‪)954‬‬
‫(تفسري الرازي ج ‪ 4‬ص ‪ - 49٧‬ص ‪) 499‬‬

‫‪661‬‬
‫إذ مثل هذه املخالفة متنع األخذ ابلرأي الذي ينتهي إليه الشورى وجتعلها من مث ال قيمة‬
‫هلا(‪.)41٧‬‬
‫أما خارج دائرة هذين القيدين اللذين ميكن اعتبارمها شقني لقيد واحد‪ :‬هو التزام النصوص ِف‬
‫املوضوعات اليت تعرض للشورى وِف النتيجة اليت تنتهي إليها؛ فإن كل أمر مما مل يرد فيه نص ميكن‬
‫أن يكون حمالًّ للشورى ما دام يتعلق مبسألة تعد من الشئون العامة لألمة‪.‬‬
‫***‬
‫املطلب اخلامس مدى رلزام الشورى‪:‬‬
‫وإذا كانت الشورى مقررة بنصوص القرآن والسنة‪ ،‬وكان اتباع هذه النصوص واجبًا على احلكام‪،‬‬
‫وكان نطاق الشورى يشمل ما أشران إليه ِف الفقرات السابقة من مسائل‪ ،‬فإنه يبقى علينا أن‬
‫نبحث مدى إلزام الرأي الذي تنتهي إليه الشورى‪ ،‬أو ما يعرف مبسألة‪ :‬هل الشورى ملزمة أو‬
‫معلمة؟‬
‫ويف هذا اخلصوص جند أننا أمام رأيني متعارضني‪:‬‬
‫أحدمها يقول أصحابه‪ :‬إن الشورى ملزمة للحاكم حبيث إذا استقر رأي أهلها أو غالبيتهم على‬
‫شيء وجب عليه اتباعه‪.‬‬
‫أما الرأي الثاين‪ :‬فريى أصحابه أنه ال جيب على احلاكم أن يفعل ما انتهت إليه أكثرية املشريين‪،‬‬
‫اجحا عنده‪ ،‬خالف ذلك رأي أهل‬ ‫وإمنا يكفي أن يشاورهم مث ميضي بعد ذلك فينفذ ما يراه ر ً‬
‫الشورى أو وافقه‪.‬‬
‫ت فَتَ َوَّك ْل‬
‫ويستدل أصحاب هذا الرأي األخري بتفسري بعض املفسرين لقول ا ََّّلل تعاىل‪ ﴿ :‬فَإذَا َعَزْم َ‬
‫اَّللِ ﴾ [آل عمران‪ ،]452:‬إذ يذهب هؤالء إىل أن معىن هذا النص أن للرسول أن أيخذ مبا‬ ‫َعلَى َّ‬
‫انتهت إليه الشورى أو يدعه‪.‬‬
‫كما يستدلون ببعض مواقف للرسول ملسو هيلع هللا ىلص ولصاحبيه أيب بكر وعمر يرون فيها أن الشورى مل تكن‬
‫ملزمة فيما انتهت إليه ومن أهم هذه املواقف‪:‬‬
‫موقف الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ِف قضية «صلح احلديبية» حيث أمضاه ملسو هيلع هللا ىلص رغم معارضة بعض أصحابه ِف‬
‫ذلك وموقف أيب بكر ِف إنفاذ جيش أسامة رغم عدم موافقة بقية الصحابة على ذلك‪ ،‬وموقفه‬
‫من حروب الردة اليت خالفه فيها أصحابه‪ ،‬وكذلك موقف عمر ِف تقسيم أرض العراق‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ ()41٧‬اإلسالم واوضاعنا السياسية ‪ -‬عبد القادر عودة ص ‪)45٧‬‬
‫(النظام السياسي ِف اإلسالم ‪ -‬عبدالكرمي عثمان ص ‪)45‬‬

‫‪661‬‬
‫ويذهب أصحاب الرأي األول من القائلني أبن الشورى ملزمة‪ :‬أن اآلية املشار إليها إمنا تدل على‬
‫لزوم نتيجة الشورى‪ ،‬إذ ال يكون العزم إال بعد الشورى‪ ،‬ولذلك قال ِف تفسريها القرطيب نقالً عن‬
‫عزما»(‪)412‬‬ ‫قتادة‪« :‬إن العزم هو األمر املروي املنقح وليس ركوب الرأي دون روية ً‬
‫اَّللِ ﴾ أن ال يتوكل على مشاورهتم‪ ،‬ذلك أن‬ ‫وال ينقض ذلك ما يقال من أن معىن‪ ﴿ :‬فَتَ َوَّك ْل َعلَى َّ‬
‫اَّلل سبحانه وتعاىل الذي بيده مقاليد‬ ‫التوكل هو طلب التأييد والتسديد‪ ،‬وذلك ال يكون إال من َّ‬
‫كل شيء‪ ،‬أما دور املشاورة فمحصور ِف بيان أقرب اآلراء إىل الصواب وأوالها ابالتباع‪.‬‬
‫اَّلل إمنا يكون‬
‫أيضا مبا ذكره الطربي ِف تفسريه من أن العزم والتوكل على َّ‬ ‫وميكننا أتييد هذا الرأي ً‬
‫اَّلل تعاىل إليه‪ ،‬وأمره إايه بفعل شيء معني‪ ،‬فعند‬
‫ِف األمر الذي يصدر فيه الرسول ملسو هيلع هللا ىلص عن وحي َّ‬
‫ذلك ال جيوز للرسول ملسو هيلع هللا ىلص أن ينظر إىل رأي أهل مشورته وعليهم أن ينفذوا ما أمر به وافق رأيهم‪،‬‬
‫أو مل يوافقه‪.‬‬
‫وِف ذلك يقول الطربي‪« :‬فإذا صح عزمك بتثبيتنا إايك‪ ،‬وتسديدان لك فيما انبك وحزبك من أمر‬
‫دينك ودنياك‪ ،‬فامض ملا أمرانك به‪ ،‬على ما أمرانك به وافق ذلك آراء أصحابك وما أشاروا به‬
‫عليك أو خالفها»(‪. )45٧‬‬
‫وواضح من هذا النص أنه ينبغي العزم على كل ما جاء به الوحي دون نظر فيه إىل الشورى‬
‫ونتيجتها‪ ،‬أما ما مل يكن فيه وحي فال داللة هلذا النص عليه‪ ،‬ويبقى على األصل من التزام الشورى‬
‫فيه‪.‬‬
‫الصحيح هو التزام احلاكم بتنفيذ ما تنتهي رليه الشورى‪:‬‬
‫وإذا تبني هذا فإنه يصبح بينًا أن احلاكم وقد وجبت عليه الشورى جيب عليه أن يلتزم نتيجتها اليت‬
‫ينتهي إليها رأي أكثر املشريين‪ ،‬وإنه ال دليل يصح االستناد إليه ِف أتييد من ذهب إىل أن الشورى‬
‫مجيعا من فعل الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وصاحبيه أن الشورى‬
‫معلمة وليست ملزمة‪ ،‬وإمنا الذي تدل عليه األدلة ً‬
‫مىت انتهت إىل رأي وجب على اإلمام أو احلاكم تنفيذه‪.‬‬
‫وحنن إذا أتملنا أدلة القائلني أبن الشورى معلمة ال ملزمة وجدانها ال تدل على ذلك؛ ألن‬
‫التفسري الذي ذهبوا إليه لبعض الوقائع اليت استدلوا هبا على أن الشورى غري ملزمة تفسري غري‬
‫صحيح إيضاح ذلك كما يلي‪:‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ ( )412‬تفسري القرطيب ج ‪ 1‬ص ‪)959‬‬
‫(‪ ( )45٧‬تفسري الطربي ج ‪ 1‬ص ‪)14‬‬

‫‪662‬‬
‫أوال‪ :‬صلح احلديبية‪:‬‬
‫لقد استدل هؤالء على عدم إلزام الشورى مبا وقع ِف صلح احلديبية‪ ،‬حيث مل أيخذ النيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم برأي أصحابه‪ ،‬بل كتب الصلح ونفذه على الرغم من معارضة أصحابه له‪.‬‬
‫واجلواب‪ :‬أن صلح احلديبية مل يكن ِف أي مرحلة من املراحل حمالًّ للشورى‪ ،‬وإمنا صدر فيه‬
‫اَّلل عنه قد‬
‫الرسول ملسو هيلع هللا ىلص عن الوحي من أدلة أخرى‪ ،‬وكل ما حدث أن عمر بن اخلطاب رضي َّ‬
‫اَّلل ورسوله‪،‬‬
‫سأل الرسول ملسو هيلع هللا ىلص مل يقبل املسلمون الصلح؟ فكان جواب الرسول ملسو هيلع هللا ىلص له‪« :‬أان عبد َّ‬
‫لن أخالف أمره‪ ،‬ولن يضيعين»(‪ )454‬وهذا واضح أن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص مضى ِف صلح احلديبية بوحي‬
‫اَّلل‪.‬‬
‫من َّ‬
‫اثنيا‪ :‬بعث جيش أسامة‪:‬‬
‫اَّلل عنه جليش أسامة على الرغم من معارضة‬
‫أيضا بتنفيذ أيب بكر الصديق رضي َّ‬
‫وقد استدلوا ً‬
‫الصحابة له‪.‬‬
‫واجلواب‪:‬على هذا أن يقال‪ :‬إن أاب بكر إمنا كان ينفذ ِف ذلك وصية رسول َّ‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص وقد كان‬
‫عليه الصالة والسالم هو الذي جهز جيش أسامة وأشرف على ذلك بنفسه مث منعه من اخلروج‬
‫خرج‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص الذي َّ‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص وما فعله أبو بكر ِف هذا الشأن إمنا هو تنفيذ أمر رسول َّ‬
‫مرض رسول َّ‬
‫اَّلل صلى هللا عليه‬ ‫اجليش قبل موته من املدينة فعالً‪ ،‬مث رأى قائده أن يقيم حني اشتد مرض رسول َّ‬
‫وسلم على مقربة منها لريوا ما يكون من أمر مرضه عليه الصالة والسالم‪ ،‬ومن هذا يتضح أن أاب‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص وهو نص ال جمال فيه‬
‫بكر الصديق بتنفيذه بعث جيش أسامة إمنا هو تنفيذ ألمر رسول َّ‬
‫للشورى‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬حروب الردة‪:‬‬
‫أيضا على ما ذهبوا إليه؛ ألن‬ ‫أما استدالهلم بفعل أيب بكر ِف حروب الردة؛ فإنه ال يدل ً‬
‫اَّلل عنه قد رأى قبل غريه من الصحابة وجوب قتال من ارتد من‬ ‫املعروف أن أاب بكر رضي َّ‬
‫العرب بعد وفاة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وبعد منع الزكاة منهم‪ ،‬غري أن هذا الرأي مل يعد ِف النهاية رأي أيب‬
‫بكر وحده وإمنا وافقه عليه املعارضون لذلك من الصحابة وعلى رأسهم عمر بن اخلطاب رضي‬
‫اَّلل عنه قوله ِف هذا الشأن‪:‬‬
‫اَّلل عنه ‪ ،‬فقد روى البخاري ومسلم عن عمر بن اخلطاب رضي َّ‬ ‫َّ‬
‫اَّلل عز وجل شرح صدر أيب بكر للقتال فعرفت أنه احلق»(‪.)459‬‬ ‫اَّلل ما هو إال أن رأيت َّ‬ ‫«فو َّ‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )454‬مسند أمحد (‪ )4٧24٧‬وحكم شعيب األرنؤوط إسناده حسن‬
‫(‪ )459‬صحيح البخاري (‪)19٧1‬‬

‫‪663‬‬
‫رابعا‪ :‬تقسيم عمر بن اخلطاب ـ رضي اّلل عنه ـ ألراضي العراق‪:‬‬
‫أيضا دليل على أخذه مبا‬‫وأما موقف عمر بن اخلطاب من تقسيم أرض العراق بعد فتحها‪ ،‬فإنه ً‬
‫تنتهي إليه الشورى‪ ،‬وليس دليالً على إهداره إايها‪ ،‬ذلك أن املروي أبسانيد صحيحة أن عمر قد‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص فأشار عليه عامتهم بقسمتها كما قسمت خيرب حني‬
‫استشار ِف ذلك أصحاب رسول َّ‬
‫فتحها الرسول ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وأشار عليه علي بن أيب طالب‪ ،‬ومعاذ بن جبل بعدم قسمتها حىت تبقى‬
‫موردا للمسلمني ِف أجياهلم املتعاقبة‪ ،‬فاقتنع عمر برأيهما‪ ،‬وبدأ يشاور ِف املسألة املسلمني حىت‬‫ً‬
‫أقنعهم برأيه‪ ،‬واستجابوا له فلم يقسم أرض العراق‪.‬‬
‫وما أشبه موقف عمر ِف هذه القضية مبوقف أيب بكر ِف قضية حرب املرتدين! فكل منهما رأى‬
‫رأاي مل يوافقه عليه أغلبية الصحابة‪ ،‬وكل منهما مل يزل أبصحابه حىت أقنعهم برأيه وصوابه وكالمها‬
‫قد التزم بعد الشورى مبا انتهت إليه‪ ،‬ومل خيالفها إىل رأيه الشخصي(‪. )454‬‬
‫***‬
‫املبحث الثاين العـ ــدل‪:‬‬
‫العدل أساس امللك‪ ،‬وهو إحدى املقومات األساسية لنظام احلكم‪ ،‬وهو قاعدة اإلسالم الكربى ِف‬
‫التشريع‪ ،‬إذ ال يوجد ِف نظام احلكومات األخرى من أصول العدل واملساواة بني أجناس األمة‬
‫قدميًا وحديثًا مثلما هو موجود ِف نظام الدولة اإلسالمية‪ ،‬وليس أدل على ذلك من آايت القرآن‬
‫أمرا جممالً شامالً للشئون كلها ِف العديد من‬ ‫الكرمي الكثرية اليت حتض على العدل وأتمر به ً‬
‫خاصا ببعض األمور اليت يتوقع فيها احليف والظلم ِف بعض اآلايت‬ ‫أمرا مفصالً ًّ‬ ‫اآلايت‪ ،‬و ً‬
‫األخرى‪.‬‬
‫اَّللَ‬
‫إن َّ‬‫فمن آايت القرآن اليت جاء فيها األمر ابلعدل على وجه العموم واإلطالق‪ ،‬قوله تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬
‫ان َوإيتَ ِاء ِذي الْ ُق ْرَىب َو ْين َهى َع ِن الْ َف ْح َش ِاء َوالْ ُمن َك ِر َوالْبَ ْغي ﴾ [النحل‪]2٧:‬‬ ‫أيْمر ِابلْع ْد ِل واإلحس ِ‬
‫ُُ َ َ ْ َ‬
‫اس أَن َْحت ُك ُموا ِابلْ َع ْد ِل﴾‬
‫ني النَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل أيْمرُكم أَن تُؤُّدوا األَم َ ِ‬ ‫‪،‬وقوله‪َّ ﴿:‬‬
‫اانت َإىل أ َْهل َها َوإ َذا َح َك ْمتُم بَ َ‬ ‫َ‬ ‫إن ََّ ُ ُ ْ َ‬
‫[النساء‪.]5٧:‬‬

‫وقد يبدو للبعض أن هذه اآلية الكرمية يقتصر نطاقها على التطبيق ِف جمال القضاء واحلكم ِف‬
‫املنازعات بناء عليها وفق قواعد العدالة‪ ،‬غري أن هذا الفهم ال يتفق مع ما ذهب إليه مجاهري‬

‫______________________________________‬
‫(‪ِ ( )454‬ف النظام السياسي للدولة اإلسالمية دمحم سليم العوا ‪:‬ص ‪)424‬‬

‫‪664‬‬
‫اَّلل؛ إذ يقررون أن املراد من احلكم ِف هذه اآلية هو ما كان عن والية عامة أو‬ ‫املفسرين لكتاب َّ‬
‫أيضا فيما بينهم‬ ‫بعضا فرضه ً‬ ‫خاصة(‪ . )451‬وكما فرض القرآن العدل فيما بني املؤمنني بعضهم ً‬
‫ب لِلتَّ ْق َوى ﴾[املائدة‪،]٧ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وبني أعدائهم ‪َ ﴿:‬وال ْجي ِرَمنَّ ُك ْم َشنَآ ُن قَ ْوم َعلَى أَالَّ تَ ْعدلُوا ْاعدلُوا ُه َو أَقْ َر ُ‬
‫وقد حيمل احلب كما حيمل الكره بعض القلوب على احليف واجلور حتقي ًقا ملا يظنونه مصلحة‬
‫ين َآمنُوا‬ ‫من حيبون؛ ولذلك حيذر القرآن من مثل هذا احليف فيخاطب املؤمنني‪ ﴿ :‬اي أ َّ ِ‬
‫َيها الذ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني ﴾[النساء‪،]445:‬‬ ‫ني ِابلْق ْسط ُش َه َداءَ ََّّلل َولَ ْو َعلَى أَن ُفس ُك ْم أَ ِو الْ َوال َدي ِن َواألَقْ َربِ َ‬ ‫ُكونُوا قَ َّوام َ‬
‫والقسط‪ :‬هو العدل‪ .‬وليس املفروض بنصوص القرآن الكرمي هو العدل ِف احلكم والفصل‬
‫اع ِدلُوا َولَ ْو َكا َن َذا قُ ْرَىب‬ ‫فحسب‪ ،‬بل كذلك يفرض القرآن العدل حىت ِف القول‪َ ﴿ :‬وإذَا قُ ْلتُ ْم فَ ْ‬
‫صا ُكم بِِه لَ َعلَّ ُك ْم تَ َذ َّك ُرو َن ﴾[األنعام‪ .]459:‬وقد نص القرآن الكرمي على‬ ‫اَّللِ أ َْوفُوا َذلِ ُك ْم َو َّ‬
‫َوبِ َع ْه ِد َّ‬
‫ِ‬
‫وجوب فرض العدل على الناس ولو ابلقوة‪ ،‬فقال تعاىل‪ ﴿ :‬لََق ْد أ َْر َس ْلنَا ُر ُسلَنَا ِابلْبَينَات َوأ َ‬
‫َنزلْنَا َم َع ُه ُم‬
‫اَّللُ َمن‬ ‫َّاس َولِ ْيعلَ َم َّ‬
‫يد فِ ِيه َأبْس َش ِديد َوَمنَافِ ُع لِلن ِ‬ ‫َنزلْنَا ا ْحلَ ِد َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّاس ِابلْق ْسط َوأ َ‬
‫وم الن ُ‬
‫ِ ِ‬
‫اب َوالْم َيزا َن لي ُق َ‬
‫ِ‬
‫الْكتَ َ‬
‫اَّللَ قَ ِوي َع ِزيز ﴾[احلديد‪ ،]95:‬وِف فهم هذه اآلية الكرمية قال ابن تيمية‬ ‫إن َّ‬ ‫يب َّ‬ ‫ينصرهُ ور ُسلَهُ ِابلْغَ ِ‬
‫ُُ َُ‬
‫اَّلل‬
‫اَّلل‪ :‬فاملقصود من إرسال الرسل‪ ،‬وإنزال الكتب‪ ،‬أن يقوم الناس ابلقسط ِف حقوق َّ‬ ‫رمحه َّ‬
‫وحقوق خلقه‪ ،‬فمن عدل عن الكتاب قوم ابحلديد(‪. )455‬‬
‫***‬
‫املطلب األول حترمي الظلم‪:‬‬
‫وكما أمر القرآن الكرمي ابلعدل وحض عليه ورغب فيه‪ ،‬هنى عن الظلم وحذر منه‪ ،‬وبني عاقبة‬
‫ض بِغَ ِري‬ ‫َّاس َو ْيب غُو َن ِِف األ َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫الظاملني فقال سبحانه وتعاىل‪َّ ﴿:‬إمنَا َّ ِ‬
‫ين يظْل ُمو َن الن َ‬ ‫السبيلُ َعلَى الذ َ‬
‫ك َهلُْم َع َذاب أَلِيم ﴾[الشورى‪ ،]19:‬وجعل من وظائف الرسول ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وأسباب نزول‬ ‫ا ْحلَ ِق أ ُْولَئِ َ‬
‫ني ﴾[األحقاف‪.]49:‬‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬
‫ين ظَلَ ُموا َوبُ ْشَرى ل ْل ُم ْحسن َ‬‫القرآن‪ ،‬التحذير من الظلم فقال‪ ﴿:‬لينذ َر الذ َ‬
‫لس ِ‬
‫وء‬ ‫اَّللُ ا ْجلَ ْهَر ِاب ُّ‬
‫ب َّ‬ ‫ومل يبح القرآن للمسلم أن جيهر ابلسوء من القول إال ِف حالة ظلمه‪ ﴿ :‬ال ِحي ُّ‬
‫مباحا ِف‬ ‫ِمن الْ َقوِل إالَّ من ظُلِم وَكا َن َّ ِ ِ‬
‫يما ﴾[النساء‪ ،]41٧:‬بل لقد جعل القتال ً‬ ‫اَّللُ َمس ًيعا َعل ً‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ص ِرِه ْم لََق ِدير ﴾[احلج‪.]42:‬‬ ‫اَّللَ َعلَى نَ ْ‬
‫إن َّ‬ ‫ين ي َقاتَلُو َن ِأبَنَّ ُه ْم ظُلِ ُموا َو َّ‬ ‫ِ ِِ‬
‫حالة الظلم‪ ﴿ :‬أُذ َن للَّذ َ‬
‫______________________________________‬
‫(‪ ( )451‬نقل إمجاع املفسرين على هذا املعىن الشيخ دمحم جنيب املطيعي مفيت الداير املصرية سابقاً ِف كتابه حقيقة‬
‫اإلسالم وأصول احلكم ص ‪ - 41‬ص ‪)4٧‬‬
‫(‪ ( )455‬السياسة الشرعية ص ‪ 91‬وانظر ِف هذا املعىن املرحوم الشيخ حممود شلتوت (اإلسالم عقيدة وشريعة ص‬
‫‪)111‬‬

‫‪665‬‬
‫ك الْ ُقَرى‬ ‫ويبني القرآن الكرمي عاقبة الظلم والظاملني ِف آايت عديدة‪ ،‬منها قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وتِْل َ‬
‫ين‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ ِِ ِ‬
‫اه ْم لَ َّما ظَلَ ُموا َو َج َع ْلنَا ل َم ْهلكهم َّم ْوع ًدا ﴾[الكهف‪ ،]52:‬وقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َس ْيعلَ ُم الذ َ‬
‫أ َْهلَ ْكنَ ُ‬
‫ب ين َقلِبُو َن ﴾ [الشعراء‪ ،]991:‬وقد عين الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ِف أحاديث كثرية ابألمر‬ ‫ظَلَموا أَي ُمن َقلَ ٍ‬
‫ُ‬
‫اَّلل‬
‫ابلعدل والنهي عن الظلم‪ ،‬وبني عاقبة العدل ِف حق احلكام‪ ،‬فجعل أول السبعة الذين يظلهم َّ‬
‫ِف ظله يوم ال ظل إال ظله (اإلمام العادل)(‪َّ )451‬‬
‫وحذر ملسو هيلع هللا ىلص من الظلم ِف أي شأن فقد قال‪:‬‬
‫«اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة»(‪.)451‬‬
‫ومن جمموع هذه اآلايت واألحاديث استخرج الفقهاء قواعد إجياب العدل وحترمي الظلم‪ ،‬حىت قال‬
‫ابن تيمية‪« :‬إن الظ امل يستحق العقوبة والتضرير‪ ،‬وهو أصل متفق عليه‪ ،‬وقد نص على ذلك‬
‫الفقهاء وال أعلم فيه خالفًا»(‪. )45٧‬‬
‫وقرر تلميذه ابن القيم‪« :‬أن العدل هو املقصود من إنزال الكتب‪ ،‬وإرسال الرسل‪ ،‬وأن السياسة‬
‫اَّلل‬
‫العادلة جزء من الدين‪ ،‬فإذا ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه أبي طريق كان فثم شرع َّ‬
‫ودينه»(‪. )452‬‬
‫***‬
‫املطلب الثاين العدل بني النظرة اإلسالمية والنظرة الغربية املعاصرة‪:‬‬
‫ومما تقدم بيانه يتضح أن نطاق العدالة ِف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ومن مث ِف الفقه اإلسالمي يتسع‬
‫ليشمل كافة اجملاالت اإلنسانية‪ ،‬وبذلك تتفوق النظرة اإلسالمية إىل هذا األساس اهلام‪ ،‬أو هذه‬
‫القيمة االجتماعية على غريها من النظرات القدمية أو املعاصرة‪.‬‬
‫ذكرا‬
‫فإذا حنن نظران مثالً إىل الفقه الدستوري الوضعي احلديث واملعاصر فإننا ال نكاد جند فيه ً‬
‫للعدالة! اللهم إال ِف جمال القضاء‪ ،‬حيث يعرب ِف اللغة اإلجنليزية مثالً عن القضاء والعدل‬
‫ذكرا‬
‫بكلمة واحدة (‪ )ectcith‬ولكننا إذا تركنا ميدان األنظمة السياسية والدستورية فال جند ً‬
‫للعدالة وال إشارة إليها‪ ،‬وال يذكرها رجال الفقه الدستوري وال الباحثون ِف األنظمة السياسية بني‬
‫خصائص النظام الدميوقراطي أو غريه من األنظمة‪ ،‬وال يعىن الباحثون الغربيون بدراستها إال بني‬
‫املوجهات العامة لسياسة احلكم‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ ( )451‬صحيح البخاري ج ‪ 9‬ص ‪( ) 44٧‬مسلم ج ‪ 1‬ص ‪)494‬‬
‫(‪ ( )451‬مشكاة املصابيح بتحقيق دمحم انصر الدين األلباين ج ‪ 4‬ص ‪)5٧1‬‬
‫(‪ ( )45٧‬السياسة الشرعية ص ‪ - 19‬ص ‪)11‬‬
‫(‪( )452‬الطرق احلكمية ص ‪) 41‬‬

‫‪666‬‬
‫على أن اآلايت واألحاديث اليت قدمناها عن إجياب العدل وحترمي الظلم جيب أن يشار معها إىل‬
‫بياان ملدى عناية تشريع اإلسالم هبذا‬
‫بعض احلاالت اليت نص ِف خصوصها على إجياب العدل ً‬
‫األصل من أصول احلياة االجتماعية وحرصه على توكيده ِف احلاالت املختلفة‪.‬‬
‫ونكتفي هنا مبثالني من هذه احلاالت‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬هو العدل ِف شئون األسرة‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬هو العدل ِف كتابة الواثئق اليت حتفظ احلقوق بني الناس وِف الشهادة عليها‪.‬‬
‫أما ِف الشئون األسرية‪ :‬فقد جعل القرآن الكرمي من العدل شرطًا ِف االلتزام على تعدد الزوجات‬
‫ع فَإ ْن ِخ ْفتُ ْم أَالَّ تَ ْع ِدلُوا‬ ‫ِ‬
‫اب لَ ُكم ِم َن النِ َساء َمثْ َىن َوثُ َ‬
‫الث َوُرَاب َ‬
‫ِ‬
‫فقال تعاىل‪ ﴿ :‬فَانك ُحوا َما طَ َ‬
‫مانعا من إابحة أمر مشروع ِف‬ ‫فَو ِ‬
‫اَّلل جمرد اخلوف من اجلور ً‬ ‫اح َدةً ﴾ [النساء‪ ،]4 :‬وقد جعل َّ‬ ‫َ‬
‫األصل وهو تعدد الزوجات‪.‬‬
‫وقد استخرج الفقهاء من هذه اآلية ومثيالت هلا ِف مواضع أخرى قاعدة فحواها‪ :‬أن املباحات‬
‫مجيعا مشروطة أبال يكون ىف إتياهنا حظر أو إيذاء للغري‪ ،‬وأنه مىت خيف ذلك أصبح من ابب أوىل‬ ‫ً‬
‫منعا هلذا الضرر أو اإليذاء‪.‬‬‫ممنوعا ً‬
‫املباح ً‬
‫وأما ِف شأن الواثئق اليت تثبت هبا الديون وحتفظ هبا احلقوق بني الناس فقد أنزلت فيها أطول آية‬
‫ِ‬ ‫ِف القرآن الكرمي وهي قوله تعاىل ِف سورة البقرة‪ ﴿ :‬اي أ َّ ِ‬
‫ين َآمنُوا إ َذا تَ َداينتُم ب َدي ٍن َإىل أ َ‬
‫َج ٍل‬ ‫َيها الذ َ‬
‫َ‬
‫اَّللِ َوأَقْ َوُم‬
‫ند َّ‬ ‫ط ِع َ‬ ‫ُّم َس ًّمى فَا ْكتُبُوهُ َولْي ْكتُب بَّينَ ُك ْم َكاتِب ِابلْ َع ْد ِل ﴾ ‪ ،‬إىل قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ذلِ ُك ْم أَقْ َس ُ‬
‫ادةِ َوأ َْد ََّن أَالَّ تَ ْرَاتبُوا ﴾ [البقرة‪ ،]9٧9 :‬وأمر عقب هذه اآلية بعدم كتمان الشهادة وذلك‬ ‫ِ‬
‫َّه َ‬
‫للش َ‬
‫اد َة َو ََ َمن‬ ‫َّه َ‬
‫يكون أبدائها على وجهها دون حتريف فيها وال نقصان منها‪َ ﴿ :‬وال تَ ْكتُ ُموا الش َ‬
‫ي ْكتُ ْم َها فَإنَّهُ ِآمث قَ ْلبُهُ ﴾ [البقرة‪.]9٧4:‬‬
‫***‬
‫املطلب الثالث االلتزام ابلعدل غري قاصر على احلكام‪:‬‬
‫مجيعا‬
‫ولعله يتأكد هلذا ما سبق أن قدمناه من مشول العدل ِف الشريعة اإلسالمية وعالقات احلياة ً‬
‫معا بني‬
‫وسيطرته عليها سواءً أكانت هذه العالقات بني احلكام واحملكومني‪ ،‬أم بني خصوم يقفون ً‬
‫يدي القاضي‪ ،‬أم كانت عالقة خاصة بني األفراد مل تتصل وال يقدر هلا أن تتصل بسمع القضاة‪،‬‬
‫أم كانت عالقة أسرية بني املسلم وزوجه أو زوجاته‪ ،‬أو بينه وبني أوالده وأن مبدأ تبلغ شريعة‬
‫اإلسالم هذا املبلغ ِف تقريره وأتكيده ويتسع مداه فيها هذه السعة جلدير أبن يلتزمه املؤمنون ِف‬

‫‪667‬‬
‫شئوهنم كلها اخلاص منها والعام وأن يربأ منكره منهم أو خمالفه إبمث القلب إن مل يبوء معه إبمث‬
‫الفعل‪.‬‬
‫***‬
‫املبحث الثالث احلـري ــة‪:‬‬
‫هي الغاية السامية اليت تتطلع إليها األنظمة احلاكمة‪ ،‬والنظرايت السياسية‪ ،‬والقوانني املوضوعة‬
‫لتنظيم العالقات االجتماعية‪ ،‬على الرغم من ذلك فإن احلرية كانت وال تزال بعيدة عن أن حيدد هلا‬
‫معىن معني يقبله اجلميع‪.‬‬
‫ويقسم الباحثون ِف الفقه الدستوري احلديث عن احلرية إىل شعب عديدة‪ ،‬فهناك حرية الرأي‪،‬‬
‫وحرية العقيدة‪ ،‬وحرية التعليم‪ ،‬وحرية امللكية‪ ،‬واحلرية الشخصية(‪. )41٧‬‬
‫ومن األسس اليت قام ويقوم عليها نظام احلكم ِف اإلسالم‪ :‬كفالة احلرايت‪ ،‬وهي من القواعد‬
‫الراسخة اليت يقوم عليها احلكم ِف األمور الدينية‪ ،‬إذ إن اإلسالم يفرض على احلاكم ِف سياسته‬
‫لألمة وتدبري شئوهنا على وفق ما جاء به الشرع من أوامر ونواه‪.‬‬
‫ومما أمر به اإلسالم‪ ،‬كفالة احلرايت لكل فرد من أفراد األمة حىت أصبحت احلرية مسة من مسات‬
‫احلكم ِف اإلسالم وميزة واقعية ميتاز هبا عن سائر نظم احلكم املعروفة قدميًا وحديثًا‪.‬‬
‫وإذا كانت الدساتري اخلاصة بتنظيم احلكم ِف الدولة احلديثة تقرر مبدأ احلرية لكل فرد ِف الدولة‪،‬‬
‫فاحلرية ِف اإلسالم لفظ مجيل حمبب إىل الناس يبذلون من أجل حتقيق معناه واحلصول على فوائده‬
‫النفس والنفيس والغايل والرخيص‪ ،‬وكم انفجرت احلروب وأريقت الدماء من أجل احلرية‪ ،‬وِف‬
‫سبيلها!‬
‫فاحلرية كلمة مأخوذة من وصف احلر‪ ،‬فاحلر واحلرية تتالقيان ِف الوجود وتستمد اشتقاقها منه‪،‬‬
‫أحياان تتضارب عند بعض الناس حىت جند من‬ ‫ويتحلى هو هبا‪ ،‬ومن هو احلر؟ جند املعاين تتزاحم و ً‬
‫الناس من يصف الذين ينطلقون غري مقدرين أبهنم أحرار‪ ،‬وليس هؤالء من احلرية ِف شيء‪ ،‬فإن‬
‫احلر حقًّا هو الشخص الذي تتجلى فيه املعاين اإلنسانية العالية الذي يعلو هبا عن سفاسف‬
‫عبدا لشهوة معينة بل‬‫األمور‪ ،‬ويتجه إىل معانيها‪ ،‬ويضبط نفسه فال تنطلق أهواؤه‪ ،‬وال يكون ً‬
‫يكون سيد نفسه‪ ،‬فاحلر يبتدئ ابلسيادة على نفسه‪ ،‬وإذا ساد نفسه وانضبطت أهواؤه وأحاسيسه‬
‫حرا بال ريب‪ ،‬وإذا كان احلر هو الذي يضبط نفسه وال يزل‬ ‫أصبح ال يزل وال يهون‪ ،‬وبذلك يكون ًّ‬

‫______________________________________‬
‫(‪ ( )41٧‬النظام السياسي للدولة اإلسالمية سليم العوا ص ‪) 9٧1‬‬

‫‪668‬‬
‫وال أينف من أن يهضم حقه فهو ال يعتدي‪ ،‬فاحلر ال ميكن أن يكون معتداي؛ ألنه يسيطر على‬
‫أهوائه‪ ،‬وألنه يعطي لغريه ما يعطيه لنفسه‪ ،‬وألنه حيس ابملعاين اإلنسانية اليت جيب أن يلتزمها‬
‫ابلنسبة لغريه‪ ،‬فاحلرية طابع أصيل يتضح ِف اجملتمع املسلم‪ ،‬وهي أمل سام حيققه اإلسالم للفرد‬
‫واجملتمع ويضمن له احلياة‪ ،‬وال يضحي به ِف سبيل غاية من الغاايت‪.‬‬
‫ولعمري!! هل للحياة من قيمة من غري احلرية؟ وهل جملتمع فقد حريته من صالحية للبقاء؟‬
‫فاحلرية ضرورة لكل فرد ِف الدولة اإلسالمية‪ ،‬وهي األمل الذي استعذب العذاب ِف سبيلها‬
‫املصلحون واألحرار‪ ،‬وهي أحد األصول اليت حتلت هبا الدساتري لكل دولة لتوقف سيادة األفراد‬
‫وسيادة األمة عليها‪ ،‬وبقدر ما تصون احلكومات هذا احلق من اللعب به بقدر ما يكون هلا من‬
‫من زلة ِف نفوس الشعب(‪. )414‬‬
‫***‬
‫املطلب األول حرية الرأي والفكر‪:‬‬
‫ونظرا إىل إيثار االختصار فسوف أكتفي بذكر حرية الرأي دون غريها من أنواع احلرية‪ :‬وما من‬ ‫ً‬
‫شك أن اإلسالم يذهب ِف اعتباره هلذه احلرية واحتفائه هبا إىل مدى ندر أن تصل إليه املذاهب‬
‫اَّلل اليت‬
‫السياسية أو النظم الدستورية الوضعية‪ ،‬ومرد ذلك فيما أرى إىل اعتبار اإلسالم أن فطرة َّ‬
‫فطر الناس عليها تتضمن حقهم ِف االختيار‪ِ ،‬ف اختيار الرأي واختيار الفعل أو املوقف الذي‬
‫يرتتب على هذا الرأي‪.‬‬
‫وليس أوضح ِف الداللة على هذا املعىن مما يقرره القرآن الكرمي ِف قصة آدم وزوجه‪ ،‬فقد بني القرآن‬
‫اَّلل عن األكل من إحدى شجرات اجلنة‪ ،‬مث كيف خالفا هذا النهي‪ ﴿:‬فَأَ َكال ِمْن َها‬ ‫كيف هنامها َّ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫آد ُم َربَّهُ فَغَ َوى ﴾[طه‪:‬‬‫صى َ‬ ‫ت َهلَُما َس ْوءَاتُ ُه َما َوطَف َقا خيْص َفان َعلَي ِه َما من َوَرق ا ْجلَنَّة َو َع َ‬ ‫فَبَ َد ْ‬
‫ال ْاهبِطَا ِمْن َها‬
‫اَّلل تعاىل هلما‪ ﴿ :‬قَ َ‬
‫‪ ،]494‬وترتب على هذه املعصية خروجهما من اجلنة‪ ،‬مع قول َّ‬
‫ض ع ُد ٌّو فَ َّإما أيْتِينَّ ُكم ِم ِين ه ًدى فَم ِن اتَّبع ه َداي فَال ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِ‬
‫يض ُّل َوال ي ْش َقى (‪)494‬‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ض ُك ْم لبَ ْع ٍ َ‬
‫مج ًيعا بَ ْع ُ‬
‫ضن ًكا ﴾[طه‪.]491،494:‬‬ ‫يشةً َ‬ ‫ض َعن ِذ ْك ِري فَ َّ‬
‫إن لَهُ َمعِ َ‬ ‫َوَم ْن أ َْعَر َ‬
‫فتعرب هذه اآلايت عن فعل آدم وزوجه ابألكل واملعصية‪ ،‬مث التعبري ابتباع اهلدى أو اإلعراض عنه‪،‬‬
‫هذه التعبريات جمتمعة تبني بوضوح داللة هذه احلادثة األوىل ِف اتريخ البشرية على أن احلق ِف‬
‫االختيار قدرة فُطر اإلنسان عليها ومارسها منذ كان‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ ( )414‬عناصر القوة ِف اإلسالم للشيخ سيد سابق ص ‪)441‬‬

‫‪669‬‬
‫وقد مضى اإلنسان ميارس حقه ِف االختيار منذ أن وجد على األرض حىت قال القرآن الكرمي‬
‫وم َوا ْجلِبَ ُ‬
‫ال‬ ‫ُّج ُ‬
‫س َوالْ َق َم ُر َوالن ُ‬
‫َّم ُ‬
‫ات َوَمن ِِف األ َْر ِ‬
‫ض َوالش ْ‬
‫السمو ِ‬ ‫ِ‬
‫يس ُج ُد لَهُ َمن ِف َّ َ َ‬
‫اَّللَ ْ‬
‫َن َّ‬‫‪ ﴿:‬أََملْ تَ َر أ َّ‬
‫مجيعا‬ ‫ِ‬ ‫اب وَكثِري ِمن الن ِ ِ‬
‫اَّلل ً‬ ‫اب ﴾ [احلج‪ ،]4٧:‬فمخلوقات َّ‬ ‫َّاس َوَكثري َح َّق َعلَيه الْ َع َذ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّو ُّ َ‬
‫َّج ُر َوالد َ‬
‫َوالش َ‬
‫تسجد له إال بين اإلنسان‪ ،‬فإن منهم الساجدين ومنهم الكافرين‪ ،‬أو منهم املطيع ومنهم العاصي‪،‬‬
‫وهذا اختيار حمض‪.‬‬
‫صحيحا‪ ،‬ومن وجهة نظر‬ ‫ً‬ ‫صحيحا وهو عندي صحيح ال ريب فيه‪ ،‬فإنه يكون‬ ‫ً‬ ‫وإذا كان ما قدمنا‬
‫دائما حريته أو حقه ِف االختيار‪،‬‬ ‫إسالمية ذلك التصور الذي يقول‪ :‬من حق اإلنسان أن ميارس ً‬
‫وإن احلرية ِف هذا التصور قدرة لدى اإلنسان أو فطرة فطر عليها ليس ألحد كائنًا من كان أن‬
‫مينعه إايها أو حيرمه من ممارستها‪.‬‬
‫احلرية من الفطرة‪:‬‬
‫أما وقد متهد هذا فإننا ننتقل إىل بيان مدى كفالة تشريع اإلسالم حلرية الرأي وحنن نقول‪( :‬تشريع‬
‫اإلسالم)‪ ،‬وال نقول‪ :‬اترخيه‪ ،‬لتخرج من حدود هذا البحث تلك احلقب اليت عاشها املسلمون ِف‬
‫ظل حكومات ال تلتزم حدود هذا التشريع أو تلتزم بعض حدوده دون بعض ذلك ‪.‬‬
‫إننا نعتقد أن اإلسالم إمنا حيكم على تصرفات الناس وأفعاهلم‪ ،‬وحيكم فيها ويقاس به صالح‬
‫واقعهم أو فساده‪ ،‬بينما ال جيوز أن حيكم على اإلسالم من خالل تصرفات الناس أو واقع حياهتم‬
‫طاملا كانت هذه التصرفات أو هذا الواقع خمالفاً ألحكام شريعة اإلسالم‪ ،‬ويطرد هذا احلكم حىت‬
‫ولو كان من خالف واقع حياهتم شريعة اإلسالم ينتسبون إليه أو يتذرعون به‪ ،‬إذ املعترب ِف هذه‬
‫احلقيقة دون املظهر واملسميات ال األمساء‪ ،‬وإن كان من الواجب أن نسجل هنا أن اتريخ اإلسالم‬
‫على امتداده الطويل قد شهد مناذج رائعة ِف ممارسة احلرية‪ ،‬حىت ِف وجه أعىت موجات الظلم‬
‫واالضطهاد وال نستثين من ذلك أي عصر من عصور هذا التاريخ ِف القدمي أو احلديث‪.‬‬
‫وعلى أساس من تصوران حلقيقة احلرية وكوهنا فطرة ِف اإلنسان ننظر إىل آايت القرآن فنجدها جتعل‬
‫التفكري ِف مصاف الفرائض الواجبة على اإلنسان ليهتدي بعقله إىل خالقه من خالل أتمله ِف‬
‫ََ ْر ِ‬ ‫)إن ِِف خ ْل ِق َّ ِ‬ ‫الر ْمحن َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض‬ ‫الس َم َوات َواأل َ‬ ‫يم (‪َ َّ 414‬‬ ‫الرح ُ‬ ‫خملوقاته‪َ ﴿ :‬وإ َهلُ ُك ْم إلَه َواحد الَّ إلَهَ إالَّ ُه َو َّ َ ُ‬
‫الس َم ِاء ِمن‬
‫اَّللُ ِم َن َّ‬
‫ََ َنزَل َّ‬
‫َّاس َوَما أ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ َّ ِ ِ‬ ‫ليل والن َ ِ‬
‫َّهار َوالْ ُفلْك ال ِيت َْجتري ِف الْبَ ْحر مبَا ين َف ُع الن َ‬
‫و ْ ِ ِ َّ‬
‫اختالف ال ِ َ‬ ‫َ‬
‫السح ِ‬ ‫ص ِر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َّم ٍاء فَأَحيا بِِه األَرض ب ع َد موِهتَا وب َّ ِ ِ‬
‫اب الْ ُم َس َّخ ِر بَ َ‬
‫ني‬ ‫يف ال ِر ِ‬
‫ايح َو َّ َ‬ ‫ث ف َيها من ُك ِل َدابَّة َوتَ ْ‬ ‫ْ َ َ ْ َ ْ ََ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫ض آلايت ل َق ْوم ْيعقلُو َن ﴾ [البقرة‪.]411،414 :‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ََ ْر ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الس َماء َواأل َ‬

‫‪671‬‬
‫اَّلل وحده ابأللوهية ال يدين العاقلون ألحد‬
‫برهاان على اختصاص َّ‬
‫فالقرآن ال يقيم غري برهان العقل ً‬
‫هبا سواه‪ ،‬وتوجيهات القرآن الكرمي ِف هذا الباب للناس عامة ال ميكن أن حيصيها مثل هذا‬
‫البحث احملدود اجملال وهي كلها انطقة أبن على الناس أن يستخدموا عقوهلم فيما خلقت له‪ ،‬وإال‬
‫اَّلل‪.‬‬
‫اَّلل نفوسهم فيضل بذلك عن سبيل َّ‬
‫بلغوا ملكات الفهم اليت أودعها َّ‬
‫***‬
‫املطلب الثاين سرية الرسل تؤكد حرية الرأي‪:‬‬
‫مجيعا كما حيكيها القرآن كانت كلها ابحلجة‪ ،‬وجداالً ابلربهان الذي يقبله العقل‬ ‫اَّلل ً‬
‫وحياة رسل َّ‬
‫وخيضع له الفكر قبل أن يسلم به القلب وتستجيب له عاطفة اإلميان‪ ،‬فها هو نوح بعد أن لبث‬
‫ت ِج َدالَنَا ﴾‬ ‫ادلْتَ نَا فَأَ ْكثَ ْر َ‬
‫وح قَ ْد َج َ‬
‫عاما يقول له قومه‪ ﴿ :‬اي نُ ُ‬ ‫ِف قومه ألف سنة إال مخسني ً‬
‫آاب ُؤُكم ﴾‬ ‫[هود‪ ،]49:‬وها هو هود يقول لقومه‪ ﴿ :‬أ َُجت ِادلُو َنَِين ِِف أ ْ ٍ‬
‫وها أَنتُ ْم َو َ‬‫َمسَاء َمسَّيتُ ُم َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫[األعراف‪.]14:‬‬
‫اَّلل وأقوامهم على مدى إقرار اإلسالم‬ ‫وليس أدل من هذه اجملادالت اليت حيكيها القرآن بني رسل َّ‬
‫اَّلل منذ كان اإلنسان حبق الناس ِف حرية التفكري وحرية الرأي‪ ،‬فمن البني أن اجلدال‬ ‫دين َّ‬
‫يقتضي األخذ والرد‪ ،‬أي‪ :‬يقتضي إلقاء األنبياء حبججهم إىل الناس ومساع ردود الناس على هذه‬
‫احلجج‪ ،‬وليس أبعد مدى من تلك احلرية‪.‬‬
‫***‬
‫املطلب الثالث القرآن والسنة يقرران حرية الرأي‪:‬‬
‫ك ِاب ْحلِ ْك َم ِة‬‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص كيف تكون دعوته إىل ربه‪ْ ﴿ :‬ادعُ َإىل َسبِ ِيل َربِ َ‬ ‫ولقد بني القرآن لرسول َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اَّلل‬
‫َح َس ُن ﴾ [النحل‪ ،]495:‬بل إن القرآن ليبني لرسول َّ‬ ‫َوالْ َم ْوعظَة ا ْحلَ َسنَة َو َجاد ْهلُم ِابلَِّيت هي أ ْ‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص أنه ال سبيل إىل احلجر على حرية الناس ِف التفكري أو االعتقاد‪ ،‬وأن األمر ِف ذلك إليهم‪،‬‬
‫ض ُكلُّهم َِ‬
‫اس َح َّىت‬ ‫مج ًيعا أَفَأ َ ِ‬
‫َنت تُ ْكرهُ النَّ َ‬ ‫آلم َن َمن ِِف األ َْر ِ ُ ْ‬
‫ك َ‬ ‫خيتار كل منهم لنفسه‪َ ﴿ :‬ولَ ْو َشاءَ َربُّ َ‬
‫ني ﴾ [يونس‪.]22 :‬‬ ‫ِِ‬
‫ي ُكونُوا ُم ْؤمن َ‬
‫َّاس ولَو حرص ِ ِ ِ‬
‫ني﴾‬ ‫ت مبُْؤمن َ‬ ‫بل إن القرآن ليقرر ِف ذلك تقرير احلقيقة الواقعية‪َ ﴿ :‬وَما أَ ْكثَ ُر الن ِ َ ْ َ َ ْ َ‬
‫[يوسف‪ ،]4٧4:‬وسبيل التعامل مع هؤالء الذين ال يؤمنون هو ما أمر القرآن به الرسول‬
‫ني ﴾ [البقرة‪.]444 :‬‬ ‫ملسو هيلع هللا ىلص‪ ﴿ :‬قُل هاتُوا ب رهانَ ُكم إن ُكنتم ِ ِ‬
‫صادق َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ْ َ ُْ َ ْ‬
‫وليس أعظم كفالة حلرية الرأي حىت للمخالفني فيه من هذا السبيل ومن الدالئل الصادقة على‬
‫تقرير القرآن هلذه احلقيقة ِف حرية اإلنسان‪ ،‬وأهنا فطرته اليت خلق عليها‪ :‬أنه أابح للمسلمني‪ ،‬بل‬

‫‪671‬‬
‫أوجب عليهم حني تضيق األرض هبم وبدينهم أن يهاجروا منها إىل غريها توسالً حلماية حريتهم ِف‬
‫العقيدة والبيان‪.‬‬
‫وهذه اهلجرة الواجبة ال يشرتط فيها أن تكون أرض حيكم فيها اإلسالم ويكفي أن يكون إبمكان‬
‫املسلمني ِف مهجرهم أن يعبدوا رهبم ويقيموا شعائر دينهم‪ ،‬وذلك كان حال املسلمني ِف هجرهتم‬
‫إىل احلبشة اليت كان أهلها وملكها من النصارى‪ ،‬وهذه اهلجرة اليت ال تنقطع إىل يوم القيامة إذا‬
‫كانت هذه أحكام القرآن الكرمي مصدر تشريع اإلسالم األول ِف شأن مسألة العقيدة واإلميان‬
‫وهي أعظم مسائل الدين على اإلطالق‪ ،‬فهل جيوز بعد ذلك أن يقال‪ :‬إن تعاليم هذا الدين حتجر‬
‫على الناس آراءهم ِف النواحي األخرى حلياهتم االجتماعية أو السياسية؟ ال شك أن ذلك مما أتابه‬
‫نصوص القرآن وروحه‪ ،‬وفهم املسلمني وعملهم ِف خمتلف العصور‪ ،‬ولن يستطيع أحد أن أييت على‬
‫مثل هذا القول بدليل من تشريع اإلسالم أو اتريخ رسوله أو اتريخ اخللفاء الراشدين ممن حكموا‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص الذي يقول فيه ألصحابه‪« :‬ال يكن‬
‫به‪ ،‬ويكفينا تدليالً على ذلك أن نذكر حديث رسول َّ‬
‫أحدكم َّإمعة! يقول‪ :‬أان مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت»(‪. )419‬‬
‫اَّلل عنه يفوت على‬ ‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فهذا علي رضي َّ‬
‫وقد كان ذلك كذلك هو فهم أصحاب رسول َّ‬
‫نفسه اخلالفة متس ًكا حبقه ِف حرية الرأي إذ ابيعه عبد الرمحن بن عوف عقب مداوالت الستة‬
‫الذين عينهم عمر للشورى على الكتاب والسنة وفعل الشيخني (أيب بكر وعمر)‪ ،‬فأىب ذلك‬
‫متمس ًكا أبن جيتهد رأيه بعد الت زام الكت اب والسنة‪ ،‬وقد حدث ذلك ِف مسجد الرسول صلى هللا‬
‫عليه وسلم أمام مجهور املسلمني يومئذ وقد متسك كذلك حبرية الناس ِف اختيار حكمهم حني قيل‬
‫فول بعدك احلسني (أي ابنه) فقال‪ :‬ال آمركم وال أهناكم أنتم أبصر‪.‬‬ ‫له وهو على فراش املوت‪ِ :‬‬
‫وهذه احلرية اليت يقرها اإلسالم للعقل البشري أو حرية الرأي اليت تكفلها آايت القرآن الكرمي اليت‬
‫قدمنا ذكر بعضها حيدها واحد هو التزام حدود الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فال جيوز أن يكون الرأي‬
‫خروجا عليه فذلك خمالف للنظام العام ِف‬
‫الذي يبديه املسلم إعماالً هلذه احلرية؛ طعنًا ِف الدين أو ً‬
‫الدولة اإلسالمية حيجر لذلك على صاحبه وقد جيوز إذا توافرت شروط معينة أن يعاقب عليه‪.‬‬

‫***‬

‫______________________________________‬
‫(‪ ( )419‬صحيح الرتمذي ج ‪ ٧‬مع شرح ابن عريب ص ‪ )41٧‬حديث رقم (‪ )9٧٧1‬وحكم األلباين ضعيف ‪.‬‬

‫‪672‬‬
‫املطلب الرابع العلماء املسلمون وحرية الرأي السياسي‪:‬‬
‫ومما ينبغي أن يعلم‪ :‬أن إنكار مزج اإلسالم بني السياسة والدين‪ ،‬أو بني قواعده املتعلقة بنظام‬
‫احلكم وتنظيم اجملتمع وقواعده املتعلقة ابلعقيدة والعبادات يناِف حقائق التاريخ وخيالف فهم علماء‬
‫وضوحا أن نذكر هنا بعض‬ ‫ً‬ ‫اإلسالم ِف خمتلف عصوره‪ ،‬ويناقض سلوكهم‪ ،‬ولعله مما يزيد هذا املعىن‬
‫مواقف العلماء املسلمني ِف اجلهر آبرائهم السياسية ِف مواجهة احلاكمني غري مبالني مبا وراء ذلك‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص مهتدين مبثل قوله‬
‫من عواقب‪ ،‬ومل يكن العلماء املسلمني ِف ذلك إال متبعني لسنة رسول َّ‬
‫عليه الصالة والسالم ألصحابه‪« :‬الدين النصيحة»‪ ،‬قلنا‪ :‬ملن؟ قال‪ََّّ « :‬لل ولكتابه‪ ،‬ولرسوله‪،‬‬
‫وألئمة املسلمني‪ ،‬وعامتهم»(‪. )414‬‬
‫وقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إن من أعظم اجلهاد كلمة عدل عند سلطان جائر»(‪. )411‬‬
‫وقد توالت عصور اإلسالم وعلماؤه العاملون‪ ،‬ال ينصرون ابطالً‪ ،‬وال يهابون ذا سلطان‪ ،‬بل‬
‫اَّلل عنه ‪« :‬أمران‬ ‫اَّلل رضي َّ‬ ‫جيهرون آبرائهم ِف شئون السياسة واحلكم‪ ،‬ذاكرين قول جابر بن عبد َّ‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص أن نضرب هبذا يعين السيف من عدل عن هذا يعين املصحف »(‪.)415‬‬
‫وال يعين ذلك أن علماء اإلسالم فهموا من الشريعة أن خيرجوا حماربني كل حاكم مييل عن أحكام‬
‫بقول ظاهره الضعف ملصلحة يراها‪ ،‬وإمنا كانوا ِف هذه احلاالت‬ ‫اَّلل ولو كان متأوالً أو أخذ ٍ‬
‫شريعة َّ‬
‫يكتفون ابلقول والنص واإلرشاد والبيان‪.‬‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص ِف‬
‫وادخروا األخرى للحاالت اليت ال جيدي ِف عالجها سواها عاملني حبديث رسول َّ‬
‫اَّلل فيه برهان»(‪. )411‬‬ ‫احا عندكم من َّ‬ ‫كفرا بو ً‬
‫النهي عن اخلروج على احلاكم املسلم‪« :‬إال أن تروا ً‬
‫وفيما دون ذلك اكتفوا كما قلنا ابجلهر ابحلق واألمر ابملعروف بال خوف من حاكم أو غريه‪ ،‬إذ‬
‫كانت قلوهبم خالصة العبودية ََّّلل‪ ،‬متحررة من سلطان كل ذي سلطان سواه‪ ،‬حىت قال قائلهم‪:‬‬
‫احلرية حرية القلب‪ ،‬والعبودية عبودية القلب(‪. )411‬‬
‫ابَّلل تعاىل ‪ ،‬كامل الطاعة له‪ ،‬مستعينًا من قدرته وقهره ونفاذ‬ ‫أي‪ :‬إن من كان موصول القلب َّ‬
‫إرادته وأمره هو احلر حقًّا‪ ،‬أما غري هؤالء ممن تعلقت قلوهبم ابلدنيا وأصحاهبا‪ ،‬وطمعوا فيما عند‬
‫______________________________________‬
‫(‪ ( )414‬رواه البخاري ومسلم واللفظ ملسلم ج ‪ 9‬ص ‪ 41‬شرح النووي)‬
‫(‪ ( )411‬رواه الرتمذي ِف سننه عن أيب سعيد اخلدري حديث رقم (‪ )9915‬وحكم األلباين صحيح‬
‫(‪ ( )415‬السياسة الشرعية ال بن تيمية ص ‪)4‬‬
‫(‪ ( )411‬رواه مسلم ِف كتاب اإلمارة ج ‪ 49‬ص ‪)94٧‬‬
‫(‪ ( )411‬ابن تيمية ِف رسالة العبودية ص ‪)11‬‬

‫‪673‬‬
‫اَّلل فهم غري أحرار ولو كانوا بني الناس من ذوي املكانة واجلاه‪ ،‬أو كانوا عند‬ ‫الناس ونسوا ما عند َّ‬
‫ذوي السلطان من املقربني املكرمني‪ ،‬مبثل هذا الفهم عاش علماء اإلسالم حياهتم يعلمون الناس‬
‫دينهم‪ ،‬ويبينون هلم أحكام شريعتهم‪ ،‬ويقولون رأيهم ِف سلوك حكامهم املعرب عما فهموه من‬
‫أصول اإلسالم وقواعده وما استنبطوه من شريعته اليت أمرهم مبلغها عن هللا عز وجل ال خيافون ِف‬
‫احلق لومة الئم‪.‬‬
‫ويروي التاريخ من مواقفهم ِف ذلك ما ال حييط به احلصر‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫ما يرويه مؤرخ اإلسالم احلافظ الذهيب من أن عبد امللك بن مروان اخلليفة األموي بعث إىل‬
‫عامله ابملدينة ليأخذ العهد على الناس أبن يبايعوا من بعده ابخلالفة ولديه الوليد وسليمان‬
‫كثريا ليعدل عن اقتناعه فلم يقبل‬
‫فامتنع عن ذلك سعيد بن املسيب رض ي هللا عنه‪ ،‬وخوطب ً‬
‫وصمم عليه حىت ضرب ِف ذلك ستني سوطًا وما ابيع(‪.)41٧‬‬
‫ودعي سعيد بن املسيب إىل ثالثني أل ًفا ليأخذها من الوايل فقال ال وجه يل فيها وال ِف بين مروان‬
‫اَّلل فيحكم بيين وبينهم(‪. )412‬‬ ‫حىت ألقى َّ‬
‫وكان عمر بن هبرية واليا ليزيد بن عبد امللك اخلليفة األموي فدعا احلسن البصري وابن سريين‬
‫يوما‪ ،‬وقال هلم‪ :‬إن أمري املؤمنني كتب إيل ِف أمر إن فعلته خفت على ديين‪ ،‬وإن مل أفعله‬ ‫والشعيب ً‬
‫خفت على نفسي‪.‬‬
‫اَّلل ِف‬
‫فقال الشعيب وابن سريين قوالً لينًا رفقا فيه‪ ،‬وقال له احلسن البصري‪ :‬اي ابن هبرية! خف َّ‬
‫اَّلل‪ .‬اي ابن‬
‫اَّلل مينعك من يزيد ويزيد ال مينعك من َّ‬
‫اَّلل‪ ،‬اي ابن هبرية! إن َّ‬
‫يزيد وال ختف يزيد ِف َّ‬
‫اَّلل من كتاب يزيد فأنفذه‪ ،‬وما‬ ‫هبرية! إنه ال طاعة ملخلوق ِف معصية اخلالق‪ ،‬فما وافق كتاب َّ‬
‫اَّلل أوىل بك من كتابه‪.‬‬
‫اَّلل أوىل بك من يزيد وكتاب َّ‬‫خالفه فال تنفذه‪ ،‬فإن َّ‬
‫فقال ابن هبرية‪ :‬هذا الشيخ صدقن ورب الكعبة(‪. )41٧‬‬
‫وقد عقد حجة اإلسالم اإلمام الغزايل ِف موسوعة إحياء علوم الدين فصالً مطوالً ذكر فيه ما حيل‬
‫وحيرم من خمالفة احلكام وغشيان جمالسهم‪ ،‬وأورد مجالً من سلوك العلماء حياهلم‪.‬‬
‫فروى أن هشام بن عبد امللك حج‪ ،‬فقال‪ :‬ائتوين برجل من الصحابة‪.‬‬
‫فقيل‪ :‬قد تفانوا‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ ( )41٧‬احلافظ الذهيب ِف خمتصر اترخيه املسمى البعد ج ‪ِ 4‬ف احداث ‪ ٧5‬ه)‬
‫(‪ ( )412‬وفيات األعيان ألبن خلكان ج ‪ 9‬ص ‪)441‬‬
‫(‪ ( )41٧‬عيون األخبار البن قتيبة ج ‪ 9‬ص ‪)441‬‬

‫‪674‬‬
‫فقال‪ :‬من التابعني‪.‬‬
‫فأيت بطاوس اليماين‪ ،‬فدخل عليه‪ ،‬فخلع عليه نعليه حباشية بساطه‪ ،‬وقال‪ :‬السالم عليك اي‬
‫هشام‪ ،‬وجلس إبزائه‪ ،‬فقال‪ :‬كيف أنت اي هشام؟‬
‫اَّلل ورسوله وال حيل ذلك‪،‬‬ ‫شديدا‪ ،‬حىت هم بقتله‪ ،‬فقيل له‪ :‬إنك ِف حرم َّ‬
‫فغضب هشام غضبًا ً‬
‫فقال له هشام‪ :‬ما محلك على ما صنعت؟‬
‫قال طاوس‪ :‬وما الذي صنعت؟‬
‫فذكر له هشام ما أغضبه‪ ،‬حىت قال‪ :‬مل تسلم علي أبمري املؤمنني؟‬
‫فأجابه طاوس‪ :‬ليس كل الناس راضني إبمرتك فكرهت أن أكذب (‪.)414‬‬
‫اَّلل‪.‬‬
‫وهذا جعفر املنصور اثين خلفاء بين العباس يدعو سفيان الثوري‪ ،‬فيقول له‪ :‬عظين أاب عبد َّ‬
‫فيجيبه سفيان‪ :‬وما عملت اي أمري املؤمنني فيما علمت حىت أعظك فيما جهلت؟‬
‫ين ظَلَ ُموا‬ ‫َّ ِ‬
‫اَّلل تعاىل‪َ ﴿ :‬وال تَ ْرَكنُوا َإىل الذ َ‬
‫فيقول املنصور‪ :‬ما مينعك أن أتتينا‪ ،‬فيقول سفيان‪ :‬قال َّ‬
‫ابَّلل‬
‫َّار ﴾ [هود‪ ، )419(]444:‬فهو يقول رأيه فيه جبرأة ال يعرفها إال من وصل َّ‬ ‫فَتَ َم َّس ُك ُم الن ُ‬
‫قلبه‪ ،‬ويعلن له أنه من الذين ظلموا‪ ،‬ومن الذين ال يعملون مبا علموا‪ ،‬ولذلك أيىب أن أييت إليه أو‬
‫خياطبه حىت يقول املنصور فيه‪ :‬ألقينا احلب إىل العلماء فالتقطوا إال ما كان من سفيان فإنه أعياان‬
‫مر ًارا‪.‬‬
‫أيضا أن ال خيرجوا عليه‪ ،‬فإن هم فعلوا حلت له دماؤهم‪،‬‬ ‫(‪ )414‬وشرط أهل البصرة للمنصور ً‬
‫مث نقضوا شرطهم وخرجوا عليه‪ ،‬فأراد أن ينفذ ما شرطوا له! فسأل أاب حنيفة النعمان ِف ذلك‬
‫فقال له‪ :‬إهنم شرطوا ما ال ميلكونه وشرطت عليهم ما ليس لك‪ ،‬فإن أخذهتم أخذت مبا ال‬
‫حيل(‪ . )411‬ولقي هارون الرشيد الفضيل بن عياض وكان من العباد الزاهدين فسلم عليه‪،‬‬
‫شديدا‬
‫اَّلل عز وجل‪ ،‬ووعظه وعظًا ً‬ ‫غدا من عذاب َّ‬ ‫وقال له‪ :‬اي هلا من كف ما ألينها إن جنت ً‬
‫اَّلل‬
‫فكان من قوله له‪ :‬إايك أن تصبح أو متسي وِف قلبك غش ألحد من رعيتك‪ ،‬فإن رسول َّ‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬من أصبح هلم غاشًّا مل يرح رائحة اجلنة»(‪. )415‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪( )414‬ج ‪ 9‬ص ‪)492‬‬
‫(‪ ( )419‬العقد الفريد ج ‪ 4‬ص ‪)11‬‬
‫(‪ ( )414‬الشيعة واحلاكمون حملمد جواد مغنيه ص ‪)419‬‬
‫(‪ ( )411‬املدخل حملمد مصطفى شليب ص ‪)411‬‬
‫(‪ ( )415‬رجال الفكر والدعوة ِف اإلسالم أليب حسن الندوي ص ‪)1٧‬‬

‫‪675‬‬
‫كتااب يبني له فيه‬ ‫وحني سأل هارون الرشيد أاب يوسف تلميذ أيب حنيفة وصاحبه أن يكتب له ً‬
‫بعض قواعد اإلسالم املتعلق جبباية األموال وتولية الوالة والقضاة وجهاد املشركني وحرب البغاة‬
‫حامدا ِف واجبات احلاكم وما حيل له‬ ‫واملرتدين‪ ،‬اغتنم الفرصة الساحنة ليجعل مقدمة كتابه حديثًا ً‬
‫ِف مباشرته أمور رعيته‪ ،‬وهو بيان بليغ انطق مبدى إميان هؤالء العلماء األفذاذ حبقهم ِف إبداء‬
‫اَّلل‬
‫الرأي وواجبهم ِف التبليغ والبيان‪ ،‬والنصح للحكام‪ ،‬فكان مما جاء ِف مقدمة كتابه‪ :‬فال تلق َّ‬
‫غدا وأنت سالك سبيل املعتدين‪ ،‬فإن داين يوم الدين إمنا يدين العباد أبعماهلم وال يدينهم مبنازهلم‪،‬‬ ‫ً‬
‫اَّلل سائلك عما أنت فيه وعما‬ ‫اَّلل فاحذر‪ ،‬فإنك مل ختلق عبثًا وترتك سدى‪ ،‬وإن َّ‬ ‫حذرك َّ‬‫وقد َّ‬
‫عملت به فانظر ما اجلواب‪ ،‬واعلم أنه لن تزول قدما عبد حىت يسأل عن أربع‪ :‬عن عمله ما عمل‬
‫فيه‪ ،‬وعن عمره فيم أفناه‪ ،‬وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه‪ ،‬وعن جسده فيم أباله‪ ،‬فاعدد اي‬
‫أمري املؤمنني للمسألة جواهبا‪ ،‬فإن ما عملت فثبت فهو عليك يقرأ‪ ،‬فاذكر كشف قناعك فيما‬
‫اَّلل وأالَّ تنظر‬
‫اَّلل ِف جممع األشهاد‪ ،‬وإين أوصيك اي أمري املؤمنني حبفظ ما استحفظك َّ‬ ‫بينك وبني َّ‬
‫ِف ذلك إال إليه وله‪ ،‬فإنك إن مل تفعل تتوعر عليك سهولة اهلدى‪ ،‬وتعين ِف عينيك وتتعفى‬
‫رسومه ويضيق عليك رحبه وتنكر فيه ما تعرف وتعرف منه ما تنكر(‪. )411‬‬
‫حاكما صغري الشأن حمدود السلطان‪ ،‬بل إنه هو الذي مرت به سحابة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ومل يكن هارون الرشيد‬
‫فقال بعض أصحابه‪ :‬أمطرينا فرد هارون الرشيد قائالً‪ :‬أمطري حيث شئت فسوف أيتيين خراجك‬
‫اَّلل وسنة رسوله وسرية أصحابه واجبه حنو احلاكم‪ ،‬فيوجه له‬ ‫وأبو يوسف يدرك مبا علم من دين َّ‬
‫ومذكرا ِف عبارة بينة بال غموض مستقيمة بال عوج‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هذا الكالم انص ًحا‬
‫وَّلل در عمر بن اخلطاب إذ يقول عن نصح الرعية حاكمهم وصراحتهم معه‪ :‬ال خري فيهم إن مل‬ ‫َّ‬
‫يقولوها‪ ،‬وال خري فينا إن مل نقبل(‪. )411‬‬
‫وهذا اإلمام اجلليل األوزاعي ميحض النصح ألمري املؤمنني أيب جعفر املنصور وال خيشى سطوته‬
‫وسلطانه‪ ،‬فيقول‪ :‬بعث إيل أمري املؤمنني وأان ابلساحل فأتيته‪ ،‬فلما وصلت إليه وسلَّمت عليه‬
‫رد علي واستجلسين‪ ،‬مث قال يل‪ :‬ما الذي أبطأ بك عنَّا اي أوزاعي؟‬ ‫ابخلالفة‪َّ ،‬‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬وما الذي تريد اي أمري املؤمنني؟‬
‫قال‪ :‬أريد األخذ عنكم واالقتباس منكم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقلت‪ :‬فانظر اي أمري املؤمنني أن ال جتهل شيئًا مما أقول لك‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ ( )411‬مقدمة كتاب اخلراج أليب يوسف بن يعقوب بن إبراهيم ص ‪)1 - 5‬‬
‫(‪ ( )411‬كتاب اخلراج ص ‪ 49‬أليب يوسف)‬

‫‪676‬‬
‫قال‪ :‬كيف أجهله وأان أسألك عنه وفيه وجهت إليك وأقدمتك له‪.‬‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬أخاف أن تسمعه‪ ،‬مث ال تعمل به‪.‬‬
‫قال‪ :‬فصاح ِف الربيع وأهوى بيده إىل السيف‪ ،‬فانتهره املنصور‪ ،‬وقال‪ :‬هذا جملس ٍ‬
‫مثوبة ال جملس‬
‫عقوبة‪ ،‬فطابت نفسي‪ ،‬وانبسطت ِف الكالم‪.‬‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬أميا عبد‬
‫فقلت‪ :‬اي أمري املؤمنني‪ ،‬حدثين مكحول عن عطية عن بشر قال‪ :‬قال رسول َّ‬
‫اَّلل سبقت إليه‪ ،‬فإن قبلها بشكر وإال كانت حجة‬ ‫اَّلل ِف دينه‪ ،‬فإهنا نعمة من َّ‬ ‫جاءته موعظة من َّ‬
‫اَّلل هبا سخطًا عليه»‪.‬‬ ‫اَّلل عليه‪ ،‬ازداد هبا إمثًا ويزداد َّ‬
‫من َّ‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬أميا و ٍال مات غاشًّا لرعيته‬
‫اي أمري املؤمنني‪ ،‬حدثين مكحول عن عطية قال‪ :‬قال رسول َّ‬
‫اَّلل عليه اجلنة»‪.‬‬
‫حرم َّ‬‫َّ‬
‫اَّلل هو احلق املبني‪ ،‬إن الذي لني قلوب أمتكم لكم‬ ‫اَّلل‪ ،‬إن َّ‬ ‫اي أمري املؤمنني‪ ،‬من كره احلق فقد كره َّ‬
‫رحيما مواسيا هلم بنفسه ِف‬ ‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص وقد كان هبم رءوفًا ً‬
‫حني والكم أمورهم لقرابتكم من رسول َّ‬
‫اَّلل وعند الناس‪ ،‬فحقيق بك أن تقوم له فيهم ابحلق‪ ،‬وأن تكون ابلقسط له‬ ‫حممودا عند َّ‬
‫ذات يده‪ً ،‬‬
‫ساترا‪ ،‬ال تغلق عليك دوهنم احلجاب‪ ،‬تبتهج ابلنصيحة عندهم وتبتئس مبا‬ ‫قائما ولعوراهتم ً‬ ‫فيهم ً‬
‫أصاهبم من سوء‪.‬‬
‫عامة الناس الذين أصبحت‬ ‫خاصة نفسك من َّ‬ ‫اي أمري املؤمنني‪ ،‬قد كنت ِف شغل شاغل من َّ‬
‫متلكهم أمحرهم وأسودهم‪ ،‬مسلمهم وكافرهم‪ ،‬وكلٌّ له عليك نصيب من العدل‪ ،‬فكيف بك إذا‬
‫انبعث منهم فئام وليس منهم أحد إال وهو يشكو بلية أدخلتها عليه‪ ،‬أو ظالمة سقتها إليه‪.‬‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص جريدة يستاك‬ ‫اي أمري املؤمنني‪ ،‬حدثين مكحول عن عروة بن رومي‪ ،‬قال‪ :‬كان بيد رسول َّ‬
‫ويروع هبا املنافقني‪ ،‬فأاته جربيل عليه السالم فقال له‪ :‬اي دمحم! ما هذه اجلريدة اليت كسرت هبا‬ ‫هبا ِ‬
‫قلوب أمتك ومألت قلوهبم رعبًا؟ فكيف من شق أستارهم وسفك دماءهم‪ ،‬وخرب دايرهم‪،‬‬
‫وأجالهم عن بالدهم‪ ،‬وغيبهم اخلوف منه؟‬
‫اَّلل‬
‫اي أمري املؤمنني! حدثين مكحول‪ ،‬عن زايدة عن حارثة‪ ،‬عن حبيب بن مسلمة‪ ،‬أن رسول َّ‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص دعا إىل القصاص من نفسه ِف خدش خدشه أعرابيا مل يتعمده فأاته جربيل عليه السالم‬
‫متكربا فدعا النيب ملسو هيلع هللا ىلص األعرايب فقال‪ :‬اقتص مين‪ ،‬فقال‬ ‫ً‬ ‫جبارا وال‬
‫اَّلل مل يبعثك ً‬ ‫فقال‪ :‬اي دمحم! إن َّ‬
‫أبدا ولو أتيت على نفسي‪ ،‬فدعا له‬ ‫األعرايب‪ :‬قد أحللتك أبيب أنت وأمي وما كنت ألفعل ذلك ً‬
‫خبري‪.‬‬

‫‪677‬‬
‫رض نفسك لنفسك‪ ،‬وخذ هلا األمان من ربك‪ ،‬وارغب ِف جنة عرضها السموات‬ ‫اي أمري املؤمنني‪ِ ،‬‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬لقيد قوس أحدكم ِف اجلنة خري له من الدنيا وما فيها»‪.‬‬ ‫واألرض‪ ،‬اليت يقول فيها رسول َّ‬
‫اي أمري املؤمنني‪ ،‬إن امللك لو بقي ملن قبلك مل يصل إليك‪ ،‬وكذا ال يبقى لك كما مل يبق لغريك‪.‬‬
‫صغِ َريةً‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اي أمري املؤمنني‪ ،‬أتدري ما جاء ِف أتويل هذه اآلية عن جدك‪َ ﴿ :‬ما هلََذا الْكتَاب ال يغَاد ُر َ‬
‫اها ﴾ [الكهف‪ ،]12:‬قال‪ :‬الصغرية‪ :‬التبسم‪ ،‬والكبرية‪ :‬الضحك فكيف مبا‬ ‫صَ‬ ‫َوال َكبِ َريةً إالَّ أ ْ‬
‫َح َ‬
‫عملته األيدي‪ ،‬وحصدته األلسن؟!‬
‫اَّلل عنه قال‪ :‬لو ماتت سخلة على شاطئ‬ ‫اي أمري املؤمنني! بلغين أن عمر بن اخلطاب رضي َّ‬
‫ضيعت خلشيت أن أسأل عنها‪ ،‬فكيف ممن ُح ِرَم عدلك‪ ،‬وهو على بساطك؟‬ ‫الفرات ُ‬
‫اك َخلِي َفةً ِِف‬
‫ود َّإان َج َع ْلنَ َ‬
‫اي أمري املؤمنني‪ ،‬أتدري ما جاء ِف أتويل هذه اآلية عن جدك‪ ﴿ :‬اي َد ُاو ُ‬
‫اَّللِ ﴾ [ص‪]91:‬قال هللا تعاىل‬ ‫ك َعن َسبِ ِيل َّ‬ ‫َّاس ِاب ْحل ِق وال تَتَّبِ ِع ا ْهلوى فَ ِ‬
‫يضلَّ َ‬ ‫ََ‬ ‫ني الن ِ َ َ‬ ‫اح ُكم بَ َ‬
‫ض فَ ْ‬ ‫األ َْر ِ‬
‫ِف الزبور( اي داود! إذا قعد اخلصمان فكان لك ِف أحدمها هوى‪ ،‬فال تتمنني ِف نفسك أن يكون‬
‫احلق له‪ ،‬فيفلح على صاحبه فأحمو عنك نبويت‪ ،‬مث ال تكون خليفيت‪ ،‬وال كرامة‪ ،‬اي داود! إمنا‬
‫جعلت ُرسلي إىل عبادي ُرعاةً كرعاة اإلبل‪ ،‬لعلمهم ابلرعاية‪ ،‬ورفقهم ابلسياسة‪ ،‬ليجربوا الكسري‬
‫ويدلوا اهلزيل على الكأل واملاء ) ‪.‬‬
‫اي أمري املؤمنني‪ ،‬إنك قد بليت أبمر لو عرض على السموات واألرض واجلبال ألبني أن حيملنه‬
‫وأشفقن منه‪.‬‬
‫اي أمري املؤمنني‪ ،‬حدثين يزيد بن جابر‪ ،‬عن عبد الرمحن بن عمرة األنصاري‪ ،‬أن عمر بن اخلطاب‬
‫مقيما فقال له‪ :‬ما منعك من‬ ‫ٍ‬
‫اَّلل عنه استعمل رجالً من األنصار على الصدقة‪ ،‬فرآه بعد أايم ً‬ ‫رضي َّ‬
‫اَّلل؟!‬
‫اخلروج إىل عملك؟! أما علمت أن لك مثل أجر اجملاهد ِف سبيل َّ‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬ما من و ٍال يلي شيئًا من‬ ‫قال‪ :‬ال‪ ،‬مث قال‪ :‬وكيف ذلك؟! قال‪ :‬إنه بلغين أن رسول َّ‬
‫أمور الناس إالَّ أُيت به يوم القيامة مغلولة يده إىل عنقه‪ ،‬ال يفكها إال عدله فيوقف على جسر من‬
‫النار ينتفض به ذلك اجلسر انتفاضة تزيل كل عضو منه عن موضعه‪ ،‬مث يعاد فيحاسب؛ فإن كان‬
‫ُحمسنًا جنا إبحسانه‪ ،‬وإن كان مسيئًا احنرف به ذلك اجلسر‪ ،‬فيهوي به ِف النار سبعني خري ًفا»‪،‬‬
‫اَّلل عنه ‪ :‬ممن مسعت؟ قال‪ :‬من أيب ذر وسلمان‪ ،‬فأرسل إليهما عمر‪ ،‬فسأهلما‬ ‫فقال عمر رضي َّ‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص‪ .‬فقال عمر‪ :‬واعمراه! من يتوالها مبا فيها؟ فقال أبو الدرداء‬ ‫فقاال‪ :‬نعم‪ ،‬مسعت من رسول َّ‬
‫اَّلل عنه ‪ :‬من سلت ََّّلل أنفه‪ ،‬وألصق خده ابألرض‪ ،‬قال‪ :‬فأخذ املنديل فوضعه على وجهه‬ ‫رضي َّ‬
‫مث بكى وانتحب حىت أبكاين‪.‬‬

‫‪678‬‬
‫مث قلت‪ :‬اي أمري املؤمنني‪ ،‬قد سأل العباس النيب ملسو هيلع هللا ىلص إمارة مكة أو الطائف أو اليمن‪ ،‬فقال له النيب‬
‫اَّلل وسالمه عليه نفس حتييها خري من إمارة ال حتصيها»‬ ‫عم النيب صلوات َّ‬ ‫ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬اي عباس اي َّ‬
‫نصيحة منه لعمه وشفقة عليه‪.‬‬
‫ِ‬
‫ني ﴾[الشعراء‪:‬‬ ‫اَّلل إليه‪َ ﴿ :‬وأَنذ ْر َع ِش َريتَ َ‬
‫ك األَقْ َربِ َ‬ ‫اَّلل شيئًا إذ أوحى َّ‬
‫وأخربه أنه ال يغين عنه من َّ‬
‫اَّلل شيئًا‪ ،‬إن‬
‫‪ ]941‬فقال‪« :‬اي عباس‪ ،‬واي صفية‪ ،‬واي فاطمة بنت دمحم‪ ،‬إين لست أغين عنكم من َّ‬
‫اَّلل عنه ‪ :‬ال يقسم أمر الناس إال‬ ‫يل عملي ولكم عملكم»‪ ،‬وقد قال عمر بن اخلطاب رضي َّ‬
‫حصيف العقل أريب العقد ال يطلع منه على عورة وال خياف منه على ُحَّرةٍ وال أتخذه ِف َّ‬
‫اَّلل لومة‬
‫اَّلل‬
‫يد َّ‬‫اَّلل ُ‬
‫الئم وقال‪ :‬األمراء أربعة‪ :‬فأمري قوي ظلف نفسه وعماله‪ ،‬فذلك كاجملاهد ِف سبيل َّ‬
‫ابسطة عليه ابلرمحة‪.‬‬
‫اَّلل‪.‬‬
‫وأمري فيه ضعف ظلف نفسه وأرتع عماله لضعفه‪ ،‬فهو على شفا هالك إال أن يرمحه َّ‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬شر الرعاء احلطمة»‬
‫وأمري ظلف عماله وأرتع نفسه فذلك احلطمة الذي قال فيه رسول َّ‬
‫مجيعا‪.‬‬
‫فهو اهلالك وحده‪ .‬وأمري أرتع نفسه وعُ َّماله فهلكوا ً‬
‫اَّلل عنه قال‪ :‬اللهم إن كنت تعلم أين أابيل‬ ‫وقد بلغين اي أمري املؤمنني أن عمر بن اخلطاب رضي َّ‬
‫إذا قعد اخلصمان بني يدي على من مال احلق من قريب أو بعيد‪ ،‬فال متهلين طرفة عني‪.‬‬
‫اَّلل التقوى‪ ،‬وإنه من طلب‬ ‫اي أمري املؤمنني! إن أشد الشدة القيام ََّّلل حبقه‪ ،‬وإن أكرم الكرم عند َّ‬
‫اَّلل ووضعه فهذه نصيحيت إليك والسالم‬ ‫اَّلل أذله َّ‬
‫اَّلل وأعزه‪ .‬ومن طلبه مبعصية َّ‬
‫اَّلل رفعه َّ‬
‫العز بطاعة َّ‬
‫عليك (‪.)41٧‬‬
‫وهذا موقف العز بن عبد السالم مع املل الصاحل‪:‬‬
‫وملا استوىل امللك الصاحل على دمشق استعان ابإلفرنج واصطلح معهم على أن يسعفوه ضد أخيه‬
‫ملك مصر ويعطيهم مقابل معونتهم صيدا وقلعة الشقيف وغريها من حصون املسلمني‪ ،‬ودخل‬
‫شديدا‪،‬‬
‫غما ً‬ ‫الصليبيون دمشق‪ ،‬لشراء السالح‪ ،‬فاستفظع الشيخ العز بن عبد السالم ذلك‪ ،‬وغم ًّ‬
‫فأفىت بتحرمي بيع السالح لإلفرنج وترك الدعاء للسلطان ِف خطبة اجلمعة‪.‬‬
‫وندد خبيانة السلطان للمسلمني‪ ،‬وكان مما دعا به ِف ُخطبِه‪« :‬اللهم أبرم هلذه األمة أمر رشد تعز‬
‫فيه وليك‪ ،‬وتذل به عدوك‪ ،‬ويعمل فيه بطاعتك‪ ،‬وينهى فيه عن معصيتك»‪ ،‬والناس يؤمنون على‬
‫دعائه‪ ،‬فبمثل ملح الربق‪ ،‬بلغ اجلواسيس امللك ما فعله قاضي القضاة‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )41٧‬شعب األميان للبيهقي (‪.)1٧91‬‬

‫‪679‬‬
‫وما أكثر املبلغني واملتوددين والنمامني ِف كل زمان ومكان فغضب السلطان‪ ،‬وعزل الشيخ عن‬
‫القضاء فرحل الشيخ عن دمشق إىل مصر‪ ،‬وبينما هو ِف الطريق أرسل السلطان ِف أثره‪ ،‬فأدركته‬
‫رسل امللك الصاحل‪ ،‬وطلبوا منه الرجوع‪ ،‬وقالوا له‪ :‬إن السلطان عفا عنك وسريدك إىل منصبك‬
‫على أن تنكسر له وتعتذر وتقبل يده‪.‬‬
‫فقال هلم الشيخ‪ :‬أان ما أرضى أن يقبل يدي فضالً أن أقبل يده! اي قوم‪ ،‬أنتم ِف و ٍاد‪ ،‬وأان ِف و ٍاد‪،‬‬
‫مث مضى ِف طريقه حىت وصل مصر(‪. )412‬اه ‪.‬‬
‫ومل يكن ذلك مسلك العلماء املسلمني ِف العصور األوىل لإلسالم فحسب حني كان العهد قريبًا‬
‫اَّلل عليهم بل ظلت تلك سرية العلماء‬ ‫بزمان النبوة واالستشراق‪ ،‬قواي إىل سرية الصحابة رضوان َّ‬
‫ِف كل عصور اإلسالم على امتدادها الطويل‪ ،‬فالتاريخ حيكي لنا عن النووي‪ ،‬والعز بن عبد السالم‬
‫وابن تيمية‪ ،‬وكثريين غريهم من املتأخرين مثل هذه املواقف اليت قدمناها‪ ،‬وأشد مع غلبة الظلم ِف‬
‫عصور هؤالء وتفشي اجلور والبعد عن احلق‪ ،‬وقد كانوا يالقون ِف سبيل احلق الذي يصدعون به‪:‬‬
‫أحياان وهم اثبتون على احلق ال يداهنون وال يشرتون رضا املخلوقني‬ ‫التعذيب‪ ،‬والسجن‪ ،‬والقتل ً‬
‫اَّلل ملسو هيلع هللا ىلص‪«:‬ال تزال طائفة من أم يت‬
‫بسخط اخلالق‪ ،‬ولعل ذلك كله ليس إال مصداق قول رسول َّ‬
‫اَّلل وهم ظاهرون»(‪.)4٧٧‬‬ ‫على احلق منصورة ال يض رهم من خذهلم وال من خالفهم حىت أييت أمر َّ‬
‫وبعد هذا فإن مما قدمنا من قول القائلني الذين يقولون‪ :‬ال عالقة بني اإلسالم والسياسة‪ ،‬ومل كانت‬
‫هذه املواقف من علماء اإلسالم إذن؟ أكانت طلبًا للدنيا وسعيا وراء اجلاه؟! كال فالذي ال مراء‬
‫فيه أن الدنيا اليت كانت تسعى إليهم ويفرون منها‪ ،‬واملناصب تعرض عليهم فريفضوهنا ومن كان‬
‫غنيا فيهم كان غناه من عمله أو جتارته‪ ،‬ومات أكثرهم فقراء من املال وإن عاشوا أغنياء النفوس‬
‫أعزاء القلوب‪.‬‬
‫فلم تكن مواقفهم تلك إال صادرة من علمهم أن هذه الشريعة اليت أخلصوا هلا وحدة واحدة وأنه‬
‫أمرا‬
‫نصحا لألمة و ً‬ ‫مقروان ابلعمل‪ ،‬وأن خري العمل ما كان ً‬ ‫ال جيزئ عن العامل فيها علمه ما مل يكن ً‬
‫وصدعا ابحلق‪ ،‬فأين من ذلك كله علماؤان اليوم؟! وبقدر ما تعترب هذه املواقف تطبي ًقا‬ ‫ً‬ ‫ابملعروف‬
‫جميدا لعلمائه‪ ،‬فإهنا تعترب شهادة عدل وخري للحكام املسلمني‬ ‫صحيحا لتعاليم اإلسالم‪ ،‬واترخيًا ً‬
‫ً‬
‫الذين مل تغرهم الدنيا جباهها وال احلكم بسلطانه كي يقهروا الرأي احلر والنصيحة املخلصة‪ ،‬وإن‬
‫التاريخ لينيب بصدق أن احلاكم العادل هو الذي تزدهر احلرية ِف عهده حىت أنه ال خيطئ من‬
‫______________________________________‬
‫(‪ ( )412‬انتهى موارد الظمأن لدروس الزمان للشيخ عبد العزيز بن سلمان اجلزء األول ‪)1٧2 - 1٧1‬‬
‫(‪ ( )4٧٧‬صحيح مسلم ‪)429٧ - 414‬‬

‫‪681‬‬
‫أبدا ابختفاء‬
‫دائما‪ ،‬وإن ظلم احلاكم وجوره يقرتانن ً‬
‫يقول‪ :‬إن عدل احلاكم وحرية الرعية يتالزمان ً‬
‫الرأي احلر والكلمة الصادقة ِف اجملتمع الذي يسوده الظلم والقهر‪.‬‬
‫***‬
‫املبحث الرابع امل ـسـ ــاواة‪:‬‬
‫املساواة‪ :‬هى أن يكون األفراد املكونون جملتمع ما متساويني ِف احلقوق واحلرايت والتكاليف‬
‫والواجبات العامة‪ ،‬وأال يكون هناك متييز ِف التمتع فيما بينهم بسبب اجلنس أو األصل أو اللغة أو‬
‫العقيدة‪ ،‬غري أن هذه املساواة هي مساواة قانونية وليست مساواة فعلية‪.‬‬
‫مساواة قانونية حبيث خيضع األفراد الذين تتماثل ظروفهم لذات القواعد اليت حتدد احلرايت‬
‫واحلقوق العامة‪ ،‬وليست مساواة فعلية حبيث تطبق القواعد ذاهتا على مجيع األفراد مهما تباينت‬
‫الظروف اليت خيضع هلا كل منهم أو دون نظر إىل مدى اختالف هذه الظروف‪.‬‬
‫إذ كما ُختل التفرقة بني املتماثلني مببدأ املساواة فإن التسوية بني غري املتماثلني تتضمن إخالالً أكرب‬
‫وأخطر هبذا املبدأ ولذلك يسمى هذا مببدأ املساواة أمام القانون وقد ترتب على األخذ مببدأ‬
‫املساواة أمام القانون زوال امتيازات النبالء واألشراف ِف فرنسا عقب الثورة الفرنسية‪ ،‬وكذلك ترتب‬
‫على تقرير هذا املبدأ القضاء على تبعية اإلنسان لألرض وخضوعه ألصحاهبا من اإلقطاعيني كما‬
‫كان احلال ِف العصور الوسطى‪.‬‬
‫ويعترب مبدأ املساواة أمام القانون حجر الزاوية ِف تنظيم وتقرير احلرايت العامة اليت ال يقوم تقديرها‬
‫ويستمر إال ابحرتام مبدأ املساواة أمام القانون‪ ،‬فإذا أمهل هذا املبدأ اهنار تنظيم احلرايت العامة‬
‫وأصبح غري ذي قيمة ِف الواقع العملي‪ ،‬ويعاجل فقهاء القانون الدستوري الوضعي والباحثون ِف‬
‫النظم السياسية عدة مظاهر لتطبيق هذا املبدأ جيعلون هلا أمهية خاصة من بينها‪ :‬املساواة أمام‬
‫القضاء واملساواة ِف تويل الوظائف العامة واملساواة أمام املصاحل العامة‪ ،‬وغريها إال أهنم مع ذلك‬
‫يتفقون على أن املساواة أمام القانون تتضمن ِف جوهرها كل مظاهر املساواة األخرى اليت متثل‬
‫بدورها مضمون هذا املبدأ ِف صورته الكاملة‪.‬‬
‫ومن مث فإنه يكفي لتقرير املبدأ ذاته لتقرير هذه املظاهر كلها أي لتقرير مضمونه‪ ،‬ومع وجود هذا‬
‫االتفاق على تقرير مبدأ املساواة أمام القانون فإن الباحثني خيتلفون حول األصل الذي ميكن إرجاع‬
‫هذا املبدأ إليه‪ ،‬فريى بعضهم ذلك األصل ِف فكرة العقد االجتماعي الذي يفسرون به أصل نشأة‬
‫الدولة‪ .‬بينما يرى آخرون أن نظرية القانون الطبيعي الذي يعتربونه أمسى وأوىل ابالحرتام من القانون‬
‫الوضعي هي اليت ميكن أن يرد إليها هذا املبدأ‪.‬‬

‫‪681‬‬
‫املطلب األول املساواة يف اإلسالم‪:‬‬
‫مكاان مرموقًا بني قيمها األساسية‬ ‫فإذا انتقلنا إىل الشريعة اإلسالمية فإننا جند فيها ملبدأ املساواة ً‬
‫اليت تقررها مصادر هذه الشريعة‪ ،‬واليت طبقها رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وأصحابه‪ ،‬وقد كان تقرير هذا‬
‫املبدأ ِف القرآن الكرمي وِف سنة الرسول عليه الصالة والسالم عند ظهور اإلسالم وانتشاره سب ًقا‬
‫انقالاب أساسيا ِف مفاهيمهم عن أسس التفاضل‬ ‫لشريعته ِف زماهنا ومكاهنا يشكل ِف واقع العرب ً‬
‫بني الناس أسباب الفخر اليت حتوزها بعض القبائل أو البيوت دون البعض‪ ،‬فقد كان التمييز بني‬
‫سائدا حىت ِف شعائر العبادة ِف اجلاهلية‪ ،‬ففي احلج مثالً ك انت ق ريش دون س ائر‬ ‫القبائل ً‬
‫العرب تتخذ لنفسها مناسك خاصة ال يشاركها فيها ابقي احلجيج فلما حج رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم ظن الناس أنه سوف يتبع عادة قريش ِف ذلك ولكنه مل يفعل وحج كما حتج سائر‬
‫ِ‬
‫َّاس ﴾ [البقرة‪ ،]422:‬وقد كان‬ ‫اض الن ُ‬ ‫ث أَفَ َ‬ ‫يضوا ِم ْن َحي ُ‬
‫اتباعا لقول هللا تعاىل‪ُ ﴿ :‬مثَّ أَف ُ‬ ‫العرب ً‬
‫أيضا ِف أحد جماالت القانون اجلنائي وهو جمال الدية‬ ‫هذا التمييز بني القبائل واألفراد هو السائد ً‬
‫املقررة جزاءً على جرمية القتل‪ ،‬فقد كانت الدية ختتلف ابختالف شخص املقتول ومدى قوة قبيلته‬
‫أو ضعفها‪ ،‬وابختالف مركزه ِف القبيلة ذاهتا‪ ،‬فكانت دية األمراء «أي‪ :‬األشراف أو السادة»‬
‫أضعاف دية الشخص العادي‪ ،‬وبينما كان العرب تسيطر على حياهتم هذه املفاهيم نزل القرآن‬
‫واب َوقَبَائِ َل لِتَ َع َارفُوا َّ‬
‫إن‬ ‫ِ‬
‫َّاس َّإان َخلَ ْقنَا ُكم من ذَ َك ٍر َوأُنثَى َو َج َع ْلنَا ُك ْم ُشعُ ً‬
‫َيها الن ُ‬
‫الكرمي يقرر‪ ﴿ :‬اي أ َ‬
‫اَّللَ َعلِيم َخبِري ﴾ [احلجرات‪ .]44:‬ووقف ِف املسلمني رسول هللا‬ ‫اَّللِ أَتْ َقا ُك ْم َّ‬
‫إن َّ‬ ‫ند َّ‬‫أَ ْكَرَم ُك ْم ِع َ‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص يقول‪« :‬إن هللا قد أذهب عنكم عصبية اجلاهلية وفخرها ابآلابء مؤمن تقي أو فاجر شقي‬
‫أنتم بنو آدم‪ ،‬وآدم من تراب»‪ ،‬وخطب رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ِف حجة الوداع فكان مما قاله للمسلمني‬
‫مجيعا ‪ :‬؟» اي أيها الناس أال إن ربكم عز وجل واحد أال وإن أابكم واحد‪ ،‬أال ال‬ ‫بل الناس ً‬
‫فضل لعريب على أعجمي « وال فضل ألمحر على أسود‪ ،‬إال ابلتقوى‪ ،‬أال قد بلغت‪ :‬قالو نعم‪،‬‬
‫قال‪« :‬ليبلغ الشاهد الغائب»(‪. )4٧9()4٧4‬‬

‫***‬

‫______________________________________‬
‫(‪ ( )4٧4‬النظام السياسي للدولة اإلسالمية حملمد سليم العوا ص ‪ - 995‬ص ‪)99٧‬‬
‫(‪ )4٧9‬مسند أمحد (‪ )941٧2‬وحكم األرنؤوط إسناده صحيح ‪.‬‬

‫‪682‬‬
‫املطلب الثاين املساواة يف احلقوق واملسئوليات‪:‬‬
‫أيضا فالناس ِف نظر اإلسالم‬ ‫كما عرفنا مما تقدم أن اإلسالم دين العدالة واحلرية‪،‬فهو دين املساواة ً‬
‫سواء ِف احلقوق والواجبات ال فرق ِف ذلك بني جنس وآخر‪،‬وال قومية وقومية أخرى‪ ،‬فكل فرد ِف‬
‫اجملتمع جيب أن يتمتع حبقه املشروع كفرد ِف ذلك اجملتمع مع قطع النظر عن قومية أو جنسية أو‬
‫لون‪ ،‬ال فرق ِف ذلك بني حاكم وحمكوم‪ ،‬وال شريف ووضيع‪ ،‬وال غين وفقري‪ ،‬الناس سواسية‬
‫َّاس َّإان َخلَ ْقنَا ُكم ِمن ذَ َك ٍر‬
‫َيها الن ُ‬
‫كأسنان املشط ال فرق بينهم إال ابلتقوى‪ ،‬كما قال تعاىل‪ ﴿ :‬اي أ َ‬
‫اَّللِ أَتْ َقا ُك ْم ﴾[احلجرات‪ ،]44:‬فالفوارق‬ ‫واب َوقَبَائِ َل لِتَ َع َارفُوا َّ‬
‫إن أَ ْكَرَم ُك ْم ِع َ‬
‫ند َّ‬ ‫َوأُنثَى َو َج َع ْلنَا ُك ْم ُشعُ ً‬
‫املوجودة احلاصلة بني الناس إمنا هي للتعارف فقط أما التمييز ِف الفضل والكره فهذا مرجعه‬
‫التقوى فقط‪ ،‬ولذا جيب أن يساوى بني الناس ِف إاتحة الفرص للعلم والتوظيف وغريه من الوالايت‬
‫اليت تسند ملن يقوم هبا من األشخاص‪.‬‬

‫املساواة يف تويل الوظائف والتعيني يف املناصب واألعمال‪:‬‬


‫أحدا ومل‬
‫لقد جاء اإلسالم ِف تويل الوظائف ومل مييز فئة عن أخرى أو طائفة عن غريها ومل حياب ً‬
‫يؤثر عربيا على غري عريب‪ ،‬فاألفراد يتساوون ِف تقلد الوظائف العامة طب ًقا لكفاءهتم وعلمهم‬
‫وقدراهتم‪ ،‬وليس معىن املساواة أن يستوي العامل واجلاهل واحلاذق واخلامل‪ ،‬بل إن حتقيق املساواة‬
‫يكون إذا تساوت الشروط ووجدت الكفاءة واملقدرة‪.‬‬
‫إن املساواة ِف التولية للوظائف العامة والتعيني ِف املناصب واألعمال أن تسند إىل أهلها من ذوي‬
‫الكفاءة واألمانة وقد مضت سنة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص أنه كان يويل األنفع للمسلمني على من هو أفضل‬
‫منه‪ ،‬فوىل النيب ملسو هيلع هللا ىلص خالد بن الوليد على حروبه لنكايته ابلعدو وقدَّمه على بعض السابقني من‬
‫املهاجرين واألنصار‪ ،‬كما وىل أسامة بن زيد قيادة اجليش؛ ألنه كان يراه أقدر الناس عليها‪ ،‬ومعىن‬
‫ذلك‪ :‬أن تعيني الوالة ِف الوالايت العامة وسائر أعمال الدولة ومناصبها أمانة ِف عنق رئيس الدولة‬
‫أو صاحب السلطة‪ ،‬فال تعطى إال ملستحقها؛ وعلى ذلك ال جيوز أن يكون تقليد الوظائف على‬
‫أساس من اجلنس أو اللون أو تفضيل فئة من املواطنني على فئة أخرى‪ ،‬بل يكون أساسها‪:‬‬
‫الكفاءة واللياقة‪ ،‬واملقدرة ولذلك يقرر فقهاء اإلسالم أن على ويل األمر أن يعني ألعمال املسلمني‬
‫ت َإىل أ َْهلِ َها‬
‫اان ِ‬
‫اَّللَ أيْ ُم ُرُك ْم أَن تُ َؤُّدوا األ ََم َ‬
‫إن َّ‬‫أقدرهم وأصلحهم للعمل‪ ،‬امتثاالً ألمر هللا تعاىل‪َّ ﴿ :‬‬
‫َّاس أَن َْحت ُك ُموا ِابلْ َع ْدل ﴾ [النساء‪ ،]5٧:‬فقد ورد ِف أحد تفاسريها أن املراد‬ ‫ني الن ِ‬
‫َوإذَا َح َك ْمتُم بَ َ‬
‫هبم الوالة ‪،‬وأن من قلد رجالً عمالً من األعمال لرشوة أو منفعة أو صداقة أو التفاقه معه ِف بلد‬

‫‪683‬‬
‫أو مذهب أو طريقة أو جنس أو يبعده عن أهليته للوظيفة لعداوة بينهما أو حلقد ِف نفسه يعد‬
‫خائنًا هلل ورسوله ملسو هيلع هللا ىلص‪.‬‬
‫فقد روى احلاكم عن ابن عباس رضي هللا عنهما أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬من استعمل رجالً ًَ من‬
‫عصابة‪ ،‬وفيهم من هو أرضى منه فقد خان هللا ورسوله واملؤمنني»(‪ )4٧4‬وروى أبو يعلى عن‬
‫حذيفة أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬أميا رجل استعمل رجالً على عشرة أنفس‪ ،‬وعلم أن ِف العشرة‬
‫أفضل منه فقد غش هللا وغش رسوله وغش مجاعة املؤمنني» (‪. )4٧1‬‬
‫فعلى هذا ينبغي أن يتساوى األفراد املتماثلون ِف توفر شروط الوظيفة ومؤهالهتم اليت يتطلبها‬
‫النظام ِف فرص االلتحاق ابلوظائف‪ ،‬فال يتفاضلون بسبب غري الصالحية للوظيفة‪ ،‬وينبغي عدم‬
‫متييز املصاحل العامة بني األفراد سواء من حيث تقدمي اخلدمات أو من حيث ما تقتضيه عليها من‬
‫مقابل أو أجر‪ ،‬فيجب املساواة بني الناس ِف اخلدمات واملرافق العامة دون متييز‪ ،‬ولعمر بن‬
‫اخلطاب هنع هللا يضر قول مأثور حيث قال‪« :‬وحيك اي ابن اخلطاب لو عثرت دابة على شاطئ الفرات‬
‫لسألك هللا عنها ِملَ َملْ متهد هلا الطريق؟»‪.‬‬
‫بعيدا ِف شىت عصور اإلسالم ِف ميدان تويل الوظائف والتعيني ِف‬ ‫شأوا ً‬‫وقد بلغت املساواة ً‬
‫حكام الصدر األول خيتارون الوالة م ن أهل التقوى وال ورع والقدوة‬ ‫املناصب واألعمال وقد كان َّ‬
‫فعلي بن أيب طالب هنع هللا يضر يقول ألحد والته‪« :‬أنصف هللا وأنصف الناس من نفسك ومن لك فيه‬
‫هوى من رعيتك» ويقول‪« :‬اخرت للحكم بني الناس أفضل رعيتك ِف نفسك مما ال تضيق به‬
‫األمور‪ ،‬وال متحكه اخلصوم‪ ،‬وال يتمادى ِف الذلة ولن تنتصر أمة ال يؤخذ للضعيف فيها حقه من‬
‫القوي»‪.‬‬
‫***‬
‫املطلب الثالث املساواة يف املثول أمام القضاء‪:‬‬
‫أحدا مهما كان شأنه من املثول أمام‬
‫إن النظام اإلسالمي هو النظام الوحيد الذي ال يستثين ً‬
‫القضاء اإلسالمي‪ ،‬ويعين هذا املبدأ‪ :‬أن يتساوى مجيع األفراد ِف املثول أمام القضاء‪ ،‬وأن ال يكون‬
‫التمييز بينهم ِف إجراءات التقاضي‪ ،‬وأال يوصد ابب القضاء أمام البعض ويفتح آلخرين‪ ،‬وأالَّ‬
‫ختص حماكم لفئات أو طبقات معينة‪ ،‬وأالَّ يفرق بني األفراد ِف توقيع العقوابت عليهم مىت متاثلت‬
‫اجلرائم والظروف أو ِف طريقة توقيع هذه العقوابت ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4٧4‬املستدرك للحاكم (‪ )1٧94‬وحكم األلباين ضعيف‪ .‬أنظر ضعيف الرتغيب والرتهيب ‪)4( - 4442‬‬
‫(‪ )4٧1‬جامع املسانيد والسنن رقم (‪ )9911‬وحكم األلباين ضعيف‪ .‬أنظر السلسة الضعيفة (‪. )1411‬‬

‫‪684‬‬
‫مجيعا لدى حماكم‬
‫ومبقتضى هذا املبدأ يلقى األفراد معاملة واحدة لدى احملاكم القضائية‪ ،‬وحياكمون ً‬
‫واحدة مهما تفاوتت مكانتهم االجتماعية أو علت درجاهتم لسبب من األسباب اليت يتفاخر هبا‬
‫الناس عادة‪ ،‬وهذا خبالف القوانني الوضعية اليت حتظر حماكمة رئيس الدولة أو الوزراء أو تنشئ‬
‫حماكم وهيئات خاصة حملاكمتهم‪ ،‬وال يقتصر أثر املساواة أمام القضاء على األفراد وإمنا يتعداه إىل‬
‫احلكام الذين مل جيعل هلم ِف اإلسالم أي ميزة خاصة هبم‪ ،‬وعليهم أن يقفوا أمام اهليئات اليت يقف‬
‫مجيعا‪،‬وال تفرق هذه‬‫أمامها األشخاص العاديون فالقضاء ِف الشريعة اإلسالمية واحد للناس ً‬
‫الشريعة كما مل يعرف تطبيقها على امتداد القرون نظام احملاكم اخلاصة ِف تشكيلها أو اخلاصة ِف‬
‫إجراءاهتا كما تعرفه القوانني الوضعية‪ ،‬وكذلك كان اخللفاء الراشدون ورعاايهم من املسلمني أو‬
‫غريهم ميثلون أمام القاضي الذي ميثل أمامه عامة الناس ويتبع ِف إجراءات التقاضي ما ينطبق على‬
‫هؤالء‪ ،‬كما ينطبق على غريهم‪،‬وليس من شك أن هذا يعد أحد نتائج األخذ مببدأ املساواة الذي‬
‫قررته نصوص القرآن الكرمي وأحاديث الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وسرية اخللفاء الراشدين مهنع هللا يضر ‪.‬‬
‫كبريا حىت أيخذ حقه‪ ،‬وأن‬ ‫وهكذا تقتضي هذه املساواة ِف القضاء أن يعترب صاحب احلق قواي و ً‬
‫يعترب القوي ضعي ًفا حىت يؤخذ احلق منه‪ ،‬كما أقرت ذلك عبارة أول اخللفاء الراشدين أيب بكر‬
‫الصديق هنع هللا يضر وسريته وسرية غريه من اخللفاء وأئمة السلف الصاحل من بعدهم‪ ،‬فهذا أبو بكر‬
‫الصديق هنع هللا يضر يقول‪« :‬الضعيف فيكم عندي قوي حىت آخذ له حقه‪ ،‬والقوي فيكم عندي‬
‫ضعيف حىت آخذ احلق منه إن شاء هللا»‪.‬‬
‫ولقد قضت قاعدة اإلسالم ِف املساواة أمام القضاء على كل أنواع التفرقة بني الناس مبدئيا‬
‫وخصوصا على التفرقة بسبب الدين أو النسب أو الطبقية أو اجلنسية أو بسبب العداوة‪،‬‬ ‫ً‬
‫وابإلضافة إىل املساواة بني األفراد واحلكام فإن اإلسالم أقر املساواة املطلقة أمام القضاء بني‬
‫املسلمني وغريهم من املساملني املأذون هلم ابإلقامة ِف دار اإلسالم سواء بعقد الذمة أو العهد أو‬
‫بعقد األمان‪ ،‬إذ إهنم يتمتعون ابملساواة القضائية مبدئيا وذلك فيما جيري فيه التقاضي وفق شريعة‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫ولقد أمر اإلسالم أن يسوى بني اخلصمني مهما عظم أحدمها وصغر اآلخر ومهما كان أحدمها‬
‫أمريا‪ ،‬حىت إنه ليس للقاضي أن جيعل أحدمها عن ميينه واآلخر عن مشاله؛ ألن ِف‬ ‫صغريا واآلخر ً‬
‫ً‬
‫امتيازا لصاحب اليمني‪.‬‬ ‫ذلك ً‬
‫يتوىل الفصل ِف اخلصومات‪ ،‬وكان ملسو هيلع هللا ىلص يتخذ من بيته أو مسجد‬ ‫ولقد كان الرسول ملسو هيلع هللا ىلص َّ‬
‫مكاان للفصل ِف اخلصومات‪ ،‬وكان ملسو هيلع هللا ىلص مثاالً حيتذى به ِف ميدان العدل واملساواة ِف‬ ‫املسلمني ً‬

‫‪685‬‬
‫القضاء ‪ ،‬وقد سار على هنجه وطريقته من جاء بعده من اخللفاء الراشدين الذين كانوا مثاالً‬
‫يقتدى هبم ِف ميدان املساواة ِف القضاء‪، ،‬فال تفرقة عندهم بني املتقاضني بسبب األصل أو‬
‫اجلنس أو الطبقة أو اللون أو الثروة‪ ،‬فاجلميع أمام القضاء سواء‪.‬‬
‫وقد اتفق فقهاء املسلمني على أنه ينبغي للقاضي أن يسوي بني اخلصمني ِف الدخول عليه‪،‬‬
‫واجللوس بني يديه واإلقبال عليهما واالستماع هلما واحلكم عليهما فجميع املواطنني ِف الدولة‬
‫اإلسالمية أمام القضاء سواء من جهة‪ :‬املرافعة‪ ،‬وقواعد اإلثبات‪ ،‬وتطبيق النصوص‪ ،‬وتنفيذ‬
‫األحكام‪ ،‬ووجوب حتري العدالة بني اخلصمني‪ ،‬ال فرق بني فرد وفرد‪ ،‬بل حىت األعداء يظفرون‬
‫بعدالة القضاء واملساواة أمامه‪.‬‬
‫وهكذا طبق املسلمون مبدأ املساواة أمام القضاء تطبي ًقا ال نرى له مثيالً ِف أي نظام آخر‪ ،‬ولعل‬
‫هذا التطبيق يبدو جليا ِف دستور القضاء الذي وضعه عمر بن اخلطاب هنع هللا يضر ِف رسالة أوصى هبا‬
‫أاب موسى األشعري هنع هللا يضر حني واله القضاء قال فيها‪:‬‬

‫بسمميحرلا نمحرلا هللا من عبد هللا عمر بن اخلطاب أمري املؤمنني إىل عبد هللا بن قيس يعين‪ :‬أاب‬
‫موسى األشعري سالم عليك أما بعد‪..‬‬
‫فإن القضاء فريضة حمكمة‪،‬وسنة متبعة‪ ،‬فافهم أنه أوىل إليك فإنه ال ينفع تكلم حبق ال نفاذ له آس‬
‫بني الناس ِف وجهك وعدلك وجملسك حىت ال يطمع شريف ِف حيفك وال ييأس ضعيف من‬
‫صلحا أحل‬
‫عدلك‪ ،‬البينة على من ادعى واليمني على من أنكر‪ ،‬والصلح جائز بني املسلمني إال ً‬
‫حر ًاما أو حرم حالالً‪.‬‬
‫متاما كما حياكم سائر الناس أمام‬‫وقد جرى العمل ِف اإلسالم على مقاضاة اخللفاء والوالة ً‬
‫القاضي‪ ،‬فليس هناك جهات أو درجات متعددة للقضاء‪ ،‬ومن ذلك أن اخلليفة علي بن أيب‬
‫طالب هنع هللا يضر وهو حاكم املسلمني وخليفتهم يفتقد درعه فيجدها لدى يهودي يعرضها ِف السوق‬
‫قهرا وإمنا يقول له‪ :‬بيين وبينك قاضي املسلمني فجاء به إىل شريح القاضي‬ ‫فال أيخذها منه ً‬
‫فتحاكما إليه وقال علي إهنا درعي ومل أبع ومل أهب‪ ،‬فسأل اليهودي‪ :‬ما تقول فيما يقول أمري‬
‫املؤمنني؟ قال اليهودي‪ :‬ما الدرع إال درعي وما أمري املؤمنني عندي بكاذب‪ ،‬فالتفت شريح إىل‬
‫علي بن أيب طالب هنع هللا يضر يسأله‪ :‬اي أمري املؤمنني هل من بينة‪ ،‬فضحك علي وقال‪ :‬أصاب شريح‬
‫ما يل ببينة‪ ،‬فقضى شريح لليهودي ابلدرع‪ ،‬فأخذها ومشى إال أنه مل خيط خطوات حىت عاد يقول‬
‫أما أان فأشهد أن هذه أحكام أنبياء‪ ،‬أمري املؤمنني يدنيين إىل قاضيه فيقضي عليه‪ ،‬أشهد أن ال إله‬

‫‪686‬‬
‫حممدا عبده ورسوله‪ ،‬الدرع درعك اي أمري املؤمنني اتبعت اجليش وأنت منطلق من‬‫إال هللا وأن ً‬
‫صفني فخرجت من بعريك األورق فقال علي‪ :‬أما إذ أسلمت فهي لك‪.‬‬
‫فرسا من رجل على سوم فحمل عليه فعطب‪ ،‬فخاصم الرجل عمر‬ ‫وأخذ عمر بن اخلطاب هنع هللا يضر ً‬
‫بن اخلطاب هنع هللا يضر فقال له‪ :‬اجعل بيين وبينك رجالً‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬إين أرضى بشريح القاضي‪،‬‬
‫فأدى عمر مثنه‬
‫مسلما‪َّ ،‬‬
‫صحيحا ً‬
‫ً‬ ‫صحيحا فأنت له ضامن حىت ترده‬
‫ً‬ ‫فقال شريح لعمر‪ :‬أخذته‬
‫للرجل وعني شرحيا قاضيا ‪.‬‬

‫حتاكم أمري املؤمنني ِف نزاعه مع أحد من عامة املسلمني أىب أن يتميز مبحكمة خاصة تنعقد ِف‬
‫بيته فيقول عمر لزيد القاضي ِف بيته يؤيت احلكم ردا على قول زيد هال بعثت إيل فأتيك اي أمري‬
‫املؤمنني (‪. )4٧5‬‬

‫***‬

‫______________________________________‬
‫(‪ ( )4٧5‬انتهى بشيء من التصرف من كتاب األسس اليت تقوم عليها احلكومة اإلسالمية ‪ -‬معاود عايد عيد العوِف‬
‫من ص ‪ - 941‬ص ‪)994‬‬

‫‪687‬‬
‫خامتة البحث فـي عــزل اإلم ــام‪:‬‬
‫ئيسا أعلى للدولة‬
‫لقد تقرر ِف الفصول السابقة من هذا البحث أنه البد لألمة من إمام يكون ر ً‬
‫يتوىل محاية مصاحل األمة والدفاع عنها ويكون مسئوالً أمام هللا وأمام رعيته‪.‬‬
‫حتقيق ًَا‬
‫شرعا كما تقدم ألننا إذا عرفنا أن تولية اخلليفة قد متت ً‬ ‫وإقامة اإلمام من األمور الواجبة ً‬
‫إلقامة الدين وتدبري مصاحل العباد وسياستهم فإن عدم قيام اخلليفة بذلك يكون من شأنه اختالل‬
‫أحوال املسلمني وانتكاس الدين ويعترب سببًا موجبًا لعزله وهذه هي القاعدة اليت أخذ هبا الفقهاء‬
‫وعلماء الكالم‪.‬‬
‫إال أنه فيما يبدو يل أن الفقه اإلسالمي وعلم الكالم أيخذان ِف حتديد عدم قيام اخلليفة أبحكام‬
‫الدين وتدبري مصاحل الناس مبعايري موضوعة تتفق مع فكرته ِف تالِف الفتنة وهي‪:‬‬

‫املعيار األول‪:‬‬
‫هو انعدام الصفات اليت من أجلها اختري للخالفة‪ ،‬وأكثر الفقهاء هنا يشرتط انعدام الصفات‬
‫وليس جمرد نقصها ألن القاعدة عندهم أن اخلروج على اخلالفة أو عزل اخلليفة منوط ابكتمال‬
‫النقص وليس مبجرد النقص وهذا خبالف قاعدهتم ِف ابتداء تولية اخلليفة حيث يكون تولية اخلليفة‬
‫منوطًا بكمال سالمته‪ ،‬إال أهنم يفرقون بني نوعني من الصفات‪:‬‬
‫األول‪ :‬ما يتعلق بعدم قدرة اخلليفة على القيام بواجباته الشرعية كجنون اخلليفة أو بطالن أعضائه‬
‫أو حواسه‪ ،‬أو خرفه‪ ،‬أو كربه‪ ،‬فالفقهاء ابلنسبة هلذه الصفات يكادون أن يتفقوا على أهنا تعد‬
‫أتثريا‬
‫أسبااب لعزل اخلليفة؛ ألنه ِف هذه األحوال يتعذر عليه القيام مبا خيتص به اخلليفة كما أن هلا ً‬
‫ً‬
‫ابلغًا على علمه وجودة رأيه ِف تدبري شئون األمة بلغ حدًّا يصل إىل انعدامها‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬ما يتعلق ابستقامته كاجلرح ِف عدالته وفسقه وهذه الصفات اختلف الفقهاء حول جعلها‬
‫أسبااب للعزل‪.‬‬
‫ً‬
‫فذهب املاوردي (ص‪ )41 45‬من الشافعية إىل أن الفسق إذا كان متعل ًقا أبفعال اجلوارح ابرتكابه‬
‫انقيادا للهوى خيرج اخلليفة من واليته‪ ،‬أما إذا‬
‫حتكيما للشهوة و ً‬
‫احملظورات وإقدامه على املنكرات ً‬
‫كان متعل ًقا ابالعتقاد فريوى االختالف حول العزل بسببه‪ ،‬وإن كان يبدو أن اإلمام املاوردي يرى‬
‫العزل بسبب ذلك‪.‬‬
‫أيضا إىل جواز العزل ِف حالة اجلور والفسق‪ ،‬فيقول صاحب «املسايرة»‪« :‬إنه إذا‬
‫ويذهب احلنفية ً‬
‫قلد إنسان اإلمامة حال كونه عدالً مث جار ِف احلكم وفسق ال يعزل ولكن يستحق العزل إن مل‬

‫‪688‬‬
‫يستلزم عزله فتنة‪ ،‬وجيب أن يدعى له ابلصالح وال جيب اخلروج عليه‪ ،‬كذا نقل احلنفية عن أيب‬
‫حنيفة وكلمتهم قاطبة متفقة ِف توجيهه» «املسامرة بشرح املسايرة ص ‪.»494‬‬
‫والراجح من مذهب اإلمام أمحد ومالك أنه ال جيوز عزل اإلمام مبجرد الفسق‪ ،‬ويرى اإلمام أبو‬
‫يعلى ِف «األحكام السلطانية» (ص‪ )1‬أن الفسق ال مينع من استدامة اإلمامة سواء كان متعل ًقا‬
‫اتباعا لشهوته أو كان متعل ًقا‬
‫أبفعال اجلوارح وهو ارتكاب احملظورات وإقدامه على املنكرات ً‬
‫ابالعتقاد وهو املتأول بشبهة يذهب فيها خالف احلق‪.‬‬
‫كما يذهب الزرقاين ِف «شرح املوطأ» (ج ‪/9‬ص‪ )919‬إىل أن الصرب على طاعة اجلائر أوىل من‬
‫اخلروج عليه ملا فيه من استبدال اخلوف ابألمن وإهراق الدماء وشن الغارات والفساد وذلك أعظم‬
‫من الصرب على جوره واألصول تشهد والنقل أن أقوى املكروهني أوالمها ابلرتك‪.‬‬
‫وهذا الرأي األخري هو رأي مجهور أهل السنة قال اإلمام النووي ِف «شرح صحيح مسلم»‬
‫(‪ :)992/49‬وقال مجهور أهل السنة من الفقهاء واحملدثني واملتكلمني؛ أبنه ال ينعزل اإلمام‬
‫ابلفسق والظلم وتعطيل احلقوق وال خيلع وال جيوز اخلروج عليه بذلك بل جيب وعظه وختويفه وهو‬
‫الراجح من حيث الدليل وألن الفسق وقد تعلق بشخص اخلليفة ال يكون له التأثري البالغ على‬
‫انعدام ثورته ِف القيام بواجباته الشرعية ومن مث ال يصل إىل حد اإلخالل املوجب حلل العقد‪.‬‬

‫املعيار الثاين‪:‬‬
‫ظهور رغبة اخلليفة ِف عدم القيام بواجباته الشرعية بشكل واضح حبيث ال يكون مثة شك ِف‬
‫كفره‪ ،‬فإنه ِف هذه احلالة خيرج من اخلالفة وال جتب له طاعة وال نصرة‪.‬‬
‫ويدخل ضمن هذه الصورة استبعاد ويل األمر ما خلليفة اإلسالم من توجيه احلياة العامة واخلاصة‬
‫للجماعة وكل صورة تشاهبها وميكن أن ينتهي فيها املسلم العادي إىل احلكم بكفر اخلليفة ألن‬
‫احا لقوله ملسو هيلع هللا ىلص ِف حديث عبادة بن‬
‫كفرا بو ً‬
‫الرسول أمر املس لمني بطاعة والة األمور ما مل يروا منهم ً‬
‫احا‬
‫كفرا بو ً‬
‫الصامت املروي ِف «الصحيحني»‪« :‬وأن ال تنازعوا األمر أهله»‪ ،‬قال‪« :‬إال أن تروا ً‬
‫عندكم من هللا فيه برهان» (‪. )4٧1‬‬
‫وال تثار هنا فكرة الفتنة إذ ال فتنة أكرب من ظهور كفر اخلليفة أو ويل األمر أو استبعاد اإلسالم من‬
‫حياة اجلماعة «اخلليفة توليته وعزله» (ص‪ )914 -91٧‬صالح دبوس‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4٧1‬صحيح البخاري (‪ - )1٧55‬صحيح مسلم (‪)4٧1٧‬‬

‫‪689‬‬
‫وهذا أمر جممع عليه بني املسلمني أعين وجوب عزل اإلمام ابلكفر مهما كان األمر الذي أوجب‬
‫اعتقاداي‬
‫ًّ‬ ‫كفره أي عمليًّا كان أو‬
‫ِ‬
‫اَّللُ‬ ‫ومما يوجب احلكم بكفر اإلمام احلكم بغري ما أنزل هللا كما قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وَمن َّملْ ْحي ُكم مبَا أ َ‬
‫َنزَل َّ‬
‫ك ُه ُم الْ َكافُِرو َن﴾[املائدة‪ ،]11:‬فإذا رضي اإلمام أبن حتكم األمة بقانون وضعي سواء مسي‬ ‫فَأ ُْولَئِ َ‬
‫نظاما وجعل ذلك القانون بديالً حلكم هللا ورسوله فهو كافر جيب خلعه‬ ‫دستورا أو ً‬
‫ً‬ ‫قانوان أو‬
‫ً‬
‫واخلروج عليه وال تبقى له طاعة وال بيعة ِف عنق أحد من رعيته بعد كفره‪.‬‬
‫نسأل هللا أن يوفق أئمة املسلمني لتحكيم كتابه وسنة نبيه ملسو هيلع هللا ىلص ألن صالح األمة متوقف على‬
‫ذلك‪.‬‬
‫مت البحث حبمد هللا‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا دمحم وآله وصحبه‪.‬‬

‫(انتهى)‬
‫األستاذ املشارك‬
‫محود بن عبد هللا بن عقالء الشعييب‬
‫حتر ًيرا ِف ‪ 91‬ربيع الثاين ‪41٧4‬ه‬
‫املوافق ‪ 9٧‬فرباير ‪42٧4‬م‬

‫***‬

‫‪691‬‬
‫مراجع البحث‬
‫___________‬
‫‪ - 4‬القرآن الكرمي‬
‫‪ - 9‬صحيح البخاري‬
‫‪ - 4‬صحيح مسلم‬
‫‪ - 1‬سنن الرتمذي‬
‫‪ - 5‬سنن النسائي‬
‫‪ - 1‬سنن أيب داود‬
‫‪ - 1‬مسند اإلمام أمحد‬
‫‪ - ٧‬مسند اإلمام الشافعي‬
‫‪ - 2‬موطأ اإلمام مالك‬
‫‪ - 4٧‬جامع األصول من أحاديث الرسول البن األثري‬
‫‪ - 44‬تفسري ابن جرير الطربي‬
‫‪ - 49‬تفسري الرازي‬
‫‪ - 44‬فتح القدير للشوكاين‬
‫‪ - 41‬أحكام القرآن للقرطيب‬
‫‪ - 45‬مشكاة املصابيح‬
‫‪ - 41‬شرح املوطأ للزرقاين‬
‫‪ - 41‬األحكام السلطانية للماوردي‬
‫‪ - 4٧‬األحكام السلطانية للفراء‬
‫‪ - 42‬النظام السياسي للدولة اإلسالمية حملمد سليم العوا‬
‫‪ - 9٧‬مقدمة ابن خلدون‬
‫‪ - 94‬املغين لعبد اجلبار اهلمذاين‬
‫‪ - 99‬شرح الطحاوية لعلي ابن أيب العز‬
‫‪ - 94‬لوامع األنوار البهية لألمام السفاريين‬
‫‪ - 91‬الطرق احلكمية لشمس الدين ابن القيم‬
‫‪ - 95‬السياسة الشرعية لشيخ اإلسالم ابن تيمية‬

‫‪691‬‬
‫‪ - 91‬الفصل ِف امللل واألهواء والنحل أليب دمحم علي ابن حزم‬
‫‪ - 91‬اخلليفة توليته وعزله (صالح دبوس )‬
‫‪ - 9٧‬أكليل الكرامة صديق خان‬
‫‪ - 92‬الرتاتيب اإلدارية عبد احلي الكتاين‬
‫‪ - 4٧‬األسس اليت تقوم عليها احلكومة اإلسالمية معاود عيد العوِف‬
‫‪ - 44‬اتريخ اخللفاء للسيوطي‬
‫‪ - 49‬االرشاد اىل قواطع األدلة ِف أصول االعتقاد ألمام احلرمني أيب املعايل اجلويين‬
‫‪ - 44‬لسان العرب البن منظور‬
‫‪ - 41‬القاموس احمليط للفريوز اابدي‬
‫‪ - 45‬موسوعة احياء علوم الدين لإلمام الغزايل‬
‫‪ - 41‬العقد الفريد البن عبد ربه‬
‫‪ - 41‬الشيعة واحلاكمون حملمد عواد مغنية‬
‫‪ - 4٧‬املدخل حملمد مصطفى شليب‬
‫‪ - 42‬رجال الفكر والدعوة ِف اإلسالم أليب حسن الندوي‬
‫‪ - 1٧‬كتاب اخلراج أليب يوسف بن يعقوب‬
‫‪ - 14‬موارد الظمأن لدروس الزمان للشيخ دمحم ابن سلمان‬
‫‪ - 19‬املسامرة بشرح املسايرة‬
‫‪ - 14‬عناصر القوة ِف اإلسالم الشيخ سيد سابق‬
‫‪ - 11‬اإلسالم وأوضاعنا السياسية عبد القادر عودة‬
‫‪ - 15‬النظام السياسي ِف اإلسالم عبد الكرمي عثمان‬
‫‪ - 11‬حقيقة اإلسالم وأصول احلكم للشيخ دمحم جنيب املطيعي‬
‫‪ - 11‬عقيدة وشريعة للشيخ حممود شلتوت‬
‫‪ - 1٧‬نظام احلكم والشريعة والتاريخ ظافر القامسي‬

‫‪692‬‬
‫سؤال عن شرعية حكومة الطالبان‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب حفظه هللا؛‬
‫يشكك بعض الناس ِف شرعية حكومة طالبان ِف أفغانستان‪ ..‬فما حقيقة هذه احلكومة؟ نريد‬
‫جوااب مؤيدا ابألدلة وهللا حيفظكم‪.‬‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫رن تقييم الدول واحلكم عليها ابلشرعية وعدمها يتوقف على أمور‪:‬‬
‫أوال‪ :‬حتكيمها لكتاب هللا وسنة نبيه دمحم ملسو هيلع هللا ىلص ِف مجيع املرافق ِف القضاء وِف غريه من جماالت‬
‫احلياة‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬كما أن من أهم مقومات الدولة األرض ومعلوم أن حكومة طالبان تسيطر على ‪ %25‬من‬
‫أراضي األفغان‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬أن تكون عالقاهتا وارتباطاهتا ابلدول األخرى قائمة على تعاليم الدين احلنيف‪.‬‬
‫ودولة طالبان ِف أفغانستان متحققة فيها هذه األمور‪ ،‬فهي الدولة الوحيدة ِف العامل اليت ال يوجد‬
‫فيها حماكم قانونية وإمنا حكمها قائم على شرع هللا ورسوله ِف احملاكم القضائية وِف الوزارات وِف‬
‫الدوائر وِف املؤسسات‪.‬‬
‫أما ما عداها من الدول اإلسالمية فمنها من حتكم ابلقوانني الوضعية الصرفة ومنها من تدعي‬
‫تطبيق حكم هللا ورسوله مع ما يوجد فيها من حماكم قانونية صرفة‪ ،‬وحىت احملاكم الشرعية ِف مثل‬
‫هذه الدول يكون معظم أحكامها قائما على التنظيمات والتعليمات اليت من وضع البشر‪ ،‬فال فرق‬
‫بينها وبني القوانني الوضعية إال ابالسم ‪.‬‬
‫ومن األدلة على أن حكومة طالبان حكومة شرعية؛ كون الدول الكافرة عدوة اإلسالم واملسلمني‬
‫تعاديها وتفرض عليها احلصار االقتصادي وتقاطعها وتضيق عليها اخلناق بسبب انتمائها الديين‬
‫اإلسالمي ليس إال‪.‬‬
‫وقد تقوم مبهامجتها عسكراي كما قامت أمريكا هبجوم صاروخي عليها‪ِ ،‬ف الوقت الذي تتلقى فيه‬
‫املعارضة الدعم املطلق ابملال والسالح واخلربات من قِبل الدول الكافرة وهذا يدل داللة واضحة‬

‫‪693‬‬
‫على شرعية حكومة طالبان وأن احلق معها ِف نزاعها مع املعارضة وال يقدح ِف شرعية حكومة‬
‫طالبان كون الدول الكافرة مل تعرتف هبا كدولة وحكومة‪.‬‬
‫وحيث قد عُلم أن حكومة طالبان حكومة شرعية قد توفرت هلا مقومات الدولة كما سبق غري أهنا‬
‫حتتاج إىل الدعم املايل لقلة مواردها املالية فنهيب إبخواننا املسلمني أن يقوموا بدعمها ماداي‬
‫وأتييدها إعالميا ألن أعداء اإلسالم وعمالئهم لبسوا على كثري من الناس وضللوهم فالتبس عليهم‬
‫األمر فيما يتعلق حبقيقة هذه الدولة املسلمة‪ ،‬وهي ما دامت ِف حرب مع معارضيها فإن اجلهاد‬
‫معها مشروع ألن اجلهاد معها ضد معارضيها الذين تدعمهم قوى الكفر كأمريكا وبريطانيا وروسيا‬
‫والذين ينادون أبن تكون الدولة ِف أفغانستان قائمة على نظام احلكم ِف الغرب‪.‬‬
‫فإذا كان األمر كذلك فإنه جيب دعم دولة طالبان واجلهاد معها من ابب نصرة اإلسالم والتعاون‬
‫على الرب والتقوى‪ ،‬قال تعاىل ﴿ وتعاونوا على الرب والتقوى ﴾(سورة املائدة آية‪ ، )9:‬وقال ملسو هيلع هللا ىلص‪(:‬‬
‫مثل املؤمنني ِف توادهم وتعاطفهم وترامحهم كمثل اجلسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له‬
‫سائر اجلسد ابلسهر واحلمى)(‪ ، )4‬وقال ملسو هيلع هللا ىلص‪( :‬املسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا)‪،‬‬
‫وشبك بني أصابعه(‪.)9‬‬
‫ومن أعظم ما امتازت به حكومة طالبان املسلمة‪:‬‬
‫(‪ )4‬اهتمامها مبناصرة اجملاهدين والذب عنهم وهذا مشهود هلذه الدولة‪.‬‬
‫(‪ )9‬أنه ال يوجد فيها إعالم حمرم خمالف للشريعة‪.‬‬
‫(‪ )4‬أهنا جادة وصادقة ِف إقامة الشعائر اإلسالمية من إقامة احلدود وتتبع املنكرات الظاهرة‬
‫واملعاقبة عليها وأسلمة التعليم واإلعالم‪.‬‬
‫(‪ )1‬أهنا الدولة الوحيدة اليت تسري ِف قضااي املرأة على مقتضى الشريعة‪ ،‬ال على وفق هنج‬
‫العلمانيني الذين يدفعون املرأة إىل التربج والسفور وخمالطة الرجال وقيادة السيارة وحنو ذلك‪.‬‬
‫(‪ )5‬أهنا الدولة الوحيدة اليت هبا وزارة مستقلة ابسم وزارة األمر ابملعروف والنهي عن املنكر‪.‬‬
‫ويف اخلتام‪:‬‬
‫كما إننا ندعوا حلكومة طالبان ابلتوفيق واهلداية فإننا هنيب هبم على الثبات على هذه امليزات‬
‫اإلسالمية العظيمة وعلى التمسك ابلكتاب والسنة وهنج السلف الصاحل‪ ..‬وأال يكرتثوا بضغوط‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪)95٧1( - 11‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري (‪)1٧4‬‬

‫‪694‬‬
‫الدول الكافرة وغريها‪ .‬قال تعاىل ﴿ ومن يتق هللا جيعل له خمرجا ويرزقه من حيث ال حيتسب ﴾‬
‫(سورة الطالق آية‪ ،)9-4 :‬وقال تعاىل ﴿ ومن يتق هللا جيعل له من أمره يسرى ﴾(سورة الطالق‬
‫آية‪ )1:‬وقال تعاىل ﴿ والعاقبة للمتقني ﴾(سورة األعراف آية‪. )49٧:‬‬
‫الشعب ِف حماولة لصدهم عن‬ ‫وهلم أسوة ابلرسول ملسو هيلع هللا ىلص واملسلمني معه حيث حاصرهم الكفار ِف ِ‬
‫هذا الدين وكانت العاقبة للمتقني‪.‬‬
‫كما هنيب ابلدول اإلسالمية حذو طريقة طالبان ِف حتكيم الشريعة جبميع مناحي احلياة ِف القضاء‬
‫واإلعالم واالقتصاد والسياسة الداخلية واخلارجية وقضااي املرأة والتعليم وأال يقلدوا الغرب ِف‬
‫احنرافاته وضالالته‪.‬‬
‫وابهلل التوفيق‪.‬‬
‫وصلى هللا وسلم على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أماله‬
‫فضيلة الشيخ؛ أ‪ .‬محود بن عقالء الشعيب ي‬
‫‪4194/2/ 9‬ه‬

‫‪695‬‬
‫مذكرة النصيحة‬

‫فهد عام ‪ 4143‬هـ (‪)4‬‬ ‫املقدمة للمل‬


‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫مساحة الشيخ عبد العزيز بن عبد هللا بن ابز وفقه هللا‪.‬‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فنحمد إليكم هللا تعاىل القائل‪﴿ :‬والعصر إن اإلنسان* لفي خسر* إال الذين آمنوا‬
‫وعملوا الصاحلات وتواصوا ابحلق وتواصوا ابلصرب﴾(سورة العصر‪ )4-4:‬والقائل‪ ﴿ :‬كنتم خري أمة‬
‫أخرجت للناس أتمرون ابملعروف وتنهون عن املنكر وتؤمنون ابهلل﴾(سورة آل عمران‪)44٧:‬‬
‫والقائل‪﴿:‬ومن أحسن قوالً ممن دعا إىل هللا وعمل صاحلاً وقال إنين من املسلمني﴾(سورة فصلت‬
‫‪ ،)44:‬والذي أوجب على عباده العلماء بيان احلق للناس وعدم كتمانه والدعوة إليه ِف قوله‬
‫تعاىل‪﴿:‬وإذ أخذ هللا ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس وال تكتمونه﴾(سورة آل عمران‬
‫‪ )4٧1:‬ونصلي ونسلم على عبده ورسوله دمحم القائل‪ :‬الدين النصيحة‪ ،‬قالوا‪ :‬ملن؟ قال‪ :‬هلل‬
‫ولكتابه ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم"(‪.)9‬‬
‫امتثاالً ألمر هللا تعاىل ابلتعاون على الرب والتقوى والتواصي ابحلق ‪ ،‬واستجابة ملا سبق أن وجهتم‬
‫به أبناءكم وإخوانكم طلبة العلم من احلث على النصح والتواصي ابحلق والكتابة فيه‪ ،‬وبناء على ما‬
‫علمه أبناء هذا البلد الكرمي من توجيهات خادم احلرمني الشريفني وفقه هللا للخري ِف الكلمة اليت‬
‫وجهها لألمة مبناسبة صدور األنظمة الثالثة‪ ،‬وقد ذكر فيها‪ " :‬أن عماد النظام األساسي مصدره‬
‫الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وأن العالقة بني املواطنني وبني والة أمرهم ِف هذه البالد قائمة على أسس‬
‫راسخة من تقاليد عريقة من احلب والرتاحم والعدل‪ ..‬فال فرق بني حاكم وحمكوم فالكل سواسية‬
‫أمام شرع هللا‪ ،‬الكل سواسية ِف حب هذا الوطن واحلرص على وحدته وسالمته وعزته وتقدمه‪..‬‬
‫والعالقة بني احلاكم واحملكوم حمكومة أوالً وأخرياً بشرع هللا كما جاءت ِف كتابه الكرمي وسنة نبيه‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،"..‬واستناداً إىل ما احتواه النظام من مواد تنص على " أن احلكم ِف اململكة يستمد سلطته‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬وجدت نسخه للمذكرة منشورة ِف اإلنرتنت ِف جملة الوعي العدد ‪ 12‬و العددان ‪ ، 14-1٧‬وكذلك وجدت‬
‫نسخة منشورة على اإلنرتنت ِف منتدى"سوالف للجميع" وهي كاملة ولكن ينقصها أمساء املوقعني ‪ ،‬ونسخة أخرى‬
‫منشورة على اإلنرتنت ال أعرف ما مصدرها ولكنها كاملة ‪ ،‬أنظر ‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم ‪.)55( - 25‬‬

‫‪696‬‬
‫من كتاب هللا وسنة رسوله‪ ،‬ومها احلكمان على هذا النظام ومجيع أنظمة الدولة"‪ "..‬وأن احلكم‬
‫يقوم على أساس العدل والشورى واملساواة وفق الشريعة اإلسالمية‪"...‬و" إن جملس امللك وويل‬
‫عهده مفتوحان لكل مواطن ألنه من حق كل فرد خماطبة السلطات العامة فيما يعرض هلم من‬
‫الشئون"‪ ،‬وانطالقاً من مسئولية النصح لوالة األمور نتقدم هبذه النصيحة لوالة األمر‪ ،‬وهي تتضمن‬
‫عرضاً لبعض القضااي امللحة ِف بالدان ِف هذه املرحلة مع مقرتحات ملعاجلة تلك القضااي‬
‫وإصالحها مبشيئة هللا على حنو يكفل ما سعى إليه اجلميع من حكام هذه البالد وعلمائها من‬
‫خري ورشد للبالد وأهلها‪.‬‬

‫مساحة الشيخ‪:‬‬
‫إن هذه النصيحة جهد عدد من أبناءكم من طلبة العلم والدعاة وأساتذة اجلامعات‪ ،‬وقد وقع‬
‫عليها ما يزيد على املائة من أبنائكم من العلماء والدعاة وأساتذة اجلامعات‪ ،‬وقرأها وصحح ما‬
‫فيها عدد من كبار املشائخ وطلبة العلم‪ ،‬كما قرأها وزكاها عدد من العلماء املشهود هلم ابخلري‬
‫والصالح‪ ،‬وقد أرفقنا هبا تزكيات من كل من‪ :‬فضيلة الشيخ عبد هللا اجلربين‪ ،‬وفضيلة الشيخ سفر‬
‫احلوايل‪ ،‬وفضيلة الشيخ سلمان العودة‪ ،‬وفضيلة الشيخ عبد هللا اجلاليل ‪ ،‬وفقهم هللا مجيعاً لكل‬
‫خري‪.‬‬
‫يهدف أبناؤكم من تقدمي هذه النصيحة التعاون على الرب والتقوى والقيام ابلشورى وواجب‬
‫النصيحة‪ ،‬ويتومسون منكم النظر فيها وتسديد نقصها وإصالح ما قد يكون فيها من قصور أو‬
‫خطأ ألن هذه النصيحة جهد معرض للقصور والزلل‪ ،‬وما كان فيها من صواب فمن هللا‪ ،‬وما كان‬
‫فيها من خطأ فنحن عنه راجعون‪ ،‬مث نرجو من مساحتكم بعد ذلك تزكيتها ورفعها إىل خادم‬
‫احلرمني الشريفني‪.‬‬
‫نسأل هللا أبمسائه احلسىن وصفاته العلى أن جيعل هذا العمل نصرة لدينه وإعالء لكلمة احلق ‪ ،‬وأن‬
‫ينفع به والة األمر هبذه البالد وأهلها‪ ،‬وأن حيقق به الصالح واخلري إنه مسيع جميب‪ ،‬والسالم عليكم‬
‫ورمحة هللا وبركاته‪.‬‬

‫‪697‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني‬
‫خادم احلرمني الشريفني وفقه هللا‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪ ،‬وبعد‪-:‬‬
‫فلقد استمعنا وسائر أبناء هذا البلد الكرمي إىل الكلمة الشاملة اليت وجهتموها مبناسبة صدور‬
‫األنظمة الثالثة واليت ذكرمت فيها ‪" :‬أن عماد النظام األساسي مصدره الشريعة اإلسالمية‪ ...‬وأن‬
‫العالقة بني املواطنني وبني والة أمرهم ِف هذه البالد قائمة على أسس راسخة من تقاليد عريقة من‬
‫احلب والرتاحم والعدل‪ ...‬فال فرق بني حاكم وحمكوم فالكل سواسية أمام شرع هللا‪ ،‬الكل سواسية‬
‫ِف حب هذا الوطن واحلرص على وحدته وسالمته وعزته وتقدمه‪ ...‬والعالقة بني احلاكم واحملكوم‬
‫حمكومة أوالً وأخرياً بشرع هللا كما جاءت ِف كتابه الكرمي وسنة نبيه ملسو هيلع هللا ىلص"‪.‬‬
‫كما اطلعنا مجيعاً على ما احتواه النظام من مواد ابلغة األمهية واليت تنص على " أن احلكم ِف‬
‫اململكة يستمد سلطته من كتاب هللا وسنة رسوله ومها احلاكمان على هذا النظام ومجيع أنظمة‬
‫الدولة"‪"...‬وأن احلكم يقوم على أساس العدل والشورى واملساواة وفق الشريعة اإلسالمية‪"...‬و"إن‬
‫جملس امللك وويل عهده مفتوحان لكل مواطن ألنه من حق كل فرد خماطبة السلطات العامة فيما‬
‫يعرض هلم من الشئون"‪.‬‬

‫خادم احلرمني الشريفني ‪:‬‬


‫امتثاالً ألوامر هللا ابلتعاون على الرب والتقوى والتواصي ابحلق‪ ،‬واستجابة ملا جاء ِف توجيهاتكم‬
‫ألبناء أمتكم وما أمرمت به من أنظمة‪ ،‬وانطالقاً من مسئولية النصح لوالة األمور‪ ،‬نتقدم إليكم هبذه‬
‫النصيحة اليت تتضمن عرضاً لبعض القضااي امللحة لواقع بالدان ِف هذه املرحلة كما يضمن هبا‬
‫اقرتاحات هتدف إىل حتقيق معاجلة هذه القضااي وإصالحاً مبا يكفل حتقيق ما يسعى إليه اجلميع‬
‫حاكماً وحمكوماً من خري ورشد هلذه البالد وأهلها‪.‬‬
‫وفقكم هللا ملا حيبه و يرضاه ‪ ،‬إنه ويل ذلك والقدير عليه‪.‬‬

‫‪698‬‬
‫مقدمة النصيحة‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني القائل ِف كتابه الكرمي‪﴿:‬والعصر إن اإلنسان* لفي خسر* إال الذين آمنوا‬
‫وعملوا الصاحلات وتواصوا ابحلق وتواصوا ابلصرب﴾(سورة العصر‪ ،)4-4:‬والقائل ﴿ كنتم خري أمة‬
‫أخرجت للناس أتمرون ابملعروف وتنهون عن املنكر وتؤمنون ابهلل﴾(سورة آل عمران‪،)44٧:‬‬
‫والصالة والسالم على رسول هللا القائل ‪ ":‬الدين النصيحة‪ ،‬قلنا‪ :‬ملن؟ قال‪ :‬هلل ولكتابه ولرسوله‬
‫وألئمة املسلمني وعامتهم"(‪ ،)4‬وعلى آله وصحبه أئمة اهلدى والدين وعلى التابعني إبحسان إىل‬
‫يوم الدين‪ .‬أما بعد‪:‬‬
‫فإن املسلم ‪ -‬وهو يشاهد التبدل والتغري ِف أحوال األمم والشعوب ِف ظل العقائد املنحرفة اليت‬
‫تؤمن هبا ومناهج احلياة الوضعية اليت تقاد بوساطتها‪ ،‬وما يتبع ذلك من مآس وآالم وظلم وإفساد‬
‫ِف األرض واستعباد الناس بعضهم بعضاً‪ -‬يدرك يقيناً حاجة البشرية مجعاء إىل دين اإلسالم الذي‬
‫أمله هللا تعاىل لعباده وأرسل به رسوله عليه الصالة والسالم رمحة للعاملني إلخراج الناس من‬
‫الظلمات إىل النور‪ ،‬وملا كان املسلمون ِف هذه البالد هم أهل بيت هللا تعاىل وأهل مسجد نبيه‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص وشرف هللا تعاىل بالدهم أبن جعل فيها مهبط وحيه ومبعث رسوله عليه الصالة والسالم‬
‫وجعل لغتهم هي لغة كتابه الكرمي احملفوظ‪ ،‬فإن هذا الشرف العظيم يرتب عليهم أمانة كربى‬
‫ومسئولية عظمى أمام رهبم تعاىل من قيام بواجب الدعوة إىل دين هللا ‪ ،‬وحتكيم شرعه عز وجل‪،‬‬
‫والوفاء مبيثاقه تعاىل من النصح ابحلق والتواصي به‪ ،‬وهداية الناس هلذا الدين والعمل على إصالح‬
‫أحواهلم به‪ ،‬ونصرة إخواهنم من املسلمني وعوهنم‪ ،‬وأن يكون املسلمني ِف هذه البالد قبل غريها‬
‫كما أراد تعاىل هلم خري أمة أخرجت للناس وكما اختار هلم أن يكونوا شهداء على الناس‪.‬‬
‫كما أن ما من هللا به على أهل هذه البالد‪ ،‬ملا استجابوا ألمر رهبم ابإلميان بعقيدة التوحيد وحتقيق‬
‫الشرع‪ ،‬من نعمة الوحدة والتآلف بينهم والتمكني هلم ِف األرض‪ ،‬واألمن وجلب الثمرات واخلريات‬
‫من كل حدب وصوب ‪-‬بعد أن كانوا متفرقني‪ ،‬خائفني وِف ضنك من العيش ‪ -‬حيتم عليهم قادة‬
‫وشعوابً القيام بواجب الشكر هلل عز وجل حلفظ هذه النعم وذلك إبقامة أركان الدين واألمر‬
‫ابملعروف والنهي عن املنكر كما قال عز وجل "الذين إن مكناهم ِف األرض أقاموا الصالة وآتوا‬
‫الزكاة وأمروا ابملعروف وهنوا عن املنكر وهلل عاقبة األمور"‪ .‬وإن ختاذل املسلمني حكاماً أو حمكومني‬
‫ِف هذه البالد عن القيام هبذه الواجبات العظيمة وإعراضهم عن االلتزام بشرعه سيؤدي بال شك‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪)55( - 25‬‬

‫‪699‬‬
‫إىل أن يكون مآهلم‪-‬عياذاً ابهلل‪ -‬إىل ما حذر هللا تعاىل عباده منه من حصول نقمته وحتول عافيته‬
‫وتبدل األمن خوفاً‪ ،‬ورغد العيش كرابً كما قال عز وجل ‪﴿ :‬وضرب هللا مثالً قرية كانت آمنة‬
‫مطمئنة أيتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت أبنعم هللا فأذاقها هللا لباس اجلوع واخلوف مبا كانوا‬
‫يصنعون﴾(سورة النحل ‪،)449:‬بل قد يؤدي إىل ما أنذر هللا عز وجل به املقصرين ِف جناب‬
‫حقه من استبداهلم مبن يقوم حبق هللا تعاىل خري قيام كما قال عز وجل‪ ﴿ :‬وإن تتولوا يستبدل قوماً‬
‫غريكم مث ال يكونوا أمثالكم﴾(سورة دمحم‪ ،)4٧:‬وإن ِف تبدل واقع الشعوب ِف هذا العصر من حال‬
‫إىل حال وزوال الدول العظيمة ووقوع احلرب بني أبناء الشعب الواحد أبقصر زمن ملا أعرضوا عن‬
‫ذكر رهبم لعربة ألويل األلباب‪.‬‬
‫ومن هذه املنطلقات واألصول الشرعية اجللية‪ ،‬وإدراكاً للواجب الشرعي على املسلمني مجيعاً من‬
‫ضرورة املراجعة ملا هم عليه من أحوال وإصالح ما فسد منها وتغيري ما خالف الشرع‪ ،‬والنصيحة‬
‫ألئمة املسلمني وعامتهم ِف ذلك والقيام ابألمر ابملعروف والنهي عن املنكر والدعوة إىل دين هللا‪،‬‬
‫ووفاء مبيثاق هللا تعاىل على كل مسلم إببالغ العلم الشرعي وعدم كتمانه‪ ،‬جرى إعداد هذه‬
‫النصيحة تبصرة ونصحاً‪.‬ولقد اشتملت هذه النصيحة على خمتارات من القضااي الكربى اليت إذا‬
‫عوجلت عالجاً صحيحاً شرعياً من والة األمر تيسر بعد ذلك ‪-‬إبذن هللا‪ -‬معاجلة سائر املسائل‬
‫اليت دوهنا ِف األمهية واخلطورة‪ ،‬وتضمنت عرضاً ونصائح لسبل اإلصالح هلذه القضااي ذات العالقة‬
‫مبا أييت‪:‬‬
‫دور العلماء والدعاة ‪ -‬األنظمة واللوائح ‪ -‬القضاء واحملاكم ‪ -‬حقوق العباد ‪-‬الوضع اإلداري ‪-‬‬
‫املال واالقتصاد – املرافق االجتماعية – اجليش – األعالم ‪ -‬العالقات اخلارجية‬
‫ولقد كان منطلقنا فيما كتب من نصيحة تتعلق هبذه القضااي االحتكام إىل كتاب هللا وسنة رسوله‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وأن يكون الكتاب والسنة املرجع لكل أمر فيها‪ ،‬حيث أن كل نصيحة وإرشاد يتعلق هبذه‬
‫القضية وكل اختالف أو تنازع بني الناس بشأن هذه القضااي أو غريها جيب أن يرد إىل كتاب هللا‬
‫تعاىل وسنة رسوله عليه الصالة والسالم كما قال هللا تعاىل‪ ﴿ :‬فإن تنازعتم ِف شيء فردوه إىل هللا‬
‫والرسول إن كنتم تؤمنون ابهلل واليوم اآلخر ذلك خري وأحسن أتويالً﴾(سورة النساء‪ ،)52:‬وقال‬
‫عز وجل ‪ ﴿ :‬فال وربك ال يؤمنون حىت حيكموك فيما شجر بينهم مث ال جيدوا ِف أنفسهم حرجاً‬
‫مما قضيت ويسلموا تسليماً﴾(سورة النساء‪ ،)15:‬والواجب على املسلم ‪-‬حاكماً أو حمكوماً‪ -‬إذا‬
‫تبني له حكم هللا ورسوله االتباع واالنقياد له‪ ،‬فال جيوز له أن يتجاوزه‪،‬قال عز وجل‪ ﴿ :‬وما كان‬
‫ملؤمن وال مؤمنة إذا قضى هللا ورسوله أمراً أن يكون هلم اخلرية من أمرهم﴾(سورة األحزاب‪)41:‬‬

‫‪711‬‬
‫وقال‪ ﴿ :‬إمنا كان قول املؤمنني إذا دعوا إىل هللا ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا مسعنا وأطعنا‬
‫وأولئك هم املفلحون﴾(سورة النور‪ .)54:‬هلذا فقد جعلنا لكل موضوع ِف هذه النصيحة مقدمة‬
‫أتصيلية شرعية يُستهدى هبا‪ ،‬مث قمنا برصد واقعه وحتقيق املناط وتشخيص احلال قدر الوسع مث‬
‫بيان النصائح ‪-‬بناء على ذلك‪ -‬للتوصل إىل سبل اإلصالح املنشود‪.‬‬
‫وإننا إذ نؤكد على احلرص على االحتكام إىل كتاب هللا تعاىل وسنة رسوله ملسو هيلع هللا ىلص منا مجيعاً ِف كافة‬
‫القضااي املعروضة هبذه النصيحة‪ ،‬نبني كذلك أنه ما كان ِف هذه النصيحة من بعض أمور رمبا‬
‫تكون موضع اجتهاد فإننا إمنا أوردانها حرصاً على مصلحة شرعية نراها راجحة ولغلبة الظن‬
‫بصحة وقوة أدلتها الشرعية‪ ،‬وأنمل أن يكون ِف األخذ هبا حتقيق هلذه املصلحة‪ ،‬ولذا فإنه ما كان‬
‫ِف هذه األمور االجتهادية من صواب فهو من هللا تعاىل وتوفيقه‪ ،‬وما كان من خطأ وزلل‪ ،‬فمن‬
‫الشيطان وحنن عنه راجعون‪.‬‬
‫وختاماً ندعو هللا تعاىل أن جتد هذه النصيحة اإلصالحية صدى طيباً وقبوالً من والة أمر املسلمني‪،‬‬
‫ومن كل الغيورين على دين هللا املخلصني‪ ،‬الراغبني بصدق ِف إصالح أحوال أمتهم وبالدهم‪،‬‬
‫الذين يسعون ألن يكون شرع هللا تعاىل مهيمناً وأن تكون هذه األمة كما وصفها هللا عز وجل‬
‫خري أمة أخرجت للناس‪ ،‬كما نسأل هللا تعاىل العظيم أبمسائه احلسىن وصفاته العلى أن يعز دينه‪،‬‬
‫ويعلي كلمته‪ ،‬وينصر أوليائه‪ ،‬ويذل أعداءه‪ ،‬وأن جيمع مشل املسلمني على احلق‪ ،‬وأن جيعل أعمالنا‬
‫خالصة لوجهه الكرمي‪ ،‬وأن يرينا وإخواننا من املسلمني واملسلمات احلق حقاً ويرزقنا اتباعه‪ ،‬والباطل‬
‫ابطالً ويرزقنا اجتنابه‪ ،‬وأن جينبنا مجيعاً الفنت ما ظهر منها وما بطن‪ ،‬إنه ويل ذلك والقادر عليه‪،‬‬
‫وصلى هللا على سيدان دمحم وآله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫دور العلماء والدعاة‪:‬‬


‫مقدمة ‪:‬‬
‫لقد أوجب هللا على آحاد األمة ومجاعاهتا وعلى الدولة املسلمة القيام ابلدعوة إىل اإلسالم وإبالغه‬
‫إىل الناس البالغ املبني‪ ،‬وذلك بعرض اإلسالم عقيدة وشريعة وسلوكاً على أمم األرض عرضاً‬
‫واضحاً وصادقاً ابلقول والعمل‪ ،‬قال هللا تعاىل ﴿ومن أحسن قوالً ممن دعا إىل هللا وعمل صاحلاً‬
‫وقال إنين من املسلمني﴾(سورة فصلت‪،)44:‬وقال تعاىل﴿ادع إىل سبيل ربك ابحلكمة واملوعظة‬
‫احلسنة﴾(سورة النحل‪ ،)495:‬وقال عزوجل ﴿هذا بالغ للناس ولينذروا به﴾(سورة إبراهيم‪،)59:‬‬
‫وقال عزوجل ﴿ فلذلك فادع واستقم كما أمرت﴾(سورة الشورى‪ )45:‬وقال عزوجل ﴿ قل هذه‬

‫‪711‬‬
‫سبيلي أدعو إىل هللا على بصرية أان ومن اتبعين﴾(سورة يوسف‪ ،)4٧٧:‬وقال ملسو هيلع هللا ىلص" نضر هللا امرأ‬
‫مسع منا شيئاً فبلغه كما مسعه‪ ،‬فرب مبلغ أوعى من سامع"(‪.)4‬‬
‫وجعل هللا عزوجل األمر ابملعروف والنهي عن املنكر والدعوة إىل اخلري من أعظم الواجبات الشرعية‬
‫على الدولة واألفراد واجلماعات‪ ،‬قال تعاىل﴿ ولتكن منكم أمة يدعون إىل اخلري وأيمرون ابملعروف‬
‫وينهون عن املنكر وأولئك هم املفلحون﴾(سورة آل عمران‪ ،)4٧1:‬وقال تعاىل ﴿ الذين إن‬
‫مكناهم ِف األرض أقاموا الصالة وآتوا الزكاة وأمروا ابملعروف وهنوا عن املنكر﴾(سورة احلج ‪:‬‬
‫‪ ،)14‬وقال ملسو هيلع هللا ىلص" من رأي منكم منكراً فليغريه بيده فإن مل يستطع فبلسانه فإن مل يستطع فبقلبه‬
‫وذلك أضعف اإلميان"(‪ )9‬وروى عنه ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال" والذي نفسي بيده لتأمرن ابملعروف ولتنهون‬
‫عن املنكر‪ ،‬أو ليوشكن هللا أن يبعث عليكم عقاابً منه‪ ،‬مث تدعونه فال يستجيب لكم"(‪ )4‬وقال‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص " الدين النصيحة‪ .‬قلنا‪ :‬ملن؟ قال‪ :‬هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم"(‪.)1‬‬
‫وملا كان محل الدعوة واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر يتطلب نشر العلم الشرعي والفقه ابلدين‪،‬‬
‫حث الشارع على طلب العلم الشرعي ابألدلة املستفيضة وأوجب قيام من يكفي من أفراد األمة‬
‫بذلك قال تعاىل﴿ يرفع هللا الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ﴾(سورة اجملادلة‪)44:‬‬
‫وقال عزوجل ﴿ فلوال نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا ِف الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا‬
‫إليهم﴾(سورة التوبة‪)499:‬كما أمر تعاىل أبن يرد كل أمر معضل إىل العلماء بشرعه وأمره فقال‬
‫عزوجل ﴿ولو ردوه إىل الرسول وإىل أويل األمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم﴾(سورة النساء‪:‬‬
‫‪ )٧4‬وقال﴿ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ال تعلمون ﴾(سورة النحل‪ )14:‬إىل غري ذلك من‬
‫اآلايت‪ ،‬وقد شرع صلى اله عليه وسلم بسنته العملية من هجرة وجهاد وتطبيق أحكام الشرع قيام‬
‫احلاكم ووالة األمر هبذه الواجبات العظيمة من إبالغ ودعوة وأمر ابملعروف وهني عن املنكر ونشر‬
‫للعلم‪ ،‬كما سار على ذلك املنهج خلفاؤه الراشدون وصحابته مهنع هللا يضر مجيعاً من بعده‪.‬‬
‫ولقد نص النظام األساسي ‪ِ-‬ف فقرته الثالثة والعشرين‪ -‬على واجب الدولة ِف محل الدعوة أبن‬
‫قرر أن " الدولة حتمي عقيدة اإلسالم وتطبق شريعته وأتمر ابملعروف وتنهى عن املنكر وتقوم‬
‫بواجب الدعوة إىل هللا"‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن الرتمذي (‪ )9151‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم ‪. )12( - 1٧‬‬
‫(‪ )4‬سنن الرتمذي (‪ )9412‬وحكم األلباين حسن ‪.‬‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم ‪. )55( - 25‬‬

‫‪712‬‬
‫وإن ما سبق ذكره يستلزم أن يكون للعلماء والدعاة ِف الدولة املسلمة مكانة ال تعدهلا مكانة‪،‬وأن‬
‫يكونوا ِف مقدمة أهل احلل والعقد واألمر والنهي‪ ،‬وإليهم ترجع األمة ‪-‬حكاماً وحمكومني‪ -‬لبيان‬
‫احلكم الشرعي لسائر أمور دينهم ودنياهم‪ .‬كما أن ذلك يقتضي أن يكون ما يقوم به الدعاة‬
‫والعلماء من نشر للعلم الشرعي وإرشاد للخلق ودعوة للحق‪ ،‬واجباً يتحتم التسهيل له‪ ،‬وتوفري كل‬
‫مساندة له‪ ،‬وتقدميه على سائر نشاطات الدولة‪ ،‬حيث أن الدعوة إىل اإلسالم هي العمل األصلي‬
‫للدولة‪.‬‬

‫واقع دور الدعاة والعلماء حاليا ‪:‬‬


‫إن املتأمل للواقع جيد أحواالً يلزم تغيريها حىت ميكن للدعاة والعلماء القيام بدورهم املنوط هبم على‬
‫الوجه املطلوب شرعاً‪ ،‬ونعرض هذه األحوال للبيان والنصح ولكي يسهل إصالحها فيما أييت‪:‬‬
‫(‪ )4‬ضعف دور العلماء ِف احلياة العامة‪ ،‬وهامشية هذا الدور ِف قطاعات ابلغة األمهية ِف حياة‬
‫األمة مثل األنظمة‪ ،‬واإلعالم‪ ،‬ونشاطات املرافق الثقافية واالقتصادية والعلمية والرتبوية‪ ،‬حيث ال‬
‫يُطلب الرأي الشرعي للعلماء ِف كثري من األعمال اليت تقوم هبا قطاعات الدولة وأجهزهتا‪ ،‬وقل أن‬
‫يُستشاروا ِف قرارات داخلية أو خارجية مهمة تتطلب معرفة أبحكام الشريعة وقواعد اإلسالم‬
‫التفصيلية حىت تكون موافقة للحكم الشرعي‪ ،‬ورمبا ال يُستجاب لفتاويهم إذا تعارضت مع‬
‫توجهات قائمة لتلك القطاعات واألجهزة بل رمبا ال يُسمح بنشرها‪ ،‬وكل ذلك ينبئ وقد يؤدي إىل‬
‫فصل الدين عن واقع حياة الناس وعزله عن التأثري ِف أمر معاشهم وما يرتتب على ذلك من أثر‬
‫خطري يهدم األصل الذي قامت له من الدعوة لإلسالم وتطبيق أحكامه‪.‬‬
‫(‪ )9‬ربط العلماء مبؤسسات ودوائر حكومية‪ ،‬مما أدى إىل احلد من استقالليتهم‪ ،‬وتقييدهم ِف‬
‫فتاويهم وتعليمهم‪ ،‬وإبعادهم عن واقع احلياة اليومي واعتبارهم جهة اتبعة ال متبوعة‪.‬‬
‫(‪ )4‬احلساسية املفرطة من قبل بعض اجلهات الرمسية جتاه النصح والتوجيه والنقد اهلادف البناء‬
‫املقدم من العلماء والدعاة وأهل الرأي الشرعي للمسئولني ِف الدولة وأجهزهتا املختلفة‪ ،‬مما أدى إىل‬
‫التضييق على الدعوة وظهور أساليب مل تكن معروفة ِف سلف هذه الدولة من فصل الدعاة أو‬
‫عزهلم أو منعهم من القيام بواجبهم ِف كثري من األحيان‪.‬‬
‫(‪ )1‬قصر ما يذاع أو يكتب أو يبث من العلماء والدعاة ِف وسائل اإلعالم على املواعظ العامة‬
‫والقضااي اجلزئية‪ ،‬وإحكام الرقابة على كل ما يذاع أو ينشر هبذا الصدد حىت ال يتصادم والواقع‬
‫الفاسد ِف اجملتمع‪.‬‬

‫‪713‬‬
‫(‪ )5‬سعي اجلهات املسؤولة إىل حصر رسالة املسجد ومواضيع خطب اجلمع على الوعظ العام‪،‬‬
‫ومنعها من التعرض للقضااي العامة ِف واقع املسلمني وبيان احلكم الشرعي‪ ،‬وكذلك حتجيم الندوات‬
‫واحملاضرات العامة اليت تعاجل قضااي الساعة ومراقبة كل ما يقال أو ينشر ِف هذا اجملال‪.‬‬
‫(‪ )1‬ضعف الدور الدعوي ونشر العلم الشرعي ِف كثري من مرافق الدولة كأجهزة اإلعالم‪،‬‬
‫والسفارات‪ ،‬واملؤسسات التعليمية واجلامعات‪ ،‬اليت يُفرتض أن جتعل بناء الشخصية املسلمة ونشر‬
‫العلم الشرعي أهم أعماهلا‪.‬‬

‫سبيل اإلصالح ‪:‬‬


‫وبعد عرض هذه األحوال القائمة فإننا سعياً إلصالحها ننصح مبا أييت‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬لتعزيز دور العلماء والدعاة ومتكينهم من القيام بواجبهم الشرعي نقرتح‪:‬‬
‫(‪ )4‬رفع كل القيود والتعليمات اليت تقيد نشاط الدعاة والعلماء‪ ،‬والسماح هلم ابلتأليف والنشر‬
‫واإلفتاء واخلطابة واحملاضرة وتسجيل األشرطة وعقد الندوات واحللقات العلمية‪ ،‬دون حاجة إىل‬
‫ترخيص أو إذن رمسي من وزارة اإلعالم أو األوقاف أو غريمها‪ ،‬وأن جيعل القضاء الشرعي هو اجلهة‬
‫الوحيدة اليت يناط هبا النظر ِف أي خمالفة تنسب إيل الدعاة أو العلماء أو غريهم وهو اجلهة‬
‫الوحيدة اليت تقرر فيما إذا كانت املخالفة تستوجب العقوبة‪ ،‬وأن يقتصر دور اجلهات الرمسية ِف‬
‫رفع الدعاوى أمام القضاء ِف ذلك‪.‬‬
‫(‪ )9‬فسح اجملال إلنشاء هيئات ومجعيات مستقلة للعلماء والدعاة وتشجيع ذلك‪ ،‬ووضع الئحة‬
‫إجرائية تسهل ذلك ِف الرائسة العامة للبحوث واإلفتاء‪ ،‬وأن يكون اإلشراف عليها وتوجيهها‬
‫وقيادهتا من علماء األمة املشهود هلم ابلعلم والصالح‪ ،‬وختول هذه اهليئات صالحية تبين‬
‫النشاطات الدعوية ِف البالد ونشر العلم ِف املرافق املختلفة‪ ،‬وأن تعمل الدولة على إفساح اجملال‬
‫هلا لتقدمي كل ما تستطيعه من خري هلذه األمة‪.‬‬
‫(‪ )4‬تعزيز دور هيئة كبار العلماء ابختيار العلماء ذوي الفضل واملشهورين ابلقدرة واالجتهاد الذين‬
‫صار هلم القبول من أفراد األمة‪ ،‬وذلك بناء على ترشيح جهات شرعية‪ ،‬كقضاة احملاكم‪ ،‬وأعضاء‬
‫جلنة االفتاء واإلرشاد وجملس القضاء األعلى وأساتذة الكليات الشرعية‪ ،‬وأن تكون املفاضلة بينهم‬
‫على أساس العلم والدين والورع والقوة ِف ذات هللا وجتربتهم الشرعية‪ ،‬وأن تكون عضويتهم هبذه‬
‫اهليئة غري قابلة للعزل إال بسبب شرعي ومبوجب حكم شرعي أخذاً مبا رجح ِف الفقه اإلسالمي‬

‫‪714‬‬
‫من عدم عزل القضاة ومن ِف حكمهم إال لعذر شرعي‪ ،‬ألهنم ابلوالية يصريون انظرين للمسلمني‬
‫على سبيل املصلحة ال عن اإلمام ( االحكام السلطانية أليب يعلى الفراء احلنبلي)‪.‬‬
‫(‪ )1‬لتحقيق دور العلماء ِف إرساء قواعد الشرع وأحكامه جيب أن تعرض مجيع األنظمة‬
‫واملعاهدات قبل إقرارها على هيئة كبار العلماء للتأكد من مطابقتها لقواعد الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫(‪ )5‬تعزيز دور األوقاف اإلسالمية واستقالليتها للقيام بواجبها الشرعي من توفري النفقات ِف أوجه‬
‫اخلري واألعمال الصاحلة من دعوة أو نشر للعلم الشرعي‪ ،‬وذلك أبن يُفصل ما يُستحصل من‬
‫غالت األوقاف املخصصة لنشر العلم الشرعي أو الدعوة أواإلنفاق على املرافق الدعوية كاملساجد‬
‫عن ميزانية الدولة‪ ،‬وأن ترتبط جبمعية خريية لألوقاف مستقلة يُديرها جملس شرعي من القضاة أو‬
‫العلماء يتوىل املتابعة واإلشراف على قيام النظار الشرعيني للوقف أو القاضي الشرعي جبمع‬
‫النفقات هلذه األوقاف وحفظ ميزانيتها‪ ،‬واالنفاق منها ِف و جوه اخلري حبسب شروط الواقفني‪.‬‬
‫(‪ )1‬إصدار التعليمات لكل قطاعات الدولة ووسائل اإلعالم والتعليم والنشر بتمكني العلماء‬
‫والدعاة من أداء واجبهم الشرعي‪ ،‬واألخذ بنصائحهم‪ ،‬كما جيب أن يشجع الدعاة لبيان احلق‬
‫والدعوة إليه ِف كل اجملاالت وِف التجمعات العامة وِف املناسبات اليت متر ابألمة وِف الصحف‬
‫واجملالت‪.‬‬
‫(‪ )1‬فتح اجملال أمام الدعاة والعلماء خارج البالد ‪-‬ممن عرف بسالمة املعتقد وصدق االجتاه‬
‫وصواب املنهج‪ -‬إللقاء احملاضرات وإقامة الندوات واملؤمترات واحللقات العلمية واملنتدايت‪،‬‬
‫وتسهيل إجراءات قدومهم مبا حيقق التفاعل والتعاون بني علماء البالد وإخواهنم من العامل‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫اثنيا ‪ :‬لتحقيق قيام الدولة ابلواجب الشرعي ِف الدعوة ِف الداخل واخلارج وتعزيزه ننصح مبا أييت‪:‬‬
‫(‪ )4‬أن تُعد السفارات والقنصليات ابخلارج دوراً للدعوة إىل اإلسالم وإبالغه لألمم ورعااي الدول‬
‫األخرى ورعاية شؤون املسلمني‪ ،‬وهذا يوجب تدعيم السفارات ابلدعاة املؤهلني والعلماء املتفرغني‬
‫وحسن اختيار السفراء والقناصل للقيام بواجب تبليغ اإلسالم والدعوة إليه‪.‬‬
‫(‪ )9‬إنشاء حمطات إذاعية وتلفزيونية خاصة للدعوة إىل اإلسالم وتعليم أحكامه ابللغات العاملية‪،‬‬
‫وختصيص أوقات مناسبة من البث احلايل لإلذاعة والتلفزيون الرمسيني لذلك‪ ،‬على أن جتعل‬
‫اإلشراف على برامج الدعوة وإبالغ اإلسالم وتعليمه للهيئات الدعوية والشرعية واملتخصصني ِف‬
‫ذلك‪ ،‬وأن يعمل على زايدة البث زمانياً ومكانياً واالستفادة من التقنية احلديثة ِف ذلك لكي تبلغ‬
‫الدعوة مجيع أقطار املعمورة‪.‬‬

‫‪715‬‬
‫(‪ )4‬االهتمام بتعليم أبناء األقليات اإلسالمية ومتكينهم من القيام بدور قيادي لنشر اإلسالم‬
‫والدعوة إليه ِف بالدهم عن طريق زايدة املنح الدراسية هلم ِف كل جوانب املعرفة‪ ،‬وِف العلوم‬
‫الشرعية خاصة‪ ،‬وكذلك عن طريق فتح املعاهد واملدارس والكليات الشرعية ِف بالد املسلمني‬
‫املختلفة وختصيص موارد اثبتة دائمة لإلنفاق عليها‪.‬‬
‫(‪ )1‬لضمان قيام مرافق الدولة املختلفة أبعماهلا على هدي الشرع وإرشاد منسوبيها فيما يتعلق‬
‫بعملهم من أحكام شرعية‪ ،‬جيب أن جيعل ِف كل جهاز حكومي ِف الداخل أو اخلارج إدارة‬
‫متخصصة ِف الشؤون الشرعية تتوىل تقدمي املشورة الشرعية والتأكد من مطابقة قرارات هذه‬
‫األجهزة واملرافق ألحكام الشرع والقيام ابلنصح والتوجيه ملنسوبيها ِف ذلك‪ ،‬وأن ترتبط هذه‬
‫األجهزة جبهات شرعية كالرائسة العامة للبحوث واإلفتاء واإلرشاد أو هيئة األمر ابملعروف والنهي‬
‫عن املنكر أو وزارة العدل‪.‬‬
‫(‪ )5‬أن تُدعم مؤسسات الدعوة وهيئات األمر ابملعروف والنهي عن املنكر مالياً ومعنوايً ووظيفياً‬
‫أبن يُعاد النظر ِف أنظمة وكوادر هذه اهليئات‪ ،‬وأ ن يُكثف توظيف محلة الشهادات الشرعية فيها‬
‫واستقطاب الكفاءات الدعوية والقضائية املتميزة هلا‪ ،‬وأن ُختول هلا الصالحيات املناسبة وتُوفر هلا‬
‫اإلمكاانت والتجهيزات الالزمة من وسائل نقل أو تقنية حديثة لتمكينها من القيام بدورها لبيان‬
‫احلق والدعوة إليه‪.‬‬
‫(‪ )1‬أن يُهتم ابملناطق النائية والقرى واألرايف بدعوة أهلها وتعليمهم أمور دينهم وإرشادهم وأن‬
‫يُبعث إليهم ابلوفود واللجان وأن ُختصص لذلك ميزانية خاصة ِف اهليئات الدعوية واملرافق التعليمية‬
‫حىت يتحقق البالغ وينشر العلم ِف كل املناطق‪.‬‬
‫(‪ )1‬إنشاء صحف ودورايت علمية متخصصة ِف شؤون الدعوة والعلوم الشرعية‪ ،‬ودعم املوجود‬
‫منها مالياً وإدارايً‪ ،‬واحلرص على استقالهلا‪.‬‬

‫األنظمة واللوائح‪:‬‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫إنه مما علم من دين اإلسالم ابلضرورة وجوب االحتكام إىل شرع هللا وحتكيمه ِف مجيع شؤون الفرد‬
‫واألسرة والدولة وِف عالقة األمة ابلدولة‪ ،‬وِف عالقة الدولة واألمة بغريمها من الدول واألمم‪ ،‬كذلك‬
‫من املعلوم وجوب أن يكون شرع هللا وحده هو املهيمن على ما سواه وأن تتحقق سيادة الشرع‬
‫التامة على أعمال الدولة وأنظمتها وتصرفاهتا ولوائحها ومعاهداهتا وكافة جوانب احلياة فيها‪.‬‬

‫‪716‬‬
‫ولعل مما يبشر ابخلري أن يصرح العديد من والة األمر ِف مناسبات شىت أبنه استناداً إىل ذلك‬
‫سيجري مراجعة أنظمة ولوائح البالد وتنقيتها وإلغاء كافة ما خيالف الشرع منها‪ ،‬وأن ينص النظام‬
‫األساسي على أن الشريعة اإلسالمية هي احلاكمة على كل أنظمة الدولة‪ ،‬ولذا رأينا قياماً بواجب‬
‫النصح أن نبني قضااي كلية تتعلق بواقع األنظمة وسبل إصالحها وكيفية إسنادها إىل الشرع‪ ،‬مع‬
‫اإلشارة إىل بعض الشواهد واألمثلة على بعض املخالفات املوجودة حالياً ِف العديد من األنظمة‬
‫القائمة هبدف العمل على تعديلها أو إلغائها واستبدال األنظمة الشرعية هبا‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬أنواع األنظمة ‪:‬‬


‫إن النظر ِف األنظمة واللوائح واألوامر يظهر جلياً أهنا حتتوي على نوعني من األحكام أو املواد‪.‬‬
‫النوع األول منها‪ :‬املواد أو األحكام التشريعية وهي املواد اليت تنص على أحكام تكليفية سواء‬
‫ابإللزام (الوجوب) أو املنع (التحرمي) أو اإلذن والتجويز (اإلابحة)‪ ،‬أو بنص على بيان أسباب هذه‬
‫األحكام التكليفية وشروطها واستثناءاهتا وموانعها وصحتها وفسادها أو بطالهنا‪ .‬فهذا النوع من‬
‫مواد األنظمة يتعلق أبفعال املكلفني األصلية واحلكم عليها‪ .‬وقد أطلق علماء األصول ِف الشريعة‬
‫على هذا النوع اسم خطاب التكليف وخطاب الوضع‪ .‬ولكن املالحظ أنه ال يوجد ِف األنظمة‬
‫القائمة حكم ابالستحباب أو الكراهية حيث أهنا متعلقة ابلثواب والعقاب األخروي وهو ما ال‬
‫جتعله األنظمة موضع نظر عند َسن أحكامها‪.‬‬
‫النوع الثاين‪ :‬املواد أو األحكام اإلجرائية وهذه هي املواد اليت تنص على أحكام تتعلق بوسائل‬
‫مادية وأساليب تنفذ هبا األحكام التشريعية مما مل يرد نص شرعي عليها بعينها‪ ،‬وليست مقصودة‬
‫لذاهتا بل هي وسائل لغريها‪ .‬وهو ما أطلق عليه علماء أصول الشريعة أحياانً اسم املصلحة املرسلة‪.‬‬
‫فعلى سبيل املثال‪ :‬إن جباية الزكاة من أموال خمصوصة‪ ،‬وحتديد من جتب عليه‪ ،‬وتوزيعها على‬
‫أصناف خمصوصة من الناس كل ذلك يعد أحكاماً تشريعية حيث أن احلكم بوجوب جباية الزكاة‬
‫من قبل الدولة‪ ،‬وعدم جواز دفعها لغري أهلها‪ ،‬وشروط وجوب الزكاة من حول ونصاب‪ ،‬وما مينع‬
‫من دين وحنو ذلك‪ ،‬كل هذا يعد أحكاماً تشريعية ألفعال املكلفني ابلتكليف أو الوضع‪.‬‬
‫أما الوسائل املستخدمة لتنفيذ هذا احلكم التشريعي من وسائل النقل والسجالت اخلطية أو‬
‫املغناطيسية‪ ،‬وكيفية اتصال اجلباة ابلناس إما ابلذهاب إليهم أو دعوة الناس إىل تسديد زكاهتم‬
‫بدائرة الزكاة ابلكتابة إليهم ابلربيد املسجل‪ ،‬والفرتة اليت جيري هبا ذلك من أول احلول أو وسطه أو‬
‫آخره كل هذه األمور تُعد أحكاماً إجرائية تتعلق أبسلوب ووسيلة تنفيذ هذا احلكم التشريعي‪.‬‬

‫‪717‬‬
‫ومثال آخر‪ :‬إن اشرتاك الناس ِف الطرق واملنافع العامة وإابحة حق االنتفاع هلم ابلسري فيها‪ ،‬ومنع‬
‫اختصاص أحد دون أحد ِف ذلك‪ ،‬يُعد أحكاماً تشريعية‪ .‬أما كيفية تنفيذ هذه األحكام بوسائل‬
‫وأساليب متنوعة كاألرصفة‪ ،‬وعالمات املرور ولوحاته‪ ،‬واخلطوات اإلجرائية الالزمة للتثبت من‬
‫أهلية قادة املركبات عليها كل ذلك يُعد أحكاماً إجرائية‪.‬‬
‫ومثال اثلث‪ :‬ينص نظام الشركات ِف مادة (‪ )9‬على أن أحكام النظام تسري على الشركات‬
‫احملددة به اليت تشمل شركة التضامن‪ ،‬وشركة التوصية البسيطة واحملاصة‪ ،‬واملسامهة‪..‬إخل‪ ،‬مث ينص‬
‫النظام على بطالن كل شركة ال تتخذ األشكال املذكورة مع عدم املساس ابلشركات املعروفة ِف‬
‫الفقه اإلسالمي‪ ،‬فهذه املادة تعد حكماً تشريعياً ألهنا حكمت على فعل املكلفني ِف شراكة‬
‫ابلصحة إذا وافق اهليئة أو الشكل الذي حددته ألنواع الشركات‪ ،‬وحكمت ابلبطالن على ما‬
‫خيالف ذلك كما ألزمت أبنواع معينه من أفعال املكلف إذا أراد عقد شركة وهي أشكال الشركة‬
‫احملددة ابلنظام‪.‬‬
‫وِف مادة (‪ )49‬نص النظام على أن مجيع العقود واملخالصات واإلعالانت وغريها من أوراق‬
‫الشركة جيب أن حتمل امسها وبيان نوعها ومركزها الرئيسي‪ .‬ونص النظام ِف مادة (‪ )494‬على أن‬
‫جملس الشركة املسامهة يُعٍد ِف هناية كل سنة مالية جرداً ألصول الشركة ويُعٍد ميزانية الشركة‬
‫وحساب األرابح واخلسائر‪ ،‬وحددت مادة (‪ )491‬طرق تبويب امليزانية وحساب األرابح‬
‫واخلسائر‪ ،‬فهذه املواد (رقم ‪ )491،494،49‬اليت تتضمن تعريف وسائل مادية وإجراءات تنفذ هبا‬
‫الشركة أعماهلا تُعد أحكاماً إجرائية ‪..‬وهكذا‪.‬‬
‫ومن ذلك يتضح أن كل نظام حيوي ِف مواده النوعني من األحكام السابق ذكرمها ومها األحكام‬
‫التشريعية واألحكام اإلجرائية‪ .‬ولذا جيب إدراك هذا عند احلكم شرعاً على األنظمة‪ ،‬حيث أن‬
‫احلكم على أي نظام إمنا يكون بعد املعرفة لنوع أحكامه وحبسب مصادرها‪ ،‬فاألحكام التشريعية‬
‫‪-‬سواء كانت خطاب ابلتكليف أو الوضع‪ -‬فاحلكم فيها هلل تعاىل وحده‪ ،‬أما األحكام اإلجرائية‬
‫فلويل األمر وضعها والتدخل ِف تنظيمها مبا حيقق املقاصد الشرعية‪ .‬وهذا ما سيجري تفصيله‬
‫الحقاً ِف التايل‪.‬‬
‫اثنيا ‪ :‬األحكام التشريعية جيب استنباطها من أدلة الشرع‪ ،‬وحيرم أخذها من غريه ‪:‬‬
‫إن سيادة الشرع اإلسالمي تقتضي أن تكون مجيع األحكام التشريعية مستنبطة ابجتهاد صحيح‬
‫من أدلة الشرع وهي الكتاب والسنة واإلمجاع وما دلت عليه من قواعد شرعية وطرق استنباط‬
‫األحكام ابلقياس وغريه كما هو مفصل ِف كتب األصول‪ ،‬فقد أوجب تعاىل الرجوع إىل كتابه‬

‫‪718‬‬
‫وسنة رسوله ِف كل أمر وجعل ذلك شرط اإلميان‪ ،‬قال تعاىل﴿ أال له اخللق واألمر﴾(سورة‬
‫األعراف‪ )51:‬وقال عزوجل ﴿ فال وربك ال يؤمنون حىت حيكموك فيما شجر بينهم﴾(سورة‬
‫النساء‪ )15:‬وقال ﴿وأن احكم بينهم مبا أنزل هللا﴾(سورة املائدة‪ )12:‬وقال ﴿ومن مل حيكم مبا‬
‫أنزل هللا فأولئك هم الكافرون﴾(سورة املائدة‪ )11:‬وقال ﴿ولو ردوه إىل الرسول وإىل أويل األمر‬
‫منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم﴾ (سورة النساء‪ )٧4 :‬وقال ﴿وما كان ملؤمن وال مؤمنة إذا‬
‫قضى هللا ورسوله أمراً أن يكون هلم اخلرية من أمرهم﴾(سورة األحزاب‪ )41:‬إىل غري ذلك من‬
‫اآلايت‪ .‬وقال عليه الصالة والسالم" من أحدث ِف أمران هذا ما ليس منه فهو رد"(‪ )4‬وجعل‬
‫تعاىل الرجوع والتحكيم لغري شرعه ضالالً مبيناً ومسى كل شرع غري شرعه طاغواتً قال تعاىل ﴿ أمل‬
‫تر إىل الذين يزعمون أهنم آمنوا مبا أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إىل‬
‫الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضالالً بعيداً﴾(سورة النساء‪.)1٧:‬‬
‫وأمجعت األمة على وجوب حتكيم شرع هللا واالنقياد له وأنه ال يسع أحداً اخلروج عليه وهلذا قاتل‬
‫سلف األمة من الصحابة مهنع هللا يضر من ارتد عنه مبنع الزكاة‪.‬‬
‫إن احلكم التشريعي جيب أن يقتصر مصدره وأدلته على أدلة اإلسالم‪ ،‬وقبول أي مصدر غري‬
‫اإلسالم لألحكام التشريعية يعد حتاكماً إىل الطاغوت كما نص عليه القرآن‪ .‬وحيرم فعله سواء وافق‬
‫الطاغوت الشرع أم خالفه ألن الواجب على املسلم الكفر ابلطاغوت على كل حال ‪ ،‬ولذا فإن‬
‫الرجوع إىل أي قانون تشريعي كالقانون اجلنائى الفرنسي ألحكام العقوابت‪ ،‬أو القانون املدين‬
‫املصري ألحكام الشركات مثالً واحلكم هبا بني الناس ال جيوز مطلقاً سواء وافقت الشرع أم خالفته‬
‫ألن الرجوع إليها حتكيم للطاغوت وإميان به وحيصل به الضالل البعيد‪ ،‬والكفر والفسق أو الظلم‬
‫عياذاً ابهلل ملن فعل ذلك‪.‬‬
‫اثلثا ‪ :‬األحكام اإلجرائية جيب أال ختالف الشرع وتؤخذ حبسب حتقيقها للمقاصد املشروعة‪:‬‬
‫دل الكتاب على أن االنتفاع ابلوسائل املادية ِف الكون مباح لتسخريها من هللا تعاىل خللقه وامتنانه‬
‫عليهم هبا قال تعاىل "هو الذي خلق لكم ما ِف األرض مجيعاً"‪ ،‬وقال تعاىل "أمل تروا أن هللا سخر‬
‫لكم ماِف السموات وما ِف األرض"‪ .‬كما دلت السنة وفعل اخللفاء الراشدين على أن األحكام‬
‫اإلجرائية واألحكام الدنيوية احملضة جائزة على وجه العموم إذا مل يرد دليل خاص بتحرمي فرد منها‬
‫وإذا مل يرتتب على فعلها فوات مصاحل أكرب أو حصول مفاسد أعظم‪ ،‬وذلك حنو ما ثبت ِف‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪. )414٧( - 41‬‬

‫‪719‬‬
‫حديث أتبري النخل ِف قوله عليه الصالة والسالم " أنتم أعلم أبمر دنياكم"(‪ )4‬وحنو حفر اخلندق‬
‫اقتباساً من عمل الفرس كسياسة دفاعية‪ ،‬واستخدام املنجنيق‪ ،‬ووضع عمر هنع هللا يضر الديوان اقتباساً من‬
‫غري املسلمني لتنظيم أمور العطاء إجرائياً‪..‬إىل غري ذلك من أمثلة‪ ،‬وهلذا مىت ثبت كون احلكم‬
‫إجرائياً فإن أي وسيلة وأسلوب ينفذ به احلكم التشريعي املستنبط من أدلة الشرع جيوز اقتباسها‬
‫حبسب حتقيقها للمقاصد الشرعية على أحسن وجه‪ ،‬مع احلرص على تبسيط هذه اإلجراءات‬
‫وتيسريها والرفق ابلناس إذا تعلقت ابلدولة‪ ،‬وهذه الوسائل واإلجراءات هي ما أطلق عليه علماء‬
‫أصول الشريعة أحياانً اسم " املصلحة املرسلة" ابعتبار أنه مل يرد دليل خاص هلا وإمنا تندرج حتت‬
‫احلكم التشريعي العام الذي تعد وسيلة وأسلوابً لتنفيذه‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬تنفيذ املباح أو اإللزام به‪:‬‬
‫شاع بني الناس أنه ال جيوز للدولة مطقاً املنع واإللزام أبمر مباح حبجة املصلحة العامة استناداً إىل‬
‫كون الشرع قد خري املكلف ِف املتاح بني الفعل والرتك‪ .‬ولقد جنم عن هذا الظن الفاسد حترمي ما‬
‫أحل هللا ورسوله وإجياب ما مل يوجب تعاىل وإلزام الرعية بذلك وعقاهبم على خمالفته دون قيد‬
‫شرعي منضبط أو إذن من الشارع بذلك‪ .‬ولقد أنكر تعاىل على من حرم ما أحل عزوجل أعظم‬
‫اإلنكار ومسى من فعل ذلك على وجه التشريع مشركاً قال تعاىل﴿سيقول الذين أشركوا لوشاء هللا‬
‫ماأشركنا وال آابؤان وال حرمنا من شيء﴾(سورة األنعام‪ )41٧:‬وقال عزوجل ﴿ قل أرأيتم ما أنزل‬
‫هللا لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحالالً‪،‬قل آهلل أذن لكم أم على هللا تفرتون﴾(سورة يونس‪:‬‬
‫سفها بغري علم وحرموا ما رزقهم هللا﴾(سورة‬ ‫‪ ،)52‬وقال تعاىل ﴿قد خسر الذين قتلوا أوالدهم ً‬
‫األنعام‪ )41٧:‬إىل غري ذلك من آايت‪ ،‬وقد هنت الشريعة أن يلزم اإلنسان نفسه أبن ميتنع عن‬
‫فعل مباح‪ ،‬قال تعاىل﴿ اي أيها النيب مل حترم ما أحل هللا لك تبتغي مرضات أزواجك﴾(سورة‬
‫التحرمي‪،)4:‬حىت لو كان ذلك االمتناع بقصد التعبد‪ ،‬حنو إنكار الرسول ملسو هيلع هللا ىلص على من ألزموا‬
‫أنفسهم برتك أكل اللحم أو نكاح النساء‪ ،‬وعلى من نذر أال جيلس وال يستظل‪ ،‬فإذا كان هذا ِف‬
‫حق املكلف الفرد الذي قصده مصلحة دنيوية أو التعبد برتك املباح‪ ،‬فكيف حيل للدولة أن حترم‬
‫بعض املباح عموماً أو أن تعلق فعله على إذهنا وترخيصها على وجه اإلطالق‪ .‬وإمنا دلت األدلة‬
‫الشرعية التفصيلية أنه ال جيوز للدولة التدخل ابإللزام أو املنع من فرد من أفراد املباح مؤقتاً ِف‬
‫أحوال خمصوصة مقيدة بقواعد شرعية منضبطة نعرضها ِف ما يلي لكي يزول االلتباس ِف هذا‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪. )9414( - 414‬‬

‫‪711‬‬
‫الباب‪:‬‬
‫احلالة األوىل ‪ :‬أن يكون املباح مؤدايً إىل ضرر أو إىل حرام فللدولة أو اإلمام التدخل ِف هذه‬
‫احلالة ملنع حصول الضرر واحملرم‪ ،‬وذلك حنو منع من كان مريضاً ابإليدز أو اجلذام املعدي ‪-‬عياذاً‬
‫ابهلل‪ -‬من الزواج ملنع نقل العدوى‪ ،‬وحنو منع من كف أو ضعف بصره من قيادة املركبات ِف‬
‫الطرق للضر احلاصل‪ .‬وهذه القاعدة اثبتة أبحاديث منع الضرر واإلضرار وقاعدة منع مايوصل إىل‬
‫حرام حنو املنع من سب آهلة املشركني إذا ظن أهنم يسبون هللا عدواً بغري علم‪ ،‬وحنو منع الرسول‬
‫عليه الصالة والسالم ِف أول األمر املسلمني من ادخار حلوم األضاحي فوق ثالث لضرر اجملاعة‪،‬‬
‫وحنو فعل عثمان هنع هللا يضر ابإللزام ابملصحف اإلمام بلهجة قريش عند خشية احملرم من فرقة املسلمني‬
‫وفتنتهم ِف األمصار إذا مل يفعل ذلك‪ ،‬وحنو منع عمر هنع هللا يضر بعض الصحابة من اخلروج من املدينة‬
‫للضرر احلاصل بذهاب أهل الفقه واالجتهاد الذين يرجع إليهم ِف النوازل ومعضالت األمور من‬
‫قاعدة اإلسالم‪ .‬وموضوع الضرر أو احملرم هذا أمر ميكن أدراكه والتحقق من واقعه وليس أمراً‬
‫مبهماً كاملصلحة العامة‪ ،‬وهلذا إذا تدخلت الدولة ملنع أمر مباح أصالً حبجة الضرر أو حصول‬
‫احملرم‪ ،‬فإن عليها إثبات الدليل على وجود الضرر أو احلرام حىت يكون عملها وفق الشرع ِف ذلك‪.‬‬
‫احلالة الثانية ‪ :‬أن يكون أمر املباح متعلقاً بشؤون الدولة اخلاصة هبا كشؤون جيشها وموظفيها‬
‫وحنوه فلها حينئذ اإللزام واملنع ملن يتعلق به ذلك من موظفيها وجنودها لتحقيق مقصد شرعي‬
‫وذلك كإلزام موظفي الدولة بدوام خمصوص أو إلزام جنودها بلبس معني وحنوه‪ .‬ومن هذا الباب‬
‫كان عمر هنع هللا يضر يقاسم عماله أمواهلم ويشرتط عليهم ِف ذلك‪ ،‬ومنع عماله من وضع أبواب أو‬
‫حجب مغلقة دون رعيتهم‪ ،‬ومنع بعض قادة ة جيوشه ووالته من نكاح الكتابيات لئال يُقتدي هبم‬
‫ِف ذلك‪.‬‬
‫احلالة الثالثة ‪ :‬تنظيم املرافق واألموال العامة‪ ،‬حيث ثبت ابلسنة أن ما كان من مرافق املسلمني‬
‫يشرتكون فيه حنو املاء والكأل والنار والطرق العامة‪ ،‬وما كان من األموال العامة كالفيء فإن تنظيمه‬
‫مرتوك للدولة لتحقيق املقصد الشرعي بعدم اختصاص أحد به دون أحد‪ ،‬وهلا عندئذ اإللزام أو‬
‫املنع من بعض أفراد املباح على هذا الوجه الشرعي‪ .‬حيث أن النيب عليه الصالة والسالم محى‬
‫النقيع‪ ،‬واسرتجع إقطاع أبيض بن محال ملنجم امللح حلاجة الناس إليه‪ ،‬ووزع أبوبكر هنع هللا يضر أموال‬
‫الفيء ابلتساوي بني الناس‪ ،‬بينما وزعها عمر هنع هللا يضر حبسب األسبقية ِف اإلسالم‪ ،‬وأمر الرسول عليه‬
‫رسل‬‫الصالة والسالم جبعل الطريق سبعة أذرع لتنظيم السري فيه‪ ،‬وقضى حبكمه ِف السيل أبن ي ٍ‬
‫ُ‬
‫األعلى على األسفل‪ ،‬ومحى عمر هنع هللا يضر الشرف والربذة‪ ..‬إىل غري ذلك من أمثلة تدل على أن‬

‫‪711‬‬
‫لإلمام أو الدولة التدخل لتنظيم املرافق واألموال العامة اليت يشرتك فيها املسلمون لتحقيق مقصد‬
‫شرعي‪.‬‬
‫احلالة الرابعة ‪ :‬تنفيذ فروض الكفاية املنوطة ابلدولة‪ ،‬حيث جعل الشرع تنفيذ بعض فروع الكفاية‬
‫منوطاً ابلدولة كجمع الزكاة واجلهاد وحنو ذلك‪ .‬فللدولة حينئذ وضع تنظيم إجرائي لتنفيذ هذه‬
‫الفروض املناطة هبا‪ ،‬ومن ذلك أن عثمان هنع هللا يضر كان حيدد شهراً معيناً جلمع الزكاة كما ورد ِف‬
‫املوطأ‪.‬‬
‫ومن هذا العرض للشواهد الشرعية اليت تبني األحوال املخصوصة اليت أذن الشارع للدولة ابلتدخل‬
‫فيها ابملنع أو ابإللزام من بعض أفراد املباح هبدف حتقيق مقصود شرعي يظهر جلياً أن األصل ِف‬
‫غري هذه األحوال أن ليس للدولة حترمي املباح واملنع منه‪ ،‬أو إجيابه‪ ،‬أوقصر فعله على من حصل‬
‫على ترخيص منها‪ ،‬ألن اإلابحة حكم من خالق العباد ورهبم تعاىل‪ ،‬ومىت ثبت ابلدليل الشرعي‬
‫إابحة الفعل فليس ملخلوق املنع أو اإللزام به على وجه اإلطالق‪ ،‬كمايدل على ذلك حديث‬
‫عدي بن حامت ِف تفسري قوله تعاىل ﴿ اختذوا أحبارهم ورهباهنم أرابابً من دون هللا‪(﴾..‬سورة التوبة‬
‫اآلية‪.)44 :‬‬

‫واقع األنظمة من خالل بعض األمثلة والشواهد‪:‬‬


‫بتطبيق القضااي الكلية السابقة على األنظمة حالياً يظهر مايلي ‪:‬‬
‫(‪ )4‬إن كثرياً من األنظمة تتضمن أحكاماً تشريعية مستمدة من مصادر قانونية عربية أو غربية ِف‬
‫بالد أخرى ال حتكم الشرع فنظام األوراق التجارية مستمد عن معاهدة جنيف لألوراق التجارية‪،‬‬
‫ونظام الشركات نصت مذكرته التفسريية على أنه مستمد من "الصاحل من أحكام أنظمة الدول‬
‫األخرى"‪ ،‬ونظام العمل والعمال مستمد من االتفاقيات واألنظمة الدولية العمالية‪ ،‬ونظام مكافحة‬
‫التزوير يتشابه ِف كثري من مواده وتعابريه مع القوانني األوروبية وعلى األخص األملانية والفرنسية‪...‬‬
‫وهكذا‪ .‬وهذه املصادر ال جيوز الرجوع إليها‪ ،‬ألخذ األحكام التشريعية منها ألن ما نقل واستمد‬
‫منها من أحكام تشريعية مل يُستنبط من أدلة الشرع ويُعد حتكيماً لغري الشرع‪.‬‬
‫(‪ )9‬نصت معظم األنظمة القائمة على تشكيل جلان وهيئات هلا صالحيات القضاء وملزمة وفق‬
‫أحكام ومواد النظام‪ ،‬حيث يوجد ذلك على سبيل املثال ِف نظام العمل والعمال‪ ،‬ونظام األوراق‬
‫التجارية‪ ،‬ونظام احملكمة التجارية‪ ،‬ونظام الشركات‪ ،‬ونظام مكافحة الغش التجاري‪ ،‬ونظام‬
‫العقوابت العسكري‪ ،‬ونظام حماكمة الوزراء‪ ،‬ونظام مكافحة الرشوة ‪،‬إىل غري ذلك من أنظمة‪ ،‬كما‬

‫‪712‬‬
‫جعلت بعض األنظمة أعضاء هذه اللجان من القانونيني‪ ،‬كما ِف نظام التعدين والذي نص على‬
‫أن أحكامه خمصص هلا هيئة من القانونيني العامليني‪ ،‬وكل هذا خمالف للشرع نظراً ألنه جعل‬
‫القضاء وفق أحكام النظام وأدى إىل عزل القضاء الشرعي عن النظر ِف هذه اجلوانب من حياة‬
‫الناس‪ ،‬هذا فضالً عن التضارب بني أحكام القضاء وتلك األنظمة‪.‬‬
‫(‪ )4‬اعتربت بعض األنظمة الشريعة اإلسالمية مصدراً احتياطياً للتشريع والقضاء ومثال ذلك املادة‬
‫التاسعة من نظام هيئة تسوية املنازعات لدول جملس اخلليج العريب‪ ،‬واملادة (‪ )4٧5‬من نظام العمل‬
‫والعمال‪.‬‬
‫(‪ )1‬أجازت بعض األنظمة أموراً حمرمة ملن يتعلق هبم ذلك‪ ،‬حنو إابحة إصدار سندات قرض‬
‫للشركات املسامهة‪ ،‬وإابحة عقود التسهيالت االئتمانية وحساابت الفوائد ابلبنوك‪ ،‬وهي مجيعاً ِف‬
‫حقيقة أمرها واثئق ربوية‪ .‬وحنو التمييز بني املسلمني ِف مواد بعض األنظمة ابعتبار املوطن‬
‫اإلقليمي خمالفة بذلك أحكام دار اإلسالم‪ .‬وحنو إسقاط احلقوق وعدم مساع الدعاوى ابلتقادم‬
‫كما ِف نظام العمل والعمال ونظام اإلوراق التجارية بعد مضي مدد معينة‪ .‬وحنو اإلذن ابلتجسس‬
‫وتفتيش البيوت احملرم شرعاً ِف الالئحة التنظيمية للتحقيق واالدعاء للمتهمني وغري املتهمني هبدف‬
‫إثبات اجلرم‪ ،‬مع أن األصل براءة الذمة وأنه ال جيوز التجسس أو انتهاك حرمة البيوت ابآلايت‬
‫القرآنية القطعية‪ ،‬ومل يُستثن ِف ذلك إال استنقاذ حرمة حمقق هالكها ويفوت استدراكها كقتل نفس‬
‫أو انتهاك عرض كما فصل الفقهاء‪.‬‬
‫(‪ )5‬قيدت بعض األنظمة بعضاً مما أابح هللا تعاىل ورسوله إبذن الدولة أو ألزمت ما مل يلزم به شرع‬
‫هللا‪ ،‬على غري األحوال املأذون هبا شرعاً‪ ،‬وذلك حنو اإللزام أبنواع شركات معينة وإبطال الشركات‬
‫اليت ال تتفق مع أشكال الشركات احملددة ابلنظام‪ ،‬وحنو نظام التسرت الذي حيرم كل أعمال الشراكة‬
‫والعقود اجملمع على إابحتها شرعاً بني املواطنني وغريهم من املسلمني إذا متت خبالف تعليمات‬
‫الدولة ويعاقب على ذلك‪ ،‬وكان له األثر السيء على االقتصاد احمللي حيث أدى إىل تسرب‬
‫مدخرات غري املواطنني إىل اخلارج وعدم االستفادة منها حملياً‪ ،‬وحنو نظام استثمار املال األجنيب‬
‫الذي مينع املسلمني من الشراكة والتجارة املباحة مع بعضهم البعض إال برتخيص الدولة وإذهنا‪.‬‬
‫وحنو إلزام رب العمل مبا مل يلزم به الشرع ومل يتفق عليه املتعاقدان ِف نظام العمل والعمال كاإللزام‬
‫بعالج العامل ونفقته ومعاشه التقاعدي وأتمينه اجتماعياً (فتاوى الشيخ دمحم بن إبراهيم رمحه هللا)‪.‬‬
‫وحنو منع البنوك من مزاولة األعمال التجارية والزراعية والصناعية والعقارية املباحة مما يؤدي إىل‬
‫قصر عملها على التعامل الربوي‪ ..‬إىل غري ذلك من أمثلة‪.‬‬

‫‪713‬‬
‫(‪ )1‬أقرت بعض األنظمة االحتكارات واالمتيازات غري املشروعة حنو قصر استغالل مرافق الطرق‬
‫الطويلة على شركة بعينها أو املنع من الطريان التجاري لغري اخلطوط السعودية‪ ،‬وحنو منع غري‬
‫البنوك من وجوه أخذ املال من أهله على غري الوجه املأذون به شرعاً‪.‬‬
‫(‪ )1‬فرضت بعض األنظمة رسوماً ومكوساً دون استدالل شرعي جييز ذلك‪ ،‬وأمثلة هذه كثرية حنو‬
‫رسوم اجلمارك على املسلمني‪ ،‬وحنو رسوم املرور والبلدايت ورسوم اجلوازات والرخص وغري ذلك‬
‫من وجوه أخذ املال من أهله على غري الوجه املأذون به شرعاً‪.‬‬
‫(‪ )٧‬قررت بعض من األنظمة عقوابت على من خيالف أحكامها‪ ،‬وقد غلب على هذه العقوابت‬
‫ما تقرر ابلقوانني الوضعية اليت استمدت منها إذ قصرت العقوابت ِف أغلب األحوال على السجن‬
‫أو الغرامة املالية‪ .‬ومل أتخذ هذه األنظمة عقوابت التعزير األخرى اليت جاء هبا الشرع‪ ،‬ولقد ترتب‬
‫على هذا فساد كبري‪ ،‬فعقوبة السجن أدت إىل ازدحام السجون وزايدة الكلفة على الدولة ِف أمر‬
‫املساجني‪ ،‬وضياع من يعوهلم السجني حببسه عن الكسب‪ ،‬وتعليم السوء من بعض املساجني‬
‫لبعض‪ ،‬كما أن عقوبة الغرامة املالية حيصل هبا إجحاف للفقري وال يرتدع هبا الغين وقد تؤدي إىل‬
‫أكل املال ابلباطل‪.‬‬

‫سبيل اإلصالح ‪:‬‬


‫بتأصيل ما ذكر يظهر أن الواجب الشرعي مراجعة األنظمة القائمة مراجعة شاملة لتنقيحها وإلغاء‬
‫كل خمالفة للشرع هبا وكذلك العمل على وضع أنظمة شرعية بديلة ملا يتعسر تنقيحه منها‪ .‬وننصح‬
‫هبذا الصدد مبا يلي‪:‬‬
‫‪ )٧4‬مراجعة األنظمة القائمة ابلنظر ِف كل مادة منها على حدة‪ ،‬وإبطال كل مادة تشريعية منها‬
‫ال يشهد هلا دليل شرعي ابستنباط واجتهاد صحيح‪.‬‬
‫(‪ )9‬مراجعة األنظمة إللغاء كل إلزام مبباح أو منع منه ِف غري األحوال املخصوصة اليت بينها‬
‫الشارع‪ ،‬وللتحقق من ذلك يتحتم أن يعرض كل إلزام مبباح أو منعه ‪ -‬مما يظن أنه من األحوال‬
‫اليت جيوز لويل األمر التدخل فيها ‪-‬على ذوي الفقه الشرعي إلصدار حكم خاص جبواز ذلك أو‬
‫عدمه‪.‬‬
‫(‪ )4‬إلغاء كل اللجان ذات الصالحيات القضائي ِف األنظمة‪ ،‬وإحالة مجيع القضااي واختصاصات‬
‫هذه اللجان إىل احملاكم الشرعية‪.‬‬

‫‪714‬‬
‫(‪ )1‬إنشاء حمكمة شرعية عليا للنظر ِف الدعاوى اليت تُرفع بشأن خمالفة األنظمة واللوائح للشرع‬
‫لتحقيق جعل الشريعة حاكمة على مجيع األنظمة‪ ،‬وإلبطال وإلغاء ما ثبت خمالفته للشرع منها‪،‬‬
‫وميكن للبدء ِف ذلك أن ُخيول جملس القضاء األعلى هذه الصالحيات‪.‬‬
‫(‪ )5‬تغيري العقوابت املنصوص عليها ابألنظمة بعقوابت التعزير الشرعية وترك ذلك لقضاة الشرع‬
‫الذين هم حرس على حسن تطبيقه ومنع اخلروج عنه‪.‬‬
‫(‪ )1‬حتويل األقسام األكادميية والتعليمية لألنظمة ِف اجلامعات ومعهد اإلدارة إىل أقسام تُعىن‬
‫ابلدراسة املتخصصة للفقه الشرعي وأصول استنباط أحكامه ودراسة فقه الشريعة املقارن‪،‬‬
‫واستقطاب الطلبة املوهوبني لتخريج فقهاء متميزين منها‪ ،‬ولالستفادة من الثروة التشريعية الفقهية‬
‫العظيمة لدى املسلمني ِف وضع األنظمة‪ .‬وأن تقتصر دراسة القوانني الغربية على الدراسات العليا‬
‫للمتضلعني ابلفقه الشرعي أبن تدرس كما تدرس عقائد الكفر لدحضها وهبدف نقضها وبيان‬
‫فسادها وما خيالف الشرع منها‪.‬‬

‫كما ننصح عند رصدار أنظمة جديدة مبا يلي‪:‬‬


‫(‪ )1‬أن يوضع لكل نظام أو الئحة مذكرة فقهية شرعية تبني األدلة الشرعية اليت استنبطت منها‬
‫مواد النظام إن كانت أحكاماً تشريعية‪ ،‬أو تبني كون املواد أحكاماً إجرائية ال ختالف الشرع تندرج‬
‫حتت حكم تشريعي مشروع وتعد وسائل لتنفيذه ويتحقق هبا املقصود املطلوب‪.‬‬
‫(‪ )٧‬عدم الرجوع عند وضع أحكام األنظمة التشريعية إىل أنظمة الدول األخرى لالقتباس منها‬
‫لكوهنا أنظمة ال حتكم الشرع أصالً وألهنا ِف جمملها مشاقة ألحكام هللا ورسوله‪.‬‬
‫(‪ )2‬جيب أن تكون اللجان اليت يعهد إليها اقرتاح األنظمة التشريعية عند الضرورة إىل ذلك جلاانً‬
‫شرعية تقتصر عضويتها على من استكملوا أهلية الفقه واالجتهاد الستنباط األحكام سواء كانوا‬
‫من أهل البالد أو من غريهم من علماء الشرع ِف بالد املسلمني‪ .‬فإن تعذر ذلك فال بد أن تقتصر‬
‫عضوية اللجان على ذوي القدرة على الفتوى والرجوع إىل كتب الفقه املعتربة واستخراج األحكام‬
‫منها‪ .‬وميكن هلذه اللجان أن تستعني أبهل اخلربة من فنيني وإداريني وغريهم لبيان الواقع وتفصيله‬
‫عند احلاجة ولكن دون أن ُجيعل هلؤالء اخلرباء غري الشرعيني دوراً ِف وضع األحكام التشريعية‬
‫وبياهنا‪.‬‬

‫‪715‬‬
‫القضاء واحملاكم‪:‬‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫عظمت الشريعة اإلسالمية شأن القضاء الشرعي‪ ،‬حيث جعلت الشرع والقضاء صنوان‪ ،‬فالدين‬
‫اإلسالمي كما جعل الشرع هو احلاكم على أفعال البشر وهو مصدر أنظمة احلياة‪ ،‬جعل القضاء‬
‫جهة اإللزام أبحكام التشريع ِف إزالة التنازع‪ ،‬ورفع املظامل‪ ،‬ومنع التجاوزات‪ ،‬ولذا ال ميكن إقامة‬
‫أحكام الشرع ِف واقع احلياة إال بوجود القضاء الشرعي املهيمن والفاصل لكل نزاع بني األفراد‬
‫واألمة والدولة‪ ،‬قال تعاىل ﴿ فإن تنازعتم ِف شيء فردوه إىل هللا والرسول إن كنتم تؤمنون ابهلل‬
‫واليوم اآلخر ذلك خري وأحسن أتويالً﴾(سورة النساء‪ .)52:‬وإنفاذ مقتضى هذه اآلية يوجب الرد‬
‫إىل هللا والرسول‪ ،‬وحيتم وجود القضاء الشرعي املبني للحكم الشرعي امللزم به مبا يقطع النزاع‪ ،‬وقد‬
‫جعل تعاىل اخلضوع واالمتثال والقبول حلكم هللا تعاىل ورسوله حال املؤمنني فقال تعاىل ﴿إمنا كان‬
‫قول املؤمنني إذا دعوا إىل هللا ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا مسعنا وأطعنا﴾(سورة النور‪.)54:‬‬
‫ونفى تعاىل اإلميان عن املعرض عن حكمه وشرعه لفصل النزاع فقال عزوجل ﴿ فال وربك ال‬
‫يؤمنون حىت حيكموك فيما شجر بينهم﴾(سورة النساء‪ .)15:‬ووصف تعاىل املنافقني ابإلعراض‬
‫عن االنقياد حلكمه قال تعاىل ﴿وإذا دعوا إىل هللا ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون*‬
‫وإن يكن هلم احلق أيتوا إليه مذعنني* أِف قلوهبم مرض أم اراتبوا* أم خيافون أن حييف هللا عليهم‬
‫ورسوله بل أولئك هم الظاملون﴾(سورة النور‪ .)5٧-1٧:‬ولذا فإن العناية ابلقضاء ِف الدولة‪،‬‬
‫وحصر احلكم ِف القضاء بشرع هللا من أعظم واجبات الدولة املسلمة‪ ،‬وينبغي اعتباره لذلك من‬
‫أهم مرافق الدولة‪ ،‬ألن عدل الشرع وحكمه يبسط من خالله‪ ،‬وحتفظ حقوق العباد‪ ،‬ويسود‬
‫األمن‪ ،‬وقد أكد النظام األساسي هذه األمهية للقضاء حيث جعل "القضاء سلطة مستقلة‪ ،‬وال‬
‫سلطان على القضاة ِف قضائهم إال الشريعة اإلسالمية"‪.‬‬
‫وقبل بيان واقع القضاء واحملاكم ِف هذه البالد‪ ،‬نريد أن نذكر مسلمات مقررة شرعاً تتعلق ابلقضاء‬
‫‪ ،‬لكي تكون أساساً لكثري من القضااي املتعلقة ابلقضاء وسبل اإلصالح املقرتحة ِف ذلك ‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إن مثة فرقاً جوهرايً بني أمرين‪ :‬أوهلما توزيع عمل القضاء الشرعي بني جمالس قضائية‬
‫متخصصة‪ ،‬وهو ما يسمى ِف كتب الفقه الشرعي "التولية على خصوص العمل" واألمر الثاين‬
‫توزيع العمل القضائي بني احملاكم الشرعية واللجان النظامية اليت حتكم وفقاً لألنظمة واملبادئ املقننة‬
‫هلا‪ .‬فأما األمر األول فجائز قطعاً ألن مجيع القضااي ِف اجملالس القضائية الشرعية يفصل فيها بشرع‬
‫هللا‪ ،‬وإمنا أجاز الشارع ختصيص القاضي الشرعي حبسب نوع القضية‪ ،‬أي ختصيص نوعي للقضاة‪.‬‬

‫‪716‬‬
‫وأما األمر الثاين الذي هو توزيع قضااي النزاع سواء بني الناس أو بني الناس والدولة بني احملاكم‬
‫الشرعية وبني اللجان النظامية والقانونية فإن مقتضاه عزل الشرع املطهر عن الفصل ِف القضااي اليت‬
‫ختتص هبا تلك اللجان النظامية‪.‬‬
‫ولقد اختلط هذان األمران على الكثري حيث ساد لدى الكثري مفهوم مؤداه أن اختصاص القاضي‬
‫الشرعي عند توليته بقضااي معينة يسوغ ويبيح إجياد جهات أخرى ال تقضي وفق النظر الشرعي‬
‫كاللجان واهليئات النظامية أو القانونية وهذا املفهوم خيالف الكتاب والسنة واإلمجاع‪ ،‬حيث أن‬
‫األدلة الشرعية فصلت ِف أن الكتاب والسنة حاكمان على كل شيء‪ ،‬وأن والية القضاء الشرعي‬
‫عامة ِف مجيع األمور‪ ،‬وأنه ال جيوز إخراج أي نزاع عن الرد إليهما‪ ،‬قال تعاىل ﴿إان أنزلنا إليك‬
‫الكتاب ابحلق لتحكم بني الناس مبا أراك هللا﴾(سورة النساء‪ ،)4٧5:‬وقال ﴿ فإن تنازعتم ِف شيء‬
‫فردوه إىل هللا والرسول﴾(سورة النساء‪ .)52:‬فالعموم هبذه اآلية جلمع النزاعات جنساً ومقداراً‬
‫يقطع ويدل على أنه ال أمر مطلقاً خيرج عن النظر الشرعي هذا‪ ،‬فضالً عن أن عزل الشرع عن‬
‫بعض القضااي خمالفة عظيمة لقواعد اإلسالم الذي حرم التحاكم إىل غري شرعه‪ ،‬وجعل الرجوع إىل‬
‫الشرع هو مقتضى اإلميان ابهلل ورسوله‪ ،‬ومقتضى حتقيق شهادة أن ال إله إال هللا وأن دمحماً رسول‬
‫هللا‪.‬‬
‫أما مفهوم ختصيص القاضي الشرعي أبنواع القضااي فهذا أمر مبسوط ِف كتب الفقه اإلسالمي‬
‫وغايته ومقصوده حسن اختيار القاضي الشرعي مبا يناسب القضية‪ ،‬حيث أن أنواع أحكام‬
‫القضااي اليت ينظر فيها القاضي الشرعي تعدد إىل قضاء للزجر عن احلدود واجلناايت‪ ،‬أواحلسبة ِف‬
‫منع املخالفات واجلرائم املضرة حبق اجلماعة‪ ،‬أو إلزالة النزاع ِف العقود واملعامالت‪ ،‬أو لرفع املظامل‬
‫عموماً سواء الواقعة من ذوي السطوة واهليبة كالدولة واحلكام أومن غريهم‪ ،‬وكل نوع من هذه‬
‫القضااي يتطلب صفات معينة ِف القاضي الشرعي إضافة إىل الشروط الضرورية من إسالم وفقه‬
‫وعدالة‪ ،‬فقضاء املظامل مثالً يتطلب أن يكون القاضي متصفاً ابهليبة والقوة ألنه جيري األحكام‬
‫على ذوي الشوكة الذين جيرؤون على الظلم والتعدي‪ ،‬وأن يكون جمتهداً إلنه يفصل ِف القضااي‬
‫املعضلة‪ ،‬وقضاء احلسبة يتطلب أن يكون القاضي متصفاً ابلفطنة والقدرة على البحث والتقصي‬
‫ألن عمله هو إزالة املخالفات العامة ِف اجملتمع‪...‬وهكذا‪.‬‬
‫وهلذا جيب أن يدرك الفرق العظيم بني عزل الشرع عن بعض القضااي‪ ،‬وبني ختصيص القاضي‬
‫الشرعي ِف أنواع من القضااي‪ ،‬حيث أن ختصيص القاضي الشرعي إمنا يقصد به حسن اختيار‬

‫‪717‬‬
‫القاضي‪ ،‬ولكن ال جيوز أن جيعل ذلك ذريعة لعزل القضاء الشرعي عن أي قضية ملا ِف ذلك من‬
‫زلزلة لقواعد اإلسالم وخمالفة عظيمة هلا‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬إن كون القضاء شرعياً ِف كافة القضااي والنزاعات ال يناِف االستعانة ابملوثوقني من أهل‬
‫اخلربة ِف معرفة الواقع‪ ،‬إذ أن القضاء الشرعي يقتضي أمرين‪ :‬األول منهما هو معرفة الواقع الذي‬
‫يطلق عليه علماء األصول حتقيق املناط‪ ،‬ومعرفة الواقع هذا يتطلب رأي أهل اخلربة حبسب القضية‪،‬‬
‫فإن كان هندسياً يرجع فيه إىل أهل اهلندسة‪ ،‬وإن كان طبياً روجع فيه أهل الطب‪..‬وهكذا‪ .‬واألمر‬
‫الثاين هو بيان حكم الشرع ِف هذا الواقع‪ ،‬وهذا البيان ال جيوز أن يصدر إال عن فقيه أبحكام‬
‫الشرع‪ ،‬ذي معرفة أبدلته الشرعية‪ ،‬متأمل للحكم ابلشرع‪ ،‬وإال كان حكماً مستنداً إىل جهل‪ ،‬وهلذا‬
‫ال جيوز أن يعارض وجوب جعل القضاء شرعياً احلاجة إىل معرفة الواقع من أهل اخلربة‪ ،‬حيث أن‬
‫دور أهل اخلربة حمدد ببيان واقع احلال وليس له جتاوز ذلك إىل احلكم على أفعال العباد ابإللزام أو‬
‫قصرعلى الشرع وحده‪.‬‬‫املنع أو اإلبطال أو غري ذلك حيث أن هذا ْ‬
‫اثلثا‪ :‬إن تويل عمل القضاء أمر ِف غاية اخلطورة ألثره البالغ على حياة الناس وإنفاذ أحكام‬
‫اإلسالم‪ ،‬ولذا وضعت الشريعة ضوابط وشروطاً الزمة ِف كل من يتوىل هذا املنصب حيث شرطت‬
‫ِف القاضي اإلسالم والبلوغ والعقل ابإلضافة إىل توفر الفقه والعلم الشرعي وإدراك تنزيل‬
‫األحكام على الوقائع‪ ،‬ألن عمل القاضي هو اإلخبار عن حكم هللا على وجه اإللزام‪ ،‬وغري الفقيه‬
‫سيقضي عن جهل ويكون حكمه لذلك حكماً بغري ما أنزل هللا تعاىل‪ .‬كما أن العدالة شرط‬
‫أساسي ِف القاضي حيث اشرتطت الشريعة ذلك ِف الشاهد فلزومها ِف القاضي املؤمتن على إجراء‬
‫األحكام اليت حتفظ هبا احلقوق ويفصل هبا النزاع أوىل وأعظم‪ .‬وهلذا فإن تويل أي عمل ذي‬
‫اختصاص قضائي سواء للحسبة أو لفصل النزاع ِف املعامالت والعقود‪ ،‬أو للزجر عن اجلرائم ِف‬
‫احلدود والتعزيرات‪ ،‬أو لرد املظامل حيرم شرعاً أن يتوىل القيام به من ال يكون فقيهاً ابلشرع عاملاً‬
‫أبحكامه عدالً تتوافر فيه شروط القاضي الشرعي‪.‬‬

‫واقع القضاء واحملاكم ‪:‬‬


‫وبعد عرض هذه املسلمات املقررة ابلشرع نبني مشاهدات عن الواقع القضائي على ضوء ماذكر ِف‬
‫القضاء واحملاكم‪ ،‬ويتلخص أمهها ِف ما أييت‪:‬‬
‫(‪ )4‬وجود ازدواجية ِف القضاء ابختالف اجلهات املنوط هبا صالحية احلكم أو فصل النزاع‬
‫أوالتعزير‪،‬حيث يوجد ِف أجهزة الدولة ابإلضافة إىل احملاكم الشرعية مايزيد على ثالثني جلنة ذات‬

‫‪718‬‬
‫اختصاص قضائي تستند ِف أحكامها إىل األنظمة اليت تشكلت مبوجبها تلك اللجان‪ ،‬وقد جنم‬
‫عن ذلك خمالفات شرعية خطرية نذكر منها‪:‬‬
‫أ عزل القضاء الشرعي عن النظر ِف كثري من القضااي املالية وفصل النزاع ِف املعامالت‪ ،‬وقضااي‬
‫التعزير واملخالفات‪،‬وكثرياً من القضااي الكلية والعامة كنزاعات الوزارات واملؤسسات العامة فيما‬
‫بينها‪ ،‬والنزاعات مع البنوك‪ ،‬والنزاعات الدولية وقضااي الطريان واملالحة‪.‬‬
‫ب إلزام الناس ابإلعراض عن التحاكم إىل القضاء الشرعي املتمثل ابحملاكم الشرعية واللجوء إىل‬
‫اللجان النظامية ودفعهم لطلب ما ال حيل هلم شرعاً أواالمتناع عما جيب عليهم شرعاً أداؤه‪.‬‬
‫واألمثلة على ذلك كثرية ِف القضااي العمالية والقضااي املصرفية والتجارية‪.‬‬
‫ج تناقض األحكام الصادرة ِف القضية الواحدة بسبب اختالف جهة القضاء فيها‪ ،‬وضياع‬
‫حقوق الناس وإطالة أمد النزاع ِف كثري من القضااي لاللتباس احلاصل ِف حتديد جهة االختصاص‬
‫بني احملاكم الشرعية واللجان‪.‬‬
‫د امتناع بعض اللجان املنوط هبا صالحيات قضائية ِف كثري من األحيان أو مسئويل املراجع اليت‬
‫ترتبط هبا هذه اللجان عن قبول دعاوى تعد من اختصاصها ورفضها دون حكم قضائي‪.‬‬
‫ه ظهور احلاجة إىل تعلم القوانني الوضعية والتفقه فيها بدالً من الفقه الشرعي‪ ،‬وإقرار تعلم هذه‬
‫القوانني الوضعية رمسياً ِف معهد اإلدارة وأقسام األنظمة ابجلامعات‪ ،‬بل أصبح املختصون ابلقوانني‬
‫الوضعية يتمتعون ابملزااي الوظيفية اليت ُمتنح ألهل االختصاصات النادرة‪ ،‬كما أصبحت املكاتب‬
‫القانونية ظاهرة ال يُستغىن عنها‪.‬‬
‫ز ظهور أحكام قضائية خمالفة للشرع صراحة‪ ،‬حنو كثري من أحكام جلنة األوراق املصرفية وبعض‬
‫أحكام جلنة األوراق التجارية وجلان التعزير على سبيل املثال‪.‬‬
‫ح إنشاء جلان قضائية ِف بعض اجلهات للتظلمات اليت تقدم ضد اجلهات نفسها حنو جلان‬
‫التظلم من تعويضات شركات الكهرابء ِف هذه الشركات‪ ،‬ووجود جلان يكون القاضي هو املدعي‬
‫العام ِف نفس الوقت أو يرتبطان مبرجع واحد‪ ،‬مما ترتب عليه حتكيم اخلصم وأن يكون ممثل املتظلم‬
‫منه أو أجريه هو القاضي املختص بفصل النزاع‪.‬‬
‫(‪ )9‬إلزام القضاء الشرعي أبنظمة وتعليمات تضعف من استقالل القضاء وسراين أحكامه على‬
‫اجلميع وختالف بذلك مبدأ سيادة الشرع على اجلميع‪ .‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫أ القيود اليت تصدر من جهات تنفيذية كاإلمارات والداخلية والبلدايت بعدم نظر احملكمة‬
‫الشرعية ِف أنواع من القضااي أو اشرتاط اإلذن املسبق أو اإلحالة إىل القضاء من تلك اجلهات قبل‬

‫‪719‬‬
‫النظر فيها‪ .‬واألمثلة ِف ذلك عديدة ‪،‬حنو إلزام القضاء الشرعي بعدم قبول قضااي الدايت ِف‬
‫مواجهة بيت املال إذا كان املتسبب أجنبياً‪ ،‬وحنو عدم توثيق العقارات اليت مل ُختطط ملن كانت‬
‫حبوزهتم بناء على طلب وزارة الشؤون البلدية والقروية‪ ،‬أو منع النظر ِف إثبات اإلعسار التجاري‪،‬‬
‫أو منع النظر ِف إثبات إعسار األفراد إال بعد طلب اإلمارات ذلك‪ ..‬إىل غري هذا من أمثلة‪.‬‬
‫ب ادعاء بعض جهات الدولة عدم اختصاص القضاء الشرعي ِف قضية ما‪ ،‬من أجل منع‬
‫القضاء الشرعي من النظر ِف تلك القضية أو إللغاء احلكم الصادر فيها‪ ،‬أو تربير عدم إحالتها‬
‫إليه‪ .‬وامتناع بعضها عن املثول أمام احملاكم الشرعية ومطالبتها إبلغاء األحكام الصادرة عنها بعد‬
‫صدوره‪ ،‬وهذا كثرياً ما يقع ِف أحكام التعزير حيث تَُرُّد أحكام القضاء الشرعي على أفراد متهمني‬
‫ابلرشوة والتزوير حبجة عدم االختصاص‪.‬‬
‫ج إلزام وزارة العدل واحملاكم الشرعية بكثري من التعاميم الصادرة عن وزارة الداخلية مما أفقد‬
‫القضاء استقالليته وحاكميته ِف القضااي اليت تتعلق بتلك التعاميم حنو التعميم الصادر مبنع احملاكم‬
‫الشرعية من إثبات إعسار املطالب بدين جتاري إنفاذاً لنظام احملكمة التجارية‪ ،‬وحنو قرار وزارة‬
‫الداخلية عام ‪41٧1‬ه بعدم إحالة القضااي التجارية والعمالية إىل احملاكم الشرعية‪.‬‬
‫د منع احملاكم الشرعية من نظر الدعاوى املقامة على جهات حكومية إال بعد اإلذن بذلك‪ ،‬ومنع‬
‫النظر ِف قضااي ترفع لدى احملاكم أو ديوان املظامل حبجة أهنا من قضااي السيادة كالدعاوى اليت‬
‫تقدم ضد أجهزة اجلوازات أو املباحث أو غريها‪.‬‬
‫(‪ )4‬افتقار احملاكم الشرعية ِف كثري من املناطق لإلمكاانت اليت ترفع من مستوى أدائها وكفاءهتا‬
‫مقارنة بغريها من القطاعات‪ .‬واألمثلة على ذلك عديدة منها‪ :‬عدم توفر املباين الالئقة هبذا املرفق‬
‫العظيم‪ ،‬فمعظم مباين احملاكم احلالية سيئة التصميم واإلنشاء والتأثيث‪ .‬والنقص الشديد ِف تدريب‬
‫وعدد املوظفني والكتاب والسكراترية املساعدة ألعمال القضاء‪ ،‬وعدم توفر مراكز لتدريب موظفي‬
‫احملاكم أو األجهزة احلديثة اليت ترفع من كفاءة إدارات احملاكم كأجهزة احلاسب اآليل وأجهزة‬
‫التخزين واالتصاالت احلديثة‪.‬‬
‫(‪ )1‬التأخري امللحوظ ِف إنفاذ األحكام القضائية اليت اكتسبت صفة القطعية الصادرة من ديوان‬
‫املظامل ضد بعض أجهزة الدولة أو وزاراهتا‪ ،‬وكذلك الصادرة إبعادة احلقوق ألهلها إذا ما تعلقت‬
‫هذه األحكام أبجهزة الدولة أو بعض كبار املتنفذين فيها‪.‬‬

‫‪721‬‬
‫سبيل اإلصالح ‪:‬‬
‫وإصالحاً هلذه األحوال‪ ،‬ننصح مبا أييت‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬لالنقياد ملا أوجب تعاىل وملنع االزدواجية وتوحيد جهة التقاضي وإزالة املخالفات الشرعية‬
‫النامجة عن ذلك واملبينة فيما سبق ننصح ابلتايل‪:‬‬
‫(‪ )4‬إلغاء مجيع اللجان ذات االختصاص القضائي ِف أجهزة الدولة وإحالة صالحياهتا إىل احملاكم‬
‫الشرعية لبسط هيمنة الشرع على كل األقضية ابلدولة‪.‬‬
‫(‪ )9‬اإلنفاذ الفوري ملا جاء ابلنظام األساسي جبعل احملاكم الشرعية خمتصة بكل أنواع النزاع واجلرائم‬
‫سواء كانت النزاعات عمالية‪ ،‬أو جتارية أو مصرفية أو غري ذلك وسواء كانت أنواع اجلرائم من‬
‫احلدود واجلناايت أو من اجلرائم السياسية أومن جرائم التعزير كالرشوة والتزوير‪ ،‬أو من املخالفات‬
‫كاملرور أو خمالفات املوظفني‪.‬‬
‫(‪ )4‬قصر اختصاص ديوان املظامل حبسب الفقه الشرعي على القضااي اليت ترفع ضد الدولة أو‬
‫املوظفني فيها النامجة عن صالحياهتم وواليتهم ابلدولة‪ ،‬وإحالة كافة اختصاصاته اجلزائية والتأديبية‬
‫إىل احملاكم الشرعية‪ ،‬وتعديل نظامه حبيث يوافق ما جاء ِف النظام األساسي أبال يكون على قضاته‬
‫سلطان إال للشريعة اإلسالمية‪ ،‬وتعديل صالحيات واختصاصات الديوان مبا جيعله متفقاً مع قضاء‬
‫املظامل املعروف ِف الفقه وإلغاء كل أثر للقوانني من نظامه ودوائره‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬لتحقيق وضمان استقالل القضاء وضمان سرعة إنفاذ أحكامه ومحاية احلقوق نقدم‬
‫االقرتاحات التالية‪:‬‬
‫(‪ )4‬رفع مجيع القيود اليت حتول دون تقدمي كل أنواع القضااي والدعاوى إىل احملاكم الشرعية مباشرة‬
‫دون وساطة أو اشرتاط إحالة أي جهة كانت‪ ،‬سواء كان املدعي عليه الدولة أو غريها‪ ،‬وسواء‬
‫كانت الدعوى خاصة أو دعوى حسبة‪ ،‬وسواء كان موضوع النزاع معروضاً على أجهزة حكومية‬
‫أو عدم ذلك‪.‬‬
‫(‪ )9‬مراجعة األنظمة والتعليمات املبلغة للقضاة حالياً من قبل جلنة تشكل من هيئة كبار العلماء‬
‫أو جملس القضاء األعلى هبدف إلغاء مجيع التعليمات اليت ختالف الشرع‪ ،‬أو حتد من صالحية‬
‫القضاء الشرعي ِف النظر ِف بعض القضااي‪.‬‬
‫(‪ )4‬مراجعة نظام القضاء‪ ،‬والنظام اإلداري للقضاء وإعادة صياغته مبا يتفق مع ما جاء ِف النظام‬
‫األساسي من استقاللية القضاة وعدم وجود سلطان عليهم إال الشريعة‪ ،‬ومبا حيقق سرعة إجناز‬
‫القضااي ومعامالت الناس‪.‬‬

‫‪721‬‬
‫(‪ )1‬حصر إصدار التعليمات املوجهة للقضاة مبجلس القضاء األعلى فقط وتوجيه أجهزة الدولة‬
‫من إمارات ووزارات ابلتزام ذلك‪.‬‬
‫(‪ )5‬تعزيز صالحيات جملس القضاء األعلى مبا ميكن من حفظ استقالل القضاء ومحايته من كل‬
‫ما خيالف الشرع أو فرض غري سلطة الشريعة اإلسالمية عليه‪ ،‬ومبا يضمن تنفيذ األحكام القضائية‬
‫وسرايهنا على الكافة‪ ،‬وذلك مبا يلي‪:‬‬
‫أ أن يعرض على جملس القضاء األعلى األنظمة واللوائح اليت تتعلق مبرفق القضاء قبل إقرارها وأن‬
‫يراعى فيها توصية اجمللس‪ ،‬أو أن خيول اجمللس صالحية إصدار األنظمة ذات العالقة أبعمال‬
‫القضاء‪.‬‬
‫ب أن يكون الرتشيح لعضوية اجمللس من قبل اجمللس نفسه أو هيئة كبار العلماء وأن يقتصر ذلك‬
‫على القضاة الذين حازوا على درجة عالية من الفقه واالجتهاد الشرعي والقوة‪ ،‬وأال يُعفى من‬
‫جرى تعيينه إال لسبب شرعي‪.‬‬
‫ج أن خيول اجمللس صالحية خماطبة جهات الدولة بشأن إنفاذ األحكام القضائية القطعية‬
‫ومساءلة من يتسبب ِف عدم إنفاذها وإحالته إىل القضاء للنظر ِف زجره‪ ،‬وإبداء املالحظات عن‬
‫التصرفات اليت قد تؤدي إىل عرقلة أعمال القضاء أو التعدي على استقالل القضاء واملتابعة ِف‬
‫ذلك‪ ،‬والكتابة عن كل تقصري ِف ذلك‪ ،‬ولتحقيق ما ذكر ميكن تكوين جهاز خاص يرتبط‬
‫مبجلس القضاء األعلى يتوىل أعمال املتابعة لتنفيذ األحكام القضائية وقبول التظلمات من عدم‬
‫إنفاذ األحكام القضائية القطعية‪ ،‬ويرفع تقاريره وتوصياته دورايً إىل اجمللس لكي يقوم اجمللس ابختاذ‬
‫اإلجراء املناسب‪.‬‬
‫د تشكيل جملس علمي قضائي يرتبط مبجلس القضاء األعلى يتوىل دراسة األنظمة القضائية‬
‫ودراسة القضااي والنوازل املعاصرة اليت حتتاج إىل نظر واجتهاد وإعداد حبوث شرعية تفصيلية هلا‬
‫يستعني هبا القضاة ِف أحكامهم‪ ،‬ويستفاد ِف ذلك من حبوث هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة‬
‫لإلفتاء واجملامع الفقهية‪.‬‬
‫اثلثا ‪ :‬لضمان قيام القضاة بواجبهم حنو حتقيق العدل والتجرد‪ ،‬ورفع مستوى أداء أعماهلم‪ ،‬ننصح‬
‫مبا أييت‪:‬‬
‫(‪ )4‬تعديل نظام القضاء أبن ينص على عدم عزل إي قاض إال لسبب شرعي موجب‪ ،‬ويكون‬
‫قرار العزل من جهة قضائية وإمجاع القضاة الذين يناط هبم صالحية اإلعفاء أو العزل‪ .‬ويكون‬
‫القرار مسبباً ومبيناً لألدلة الشرعية املوجبة للعزل وذلك أخذا مبا رجح ِف الفقه اإلسالمي من عدم‬

‫‪722‬‬
‫عزل القضاة إال لعذر شرعي‪ ،‬ألهنم ابلوالية يصريون انظرين للمسلمني على سبيل املصلحة ال عن‬
‫اإلمام (األحكام السلطانية أليب يعلى الفراء احلنبلي)‪.‬‬
‫(‪ )9‬إجياد دورات شرعية للقضاة دورية يقدمها علماء شرعيون ذوو أصالة واجتهاد شرعي وأهل‬
‫جتربة وأهلية من القضاة‪ .‬وتتوىل وزارة العدل ابلتعاون مع الكليات الشرعية اإلشراف عليها‬
‫وتعرض فيها أحكام الفقه ذات العالقة وآداب القضاء وتبني فيها قواعد األحكام وأصول تنزيلها‬
‫وأدلة األحكام الشرعية لدي املذاهب الفقهية اإلسالمية املختلفة ومقارنة أدلتها وذلك هبدف رفع‬
‫املستوى الفقهي للقضاة‪.‬‬
‫(‪ )4‬لضمان حسن اختيار القاضي مبا يناسب القضية‪ .‬ميكن أن يشكل ضمن احملاكم الشرعية‬
‫جمالس قضائية ختتص أبنواع القضااي‪ :‬جنائية‪ ،‬أو جتارية‪ ،‬أو إدارية‪ ،‬أو قضااي احلسبة كاملرور‬
‫وخمالفات الغش التجاري أو غري ذلك‪ .‬ويكون قضاة هذه اجملالس من القضاة الشرعيني ابحملاكم‬
‫الشرعية الذين تتوافر فيهم القدرات واالطالع مبا يناسب أنواع هذه القضااي‪.‬‬
‫(‪ )1‬لضمان حسن معرفة القضاة ابلواقع‪ ،‬يتم تدعيم احملاكم الشرعية بعدد من املستشارين ذوي‬
‫االختصاص ابملعارف الفنية والعلمية واهلندسية واإلدارية لتقدمي اخلربة بشأن حتقيق املناط وبيان‬
‫الواقع‪ ،‬وأن خيصص ضمن ميزانية كل حمكمة مبالغ لالستعانة بذوي اخلربة لتقدمي االستشارات‬
‫العلمية والفنية واإلدارية والطبية أو غري ذلك إىل القضاة إذا ما اقتضت احلاجة ذلك‪.‬‬
‫(‪ )5‬عقد اجتماعات دورية للقضاة بكل منطقة تعرض فيها القضااي املشكلة اليت واجهتهم ويتم‬
‫من خالهلا تبادل الرأي الشرعي بشأهنا لزايدة االطالع واإلحاطة ومتحيص االجتهاد‪.‬‬
‫(‪ )1‬مجع األحكام القضائية الصادرة من حماكم اململكة وحماكم التمييز ِف القضااي املختلفة كل عام‬
‫وطباعتها ِف كتب بعد استبعاد أمساء األعيان منها وتكون معروضة للقضاة وطلبة العلم‬
‫الطالعهم واستفادهتم‪.‬‬
‫(‪ )1‬تزويد كل قاض أبمهات الكتب الفقهية اإلسالمية وكتب األحاديث والتفسري عند تعيينه‪،‬‬
‫وختصيص ميزانية لذلك ضمن ميزانية احملاكم لتوفري ما يستجد من كتب وحبوث ِف ذلك لتسهيل‬
‫اطالع القضاة عند احلاجة إليها‪ ،‬وإنشاء جملة خاصة ابلقضاء ِف وزارة العدل تقدم ما حيقق تطوير‬
‫إمكاانت القضاة‪.‬‬
‫(‪ )٧‬تدعيم احملاكم الشرعية ابلعدد الكاِف من القضاة واملوظفني واحلرص على حسن اختيار‬
‫املسؤولني ِف اجلهات اليت ترتبط هبا احملاكم ووزارة العدل‪ ،‬وتدعيم احملاكم مبا حتتاجه من مبان الئقة‬
‫وجتهيزات وأجهزة ومستلزمات حديثة تسهل إجراء األعمال‪.‬‬

‫‪723‬‬
‫رابعا ‪ :‬لبسط هيمنة الشرع على الكافة وضمان حقوق العباد وفق النظر الشرعي تظهر احلاجة إىل‬
‫إنفاذ ما يلي‪:‬‬
‫(‪ )4‬إنشاء حمكمة شرعية عليا يكون قضاهتا من علماء الشرع املتميزين ابلفقه والقوة واالجتهاد‪،‬‬
‫تكون مبثابة حمكمة شرعية هنائية يرجع إليها ِف القضااي الكلية وكل ما يضمن هيمنة الشرع‬
‫وسيادته على األمة والدولة‪ ،‬حبيث يكون من صالحياهتا‪ :‬النظر ِف دعاوي املخالفات الشرعية ِف‬
‫األنظمة واللوائح والتعليمات والتجاوزات والتعدايت املخالفة للشرع ِف أعمال أجهزة الدولة‪،‬‬
‫وتفسري وتعديل مواد النظام األساسي ونصوص األنظمة‪ ،‬والنظر ِف أمور الضرائب والرسوم وفق‬
‫أحكام الشرع وحنو ذلك‪ .‬ويكون التقدم ابلدعوى وحق إقامتها لكل مسلم ابلدولة سواء كانت‬
‫دعوى حسبة أو دعوى خاصة‪.‬‬
‫(‪ )9‬أيضاً ألمهية قضاء احلسبة ِف منع وإزالة ما يضر حبق اجلماعة‪ ،‬جيب أن ختصص جمالس‬
‫قضائية ضمن احملاكم الشرعية للنظر ِف قضااي احلسبة كاملرور وخمالفات الغش التجاري‪ ،‬وخمالفات‬
‫ترك الواجبات الشرعية كالتقصري ِف أداء الصالة أو كشف العورات احملرمة أو غري ذلك‪ ،‬وجيعل له‬
‫عدد كاف من القضاة الشرعيني املتميزين ابلفقه الشرعي‪ ،‬وابملعرفة واإلحاطة ابلواقع‪ ،‬وأن يرتبط‬
‫هبم نواب هيئة األمر ابملعروف والنهي عن املنكر من الناحية التنفيذية ال اإلدارية حبيث ترفع‬
‫القضااي مباشرة من اهليئة إىل قضاة احملكمة الشرعية املختصني بقضااي احلسبة للحكم فيها‪ ،‬ويتوىل‬
‫هؤالء القضاة توجيه أعضاء احلسبة حبسب اآلداب الشرعية ِف االحتساب‪ .‬كما جيب أن يرتبط‬
‫بقضاة احلسبة مركز خاص للشرطة لتنفيذ أوامر قاضي احلسبة وأحكامه ِف املخالفات اليت يتم‬
‫احلكم فيها فورايً ِف مكان حصول املخالفة‪.‬‬
‫(‪ )4‬لضمان متكني القضاء الشرعي من حراسة وحفظ حقوق العباد ومنع التجاوزات على حقوق‬
‫اإلنسان الشرعية‪ ،‬جيب أن تبسط هيمنة القضاء الشرعي على رجال الشرطة واألمن وأعضاء‬
‫اهليئات ومن ِف حكمهم‪ ،‬وذلك أبن تقصر إصدار أحكام السجن أو التوقيف على ذمة التحقيق‬
‫أو دخول املنازل أو القيام بعمل يرتتب عليه إهدار حق من حقوق االنسان املقررة شرعاً من قبل‬
‫أجهزة الضبط اجلنائي أو رجال اهليئة أو غريهم من املنفذين يقصر كل هذا على صدور حكم هبا‬
‫من قاض شرعي بذلك‪ ،‬وأن مينع كل ذلك إال حبكم القضاء الشرعي‪ .‬كما جيب لضمان هذه‬
‫احلقوق أن خيصص قضاة للعمل خارج وقت الدوام وِف اإلجازات كي يرجع إليهم إلصدار‬
‫األحكام العاجلة عند االقتضاء‪.‬‬

‫‪724‬‬
‫حقوق العباد‪:‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫لقد أكدت الشريعة اإلسالمية على كرامة اإلنسان وعلى حفظ حقوقه الشرعية ِف مبادئها العامة‬
‫وتوجيهاهتا األخالقية‪ ،‬كما جاءت كذلك أبرقى النظم واألحكام التفصيلية العملية لضمان هذه‬
‫احلقوق وإقامتها ِف اجملتمعات اإلنسانية ومنع كل تعد عليها‪ .‬ونعرض فيما يلي أصوالً وقواعد‬
‫مقررة ِف الشرع تتعلق حبقوق العباد لالستهداء هبا ِف إصالح األحوال وبيان احلق وتطبيق الشرع‬
‫ِف ذلك‪.‬‬
‫األصل األول‪ :‬مصدر حقوق العباد هو الشرع وحده ‪.‬‬
‫لقد كفلت الشريعة اإلسالمية حقوق العباد أبن قصرت احلكم ابإلابحة والتحرمي والتشريع ألفعال‬
‫البشر على حكم هللا تعاىل ال غري‪ .‬ومل جتعل ألحد احلق ِف أن حيل أو حيرم أو مينع حقوقاً أو‬
‫يسلبها إال إبذن هللا تعاىل وِف حدود شرعه وابالجتهاد واالستنباط الصحيح من أدلة شريعته‪ ،‬قال‬
‫عزوجل ﴿ إن احلكم إال هلل أمر أال تعبدوا إال إايه ذلك الدين القيم﴾(سورة يوسف‪ ،)1٧:‬وقال‬
‫تعاىل ﴿ قل أرأيتم ما أنزل هللا لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحالالً قل آهلل أذن لكم أم على هللا‬
‫تفرتون﴾(سورة يونس‪ ،)52:‬وقال ﴿ أم هلم شركاء شرعوا هلم من الدين ما مل أيذن به هللا﴾(سورة‬
‫الشورى‪.)94:‬‬
‫وبتقرير أن الشرع وحده مصدر احلقوق‪ ،‬ضمان حلقوق العباد‪ ،‬ومنع من أن يكون منح احلقوق أو‬
‫سلبها تبعاً للمصاحل اآلنية ورغبات النفوس وأهوائها‪ ،‬وجبعل احلقوق منوطة ابلتحديد الشرعي منع‬
‫لتسلط فئة على أخرى أو طبقة اجتماعية على غريها أو احلكام على احملكومني‪ ،‬كما أن ذلك‬
‫جيعل االحتكام عند تضارب املصاحل والرغبات مقتصراً على هذا املرجع الثابت وهو الشرع‬
‫اإلسالمي الذي ال يتبدل وال يتغري ابختالف العصور واألحوال‪ ،‬والذي ال خيتص ابلرجوع إليه‬
‫أحد من املسلمني دون أحد‪.‬‬
‫وبتقرير هذا األصل يتبني كمال دين اإلسالم الذي حدد للعباد مصدراً هنائياً حلقوقهم ذا سيادة‬
‫عليا عليهم مجيعاً هو شريعة هللا تعاىل وأحكامه وجعل استمداد األحكام احلقوقية مبنياً على ما‬
‫جاء ابألدلة الشرعية‪ .‬وهذا خبالف ما وقع فيه التشريع الوضعي من ربط مصدر احلقوق جبمعية‬
‫أتسيسية لوضع الدستور أو هيئة تشريعية لوضع القوانني ابتداء‪ ،‬مما جيعل الدستور والقانون من‬
‫وضع السلطة احلاكمة‪ ،‬وتكون النتيجة احلتمية لذلك هو تقييد احلقوق وفقاً ملا تراه السلطة‬
‫املهيمنة‪ .‬وهذا احلال يؤدي ِف كثري من األحيان إىل انتهاك كرامة األفراد ابسم القانون وسلبهم‬

‫‪725‬‬
‫حقوقهم ابلقواعد االستثنائية وقواعد الطوارئ والقوانني العرفية مث فقدان حقوقهم اإلنسانية ِف هناية‬
‫املطاف‪.‬‬
‫ويرتتب على هذا األصل كذلك أمر ِف غاية األمهية هو أن الدولة الشرعية اليت ترفع لواء العقيدة‬
‫اإلسالمية وتطبق شريعة اإلسالم يلزمها الرجوع إىل شرع هللا وحده إلقرار حقوق الناس فال يسعها‬
‫أن تقرر حقوقاً للمواطنني أو للوافدين هبا استمداداً مما خيالف الشرع‪.‬‬
‫األصل الثاين‪ :‬كل ما أمر أو أذن به الشرع يُعد حقاً اثبتاً للمكلف‪.‬‬
‫إن جعل الشريعة وحدها مصدر حقوق العباد جيعل للمكلف احلق ِف القيام بكل فعل مباح أو‬
‫مندوب أو واجب ابلشرع‪ ،‬فإذا قرر الشرع مثالً وجوب األمر ابملعروف والنهي عن املنكر أو إبداء‬
‫الرأي والنصيحة ِف حدود الشرع‪ ،‬أو إذا أابح أو ندب الشرع للفرد ممارسة فعل أو قول أو تصرف‬
‫من بيع أو شراء‪ ،‬فإن هذا اإلقرار من الشرع جيعل كل هذه األفعال مشروعة أبداً‪ ،‬فال جيوز ألحد‬
‫كائناً من كان أن مينع ذلك إال مبقتضى شرعي‪ .‬قال عزوجل "تلك حدود هللا فال تقربوها"‪ ،‬وقال‬
‫"وتلك حدود هللا ومن يتعد حدود هللا فقد ظلم نفسه"‪ ..‬إىل غري ذلك من آايت تلزم ابلوقوف‬
‫عند حدود هللا اليت شرعها لعباده‪.‬‬
‫األصل الثالث‪ :‬كل انتهاك للحقوق املشروعة حمرم شرعاً‪:‬‬
‫أكدت الشريعة اإلسالمية أيضاً علي صيانة حقوق العباد حيث حرم الشرع انتهاك حقوق اإلنسان‬
‫املشروعة وكفل حرمة دمه وماله وعرضه ومنع كل اعتداء على ذلك‪ .‬كما جاءت كذلك‬
‫ابلتشريعات األخالقية الراقية اليت تضمن إقامة هذه احلقوق بتحرمي الظلم واحلسد والغيبة وغمط‬
‫الناس واحلث على املكارم األخالق‪ ،‬قال تعاىل ﴿والذين يؤذون املؤمنني واملؤمنات بغري ما اكتسبوا‬
‫فقد احتملوا هبتاانً وإمثاً مبيناً﴾(سورة األحزاب‪ )5٧:‬ويقول عليه الصالة والسالم "كل املسلم على‬
‫املسلم حرام دمه وماله وعرضه"(‪ )4‬وقال عليه الصالة والسالم "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم‬
‫عليكم حرام"(‪.)9‬‬
‫وحرم الشرع التجسس على املسلمني مطلقاً‪ ،‬قال تعاىل ﴿ اي أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثرياً من‬
‫الظن إن بعض الظن إمث وال جتسسوا﴾(سورة احلجرات‪ .)49:‬وأكدت السنة املطهرة على منع‬
‫جتسس الدولة على الرعية‪ ،‬وقال عليه الصالة والسالم "إن األمري إذا ابتغى الريبة ِف الناس‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪. )9511( - 49‬‬
‫(‪ )9‬مسند أمحد (‪ )4٧211‬وحكم شعيب األرنؤوط صحيح لغريه ‪.‬‬

‫‪726‬‬
‫صب ِف‬‫أفسدهم"(‪ ،)4‬وقال عليه الصالة والسالم " من استمع إىل حديث قوم وهم له كارهون ُ‬
‫أذنيه اآلنك" وقال " من تتبع عورات املسلمني يتبع هللا عورته" وِف رواية قال "ومن يتبع هللا عورته‬
‫يفضحه ِف جوف بيته"(‪.)9‬‬
‫ولقد أكدت الشريعة على ضمان خصوصيات الفرد أبن جعلت للبيوت حرمة ومنعت االطالع‬
‫عليها أو دخوهلا بغري إذن أهلها‪ ،‬قال تعاىل ﴿ اي أيها الذين آمنوا ال تدخلوا بيواتً غري بيوتكم حىت‬
‫تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خري لكم لعلكم تذكرون﴾(سورة النور‪ .)91:‬ويقول عليه‬
‫الصالة والسالم "لو أن امرأ اطلع عليك بغري إذن فحذفته حبصاة ففقأت عينه مل يكن عليك‬
‫جناح"(‪ .)4‬وهلذا ال خيتلف الفقهاء على حرمة التجسس وحرمة دخول البيوت بغري إذن أهلها ومل‬
‫يستثنوا ِف ذلك إال حالة واحدة فُصلت ِف كتب الفقه وآداب احلسبة وهي منع وقوع جرم يؤدي‬
‫إىل هالك حرمة يفوت استدراكها واستنقاذها كانتهاك عرض أو قتل نفس أو إتالف مال‪ ،‬وذلك‬
‫لتعارض حرمة الفرد والبيت مع حرمة النفس والعرض واملال‪ .‬أما ما عدا ذلك فاألصل حرمة بيوت‬
‫املسلمني وخصوصياهتم ووجوب إنفاذ النصوص القطعية اليت جاءت بتحرمي التجسس على الناس‬
‫ومنع دخول البيوت إال إبذن أهلها أو إبذن الشارع ِف ذلك‪.‬‬
‫حرمت الشريعة أيضاً التعذيب مطلقاً ِف غري العقوابت الشرعية‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم "إن هللا‬
‫يعذب الذين يعذبون الناس ِف الدنيا"(‪ ،)1‬وحفظ اإلسالم كذلك حقوق املسلم أبن أسقط كل‬
‫ما ينجم عن اإلكراه للمسلم صوانً له من ضياع حقه عن طريق االعتداء واإلكراه له‪ ،‬قال عليه‬
‫الصالة والسالم "إن هللا وضع عن أميت اخلطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"(‪ .)5‬ومنعت الشريعة‬
‫كذلك من إنزال العقاب على جرم إال بعد ثبوته ابلبينة الشرعية ووفق الدليل الشرعي‪ .‬وبينت‬
‫السنة أن حبس املتهم على سبيل االحتياط للتحقق ِف أمره قبل إحالته إىل القضاء ال يكون إال‬
‫ملدة يسرية ملا روى الرتمذي وحسنه وروى البيهقي عن هبز بن حكيم أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص "حبس رجالً‬
‫ساعة من هنار مث خلى سبيله"(‪ .)1‬كما حرصت الشريعة على قاعدة براءة الذمة حىت تثبت إدانة‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن الرتمذي (‪ )1٧٧2‬وحكم األلباين صحيح لغريه ‪.‬‬
‫(‪ )9‬سنن ايب داود (‪ )1٧٧٧‬وحكم األلباين حسن صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )12٧9‬‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم ‪. )9144( - 44٧‬‬
‫(‪ )5‬سنن ابن ماجة (‪ )9٧15‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )1‬سنن الرتمذي (‪ )4141‬السنن الكربى للبيهقي (‪ )44924‬وحكم األلباين حسن ‪.‬‬

‫‪727‬‬
‫املرء شرعاً‪ ،‬أبن جعلت األصل براءة الذمة‪ ،‬وأكدت على درء احلدود ابلشبهات وعلى أن خطأ‬
‫اإلمام ِف العفو خري من خطئه ِف العقوبة‪.‬‬
‫فكل هذه األحكام العملية تصون حقوق العباد وحترم كل انتهاك وسلب هلا من غري وجه شرعي‪.‬‬
‫األصل الرابع‪ :‬الدولة الشرعية مسؤولة ِف اجلملة عن إيصال احلقوق إىل أهلها ورعايتها‪.‬‬
‫أوجبت األدلة الشرعية كذلك أتمني حقوق اإلنسان أبن جعلت الدولة مسؤولة جتاه رعاية شؤون‬
‫كافة رعيتها ومحايتهم وإيصال احلقوق إليهم والعدل بينهم وحرمت عليها كل حيف أو جور بني‬
‫أفراد رعيتها بسبب الطائفة أو اجلنس أو اللون أو القبيلة أو غري ذلك‪ .‬فاإلسالم مل ينصب الدولة‬
‫حلفظ احلرايت لألغنياء وذوي الثروات من املرابني واحملتكرين كما ِف األنظمة الرأمسالية أو للحكم‬
‫نيابة عن طبقة أو فئة كاألنظمة املاركسية املستبدة‪ ،‬إمنا نصبها إلقامة أحكام الشريعة اإلسالمية‪،‬‬
‫ويقتضي ذلك مسؤولية الدولة املباشرة عن رعاية شؤون أفراد الرعية وإيصال حقوقهم إليهم والعدل‬
‫ومنع التظامل واجلور بينهم ِف ذلك‪ .‬قال تعاىل ﴿إن هللا أيمركم أن تؤدوا األماانت إىل أهلها وإذا‬
‫حكمتم بني الناس أن حتكموا ابلعدل﴾(سورة النساء‪ ،)5٧ :‬ويقول ﴿ إن هللا أيمر ابلعدل‬
‫واإلحسان وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء واملنكر والبغي﴾(سورة النحل‪ ،)2٧:‬وثبت كل‬
‫ذلك أيضاً ابلسنة العملية والقولية حيث يقول الرسول ملسو هيلع هللا ىلص " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته‬
‫فاإلمام راع وهو مسؤول عن رعيته"(‪ ،)4‬وقال " ما من عبد يسرتعيه هللا رعية ميوت يوم ميوت وهو‬
‫غاش لرعيته إال حرم هللا عليه اجلنة"(‪ .)9‬وأكد الشرع على حترمي اجلور واحليف بني املسلمني‪ ،‬قال‬
‫عليه الصالة والسالم " من ويل من أمر املسلمني شيئاً فوىل رجالً وهو جيد من هو أصلح‬
‫للمسلمني منه فقد خان هللا ورسوله"(‪ ،)4‬وقال " إمنا أهلك الذين قبلكم أهنم كانوا إذا سرق فيهم‬
‫الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه احلد"(‪ .)1‬وكل هذه األحكام الشرعية تدل‬
‫قطعاً على مسؤولية الدولة جتاه رعيتها وواجبها ِف إيصال احلقوق ألهلها والعدل بينهم ِف ذلك‪.‬‬
‫وبناء على هذا العرض لألصول والقواعد الشرعية املتعلقة حبقوق العباد يظهر جلياً أن األدلة‬
‫الشرعية من الكتاب والسنة تؤكد على كرامة الفرد وتضمن حقوقه ابلعيش الكرمي وتصون هذه‬
‫احلقوق على أكمل مثال وأحسن وجه‪ ،‬واملتأمل الناظر ِف التاريخ جيد أن تسلط أي دولة على‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪)٧24‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم ‪)419( - 991‬‬
‫(‪ )4‬السنن الكربى للبيهقي (‪)9٧411‬‬
‫(‪ )1‬صحيح البخلري (‪)4115‬‬

‫‪728‬‬
‫رعاايها ابإليذاء أو التعذيب أو الغش أو التجسس وانتهاك حقوقهم والتقصري ِف إيصاهلا إليهم‬
‫يؤدي إىل متزيق اجملتمع ومنع االتقياء وأهل الصالح من العمل على حفظه وصيانته مما قد يؤدي‬
‫ابلنهاية إىل اهنيار الدولة أو خضوعها ألعدائها أو زوال آاثرها ابلكلية‪ .‬وهلذا يذكر علماء‬
‫االجتماع كابن خلدون رمحه هللا هذا األمر العظيم قائالً " إن احلاكم إذا كان قاهراً ابطشاً‬
‫ابلعقوابت منقباً عن عورات الناس وتعديد ذنوهبم مشلهم اخلوف والذل والذوا منه ابلكذب واملكر‬
‫واخلديعة فتخلقوا هبا وفسدت بصائرهم وأخالقهم‪ ،‬ورمبا خذلوه ِف مواطن احلروب واملدافعات‬
‫ففسدت احلماية بفساد النيات فتفسد الدولة وخيرب السياج"‪.‬‬

‫الوضع اإلداري‪:‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫لقد أوجب هللا تعاىل على من يتوىل أمر املسلمني أن جيعل من أوىل مهماته حسن تصريف أحوال‬
‫الناس وحسن إدارة شؤوهنم وإيصال احلقوق إليهم‪ ،‬وحيث أن الدولة ِف هذا العصر ال يستقيم‬
‫أمرها وال ميكن أداء حقوق األفراد وواجباهتم لبعضهم البعض إال وفق تنظيم إداري ييسر األساليب‬
‫اليت يتوصل هبا إىل تلك احلقوق والواجبات‪ ،‬فإن العناية ابلتنظيم اإلداري واألجهزة اإلدارية أمر‬
‫حيوي لتحقيق هنضة اجملتمع وتيسري سبل العيش ألفراده‪ ،‬ولذا نعرض فيما أييت بعض األصول اليت‬
‫شهدت هلا الشريعة املطهرة ِف ما يتعلق ابلتنظيم اإلداري كي تكون مرجعاً يستهدى به ِف‬
‫اإلصالح هبذا اخلصوص‪:‬‬
‫األصل األول‪ :‬األمانة والعلم هي معيار أحقية تلك الوظيفة‪:‬‬
‫دلت آايت القرآن العظيم واألحاديث الشريفة على أن مقياس اجلدارة ِف تويل الوظائف هو القوة‬
‫واألمانة قال تعاىل ﴿إن خري من استأجرت القوي األمني﴾(سورة القصص‪ ،)91:‬وقال﴿ قال‬
‫اجعلين على خزائن األرض إين حفيظ عليم﴾(سورة يوسف‪ .)55:‬وكان عليه الصالة والسالم‬
‫يعني لتويل املهام من يعهد فيه القدرة والكفاءة حيث وىل أسامة بن زيد على جيش الشام مع‬
‫صغر سنه‪ ،‬ووىل معاذاً على اليمن وجعل له الصالة والصدقة‪ ،‬وأرسل علياً هنع هللا يضر إىل اليمن‪ ،‬وكان‬
‫يفاضل بني أصحابه مهنع هللا يضر ِف القيام ابملهام حبسب قدراهتم فكان يقول فيما رواه الرتمذي وغريه‬
‫"أقضاهم علي‪ ،‬وأفرضهم زيد بن اثبت وأقرؤهم أُيب وأعلمهم ابحلالل واحلرام معاذ بن جبل"(‪.)4‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن ابن ماجة (‪ )451‬وحكم األلباين صحيح‬

‫‪729‬‬
‫ووىل خالد بن الوليد هنع هللا يضر قيادة جيش املسلمني وجعله قائداً على من هو أسبق منه إسالماً‪ .‬ومل‬
‫يعني أاب ذر هنع هللا يضر مع سبقه ِف اإلسالم على اإلمارة وبني له أن السبب هو ضعفه عن ذلك‪ .‬فهذه‬
‫األدلة تبني أن األمانة والقوة والعلم مبهام العمل هي معيار تولية املنصب‪ .‬فضالً عن أن اإلسالم‬
‫حرم تولية املنصب ملن ال يستحقه حماابة له ففي احلديث "من ويل من أمر املسلمني شيئاً فوىل‬
‫رجالً وهو جيد من هو أصلح للمسلمني فقد خان هللا ورسوله" رواه احلاكم وصححه(‪.)4‬‬
‫األصل الثاين‪ :‬سياسة اإلدارة تقوم على تسيري اإلجراءات وسرعة اإلجناز واإلتقان‪:‬‬
‫إن واقع اإلدارة يبني أن هدفها حتقيق مصاحل الناس ولذا جيب أن تتميز السياسة اإلدارية مبا يؤدي‬
‫إىل حتقيق ذلك أبيسر سبيل وأقصر وقت‪ ،‬وقد أكد عليه الصالة والسالم على اإلحسان ِف كل‬
‫شيء فقال "إن هللا كتب اإلحسان على كل شيء"(‪ )9‬ولذا فإن اإلحسان ِف أداء العمل مطلوب‬
‫شرعاً‪ .‬وهذا يقتضي تيسري اإلجراءات على الناس‪ .‬وكذلك أمر الرسول عليه الصالة والسالم‬
‫إبتقان العمل بقوله "إن هللا حيب من أحدكم إذا عمل عمالً أن يتقنه"(‪ .)4‬ولذا فإن سياسة‬
‫اإلدارة ِف الدولة الشرعية جيب أن تقوم على تيسري اإلجراءات وسرعة اإلجناز وإتقان ِف العمل‪.‬‬
‫األصل الثالث‪ :‬وجوب حماسبة ومراقبة أداء املوظفني ألعماهلم‪:‬‬
‫ثبت ابلسنة وإمجاع الصحابة أمهية قيام من يتوىل األمر بتفقد أحوال عماله ووالته ومن يعينهم‬
‫للمهام‪ ،‬فقد قام عليه الصالة والسالم ابإلنكار على عامله ابن اللتبية لقبوله اهلدية أثناء عمله‬
‫حيث قال "ما ابل العامل نبعثه فيأيت فيقول هذا لكم وهذا أهدي إيل فهال جلس ِف بيت أبيه‬
‫أوأمه فينظر أيُهدى إليه أم ال‪ .‬والذي نفسي بيده ال أييت بشيء إال جاء به يوم القيامة‪)1("..‬‬
‫وكان عمر هنع هللا يضر شديد املراقبة للوالة وقد عني دمحم بن مسلمة للكشف عن أحوال والته‪ ،‬وكان جيمع‬
‫الوالة ِف موسم احلج لينظر فيما عملوه ويصغي إىل شكاوي الرعية منهم‪ ،‬وبلغ من شدة مساءلته‬
‫هلم هنع هللا يضر أنه كان يعزل كل من يتذمر منه رعيته حىت لو كان من خيار الصحابة مهنع هللا يضر ويقول " هان‬
‫شيء أصلح به قوماً أن أبدهلم رجالً مكان رجل"‪ .‬وهلذا جيب على ويل األمر تفقد أحوال والته‬
‫وعملهم وحماسبتهم على كل تصرف يسخط املسلمني منهم‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬املستدرك للحاكم (‪ )1٧94‬وحكم األلباين ضعيف‪ .‬أنظر السلسة الضعيفة (‪)1515‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم ‪)4255( - 51‬‬
‫(‪ )4‬مسند أيب يعلى املوصلي (‪ )14٧1‬وحكم األلباين حسن ‪ .‬أنظر السلسة الصحيحة (‪)4444‬‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري (‪)1141‬‬

‫‪731‬‬
‫الواقع اإلداري‪:‬‬
‫عند إمعان النظر ِف واقع األوضاع اإلدارية ِف هذه البالد نالحظ األمور التالية‪:‬‬
‫(‪ )4‬أن التنظيم اإلداري ِف كثري من جوانبه مل يتطور مبا تتطلبه حاجات الناس‪ ،‬فالنظام املايل‬
‫ونظام امليزانية ونظام التقاعد مثالً مل تطرأ عليها منذ أن وضعت تعديالت جوهرية تتناسب مع‬
‫متطلبات التطور والنمو الذي حدث ِف كثري من املرافق واخلدمات‪ .‬وقد تسبب ذلك ِف تعطيل‬
‫كثري من املصاحل واحلاجات‪ ،‬وهي ِف أساسها قد اقتبست من بالد أخرى ختتلف ظروفها‬
‫وإمكاانهتا عما تطورت إليه الظروف واألحوال ِف هذه البالد‪.‬‬
‫(‪ )9‬أن أكثر النظم اإلدارية مركزية وفردية واملرجع ِف أكثر القرارات يكون لقرار رئيس املؤسسة أو‬
‫املصلحة احلكومية الفردي‪ ،‬بل وِف كثري من األمور البسيطة واخلاصة أبفراد يتطلب القرار فيها‬
‫رفعها إىل مقام ويل األمر (مثل اإلذن ابملشاركة ِف املؤمترات العلمية الدولية‪ .‬أو إرسال الدعاة إىل‬
‫اخلارج‪ ،‬أو عقد الندوات واللقاءات العلمية‪..‬اخل) وال خيفى ما ِف ذلك من شغل لويل األمر‬
‫واملسئولني عما هو أهم من مصاحل املسلمني‪.‬‬
‫(‪ )4‬ال تطبق معايري لتغيري كبار املوظفني ِف الدولة حسب القدرة والكفاءة ومراجعة إجنازاهتم‬
‫وأدائهم واستبداهلم عند احلاجة والضرورة‪ .‬فمن املالحظ أن ِف الدولة وزراء ومسؤولني كباراً يشغلون‬
‫مناصبهم منذ عشرات السنني‪ ،‬ومنهم من أصابه الكرب واملرض‪ ،‬مع أن ِف البالد كثرياً من ذوي‬
‫اخلربة والكفاءة‪ ،‬ولديهم من العلم واخلربة والتجربة واألهلية ما ميكنهم من القيام هبذه األعمال على‬
‫الوجه املطلوب‪.‬‬
‫(‪ )1‬إطالق ألقاب التفخيم على كبار املسؤولني واملوظفني وأصحاب اجلاه والتداول الرمسي هلا ِف‬
‫املعامالت مما ال يوجد له أساس شرعي‪ .‬بل إن كثرياً من هذه األلقاب حيوي مبالغة قد تؤدي إىل‬
‫املدح املذموم شرعاً‪.‬‬
‫(‪ )5‬يالحظ التوجه اإلقليمي والفئوي ِف بعض اجلهات واملصاحل احلكومية‪ ،‬فعندما يكون رئيس‬
‫اجلهة من منطقة أو مدينة أو إقليم معني‪ ،‬فإنه حيرص على أن يكون معظم مساعديه واملوظفني‬
‫املهمني لديه من املنطقة أو اإلقليم أو املدينة أو القرية اليت ينتمي إليها‪ .‬وِف هذا تكريس لإلقليمية‬
‫والعنصرية وإضاعة ملبدأ السواسية بني الناس الذي هو حق من احلقوق األساسية اليت كفلها‬
‫اإلسالم هلم‪ ،‬مع ما ِف ذلك من مفسدة وخطر على مستقبل األمة ووحدهتا‪.‬‬
‫(‪ )1‬استفاضة األخبار واملعلومات عن حاالت للرشوة والفساد املايل والعموالت بني عدد من كبار‬
‫املسؤولني مل يتم اختاذ اإلجراءات اليت يوجبها الشرع ِف حق هؤالء املتهمني‪ .‬بينما تنشر الصحف‬

‫‪731‬‬
‫يومياً أمساء وصور الذين يصدر ديوان املظامل أحكاماً حبقهم بسبب ارتكاهبم ألعمال الرشوة والتزوير‬
‫من عامة وضعفاء الناس وخاصة من الوافدين‪ .‬ورسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص حيذران "إمنا أهلك من كان قبلكم‬
‫أهنم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه احلد"(‪ .)4‬ومن املفارقات‬
‫أنه ِف البالد الكافرة إذا تبني أن أحداً من كبار املسؤولني ارتكب خمالفة ولو بسيطة فإنه يعرض‬
‫للتساؤالت واحملاكمات والعقاب واإلقالة‪ ،‬ألن األمر ِف شأنه يعترب أكرب منه لدى املوظف العادي‪.‬‬
‫بل إن اجلهات اليت أنشئت هبدف مراقبة ومكافحة هذه األمور قد تكف يدها عندما يتعلق األمر‬
‫مبسؤول كبري‪ ،‬وتُعطي هلا احلرية عندما يكون موضع التهمة موظف صغري‪.‬‬
‫‪ )1‬انتشار حاالت للمحسوبية والواسطة‪ ،‬فإنه يكاد يكون من املسلَّم به بني أغلب الناس أن‬
‫تسهيل إجناز املعامالت وسرعة نيل احلقوق حيتاج واسطة من صديق أو قريب يسهل ذلك‪ ،‬أما‬
‫من ليس له واسطة فإن مصاحلهم قد تتعطل ِف أحيان كثرية‪.‬‬
‫‪ )٧‬التسيب اإلداري بشكل ملحوظ ِف أداء األعمال وإجناز حاجات الناس‪ ،‬ولعل أهم أسباب‬
‫ذلك غياب النموذج والقدوة ِف رؤسائهم وفقدان املراقبة واملتابعة هلم فإن هللا يزع ابلسلطان ما ال‬
‫يزع ابلقرآن‪.‬‬
‫‪ )2‬تكدس املوظفني ِف بعض املناطق وبعض اإلدارات ونقص عددهم ِف أماكن أخرى مع احلاجة‬
‫املاسة هلم فيها مما يؤثر سلباً على إجناز معامالت الناس وقضاء حاجاهتم‪.‬‬

‫سبيل اإلصالح‪:‬‬
‫إن مثل هذه الظواهر متثل عوامل وهن وتعطيل ملصاحل الناس وإعاقة لنمو البالد وتقدمها وأمنها‪،‬‬
‫وإن سبل إصالح مثل هذه األمور متيسر وممكن بعون هللا إذا صدقت النية وصحت العزمية‪ ،‬ومن‬
‫أجل ذلك ننصح مبا يلي‪:‬‬
‫‪ )4‬مراجعة مجيع األنظمة املالية واإلدارية احلالية من قبل أشخاص يوثق بعلمهم وإخالصهم‬
‫وخربهتم‪ ،‬وتطويرها مبا تتطلبه احتياجات النمو والتطور السريع‪ ،‬وتيسريها ليكون اهلدف األساسي‬
‫منها هو تيسري شؤون الناس وضمان حقوقهم وواجباهتم‪ ،‬وأن تبىن هذه األنظمة على األساس‬
‫الشرعي‪ ،‬وأن هتدف السياسة اإلدارية إىل تيسري اإلجراءات والسرعة ِف اإلجناز واإلتقان ِف األداء‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )4115‬‬

‫‪732‬‬
‫(‪ )9‬أن تكون اإلدارة ال مركزية نظاماً‪ ،‬أبن توزع الصالحيات لكل مسؤول من أصغر موظف إىل‬
‫األكرب ِف تدرج املسؤولية‪ ،‬حبيث يؤدي كل منهم واجبه وميارس صالحياته وفق النظام‪ ،‬كما حيرص‬
‫على اختصار خطوات اختاذ القرارات وإجراءاهتا حسب أمهية القرار وعموميته ومساسه مبصاحل‬
‫الناس‪.‬‬
‫(‪ )4‬اختبار الكفاءات والقادرين من أبناء األمة‪ ،‬خاصة ِف املناصب الكبرية ال سيما أن انتشار‬
‫التعليم ِف كافة أحناء اململكة يسر إمكانية احلصول على املؤهلني منهم فيها‪ ،‬ولتحقيق ذلك ميكن‬
‫أن يرتك الرتشيح للمناصب ذات العالقة املباشرة جبمهور الناس وقضااي املنطقة ومشاكلها ملشورة‬
‫أهل احلل والعقد ابملنطقة‪ ،‬وذلك حنو مناصب وكالء اإلمارات‪ ،‬ورؤساء البلدايت ومديري‬
‫اجلامعات ووكالئهم وحنوهم‪.‬‬
‫(‪ )1‬وضع سياسة رقابية ملصادر اإلثراء لكبار املوظفني أثناء فرتة عملهم ومعاقبة من يثبت‬
‫استغالله لسلطة الوظيفة وحصوله على دخل غري شرعي‪ ،‬سواء ابلرشوة أ و استغالل النفوذ أو‬
‫االختالس أو احملاابة واحملسوبية بعد حماكمته حماكمة شرعية‪ ،‬وذلك بصرف النظر عن وظيفته‬
‫ومكانته ‪ ،‬إذ أن العقاب ينبغي أن يكون أشد كلما كربت الوظيفة واملسؤولية املرتتبة عليها ألن‬
‫املفسدة ِف ذلك أعظم‪.‬‬
‫(‪ )5‬وضع لوائح إجرائية لتغيري كبار املسؤولني واملوظفني واستبداهلم بغريهم دورايً‪ ،‬وكذلك استبداهلم‬
‫إذا ظهرعليهم الوهن وضعف األداء‪ ،‬وتشجيع التبادل ِف املناصب والوظائف لتجديد النشاط‬
‫وتبادل اخلربات وإعطاء الفرصة لظهور كفاءات جديدة من وقت آلخر تسهم ِف مسرية النمو‬
‫والعطاء‪.‬‬
‫(‪ )1‬إزالة املظاهر اجلاهلية ِف التعصب اإلقليمي والفئوي ِف وظائف الدولة إذ أن الوظيفة العامة‬
‫ليست ملكاً للموظف الكبري حيايب هبا أقرابءه وبين قريته ومدينته ومنطقته وإمنا هي أمانة ِف عنقه‬
‫يعني عليها من تتوافر فيه الكفاءة واألمانة واخلربة‪ ،‬وينبغي لتحقيق ذلك تشكيل هيئة قضائية‬
‫شرعية مستقلة بديوان املظامل ميكن تقدمي دعاوى التظلم إليها مباشرة من كل فرد جرى التمييز‬
‫ضده أو منع من نيل حقه املشروع بسبب الفئة أو اإلقليم أو العصبية‪.‬‬
‫(‪ )1‬حذف ألقاب التفخيم اليت ما أنزل هللا هبا من سلطان وليس هلا أساس شرعي واالكتفاء‬
‫ابملخاطبة أبحب لقب وأحسنه وهو أخوة اإلسالم أو املسمى الوظيفي للفرد‪.‬‬

‫‪733‬‬
‫املرافق االجتماعية‪:‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫لقد جاء الدين اإلسالمي ابلرمحة والعدل وقصد إىل تكرمي اإلنسان‪ ،‬وهدف إىل حماربة الفقر وأال‬
‫يكون املال ُدولة بني األغنياء‪ ،‬كما هدف إىل حتقيق احلاجات األساسية للعيش مبستوى الئق‬
‫جلميع أهل اإلسالم‪ ،‬ونبني فيما أييت قضااي شرعية ِف هذا الباب‪:‬‬
‫أوال‪ :‬وجوب قيام الدولة اإلسالمية واملسلمني فيها بكفاية احلاجات األساسية للرعية‪:‬‬
‫لضمان كفاية أفراد األمة ِف حاجاهتم األساسية أمر الدين ابلعمل وحض عليه وأعلى مكانته‪ ،‬كما‬
‫شرع ملن حيتاجون إىل الرعاية من الكبار والصغار والنساء وغريهم نظاماً متكامالً للنفقة عليهم من‬
‫املوسرين من أقارهبم نسباً ومن عصابتهم وأزواجهم‪ ،‬وأوجب على سائر أفراد األمة االلتفات إىل‬
‫أهل احلاجات وتفقدهم ورفع حاجاهتم‪ ،‬قال تعاىل﴿والذين ِف أمواهلم حق معلوم* للسائل واحملروم‬
‫﴾(سورة املعارج‪ )95-91:‬وقال ملسو هيلع هللا ىلص "وأميا أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم‬
‫ذمة هللا تعاىل" (‪ )4‬رواه اإلمام أمحد ِف املسند وصححه أمحد شاكر‪.‬‬
‫ابإلضافة إىل ذلك‪ ،‬أوجب الشرع على الدولة املسلمة السعي لتحقيق حاجات الناس األساسية‪،‬‬
‫فرتعى الفقراء واملساكني وأهل احلاجات من موارد بيت املال العامة‪ ،‬ومن مورد خاص لذلك هو‬
‫الزكاة اليت جتمعها من املسلمني قال هللا تعاىل ﴿ إمنا الصدقات للفقراء واملساكني والعاملني عليها‬
‫واملؤلفة قلوهبم وِف الرقاب والغارمني وِف سبيل هللا وابن السبيل فريضة من هللا وهللا عليم حكيم﴾‬
‫(سورة التوبة‪ ،)1٧:‬ولقد شرع اإلسالم أن يعطى الفقري واملسكني ما خيرجهما من احلاجة إىل‬
‫الغىن‪ ،‬قال عمر بن اخلطاب هنع هللا يضر "إذا أعطيتم فأغنوا"(‪()9‬األموال أليب عبيد)‪ .‬وكان عمر حيلف‬
‫على أميان ثالثة "وهللا ما أحد أحق هبذا املال من أحد‪ ،‬وما أان أحق به من أحد‪ ،‬ووهللا لئن بقيت‬
‫ألوتني الراعي جببل صنعاء حظه من هذا املال وهو يرعى مكانه"(‪( )4‬رواه أمحد ِف املسند)‪.‬‬
‫واحلاجات األساسية هي املأكل واللباس والسكن‪ ،‬قال ملسو هيلع هللا ىلص "من توِف من املؤمنني فرتك ديناً أوكالً‬
‫أو ضياعاً فعلي وإيل"(‪ )1‬متفق عليه‪ .‬والكل والضياع‪ :‬العيال‪ ،‬وقال ابن حجر "من مات ومل يرتك‬
‫شيئاً فإن نفقتهم ِف بيت مال املسلمني" كما أنه من احلاجات األساسية الزواج للمحتاجني إليه‪،‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد (‪ )1٧٧٧‬وحكم أمحد شاكر إسناده صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )9‬مصنف عبدالرزاق (‪ )19٧1‬وحكم األلباين ضعيف‪ .‬أنظر ختريج مشكلة الفقر (‪. )٧4‬‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد (‪ )929‬وحكم شعيب األرنؤوط إسناده ضعيف ‪.‬‬
‫(‪ )1‬سنن ابن ماجة (‪ )9141‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬

‫‪734‬‬
‫ولذا فقد قال بعض أهل العلم "إن من متام الكفاية ما أيخذه الفقري ليتزوج إذا مل تكن له زوجة‬
‫واحتاج للنكاح"‪.‬‬
‫وِف بيان بعض أهل احلاجات قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص "إن املسألة ال حتل إال ألحد ثالثة‪ :‬رجل حتمل‬
‫محالة‪ ،‬فحلت له املسألة حىت يصيبها مث ميسك‪ ،‬ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له‬
‫املسألة حىت يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش‪ ،‬ورجل أصابته فاقة حىت يقول ثالثة‬
‫من ذوي احلجا من قومه لقد أصابت فالانً فاقة فحلت له املسألة حىت يصيب قواماً من عيش أو‬
‫سداداً من عيش فما سواها من املسألة سحت‪ ،‬أيكلها صاحبها سحتاً"(‪( )4‬رواه مسلم وأبو‬
‫داود والنسائي)‪ ،‬وروى أبوعبيد ِف كتاب األموال ِف ابب الفرض للذرية من الفئ وإجراء األرزاق‬
‫عليهم عن ابن عمر قال كان عمر ال يفرض للمولود حىت يفطم‪ .‬قال مث أمر منادايً ينادي‬
‫"التعجلوا أوالدكم الفطام‪ ،‬فإان نفرض لكل مولود ِف اإلسالم ‪.‬قال‪ :‬وكتبنا بذلك ِف اآلفاق‪،‬‬
‫ابلفرض لكل مولود ِف اإلسالم"(‪ ،)9‬ولذا جيب على الدولة شرعاً القيام بكفاية أصحاب‬
‫احلاجات العاجزين عن الكسب والذين ليس هلم من يسد حاجتهم من أهل نفقتهم‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬وجوب مراعاة املصاحل الشرعية وحتري العدل ِف توزيع املال العام‪:‬‬
‫لقد تقدم عند احلديث عن املال واالقتصاد أن املال العام أمانة الجيوز صرفها إال ِف األوجه‬
‫الشرعية‪ ،‬ومن ذلك أنه جيب العدل بني املسلمني ِف العطاء من بيت املال وعدم حماابة أحد‬
‫جلنسه أو قبيلته أو أسرته ألن ذلك من الظلم ومن صرف املال ِف غري حقه مما يؤدي إىل وجود‬
‫الضغائن ِف قلوب املعدمني احملرومني حينما يرون فئة ختتص ابلعطاء وتثري بال جهد وال مشقة‪،‬‬
‫وإن كانت هناك أولوية ِف العطاء فهي ألصحاب احلاجات قبل غريهم كما جتلى ذلك من خالل‬
‫آايت سورة احلشر ِف قوله تعاىل ﴿ما أفاء هللا على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي‬
‫القرىب واليتامى واملساكني وابن السبيل كي ال يكون دولة بني األغنياء منكم﴾(سورة احلشر‪.)1:‬‬
‫بل لقد خص تعاىل الفقراء واملساكني حبق من مخس الغنائم والفئ كما قال تعاىل ِف سورة األنفال‬
‫﴿واعلموا أمنا غنمتم من شئ فأن هلل مخسه وللرسول ولذي القرىب واليتامى واملساكني وابن السبيل‬
‫﴾(سورة األنفال‪.)14:‬‬
‫اثلثا‪ :‬وجوب عناية الدولة اإلسالمية ابملرافق العامة للمسلمني‪:‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪. )4٧11( - 4٧2‬‬
‫(‪ )9‬األموال للقاسم بن سالم (‪. )5٧4‬‬

‫‪735‬‬
‫ومن احلاجات األساسية اليت جيب على الدولة اإلسالمية رعايتها التعليم األساسي الذي خيرج‬
‫الناس من عماية اجلهل إىل نور العلم ويعلمهم أساسيات دينهم فلقد تظافرت األدلة من القرآن‬
‫والسنة على وجوب طلب العلم واستفاضت األخبار ِف السرية النبوية إبرسال القراء والفقهاء لتعليم‬
‫الناس الدين بل لقد جعل النيب ملسو هيلع هللا ىلص تعليم القراءة والكتابة عوضاً عن فداء أسارى بدر‪.‬‬
‫ومن املرافق اليت البد أن ترعاها الدولة وأتخذ األولوية ِف زايدة اإلنفاق املرافق الصحية وتوفري‬
‫األمن‪ ،‬وذلك ملا حيصل من ضرر عظيم على األمة عند اختالهلا‪ ،‬وتسهيل سبل املواصالت وقولة‬
‫عمر هنع هللا يضر "لوعثرت بغلة ِف سواد العراق خلشيت أن أسأل عنها يوم القيامة" من الشواهد العظيمة‬
‫على ذلك‪.‬‬

‫واقع املرافق االجتماعية‪:‬‬


‫إن املتأمل ألحوال الناس ِف جمتمعاتنا يدرك ما أييت‪:‬‬
‫(‪ )4‬عدم اإلنفاق على أصناف كثرية من أهل احلاجة ممن جيب سد حاجتهم من بيت مال‬
‫املسلمني‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫أ أسر كثرية ِف املدن الكربى والقرى ال جتد ما يسد حاجتها من املطعم وامللبس واملسكن حىت‬
‫بلغت حالتهم حداً قريباً من حال رعااي بالد العامل الفقرية‪ ،‬إذ جتمع هلم املالبس من املساجد ومن‬
‫احملسنني‪.‬‬
‫ب هناك مناطق ِف اململكة تعيش دون حد الفقر‪ ،‬فمساكن أهلها مالجئ من القش والصفيح‪،‬‬
‫وال تسأل عن معاشهم وتعليمهم وصحتهم‪.‬‬
‫ج هناك سجناء ميكثون ِف السجون شهوراً طويلة بسبب ديون ال تزيد ِف معظم احلاالت عن‬
‫بضعة آالف من الرايالت‪ ..‬أما حال نسائهم وذراريهم من بعدهم فال يعلم هبا إال هللا‪.‬‬
‫د وجود أهل عاهات وعاجزون عن العمل وهلم ذرار‪ ،‬ومرتباهتم إن وجدت تعجز عن توفري‬
‫ضرورايت أسرهم‪ .‬مما أدى إىل احنراف بعض أفراد أسرهم‪ ،‬ولقد أثبتت الدراسات االجتماعية ذلك‬
‫حيث أن أكرب أسباب احنراف األحداث وتعاطي املخدرات هو عجز األسرة عن الوفاء حباجات‬
‫الصغار الضرورية‪.‬‬
‫َه هناك شباب يعجزون عن الزواج بسبب قلة ذات اليد‪ ،‬وهذا مما يعرضهم للفنت أو يدفعهم‬
‫إىل طرق أبواب احملسنني‪.‬‬

‫‪736‬‬
‫و شح ما تقدمه دوائر الضمان االجتماعي‪ ،‬فال يكفي ذلك للوفاء بضرورات احلياة‪ ،‬ابإلضافة‬
‫إىل أنه ليس كل مستحق ميكنه احلصول عليه‪.‬‬
‫(‪ )9‬قلة العناية ِف احتياجات املرافق العامة احليوية للمجتمع كالتعليم والصحة والطرق واملساجد‬
‫ِف البناء والتأثيث والكوادر‪ ،‬فأكثر املساجد مثالً شيدها األهايل ويقومون على رعايتها‪ ،‬وتفتقر‬
‫كثري من القرى واهلجر إىل املساجد ذات املستوى املعماري الالئق‪ ،‬فال دورات مياه فيها وال‬
‫مساكن لألئمة واملؤذنني‪.‬‬
‫(‪ )4‬هناك مظاهر تدل على خلل ِف بناء احلياة االجتماعية تتمثل فيما أييت‪:‬‬
‫أ بناء املباين الضخمة الفارهة من بيت مال املسلمني خلدمة أفراد معدودين‪.‬‬
‫ب صرف املخصصات املالية لبعض األسر والعوائل‪ ،‬ودفع نفقاهتا وتعويضات استهالكها‬
‫للخدمات من بيت املال بال مسوغ شرعي‪.‬‬
‫ج إقطاع األراضي الشاسعة لفئات من أويل اجلاه والسلطان للمتاجرة هبا وبيعها على احملتاجني‬
‫أبسعار مرتفعة إلقامة مساكن عليها‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وإنه ملن املستقر عند كثري من األمم مسلمهم وكافرهم العناية ابلنواحي االجتماعية وأن‬
‫ذلك سبب ِف أمن ورخاء البالد والعباد‪ ،‬وعلى سبيل املثال هذه بريطانيا تصرف مساعدات لكل‬
‫األطفال مهما كانت جنسياهتم أو مستوى دخل أسرهم‪ ،‬كما تقوم أيضاً بكفالة املتعطلني عن‬
‫العمل وإن كانوا أصحاء حىت جيدوا عمالً‪ .‬ولذا ينبغي أعطاء هذه اجلوانب أمهية ابلغة وإصالح‬
‫كل خلل فيها‪.‬‬

‫سبيل اإلصالح‪:‬‬
‫لعالج تلك األوضاع اليت أشران إىل شئ منها ننصح مبا يلي‪:‬‬
‫(‪ )4‬تعديل أنظمة الضمان االجتماعي ووضع قواعد جديدة تكفل قيام الدولة مبسؤوليتها على‬
‫أكمل وجه جتاه كل فرد من مواطنيها واملقيمني فيها حبيث تضمن قيام أهل النفقة شرعاً بواجبهم‪،‬‬
‫وأن تتكفل حباجات األفراد األساسية من مأكل ومشرب ومطعم ومسكن سواء أكان ِف املدينة أو‬
‫القرية أو البادية إذا عجز هو وأهل نفقته عن ذلك‪.‬‬
‫(‪ )9‬إعادة النظر ِف خمصصات احملتاجني‪ ،‬حبيث تزاد إىل مستوى خيرج ابحملتاج من حد املسكنة‪.‬‬
‫(‪ )4‬تيسري سبل العمل وتوفري وظائف للقادرين على الكسب وتسهيل احلصول على الوظائف‬
‫للخرجيني عن طريق‪:‬‬

‫‪737‬‬
‫أ زايدة االنفاق احلكومي والسعي إىل استقطاب رؤوس األموال من اخلارج ِف املشاريع الصناعية‬
‫والزراعية وغريها اليت ينجم عنها توفري وظائف للخرجيني ِف البالد‪.‬‬
‫ب السعي ِف وضع خطط تعليمية جديدة تركز على تكوين خرجيني للوظائف الفنية واملهنية‬
‫والتخصصية اليت حتتاجها البالد وزايدة اإلنفاق على هذه القطاعات‪.‬‬
‫ج إعادة أتهيل اخلرجيني الذين ال تتوفر هلم وظائف ِف ختصصاهتم احلالية‪.‬‬
‫د تشجيع تسهيل إجراءات قيام الشركات املتوسطة والصغرية احلجم بني أفراد الرعية ومع غريهم‬
‫الذين يتوفر لديهم فائض مايل لزايدة النمو االنتاجي وتوفري فرص عمل إضافية ِف القطاع اخلاص‪.‬‬
‫ه االستفادة من القطاعات العسكرية ِف توفري فرص عمل وتزويد اخلرجيني ابملهارات واخلربات‬
‫الالزمة للوظائف التقنية والفنية مبا يرفع مستوى أتهيلهم‪.‬‬
‫و االستفادة من جتارب الغري ِف حماربة البطالة وتوفري فرص العمل مبا يتفق مع أحكام الشرع‪.‬‬
‫(‪ )1‬وضع إجراءات ميسرة متكن كل ذي حاجة (كالفقراء واملساكني واملنقطعني وأصحاب‬
‫اجلوائح واحلماالت والدايت واملعسرين) من إثبات حاجتهم شرعاً مث احلصول على ما خيصص هلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬وضع خمصص مايل شهري أو دوري لكل طفل حىت يبلغ إلعانة أهله على نفقته‪.‬‬
‫(‪ )1‬تيسري السلف واملعوانت للراغبني ِف الزواج من احملتاجني مببالغ مناسبة‪.‬‬
‫(‪ )1‬زايدة االنفاق على املرافق األساسية كالتعليم والصحة والطرق والسكن واملساجد كي تساير‬
‫الزايدة ِف النمو السكاين واحلرص على أن ال تتعرض املخصصات املالية هلذه املرافق للتخفيض‬
‫أبي حال من األحوال‪.‬‬
‫(‪ )٧‬إيقاف مظاهر اخللل االجتماعي حنو‪:‬‬
‫أ تشييد املباين الفارهة من بيت مال املسلمني‪.‬‬
‫ب املنح واإلقطاعات العقارية إال للمحتاجني من ذوي الدخل احملدود أو من ال يتوفر هلم سكن‪.‬‬
‫ج املخصصات املالية لألسر الغنية‪ ،‬وصرف املبالغ من بيت مال املسلمني لالستهالك الشخصي‬
‫لغري احملتاجني إىل ذلك‪.‬‬

‫املال واالقتصاد‪:‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫إن املال أمانة بيد األمة‪ ،‬فأصل ملكه هلل تعاىل وليس للعباد فيه إال التصرف على النحو الذي‬
‫يرضي هللا‪ ،‬فقد قال هللا تعاىل ﴿وأنفقوا مما جعلكم مستخلفني فيه﴾(سورة احلديد‪ .)1:‬وتقريراً‬

‫‪738‬‬
‫ألمهية املال مساه هللا قياماً وهو ما يقيم اإلنسان وذلك ِف قوله تعاىل ﴿وال تؤتوا السفهاء أموالكم‬
‫اليت جعل هللا لكم قياماً﴾(سورة النساء‪ ،)5:‬وذكر بعض أهل العلم أن من السفه اجلهل ابألحكام‬
‫املتعلقة ابملال‪ .‬والدولة انئب أمني ووكيل عن األمة ِف املال العام‪ ،‬وقد قال ملسو هيلع هللا ىلص فيما رواه البخاري‬
‫"إين وهللا ال أعطي أحداً وال أمنع أحداً‪ ،‬وإمنا أان قاسم أضع حيث أمرت"(‪ )4‬وقال رجل لعمر بن‬
‫اخلطاب اي أمري املؤمنني لو وسعت على نفسك ِف النفقة من مال هللا تعاىل‪ ،‬قال له عمر " أتدري‬
‫ما مثلي ومثل هؤالء؟ كمثل قوم كانوا ِف سفر فجمعوا منهم ماالً وسلموه إىل واحد ينفقه عليهم‪،‬‬
‫فهل حيل لذلك الرجل أن يستأثر عنهم من أمواهلم؟" (السياسة الشرعية)‪.‬‬
‫وصيانة للمال حرم الشارع اإلسراف والتبذير‪ ،‬قال تعاىل ﴿ وال تبذر تبذيراً‪ ،‬إن املبذرين كانوا‬
‫إخوان الشياطني‪ ،‬وكان الشيطان لربه كفوراً﴾(سورة اإلسراء‪ ،)91:‬والتبذير هو اإلسراف ِف‬
‫اإلنفاق ِف غري حق‪ .‬كما أن الكتاب والسنة بينا األحكام املتعلقة ابملال العام كيال يستغل ِف‬
‫الوصول إىل الكسب احملرم وظلم الناس‪ ،‬ولئال يعبث ابملال العام‪ .‬ومن ذلك حترمي هللا الغلول قال‬
‫تعاىل " ومن يغلل أيت مبا غل يوم القيامة﴾‪ ،‬وقال الرسول عليه الصالة والسالم "هدااي العمال‬
‫غلول"(‪ )9‬والعمال هم والة األمور من احلكام والسالطني واملسؤولني واملوظفني‪ .‬وقال ملسو هيلع هللا ىلص " ما‬
‫ابل الرجل نستعمله على العمل مما والان هللا فيقول هذا لكم وهذا أهدي إيل‪ ،‬فهال جلس ِف بيت‬
‫أبيه أو بيت أمه فينظر أيُهدى إليه أم ال؟ والذي نفسي بيده ال أيخذ منه شيئاً إال جاء به يوم‬
‫القيامة حيمله على رقبته‪ )4("..‬رواه البخاري‪ .‬وقال الرسول عليه الصالة والسالم حمذراً " إن رجاالً‬
‫يتخوضون ِف مال هللا بغري حق فلهم النار"(‪ )1‬رواه البخاري‪ ،‬فقوله "يتخوضون ِف مال هللا" أي‬
‫يتصرفون فيه ابلباطل‪ .‬وقال عليه الصالة والسالم " من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ‬
‫بعد ذلك فهو غلول"(‪)5‬حديث صحيح‪ ،‬وقال "من كان لنا عامالً فلم يكن له زوجة فليكتسب‬
‫زوجة‪ ،‬فإن مل يكن له خادم فليكتسب خادماً‪ ،‬فإن مل يكن له مسكن فليكتسب مسكناً‪ ،‬ومن‬
‫اختذ غري ذلك فهو غال أو سارق"(‪ )1‬حديث صحيح‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )4441‬‬
‫(‪ )9‬مسند أمحد (‪ )941٧4‬وحكم األلباين صحيح‪ .‬أنظر إرواء الغليل (‪. )9199‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )1141‬‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري (‪. )444٧‬‬
‫(‪ )5‬سنن أيب داود (‪ )9214‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )1‬سنن أيب داود (‪ )9215‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬

‫‪739‬‬
‫ومن الواجب على الدولة املسلمة أن تصون مواردها لتنال األجيال القادمة منها حظها‪ ،‬وهذا عمر‬
‫هنع هللا يضر يقول "لوال آخر الناس ما فتحت قرية إال قسمتها كما قسم رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص خيرب"(‪ )4‬رواه‬
‫البخاري‪ ،‬وحينما طلب منه أن يقسم سواد العراق أىب وقال " فما ملن جاء بعدكم من املسلمني؟"‬
‫رواه أبو عبيد ِف كتاب األموال(‪.)9‬‬
‫وحيث أن مقصود الوالية سياسة الدنيا ابلدين صار من الواجب الشرعي على من توىل أمور‬
‫املسلمني حتقيق ما أمر به هللا تعاىل ِف كتابه وسنة رسوله من األحكام‪ ،‬ومن ذلك ما يتعلق‬
‫ابألموال اكتساابً وصرفاً‪ ،‬ومنع كل ما حرم هللا من املعامالت املالية‪ ،‬ومن أعظم ذلك الراب الذي‬
‫قال هللا فيه ﴿ميحق هللا الراب ويريب الصدقات‪ ،‬وهللا ال حيب كل كفار أثيم﴾(سورة البقرة‪،)911:‬‬
‫وقال ﴿اي أيها الذين آمنوا اتقوا هللا وذروا ما بقي من الراب إن كنتم مؤمنني* فإن مل تفعلوا فأذنوا‬
‫حبرب من هللا ورسوله﴾(سورة البقرة‪.)91٧:‬‬
‫وال ريب أن االقتصاد ركيزة أساسية من ركائز التنمية‪ ،‬ودعامة من دعائم اجملتمع والدولة‪ ،‬وقد أوىل‬
‫اإلسالم هذه احلقيقة أمهية قصوى فحدد نظام بيت املال لضبط أموال الدولة‪ ،‬وحدد احلالل‬
‫واحلرام ِف املعامالت‪.‬‬

‫واقع املال واالقتصاد‪:‬‬


‫إن املتأمل للواقع االقتصادي واملايل هلذه البالد يالحظ ما أييت‪:‬‬
‫(‪ )4‬كثرة وقوع املخالفات الشرعية ِف موارد بيت املال‪ ،‬ومن أمثلة ذلك ما أييت‪:‬‬
‫أ شراء السندات الربويه من البنوك العاملية واخلزينة األمريكية‪ ،‬وميثل ذلك معظم استثمارات‬
‫اململكة من االحتياطي‪.‬‬
‫ب بيع السندات الربوية على البنوك احمللية وغريها‪.‬‬
‫ج االقرتاض ابلراب الصريح من البنوك العاملية‪.‬‬
‫د فرض الرسوم واجلمارك‪ ،‬وكثري منها من املكوس احملرمة شرعاً‪.‬‬
‫ه إضافة الزكاة إىل دخل الدولة العام‪ ،‬وعدم فصلها من أموال الدولة مما يؤدي إىل عدم صرفها‬
‫ِف األصناف املنصوص عليها شرعاً‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪)9441‬‬
‫(‪ )9‬أخرجه أبو عبيد ِف «األموال» (ص ‪ 52‬رقم ‪)411‬‬

‫‪741‬‬
‫(‪ )9‬املخالفات الشرعية ِف الصرف من بيت املال‪ ،‬ومن ذلك ما أييت‪:‬‬
‫أ صرف األموال العامة آبالف املاليني على الدول واألحزاب أو النظم اليت حتكم بغري ما أنزل هللا‬
‫على شكل هبات أو قروض ال يصل منها شيء يذكر للمسلمني املستحقني ِف تلك البالد‪ ،‬وال‬
‫مصلحة ظاهرة ِف دعمها أصالً‪ ،‬والشواهد ِف ذلك عديدة مما تناقلته وسائل اإلعالم احمللية‬
‫والعاملية‪.‬‬
‫ب الصرف املبالغ فيه على اجملاالت اليت تعد غري ذات أولوية كإنشاء املالعب الرايضية الفارهة‪،‬‬
‫واملعارض الدولية‪.‬‬
‫(‪ )4‬نقص ميزانية بعض املؤسسات والوزارات عن القدر الكاِف لتسديد متطلباهتا للصرف على‬
‫اخلدمات الضرورية مثل‪:‬‬
‫أ التعليم‪ :‬حيث ال تزال توجد مناطق بال مدارس‪ ،‬ومدارس بال مرافق وال أاثث‪ ،‬ومدارس ِف مبان‬
‫مستأجرة غري الئقة‪ ،‬فضالً عن النقص ِف الوسائل التعليمية‪ ،‬وقلة الدورات والربامج اليت تعىن‬
‫بتطوير مهارات املدرسني واملديرين ِف التعليم العام وترفع كفاءاهتم والنقص ِف املدارس اخلاصة‬
‫بتحفيظ القرآن الكرمي‪ .‬أما اجلامعات فتعاين من تدين املستوى العام وابألخص دعم البحث‬
‫العلمي وتوفري املراجع احلديثة‪.‬‬
‫ب الصحة‪ :‬حيث تواجه املستشفيات واملراكز الصحية اآلن صعوبة ِف توفري الكوادر الفنية‬
‫واألجهزة واألدوات‪ ،‬وتعاين بعض املناطق من عدم وجود خدمات صحية كافية‪.‬‬
‫ج الطرق‪ :‬حيث ال تزال بعض املناطق النائية تفتقر إىل طرق مناسبة‪ ،‬والطرق بني املدن الكربى‬
‫بعضها ال يزال غري مزدوج مما أهلك أنفساً كثرية‪ ،‬إضافة إىل انعدام اخلدمات أو تدين مستواها ِف‬
‫كثري من الطرق على الرغم من مسيس احلاجة إىل هذا النوع من املواصالت‪ ،‬وال يوجد أيضاً‬
‫اهتمام خبطوط السكة احلديدية‪ ،‬إذ ال يزال اخلط القدمي بني الرايض والدمام هو اخلط الوحيد على‬
‫الرغم من سعة اململكة وشديد حاجتها إىل ذلك‪.‬‬
‫د نقص خمصصات الضمان االجتماعي فما يصرف منه اآلن لألسر احملتاجة ضئيل جداً ال يكاد‬
‫يكفي قوهتم الضروري‪.‬‬
‫(‪ )1‬استنزاف املوارد العامة احليوية لألجيال كاملياه اجلوفية ابستخراجها مبعدل خطري ودون حتقيق‬
‫مصاحل راجحة تربر ذلك‪ .‬واستنزاف الثروات االسرتاتيجية هلذا البلد كالنفط بزايدة ضخه وتصديره‬
‫مع تدين سعره وختزينه خارج البالد‪.‬‬
‫(‪ )5‬غياب الرقابة الشرعية املستقلة على حتصيل أموال الدولة وصرفها‪.‬‬

‫‪741‬‬
‫(‪ )1‬ضياع جزء كبري من أموال الدولة بسبب االختالسات والعموالت الكبرية‪.‬‬
‫(‪ )1‬دعم وتشجيع التعامل املايل احملرم أبشكال متعددة منها‪:‬‬
‫أ تشجيع إنشاء املؤسسات الربوية املؤذنة حبرب هللا ورسوله‪ ،‬والسماح ابنتشارها حىت غزت القرى‬
‫فضالً عن املدن‪.‬‬
‫ب اعتبار البنوك الربوية مؤسسات نظامية‪ ،‬ومحايتها بلوائح وأنظمة‪.‬‬
‫ج االعرتاف ابلعقود الربوية الباطلة شرعاً‪ ،‬واإللزام هبا عن طريق جلان خاصة هلا صالحيات‬
‫احلكم والقضاء مثل "جلنة فض املنازعات املصرفية" ِف مؤسسة النقد‪.‬‬
‫د ضمان استمرار املؤسسات الربوية عن طريق مؤسسة النقد‪ ،‬ودعم املصارف الربوية اليت‬
‫أوشكت على اإلفالس بتحويل رؤوس أموال ورواتب إليها‪.‬‬
‫ه تشجيع املواطنني على التعامل مع البنوك الربوية عن طريق صرف املرتبات والقروض من‬
‫خالهلا‪ ،‬وإاتحة تداول أسهمها‪.‬‬
‫و منع نشر فتاوى العلماء وأقواهلم ِف حكم البنوك ِف وسائل اإلعالم بينما تتمتع البنوك الربوية‬
‫حبرية النشر فيها‪.‬‬
‫ز منع قيام املصارف اإلسالمية اليت تقدم بديالً شرعياً مما أوقع األمة ِف احلرج واملشقة‪.‬‬
‫ح السماح بقيام شركات على أساس ابطل أو تقوم أبعمال تعاقدية حمرمة كشركات التأمني‬
‫وصناديق السندات الربوية‪.‬‬
‫(‪ )٧‬احتكار بعض أصحاب النفوذ أنواعاً من التعامل التجاري واملهن واملقاوالت‪ ،‬ووضع أنظمة‬
‫ولوائح وأوامر تعزز ذلك‪ .‬يضاف إىل ذلك حماابهتم وحرمان التجار اآلخرين من املنافسة املتكافئة‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذل ‪:‬‬
‫أ حصول البعض على النصيب األكرب من مناقصات الدولة‪.‬‬
‫ب اهليمنة على وكاالت الشركات األجنبية‪.‬‬
‫ج االمتيازات اليت تعطى لبعض الشركات واملؤسسات‪.‬‬
‫د قصر بعض النشاطات التجارية على تراخيص يصعب احلصول عليها لغري أهل النفوذ كاسترياد‬
‫املاشية وأجهزة االتصال ومكاتب اخلدمات العامة‪.‬‬

‫‪742‬‬
‫سبيل اإلصالح‪:‬‬
‫إننا قياماً ابلواجب الشرعي ننصح مبا أييت‪:‬‬
‫(‪ )4‬إيقاف مجيع املساعدات والقروض واهلبات اخلارجية عن الدول واألنظمة واألحزاب الكافرة‬
‫اليت ال حتكم شرع هللا وحتارب الدعاة إليه أو تضطهد األقليات املسلمة هبا‪ ،‬وتركيز املساعدات‬
‫على إغاثة املسلمني وإعانتهم وفق هدف نصرهتم وتقويتهم‪ ،‬ووفقاً ألحقيتهم ِف املساعدة مما أفاء‬
‫هللا على هذه البالد من ثروات‪.‬‬
‫(‪ )9‬إيقاف مجيع أشكال الصرف علي اجملاالت اليت تعد شكالً من أشكال اإلسرف والتبذير أو‬
‫ال تعد من ذوات األولوية كمالعب الرايضة واملعارض الفارهة وحنوها‪.‬‬
‫(‪ )4‬التوقف الفوري عن االقرتاض الربوي ألن ِف ذلك إثقاالً لكواهل األجيال القادمة‪ ،‬والتساهل‬
‫ِف هذا الباب قد يصيب هذه البالد مبا أصاب بعض البلدان من أزمات اقتصادية طاحنة وانتهاك‬
‫لسيادهتا‪ ،‬ورمبا لن تكفي موارد الدولة من النفط وغريه لسداد تلك الديون مع فوائدها املركبة‪.‬‬
‫(‪ )1‬إيقاف استثمار الدولة عن طريق الراب واستبداله ابالستثمار عن طريق وسائل االستثمار‬
‫املشروعة‪ ،‬خاصة ِف بالد املسلمني أو ِف الداخل‪.‬‬
‫(‪ )5‬احملافظة على الثروة النفطية واملائية وغريها من الثروات االسرتاتيجية وحتديد االنتاج وفق‬
‫سياسة حتقق مقاصد شرعية لألمة وأجياهلا‪ ،‬والسعي إىل رفع سعر النفط مبا تسمح به أوضاع‬
‫السوق العاملية‪.‬‬
‫(‪ )1‬إعطاء اخلدمات الضرورية كالصحة والتعليم والضمان االجتماعي والطرق ما تستحقه من‬
‫أولوية وزايدة اإلنفاق عليها مبا يضمن االرتقاء هبا‪.‬‬
‫(‪ )1‬إخضاع مجيع أوجه التحصيل والصرف للمال العام وغريها من الثروات للرقابة الدقيقة‪ ،‬وميكن‬
‫أن يتأتى ذلك بتوسعة صالحيات ديوان املراقبة العامة ومنحه استقاللية تشبه استقاللية القضاء‪،‬‬
‫وربطه مبجلس الشورى‪.‬‬
‫(‪ )٧‬إجياد برانمج عملي للقضاء على ظاهرة الراب ابلرتتيب اآليت‪:‬‬
‫أ اإلذن إبنشاء املصارف اإلسالمية وأتمينها ودعمها‪.‬‬
‫ب تبيني حرمة الراب والتحذير منه‪ ،‬ومنع البنوك الربوية من استعمال وسائل اإلعالم لنشر‬
‫اإلعالانت الربوية وإيقاف أي شكل من أشكال الدعم للبنوك الربوية‪.‬‬
‫ج عدم الرتخيص ألي بنك ربوي جديد وتصفية املعامالت الربوية القائمة ووضع موعد هنائي‬
‫للبنوك لتعديل أوضاعها أو تصفيتها‪.‬‬

‫‪743‬‬
‫(‪ )2‬منع مجيع أشكال االحتكار‪ ،‬وإلغاء مجيع االمتيازات اليت ليس هلا وجه شرعي‪ ،‬وضمان‬
‫التكافؤ ِف التنافس بني الناس‪ ،‬وقصر تقييد الرتاخيص ِف األحوال اجلائزة شرعاً على معايري‬
‫موضوعية منضبطة يتكافأ أمامها كل الناس‪ ،‬والرقابة على ذلك منعاً حلصول احملاابة‪.‬‬
‫(‪ )4٧‬احملافظة على بقاء أموال املسلمني من الرعية والوافدين داخل البالد‪ ،‬وتسهيل جلبها من‬
‫اخلارج بفتح سبل التعاون والتملك وتشجيع إقامة املشاريع والشركات املختلفة عقارية وصناعية‬
‫وزراعية وخدمات واملباحة شرعاً بينهم داخل البالد‪ ،‬وإزالة التمييز بينهم والقيود على ذلك ِف كافة‬
‫األنظمة واللوائح‪.‬‬
‫(‪ )44‬منع إضاعة أموال األمة وإجياد الضوابط الالزمة ملنع االختالسات واهلبات والعموالت‪،‬‬
‫وإحالة املتهمني إىل القضاء الشرعي‪.‬‬
‫(‪ )49‬وضع سياسة رقابية ملراجعة مصادر االثراء ملن يتوىل الوظائف العليا ابلدولة خالل فرتة‬
‫عملهم‪ ،‬واالقتداء بسنة عمر هنع هللا يضر ِف حماسبة الوالة مالياً‪.‬‬
‫(‪ )44‬فصل أموال الزكاة عن بقية أموال الدولة‪ ،‬وقصر صرفها على مصارفها احملددة شرعاً‪.‬‬

‫اجليش‪:‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫ال شك أن اإلسالم يوجب على الدولة أن تكون قوية مهيبة اجلانب عزيزة بعزة هللا هلا حامية‬
‫ثغورها وأمنها بنفسها دون االعتماد على أحد‪ ،‬قال هللا تعاىل ﴿وأعدوا هلم مااستطعتم من‬
‫قوة﴾(سورة األنفال‪ )1٧:‬وقال ﴿وهلل العزة ولرسوله وللمؤمنني﴾(سورة املنافقون‪ )٧:‬فضالً عن أن‬
‫الشرع يوجب على الدولة القيام بواجب اجلهاد وجعله ذروة سنام اإلسالم‪ .‬وهذا يتطلب أن يكون‬
‫اجليش قادراً على حتقيق ذلك‪.‬‬

‫واقع اجليش‪:‬‬
‫لقد جاءت أزمة اخلليج لتكشف أن هناك عدداً من املالحظات تتعلق بواقع اجليش والقوات‬
‫املسلحة نبني أمهها فيما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬عدم تناسب ضخامة ميزانية القطاعات العسكرية مع عدد أفراد القوات املسلحة وإمكاانهتا‬
‫فميزانية القطاعات العسكرية ال تكاد تضاهيها ميزانية عسكرية أخرى ِف املنطقة بل رمبا فاقت‬

‫‪744‬‬
‫ميزانية عدد من الدول املتقدمة ِف العامل ِف الوقت الذي ال تتوافر أعداد األفراد أو التجهيزات اليت‬
‫تتوافر لتلك الدول من الناحية الكمية‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬إن عدد أفراد القوات املسلحة قليل جداً إذا ما قورن بسعة اململكة العربية السعودية وطول‬
‫امتداد حدودها‪ ،‬األمر الذي ال ميكن جيشنا بعدده القليل من القيام حبماية احلدود الطويلة‬
‫والدفاع عن املرافق احليوية املستهدفة فضالً عن القيام بواجب اجلهاد الشرعي‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬جرى بعد أزمة اخلليج توقيع معاهدات أمن ومحاية مع دول ال يوثق هبا‪ ،‬كما قامت احلاجة‬
‫إىل إبقاء كثري من عتاد دول أجنبية وقواهتا ِف أرض اململكة مما قد يؤثر على سيادهتا‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬ظهر جلياً للطامعني واحلاقدين الذين يعملون اآلن على تقوية جيوشهم وتكثري عددها بكل‬
‫ما يستطيعون ضعف قدرات اململكة العسكرية وعدم قدرهتا على محاية أمنها بنفسها مما يغري‬
‫األعداء والطامعني ابلعدوان مىت أتيحت هلم الفرصة لذلك‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬عدم وجود تغيري ملموس ِف واقع التسليح والتجنيد على الرغم من األحداث العظيمة‬
‫اليت عصفت ابلبالد واألمة مع زايدة اإلنفاق على أمور ليست بذات أولوية ملحة أو ليست‬
‫خبطورة إعداد جيش ذي قوة وشوكة يضمن محاية أمن األمة ومرافقها‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬منذ االنتهاء من توحيد البالد وتوطيد أمنها الداخلي مل يظهر للجيش أي دور جهادي‬
‫لنشر دعوة التوحيد ونصرة املظلومني من املسلمني عدا فرتة قصرية رابطت فيها قواتنا ِف األردن‬
‫أمام العدو اليهودي‪ ،‬مع أن القيام هبذا من أعظم الواجبات اليت تناط ابجليش اإلسالمي‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬غياب الرتبية اجلهادية ِف األمة حبيث تكون األمة أبمجعها جيشاً جهادايً وقت احلاجة‪.‬‬
‫اثمنا‪ :‬جرى الرتكيز ِف تطوير القوات املسلحة على استرياد التقنية املتقدمة واالهتمام ابلنوعية دون‬
‫التوسع ِف تطوير القوات املسلحة من حيث الكمية وإجياد صناعة عسكرية متقدمة حملياً ِف كافة‬
‫احتياجات القوات املسلحة من طائرات مقاتلة وصواريخ ودابابت ومنوعات وما حتتاجه هذه‬
‫التجهيزات من قطع للغيار أو بدائل‪.‬‬
‫تسعا‪ :‬عدم ختصيص موارد كافية من ميزانية القطاعات العسكرية إلجراء البحوث العلمية‬
‫والتطبيقية الالزمة الستيعاب التقنية العسكرية احلديثة أو تطويرها مبا يالئم احتياجات البالد وعدم‬
‫االستفادة الكافية من خربات العلماء واملختصني ِف حتقيق ذلك‪.‬‬
‫عاشرا‪ :‬ضعف استيعاب الكليات العسكرية لألعداد املتقدمة لاللتحاق هبا‪.‬‬

‫‪745‬‬
‫حادي عشر‪ :‬إحالة عدد من منسويب القوات املسلحة إىل التقاعد ِف سن مبكرة أو ِف مرحلة‬
‫بلوغ األشد ِف التجربة واخلربة رغم احلاجة الشديدة إىل خربهتم العسكرية وإنفاق الدولة الكثري على‬
‫تدريبهم وإعدادهم وصعوبة توفري البديل عنهم‪.‬‬

‫سبيل اإلصالح‪:‬‬
‫وبعد أن سقنا هذه املالحظات لزاماً علينا أن ننصح مبا أييت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬امتثاالً لقول هللا تعاىل "وأعدوا هلم ما استطعتم من قوة"‪ ،‬الذي هو عام ِف كل ما يتقوى به‬
‫على حرب العدو مما هو آلة للغزو واجلهاد‪ ،‬وأداء للمسؤولية اليت انطها هللا تعاىل ابلراعي جتاه‬
‫الرعية من حفظ األمن وسد الثغور والسهر على مصاحلها وحفظ أمواهلا وأعراضها‪ ،‬فإنه جيب أن‬
‫ينشأ جيش قوي يليق هبذه البالد املقدسة من حيث عدده وعدته حىت يتناسب مع سعة هذه‬
‫اململكة وطول حدودها وعدد سكاهنا‪ ،‬ومع الواجبات الشرعية املنوطة ابلقوات املسلحة هلذه البالد‬
‫حبيث ال يقل عدده عن نصف مليون جندي على أقل تقدير‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬أن نفرض التدريب العسكري فرضاً على كل قادر على محل السالح‪ ،‬كما هو الشأن ِف‬
‫دول كثرية كإسرائيل العدو األصلي اجملاور أزاهلا هللا من بالد اإلسالم‪ ،‬وأن يسارع ِف وضع خطط‬
‫وتفاصيل اإلعداد لذلك أهل اخلربة واملشورة واالختصاص‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬أن يُعتىن ابجليش االحتياطي املكون من كل قادر على محل السالح ‪ ،‬شأننا ِف ذلك شأن‬
‫دول كثرية‪ ،‬وذلك أبن يطلب من مجيع أفراده حضور دورات عسكرية سنوية لزايدة أتهيلهم‬
‫عسكرايً والتدريب على ما يستحدث من أسلحة وخطط‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬تنويع مصادر السالح وعدم االعتماد على دولة معينة ِف شراء األسلحة منها‪ ..‬تعطينا مىت‬
‫تشاء ومتنعنا مىت تشاء وتستغلنا وقت احملن وتساومنا عند الشدائد‪ ،‬وحتارب غريان معروفة ِف ذلك‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬بناء صناعة عسكرية متقدمة لتدعيم اجليش أبحدث األسلحة وأكثرها تطوراً وتقنية وأن‬
‫حيرص على تطبيق املواصفات العالية املطلوبة ِف هذ ا التصنيع‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬االستفادة من خربة علماء هذه البالد واستقطاب الكفاءات والعلماء من سائر البالد‬
‫اإلسالمية األخرى ِف بناء الصناعات العسكرية املتقدمة ونقل التقنية احلديثة وتوظيفها ِف بناء‬
‫القوات املسلحة‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬أن تعهد إىل أهل الكفاءة واألمانة والشجاعة إدارة هذا املرفق احليوي اهلام والتخطيط له‪،‬‬
‫فحماية الثغور وحتقيق أمن البالد والعباد جيب أال جيامل فيه‪.‬‬

‫‪746‬‬
‫اثمنا‪ :‬إذكاء روح اجلهاد واإليثار وحب التضحية ِف أبناء هذه األمة وذلك عن طريق مناهجها‬
‫التعليمية واإلعالمية ومن خالل دورات تُعد هلذه الرتبية بني احلني واآلخر‪.‬‬
‫تسعا‪ :‬احملاسبة الدقيقة وفق ضوابط الشرع عن كل تقصري ِف هذا املرفق احليوي اهلام ووضع تنظيم‬
‫يضمن مراقبة الصرف وحسن اإلنفاق على قطاعاته املختلفة‪.‬‬
‫عاشرا‪ :‬إلغاء كافة االرتباطات واملعاهدات العسكرية اليت تتعارض مع عقيدة الوالء والرباء‪،‬‬
‫واألحكام الشرعية واليت ُِخت ُّل بسيادة الدولة واستقالهلا ِف إدارة شئون القوات املسلحة وتسليحها‪.‬‬
‫حادي عشر‪ :‬عدم االعتماد على أية قوة عسكرية خارجية مهما كانت ِف الدفاع عن البالد ومحاية‬
‫أمنها‪ ،‬أن تقتصر االستعانة عند احلاجة لذلك على قوات وجيوش إسالمية‪.‬‬

‫اإلعالم‪:‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫ملا كان إبالغ رسالة اإلسالم إىل الناس كافة ودعوهتم إليه من أعظم الواجبات ِف الدولة اإلسالمية‬
‫اليت تقوم على أساس عقيدة اإلسالم فإنه من الضروري أن يكون لإلعالم دور حيوي ِف اجملتمع‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وأن يُعتىن به العناية البالغة لتحقيق أهداف رسالة اإلسالم من تعبيد الناس لرهبم‬
‫واتباعهم للدين الذي ارتضاه عز وجل هلم‪ .‬وهلذا دلت آايت الكتاب والسنة على أحكام شرعية‬
‫عديدة تبني مقاصد اإلعالم املشروعة وحتدد الوسائل العلمية لتحقيق تلك املقاصد كما بينت ما‬
‫حيرم من مقاصد إعالمية ووسائل‪ .‬ونعرض ذلك فيما أييت كي نستهدي به عند تقومي واقع اإلعالم‬
‫ِف هذه البالد وما يتوخى من إصالح وتطوير له على هدي الشرع احلنيف‪.‬‬
‫مقاصد اإلعالم اإلسالمي‪:‬‬
‫إن املطلع على األدلة الشرعية من الكتاب وسنة النيب ملسو هيلع هللا ىلص جيد جلياً أن من أعظم مقاصد اإلعالم‬
‫ِف الشرع‪:‬‬
‫أ) إبالغ دين اإلسالم إبالغاً مبيناً تقوم به احلجة ويرتفع به ظلمة اجلهل كما قال تعاىل ﴿اي أيها‬
‫الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن مل تفعل فما بلغت رسالته﴾(سورة املائدة‪ ،)11:‬وقال تعاىل‬
‫﴿وما على الرسول إال البالغ املبني﴾(سورة النور‪ ،)51:‬وقال عز وجل ﴿الذين يبلغون رساالت‬
‫هللا وخيشونه﴾(سورة األحزاب‪ )42:‬إىل غري ذلك من اآلايت‪ .‬وأخرج اإلمام أمحد عن ابن عباس‬
‫قال "ملا أنزل هللا "وأنذر عشريتك األقربني" أتى النيب ملسو هيلع هللا ىلص الصفا فصعد مث اندى فاجتمع إليه‬

‫‪747‬‬
‫الناس‪ ،‬من رجل جيئ إليه ومن رجل يبعث رسوله فقال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص "إين نذير لكم بني يدي‬
‫عذاب شديد"(‪ ،)4‬وكان رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص يواِف املوسم يتبع احلجاج ِف منازهلم بعكاظ وجمنة وذي‬
‫جماز يدعوهم"‪ .‬وأخرج ابن اسحاق أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص كان يقف على منازل القبائل من العرب‬
‫فيقول "اي بين فالن إين رسول هللا إليكم آمركم أن تعبدوا هللا وال تشركوا به شيئاً"(‪ .)9‬كما ثبت‬
‫عنه ملسو هيلع هللا ىلص إرساله الرسل للملوك والوفود من القراء خارج املدينة فهذه األدلة تبني أن من أعظم‬
‫مقاصد اإلعالم الشرعية إبالغ الرسالة ودعوة الناس إىل دين احلق وتعليمهم أمور دينهم‪.‬‬
‫ب) بناء الشخصية اإلسالمية وتزكيتها حيث جتلى ذلك ِف خطبه ملسو هيلع هللا ىلص ِف األعياد واجلمع واحلج‬
‫اليت اشتملت على احلث على القيام ابلواجبات الشرعية والتذكري هبا والبشارة للمطيع واإلنذار‬
‫للمخالف للشرع‪ ،‬ومن أعظم ما نقل ِف ذلك خطبته ملسو هيلع هللا ىلص ِف حجة الوداع وما اشتملت عليه من‬
‫التعاليم الشاملة والعظيمة‪.‬‬
‫ج) إصالح الرأي العام وتوجيهه كما ثبت ِف قصة كسوف الشمس‪ ،‬روى النسائي قال "كسفت‬
‫الشمس على عهد رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص فخرج جيري حىت أتى املسجد فلم يزل يصلي حىت اجنلت‪ ،‬قال‬
‫إن الناس يزعمون أن الشمس والقمر ال ينكسفان إال ملوت عظيم من العظماء وليس كذلك‪ ،‬إن‬
‫الشمس والقمر ال ينكسفان ملوت أحد أو حياته ولكنهما آيتان من آايت هللا عز وجل"(‪ )4‬وِف‬
‫رواية أن الشمس خسفت على عهد رسول هللا عليه الصالة والسالم فبعث منادايً "الصالة جامعة‬
‫" فاجتمعوا‪...‬احلديث"(‪ ، )1‬وقد كان هذا ديدنه ملسو هيلع هللا ىلص أن جيمع الناس وخيطب فيهم مبيناً وموجهاً‬
‫هلم كلما دمههم خطب أو عرضت هلم معضلة والدليل ما ثبت عنه ِف غزوة بدر وأحد واخلندق‬
‫وبعد غزوة حنني‪.‬‬
‫د) كشف احلقائق وفضح دعاوى أعداء اإلسالم وبيان سبيل اجملرمني لتحذير الناس من سلوك‬
‫طريقهم أو اتباعهم حنو اآلايت الكثرية اليت نزلت ِف شأن أيب هلب والوليد بن املغرية وغريمها من‬
‫أعداء الدعوة وِف الرد على شبهات املنافقني واليهود‪ ،‬وحنو أمر الرسول عليه الصالة والسالم‬
‫حلسان بن اثبت هنع هللا يضر هبجو كفار قريش حملاربتهم الدعوة‪ ،‬والذود عن اإلسالم‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد (‪ )9511‬وحكم شعيب األرنؤوط إسناده صحيح‬
‫(‪ )9‬مسند أمحد (‪ )41٧95‬وحكم شعيب األرنؤوط إسناده ضعيف ‪ ،‬وحكم علوي السقاف حسن ‪ .‬أنظر ختريج‬
‫أحاديث وآاثر كتاب ِف ظالل القرآن (‪. )4٧4٧‬‬
‫(‪ )4‬سنن النسائي (‪ )41٧5‬وحكم األلباين ضعيف‬
‫(‪ )1‬سنن النسائي (‪ )4121‬وحكم األلباين صحيح‬

‫‪748‬‬
‫ه ) نصرة قضااي املسلمني والتعريف هبا واحلث على التكاتف والتناصر بني املسلمني‪ ،‬فقد روى‬
‫مسلم عن جرير بن عبد هللا قال "كنا ِف صدر النهار عند رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص فجاءه قوم عراة جمتايب‬
‫النمار أو العباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فتمعر رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم ملا رأى ما هبم من الفاقة فدخل مث خرج فأمر فأذن وأقام فصلى مث خطب فقال" اي‬
‫أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة‪...‬إىل آخر اآلية إن هللا كان عليكم رقيباً"‬
‫واآلية األخرى اليت ِف آخر احلشر "اي أيها الذي آمنوا اتقوا هللا ولتنظر نفس ما قدمت لغد"‪،‬‬
‫تصدق رجل من ديناره‪ ،‬من درمهه‪ ،‬من ثوبه‪ ،‬من صاع بره‪ ،‬من صاع متره‪ ،‬حىت قال ولو بشق‬
‫مترة"(‪ .)4‬فهذا احلديث يبني إعالم النيب ملسو هيلع هللا ىلص أصحابه ابخلري الذي حيث على التعاون وسد خلة‬
‫الفقر فيهم والتكاتف والتناصر على الرب والتقوى‪.‬‬
‫وأخرياً ال يناِف مقاصد اإلعالم الشرعية الرتويح املباح مبا يتفق مع القيم اإلسالمية واألحكام‬
‫الشرعية حيث كان عليه الصالة والسالم يقر اجتماع الصحابة وتناشدهم الشعر ِف األماكن‬
‫العامة‪ ،‬وأذن لعائشة ابالطالع على احلبشة عند إنشادهم ولعبهم‪ ،‬قالت عائشة رأيت النيب صلى‬
‫هللا عليه وسلم يسرتين وأان أنظر إىل احلبشة وهم يلعبون ِف املسجد"(‪ .)9‬وكذلك ما جاء ِف‬
‫األحاديث الشريفة من قصص وأخبار تدل على إابحة الرتويح املباح كمقصد إعالمي‪.‬‬

‫املقاصد املمنوعة شرعا ‪:‬‬


‫ال يسرتيب أحد من املسلمني أن كل ما خيالف الشرع ال جيوز اعتباره أو عمله فضالً عن أن‬
‫يكون مقصوداً لذاته ولذا بينت الشريعة اإلسالمية الكاملة ما ال جيوز أن يقصد من مقاصد‬
‫إعالمية فمن ذلك‪:‬‬
‫أ) كل دعوة إىل احملرم أو الرذيلة أو اإلفساد ِف األرض أو املعاصي أو الطعن ِف دين اإلسالم‬
‫وأهله‪ ،‬قال تعاىل﴿إن الذين حيبون أن تشيع الفاحشة ِف الذين آمنوا هلم عذاب أليم﴾(سورة النور‪:‬‬
‫‪ ،)42‬وقال ﴿وكذلك جعلنا لكل نيب عدواً شياطني اإلنس واجلن يوحي بعضهم إىل بعض زخرف‬
‫القول غروراً ولو شاء ربك مافعلوه فذرهم وما يفرتون﴾(سورة األنعام‪ .)449:‬وكذلك ما ثبت من‬
‫الوعيد الشديد ِف حق الدعاة للفنت الذين يقودون الناس إىل جهنم‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪)4٧41( - 12‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري (‪)5941‬‬

‫‪749‬‬
‫ب) كل ما ينجم عنه الفرقة وإضعاف وحدة الصف واإلرجاف قال تعاىل ﴿وإذا جاءهم أمر من‬
‫األمن أو اخلوف أذاعوا به ولو ردوه إىل الرسول وإىل أويل األمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه‬
‫منهم﴾(سورةالنساء‪.)٧4:‬‬
‫ج) نقل اخلرب الذي يضر ابملسلمني إىل أعداء املسلمني كما جاء ِف سبب نزول آايت سورة‬
‫املمتحنة‪.‬‬
‫د) كل ما يؤدي إىل اإلساءة إىل املسلم ِف عرضه بغري حق حنو ما نزل من آايت ابلوعيد الشديد‬
‫ملن افرتى حديث اإلفك قال تعاىل ﴿إن الذين جاءوا ابإلفك عصبة منكم ال حتسبوه شراً لكم بل‬
‫هو خري لكم لكل أمرئ منهم ما اكتسب من اإلمث والذي توىل كربه منهم له عذاب عظيم﴾(سورة‬
‫النور‪.)44:‬‬
‫ه )الدعوة إىل العصبية أو اجلاهلية أو الدعوات الباطلة قال عليه الصالة والسالم "ليس منا من دعا‬
‫بدعاء اجلاهلية"(‪.)4‬‬
‫و) املدح املذموم وهو ما يدعو إىل فتنة املمدوح وما يكون مشتمالً على ما ال يتصف به املمدوح‬
‫وما ليس من كسبه حيث جاء ِف احلديث "إذا رأيتم املداحني فاحثوا ِف وجوههم الرتاب"(‪)9‬‬
‫لعظيم الفتنة أبقواهلم‪.‬‬
‫الوسائل العلمية لإلعالم اإلسالمي‪:‬‬
‫إن الشريعة مثلما بينت املقاصد املشروعة واملمنوعة فلقد بينت كذلك أحكاماً تتعلق ابلعديد من‬
‫الوسائل اليت تتحقق من خالهلا املقاصد الشرعية والوسائل اليت متنع ظهور املقاصد املخالفة للشرع‪.‬‬
‫فمن الوسائل اليت شرعها اإلسالم لتحقيق مقاصده املطلوبة مشروعية اخلطبة ِف صالة اجلمعة وِف‬
‫العيدين ويوم عرفة وغريها من مناسبات االجتماع املشروعة مثل صالة االستسقاء والكسوف‪ ،‬فما‬
‫من فرصة الجتماع الناس إال ويشرع فيها التذكري والتوجيه‪ .‬ومن الوسائل املشروعة األذان الذي هو‬
‫مبثابة إعالم بدخول وقت الصالة وإعالم ابلدعوة إليها‪ .‬فضالً عن العديد من الوسائل اإلعالمية‬
‫اليت أابحها الشرع حنو الشعر واخلطابة وكتابة الرسائل وبعث املنادين الذين يتلون على املأل‬
‫األحكام والقضااي العامة‪ .‬ومن البديهي أن الوسائل اإلعالمية املباحة ال تقتصر على ما ذكر من‬
‫وسائل بل إن من مقتضيات الرسالة أن يستخدم املسلمون أحدث وأرقى وأجود ما توصلت إليه‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪)4921‬‬
‫(‪)4٧٧9( - 12 )9‬‬

‫‪751‬‬
‫التقنية احلديثة ِف ذلك من وسائل االتصال املقروءة واملسموعة واملرئية الواسعة االنتشار وفقاً‬
‫للقاعدة الشرعية "ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب" وقاعدة "للوسائل حكم املقاصد"‪.‬‬
‫أما من حيث الوسائل اليت متنع هبا املقاصد اإلعالمية املخالفة للشرع فعديدة جداً منها ما ثبت‬
‫من وجوب قيام اإلنسان ابلرقابة الذاتية على ما يتلفظه ويعلنه‪ ،‬قال تعاىل ﴿ما يلفظ من قول إال‬
‫لديه رقيب عتيد﴾(سورة ق‪ ،)4٧:‬وِف احلديث املتفق عليه "إن العبد ليتكلم ابلكلمة ما يتبني فيها‬
‫يزل هبا إىل النار أبعد مما بني املشرق واملغرب"(‪ .)4‬ومن الوسائل وجوب التثبت ِف خرب الفاسق‬
‫قال تعاىل ﴿اي أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا﴾(سورة احلجرات‪ ،)1:‬ومنها وجوب‬
‫الرد إىل هللا والرسول وأويل العلم واالختصاص قال تعاىل ﴿وإذا جاءهم أمر من األمن أو اخلوف‬
‫أذاعوا به‪ ،‬ولو ردوه إىل الرسول وإىل أويل األمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم﴾(سورة النساء‬
‫‪.)٧4:‬‬
‫كما أن الشريعة عنيت بزجر كل من يقوم ابإلعالم املخالف ملقاصد الشرع زجراً ابلغاً حيث‬
‫شرعت حداً للقذف ِف العرض‪ ،‬وأهدر الرسول عليه الصالة والسالم دم من كان من املشركني‬
‫ينشد ِف هجوه حمارابً لدعوته‪ ،‬كما عاقب عمر هنع هللا يضر احلطيئة عند هجائه للزبرقان‪.‬‬
‫ومما سبق من أتصيل شرعي يظهر جلياً أنه جيب على اجملتمع اإلسالمي أن تكون كل صور‬
‫اخلطاب اإلعالمي من حديث أو خرب أو قصة أو أقصوصة أو برانمج إعالمي مستمدة من‬
‫اإلسالم تصوراهتا وقيمها ومثلها وموازينها‪ ،‬أو أن تسعى لتحقيق مقاصد اإلعالم الشرعية أبن‬
‫تعمل على دعوة الناس إىل دين رهبم وإبالغه إليهم وتكوين الشخصية اإلسالمية ِف أفرادهم‬
‫وإصالح الرأي العام ِف جمتمعهم وكشف احلقائق وفضح سبيل اجملرمني وتوجهاهتم وبيان هتافت‬
‫سياستهم وأقواهلم‪ ،‬ابإلضافة إىل حتقيق املقصد املباح من ترويح أو تسلية للنفوس‪ .‬كما جيب أن‬
‫تكون كل تلك الصور اإلعالمية جمانبة كل مقصد حمرم لإلعالم من نشر الرذيلة والفحش أو إيذاء‬
‫املؤمنني أو بث الفرقة ومتزيق الوحدة‪ ،‬وأن يسعى ِف اإلعالم املطلوب لدولة اإلسالم من االستفادة‬
‫من الوسائل اليت شرعها اإلسالم إلعالم الناس من خطب ولقاءات ِف العبادات واملساجد واحلج‪،‬‬
‫وأن يستفاد أبقصى ما ميكن مما يستجد من وسائل وأساليب مادية حديثة لتحقيق املقاصد‬
‫الشرعية لإلعالم‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪. )92٧٧( - 5٧‬‬

‫‪751‬‬
‫الواقع اإلعالمي‪:‬‬
‫بعد هذا التأصيل الشرعي نستعرض فيما أييت واقع احلال إلعالمنا‪:‬‬
‫(‪ )4‬املبالغة ِف املدح املذموم شرعاً مما يرسخ النفاق والكذب ِف اجملتمع‪ ،‬وتقديس األشخاص‬
‫والذوات‪ ،‬خمالفاً بذلك ما ثبت شرعاً من قصر التقديس والتعظيم على هللا تعاىل وحده‪.‬‬
‫(‪ )9‬إعطاء تصور زائف وغري صحيح ِف فهم حقيقة الدين وأحكامه الشاملة‪ ،‬حبصر اخلطاب‬
‫اإلعالمي فيما يتعلق ابلدين ِف جوانب العبادات والسلوكيات الفردية دون األحكام اليت تعاجل‬
‫قضااي األمة واجملتمع‪ ،‬ودون ربط كل أعمال احلياة ابلتصور اإلسالمي والعقيدة اإلسالمية وكليات‬
‫الدين‪.‬‬
‫(‪ )4‬حتجيم وظيفة املنابر الشرعية كخطب اجلمع واألعياد‪ ،‬ووسائل اإلعالم واحملاضرات والندوات‬
‫العامة‪ ،‬وذلك ابلسعي ملنع اخلطباء ذوي الوعي الشرعي والعلم ابلواقع‪ ،‬وأصحاب النصيحة والرأي‬
‫الشجاع من تسنم هذه املنابر‪ ،‬وحماولة حصر هذه املنابر على من ال حيسن القيام حبق الكلمة‬
‫وواجب البالغ املبني‪.‬‬
‫(‪ )1‬يظهر للمتابع لوسائل اإلعالم أن احملور الذي تدور عليه الربامج اإلعالمية املقدمة هو تغطية‬
‫زمن البث ابحلشو بربامج تغيب فيها األهداف الصحيحة‪ ،‬وتعجز عن حتقيق املقاصد اإلعالمية‬
‫الشرعية‪ ،‬كإصالح الرأي العام أو بناء الشخصية اإلسالمية ِف الناس‪ ،‬أو كشف احلقائق لألمة‬
‫وتوعيتها‪.‬‬
‫(‪ )5‬تعطيل القدرات اإلبداعية بسلسلة من القيود والتعليمات الثقيلة على الوسائل اإلعالمية اليت‬
‫حتجر على إبداء الرأي املشروع‪ ،‬أو الصدع بكلمة احلق وتبليغ رسالة اإلسالم ِف القضااي الكربى‬
‫لألمة إذا خالفت توجهات أصحاب القرار ِف هذه املؤسسات‪.‬‬
‫(‪ )1‬اإلقالل من الربامج الدينية ِف وسائل اإلعالم‪ ،‬حيث ال تعطى هذه الربامج إال نسبة قليلة من‬
‫زمن البث‪.‬‬
‫(‪ )1‬احتكار كافة وسائل البث اإلعالمي من صحافة وإذاعة وتلفزة ألجهزة ومؤسسات عامة أو‬
‫شبه عامة‪ ،‬ومنع أفراد اجملتمع من حقهم الشرعي ِف إصدار وامتالك وسائل البث اإلعالمي‬
‫املختلفة لنشر العلم الشرعي والنافع والدعوة واإلبالغ‪.‬‬
‫(‪ )٧‬حجب اخلرب الصادق ِف وسائل اإلعالم الرمسية‪ ،‬وتبديل احلقائق أو عرضها بطريقة منتقاة‬
‫مبتورة مما أفقد الثقة بكل الوسائل اإلعالمية‪ ،‬حىت شاع بني الناس أنه لتكذيب خرب ما يكفي‬

‫‪752‬‬
‫وصفه أبنه "رمسي"‪ .‬كما أدى إىل اجتاه الناس لوسائل اإلعالم املعادية ِف الدول الكافرة للحصول‬
‫على األخبار واحلقائق اليت يرغبون ِف معرفتها واالطالع عليها ومنحها ثقتهم‪.‬‬
‫(‪ )2‬الرتكيز املستمر ِف الربامج اإلعالمية‪ ،‬على استمراء القيم واألخالقيات والعادات الغربية الباطلة‬
‫املخالفة للشرع‪ ،‬وتقدميها ابعتبارها منوذجاً حيتذى واإلشادة برموز وقيادات وجنوم هذه اجملتمعات‪،‬‬
‫واعتبارهم قدوات ومثالً عليا‪ ،‬مما يؤدي عياذاً ابهلل إىل كسر احلاجز االعتقادي والسلوكي بني‬
‫هذه األمة وبني الكفر والنفاق والشرك وأهله‪.‬‬
‫(‪ )4٧‬إبراز الشرائح االجتماعية ذات الدور اهلامشي ِف احلياة‪ ،‬حيث حيتل الرايضيون والفنانون‪،‬‬
‫واملغنون وأشباههم الذين جعلوا اللهو مهاً مركزايً هلم‪ ..‬مساحات واسعة ِف وسائل اإلعالم احمللي‪،‬‬
‫ويتناول احلديث عنهم كافة أعماهلم ونشاطاهتم مبا ِف ذلك أدق التفاصيل عن حياهتم اليومية‪،‬‬
‫ونشاطاهتم االجتماعية‪ ،‬حىت متكن هؤالء من أذهان الشباب‪ ،‬وصار حلم الشاب ِف املستقبل أن‬
‫يكون رايضياً أو فناانً‪ ،‬بينما تغيب عن هذه الوسائل شرائح أكثر أمهية وأعظم دوراً كالعلماء‬
‫واملفكرين والدعاة واملصلحني وذوي الكفاءات واالجنازات‪.‬‬
‫(‪ )44‬إعطاء الربامج الرتفيهية‪ ،‬وموضوعات اللهو والعبث الغالبية من أوقات البث‪ ،‬مع كثرة‬
‫الربامج اليت تفسد السلوك والعقائد واألخالقيات‪ ،‬أو تعد ِف أحسن األحوال اتفهة مضيعة للوقت‬
‫واملال واجلهد وتصنع االهتمامات اهلامشية والزائفة وتصد عن معايل األمور‪.‬‬
‫(‪ )49‬التضييق الشديد على املؤسسات اإلعالمية والتسجيالت اإلسالمية مبنع إصدار التصاريح‬
‫أو حتويلها‪ ،‬والرقابة املشددة عليها‪ِ ..‬ف الوقت الذي يسمح فيه لكثري من جمالت التربج والسفور‬
‫بدخول البالد ويسهل فتح وانتشار حمالت التسجيل والفيديو اهلابطة واملنافية للقيم اإلسالمية‬
‫واليت حتبذ الفحش والرذيلة وتدعو إىل نزع احلياء عن املرأة واألسرة املسلمة‪.‬‬
‫(‪ )44‬اإلكثار من برامج األطفال اليت تعتمد على التصديق ابملستحيل والسحر واألساطري والتمرد‪،‬‬
‫األمر الذي من شأنه أن يزرع قيماً خطرية ِف نفوس األطفال ِف سن مبكرة مما يكون له أكرب األثر‬
‫ِف تنشئتهم‪.‬‬
‫(‪ )41‬قلة الربامج اهلادفة لألسرة واملرأة املسلمة‪.‬‬
‫(‪ )45‬تركيز وسائل اإلعالم والصحافة على جماراة وسائل اإلعالم الغربية ِف الطعن والقدح ِف‬
‫الدعاة املسلمني واحلركات واملؤسسات اإلسالمية والتشكيك فيها ورميها ابألصولية والتطرف‬
‫للتنفري منها واإلساءة إليها حىت وصل احلال هبذه األجهزة والعياذ ابهلل إىل الفرح ابنتصار‬
‫العلمانيني على هذه احلركات والشماتة ابملصائب واملآسي اليت تصيب املسلمني‪.‬‬

‫‪753‬‬
‫(‪ )41‬قصور وسائل اإلعالم احمللية عن خماطبة املسلمني ِف العامل وإيصال الصوت اإلسالمي لكل‬
‫مكان وخصوصاً املناطق الشديدة االحتياج كاألقليات اإلسالمية واجلمهورايت اإلسالمية حديثة‬
‫االستقالل‪.‬‬
‫(‪ )41‬االعتماد الكلي ِف املادة اإلعالمية املقدمة على إصدارات أعداء األمة ووكاالت أنبائهم‬
‫وحتليالهتم وغياب الرقابة واملراجعة والتدقيق هلذه الربامج وعدم بذل اجلهد إلجياد البديل‪.‬‬
‫(‪ )4٧‬انتشار أجهزة البث املباشر اليت تعرض قيم هذه البالد وأهلها للمسخ واالحنراف الفكري‬
‫واالجتماعي‪ ،‬وغياب املراقبة اجلادة الرمسية هلا‪.‬‬

‫العالقات اخلارجية‪:‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫منذ أن أقام النيب ملسو هيلع هللا ىلص الدولة اإلسالمية األوىل تبينت القواعد الراسخة اليت تسري عليها الدولة‬
‫الشرعية ِف عالقاهتا اخلارجية‪ ،‬وقد سار على هنج هذه القواعد واألسس خلفاؤه الراشدون من‬
‫بعده مهنع هللا يضر‪ .‬وهلذا فإن الدولة اليت تقوم على عقيدة اإلسالم ملزمة حبكم مسؤوليتها عن إقامة شرع‬
‫هللا ابلسري على هذه القواعد وااللتزام هبا ِف كل عالقاهتا‪ .‬ونبني فيما أييت هذه األسس والقواعد‬
‫الكربى اليت شرعها اإلسالم لتنظيم عالقات الدولة املسلمة بغريها لكي تكون بياانً يرجع إليه ِف‬
‫معاجلة وإصالح واقع احلال‪.‬‬
‫األساس األول‪ :‬نشر دعوة اإلسالم ِف العامل‪:‬‬
‫جاءت األدلة الشرعية من كتاب وسنة تبني أن الواجب على الدولة الشرعية أن تكون عالقاهتا‬
‫هادفة ابتداءً إىل نشر دين اإلسالم ودعوة األمم والناس إليه قال تعاىل ﴿ادع إيل سبيل ربك‬
‫ابحلكمة واملوعظة احلسنة﴾(سورة النحل‪)495:‬وقال ﴿ومن أحسن قوالً ممن دعا إىل هللا﴾(سورة‬
‫فصلت‪ ، )44:‬وقال﴿وما على الرسول إال البالغ املبني﴾(سورة النور‪ .)51:‬وقد قام رسول هللا‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص بذلك خري قيام حيث دعا قومه قريشاً مث سائر العرب ودعا ملوك العرب والعجم والروم إىل‬
‫هذا الدين حىت دخل الناس ِف دين هللا أفواجاً وسار صحابته مهنع هللا يضر على ذلك بعده والتابعون‬
‫إبحسان‪ .‬ولذا فإن األساس األول لعالقات الدولة اإلسالمية بغريها هو السعي لنشر الدعوة‬
‫اإلسالمية وهداية الناس إىل دين هللا‪ ،‬وهذا ِف احلقيقة هو العمل األساسي للدولة الشرعية‪.‬‬

‫‪754‬‬
‫األساس الثاين‪ :‬توحيد املسلمني ومجع كلمتهم‪:‬‬
‫لقد بينت اآلايت العديدة من كتاب هللا تعاىل وأحاديث رسوله ملسو هيلع هللا ىلص وحدة األمة وأن املسلمني أمة‬
‫من دون الناس قال تعاىل ﴿وأن هذه أمتكم أمة واحدة﴾(سورة املؤمنون‪ )59:‬وقال تعاىل ﴿والذين‬
‫آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم﴾(سورة األنفال‪ )15:‬وقال عليه الصالة‬
‫والسالم "مثل املسلمني ِف توادهم وترامحهم وتعاطفهم كمثل اجلسد الواحد‪ ..‬احلديث"(‪ ،)4‬وعن‬
‫سليمان بن بريدة عن أبيه قال "كان رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص يقول ألمرائه "وإذا لقيت عدوك من املشركني‬
‫فادعهم إىل ثالث خصال أو خالل فأيتهن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم‪ ،‬ادعهم إىل اإلسالم‬
‫فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم‪ ،‬مث ادعهم إىل التحول من دارهم إىل دار املهاجرين وأخربهم‬
‫أهنم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على املهاجرين"(‪...)9‬فهذه اآلايت واألحاديث‬
‫تدل على وجوب وحدة املسلمني والسعي إىل مجع كلمتهم‪ ،‬وأن ذلك من أسس تنظيم عالقات‬
‫الدولة الشرعية بغريها‪.‬‬

‫األساس الثالث‪ :‬نصرة قضااي املسلمني‪:‬‬


‫جاءت اآلايت واألحاديث تبني أن الدولة الشرعية مسؤولة عن نصرة املسلمني املظلومني والذود‬
‫اج ُروا َما لَ ُك ْم ِم ْن َوَاليَتِ ِه ْم ِم ْن َش ْي ٍء‬
‫عنهم والدفاع عن حقوقهم قال هللا تعاىل ﴿ والَّ ِذين آمنوا وَمل ي ه ِ‬
‫َ َ َُ َ ْ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّص ُر ﴾(سورة األنفال اآلية‪ ")19:‬وقال ملسو هيلع هللا ىلص‬ ‫ص ُروُك ْم ِِف الدي ِن فَ َعلَْي ُك ُم الن ْ‬ ‫َح َّىت يُ َهاج ُروا َوإِن ْ‬
‫استَ ْن َ‬
‫"انصر أخاك ظاملاً أومظوماً"(‪ )4‬وقال " املسلم أخو املسلم ال يظلمه وال خيذله وال يسلمه"(‪.)1‬‬
‫فهذه األدلة تبني وجوب نصرة املسلمني بعضهم بعضاً‪ .‬وهلذا فإنه من املتعني على الدولة الشرعية‬
‫أن تكون قائمة هبذا الواجب العظيم ومسؤولة أمام األمة عن إقامته وحتقيقه‪.‬‬
‫وبناء على هذا التأصيل فإن تنظيم عالقات املسلمني ِف دولتهم مع غريهم من الدول والشعوب‬
‫جيب أن يُبىن على هذه القواعد وأن يُستهدى هبا ِف رسم كافة العالقات‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد (‪ )4٧11٧‬وحكم شعيب األرنؤوط صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم ‪. )4144( - 4‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )9114‬‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري (‪. )9119‬‬

‫‪755‬‬
‫واقع العالقات اخلارجية‪:‬‬
‫إن املتأمل ِف عالقاتنا اخلارجية يالحظ ما أييت‪:‬‬
‫(‪ )4‬تتسم عالقات اململكة مع بعض التوجهات اإلسالمية دوالً وحركات وأفراداً أحياانً ابلفتور‬
‫والتجاهل واخلذالن والتشويه اإلعالمي أحياانً‪ .‬كما كان املوقف من اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ ِف‬
‫اجلزائر‪ .‬كما يالحظ أن هناك تقصرياً ِف دعم حركات الدعوة امللتزمة مبنهج أهل السنة‪ ،‬وخاصة ِف‬
‫بالد أفريقيا وآسيا اليت تتعرض لنشاط مكثف من احلركات البدعية املدعومة والنشاط التنصريي‬
‫العاملي‪.‬‬
‫(‪ )9‬تقدمي الدعم املادي واملعنوي للدول اليت حتارب الدعاة ومتنع نشر الدعوة إىل هللا على بصرية‬
‫مثل سوراي والسلطة اجلديدة ِف اجلزائر‪ ،‬أو جلهات أخرى ال تربطها مصاحل ظاهرة ابململكة‪.‬‬
‫(‪ )4‬احلرص على أال تتعارض سياسة اململكة مع مصاحل األنظمة الغربية اليت تقود العداء لإلسالم‪،‬‬
‫ويتضح ذلك ِف جماراة الوالايت املتحدة األمريكية ِف غالب املواقف والعالقات والقرارات مثل‬
‫االندفاع حنو عملية السالم مع اليهود‪.‬‬
‫(‪ )1‬عدم ثبات سياسة اململكة جتاه بعض الدول اإلسالمية وغريها حىت إهنا لتظهر كأهنا رد فعل‬
‫مباشر وآين للحوادث املباشرة واآلنية‪ ،‬دون االلتزام ابلثوابت أو بعد النظر‪ ،‬مثل العالقات مع إيران‬
‫والسودان مما ينم عن عدم بناء العالقات على الثوابت الشرعية والتخطيط االسرتاتيجي‪.‬‬
‫(‪ )5‬سفاراتنا ِف اخلارج يكاد ينعدم نشاطها اإلسالمي‪ ،‬كما أن بعضها تقوم مبمارسات تنبئ عن‬
‫أن املسؤولني فيها ال ميثلون اململكة وتوجهاهتا اإلسالمية‪ ،‬بل رمبا أعطت صورة غري حقيقية عن‬
‫بلد احلرمني وتصوراً مشوهاً عن جمتمعنا املتمسك بتعاليم اإلسالم السمحة‪.‬‬
‫(‪ )1‬انتشار ظاهرة توظيف النساء السافرات وغري املسلمات ِف سفاراتنا مما يزري بواقع سفاراتنا‬
‫اليت متثل بالد احلرمني الشريفني وقبلة اإلسالم وقد يؤدي إىل تسرب أسرارها‪.‬‬
‫(‪ )1‬عدم قيام هذه السفارات مبا يفرتض عليها من واجب الدعوة وإبالغ رسالة هللا إىل اجملتمعات‬
‫اليت يعيشون بني ظهرانيهم خصوصاً وأن أغلبها ِف بالد كافرة‪.‬‬
‫‪ )٧‬صرف األموال الطائلة على شراء ذمم أشخاص‪ ،‬أو إسكات بعض رجال الصحافة واإلعالم‬
‫والسياسيني واألحزاب مما أطمعهم فينا ابتزازاً ومساومة‪.‬‬

‫‪756‬‬
‫سبيل اإلصالح‪:‬‬
‫وبعد أن عرضنا واقع احلال لعالقاتنا اخلارجية فإننا ننصح مبا أييت‪:‬‬
‫(‪ )4‬تبين سياسة الوحدة اإلسالمية ودعم قضااي املسلمني ِف مجيع احملافل الدولية ِف أحناء العامل‪،‬‬
‫ونقل صورة صحيحة ودقيقة عنها لألمة‪ ،‬ومن مث مناصرهتم والدفاع عنهم ومواصلة اجلهد حلل‬
‫مشكالهتم‪.‬‬
‫(‪ )9‬توثيق العالقات مع التوجهات اإلسالمية من دول وحركات وأفراد‪ ،‬والعمل جبد ملا يؤدي‬
‫لتحقيق الوحدة بني املسلمني على الكتاب والسنة ونصرة اإلسالم واملسلمني‪.‬‬
‫(‪ )4‬قطع العالقات الدبلوماسية واالقتصادية مع كل دولة حتارب الدعاة إىل هللا فيها أو تضطهد‬
‫األقليات اإلسالمية هبا وأن تكون العالقات مبنية على حسن تعامل تلك الدول مع الدعاة‬
‫واألقليات اإلسالمية‪.‬‬
‫(‪ )1‬التعامل حبكمة مع الدول والتكتالت والتوجهات املعادية لإلسالم وعلى رأسها األنظمة‬
‫الغربية‪ ،‬وجتنب أي نوع من األحالف أو أشكال التعاون اليت ختدم األهداف االستعمارية وتؤثر‬
‫على القرار السياسي هلذا البلد‪.‬‬
‫(‪ )5‬إعادة النظر ِف وزارة اخلارجية وأوضاع السفارات والسلك الدبلوماسي حبيث ال يعني إال‬
‫املؤمتنون ِف هذا املنصب اخلطري لكي تؤدي السفارات رسالتها اإلسالمية املنوطة هبا‪.‬‬
‫(‪ )1‬العمل على إزالة مجيع املظاهر اليت ختالف تعاليم اإلسالم وقيمه الصحيحة من سفاراتنا‪.‬‬
‫(‪ )1‬استقطاب الطاقات اإلسالمية من مجيع أحناء العامل وتوظيفها ِف خدمة اإلسالم وتوفري العيش‬
‫الكرمي هلم‪ .‬وكذلك إيواء املضطهدين من الدعاة واملصلحني وتوفري احلماية هلم‪.‬‬
‫(‪ )٧‬زايدة املنح للدراسة ِف جامعات اململكة ومعاهد اللغة العربية للطالب املسلمني من كافة‬
‫اجلنسيات واألقطار وإعدادهم للقيام بواجب الدعوة‪.‬‬
‫(‪ )2‬عرض اإلسالم ِف احملافل الدولية والدعوة إليه على أنه دين شامل حيمل احللول الناجعة‬
‫ألزمات البشرية ويقودها إىل ما فيه سعادهتا ِف دنياها وآخرهتا‪.‬‬

‫‪757‬‬
‫وختاما(‪)4‬‬
‫نسأل هللا أن يربم هلذه األمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعته ويذل فيه أهل معصيته‪ ..‬ويؤمر فيه‬
‫ابملعروف وينهى فيه عن املنكر وتقال فيه كلمة احلق ال خيشى قائلها ِف هللا لومة الئم‪ ..‬ونسأله أن‬
‫يوفق والة األمر للعمل بكتابه واتباع شرعه‪ ،‬كما نسأله أن يقر أعيننا بنصرة اإلسالم وصالح‬
‫أحوال املسلمني ِف كل مكان وأن يعيد هلذه األمة العظيمة سابق عزها وجمدها‪ ..‬إنه ويل ذلك‬
‫والقادر عليه وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬قدمت مذكرة النصيحة للملك فهد ِف يونيو‪/‬حزيران ‪،4229‬بعد فرتة قصرية من صدور األنظمة الثالثة (النظام‬
‫األساسي‪ ،‬نظامي جملس الشورى وجملس املناطق) اليت أعلن عنها امللك فهد ِف آذار (مارس) ‪4229‬م‬

‫‪758‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫مذكرة النصيحة‬
‫أمساء املوقعني(‪:)4‬‬
‫من كبار املشايخ ومشاهري الدعاة‪:‬‬
‫‪ -4‬فضيلة الشيخ محود بن عبد هللا العقالء ‪ /‬عالمة مدينة بريدة وأستاذ لثالثة من أعضاء هيئة كبار العلماء‬
‫‪ -1‬فضيلة الشيخ عبدهللا بن سليمان املسعري ‪ /‬رئيس ديوان املظامل سابقا وقرين الشيخ ابن ابز والشيخ ابن‬
‫محيد‬
‫‪ -3‬فضيلة الشيخ الدكتور عبدهللا اجلربين ‪ /‬عضو رفتاء يف الرائسة العامة لإلفتاء والدعوة واإلرشاد وقد زكى‬
‫املذكرة ‪.‬‬
‫‪ -1‬أ‪ .‬د عبدهللا الزايد ‪ /‬رئيس اجلامعة االسالمية ابملدينة سابقا‬
‫‪ -5‬فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة ‪ /‬غين عن التعريف وقد زكى املذكرة‬
‫‪ -6‬فضيلة الشيخ سفر بن عبد الرمحن احلوايل ‪ /‬غين عن التعريف وقد زكى املذكرة‬
‫‪ -7‬فضيلة الشيخ عبدهللا بن محد اجلاليل ‪ /‬غين عن التعريف وقد زكى املذكرة‬
‫‪ -8‬فضيلة الشيخ عبدهللا بن محود التوجيري ‪ /‬رئيس قسم السنة يف جامعة االمام (الرايض)‬
‫‪ -9‬فضيلة الدكتور سعيد آل زعري ‪ /‬أستاذ اإلعالم جامعة االمام (الرايض)‬
‫‪ -41‬فضيلة الشيخ عبد الوهاب بن انصر الطريري ‪ /‬حماضر بقسم السنة وخطيب جامع املل عبدالعزيز‬
‫ابلرايض‬
‫‪ -44‬فضيلة الشيخ عائض بن عبدهللا القرين ‪ /‬غين عن التعريف‬
‫‪ -41‬فضيلة الشيخ عوض بن دمحم القرين ‪ /‬حماضر بفرع جامعة االمام أبهبا وداعيه معروف‬
‫‪ -43‬فضيلة الشيخ سعيد بن انصر الغامدي ‪ /‬حماضر بفرع جامعة االمام أبهبا وداعيه معروف‬
‫‪ -41‬فضيلة الدكتور محد بن ربراهيم الصليفيح ‪ /‬غين عن العريف‬

‫من مشاهري اخلطباء والدعاة‪:‬‬


‫‪ -45‬الشيخ عادل بن سامل الكلباين ‪ /‬رمام وخطيب(سابق) وداعية معروف‬
‫‪ -46‬الشيخ دمحم بن سليمان احمليسين ‪ /‬رمام وخطيب وداعية معروف (القصيم)‬
‫‪ -47‬الشيخ عبدهللا بن ربراهيم الريس ‪ /‬رمام وخطيب (الرايض)‬
‫‪ -48‬الشيخ سعد بن عبدهللا السعدان ‪ /‬رمام وخطيب (الرايض)‬
‫‪ -49‬الشيخ مازن بن عبدالكرمي الفريح ‪ /‬رمام وخطيب (الرايض)‬
‫‪ -11‬الشيخ صاحل بن سليمان اهلبدان ‪ /‬رمام وخطيب (الرايض)‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬بعض أمساء املوقعني غري متأكد منها وبعضها حيتمل انين أخطأت ِف كتابتها ألن صورة األمساء غري واضحه ‪.‬‬

‫‪759‬‬
‫‪ -14‬الشيخ صاحل بن سليمان السديري ‪ /‬رمام وخطيب (القصيم)‬
‫‪ - 11‬الشيخ سعد بن انصر الغنام ‪ /‬رمام وخطيب (الرايض)‬
‫‪ -13‬الشيخ عبد الواحد بن عبدهللا املهيدب ‪ /‬داعية معروف (الرايض)‬
‫‪ -11‬الشيخ دمحم بن علي السعوي ‪ /‬رمام وخطيب اجلامع الكبري (بريدة)‬
‫‪ -15‬الشيخ عبدالعزيز بن دمحم الوهييب ‪ /‬رمام وخطيب (الرايض)‬
‫‪ -16‬الشيخ محود بن غزاي احلريب ‪ /‬مدير عام اهليئات (الرس)‬
‫‪ -17‬الشيخ عبدالعزيز بن عبدهللا اجلهين ‪ /‬داعية معروف (اخلرج)‬
‫‪ -18‬الشيخ صاحل الفهد الرشودي ‪ /‬عضو اهليئه وداعية معروف (الرايض والقصيم)‬
‫‪ -19‬الشيخ دمحم بن عبدالعزيز املاجد ‪ /‬رمام وخطيب (سابق) وعضو اهليئات (الرايض)‬

‫من األعيان ورجال األعمال ومدراء املدارس‪:‬‬


‫‪ -31‬احملامي سليمان بن ربراهيم الرشودي‬
‫‪ -34‬احملامي عبدالعزيز القاسم‬
‫‪ -31‬األستاذ عبدهللا بن سليمان اخلربوش‬
‫‪ -33‬األستاذ عبدالرمحن بن انصر العضيب‬
‫‪ -31‬األستاذ دمحم بن عبدهللا الفاحل‬
‫‪ -35‬األستاذ انصر بن جارهللا اجلميل‬
‫‪ -36‬األستاذ عبدالعزيز بن دمحم املربز‬
‫‪ -37‬األستاذ عبدهللا بن دمحم املربز‬
‫‪ -38‬األستاذ عبدالرمحن بن دمحم املربز‬
‫‪ -39‬األستاذ أمحد بن صاحل الصمعاين‬
‫‪ -11‬األستاذ عبدالرمحن بن علي العبدهللا‬
‫‪ -14‬األستاذ صعب بن محيد اجللعود‬
‫‪ -11‬األستاذ فهد بن سليمان بن دمحم القاضي‬
‫‪ -13‬األستاذ محد بن صاحل اجلاسر‬
‫‪ -11‬األستاذ ربراهيم بن دمحم السربقي‬
‫‪ -15‬األستاذ دمحم بن زامل اللعبون‬
‫‪ -16‬األستاذ عصام بن عبدهللا السناين‬
‫‪ -17‬األستاذ علي بن خضري اخلضري‬
‫‪ -18‬األستاذ عبدهللا بن دمحم السويلمي‬
‫‪ -19‬األستاذ دمحم بن عبدالرمحن الدبيخي‬
‫‪ -51‬األستاذ عبدالرمحن بن صاحل الغفيلي‬

‫‪761‬‬
‫‪ -54‬األستاذ أمحد بن عبدهللا الرباهيم‬
‫‪ -51‬األستاذ علي بن دمحم العبود‬
‫‪ -53‬األستاذ دمحم بن انصر احلنيحن‬
‫‪ -51‬األستاذ عبدالعزيز بن سعد الزير‬
‫‪ -55‬األستاذ عبدهللا بن سليمان العمرييين‬
‫‪ -56‬األستاذ دمحم بن ربراهيم السدحان‬

‫من أساتذة اجلامعات‪:‬‬


‫‪ -57‬د ‪ .‬صاحل بن دمحم الونيان (جامعة اإلمام)(القصيم)‬
‫‪ -58‬د ‪ .‬حيىي بن عبدالعزيز اليحىي (جامعة اإلمام) (القصيم)‬
‫‪ -59‬د ‪ .‬صاحل بن دمحم بن سليمان السلطان (جامعة اإلمام)(القصيم)‬
‫‪ -61‬د ‪ .‬دمحم بن صاحل املديفر (جامعة اإلمام)(القصيم)‬
‫‪ -64‬د ‪ .‬عبدهللا بن سليمان اجلاسر (جامعة اإلمام)(القصيم)‬
‫‪ -61‬د ‪ .‬حمماس بن عبدهللا بن دمحم اجللعود (جامعة األمام)(الرايض)‬
‫‪ -63‬د ‪ .‬خالد بن عبدالرمحن العجمي (جامعة األمام)(الرايض)‬
‫‪ -61‬د ‪ .‬عبدالرمحن بن صاحل العشماوي (جامعة األمام)(الرايض)‬
‫‪ -65‬د ‪ .‬عبدهللا بن وكيل الشيخ (جامعة األمام)(الرايض)‬
‫‪ -66‬د ‪ .‬ربراهيم اهلوميل (جامعة األمام)(الرايض)‬
‫‪ -67‬د ‪ .‬ربراهيم بن عبدالعزيز الغصن (جامعة األمام)(الرايض)‬
‫‪ -68‬د ‪ .‬بشر بن فهد البشر (جامعة األمام)(الرايض)‬
‫‪ -69‬أ ‪ .‬حسن بن صاحل احلميد (جامعة األمام)(الرايض)‬
‫‪ -71‬د ‪ .‬عبدالرمحن بن علي السحيباين (جامعة األمام)(الرايض)‬
‫‪ -74‬أ ‪ .‬دمحم بن عبدهللا املقدي (جامعة األمام)(الرايض)‬
‫‪ -71‬أ ‪ .‬سعد بن صاحل الطويل (جامعة األمام)(الرايض)‬
‫‪ -73‬أ ‪ .‬د انصر بن سعد الرشيد (جامعة املل سعود)(لغة عربية)‬
‫‪ -71‬أ ‪ .‬د عبدهللا النافع آل شارع (جامعة املل سعود)(علم النفس)‬
‫‪ -75‬أ ‪ .‬د سعد بن دمحم بن حذيفة الغامدي (جامعة املل سعود)(التاريخ)‬
‫‪ -76‬أ ‪ .‬د دمحم بن عبدهللا بن سليمان املسعري (جامعة املل سعود)(علم الفيزايء النظرية)‬
‫‪ -77‬أ ‪ .‬د عبدالعزيز السليمان (جامعة املل سعود)(هندسة كهرابئية)‬
‫‪ -78‬د ‪ .‬عبدالرمحن بن سليمان الطريري (جامعة املل سعود)(عام النفس)‬
‫‪ -79‬د ‪ .‬دخيل بن عبدهللا بن صاحل آل الدخيل هللا (جامعة املل سعود)(علم النفس)‬
‫‪ -81‬د ‪ .‬صاحل بن مبارك بن دمحم الدابسي (جامعة املل سعود)(وسائل وتكنولوجيا التعليم)‬

‫‪761‬‬
‫‪ -84‬د ‪ .‬محدان بن دمحم احلمدان (جامعة املل سعود)(دراسات رسالمية)‬
‫‪ -81‬د ‪ .‬دمحم بن عبدهللا الشمراين (جامعة املل سعود)(دراسات رسالمية)‬
‫‪ -83‬د ‪ .‬ربراهيم بن دمحم بن ربراهيم العبود (جامعة املل سعود)(دراسات رسالمية)‬
‫‪ -81‬د ‪ .‬صاحل بن سليمان بن عبدالرمحن الوهييب (جامعة املل سعود)(اللغة العربية)‬
‫‪ -85‬د ‪ .‬صاحل بن سليمان العمري (جامعة املل سعود)(اللغة العربية)‬
‫‪ -86‬د ‪ .‬حسني مشهور احلازمي (جامعة املل سعود)(الفيزايء التجريبة)‬
‫‪ -87‬د ‪ .‬فهد بن عبدهللا السدحان (جامعة املل سعود)(الفيزايء النظرية)‬
‫‪ -88‬د ‪ .‬حامد بن عبد الرزاق السويدان (جامعة املل سعود)(الفيزايء الطبية)‬
‫‪ -89‬د ‪ .‬خالد بن عبدالعزيز احلميضي (جامعة املل سعود)(الكيمياء الفيزايء)‬
‫‪ -91‬د ‪ .‬عبدهللا بن دمحم بن عبدهللا املعيوف (جامعة املل سعود)(علم الكيمياء)‬
‫‪ -94‬د ‪ .‬عبدالوهاب رجب هاشم بن صادق (جامعة املل سعود)(علم األحياء الدقيقة)‬
‫‪ -91‬د ‪ .‬سعد بن راشد بن دمحم الفقيه (جامعة املل سعود)(علم اجلراحه)‬
‫‪ -93‬د ‪ .‬صاحل بن عبدالعزيز بن راشد العمرو (جامعة املل سعود)( طب العيون)‬
‫‪ -91‬د ‪ .‬ربراهيم بن دمحم بن عبدهللا الشهوان (جامعة املل سعود)(علم النبات)‬
‫‪ -95‬د ‪ .‬حمسن بن حسني بن عبدهللا العواجي (جامعة املل سعود)(علم الربة)‬
‫‪ -96‬د ‪ .‬يوسف بن انصر الدريهم (جامعة املل سعود)(علم احلشرات)‬
‫‪ -97‬د ‪ .‬دمحم بن جابر اليماين (جامعة املل سعود)(علم الصيدله)‬
‫‪ -98‬د ‪ .‬عبدهللا بن دمحم الرحيلي (جامعة املل سعود)(اهلندسة املدنية)‬
‫‪ -99‬د ‪ .‬صاحل بن عبدهللا احلسون (جامعة املل سعود)(اهلندسة املدنية)‬
‫‪ -411‬د ‪ .‬عبدالرمحن بن ربرهيم العولة (جامعة املل سعود)( اهلندسة الكهرابئية)‬
‫‪ -414‬د ‪ .‬عبداحلميد بن يوسف املزروع (جامعة املل سعود)( اهلندسة الكهرابئية)‬
‫‪ -411‬د ‪ .‬سعد بن عبد الرمحن القاضي (جامعة املل سعود)( اهلندسة املدنية)‬
‫‪ -413‬د ‪ .‬سامي بن صاحل الوكيل (جامعة املل سعود)(حاسب األيل)‬
‫‪ -411‬د ‪ .‬سعد عطية الغامدي (جامعة املل سعود)(علم األدارة)‬
‫‪ -415‬د ‪ .‬دمحم بن أمحد بن علي مفيت (جامعة املل سعود)(العلوم السياسية)‬
‫‪ -416‬د ‪ .‬سليمان بن صاحل الرشودي (مدينة املل عبدالعزيز)(الطاقة النووية)‬
‫‪ -417‬د ‪ .‬عبدهللا العريين (مدينة املل عبدالعزيز)(املعهد اإللكرونيات)‬
‫‪ -418‬أ ‪ .‬سعود خلف الدحيان (مدينة املل عبدالعزيز)(الطاقة النووية)‬
‫‪ -419‬أ‪ .‬د عبدالعزيز بن دمحم الوهييب (جامعة املل سعود)(علم الفيزايء)‬
‫‪ -441‬أ ‪ .‬انيف بن دمحم أاب اخليل (جامعة املل سعود)(دراسات رسالمية)‬

‫‪762‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫البيان الثالثي يف الرد على اهليئة وبياهنا بشأن مذكرة النصيحة‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني‪ ،‬نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني‪.‬‬
‫أصحاب السماحة والفضيلة أعضاء هيئة كبار العلماء‪ ،‬وفقهم هللا‪ ،‬السالم عليكم ورمحة هللا‬
‫وبركاته وبعد‪:‬‬
‫لقد اطلعنا مع شديد األسف على البيان الذي أصدرت ه هيئة كبار العلماء بتاريخ ‪/4 /42‬‬
‫‪4144‬ه ‪ ،‬حول (مذكرة النصيحة) ‪ ،‬ولقد رزئنا بصيغة هذا البيان‪ ،‬الذي صدر ابسم أكرب هيئة‬
‫عددا من الفقهاء ومحلة العلم الشرعي‪ ،‬حيث ظهرت‬ ‫علمية شرعية ِف هذه البالد‪ ،‬اليت تضم ً‬
‫صياغة هذا البيان بصورة تشبه البياانت اإلعالمية واألمنية‪ ،‬اليت تفتقد النظرة الشرعية السديدة‪،‬‬
‫وتتحرى احلق والبعد عن الظلم والتشهري واهتام النوااي‪ ،‬وتدقق ِف اختيار األلفاظ واملصطلحات‬
‫الشرعية املنضبطة‪ .‬ولنا على هذا البيان مالحظات‪:‬‬
‫أوال‪:‬‬
‫لقد صدر البيان ِف وقت تعاين منه أمة اإلسالم أشد املعاانة من تسلط األعداء ِف البوسنة‬
‫واهلرسك والصومال وكشمري واجلزائر ومصر وتونس وغريه‪ ،‬دون أن يصدر عن اهليئة أي موقف‬
‫معلن‪ ،‬يناصر قضاايهم‪ ،‬ويدافع عن حقوقهم‪ .‬كما أن املنطقة تعاين من تسلط الكفار والنصارى‬
‫عليها‪ ،‬وعبثهم مبقدساهتا‪ ،‬وقيامهم حبياكة املؤامرات ضدها‪ ،‬حىت لو كره احلاكمون ِف املنطقة هذا‬
‫الوجود‪ ،‬أو جتاوز صالحياهتم‪ ،‬وتعدى على سيادهتم‪ ،‬ومع ذلك مل يصدر عن اهليئة أي موقف‬
‫معلن ِف هذا‪ ،‬كما أن من املعلوم لدى اجلميع أن العلمانيني والطائفيني واملبتدعة وأصناف‬
‫املنحرفني‪ ،‬تتواىل خطاابهتم ومطالباهتم ألويل األمر‪ ،‬وقد نشر بعضها ِف اخلارج‪ ،‬ومع ذلك مل نسمع‬
‫أهنا أحيلت إليكم‪ ،‬وال أنكم أصدرمت حوهلا أي بيان‪ .‬فما هو سبب التغاضي عن أمثال هذه‬
‫الكتاابت؟ وملاذا الرتكيز على خطاابت النصيحة‪ ،‬اليت يكتبها العلماء والدعاة الغيورون على وحدة‬
‫األمة‪ ،‬واالعتصام حببل هللا املتني؟‬
‫اثنيا‪:‬‬
‫نص على‪( :‬وقد‬‫اشتمل البيان على عدد من االهتامات اليت مل تنب على أساس صحيح‪ ،‬حيث َّ‬
‫عمل معدوا هذه املذكرة هبذه الطريقة على ترويج أسباب الفرقة وزرع الضغائن واختالق املقالب أو‬
‫جتسيمها ‪ ..‬مما جعلها من أجل مكاسب األعداء احلاقدين ‪ ،)..‬وهذه هتمة خطرية تقدح ِف‬

‫‪763‬‬
‫الفاعل‪ ،‬وتسيء إىل مسعته بني الناس‪ ،‬وحنن ال منلك إال أن نبدي عجبنا‪ :‬كيف تصبح نصيحة‬
‫الوالة‪ ،‬اليت هي الدين‪ ،‬كما قال ملسو هيلع هللا ىلص ِف احلديث املشهور‪« :‬الدين النصيحة»(‪ ،)4‬سببًا للفرقة‬
‫وزرع الضغائن‪ ،‬حىت تكون من أجل مكاسب األعداء؟ ‪ ..‬والواقع أن الفرقة والضغائن ال تكون إال‬
‫بغياب النصيحة‪ ،‬أو الوقوف ِف وجهها‪ ،‬والتشكيك ِف النصيحة وِف نوااي مسدديها‪ ،‬وترك‬
‫املنكرات تشيع وتنتشر‪.‬‬
‫وهذا ما يؤيده حديث رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ …« :‬إن هللا رضي لكم ثال ًاث‪ :‬أن تعبدوه وال تشركوا به‬
‫مجيعا وال تفرقوا‪،‬وأن تناصحوا من واله هللا أمركم»(‪ ،)9‬حيث قرن بني‬ ‫شيئًا‪ ،‬وأن تعتصموا حببل هللا ً‬
‫النصيحة والوحدة وعدم الفرقة‪ ،‬وجعل النصيحة الزمة من لوازم عدم الفرقة واالعتصام حببل هللا‪،‬‬
‫وذلك من أجل مكاسب األمة ووحدهتا‪.‬‬
‫اثلثا‪:‬‬
‫حذر البيان من اجلور والبغي و غمط احلق‪ ،‬وحنسب أن البيان قد وقع فيما حذر منه‪ ،‬حيث‬
‫كثريا من اللبس حوهلم‪ ،‬حىت إن بعض الفضالء قد تورط ِف النيل من‬ ‫غمط حق املوقعني‪، ،‬أاثر ً‬
‫اعتمادا على بيان اهليئة‪،‬‬
‫أعراض املوقعني‪ ،‬وأخرجهم من اإلسالم‪ ،‬جهالً أبشخاص املوقعني‪ ،‬و ً‬
‫الذي وصف املوقعني أبهنم (عدد من املدرسني واملنتسبني للعلم)‪ ،‬رغم أن فيهم علماء أجالء‪،‬‬
‫تصدر األمة عن فتواهم ِف احلالل واحلرام‪ ،‬وجتمع على جاللتهم وفضلهم‪ ،‬وتثق بعلمهم ودينهم‪،‬‬
‫عددا‬
‫وبعض أقران لكبار العلماء‪ ،‬والبعض اآلخر مشائخ وأساتذة لعدد من أعضاء اهليئة‪ ،‬كما أن ً‬
‫كبريا من املوقعني من أساتذة اجلامعات واملفكرين والدعاة وذووي الرأي ِف األمة‪.‬‬
‫ً‬
‫رابعا‪:‬‬
‫نص البيان على أن النصيحة‪ ..( :‬تشتمل على عشرة بنود‪ ،‬وقد ادعى معدو املذكرة أن واقع البالد‬
‫على ما وصفوه ِف مذكرهتم‪ ،‬واقرتحوا ما مسوه سبيل اإلصالح هلا ‪ ،)..‬ومل يذكر البيان اشتماهلا‬
‫على أتصيل شرعي من نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬يبين منهاج اإلسالم‪ ،‬وحنن نتساءل‪ :‬ملَ أغفل‬
‫البيان هذا اجلانب الذي يُعترب أهم جوانب املذكرة؟ األمر الذي أدى ببعض الناس إىل الشك ِف‬
‫منشورا يقف خلفه بعض اجلهات املنحرفة واملشبوهة‪ ،‬ويشكك ِف دينهم وعقيدهتم‪.‬‬
‫ً‬ ‫كوهنا‬
‫خامسا‪:‬‬
‫اهتم البيان نوااي ومقاصد الناصحني‪ ،‬وجعلهم بني رجلني‪ :‬إما سيئ القصد أو جاهل مغرر به‪ ،‬ومل‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪. )55( - 25‬‬
‫(‪ )9‬مسند أمحد (‪ )٧122‬وحكم شعيب األرنؤوط إسناده صحيح ‪.‬‬

‫‪764‬‬
‫يرتك احتماالً اثلثًا لناصح خملص غيور بصري ابحلال ‪ ..‬وإن من أبسط مبادئ القضاء‪ ،‬أن ال حيكم‬
‫على السرائر ونوااي القلوب‪ ،‬اليت ال يطلع عليها إال هللا وحده عز وجل‪ .‬أما دعوى اجلهل ابلواقع‪،‬‬
‫فنحن نتساءل هنا عن واقع اجليش ‪-‬الذي هو من أهم بنود املذكرة‪ -‬حيث وصفته املذكرة بضعف‬
‫اإلمكاانت وقلة العدد‪ ،‬الذي تبين ِف أزمة اخلليج‪ ،‬فهل يرى العلماء خالف ذلك؟ وهم الذين‬
‫أفتوا جبواز االستعانة ابلقوات الكافرة‪ ،‬اليت بلغ عدد األمريكان وحدهم ‪ 51٧‬ألف جندي‪ ،‬فإن‬
‫كان واقع اجليش كما ذكرته املذكرة‪ ،‬فكيف يتهم املوقعون ابجلهل ابلواقع والتغرير هبم؟ وإن كان‬
‫غري ذلك‪ ،‬فكيف تصدر عنكم الفتوى جبواز االستعانة هبذه القوى؟‬
‫سادسا‪:‬‬
‫أدان البيان نشرة املذكرة‪ ،‬بصيغة تشعر أبن املوقعني هم الذين يقفون وراء النشر‪ ،‬وهم مسئولون‬
‫عنه‪ ،‬والواقع أن املوقعني ليسوا مسئولني عن هذا النشر‪ ،‬وأن أبسط مبادئ القضاء والتحقق من‬
‫الفاعل احلقيقي‪ ،‬وإصدار األحكام بناء على وقائع صحيحة‪ ،‬وبياانت مقبولة‪ ،‬وحنن نعتقد أن‬
‫خلف هذا النشر جهات مشبوهة‪ ،‬ال تريد اخلري هلذا البلد‪ ،‬ويسوؤها التمكني هلذا الدين ودعاته‬
‫وأحكامه ِف هذا البلد‪ ،‬وأن يقر فيها مبدأ التناصح بني الراعي والرعية‪ ،‬ولذلك اختار هؤالء واحدة‬
‫من الصحف الساقطة‪ ،‬اليت يرتفع الناصحون املخلصون عن التعامل معها‪ ،‬ومما يدل على سقوطها‬
‫وسقوط اجلهة اليت سربت املذكرة إليها‪ ،‬زعمها أبن الشيخ عبد العزيز بن ابز قد زكى املذكرة‬
‫ورفعها لويل األمر‪ ،‬وكذلك اختيارها لعناوين مثرية مل ترد ِف املذكرة‪ ،‬وإسقاطها ألهم جزء ِف‬
‫املذكرة‪ ،‬وهو جانب التأصيل الشرعي‪.‬‬
‫سابعا‪:‬‬
‫وقع البيان ِف ما ال يتوقع أن يصدر من هيئة علمية ِف مقام هيئة كبار العلماء‪ ،‬حيث ذكر ما‬
‫نصه‪( :‬واجمللس إذ يستنكر هذا العمل‪ ،‬املتمثل إبعداد هذه املذكرة املسماة (مذكرة النصيحة)‪،‬‬
‫ونشرها يؤكد أن هذا العمل عمل خمالف ملنهج النصيحة الشرعية‪ ،)..‬وإن من املستغرب أن يصدر‬
‫من هيئة كبار العلماء ما يفهم منه أهنا تدين مبدأ النصيحة‪ ،‬الذي دلت عليه النصوص القطعية من‬
‫الكتاب والسنة‪.‬‬
‫اثمنا‪:‬‬
‫اهتم البيان املوقعني بوجود ارتباطات فكرية منحرفة‪ ،‬والتزام مببادئ مجاعات وأحزاب أجنبية‪ ،‬وحنن‬
‫ال ميكننا إال أن نعلن احتجاجنا الشديد على هذا الوصف الظامل‪ ،‬وحنن نطالب حبقنا الشرعي ِف‬
‫إثبات هذه التهمة اخلطرية وحنتفظ حبقنا الشرعي ِف التقاضي إذا لزم األمر‪.‬‬

‫‪765‬‬
‫اتسعا‪:‬‬
‫ً‬
‫دان البيان نشر املذكرة ‪-‬الذي ال يد للموقعني فيه‪ -‬وغفل أن نشر هذا البيان ِف مجيع وسائل‬
‫اإلعالم املقروءة واملسموعة واملرئية‪ ،‬ابللغتني العربية واإلجنليزية‪ ،‬قد روج هلذه املذكرة‪ ،‬وحدا بعامة‬
‫الناس للبحث عنها والتنبيه ِف االطالع عليها‪ ،‬وهذا مما يدل على ما ورد ِف املذكرة من ختبط‬
‫السياسة اإلعالمية‪.‬‬
‫وختاما ‪..‬وبعد أن بينا مالحظاتنا الشرعية‪ ،‬فإننا ال نزال نثق ِف أن علماءان من هم من أهل الورع‬
‫والتقوى‪ ،‬والرجوع إىل احلق مىت ما ظهر واحلرص على رفع الظلم والتهم‪ ،‬ورد االعتبار إىل‬
‫املخلصني الناصحني‪ ،‬الذين قال سبحانه وتعاىل ِف حقهم‪ ﴿ :‬ما على احملسنني من سبيل ﴾(سورة‬
‫التوبة آية‪ ، )24:‬وهلم ِف صحابة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص أسوة حسنة‪ ،‬حيث أمر اخلليفة عمر بن اخلطاب‬
‫هنع هللا يضر‪ ،‬قاضيه أاب موسى األشعري هنع هللا يضر‪ِ ،‬ف رسالته املشهورة‪ ،‬أبن ال مينعه قضاء قضاه ابألمس مث‬
‫خريا منه أن يرجع عن قضائه‪.‬‬
‫رأى اليوم ً‬
‫مجيعا ترتقى من علمائها وقفة صدق ونصيحة هلل ولرسوله‪ ،‬وهم إن شاء هللا عند ظن األمة‬ ‫واألمة ً‬
‫هبم‪ .‬وهللا املستعان‪ ،‬وال حول وال قوة إال ابهلل‪ ،‬وصلى هللا على سيدان دمحم‪ ،‬وعلى آله وصحبه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫محود بن عبدهللا بن عقالء الشعي يب ‪ /‬أستاذ الفقه ِف كلية الشريعة ابلقصيم ‪.‬‬
‫عبدهللا بن عبد الرمحن اجلربين ‪ /‬عضو اإلفتاء ‪.‬‬
‫عبدهللا بن سليمان املسعري ‪ /‬رئيس ديوان املظامل ساب ًقا ِف رائسة البحوث العلمية ‪.‬‬

‫‪766‬‬
‫حكم ما جرى يف أمريكا من أحداث‬
‫حضرة صاحب الفضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب حفظه هللا‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته وبعد ‪:‬‬
‫لقد كثر اخلوض والكالم ِف ما وقع من تفجريات ِف أمريكا فمن مؤيد ومبارك ومن مستنكر ومندد‬
‫فما هو الصواب ِف االجتاهني حسب رأيكم ؟ كما أنمل بسط املسألة لكثرة االشتباه عند الناس؟‬
‫اجلواب ‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على النيب األمني وعلى آله وصحابته أمجعني ومن سار‬
‫على هنجهم إىل يوم الدين أما بعد ‪:‬‬

‫قبل اإلجابة على السؤال البد أن نعرف أن أي قرار يصدر من الدولة األمريكية الكافرة خاصة‬
‫القرارات احلربية واملصريية ال تقوم إال عن طريق استطالع الرأي العام أو عن طريق التصويت من‬
‫قبل النواب ِف جمالسهم الكفرية واليت متثل تلك اجملالس ابلدرجة األوىل رأي الشعب عن طريق‬
‫وكالئهم الربملانيني ‪ ،‬وعلى ذلك فإن أي أمريكي صوت على القتال فهو حمارب ‪ ،‬وعلى أقل‬
‫تقدير فهو معني ومساعد كما أييت تبيني ذلك إن شاء هللا ‪.‬‬

‫وليعلم أن الذي حيكم العالقات بني املسلمني والكفار كتاب هللا وسنة نبيه ملسو هيلع هللا ىلص وليست السياسة‬
‫وال املصاحل الشخصية ‪ ،‬و هذه املسألة قد أوضحها الكتاب العزيز وبينها أوضح بيان ألمهيتها‬
‫وعظم خطرها ‪ ،‬فإذا رجعنا إىل الكتاب العزيز أدركنا بيقني أنه مل يدع شكا وال لبسا ألحد ِف هذه‬
‫املسألة ‪.‬‬
‫واآلايت الكثرية اليت تبحث ِف هذه املسألة تركز على أمرين مها الوالء والرباء مما يدل على أن‬
‫الوالء والرباء ركن من أركان الشريعة وقد أمجع علماء األمة قدميا وحديثا على ذلك قال تعاىل ِف‬
‫التحذير من مواالة الك فار وتولي هم والرك ون إلي هم ‪:‬‬
‫﴿ اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتوهلم منكم فإنه‬
‫منهم ﴾(سورة املائدة آية‪ )54:‬وقال تعاىل ﴿ اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء‬
‫تلقون إليهم ابملودة ‪(﴾ ...‬سورة املمتحنة آية‪ )4:‬اآلايت ‪.‬‬
‫وقال تعاىل ﴿ اي أيها الذين آمنوا التتخذوا بطانة من دونكم ال أيلونكم خباال ودوا ما عنتم قد‬
‫بدت البغضاء من أفواههم وما ختفي صدورهم أكرب ‪(﴾ ...‬سورة آل عمران آية‪ )44٧:‬اآلايت ‪،‬‬

‫‪767‬‬
‫وقال سبحانه وتعاىل ِف وجوب التربئ من الكفار ﴿ قد كانت لكم أسوة حسنة ِف إبراهيم والذين‬
‫معه إذ قالوا لقومهم إان برآء منكم ومما تعبدون من دون هللا كفران بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة‬
‫والبغضاء أب دا حىت تؤم نوا ابهلل وحده ﴾(سورة املمتحنة آية‪ )1:‬وقال تعاىل ﴿ ال جتد قوما يؤمنون‬
‫ابهلل واليوم اآلخر يوادون من حاد هللا ورسوله ولو كانوا آابءهم أو أبناءهم أو إخواهنم أو عشريهتم‬
‫﴾(سورة احلشر آية‪ )99:‬اآلية وقال سبحانه وتعاىل﴿ وإذ قال إبراهيم ألبيه وقومه إنين برآء مما‬
‫تعبدون * إال الذي فطرين فإنه سيهدين ﴾(سورة الزخرف آية‪. )91-91:‬‬
‫وقال سبحانه وتعاىل ﴿ قل إن كان آابؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشريتكم وأموال‬
‫اقرتفتموها وجتارة ختشون كسادها ومساكن ترضوهنا أحب إليكم من هللا ورسوله وجهاد ِف سبيله‬
‫فرتبصوا حىت أييت هللا أبمره وهللا ال يهدي القوم الفاسقني ﴾(سورة التوبة آية‪. )91:‬‬

‫هذه اآلايت وعشرات اآلايت األخرى كلها نص صريح ِف وجوب معاداة الكفار وبغضهم والتربئ‬
‫منهم وال أظن أحدا له أدَّن إملام ابلعلم جيهل ذلك ‪.‬‬

‫وإذا تقرر هذا فاعلم أن أمريكا دولة كافرة معادية لإلسالم واملسلمني ‪ ،‬وقد بلغت الغاية‬
‫واالستكبار وشن اهلجمات على كثري من الشعوب اإلسالمية كما فعلت ذلك ِف السودان والعراق‬
‫واألفغان وفلسطني وليبيا وغريها ‪ ،‬حيث تعاونت أمريكا مع قوى الكفر كربيطانيا وروسيا وغريها‬
‫ِف مهامجتها وحماولة القضاء عليها ‪.‬‬
‫كما قامت أمريكا بتشريد الفلسطينيني من دايرهم وتركيز إخوان القردة واخلنازير ِف فلسطني ‪،‬‬
‫والوقوف إىل جانب دولة اليهود الفاجرة بكل ما لديها من دعم وأتييد ابملال والسالح واخلربات‬
‫فكيف تقوم أمريكا هبذه األفعال وال تعترب عدوة للشعوب اإلسالمية وحماربة هلا ؟‬
‫لكنها ملا بغت وطغت وتكربت ورأت دولة االحتاد السوفييت حتطمت واهنارت على أيدي املسلمني‬
‫ِف األفغان ظنت أهنا أصبحت هي القوة املطلقة اليت ال قوة فوقها ‪ ،‬ونسيت أن هللا سبحانه وتعاىل‬
‫أقوى منها وهو قادر على إذالهلا وحتطيمها ‪.‬‬
‫وإن مما يؤسف له أن كثريا من إخواننا العلماء غلبوا جانب الرمحة والعطف ونسوا أو تناسوا ما تقوم‬
‫به هذه الدولة الكافرة من تقتيل وتدمري وفساد ِف كثري من األقطار اإلسالمية فلم أتخذها ِف ذلك‬
‫رمحة وال شفقة ‪.‬‬
‫وإنين أرى لزاما علي أن أجيب عن شبه يعتمد عليها بعض إخواننا من العلماء ويربرون هبا‬
‫مواقفهم‪.‬‬

‫‪768‬‬
‫الشبهة األوىل ‪:‬‬
‫منها ما مسعته من بعضهم أن بيننا وبني أمريكا عهود ومواثيق فيجب علينا الوفاء هبا و جوايب عن‬
‫ه ذه الشبهة من وجهني ‪:‬‬

‫الوجه األول ‪ :‬أن املتكلم جازف ابهتام املسلمني ابألحداث ومل يثبت شرعا حىت اآلن أن‬
‫املسلمني وراء األحداث ‪ ،‬أو أهنم شاركوا فيها حىت يقال إهنم نقضوا العهد ‪ ،‬فإذا مل يثبت أننا قمنا‬
‫ابلتفجري ومل نشارك فيه فكيف نكون قد نقضنا العهود ‪ ،‬وإعالننا ملعاداة هؤالء الكفار وبغضهم‬
‫والتربئ منهم ال عالقة له بنقض العهود واملواثيق ‪ ،‬وإمنا هو أمر أوجبه هللا علينا بنص كتابه العزيز ‪.‬‬
‫الوجه الثاين ‪ :‬وإذا سلمنا أن بني املسلمني وبني دولة أمريكا عهودا ومواثيق فلماذا مل تف أمريكا‬
‫هبذه املواثيق والعهود ‪ ،‬وتوقف اعتداءاهتا وأذاها الكثري على الشعوب املسلمة ‪ ،‬ألن املعروف أن‬
‫العهود واملواثيق تلزم املتعاهدين ابلوفاء ابلعهد وإذا مل يفوا انتقض عهدهم ‪ ،‬يقول هللا تبارك‬
‫وتعاىل ﴿ وإن نكثوا أمياهنم من بعد عهدهم وطعنوا ِف دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إهنم ال أميان هلم‬
‫لعلهم ينتهون ﴾(سورة التوبة آية‪. )49:‬‬

‫الشبهة الثانية ‪:‬‬


‫يقولون إن ِف القتلى أبرايء ال ذنب هلم ‪ ،‬واجلواب عن هذه الشبهة من عدة أوجه ‪:‬‬

‫الوجه األول ‪ :‬روى الصعب بن جثامة هنع هللا يضر عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أنه سئل عن أهل الداير من املشركني‬
‫يبيتون فيصاب من نسائهم وذرايهتم ‪ ،‬قال ‪ (:‬هم منهم )(‪.)4‬‬
‫فإن هذا احلديث يدل على أن النساء والصبيان ومن ال جيوز قتله منفردا جيوز قتلهم إذا كانوا‬
‫خمتلطني بغريهم ومل ميكن التمييز ‪ ،‬ألهنم سألوا الرسول ملسو هيلع هللا ىلص عن البيات وهو اهلجوم ليال ‪ ،‬و البيات‬
‫ال ميكن فيه التمييز ‪ ،‬فأذن بذلك ألنه جيوز تبعا ما ال جيوز استقالال ‪.‬‬

‫الوجه الثاين ‪ :‬أن القادة املسلمني كانوا يستعملون ِف حروهبم مع الكفار ضرهبم ابملنجنيق ومعلوم‬
‫أن املنجنيق إذا ضرب ال يفرق بني مقاتل وغريه ‪ ،‬وقد يصيب من يسميهم هؤالء ابألبرايء ‪ ،‬ومع‬
‫ذلك جرت سنة املسلمني ِف احلروب عليه ‪ ،‬قال ابن قدامة رمحه هللا ‪ :‬وجيوز نصب املنجنيق ألن‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري حديث رقم (‪ )4٧44‬ومسلم رقم (‪. )4115‬‬

‫‪769‬‬
‫النيب ملسو هيلع هللا ىلص نصب املنجنيق على أهل الطائف ‪ ،‬وعمرو بن العاص نصب املنجنيق على أهل‬
‫اإلسكندرية ‪ [ .‬املغين والشرح ‪ . ] 5٧4 / 4٧‬و قال ابن قاسم رمحه هللا ِف احلاشية ‪ :‬وجيوز رمي‬
‫الكفار ابملنجنيق ولو قتل بال قصد صبياان و نساء وشيوخا ورهباان جلواز النكاية ابإلمجاع ‪ ،‬قال‬
‫ابن رشد رمحه هللا ‪ :‬النكاية جائزة بطريق اإلمجاع جبميع أنواع املشركني [ احلاشية على الروض ‪/ 1‬‬
‫‪] 91٧‬‬

‫الوجه الثالث ‪ :‬أن فقهاء املسلمني أجازوا قتل [ الرتس ] من املسلمني إذا كانوا أسرى ِف يد‬
‫الكفار وجعل الكفار هؤالء املسلمني ترسا يقيهم نبال املسلمني مع أنه ال ذنب هلؤالء املسلمني‬
‫املترتس هبم وعلى اصطالحهم فإن هؤالء أبرايء ال جيوز قتلهم وقد قال ابن تيمية رمحه هللا ‪ :‬وقد‬
‫اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا ترتسوا مبن عندهم من أسرى املسلمني وخيف على‬
‫املسلمني الضرر إذا مل يقاتلوا فإهنم يقاتلون وإن أفضى ذلك إىل قتل املسلمني الذين ترتسوا هبم ‪[ .‬‬
‫الفتاوى ‪ ، 541 - 511 / 9٧‬ج ‪ ، ] 59 / 9٧‬وقال ابن قاسم رمحه هللا ِف احلاشية ‪ :‬قال ِف‬
‫اإلنصاف ‪ :‬وإن ترتسوا مبسلم مل جيز رميهم إال أن خناف على املسلمني فريميهم ويقصد الكفار ‪،‬‬
‫وهذا بال نزاع[احلاشية على الروض ‪] 914 / 1‬‬

‫وهنا سؤال نوجهه لإلخوة الذين يطلقون كلمة [ اإلرهاب ] على ما حصل ِف أمريكا أريد منهم‬
‫اجلواب ‪ ،‬والسؤال هو ‪:‬‬
‫عندما أغارت أمريكا بطائراهتا وصوارخيها على مصنع األدوية ِف السودان فدمرته على من ِف‬
‫داخله من موظفني وعمال فماتوا فماذا يسمى هذا ؟ فهل ما فعلته أمريكا ِف مصنع السودان ال‬
‫يعترب إرهااب ؟ وما فعله هؤالء الرجال ِف مباين أمريكا يعترب إرهااب ؟ ملاذا شجبوا ونددوا ملا حصل‬
‫ِف أمريكا ومل نسمع أحدا ندد أو شجب تدمري أمريكا ملصنع السودان على من فيه ؟‬
‫إنين ال أرى فرقا بني العمليتني إال أن األموال اليت أقيم هبا املصنع ومول هبا أموال مسلمني ‪،‬‬
‫والعمال واملوظفون الذين هدم عليهم املصنع وماتوا فيه مسلمون ‪ ،‬واألموال اليت أنفقت على املباين‬
‫اليت دمرها هؤالء املختطفون أموال كفار ‪ ،‬والناس الذين هلكوا ِف هذا التفجري كفار ‪ ،‬فهل هذا‬
‫الفرق هو الذي جعل بعض إخواننا يسمون ما حصل ِف أمريكا إرهااب !! وال يشجبون ما حصل‬
‫ِف السودان !! ومع ذلك ال يسمونه إرهااب !! وأيضا ما حصل للشعب اللي يب من جتويع ؟ وما‬
‫حصل للشعب العراقي من جتويع وضرب شبه يومي ؟ وما حصل لدولة أفغانستان املسلمة من‬
‫حصار وضرب ؟ فماذا يسمى كل ذلك ؟ هل هو إرهاب أم ال ؟‬

‫‪771‬‬
‫مث نقول هلؤالء ‪:‬‬
‫ماذا تقصدون ابألبرايء ؟‬
‫وهؤالء ال خيلو جواهبم عن ثالث حاالت ‪:‬‬
‫احلالة األوىل ‪:‬‬
‫أن يكونوا من الذين مل يقاتلوا مع دوهلم ومل يعينوهم ال ابلبدن وال ابملال وال ابلرأي واملشورة وال غري‬
‫ذلك ‪ ،‬فهذا الصنف ال جيوز قتله بشرط أن يكون متميزا عن غريه ‪ ،‬غري خمتلط به ‪ ،‬أما إذا اختلط‬
‫بغريه ومل ميكن متيزه فيجوز قتله تبعا وإحلاقا مثل كبار السن والنساء والصبيان واملرضى والعاجزين‬
‫والرهبان املنقطعني ‪ ،‬قال ابن قدامة ‪ :‬وجيوز قتل النساء والصبيان ِف البيات ( اهلجوم ليال ) وِف‬
‫املطمورة إذا مل يتعمد قتلهم منفردين ‪ ،‬وجيوز قتل هبائمهم يتوصل به إىل قتلهم وهزميتهم ‪ ،‬وليس‬
‫ِف هذا خالف ‪ [ .‬املغين والشرح ‪ .]5٧4 / 4٧‬وقال ( وجيوز تبييت العدو ‪ ،‬قال أمحد بن حنبل‬
‫ال أبس ابلبيات ‪ ،‬وهل غزو الروم إال البيات ‪ ،‬قال وال نعلم أحدا كره البيات)[املغين والشرح ‪/ 4٧‬‬
‫‪. ] 5٧4‬‬

‫احلالة الثانية ‪:‬‬


‫أو هم من الذين مل يباشروا القتال مع دوهلم احملاربة لكنهم معينون هلا ابملال أو الرأي ‪ ،‬فهؤالء ال‬
‫يسمون أبرايء بل حماربني ومن أهل الردء ( أي املعني واملساعد ) ‪ .‬قال ابن عبدالرب رمحه هللا ِف‬
‫االستذكار ‪ :‬مل خيتلف العلماء فيمن قاتل من النساء والشيوخ أنه مباح قتله ‪ ،‬ومن قدر على‬
‫القتال من الصبيان وقاتل قتل ‪ .‬االستذكار [ ‪ .]11 / 41‬ونقل اإلمجاع أيضا ابن قدامة رمحه هللا‬
‫ِف إابحة قتل النساء والصبيان وكبار السن إذا أعانوا أقوامهم ‪ ،‬وقال ابن عبدالرب رمحه هللا ‪ :‬وأمجعوا‬
‫على أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قتل دريد بن الصمة يوم حنني ألنه كان ذا رأي ومكيدة ِف احل رب ‪ ،‬فمن‬
‫كان هكذا من الشيوخ قتل عند اجلميع ‪ .‬التمهيد [ ‪ . ] 419 / 41‬ونقل النووي رمحه هللا ِف‬
‫شرح مسلم ِف كتاب اجلهاد اإلمجاع على أن شيوخ الكفار إن كان فيهم رأي قتلوا ‪ .‬ونقل ابن‬
‫قاسم رمحه هللا ِف احلاشية ‪ ،‬قال ‪ :‬وأمجعوا على أن حكم الردء حكم املباشر ِف اجلهاد ‪ ،‬ونقل عن‬
‫ابن تيمية رمحه هللا هذا اإلمجاع ‪ ،‬ونقل عن ابن تيمية أيضا أن أعوان الطائفة املمتنعة وأنصارها‬
‫منها فيما هلم وعليهم ‪.‬‬

‫‪771‬‬
‫احلالة الثالثة ‪:‬‬
‫أن يكونوا من املسلمني ‪ ،‬فهؤالء ال جيوز قتلهم ما داموا مستقلني ‪ ،‬أما إذا اختلطوا بغريهم ومل‬
‫ميكن إال قتلهم مع غريهم جاز ‪ ،‬ويدل عليه مسألة الترتس وسبق الكالم عنها ‪.‬‬
‫وما يدندن حوله البعض عن االعتذار لألبرايء دون معرفة من هم هؤالء األبرايء فإمنا ذلك من آاثر‬
‫التأثر ابملصطلحات الغربية ووسائل اإلع الم ‪ ،‬حىت أصبح من مل يُظن فيهم ذلك يرددون‬
‫مصطلحات وعبارات غريان املخالفة لأللفاظ الشرعية ‪.‬‬
‫علما أبنه جيوز لنا أن نفعل ابلكفار مبثل ما فعلوا بنا ‪ ،‬وهذا فيه رد وتبيني ملن ردد كلمة األبرايء ‪،‬‬
‫فإن هللا سبحانه وتعاىل أابح لنا ذلك ‪ ،‬ومن النصوص اليت تدل على ذلك قوله تعاىل ﴿ وإن‬
‫عاقبتم فعاقبوا مبثل ما عوقبتم به ﴾(سورة النحل آية‪ )491:‬وقال تعاىل ﴿ والذين إذا أصاهبم البغي‬
‫هم ينتصرون * وجزاء سيئة سيئة مثلها ﴾(سورة الشورى آية‪. )42-1٧:‬‬

‫ومن كالم أهل العلم يف جواز االنتقام ابملثل ‪:‬‬


‫قال ابن تيمية ‪ :‬إن املثلة حق هلم ‪ ،‬فلهم فعلها لالستيفاء وأخذ الثأر ‪ ،‬وهلم تركها ‪ ،‬والصرب أفضل‬
‫‪ ،‬وهذا حيث ال يكون ِف التمثيل هبم زايدة ِف اجلهاد ‪ ،‬وال يكون نكاال هلم عن نظريها ‪ ،‬فأما إذا‬
‫كان ِف التمثيل الشائع دعاء هلم إىل اإلميان أو زجر هلم عن العدوان ‪ ،‬فإنه هنا من ابب إقامة‬
‫احلدود واجلهاد املشروع ‪ ،‬نقله ابن مفلح عنه ِف الفروع [ ‪.]94٧ / 1‬‬

‫ويلزم ملن قال مبسألة قتل األبرايء من دون تقييد وال ختصيص أن يتهم الرسول ملسو هيلع هللا ىلص والصحابة ومن‬
‫بعدهم أبهنم من قتلة األبرايء على اصطالح هؤالء القائلني ‪ ،‬ألن الرسول نصب املنجنيق ِف قتال‬
‫الطائف ‪ ،‬ومن طبيعة املنجنيق عدم التمييز ‪ ،‬وقتل النيب عليه الصالة والسالم كل من أنبت من‬
‫يهود بين قريظة ومل يفرق بينهم ‪ ،‬قال ابن حزم ِف احمللى تعليقا على حديث ‪ :‬عرضت يوم قريظة‬
‫على رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص فكان من أنبت قتل ‪ ،‬قال ابن حزم ‪ :‬وهذا عموم من النيب ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬مل يستبق‬
‫منهم عسيفا وال اتجرا وال فالحا وال شيخا كبريا وه ذا إمجاع صحيح منه ‪ .‬احمللى [ ‪] 922 / 1‬‬
‫‪ .‬قال ابن القيم رمحه هللا ِف زاد املعاد ‪ :‬وكان هديه ملسو هيلع هللا ىلص إذا صاحل أو عاهد قوما فنقضوا أو نقض‬
‫بعضهم وأقره الباقون ورضوا به غزا اجلميع ‪ ،‬وجعلهم كلهم انقضني كما فعل ِف بين قريظة وبين‬
‫النضري وبين قينقاع ‪ ،‬وكما فعل ِف أهل مكة ‪ ،‬فهذه سنته ِف الناقضني الناكثني ‪ .‬وقال أيضا ‪:‬‬
‫وقد أفىت ابن تيمية بغزو نصارى املشرق ملا أعانوا عدو املسلمني على قتاهلم فأمدوهم ابملال‬

‫‪772‬‬
‫والسالح ‪ ،‬وإن كانوا مل يغزوان ومل حياربوان ورآهم بذلك انقضني للعهد ‪ ،‬كما نقضت قريش عهد‬
‫النيب ملسو هيلع هللا ىلص إبعانتهم بين بكر بن وائل على حرب حلفائه ‪.‬‬

‫ويف اخلتام ‪:‬‬


‫فنحن نعرف أن الغرب الكافر خصوصا أمريكا سوف تستغل األحداث وتوظفها لصاحلها لظلم‬
‫املسلمني جمددا ِف أفغانستان وفلسطني و الشيشان وغريها مهما كان الفاعل ‪ ،‬وسوف تقدم على‬
‫تكملة تصفية اجلهاد وأهله ولن تستطيع ذلك وسوف حتارهبم بدعوى حماربة اإلرهاب ‪ ،‬وسوف‬
‫تقدم على حماربة إخواننا املسلمني ِف دولة طالبان األفغانية املسلمة ‪ ،‬هذه الدولة اليت محت وآوت‬
‫اجملاهدين ونصرهتم ِف الوقت الذي ختلى عنهم غريهم ‪ ،‬وأيضا مل ترضخ للغرب الكافر ‪.‬‬
‫ل ذا جيب نصرة هذه الدولة اجمل اهدة كل مبا يستطيع ‪ ،‬قال تعاىل ﴿ واملؤمنون واملؤمنات بعضهم‬
‫أولياء بعض ﴾(سورة التوبة آية‪ )14:‬وقال تعاىل ﴿ وتعاونوا على الرب و التقوى ﴾(سورة املائدة‬
‫آية‪ )9:‬وجيب إعانتهم ابملال والبدن والرأي واملشورة واإلعالم والذب عن أعراضهم ومسعتهم‬
‫والدعاء هلم ابلنصر والتأييد والتثبيت ‪.‬‬

‫وكما قلنا إنه جيب على الشعوب املسلمة نصرة دولة طالبان فكذلك جيب على الدول اإلسالمية‬
‫خصوصا الدول اجملاورة هلا والقريبة منها مساعدة دولة طالبان وإعانتها ضد الغرب الكافر ‪.‬‬
‫وليعلم أولئك أن خذالن هذه الدولة املسلمة املحاربَة ألجل دينها ونصرهتا للمجاهدين ونصرة‬
‫ُ‬
‫الكفار عليها نوع من املواالة والتويل واملظاهرة على املسلمني ‪ ﴿ ،‬اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا‬
‫اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتوهلم منكم فإنه منهم ﴾(سورة املائدة آية‪)54 :‬‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم ابملودة ‪(﴾..‬سورة‬
‫املمتحنة اآلية‪ ، )4:‬وقال‪ ﴿ :‬قد كانت لكم أسوة حسنة ِف إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إان‬
‫برآء منكم ومما تعبدون من دون هللا كفران بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حىت تؤمنوا‬
‫ابهلل وحده ﴾(سورة املمتحنة آية‪ )1:‬وق ال تعاىل‪ ﴿ :‬ال جتد ق وما ي ؤمنون ابهلل والي وم اآلخر يوادون‬
‫من حاد هللا ورسوله ولو ك انوا آابءهم أو أبناءهم أو إخواهنم أو عشريهتم ‪(﴾...‬سورة اجملادلة اآلية‬
‫‪)99:‬وقال سبحانه وتعاىل‪ ﴿ :‬وإذ قال إبراهيم ألبيه وقومه إنين براء مما تعبدون * إال الذي فطرين‬
‫فإنه سيهدين ﴾(سورة الزخرف آية‪ ، )91-91:‬ولن ينسى التاريخ والشعوب هلذه الدول هذا‬
‫اخلذالن ‪ ،‬وسوف يبقى عارا عليهم وعلى شعوهبم يعريون به مدى التاريخ ‪.‬‬

‫‪773‬‬
‫ولتحذر تلك الدول اجملاورة إذا خذلوا إخواهنم فلم يساعدوهم ومكنوا أعداءهم منهم من عقوابت‬
‫هللا القدرية وأايمه املؤملة ونكاله العظيم ‪ ،‬قال ملسو هيلع هللا ىلص ‪" :‬املسلم أخو املسلم ال يسلمه وال خيذله ‪)4(".‬‬
‫احلديث ‪ ،‬وقال عليه الصالة والسالم كما ِف احلديث القدسي ‪" :‬من عادى يل وليا فقد آذنته‬
‫ابحلرب"(‪ ، )9‬و قال ملسو هيلع هللا ىلص ‪" :‬من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو قادر على أن ينصره أذله هللا عز‬
‫وجل على رؤوس اخلالئق يوم القيامة" ‪ ،‬رواه أمحد(‪. )4‬‬
‫وحنب أن ننبه دولة ابكستان أبن مساحها واستسالمها لألمريكان أعداء اإلسالم واملسلمني‬
‫ومتكينهم من أجوائهم وأراضيهم ليس من احلكمة وال احلنكة وال السياسة ِف شيء ‪ ،‬ألنه يؤدي‬
‫إىل إاتحة الفرصة لألمريكان لالطالع على أسرار دولتهم وإىل اكتشاف مواقع املفاعل الذري بدقة‬
‫الذي أرعب الغرب ‪ ،‬ورمبا يؤدي ذلك من األمريكان إىل متكني اليهود لضرب املفاعل النووي‬
‫الباكستاين كما فعلوا ابملفاعل النووي العراقي من قبل ‪ ،‬وكيف أتمن دولة ابكستان أعداءها‬
‫ابألمس الذين هددوها وتوعدوها ‪ ،‬وإنين أظن أن عقالء دولة ابكستان فضال عن متدينيها لن‬
‫يقبلوا بذلك ولن يلقوا أبيديهم سهلة ميسرة ألعداء األمس ‪.‬‬

‫نسأل هللا أن ينصر دينه و يعلي كلمته ويعز اإلسالم واملسلمني واجملاهدين وأن خيذل أمريكا‬
‫وأتباعها ومن أعاهنا ‪ ،‬إنه ويل ذلك والقادر عليه وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني ‪.‬‬

‫أماله فضيلة الشيخ‬


‫أ ‪ .‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪ 4199 / 1 / 9٧‬ه‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )9119‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري (‪. )15٧9‬‬
‫(‪ )4‬رواه أمحد ِف مسنده (‪ )452٧5‬وحكم شعيب األرنؤوط إسناده ضعيف ‪.‬‬

‫‪774‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫خطاب من املشايخ الفضالء‪ :‬محود بن عقالء الشعييب وعلي اخلضري وسليمان‬
‫العلوان رىل أمري املؤمنني املال‪ /‬دمحم عمر واجملاهدين معه‪ -‬نصرهم هللا ‪-‬‬

‫أمري املؤمنني اجملاهد املال‪ /‬دمحم عمر‪ -‬حفظه هللا ورعاه وسدد على احلق خطاه‪-‬‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‬
‫نسأل هللا تعاىل أن تصلكم رسالتنا هذه وأنتم ِف أمت الصحة والعافية‪.‬‬
‫نسب إىل أمتنا أمثالكم‪ ،‬فلقد أثبتُّم ح ًقا عزة‬ ‫أمري املؤمنني‪ ...‬حنن معشر العلماء نتشرف أن يُ َ‬
‫املؤمن‪،‬مل تكتفوا ابلقول أبنكم أنتم األعلون حىت أكدمت هذا املعىن العظيم أبفعالكم املشرفة‪ ،‬فالعلو‬
‫ِف األرض ليس العلو املادي فحسب‪ ،‬بل أمهها وأعظمها هو علو الدين واملبدأ‪ ،‬كما قال تعاىل‬
‫‪ ﴿:‬وال هتنوا وال حتزنوا وأنتم األعلون إن كنتم مؤمنني ﴾(سورة آل عمران آية‪ ، )442:‬فهذه اآلية‬
‫ُحد‪ ،‬فالعلو احلقيقي هو علو املبدأ‬ ‫نزلت على رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وأصحابه مهنع هللا يضر يوم أن ُهزموا ِف أ ُ‬
‫والدين‪ ،‬قال ابن عباس رضي هللا عنهما‪ :‬اإلسالم يعلو وال يُعلى عليه(‪ ،)4‬علقه البخاري ِف‬
‫صحيحه‪ ،‬ورواه الطحاوي بسند صحيح‪ .‬فاإلسالم وأهل اإلسالم ِف عُلُو حىت ولو هزموا ِف‬
‫املعركة‪ ،‬وهللا تعاىل يقول‪﴿ :‬وهلل العزة ولرسوله وللمؤمنني ﴾(سورة املنافقون آية ‪ ، )٧:‬فالعزة مالزمة‬
‫هلل ولرسوله ولكل مؤمن متمسك بدينه ح ًقا‪ ،‬فهو عزيز بعزة هللا وإبميانه‪ ،‬فمن متسك ابملبدأ احلق‬
‫فهو عزيز بنص الكتاب والسنة‪.‬‬
‫ِ‬
‫أمري املؤمنني‪ ...‬إن جهل كثري من املسلمني حبقكم ال يُنقص من قدركم شيئًا‪ ،‬فلقد أصبحتم ً‬
‫علما‬
‫من أعالم هذه األمة‪ ،‬وسوف نكتب حنن اتريخ املرحلة أبيدينا‪ ،‬ونثبت لألجيال القادمة أنكم أنتم‬
‫ِ‬
‫سادة الدنيا‪ ،‬ولو قُتلتُم دون ذلك فسوف تُسطَّر سريتكم مباء الذهب‪ ،‬وسنشهد ً‬
‫مجيعا لكم أمام‬
‫أحدا‪ ،‬وسنشهد‬ ‫هللا تعاىل أبنكم أنصح وأصدق العباد لألمة‪ ،‬وحنسبكم كذلك وال نزكي على هللا ً‬
‫أنكم أنتم وحدكم الذين رفعتم رؤوسكم ِف زم ٍن طأطأ الكثري من املسلمني فيه رؤوسهم لدولة‬
‫برجل قال‪ :‬ال مث ال ملا تطلبه أمريكا ِف هذا العصر‬ ‫الكفر والصليب أمريكا‪ ،‬فلم يتشرف املسلمون ٍ‬
‫إال بكم‪ ،‬فيا سعادة املسلمني أبمثالكم‪.‬‬
‫أمري املؤمنني‪ ...‬لقد جتلت ِف أفعالكم معاين العدل واملساواة والعزة والكرامة والنصرة واحلماية‪،‬‬
‫درسا عمليًا ِف هذه املعاين عندما كللتم قدومكم املبارك‬
‫والوالء والرباء‪ .‬لقد أعطيتم لألمة ً‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬أنظر إرواء الغليل (‪. )491٧‬‬

‫‪775‬‬
‫ألفغانستان‪ ،‬وحفظتم لألمة مثرة اجلهاد ضد السوفييت واليت كادت أن تضيع أبيدي العلمانيني‬
‫والشيوعيني والرافضة‪ ،‬فبعد أن كاد أملنا ينقطع بثمرة اجلهاد‪ ،‬أحييتم أمل األمة أبفغانستان‪،‬‬
‫مجيعا‪ ،‬والكل يرقب العزة والنصر من أرضكم‪ .‬فلقد‬ ‫ت اليوم هي حمط أنظار املسلمني ً‬ ‫أصبح ْ‬
‫و َ‬
‫يوم أن أقمتم‬‫توليتم أمر أفغانستان وطبقتم الشريعة‪ ،‬فقلنا‪ :‬احلمد هلل؛ لقد نصر هللا اجلهاد بكم َ‬
‫على أنقاض بلد مدمر وممزق ومتناحر دولةً إسالمية قوالً وعمالً‪ ،‬فساد العدل والدين احلق‪،‬‬
‫وحاربتم الشرك واألضرحة‪ ،‬وقسمتم ابلسوية وعدلتم ِف القضية‪ ،‬حىت لو قال قائل إن الذئب ِف‬
‫مستبعدا‪ .‬مث حتديتم العا َمل أمجع وهدمتم األصنام عمالً بشريعة‬ ‫ً‬ ‫إمارتكم يرعى مع الغنم ملا كان ذلك‬
‫دمحم ملسو هيلع هللا ىلص اليت بُعث من أجلها‪ ،‬فقلنا‪ :‬لقد رزق هللا األمة من جيدد فيها مرياث إبراهيم عليه السالم‬
‫هادم األصنام ومتحدي الوثنية‪ ،‬وفرحنا بفعلكم حينما جددمت معاين التوحيد اليت كانت غائبة عن‬
‫األمة منذ قرون‪ ،‬فاألصنام أبشكاهلا وأنواعها وأحجامها متأل بالد املسلمني‪ ،‬ولكن أمري املؤمنني مل‬
‫يرض أن يعيش ِف أرض جتاوره فيها آهلة تُعبَد من دون هللا تعاىل‪ ،‬حىت هدمتم تلك املعبودات‬
‫وأذللتم من عبدها‪ ،‬فكانت قلوبنا تطري من الفرح بتجديد التوحيد ِف هذا الباب‪ .‬مث ألزمتم أهل‬
‫الذلة عمالً بكتاب هللا سبحانه وتعاىل وبسنة رسول ملسو هيلع هللا ىلص كما كانوا ِف صدر‬ ‫الصغار و ِ‬
‫الذمة َّ‬
‫اإلسالم أذالء يعطوا اجلزية عن يد وهم صاغرون‪ ،‬فقلنا‪ :‬اي عمر عصره ِف أفغانستان يلزم الكفار‬
‫الذل والصغار ِف أرضه‪.‬‬
‫وجاء احملك احلقيقي الذي أثبت معدنكم اخلالص األصيل عندما تكالبت دول العامل للنيل من‬
‫املهاجرين إىل أرضكم من غري ذنب اقرتفوه إال أن يقولوا ربنا هللا‪ ،‬فتنادى الشرق والغرب من كل‬
‫ملل الكفر للنيل من عزتكم وعلوكم‪ ،‬فصمدمت صمود اجلبال‪ ،‬مل ُِخت ْفكم تلك احلشود‪ ،‬ومل ترعبكم‬
‫ضي ِف العزة يوم أن ختاذل اجلميع وتبدلت العقائد‬ ‫أسلحة الدمار الشامل‪ ،‬فصربمت وقررمت امل ِ‬
‫ُ‬
‫أعالما بشموخ اجلبال‪ ،‬يعتز كل‬ ‫ً‬ ‫بقيتم‬ ‫أنكم‬ ‫إال‬ ‫إليه‪،‬‬ ‫ينتسبون‬ ‫وظهرت نواقض اإلسالم ِف كثري ممن‬
‫مسلم أبن ِف أمته أمثالكم‪ ،‬تكالبت عليكم الدول وجاءتكم األحالف من كل حدب وصوب‬
‫أبدا حل ًفا مثله ضد طائفة مؤمنة صادقة قليلة‪ ،‬فضحيتم‬ ‫بعدهتا وعتادها بشكل مل يشهد التاريخ ً‬
‫ابمللك وابألنفس واألموال فكان بفضل هللا تعاىل إميانكم وصدقكم‪ -‬حنسبكم كذلك وال نزكي‬
‫ُ‬
‫أحدا‪ -‬كان إميانكم وتوكلكم على هللا القوي العزيز أعظم من ذلك احللف وما مجع‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هللا‬ ‫على‬
‫أمري املؤمنني‪ ...‬إن احلرب اليوم مل تضع أوزارها‪ ،‬ولكننا هننئكم ابلنصر احلسي ً‬
‫مقدما إبذن هللا‬
‫تعاىل فقد ظهرت بوادره‪ ،‬وهننئكم ابلنصر احلقيقي الذي حققتموه‪ ،‬فلقد انتصر مبدأكم وقولكم‬
‫على مبادئ أعدائكم‪ ،‬إن أعداءكم يكذبون ِف كل حمفل أبهنم أهل العدل وحقوق اإلنسان وأهل‬

‫‪776‬‬
‫احلرية واملساواة‪ ،‬وِف هذه املعركة سقطت تلك األقنعة عن وجوههم ليظهر للخاص والعام حقيقة‬
‫الوجه الصلييب اليهودي احلاقد‪ ،‬فظهر ح ًقا من الذي يقتل األبرايء‪ ،‬وعرفنا من الذي ال يراعي ألي‬
‫كائن حي أي حقوق‪ ،‬وشاهدان كيف تكون احلرية وسيادة القانون الذي شرعوه ألنفسهم‪ ،‬وعرفنا‬
‫ما معىن تعايش احلضارات ووحدة األداين اليت يدعون إليها‪ ،‬وإهنم يريدون حضارة الغاب األمريكية‬
‫‪ ،‬ويريدون وحدة معتقدهم الصلييب فقط‪ ،‬فهنيئًا لكم هذا النصر‪ .‬لقد ميزمت العا َمل إىل خندقني‪،‬‬
‫وجليتم احلقائق لكل مغفل يوم أن أسقطتم بصمودكم وإميانكم وتوكلكم على هللا كل معاين الزيف‬
‫واخلداع الصلييب‪.‬‬
‫أيضا ٍ‬
‫معان‬ ‫أمري املؤمنني‪ ...‬وكما فضح صمودكم كذب الكفار ِف دعواهم‪ ،‬قد وضح للمسلمني ً‬
‫كانت غائبة أو كادت تندرس‪.‬‬
‫صمودكم علمنا ما هو ميزان القوة لدى املسلمني‪ ،‬صمودكم جدد الوالء والرباء‪ ،‬صمودكم جدد‬
‫مفهوم اجلهاد ومفهوم النصر واهلزمية‪ ،‬صمودكم علمنا معىن التضحية والبذل هلل تعاىل‪ .‬لقد بلغنا‬
‫أنكم أُغريتم مبُلك عظيم مقابل التنازل عن محاية املؤمنني‪ ،‬وأجلب عليكم املنافقون ابلرتغيب اترة‬
‫وابلرتهيب أخرى لتبدوا شيئًا من التنازل عن مبادئكم‪ ،‬وأتكدان ح ًقا لو أنكم أردمت الدنيا من‬
‫اآلخرة ألمكنكم ابلتنازل عن بعض مبادئكم‪ ،‬وحينها تكونون أغىن أهل األرض‪ ،‬ولكن القلوب‬
‫اليت خالطها اإلميان أتىب ذلك أشد اإلابء‪ ،‬ويوم أن افتخرت العرب بسموأل بن عاداي اليهودي‬
‫الذي حفظ األمانة وأصابه البالء وقُتِل ابنه أمام عينيه على أيدي احلارث بن جبلة الغساين ملك‬
‫الشام الذي جاء يطلب املال منه فأىب أن يدفع املال إال ألولياء امرئ القيس الذي أودع األمانة‬
‫عنده‪ ،‬فأصبح صموده مثالً للعرب‪ ،‬فألن نفتخر حنن بصمودكم الذي فاق صمود السموأل آبالف‬
‫املرات من ابب أوىل‪ ،‬وحق لكل مسلم اليوم إذا أراد أن يضرب املثل ابلصمود أن يذكر صمودكم‪.‬‬
‫وما وصف األعشى حلال السموأل إال وصف لبعض حالكم عندما مدحه بقوله‪:‬‬

‫ٍ‬
‫جحفل كسواد الليل جرار‬ ‫كن كالسموأل رذ سار اهلُمام له __________ يف‬
‫جار ابن َحيّا ملن انلته ذمته __________ أوىف وأمنع من جار ابن عمار‬
‫ُ‬
‫وجار غريُ غدار‬
‫ابألبلق الفرد من تيماء منزله __________ حصن حصني ٌ‬
‫سامع حار‬ ‫ٍ‬
‫خسف فقال له __________ مهما ت ُقلهُ فإين ٌ‬ ‫رذ سامه ُخطيت‬
‫فقال ثُكل وغَدر أنت بينهما __________ فاخر وما فيهما ٌّ‬
‫حظ ملختار‬ ‫ٌ‬
‫مانع جاري‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ش غري ٍ‬
‫قليل مث قال له __________ اذبح َهدي َ رين ٌ‬ ‫فَ َ‬

‫‪777‬‬
‫أمري املؤمنني‪ ...‬إن إعجابنا أبفعالكم ومناصرتنا هلا ال ينقطع ولن ينقطع ً‬
‫أبدا إبذن هللا تعاىل مامل‬
‫تبدلوا وهتنوا أو ترتاجعوا‪ ،‬نسأل هللا لنا ولكم الثبات حىت املمات‪ .‬وإننا نطمئنكم أبننا وشرحية‬
‫عظيمة من العلماء والدعاة وطلبة العلم معكم ونؤيدكم‪ ،‬ونقول لكم‪ :‬ال يسوءكم وال يفت من‬
‫قوتكم وإصراركم قول بعض املتخاذلني واملرجفني الذين ذموا صمودكم والموا أفعالكم‪ ،‬وزعموا أنكم‬
‫قتلتم أنفسكم وشعبكم ومزقتم دولتكم بفعلكم‪ ،‬إن فعلكم هذا هو عني الصواب‪ ،‬وهو ما دلت‬
‫بقد ٍر‬
‫عليه األدلة الشرعية وأمر هللا تعاىل به ورسوله ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وكل ما أصابكم أو أصاب شعبكم هو َ‬
‫من هللا تعاىل‪ ،‬وهو الذي أمركم ابلتوكل عليه واتباع أمره ومواالة املؤمنني والرباءة من الكافرين‬
‫وجهادهم بكل السبل‪ ،‬ووعدكم بعد ذلك ابلنصر والتمكني‪ ،‬وإن حصلت لكم األخرى فهو الفوز‬
‫الكبري الذي وصف هللا به أصحاب األخدود بقوله‪ ﴿ :‬إن الذين آمنوا وعملوا الصاحلات هلم‬
‫جنات جتري من حتتها األهنار ذلك الفوز الكبري ﴾(سورة الربوج آية‪ ، )44:‬وأبي شيء انل‬
‫أصحاب األخدود وسام الفوز الكبري؟ لقد انلوه بتوكلهم على هللا وصمودهم على دينهم وعدم‬
‫ألح ٍد غريهم‪ ،‬رغم أهنم قُتِلوا عن‬ ‫ِ‬
‫تراجعهم عن مبدئهم‪ ،‬فنالوا هذا الوسام الذي مل يعط القرآن َ‬
‫آخرهم‪.‬‬
‫أمري املؤمنني‪ ...‬إننا نناشدكم ونناشد قادة اإلمارة اإلسالمية من أمثال انئبكم املال‪ /‬دمحم حسن‪،‬‬
‫وأمثال املولوي‪ /‬جالل الدين حقاين‪ ،‬واملولوي‪ /‬عبد احلنان‪ ،‬واملال‪ /‬برادر‪ ،‬واملال‪ /‬داد هللا‪ ،‬واملال‪/‬‬
‫ريس عبد هللا‪ ،‬واملال‪ /‬خسكار‪ ،‬وقادة لواء الدابابت‪ ،‬وغريهم كثري من قيادات اإلمارة اإلسالمية‪،‬‬
‫كما نناشد اجملاهدين األنصار وقادهتم‪ ،‬أن تواصلوا جهادكم وصمودكم‪ ،‬فقد قرت بكم عيون‬
‫املوحدين‪ ،‬ورضيت بكم عساكر الرمحن‪ ،‬فنحن وراءكم نناصركم بكل ما نستطيع وحنرض املؤمنني‬
‫على القتال ِف صفوفكم‪ ،‬فال تبدلوا وال ختافوا وال تلين وا ﴿ وأنتم األعلون﴾(سورة دمحم آية‪، )45:‬‬
‫واثبتوا على مبادئكم وأفعالكم املشرفة‪ ،‬ارفعوا رأس األمة جبهادكم‪ ،‬وإبذن هللا تعاىل فإن فرحتنا‬
‫ستكون قريبة بعودة اإلمارة اإلسالمية غالبة ممَُ َّكنة منتصرة أبمر من هللا الذي أمركم ابلعمل وتكفَّل‬
‫ابلنصر‪.‬‬
‫وختاما فإننا نوصي مجيع املسلمني ِف كل مكان مبناصرة اإلمارة اإلسالمية ِف جهادها هذا ضد‬
‫مجيعا‪ ،‬كما نوصي األفغان خاصة أبن يبذلوا أنفسهم هلل تعاىل ويناصروا اإلمارة‬ ‫ِ‬
‫ملل الكفر ً‬
‫اإلسالمية ويقفوا حتت لواء أمري املؤمنني‪ ،‬ونوصي اجملاهدين وعلى رأسهم أمري املؤمنني أبن حيققوا‬
‫شروط النصر والتمكني اليت ذكرها هللا تعاىل ِف كتابه وذكرها رسوله ملسو هيلع هللا ىلص ِف سنته‪.‬‬

‫‪778‬‬
‫بعضا مما ورد ِف كتاب هللا من شروط التمكني‪ ،‬كقوله تعاىل‪ ﴿ :‬وعد هللا الذين آمنوا منكم‬ ‫وإليكم ً‬
‫وعملوا الصاحلات ليستخلفنهم ِف األرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن هلم دينهم الذي‬
‫ارتضى هلم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنًا يعبدونين ال يشركون يب شيئًا ومن كفر بعد ذلك فأولئك‬
‫هم الفاسقون ﴾(سورة النور آية‪ ، )5:‬فاإلميان والعمل الصاحل والرباءة من الشرك من شروط النصر‬
‫والتمكني‪ ،‬وقوله تعاىل‪ ﴿ :‬وقال موسى اي قوم إن كنتم آمنتم ابهلل فعليه توكلوا إن كنتم مسلمني ﴾‬
‫(سورة يونس آية‪ ، )٧٧:‬فالتوكل على هللا حق التوكل من شروط النصر والتمكني‪ ،‬وقوله تعاىل‬
‫‪ ﴿:‬ولقد كتبنا ِف الزبور ِمن بعد الذكر أن األرض يرث ها عبادي الصاحلون ﴾(سورة األنبياء آية ‪:‬‬
‫‪ ، )4٧5‬فالصالح ِف الظاهر والباطن وحتقيق معىن العبودية من شروط النصر والتمكني‪ ،‬وقول ه‬
‫تعاىل‪ ﴿ :‬إن الذين قالوا ربنا هللا مث استقاموا تتنزل عليهم املالئكة أال ختافوا وال حتزنوا وأبشروا ابجلنة‬
‫اليت كنتم توعدون* حنن أولياؤكم ِف احلياة الدنيا وِف اآلخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم‬
‫فيها ما تدعون ﴾(سورة فصلت آية‪ ، )4٧-44:‬فاإلقرار بربوبية هللا وإهليته مع االستقامة على‬
‫شريعته من شروط النصر والتمكني‪ ،‬واآلايت اليت ذكر هللا فيها شروط النصر والتمكني أكثر من‬
‫ذلك بكثري‪.‬‬
‫ومن الوصااي اجلامعة للنيب ملسو هيلع هللا ىلص وقد جاء فيها شروط النصر والتمكني ما رواه الرتمذي وأمحد‬
‫واللفظ له عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪ :‬كنت رديف النيب ملسو هيلع هللا ىلص فقال‪«:‬اي غالم أو اي غليم!‬
‫أال أعلمك كلمات ينفعك هللا هبن؟»‪ ،‬فقلت‪ :‬بلى؟‪ ،‬فقال‪« :‬احفظ هللا حيفظك‪ ،‬احفظ هللا جتده‬
‫أمامك‪ ،‬تعرف إليه ِف الرخاء يعرفك ِف الشدة‪ ،‬وإذا سألت فاسأل هللا‪ ،‬وإذا استعنت فاستعن‬
‫مجيعا أرادوا أن ينفعوك بشيء مل يكتبه هللا‬ ‫ف القلم مبا هو كائن‪ ،‬فلو أن اخللق كلهم ً‬
‫ابهلل‪ ،‬قد َج َّ‬
‫لك مل يقدروا عليه‪ ،‬وإن أرادوا أن يضروك بشيء مل يكتبه هللا عليك مل يقدروا عليه‪ ،‬واعلم أن ِف‬
‫يسرا‬
‫كثريا‪ ،‬وأن النصر مع الصرب‪ ،‬وأن الفرج مع الكرب‪ ،‬وأن مع العسر ً‬ ‫خريا ً‬
‫الصرب على ما تكره ً‬
‫»(‪ ،)4‬وِف لفظ الرتمذي‪« :‬احفظ هللا جتده أمامك»(‪.)9‬‬
‫واعلموا أنكم إذا بذلتم وسعكم لتحقيق شروط النصر والتمكني فإن هللا انصركم وخم ٍز عدوكم‪ً ،‬‬
‫وعدا‬
‫أبدا‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿:‬إان لننصر رسلنا والذين آمنوا ِف احلياة الدنيا ويوم يقوم األشهاد‬ ‫منه ال يتخلف ً‬
‫﴾(سورة غافر آية‪، )54:‬وقال‪ ﴿:‬إن الذين كفروا ينفقون أمواهلم ليصدوا عن سبيل هللا فسينفقوهنا‬
‫مث تكون عليهم حسرة مث يغلبون والذين كفروا إىل جهنم حيشرون ﴾(األنفال آية‪، )41:‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد (‪ )9٧٧4‬وحكم شعيب األرنؤوط صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )9‬سنن الرتمذي (‪ )9541‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬

‫‪779‬‬
‫وقال واص ًفا حال املسلمني يوم بدر‪ ﴿:‬قد كان لكم آية ِف فئتني التقتا فئة تقاتل ِف سبيل هللا‬
‫وأخرى كافرة يروهنم مثليهم رأي العني وهللا يؤيد بنصره من يشاء إن ِف ذلك لعربة ألويل األبصار‬
‫﴾(سورة آل عمران آية‪. )44:‬‬
‫وقد بشر النيب ملسو هيلع هللا ىلص ابلنصر وانتصار الدين وغلبته‪ ،‬فقال ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ليبلغن هذا األمر ما بلغ الليل‬
‫والنهار‪ ،‬وال يرتك هللا بيت مدر وال وبر إال أدخله هللا هذا الدين‪ ،‬بِعِز عزيز أو بِ ُذ ِل ذليل‪ِ ،‬عًزا يُعز‬
‫هللا به اإلسالم‪ ،‬وذُالً يُذل هللا به الكفر»(‪ ،)4‬رواه أمحد من حديث متيم الداري بسند صحيح‪.‬‬
‫وقد أحسن الشاعر حيث قال‪:‬‬

‫ومن رام نيل ِ‬


‫العز فليصطرب على __________ لقاء املنااي واقتحام املضايق‬ ‫ْ‬
‫فإن تكن األايم رنّـ ْقن مشريب __________ وثل ْمن ح ّدى ابخلطوب الطوارق‬
‫فما غريتين حمنةٌ عن خليقيت __________ وال حولتين ُخدعةٌ عن طرائقي‬
‫غضب أعدائي ويرضي أصادقي‬ ‫يسرين __________ وي ِ‬
‫ابق على ما ُّ‬‫ولكنين ٍ‬
‫ُ‬

‫وآخر دعواان أن احلمد هلل رب العاملني‪.‬‬


‫وال عدوان إال على الظاملني‪.‬‬
‫إخوانكم‬
‫محود بن عقالء الشعييب‬
‫علي بن خضري اخلضري‬
‫سليمان بن انصر العلوان‬
‫‪4199/4٧/41‬ه‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد (‪ )41251‬وحكم شعيب األرنؤوط إسناده صحيح ‪.‬‬

‫‪781‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫خطاب من املشايخ الفضالء‪ :‬محود بن عقالء الشعييب وعلي اخلضري‬
‫وسليمان العلوان رىل كافة علماء ابكستان‪ -‬حفظهم هللا‪-‬‬
‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا وعلى آله وصحبه أمجعني‪ ..‬وبعد‬
‫إىل كافة علماء ابكستان ودعاهتا وعلى رأسهم‪:‬‬
‫فضيلة الشيخ‪ /‬نظام الدين الشامزي‬
‫وفضيلة الشيخ‪ /‬مسيع احلق‬
‫وفضيلة الشيخ‪ /‬فضل الرمحن‬
‫وفضيلة الشيخ‪ /‬فضل الرمحن خليل‬
‫وفضيلة الشيخ‪ /‬قاضي حسني أمحد‬
‫وفضيلة الشيخ‪ /‬حافظ رشيد‬
‫وفضيلة الشيخ‪ /‬سيف هللا أخرت‬
‫وفضيلة الشيخ‪ /‬مسعود أزهر‪ -‬فك هللا أسره‪-‬‬
‫إىل هؤالء وغريهم من العلماء والدعاة‪ -‬حفظهم هللا ورعاهم‪ ..-‬السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪..‬‬
‫إان نبعث إليكم هبذا اخلطاب أتديةً منا لواجب األخوة اإلسالمية ولواجب مواالة املؤمنني ونصرهتم‬
‫ال سيما العلماء منهم‪ ،‬ونذكركم فيها ابلواجب الذي أُلقي على أكتاف العلماء‪ ،‬وابلعهد وامليثاق‬
‫الذي أخذه هللا على العلماء‪.‬‬
‫أصحاب الفضيلة‪ ...‬لقد كنا نتابع بكل مشاعران وجوارحنا ما يدور على أرضكم من أحداث‬
‫سران تكاتُف الشعب الباكستاين‬ ‫بسبب مناصرتكم ِ‬
‫املشرفة لإلمارة اإلسالمية ِف أفغانستان‪ ،‬ولقد َّ‬
‫أيضا‬
‫فرض عليكم وعليه‪ ،‬ولقد سعدان ً‬ ‫معكم وتنفيذه لفتاواكم رغم التهديدات والضغوط اليت تُ َ‬
‫بفتاواكم اليت تسر األصدقاء وتغيظ األعداء‪ ،‬فليست مهمة ِ‬
‫العامل أن يتحدث إىل الناس ويفتيهم ِف‬
‫العامل الذي يتقدم الناس ِف السراء والضراء‪ .‬ولقد مسعنا ابعتقال بعضكم‪ ،‬وال‬‫الرخاء فقط‪ ،‬ولكن ِ‬
‫زلنا ندعو أبن يفرج هللا عنكم ما أنتم فيه من اإلقامة اجلربية والتضييق ِف احلال واملقام‪ .‬وإننا رغم‬
‫احلدود الومهية واإلقليمية اليت حتُول بيننا وبينكم ال زلنا قريبني منكم ونناصركم ونؤازركم وندعو لكم‬
‫ونعيش معكم ساعةً بساعة وحلظةً بلحظة ‪ .‬وهذه األحداث اليت متر ابألمة اإلسالمية وخاصة ِف‬
‫أفغانستان وإمارهتا اإلسالمية‪ ،‬تُ َع ُّد هي احملك احلقيقي الذي ظهر بسبب ما تُ ِكنُّه الصدور وما‬

‫‪781‬‬
‫تعتقده القلوب‪ ،‬وظهر من هو ِ‬
‫العامل من املتعامل‪ ،‬فالعامل هو الذي يربهن بعمله ِص ْدق ما يدعو إليه‪،‬‬ ‫َ‬
‫واملتعامل الذي يتأخر ِف موطن اإلقدام ويقدم الدنيا على اآلخرة‪ .‬وإن موقفكم منذ بداية األحداث‬
‫وقبلها كان مشرفًا‪ ،‬ال سيما من خالل جملسكم جببهة الدفاع عن أفغانستان بقيادة فضيلة الشيخ‪/‬‬
‫خمتصا بكم وحدكم‪ ،‬بل هو‬‫وفرج مهَّه‪ .‬فمناصرتكم لإلمارة اإلسالمية مل يكن ً‬
‫مسيع احلق حفظه هللا َّ‬
‫مجيعا‪ ،‬إال أنكم حزمت قصب السبق وتقدمتم على غريكم من العلماء‬ ‫الواجب على علماء املسلمني ً‬
‫عندما كانت فتاواكم وأشرطتكم هي طليعة األصوات املناصرة لإلمارة اإلسالمية قبل احلرب‬
‫بسنوات وبعد احلرب وال زالت‪ ،‬فجزاكم هللا عن األمة كل خري‪.‬‬
‫خاف عليه‪ -‬أن احلرب‬ ‫أصحاب الفضيلة‪ ...‬إن من انفلة القول هنا أن نذكركم‪ -‬ومثلكم غري ٍ‬
‫الصليبية اليت تُ َشن على اإلسالم واملسلمني ِف أفغانستان مل تضع أوزارها بعد‪ ،‬بل إننا لو قلنا أهنا مل‬
‫تبدأ بعد ملا كنا خمطئني‪ ،‬فاحلرب الصليبية أهدافها أعظم من األهداف العسكرية‪ ،‬وأمشل من‬
‫السيطرة على كابُل أو على أفغانستان‪ .‬إن قادة احلرب الصليبية قرروا أن يزيلوا اإلسالم الصحيح‬
‫من على أرض املسلمني ليستبدلوه ابإلسالم األمريكي‪-‬إن صح التعبري‪-‬؛ إسالم على النموذج‬
‫دعى فيه ال جلهاد وال لنصرة‪ .‬قرر الصليبيون وعملوا على أال‬ ‫األمريكي‪ :‬ال والء فيه وال براء‪ ،‬وال يُ َ‬
‫يعرف املسلمون من القرآن إال رمسه وال من اإلسالم إال امسه‪ ،‬وقبل أن يتضح خبثهم وشرهم على‬
‫املسلمني ِف الواقع‪ ،‬أخربان هللا خببثهم وأهدافهم ِف كتابه فق ال‪ ﴿:‬ولن ترضى عنك اليهود وال‬
‫النصارى حىت تتبع ملتهم ﴾(سورة البقرة آية‪ ، )49٧:‬وق ال‪ ﴿:‬وال يزالون يقاتلونكم حىت يردوكم‬
‫ود كثري من أهل الكتاب لو‬ ‫عن دينكم إن استطاعوا ﴾(سورة البقرة آية‪ ، )941:‬وقال‪َّ ﴿:‬‬
‫حسدا من عند أنفسهم ﴾(سورة البقرة آية‪ ، )4٧2:‬وقال‪﴿ :‬ودوا‬ ‫كفارا ً‬‫يردونكم من بعد إميانكم ً‬
‫ص هللا فيها على‬ ‫لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً ﴾(سورة النساء آية‪ ، )٧2:‬واآلايت اليت نَ َّ‬
‫أهداف اليهود والصليبيني كثرية ِف القرآن‪ .‬وال عجب إ ًذا أن يعملوا مبا أخرب هللا عنه‪ ،‬ولكن‬
‫العجب كل العجب أن يتخاذل كثري من املسلمني وبعض العلماء عن نصرة الدين‪ ،‬وأن خيفى‬
‫علما أن هذا الدين منصور أبمر هللا تعاىل‪ ،‬ولكن َمن نصر الدين‬ ‫عليهم حجم القضية واملؤامرة‪ً ،‬‬
‫هو ِف احلقيقة ينصر نفسه وخيلصها من عذاب هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬وهللا يقول‪ ﴿:‬ومن جاهد فإمنا‬
‫جياهد لنفسه إن هللا لغين عن العاملني ﴾(سورة العنكبوت آية‪. )1:‬‬
‫أصحاب الفضيلة‪...‬ال شك عندان أنكم تدركون حجم املؤامرة وتعون احلدث أكثر من غريكم من‬
‫العلماء‪ ،‬ألن ميدان املعركة قريب منكم‪ ،‬وتعيشون األحداث عن قرب وتتابعون جمرايهتا حلظةً‬
‫بلحظة‪ ،‬وال جمال لسرد أبعاد املؤامرة عليكم‪ ،‬ولكننا نريد أن نذكركم ونذكر أنفسنا واملسلمني أوالً‬

‫‪782‬‬
‫والشعب الباكستاين خاصة‪ ،‬أبن ديننا حيتاج إىل تضحية‪ ،‬وأن ما يصيبنا ليس إال ِرفعة ِف درجاتنا‬
‫أبدا‪،‬‬
‫أيضا أبن فقدان اإلمارة اإلسالمية للمدن ال يعين حبال هزميتها ً‬ ‫إبذن هللا تعاىل‪ .‬ونذكر اجلميع ً‬
‫فقد انتصرت منذ الساعة األوىل لبدء القصف اجلوي‪ ،‬انتصرت مببادئها وعقيدهتا‪ ،‬ولو قُ ِدر أن‬
‫أيضا‪ ،‬فكل من قُتل ِف سبيل‬ ‫ِ‬
‫مجيعا فال يعين ذلك هزميتها ً‬‫زالت اإلمارة اإلسالمية أو قُتل قادهتا ً‬
‫أيضا أبمري املؤمنني أو‬
‫هللا فقد انتصر‪ ،‬واإلسالم ليس معل ًقا هبذه األرض أو تلك‪ ،‬وليس معل ًقا ً‬
‫اجملاهدين معه‪ ،‬فإن قُتلوا أو ماتوا فهنيئًا هلم الشهادة ِف سبيل هللا تعاىل‪ ،‬ولكن اإلسالم سيبقى ما‬
‫بقي الليل والنهار‪ ،‬والعاقبة للمتقني‪ ،‬وما علينا إال أن نتوكل على هللا سبحانه وتعاىل ونعمل وجناهد‬
‫ِف هللا حق جهاده‪ ،‬ومنه النصر والتمكني‪ ،‬وال يسعنا حبال من األحوال أن نكل أو منل أو َهنِ َن أو‬
‫نفرت‪ ،‬فالدين سينتصر ولكنه حيتاج إىل رجال كرجال الرعيل األول لينتصر على أيديهم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫فكونوا قادة األمة وقادة االنتصار القادم إبذن هللا تعاىل‪ ،‬واعلموا أن سكوتكم ال يزيد املسلمني إال‬
‫وجه إىل أرضكم‪ ،‬وها هي حامية‬ ‫ضع ًفا‪ ،‬وال يزيد العدو إال تسلطًا وبغيًا‪ ،‬فها هي دفة احلرب تُ َّ‬
‫الوثنية تقرع طبول احلرب أبمر اليهود والصليبيني لضربكم‪ ،‬وليس اهلدف من حرهبم سياسيًا أو‬
‫ومن‬‫عسكراي‪ ،‬بل إن اهلدف املنشود هلم هو دينكم وقمع اجلهاد الصادر من أرضكم‪ .‬والصليبيون ِ‬
‫ً‬
‫ورائهم اليهود والوثنيون لن يرضوا بسجن العلماء‪ ،‬وال إبغالق مدارس حتفيظ القرآن‪ ،‬وال بتغيري‬
‫املناهج‪ ،‬وال إبفساد أبناء املسلمني وتغريبهم‪ ،‬فهذا كله ال يشفي غيظ قلوهبم حىت يسفكوا دماء‬
‫أبناء املسلمني كما فعلوا ِف كشمري وِف الشيشان وِف الفلبني وِف إندونيسيا وِف العراق وفلسطني‪،‬‬
‫ويفعلون اآلن ِف أفغانستان وغريها من بالد اإلسالم‪ ،‬قَ ْتل املسلمني وتشريدهم ومتزيق أجساد‬
‫ومن دوهنم‪ .‬لذا علينا أن نبذل‬ ‫أطفاهلم هو الذي يطفئ انر صدور اليهود والصليبيني والوثنيني َ‬
‫الغايل والرخيص ِف التصدي بكل السبل والوسائل لرد شرورهم وكيدهم على املسلمني ِف كل‬
‫وحرض املؤمنني عسى هللا أن يكف‬ ‫مكان‪ ،‬ق ال تعاىل‪﴿ :‬فقاتل ِف سبيل هللا ال تُكلَّف إال نفسك ِ‬
‫أبسا وأشد تنكيال ﴾(سورة النساء آية‪ ، )٧1:‬فكونوا قادة األمة‬ ‫أبس الذين كفروا وهللا أشد ً‬
‫رجال يتحملون‬ ‫بكلمة احلق‪ ،‬وواصلوا العمل‪ ،‬فإن النصر قريب إبذن هللا تعاىل‪ ،‬ولكن حيتاج إىل ٍ‬
‫تبعات هذا النصر ويكونون أهالً للتمكني ِف األرض‪.‬‬
‫وآخر دعواان أن احلمد هلل رب العاملني‪ .‬وال عدوان إال على الظاملني‪.‬‬
‫إخوانكم‪:‬‬
‫محود بن عقالء الشعييب ‪ /‬علي بن خضري اخلضري ‪ /‬سليمان بن انصر العلوان‬
‫‪4199/4٧/ 41‬ه‬

‫‪783‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫بيان من فضيلة الشيخ العالمة‪ /‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫رىل القائدين رابين وسياف ومن معهما‬
‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا وعلى آله وصحبه أمجعني‪:‬‬
‫القائدان رابين وسياف ومن معكما‪ ،‬أكتب لكما هذا اخلطاب الذي أرجو هللا سبحانه وتعاىل أن‬
‫يؤلف به بني قلوب املسلمني‪ ،‬وأن جيعله سببًا هلدايتكما ومن معكما‪.‬‬
‫أيها القائدان‪ :‬إننا مل ننس لكما وال ملن معكم جها َدكم ضد االحتاد السوفيييت وفلول الشيوعيني ِف‬
‫أفغانستان‪ ،‬وُكنا من قَ ْب ُل نفتخر أ ْن جعل هللا ِف أمتنا أمثال هؤالء الرجال الذي ابعوا كل شيء‬
‫من أجل العقيدة والدين‪.‬‬
‫ولكن الذي أحزننا وحز ِف نفوسنا انقالب أولئك الرجال على املبادئ وعلى القيم بل وعلى‬
‫طعن هبا‬
‫كثريا يوم أن أصبحتما ومن معكما رأس احلربة اليت تُ َ‬‫العقيدة والدين‪ ،‬نعم! لقد أتملنا ً‬
‫اإلمارة اإلسالمية اليت شهد القاصي والداين على تطبيقهم للشريعة وحكمهم بكتاب هللا وسنة‬
‫رسوله‪.‬‬
‫لقد كنا نتذكر قولك اي سياف عندما كنت تقول‪( :‬أقيموا دولة اإلسالم وأان مستعد أن أكون فيها‬
‫إسكافيًا)‪ .‬إن قلوبنا لتتقطع عندما نذكر وعدك من على املنرب وأنت تصرخ قائالً‪( :‬إىل شعبنا ِف‬
‫فلسطني‪ :‬نقسم ابهلل العظيم أننا سنحرر أرضكم أو منوت دون ذلك)‪.‬‬
‫أكثر حرارًة من أقوال سياف‪ ،‬ومل ننس‬
‫أيضا أقوالك اي رابين اليت كانت َ‬
‫ولقد استعدان من الذاكرة ً‬
‫وعودك لألقصى ابلتحرير‪ ،‬ومل ننس وعودك لألفغان‪ -‬قبلَهم‪ -‬ابحلكومة اإلسالمية‪.‬‬
‫إن كل تلك الوعود ذهبت أدراج الرايح‪ ،‬إن كل تلك املبادئ رأيناها حتت األقدام من أجل ٍ‬
‫عرض‬
‫يوم أن الح لكما وملن معكما القرار ِف قصر الرائسة رأينا كيف صنعتما ابملبادئ‪.‬‬
‫من الدنيا قليل‪َ ،‬‬
‫أمل تكونوا تقاتلون الشيوعيني؟ إذن ملاذا وضعتم أيديكم ِف أيديهم؟ أمل تكونوا تقاتلون الرافضة؟ إذن‬
‫ملاذا حتالفتم معهم؟ لقد حتالفتم مع دستم وقربتموه وأصبح أحد أركان دولتكم‪ ،‬وحتالفتم مع حزب‬
‫الوحدة الرافضي الذي أسسه (سلطان علي كشتمند) رئيس وزراء احلكومة الشيوعية اليت جاهدمت‬
‫ضدها‪ ،‬وحتالفتم مع اجلنرال عبد املالك أحد أركان اجليش الشيوعي الذي جاهدمت ضده‪ ،‬وهو‬
‫الذي قتل مئات اآلالف من املسلمني‪ ،‬ولقد ضم جيشكم بقااي احلزب الشيوعي األفغاين السابق‪.‬‬

‫‪784‬‬
‫املشوهة للجهاد وللمجاهدين‪ ،‬ولكن يكفي أنكم شكلتم‬‫ال أريد أن أطيل عليكم بتعدد حتالفاتكم ِ‬
‫حكومةً تضم كل هؤالء‪ ،‬وأعلن وزير دفاعكم اهلالك مسعود أن حكومتكم تتبىن الدميقراطية‬
‫بسنَّة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫الكفرية اليت ال تعرتف ال بكتاب وال ُ‬
‫بعضا‪ ،‬فقد طالعتنا وسائل اإلعالم قاطبةً‬ ‫إن فواجعكم على األمة اإلسالمية يرقق بعضها ً‬
‫املصورة والصوتية‪ ،‬واليت تتعهدون فيها مبساعدة التحالف الصلييب ضد اإلمارة‬ ‫َّ‬ ‫بتصرحياتكم‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ومسعنا التقارير اليت تثبت وقوفكم‪ -‬وبكل قوة‪ -‬مع التحالف الصلييب ضد اإلمارة‬
‫اإلسالمية وضد الشعب األفغاين الذي يُباد مبشورتكم وبصوارخيكم وطائرات التحالف الصلييب‪،‬‬
‫ومسعنا عن حتالفكم مع اليهودي رمحانوف رئيس أوزبكستان‪.‬‬
‫اعلموا أن أمريكا وروسيا ومن معهما هم أعداء لكم كما هم أعداء لطالبان‪ ،‬ولو انتصروا‪ -‬ال قدر‬
‫هللا‪ -‬فسوف يرجعون إليكم ويغزونكم‪ ،‬وما حالكم آن ذاك إال كحال القائل‪:‬‬
‫يوم أُكل الثور األسود"‬
‫لت َ‬‫"أُكِ ُ‬

‫واعلموا أن هذا البيان هو حمض النصيحة اخلالصة لكم‪ ،‬فتوبوا إىل هللا وعودوا إىل رشدكم‪ ،‬واحتدوا‬
‫مع الطالبان‪ ،‬واتركوا تلك التحالفات الصليبية الشيوعية اليهودية‪.‬‬
‫أسأل هللا جلَّت قدرته أن ينصر اإلسالم ِف أفغانستان وغريها‪ ،‬وأن يهلك األمريكان ومن أعاهنم‪،‬‬
‫إنه ويل ذلك والقادر عليه‪ ،‬وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أماله فضيلة الشيخ العالمة‬
‫أ‪ /.‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪4199/٧/٧‬ه‬

‫‪785‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫أخي القائد حكمتيار‪..‬‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪.‬‬
‫لقد سعدان بسماع أخبارك وعزمك على الدخول مع اإلمارة اإلسالمية للقتال والوقوف ضد الغزو‬
‫الصلييب ألفغانستان والدفاع عن اإلسالم واملسلمني‪.‬‬
‫أيضا أنك وضعت شروطًا لدخولك مع اإلمارة اإلسالمية للقتال ضد عدوها وعدو‬ ‫ومما مسعنا ً‬
‫اإلسالم واملسلمني‪ ،‬وال يهمنا تفاصيل تلك الشروط بينكما‪ ،‬ولكن أحببنا أن ننبهك إىل أموٍر‬
‫مهمة نرى أهنا كفيلة‪ -‬إبذن هللا‪ -‬لتصحيح موقفكم من اإلمارة اإلسالمية‪.‬‬
‫األمر األول‪ :‬اعلم‪ -‬حفظك هللا‪ -‬أنه قد ابن لنا بعد طول حبث أن اإلمارة اإلسالمية بقيادة أمري‬
‫املؤمنني املال دمحم عمر‪ -‬حفظه هللا‪ -‬تُ َع ُّد هي الوريث الشرعي للجهاد األفغاين‪ ،‬وهي اليت أنقذت‬
‫مثرة اجلهاد من الشيوعيني وأتباعهم ِف أفغانستان‪.‬‬
‫إماما ُمبايَ ًعا من قِبَل أهل احلل‬
‫األمر الثاين‪ :‬اعلم أن أمري املؤمنني املال دمحم عمر‪ -‬حفظه هللا‪ -‬يُعد ً‬
‫وحكمه مبقتضى الشريعة اإلسالمية عندما‬ ‫ِ‬ ‫أيضا إمام بِتَ غَلُّبِه ابلشوكة‬
‫والعقد ِف أفغانستان‪ ،‬وهو ً‬
‫انعدم اإلمام‪ ،‬لذا فإن بيعته تلزم كل من دخل ِف مناطقه ومناطق سلطته وحتت شوكته‪ ،‬وحتت‬
‫وعيد النيب حيث قال‪ « :‬من مات وليس ِف عنقه بيعة مات ميتة جاهلية »(‪.)4‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬إن اإلمارة اإلسالمية إمارة شرعية حتكم بكتاب هللا وسنة رسوله ‪ ،‬ورغم وجود‬
‫بعض التجاوزات لديها ووجود بعض البدع ِف مناطق حكمها إال أن تلك التجاوزات والبدع ال‬
‫أبدا‪.‬‬
‫سقط شرعيتها ً‬ ‫تُ ِ‬
‫األمر الرابع‪ :‬إن أفغانستان مل تنعم أبمن وال أمان وال عدل منذ عقود كما نعمت به حتت حكم‬
‫اإلمارة اإلسالمية‪ ،‬نسأل هللا النصر والثبات‪.‬‬
‫لذا‪ -‬وبناءً على األمور املتقدمة‪ -‬فإننا ال نرى أي مربر ملن وضع شروطًا لدخوله حتت راية هذه‬
‫اإلمارة‪ ،‬كما أننا هنيب بك أيها القائد أن تضع يدك بيد أمري املؤمنني وتبايعه وتقاتل حتت رايته‬
‫للدفاع عن اإلمارة اإلسالمية اليت تطبق شرع هللا ِف مجيع اجملاالت‪ ،‬وإننا نطلب منك أن تُتَ ِوج‬
‫اتريخ جهادك القدمي ضد الروس جبهاد ُم َش ِرف ضد األمريكان حتت قيادة أمري املؤمنني‪ ،‬ونناشدك‬
‫أن تتنازل عن كل شروطك للدخول مع اإلمارة اإلسالمية للقتال معها‪ ،‬إن كنت تريد هللا والدار‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪. )4٧54( -5٧‬‬

‫‪786‬‬
‫اآلخرة‪ ،‬وهذا وحده أعظم شرف يناله املسلم اليوم‪ :‬أن يقاتل مجيع كفار الدنيا حتت راية دولة‬
‫إسالمية هي احلصن احلصني لإلسالم اليوم‪ ،‬فَ َد ْع عنك املاضي وانظر إىل رضا هللا‪ ،‬وألن يُكتَب‬
‫لك اجلهاد حتت راية اإلمارة اإلسالمية ضد كفار الدنيا خري لك من أن تعتزل ويفوتك الفضل‬
‫العظيم‪.‬‬
‫عني على األفغان ومن جاورهم خاصة‬ ‫واعلم أخي القائد أن اجلهاد اليوم ِف أرض أفغانستان فرض ْ ٍ‬
‫ْ‬
‫أمرا أهم من القتال وحده‪،‬‬ ‫ملدامهة العدو الصائل بالدهم‪ ،‬إال أن بيعة أمري املؤمنني قبل القتال تُعد ً‬
‫وأان أوصيك بوصية رسول هللا كما جاء عن الرتمذي وأمحد وغريمها حيث قال‪«:‬وأان آمركم ٍ‬
‫خبمس‬
‫هللا أمرين هبن‪ :‬السمع والطاعة واجلهاد واهلجرة واجلماعة؛ فإنه من فارق اجلماعة قيد ِشرب فقد خلع‬
‫ربقة اإلسالم من عنقه إال أن يرجع‪ ،‬ومن ادعى دعوى اجلاهلية فإنه من جثا جهنم» احلديث(‪.)4‬‬
‫مثمرا فالتزم وصية رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وابيع والتزم اجلماعة مث جاهد‪ ،‬وهللا يقول‬
‫وحىت يكون جهادك ً‬
‫نص ْرُك ْم ﴾(سورة‬
‫اَّللَ يَ ُ‬ ‫نص ُرهُ ﴾(سورة احلج آية‪ ، )1٧:‬ويقول‪ ﴿ :‬إِن تَ ُ‬
‫نص ُروا َّ‬ ‫نصَر َّن َّ‬
‫اَّللُ َمن يَ ُ‬ ‫‪َ ﴿:‬ولَيَ ُ‬
‫دمحم آية‪ ، )1:‬وأعظم نصر هلل ولدينه هو اتباع أوامره وامتثال وصااي رسوله ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬ومل تفقد مثرة‬
‫اجلهاد ضد الروس على األحزاب إال أهنم كانوا يقاتلون بال أمري وال مجاعة‪.‬‬
‫قائدا من قادة الدولة‬ ‫فننصحك ببيعة أمري املؤمنني والقتال حتت راية اإلمارة اإلسالمية‪ ،‬وكن ً‬
‫مجيعا‪ ،‬وهذا أعظم شرف تتشرف به يوم‬ ‫ِ‬
‫اإلسالمية اليت ستنتصر‪ -‬إبذن هللا‪ -‬على ملل الكفر ً‬
‫القيامة‪ :‬أنك أحد جنود دولة اإلسالم ِف هذا العصر‪.‬‬
‫وكما كتبنا لك فتوى نشد فيها من أزرك ِف السابق أايم قتالك ضد بقااي الشيوعيني(‪ ،)9‬فإننا‬
‫نكتب لك اليوم هذه النصيحة ندعوك هبا إىل االنضمام إىل اإلمارة اإلسالمية والقتال حتت رايتها‪،‬‬
‫وكما كنت حتتج على من خالفك مبا كتبناه لك ساب ًقا‪ ،‬فإن غريك سيحاجك اليوم مبا كتبناه لك‬
‫اآلن‪.‬‬
‫جنودا مطيعني خلدمة اإلسالم واملسلمني‪.‬‬ ‫نسأل هللا أن يؤلف بني قلوبكم‪ ،‬وأن جيعلنا وإايكم ً‬
‫وآخر دعواان أن احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والسالم على رسول هللا وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أماله فضيلة الشيخ العالمة محود بن عقالء الشعييب ‪4199/٧/44‬ه‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن الرتمذي (‪ )9٧14‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )9‬فتوى الشيخ محود بن عقالء الشعييب رمحه حلكمتيار ِف قتال بقااي الشيوعيني‪ ،‬أمالها الشيخ على األستاذ عصام‬
‫املعمر وحتتوي على توقيعات جمموعة من املشايخ ومعها ابلفتوى تعليق الشيخ أبن جربين رمحه هللا والشيخ حيىي اليحىي‬
‫والشيخ سليمان الثنيان والشيخ عبدهللا اجلاليل نشرت ِف جريدة شهادات التابعة للحزب اإلسالمي عام ‪4221‬م ‪.‬‬

‫‪787‬‬
‫حكم اجلهاد واستئذان الوالدين‬
‫صاحب الفضيلة الشيخ محود بن عبد هللا بن عقالء الشعييب‬
‫ترددت ِف اآلونة األخرية عبارات تقلل من شأن اجلهاد وتثبط عزائم الشباب عن هذا العمل اجلليل‬
‫‪ ،‬ومما يزيد ِف األسف أن هذه العبارات تصدر من علماء حمسوبني على الصحوة اإلسالمية ‪،‬‬
‫ونريد أن تبينوا لنا حكم اجلهاد على ضوء الكتاب والسنة ؟‬
‫كما نرجو أن تبينوا لنا حكم استئذان الوالدين ِف اخلروج إىل اجلهاد والتدريب واإلعداد ؟‬
‫نريد من فضيلتكم فتوى تفصيلية ِف هذا اجملال ؟‬

‫اجلواب‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني أما بعد ‪:‬‬
‫فإن من له أدَّن إملام ومعرفة بتاريخ الدول واحلكومات ال يبقى لديه شك مطلقاً ِف أن اجلهاد‬
‫أبنواعه من أعظم الوسائل بل هو أعظم الوسائل مع اإلميان ابهلل والتوكل عليه حلماية األمة املسلمة‬
‫ومقدساهتا من تطاول األعداء عليها وطمعهم ِف خرياهتا ‪.‬‬
‫فإن العدو إذا عرف مدى استعداد املسلمني وعرف ما هم عليه من القوة القتالية والتدريب‬
‫والتأهيل فإنه حيسب ملهامجة بالد املسلمني ألف حساب‪.‬‬
‫والعدو الكافر يدرك ما للجهاد من آاثر ِف تغيري ميزان املعارك اليت جتري بني املسلمني وأعدائهم ‪،‬‬
‫وهلذا جند الكفار ابختالف مناهجهم واجتاهاهتم خيشون اجلهاد وينفرون عنه هم وعمالؤهم بكل‬
‫ما يستطيعون من وسائل ألهنم يعلمون جيداً أهنم ال يستطيعون السيطرة على األمة إذا كانت متلك‬
‫وسائل اجلهاد ‪.‬‬
‫وهلذا نرى الدول الكافرة ومن يدور بفلكها من احلكومات العميلة يشنون حرابً شعواء على‬
‫الشباب الذين يريدون االنضمام إىل إخواهنم املقاتلني ِف اجلبهات والثغور وإذا ظفروا أبحد منهم‬
‫اعتقلوه وأودعوه ِف غياهب السجون مدداً طويلة يالقي فيها شىت أنواع التعذيب واإلهانة ‪.‬‬
‫ويلقبون اجملاهدين أبلقاب شائنة كاإلرهابيني واملتطرفني واملتشددين وحنو ذلك ‪ ،‬إرهابيون ومتطرفون‬
‫ألهنم يضحون أبنفسهم ِف قتال الصهاينة والروس والبوذيني وغريهم وما من شك أننا وإخواننا‬
‫اجملاهدين إرهابيون هبذا املعىن أي ‪ :‬نرهب أعداء هللا تنفيذاً ألمره سبحانه وتعاىل حيث قال‬
‫﴿ وأعدوا هلم ما استطعتم من قوة ومن رابط اخليل ترهبون به عدو هللا وعدوكم ﴾(سورة‬
‫األنفال اآلية‪. )1٧:‬‬

‫‪788‬‬
‫وهنا سؤال يفرض نفسه وهو أنه قبل سنوات إذا أراد الشباب الذهاب للجهاد ِف األفغان يلقون‬
‫التشجيع والتخفيض ِف التذاكر ورمبا املساعدات املالية من بعض الدول العربية ‪ ،‬هذا كان ِف الفرتة‬
‫اليت كان األفغان فيها حياربون اإلحتاد السوفييت أما اآلن فالذي يريد الذهاب إىل األفغان من‬
‫الشباب للجهاد يلقون من نفس الدول العربية اليت كانت تشجع على اجلهاد ِف تلك الفرتة‬
‫املطاردة واالعتقال والتلقيب ابإلرهابيني واملتطرفني واملتشددين فلماذا يكون هذا ؟‬
‫واجلواب أن التشجيع على اجلهاد ِف الفرتة السابقة له ما يربره عند تلك الدول املشجعة ‪ ،‬ألن‬
‫القتال كان بني األفغان واإلحتاد السوفييت الذي تعتربه دول الكفر كأمريكا وبريطانيا أعدى عدو هلا‬
‫‪ ،‬أما قتال األفغان اآلن فهو ضد أمريكا وبريطانيا وأوراب كلها ‪ ،‬ألن هذه الدول تقف مع املعارضة‬
‫ِف األفغان وتدعمها بشىت أنواع الدعم من طائرات ودابابت ورجال وخربات ‪ .‬إذن فالذي يذهب‬
‫إىل اجلهاد ِف األفغان حيارب أمريكا وزميالهتا ِف الكفر ‪.‬‬
‫وبعد هذه املقدمة القصرية نبدأ ببيان حكم اجلهاد ِف الشريعة اإلسالمية ‪.‬‬
‫فنقول ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬اجلهاد أنواع‪:‬‬
‫أ جهاد ابلنفس ‪.‬‬
‫ب وجهاد ابملال ‪.‬‬
‫ج وجهاد ابلقلم واللسان ‪.‬‬

‫وكذل األعداء الذين جيب جهادهم أنواع ‪:‬‬


‫أ منهم الكفرة املصرحون بكفرهم كاليهود والنصارى وامللحدين وغريهم ‪.‬‬
‫ب ومنهم أعداء ليسوا من هؤالء بل هم من نوع آخر وهم املنافقون وحنوهم ممن لديهم أفكار نتنة‬
‫ومبادئ هدامة ولكنهم ال جيرءون على إعالهنا والتصريح هبا كما يعلن الكفار كفرهم ويصرحون‬
‫به‪.‬‬
‫وإذا أردت أن تعرف فضل اجلهاد وأمهيته فقارن بني حالة املسلمني قبل أن يشرع هلم اجلهاد‬
‫وحالتهم بعد أن فرض عليهم اجلهاد فإهنم كانوا قبل مشروعية اجلهاد مستضعفني ِف مكة ‪ ،‬وكفار‬
‫قريش يؤذوهنم بشىت أنواع األذى وال يقدرون على الدفاع عن أنفسهم ؛ األمر الذي جعل من يريد‬
‫الدخول ِف اإلسالم ُخيفى أمره ويتسرت على إسالمه خوفا من أذى قريش إال عمر بن اخلطاب هنع هللا يضر‬
‫فإنه عند ما أراد أن يُعلن إسالمه شهر سيفه وأعلن إسالمه ومل يبال أبحد ‪ ،‬أما غريه فإنه ال جيرؤ‬

‫‪789‬‬
‫على إعالن إسالمه خوفا من أذى قريش كما سبق ‪.‬‬
‫وشرع له اجلهاد وبدأ ببعث السرااي‬
‫وعندما هاجر النيب ملسو هيلع هللا ىلص إىل املدينة وأسس الدولة اإلسالمية ُ‬
‫والبعوث بدأ الناس يُهاجرون إىل املدينة ويعلنون إسالمهم ودخل كثريون من قبائل العرب ِف‬
‫اإلسالم وقد صور الشاعر هذا املعىن بقوله ‪:‬‬

‫دعا املصطفى دهرا مبكة مل جيب __________ وقد الن منه جانب وخاطبوا‬
‫فلما دعا والسيـف صـلـت بكفه __________ له أسلموا واستسلموا وأانبوا‬

‫وابجلهاد قامت دولة اإلسالم واتسعت حىت عم اإلسالم جزيرة العرب وحىت استوىل املسلمون‬
‫ابجلهاد على ممالك كسرى وقيصر ‪ ،‬وأصبحوا سادة الدنيا وقادهتا ‪.‬‬
‫وألمهية اجلهاد ِف محاية املسلمني ومقدساهتم أكثر سبحانه وتعاىل من ذكره ِف القرآن الكرمي حيث‬
‫ورد فيه من آايت اجلهاد ما يزيد على مائيت آية ما بني آايت تدل على فرض اجلهاد ووجوبه على‬
‫املسلمني ‪ ،‬وآايت ترغب فيه وتبني فضله وما أعده هللا للمجاهدين من الثواب ِف اآلخرة ‪.‬‬

‫وكذل النيب ملسو هيلع هللا ىلص حث على اجلهاد ورغب فيه وحذر من القعود عنه وسأذكر طرفا من اآلايت‬
‫يف اجلهاد واحلث عليه ‪:‬‬
‫‪ 4‬قال تعاىل ﴿ كتب عليكم القتال وهو كره لكم ﴾(سورة البقرة آية‪ )941:‬أي فرض عليكم‬
‫كفرض الصيام ِف قوله تعاىل ﴿ كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ﴾(سورة‬
‫البقرة آية‪. )4٧4:‬‬
‫‪ 9‬وقال تعاىل ﴿ اي أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا ِف سبيل هللا ااثقلتم إىل األرض‬
‫أرضيتم ابحلياة الدنيا من اآلخرة فما متاع احلياة الدنيا ِف اآلخرة إال قليل إال تنفروا يعذبكم عذااب‬
‫أليما ويستبدل قوما غريكم وال تضروه شيئا ﴾ ‪.‬‬
‫‪ 4‬إىل قوله سبحانه وتعاىل ﴿ انفروا خفافا وثقاال وجاهدوا أبموالكم وأنفسكم ِف سبيل هللا ذلكم‬
‫خري لكم إن كنتم تعلمون ﴾(سورة التوبة آية‪. )4٧-14:‬‬
‫‪ 1‬وقال سبحان ه وتعاىل ﴿ ف إذا لقيتم ال ذين كف روا فضرب ال رقاب حىت إذا أثخنتموهم فش دوا‬
‫الواثق﴾(سورة دمحم آية‪. )1:‬‬
‫‪ 5‬وقال سبحانه وتعاىل ﴿ اي أيها النيب جاهد الكفار واملنافقني واغلظ عليهم ومأواه م جهنم‬
‫وبئس املصري ﴾(سورة التوبة آية‪. )14:‬‬

‫‪791‬‬
‫واآلايت الدالة على فرضية اجلهاد على هذه األمة ووجوبه كثرية ‪.‬‬

‫أما اآلايت اليت تدل على فضل اجلهاد وتبني ثواب اجملاهدين فكثرية ‪:‬‬
‫‪ 4‬منها قوله تعاىل ﴿ إن هللا حيب الذين يقاتلون ِف سبيله صفا كأهنم بنيان مرصوص ﴾(سورة‬
‫الصف آية‪ )1:‬إذا فالقتال ِف سبيل هللا مقتضي حلب هللا وأي مطلب أسىن وأشرف من حب هللا‬
‫لعباده ‪.‬‬
‫‪ 9‬وقال تعاىل ﴿ اي أيها الذين آمنوا هل أدلكم على جتارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون ابهلل‬
‫ورسوله وجتاهدون ِف سبيل هللا أبموالكم وأنفسكم ذلكم خري لكم إن كنتم تعلمون ﴾(سورة‬
‫الصف آية‪ )4٧-44:‬إىل آخر اآلايت ‪.‬‬
‫‪ 4‬وقال سبحانه وتعاىل ﴿ وال حتسنب الذين قتلوا ِف سبيل هللا أمواات بل أحياء عند رهبم‬
‫يرزقون ﴾ إىل قوله ﴿ يستبشرون بنعمة من هللا وفضل ﴾(سورة آل عمران آية‪. )412-414:‬‬
‫‪ 1‬وقال تعاىل ﴿ إن هللا اشرتى من املؤمنني أنفسهم وأمواهلم أبن هلم اجلنة يقاتلون ِف سبيل هللا‬
‫فيَقتلون ويُقتلون وعدا عليه حقا ِف التوراة واإلجنيل والقرآن ومن أوىف بعهده من هللا فاستبشروا‬
‫ببيعكم الذي ابيعتم به وذلك هو الفوز العظيم ﴾(سورة التوبة آية‪. )444:‬‬

‫ومن اآلايت اليت حتذر من ترك اجلهاد والقعود عنه ‪:‬‬


‫‪ 4‬قوله تعاىل ﴿ فإذا أنزلت سورة حمكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين ِف قلوهبم مرض ينظرون‬
‫إليك نظر امل غشي عل يه م ن ال موت ﴾(سورة دمحم اآلية‪.)9٧:‬‬
‫‪ 9‬وقال تعاىل ﴿ وإذا أنزلت سورة أن آمنوا ابهلل وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم‬
‫وقالوا ذران نكن مع القاعدين ﴾(سورة التوبة آية‪. )٧1:‬‬

‫أما األحاديث يف ذل فمنها ‪:‬‬


‫‪ 4‬قوله ملسو هيلع هللا ىلص(جاهدوا املشركني أبنفسكم وأموالكم وألسنتكم )(‪)4‬وهذا أمر منه ملسو هيلع هللا ىلص ابجلهاد ‪،‬‬
‫واألمر يقتضي الوجوب ما مل يصرفه صارف إىل الندب أو اإلابحة وال صارف هنا يصرف أمره‬
‫عليه الصالة والسالم ِف اجلهاد من الوجوب إىل غريه ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن أيب داود (‪ )95٧1‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬

‫‪791‬‬
‫‪ 9‬وقال ملسو هيلع هللا ىلص ( إذا تبايعتم ابلعينة وأخذمت أذانب البقر ورضيتم ابلزرع وتركتم اجلهاد سلط هللا‬
‫عليكم ذال ال يرفعه عنكم حىت تراجعوا دينكم)(‪)4‬فقوله عليه الص الة والس الم ( حىت تراجع وا‬
‫دينك م ) يفهم منه أهنم ابرتكاهبم هذه اخلصال وترك اجلهاد قد خرجوا من دينهم ‪.‬‬
‫‪ 4‬وقال ملسو هيلع هللا ىلص (من مات ومل يغز أو حيدث نفسه ابلغزو مات على شعبة من النفاق )(‪)9‬‬

‫وحكم اجلهاد يف وقتنا احلاضر أنه فرض عني على كل قادر عليه وقد أمجع علماء األمة قدميا‬
‫وحديثا على أن اجلهاد يكون فرض عني يف ثالث حاالت ‪:‬‬
‫األوىل ‪ :‬إذا حصر العدو بلدا من بالد املسلمني أو احتلها ‪.‬‬
‫واحلالة الثانية ‪ :‬إذا حضر الصف ِف معركة بني املسلني والكفار ‪.‬‬
‫واحلالة الثالثة ‪ :‬إذا استنفره اإلمام الشرعي ‪.‬‬

‫وحنن إذا نظران إىل ما جيري ِف فلسطني وِف الشيشان وجدان أن العدو قد احتل هذه البلدان‬
‫وآذى أهلها بشىت أنواع األذى من القتل والتدمري والسلب والنهب وانتهاك األعراض ‪.‬‬
‫إذا فيجب على األمة اإلسالمية حكاما وحمكومني كل فيما خيصه أن يهبوا لنصرة إخواهنم‬
‫املضطهدين ِف هذه البلدان وغريها ‪ ،‬وليعلنوا اجلهاد ويشنوها حراب شعواء على أعداء هللا ِف‬
‫فلسطني وِف الشيشان وغريها ‪.‬‬
‫وكما تقدم أن اجلهاد ِف سبيل هللا أنواع فتارة يكون ابملال واترة يكون ابللسان واترة يكون ابلقلم‬
‫وأعلى هذه الدرجات وأفضلها اجلهاد ابلنفس ألنه أشق على املقاتلني ‪ ،‬وأكثر تضحية وألنه قد‬
‫ترتتب عليه الشهادة ومعلوم ما أعد هللا للشهداء من األجر والثواب ‪ ،‬وألنه أشد نكاية ابلعدو مما‬
‫سواه من أنواع اجلهاد ‪ ،‬وألن ما سواه من أنواع اجلهاد مكمل له واجلهاد ابلنفس هو الذي يرهب‬
‫العدو وحيطم معنوايته وهو الذي يتحقق به النصر غالبا وتتم به محاية حوزة املسلمني والذب عن‬
‫حرماهتم وقدميا قيل ‪:‬‬

‫السيف أصدق رنباء من الكتب__________ يف حده احلد بني اجلد واللعب‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن أيب داود (‪ )4119‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم ‪. )424٧( - 45٧‬‬

‫‪792‬‬
‫أما اجلهاد ابملال فله أمهية كبرية إذ ال يستغين عنه املقاتلون لتأمني السالح والذخرية وأتمني نفقة‬
‫اجلند ومعاجلة اجلرحى وكل ما حتتاجه املعركة فهو مكمل للجهاد ابلنفس ‪.‬‬
‫ومن أنواع اجلهاد ‪ ،‬اجلهاد ابللسان والقلم وهذا يشمل كل قول يكون من شأنه تقوية معنوايت‬
‫اجلند ‪ ،‬وحتطيم معنوايت العدو كالشعر واخلطابة وإشاعة انتصارات املسلني وهزائم أعدائهم ‪ ،‬ومن‬
‫ذلك رفع األصوات ابلتكبري والذكر عند احلملة على العدو وحتميس اجليوش وتشجيعهم ووعدهم‬
‫ابالنتصارات وهزمية أعدائهم ‪ ،‬وكذلك الدعاء هلم ابلنصر والتأييد ‪.‬‬
‫ومن أقوى الوسائل ِف العصر احلاضر هلذا النوع من اجلهاد اإلعالم فإن كل من له أدَّن إملام‬
‫ابإلعالم يدرك أن له آاثرا بعيدة ِف تغيري املوازين ابلنسبة للمعارك اليت جتري بني املسلني وأعدائهم‬
‫ملا يشتمل عليه اإلعالم من نشر النتصارات املسلمني على أعدائهم وأتييد هلم وإظهار بطوالهتم‬
‫والثناء عليهم ألن هذه األمور من شأهنا أن تشد أزر اجملاهدين وحتملهم على أن يتفانوا ِف طلب‬
‫النصر وهزمية األعداء ‪ ،‬ولذا كان الرسول ملسو هيلع هللا ىلص يهتم هبذا النوع من اجلهاد أي اجلهاد ابللسان‬
‫فيأمر شعراء املسلمني كحسان وعبد هللا بن رواحة وكعب بن مالك أبن يهجوا خصومه من‬
‫الكفار كما ج اء عند مسلم من حديث عائشة أنه ملسو هيلع هللا ىلص قال ‪ ( :‬مث اهجوا قريشا فإنه أشد عليها‬
‫من رشق ابلنبل ) وقال ملسو هيلع هللا ىلص حلسان (اهجهم وروح القدس معك ) وقال حلسان ( إن روح القدس‬
‫ال يزال يؤيدك ما انفحت عن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص)(‪. )4‬‬
‫هذا إذا كان اإلعالم صادقا والقائمون عليه خملصون لدينهم وأمتهم أما إذا كان اإلعالم على ما‬
‫هو عليه اآلن يهتموا بشؤون اتفهة بعيدة عن اجلهاد وأحوال اجملاهدين ‪.‬‬
‫وإنك إذا أتملت أي وسيلة من وسائل اإلعالم ِف هذا العصر سواء املرئية منها واملسموعة واملقروءة‬
‫ال جتد فيها عرضا لقضااي املسلمني املضطهدين من قبل أعداء هللا وأعدائهم سواء ِف ذلك قضية‬
‫الفلسطينيني اليت مازالوا منذ أكثر من مخسني عاما وهم يعانون من غطرسة الصهاينة واعتداءاهتم‬
‫على هذا الشعب األعزل ابلتقتيل واالعتقاالت وانتهاك احلرمات ‪.‬‬
‫وكذلك غطرسة الروس املالحدة ِف الشيشان منذ أكثر من عشر سنوات وممارسة اجلرائم ِف حق‬
‫هذا الشعب املسلم من تقتيل وتدمري وانتهاك للحرمات و إذا تتبعت وسائل اإلعالم ِف العامل‬
‫العريب واإلسالمي وجدت أهنا ِف شغل شاغل عن هذه القضااي وأمثاهلا ووجدت جل اهتمام‬
‫القائمني على اإلعالم ِف هذه البلدان بعرض األمور اليت ال متت إىل قضااي اإلسالم واملسلمني‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪)912٧( - 451‬‬

‫‪793‬‬
‫حبال وإمنا هي عبارة عن عرض للحفالت الغنائية واملبارايت الرايضية وكذلك عرض للصور اخلليعة‬
‫واملسلسالت اهلابطة وكذلك كيل املدح واإلطراء للحكام والق ادة ونسبة البط والت والتربعات‬
‫ابألموال اليت ال وجود هلا ِف احلقيقة إال على الورق وألسنة املذيعني وكذلك أخبار احلل والرتحال‬
‫واملقابالت واللقاءات للقادة ‪.‬‬
‫ومن أنواع اجلهاد اليت جيب على املسلمني القيام هبا مقاطعة الدول املعتدية الداعمة هلا فيجب‬
‫على املسلمني حكاما وحمكومني مقاطعة دولة الصهاينة مقاطعة كاملة سياسيا واقتصاداي وجتاراي‪.‬‬
‫ومن الضروري جدا ِف هذا اجملال إعادة املقاطعة العربية اليت كانت قائمة قبل خدعة السالم واليت‬
‫كانت ختسر دولة اليهود ِف مقتضاها ثالثة مليارات دوالر وختسر الشركات الداعمة لليهود من‬
‫شركات يهودية وغريها عشرات املليارات ومن املؤسف أن إعادة املقاطعة العربية لليهود طرحت ِف‬
‫مؤمتر القمة ِف عمان ومل يوافق عليها إال دولة واحدة هي صاحبة االقرتاح أما بقية الدول فقد‬
‫عارضت هذا االقرتاح خشية من سخط أمريكا ‪ .‬وإذا كنا نعلم يقينا أن اليهود ما كانت لتثبت‬
‫أقدامهم ِف فلسطني لوال دعم أمريكا هلا ابملال والسالح والوقوف إىل صفها ِف احملافل الدولية ‪،‬‬
‫إذا كنا نعلم هذا يقينا كان من املتحتم علينا حنن املسلمني والعرب أن نقاطع هذه الدولة الكافرة‬
‫املعتدية أي أمريكا مقاطعة كاملة حبيث ال نستورد منها شيئا البتة المصنوعات وال مأكوالت‬
‫وال مشروابت ومننع تصدير منتجاتنا إليها مطلقا ال البرتول وال غريه مما هو متوفر ِف بالدان ‪.‬‬
‫كما نرى أنه أصبح اليوم حتما على القادة أن يوجهوا رسالة جادة إىل هذه الدولة الكافرة أمريكا‬
‫تتضمن هتديد مصاحلها الكثرية املوجودة ِف الدول العربية واإلسالمية فإهنا ال ترعوي وال ترجع إىل‬
‫صواهبا إال إذا شعرت خبطر يهدد مصاحلها ألن مصاحلها أهم عندها من دولة الصهاينة ‪.‬‬
‫وحنن ال نريد من أمريكا أن تنحاز إىل قضاايان ألهنا عدو ‪ ،‬والعدو ال يتوقع منه أن ينحاز لعدو‬
‫كما قيل‪:‬‬
‫كل العداوات قد ترجى مودهتا __________ رال عداوة من عاداك يف الدين‬

‫وإمنا نريد منها أن تقف على احلياد وتتخلى عن دعمها املطلق ليهود فلسطني وقد سبق أن أشرت‬
‫ِف النداء الذي وجهته لقادة العرب واملسلمني كنصيحة أن الشعوب العربية واإلسالمية قد سئمت‬
‫من األساليب اليت تتخذ ملقاومة اليهود من الشجب واالستنكار والتنديد ملا تقوم به عصاابت‬
‫يهود من تقتيل وتدمري وختريب واآلن ال أخفي أن الشعوب يلحون على بعض العلماء إلصدار‬
‫فتاوى تتضمن اإلذن هلم ابلتصرف أبنفسهم ولكن العلماء مازالوا أيملون ِف أن يقوم القادة‬

‫‪794‬‬
‫بواجبهم ويقودوا شعوهبم جبد وعزمية للقضاء على ممارسات الدول الكافرة على الشعوب املسلمة‬
‫وأن ينفضوا عن رؤوسهم غبار الكسل والتخاذل وأن يقطعوا مجيع صالهتم ابلدول املعتدية ليسجل‬
‫هلم ذلك التاريخ أبحرف من نور‪.‬‬
‫فإن اجملد والعزة والنصر ال حيصل إال هبذا أما الركون إىل الدنيا ونعيمها ولذاهتا وجعل ذلك هو‬
‫املطلوب فهذا ال عزة فيه وال جمد وال نصر بل فيه الذل واهلوان‪.‬‬

‫أما الشق الثاين من السؤال ‪ :‬وهو ما يتعلق ابستئذان الوالدين أو أحـدمها يف اخلروج لإلعـداد‬
‫أو اجلهاد ؟‬
‫فاجلواب ‪:‬‬
‫أما اخلروج لإلعداد فال يلزم فيه إذن الوالدين وال أحدمها وال الغرمي ألن هللا سبحانه وتعاىل أمران به‬
‫وأوجبه علينا فقال ﴿ وأعدوا هلم ما استطعتم من قوة ومن رابط اخليل ترهبون به عدو هللا وعدوكم‬
‫وآخرين من دوهنم ال تعلموهنم هللا يعلمهم ﴾(سورة األنفال اآلية‪ )1٧:‬وهذا أمر منه سبحانه‬
‫وتعاىل لعباده ابإلعداد للعدو والتدرب على فنون القتال واألمر يقتضي الوجوب ما مل يصرفه‬
‫صارف إىل الندب أو اإلابحة ‪.‬‬

‫أما اخلروج للجهاد فهذا خيتلف حكمه مع اختالف فرضية اجلهاد‪:‬‬


‫فإذا كان اجلهاد فرض عني وجب النفري على كل قادر عليه وال يستطيع الوالدان أو أحدمها منع‬
‫الولد من اخلروج بل وال حيل هلما ذلك ‪.‬أما إذا كان اجلهاد فرض كفاية يقوم به من األمة من‬
‫يكفي لدحر العدو فهذا هو الذي يُستأذن فيه الوالدان والغرمي وهذا هو الذي ُحيمل عليه قوله‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص للذي استأذنه ِف اخلروج للجهاد (أحي والداك ؟ قال نعم قال ارجع ففيهما فجاهد )(‪.)4‬‬
‫هذا ونرجو هللا أن يقيض هلذه األمة املسلمة قادة يطبقون نصوص الشريعة ِف قيادهتم ألممهم ملا فيه‬
‫خريهم ِف دنياهم وأخراهم ِف حالة احلرب والسلم إنه على كل شيء قدير ‪.‬‬
‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫أماله فضيلة الشيخ‬
‫أ ‪ .‬محود بن عقالء الشعي يب‬
‫‪4199/1/44‬ه‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )4٧٧1‬‬

‫‪795‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫حكم استئذان الوالدين يف اخلروج للجهاد‬
‫فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعي يب ‪ ..‬سلمه هللا‬
‫كثر السؤال عن حكم استئذان الوالدين ِف اخلروج للجهاد فما هو احلق ِف ذلك؟‬
‫خريا ‪..‬‬
‫وجزاكم هللا ً‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني وبعد‪:‬‬
‫فحكم استئذان الوالدين ِف اجلهاد خيتلف ابختالف حاالت وجوب اجلهاد‪ ،‬فإن اجلهاد إذا كان‬
‫فرض كفاية‪ ،‬حبيث تكون قوة املسلمني مقاومة للعدو‪ ،‬قادرة على دفعه ‪ ..‬فهذه املسألة هي اليت‬
‫يُستأذن الوالدان فيها‪ ،‬وهذه اليت ينطبق عليها قول النيب عليه الصالة والسالم ( ففيهما فجاهد‬
‫)(‪ . )4‬وأما إذا كان اجلهاد فرض عني فاستئذان الوالدين فيه له حاالت‪:‬‬
‫احلالة األوىل‪ :‬إذا كان الوالدان أو أحدمها ً‬
‫عاجزا عن خدمة نفسه وليس له ولد يقوم على خدمته‪،‬‬
‫فهذه احلالة ال بد فيها من إذن الوالدين‪.‬‬
‫احلالة الثانية‪ :‬إذا كان الوالد أو الوالدة أو كالمها يقدر على خدمة نفسه وقضاء حوائجه بنفسه‬
‫والعدو حماصر للمسلمني ِف أي بلد من بلدان العامل اإلسالمي‪ ،‬ففى هذه احلالة ال يُستأذن‬
‫الوالدان‪ ،‬ألن املصلحة املرتتبة على خروجه للجهاد أكرب من املصلحة املرتتبة على خدمة والديه‬
‫ومها قادران‪ ،‬ألن بالد العامل اإلسالمي واحدة‪ ،‬سواء ِف الشيشان أو داغستان أو كشمري أو‬
‫الصومال ‪..‬‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيميه ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ِ -‬ف االختيارات الفقهية (ص ‪ :)444‬وإذا دخل‬
‫العدو بالد اإلسالم فال ريب أنه جيب دفعه على األقرب فاألقرب‪ ،‬إذ بالد اإلسالم كلها مبن زلة‬
‫البلدة الواحدة‪ ،‬وأنه جيب النفري إليه بال إذن والد وال غرمي‪.‬‬
‫نسأل هللا سبحانه أن يعز دينه ويعلي كلمته‪.‬‬
‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫محود بن عقالء الشعيب ي‬
‫‪ 419٧ /٧ /49‬ه‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )4٧٧1‬‬

‫‪796‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫بيان لفضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب يف دعم اإلمارة اإلسالمية يف‬
‫أفغانستان وتعجيل الزكاة هلا‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني أما بعد‪:‬‬
‫فأوجه هذه الكلمات إىل حميب اخلري ِف هذا الشهر الكرمي‪:‬‬
‫أيها اإلخوة املسلمون إن إخوانكم اجملاهدين ِف اإلمارة اإلسالمية ِف افغانستان يقاومون دول‬
‫الكفر جمتمع بقيادة أمريكا وبريطانيا وتعلمون ضعف حالتهم املادية وقلة مواردهم وتعلمون أن‬
‫نصرهتم واجبة على كل مسلم حسب قدرته وال أقل من نصرهتم ودعمهم ابملال الذي هو ِف أمس‬
‫احلاجة إليه إذا مل ميكن دعمهم ابلنفس‪ ،‬وقد كانوا قبل نشوب احلرب مضيق عليه ابحلصار‬
‫االقتصادي فما ابلكم اليوم وقد انضم إىل هذا احلصار االقتصادي حالة احلرب بتقتيله وتشريده‬
‫وهتكه لألعراض‪ ،‬وِف مقابل هذا احلصار واحلرب على الشعب املسلم تنعم املنظمات التنصريية‬
‫بدعم ال مثيل له لنشر دعواهتم الكفرية ودعواهتم املشوهة لإلسالم واجلهاد‪.‬‬
‫وديننا القومي يدعوا إىل التعاون بني املسلمني والتكاتف كما قال سبحانه وتعاىل‪ ﴿ :‬وتعاونوا على‬
‫الرب والتقوى ﴾(سورة املائدة آية‪ )9:‬وقال عليه الصالة والسالم‪ (:‬مثل املؤمنني ِف توادهم وترامحهم‬
‫وتعاطفهم كمثل اجلسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسد ابلسهر واحلمى )(‪)4‬‬
‫‪،‬وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس هللا عن كربة من كرب‬
‫يوم القيامة وهللا ِف عون العبد ما كان العبد ِف عون أخيه (‪.)9‬‬
‫إن كل ما تبذله أخي املسلم من مال سواء ِف ذلك الزكاة الواجبة أو الصدق التطوعية حنتسب‬
‫علما أنه جيوز تعجيل الزكاة اليت مل حتل إىل هذا الوقت‪ ،‬كما‬ ‫على هللا أن جيعله ِف موازين أعمالك‪ً ،‬‬
‫نوصي األخوة املتربعني ابلتحري بتسليم األموال للجهات املوثوقة‪.‬‬
‫نسأل هللا أن ينصر اإلسالم واملسلمني وأن يذل الكفار واملنافقني‪ ،‬وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى‬
‫آله وصحبه أمجعني ‪..‬‬
‫أماله أ ‪ .‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪ 4199 /2 /45‬ه‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم (‪. )95٧1‬‬
‫(‪ )9‬سنن أيب داود (‪ )1211‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬

‫‪797‬‬
‫معىن اإلرهاب وحقيقته‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني أما بعد ‪:‬‬
‫فقد كثر الكالم ِف حتديد اإلرهاب واضطربت اآلراء واملصطلحات على إيضاح مفهوم اإلرهاب ‪،‬‬
‫وعلى الرغم من كثرة التعريفات واحلدود اليت وضعت ملعىن اإلرهاب فلم نقف على حد جامع مانع‬
‫حلقيقة اإلرهاب ‪ ،‬وكل تعريف حلقيقة ما ال يكون مطردا منعكسا ‪ -‬أي جامع مانع ‪ -‬فإنه ال‬
‫يعترب تعريفا صحيحا ومع أن كثريين من الباحثني ِف هذا املوضوع قد ذكروا من التعاريف لإلرهاب‬
‫ما يزيد على مائة تعريف إال أهنا ختلوا كلها من أن حتدد مفهوم اإلرهاب حتديدا دقيقا يستطيع‬
‫القارئ أن يفرق به بني اإلرهاب وغريه‪ ،‬ولكي تعرف أن كل ما ذكر من تعاريف لإلرهاب مل تكن‬
‫كافية لتحديد مفهومه حتديدا ال خيتلف فيه أحد ‪ ،‬وسأذكر لك مناذج مما قيل ِف تعريف‬
‫اإلرهاب‪:‬‬
‫‪ -4‬اإلرهاب هو األعمال اليت من طبيعتها أن تثري لدى شخص ما اإلحساس ابخلوف من خطر‬
‫ما أبي صورة ‪.‬‬
‫‪ -9‬اإلرهاب يكمن ِف ختويف الناس مبساعدة أعمال العنف ‪.‬‬
‫‪ -4‬اإلرهاب هو االستعمال العمدي واملنتظم لوسائل من طبيعتها إاثرة الرعب بقصد حتقيق‬
‫أهداف معينة ‪.‬‬
‫‪ -1‬اإلرهاب عمل بربري شنيع ‪.‬‬
‫‪ -5‬هو عمل خيالف األخالق االجتماعية ويشكل اغتصااب لكرامة اإلنسان ‪.‬‬

‫وإنك أيها القارئ إذا قمت بتحليل هذه التعريفات املذكورة لتتمكن من حتليلها بغرض حتديد‬
‫درجة دقتها وقياس مدى إمكانية االعتماد عليها ِف عملية وصف وضبط وحتديد ما ميكن تسميته‬
‫ابلعمل اإلرهايب أدركت أن كالً منها ال يكفي لبيان مفهوم اإلرهاب بياانً جلياً واضحاً تتوفر فيه‬
‫شرط التعريف واحلد ألن كالً منها إما جامع غري مانع وإما مانع غري جامع وإما ليس جامعا وال‬
‫مانعا وهذا االختالف ِف تعريف اإلرهاب راجع الختالف أذواق الدول ومصاحلها وأيديولوجياهتا‬
‫فكل دولة تفسر اإلرهاب مبا يالئم سياستها ومصاحلها سواء وافق املعىن الصحيح لإلرهاب أو‬
‫خالفه ألجل هذا جتد عمالً يقوم به مجاعة من الناس أو األفراد يطلق عليه أنه عمل إرهايب وجتد‬
‫عمالً مثله أو أفظع منه يقوم به مجاعة آخرون ال يعترب إرهااب وسأذكر مثاالً واحدا على ذلك ‪:‬‬

‫‪798‬‬
‫موضوع فلسطني ‪ :‬منذ أكثر من (‪ 5٧‬سنة ) والصهاينة احلاقدون يسومون إخواننا الفلسطينيني‬
‫سوء العذاب من قتل وتشريد وتدمري وهدم للبيوت على أهلها ويعترب هذا العمل ِف نظر أبناء‬
‫القردة واخلنازير وأسيادهم الصليبيني ِف أمريكا وأوراب دفاعا عن النفس وما يقاوم به هؤالء‬
‫املضطهدون ابحلجارة وحنوها يعتربإرهااب وعنفا ‪.‬‬

‫رذا تقرر هذا فاعلم أن التعريف الصحيح لإلرهاب على ضربني ‪:‬‬
‫‪ -4‬تعريفه من حيث اللغة العربية ‪.‬‬
‫‪ -9‬تعريفه من حيث الشرع ‪.‬‬
‫(رِهب) ‪،‬‬‫أما من حيث اللغة فاإلرهاب مصدر أرهب يرهب إرهاابً من ابب أكرم وفعله اجملرد َ‬
‫واإلرهاب واخلوف واخلشية والرعب والوجل كلمات متقاربة تدل على اخلوف إال أن بعضها أبلغ‬
‫ب أو أرهب وجدانها تدل‬ ‫ِ‬
‫من بعض ِف اخلوف وإذا تتبعنا هذه املادة ِف القرآن الكرمي مادة َره َ‬
‫على اخلوف الشديد قال تعاىل ( وإايي فارهبون )(سورة البقرة آية‪ )1٧:‬أي خافوين ‪ ،‬وقال تعاىل‬
‫( ويدعوننا رغبا ورهبا )(سورة األنبياء آية‪ )2٧:‬أي طمعا وخوفا ‪ ،‬وقال تعاىل ( وأعدوا هلم ما‬
‫استطعتم من قوة ومن رابط اخليل ترهبون به عدو هللا وعدوكم )(سورة األنفال آية‪ )1٧:‬أي‬
‫ختيفوهنم ‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬يقال منه أرهبت العدو ورهبته فأان أرهبه و ِ‬
‫أرهبه إرهااب وترهيبا وهو الرهب والرهب‬
‫ومنه قول طفيل الغنوي ‪:‬‬

‫ويل أم حي دفعتم يف حنورهم ‪ ...‬بين كالب غداة الرعب والرَهب‬

‫أي اخلوف ‪.‬‬


‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة ( واضمم إليك جناحك من‬
‫للرهب ابلرعب يدل على أن الرعب مرادف للرهب‬
‫الرعب (‪ )4‬وهذا التفسري َّ‬ ‫الرهب ) أي من ُ‬
‫وأن معنامها اخلوف الشديد يؤيد هذا قوله ملسو هيلع هللا ىلص ‪(:‬نصرت ابلرعب مسرية شهر )(‪ )9‬أي ابخلوف ‪.‬‬
‫هذا منوذج خمتصر لبيان معىن اإلرهاب ِف لغة العرب ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬تفسري الطربي ص‪ /4٧2‬ج‪.9٧‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري (‪. )445‬‬

‫‪799‬‬
‫أما مفهوم اإلرهاب يف الشرع ‪ :‬فهو قسمان ‪:‬‬
‫اوال ‪ :‬قسم مذموم وحيرم فعله وممارسته وهو من كبائر الذنوب ويستحق مرتكبه العقوبة والذم وهو‬
‫يكون على مستوى الدول واجلماعات واألفراد وحقيقته االعتداء على اآلمنني ابلسطو من قبل‬
‫دول جمرمة أو عصاابت أو أفراد بسلب األموال واملمتلكات واالعتداء على احلرمات وإخافة الطرق‬
‫خارج املدن والتسلط على الشعوب من قبل احلكام الظلمة من كبت احلرايت وتكميم األفواه وحنو‬
‫ذلك ‪.‬‬

‫اثنيا ‪ :‬إرهاب مشروع شرعه هللا لنا وأمران به وهو إعداد القوة والتأهب ملقاومة أعداء هللا ورسوله‬
‫قال تعاىل ( وأعدوا هلم ما استطعتم من قوة ومن رابط اخليل ترهبون به عدو هللا وعدوكم وآخرين‬
‫من دوهنم ال تعلموهنم هللا يعلمهم )(سورة األنفال آية‪ )1٧:‬فهذه اآلية الكرمية نص ِف أنه جيب‬
‫على املسلمني أن يبذلوا قصارى جهدهم ِف التسليح وإعداد القوة وتدريب اجليوش حىت يَرهبهم‬
‫العدو وحيسب هلم ألف حساب وهذا أعين وجوب اإلعداد للمعارك مع العدو أمر جممع عليه بني‬
‫علماء املسلمني سواء كان اجلهاد جهاد دفع أو جهاد طلب لكن ينبغي أن يُعلم أن جمرد القوة‬
‫املادية من سالح وعدة وتدريب ال يكفي لتحقيق النصر على األعداء إال إذا انظم إليه القوة‬
‫املعنوية وهي قوة اإلميان ابهلل واالعتماد عليه واإلكثار من الطاعات والبعد عن كل ما يسخط هللا‬
‫من الذنوب واملعاصي فاملستقرئ للتاريخ يدرك صدق هذه النظرية قال تعاىل ( كم من فئة قليلة‬
‫غلبت فئة كثرية إبذن هللا وهللا مع الصابرين )(سورة البقرة آية‪ )912:‬وقال تعاىل ( لقد نصركم هللا‬
‫ِف موطن كثرية ويوم حنني إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغين عنكم شيئا وضاقت عليكم األرض مبا‬
‫رحبت مث وليتم مدبرين )(سورة التوبة آية‪ )95:‬وملا كتب قائد اجليش ِف غزوة الريموك ألمري‬
‫املؤمنني عمر بن اخلطاب هنع هللا يضر وقال ِف كتابه ‪ :‬إان أقبلنا على قوم مثل الرمال فأ َِمدَّان بقوة وأمدان‬
‫برجال فكتب له عمر هنع هللا يضر ‪ ( :‬بسمميحرلا نمحرلا هللا من عبد هللا عمر بن اخلطاب إىل قائد‬
‫اجليش فالن بن فالن أما بعد ‪ :‬فاعلم أنكم ال تقاتلون عدوكم بقوتكم وال بكثرتكم وإمنا تقاتلوهنم‬
‫أبعمالكم الصاحلة فإن أصلحتموها جنحتم وإن أفسدمتوها خسرمت فاحرتسوا من ذنوبكم كما‬
‫حترتسون من عدوكم ) ‪.‬‬

‫واألمثلة اليت تدعم هذه النظرية كثرية ِف التاريخ منها معركة الريموك اذ كان العدو متفوقا على‬
‫املسلمني من حيث العدد والعدة ‪ ،‬حيث بلغ على حسب احدى الرواايت مائة وعشرين ألف‬
‫مقاتل من الروم مسلح أبسلحة حديثة كاملنجنيقات وقاذفات اللهب وغريها ‪ ،‬وعدد املسلمني‬

‫‪811‬‬
‫بضعة آالف وعدهتم بدائية كالسيوف والرماح ‪ ،‬ومع هذا انتصر املسلمون على اعدائهم لتحقق‬
‫القوة املعنوية وهي اإلميان ابهلل والتوكل عليه ‪.‬‬
‫هذا هو املفهوم احلقيقي لإلرهاب لكن أعداء هللا وأعداء رسله ودينه من الصليبية احلاقدة‬
‫والصهيونية اجملرمة ملفهوم اإلرهاب عندهم معىن آخر فمفهوم اإلرهاب عند هؤالء الكفرة هو ‪:‬‬
‫اإلسالم واجلهاد واإلرهابيون هم املسلمون اجملاهدون ‪ ،‬ألجل هذا اجتمع كفار األرض قاطبة على‬
‫حرب اإلمارة اإلسالمية ِف األفغان حبجة حماربة اإلرهاب ‪ ،‬على الرغم من أنه ال يوجد دليل بل‬
‫وال قرينة تربط العمليات اليت جرت ِف أمريكا هبذه اإلمارة اإلسالمية وال أبسامة بن الدن‪،‬‬
‫والصليبيون والصهاينة يعلمون علم اليقني أبن العمليات اليت جرت ِف نيويورك وواشنطن قامت هبا‬
‫عصاابت صهيونية أو مسيحية متطرفة لكنهم رأوا النهضة اإلسالمية ِف أفغانستان وأرهبهم تطبيق‬
‫أحكام الشريعة ِف تلك اإلمارة فخافوا أن يتسع املد اإلسالمي ِف الدول اجملاورة لألفغان فقاموا‬
‫هبذه احلملة اإلرهابية اليت استعملوا فيها أنواع السالح احملرم دوليا كالقنابل العنقودية والقنابل‬
‫االنشطارية وغريها اليت قتلوا هبا اآلالف من املدنيني من رجال ونساء وأطفال ‪ ،‬وإن كل من يعرف‬
‫شدة عداوة الكفار لإلسالم واملسلمني ال يستغرب ذلك ألن هللا سبحانه وتعاىل يقول ( وال يزالون‬
‫يقاتلونكم حىت يردوكم عن دينكم إن استطاعوا )(سورة البقرة آية‪ )941:‬وإمنا الذي يستغرب‬
‫وقوف كثريين من حكام العرب واملسلمني وبعض علماء املسلمني مع هؤالء الكفرة وأتييدهم ِف‬
‫حرهبم للمسلمني ِف األفغان من غري أن يقفوا على دليل يربط بني العمليات اليت جرت ِف أمريكا‬
‫وبني حكومة الطالبان ومن غري أن يفهموا معىن اإلرهاب الذي تعنيه أمريكا وزميالهتا ِف الكفر ‪.‬‬
‫إن كل من يقرأ ما كتبتُه ِف هذا املوضوع يظن أن اهلدف الوحيد للصليبيني ِف شن غاراهتم على‬
‫األفغان القضاء على اإلسالم واجلهاد فقط ‪ ..‬والواقع أن هذا هو اهلدف الرئيسي هلم لكن هناك‬
‫أهداف أخرى يهدفون إليها من وراء هذه احلملة منها طمعهم ِف السيطرة على املنشآت النووية ِف‬
‫هذه املنطقة كاملفاعالت النووية ِف ابكستان ‪ ،‬ألن امتالك املسلمني للسالح النووي يعد خطرا‬
‫عليهم ويهدد مصاحل الصليبية والصهيونية ‪ ،‬وليس ببعيد عنا تدمري الصهيونية للمنشآت النووية ِف‬
‫العراق وكذلك حماولتهم ِف الوقت احلاضر مع أمريكا بتدبري املؤامرة لضرب املفاعالت النووية‬
‫الباكستانية ‪.‬‬
‫ومن أهدافهم أيضا بسط النفوذ على حقول البرتول ِف آسيا الوسطى وغري ذلك من أهدافهم‬
‫القذرة اليت يريدون بواسطتها بسط نفوذهم على العامل ‪ ،‬وإال فالعامل مليء من العصاابت اإلرهابية‬
‫املنظمة ِف أمريكا اجلنوبية كالعصاابت املنظمة ِف البريو واالرجنتني وكلمبو وِف أمريكا الشمالية‬

‫‪811‬‬
‫وِف أوراب ِف اسبانيا وإيطاليا وِف روسيا وِف غريها ‪ ،‬فلماذا مل يشنوا غاراهتم وحرهبم على هذه البالد‬
‫اليت توجد فيها هذه العصاابت اإلرهابية اجملرمة املنظمة ‪.‬أما من انحية اإلرهاب الدويل فالصهيونية‬
‫ِف فلسطني وأمريكا ِف افغانستان الصرب قبل ذلك ِف البوسنة واهلرسك وكوسوفا ‪.‬‬
‫هذا ونسأل هللا أن يوفق مجيع املسلمني للعمل مبا ِف كتابه وسنة نبيه ملسو هيلع هللا ىلص وأن جينبهم العمل مبا‬
‫خيالف تعاليم الشريعة املطهرة وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫أماله فضيلة الشيخ‬


‫أ ‪ .‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪ 4199 / 2 /5‬ه‬

‫‪812‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫حكم اجلهاد يف الشيشان وواجب املسلمني جتاههم‬
‫فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب حفظه هللا من كل سوء‬
‫ما حكم القتال مع إخواننا ِف الشيشان‪ ،‬وما واجب املسلمني جتاههم؟‬

‫اجلواب ‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على نبيه األمني أما بعد ‪:‬‬
‫فقبل اجلواب عن السؤال ال بد من ذكر حملة قصرية تبني مكانة اجلهاد ِف اإلسالم وفضله فأقول ‪:‬‬
‫اجلهاد ركن من أركان اإلسالم وأصل من أصوله‪ ،‬ال يستقيم الدين وال أيمن املسلمون من كيد‬
‫أعدائهم إال إبقامته ‪ ،‬وما استوىل املسلمون على مشارق األرض ومغارهبا ِف عصر مضى إال‬
‫ابجلهاد ‪ ،‬علما أن اجلهاد من أحب األعمال إىل هللا سبحانه وتعاىل وإىل رسوله ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬يقول هللا‬
‫عز وجل ( إن هللا حيب الذين يقاتلون ِف سبيله صفا كأهنم بنيان مرصوص)(سورة الصف آية‪)1:‬‬
‫واجلهاد كما أنه سبب حملبة هللا فهو سبب لغفران الذنوب ودخول اجلنة ‪ ،‬قال عز وجل (اي أيها‬
‫الذين آمنوا هل أدلكم على جتارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون ابهلل ورسوله وجتاهدون ِف‬
‫سبيل هللا أبموالكم وأنفسكم ذلكم خري لكم إن كنتم تعلمون * يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم‬
‫جنات جتري من حتتها األهنار ومساكن طيبة ِف جنات عدن ذلك الفوز العظيم)(سورة الصف‬
‫آية‪ ، )4٧-49:‬فأي عمل أفضل من عمل يكون سببا حلب هللا تعاىل ورسوله وغفران الذنوب‬
‫ودخول اجلنة‪ ،‬ولو مل يرد ِف فضل اجلهاد والرتغيب فيه إال قول الرسول عليه الصالة والسالم‬
‫(لغدوة أو روحة ِف سبيل هللا خري مما تطلع عليه الشمس وتغرب)(‪ )4‬لكفى ‪.‬‬

‫وما ترك قوم اجلهاد إال أصيبوا ابلذل واهلوان حىت يراجعوا دينهم ويقيموا اجلهاد ‪ ،‬قال عليه الصالة‬
‫والسالم (إذا تبايعتم ابلعينة وأخذمت أذانب البقر ورضيتم ابلزرع وتركتم اجلهاد سلط هللا عليكم ذال‬
‫الينزعه حىت ترجعوا إىل دينكم)(‪.)9‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪)4‬صحيح البخاري (‪.)9124‬‬
‫(‪ )9‬سنن أيب داود رقم (‪ )4119‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬

‫‪813‬‬
‫أما اجلواب عن السؤال ‪ ،‬فالسؤال ذو شقني ‪:‬‬
‫عن حكم اجلهاد مع إخواننا ِف الشيشان ‪ ،‬فأقول ‪ :‬القتال مع إخواننا ِف الشيشان واجب وجواب‬
‫عينيا على كل قادر عليه حىت يوجد من يكفي ملقاومة األعداء ‪ ،‬فإذا حتقق ذلك أصبح اجلهاد‬
‫معهم فرض كفاية‪.‬‬
‫عن واجب املسلمني جتاههم ‪ :‬فاإلسالم يوجب على أهله االهتمام إبخواهنم واحلرص على دفع‬
‫الشر عنهم ومواالهتم ونصرهتم‪ ،‬قال سبحانه وتعاىل( وإن استنصروكم ِف الدين فعليكم النصر)‬
‫(سورة األنفال آية‪ )19:‬وقال عليه الصالة والسالم (مثل املؤمنني ِف توادهم وترامحهم وتعاطفهم‬
‫مثل اجلسد الواحد إذا اشتكى منه تداعى له سائر اجلسد ابلسهر واحلمى)(‪ )4‬وقال عليه الصالة‬
‫والسالم (املؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)(‪ )9‬مث شبك بني أصابعه ‪.‬‬
‫فإذا عرفت هذه النصوص اليت قدمناها من حثه سبحانه وتعاىل على اجلهاد وترغيب الرسول صلى‬
‫هللا عليه وسلم فيه وكان ما يالقيه إخواننا ِف تلك البالد من قتل وتشريد وهتك لألعراض ونكبات‬
‫وإذالل هلم غري خاف عليك‪ ،‬أدركت أن واجب املسلمني حكاما وحكومات وشعواب هو شد أزر‬
‫أولئك اجملاهدين ونصرهتم وإعانتهم ورفع الضر عنهم بكل ما أوتوا من قوة‪ ،‬وإذا ختلى املسلمون‬
‫عن نصرة إخواهنم اجملاهدين فسيضطر اجملاهدون إىل طلب العون من أعدائهم كاهليئات الدولية‬
‫الكافرة والبعثات التنصريية احلاقدة كالصليب األمحر وغريه‪.‬‬
‫والنصرة واإلغاثة تكون ابلنفس وابملال وابللسان ‪:‬‬
‫فهو مبباشرة القتال للقادر عليه كما أسلفنا واالنضمام إىل صفوف اجملاهدين ‪.‬‬
‫فهو ال تقل أمهيته على اجلهاد ابلنفس بل هو متوقف عليه‪ ،‬فإن توفر املال لدى اجملاهدين ميكنهم‬
‫من أتمني احتياجاهتم مما تتطلبه حالة احلرب من عدة وسالح وذخرية وغري ذلك ‪ ،‬كما أن‬
‫اجملاهدين ِف حاجة ماسة إىل املال ِف جماالت أخرى كعالج اجلرحى وأتمني الطعام والشراب‬
‫والكساء والغطاء وغري ذلك من متطلبات احلياة اليت تفرضها عليهم حالة احلرب السيما ِف تلك‬
‫البلدان الشديدة الربودة‪.‬‬
‫وألمهية اجلهاد ابملال حث هللا سبحانه وتعاىل عليه ِف كتابه العزيز وقدمه ابلذكر على اجلهاد‬
‫ابلنفس كقوله تعاىل (تؤمنون ابهلل ورسوله وجتاهدون ِف سبيل هللا أبموالكم وأنفسكم)(سورة الصف‬
‫آية‪)44:‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم (‪. )95٧1‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم (‪. )95٧5‬‬

‫‪814‬‬
‫وقال أيضا (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا أبمواهلم وأنفسهم ِف سبيل هللا والذين آووا ونصروا‬
‫أولئك بعضهم أولياء بعض)(سورة األنفال آية‪ )19:‬وقال أيضا (انفروا خفافا وثقاال وجاهدوا‬
‫أبموالكم وأنفسكم)(سورة التوبة‪)14:‬‬
‫وقال عليه الصالة والسالم (جاهدوا املشركني أبموالكم وأيديكم وألسنتكم)(‪ )4‬إىل آخر النصوص‬
‫الدالة على تقدمي اجلهاد ابملال على النفس‪.‬‬
‫فيشمل أمورا كثرية منها ما يتعلق ابخلطابة واإلعالم مما يتضمن شرح أحوال اجملاهدين وإيضاح ما‬
‫حيصل هلم من انتصارات على العدو وبيان شراسته وفظاعة ما يالقيه إخواننا من هجمات حاقدة‬
‫تستهدف القضاء عليهم وحرق بالدهم وتشريد شعبهم وتوضيح ما تتناقله أيضا وسائل اإلعالم‬
‫الكافرة من أخبار مزيفة ال متت إىل احلقيقة بصلة‪.‬‬
‫ومن جماالت اجلهاد ابللسان أيضا الدعاء للمجاهدين ابلنصر والتأييد وإعالء كلمة هللا اليت‬
‫يقاتلون من أجلها‪ ،‬وكذلك على أعدائهم ابهلزمية واخلذالن والتدمري‪.‬‬
‫وإن مما يؤسف له أن بعض اجلهات اإلسالمية حتاول منع من يريد الذهاب إىل تلك اجلبهات‬
‫الساخنة من شباب األمة املتعطش للجهاد ونصرة إخواهنم اجملاهدين‪ ،‬فتضع العراقيل ِف طريق‬
‫وصوهلم‪ ،‬ورمبا يقبض على من حياول الوصول إىل هناك ويودع ِف السجون ال لشئ إال ألنه يريد‬
‫أن يقاتل ِف سبيل هللا فحسبنا هللا ونعم الوكيل ‪ ،‬نسأل هللا تعاىل أن ينصر دينه ويعلي كلمته إنه‬
‫على كل شئ قدير وصلى هللا على دمحم وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬

‫أماله فضيلة الشيخ‬


‫أ‪ .‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫بريده ‪419٧/٧/9‬ه‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن النسائي (‪ )4٧21‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬

‫‪815‬‬
‫املوقف الشرعي جتاه اجلهاد يف الفلبني‬
‫فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته وبعد ؛‬
‫ِف كل بالد املسلمني مأساة ومعاانة ‪ ،‬وهناك معارك ضارية ِف الفلبني بكل قواها البحرية واجلوية‬
‫والربية بني دولة الفلبني النصرانية وجبهة حترير مورو اإلسالمية اليت يقودها العامل الرابين الشيخ‬
‫سالمات هاشم منذ أكثر من عشرين سنة وهو بني كر وفر ‪ ،‬وإن هذه احلكومة الفلبينية الصليبية‬
‫هدفها القضاء على تواجد املسلمني ِف منطقة مورو ‪ ،‬وقد قامت احلكومة النصرانية برتحيل‬
‫املسلمني إىل الشمال لتذويب هوية املسلم وترحيل النصارى إىل اجلنوب حيث يوجد املسلمون ‪،‬‬
‫وإذا كان دور املسلمني متجها لنصرة إخواهنم وبذل أمواهلم لنصرة الدين وعون اجملاهدين ‪...‬‬
‫فما هو موقف املسلم جتاه القضية اجلهادية الفلبينية ؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد؛‬

‫أما موقف املسلم جتاه القضية اجلهادية الفلبينية فيجب أن يكون موقفا يرضي هللا ورسوله ‪ ،‬ومن‬
‫أعظم تلك املواقف هي النصرة والتأييد واإلعانة ابلنفس واملال واللسان مبا يستطيعه املسلم ‪ ،‬حيث‬
‫اإلسالم يوجب على أهله االهتمام إبخواهنم املسلمني واحلرص على دف ع الشر عنهم ومواالهتم‬
‫ون صرت هم ‪ .‬ق ال ت عاىل‪ ﴿ :‬وإن استنص روكم ِف ال دي ن ف عليكم ال نص ر ﴾(سورة األنفال آية‪، )19:‬‬
‫وق ال ت عاىل ‪ ﴿ :‬انفروا خفافا وثقاال وجاهدوا أبموالكم وأنفسكم ِف سبيل هللا ﴾(سورة التوبة‬
‫آية‪ ، )14:‬وقال عليه الصالة والسالم ‪ ( :‬مثل املؤمنني ِف توادهم وترامحهم وتعاطفهم كمثل‬
‫اجلسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر اجلسد ابلسهر واحلمى )(‪ ،)4‬وقال عليه‬
‫الصالة والسالم ( املؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ‪ ،‬مث شبك بني أصابعه )(‪.. )9‬‬
‫فإذا عرفت هذه النصوص اليت قدمناها من حثه سبحانه وتعاىل على اجلهاد وترغيب الرسول صلى‬
‫هللا عليه وسلم فيه ‪ ،‬وكان ما يالقيه إخواننا ِف تلك البالد من قتل وتشريد وهتك لألعراض وهتجري‬
‫وحمو للهوية وللوجود اإلسالمي أدركت أن واجب املسلمني حكاما وحكومات وشعواب ومجاعات‬
‫وهيئات وجتارا هو شد أزر أولئك اجملاهدين ونصرهتم وإعانتهم ورفع الضر عنهم مبا يستطيعون ‪..‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم (‪. )95٧1‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري (‪. )1٧91‬‬

‫‪816‬‬
‫وأيضا من املواقف املطلوبة النصرة واإلغاثة ابلنفس واملال وابللسان ؛ فبالنفس قوله تعاىل‪ ﴿ :‬اي‬
‫أيها الذين آمنوا هل أدلكم على جتارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون ابهلل ورسوله وجتاهدون ِف‬
‫سبيل هللا أبموالكم وأنفسكم ﴾سورة الصف آية‪ ، )4٧-44:‬أما املال واللسان فقوله عليه الصالة‬
‫والسالم ‪( :‬جاهدوا املشركني أبموالكم وأيديكم وألسنتكم )(‪)4‬احلديث‪..‬‬
‫ومن جماالت اجلهاد ابللسان ما يتعلق ابخلطابة واإلعالم مما يتضمن شرح أحوال اجملاهدين وإيضاح‬
‫ما حيصل هلم من انتصارات على العدو ‪ ،‬ونشر قضيتهم املنسية ِف املنتدايت واجملالس واملساجد‬
‫وِف كل مكان ‪ ..‬وهذا هو الواجب على اإلعالم ‪ :‬أن يهتم بقضية اجملاهدين ِف الفلبني وغريها‬
‫وإيضاح حقيقتهم بدال من شغل الوقت ابحلفالت الغنائية والرايضية وكيل املدح لآلخرين من‬
‫حكام وغريهم ‪ ،‬وبيان شراسة وفظاعة ما يالقيه إخواننا من هجمات حاقدة تستهدف القضاء‬
‫عليهم وحرق بالدهم وت هجريهم ‪.‬‬
‫ومن اجملاالت أيضا الدعاء والقنوت هلم ابلنصر والتأييد وإعالء كلمة هللا اليت يقاتلون من أجلها ‪،‬‬
‫وكذلك الدعاء على أعدائهم ابهلزمية واخلذالن والتدمري ‪..‬‬

‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫أماله ‪ :‬أ‪ .‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪4194/٧/9‬ه‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن النسائي (‪ )4٧21‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬

‫‪817‬‬
‫حكم العمليات االستشهادية‬
‫فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعي يب حفظه هللا من كل سوء‬
‫يقوم اجملاهدون ِف فلسطني والشيشان وغريمها من بالد املسلمني جبهاد أعدائهم واإلثخان هبم‬
‫بطريقة تسمى العمليات االستشهادية ‪.‬‬
‫وهذه العمليات هي ما يفعله اجملاهدون من إحاطة أحدهم حبزام من املتفجرات‪ ،‬أو ما يضع ِف‬
‫جيبه أو أدواته أو سيارته بعض القنابل املتفجرة مث يقتحم جتمعات العدو ومساكنهم وحنوها ‪ ،‬أو‬
‫يظهر االستسالم هلم مث يقوم بتفجري نفسه بقصد الشهادة وحماربة العدو والنكاية به ‪.‬‬
‫فما حكم مثل هذه العمليات ؟ وهل يعد هذا الفعل من االنتحار ؟ وما الفرق بني االنتحار‬
‫والعمليات االستشهادية ؟ جزاكم هللا خريا وغفر لكم ‪..‬‬

‫اجلواب‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني أما بعد‪:‬‬
‫قبل اإلجابة على هذا السؤال البد أن تعلم أن مثل هذه العمليات املذكورة من النوازل املعاصرة‬
‫اليت مل تكن معروفة ِف السابق بنفس طريقتها اليوم ‪ ،‬ولكل عصر نوازله اليت حتدث فيه ‪ ،‬فيجتهد‬
‫العلماء على تن زيلها على النصوص والعمومات واحلوادث والوقائع املشاهبة هلا واليت أفىت ِف مثلها‬
‫السلف ‪ ،‬قال تعاىل ‪ ﴿ :‬ما فرطنا ِف الك تاب من ش يء ﴾(سورة األنعام آية‪ )4٧:‬وقال عليه‬
‫الصالة والسالم عن القرآن ‪ ( :‬فيه فصل ما بينكم ) ‪.‬‬

‫وإن العمليات االستشهادية املذكورة عمل مشروع وهو من اجلهاد ِف سبيل هللا إذا خلصت نية‬
‫صاحبه وهو من أجنح الوسائل اجلهادية ومن الوسائل الفعالة ضد أعداء هذا الدين ملا هلا من‬
‫النكاية وإيقاع اإلصاابت هبم من قتل أو جرح وملا فيها من بث الرعب والقلق واهللع فيهم ‪ ،‬وملا‬
‫فيها من جترئة املسلمني عليهم وتقوية قلوهبم وكسر قلوب األعداء واإلثخان فيهم وملا فيها من‬
‫التنكيل واإلغاظة والتوهني ألعداء املسلمني وغري ذلك من املصاحل اجلهادية ‪.‬‬

‫ويدل على مشروعيتها أدلة من القرآن والسنة واإلمجاع ومن الوقائع واحلوادث اليت تن زل عليها وردت‬
‫وأفىت فيها السلف كما سوف نذكره إن شاء هللا ‪.‬‬

‫‪818‬‬
‫أوال ‪ :‬األدلة من القرآن‬
‫‪ -4‬منها قوله تعاىل ‪ ﴿ :‬ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات هللا وهللا رءوف ابلعباد ﴾‬
‫(سورة البقرة آية‪ ، )9٧1:‬فإن الصحابة مهنع هللا يضر أنزلوها على من محل على العدو الكثري لوحده وغرر‬
‫بنفسه ِف ذلك ‪ ،‬كما قال عمر بن اخلطاب وأبو أيوب األنصاري وأبو هريرة مهنع هللا يضر كما رواه أبو داود‬
‫والرتمذي وصححه ابن حبان واحلاكم ‪ ( ،‬تفسري القرطيب ‪. ) 414 / 9‬‬
‫‪ - 9‬قوله تعاىل ‪ ﴿ :‬إن هللا اشرتى من املؤمنني أنفسهم وأمواهلم أبن هلم اجلنة يقاتلون ِف سبيل هللا‬
‫فيقتلون ويُقتلون ‪(﴾ ..‬سورة التوبة اآلية‪ ، )444:‬قال ابن كثري رمحه هللا ‪ :‬محله األكثرون على أهنا‬
‫نزلت ِف كل جماهد ِف سبيل هللا ‪.‬‬
‫‪ - 4‬قوله تعاىل ‪ ﴿:‬وأعدوا هلم ما استطعتم من قوة ومن رابط اخليل ترهبون به عدو هللا‬
‫وعدوكم ﴾(سورة األنفال آية‪ ، )1٧:‬والعمليات االستشهادية من القوة اليت ترهبهم ‪.‬‬
‫‪ - 1‬قال تعاىل ِف الناقضني للعهود ‪ ﴿ :‬فإما تثقفنهم ِف احلرب فشرد هبم من خلفهم لعلهم‬
‫يذكرون ﴾(سورة األنفال آية‪. )51:‬‬
‫اثنيا ‪ :‬األدلة من السنة‬
‫‪ -4‬حديث الغالم وقصته معروفة وهي ِف الصحيح ‪ ،‬حيث دهلم على طريقة قتله فقتلوه شهيدا ِف‬
‫سبيل هللا ‪ ،‬وهذا نوع من اجلهاد ‪ ،‬وحصل نفع عظيم ومصلحة للمسلمني حيث دخلت تلك‬
‫البالد ِف دين هللا ‪ ،‬إذ قالوا ‪ :‬آمنا برب الغالم ‪ ،‬ووجه الداللة من القصة أن هذا الغالم اجملاهد‬
‫غرر بنفسه وتسبب ِف ذهاهبا من أجل مصلحة املسلمني ‪ ،‬فقد علمهم كيف يقتلونه ‪ ،‬بل مل‬
‫يستطيعوا قتله إال بطريقة هو دهلم عليها فكان متسبباً ِف قتل نفسه ‪ ،‬لكن اغتفر ذلك ِف ابب‬
‫اجلهاد ‪ ،‬ومثله اجملاهد ِف العمليات االستشهادية ‪ ،‬فقد تسبب ِف ذهاب نفسه ملصلحة اجلهاد ‪،‬‬
‫وهذا له أصل ِف شرعنا ‪ ،‬إذ لو قام رجل واحتسب وأمر وهنى واهتدى الناس أبمره وهنيه حىت قتل‬
‫ِف ذلك لكان جماهدا شهيدا ‪ ،‬وهو مثل قوله عليه الصالة والسالم ‪ ":‬أفضل اجلهاد كلمة حق‬
‫عند سلطان جائر "(‪. )4‬‬
‫‪ - 9‬فعل الرباء بن مالك ِف معركة اليمامة ‪ ،‬فإنه اُحتمل ِف تُرس على الرماح وألقوة على العدو‬
‫فقاتل حىت فتح الباب ‪ ،‬ومل ينكر عليه أحد م ن الص حابة ‪ ،‬وقص ته مذكورة ِف س نن البيهقي ِف‬
‫كتاب الس ري ابب التربع ابلتعرض للقتل ( ‪ ) 11 / 2‬وِف ت فسري ال قرطيب ( ‪ ) 411 / 9‬أسد‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬شعب اإلميان للبيهقي (‪ )1411‬وحكم األلباين صحيح ‪ .‬أنظر السلسلة الصحيحة (‪. )124‬‬

‫‪819‬‬
‫الغابة ( ‪ ) 9٧1 / 4‬اتريخ الطربي ‪.‬‬
‫‪ - 4‬محل سلمة بن األكوع واألخرم األسدي وأيب قتادة لوحدهم على عيينة بن حصن ومن معه ‪،‬‬
‫وقد أثىن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص فقال ‪ " :‬خري رجالتنا سلمة "(‪ )4‬متفق عليه‪ ،.‬قال ابن النحاس ‪ :‬وِف‬
‫احلديث الصحيح الثابت أدل دليل على جواز محل الواحد على اجلمع الكثري من العدو وحده‬
‫وإن غلب على ظنه أنه يقتل إذا كان خملصا ِف طلب الشهادة كما فعل سلمة بن األخرم األسدي‬
‫‪ ،‬ومل يعب النيب عليه الصالة والسالم ومل ينه الصحابة عن مثل فعله ‪ ،‬بل ِف احلديث دليل على‬
‫استحباب هذا الفعل وفضله فإن النيب عليه الصالة والسالم مدح أاب قتادة وسلمة على فعلهما‬
‫كما تقدم ‪ ،‬مع أن كالً منهما قد محل على العدو وحده ومل يتأن إىل أن يلحق به املسلمون اه‬
‫مصارع األشواق ( ‪. ) 51٧ / 4‬‬
‫‪ - 1‬ما فعله هشام بن عامر األنصاري ملا محل بنفسه بني الصفني على العدو الكثري فأنكر عليه‬
‫بعض الناس وقالوا ‪ :‬ألقى بنفسه إىل التهلكة ‪ ،‬فرد عليهم عمر بن اخلطاب وأبو هريرة رضي هللا‬
‫عنهما وتليا قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات هللا ‪(﴾..‬سورة البقرة اآلية‬
‫‪ ، )9٧1:‬مصنف ابن أيب شيبة ( ‪ ) 499 ، 4٧4 / 5‬سنن البيهقي ( ‪. ) 11 / 2‬‬
‫‪ - 5‬محل أيب حدرد األسلمي وصاحبيه على عسكر عظيم ليس معهم رابع فنصرهم هللا على‬
‫املشركني ذكرها ابن هشام ِف سريته وابن النحاس ِف املصارع ( ‪.) 515/ 4‬‬
‫‪ - 1‬فعل عبدهللا بن حنظلة الغسيل حيث قاتل حاسراً ِف إحدى املعارك وقد طرح الدرع عنه‬
‫حىت قتلوه ‪ ،‬ذكره ابن النحاس ِف املصارع ( ‪. ) 555 / 4‬‬
‫‪ - 1‬نقل البيهقي ِف السنن ( ‪ِ ) 11 / 2‬ف الرجل الذي مسع من أيب موسى يذكر احلديث‬
‫املرفوع ‪ " :‬اجلنة حتت ظالل السيوف" ‪ .‬فقام الرجل وكسر جفن سيفه وشد على العدو مث قاتل‬
‫حىت قتل ‪.‬‬
‫‪ - ٧‬قصة أنس بن النضر ِف وقعة أحد قال ‪ :‬واهاً لريح اجلنة ‪ ،‬مث انغمس ِف املشركني حىت قتل ‪.‬‬
‫متفق عليه‬
‫اثلثا‪ :‬اإلمجاع‬
‫نقل ابن النحاس ِف مصارع األشواق ( ‪ ) 5٧٧ / 4‬عن املهلب قوله ‪ :‬قد أمجعوا على جواز‬
‫تقحم املهالك ِف اجلهاد ‪ ،‬ونقل عن الغزايل ِف اإلحياء قوله ‪ :‬وال خالف ِف أن املسلم الواحد له‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح ابن حبان (‪ )1414‬وحكم األلباين حسن صحيح ‪.‬‬

‫‪811‬‬
‫أن يهجم على صف الكفار ويقاتل وإن علم أنه يقتل ‪.‬‬
‫ونقل النووي ِف شرح مسلم االتفاق على التغرير ابلنفس ِف اجلهاد ‪ ،‬ذكره ِف غزوة ذي قرد ( ‪49‬‬
‫‪. ) 4٧1 /‬‬
‫هذه احلوادث السبع السابقة مع ما نُقل من اإلمجاع هي املسألة اليت يسميها الفقهاء ِف كتبهم‬
‫مسألة محل الواحد على العدو الكثري ‪ ،‬وأحياان تسمى مسألة االنغماس ِف الصف ‪ ،‬أو مسألة‬
‫التغرير ابلنفس ِف اجلهاد ‪.‬‬
‫قال النووي ِف شرح مسلم ابب ثبوت اجلنة للشهيد ( ‪ ) 11 / 44‬قال ‪ :‬فيه جواز االنغمار ِف‬
‫الكفار والتعرض للشهادة وهو جائز بال كراهة عند مجاهري العلماء ‪ .‬اه ‪.‬‬
‫ونقل القرطيب ِف تفسريه جوازه عن بعض علماء املالكية ( أي احلمل على العدو ) حىت قال‬
‫بعضهم ‪ :‬إن محل على املائة أو مجلة العسكر وحنوه وعلم وغلب على ظنه أنه يقتل ولكن سينكي‬
‫نكاية أو يؤثر أثرا ينتفع به املسلمون فجائز أيضا ‪ ،‬ونقل أيضا عن دمحم بن احلسن الشيباين قال ‪:‬‬
‫لو محل رجل واحد على األلف من املشركني وهو وحده مل يكن بذلك أبس إذا كان يطمع ِف جناة‬
‫أو نكاية ِف العدو ‪ ،‬تفسري القرطيب ( ‪. ) 411 / 9‬‬
‫ووجه االستشهاد ِف مسألة احلمل على العدو العظيم لوحده وكذا االنغماس ِف الصف وتغرير‬
‫النفس وتعريضها للهالك أهنا منطبقة على مسألة اجملاهد الذي غرر بنفسه وانغمس ِف جتمع‬
‫الكفار لوحده فأحدث فيهم القتل واإلصابة والنكاية ‪.‬‬
‫وقائع وحوادث تنـزل عليها العمليات االستشهادية‬
‫أوال مسألة الترس ‪:‬‬
‫فيما لو ترتس جيش الكفار مبسلمني واضطر املسلمون اجملاهدون حيث مل يستطيعوا القتال إال‬
‫الرتس من املسلمني جاز ذلك ‪ ،‬قال ابن تيمية ِف الفتاوى ( ‪،541 / 9٧ ( ) 59 / 9٧‬‬ ‫بقتل ُ‬
‫‪ )511‬قال ‪ :‬ولقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا ترتسوا مبن عندهم من أسرى املسلمني‬
‫وخيف على املسلمني الضرر إذا مل يقاتلوا فإهنم يقاتلون وإن أفضى ذلك إىل قتل املسلمني الذين‬
‫ترتسوا هبم ‪ ..‬اه ‪ ،‬وقال ابن قاسم ِف حاشية الروض ( ‪ ) 914 / 1‬قال ِف اإلنصاف ‪ :‬وإن‬
‫ترتسوا مبسلم مل جيز رميهم إال أن خناف على املسلمني فريميهم ويقصد الكفار وهذا بال نزاع ‪ .‬اه‬
‫ووجه الداللة يف مسألة الترس ملا حنن فيه‪:‬‬
‫أنه جيوز للتوصل إىل قتل الكفار أن نفعل ذلك ولو كان فيه قتل مسلم بسالح املسلمني وأيدي‬
‫املسلمني ‪ ،‬وجامع العلة واملناط أن التوصل إىل قتل العدو والنكاية به إمنا يكون عن طريق قتل‬

‫‪811‬‬
‫الرتس من املسلمني فحصل التضحية ببعض املسلمني املترتس هبم من أجل التوصل إىل العدو‬ ‫ُ‬
‫والنكاية به ‪ ،‬وهذا أبلغ من إذهاب اجملاهد نفسه من العمليات االستشهادية من أجل التوصل إىل‬
‫الرتس من املسلمني أشد ألن قتل املسلم غريه أشد جرما من‬ ‫العدو والنكاية به ‪ ،‬بل إن قتل أهل ُ‬
‫وتعد عليهم فضرره متعد وأما قتل املسلم نفسه‬ ‫قتل املسلم لنفسه ‪ ،‬ألن قتل الغري فيه ظلم هلم ٍ‬
‫فضرره خاص به ولكن اُغتفر ذلك ِف ابب اجلهاد وإذا جاز إذهاب أنفس مسلمة أبيدي‬
‫املسلمني من أجل قتل العدو فإن إذهاب نفس اجملاهد بيده من أجل النكاية ِف العدو مثله أو‬
‫أسهل منه ‪ ،‬فإذا كان فعل ما هو أعظم جرما ال حرج ِف اإلقدام عليه فبطريق األوىل أال يكون‬
‫حرجا على ما هو أقل جرما إذا كان ِف كليهما املقصد هو الع دو والنكاي ة حلديث ‪( :‬إمنا األع مال‬
‫ابلنيات )(‪.)4‬‬
‫وِف هذا رد على من قال ِف مسألة االنغماس واحلمل على العدو أن املنغمس يُقتل أبيدي الكفار‬
‫وسالحهم ! فنقول ومسألة الترتس يقتل أبيدي املسلمني وسالحهم ومع ذلك مل يعتربوا قتل‬
‫املسلمني املترتس هبم من ابب القتل الذي جاء الوعيد فيه ‪.‬‬

‫اثنيا ‪ :‬مسألة البيات ‪:‬‬


‫ويقصد هبا تبييت العدو ليال وقتله والنكاية فيه وإن تضمن ذلك قتل من ال جيوز قتله من صبيان‬
‫الكفار ونسائهم ‪ ،‬قال ابن قدامة ‪ :‬جيوز تبييت العدو ‪ ،‬وقال أمحد ‪ :‬ال أبس ابلبيات وهل غزو‬
‫الروم إال البيات ‪ ،‬وقال ‪ :‬ال نعلم أحداً كره البيات ‪ .‬املغين مع الشرح ( ‪. ) 5٧4 / 4٧‬‬

‫ووجه الداللة‪:‬‬
‫أنه إذا جاز قتل من ال جيوز قتله من أجل النكاية ِف العدو وهزميته فيقال ‪ :‬وكذلك ذهاب نفس‬
‫اجملاهد املسلم اليت ال جيوز إذهاهبا لو ذهبت من أجل النكاية جائز أيضا ‪ ،‬ونساء الكفار‬
‫وصبياهنم ِف البيات قتلوا أبيدي من ال جيوز له فعله لوال مقاصد اجلهاد والنيات ‪.‬‬
‫اخلالصة‪..‬‬
‫دل ما سبق على أنه جيوز للمجاهد التغرير بنفسه ِف العملية االستشهادية وإذهاهبا من أجل‬
‫اجلهاد والنكاية هبم ولو قتل بسالح الكفار وأيديهم كما ِف األدلة السابقة ِف مسألة التغرير‬
‫ٍ‬
‫بداللة تسبب فيها إذهاب‬ ‫واالنغماس ‪ ،‬أو بسالح املسلمني وأيديهم كما ِف مسألة الترتس أو‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )4‬‬

‫‪812‬‬
‫نفسه كما ِف قصة الغالم ‪ ،‬فكلها سواء ِف ابب اجلهاد ألن ابب اجلهاد ملا له من مصاحل عظيمة‬
‫اُغتفر فيه مسائل كثرية مل تغتفر ِف غريه مثل الكذب واخلداع كما دلت السنة ‪ ،‬وجاز فيه قتل من‬
‫ال جيوز قتله ‪ ،‬وهذا هو األصل ِف مسائل اجلهاد ولذا أُدخلت مسألة العمليات االستشهادية من‬
‫هذا الباب ‪.‬‬

‫أما مسألة قياس املستشهد ِف هذه العمليات االستشهادية ابملنتحر فهذا قياس مع الفارق ‪ ،‬فهناك‬
‫جزعا وعدم صرب أو‬
‫فروق بينهما متنع من اجلمع بينهما ‪ ،‬فهناك فرق بني املنتحر الذي يقتل نفسه ً‬
‫ختلصا من اآلالم واجلروح‬
‫اضا على املقدور واستعجاالً للموت أو ً‬ ‫تسخطًا على القدر أو اعرت ً‬
‫أيسا من الشفاء بنفس خائفة ايئسة ساخطة ِف غري ما يرضى هللا وبني نفس اجملاهد‬‫والعذاب أو ً‬
‫ِف العملية االستشهادية بنفس فرحة مستبشرة متطلعة للشهادة واجلنة وما عند هللا ونصرة الدين‬
‫والنكاية ابلعدو واجلهاد ِف سبيله ال يستوون‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬أفنجعل املسلمني كاجملرمني* مالكم‬
‫كيف حتكمون ﴾(سورة القلم‪ )41-45:‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬أم حسب الذين اجرتحوا السيئات أن‬
‫جنعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصاحلات سواء حمياهم ومماهتم ساء ما حيكمون ﴾(سورة اجلاثية‪:‬‬
‫‪ )94‬وقال تعاىل ‪ ﴿ :‬أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ال يستوون ﴾(سورة السجدة‪. )4٧:‬‬

‫نسأل هللا أن ينصر دينه ويعز جنده ويكبت عدوه وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني ‪.‬‬
‫أماله فضيلة الشيخ‬
‫أ ‪ .‬محود بن عقالء الشعي يب‬
‫‪ 4199 / 9 / 9‬ه‬

‫‪813‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫نداء من فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعيـيب رىل حكام العرب‬
‫واملسلمني‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني‪.‬‬
‫أما بعد‪.‬‬
‫فهذا نداء موجه حلكام العرب واملسلمني يتضمن تذكريهم مبا أوجب هللا عليهم من الدفاع عن دينه‬
‫وشرعه ومحاية بالد املسلمني وحرميهم من أن يعتدى عليهم أو تغتصب أراضيهم‪ ،‬فإن من أهم‬
‫أولوايت وأوجب الواجبات على احلاكم املسلم القيام أبمر هللا ومن ذلك إعداد اجليوش وتدريبها‬
‫وتسليحها بشىت أنواع األسلحة‪ ،‬وقيادته لتلك اجليوش بشجاعة وعزمية‪ ،‬إذا هوجم بلد من بالد‬
‫أقطارا كثرية ِف العامل اإلسالمي تعاين‬ ‫ِ‬
‫املسلمني من قبَل أعداء هللا وأعداء دينه وشرعه‪ ،‬حيث إن ً‬
‫من احتالل ألراضيها وقتل وتدمري وذل وإهانة وانتهاك للحرمات كما هو الواقع ِف مجهورية‬
‫الشيشان املسلمة‪ ،‬فهذه اجلمهورية منذ سنوات وهي تعاين من احتالل وتدمري من قِبَل روسيا‬
‫الدولة الكافرة اليت حشدت مئات األلوف من الضباط لقتال هذا الشعب املسلم القليل العدد‬
‫جهدا ِف مقاومة هذا اجليش‬ ‫والعدة‪ ،‬ومع أن اجملاهدين من الشيشان وأنصارهم من العرب ال أيلون ً‬
‫الغاشم إال أهنم حيتاجون إىل التأييد والدعم ابملال والرجال‪ ،‬غري أهنم مع األسف ال يتلقون من‬
‫املساعدة إال القليل‪ ،‬مع أن روسيا مع قوهتا مدعومة من قِبَل أمريكا وأرواب ودولة اليهود‪.‬‬
‫عاما وهي تئن حتت وطأة االحتالل‬ ‫وكذلك األمر ِف فلسطني اليت ما زالت منذ أكثر من مخسني ً‬
‫الصهيوين‪ ،‬وتقاوم هذا االحتالل ابحلجارة والعدو يقتل ويشرد ويهدم البيوت واملساجد على‬
‫أرابهبا‪ ،‬وال أحد يثأر هلؤالء املنكوبني فيمدهم ابلسالح واملال على الرغم من أن دولة اليهود‬
‫مدعومة من قبل قوى الكفر بشىت أنواع التأييد‪ ،‬ابملال والسالح والتأييد ِف احملافل السياسية‪ ،‬فال‬
‫يستغرب مثل هذا ألن الكفر ملة واحدة‪ ،‬وإمنا الذي يستغرب تقاعس احلكام املسلمني عن نصرة‬
‫إخواهنم وأتييدهم‪ ،‬فإن الشعوب املسلمة مل تر منذ النكبة حىت اآلن من قادهتم سوى عقد املؤمترات‬
‫والندوات اليت ال تسفر إال عن التنديد بدولة اليهود والشجب واالستنكار‪ .‬وقد أثبتت التجارب‬
‫أن الشجب واإلدانة والتنديد وعقد املؤمترات واللجوء إىل هيئة األمم الكافرة‪ ،‬وجملس اخلوف ال‬
‫جيدي شيئًا ِف ردع املعتدين وإيقافهم عند حدهم‪ ،‬وال جيدي ِف ذلك إال اجلهاد أبنواعه‪.‬‬

‫‪814‬‬
‫أيها احلكام ‪..‬‬
‫لقد بلغ السيل الزىب ومتادت دولة اليهود ِف جرائمها ضد الفلسطينيني ومقدسات املسلمني‬
‫وأصبحت ال تبايل أبحد وال ختشى عقابه على جرائمها‪ ،‬وقد سئمت الشعوب اإلسالمية من هذه‬
‫األساليب العقيمة اليت متارس ملقاومة االحتالل‪ ،‬واغتصاب املقدسات وتدنيسها برجس اليهود‪،‬‬
‫تلك األساليب اليت تنحصر ابلشجب واالستنكار واالستغاثة ابلكفار وأصبح جليًّا أنه ال جيدي‬
‫ِف مقاومة اليهود وطردهم من فلسطني إال اجلهاد املسلح‪ ،‬فإن ما أخذ ابلقوة ال يعود إال ابلقوة‪،‬‬
‫فال بد من رفع راية اجلهاد املسلح ملقاومة دولة الصهاينة وإيقاف غطرستها‪ ،‬وتدنيسها‬
‫أمورا منها‪:‬‬
‫للمقدسات‪ ،‬لكن إعالن اجلهاد يتطلب ً‬
‫االحتاد والتكاتف والتعاون وترك اخلالفات والن زاعات اليت فرقت كلمة املسلمني ومزقت وحدهتم‬
‫وأضعفت قوهتم‪ ،‬وقد أمران هللا سبحانه وتعاىل ِف كتابه العزيز ابالجتماع واالحتاد وحذران من الفرقة‬
‫مجيعا وال تفرقوا واذكروا نعمة هللا عليكم إذ كنتم‬
‫واالختالف‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬واعتصموا حببل هللا ً‬
‫أعداء فألف بني قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواان ﴾(سورة آل عمران اآلية‪ ،)4٧4:‬وقال تعاىل‬
‫‪ ﴿:‬وال تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ﴾(سورة آل عمران اآلية‪:‬‬
‫‪ ،)4٧5‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيع ا لست منهم ِف ٍ‬
‫شيء إمنا أمرهم إىل‬ ‫ً‬
‫هللا ﴾(سورة األنعام اآلية‪.)452:‬‬
‫والرسول ملسو هيلع هللا ىلص حث أمته على االجتماع واالحتاد وحذرهم من االختالف والتفرق فإن احتد املسلمون‬
‫وكانوا أمة واحدة مع كثرة عددهم‪ ،‬إذ إن املسلمني يزيدون على مليار ومائيت مليون‪ ،‬وعدوهم‬
‫الصهيوين ال يتجاوز عدده بضعة ماليني‪ ،‬فلن تصمد دولة اليهود ملقاومة هذا العدد اهلائل من‬
‫املسلمني‪.‬‬
‫وكما أن العرب واملسلمني يتفوقون على اليهود من حيث العنصر البشري فإهنم يتفوقون عليهم من‬
‫حيث املال إذ إن معظم الدول العربية من أغىن دول العامل‪ ،‬خزائنها مألى تصب فيها أودية من‬
‫الذهب من البرتول واجلمارك والضرائب واجلزاءات والرسوم‪ ،‬فإذا توفر العنصر البشري والعنصر‬
‫املايل‪ ،‬وانضم إىل ذلك احتاد الكلمة والعزم والتصميم والتخلي عن الرفاهية والنعيم وترك التبعية‬
‫للغري‪ ،‬فإن النصر متحقق إبذن هللا‪.‬‬
‫وإذا كان إعداد اجليوش وتدريبها حيتاج إىل بعض الوقت فال أقل من تسليح الشعب الفلسطيين‬
‫بشىت أنواع السالح ودعمه مبا تتطلبه املعركة مع اليهود‪ ،‬ابملال والرجال واإلعالم‪ ،‬كما يتحتم على‬

‫‪815‬‬
‫الدول العربية اجملاورة لدولة الصهاينة فتح حدودها للمتطوعني من الشباب املتعطشني ملشاركة‬
‫إخواهنم الفلسطينيني للتصدي هلؤالء الصهاينة اجملرمني وإيقافهم عند حدهم‪.‬‬
‫ومن أنواع اجلهاد اليت جيب القيام هبا إعداد املقاطعة العربية وتفعيلها‪ ،‬تلك املقاطعة اليت كانت حترم‬
‫سنواي‪.‬‬
‫الدولة اليهودية من ثالثة مليارات دوالر ً‬
‫كما أن من أنواع اجلهاد ضد اليهود مقاطعة الدولة الكافرة اليت تدعم اليهود الغاصبني بشىت أنواع‬
‫اقتصاداي وجتارًّاي وثقافيًّا‪ ،‬وتقاوم مصاحلها ِف البالد العربية‪ ،‬إذ‬
‫ًّ‬ ‫الدعم‪ ،‬وهي أمريكا‪ ،‬جتب مقاطعتها‬
‫من املعلوم أن أمريكا تتمتع ابمتيازات ومصاحل كثرية ِف كثري من البالد العربية‪ ،‬كإقامة القواعد‬
‫العسكرية وجلب الضباط واجلنود من النصارى واليهود وإقامتهم ِف تلك القواعد اليت ما فتئوا‬
‫يشنون منها الغارات اجلوية على الشعوب املسلمة‪ ،‬فإن هذه الدولة الكافرة إذا َشعُرت مبا يهدد‬
‫مصاحلها فسوف تغري مواقفها من دولة الصهاينة‪ ،‬ألن مصاحلها أهم عندها من دولة اليهود‪.‬‬
‫أيها القادة ‪..‬‬
‫إن لنا أخوات مسلمات ِف فلسطني ثكاىل وأرامل يندبن ويستغثن وينادين برفع الذل واإلهانة‬
‫عنهن‪ ،‬فهل من غضبة معتصمية ترفع عنهن هذا الذل وتعيد هلن كرامتهن؟ إن اخلليفة العباسي‬
‫املعتصم ملا بلغه أن امرأة مسلمة أهينت من قبل النصارى وأهنا استغاثت به قائلة‪ :‬وا معتصماه ‪..‬‬
‫جيشا لغزو هؤالء الكالب‪ ،‬فهزمهم وأنقذ املرأة‬
‫هب لنجدهتا ورفع الذل والعار عنها‪ ،‬فجهز ً‬
‫املسلمة من براثنهم ورد هلا كرامتها وعزهتا‪ ،‬على الرغم من حماولة االخنذاليني واملنجمني منعه من‬
‫هذا الغزو حبجة أن النجوم والطوالع تدل على فشل هذه احلملة‪ ،‬ولكن مل يلتفت إىل هؤالء‬
‫وضرب برأيهم عرض احلائط فسجل له التاريخ هذه البطولة أبحرف من نور‪.‬‬
‫أما هذه املواقف االخنذالية واالهنزامية فسيسجلها التاريخ أبحرف من (قار) أسود حالك السواد إن‬
‫استمرت على هذا احلال‪.‬‬
‫أيها القادة ‪..‬‬
‫إن التجارب واستقراء التاريخ أثبت أن الدين اإلسالمي ال يستقيم إال إبقامة علم اجلهاد‪ ،‬وهلذا‬
‫أكد سبحانه وتعاىل ِف كتابه العزيز حتمية اجلهاد وحث عليه‪ ،‬ونبيه ملسو هيلع هللا ىلص أكد ذلك‪ ،‬قال تعاىل‬
‫‪ ﴿:‬اي أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا ِف سبيل هللا ااثقلتم إىل األرض أرضيتم ابحلياة‬
‫الدنيا من اآلخرة ﴾ إىل قوله‪ ﴿ :‬انفروا خفافً ا وثقاالً وجاهدوا أبموالكم وأنفسكم ِف سبيل‬
‫قوما غريكم﴾‬‫أليما ويستبدل ً‬ ‫هللا ﴾(سورة التوبة آية‪ )4٧-14:‬وقال‪ ﴿:‬إال تنفروا يعذبكم عذ ًااب ً‬
‫(سورة التوبة آية‪)42:‬‬

‫‪816‬‬
‫وقال سبحانه وتعاىل‪ ﴿ :‬وأعدوا هلم ما استطعتم من قوة ومن رابط اخليل ترهبون به عدو هللا‬
‫وعدوكم وآخرين من دوهنم ال تعلموهنم هللا يعلمهم ﴾(سورة األنفال اآلية‪.)1٧:‬‬
‫وكما أوجب هللا سبحانه وتعاىل اجلهاد وحث عليه فقد بني فضله وثواب اجملاهدين ِف آايت كثرية‪،‬‬
‫منها قوله تعاىل‪ ﴿ :‬إن هللا اشرتى من املؤمنني أنفسهم وأمواهلم أبن هلم اجلنة يقاتلون ِف سبيل هللا‬
‫وعدا عليه ح ًقا ِف التوراة واإلجنيل والقرآن ومن أوىف بعهده من هللا فاستبشروا‬
‫فيقتلون ويقتلون ً‬
‫ببيعكم الذي ابيعتم به وذلك هو الفوز العظيم ﴾(سورة التوبة آية‪ )444:‬وقال سبحانه‪ ﴿ :‬اي أيها‬
‫الذين آمنوا هل أدلكم على جتارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون ابهلل ورسوله وجتاهدون ىف‬
‫سبيل هللا أبموالكم وأنفسكم ذلكم خري لكم إن كنتم تعلمون * يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم‬
‫جنات جتري من حتتها األهنار ومساكن طيبة ِف جنات عدن ذلك الفوز العظيم * وأخرى حتبوهنا‬
‫نصر من هللا وفتح قريب وبشر املؤمنني ﴾(سورة الصف آية‪. )4٧-44:‬‬
‫حث على اجلهاد ورغب فيه وحذر من القعود عنه‪ ،‬قال عليه الصالة‬ ‫والنيب عليه الصالة والسالم َّ‬
‫والسالم‪« :‬إذا تبايعتم ابلعينة وأخذمت أذانب البقر ورضيتم ابلزرع وتركتم اجلهاد سلط هللا عليكم ذالً‬
‫ال ين زعه عنكم حىت تراجعوا دينكم»(‪ .)4‬ففي قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬حىت تراجعوا دينكم إشارة إىل أن ترك‬
‫كفرا‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم‪« :‬من مات ومل حيدث نفسه ابلغزو مات على‬ ‫اجلهاد قد يكون ً‬
‫شعبة من نفاق»(‪.)9‬‬
‫واجلهاد ِف سبيل هللا على مراتب‪ ،‬اترة يكون مبقارعة العدو ابلقوة املسلحة ِف جبهات القتال‪،‬‬
‫واترة يكون ابملال‪ ،‬واترة يكون ابللسان‪ ،‬واترة يكون ابلقلم‪ ،‬وأعلى هذه الدرجات وأفضلها اجلهاد‬
‫ابلنفس؛ ألنه أشق على املقاتلني وأكثر تضحية وألنه قد ترتتب عليه الشهادة ومعلوم ما أعد هللا‬
‫للشهداء من األجر والثواب؛ وألنه أشد نكاية ابلعدو مما سواه من أنواع اجلهاد وألن ما سواه من‬
‫أنواع اجلهاد مكمل له‪ ،‬واجلهاد ابلنفس هو الذي يرهب العدو وحيطم معنوايته‪ ،‬وهو الذي يتحقق‬
‫به النصر غالبًا وتتم به محاية حوزة املسلمني‪ ،‬والذب عن حرماهتم‪ ،‬وقدميًا قيل‪:‬‬

‫السيف أصدق رنباء من الكتب *** يف حده احلد بني اجلد واللعب‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن أيب داود (‪ )4119‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم (‪. )424٧‬‬

‫‪817‬‬
‫أما اجلهاد ابملال فال يقل أمهية عن اجلهاد ابلنفس إذ بدونه ال يتمكن اجملاهدون من احلصول على‬
‫السالح‪ ،‬وبدونه ال يستطيعون أتمني النفقات األخرى اليت تتطلبها املعركة‪ ،‬من دفع نفقات اجلند‬
‫وتكاليف عالج اجلرحى وغري ذلك مما حيتاجه اجملاهدون‪.‬‬
‫أما اجلهاد ِف سبيل هللا ابللسان والقلم فاملراد به دور اإلعالم من خطب وقصائد ودعاية للمعركة‬
‫وإذاعة ابنتصارات اجملاهدين وهزائم أعدائهم‪ ،‬واإلعالم له أثر كبري ِف تغيري موازين املعارك إذا كان‬
‫القائمون عليه على مستوى املسئولية إذا َخلُص قصدهم‪ ،‬أما إذا كان القائمون على اإلعالم ِف واد‬
‫وقضااي املسلمني ومشاكلهم ِف واد آخر كما هو واقع اإلعالم العريب واإلسالمي اليوم‪ ،‬فإنه فضالً‬
‫ضررا عليهم حبيث أتثره ابإلعالم وتقليده ِف مضامينه‬‫عوان للمجاهدين فقد يصري ً‬ ‫عن أن يكون ً‬
‫وأساليبه‪.‬‬
‫وعندما أصاب إخواننا ِف فلسطني ما أصاهبم من تقتيل وتشريد وهدم للمنازل واملساجد على من‬
‫ِ‬
‫سيشمر عن‬ ‫فيها على أيدي إخوان القردة واخلنازير أيقنا أبن اإلعالم ِف الدول العربية واإلسالمية‬
‫ساعديه ويرتك أساليبه اهلابطة اليت كان يسري عليها‪ ،‬فإذا هو مل يعبأ هبذه الكوارث واستمر على‬
‫االهتمام ابألمور التافهة كاالهتمام ابحلفالت الرايضية واحلفالت الغنائية وعرض الصورة اخلليعة‬
‫املتهتكة والربامج املنحطة كاملسلسالت اخلليعة اليت ما أقيمت إال إلفساد عقائد املسلمني‬
‫وأخالقهم‪ ،‬وكذلك اهتم اإلعالم ابإلشادة إبجنازات احلكام اليت ال وجود هلا وكيل املدح واإلطراء‬
‫هلم بدون حياء وال خجل‪ ،‬ومن املؤسف أننا عندما نستعرض جوانب الضعف ِف األمة اإلسالمية‬
‫والعربية جند أن من أبرزها الضعف الواضح ِف العدد والعدة فال أسلحة وال رجال‪.‬‬
‫كثريا أننا كنا نسمع عرب وسائل اإلعالم عن عقد صفقات أسلحة‬ ‫وإن مما يؤسف له ح ًقا بل يؤملنا ً‬
‫متطورة أبنواعها املختلفة من طائرات ودابابت وغريها وقد رصدت هلذه الصفقات مليارات‬
‫الدوالرات واليت أعلن عنها ِف حينها‪ ،‬ومع أن هذه املبالغ الطائلة قد أرهقت بيت مال املسلمني‬
‫ومع هذا فقد كان الكثريون يستبشرون بعقد مثل هذه الصفقات ظنًا منهم أهنا ستكون حصنًا‬
‫واقيًا بعد هللا تعاىل لصد أي اعتداء على املسلمني وأراضيهم املقدسة‪ ،‬ولكن الذي حدث هو‬
‫متاما‪.‬‬
‫عكس ذلك ً‬
‫ودليل ذلك أن بعض الدول العربية عندما هومجت من قبل إحدى الدول اجملاورة مل تستطع الصمود‬
‫أمام من هامجهم‪ ،‬وذلك عائد إىل ضعف االستعداد العسكري‪ ،‬فقد أثبتت خلو خزائن األجهزة‬
‫العسكرية ِف هذه الدولة من األسلحة اليت كان الناس أيملون هبا‪ ،‬واليت عقدت هلا الصفقات‪ ،‬كما‬

‫‪818‬‬
‫صاحبها شح واضح ِف الكفاءات البشرية املدربة‪ ،‬ولذلك كله مل ترتدد هذه الدولة‬ ‫أن قلة األسلحة َ‬
‫ابستدعاء الدولة الكافرة حلمايتها والدفاع عنها غري مكرتثني ابحلكم الشرعي املرتتب على ذلك‪.‬‬
‫أليس عار ما بعده عار وخزي ما بعده خزي أن نلجأ إىل طلب احلماية من دولة الكفر‪ ،‬هنيئ هلم‬
‫االستقرار ِف أراضينا اليت حرم املصطفى ملسو هيلع هللا ىلص إقامتهم فيها وأمر إبخراجهم منها‪ ،‬مع توفر أسباب‬
‫القدرة أبنفسنا على صد عدوان املعتدي‪.‬‬
‫أيها القادة ‪..‬‬
‫لقد أصبح اجلبناء املنخذلون يكررون عبارة‪( :‬دولة اليهود دولة ال تقهر)‪ ،‬إن هؤالء الذين يتعللون‬
‫هبذه املقولة اجلبانة (إن قوة اليهود قوة ال تقهر)‪ ،‬وهؤالء املتخاذلون االهنزاميون يربرون تقاعسهم‬
‫عن القيام ابحلروب املسلحة ضد دولة اليهود هبذه املقولة‪ ،‬ولو نظر هؤالء ِف التاريخ القدمي‬
‫واحلديث لوجدوا أن هذه املقولة ابطلة من أساسها‪ ،‬وسأذكر أمثلة اترخيية تسقط هذه املقولة‬
‫وتبطلها‪:‬‬
‫املثال األول‪:‬‬
‫كل من له أدَّن إملام بتاريخ املسلمني يعلم أن الصليبيني احتلوا بالد املسلمني وأقاموا فيها أكثر من‬
‫تسعني سنة يعيثون فيها الفساد ويسومون املسلمني سوء العذاب وال أحد يتصدى هلم من احلكام‬
‫واألمراء حبجة أن أورواب ملوكها وجيوشها قوة ال تقهر‪ ،‬وحتملوا الذل واالستهانة واالستعمار بسبب‬
‫هذه املقولة‪ ،‬وملا أراد هللا للمسلمني اخلالص من هؤالء الغاصبني املستعمرين قيض هلذه األمة بطالً‬
‫مسلما هو صالح الدين األيويب‪ ،‬فشن حرًاب مسلحة بصدق وصرب وشجاعة على هؤالء الصليبيني‬ ‫ً‬
‫فهزمهم شر هزمية فطهر بالد املسلمني من شرهم ورجسهم وألقى هبم ِف البحر‪ ،‬فلم يث ِن عزمه كثرة‬
‫عددهم وعدهتم‪ ،‬ومل مينعه من شن الغارات املتواصلة على هؤالء الطغاة املعتدين اعتقاد أن أوراب قوة‬
‫ال تقهر‪.‬‬
‫املثال الثاين‪:‬‬
‫قبل سنوات كان االحتاد السوفييت دولة عظمى ال مياثلها ِف القوة؛ ِف العدد والعدة والتسليح إال‬
‫دولة أمريكا‪ ،‬وملا اعتدت على دولة األفغان واحتلتها قام أبطال األفغان مبقاومتها‪ ،‬ومع أن الشعب‬
‫األفغاين ابلنسبة لعدده وتسليحه وتدريبه ال يساوي شيئًا ابلنسبة لالحتاد السوفييت الدولة العظمى‪،‬‬
‫لكنهم هزموا هذه القوة وأخرجوها من بالدهم جتر أذايل اهلزمية والعار‪ ،‬ومل تقف هزمية هذه الدولة‬
‫الطاغية عند طردها من األراضي األفغانية‪ ،‬بل ترتب على هذه اهلزمية احنالل هذه الدولة وتفككها‬
‫وسقوطها إىل األبد إن شاء هللا‪.‬‬

‫‪819‬‬
‫املثال الثالث‪:‬‬
‫عددا وأمتها عدة ابالعتداء على دولة‬
‫قامت أقوى دولة عربية ِف العامل العريب وأكثر الدول العربية ً‬
‫عربية تعترب من أضعف الدول العربية من حيث املوارد املالية ومن حيث التسليح والتعليم‪ ،‬لكن‬
‫هذه الدولة األضعف قاومت هذا االحتالل بصرب وشجاعة وحطمت قوة الدولة املعتدية وهزمتها‬
‫وأخرجتها من بالدها صاغرة جتر أذايل اخليبة والعار‪.‬‬

‫إن املتأمل هلذه األمثلة الثالثة اليت ذكرهتا يدرك أن القوة اليت ال تقهر هي قوة اإلميان ابهلل‬
‫واالعتماد عليه وحتمل املشاق والتضحيات بكل غال ورخيص‪ ،‬مث إن من يتعلل هبذه املقولة‬
‫اجلبانة‪( ،‬دولة اليهود قوة ال تقهر) ال خيلو من أحد رجلني‪:‬‬

‫إما أن يكون جاهالً ِف اتريخ الشعوب وال سيما ِف اتريخ الشعب اليهودي الذي جبل على اجلنب‬
‫واخلور والذل واالستكانة‪ ،‬وإما أن يكون عميالً هلذه العصاابت اليهودية ومن ورائها من يدعمها‬
‫من املصارف ِف أمريكا وأورواب ليثبط من عزائم املسلمني ويبعث ِف نفوسهم اخلوف والفزع هبذه‬
‫املقولة‪.‬‬

‫ولقد أخربان هللا ِف كتابه العزيز ِف مواضع كثرية عن جنب اليهود وهلعهم وخوفهم من احلروب‪ ،‬قال‬
‫تعاىل حكاية عن موسى عليه الصالة والسالم أنه قال لقومه‪ ﴿ :‬اي قوم ادخلوا األرض املقدسة‬
‫اليت كتب هللا لكم وال ترتدوا على أدابركم فتنقلبوا خاسرين* قالوا اي موسى إن فيها قوما جبارين‬
‫وإان لن ندخلها حىت خيرجوا منها فإن خيرجوا منها فإان داخلون ﴾ إىل قوله تعاىل‪ ﴿ :‬قالوا اي‬
‫أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت ورب ك فقاتال فإن ا هاه نا قاعدون ﴾(سورة‬
‫موسى إان لن ندخلها ً‬
‫املائدة آية‪ ، )94-91:‬قال سبحانه وتعاىل‪ ﴿ :‬ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إال حببل من هللا‬
‫مجيعا إال ِف‬
‫وحبل من الناس ﴾(سورة آل عمران اآلية‪ ،)449:‬وقال عز وجل‪ ﴿ :‬ال يقاتلونكم ً‬
‫قرى حمصنة أو من وراء جدر ﴾(سورة احلشر آية‪ )41:‬إىل غري ذلك من اآلايت اليت تبني أن‬
‫اليهود شعب ذليل‪.‬‬

‫دائما ابملكر‬
‫ومل يعرف ِف التاريخ أن اليهود قادوا معركة ضد خصومهم علنًا‪ ،‬وإمنا حروب اليهود ً‬
‫واخلداع واملؤامرات ِف اخلفاء‪ ،‬وسأضرب مثالً جلبنهم وخورهم وعدم قدرهتم على مالقاة اخلصم‪:‬‬
‫قبل سنوات قام اجليش املصري الشجاع حبملة عسكرية اقتحم فيها احلواجز املائية واحلواجز الرملية‬

‫‪821‬‬
‫و خط ابرليف الذي زعمت دولة اليهود أنه ليس ِف العامل قوة تستطيع اقتحام هذا اخلط‪ ،‬لكن‬
‫اجليش املصري البطل اقتحمه بدقائق‪ ،‬وحني رأى الضباط واجلنود من اليهود هذه احلملة اجلريئة‬
‫ولوا مدبرين‪ ،‬وتركوا دابابهتم ومدافعهم كاجلرذان اليت أغرقها املاء‪ ،‬ولوال خيانة القيادة السياسية اليت‬
‫أصدرت أوامرها إىل اجليوش ابلتوقف الحتلوا دولة الصهاينة وقذفوهم ِف البحر‪ ،‬وصدق هللا إذ‬
‫قرى حمصنة أو من وراء جدر ﴾(سورة احلشر‪.)41:‬‬ ‫مجيعا إال ِف ً‬
‫يقول‪ ﴿ :‬ال يقاتلونكم ً‬
‫نسأل هللا أن يقيم علم اجلهاد وأن ينصر اإلسالم واملسلمني‪ ،‬وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله‬
‫وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أماله فضيلة الشيخ‬
‫أ ‪ .‬محود بن عقالء الشعي يب‬
‫‪ 4199/5/41‬ه‬

‫‪821‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫بيان يف احلث على املقاطعة االقتصادية ضد أعداء املسلمني‬
‫لفضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني أما بعد ‪..‬‬
‫يقول هللا تعاىل‪ ﴿ :‬دمحم رسول هللا والذين معه أشداء عل ى الكفار ﴾(سورة الفتح آية‪ )92:‬وقال‬
‫تعاىل ِف وصف املؤمنني‪ .. ﴿ :‬أعزة على الكافرين جياهدون ِف سبيل هللا وال خيافون لومة الئم ﴾‬
‫(سورة املائدة آية‪ )51:‬ويقول تعاىل ِف جماهدة الكفار‪ ﴿ :‬وخذوهم واحصروهم واقعدوا هلم كل‬
‫مرصد ﴾(سورة التوبة اآلية‪ .)5:‬ويقول تعاىل‪ ﴿ :‬وال يطئون موطئًا يغيظ الكفار وال ينالون من‬
‫عدو نيالً إال كتب هلم به عمل صاحل ‪(﴾ ..‬سورة التوبة اآلية‪.)49٧:‬‬
‫إن كل عصر وزمان له أسلحته اجلهادية واحلربية املستخدمة ضد األعداء‪ ،‬وقد استخدم املسلمون‬
‫أسلحة جهادية متنوعة ِف ذلك ضد أعدائهم بقصد هزميتهم وإضعافهم‪ ،‬قال الشوكاين‪ :‬وقد أمر‬
‫هللا بقتل املشركني ومل يعني لنا الصفة اليت تكون عليها وال أخذ علينا أال نفعل إال كذا دون كذا‪.‬‬
‫اه (السيل اجلرار ‪ ،)541 /1‬وهذا يوافق عموم قوله تعاىل‪ ﴿ :‬وخذوهم واحصروهم واقعدوا هلم‬
‫كل مرصد ﴾(سورة التوبة اآلية‪ ،)5:‬ومن األساليب اجلهادية اليت استخدمها الرسول صلى هللا‬
‫عليه وسلم مع األعداء هبدف إضعافهم أسلوب احلصار االقتصادي وهو ما يسمى اليوم ابملقاطعة‬
‫االقتصادية‪ ،‬ومن األمثلة على أسلوب حصار النيب عليه الصالة والسالم االقتصادي ما يلي‪:‬‬
‫‪ -4‬طالئع حركة اجلهاد األوىل وذلك أن أوائل السرااي الىت بعثها الرسول ملسو هيلع هللا ىلص والغزوات األوىل اليت‬
‫جنواب‪ ،‬وهي ضربة‬‫قادها ملسو هيلع هللا ىلص كانت تستهدف هتديد طريق جتارة قريش إىل الشام مشاالً وإىل اليمني ً‬
‫قتصاداي‪.‬‬
‫ً‬ ‫خطرية القتصاد مكة التجاري قُصد منه إضعافها ا‬
‫‪ -9‬قصة حماصرة يهود بين النضري وهذه مذكورة ِف صحيح مسلم‪ :‬أهنم ملا نقضوا العهد حاصرهم‬
‫الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وقطع خنيلهم وحرقوه فأرسلوا إليه أهنم سوف خيرجون‪ ،‬فهزمهم ابحلرب االقتصادية‬
‫وفيها نزل قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصوهلا فبإذن هللا وليخزي‬
‫الفاسقني ﴾(سورة احلشر آية‪ . )5:‬فكانت احملاصرة وإتالف مزارعهم وخنيلهم اليت هي عصب قوة‬
‫اقتصادهم من أعظم وسائل الضغط عليهم وهزميتهم وإجالئهم من املدينة‪.‬‬
‫‪ -4‬قصة حصار الطائف بعد فتح مكة وأصل قصتهم ذكرها البخاري ِف املغازي ومسلم ِف‬
‫اجلهاد وفصل قصتهم ابن القيم ِف زاد املعاد وذكرها ابن سعد ِف الطبقات ‪ ،45٧ /9‬قال‪:‬‬

‫‪822‬‬
‫قطعا ذريعا‪،‬‬
‫فحاصرهم الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وأمر بقطع أعناب ثقيف وحتريقها فوقع املسلمون فيها يقطعون ً‬
‫قال ابن القيم ِف فوائد ذلك‪ :‬وفيه جواز قطع شجر الكفار إذا كان ذلك يضعفهم ويغيظهم وهو‬
‫أنكى فيهم‪.‬‬
‫‪ -1‬قصة املقاطعة االقتصادية للصحايب مثامة بن أاثل احلنفي هنع هللا يضر‪ ،‬وقد جاءت قصته ِف السري‬
‫واملغازي‪ ،‬ذكرها ابن إسحاق ِف السرية وابن القيم ِف زاد املعاد والبخاري ِف املغازي ومسلم ِف‬
‫تمرا وبعد عمرته أعلن املقاطعة‬ ‫اجلهاد‪ ،‬وقصته كانت قبل فتح مكة ملا أسلم مث قدم مكة مع ً‬
‫االقتصادية لقريش قائالً‪ :‬ال وهللا ال أتتيكم من اليمامة حبة حنطة حىت أيذن ِف ذلك رسول هللا‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص ‪-‬وكانت اليمامة ِف ريف مكة‪ -‬مث خرج إىل اليمامة فمنع قومه أن حيملوا إىل مكة شيئًا حىت‬
‫جهد قريش‪ ،‬وقد أقره الرسول ملسو هيلع هللا ىلص على هذه املقاطعة االقتصادية وهي من مناقبه هنع هللا يضر‪.‬‬
‫وهذه احلوادث وأمثاهلا تشري من الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ألصل من األصول اجلهادية ِف جماهدة الكفار ِف كل‬
‫زمان ومكان‪.‬‬
‫وهذا األمر اليوم ِف مقدور الشعوب اإلسالمية أن جياهدوا به‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬فاتقوا هللا ما‬
‫استطعتم ﴾(سورة التغابن آية‪ )41:‬وهو من اجلهاد الشعيب النافع املثمر حينما ختلى غريهم عن‬
‫جماهدة الكفار أبصنافهم‪.‬‬
‫ولذا فإننا حنث إخواننا املسلمني إىل جهاد األمريكان والربيطانيني واليهود واستخدام سالح‬
‫املقاطعة االقتصادية املضعفة القتصادهم‪.‬‬
‫وإن كانت الشعوب اإلسالمية ليس لديها قوة ِف اجلهاد املسلح ضدهم فليس أقل من املقاطعة‬
‫االقتصادية ضدهم وضد شركاهتم وبضائعهم‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم‪« :‬وجاهدوا املشركني‬
‫أبموالكم وأيديكم وألسنتكم»(‪ )4‬رواه أمحد وأبو داود من حديث أنس‪.‬‬
‫كما أحث إخواننا املسلمني إىل املثابرة ِف هذا اجلهاد واملصابرة قال تعاىل‪ ﴿ :‬اي أيها الذين آمنوا‬
‫اصربوا وصابروا ورابطوا ﴾(سورة آل عمران آية‪ )9٧٧:‬أي ال ميلوا أو يتكاسلوا فإن النصر مع‬
‫الصرب‪ ،‬وأن جيتهدوا ِف مقاطعة الشركات والبضائع األمريكية والربيطانية واليهودية مقاطعة صارمة‬
‫وقوية وشاملة‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬وتعاونوا على الرب والتقوى ﴾(سورة املائدة اآلية‪ ،)9:‬وقال صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪« :‬املؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم»(‪ )9‬رواه أمحد من حديث علي بن‬
‫أيب طالب‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد (‪ )49555‬وسنن أيب داود (‪ )95٧1‬وحكم األلباين صحيح‪.‬‬
‫(‪ )9‬مسند أمحد (‪ )224‬وحكم شعيب األرنؤوط صحيح لغريه‪.‬‬

‫‪823‬‬
‫وقد ملسنا وهلل احلمد فيما سبق وفيما تناقلته وسائل اإلعالم أثر املقاطعة الشعبية السابقة على‬
‫االقتصاد األمريكي والربيطاين واليهودي‪.‬‬

‫وقد انتشر ِف األايم املاضية قائمة والئحة حتوي مئات املنتجات للشركات األمريكية والربيطانية‬
‫واليهودية‪ ،‬فنحث إخواننا على التجاوب والتضامن مع هذه القائ مة‪ ،‬ق ال تعاىل‪ ﴿ :‬وتعاونوا على‬
‫الرب والتقوى ﴾ ﴾(سورة املائدة اآلية‪ )9:‬وقال عليه الصالة والسالم‪« :‬املؤمن للمؤمن كالبنيان‬
‫يشد بعضه بعضا»(‪.)4‬‬
‫وأمريكا وبريطانيا وراء حماربة اجلهاد ِف كل مكان وهم وراء دعم الصهاينة ِف فلسطني ووراء احلصار‬
‫االقتصادي على دولة طالبان اإلسالمية ِف أفغانستان ووراء دعم الروس ِف الشيشان ودعم‬
‫النصارى ضد إخواننا اجملاهدين ِف الفلبني وإندونيسيا وكشمري وغريها‪ ،‬وهم وراء دعم أي توجه‬
‫إلضعاف اجلهاد اإلسالمي وإضعاف املسلمني‪ ،‬ووراء حماصرة شعب العراق املسلم وشن الغارات‬
‫ظلما وعدو ًاان مع قطع النظر عن حكامه‪.‬‬
‫اليومية عليه منذ عشر سنني ً‬
‫وقد صدق فيهم وِف غريهم قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ولن ترضى عنك اليهود وال النصارى حىت تتبع‬
‫ملتهم ﴾(سورة البقرة اآلية‪.)49٧:‬‬
‫اللهم عليك ابألمريكان والربيطانيني واليهود وأعواهنم وأشياعهم‪ ،‬اللهم اشدد وطأتك عليهم‬
‫واجعلها عليهم سنني كسين يوسف‪.‬‬
‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أماله فضيلة الشيخ أ ‪ .‬محود بن عقالء الشعي يب‬
‫‪ 4194 /44 /9٧‬ه‬

‫______________________________________‬
‫(‪. )95٧5‬‬ ‫(‪ )4‬صحيح مسلم‬

‫‪824‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫بيان من أهل العلم يف احلث على مقاطعة منتجات أعداء اإلسالم‬
‫كأمريكا وبريطانيا وغريمها من دول الكفر احملاربة‬
‫احلمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا ‪ ..‬وبعد‬
‫فقد حث هللا سبحانه املسلمني على اجلهاد أبمواهلم ِف سبيل هللا‪ ،‬فقال تعاىل‪ ﴿ :‬وجاهدوا‬
‫أبموالكم وأنفسكم ِف سبيل هللا ﴾(سورة التوبة آية‪ )14:‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬إن هللا اشرتى من املؤمنني‬
‫أنفسهم وأمواهلم أبن هلم اجلنة ﴾(سورة التوبة آية‪ ، )444 :‬وروى أمحد وأبو داود عن أنس رضي‬
‫هللا عنه أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬جاهدوا املشركني أبموالكم وأيديكم وألسنتكم»(‪ ،)4‬وما ذلك إال‬
‫لألثر العظيم للمال على اجلهاد‪ ،‬وكما أن بذل املال للمجاهدين جهاد فإن منعه عن الكفار إذا‬
‫أيضا‪ ،‬بل هو آكد من األول ألن درء املفاسد مقدم على‬ ‫تقووا به ِف حرهبم على املسلمني جهاد ً‬
‫جلب املصاحل‪ ،‬وهذا النوع من اجلهاد‪ ،‬وعمل به النيب ملسو هيلع هللا ىلص كما ِف حصره لبين النضري وقطعه‬
‫أيضا بتقرير النيب ملسو هيلع هللا ىلص كمنع مثامة بن أاثل هنع هللا يضر املرية عن كفار‬
‫وحتريقه لنخيلهم‪ ،‬وفعله الصحابة مهنع هللا يضر ً‬
‫مكة‪ ،‬واألمثلة كثرية على هذا النوع من اجلهاد‪.‬‬
‫وقد علم املسلمون ِف هذا الوقت مدى عداوة أمريكا وبريطانيا وغريهم لإلسالم وأهله‪ ،‬وأهنا‬
‫كبريا من املسلمني‪ ،‬وظاهرت على قتل آخرين‪،‬‬ ‫قسما ً‬ ‫أعلنت احلرب الصليبية علينا‪ ،‬فقتلت ً‬
‫وشردت أقو ًاما‪ ،‬وحاصرت آخرين‪ ،‬مصداقًا لقوله تعاىل‪ ﴿ :‬وال يزالون يقاتلونكم حىت يردوكم عن‬
‫دينكم إن استطاعوا ﴾(سورة البقرة آية‪. )941:‬‬
‫فإن احتج حمتج أبن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص مل يقاطع اليهود الذين كانوا ِف املدينة فاجلواب أن يقال‪ :‬إن النيب‬
‫عليه الصالة والسالم مل يقاطع اليهود ِف أول األمر حني كانوا مساملني ألهنم مل تظهر هلم نوااي ضد‬
‫اإلسالم واملسلمني‪ ،‬فلما ظهرت لرسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص نواايهم وخاف من شرهم وضررهم وقد نقضوا‬
‫عهودهم قاطعهم وحاصر قراهم‪ ،‬فقد حاصر بين النضري وقاطعهم وقطع أشجارهم وخنيلهم‪،‬‬
‫فكانت حماصرهتم وإتالف مزارعهم وخنيلهم اليت هي عصب قوة اقتصادهم من أعظم وسائل‬
‫الضغط عليهم وهزميتهم وإجالئهم من املدينة‪ ،‬وكذلك فعل ملسو هيلع هللا ىلص مع بين قريظة ملا علم خيانتهم مع‬
‫حمكما حىت نزلوا على حكم هللا‪ ،‬فقتل مقاتلتهم وسبا نساءهم و‬ ‫حصارا ً‬ ‫ً‬ ‫األحزاب‪ ،‬حاصرهم‬
‫ذراريهم‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد (‪ )49555‬وسنن أيب داود (‪ )95٧1‬وحكم األلباين صحيح‪.‬‬

‫‪825‬‬
‫مث إن قياس حالة األمريكان واليهود والنصارى وشركاهتم ِف وقتنا احلاضر على يهود املدينة الذين‬
‫هم قلة ابلنسبة للمسلمني‪ ،‬مع أهنم مل يعلنوا احلرب قياس فاسد‪ ،‬ألن األمريكان واليهود والنصارى‬
‫وشركاهتم ال يفتئون يشنون احلروب على الشعوب املسلمة‪ ،‬ويدعمون أعداء اإلسالم ِف حروهبم‬
‫ضد اجملاهدين‪.‬‬
‫ومن املعلوم لدى اجلميع أن قوام قوات أمريكا الصليبية وغريها من دول الكفر يعتمد على‬
‫اقتصادها‪ ،‬ومىت ضعف اقتصادها ضعفت قوهتا‪ ،‬لذلك حنث مجيع املسلمني على املقاطعة الشاملة‬
‫جلميع املنتجات األمريكية والربيطانية وغريمها من دول الكفر احملاربة للمسلمني‪ ،‬والبدائل عنها‬
‫حبمد هللا موجودة‪ ،‬وِف هذا إسهام من املسلمني ِف جهاد أعداء هللا وإضعاف هلذه احلملة الصليبية‬
‫ومناصرة إلخواهنم اجملاهدين‪ ،‬بل هو متأكد ِف حق مجيع املسلمني إلضعاف العدو األول الذي‬
‫سام املسلمني ِف كل مكان سوء العذاب‪ ،‬فعلى املسلمني أن يبادروا ِف جتديد هذه الدعوى‪،‬‬
‫والتطبيق للمقاطعة الشاملة اليت هزت االقتصاد األمريكي خالل العام املاضي بفضل هللا مث بفضل‬
‫مقاطعة شرحية كبرية من املسلمني ملنتجاهتا‪ ،‬وتكرار دعوتنا للمسلمني مجيعاً بكل طبقاهتم‬
‫وجنسياهتم أن يعملوا على مقاطعة هذا العدو الذي يرتبص ابملسلمني الدوائر نسأل هللا تعاىل أن‬
‫ينصر اجملاهدين‪ ،‬وأن يعلي راية الدين‪ ،‬وأن خيزي الكفار أمجعني‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا دمحم‬
‫وعلى أله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫محود بن عقالء الشعي يب‬
‫علي بن خضري اخلضري‬
‫دمحم بن فهد العلي‬
‫‪ 4199 /4٧ /91‬ه‬

‫‪826‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫فتوى الشيخ محود بن عقالء الشعييب على أتكيد مقاطعة أعداء‬
‫اإلسالم ‪ ،‬ورد على فتوى بعض العلماء يف حترمي ذل ‪.‬‬

‫فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب‬


‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته أما بعد‬
‫حضرت درسا ِف احلرم املكي لبعض العلماء وقد سئل عن حكم مقاطعة األمريكان واليهود‬ ‫ُ‬ ‫فقد‬
‫فأجاب ‪ :‬أبن مقاطعة هؤالء ال جتوز شرعا ‪ ،‬ألن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص مل يقاطع اليهود الذين كانوا ِف‬
‫املدينة ‪.‬‬

‫وألن لدي إملام ببعض األحكام الشرعية فقد أشكل علي جواب هذا الشيخ ‪ ،‬فما حكم مقاطعة‬
‫اليهود والنصارى حسب ما تقتضيه الشريعة اإلسالمية ؟‬

‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني أما بعد‬
‫أوال ‪ :‬إن كنت متأكدا من أن هذا الشيخ أجاب هبذا اجلواب الذي ذكرته فهو ال يعدو أحد‬
‫رجلني ‪:‬‬
‫وح َك ِمها ‪ ،‬وإما أن يكون له قصد واجتاه‬ ‫إما أن يكون جاهال بتاريخ الشريعة اإلسالمية وأحكامها ِ‬
‫هو أدرى به ‪.‬‬
‫كل فالنيب عليه الصالة والسالم مل يقاطع اليهود ِف أول األمر حني كانوا مساملني ألهنم مل‬ ‫وعلى ٍ‬
‫تظهر هلم نوااي ضد اإلسالم واملسلمني ‪ ،‬فلما علم ملسو هيلع هللا ىلص نواايهم وخاف من شرهم وضررهم وقد‬
‫نقضوا عهودهم قاطعهم وحاصر قراهم ‪ ،‬فقد حاصر بين النظري وقاطعهم وقطع أشجارهم وخنيلهم‬
‫‪ ،‬واستمر حصاره هلم ملسو هيلع هللا ىلص إىل أن سلموا وطلبوا اجلالء عن املدينة ‪ ،‬وقد ذكر اإلمام مسلم رمحه هللا‬
‫تعاىل ِف صحيحه قصتهم ‪ ،‬وذلك أهنم ملا نقضوا العهد حاصرهم ملسو هيلع هللا ىلص وقطع خنيلهم وحرقها ‪،‬‬
‫فأرسلوا إليه أهنم سوف خيرجون ‪ ،‬فهزمهم ابحلرب االقتصادية ‪ ،‬وفيها نزل قوله تعاىل ( ما قطعتم‬
‫من لينة أو تركتموها قائمة على أصوهلا فبإذن هللا وليخزي الفاسقني )(سورة احلشر آية‪. )5:‬‬

‫‪827‬‬
‫فكانت احملاصرة وإتالف مزارعهم وخنيلهم اليت هي عصب قوة اقتصادهم من أعظم وسائل الضغط‬
‫عليهم وهزميتهم وإجالئهم من املدينة ‪.‬‬
‫وكذلك فعل ملسو هيلع هللا ىلص مع بين قريظة ملا علم خيانتهم ومتالئهم مع األحزاب ‪ ،‬حاصرهم حصارا حمكما‬
‫حىت نزلوا على حكم هللا ‪ ،‬فقتل مقاتلتهم وسبا نسائهم و ذراريهم ‪.‬‬
‫مث إن قياس حالة األمريكان واليهود والنصارى وشركاهتم ِف وقتنا احلاضر على يهود املدينة الذي‬
‫هم قلة ابلنسبة للمسلمني ‪ ،‬مع أهنم مل يعلنوا احلرب قياس فاسد ‪ ،‬ألن األمريكان واليهود‬
‫والنصارى وشركاهتم ال يفتأون يشنون احلروب على الشعوب املسلمة ِف فلسطني وِف العراق ‪،‬‬
‫ويدعمون أعداء اإلسالم ِف حروهبم ضد اجملاهدين ‪ ،‬كدعمهم الروس ِف قتاهلم ضد اجملاهدين ِف‬
‫الشيشان ‪ ،‬وكدعمهم الفلبني ِف قتاهلم ضد املسلمني هناك ‪ ،‬وكدعمهم للمقدونيني ِف قتاهلم ضد‬
‫األلبان املسلمني ‪.‬‬
‫فهؤالء حربيون لوقوفهم مع أعداء املسلمني الصهاينة ِف فلسطني ‪ ،‬فهم يدعموهنم ابملال والسالح‬
‫واخلربات ‪ ،‬ولوال دعمهم املتواصل منذ مخسني عام لدولة الصهاينة ملا ثبتت هلم قدم ِف فلسطني ‪،‬‬
‫ألن اليهود من أجنب خلق هللا كما حكى هللا سبحانه وتعاىل عنهم ذلك ِف كتابه العزيز ‪ ،‬حيث‬
‫قال ( ال يقاتلونكم مجيعا إال ِف قرى حمصنة أو من وراء جدر ‪() ..‬سورة احلشر اآلية‪، )41:‬‬
‫وكذلك حكى سبحانه وتعاىل عنهم أهنم ملا قال هلم موسى عليه الصالة والسالم ( ادخلوا األرض‬
‫املقدسة اليت كتب هللا لكم وال ترتدوا على أدابركم فتنقلبوا خاسرين )(سورة املائدة آية‪ )94:‬ذكر‬
‫هللا سبحانه اهنم أجابوه فقالوا ( اي موسى إن فيها قوما جبارين وإان لن ندخلها حىت خيرجوا منها‬
‫فإن خيرجوا منها فإان داخلون ‪ ) . .‬إىل قوله تعاىل ( قالوا اي موسى إان لن ندخلها ماداموا فيها‬
‫فاذهب أنت وربك فقاتال إان هاهنا قاعدون )(سورة املائدة اآلية‪. )99-91:‬‬
‫فلوال دعم األمريكان واإلجنليز والشركات اليهودية والنصرانية للصهاينة ملا متكنوا من اإلقامة ِف‬
‫فلسطني ‪.‬‬
‫إذن قياس هؤالء احملاربني لإلسالم احلاقدين على املسلمني على حفنة من اليهود كانوا ِف املدينة‬
‫حتت موادعة املسلمني قياس فاسد كما تقدم ‪.‬‬
‫فإذا كانت الشعوب اإلسالمية ِف الوقت احلاضر ليس لديها قوة ِف اجلهاد املسلح ضدهم بسبب‬
‫اخلالف القائم بني حكام املسلمني وختاذهلم عن إعالن اجلهاد وارتباط أكثرهم ابلدول الكافرة فال‬
‫أقل من املقاطعة االقتصادية ضدهم وضد شركاهتم وبضائعهم ‪.‬‬

‫‪828‬‬
‫وبناءا على ما قدمته فإنين أحث إخواننا املسلمني ِف املثابرة واملصابرة على هذا اجلهاد ‪ ،‬قال تعاىل‬
‫( اي أيها الذين أمنوا اصربوا وصابروا ورابطوا ‪() ..‬سورة آل عمران اآلية‪ ، )9٧٧:‬وأن ال ميلوا أو‬
‫يتكاسلوا فإن النصر مع الصرب ‪ ،‬وأن جيتهدوا ِف مقاطعة الشركات والبضائع األمريكية والربيطانية‬
‫واليهودية مقاطعة صارمة وقوية وشاملة ‪ ،‬قال تعاىل ( وتعاونوا على الرب والتقوى ‪() ..‬سورة املائدة‬
‫اآلية‪ ، )9:‬وقال عليه الصالة والسالم ‪ ( :‬املؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم )(‪)4‬‬
‫رواه أمحد من حديث علي بن أيب طالب ‪.‬‬
‫وقد ملسنا وهلل احلمد فيما سبق وفيما تناقلته وسائل اإلعالم أثر املقاطعة الشعبية السابقة على‬
‫االقتصاد األمريكي والربيطاين واليهودي ‪.‬‬
‫واحلاصل أن أمريكا وبريطانيا وراء حماربة اجلهاد ِف كل مكان ‪ ،‬وهم وراء دعم الصهاينة ِف‬
‫فلسطني ‪ ،‬ووراء احلصار االقتصادي على دولة طالبان اإلسالمية ِف أفغانستان ‪ ،‬ووراء دعم الروس‬
‫ضد اجملاهدين الشيشان ‪ ،‬ودعم النصارى ضد إخواننا اجملاهدين ِف الفلبني وإندونيسيا وكشمري‬
‫وغريها ‪ ،‬وهم وراء دعم أي توجه إلضعاف اجلهاد اإلسالمي وإضعاف املسلمني ‪ ،‬ووراء حماصرة‬
‫شعب العراق املسلم وشن الغارات اليومية عليه منذ أكثر من عشر سنني ظلما وعدواان ‪ ،‬مع قطع‬
‫النظر عن حكامه ‪.‬‬
‫وقد صدق فيهم وِف غريهم قوله تعاىل ( ولن ترضى عنك اليهود وال النصارى حىت تتبع ملتهم‬
‫)(سورة البقرة اآلية‪. )49٧:‬‬
‫اللهم عليك ابألمريكان والربيطانيني واليهود والنصارى وأعواهنم وأشياعهم ‪ ،‬اللهم اشدد وطأتك‬
‫عليهم واجعلها سنني كسين يوسف ‪ ،‬كما أسأله سبحانه أن يوفق علماء املسلمني إىل أن يصدعوا‬
‫ابحلق وأال خيشوا ِف هللا لومة الئم ‪.‬‬

‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫أماله فضيلة الشيخ‬
‫أ ‪ .‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪ 4199 / 1 / 1‬ه‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد (‪ )224‬وحكم شعيب األرنؤوط صحيح لغريه ‪.‬‬

‫‪829‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫رسالة موجهةٌ من فضيلة الشيخ‪ /‬محود بن عبد هللا بن عقالء الشعييب رىل مساحة‬
‫املفيت العام الشيخ‪ /‬عبد العزيز بن عبد هللا بن ابز‪ -‬يرمحهم هللا‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف املرسلني سيدان دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني‪ ،‬أما بعد‪..‬‬
‫فهذه رسالة موجهة من فضيلة الشيخ‪ /‬محود بن عبد هللا بن عقالء الشعييب إىل مساحة املفيت العام‬
‫الشيخ‪ /‬عبد العزيز بن عبد هللا بن ابز‪ -‬يرمحه هللا‪ِ -‬ف شأن الدفاع عن فضيلة الشيخ‪ /‬سليمان بن‬
‫علوان عندما افرتى عليه أعداؤه احلاقدين من األكاذيب واالفرتاءات‪ ،‬محلهم على ذلك احلسد‬
‫الذي أحرق صدورهم بسبب ما فتحه هللا على فضيلة الشيخ‪ /‬سليمان من عل ٍم ودراية‪ .‬وهذا نص‬
‫الرسالة‪:‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫احلمد هلل وحده‪ ،‬والصالة والسالم على من ال نيب بعده‪ ،‬وبعد‪..‬‬
‫من محود بن عقالء الشعييب إىل مساحة الشيخ‪ /‬عبد العزيز بن عبد هللا بن ابز‪ -‬حفظه هللا‪ -‬و َّ‬
‫أمد‬
‫ِف عمره على عمل صاحل‪.‬‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا تعاىل وبركاته‪ ..‬وبعد‪:‬‬
‫كثريا وأقلقين ما مسعته وبلغين من كتاابت بذيئة واهتامات ابطلة وتزويرات واضحة من‬ ‫لقد ساءين ً‬
‫بينة وبرهان ممن يدَّعون االنتساب للعلم‪ ،‬والعلم وأهله بريئان ممن يسلكون هذه املسالك‬ ‫دون ٍ‬
‫الباطلة ضد العلماء وطلبة العلم‪ ،‬أال وهم من قاموا ضد الشيخ‪ /‬سليمان بن انصر بن علوان من‬
‫احلساد املغرضني‪.‬‬
‫مساحة الشيخ‪ ...‬إن الشيخ‪ /‬سليمان العلوان قد عرفه اجلميع واستفاض ذكره‪ ،‬وهو ممن نعرفه منذ‬
‫نعومة أظفاره ابالشتغال بطلب العلم وحفظه ومدارسته‪ ،‬حىت بدأت دروسه ِف علم العقيدة‬
‫انكب على احلديث فصار الدليل قرينه ِف دروسه‬ ‫واحلديث والفقه وأصوله ِف سائر الفنون‪ ،‬و َّ‬
‫وفتاويه‪ ،‬وحرص على علم اجلرح والتعديل وعلم الرجال حىت برع فيه‪ ،‬ف َق َّل أن يذكر حديثًا إال‬
‫وحفظَه من كل فن‪ ،‬وكم قُرىء عليه ِف دروسه‬ ‫منت َّ‬‫شرح من ْ‬
‫وخيرجه‪ ،‬واحلمد هلل على ذلك‪ .‬فكم َ‬
‫من كتاب وفسره‪ ،‬وكم ُسئل من مسألة فكتب فيها وأجاد‪ .‬ومن دروسه‪ -‬على سبيل املثال‪ -‬وهي‬
‫اندرا‪ ،‬نسأل هللا أن يزيدها ويبارك ِف الشيخ‬
‫دائمة ِف اإلجازات وغريها وال تتوقف بفضل هللا إال ً‬

‫‪831‬‬
‫وعلمه‪ :‬درس بعد صالة الفجر من كل يوم عدا اجلُ َمع ِف ستة متون من كتب العلم‪ ،‬وهي بلوغ‬
‫املرام وكتاب التوحيد والرحبية وسنن أيب داود وتفسري البغوي وخنبة الفكر‪ ،‬ودروس بعد الظهر حىت‬
‫قبل العصر كذلك وهي ِف صحيح البخاري والرتمذي واملوطأ وِف النحو وِف العقيدة والفقه‬
‫وغريها‪ ،‬وحديث العصر والعشاء ِف املسجد اجملاور ملنزله ِف الفقه واألحكام وتوضيح الدين وبيانه‪،‬‬
‫بل من فضل هللا كل جمالسه عامرة بذلك‪.‬‬
‫ُبني لسماحتكم ما يتميز به الشيخ‪ /‬سليمان من غريةٍ لدين هللا‪ ،‬وصدع ابحلق‬ ‫وال أنسى أن أ ِ‬
‫وإنكار للمنكرات وحمبة للعلماء والدعاة الصادقني املخلصني‪ ،‬مما حدا ابحلُساد واملغرضني‬
‫واحلاقدين أن يشوا به ويكتبوا فيه ما شاءوا مما متليه عليه أهوا ٍؤهم‪.‬‬
‫مساحة الشيخ‪ ...‬إنين ال أريد ِف هذه الرسالة أن أترجم للشيخ‪ /‬سليمان حىت تعرفونه‪ ،‬فلرمبا‬
‫عندكم عنه الشيء الكثري‪ ،‬وتسمعون عنه وعن جهوده العلمية ما يغين عن اإلطالة وبسط‬
‫احلديث‪ ،‬وما ذكرتُه عنه ِف هذه الرسالة إشارة موجزة فقط حىت تتيقنوا أن ما يُكتَب عنه إمنا هو‬
‫من ابب احلسد واحلقد وإرادة الوقيعة به‪ ،‬من مثل هذا الكاتب ومن معه ووراءه‪ ،‬وما أ َُمثِل ما قاموا‬
‫به ضد الشيخ إال كما قال الشاعر‪:‬‬

‫ورذا أتت مذميت من انقص __________ فهي الشهادة يل أبين كامل‬

‫مساحة الشيخ‪ ...‬أيليق برجل من أهل العلم والفضل من أمثال الشيخ‪ /‬سليمان أن يُ َرتك لقمةً‬
‫سائغة هلؤالء احلاقدين املغرضني الذين ليس هلم إال تتبع العلماء واإلطاحة هبم والنيل من‬
‫أعراضهم؟!! إن خطر هؤالء على العلماء والدعاة كبري إذا تُركوا وما شاءوا‪.‬‬
‫مساحة الشيخ‪ ...‬إنين ال أريد ِف هذا اخلطاب الدفاع عن الشيخ‪ /‬سليمان فقط‪ ،‬ولكن ً‬
‫دفاعا عن‬
‫العلم والعلماء‪ ،‬ألن أمثال هؤالء إن ُس ِكت عنهم جترءوا على ما هو أشد وأكرب من ذلك‪،‬‬
‫ويتجرءون على غريه من العلماء والدعاة‪ ،‬وأرجوا من مساحتكم َرْدع هؤالء وذلك مبا يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬يَُرُّد اعتبار الشيخ‪ /‬سليمان‪ ،‬ألن الذي جرأ هؤالء على الكتابة على شكل مؤلف بال شك‬
‫أهنم يتحدثون به ويشتهرون بذلك ِف كل جملس‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬حماكمة هؤالء على ما قاموا به من الكذب والتزوير‪ ،‬فال خيفى على مساحتكم خطر التزوير‬
‫ِف أمور الدنيا ولو على الفساق فكيف ابلعلماء‪.‬‬

‫‪831‬‬
‫الشيخ ابلكذب واهتامه ابلتكفري من أخطر األشياء وأعظم األمور‪ ،‬وقد ثبت ِف‬
‫َ‬ ‫اثلثا‪ْ :‬رمي هؤالء‬
‫مسلم عن أيب هريرة هنع هللا يضر أنه قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬أميا امرئ قال ألخيه اي كافر فقد ابء هبا‬
‫أحدمها‪ ،‬إن كان كما قال‪ ،‬وإال رجعت عليه»(‪ ،)4‬فهل ُح ِقق مع هؤالء ونوقِشوا وطُلِب منهم‬
‫إثبات احلقائق على ذلك وما مقصدهم من ذلك وإىل أي شيء يهدفون‪.‬‬
‫كية َخ ِطية للشيخ‪ /‬سليمان وتسلية له ملا يعانيه من‬ ‫رابعا‪ :‬أرجو من مساحتكم أن تتكرموا بكتابة تز ٍ‬
‫أذى هؤالء إحقاقًا للحق وإبطاالً للباطل ورد اعتبار للشيخ‪.‬‬
‫ويف اخلتام؛ جزاكم هللا عنا وعن املسلمني خري اجلزاء على ما تقومون به وتبذلون من جهود عظيمة‬
‫خلدمة اإلسالم واملسلمني‪ ،‬ونسأل هللا أن يبارك ِف جهودكم‪ ،‬وأن يعينكم على أموركم‪ ،‬ويسدد‬
‫خطاكم‪ ،‬وأن جيعلكم شجرةً مباركة‪ ،‬وأن خيتم لنا ولكم خبري‪.‬‬
‫أماله الشيخ‪ /‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫التاريخ ‪4141/1/4‬ه‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم حتت حديث رقم ‪. )1٧( -444‬‬

‫‪832‬‬
‫(‪)4‬‬ ‫بيان يف الدفاع عن الشيخ عبدالكرمي احلميد‬

‫احلمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا ‪ ،‬وبعد ‪:‬‬


‫فإن فضيلة الشيخ عبد الكرمي بن صاحل احلميد ‪ -‬وفقه هللا ‪ -‬من أهل العلم العاملني الذين‬
‫السنة والذب عن حياضها ‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ضوا أعمارهم وأوقاهتم ِف نصر ُّ‬ ‫أعطاهم هللا بصرية ِف الدين ممَّن قَ َ‬
‫ت ِف اآلونة األخرية على كث ٍري من‬ ‫هكذا حنسبه وهللا حسيبه وال نزكي على هللا أحداً ؛ وقد اطَّلَ ْع ُ‬
‫ب ورسائل فضيلة الشيخ وهي ِف الرد على أهل البدع واألهواء وِف الرقائق وإنكار املنكرات ‪،‬‬ ‫ُكتُ ِ‬
‫انتهج فيها الشيخ عبد الكرمي منهج أهل السنة واجلماعة ‪ ،‬نسأل هللا أ ْن يزيده من فضله ‪.‬‬

‫ومن هنا حنث الشباب وطلبة العلم أن يُكثروا من االستفادة من ِعلم الشيخ ومن كتبه وحبوثه ‪ ،‬وأن‬
‫ود ْر َسه إذ فيها نفع عظيم ‪.‬‬
‫يلتزموا َح ْل َقتَه َ‬

‫نسأل هللا أن َميُ َّن على فضيلة الشيخ عبد الكرمي ابلثبات على اإلسالم ‪ ،‬والتوفيق ؛ وأن يزيده من‬
‫العلم النافع والعمل الصاحل إنه ويل ذلك والقادر عليه ‪.‬‬

‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫أماله ‪ /‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪ 4199 / 5 / 42‬ه‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬وجدت هذا البيان ِف موقع ملتقى أهل احلديث ضمن مقالة بعنوان‪ :‬ترمجة خمتصرة لفضيلة الشيخ عبدالكرمي‬
‫احلميد ‪.‬‬

‫‪833‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫معايل األخ العزيز مدير جامعة املل سعود‪ -‬رعاه هللا ووفقه‪-‬‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪ ...‬وبعد‬
‫درس لطالبات كلية الرتبية الفنية‪ ،‬وهي إحدى املقررات على‬ ‫قد وقع ِف يدي صورة ملذكرةٍ تُ َّ‬
‫الطالبات‪ ،‬واسم املادة (فنون عصر النهضة والفنون اجلميلة)‪ ،‬وِف الكتاب املقرر صور فاضحة‬
‫صورا لعدد من األنبياء عليهم السالم‪ ،‬ويزيد األمر‬‫عارية لرجال ونساء‪ ،‬وأسوأ من ذلك أهنا حتوي ً‬
‫سوءًا أن أستاذ املادة د‪ /.‬دمحم الرصيص يعرض هذه الصور للطالبات ملونة عرب الشبكة التلفزيونية‪.‬‬
‫ذرعا هبذه املادة‪ -‬يشتكني من عرض األستاذ لصور أخرى‬ ‫ِ‬
‫وفوق ذلك كله فالطالبات‪ -‬وقد ضقن ً‬
‫قبحا‪ ،‬مثل عرضه لصورة (الذات اإلهلية) على شكل رجل مسني ذي‬ ‫خارج هذا الكتاب هي أشد ً‬
‫كثريا من الطالبات للخروج من القاعة كما جاء ذلك ِف الرسالة‬ ‫حلية‪ ،‬قبيح املنظر‪ ،‬مما اضطر ً‬
‫املوجهة من الطالبات واملرفقة ملعاليكم من املذكرات املقررة‪.‬‬
‫ومما جيدر ذكره أنه بلغين أن هذا الكتاب املقرر ال يُباع ِف املكتبات اخلاصة وال العامة‪ ،‬وال يوجد‬
‫إال ِف قسم املمنوعات اليت ال يُسمح إبعارهتا مبكتبة امللك سعود برقم (‪ 2٧1/9٧‬ع ن ف)‪.‬‬
‫معايل املدير‪ ...‬نعلم غريتكم لدين هللا وحرصكم على مسعة اجلامعة‪ ،‬ونثق أنكم ال ترضون عن هذا‬
‫الواقع‪ ،‬بل وال يتفق ما يعرض من رسالة اجلامعة وأهدافها‪...‬‬
‫لذا هنيب مبعاليكم سرعة النظر ِف هذه املادة‪ ،‬ومسائلة أستاذها‪ ،‬ومعاقبة من يتجرأ على عقيدة‬
‫أهل هذه البالد وقِيَ ِمهم‪ ،‬ونقرتح على معاليكم تشكيل جلنة ممن تثقون به للنظر ِف عموم مناهج‬
‫قسم الرتبية الفنية؛ فثمة مناهج أخرى من أمثال (فنون الغرب ِف العصور الوسطى والنهضة‬
‫والباروك والعصور احلديثة)‪ ،‬ويدرس املادة د‪ /.‬دمحم عبد الرمحن النملة‪ ،‬وفيها هي األخرى صور‬
‫فاضحة ال يليق عرضها على الطالبات والطالب‪ .‬وحيق لنا وملعاليكم أن نتساءل‪ :‬أال يوجد ِف‬
‫الفن اإلسالمي بديل عن هذه الفنون املخلة ابلعقيدة واألخالق؟‬
‫سدد هللا خطاكم ِف مسؤوليتكم‪ ،‬وكتب اخلري على أيديكم‪ ،‬وأصلح هللا اجلميع معلمني‬
‫ودارسني‪...‬‬
‫والسالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪.‬‬
‫أخوكم محود بن عقالء الشعييب‬
‫األستاذ (ساب ًقا) ِف قسم العقيدة واملذاهب املعاصرة جبامعة اإلمام دمحم بن سعود اإلسالمية‬
‫القصيم – بُريدة ص‪ .‬ب‪ - 1421 /.‬هاتف‪٧14954221/‬‬

‫‪834‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫رسالة من الشيخ محود رمحه هللا اىل معايل األخ الدكتور دمحم بن أمحد‬
‫الرشيد "وزير املعارف"‬
‫اململكة العربية السعودية‬
‫القصيم‪/‬بريدة‬
‫مكتب فضيلة الشيخ‪ /‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫التاريخ ‪419٧/4٧/91‬ه‬
‫الرقم‪……………… /‬‬

‫معايل األخ الدكتور‪ /‬دمحم بن أمحد الرشيد (وزير املعارف)‪ -‬سلمه هللا‪...-‬آمني‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته فنشري إىل وصول خطابكم املؤرخ ِف ‪419٧/2/44‬ه ‪ ،‬وإننا‬
‫نشكر ملعاليكم جتاوبكم السريع مع ما مت طرحه من مالحظات حول املدارس األجنبية ِف اململكة‪،‬‬
‫إيضاح لبعض األمور املتعلقة هبذا املوضوع‪ ،‬وإننا لنُ َق ِدر فيكم‬
‫ٍ‬ ‫وما قمتم به‪ -‬مشكورين‪ -‬من‬
‫اهتمامكم وحرصكم‪ .‬حفظكم هللا وسدد خطاكم‪ .‬والسالم عليكم ورمحة هللا تعاىل وبركاته‪.‬‬
‫أخوكم محود بن عبد هللا بن عقالء الشعييب ‪.‬‬

‫‪835‬‬
‫املقدمات وما رليها‬
‫الصحيحني"(‪)4‬‬ ‫كتاب املوثق "مجع ألحاديث األحكام من‬
‫تقريظ فضيلة الشيخ العالمة محود بن عقالء الشعييب‬
‫احلمدهلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني‪ ،‬نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني‪...‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فقد اطلعت على ما مجعه الشيخ صاحل بن عبدهللا الشقيق ِف كتابه املسمى (املوثق) الذي بناه‬
‫على األحاديث النبوية اليت معظمها مما اتفق عليه الشيخان أو انفرد به أحدمها ‪ ،‬وقد رتبه على‬
‫أبواب الفقه ‪ ،‬فوجدته كتاابً جيداً انفعاً حافالً ابألدلة الشرعية‪ ،‬شامالً ألبواب الفقه ‪ ،‬وهذا‬
‫منحى ومنهج مبارك من ربط الناس على االعتماد على األدلة الشرعية ِف األحكام الفقهية ‪.‬‬
‫وإذا كان هذا املؤلف املبارك هبذه املنزلة من صحة أحاديثه ‪ ،‬وحسن تنظيمه ‪ ،‬وترتيب أبوابه ‪،‬‬
‫ومجعه ملعظم األحكام اليت حيتاج إليها الطالب ‪ ،‬فإين أنصح أبن يقرر مبعاهد العلمية أو ما مياثلها‬
‫كمادة للحديث‪.‬‬
‫ونسأل هللا عز وجل له التوفيق ولكتابه القبول‪.‬‬
‫وصلى هللا وسلم على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫أماله‬
‫محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪ 4194/49/9٧‬ه‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬أنظر كتاب املوثق "مجع ألحاديث األحكام من الصحيحني" ص‪4‬‬

‫‪836‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫التوحيد (‪)4‬‬ ‫كتاب حقائق يف‬
‫تقدمي مساحة الوالد العالمة الشيخ محود بن عقالء الشعييب ‪:‬‬

‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني ‪،‬وبعد‪:‬‬
‫فإن التأليف والتدريس والشرح ِف كتب التوحيد والعقيدة من أهم األمور و أعظمها ‪ ،‬ألن هذا‬
‫العلم هو من أفضل العلوم قال تعاىل (فاعلم أنه ال اله إال هللا واستغفر لذنبك )(‪ )9‬والسيما ِف‬
‫هذا العصر الذي اشتدت فيه الغربة وكثر فيه اجلهل ابلتوحيد والعقيدة إال من رحم هللا ‪ ،‬فنشرها‬
‫اآلن واالهتمام بذلك من أعظم القرب واجلهاد ‪ ،‬السيما ِف هذا الزمن الذي بدأان نسمع فيه‬
‫الدعوات والصيحات من هنا ومن هناك ِف التزهيد ِف كتب التوحيد والعقيدة السيما ِف كتب‬
‫اإلمام العالمة الشيخ دمحم بن عبد الوهاب رمحه هللا وِف كتب ورسائل أئمة الدعوة املباركة ‪ ،‬ولقد‬
‫اطلعت على مؤلفات فضيلة الشيخ علي بن خضري اخلضري الثالثة ِف جمال التوحيد وهى كتاب‬
‫اجلمع والتجريد ِف شرح كتاب التوحيد اجلزء األول ‪،‬وكتاب احلقائق ِف التوحيد ‪،‬وكتاب التوضيح‬
‫والتتمات على كشف الشبهات ‪،‬فوجدهتا كتب مفيدة وانفعة ِف ابهبا ‪ ،‬فنسأل هللا تعاىل أن‬
‫يكتب هلا القبول والتوفيق ‪ ،‬كما أحث إخواننا املسلمني على االهتمام ابلتوحيد والعقيدة تعلما‬
‫وعمال ودعوة ففي ذلك الفضل العظيم والنصر املبني‬
‫نسأل هللا أن ينصر دينه ويرفع رآية التوحيد واجلهاد وأن خيذل أعداء هذا الدين إنه وىل ذلك‬
‫والقادر عليه ‪،‬وصلى هللا وسلم على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫أماله فضيلة الشيخ العالمة محود بن عقالء الشعييب‬

‫اخلتم‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬أنظر كتاب حقائق ِف التوحيد ص ‪4‬‬
‫(‪ )9‬سورة دمحم ‪42 :‬‬

‫‪837‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫كتاب التبيان ملا وقع يف الضوابط منسواب ألهل السنة بال برهان‬
‫املسائل (‪)4‬‬ ‫وكتاب رجناح حاجة السائل يف أهم‬

‫تقدمي الشيخ العالمة محود العقالء الشعييب‬


‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فقد اطلعت على كتاب‪ (( :‬التبيان ملا وقع ِف الضوابط منسوابً ألهل السنة بال برهان )) مجع‬
‫وإعداد الشيخ‪ :‬أمحد بن محود اخلالدي وفقه هللا‪ ،‬فوجدته كتاابً انفعاً فيما حتدث عنه ِف مسألة‬
‫األمساء واألحكام والشرك وقيام احلجة وما يتعلق بذلك ومسائل البدع واحلجة فيها ومسائل‬
‫الوعيد‪.‬‬
‫وهذه املسائل من املسائل املهمة ِف هذا العصر ملن وفقه هللا ِف فهمها ومعرفتها حق املعرفة‪ ،‬فجزاه‬
‫هللا خرياً على ذلك‪.‬‬
‫كما اطلعت على رسالته املسماه‪ (( :‬إجناح حاجة السائل ِف أهم املسائل )) حيث خلص ِف هذه‬
‫الرسالة املسائل السابقة ِف كتابه‪(( :‬التبيان))‪ ،‬وما أضاف إليها من ذكره إلصول ِف التوحيد‬
‫والشرك والطاغوت وما إىل ذلك‪ ،‬فوجدته قد أجاد وأفاد وأحسن‪.‬‬

‫نسأل هللا أن يوفقنا وإايه وإخواننا املسلمني إىل الصواب واحلق وهللا اهلادي إىل سواء السبيل‪.‬‬
‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه امجعني‬
‫أماله‪ :‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪ 4199 /1 / 42‬ه‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬أنظر كتاب إجناح السائل ِف أهم املسائل ص ‪4‬‬

‫‪838‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫تدمري(‪)4‬‬ ‫كتاب التأصيل يف مشروعية ما حصل ألمريكا من‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف النبيني واملرسلني؛ نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني‪ .‬أما بعد‪:‬‬
‫ت على ما كتبه فضيلة الشيخ‪ /‬عبد العزيز بن صاحل اجلربوع‪ -‬وفقه هللا‪ِ -‬ف كتابه‪( :‬‬ ‫فقد اطَّ ْلع ُ‬
‫التأصيل ِف مشروعية ما حصل ألمريكا من تدمري )؛ حيث بىن كتابه‪ -‬وفقه هللا‪ -‬على ٍ‬
‫أصول‬
‫معينة ذكر فيها وجوب إعداد العدة املعنوية واحلسية لقتال الكفار‪ ،‬وعدم جواز محل األمة على‬
‫خصوصا إذا كانت هذه اآلراء ُم َسيَّسة ختدم جهات‬
‫ً‬ ‫رأي واحد وإلزامها به إذا كان خمال ًفا للشريعة‪،‬‬
‫معينة‪ ،‬وذكر أن األصل مع الكفار احلرب‪ .‬وتكلم عن مسائل عقد اهلدنة وما يتعلق هبا‪ ،‬وتكلم‬
‫عن اهلدنة الباطلة املخالفة للشريعة‪ ،‬وذكر مسألة مظاهرة الكفار وحكمها ِف الشريعة وهو الكفر‬
‫والردة‪ ،‬مث تكلم عن ما أصاب أمريكا من أحداث الدمار لصرحها االقتصادي والعسكري‪ ،‬مث َّبني‬
‫مشروعية هذا العمل لو قام به مسلمون وأنه من اجلهاد ِف سبيل هللا‪ .‬مث ختم كتابه ابستعراض‬
‫الشبَه الباطلة اليت يروجها وينشرها بعض املشبوهني واملنهزمني والصادين عن سبيل‬ ‫جمموعة من ُ‬
‫اجلهاد‪ .‬وقد أحسن ِف استعراض الشبهة والرد عليها‪ .‬فهو كتاب مفيد وانفع ننصح بقراءته‪ ،‬ويعترب‬
‫سالحا يتمسك به املسلم ملقاومة التيارات احلديثة الفاسدة‪ .‬والشيخ‪ /‬عبد العزيز‪ -‬وفقه هللا‪ -‬أبلى‬ ‫ً‬
‫بالءً حسنًا ِف مقاومة هذه التيارات واألقاويل الباطلة املنهزمة‪ ،‬وتصدى هلا وبذل جهده ونصحه‬
‫يدا واحدة‬ ‫لإلسالم واملسلمني‪ .‬وهكذا ينبغي أن يكون العلماء واملشايخ ِف هذه الفرتة‪ :‬أن يكونوا ً‬
‫قوية ِف النصح والصدع ابحلق؛ ال خيافون ِف هللا لومة الئم‪ ،‬وال جياملون أو يداهنون أو يتنازلون أو‬
‫يتميعون‪ .‬وهللا غالب على أمره‪ ،‬وال تزال طائفة من األمة على احلق منصورة ال يضرها من خالفها‪.‬‬
‫نسأل هللا أن ينصر اجملاهدين ِف سبيله ِف كل مكان‪ ،‬وأن خيذل أمريكا ومن ظاهرها وواالها‪،‬‬
‫تدمريا إىل تدمريهم‪ ،‬إنه ويل ذلك والقادر عليه‪.‬‬
‫ويزيدهم ً‬
‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أماله فضيلة الشيخ‬
‫أ‪ /.‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪4199/2/4‬ه‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬أنظر كتاب التأصيل ِف مشروعية ما حصل ألمريكا من تدمري ص ‪4‬‬

‫‪839‬‬
‫األمريكان (‪)4‬‬ ‫كتاب التبيان يف كفر من أعان‬
‫تقدمي ؛ مساحة الشيخ محود بن عقالء الشعييب ‪ -‬حفظه هللا تعاىل ‪-‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني‪.‬‬
‫وبعد‪...‬‬
‫فقد اطلعت على كتاب "التبيان ِف كفر من أعان األمريكان" لفضيلة الشيخ انصر بن محد الفهد‬
‫‪ -‬حفظه هللا تعاىل ‪ -‬فوجدته من أحسن الكتب ِف بيان هذه املسألة‪ ،‬حيث اجتهد ‪ -‬وفقه هللا‬
‫‪ِ -‬ف مجع األدلة وتوضيحها ِف هذه املسألة العظيمة اليوم؛ وهي كفر وردة من أعان وظاهر‬
‫األمريكان كما عنون ‪ -‬جزاه هللا خرياً ‪ -‬بذلك كتابه‪ .‬وال شك أن هذه املسألة إمجاعية وفاقية‪،‬‬
‫وكان من األمر العجيب ومن غربة الدين أن تكون هذه املسألة الواضحة وضوح الشمس جمال‬
‫جهل أو التباس أو متييع عند بعض العلماء فضالً عن غريهم وال حول وال قوة إال ابهلل‪.‬ولذا فإنين‬
‫أنصح مجيع الطبقات من علماء وطلبة علم ودعاة وشباب الصحوة بقراءة هذا الكتاب واقتنائه‬
‫وجعله سالحاً يستفاد منه ِف مواجهة بعض األقوال واآلراء والتيارات املشبوهة اليوم اليت يراد منها‬
‫أن تروج وأن تستحوذ على أفكار الناس‪.‬‬

‫وال تزال طائفة من هذه األمة على احلق منصورة جتاهد وتصاول ضد الباطل وأتباعه‪ ،‬وهللا انصر‬
‫جنده وحزبه‪ ،‬قال تعاىل‪{:‬وإن جندان هلم الغالبون }(الصافات‪ ،)414:‬وقال تعاىل‪{:‬والعاقبة‬
‫للمتقني}(األعراف‪ ،)49٧:‬وقال تعاىل ‪{:‬وأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث‬
‫ِف األرض}(الرعد‪.)41:‬‬

‫وإين أحث إخواننا العلماء خاصة أن يتقوا هللا ِف هذه األزمنة وأن يقوموا مبا أوجب هللا عليهم من‬
‫الصدع ابحلق والبيان للناس ِف األمور املهمة واخلطرية‪{ ،‬وإذ أخذ هللا ميثاق الذين أوتوا الكتاب‬
‫لتبيننه للناس وال تكتمونه}(آل عمران‪ ،)4٧1:‬وقال تعاىل‪{:‬فاصدع مبا تؤمر وأعرض عن املشركني‬
‫}(احلجر‪ ،)21:‬وأن جياهدوا ابلكلمة والبيان والفتوى وال يراعوا ِف ذلك هوى حاكم‪ ،‬وال دنيا‬
‫زائلة ‪{،‬وإن تتولوا يستبدل قوماً غريكم مث ال يكونوا أمثالكم}(دمحم‪.)4٧:‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬أنظر كتاب التبيان ِف كفر من أعان األمريكان ص ‪4‬‬

‫‪841‬‬
‫والشيخ انصر الفهد ‪ -‬وفقه هللا ‪ -‬له جهود مباركة‪ ،‬فقد ساهم وجاهد ‪ -‬وفقه هللا ‪ِ -‬ف مناصرة‬
‫احلق وأهله‪ ،‬ودفع الباطل وأهله‪ ،‬وتصدى هلم ِف كتب ورسائل كثرية معروفة‪ ،‬نسأل هللا أن يكتب‬
‫له األجر واملثوبة وأن يثبته على ذلك‪.‬‬

‫نسأل هللا تعاىل أن ينصر اجملاهدين ِف كل مكان‪ ،‬وأن خيذل الكافرين وأعواهنم ِف كل مكان‪.‬‬
‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أماله؛ أ‪ .‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪ 4199/٧/5‬ه‬

‫‪841‬‬
‫رسالة الشيخ محود بن عقالء الشعييب للدكتور حمسن العواجي ‪..‬‬
‫خبصوص منتدى الوسطية‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫حضرة الدكتور‪ /‬حمسن العواجي‪ -‬حفظه هللا‪-‬‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪ ..‬أما بعد ‪:‬‬
‫حممدا ملسو هيلع هللا ىلص ابهلدى ودين احلق ليظهره على الدين كله ولو كره‬
‫(‪ )4‬فإن هللا سبحانه وتعاىل أرسل ً‬
‫الكافرون‪ ،‬ووفقنا ألن حنمل جزءًا من هذه الدعوة حىت نكون حلقةَ توصيل الدين ملن خفي عليه‬
‫أو جهله‪ .‬وإذا كنا كذلك فقد أوجب علينا هللا سبحانه وتعاىل أن نتوخى القصد احلسن والعمل‬
‫الصاحل‪ ،‬وال نتبع األهواء وال الشهوات حىت ال نضل عن سبيل رب العاملني‪.‬‬
‫اصر من جهات ِعدة من خالل القنوات الفضائية والصحف واجملالت والتلفزة‬ ‫ومبا أن دعوتنا ُحت َ‬
‫واإلذاعة واإلنرتنت وغري ذلك؛ جند أن هناك من طلبة العلم املعدودين على الدعوة والغرية على‬
‫دعما هلذا التوجه وهذه الدعوة اجلديدة لتمييع الدين وحماولة تشتيت أفكار‬ ‫الدين‪ ،‬جند منهم ً‬
‫العامة وتشكيكهم ببعض مسلمات الدين‪ ،‬وحماولة إقناعهم ببعض البدعيات والشركيات وببعض‬
‫األشخاص احلاملني لبعض اللواثت إما الفكرية أو العقدية‪ ..‬حىت جيعلوا ملا يُبث ِف تلك اجلهات‬
‫أرضية تتوافق هي وتلك الدعوات‪ ،‬حىت تنسلخ األمة‪ -‬كما هي ِف طريقها إىل ذلك‪ -‬من العفة‬
‫والغرية‪ ،‬وتصبح األمة أمةً ممسوخة ال تعي متطلبات الشريعة‪ ،‬وال تعي ما يُراد منها‪ ،‬حىت أييتَ يوم‬
‫من األايم‪ -‬وبسبب هؤالء الدعاة هداهم هللا‪ -‬فال جند لدعوتنا ُمرِد ًدا ‪.‬‬
‫وقد تعددت علي الشكاوى على منتداكم "الوسطية"‪ ،‬وكنت أمتنع عن أن أصدر شيئًا حىت أطَّلِع‬
‫بنفسي على ما يقوله اإلخوة طلبة العلم‪ ،‬وأتبني من األمر ِمن قِبَلِكم‪ ،‬وقد اطلعت على مجلة من‬
‫املقاالت املعروضة ِف املوقع‪.‬‬
‫واستعجبت أشد العجب من تلك املواضيع الغريبة‪ ،‬واليت هي ِف مجلتها إما تشكيك ملسلمات‬
‫سب لعقيدة‬ ‫الدين وضروراته‪ ،‬أو حماولة إزالتها ابلكامل من عقول املسلمني‪ ،‬أو نشر للبدعة‪ ،‬أو ٌّ‬
‫تعاظمت‬ ‫أهل التوحيد‪ ،‬ووصف أهلها أبوصاف ال ينبغي أن تنبعث من ٍ‬
‫جهة أنتم أصحاهبا‪ ،‬وقد‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ذلك ِف نفسي‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬مبا أن الدكتور وفقه هللا نشر هذه الرسالة مبنتداه وكانت خاصة به ‪ ،‬وكما يقول ‪ ( :‬حىت تعم الفائدة ) فنحن‬
‫كذلك ننشرها حىت تعم الفائدة ‪ .‬أماله محود بن عقالء الشعييب ‪ 4199 / 1 / 9٧‬ه ‪.‬‬

‫‪842‬‬
‫وأريد اآلن أن أعرض عليك ما يدور ِف منتداكم كما أطْلعه علي بعض طلبة العلم‪ ،‬وهو كما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬فيما خيص منهج أهل السنة واجلماعة‪:‬‬
‫‪ -4‬عدم اإلمساك عما شجر بني صحابة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬كما نُِقل ِف "الوسطية" تكذيب أيب‬
‫الدرداء ملعاوية رضي هللا عنهما‪.‬‬
‫‪ -9‬فتح ابب االجتهاد ِف املعتقد‪ ،‬وهذا غري جائز إبمجاع أهل السنة‪.‬‬
‫‪ -4‬التعريض أبهل السنة لقيامهم ضد من قال خبلق القرآن‪.‬‬
‫‪ -1‬انتقاد التعصب لرأي أهل السنة واملطالبة حبرية االعتقاد‪.‬‬
‫‪ -5‬التعرض لعقيدة الشيخ‪ /‬دمحم بن عبد الوهاب وملزها بسيئ األقوال‪.‬‬
‫ب‪ -‬فيما خيص دعم منهج الفرق الضالة‪:‬‬
‫الصفَّار ِف‬ ‫‪ -4‬السماح للرافضة أن ينشروا دعوهتم ملنهجهم الرافضي‪ ،‬مثلما نُ ِشر عن إقامة حماضرة َّ‬
‫أحاديتهم‪.‬‬
‫‪ -9‬التعرض لصحابة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص كما ِف نسبة عقيدة "اجلرب" ملعاوية هنع هللا يضر‪.‬‬
‫‪ -4‬السماح للكفار وللكتاب أصحاب التوجهات امللوثة أو غري املعروفني أن يدخلوا أماكننا لكي‬
‫يبثوا معتقداهتم‪ ،‬وهذا خالف ما عليه صحابة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص كما ِف قصة صبيغ ملا ضربه عمر هنع هللا يضر‬
‫‪،‬خاصة إن كان النقاش حبضرة العامة من الناس والذين قد يرتدوا عن اإلسالم أو قد تتشتت‬
‫ذكرت أنك ال متانع من نقاش أي آدمي‪ ،‬وهذا مما ال جيوز فعله أو الرضا به‪.‬‬ ‫أفكارهم‪ ،‬وقد َ‬
‫‪ -1‬التشكيك ِف تضليل بعض الفرق واجلماعات مثل املعتزلة واألشعرية والصوفية واملاتريدية‪ ،‬وأهنم‬
‫ثورة كما يقول منتداكم إسالمية فكرية‪.‬‬
‫ج‪ -‬فيما خيص اخلالفات الفقهية‪:‬‬
‫كثريا قضية أن املسألة الفالنية فيها خالف وما أشبه ذلك‪ ،‬وهذا املنهج‬
‫يردد‪ -‬فيما عرض علي‪ً -‬‬
‫املسار عليه ِف املنتدى وهو البحث عن اخلالفات الفقهية أمام من ال يفقه األمر من أكرب‬
‫ُ‬
‫األخطاء‪ ،‬خاصة أنه قد يدخل البعض فيشكك مبصداقية بعض اآلراء كما شكك ِف معتقدات‬
‫كثريا من الناس قد يتشتت بسبب ذلك‪ .‬كل‬ ‫أهل السنة كما مر معنا‪ ،‬وال أظنك خيفى عليك أن ً‬
‫هذا ِف جهة وكون منتدى الوسطية حياول أن يبحث ببعض اآلراء اليت هي من متطلبات املتحررين‬
‫عن الدين واملطالبني إبخراج املرأة من عفتها وكرامتها وبيتها ِف جهة أخرى‪ ،‬وما ذكرتُه لك ِف أول‬
‫الرسالة هو ما أعنيه ِف هذه النقطة‪ ،‬فإذا كان منتداكم "الوسطية" يطالب بتحرير بعض املسائل‬
‫كغطاء املرأة ومساع الغناء والتصوير وغري ذلك‪ ،‬وحنن نعلم‪ -‬كما يعلم غريان‪ -‬ماذا يريدون بتلك‬

‫‪843‬‬
‫املطالبات‪ ،‬فإذا أثبتم أن ذلك من املباح؛ إذن فالقنوات الفضائية والتلفزة وقيادة املرأة وتصويرها‬
‫أيضا‪ ،‬فإذا‬
‫وإخراجها من بيتها لتقف جنبًا إىل جنب مع الرجل ِف عمله وسوقه وغري ذلك مباح ً‬
‫وانصرا للدعوات التحررية تلك اليت مرت على األمة‬ ‫ً‬ ‫داعما‬
‫كان منتداكم هبذه الطريقة‪ ..‬كان ً‬
‫اإلسالمية قبل عدة عقود‪ ،‬وكنتم بذاك انصرين و معاضدين ألفكار العلمانيني واحلداثيني‬
‫واملاسونيني وترويج أفكارهم بني املسلمني‪ ،‬وقد وجدتك تقول‪:‬‬
‫(‪ ...‬وأنه من طلبة العلم املتميزين ِف الرجوع للدليل وحبث املسائل الفقهية وحتريرها بتجرد‬
‫وقلت‪( :‬أال ميكن أن تكون هناك‬ ‫وتنقيحها مما قد يعلق هبا من "لواثت اجملتمع عرب السنني")‪َ ،‬‬
‫مسائل أخرى حتتاج إىل مبادرات مماثلة لبحثها "كالرمي" ِف يوم النحر وأايم التشريق ِف غري أوقاته‬
‫املعهودة‪ ،‬ومسائل "السفر" و"الدايت" و"اجلناايت" و"القضاء" و"النكاح" وغريها‪ ،)..‬وهذه‬
‫فهم منها أن وراء األكمة ما وراءها‪.‬‬
‫العبارات يُ َ‬
‫د‪ -‬فيما خيص العلماء وطلبة العلم‪:‬‬
‫توجه منتداكم لتجريح وإلصاق التهم على بعض العلماء وطلبة العلم‪ ،‬وحماولة تشويه‬
‫لفت نظري ُّ‬
‫أيضا‬
‫صورهتم أمام الناس‪ ،‬ووصمهم ابلتكفرييني واحلروريني والغالة وما أشبه ذلك‪ ،‬ولفت نظري ً‬
‫أنكم حتسنون احلديث مع الكفار وبعض أصحاب األفكار املنحرفة‪ ،‬أما مع بعض املشايخ وطلبة‬
‫العلم فمنتداكم من أشد الناس عليهم‪ ،‬وقد الحظت اآليت‪:‬‬
‫كنت أحرجت الشيخ‪ /‬سفر ِف‬ ‫‪ -4‬وصف الشيخ‪ /‬سفر ابهلوى وبعض األلفاظ غري الالئقة‪ ،‬وإن َ‬
‫منعْته الصحف فهذا ال يسمح لك أن جتعل من الشيخ ألعوبةً بني بعض‬ ‫عرض ذلك املقال الذي َ‬
‫من ال فَهم هلم وال فِقه وال دعوة‪ ،‬حىت تصل إىل نفس ما يقوم به بعض املغرضني ضد الدعوة‬
‫واخلري‪.‬‬
‫وص َفه منتداكم أن عباراته ضد تركي احلمد املرتد إنشائية ال تعرف‬
‫‪ -9‬الشيخ‪ /‬عوض القرين َ‬
‫احليادية واإلنصاف من قبيل وال من دبري‪ ،‬وأن ذلك َح ْجر فكري‪ ،‬وأن ذلك إصدار لصكوك‬
‫الزندقة والضالل وغري ذلك‪ ،‬ما معىن كل هذا‪ ،‬وما مقصود منتداكم من هذا التشويه ألقوال الشيخ‬
‫مبثل هذه اجلمل السيئة‪ ،‬واليت يراد منها تشويه صور من قام ضد العلمانيني واحلداثيني‬
‫والعقالنيني؟!‬
‫‪ -4‬الشيخ‪ /‬انصر الفهد وصفتموه ابحلروري‪ ،‬كيف ثبت لكم ذلك؟ ما معىن احلرورية عندكم؟‬
‫احلرورية عند أهل السنة هم من يُك ِفر بفعل الكبرية‪ ،‬هل وجدمت الشيخ‪ /‬انصر الفهد يفعل ذلك؟‬

‫‪844‬‬
‫بيِنوا لنا ذلك حىت نصدر فيه فتوى بذلك‪ ،‬أما أن تقولوا قوالً وتتبنونه ِف منتداكم ِف إصدار‬
‫األحكام على طلبة العلم لكوهنم هلم توجه غري توجهكم فهذا غري مقبول‪.‬‬
‫أيضا؛ ملاذا تسمح ملنتداكم أن يصفه بتلك األوصاف املشينة؟‬ ‫‪ -1‬الشيخ‪ /‬سليمان اخلراشي ً‬
‫ابلتكفري والتبديع والتفسيق؟ كيف أثبتم ذلك؟ ما الداعي ألن تسمح ل ُكتَّاب موقعك الذين مل‬
‫يُعرفوا ال بعل ٍم وال فقه وال نُصرة للدين أن يقوموا على الغيورين من طلبة العلم املعروفني ابلدعوة‬
‫واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر والوقوف ضد بعض أصحاب التوجهات وبعض املشبوهني أبن‬
‫أحكاما ملفقة؟ هل لكوهنم هلم توجه غري توجهكم؟ وإن متاديتم ِف ذلك فلن نقبله‬
‫ً‬ ‫يصدروا عليهم‬
‫ولن نرضاه ولن نسكت عنه‪ .‬وِف مقابل ذلك‪ِ -‬ف موقعكم‪ -‬تثنون على العلمانيني واحلداثيني‬
‫واملخالفني لسنن اإلسالم املميعني للدين‪ ،‬الشانئني للسلفيني‪ ،‬كيف يكون هذا؟‬
‫هـ‪ -‬الدفاع والثناء على العلمانيني واحلداثيني والعقالنيني‪:‬‬
‫وِف مقابل ذم إخواننا طلبة العلم والعلماء نرى منتداكم يثين على العلمانيني واحلداثيني وأصحاب‬
‫التوجهات السيئة ويبحث هلم عن األعذار واملربرات‪.‬‬
‫تركي احلمد املرتد الذي يستهزئ بكتاب هللا ورسوله ودينه تدافعون عنه وتذمون منتقديه‪ ،‬و‬
‫أيضا تبحثون له عن األعذار‪ ،‬والكاتب مجال سلطان املعروف بوقوفه ضد العقالنيني‬ ‫الغذامي ً‬
‫والعلمانيني وغريهم تصفونه أبنه إرهايب وغري ذلك‪.‬‬
‫آمرا ابملعروف انهيًا عن‬‫مازلنا نظن فيك اخلري اي دكتور‪ /‬حمسن‪ ،‬ونتمىن أن تكون كما عهدانك ً‬
‫املنكر حمبًا للخري والدعوة وأهلها‪ ،‬ونعيذك من أن تن زلق ِف طرق أهل العقل املزعوم واألهواء‪،‬‬
‫املناهضني لعقيدتنا وديننا‪ ،‬ونصيحتنا لك أن ترتك بعض أصحاب التوجهات الرديئة‪ ،‬أصحاب‬
‫األهواء‪ ،‬من يريدك أن تُنَ ِفذ له مآربه‪ .‬ونصيحيت لك أال جتعل من نفسك سببًا لل ُفرقة بني طلبة‬
‫أيضا أن تكون ممن قال فيه‬ ‫العلم والدعاة والشباب بسبب أم ٍر من املمكن أن تتجاوزه‪ ،‬ونعيذك ً‬
‫ضل قوم بعد ُهدى إال أوتوا اجلدل‪ ،‬مث تال ﴿ ما ضربوه لك إال جدالً ﴾ )‬ ‫رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪( :‬ما َّ‬
‫‪...‬احلديث(‪.)4‬‬
‫دع عنك مثل هذه املواقع واجعل غريك ممن ال يفيد فيهم النصح وال التوجيه أن يقوم به‪.‬‬
‫نسأل هللا لنا ولك التوفيق واهلداية واقتفاء هدي دمحم ملسو هيلع هللا ىلص‪ .‬والسالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪.‬‬
‫أخوكم ‪ /‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪ 4199 / 1 / 44‬ه‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬املستدرك للحاكم (‪ )4111‬وصححه احلاكم والذهيب‪.‬‬

‫‪845‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫رد الشيخ محود بن عقالء الشعييب على رسالة أهايل مدينة حقل‬
‫فقد ورد إيل سؤال من أهايل مدينة حقل ِف مشال اململكة هذا نصه ‪:‬‬
‫فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب حفظه هللا من كل سوء ‪.‬‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته وبعد ‪.‬‬
‫حنن أهايل مدينة حقل نعيش ِف املناطق القريبة واملعرضة للبث اإلعالمي املفسد للدين واخللق‬
‫القادم من قنوات إسرائيل وما تعرضه من مفاسد كثرية أخالقية وعقائدية‪ ،‬ومثله القنوات األخرى‬
‫ِف األردن ومصر‪ .‬فما حكم مشاهدة ذلك ؟ وما نصيحتكم ألولياء أمور األسر الذين يتساهلون‬
‫ِف عرض هذه املفاسد ِف بيوهتم ؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫احلمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا ومن وااله وبعد‬
‫مشاهدة البث اإلعالمي املفسد للدين واخللق حمرم ال جيوز‪ ،‬قال تعاىل ‪ { :‬قل للمؤمنني يغضوا‬
‫من أبصارهم وحيفظوا فروجهم}(سورة النور اآلية‪ ،)4٧:‬فأوجب غض البصر عن احملرمات ‪ .‬وقال‬
‫تعاىل ‪ {:‬وال تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئوال }‬
‫(سورة اإلسراء اآلية‪ ،)41:‬فسوف يُسئل عما يسمع ويبصر من احملرمات‪ .‬وقال تعاىل ‪{ :‬يعلم‬
‫خائنة األعني وما ختفي الصدور}(سورة غافر اآلية‪ ،)42:‬وِف صحيح مسلم ِف كتاب القدر عن‬
‫أىب هريرة هنع هللا يضر قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص (العينان زانمها النظر واألذانن زانمها االستماع)(‪.)4‬‬
‫أما مشاهدة ذلك عرب قنوات إسرائيل فهذا أخطر وأعظم ملا هو معروف عن اليهود من الكيد هلذا‬
‫الدين وأهله‪ ،‬والعداوة العظيمة ؛ قال تعاىل ‪ { :‬لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود‬
‫يردونكم}‬
‫والذين أشركوا}(سورة املائدة اآلية‪ ،)٧9:‬وقال تعاىل ‪{:‬ود كثري من أهل الكتاب لو ُّ‬
‫(‪ )9‬اآلية ‪ .‬واليهود هم قتلة األنبياء وقد حاولوا قتل نبينا دمحم ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وانصروا الكفار ضد املسلمني‬
‫ِف كل زمان ومكان‪ ،‬وغدروا وكادوا‪ ،‬وهم اليوم أشد مكرا وكيدا وحماولة إلضالل املسلمني عرب‬
‫قنواهتم الفضائية وإذاعاهتم وصحفهم ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪. )9151( - 94‬‬
‫(‪ )9‬ورد ِف األصل {ود كثري من أهل الكتاب لو يضلونكم}‬
‫ضلُّونَ ُكم وما ي ِ‬
‫ضلُّو َن إَِّال أَنْ ُف َس ُه ْم َوَما يَ ْش ُعُرو َن) [سورة آل‬ ‫ِ ِ‬
‫اب لَو ي ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ ََ ُ‬ ‫ت طَائ َفة م ْن أ َْه ِل الْكتَ ْ ُ‬
‫(وَّد ْ‬
‫وحيتمل انه قصد اآلية َ‬
‫عمران ‪. ]12‬‬

‫‪846‬‬
‫وأما مشاهدة الكفرايت والشركيات واإلحلاد الذي يبثونه فهذا أخطر على دين املسلم ‪ ،‬قال تعاىل‬
‫‪{:‬وقد نزل عليكم ِف الكتاب أن إذا مسعتم آايت هللا يكفر هبا ويستهزأ هبا فال تقعدوا معهم حىت‬
‫خيوضوا ِف حديث غريه إنكم إذا مثلهم}( سورة النساء اآلية‪ ،)41٧:‬وقال تعاىل ‪{:‬وإذا رأيت‬
‫الذين خيوضون ِف آايتنا فأعرض عنهم حىت خيوضوا ِف حديث غريه}(سورة األنعام اآلية‪. )1٧:‬‬
‫ومثل قناة إسرائيل أي قناة أخرى تبث الشر واحملرم سواء ِف األردن أو مصر أو أي مكان ِف‬
‫الداخل أو ِف اخلارج ِف مشارق األرض ومغارهبا ‪.‬‬
‫فساد الدين واخللق وفساد احلياة الزوجية وانتشار اجلرمية والتعويد على السرقة واالغتصاابت‬
‫واالختطافات‪ ،‬والتعويد على انتهاك األعراض ونشر السحر والشعوذة والكهانة والتنجيم‪ ،‬وتدريب‬
‫الشباب والفتيات على املعاكسات والغزل واخليانة والدجل وتصوير الشر والفساد على أنه حضارة‬
‫ورقي وتقدم‪ ،‬ونشر جرائم القتل واالنتحار‪ ،‬وتعويد الناس على متييع الدين ‪ .‬هذه بعض املفاسد ‪.‬‬
‫فالواجب عليهم منع دخول التلفاز والفضائيات واجملالت والكتب املفسدة ِف بيوهتم وحمالهتم‪،‬‬
‫واحملافظة على أوالدهم وبناهتم ونسائهم ألهنم مسئولون عن ذلك‪ ،‬قال تعاىل ‪ { :‬اي أيها الذين‬
‫آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم انرا وقودها الناس واحلجارة}(سورة التحرمي اآلية‪. )1:‬وروى البخاري ِف‬
‫كتاب النكاح ومسلم ِف كتاب اإلمارة كالمها عن ابن عمر واللفظ ملسلم قال ‪ :‬مسعت رسول هللا‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص قال ‪( :‬أال كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم‬
‫واملرأة رعيته على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم ‪ )4()..‬احلديث ‪.‬‬
‫وترك األب أو األم أفراد األسرة عند هذه القنوات خيانة هلم وغش وإعانة على إفسادهم‪ ،‬وقد‬
‫روى البخاري ِف كتاب األحكام‪ ،‬ومسلم ِف كتاب اإلمارة كالمها عن معقل بن يسار هنع هللا يضر قال‬
‫مسعت رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص يقول ‪( :‬ما من عبد يسرتعيه هللا رعية ميوت يوم ميوت وهو غاش لرعيته إال‬
‫حرم هللا عليه اجلنة)(‪ . )9‬وأفراد األسرة رعية عند األب واألم ‪.‬‬
‫هنيب مبن له القدرة على أن يسلط أجهزة التشويش اليت متنع مساع أو رؤية ما يبث ِف هذه‬
‫القنوات وأمثاهلا‪ .‬أن يقوموا بوضع هذه األجهزة لتحد من شر وفساد تلك القنوات الفاجرة ‪.‬‬
‫وابهلل التوفيق وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‬
‫أماله فضيلة الشيخ أ‪ .‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪ 419٧/9/4‬ه‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪. )4٧92( - 9٧‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم ‪. )419( - 991‬‬

‫‪847‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫رد الشيخ محود بن عقالء الشعييب على الرسالة املوجهة‬
‫رليه من بعض أهايل جدة‪.‬‬
‫وهذا نص الرسالة‪:‬‬
‫فضيلة الشيخ‪ /‬محود بن عبد هللا بن عقالء الشعييب‪ -‬وفقه هللا‪-‬‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪ ،‬أما بعد‪.‬‬
‫فإن الناظر ِف أحوال احلسبة اليوم‪ ،‬يرى ضعفها وخورها‪ ،‬بسبب تقليص كثري من صالحياهتا‪،‬‬
‫والتقليل من جهودهم املباركة ِف إنكار املنكرات‪ ،‬ونقلهم إىل أماكن انئية إن هم أدوا دورهم‬
‫احلقيقي‪ ،‬ووجود بعض املنافقني ِف صفوفهم؛ مما سبب اخلور والضعف والتواين من بعض رجال‬
‫احلسبة‪ ،‬وأصبحوا يرضون بقليل من اإلنكار‪ .‬فهل من كلمة إضافية شاملة من فضيلتكم لرجال‬
‫احلسبة على وجه اخلصوص‪ ،‬يثبت هللا هبا قلوهبم‪ ،‬ويسكن خائفهم‪ ،‬ويشرح هللا هبا صدورهم؟!!‬
‫وجزاكم هللا خري اجلزاء‪.‬‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فإن األمر ابملعروف والنهي عن املنكر والدعوة إىل هللا من أعظم الواجبات وأهم املهمات‪ ،‬وهي‬
‫من شعائر هذا الدين الظاهر ومن حقوق ال إله إال هللا‪ ،‬بل هي من أشرف مقامات الدين‬
‫وفرائضه‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ولتكن منكم أمة يدعون إىل اخلري وأيمرون ابملعروف وينهون عن املنكر‬
‫وأولئك هم املفلحون ﴾(سورة آل عمران آية‪ . )4٧1:‬واألمة‪ :‬اجلماعة‪ ،‬قدر الكفاية كل حسب‬
‫مجيعا أمثوا وعوقبوا‪ .‬فال صالح للعامة وال اخلاصة إال ابألمر ابملعروف‬ ‫قدرته واستطاعته فإذا تركوه ً‬
‫والنهي عن املنكر‪ .‬واليوم أفلت مشوس اإلنكار إال من رحم هللا‪ .‬وقد ذَ َّم هللا تعاىل من ليس فيهم‬
‫بقية ينهون عن الفساد ِف األرض‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬فلوال كان من القرون من قبلكم أولو ٍ‬
‫بقية ينهون‬
‫عن الفساد ِف األرض إال قليالً ممن أجنينا منهم ﴾(سورة هود آية‪ . )441:‬واآلمرون ابملعروف‬
‫والناهون عن املنكر هم الناجون‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬أجنينا الذين ينهون عن السوء وأخذان الذين ظلموا‬
‫بعذاب بئيس مبا كانوا يفسقون ﴾(سورة األعراف آية‪ . )415:‬وهم اليوم القابضون على اجلمر‬
‫والغرابء‪ ،‬فإن غربة الدين قد اشتدت وآاثره طُ ِمست‪ .‬قال ابن القيم‪ -‬رمحه هللا‪ :-‬الغرابء ِف هذا‬
‫العامل أهل هذه الصفة وهي األمر ابملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬وبقوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬بدأ اإلسالم غريبًا‬

‫‪848‬‬
‫وسيعود غريبًا كما بدأ فطوىب للغرابء»(‪ ،)4‬قيل‪ :‬ومن الغرابء اي رسول هللا؟ قال‪« :‬الذين يصلحون‬
‫إذا فسد الناس» (‪ ،)9‬وِف حديث ابن عمر قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ذات يوم وحنن عنده‪:‬‬
‫«طوىب للغرابء» قيل‪ :‬ومن الغرابء اي رسول هللا؟ قال‪« :‬انس صاحلون قليل ِف انس كثري‪ ،‬من‬
‫يعصيهم أكثر ممن يطيعهم»(‪ . )4‬فأهل اإلسالم بني أكثر الناس غرابء‪ ،‬وأهل اإلميان بني أهل‬
‫اإلسالم غرابء‪ ،‬وأهل العلم ِف املؤمنني غرابء‪ ،‬وأهل السنة الذين متيزوا هبا عن أهل األهواء والبدع‬
‫فيهم غرابء‪ ،‬والداعون إليها (أي السنة) الصابرون على أذى املخالفني هلم أشد غربة‪ .‬ولكن وإن‬
‫مرفوعا‪« :‬املستمسك‬‫ً‬ ‫كانوا غرابء فهم أحق الناس ابحلديث الذي رواه الطرباين عن أيب هريرة‬
‫بسنيت عند فساد أميت له أجر شهيد» ‪ ،‬بل أجره كأجر مخسني من السابقني كما جاء ِف‬
‫احلديث(‪ .)1‬أما قول السائل إن الناظر ِف أحوال احلسبة يرى ضعفها وخورها إىل آخره‪ ،‬فهذا‬
‫صحيح‪ ،‬فإن هلذا الدين إقبال وإدابر‪ ،‬وإن من إدابر الدين أن جتفوا القبيلة‪ -‬وإن شئت فقل‬
‫اجملتمع والدول أبسرها‪ -‬حىت ال يوجد إال القليل املستضعف وهم خائفون مضطهدون‪ .‬أما ما‬
‫حيصل لآلمرين ابملعروف من األذى واملضايقة والنقل فلهم أسوة مبا حصل لألنبياء والرسل‬
‫ظلما وعدو ًاان‪ ،‬يرفعهم هللا بذلك ويُ ِذل‬ ‫واملصلحني من األذى واإلهانة والسب ممن تعرض هلم ً‬
‫ويفضح شانئهم ومضايقهم‪ ،‬ق ال تعاىل‪ ﴿ :‬ما يُقال لك إال ما قد قيل للرسل من قبلك ﴾(سورة‬
‫فصلت آية‪ . )14:‬وإذا عُلِم ذلك فالواجب على رجال احلسبة أن حيذروا من اخلور والضعف‬
‫والتواين‪ ،‬فإن ذلك من الشيطان خيوف أولياءه الفجرة الطغاة‪ ،‬قال هللا تعاىل‪ ﴿ :‬إمنا ذلكم‬
‫الشيطان خيوف أولياءه فال ختافوهم وخافوين إن كنتم مؤمنني ﴾(سورة آل عمران آية‪، )415:‬‬
‫وقال تعاىل‪ ﴿ :‬إن هللا ال يغري ما بقوم حىت يغريوا ما أبنفسهم ﴾(سورة الرعد آية‪ . )44:‬وإايكم‬
‫والنكوص‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬فإن تولوا فقل حسيب هللا ال إله إال هو عليه توكلت وهو رب العرش‬
‫العظيم ﴾(سورة التوبة آية‪ ، )492:‬وق ال ت عاىل‪ ﴿ :‬فلما زاغوا أزاغ هللا قل وهبم ﴾(سورة الصف‬
‫أخريا؛ ليعلم اجلميع أن سلعة هللا غالية‪ ،‬أال إن سلعة هللا هي اجلنة‪ ،‬ال تُنال إال ابملكاره‪،‬‬
‫آية‪ً . )5:‬‬
‫وقد قال ملسو هيلع هللا ىلص‪ُ « :‬حفَّت اجلنة ابملكاره»(‪. )5‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم (‪. )415‬‬
‫(‪ )9‬مسند أمحد (‪ )4112٧‬وحكم األلباين متوقف قي صحته‪ .‬وأنظر السلسة الصحيحة (‪. )4914‬‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد (‪ )115٧‬وحكم شعيب األرنؤوط حسن لغريه ‪.‬‬
‫(‪ )1‬معجم األوسط للطرباين (‪. )5141‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم (‪. )9٧99‬‬

‫‪849‬‬
‫نسأل هللا أن يوفقكم ويُعينكم ويشد عضدكم ويقوي قلوبكم‪ ،‬ويدحر ويُ ِذل معاديكم وحماربكم‪،‬‬
‫وهللا غالب على أمره ولكن أكثر الناس ال يعلمون‪ ،‬وصلى هللا على نبينا دمحم إمام اجملاهدين‬
‫واآلمرين ابملعروف والناهني عن املنكر وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أماله فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪4194/9/4٧‬ه‬

‫‪851‬‬
‫كلمة الشيخ محود بن عقالء الشعييب يف مهرجان السنة النبوية‬
‫الذي أقيم ِف مدينة بريدة‬
‫تشرين األول‪/‬أكتوبر من عام ‪4229‬م‬
‫(الكلمة مفرغة من التسجيل الصويت)‬

‫أيها اإلخوة‪ :‬أترككم مع كلمة ألحد مشاخينا‪ ،‬وهو شيخنا الشيخ محود بن عقالء‬
‫الشعيب ي فليتفضل‪.‬‬

‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‪..‬‬


‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والعاقبة للمتقني وال عدوان إال على الظاملني وأشهد أن ال إله إال هللا وحده‬
‫ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن دمحماً عبده ورسوله صلى هللا عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم إبحسان‬
‫إىل يوم الدين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫إننا نرحب إبخواننا وحنييهم ِف بلدهم بلد العلم‪ ،‬وبلد العقيدة‪ ،‬وبلد الدعوة‪ ،‬فحياهم هللا ِف بلدهم‬
‫ومع إخواهنم‪ ،‬وإننا لنرجو هللا أن يثيبهم‪ ،‬وجيازيهم على ما بذلوه من تعب وجهد ِف السفر من‬
‫بالدهم إىل هذه البلد املباركة‪ ،‬وعلى ما تركوه من مشاغلهم‪ ،‬وجاءوا حباً للعلم وألهله‪.‬‬
‫من على عباده إبرساله دمحماً ملسو هيلع هللا ىلص إليهم‪ ،‬حيث قال‪( :‬لََق ْد‬ ‫أيها اإلخوان‪ :‬إن هللا سبحانه وتعاىل قد َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ث فِي ِهم رسوالً ِمن أَنْ ُف ِس ِهم ي ْت لُو علَي ِهم ِِ ِ‬ ‫اَّلل َعلَى الْم ْؤِمنِ َ ِ‬
‫آايته َويَُزكي ِه ْم َويُ َعل ُم ُه ُم الْكتَ َ‬
‫اب‬ ‫ْ َ َْ ْ َ‬ ‫ني إ ْذ بَ َع َ ْ َ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َم َّن َُّ‬
‫ض ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني ) [آل عمران‪ ]411:‬وإن أكرب نعمة أنعم هللا هبا‬ ‫الل ُمبِ ٍ‬ ‫َوا ْحل ْك َمةَ َوإِ ْن َكانُوا م ْن قَ ْبلُ لَفي َ‬
‫على أهل األرض هي إرساله دمحماً ملسو هيلع هللا ىلص إليهم ابهلدى ودين احلق‪.‬‬
‫ض َع ُفو َن ِِف‬ ‫(واذْ ُك ُروا إِ ْذ أَنْتُ ْم قَلِيل ُم ْستَ ْ‬ ‫وكثرياً ما يذكر سبحانه وتعاىل هبذه النعمة ِف كتابه العزيز َ‬
‫ات ) [األنفال‪]91:‬‬ ‫ض َختَافُو َن أَ ْن ي تَخطََّف ُكم النَّاس فَآوا ُكم وأَيَّ َد ُكم بِنَص ِرهِ ورزقَ ُكم ِمن الطَّيِب ِ‬ ‫ْاأل َْر ِ‬
‫َ َ ُ ُ َ ْ َ ْ ْ َ ََ ْ َ َ‬
‫وقال سبحانه وتعاىل‪:‬‬
‫اَّللِ َِ‬
‫ص ُموا ِحبَْب ِل َّ‬ ‫اَّلل ح َّق تُ َقاتِِه وال متَُوتُ َّن إَِّال وأَنْتُم مسلِمو َن * و ْاعتَ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫مجيعاً‬ ‫َ‬ ‫َ ُْْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ين َآمنُوا اتَّ ُقوا ََّ َ‬
‫( َاي أَيُّ َها الذ َ‬
‫َصبَ ْحتُ ْم بِنِ ْع َمتِ ِه إِ ْخ َواانً‬ ‫وال تَ َفَّرقُوا واذْ ُكروا نِعمت َِّ‬
‫ني قُلُوبِ ُك ْم فَأ ْ‬ ‫اَّلل َعلَْي ُك ْم إِ ْذ ُكْن تُ ْم أ َْع َداءً فَأَلَّ َ‬
‫ف بَ ْ َ‬ ‫َ ُ َْ َ‬ ‫َ‬
‫َوُكْن تُ ْم َعلَى َش َفا ُح ْفَرةٍ ِم َن النَّا ِر فَأَنْ َق َذ ُك ْم ِمْن َها) [آل عمران‪.]4٧4- 4٧9:‬‬

‫‪851‬‬
‫آايتِِه َويَُزكِي ِه ْم َويُ َعلِ ُم ُه ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ث ِِف ْاألُميِ َ‬
‫ني َر ُسوالً مْن ُه ْم يَْت لُو َعلَْي ِه ْم َ‬
‫ِ‬
‫(ه َو الَّذي بَ َع َ‬
‫وقال سبحانه وتعاىل‪ُ :‬‬
‫ض ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني) [اجلمعة‪ ]9:‬وإذا أراد اإلنسان أن يعرف‬ ‫الل ُمبِ ٍ‬ ‫اب َوا ْحل ْك َمةَ َوإِ ْن َكانُوا م ْن قَ ْب ُل لَفي َ‬ ‫الْكتَ َ‬
‫مدى هذه النعمة وعظمها؛ فعليه أن يلقي نظرة ولو سريعة على ما كان عليه العامل قبل بعثة النيب‬
‫من هللا هبا على عباده من وفقه منهم‬ ‫ملسو هيلع هللا ىلص؛ فإذا أدرك ذلك وعرفه‪ ،‬عرف مدى عظم النعمة الذي َّ‬
‫وهداه التباع النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪.‬‬
‫كل واحد من هؤالء احلاضرين يدرك ويعرف يقيناً الفساد والضالل واجلهل الذي كانت عليه األمم‬
‫قبل بعثة النيب ملسو هيلع هللا ىلص وأن اخلري ما حصل هلم إال ابلشريعة اليت جاء هبا دمحم ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فالعامل قبل اإلسالم‬
‫كانوا أمماً وثنية منها األمم املتحضرة كالفرس والروم واألحباش وغريهم‪ ،‬ولكن مع هذا هم‬
‫يستعبدون شعوهبم‪ ،‬ويرون أهنم من جنس غري اجلنس الذي منه امللوك والرؤساء‪.‬‬
‫بل يريدون منهم أن يقدسوهم ويعبدوهم‪ ،‬وهذا اثبت ِف التاريخ لكل انظر ينظر فيه‪ ،‬وهلذا ملا‬
‫دخل رجل من الفرس على النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وكان قد حلق حليته‪ ،‬قال له النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬من أمرك هبذا؟ قال‪:‬‬
‫أمرين ريب ‪-‬يريد ربه امللك كسرى‪ -‬فكانوا يؤهلون أنفسهم‪ ،‬ويرون أهنم أرابب لشعوهبم‪ ،‬وأنه ال‬
‫جيوز ألحد أن خيرج عما يريدونه أو ما أيمرونه به‪ ،‬أو يشرعونه هلم‪.‬‬
‫أي‪ :‬أن الشعوب عبيد وامللوك آهلة‪ ،‬وهذا ظاهر لكل من ينظر ِف اتريخ األمم السابقة قبل‬
‫اإلسالم‪ ،‬وما أشبه الليلة ابلبارحة‪ ،‬هذه حالة أولئك‪ ،‬وال أريد أن أشرح قويل‪ :‬ما أشبه الليلة‬
‫ابلبارحة ألنه واضح‪ ،‬ولكن هللا سبحانه وتعاىل أراد أبهل األرض خرياً فأرسل إليهم دمحماً صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فدهلم على اخلري‪ ،‬وهناهم عن الشر‪ ،‬وقال بعض الصحابة عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬قالوا‪{ :‬توِف‬
‫النيب ملسو هيلع هللا ىلص وما من طائر يقلب جناحيه ِف اهلواء‪ ،‬إال وذكر لنا منه علماً}(‪. )4‬‬
‫وقال عمر هنع هللا يضر‪{ :‬خطبنا رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص يوماً‪ ،‬فذكر بدء خلق اإلنسان إىل أن دخل أهل اجلنة‬
‫اجلنة‪ ،‬وأهل النار النار‪ ،‬ومل يرتك خرياً إال دلنا عليه‪ ،‬وال شراً إال حذران منه}‪.‬‬
‫وقال عليه الصالة والسالم‪{ :‬تركتكم على احملجة البيضاء ليلها كنهارها ال يزيغ عنها بعدي إال‬
‫هالك}(‪ )9‬وقال عليه الصالة والسالم‪{ :‬إين اترك فيكم ما إن متسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب‬
‫هللا وسنيت}(‪.)4‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬معجم الكبري للطرباين (‪ )4111‬وحكم األلباين إسناده صحيح ‪ .‬أنظر السلسلة الصحيحة (‪)4٧٧4‬‬
‫(‪ )9‬سنن ابن ماجة (‪ )14‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )4‬املستدرك للحاكم (‪ )442‬وحكم األلباين صحيح ‪ .‬أنظر مشكاة املصابيح ‪. )11( – 4٧1‬‬

‫‪852‬‬
‫فعلى األمة اإلسالمية أن تقتدي هبذه النصوص واألخبار عنه ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وتعمل هبا ألجل أن تنجو من‬
‫الشرور احملدقة هبا ِف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وإذا نظران إىل واقع املسلمني ِف هذا العصر وجدان أن قوله‬
‫عليه الصالة والسالم‪{ :‬يوشك أن تتداعى عليكم األمم كما تتداعى األكلة على قصعتها‪ ،‬قالوا اي‬
‫رسول هللا‪ :‬أمن قلة حنن؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬أنتم كثري‪ ،‬ولكنكم غثاء كغثاء السيل}(‪.)4‬‬
‫وصدق ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬املسلمون يبلغون ألف مليون ِف العامل أو يزيدون‪ ،‬ومع هذا ال جتد إال القليل والقليل‬
‫جداً من يتمسك بشرع النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬ويقتفي أثره ِف التشريع وِف األحكام‪ ،‬بل اختاروا ألممهم‬
‫وشعوهبم شرائع جاءوا هبا من عند أعدائهم أعداء املسلمني‪ ،‬أعداء اإلسالم الذين ما فتئوا يبحثون‬
‫عما يضعف اإلسالم‪ ،‬أو يقضي على اإلسالم منذ بزغ نور الرسالة‪ ،‬وحىت يومنا هذا‪ ،‬ما زالوا‬
‫يدبرون املؤامرات‪ ،‬ويدبرون اخلطط إلضعاف اإلسالم أو القضاء عليه‪ ،‬من بعثته ملسو هيلع هللا ىلص وحىت يومنا‬
‫هذا‪ ،‬ابملؤامرات‪ ،‬ابحلروب‪ ،‬إبحداث األفكار املنحرفة السيئة‪ ،‬وكل هذه األوقات واألزمنة اليت‬
‫مضت ما استطاعوا أن حيصلوا على مرادهم ِف القضاء على اإلسالم‪ ،‬ولكن ِف عصران احلاضر‬
‫جعلوا هلم أعواانً من املنافقني وامللحدين والكافرين الذين اندسوا ِف صفوف املسلمني‪ ،‬وجعلوا ال‬
‫يفتئون يفرقون صفوفهم‪ ،‬وحيدثون اخلالفات بينهم‪ ،‬ويشككون نشء املسلمني ِف عقيدهتم وِف‬
‫شرعهم‪.‬‬
‫وكانت هلم صوالت وجوالت ِف الكتاابت‪ ،‬وِف الشعر‪ ،‬وِف التشريع‪ ،‬وِف املناهج كطريقة املنافقني‬
‫األولني‪ ،‬يفعلون أموراً يظهر منها اإلصالح وهم يريدون هبا القضاء على اإلسالم‪ ،‬يزعمون أهنم‬
‫مصلحون وهم وهللا مفسدون يريدون القضاء على اإلسالم‪ ،‬وينفذون أوامر أسيادهم ِف خارج بالد‬
‫املسلمني‪ ،‬وإال فكيف يرضى املسلمون‪ ،‬كيف يرضى حكام املسلمني أن يتحاكموا إىل الطاغوت‬
‫(إىل القانون) وجيعلونه دستوراً‪ ،‬وشريعة يرجع إليها أفراد األمة ومجاعاهتا يتحاكمون إىل الطاغوت‬
‫(وَم ْن َملْ‬
‫وإىل القانون ِف معظم بالد املسلمني‪ ،‬وينسون أنه سبحانه وتعاىل قال ِف كتابه العزيز‪َ :‬‬
‫ك ُه ُم الْ َكافُِرو َن ) [املائدة‪.]11:‬‬
‫اَّللُ فَأُولَئِ َ‬
‫َْحي ُك ْم ِمبَا أَنْ َزَل َّ‬
‫هذا خرب منه سبحانه وتعاىل عام ال يقصد به أمة من أمة‪ ،‬وال قوم من قوم‪ ،‬وإمنا هو عام جلميع‬
‫الناس‪ ،‬جلميع األمم‪ ،‬من أعرض عن كتاب هللا وسنة رسوله ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وحكم غريمها سواء حكمهما ِف‬
‫كل شيء‪ ،‬أو حكمها ِف شيء دون شيء‪ ،‬فإنه داخل حتت قول هللا سبحانه وتعاىل‪َ (:‬وَم ْن َملْ‬
‫ك ُه ُم الْ َكافُِرو َن ) [املائدة‪.]11:‬‬
‫اَّللُ فَأُولَئِ َ‬
‫َْحي ُك ْم ِمبَا أَنْ َزَل َّ‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن أيب داود (‪ )1921‬وحكم األلباين صحيح‪.‬‬

‫‪853‬‬
‫نرى أعداء اإلسالم الكافرين‪ ،‬وامللحدين‪ ،‬والعلمانيني‪ ،‬واحلداثيني‪ ،‬ومن لف لفهم يصولون وجيولون‬
‫ِف العامل اإلسالمي‪ ،‬بقصائدهم‪ ،‬وكلماهتم‪ ،‬ومقاالهتم‪ ،‬وال نرى أحداً يعرتض هلم‪ ،‬أو ينقدهم‪ ،‬أو‬
‫حىت يسمح لغريه أن ينقدهم أو يرد ابطلهم‪ ،‬وأما غريهم من املصلحني من الدعاة الذين يريدون‬
‫تقومي األمة‪ ،‬ويريدون تطبيق شريعة النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وتعليم الكتاب والسنة‪ ،‬هؤالء توضع العراقيل ِف‬
‫طريقهم‪ ،‬وال يتمكنون من تبليغ رساالت رهبم ِف معظم العامل اإلسالمي‪ ،‬بل حيال بينهم وبني‬
‫دعوهتم‪ ،‬وبينهم وبني ما يريدونه‪.‬‬
‫ولكن إذا رأينا هذه الصحوة ‪ -‬اليت نسأل هللا سبحانه وتعاىل أن جيعل التوفيق رفيقها ومصاحبها‪،‬‬
‫وأن ييسر هلم ما يهدفون إليه من تقومي األمة‪ ،‬وتطبيق كتاب هللا وسنة نبيه ملسو هيلع هللا ىلص‪ -‬إذا رأينا ذلك‬
‫فإننا نعلق آماالً عظيمة على هؤالء وعلى مناهجهم‪ ،‬وعلى طريقتهم ِف الدعوة إىل هللا وإىل‬
‫اجلهاد‪ ،‬ومعلوم أن اجلهاد ليس طريقه مفروشاً ابلورد‪ ،‬ولكنه مفروش ابلشوك‪ ،‬ومفروش ابملتاعب‪،‬‬
‫وال بد ِف ذلك من الصرب والتحمل‪ ،‬وال بد من اإلصرار على إعالء كلمة هللا سبحانه وتعاىل‪،‬‬
‫وحتكيم شرعه ِف مجيع العامل اإلسالمي على يد هؤالء الشباب الذين نذروا أنفسهم ونذروا حياهتم‬
‫للدعوة إىل هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬وإىل سبيله‪ ،‬وإىل نصرة كتابه وسنة نبيه ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬نسأل هللا أن يوفقنا‬
‫مجيعاً ملا حيبه ويرضاه‪ ،‬والصالة والسالم على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫‪854‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫بيان من فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب‬
‫رىل عموم املسلمني عما يدور يف فلسطني‬

‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني ‪ ..‬أما بعد‬
‫فإن ما تقوم به عصاابت يهود من جمازر فظيعة ومذابح مريعة ضد إخواننا ِف فلسطني مع فظاعتها‬
‫ووحشيتها وخمالفتها لطباع البشر السليمة إن ذلك ال يستغرب ألمرين‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أن عصاابت يهود جبلت على هذه األخالق الشريرة‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬أمن اليهود احملاسبة واملعاقبة من قادة العرب واملسلمني‪.‬‬
‫أما السبب األول فإن من له أدَّن إملام بتاريخ هذه العصاابت اجملرمة فإنه يدرك أهنم ميتازون على‬
‫سائر البشر هبذه الصفات القذرة اليت هي الغدر واملكر واخليانة ونقض العهود واملواثيق وسفك‬
‫كثريا من أنبيائهم وحاولوا صلب املسيح وقتله‬
‫دماء األنبياء والرسل‪ ،‬فقد ثبت ِف التاريخ أهنم قتلوا ً‬
‫صلوات هللا عليه وسالمه ‪ ..‬إال أن هللا أجناه من كيدهم وخلصه من مكرهم برفعه إليه‪.‬‬
‫وكذا نبينا دمحم ملسو هيلع هللا ىلص حاولوا قتله أكثر من مرة وسحروه إال أن هللا سبحانه صرف عنه كيدهم وخلصه‬
‫من شرهم‪.‬‬
‫حىت إن رب العاملني سبحانه وتعاىل مل يسلم من شرهم ‪ ..‬وقد آذوه ووصفوه بشىت أنواع النقائص‬
‫والعيوب إذ قالوا إنه فقري وخبيل وموصوف ابلعجز والتعب وأنه ملا أغرق الطوفان أهل األرض حزن‬
‫وبكى حىت رمدت عيناه وزارته املالئكة ‪ ..‬فرد هللا سبحانه وتعاىل عليهم وكذهبم فيما نسبوه إليه‬
‫من نقص وعيب فق ال سبحان ه‪ ﴿ :‬وقالت اليهود يد هللا مغلولة غلت أيديهم ولعنوا مبا قالوا بل‬
‫يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ﴾(سورة املائدة اآلية‪ ،)11:‬وقال سبحانه‪ ﴿ :‬لقد مسع هللا قول‬
‫الذين قالوا إن هللا فقري وحنن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم األنبياء بغري حق ونقول ذوقوا عذاب‬
‫احلريق ﴾(سورة آل عمران اآلية‪ .)4٧4:‬وملا قالوا إن هللا أصابه التعب واإلعياء ملا خلق السماوات‬
‫واألرض ِف ستة أايم مث اسرتاح ِف اليوم السابع رد هللا سبحانه وت عاىل عليهم بقول ه‪ ﴿ :‬ولقد‬
‫خلقنا السموات واألرض وما بينهما ِف ستة أايم وما مسنا من لغوب ﴾(سورة ق اآلية‪.)4٧:‬‬
‫ولو مل أيت ِف بيان شرهم وخبث طويتهم ولؤمهم إال ق وله تعاىل‪ ﴿ :‬قل هل أنبئكم بشر من ذلك‬
‫مثوبة عند هللا من لعنه هللا وغضب عليه وجعل منهم القردة واخلنازير وعبد الطاغوت أولئك شر‬

‫‪855‬‬
‫مكاان وأضل عن سواء السبيل ﴾(سورة املائدة آية‪ )1٧:‬لكفى ِف احلكم عليهم أبهنم أخبث أهل‬ ‫ً‬
‫علما أننا مل نستعرض كل ما جاء ِف كتاب‬ ‫األرض ‪ ..‬فكيف والقرآن مملوء مبثل هذه اآلايت ‪ً ..‬‬
‫هللا وسنة نبيه ملسو هيلع هللا ىلص‪.‬‬
‫أما السبب الثاين والذي من أجله ال يُستغرب ما متارسه عصاابت صهيون على أرض فلسطني من‬
‫وشيوخا إذ مل يكن ذلك إال ألمنهم من‬
‫ً‬ ‫نقض للعهود واملواثيق وسفك لدماء األبرايء العزل أطفاالً‬
‫معارضة حكام العرب واملسلمني ومعرفتهم لذلك مسبقاً عن طريق دراسة أحواهلم وسياساهتم‬
‫فكانت النتيجة أن خرج الصهاينة بقناعة أنه ال خوف من هؤالء احلكام وال خشية من أن يقوموا‬
‫إبخراجهم من فلسطني‪ ،‬أو أن يدافعوا عن أعراض املسلمني‪ ،‬وقد كشف هذا اخلذالن من حكام‬
‫أمورا منها‪:‬‬
‫العرب واملسلمني ً‬
‫‪ -4‬اختالف كلمتهم وسياساهتم جتاه موقفهم وعالقتهم ابلدول الكافرة‪.‬‬
‫‪ -9‬ركوهنم إىل الدنيا ولذاهتا وانغماسهم ِف نعيمها فلما كان كذلك كان اجلهاد وحماربة العدو من‬
‫أصعب األشياء عليهم فاكتفوا ابلشجب ‪ ..‬وعقد املؤمترات املومهة ‪ ..‬وكان اجلنب منهم أظهر‬
‫سجية‪.‬‬
‫‪ -4‬قناعة حكام املسلمني أن اليهود الصهاينة قوة ال تقهر ابمتالكهم أعظم ترسانة نووية ِف‬
‫الشرق األوسط‪ ،‬وما علم أصحاب هذه املقالة االهنزامية أن قوة اإلميان ابهلل هي القوة اليت ال‬
‫تقهر‪ ،‬واملتمثلة ابلصدق مع هللا والتمسك بسنة نبيه دمحم عليه الصالة والسالم‪ ،‬ولو استعرضنا‬
‫التاريخ لوجدان أنه حفظ لنا مناذج تبني أن القوة املادية مهما بلغت ِف قوهتا ال تقاوم قوة اإلميان‬
‫ابهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫ومن تل النماذج‪:‬‬
‫أ‪ -‬غزوة الريموك كان عدد املسلمني فيها ال يتجاوز أربعني أل ًفا‪ ،‬وقد كان سالحهم بدائيًا يتمثل‬
‫ابلسيف والرمح وغريه‪ ،‬أما قوة الروم فكانت تبلغ مائتني وأربعني أل ًفا‪ ،‬وسالحهم من أحدث أنواع‬
‫تطورا كاملنجنيق وقاذفات اللهب وغريها‪ ،‬ومع هذا كله اهنزمت الروم هزمية منكرة‬
‫األسلحة وأكثرها ً‬
‫إذ مل تنفعها قوهتا املادية‪.‬‬
‫ب‪ -‬ملا استوىل الصليبيون على بالد املسلمني وساموهم سوء العذاب ِف مدة تزيد على مائيت سنة‬
‫مل يفكر أحد من حكام املسلمني وأمرائهم ِف مقاومته ِف ذلك الوقت حبجة أن أوراب وراء‬
‫شجاعا أال وهو‬
‫ً‬ ‫قائدا‬
‫الصليبيني وأن أوراب قوة ال تقهر عندها قيض هللا سبحانه وتعاىل للمسلمني ً‬

‫‪856‬‬
‫صالح الدين األيويب رمحه هللا ورضي عنه‪ ،‬فحارب الصليبيني وطرهم من بالد املسلمني صاغرين‬
‫ومل جتد عنه قوهتم املادية اهلائلة‪.‬‬
‫ج‪ -‬وِف عصران هذا كانت دولة االحتاد السوفيييت أقوى قوة ِف العامل‪ ،‬وعندما اعتدت على دولة‬
‫أفغانستان املسلمة تصدى هلا أبطال أفغانستان مع مناصريهم من أبطال العرب ‪ ..‬هذا مع قلة‬
‫عدد املسلمني وضعف عدهتم‪ ،‬فقد طردوا املعتدي فخرج ذليالً وترتب على هذه اهلزمية أن اهنار‬
‫احتادهم ومتزقت دولته‪.‬‬
‫مث إنه ال خيفى ما لإلعالم من أثر ابلغ ِف نصرة القضااي اإلسالمية إذا صلحت نية القائمني عليه‬
‫وكانوا على مستوى املسئولية من طرح قضااي املسلمني ومشاكلهم ‪.‬‬
‫أسا وكأن ما‬‫والناظر ِف اإلعالم العريب جيد أنه مل يهتم بشئون املسلمني وقضاايهم ومل يرفع هبا ر ً‬
‫حيصل ِف العامل اإلسالمي من محالت ظاملة من قِبَ ْل دولة الكفر ابغتصاب أراضيهم وانتهاب‬
‫خرياهتم وتقتيل شعوهبم أن ذلك ال يعنيهم من قريب وال بعيد‪ ،‬إمنا املهم عندهم هو إقامة احلفالت‬
‫الغنائية واملسلسالت اهلابطة وعرض الصور اخلليعة واملبارايت الرايضية واهلتاف والتصفيق للحكام‬
‫وكيل املديح هلم واإلشارة مبنجزاهتم وبطوالهتم اليت مل يكن هلا وجود إال ِف أذهان من يقوم هبذا‬
‫التصفيق وهذا اهلتاف‪ ،‬أما على أرض الواقع فال وجود هلا‪.‬‬
‫إن من يستمع إىل إذاعات الدول العربية جيد أن املذيع قد ميكث ساعة ِف قراءة النشرة اإلخبارية‬
‫واليت معظمها ِف الثناء واملدح حىت يغلق املستمع جهاز اإلعالم وهو مل يستفد شيئًا‪.‬‬
‫وخصوصا ِف اإلذاعات برامج مشاركات املستمعني واليت متكث‬ ‫ً‬ ‫ومما يهتم به اإلعالم العريب‬
‫الساعات‪ ،‬وهي عبارة عن معاكسات وغزل وتغنج بني املشاركني واملذيع أو املذيعة مما يصك‬
‫األمساع ويؤذي املستمع ‪ ..‬هذه هي اهتماماهتم وال أدري هل هذا عجز من القائمني عليها من‬
‫إحداث برامج هادفة؟! أو أن هذا حب هلذه املمارسات؟!‬

‫أخريا ‪..‬‬
‫ليعلم أن التجارب اليت مرت عرب السنني تثبت فشل األساليب اليت تتخذ ملعارضة استيطان اليهود‬
‫ِف فلسطني سواء املؤمترات اليت تنعقد أو اللجوء للهيئات الكافرة كهيئة األمم املتحدة وجملس األمن‬
‫أو ما يسمى هبيئة حقوق اإلنسان ‪ ..‬كل هذه األساليب فشلت بل كان هلا أكرب األثر ِف ترسيخ‬
‫استيطان الصهاينة ِف فلسطني‪ .‬واألسلوب الناجع ِف تطهري أرض فلسطني من يهود يتمثل فيما‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪857‬‬
‫‪ -4‬إعالن اجلهاد من قِبَ ْل العرب واملسلمني وفتح حدود الدول اجملاورة لفلسطني للمتطوعني‬
‫اجملاهدين‪ ،‬وتسليح الشعب الفلسطيين األعزل الذي ال ميلك إال احلجارة بكل أنواع األسلحة‪،‬‬
‫ومعلوم أن املسلمني يبلغ عددهم مليار ومائيت مليون نسمة فلو بصقوا على دولة يهود ألغرقوها‪،‬‬
‫ولو نفخوا عليها ألطاروها‪.‬‬
‫اقتصاداي‬
‫ً‬ ‫‪ -9‬إذا جنب قادة املسلمني والعرب عن إعالن اجلهاد حتتم مقاطعة دولة يهود دبلوماسيًا و‬
‫وجتارًاي‪.‬‬
‫‪ -4‬مقاطعة الشركات اليهودية الداعمة لدولة الصهاينة ابملال‪.‬‬
‫اقتصاداي‬
‫ً‬ ‫‪ -1‬وحيث إن أمريكا هي الداعم األكرب لليهود فإهنا جتب مقاطعتها مقاطعة كاملة ‪..‬‬
‫وجتارًاي وثقافيًا‪ ،‬ومقاطعة كل ما تستورده منها الدولة اإلسالمية والعربية من بضائع وسيارات وما‬
‫شابه ذلك‪.‬‬
‫‪ -5‬استعمال سالح البرتول وذلك إبيقاف إنتاجه وتصديره إليها أو ختفيفه ختفي ًفا يضر هبا‪ ،‬وإذا‬
‫خفف اإلنتاج إىل النصف فإن الدول املنتجة لن تتضرر ألن ما ينقص من إنتاجها يعوض عنه‬
‫ارتفاع األسعار‪.‬‬
‫أسأل هللا جلت قدرته أن ينصر اإلسالم واملسلمني وأن يذل اليهود ومن أعاهنم ووقف معهم إنه‬
‫ويل ذلك والقادر عليه ‪ ..‬وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫أماله‬
‫فضيلة الشيخ أ ‪ .‬محود بن عقالء الشعي يب‬
‫‪ 4194/٧/44‬ه‬

‫‪858‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫البيان الثاين من فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب‬
‫رىل عموم املسلمني عما يدور يف فلسطني‬

‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد‪:‬‬
‫بياان يتعلق ابألوضاع ِف فلسطني وأوضحت فيه ما امتازت به عصاابت‬ ‫فقد سبق أن أصدرت ً‬
‫صهيون من صفات خبيثة وطباع قذرة ختالف طباع البشر كلهم كالغدر واخليانة ونقض املواثيق‬
‫وسفك دماء األنبياء وأكل السحت كل هذه الصفات الذميمة جبلت عليها اليهود منذ اترخيهم‬
‫أيضا؛ ابجلنب واخلور واخلوف من اآلخرين كما بني‬‫القدمي ‪ ،‬وهم من هذه الصفات الرذيلة متصفون ً‬
‫مجيعا إال ِف قرى حمصنة أو من وراء جدر‬ ‫ذلك املوىل سبحانه وتعاىل ِف قوله‪ ﴿:‬ال يقاتلونكم ً‬
‫مجيعا وقلوهبم شىت ذلك أبهنم قوم ال يعقلون ﴾(سورة احلشر‪. ) 41:‬‬ ‫أبسهم بينهم شديد حتسبهم ً‬
‫فهم جبناء ال يستطيعون الدفاع عن أنفسهم إال بدعم وأتييد من غريهم كما بني ذلك سبحانه‬
‫وتعاىل ِف قوله‪ ﴿ :‬ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إال حببل من هللا وحبل من الناس وابءوا بغضب‬
‫من هللا وضربت عليهم املسكنة ذلك أبهنم كانوا يكفرون آبايت هللا ويقتلون األنبياء بغري حق ذلك‬
‫مبا عصوا وكانوا يعتدون ﴾(سورة آل عمران‪ )449:‬ولوال حبل أمريكا ودعمها هلم ابلسالح واملال‬
‫واخلربات ملا استطاعوا مالقاة األطفال الفلسطينيني فضالً عن الرجال املقاتلني‪.‬‬
‫وِف هذا البيان الثاين سوف أركز على أمهية اجلهاد وإيضاح مكانته ِف اإلسالم؛ إذ بدون اجلهاد ال‬
‫يستطيع املسلمون الدفاع عن بالدهم وحرماهتم ومقدساهتم‪ .‬وقد أثبتت التجارب أن الشجب‬
‫واإلدانة والتنديد وعقد املؤمترات واللجوء إىل هيئة األمم الكافرة وجملس اخلوف ال جيدي شيئًا ِف‬
‫ردع املعتدين‪ ،‬وإيقافهم عند حدهم ألن الكفر أمة واحدة وال جيدي ِف ذلك إال اجلهاد أبنواعه‬
‫اليت سأذكرها فيما بعد‪.‬‬
‫إن املستعرض لكتاب هللا وسنة نبيه دمحم ملسو هيلع هللا ىلص جيد فيهما الكثري مما حيث على اجلهاد ويبني فضله‬
‫وحيذر من القعود عن اجلهاد‪.‬‬
‫إن اجلهاد ِف سبيل هللا من أوجب الواجبات على املسلمني ال سيما إذا حاصر العدو بالد‬
‫املسلمني كحصار الروس قاتلهم هللا جلمهورية الشيشان املسلمة‪ ،‬وحصار اليهود لفلسطني‬
‫ومقدساهتا‪ ،‬وحصار اهلند لكشمري املسلمة‪ ،‬وكذا فعل النصارى ضد املسلمني ِف الفلبني‪ ،‬فإن‬

‫‪859‬‬
‫اجلهاد واحلال هذه تكون فرض عني على كل قادر عليه ألنه بدون اجلهاد قد جيتاح العدو الكافر‬
‫بالد املسلمني فينتهك حرماهتم ويدوس مقدساهتم‪.‬‬
‫ومما يدل على أمهية اجلهاد وعلو مكانته ِف اإلسالم قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬رأس األمر اإلسالم‪ ،‬وعموده‬
‫الصالة‪ ،‬وذروة سنامه اجلهاد ِف سبيل هللا»(‪ )4‬فإذا كان اجلهاد ِف اإلسالم مبن زلة ذروة سنام‬
‫البعري‪ ،‬ومعلوم أن ذروة السنام هي أعلى شيء ِف جسم البعري‪ ،‬عُلم أن اجلهاد من أهم الواجبات‬
‫وأعالها‪.‬‬
‫ومما يستدل به على وجوب اجلهاد قوله تعاىل‪ ﴿ :‬اي أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا ِف‬
‫سبيل هللا ااثقلتم إىل األرض أرضيتم ابحلياة الدنيا من اآلخرة فما متاع احلياة الدنيا ِف اآلخرة إىل‬
‫قوما غريكم وال تضروه شيئًا وهللا على كل شيء‬ ‫ليما ويستبدل ً‬ ‫قليل * إال تنفروا يعذبكم ً‬
‫عذااب أ ً‬
‫قدير ﴾(سورة التوبة‪ )4٧-42:‬وقوله سبحانه وتعاىل‪ ﴿ :‬انفروا خفافًا وثقاالً وجاهدوا أبموالكم‬
‫وأنفسكم ِف سبيل هللا ﴾(سورة التوبة‪ )14:‬وقوله سبحانه وتعاىل ‪ ﴿:‬اي أيها النيب حرض املؤمنني‬
‫على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتني ‪(﴾ ..‬سورة األنفال ‪.)15:‬‬
‫وقد أوضح سبحانه ِف كتابه العزيز أن القعود عن اجلهاد من عالمات النفاق والكذب على هللا‬
‫ورسوله حيث قال تعاىل‪ ﴿ :‬وجاء املعذرون من األعراب ليؤذن هلم وقعد الذي كذبوا هللا ورسوله‬
‫أيضا على أن القعود عن اجلهاد موجب للطبع‬ ‫‪(﴾ ..‬سورة التوبة ‪ ،)2٧:‬كما دل القرآن العزيز ً‬
‫على القلوب كقوله تعاىل‪ ﴿ :‬إمنا السبيل على الذين يستئذنونك وهم أغنياء رضوا أبن يكونوا مع‬
‫اخلوالف وطبع هللا على قلوهبم فهم ال يعلمون ﴾(سورة التوبة‪ )24:‬والنيب ملسو هيلع هللا ىلص حذر من ترك اجلهاد‬
‫والقعود عن الغزو قال ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إذا تبايعتم ابلعينة وأخذمت أذانب البقر ورضيتم ابلزرع وتركتم اجلهاد‬
‫سلط هللا عليكم ذالًّ ال ين زعه عنكم حىت تراجعوا دينكم»(‪ )9‬فيفهم من هذا احلديث الشريف أن‬
‫الذي يرتك اجلهاد ويقعد عنه على خطر كبري من اخلروج عن الدين‪ ،‬يفهم هذا املعىن من قوله‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬حىت تراجعوا دينكم» وقال ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬من مات ومل يغز ومل حيدث نفسه ابلغزو مات على شعبة‬
‫من نفاق»(‪ )4‬رواه مسلم‪.‬‬
‫وهذا طرف من النصوص اليت تقتضي وجوب اجلهاد وحتذر من تركه والتخلف عنه‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن الرتمذي (‪ )9141‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )9‬سنن أيب داود (‪ )4119‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪. )424٧( - 45٧‬‬

‫‪861‬‬
‫وأما فضل اجلهاد واحلث عليه فإن الكتاب العزيز والسنة املطهرة مملوءان من النصوص اليت تدل‬
‫على فضل اجلهاد وتبني ثواب اجملاهدين عند هللا سبحانه وتعاىل ولو مل يكن ِف فضل اجلهاد إال‬
‫أنه سبب حلب هللا سبحانه وتعاىل ورضاه عن اجملاهدين ِف سبيل قال تعاىل‪ ﴿ :‬إن هللا حيب الذين‬
‫يقاتلون ِف سبيله ص ًفا كأهنم بنيان مرصوص﴾(سورة الصف آية‪ )1:‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬اي أيها الذين‬
‫آمنوا هل أدلكم على جتارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون ابهلل ورسوله وجتاهدون ِف سبيل هللا‬
‫أبموالكم وأنفسكم ذلكم خري لكم إن كنتم تعلمون * يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات جتري‬
‫من حتتها األهنار ومساكن طيبة ِف جنات عدن ﴾(سورة الصف‪ )4٧-49 :‬وقال سبحانه وتعاىل‬
‫‪ ﴿:‬لقد رضي هللا عن املؤمنني إذ يبايعونك حتت الشجرة ‪(﴾ ...‬سورة الفتح اآلية‪ .)4٧:‬وهم إمنا‬
‫ابيعوه على اجلهاد‪ ،‬وقال تعاىل‪ ﴿ :‬إن هللا اشرتى من املؤمنني أنفسهم وأمواهلم أبن هلم اجلنة‬
‫وعدا عليه ح ًقا ِف التوراة واإلجنيل والقرآن ومن أوىف بعهده‬
‫يقاتلون ِف سبيل هللا فيَقتلون ويُقتلون ً‬
‫من هللا ﴾(سورة التوبة‪ )444:‬وقوله تعاىل‪ ﴿:‬فليقاتل ِف سبيل هللا الذين يشرون احلياة الدنيا‬
‫عظيما﴾(سورة النساء‬
‫ً‬ ‫أجرا‬
‫ابآلخرة ومن يقاتل ِف سبيل هللا فيُقتل أو يَغلب فسوف نؤتيه ً‬
‫‪ )11:‬وروي عنه ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال‪« :‬مثل اجملاهد ِف سبيل هللا كمثل الصائم الذي ال يفطر والقائم‬
‫الذي ال يفرت»(‪ )4‬أو كما قال عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫واجلهاد ِف سبيل هللا على مراتب؛ اترة يكون مبقارعة العدو ابلقوة املسلحة ِف جبهات القتال‪،‬‬
‫واترة يكون ابملال‪ ،‬واترة يكون ابللسان‪ ،‬واترة يكون ابلقلم‪ ،‬وأعلى هذه الدرجات وأفضلها اجلهاد‬
‫ابلنفس؛ ألنه أشق على املقاتلني وأكثر تضحية وألنه قد ترتب عليه الشهادة‪ ،‬ومعلوم ما أعد هللا‬
‫للشهداء من األجر والثواب وألنه أشد نكاية ابلعدو مما سواه من أنواع اجلهاد وألن ما سواه من‬
‫أنواع اجلهاد مكمل له‪ ،‬واجلهاد ابلنفس هو الذي يرهب العدو وحيطم معنوايته وهو الذي يتحقق‬
‫به النصر غالبًا وتتم به محاية حوزة املسلمني والذب عن حرماهتم وقدميا قيل‪:‬‬

‫السيف أصدق أنباء من الكتب __________ يف حده احلد بني اجلد واللعب‬

‫أما اجلهاد ابملال فهو ال يقل أمهية عن اجلهاد ابلنفس؛ إذ بدونه ال يتمكن اجملاهدون من احلصول‬
‫على السالح‪ ،‬وبدونه ال يستطيعون أتمني النفقات األخرى اليت تتطلبها املعركة من دفع نفقات‬
‫اجلند وتكاليف عالج اجلرحى وغري ذلك مما حيتاجه اجملاهدون‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم (‪. )4٧1٧‬‬

‫‪861‬‬
‫أما اجلهاد ِف سبيل هللا ابللسان والقلم فاملراد به دور اإلعالم من خطب وقصائد ودعاية للمعركة‬
‫وإذاعة النتصارات اجملاهدين وهزائم أعدائهم‪.‬‬
‫واإلعالم له أثر كبري ِف تغيري موازين املعارك إذا كان القائمون عليه على مستوى املسئولية وخلص‬
‫قصدهم‪ ،‬أما إذا كان القائمون على اإلعالم ِف و ٍاد وقضااي املسلمني ومشاكلهم ِف و ٍاد آخر كما‬
‫عوان للمجاهدين فقد يصري‬ ‫هو واقع اإلعالم العريب واإلسالمي اليوم فإنه فضالً عن أن يكون ً‬
‫ضررا عليهم حبيث أتثره ابإلعالم الكافر وتقليده ِف مضامينه وأساليبه‪.‬‬
‫ً‬
‫وعندما أصاب إخواننا ِف فلسطني ما أصاهبم من تقتيل وتشريد وهدم للمنازل واملساجد على من‬
‫فيها على أيدي إخوان القردة واخلنازير أيقنا أبن اإلعالم ِف الدول العربية واإلسالمية سيشمر عن‬
‫ساعديه ويرتك أساليبه اهلابطة اليت كان يسري عليها فإذا هو مل يعبأ هبذه الكوارث واستمر على‬
‫االهتمام ابألمور التافهة كاالهتمام ابحلفالت الرايضية واحلفالت الغنائية وعرض الصور اخلليعة‬
‫املتهتكة والربامج املنحطة كاملسلسالت اخلليعة اليت ما أقيمت إال إلفساد عقائد املسلمني‬
‫وأخالقهم وكذلك اهتمام اإلعالم ابإلشادة إبجنازات احلكام اليت ال وجود هلا وكيل املديح واإلطراء‬
‫هلم بدون حياء وال خجل‪.‬‬
‫واآلن وحيث قد تبني أن ما يقوم به رؤساء الدول ِف العامل اإلسالمي منذ وجدت عصابة يهود ِف‬
‫فلسطني من أساليب موجهه ضد اليهود كالشجب واالستنكار والتنديد مبا يقوم به اليهود اجملرمون‬
‫من تدنيس للمقدسات‪ ،‬وقتل للموطنني قد أثبتت فشلها‪ ،‬فإننا هنيب هبؤالء الرؤساء أن ينبذوا‬
‫خالفاهتم ويوحدوا كلمتهم ويرتكوا هذه األساليب العقيمة وأن يعلنوا اجلهاد املسلح على عصاابت‬
‫يهود فإن ما أخذ ابلقوة ال يعاد إال ابلقوة كما أنه جيب على الدول اجملاورة لدولة اليهود أن يفتحوا‬
‫حدودهم معها للمجاهدين املتطوعني لينضموا إىل إخواهنم من جماهدي فلسطني والعرب‪،‬‬
‫واملسلمون بعد توفيق هللا وإعانته هلم لديهم أسباب النصر متحققة ؛ فالعنصر البشري متوفر إذ‬
‫يزيد تعداد املسلمني على مليار نسمة‪ ،‬واألموال متوفرة لديهم إذ معظم الدول العربية تصب ِف‬
‫خزاانهتا أودية من الذهب من موارد متعددة كالبرتول والضرائب واجلزاءات والرسوم وغريها‪ ،‬فيجب‬
‫عليهم أوالً أن يسلحوا الشعب الفلسطيين بكل ما حيتاجه من سالح وأن يسلحوا جيوشهم‬
‫أبحدث أنواع السالح ألن أموال بيوت املال ِف الدولة اإلسالمية يتحتم صرفها على مصاحل‬
‫بلداهنم كتقوية وإعداد اجليوش وإقامة املشاريع‪ ،‬ودعم اجملاهدين ِف مجيع اجلبهات اليت حتارب‬
‫أعداء هللا سواء ِف فلسطني أو الشيشان أو الفلبني أو ِف كشمري أو ِف أي بقعة من بقاع املسلمني‬
‫جتري فيها معارك بني املسلمني والكفار‪.‬‬

‫‪862‬‬
‫ومن املؤسف أننا عندما نستعرض جوانب الضعف ِف األمة اإلسالمية والعربية جند أن من أبرزها‬
‫كثريا أننا‬
‫الضعف الواضح ِف العدد والعدة فال أسلحة وال رجال‪ ،‬وإن مما يؤسف له ح ًقا بل يؤملنا ً‬
‫كنا نسمع ِف ما مضى عرب وسائل اإلعالم عن عقد صفقات أسلحة متطورة واليت أعلن عنها ِف‬
‫حينها ومع أن هذه املبالغ الطائلة قد أرهقت بيت مال املسلمني ومع هذا فقد كان الكثريون‬
‫يستبشرون بعقد مثل هذه الصفقات ظنًا منهم أهنا ستكون حصنًا واقيًا بعد هللا تعاىل لصد أي‬
‫متاما ودليل ذلك أن‬
‫اعتداء على املسلمني وأراضيهم املقدسة ولكن الذي حدث هو عكس ذلك ً‬
‫بعض الدول العربية عندما هومجت من قبل إحدى الدول اجملاورة مل تستطع الصمود أمام من‬
‫هامجهم وذلك عائد إىل ضعف استعدادهم العسكري فقد أثبتت هذه احلرب خلو خزائن األجهزة‬
‫العسكرية من األسلحة اليت كان الناس أيملون هبا واليت عقدت هبا الصفقات‪ ،‬كما أن قلة‬
‫األسلحة صاحبها شح واضح ِف الكفاءات البشرية املدربة ولذلك كله مل ترتدد هذه الدولة ِف‬
‫استدعاء الدول الكافرة حلمايتها والدفاع عنها غري مكرتثني ابحلكم الشرعي املرتتب على ذلك‪،‬‬
‫عارا ما بعده عار وخزي ما بعد خزي أن نلجأ إىل طلب احلماية من دول الكفر هنيئ هلم‬ ‫أليس ً‬
‫االستقرار ِف أراضينا اليت حرم املصطفى ملسو هيلع هللا ىلص إقامتهم فيها وأمر إبخراجهم منها مع توفري أسباب‬
‫القدرة أبنفسنا على صد عدوان املعتدي‪.‬‬
‫وبعد ما تقدم من بيان وجوب اجلهاد عسكرًاي فال بد من أمور جيب على املسلمني والعرب فعلها‬
‫حكاما وحمكومني كالً فيما خيصه‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬مقاطعة دول اليهود مقاطعة كاملة؛ دبلوماسيًا ممن هلم عالقات دبلوماسية مع دول الصهاينة‪،‬‬
‫اقتصاداي وجتارًاي ممن هلم ارتباط مع هذه الدولة الفاجرة بعالقات اقتصادية أو جتارية أو ثقافية‪.‬‬
‫ً‬ ‫و‬
‫اثنيا‪ :‬مقاطعة الشركات اليهودية اليت تدعم اليهود ابملال وحىت لو مل تكن الشركة يهودية وهي تدعم‬
‫اليهود فتجب مقاطعتها وهذا يتم ابلرجوع إىل نظام املقاطعة العربية اليت كانت قائمة قبل خدعة‬
‫خاف ما ترتب على تلك املقاطعة من‬‫االتفاق السلمي املزعوم الذي ذهب أدراج الرايح وغري ٍ‬
‫اقتصاداي‪.‬‬
‫ً‬ ‫تضييق اخلناق على دولة اليهود‬
‫اثلثا‪ :‬جتب مقاطعة أمريكا مقاطعة كاملة وهذه املقاطعة تكون عن طريق احلكام والشعوب‪ ،‬فعلى‬
‫احلكام منع التجار من استرياد املنتجات األمريكية من أي نوع كانت ومنع تصدير البرتول إىل‬
‫أمريكا ألهنا هي اليت قامت دولة الصهاينة على دعمها وأتييدها سياسيًا واستمرت على مواصلة‬
‫هذا الدعم فيجب على حكام األمة اإلسالمية أن يضيقوا احلصار على أمريكا ابحلصار‬
‫االقتصادي حبيث مينعوا االسترياد منها ويوقفوا التصدير‪.‬‬

‫‪863‬‬
‫كما جيب على الشعوب املسلمة مقاطعة البضائع األمريكية جبميع أنواعها‪.‬‬
‫هذا ونرجو من املوىل عز وجل أن ينصر اجملاهدين ضد أعداء الدين ِف كل مكان ويعلي كلمته‬
‫ويعز دينه إنه على كل شيء قدير‪ ،‬وصلى هللا على نبينا وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أماله فضيلة الشيخ‬
‫أ ‪ .‬محود بن عقالء الشعي يب‬
‫‪ 4194/٧/ 91‬ه‬

‫‪864‬‬
‫اليهود(‪)4‬‬ ‫رسالة رىل ابن ابز خبصوص فتواه ابلصلح مع‬

‫إىل مساحة الشيخ عبد العزيز بن عبد هللا بن ابز ‪ -‬حفظه هللا تعاىل ‪:-‬‬

‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪.‬‬


‫وبعد‪:‬‬
‫فقد مسعنا ‪ -‬كما مسع غريان ‪ -‬ابألنباء الكثرية عن خطط غربية جديدة هتدف إىل اهناء حالة‬
‫العداوة بني املسلمني واليهود ِف فلسطني ابسم جهود السالم‪.‬‬

‫ونظراً ألن هذه القضية تتعلق ابألمة كلها‪ ،‬وهتم كل فرد ِف مشرق بالد اإلسالم ومغرهبا‪ ،‬وليست‬
‫قضية خاصة أو متعلقة ببلد معني‪ ،‬رأينا من واجبنا الشرعي‪ ،‬الذي ال يسعنا التخلي عنه حبال من‬
‫األحوال؛ أن نقدم لكم اجتهادان ِف املسألة‪ ،‬رجاء أن تتأملوه‪ ،‬مث تقدموه ملن ترون مصلحة ِف‬
‫تقدميه له‪.‬‬

‫وإمنا حدا بنا إىل كتابة هذا الكتاب لسماحتكم اخلوف من دخولنا حتت وعيد كتمان العلم الذي‬
‫ائتمنا عليه‪.‬‬

‫ونلخص ‪ -‬مساحة الشيخ ‪ -‬اجتهادان ِف النقاط التالية‪:‬‬


‫(‪ )4‬الصلح املزعوم هو عبارة عن هدنة مطلقة غري حمددة مبدة معلومة‪ ،‬وهذا ال جيوز‪ ،‬ألنه تعطيل‬
‫لشعرية اجلهاد ِف سبيل هللا‪ ،‬بل ذهب كثري من أهل العلم إىل أنه ال جتوز اهلدنة أكثر من عشر‬
‫سنوات ‪ -‬وهي املدة اليت صاحل عليها الرسول صلى هللا عليه سلم قريشاً ِف احلديبية ‪ -‬وهي‬
‫احلادثة اليت حيتج هبا الكثريون من مؤيدي الصلح‪.‬‬

‫وبغض النظر عن هذا القول؛ فإنه مما ال شك فيه أنه ال جيوز عقد هدنة أبدية مع أي طائفة من‬
‫طوائف الكفر ‪ -‬ال اليهود وال غريهم ‪-‬‬
‫قال ِف املغين [‪ ...( :]451/44‬ال جتوز املهادنة مطلقاً من غري تقدير مدة‪ ،‬ألنه يفضي إىل ترك‬
‫اجلهاد ابلكلية‪.)...‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬وجدت هذه الرسالة ِف موقع "منرب التوحيد واجلهاد" ‪.‬‬

‫‪865‬‬
‫(‪ )9‬إن اتريخ اليهود هو سجل حافل ابلغدر واخليانة والتآمر‪ ،‬فقد خانوا عهدهم مع افضل اخللق‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فكيف يكون مع غريه‪.‬‬
‫يقول أحد زعمائهم – "مناحيم بيغن" ‪ِ -‬ف كتابه "الثورة؛ قصة األرجون" ‪،‬كما ِف كتاب "نظرية‬
‫األمن اإلسرائيلي" [ص‪ ...( :]41 :‬لن يكون هناك سالم لشعب إسرائيل وال ِف أرض إسرائيل‪،‬‬
‫ومل يكون هناك سالم مع العرب وال ِف أرض العرب‪ ،‬وستستمر احلرب بيننا وبينهم‪ ،‬حىت ولو وقع‬
‫العرب معنا معاهدة صلح‪!)...‬‬
‫يقول تعاىل‪{ :‬أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم} [البقرة‪.]4٧٧:‬‬
‫إهنم يفتعلون أكثر من مفهوم ألي بند‪ ،‬كما حصل ِف اتفاقيات "كامب ديفيد"‪ ،‬مث حيققون ما‬
‫يريدون على ضوء الفهم الذي فسروا به بنود الصلح‪.‬‬

‫(‪ )4‬إن هذا االستسالم سيوقعه عن األمة أانس مل تفوضهم األمة به‪ ،‬وهم ال ميثلوهنا على‬
‫مصاحلها‪ ،‬ألن حكمهم قائم على عقائد ومبادئ مغايرة لإلسالم‪ ،‬واحلكومة الباطنية البعثية أوضح‬
‫مثال على ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬إن وراء جهود املصاحلة خطة ابعد إلهناء حالة العداء بني مجيع الشعوب واألداين من منطلق‬
‫بدعة "النظام العاملي اجلديد"‪ ،‬الذي يفرتضون فيه أن تنتهي اخلوصمات واحلروب بني الشعوب ِف‬
‫ظل هيمنة العامل الغريب‪.‬‬

‫وسيرتتب على ذلك نزع السالح ‪ -‬خاصة من أيدي املسلمني ‪ -‬حبجة أنه ال مسوغ له بعد‬
‫املصاحلة‪.‬‬
‫كما سيرتتب عليه ‪ -‬وهذا هو األهم ‪ -‬جهود ضخمة للتطبيع‪ ،‬وتغيري املناهج الدراسية‬
‫والسياسات اإلعالمية وغريها‪ ،‬حلذف كل ما يعتقدون أنه إساءة لليهود‪ ،‬ومنع احلديث عن هذه‬
‫األمور‪ ،‬ابعتباره إساءة إىل إحدى الدول اجملاورة أو القريبة‪ ،‬وميكن مراجعة الوائق اخلطرية املنشورة‬
‫ِف كتاب "التطوير بني احلقيقة والتضليل"‪ ،‬وكتاب "التاريخ بني احلقيقة والتضليل" للدكتور مجال‬
‫عبد اهلادي‪.‬‬
‫وسيرتتب عليه؛ رفع احلظر عن بضائعهم‪ ،‬وتبادل اخلربات واملصاحل واملعلومات املتنوعة معهم‪.‬‬
‫ولذلك بدأت الصحافة تطالعنا مبقاالت وحتقيقات وندوات تؤكد أنه مل يعد هناك أعداء لإلسالم‪ ،‬وأننا‬
‫جيب أن نقيم عالقتنا مع اجلميع على ضوء املصاحل املتبادلة فحسب!‬

‫‪866‬‬
‫(‪ )5‬اجللوس على مائدة املفاوضات مع اليهود‪ ،‬وعقد اتفاقيات الصلح الدائم معهم؛ هو اعرتاف‬
‫بدولتهم وحقهم ِف أرض فلسطني‪ ،‬ونزع مللكية األمة املسلمة هلذه األرض املباركة بغري حق‪ ،‬وبغري‬
‫رضا أو قبول من اصحاب احلق ‪ -‬وهم املسلمون ‪ -‬وهذا ال جيوز‪.‬‬
‫وهو عقبة ِف وجه األجيال اليت ستعمل على حترير بالد اإلسالم من الغاصبني‪ ،‬فإذا مل يتمكن‬
‫املسلمون اآلن من إعالن اجلهاد على اليهود‪ ،‬فال أقل من أن يفتحوا الطريق ملن يصنع ذلك‪.‬‬
‫وقد علمنا يقيناً من احلديث املتفق عليه عن ابن عمر؛ أن للمسلمني معركة حامسة مع اليهود‪،‬‬
‫يقول فيها احلجر والشجر‪( :‬اي مسلم اي عبد هللا هذا يهودي ورائي فاقتله)‪ ،‬وِف حديث هنيك بن‬
‫صرمي "على هنر األردن"‪ ،‬نعم‪ ...‬هو هنر األردن ابلذات!‬

‫(‪ )1‬من هو الذي ميلك ‪ -‬شرعاً ‪ -‬أن يعقد الصلح مع اليهود؟ إن النيب ملسو هيلع هللا ىلص حني أراد مصاحلة‬
‫غطفان على ثلث مثار املدينة استشار السعدين ‪ -‬وهم أهل األرض ‪ -‬فهل استشري الصاحلون من‬
‫أهل فلسطني ِف ذلك؟ ومن هو ويل أمرهم املتكلم ابمسهم؟!‬

‫(‪ )1‬هل هناك معركة قائمة اآلن بيننا وبينهم؟! أصحيح أن مثل هذا اخلسف واهلوان الذي يسمى‬
‫"السالم" سيضع حداً ملعاانة املسلمني ِف فلسطني؟! أم أنه سيجعل كافة األطراف ضدهم ِف آن‬
‫واحد؟!‬
‫ومىت حدث ِف حقب التاريخ كلها؛ أن يستويل الكفار على دولة إسالمية‪ ،‬مث يلتقي املسلمون‬
‫على مائدة املفاوضات ليكتبوا هلم وثيقة اعرتاف واستسالم‪ ،‬ومينحوهم املزيد من املكاسب املادية‬
‫واملعنوية؟!‬
‫إن النيب ملسو هيلع هللا ىلص حني هم مبصاحلة غطفان حلماية أرض املسلمني ورد العدو حىت يتقوى املسلمون على‬
‫قتاهلم‪ ،‬وحني علم كراهية األنصار لذلك؛ رفضه‪ ،‬فكان ذلك خرياً عظيماً للمسلمني ِف كسر شوكة‬
‫األحزاب وردهم بغيظهم مل ينالوا خرياً‪.‬‬
‫أما االستسالم املعروض اليوم؛ فليس معه جهاد وال إعداد وال تقوية للمسلمني ِف املستقبل‪ ،‬ومل‬
‫يتم ذلك عن مشورة املسلمني وال عن موافقتهم‪.‬‬

‫(‪ )٧‬وأخريا مساحة الشيخ‪:‬‬


‫فإننا نعتقد أن الطريق الوحيد واملضمون إلحباط كيد اليهود وحقن دماء املسلمني ورد الفنت العامة‬
‫واخلاصة؛ هو اجلهاد ِف سبيل هللا وتربية الناس على ذلك وإعدادهم له‪.‬‬

‫‪867‬‬
‫وإذا مل منلك ذلك اآلن؛ فيجب أن يبدأ التوجه الصادق لتحريك مهم الشعوب اإلسالمية وإعدادها‬
‫مادايً ومعنوايً‪{ ،‬ولينصرن هللا من ينصره إن هللا لقوي عزيز} [احلج‪.]1٧:‬‬
‫وإذا مل نر مصلحة ِف أن ننكر هذه املصاحلة ونردها‪ ،‬فال أقل من أن حيفظ علماء املسلمني مسعتهم‬
‫من أن تناهلا األلسنة بسوء‪ ،‬نتيجة اجتهاد كانت األمور كلها ستتم ‪ -‬وهللا أعلم ‪ -‬دون احلاجة‬
‫إليه‪.‬‬

‫(‪ )2‬مساحة الشيخ‪:‬‬


‫إن نريد إال اإلصالح ما استطعنا‪ ،‬وما توفيقنا إال ابهلل‪ ،‬عليه توكلنا وإليه ننيب‪.‬‬
‫وِف املتفق عليه عن عمر هنع هللا يضر مرفوعاً‪( :‬إمنا األعمال ابلنيات وإمنا لكل امرئ ما نوى)(‪.)4‬‬
‫وفقنا هللا وإايكم وسائر املسلمني إىل ما فيه مرضاته‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‬
‫والسالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪.‬‬

‫املقدمون‪:‬‬
‫‪ -4‬محود عبد هللا التوجيري ‪ -9 /‬عبد هللا بن دمحم بن خنني‬
‫‪ -4‬عبد هللا بن حسن القعود‪ -1 /‬صاحل بن دمحم الونيان‬
‫‪ -5‬محود بن عبد هللا بن عقال الشعييب‪ -1 /‬إبراهيم بن دمحم الدبيان‬
‫‪ -1‬عبد هللا بن عبد الرمحن بن اجلربين‪ -٧ /‬صاحل بن دمحم السلطان‬
‫‪ -2‬عبد هللا احلمد اجلاليل‪ -4٧ /‬عبد احملسن بن انصر العبيكان‬
‫‪ -44‬دمحم بن صاحل املنصور‪ -49 /‬سعيد بن مبارك آل زعري‬
‫‪ -44‬سلمان بن فهد العودة‪ -41 /‬سعد بن عبد هللا احلميد‬
‫‪ -45‬عبد هللا بن محود التوجيري‪ -41 /‬دمحم بن سعيد القحطاين‬
‫‪ -41‬انصر بن عبد الكرمي العقل‪ -4٧ /‬عبد هللا بن إبراهيم الطريقي‬
‫‪ -42‬عبد هللا بن صاحل بن عبد هللا اخلضريي‪ -9٧ /‬عبد الوهاب بن انصر الطريري‬
‫‪ -94‬عائض بن عبد هللا القرين‪ -99 /‬سعيد بن انصر الغامدي‬
‫‪ -94‬علي بن حنند الدخيل هللا‪ -91 /‬عبد الرمحن بن انصر الرباك ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )4‬‬

‫‪868‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫حكم أخذ اجلنسية للمكره من دولة كافرة‬

‫االخوة الليبيني ‪ ..........................‬حفظهم هللا تعاىل‬

‫وعليكم السالم ورمحة هللا وبركاته ‪ ،‬وبعد ‪.‬‬


‫فقد اطلعت على رسالتكم الطويلة املوجهة إلينا ‪ ،‬اليت تذكرون فيها حالتكم وما تعانونه من‬
‫املالحقة واملطاردة وعدم األمن ِف بالدكم وال ِف البالد األخرى ‪ ،‬وقد يُلجئكم ذلك إىل أخذ‬
‫اجلنسية الربيطانية لكي أتمنوا بذلك ِف تلك البالد وِف غريها من البالد إذا سافرمت ابعتباركم من‬
‫حاملي اجلنسية الربيطانية فال تتعرضون ألذى ‪ ،‬وتسألون عن حكم ذلك ؟ مث ذيلتم رسالتكم بعدة‬
‫أسئلة تطلبون اإلجابة عنها ؟‬
‫فنقول وابهلل التوفيق جيوز حسب احلالة اليت ذكرمت أخذ وطلب اجلنسية الربيطانية نظرا حلالتكم وما‬
‫ذكرمت ِف السؤال ‪ ،‬ومما يدل على ذلك األدلة اآلتية ‪:‬‬
‫‪ -4‬قوله تعاىل ( من كفر ابهلل من بعد إميانه إال من أكره وقلبه مطمئن ابإلميان ولكن من شرح‬
‫ابلكفر صدرا )(سورة النحل اآلية‪ . )4٧1:‬فقد أجاز هللا الكفر ِف حالة اإلكراه إذا كان قلبه‬
‫مطمئنا ابإلميان ‪ ،‬وطلب اجلنسية املذكورة من هذا الباب ‪ ،‬فقد جاز لكم ذلك ألنه أجلأتكم‬
‫ضرورة اإلكراه إىل ذلك ‪ ،‬لكن بشرط أن يكون طالب اجلنسية مبغضا للكفار معاداي هلم يرى‬
‫الرباءة منهم ‪ ،‬قائما بدينه بقدر ما يستطيع ‪.‬‬
‫‪ -9‬قصة طلب احلماية واإلجارة من الرسول ملسو هيلع هللا ىلص من املطعم بن عدي ‪ ،‬ملا رجع من الطائف فلم‬
‫يستطع أن يدخل مكة إال بطلب احلماية من هذا الكافر ‪ ،‬وهبذه احلماية استطاع أن يدخل مكة‬
‫وأيمن فيها ‪.‬‬
‫وهي مروية ِف السري ‪ ،‬رواها ابن إسحاق ِف سريته ‪ ،‬وابن هشام ِف تلخيصه ‪ ،‬وابن كثري ِف‬
‫الفصول وِف البداية والنهاية ‪.‬‬
‫‪ -4‬انتفاع الرسول ملسو هيلع هللا ىلص من محاية أيب طالب وبين هاشم وبين املطلب له ‪ ،‬حيث كانوا حيمونه‬
‫ويذبون عنه رغم كفرهم ‪.‬‬
‫‪ -1‬قصة محاية ابن الدغنة سيد القارة ملا قام حبماية أيب بكر الصديق هنع هللا يضر ‪ ،‬ملا خرج من مكة ‪،‬‬
‫فأجاره هذا الكافر وأعاده إىل مكة آمنا ‪.‬‬

‫‪869‬‬
‫‪ -5‬قصة اهلجرة إىل احلبشة ‪ ،‬فإن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص قال للمستضعفني ِف مكة ‪ :‬احلقوا أبرض احلبشة‬
‫فإن فيها ملكا ال يظلم عنده أحد ‪ ،‬فاحتموا ببالده حىت جيعل هللا لكم خمرجا مما أنتم فيه ‪.‬‬
‫‪ -1‬وقول ابن القيم رمحه هللا ملا تكلم عن حترمي احليل قال ‪ :‬الخالف بني األمة أنه ال جيوز اإلذن‬
‫ِف التكلم بكلمة الكفر لغرض من األغراض إال املكره إذا اطمأن قلبه ابإلميان اه اعالم املوقعني‬
‫‪. 424/4‬‬
‫ومن أقوال أهل العلم ِف هذه املسألة ما جاء عن الزهري رمحه هللا فيما روى عنه ابن حزم رمحه هللا‬
‫ِف احمللى ‪ ،‬وأييت نصه ِف كالم ابن حزم إن شاء هللا ‪.‬‬
‫ومن أقوال أهل العلم ِف هذه املسألة ما قاله ابن حزم رمحه هللا ِف احمللى ‪ :‬قال ( ِف ابب املرتدين ‪،‬‬
‫املسألة رقم ‪ ،) 942٧‬ملا تكلم عن من حلق بدار الكفر واحلرب قال ‪ :‬وأما من فر إىل أرض‬
‫احلرب لظلم خافه ‪ ،‬ومل حيارب املسلمني وال أعاهنم عليه ومل جيد ِف املسلمني من جيريه فهذا الشيء‬
‫عليه ألنه مضطر مكره ‪ ،‬وقد ذكران أن الزهري دمحم بن مسلم بن شهاب كان عازما على أنه إن‬
‫مات هشام بن عبد امللك حلق أبرض الروم ألن الوليد بن يزيد كان نذر دمه إن قدر عليه وهو‬
‫كان الوايل بعد هشام فمن كان هكذا فهو معذور ‪ ،‬وكذلك من سكن أبرض اهلند والسند‬
‫والصني والرتك والسودان والروم من املسلمني فإن كان ال يقدر على اخلروج من هنالك لثقل ظهر‬
‫أو لقلة مال أو لضعف جسم أو المتناع طريق فهو معذور ‪ .‬اه‬
‫ومما تقدم من األدلة يتبني أنه جيوز ملثلكم أن حيمل اجلنسية الربيطانية ‪ ،‬بشرط أن تكونوا كارهني‬
‫هلم ولدينهم مع عدم مواالهتم ‪ .‬قائمني مبا تستطيعون من الدين‬
‫وأما ما ذكرمت من القسم أو التعهد عند أخذ اجلنسية املذكورة ‪ ،‬فما دام أهنم خيريونكم بني القسم‬
‫و التعهد ولكم مندوحة عن القسم ‪ ،‬فتعملون ابلتعهد وتضمرون اإلميان بقلوبكم ابهلل مع كراهيتكم‬
‫هلم ‪.‬‬
‫أما ما ذكرمت من مسألة التوقيع أو القسم أمام احملامي فال حاجة لذلك ‪ ،‬وما ذكران لكم يكفي إن‬
‫شاء هللا ‪.‬‬
‫وأما ما ذكرمت ِف السؤال األخري من االستفهام عن التفريق فال فرق ِف ذلك ‪.‬‬
‫هذا ما تبني لنا ِف ذلكم وهللا أعلم ‪،‬‬
‫ونسأل هللا لنا ولكم التوفيق والتيسري وهللا حيفظكم ‪.‬‬
‫أماله فضيلة الشيخ أ ‪ .‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪ 4199 / 1 / 5‬ه‬

‫‪871‬‬
‫حكم مشاركة الفتيات يف اجلنادرية‬
‫فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعي يب حفظه هللا‬
‫ما حكم مشاركة املرأة فيما يقام من احتفاالت ِف اجلنادرية وما مياثلها من مناسبات ‪ ..‬من غناء‬
‫خريا ‪..‬‬
‫ورقص ومتثيل‪ .‬وما حكم أخذ األجرة على الغناء والتدريب عليه‪ .‬وجزاكم هللا ً‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني ‪ ..‬وبعد‬
‫فقد أمجع علماء األمة إال من شذ منهم على حترمي الغناء والعزف أبنواعه ومجيع آالته كالطبل‬
‫واملزمار والعود وآالت الطرب وأشباهها‪ .‬وهذا احلكم (أي التحرمي) اثبت للغناء ِف أي مكان أقيم‬
‫‪ ..‬ال فرق بني أن يقام ِف اجلنادرية وال ِف غري اجلنادرية‪ ،‬وسواء أدى الغناء من قبل النساء أو‬
‫الرجال‪ .‬وال يستثىن من ذلك إال ضرب النساء ِف العرس ابلدف لورود السنة ِف ذلك‪.‬‬
‫ولثبوت حترمي الغناء ِف الكتاب والسنة وإمجاع العلماء عليه أوجبوا كسر اآلالت وقالوا ال ضمان‬
‫على متلفها‪ .‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ومن الناس من يشرتي هلو احلديث ليضل عن سبيل هللا بغري علم‬
‫ويتخذها ه زوا أولئك هلم عذاب مهني﴾(سورة لقمان آية‪ )1:‬قال ابن كثري ِف تفسريه‪ :‬ملا ذكر‬
‫السعداء وهم الذين يهتدون بكتاب هللا وين تفعون بسماعه كما قال تعاىل‪ ﴿ :‬هللا نزل أحسن‬
‫كتااب متشاهبا مثاين تقشعر منه جلود الذين خيشون رهبم مث تلني جلودهم وقلوهبم إىل ذكر‬ ‫احلديث ً‬
‫هللا ﴾(سورة الزمر‪ )94:‬عطف بذكر حال األشقياء الذين أعرضوا عن االنتفاع بسماع كالم هللا‬
‫وأقبلوا على استماع مزامري الغناء واألحلان وآالت الطرب كما قال ابن مسعود ِف قوله تعاىل ‪:‬‬
‫﴿ ومن الناس من يشرتي هلو احلديث ليضل عن سبيل هللا ﴾(سورة لقمان‪ )1:‬قال‪ :‬هو وهللا‬
‫الغناء‪،‬وقد صح عن ابن عمرو وابن عباس أن املقصود الغناء‪ .‬قال القرطيب‪ ﴿ :‬هلو احلديث ﴾‬
‫الغناء‪ .‬وورد أن النيب عليه الصالة والسالم قال‪« :‬من استمع إىل قينة صب ِف أذنيه اآلنك يوم‬
‫القيامة»(‪ .)4‬واآلنك‪ :‬هو الرصاص املذاب‪.‬‬
‫وِف البخاري من حديث أيب عامر األشعري أنه مسع رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص يقول‪« :‬ليكونن من أميت أقوام‬
‫يستحلون احلر واحلرير واخلمر واملعازف»(‪ ،)9‬وهذا احلديث صريح ِف ذم الغناء وحترميه‪ ،‬قال‬
‫الشافعي ‪-‬رمحه هللا‪ :-‬وأما العود والطنبور وسائر املالهي فحرام ومستمعها فاسق‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬اتريخ دمشق البن عساكر حتت ترمجه دمحم إبراهيم البغدادي (‪ )1٧11‬وحكم األلباين حدبث ابطل‪.‬‬
‫أنظر السلسلة الضعيفة ( ‪. ) 1512‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري (‪. )552٧‬‬

‫‪871‬‬
‫وأما ما ابتليت به األمة ِف اآلونة األخرية من إقامة احلفالت الغنائية واإلعداد هلا وصرف األموال‬
‫للمشاركني فيها فهذا من الضالل واإلضالل عن سبيل هللا تعاىل ومن أسباب غضبه وحلول‬
‫عقوبته‪ ،‬روى البخاري ِف صحيحه عن أنس هنع هللا يضر أنه قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ليبينت رجال على‬
‫أكل وشرب وعزف فيصبحون على أرائكهم ممسوخني قردة وخنازير» وِف حديث أيب هريرة أن‬
‫رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬ميسخ قوم من هذه األمة آخر الزمان قردة وخنازير»‪ ،‬قالوا‪ :‬اي رسول هللا‬
‫حممدا رسول هللا؟ قال‪« :‬بلى‪ ،‬ويصومون ويصلون وحيجون»‪،‬‬ ‫أليس يشهدون أال إله إال هللا وأن ً‬
‫قالوا‪ :‬فما ابهلم؟ قال‪«:‬اختذوا املعازف والدفوف والقينات فباتوا على شرهبم وهلوهم فأصبحوا وقد‬
‫مسخوا قردة وخنازير»‪ .‬أما أخذ األجرة على الغناء والتدريب عليه فهو كسب خبيث حمرم لقوله‬
‫عليه الصالة والسالم‪« :‬إن هللا إذا حرم شيئًا حرم مثنه»(‪ .)4‬وكما بينت فيما سبق حكم الغناء‬
‫ابلنسبة للمغين فإن مساعه حمرم‪ ،‬وكذا حضور اجملالس اليت يقام فيها‪ ،‬وصرف األموال على إقامة‬
‫أيضا ال جيوز‪ ،‬ألنه مساعدة هلم على االستمرار ِف الفسوق وهللا سبحانه‬ ‫هذه احلفالت حمرم ً‬
‫يقول‪ ﴿ :‬وتعاونوا على الرب والتقوى وال تعاونوا على اإلمث والعدوان ﴾(سورة املائدة آية‪. )9:‬‬
‫ومن علم إبقامة هذه احلفالت الغنائية واملسارح ‪ ..‬ولديه القدرة على تغيريها ومل يفعل شيئًا فهو آمث‬
‫منكرا فليغريه بيده‬
‫وشريك للقائمني هبا ِف املعصية‪ .‬ولقوله عليه الصالة والسالم‪«:‬من رأى منكم ً‬
‫فإن مل يستطع فبلسانه فإن مل يستطع فبقلبه وذلك أضعف اإلميان»(‪.)9‬‬
‫أخريا أوصي أولياء أمور الفتيات الاليت يردن أن يشاركن ِف هذه احلفالت من غناء ورقص وحنوه‬ ‫و ً‬
‫انرا‬
‫أن أيخذوا على أيديهن لقوله سبحانه وتعاىل‪ ﴿ :‬اي أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم ً‬
‫وقودها الناس واحلجارة ‪(﴾ ..‬سورة التحرمي اآلية‪ ،)1:‬ولقوله عليه الصالة والسالم‪« :‬كلكم راع‬
‫وكلكم مسئول عن رعيته ‪)4(»..‬احلديث‪ .‬أما زايرة النساء مع حمارمهن للتفرج على احلفالت اليت‬
‫ليس فيها غناء وال رقص وال نوع من أنواع املنكرات فال أبس بذلك إن شاء هللا‪.‬‬
‫ومما سبق يتبني للعاقل حرمة هذه األعمال وحرمة املشاركة فيها حبضوره أو الدعوة إليه‪ ،‬أو حث‬
‫الناس على احلضور‪ ،‬أو بيع بعض السلع ِف هذه األماكن أو أتجري األماكن إلقامة املشاركني فيها‪.‬‬
‫هذا ونسأل هللا اهلداية والتوفيق وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أماله محود بن عقالء الشعي ب ي ‪ 419٧ /44 /5‬ه‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح ابن حبان (‪ )124٧‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم (‪. )12‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )٧24‬‬

‫‪872‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫فتوى يف تكفري امللحد تركي احلمد‬
‫السؤال فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب ‪ ..‬سلمه هللا ما رأيكم فيم يقول‪ :‬مسكني أنت اي‬
‫هللا حنملك ما نقوم به من أخطاء‪ ..‬ويقول‪ :‬هللا والشيطان واحد هنا ‪ ..‬وكالمها وجهان لعلمة‬
‫واحدة ‪ ..‬ومن يقول أين ربك حىت أضعه ِف الدرج وأقفل عليه ‪ ..‬ومن يستهزئ ابلدين ويسب‬
‫خريا‪.‬‬
‫األنبياء؟ وما رأيكم فيمن يدافع عن مثل هؤالء وحيميه؟ ‪ ..‬وجزاكم هللا ً‬
‫اإلجابة ‪ :‬احلمد هلل رب العالمني والصالة والسالم على نبينا دمحم وآله وصحبه أمجعني ‪ ..‬وبعد ‪.‬‬
‫فإن هذه العبارات اليت وردت ِف السؤال ال تصدر إال عن رجلني ‪ ..‬إما جمنون أو كافر ابهلل‬
‫العظيم‪ ،‬ألن فيها سبًا هلل سبحانه وتعاىل واستهزاء ابلدين‪ ،‬والساب هلل ورسوله واملستهزئ ابلدين‬
‫مسلما يدعي اإلسالم‪ ،‬فإن كان‬
‫كافرا ذميًا أو ً‬
‫كافرا حربيًا أو ً‬
‫عاقال ال خيلو‪ :‬إما أن يكون ً‬
‫إن كان ً‬
‫كافرا حريبًا فحكمه القتل ولو مل يصدر منه سب هلل أو رسوله أو استهزاء ابإلسالم ألنه حريب‪،‬‬ ‫ً‬
‫الذمي إن فعل ذلك فعهده منتقض وأمانه يلغى وجيب قتله‬ ‫واحلريب يقتل بكل حال‪ .‬وأما الكافر ِ‬
‫كما قال تعاىل‪ ﴿ :‬وإن نكثوا أمياهنم من بعد عهدهم وطعنوا ِف دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنه ال‬
‫مسلما يدعي‬
‫ً‬ ‫فوصفهم أبهنم أئمة الكفر‪ ،‬وإن كان‬ ‫أميان هلم ‪(﴾ ..‬سورة التوبة اآلية‪َ .)49:‬‬
‫جادا كان أو هازًال أو‬
‫اإلسالم فإن بسبه هلل ورسوله واستهزائه ابلدين يرتد عن دينه فيجب قتله ً‬
‫انقال مستحسنًا‪ ،‬لقوله تعاىل‪ ﴿ :‬ولئن سألتهم ليقولن إمنا كنا خنوض ونلعب قل أابهلل وآايته‬ ‫ً‬
‫ورسوله كنتم تستهزئون * ال تعتذروا قد كفرمت بعد إميانكم ‪(﴾ ..‬سورة التوبة اآلية‪.)15-11:‬‬
‫ولقوله عليه الصالة والسالم «من بدل دينه فاقتلوه»(‪ )4‬وعلماء األمة متفقون قدميًا وحديثًا على‬
‫أن من سب هللا أو رسوله أو استهزاء ابلدين فهو كافر جيب قتله بكل حال وال يستتاب‪ ،‬يقول‬
‫سليمان بن عبد هللا آل الشيخ رمحه هللا تعاىل ِف تيسري العزيز احلميد‪ :‬فمن استهزأ ابهلل أو بكتابه‬
‫إمجاعا‪.‬‬
‫أو برسوله أو بدينه َك َفر‪ ،‬ولو هازًال مل يقصد حقيقة االستهزاء ‪ً ..‬‬
‫ويقول ابن عبد الرب ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ :-‬ومن شتم هللا تبارك وتعاىل أو شتم رسوله ملسو هيلع هللا ىلص أو شتم نبيًا‬
‫مظهرا لإلسالم بال استتابة‪ .‬ويقول القاضي عياض‬ ‫من أنبياء هللا صلوات هللا عليهم قتل إذا كان ً‬
‫رمحه هللا تعاىل‪ :‬ال خالف أن ساب هللا تعاىل من املسلمني كافر حالل الدم‪ .‬ويقول ابن حزم ‪-‬‬
‫رمحه هللا تعاىل‪ :-‬أما ساب هللا تعاىل فما على ظهر األرض مسلم خيالف ِف أنه كفر جمرد‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )4٧41‬‬

‫‪873‬‬
‫فيجب على من ويل أمر البالد اليت ينتمي إليها هذا املرتد أن ينفذ فيها حكم هللا تعاىل وهو القتل‬
‫من غري استتابة‪ ،‬ألن ِف تركه إحداث مفاسد كبرية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن املسلمني يتأذون بفعله ويتأملون ملا ينشره‪ ،‬فبقتله يراتح املسلمون‪ ،‬ويرتدع كل من تسول‬
‫له نفسه أن يتطاول على هللا ورسوله أو دينه‪.‬‬
‫واثنيا‪ :‬أن ِف تركه بث لشبهاته وشكوكه بني املسلمني فيما ينشره من مقاالت ورواايت‪.‬‬
‫أما من يدافع عن مثل هذا وحيميه فهو مرتد مثله جيب قتله إن كان عاملا بطريقته ومنهجه‪.‬‬
‫ً‬
‫هذا ونسأل هللا أن ينصر دينه ويعلي كلمته وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫محود بن عقالء الشعييب‬
‫بريدة؛ ‪ 419٧ /٧ /1‬ه‬

‫‪874‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫حكم سب هللا ورسوله واالستهزاء ابلدين‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على نبينا دمحم عليه الصالة والسالم وبعد‪:‬‬
‫فقد وردان سؤال من أهايل مدينة حقل ِف مشال البالد عن حكم سب هللا ورسوله واالستهزاء‬
‫ابلدين وهذا نص السؤال‪:‬‬
‫س‪ :‬ما حكم اإلسالم ِف ساب الدين أو ساب هللا تعاىل أو ساب الرسول ملسو هيلع هللا ىلص حيث ينتشر بكثرة‬
‫لفظ لعن الدين على أفواه الكبار والصغار‪ ،‬وما حكم االستهزاء أبهل الدين ودعاته؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬لقد اتفق علماء األمة قدميًا وحديثًا على أن سب هللا أو سب أحد من‬
‫رسله أو االستهزاء ابلدين كفر ابهلل العظيم ُخمرج فاعله من ملة اإلسالم فمن صدر عنه سب هلل أو‬
‫ألحد رسله فإنه مرتد عن دينه ومفارق للجماعة يقتل بكل حال وال يستتاب‪ ،‬قال ملسو هيلع هللا ىلص‪«:‬من بدل‬
‫دينه فاقتلوه»(‪ )4‬وقال عليه الصالة والسالم‪«:‬ال حيل دم امرئ مسلم إال إبحدى ثالث ‪)9(»..‬‬
‫وذكر منها التارك لدينه املفارق للجماعة‪ ،‬واحلكم بكفر هذا ووجوب قتله‪ ،‬يستوي فيه اجلاد‬
‫واهلازل سواء اعتقد حل ذلك أو مل يعتقده‪ ،‬قال هللا تعاىل‪ ﴿ :‬ولئن سألتهم ليقولن إمنا كنا خنوض‬
‫ونلعب قل أابهلل وآايته ورسوله كنتم تستهزئون * ال تعتذروا قد كفرمت بعد إميانكم ﴾(سورة التوبة‬
‫آية‪ .)15-11:‬وقتل هذا املرتد يرتب عليه مصاحل كثرية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إقامة احلد عليه وإقامة احلد أمر مطلوب ً‬
‫شرعا‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم‪« :‬حلد يقام ِف‬
‫األرض خري هلا من أن متطر سبعني خري ًفا»(‪ )4‬أو كما قال عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫اثنيا‪:‬وبقتله تنتهي فتنته ومتوت شروره ويسلم اجملتمع من ضالله وإضالله‪.‬‬
‫اثلثا‪:‬وبقتله يرتدع من تسول له نفسه التطاول على هللا سبحانه وتعاىل أو على أحد من رسله‬
‫ابلسب واالستهزاء لذا جيب على ويل أمر البلد اليت ينتمي إليها هذا الساب أن ينفذ فيه حكم هللا‬
‫تعاىل وهو القتل من غري استتابة وهذا احلكم الذي ذكرته ابلنسبة للساب هو رأي كل من يعتد‬
‫بقوله من العلماء وسأذكر طرفًا من أقوال األئمة الذين حكوا اإلمجاع ِف هذه املسألة‪:‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )4٧41‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري (‪. )1٧1٧‬‬
‫(‪ )4‬سنن ابن ماجة (‪ )954٧‬وحكم األلباين حسن ‪.‬‬

‫‪875‬‬
‫أوال‪:‬اإلمام أبو عمر بن عبد الرب قال‪ :‬ومن شتم هللا تبارك وتعاىل أو شتم رسوله ملسو هيلع هللا ىلص أو شتم نبياًّ‬
‫من أنبياء هللا صلوات هللا عليهم قتل إذا كان مظهراً لإلسالم بال استتابة‪.‬‬

‫اثنيا‪:‬سليمان بن عبد هللا آل الشيخ قال‪ :‬فمن استهزأ ابهلل أو بكتابه أو برسوله أو بدينه ولو هازالً‬
‫إمجاعا‪.‬‬
‫مل يقصد حقيقة االستهزاء كفر ً‬

‫اثلثا‪:‬القاضي عياض رمحه هللا قال‪ :‬ال خالف أن ساب هللا تعاىل من املسلمني كافر حالل الدم‪.‬‬

‫رابعا‪:‬أبو دمحم علي بن حزم قال‪ :‬أما سب هللا تعاىل فما على ظهر األرض مسلم خيالف ِف أنه كفر‬
‫جمرد‪.‬‬
‫هذا ونسأل هللا أن ينصر دينه ويعلي كلمته إنه على كل ٍ‬
‫شيء قدير وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى‬
‫آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫أماله الشيخ‬
‫محود بن عقالء الشعي يب‬
‫ِف ‪ 4194 /9 /1‬ه‬

‫‪876‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫فتوى يف استعمال حق التقاضي لدى احملاكم الشرعية ضد املستهزئني ابلدين‬
‫واملنحرفني والزائغني يف كل ما خيالف الشريعة ومن ذل ما يقوم به مسلسل‬
‫طاش ما طاش وغريه‬
‫اجلواب ‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني وبعد ‪..‬‬
‫لقد شرع هللا سبحانه وتعاىل طرقًا خمتلفة حلماية الدين وأعراض املسلمني من السخرية واالستهزاء‬
‫والتعدي فإذا مل ينفع الوازع الديين ِف الردع عن التعدي على حقوق هللا ومل يقم الرادع السلطاين ِف‬
‫كف التعدي عن ذلك فهناك طرق أخرى للحماية املشروعة وهي من احلقوق الرادعة وهي حق‬
‫التقاضي أمام احملاكم الشرعية ضد املستهزئني بدين هللا والضالني واملعتدين على الشريعة‪.‬‬
‫وهذا العمل قام به الصحابة رضوان هللا عليهم والسلف من بعدهم هلل تعاىل ِف آاثر كثرية وحوادث‬
‫مشهورة معروفة ِف مكاهنا ولنا فيهم أسوة حسنة‪.‬‬

‫وهذا احلق نوع من االحتساب من املسلمني ضد املستهزئني ابلدين والساخرين برجال احلسبة‬
‫وابحلجاب والشعائر اإلسالمية األخرى‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬كنتم خري أمة أخرجت للناس أتمرون‬
‫ابملعروف وتنهون عن املنكر ﴾(سورة آل عمران اآلية‪ .)44٧:‬وقال ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬من رأى منكم منكرا‬
‫فليغريه بيده فإن مل يستطع فبلسانه ‪ »..‬احلديث(‪ .)4‬وهذا التقاضي نوع من األمر ابملعروف‬
‫والنهي عن املنكر ابللسان‪ .‬وقال ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬أال أخربكم خبري الشهداء الذي أييت بشهادته قبل أن‬
‫يُسأهلا»(‪ .)9‬رواه مسلم من حديث زيد بن خالد اجلهين‪ ،‬واحلديث هذا ِف شهادة احلسبة ِف حق‬
‫هللا كما قال العلماء‪.‬‬

‫وقال املرداوي ِف اإلنصاف ‪ 911 /44‬ما نصه‪ :‬تصح دعوى حسبة من كل مسلم مكلف رشيد‬
‫ِف حق هللا تعاىل‪ .‬وقال ِف املبدع ‪ :12 /4٧‬مسألة‪ :‬تصح دعوى احلسبة من كل مسلم مكلف‬
‫رشيد ِف حق هللا تعاىل وِف حق كل آدمي غري معني وتصح الشهادة هبا‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪. )12( - 1٧‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم ‪. )4142( - 42‬‬

‫‪877‬‬
‫احتسااب و َغرية هلل ضد هذا‬
‫ً‬ ‫ولذا فإنين أهيب إبخواين املسلمني كلٌّ حبسبه القيام هبذا العمل املبارك‬
‫املسلسل اهلابط الساخر بدين هللا وشعائره وغريه من املسلسالت الزائغة‪ ،‬وكذا ما يبثه اإلعالميون‬
‫والصحفيون وغريهم ضد الدين والشريعة واالستهزاء هبا‪ ،‬قال تعاىل‪﴿:‬وتعاونوا على الرب والتقوى﴾‬
‫(سورة املائدة‪ .)9:‬ال سيما أن هذا املسلسل قد صدر ضده فتاوى وتكلم وحذر منه الصاحلون‬
‫مستمرا من غري رادع والتغيري فال حول وال قوة إال ابهلل‪.‬‬
‫ً‬ ‫منذ ستة أعوام وال يزال هو وغريه‬
‫نسأل هللا أن يعز دينه وأن يذل املستهزئني ابلدين وأهله إنه قوي عزيز‪.‬‬
‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أماله فضيلة الشيخ‬
‫أ‪ .‬محود بن عقالء الشعي يب‬
‫‪ 4194 /2 /44‬ه‬

‫‪878‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫رسالة يف مشروعية قنوت النوازل‬

‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على اشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني ‪..‬‬
‫إىل فضيلة الشيخ صاحل بن عبدالعزيز آل الشيخ حفظه هللا ‪.‬‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته ‪.‬‬
‫وبعد‪.‬‬
‫[‪ ]4‬سبب الكتابة إليكم التوضيح والبيان وإبراء للذمة ‪ ،‬وذلك أنين قرأت أوراقا لكم فرغت من‬
‫شريط منسوب ملعاليكم عن حكم القنوت ِف النوازل وقد الحظت عليه عدة مالحظات ‪ ،‬فإن‬
‫كان صدر عن معاليكم فأرجو إعادة النظر فيما قلتموه وعرضه على كالم العلماء وموافايت بذلك‬
‫وإال فسوف أضطر إىل نشره ‪ ،‬ال سيما وأنكم أظهرمت أن هذا القول لكم سوف تلزمونه أئمة‬
‫قلت إنك لن ترتكهم ميضون على‬ ‫قلت ذلك مرتني ‪ ،‬بل َ‬ ‫املساجد ابعتبارهم حتت واليتكم كما َ‬
‫ماكان سابقا وهذا ينبئ عن خطر عظيم ِف مسألة القنوت للمسلمني ِف نوازهلم ومصائبهم ‪ ،‬إذ‬
‫هو تقليص عظيم هلذه املسألة إن مل يكن حمواً لذلك ‪ ،‬كما سوف ترون ِف مناقشة ما ذهبتم إليه ‪،‬‬
‫وهو أمر مل تسبقوا إليه ِف هذه البالد اليت تبىن أهلها مساندة املسلمني ِف كل مكان ‪ ،‬ومن أقل‬
‫ذلك القنوت هلم ِف نوازهلم وما أكثرها ‪ ،‬وقد نقل ابن القيم ِف كتاب الصالة ِف فصل ِف صفة‬
‫القنوت ‪ :‬قال إسحاق احلريب ‪ :‬مسعت أاب ثور يقول أليب عبد هللا امحد بن حنبل ‪ :‬ما تقول ِف‬
‫القنوت ِف الفجر ‪ ،‬فقال أبو عبد هللا ‪ :‬إمنا القنوت ِف النوازل ‪ ،‬فقال له أبو ثور ‪ :‬أي نوازل اكثر‬
‫من هذه النوازل اليت حنن فيها ؟ قال ‪ :‬فإذا كان كذلك فالقنوت ‪.‬‬
‫وحنن نقول اليوم ‪ :‬ما أكثر نوازل املسلمني فكيف يضيق أمر القنوت هلم وحيجم أو يُسيَّس وهللا‬
‫تعاىل يقول ‪ ( :‬واملؤمنون واملؤمنات بعضهم أولياء بعض )(سورة التوبة آية‪ )14:‬وقال تعاىل (‬
‫والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض )(سورة األنفال آية‪. )19:‬‬

‫علما أبن القنوت له مقاصد عظيمة كثرية خيتلف عن جمرد الدعاء هلم ِف السجود أو اخلطب أو‬
‫غريها ‪ ،‬حيث إن من أهدافه ومقاصده املشاركة املعنوية وحفز اهلمم واالهتمام ابملسلمني وإظهار‬
‫______________________________________‬
‫[‪ ]4‬لقد مضى اكثر من شهر ومل أيت الرد خالله ولذا لزم نشره إعذارا وإبراء للذمة ِف ‪ 4194 / 44 / 9٧‬ه ‪.‬‬

‫‪879‬‬
‫التعاطف والتعاون ‪ ،‬ويتقوى بذلك اجملاهدون وهذا مشاهد وملموس ومسعناه كثريا من اجملاهدين‬
‫أهنم يفرحون بدعاء إخواهنم املسلمني إذا كان علنا ِف القنوت بل إهنم دائما يطالبون بذلك ‪ ،‬قال‬
‫احلافظ ابن حجر رمحه هللا تعاىل ِف فتح الباري ِف فصل القنوت ‪ ( :‬وظهر يل أن احلكمة ِف جعل‬
‫قنوت النازلة ِف االعتدال دون السجود مع أن السجود مظنة اإلجابة أن املطلوب من قنوت النازلة‬
‫جيهر به )‬
‫املأموم اإلمام ِف الدعاء ولو ابلتأمني ومن مث اتفقوا على أن َ‬
‫ُ‬ ‫أن يشارك‬
‫والقنوت نوع استنصار ونصرة وقد صح عن علي بن أيب طالب ملا قنت ِف حروبه قال ‪ :‬إمنا‬
‫استنصران على عدوان ‪ .‬رواه ابن أىب شيبه ‪ 4٧4/9‬رقم ‪. 12٧4‬‬
‫بل إن هناك من أهل العلم من قال بوجوب قنوت النوازل وقال إنه فعل األئمة ‪ ،‬فقد ذكر ابن‬
‫عبد الرب ِف االستذكار ‪ 9٧9/1‬بسنده عن حيي بن سعيد انه كان يقول ‪ :‬جيب الدعاء إذا وغلت‬
‫اجليوش ِف بالد العدو ( يعين القنوت ) قال ‪ :‬وكذلك كانت األئمة تفعل ‪.‬‬
‫وبعد ‪..‬‬

‫فسنذكر إن شاء هللا تعاىل املآخذ عليكم فيما ذهبتم إليه ِف مسألة القنوت ‪.‬‬

‫أوال ‪:‬‬
‫ِف املسألة الثالثة من كالمكم قلت ‪ :‬إنه ليس من مفهوم قنوت النازلة عند الصحابة والسلف إذا‬
‫وقعت انزلة ِف طرف من بالد املسلمني قنت اجلميع ‪ ....‬وقلت أيضا ‪ :‬والصحابة رضوان هللا‬
‫عليهم مل يكن من هديهم أنه إذا وقعت انزلة ِف طرف بالد املسلمني قنت مجيع املسلمني ‪ ...‬وأن‬
‫من متام حبث املسألة أن قنوت النوازل لكل أهل بلد حبسبه ‪ .‬إه‬

‫ومقتضى هذا الكالم أنه إذا وقعت انزلة ِف املسلمني ِف أي طرف من أطراف البالد اإلسالمية أنه‬
‫ال يقنت إال أهل تلك النازلة ‪ ،‬ألن القنوت لكل أهل بلد حبسبه !!‬

‫رد على كالمكم هذا عدة أدلة ‪:‬‬


‫ويَ ُ‬
‫أ – أين دليل التخصيص ومنع ماعدا أهل النازلة ‪ ،‬وامل ِ‬
‫خص ص مطالب ابلدليل ‪.‬‬
‫ُ‬
‫ب – يَُرُّد عليكم ابستداللكم نفسه ‪ ،‬حيث استدللتم بقصة قنوت النيب ملسو هيلع هللا ىلص للقراء ملا قتلوا ‪،‬‬
‫والقراء قتلوا ِف أطراف الدولة اإلسالمية ‪ ،‬بل قتلوا ِف مكان خارج والية الدولة اإلسالمية ‪ ،‬مما‬
‫يدل انه يُقنت ملا هو ليس أبطراف الدولة اإلسالمية فحسب بل ما هو خارجها ‪.‬‬

‫‪881‬‬
‫ج – قصة قنوته ملسو هيلع هللا ىلص للمستضعفني ِف مكة ( وكان ذلك بعد صلح احلديبية وفتح خيرب كما قاله‬
‫ابن تيمية ِف الفتاوى ( ‪ ) 4٧5/94‬فقد روى أبو هريرة هنع هللا يضر قال ‪ :‬وكان رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص حني يرفع‬
‫رأسه يقول ‪ :‬مسع هللا ملن محده يدعو لرجال فيسميَهم أبمسائهم فيقول ‪ :‬اللهم انج الوليد بن الوليد‬
‫وسلمة بن هشام وعياش بن أيب ربيعة واملستضعفني من املؤمنني ‪ ،‬اللهم اشدد وطأتك على مضر‬
‫‪ ،‬واجعلها عليهم سنني كسين يوسف (‪ .)4‬متفق عليه ‪.‬‬
‫قاله رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ومكة حينئذ دار كفر ‪ ،‬فقنت ألانس ليسوا ِف أطراف الدولة اإلسالمية بل ِف بالد‬
‫الكفر ‪.‬‬

‫د – قصة اخلرمية ‪ ،‬وكانوا ِف أطراف الدولة اإلسالمية ِف مشال فارس قرب أذربيجان ‪ ،‬فقد جاء‬
‫ِف كتاب املغين البن قدامة ِف فصل القنوت وقت النوازل قال األثرم مسعت أاب عبد هللا ( أمحد بن‬
‫حنبل ) سئل عن القنوت ِف الفجر فقال ‪ :‬لو قنت أايما معلومة مث يرتك كما فعل النيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ .‬قال أمحد ‪ :‬أو قنت على اجلرمية ‪ ،‬وذكر هذه الرواية ابن القيم ِف كتاب الصالة فقال‬
‫قال االثرم ‪ :‬مسعت أاب عبد هللا يقول ‪ :‬القنوت ِف الفجر بعد الركوع ‪ ،‬ومسعته قال ملا سئل عن‬
‫القنوت ِف الفجر فقال إذا نزل ابملسلمني أمر قنت اإلمام وأمن من خلفه ‪ ،‬مث قال ‪ :‬مثل ما نزل‬
‫ابلناس من هذا الكافر ‪ ،‬يعين اببك اخلرمي اخلارجي إه ‪ .‬وقد قاتلهم املأمون مث املعتصم فقضى‬
‫عليهم ‪ .‬فهذه واقعة ِف أطراف الدولة اإلسالمية ‪ .‬والقنوت كان ِف بلد اإلمام امحد ‪.‬‬

‫ومما يدل على العموم وأنه لكل انزلة ِف أي بلد من بالد املسلمني أن الصحابة الذين رووا‬
‫أحاديث قنوت النوازل ‪ ،‬وأشهر من روى ذلك أنس وأبو هريرة أهنما فعال القنوت أبنفسهما ‪ ،‬بل‬
‫وحثوا الناس على االقتداء هبما كما فعل أبو هريرة وسوف أييت إن شاء هللا بعد قليل ‪ ،‬بل إهنما‬
‫رواي أحاديث القنوت أبلفاظ عامة تدل على العموم ‪ ،‬وقد جاء عن أنس فيما روى عنه ابن خزمية‬
‫قال إن النيب ملسو هيلع هللا ىلص كان ال يقنت إال إذا دعا لقوم أو دعا على قوم (‪ ،)9‬وهذه ألفاظ عموم ‪ ،‬وِف‬
‫الصحيح عن أيب هريرة هنع هللا يضر أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو ألحد‬
‫قنت (‪ )4‬وهذه الفظ عموم ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )٧٧1‬‬
‫(‪ )9‬صحيح ابن خزمية (‪ )19٧‬قال األعظمي‪ :‬إسناده صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )151٧‬‬

‫‪881‬‬
‫ه ‪ -‬كالم أئمة املذاهب الفقهية املعروفة فإهنم كلهم يذكرون أنه إذا وقع انزلة ابملسلمني ويذكرون‬
‫كلمة ( ابملسلمني ) ابأللف والالم الدالة على العموم ِف أي طرف أو جزء من بالد املسلمني‬
‫وإليك نصوصهم ‪:‬‬
‫‪ – 4‬احلنابلة ‪:‬‬
‫قال ابن قدامة ِف املغين ‪ :‬فصل فإن نزل ابملسلمني انزلة فلإلمام أن يقنت ِف صالة الصبح نص‬
‫عليه أمحد ‪ .‬واتبعه علي هذا صاحب الشرح الكبري ‪ :‬املغين والشرح الكبري ‪. 1٧٧/4‬‬
‫وقال ِف زاد املستقنع ‪ :‬ويكره قنوت ِف غري الوتر إال أن تن زل ابملسلمني انزلة غري الطاعون فيقنت‬
‫اإلمام ِف الفرائض ‪ ،‬ومجيع كتب احلنابلة تنص على لفظة ( املسلمني ) ِف النازلة مث تذكر الرواايت‬
‫عن اإلمام امحد فيمن يقنت وهي أربع رواايت ‪.‬‬

‫‪ -1‬املالكية ‪:‬‬
‫ذكر ابن عبد الرب ِف االستذكار ‪ِ 9٧4/1‬ف ابب القنوت ِف الصبح مذهب مالك وانه يرى‬
‫القنوت ‪ ،‬وقال ابن رشد ِف بداية اجملتهد ِف فصل أقوال الصالة ِف املسألة التاسعة ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ومذهب مالك أن القنوت ِف صالة الصبح مستحب ‪ 444/4‬وذكر الزرقاين ِف شرح املوطأ ِف‬
‫ابب القنوت ِف الصبح أن هذا معتقد مالك القنوت ِف الصبح ‪. 994/4‬‬
‫وجاء ِف املدونة الكربى ‪ 4٧4/4‬وذكر مذهب مالك القنوت ِف الصبح ابلدعاء على الكفار‬
‫واالستعانة ابهلل عليهم ‪ .‬بل إن مالكا يرى دوام قنوت النوازل ِف الفجر كما قال ابن العريب ِف‬
‫شرحه للموطأ ِف كتابه القبس ‪ِ 41٧/4‬ف ذكر رأي مالك ِف قنوت النوازل ‪ ،‬قال ابن العريب ‪:‬‬
‫ورأي امحد بن حنبل أن قنوت النيب ملسو هيلع هللا ىلص إمنا كان لسبب فيما كان ينزل ابملسلمني واألحكام إذا‬
‫كانت معلقة ابألسباب زالت بزواهلا ورأي مالك والشافعي أن ذلك من كلَب العدو ومقارعته‬
‫معىن دائم فدام القنوت بدوامه إه ‪.‬‬

‫وقال ابن تيميه ِف الفتاوى ‪: 4٧1/94‬‬


‫قول مالك القنوت ِف النوازل مشروع دائما واملداومة سنة وان ذلك يكون ِف الفجر قبل الركوع‬
‫بعد القراءة سرا ‪ .‬وهذا يدل أن املالكية يرون قنوات دائما ولكل إمام مجاعة ِف صالة الفجر فما‬
‫ابلك بوقت النازلة ابملسلمني ‪.‬‬

‫‪882‬‬
‫‪ -3‬الشافعية ‪:‬‬
‫قال ِف املهذب ‪ :‬وأما غري الصبح من الفرائض فال يقنت فيه من غري حاجة فإن نزلت ابملسلمني‬
‫انزلة قنتوا ِف مجيع الفرائض ‪ ،‬قال النووي ِف اجملموع شرح املهذب على الكالم السابق ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫والصحيح املشهور الذي قطع به اجلمهور إن نزلت ابملسلمني انزلة كخوف أو قحط أو وابء أو‬
‫جراد وحنو ذلك قنتوا ِف مجيعها وإال فال ‪ ، 124/4 .‬وذكر النووي نفس كالمه السابق ِف شرح‬
‫مسلم ِف ابب استحباب القنوت جبميع الصالة إذا نزلت ابملسلمني انزلة والعياذ ابهلل اه ‪ .‬وقال‬
‫الغزايل ِف الوسيط ‪ 444/9‬وإذا نزلت ابملسلمني انزلة و أرادوا القنوت ِف الصلوات اخلمس جاز ‪،‬‬
‫وقاله الشريازي الشافعي ِف التنبيه ‪ 44/4‬وقاله الشربيين الشافعي ِف اإلقناع ‪ . 414/4‬بل إن‬
‫الشافعية من أوسع املذاهب ِف القنوت كاملالكية يرونه دائما ِف النوازل وغري النوازل ‪.‬‬

‫‪ -1‬احلنفية ‪:‬‬
‫قال ابن عابدين ِف حاشيته ‪ِ 44/9‬ف مطلب القنوت ِف النازلة ‪ ،‬قال ‪ :‬إن نزل ابملسلمني انزلة‬
‫قنت اإلمام ِف صالة اجلهر ‪ ....‬ونقل عن الطحاوي ِف القنوت إن وقعت فتنة أو بلية فال أبس به‬
‫( وراجع إعالء السنن ‪ . ) 25/1‬وقال ِف حاشية الطحطاوي على مراقي الفالح ‪ : 959/4‬إذا‬
‫نزل ابملسلمني انزلة قنت ِف صالة الفجر ‪ ،‬وهو قول الثوري وامحد ‪ .‬وقال اللكنوي ِف كتابه‬
‫التعليق املمجد ‪ ، 141/4‬قال ‪ :‬إن قول أىب حنيفة وأصحابه ال قنوت ِف شيء من الصلوات إال‬
‫ِف الوتر وإال ِف انزلة ‪ .‬وقال ِف البحر الرائق للحنفية ‪ : 1٧/9‬وإن نزل ِف املسلمني انزلة قنت‬
‫اإلمام ِف صالة اجلهر ‪ .‬وذكر التهانوي ِف إعالء السنن ‪ 25 ، ٧1/1‬أن عني مذهب احلنفية‬
‫واجلمهور هو القنوت ِف النوازل مؤقتا ‪ .‬وبعض احلنفية يرى أن القنوت للنوازل منسوخ كالطحاوي‬
‫ِف شرح معاين اآلاثر وينقله عن بعض أئمة احلنفية ‪ 951/4‬مع أن كالم الطحاوي هذا انقشه‬
‫التهانوي ِف إعالء السنن ‪ 21/1‬وبني اختيار املذهب وهو القنوت ‪.‬‬

‫واخلالصة من هذا النقل من أقوال املذاهب التدليل على أن القنوت لكل انزلة حتصل ِف املسلمني‬
‫أن يقنت اجلميع ‪ ،‬وليس القنوت لكل بلد حبسبه ‪ ،‬وقد مر بك ألفاظ كالم العلماء الدالة على‬
‫العموم وليس فيها أدَّن كالم ِف ختصيص كل بلد بنازلته ‪ ،‬أما كالم العلماء املستقلني فقد قال ابن‬
‫حزم ِف احمللى ‪44٧ /1‬وما بعدها ‪ ،‬املسألة رقم ‪ : 152‬إن القنوت فعل حسن ‪ .‬وقال الشوكاين‬
‫ِف نيل األوطار ‪ : 415/9‬القنوت عند النوازل مشروع عند النازلة ‪ ،‬وقال ِف السيل اجلرار‬
‫‪ : 992/4‬إن النيب ملسو هيلع هللا ىلص كان يفعله إذا نزلت ِف املسلمني انزلة فيدعو لقوم أو على قوم ‪ ،‬أما كالم‬

‫‪883‬‬
‫ابن تيميه وبن القيم فكثري فمنه ماِف الفتاوى ‪ : 444/94‬والقنوت فيها إذا كان مشروعا كان‬
‫مشروعا لإلمام واملأموم واملنفرد ‪ .‬بل إن ابن تيميه له رسالة مستقلة ِف القنوت ِف مشروعيته‬
‫وعموميته ‪ ،‬وكذا ابن القيم ِف زاد املعاد جعل فصال مستقال ِف هديه ملسو هيلع هللا ىلص ِف قنوت النوازل ‪ .‬وقال‬
‫الصنعاين ِف السبل ‪ 41٧/4‬رقم ‪ 9٧٧‬قال ‪ :‬فالقول أبنه يسن القنوت ِف النوازل قول حسن ‪.‬‬
‫ومما جيمع خالصة كالم املذاهب قول اللكنوي ِف كتابه التعليق املمجد ‪ : 141/4‬وال نزاع بني‬
‫األمة ِف مشروعية القنوت وال ِف مشروعيته للنازلة إمنا الن زاع ِف بقاء مشروعيته لغري النازلة ‪ ،‬ونقل‬
‫ابن عبد الرب ِف االستذكار ‪ 9٧9/1‬عن حيي بن سعيد أن القنوت إذا دخلت جيوش املسلمني‬
‫هو فعل األئمة ‪.‬‬

‫اثنيا ‪:‬‬
‫ذكرمت ِف املسألة الثانية أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص ملا قنت مل أيمر مساجد املدينة ابلقنوت – قنوت النوازل – ومل‬
‫أيمر مسجد قباء ومسجد ( زريق ) ومسجد العالية ‪.‬‬

‫واجلواب ‪ :‬ن ْفيكم هذا حيتاج إىل إثبات خاص فهل هناك دليل صريح انه قال هلم ال تقنتوا أو اهنم‬
‫قنتوا فنهاهم ‪ ،‬فالنفي مثل اإلثبات حيتاج إىل دليل ألن النفي قضية سلبية حتتاج إىل برهان‬
‫كالقضية املوجبة وكون املستدل ليس لديه دليل على القضية املعينة ال يلزم منه انتفاء تلك القضية‬
‫إذ قد تكون اثبتة بدليل مل يعلمه املستدل كهذه القضية إذ من املعلوم قطعا أن الصحابة مهنع هللا يضر ال‬
‫خيالفون قول الرسول وال فعله ‪ ،‬وقد ثبت عنه انه قنت فال بد أن يقتدوا به ِف ذلك القنوت ‪ ،‬يدل‬
‫على هذا قصة استدارة أهل مسجد قباء حينما أبلغوا أن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص استقبل الكعبة ففعلوا ذلك‬
‫عندما علموا من غري أن أيمرهم رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص بذلك‪.‬‬

‫ويقال أيضا لكم على وجه التنزل إذ مل أيت حديث ابألمر فأيضا مل أيت حديث ابلنهي إمنا هو‬
‫شيء مسكوت عنه ‪ ،‬واملسكوت عنه يرجع فيه للقواعد واألصول ‪ ،‬واألصل أن الصحابة يقتدون‬
‫ابلرسول ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬قال تعاىل ( لقد كان لكم ِف رسول هللا أسوة حسنة )(سورة األحزاب آية‪)94:‬‬
‫واألصل ِف الرسول انه ُمتَبع ‪ ،‬وما فعله شرع يعمل به مامل يدل دليل على خصوصيته به وإال على‬
‫كالمكم يلزم منه لوازم ابطلة تؤدي إىل تعطيل بعض الشرائع فيقال صالة الرتاويح فعلها رسول هللا‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص ِف مسجده بعض الليايل وفعلها عمر هنع هللا يضر ِف مسجد الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وال تفعل ِف املساجد‬
‫األخرى ألنه مل يرد دليل أن املساجد األخرى اُمرت بذلك ‪ ،‬ومثلها صالة الكسوف صالها‬

‫‪884‬‬
‫الرسول ملسو هيلع هللا ىلص واخللفاء بعده ومل أيت دليل انه أَمر املساجد األخرى ‪ ،‬وكذا صالة اخلوف ‪ ،‬فعلها‬
‫رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص فأين الدليل أنه أمر السرااي واجليوش األخرى بصالهتا ‪ ،‬ويقال أيضا البالد اليت‬
‫فتحها رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص أين الدليل أنه أمر مساجدهم إبقامة اجلمعة وغريها من الشعائر الظاهرة ‪،‬‬
‫وهكذا من اللوازم الباطلة اليت ليس املخرج منها إال أن يقال األصل االقتداء بفعله ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬واألصل‬
‫أن الصحابة واملسلمني فعلوا ما فعله ملسو هيلع هللا ىلص إال إذا جاء دليل خاص ابملنع أو النهي ال جمرد السكوت‬
‫وعدم النقل‪.‬‬

‫اثلثا ‪:‬‬
‫ذكرمت ِف املسألة الثانية قولكم إمنا قنت هو عليه الصالة والسالم شهرا ‪ ،‬وهلذا استدل به عدد من‬
‫األئمة منهم اإلمام أمحد أنه إمنا يقنت اإلمام األعظم ِف املسجد األعظم ما يقنت كل مسجد ‪،‬‬
‫وقلت أيضا إن السنة ظاهرة ِف انه ال يقنت ِف البلد الواحد إال مسجد واحد فقط وهو املسجد‬
‫األعظم ِف البلد ‪.‬‬
‫واجلواب ‪ :‬ما هو الدليل أنه ال يقنت إال اإلمام األعظم ؟!! وأنه اليقنت إال مسجد اإلمام‬
‫األعظم فقط !! بل إن فقه الصحابة مهنع هللا يضر على أن القنوت ليس من خصائص اإلمام األعظم‬
‫ومسجده فقط ‪ ،‬بل ثبت عن أنس بن مالك وأىب هريرة وابن عباس والرباء بن عازب ومعاوية وأىب‬
‫موسى أهنم قنتوا ‪ ،‬وليسوا ابإلمام األعظم ومسجدهم ليس مبسجد اإلمام األعظم كما سوف‬
‫نذكره إن شاء هللا بعد قليل ‪:‬‬
‫أ – فقد صح عن انس بن مالك هنع هللا يضر انه كان يقنت ِف صالة الفجر رواه ابن املنذر ِف األوسط‬
‫‪ 9٧2 /5‬وغريه ‪ ،‬علما أبن أنسا ممن روى أحاديث قنوت النازلة فكان بفعله هذا يرى أهنا ليست‬
‫من خصائص اإلمام األعظم وال مسجده ‪ ،‬بل صح عنه هنع هللا يضر أن بعض أصحاب رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم قنتوا ِف صالة الفجر فذكر هنا انه فعل مجع من الصحابة واملقصود بذلك قنوت‬
‫النازلة ‪.‬‬
‫ب – وجاء عن أيب هريرة هنع هللا يضر انه كان يقنت ِف الظهر والعشاء اآلخرة وصالة الصبح رواه الطربي‬
‫ِف هتذيب اآلاثر مسند ابن عباس ‪ 415/4‬رقم ‪ 511‬فيدعوا للمؤمنني ويلعن الكفار ‪ ،‬وقال‬
‫ِ‬
‫ألقربن بكم صالة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص متفق عليه (‪ ، )4‬وِف رواية عند الطحاوي ِف شرح اآلاثر‬
‫‪ ( 914/4‬ألرينكم ) ‪ ،‬فصلى هبم وقنت حىت يعلمهم أن القنوت مشروع لكل إمام ِف النازلة ولذا‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪)111( - 921‬‬

‫‪885‬‬
‫قال ‪ :‬ألرينكم ‪ ،‬مع انه ليس ابإلمام األعظم ومسجده ليس ابملسجد األعظم ‪ ،‬علما أبن أاب هريرة‬
‫هنع هللا يضر ممن روى أحاديث القنوت للنازلة ‪ ،‬فهذا فهمهم مهنع هللا يضر ‪ ،‬بل فعله هو بنفسه تدريبا ألصحابه‬
‫عليها ‪ .‬قال ابن القيم ِف زاد املعاد ‪ :‬وال ريب أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص فعل ذلك ( أي القنوت ) مث تركه‬
‫‪ ،‬فأحب أبو هريرة أن يعلمهم أن مثل هذا القنوت سنة ‪ .‬اه‬
‫ج – صح عن الرباء بن عازب انه كان يقنت ‪ .‬رواه بن أيب شيبة ‪4٧1/9‬رقم ‪ 1٧41‬و صفحة‬
‫‪ 4٧٧‬رقم ‪ ، 1٧41‬وعبدالرزاق ِف مصنفه ‪4٧2/4‬وابن املنذر ِف األوسط ‪ 9٧2/5‬والبيهقي ِف‬
‫سننه ‪ 9٧1/9‬مع أن الرباء ممن روى أحاديث قنوت النازلة ‪.‬‬
‫د – صح عن ابن عباس هنع هللا يضر انه صلى الغداة ِف إمارته على البصرة فقنت ‪ .‬رواه بن أيب شيبه‬
‫‪ 4٧5/9‬رقم ‪ 1٧٧4‬وعبدالرزاق ِف مصنفه ‪ 444/4‬وبن املنذر ِف األوسط ‪ 9٧2/5‬علما أبن‬
‫ابن عباس ِف البصرة كان أمريا لعلي بن أيب طالب ‪ ،‬فلما قنت علي بن أيب طالب هنع هللا يضر ملا حارب‬
‫أهل الشام قنت ابن عباس تبعا له ذكر ذلك الطحاوي ِف شرح معاين اآلاثر ‪ِ 959/4‬ف ابب‬
‫القنوت ‪ ،‬وذكره التهانوي ِف إعالء السنن ‪ /1‬ابب القنوت ‪ ،‬وقال الكاندهلوي ِف كتابه أوجز‬
‫املسالك ‪ 415/4‬نقال عن الدار قطين عن سعيد بن جبري ‪ ،‬قال أشهد أين مسعت بن عباس يقول‬
‫‪ :‬أن القنوت ِف صالة الفجر بدعة ‪ .‬إال إذا نزل ابملسلمني انزلة ‪ ،‬فانظر إىل كالم بن عباس هذا‬
‫وما فيه من عمومية القنوت للنوازل ‪ ،‬بل ال يَبعد أن يكون هذا الكالم له حكم الرفع ‪.‬‬
‫ه ‪ -‬جاء عن معاوية هنع هللا يضر أنه قنت ِف صفني وما بعدها ‪ ،‬يقنت هو ومن معه مع أنه ليس اإلمام‬
‫األعظم ِف ذلك الوقت ‪ ،‬وذكر قنوته الطحاوي ِف معاين اآلاثر وكذا الطربي ِف اترخيه ‪، 444/4‬‬
‫قال البيهقي ِف كتابه معرفة السنن ِف فصل القنوت ‪ :‬وقنت معاوية ِف الشام يدعو ِف صفني ‪،‬‬
‫فأخذ أهل الشام عنه ذلك ‪.‬‬
‫ز – وروى الطحاوي ِف شرح معاين اآلاثر عن أيب موسى األشعري أنه قنت وذكره عنه ابن القيم‬
‫ِف زاد املعاد ورواه بن أيب شيبة ‪ 4٧5/9‬رقم ‪ 1٧٧4‬بسنده عن عبد هللا بن معقل قال ‪ :‬قنت ِف‬
‫الفجر رجالن من أصحاب رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص علي وأبو موسى ‪.‬‬

‫فهؤالء ستة من أصحاب رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص بعضهم ممن روى أحاديث قنوت النازلة وفعلها ‪ ،‬وكلهم‬
‫يرون أن لغري اإلمام األعظم فعله ‪ ،‬فأين املخالف هلم من الصحابة ممن منع قنوت النوازل أو رأى‬
‫انه خاص ابإلمام األعظم أو مسجده ‪.‬‬

‫‪886‬‬
‫أما اخللفاء الراشدون فقد صح عن أيب بكر وعمر وعثمان وعلي مهنع هللا يضر اهنم قنتوا ِف النوازل فعن‬
‫العوام بن محزة سألت أاب عثمان عن القنوت فقال بعد الركوع قلت عمن ؟ قال عن أيب بكر وعمر‬
‫وعثمان ‪ .‬رواه بن أيب شيبة ‪ 4٧1/9‬رقم ‪ 1٧44‬وابن املنذر ِف األوسط ‪ 94٧/5‬وحسنه البيهقي‬
‫ِف معرفة السنن ‪12/9‬وقال ابن تيميه ِف الفتاوى ‪ 4٧٧/94‬أن النيب عليه الصالة والسالم قنت‬
‫لسبب نزل به مث تركه عند عدم ذلك السبب النازل ‪ ،‬فيكون القنوت مسنوان عند النوازل ‪ ،‬وهذا‬
‫القول هو الذي عليه فقهاء أهل احلديث وهو املأثور عن اخللفاء الراشدين مهنع هللا يضر ‪ ..‬مث قال ‪ :‬فسنة‬
‫رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وخلفائه الراشدين تدل على شيئني ‪ ،‬أحدمها ‪ :‬أن دعاء القنوت مشروع عند‬
‫السبب الذي يقتضيه ‪ ،‬وقال ابن القيم ِف الزاد ِف هديه ملسو هيلع هللا ىلص ِف القنوت ‪ :‬إن املروي عن الصحابة‬
‫ِف قنوت النوازل قنوت الصديق هنع هللا يضر ِف حماربة مسيلمة وعند حماربة أهل الكتاب ‪ ( ،‬راجع كتاب‬
‫إعالء السنن ‪ ) ٧4/1‬أما قنوت عمر فقد ذكره ابن تيميه ِف الفتاوى ‪ 4٧٧/94‬وابن القيم ِف‬
‫الزاد انه قنت ملا حارب النصارى ‪ .‬وقال ابن تيميه ِف الفتاوى ‪ 4٧٧/94‬وكان عمر إذا أبطأ عليه‬
‫خرب جيوش املسلمني قنت ‪ ،‬ونقل الكاندهلوي ِف أوجز املسالك ‪ 411/4‬عن كتاب اآلاثر حملمد‬
‫بن حسن قال ‪ :‬كان عمر هنع هللا يضر إذا حارب قنت وإذا مل حيارب مل يقنت رواه الطحاوي وإسناده‬
‫حسن ‪.‬‬
‫وكذا علي بن أيب طالب هنع هللا يضر قنت ملا حارب من حارب من اخلوارج ‪ ،‬قاله ابن تيميه ِف الفتاوى‬
‫أهل الشام ِف صفني ‪ ،‬قال البيهقي ِف كتابه معرفة السنن ِف‬ ‫‪ ، 4٧4/94‬وقنت أيضا ملا حارب َ‬
‫فصل القنوت أن عليا قنت ِف حرب يدعو فأخذ أهل الكوفة ذلك عنه ‪.‬‬

‫فهذا هدي اخللفاء الراشدين والصحابة املرضيني ‪ ،‬بل لو قال قائل انه ال يعرف هلم خمالف لكان‬
‫هو عني الصواب ‪ ،‬وهو مذهب الناس ِف زمن علي بن أيب طالب وعليه أهل الكوفة تبعا له ‪ ،‬و‬
‫أهل البصرة تبعا ألبن عباس ‪ ،‬وأهل الشام تبعا ملعاوية فقد روى دمحم بن احلسن ِف اآلاثر عن‬
‫إبراهيم النخعي بسند صحيح ‪ ،‬قال ‪ :‬إن أهل الكوفة إمنا اخذوا القنوت من علي حينما حارب‬
‫وأهل الشام اخذوا القنوت عن معاوية ‪ ،‬ذكره صاحب إعالء السنن ‪، ٧٧/1‬وهو فعل األمراء زمن‬
‫انس هنع هللا يضر كما ذكر ذلك ابن حزم ِف احمللى ‪ 414/1‬رقم ‪ 152‬وقال ‪ :‬فإن قيل فقد روي عن‬
‫انس انه سئل عن القنوت ‪ :‬أقبل الركوع أم بعده ؟ فقال ‪ :‬قبل الركوع ‪ ،‬قال ابن حزم ‪ :‬إمنا اخرب‬
‫بذلك انس هنع هللا يضر عن أمراء عصره اه والشاهد أن فعل القنوت للنوازل من فعل أمراء عصر انس‬
‫هنع هللا يضر وليس خاصا ابإلمام األعظم ‪.‬‬

‫‪887‬‬
‫وقبل ذلك هو فعل الناس زمن عمر حيث قنت عدة مرات ‪،‬وهو فعل الناس زمن أيب بكر حيث‬
‫فعله فيهم ‪ ،‬فأي إمجاع اعظم من هذا وجاء ِف االستذكار ‪ 41٧/5‬أن أاب عبدالرمحن السلمي‬
‫قنت ِف الفجر يدعو على قطري بن الفجاءة اخلارجي ( وأبو عبدالرمحن هذا مقرئ الكوفة من‬
‫أوالد الصحابة اخذ القرآن عن عثمان وعلي رضي هللا عنهما ‪ ،‬ورواه ابن أيب شيبة ‪ 4٧2/9‬رقم‬
‫‪ ، 1٧11‬وقنت من التابعني أيضا نفر كثري ليسوا أبئمة ومساجدهم ليست مبسجد اإلمام األعظم‬
‫ومن فعل الصحابة وجلة التابعني ابملدينة ِف لعن‬ ‫‪ ،‬وقال ابن عبدالرب ِف االستذكار ‪ِ ( : 419/5‬‬
‫الكفرة ِف القنوت أخذ العلماء لعن الكفرة ِف اخلطبة الثانية من اخلطبة والدعاء عليهم ) ‪ .‬وممن‬
‫نقل اإلمجاع الكاندهلوي ِف أوجز املسالك ِف شرح موطأ مالك ‪ 411 /4‬قال النيموي ‪ :‬تدل‬
‫األخبار على أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص واصحابه مل يقنتوا ِف الفجر إال ِف النوازل ‪ ،‬وقال اللكنوي ِف كتابه‬
‫التعليق املمجد ‪ 141/4‬وال نزاع بني األمة ِف مشروعية القنوت وال ِف مشروعيته للنازلة إمنا النزاع‬
‫ِف بقاء مشروعيته لغري النازلة ‪ ،‬ونقل بن عبدالرب ِف االستذكار ‪ 9٧9/1‬عن حيي بن سعيد أن‬
‫القنوت فعل األئمة ‪ ،‬وذكر ابن أيب شيبة برقم ‪ 1٧٧1‬بسنده عن ابن أيب ليلى قال ‪ :‬القنوت سنة‬
‫ماضية ‪ ،‬وقال ابن تيميه ِف الفتاوى ‪ 4٧٧/94‬أن القنوت مسنون عند النوازل وهذا القول هو‬
‫الذي عليه فقهاء أهل احلديث وهو املأثور عن اخللفاء الراشدين ‪ .‬وقال التهانوي ِف إعالء السنن‬
‫‪ 21/1‬واما دعوى نسخ القنوت ِف الفجر مطلقا فرتدها آاثر الصحابة وقنوهتم بعد وفاته صلى هللا‬
‫عليه وسلم أحياان ‪ ،‬ونقل عن صاحب كتاب احلجة البالغة ‪ :‬وكان النيب ملسو هيلع هللا ىلص وخلفاءه إذا انهبم أمر‬
‫دعوا للمسلمني وعلى الكافرين بعد الركوع أو قبله اه ‪.‬‬
‫وبعد هذا يقال أيضا ملاذا خيصص القنوت ابإلمام األعظم ومسجده مع أن اصل القنوت دعاء‬
‫واستنصار ‪ ،‬فتكثري من يدعو من املقاصد الشرعية ‪ ،‬ومن أسباب قبول الدعاء ال سيما وانه قد‬
‫يوجد ِف غري مسجد اإلمام من هو اقرب لإلجابة وافضل ‪ ،‬وقد قال ملسو هيلع هللا ىلص ‪ :‬وهل تنصرون إال‬
‫بضعفائكم ‪ ،‬بل قد يكون اإلمام أو مسجده فيه من موانع قبول الدعاء ما يفوت اهلدف من‬
‫القنوت وهو حتري االستجابة ‪ ،‬مث يقال ليس ِف تعدد مساجد القنوت ضرر ِف ذلك ‪ ،‬وليس هو‬
‫مثل إقامة احلدود وحنوها اليت ِف تعددها مفاسد ‪ ،‬ولذا ختصص ابإلمام أو انئبه ملنع املفاسد ‪.‬‬

‫ويقال أيضا ‪ :‬لو كان قنوت النازلة خاص لكان النيب عليه الصالة والسالم ملا قنت ِف قصة القراء‬
‫لقال للصحابة بعد الصالة إن هذا الدعاء خاص ابإلمام أو حنو ذلك ألن أتخري البيان عن وقت‬
‫احلاجة ال جيوز ‪ ،‬فلو كان هناك خمصص لبينه املصطفى املبلغ عليه الصالة والسالم ‪.‬‬

‫‪888‬‬
‫ومن أعجب األمور أنكم تقولون عند النوازل ‪ :‬ادعوا ِف اخلطب واحملاضرات وال تدعوا ِف‬
‫الصالة إال إبذن اإلمام فتمنع الناس مما هو مشروع هلم ابإلمجاع مث حتثهم على أمر آخر وإن كان‬
‫جيدا ومطلواب لكن املشروع أوىل منه ‪ ،‬وأخشى أن جييء وقت ال قدر هللا فيقال ‪ :‬وأيضا اخلطب‬
‫واحملاضرات ال يدعى إال إبذن اإلمام ‪ ،‬أو انه خاص ابإلمام وال حول وال قوة إال ابهلل ‪.‬‬

‫رابعا ‪:‬‬
‫قلتم يف املسالة الثانية ‪:‬‬
‫إن القنوت لإلمام األعظم استدل به عدد من األئمة منهم اإلمام امحد على أنه إمنا يقنت اإلمام‬
‫األعظم ِف املسجد األعظم !‬
‫ويقال لكم إن اإلمام امحد له عدة رواايت ِف املسألة ‪ ،‬فقد قال املرداوي ِف اإلنصاف ‪ 415/9‬ملا‬
‫ذكر عن امحد انه يقنت اإلمام قال ‪ :‬وعنه يقنت انئبه إبذنه ‪ ،‬وعنه يقنت إمام مجاعة ‪ ،‬وعنه كل‬
‫مصل ‪ .‬اختاره تقي الدين ‪ ،‬وقال ِف احملرر وهل يشرع لسائر الناس ؟ على روايتني ‪.‬‬
‫ول)(سورة النساء‪ )52:‬ومن البحث‬ ‫الرس ِ‬ ‫وهللا تعاىل يقول (فَِإ ْن تَنازعتم ِِف شي ٍء فَرُّدوه إِ َىل َِّ‬
‫اَّلل َو َّ ُ‬ ‫َ َ ُْ ْ َ ْ ُ ُ‬
‫السابق وعمل الصحابة يتضح اقرب الرواايت للسنة وهدي الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وصحابته العموم‬
‫ونفيد فائدة هنا وهي أن املتتبع ألقوال أهل العلم حسب اطالعنا ِف الكتب املتيسرة بني أيدينا‬
‫وحسب البحث السابق أن القول أبن قنوت النوازل خاص ابإلمام األعظم انه من مفردات احلنابلة‬
‫ِف إحدى الرواايت ‪.‬‬

‫مث اختياركم هلذا القول على خالف مراد اإلمام امحد ‪ ،‬فإن معىن اإلمام األعظم عند امحد وغريه‬
‫هو اخلليفة الواحد الذي حيكم املسلمني مجيعا ‪ ،‬وهذه هي فائدة صفة األعظم ‪ ،‬واليوم ليس إمام‬
‫اعظم حيكم املسلمني كلهم ‪ ،‬فعلى هذا القول الذي اخرتمتوه وأردمت تطبيقه هذا اليوم على غري مراد‬
‫اإلمام امحد الذي اخرتت قوله وهو إحدى الرواايت يؤدي إىل تعطيل القنوت متاما ‪ ،‬وهذا القول مل‬
‫تسبقوا إليه وال حول وال قوة إال ابهلل ‪.‬‬

‫واخريا ‪..‬‬
‫حنن اليوم نعرف اختالف أهواء احلكام وماهي توجهاهتم فربط القنوت للنوازل هبم جيعل قضااي‬
‫املسلمني خاضعة للسياسة و مصاحل احلكام ‪ ،‬وأنت ترى ِف الواقع اليوم ختاذل كثري من احلكام‬

‫‪889‬‬
‫وعدم نصرهتم للمسلمني ِف نوازهلم بل اهنم خيجلون من دعم قضااي اجلهاد واجملاهدين ‪ ،‬فكيف‬
‫ينتظر منهم أن أيذنوا ابلقنوت هلم إال أن وافق مصاحلهم وأهواءهم ‪.‬‬
‫كتبت هذا لكم لكي تراجعوا أنفسكم فيما قلتم وتعودوا إىل هدي الرسول ملسو هيلع هللا ىلص والصحابة والعلماء‬
‫بعده وتعلنوا للناس ذلك وإال سوف نعلن هذا الرد للناس لبيان ما هو احلق ِف املسألة وحنن‬
‫ابالنتظار ‪..‬‬

‫نسأل هللا لنا ولكم التوفيق واهلداية ‪.‬‬


‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى اله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫أماله فضيلة الشيخ‬
‫أ‪ .‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪4194/4٧/41‬ه‬

‫‪891‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫خطاب الشيخ محود ألحد املشايخ حول قنوت النوازل‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‪ .‬إىل فضيلة‬
‫الشيخ‪ -... /‬حفظه هللا‪-‬‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪ ...‬وبعد‬
‫فقد وصلتين رسالتكم العتابية اليت نقدمت فيها ردي على صاحل بن عبد العزيز آل الشيخ ِف خطئه‬
‫حائرا عند عدة أسئلة‪:‬‬
‫ِف منع القنوت ِف النوازل‪ ،‬وقد قرأت رسالتكم عدة مرات‪ ،‬ووقفت ً‬
‫ِ‬
‫علما أبين قد زودتكم بنسخة من نقدي ِف‬
‫كتبت هذه الرسالة بعد ُمضي عدة أشهر‪ً ،‬‬ ‫أوال‪ :‬ملاذا َ‬
‫اترخيه‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬هل من َحرر هذا اخلطاب قرأ نقدي كامالً؟ ال أظن ذلك؛ لضعفه علميًا وجلهله ابلقواعد‬
‫األصولية‪ ،‬ولِ َما وقع فيه من التناقض الصريح‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬ملاذا مل يكن الرد من صاحل بن عبد العزيز آل الشيخ وهو الذي انتقدته وهو امل ْع ِين بذلك؟‬
‫َ‬
‫وقد جاء الرد من قِبَلِكم‪.‬‬
‫مرتددا ِف اإلجابة على رسالتكم ملكانتكم عندي‪ ،‬لوال قولكم ِف آخر الرسالة‪ :‬ينبغي أن‬ ‫وكنت ً‬
‫َّلت بقول الشاعر العريب‪:‬‬
‫مسعت هذه العبارة متث ُ‬
‫تعتذر من صاحل وترتك اإلصرار‪ ،‬فلما ُ‬
‫قراب مربط النعامة مين *** رن بيع الكرام ابلشسع غايل‬ ‫ِّ‬
‫فعزمت على الرد على رسالتكم مستعينًا ابهلل مبينًا ما فيها من أخطاء ومالحظات وهي ما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬قلت‪ -‬وفقك هللا‪ -‬إن القنوت نُ ِسخ بعد حادثة بئر معونة ِف السنة الثالثة حني قنت النيب‬
‫بت أمثلةً ِف أشياء نُسخت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ؤخذ ابآلخر فاآلخر من فعله ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬مث ضر َ‬
‫شهرا فيها مث تركه‪ ،‬وإمنا يُ َ‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص ً‬
‫فيما بعد‪ ،‬وهذا الكالم عليه مالحظات وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬أنك مل تُراع أصول وقواعد أهل العلم ِف النسخ‪ ،‬فمما يعرف أبسط طلبة العلم أن النسخ له‬
‫شروط وهي على االختصار‪ :‬األول‪ :‬تَ َع ُّذر اجلمع‪ ،‬الثاين‪ :‬معرفة التاريخ‪ ،‬أو النص الصريح على‬
‫النسخ‪ ،‬وهذه الواقعة خلت منها هذه الشروط‪ ،‬فلم أتت بنص صريح فيه املنع من القنوت يدل‬
‫على النسخ‪ ،‬ومل يتعذر اجلمع‪ ،‬بل ليس هناك تعارض حىت حنتاج إىل اجلمع‪ ،‬وإمنا ذكرت جمرد‬
‫الرتك‪ ،‬والرتك ليس دليالً على النسخ‪ ،‬األمر اآلخر‪ :‬أنك ادعيت أن النسخ وقع بعد بئر معونة‪ ،‬مع‬
‫أنه ثبت عنه عليه الصالة والسالم أنه قنت بعد بئر معونة‪ ،‬فبطل ادعاؤك للنسخ ِف بئر معونة‪.‬‬

‫‪891‬‬
‫ذكرت ذلك ِف فتوى‬ ‫ُ‬ ‫ب‪ -‬أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قنت بعد بئر معونة بعد صلح احلديبية‪ ،‬وقد‬
‫وذكرت فيها الدليل على ذلك‪ .‬وإليك‬ ‫ُ‬ ‫مشروعية القنوت‪ ،‬وال أدري أقرأت ذلك حقيقةً أم ال؟‬
‫الدليل من نفس الفتوى؛ فقد روى أبو هريرة هنع هللا يضر قال‪ :‬وكان رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص حني يرفع رأسه يقول‪:‬‬
‫مسع هللا ملن محده يدعو لرجال فيسميهم أبمسائهم فيقول‪« :‬اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن‬
‫هشام وعياش بن أيب ربيعة واملستضعفني من املؤمنني‪ ،‬اللهم اشدد وطأتك على مضر‪ ،‬واجعلها‬
‫عليهم سنني كسين يوسف»متفق عليه‪ .‬وقصة قنوته ملسو هيلع هللا ىلص للمستضعفني ِف مكة كانت بعد صلح‬
‫احلديبية وفتح خيرب كما قاله ابن تيمية ِف الفتاوى (‪.)4٧5/94‬‬
‫نسخا‪ ،‬وهذا أمر مستغرب‪ ،‬ويلزم‬ ‫ج‪ -‬أنك قلت إن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ترك القنوت وجعلت جمرد الرتك ً‬
‫منه دعاوى ابطلة وإبطال أحكام كثرية بدعوى الرتك‪ ،‬وكثري من األحكام النبوية يفعلها الرسول‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص مرة مث يرتكها؛ فهل جمرد الرتك نسخ؟ بل ال يلزم استمرار عمل الرسول ملسو هيلع هللا ىلص به حىت املوت لكي‬
‫لدل على اجلواز‪ ،‬وإن مل يفعله مرة أخرى‪.‬‬ ‫يدل أنه غري منسوخ‪ ،‬بل لو فعله مرة َّ‬
‫ابآلخر فاآلخر من فعل الرسول ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬مث مل تذكر لنا نص اآلخر من فعله‪ ،‬وإمنا‬ ‫د‪ -‬قلت إنه يؤخذ ِ‬
‫سمى اآلخر‪ ،‬أنه مباح مث ُمنع ابلنص‪ ،‬وأن‬ ‫جمردا‪ ،‬ومل تذكر لنا فعالً ميكن أن يُ َّ‬ ‫ِ‬
‫جعلت اآلخَر ترًكا ً‬
‫زايرة القبور كانت ممنوعة مث ُش ِرعت ابلنص‪ ،‬وأن النياحة كانت مباحة مث جاء النهي‪ ،‬وما ذكرتَه‬
‫استعملت احليدة ومل‬
‫َ‬ ‫ذكرت بعضها‪ ،‬لكن ِف مسألة القنوت‬ ‫َ‬ ‫حق وجاءت أدلة صرحية ِف النسخ‬
‫ذكرت ِف النصوص قبلها‪.‬‬ ‫نصا صرحيًا ِف النسخ كما َ‬ ‫تذكر ً‬
‫نصوصا لكالمهم ِف هذا املعىن‪ ،‬مع‬
‫ً‬ ‫اثنيا‪ :‬قلت إن مذهب أيب حنيفة يرى املنع مطل ًقا ومل تذكر‬
‫نصوصا من كالمهم تدل على أن‬‫ً‬ ‫وذكرت‬
‫ُ‬ ‫ذكرت مذهب أيب حنيفة ِف ذلك‬ ‫أنين ِف الرسالة ُ‬
‫مذهب أيب حنيفة القنوت‪ ،‬وإليك مذهبهم املذكور ِف الرسالة‪:‬‬
‫قال ابن عابدين ِف حاشيته (‪ِ )44/9‬ف مطلب القنوت ِف النازلة‪ ،‬قال‪ :‬إن نزل ابملسلمني انزلة‬
‫قنت اإلمام ِف صالة اجلهر‪ .‬ونقل عن الطحاين ِف القنوت‪ :‬إن وقعت فتنة بلية فال أبس به‬
‫(وراجع إعالء السنن ‪ .)25/1‬وقال ِف حاشية الطحطاوي على مراقي الفالح (‪ :)959/4‬إذا‬
‫نزل ابملسلمني انزلة قنت اإلمام ِف صالة الفجر‪ ،‬وهو قول الثوري وأمحد‪ ،‬وقال اللكنوي ِف كتاب‬
‫التعليق املمجد (‪ :)141/4‬إن قول أيب حنيفة وأصحابه ال قنوت ِف شيء من الصلوات إال ِف‬
‫الوتر وإال ِف انزلة‪ ،‬وقال ِف البحر الرائق للحنفية (‪ :)1٧/9‬وإن نزل ِف املسلمني انزلة قنت اإلمام‬
‫ِف صالة اجلهر‪ ،‬وذكر التهانوي ِف إعالء السنن (‪ )25 ،٧1/1‬أن عني مذهب احلنفية واجلمهور‬
‫هو القنوت ِف النوازل مؤقتًا‪.‬‬

‫‪892‬‬
‫وظننت أن هذا هو‬
‫َ‬ ‫والذي يظهر‪ -‬وهللا أعلم‪ -‬أنك أخذت كالم بعض األحناف ممن قال ابلنسخ‬
‫ذكرت‪ :‬وبعض احلنفية يرى أن‬
‫ذكرت ذلك ِف الرسالة‪ ،‬وإليك ما ُ‬
‫مذهبهم‪ ،‬وإمنا هو قول فيه‪ ،‬وقد ُ‬
‫القنوت للنوازل منسوخ كالطحاوي ِف شرح معاين اآلاثر وينقله عن بعض أئمة احلنفية (‪،)951/4‬‬
‫وبني أن اختيار املذهب هو‬
‫مع أن كالم الطحاوي هذا انقشه التهانوي ِف إعالء السنن (‪َّ )21/1‬‬
‫القنوت‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬أما قولك إن املنع مطل ًقا قول مذهب اإلمام مالك‪ ،‬فهذا ال مستمسك فيه‪ ،‬فيُقال‪ :‬ملاذا‬
‫ذكرت لك ِف‬
‫عدلت عن أصل مذهب مالك ِف القول ابلقنوت إىل هذا القول إن صح‪ ،‬وقد ُ‬
‫الرسالة مذهب مالك ِف ذلك‪ ،‬وما ذكرته ما يلي‪:‬‬
‫ذكر ابن عبد الرب ِف االستذكار (‪ِ )9٧4/1‬ف ابب القنوت ِف الصبح مذهب مالك وأنه يرى‬
‫القنوت‪ ،‬وقال ابن رشد ِف بداية اجملتهد ِف فصل أقوال الصالة ِف املسألة التاسعة‪ ،‬قال‪ :‬ومذهب‬
‫مالك أن القنوت ِف صالة الصبح مستحب (‪ ،)444/4‬وذكر الزرقاين ِف شرح املوطأ ِف ابب‬
‫القنوت ِف الصبح أن معتقد مالك‪ :‬القنوت ِف الصبح (‪.)994/4‬‬
‫وجاء ِف املدونة الكربى (‪ِ )4٧4/4‬ذكر مذهب مالك ِف القنوت ِف الصبح ابلدعاء على الكفار‬
‫واالستعانة ابهلل عليهم‪ ،‬بل إن مال ًكا يرى دوام قنوت النوازل ِف الفجر كما قال ابن العريب ِف شرح‬
‫املوطأ ِف كتابه القبس (‪ِ )41٧/4‬ف ذكر رأي مالك ِف قنوت النوازل‪ ،‬قال ابن العريب‪ :‬ورأي أمحد‬
‫بن حنبل أن قنوت النيب ملسو هيلع هللا ىلص إمنا كان ٍ‬
‫لسبب فيما كان ينزل ابملسلمني‪ ،‬واألحكام إن كانت معلقة‬
‫ابألسباب زالت بزواهلا‪ ،‬ورأي مالك والشافعي أن ذلك من طلب العدو‪ ،‬ومقارعته معىن دائم فدام‬
‫القنوت بدوامه‪ .‬اه‬
‫دائما واملداومة‬
‫وقال ابن تيمية ِف الفتاوى (‪ :)4٧1/94‬قول مالك‪ :‬القنوت ِف النوازل مشروع ً‬
‫قنوات‬
‫سرا‪ ،‬وهذا يدل على أن املالكية يرون ً‬ ‫سنة‪ ،‬وأن ذلك يكون ِف الفجر قبل الركوع بعد القراءة ً‬
‫دائما‪.‬‬
‫ً‬
‫رابعا‪ :‬على قولك ابلنسخ يُقال‪ :‬هذا حيتاج إىل إثبات خاص‪ ،‬فهل هناك دليل صريح على أن‬
‫قنت فال تقنتوا‬
‫رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال هلم‪« :‬ال تقنتوا؟»‪ ،‬أو أهنم قنتوا فنهاهم‪ ،‬أو قال‪« :‬كنت قد ُّ‬
‫بعدي»‪ ،‬أو حنو ذلك‪ ،‬فالنفي كاإلثبات حيتاج إىل دليل؛ ألن النفي قضية سلبية حتتاج إىل برهان‬
‫املستدل يدعي النسخ ال يلزم من صحة وقوع النسخ حقيقة‪ ،‬إذ قد يكون‬ ‫ِ‬ ‫كالقضية املوجبة‪ ،‬وكون‬
‫اثبتًا بدليل مل يعلمه املستدل‪ ،‬وهذا هو الواقع‪ ،‬فإن الصحابة قنتوا بعد وفاة الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وهم أعلم‬
‫منا مبواقع النسخ‪.‬‬

‫‪893‬‬
‫خامسا‪َ :‬‬
‫قلت ِف رسالتك‪ :‬إن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص مل يقنت ِف غزوة مؤتة وال يوم حنني وال ِف األحزاب‪.‬‬
‫واجلواب على ذلك أن يقال‪ :‬أما غزوة مؤتة فقد حصل فيها نصر مبني‪ ،‬فما وجه القنوت؟ وأما‬
‫ضحى ذلك اليوم مث نصرهم هللا‪ ،‬فما يُطلَب منهم ِف‬ ‫حنني فقد حصل للصحابة ما حصل ِف ُ‬
‫ضحى؟ مث نصرهم هللا بعد ذلك‪ .‬وأما‬ ‫وقت ما حصل هلم ما حصل‪ ..‬أن يرتكوا القتال ويقنتوا ُ‬
‫األحزاب فال يدل عدم القنوت فيها على النسخ‪ ،‬فقد قنت النيب عليه الصالة والسالم بعد‬
‫األحزاب ودعا للمستضعفني كما ذكران ذلك ساب ًقا‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬أما قولك أين حشدت أقواالً كثرية ألئمة املذاهب وبعض الصحابة وبعض العلماء‬
‫حشدت له أقواالً كثرية) ليست حبجة؛ فهذا من العجب‬ ‫ُ‬ ‫وغريهم‪ ،‬وأن أقوال الناس (تريد من‬
‫العجاب‪ ،‬كيف أحشد أقوال الصحابة ومنهم اخللفاء الراشدون وستة من الصحابة‪ ،‬بعضهم ممن‬
‫روى أحاديث القنوت وفعل القنوت بنفسه‪ ،‬مما يدل على عدم النسخ‪ ،‬فهل هؤالء ليس ِف أقواهلم‬
‫حجة؟‬
‫مث لبَّست بعض التلبيس حيث قلت‪( :‬وبعض الصحابة)‪ ،‬فهل هذا إيهام منك أن البعض اآلخر‬
‫ذكرت ِف الرسالة أنه ال يوجد أحد من الصحابة‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫يرى النسخ واملنع؟ مث ملاذا مل تذكرهم؟ بل إنين‬
‫فيما أعلم‪ -‬خالف مشروعية القنوت‪ ،‬بل يكفي إمجاع اخللفاء الراشدين على مشروعية القنوت‪،‬‬
‫قلت‪ :‬إن احلجة ِف الكتاب والسنة‪ ،‬وهذا حق‪ ،‬ولكن‬ ‫وسوف أذكر لك نصوصهم بعد قليل‪ ،‬مث َ‬
‫نصوص َمن نقل ِمن أهل العلم اإلمجاع على مشروعية‬ ‫َ‬ ‫ذكرت لك‬
‫ُ‬ ‫أيضا حجة‪ ،‬وقد‬ ‫اإلمجاع ً‬
‫كت هذا كله‪ ،‬فهل اإلمجاع ليس حجة عندك؟ وهل إمجاع اخللفاء الراشدين ليس‬ ‫القنوت‪ ،‬وتر َ‬
‫حجة عندك؟‬
‫وإليك النصوص اليت ذكرُهتا ِف رسالة القنوت من فِعل اخللفاء الراشدين وإمجاعهم عليه‪ ،‬وفِعل‬
‫عرف هلم خمالف فيما أعلم‪ ،‬وحكاية إمجاع َمن حكى ِمن أهل العلم‪ ،‬لعل‬ ‫الصحابة الذين ال يُ َ‬
‫وبياان‪:‬‬
‫وعسى ِف ذلك معذرة ً‬
‫فعل اخللفاء الراشدين ورمجاعهم على القنوت‪:‬‬
‫فقد صح عن أيب بكر وعمر وعثمان وعلي مهنع هللا يضر أهنم قنتوا ِف النوازل‪ ،‬فعن العوام بن محزة‪ :‬سألت‬
‫عمن؟ قال‪ :‬عن أيب بكر وعمر وعثمان‪ ،‬رواه ابن‬ ‫أاب عثمان عن القنوت فقال‪ :‬بعد الركوع‪ .‬قلت‪َّ :‬‬
‫أيب شيبة (‪ )4٧1/9‬رقم (‪ ،)1٧44‬وابن املنذر ِف األوسط (‪ ،)94٧/5‬وحس نه البيهقي ِف‬
‫مع رفة السنن (‪ .)12/9‬وقال ابن تيمية ِف الفتاوى (‪ :)4٧٧/94‬إن النيب عليه الصالة والسالم‬
‫مسنوان عند النوازل‪،‬‬
‫ً‬ ‫قنت لسبب انزل به مث تركه عند عدم ذلك السبب النازل‪ ،‬فيكون القنوت‬

‫‪894‬‬
‫وهذا القول هو الذي عليه فقهاء أهل احلديث‪ ،‬وهو املأثور عن اخللفاء الراشدين مهنع هللا يضر‪ ...‬مث قال‪:‬‬
‫فسنة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وخلفائه الراشدين تدل على شيئني‪ ،‬أحدمها‪ :‬أن دعاء القنوت مشروع عند‬ ‫ُ‬
‫السبب الذي يقتضيه‪ ،‬وقال ابن القيم ِف الزاد ِف هديه ملسو هيلع هللا ىلص ِف القنوت‪ :‬إن املروي عن الصحابة ِف‬
‫قنوت النوازل قنوت الصديق هنع هللا يضر ِف حم اربة مسيلمة وعند حماربة أهل الكتاب (راجع كتاب إعالء‬
‫السنن (‪ ،))٧4/1‬أما قنوت عمر فقد ذكر ابن تيمية ِف الفتاوى (‪ )4٧٧/94‬وابن القيم ِف الزاد‬
‫أنه قنت ملا حارب النصارى‪ .‬وقال ابن تيمية ِف الفتاوى (‪ :)4٧٧/94‬وكان عمر إذا أبطأ عليه‬
‫خرب جيوش املسلمني قنت‪ ،‬ونقل الكاندهلوي ِف أوجز املسالك (‪ )411/4‬عن كتاب اآلاثر‬
‫حملمد بن حسن قال‪ :‬كان عمر هنع هللا يضر إذا حارب قنت‪ ،‬وإذا مل حيارب مل يقنت‪ ،‬رواه الطحاوي‬
‫وإسناده حسن‪.‬‬
‫وكان علي بن أيب طالب هنع هللا يضر قد قنت ملا حارب من حارب من اخلوارج‪ ،‬قاله ابن تيمية ِف الفتاوى‬
‫أيضا ملا حارب أهل الشام ِف صفني‪ ،‬قال البيهقي ِف كتابه معرفة السنن ِف‬ ‫(‪ ،)4٧4/94‬وقنت ً‬
‫فصل القنوت إن عليًّا قنت ِف حرب يدعو فأخذ أهل الكوفة ذلك عنه‪.‬‬
‫فهذا هو هدي اخللفاء الراشدين‪ ،‬بل لو قال قائل إنه ال يعرف هلم خمالف لكان هو عني الصواب‬
‫‪ ،‬وهو مذهب الناس ِف زمن علي بن أيب طالب وعليه أهل الكوفة ت ًبعا له‪ .‬وقيل ذلك هو فعل‬
‫الناس زمن عمر حيث قنت عدة مرات‪ ،‬وهو فعل الناس زمن أيب بكر حيث فعله فيهم‪ ،‬فأي‬
‫إمجاع أعظم من هذا؟‬
‫ادعيت على عمر أنه مل يقنت‪ ،‬وهذا من‬ ‫نفيت عن أيب بكر أنه قنت‪ ،‬و َ‬ ‫وأحب أن أنبهك إىل أنك َ‬
‫ذكرت لك ساب ًقا قنوت أيب بكر وعمر‪،‬‬ ‫الرجم ابلغيب واالدعاء على األفاضل بغري برهان‪ ،‬وقد ُ‬
‫وِزدان لك َ‬
‫قنوت عثمان وعلي مهنع هللا يضر أمجعني‪.‬‬
‫نصوص من قنت من الصحابة‪:‬‬
‫أ‪ -‬فقد صح عن أن أنس بن مالك هنع هللا يضر أن كان يقنت ِف صالة الفجر‪ ،‬رواه ابن املنذر ِف‬
‫علما أبن أنس ممن روى أحاديث قنوت النازلة‪ ،‬فكان بفعله هذا يرى‬ ‫األوسط (‪ )9٧2/5‬وغريه‪ً ،‬‬
‫أهنا ُحم َكمة مل تنسخ‪ ،‬بل صح عنه هنع هللا يضر أنه نقل عن بعض أصحاب رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص أهنم قنتوا ِف‬
‫صالة الفجر‪ ،‬فذكر هنا أنه فِعل مجْ ٍع من الصحابة‪ ،‬واملقصود بذلك قنوت النازلة‪.‬‬
‫ب‪ -‬وجاء عن أيب هريرة هنع هللا يضر أنه كان يقنت ِف الظهر والعشاء اآلخرة وصالة الصبح‪ ،‬رواه الطربي‬
‫ِف هتذيب اآلاثر مسند ابن عباس (‪ )415/4‬رقم (‪ )511‬فيدعو للمؤمنني ويلعن الكفار‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ُقربن بكم صالة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬متفق عليه‪ .‬وِف رواية عند الطحاوي ِف شرح اآلاثر (‪:)914/4‬‬ ‫أل ِ‬

‫‪895‬‬
‫علما‬
‫(ألرينكم)‪ ،‬فصلى هبم وقنت حىت يعلمهم أن القنوت مشروع مل يُنسخ‪ ،‬ولذا قال‪ :‬ألرينكم‪ً ،‬‬
‫أبن أاب هريرة هنع هللا يضر ممن روى أحاديث القنوت للنازلة‪ ،‬فهذا فهمهم مهنع هللا يضر‪ ،‬بل فعله هو بنفسه تدريبًا‬
‫ألصحابه عليه‪ ،‬قال ابن القيم ِف زاد املعاد‪ :‬وال ريب أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص فعل ذلك‪ -‬أي القنوت‪-‬‬
‫فأحب أبو هريرة أن يعلمهم أن مثل هذا القنوت ُسنة‪ .‬اه‬
‫َّ‬ ‫مث تركه‪،‬‬
‫ج‪ -‬صح عن الرباء بن عازب أنه كان يقنت‪ ،‬رواه ابن أيب شيبة (‪ )4٧1/9‬رقم (‪)1٧41‬‬
‫وصفحة (‪ )4٧٧‬رقم (‪ ،)1٧41‬وعبد الرزاق ِف مصنفه (‪ ،)4٧2/4‬وابن املنذر ِف األوسط‬
‫(‪ ،)9٧2/5‬والبيهقي ِف سننه (‪ ،)9٧1/9‬مع أن الرباء ممن روى أحاديث قنوت النازلة‪.‬‬
‫د‪ -‬صح عن ابن عباس هنع هللا يضر أنه صلى الغداة ِف إمارته عن البصرة فقنت‪ ،‬رواه ابن أيب شيبة‬
‫(‪ )4٧5/9‬رقم (‪ ،)1٧٧4‬وعبد الرزاق ِف مصنفه (‪ ،)444/4‬وابن املنذر ِف األوسط‬
‫أمريا لعلي بن أيب طالب‪ ،‬فلما قنت علي بن أيب‬ ‫علما أبن ابن عباس ِف البصرة كان ً‬ ‫(‪ً ،)9٧2/5‬‬
‫تبعا له‪ ،‬ذكر ذلك الطحاوي ِف شرح معاين‬ ‫طالب هنع هللا يضر ملا حارب أهل الشام قنت ابن عباس ً‬
‫اآلاثر (‪ِ )959/4‬ف ابب القنوت‪ ،‬وذكره التهانوي ِف إعالء السنن (‪/1‬ابب القنوت)‪ ،‬وقال‬
‫الكاندهلوي ِف كتابه أوجز املسالك (‪ )415/4‬نقالً عن الدارقطين عن سعيد بن جبري‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أشهد أين مسعت ابن عباس يقول‪ :‬إن القنوت ِف صالة الفجر بدعة إال إذا نزل ابملسلمني انزلة‪،‬‬
‫فانظر إىل كالم ابن عباس هذا وما فيه من ذكر عدم نسخ القنوت للنوازل‪ ،‬بل ال يبعد أن يكون‬
‫هذا الكالم له حكم الرفع‪.‬‬
‫ه ‪ -‬جاء عن معاوية هنع هللا يضر أنه قنت ِف ِصفني وما بعدها‪ ،‬يقنت هو ومن معه‪ ،‬ذكر قنوته الطحاوي‬
‫ِف معاين اآلاثر‪ ،‬وكذا الطربي ِف اترخيه (‪ ،)444/4‬قال البيهقي ِف كتابه معرفة السنن ِف فصل‬
‫القنوت‪ :‬وقنت معاوية ِف الشام يدعو ِف ِصفني‪ ،‬فأخذ أهل الشام عنه ذلك‪.‬‬
‫و‪ -‬وروى الطحاوي ِف شرح معاين اآلاثر عن أيب موسى األشعري أنه قنت‪ ،‬وذكره عنه ابن ال قيم‬
‫ِف زاد املع اد‪ ،‬ورواه ابن أيب شيبة (‪ )4٧5/9‬رقم (‪ )1٧٧4‬بسنده عن عبد هللا بن معقل قال‪:‬‬
‫قنت ِف الفجر رجالن من أصحاب رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬علي وأبو موسى‪.‬‬

‫فهؤالء ستة من أصحاب رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص بعضهم ممن روى أحاديث قنوت النازلة وفعلها كأيب هريرة‬
‫منسوخا مل يفعلوه بعد وفاة الرسول صلى هللا‬
‫ً‬ ‫نسخ‪ ،‬إذ لو كان‬ ‫وأنس‪ ،‬وكلهم يرون القنوت وأنه مل يُ َ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فأين املخالف هلم من الصحابة ممن منع قنوت النوازل أو رأى أنه منسوخ؟!‬

‫‪896‬‬
‫اإلمجاع‪:‬‬
‫كت االحتجاج به‪ :‬اإلمجاع‪ ،‬ومن قول اللكنوي ِف كتاب‬ ‫مما يدل على مشروعية القنوت والذي تر َ‬
‫التعليق املمجد (‪ :)141/4‬وال نزاع بني األمة ِف مشروعية القنوت وال ِف مشروعيته للنازلة‪ ،‬إمنا‬
‫النزاع ِف بقاء مشروعيته لغري النازلة‪ ،‬ونقل ابن عبد الرب ِف االستذكار (‪ )9٧9/1‬عن حيىي بن‬
‫سعيد أن القنوت إن دخلت جيوش املسلمني هو فعل األئمة‪ .‬وممن نقل اإلمجاع الكاندهلوي ِف‬
‫أوجز املسالك ِف شرح موطأ مالك (‪ )411/4‬قال النيموي‪ :‬تدل األخبار على أن النيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم وأصحابه مل يقنتوا ِف الفجر إال ِف النوازل‪ ،‬وذكره ابن أيب شيبة برقم (‪ )1٧٧1‬بسنده‬
‫عن ابن أيب ليلى قال‪ :‬القنوت ُسنة ماضية‪ ،‬وقال ابن تيمية ِف الفتاوى (‪ )4٧٧/94‬إن القنوت‬
‫مسنون عند النوازل‪ ،‬وهذا القول هو الذي عليه فقهاء أهل احلديث‪ ،‬وهو املأثور عن اخللفاء‬
‫الراشدين‪ .‬وقال التهانوي ِف إعالء السنن (‪ :)21/1‬وأما دعوى نسخ القنوت ِف الفجر مطل ًقا‬
‫أحياان‪ ،‬ونقل عن صاحب كتاب احلجة البالغة‪ :‬وكان‬ ‫فرتدها آاثر الصحابة وقنوهتم بعد وفاته ملسو هيلع هللا ىلص ً‬
‫النيب ملسو هيلع هللا ىلص وخلفاؤه إذا انهبم أمر دعوا للمسلمني وعلى الكافرين بعد الركوع أو قبله‪ .‬اه‬
‫قلت‪ :‬والصحابة أعلم منا‬‫ت أن الصحابة مل يقنتوا‪َ ،‬‬ ‫سابعا‪ :‬قلت ِف آخر الرسالة بعد ما ذكر َ‬
‫ابلشريعة‪ ،‬وقد ابشروا األمر ِف حياة النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وعرفوا الوقائع ‪ ..‬واجلواب عليه أن يقال‪ :‬لو أنك‬
‫قلت هذا الكالم‪ ،‬فإين ذكرت ِف الرسالة أن الصحابة قنتوا‬ ‫قرأت رسالة القنوت قراءة فاحصة ملا َ‬
‫بعد الرسول عليه الصالة والسالم‪ ،‬واخللفاء الراشدين قنتوا‪ ،‬وهم أعلم منا ابلشريعة‪ ،‬وقد ابشروا‬
‫األمر بعد حياة النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فقالوا مبشروعية القنوت وفق فهمهم وعملهم مهنع هللا يضر‪ ،‬حيث إهنم أعلم منا‬
‫ابلشريعة‪ ،‬ولذا رأوا مشروعية القنوت‪ ،‬والواجب الرجوع إىل فهمهم‪.‬‬
‫اثمنا‪ :‬ذكرت ِف رسالتك فقلت‪ :‬وكان بعض الصحابة ملا ُسئل عن القنوت ِف الفرائض قال‪( :‬أي‬
‫بُين بدعة)‪ ،‬وهذا احلديث مقلوب‪ ،‬والصحيح أنه سئل عن اجلهر ابلبسملة فقال أي بين بدعة‪.‬‬
‫وأخريا‪ :‬وأما ما ذيلتم به رسالتكم من ذكر اإلصرار وطلب االعتذار لصاحبكم فأنت أوىل‬
‫ابالعتذار‪ ،‬ألنك خالفته خمالفةً اتمة؛ فأنت ِف ادعائك النسخ ِف طرِف نقيض معه ‪ ،‬فهو يرى أن‬
‫قضت‬‫القنوت مل يُنسخ‪ ،‬ولكن قيَّده ِف صورة واحدة وهي إذن اإلمام أو مسجد اإلمام‪ ،‬وأنت ن ْ‬
‫فتواه ومنعت القنوت مطل ًقا‪ .‬مث االعتذار من ماذا؟ هل ألجل ذكري هلدي الرسول ملسو هيلع هللا ىلص واخللفاء‬
‫ومن بعدهم ِف عملهم ِف القنوت؟ َأو ألجل أننا رددان عليه خطأه؟‬ ‫الراشدين واألئمة املهديني َ‬
‫نرجو من هللا أن حيسن القصد والنية فيما نقول ونفعل‪ ،‬وهللا حيفظكم‪ ،‬وصلى هللا على نبينا دمحم‬
‫وعلى آله وصحبه أمجعني‪ .‬أماله أخوكم محود بن عقالء الشعييب ِف ‪4199/4/42‬ه‬

‫‪897‬‬
‫حكم تكرمي بعض املنحرفني واستقباهلم واالحتفاء هبم‬

‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬


‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وال عدوان إال على الظاملني‪ ،‬والصالة والسالم على إمام اجملاهدين‬
‫الصابرين نبينا دمحم وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثريا‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فقد ورد إلينا سؤال من بعض االخوة حول حكم تكرمي بعض املنحرفني واستقباهلم واالحتفاء هبم‬
‫وفتح اجملال هلم لينشروا فكرهم املنحرف وأدهبم احلداثي العفن‪ ،‬من أمثال‪:‬‬
‫حممود درويش احلداثي الفلسطيين وأحد أعضاء حزب ركاح الشيوعي ِف إسرائيل والذي يقول ِف‬
‫أحد دواوينه (انمي فعني هللا انئمة)‪.‬‬
‫ومسيح القاسم الدرزي الفلسطيين والعضو ِف احلزب املشار إليه والذي يقول ِف أحد دواوينه (وألي‬
‫كهف ينزوي هللا املعفر ابلغبار وابلدخان والشرر)‪.‬‬
‫واليساري السعودي؛ تركي احلمد الذي يقول ِف روايته الكراديب (االنتحار نصر على هللا)‪.‬‬
‫وغريهم من هذه الطائفة‪.‬‬
‫وسئلنا أيضا عن رأينا فيمن يقول عن هذه املقوالت‪( :‬نصوص أدبية ال حيكم على الناس من‬
‫خالهلا)‪ .‬وقوهلم‪( :‬حرية الفكر تقتضي عدم تكفري الناس وعلينا أن نكل أمرهم إىل خالقهم) ‪.‬‬
‫فأقول مستعينا ابهلل تعاىل‪:‬‬
‫جواب ذل من وجوه‪:‬‬
‫أوال‪ :‬متكني هؤالء من نشر أفكارهم وفتح املنابر اإلعالمية والثقافية هلم وألمثاهلم منكر عظيم وفعل‬
‫حمرم‪ ،‬ومنع هؤالء من نشر ضالهلم (فضال عن أن يكون فيه سب هلل أو رسوله ملسو هيلع هللا ىلص أو الدين‬
‫وأهله) من أهم واجبات العلماء والوالة واحملتسبني بل وسائر املسلمني ومل خيتلف ِف ذلك أحد من‬
‫أهل العلم حسب علمنا‪ .‬ومن املعلوم أن من تكلم بكالم كفري من سب هللا عز وجل أو رسوله‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص أو لدين اإلسالم جيب إقامة حد الردة عليه فورا بال استتابة على قول كثري من أهل العلم لقوله‬
‫عليه الصالة والسالم‪( :‬من بدل دينه فاقتلوه)(‪ )4‬وقوله‪( :‬ال حيل دم امرئ مسلم إال إبحدى‬
‫ثالث الثيب الزاين والنفس ابلنفس والتارك لدينه املفارق للجماعة)(‪ ، )9‬وقصة معاذ هنع هللا يضر ملا‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )4٧41‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري (‪. )1٧1٧‬‬

‫‪898‬‬
‫جاء إىل أىب موسى ِف اليمن فوجد عنده رجال موثقا فقال‪ :‬ما هذا ؟ قال‪ :‬أسلم مث هتود‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(ال أجلس حىت يقتل؛ قضاء هللا ورسوله)(‪ .)4‬وكل هذه األحاديث ِف الصحيح‪.‬‬
‫فإذا كان احلكم فيه كذلك على قول كثري من العلماء فكيف يستساغ شرعا تكرميهم أو متكينهم‬
‫من نشر ضالهلم‪ ،‬وال شك أن ِف ذلك مناهضة عظيمة هلل تعاىل ولشرعه احلكيم‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬أن قائل!الكلمات الكفرية أو املتضمنة للبدعة والضاللة أو تلك اليت حتوي الفسق واجملون‬
‫ممن جيب اإلنكار عليه ابتفاق أهل العلم سواء حكمنا على قائل الكفر بكفره أو مل حنكم‬
‫فاإلنكار قائم بكل حال‪.‬‬
‫ومقولة أن هذه النصوص أدبية ال ميكن أن حيكم على الناس من خالهلا فأحسن أحوال هذا‬
‫القائل أن يكون جاهال بشرع هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬وال جيوز القول على هللا بغري علم سيما ِف مثل‬
‫هذه املسائل اخلطرية‪.‬‬
‫أما من يكتب هذه النصوص اليت يسموهنا أداب وهي مشتملة على ما يوجب الكفر فال خيلو من‬
‫أن يكون معتقدا ملا يقول قاصدا ملعىن ما يكتب أو أن يكون قال ذلك على سبيل وصف ما‬
‫خيتلج ِف النفس من مشاعر وتصويرها تصويرا إبداعيا كما يزعمون أو حنو ذلك من املقاصد‪.‬‬
‫فإن كانت األوىل فنحكم عليه من خالل مقولته وكتابته وهذا إمجاع أهل العلم قاطبة وقد ذكران‬
‫آنفا قول العلماء أن من سب هللا تعاىل أو الرسول ملسو هيلع هللا ىلص أو سخر من الدين فإنه مرتد يقتل فورا وال‬
‫يستتاب‪ .‬وذكر العلماء ِف ابب حكم املرتد وابب حد الردة وِف كتب العقائد ما يتعلق هبذه‬
‫املسألة وما خيرج به املرء عن اإلسالم‪ ،‬فنصيحيت ملن قال هذه املقولة وألمثاله أن يرجع إىل أهل‬
‫العلم قبل أن يقول على هللا بغري علم‪.‬‬

‫وأما إن كان قائل ذلك وكاتبه إمنا قال ذلك وكتبه على سبيل الصنعة األدبية من هذا الباب وليس‬
‫من جنس املسألة األوىل فإنه مؤاخذ مبا كتب وقال‪ ،‬وحيكم عليه بنص القرآن الكرمي‪ ﴿ :‬ولئن‬
‫سألتهم ليقولن إمنا كنا خنوض ونلعب قل أابهلل وآايته ورسوله كنتم تستهزئون ال تعتذروا قد كفرمت‬
‫بعد إميانكم ﴾(سورة التوبة آية‪ )15-11:‬فهذه اآلية صرحية ِف احلكم على هؤالء ابلكفر من‬
‫خالل حديثهم وإن كان على سبيل اللعب والتسلية كما ثبت ِف سبب نزول اآلية‪.‬‬
‫فكيف يُعتذر بعد هذا ملن سب هللا تعاىل أو رسوله ملسو هيلع هللا ىلص أو استهزأ بشيء من شعائر الدين أبن‬
‫هذا حمض نصوص إبداعية وجدانية أو جمرد صنعة أدبية‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )1294‬‬

‫‪899‬‬
‫اثلثا‪ :‬أن دعوى حرية الفكر إذا كانت مفضية إىل حرية الكفر فهي ابطلة بنص القرآن وإمجاع‬
‫األمة وقد تقدم آنفا ذكر اآلايت واألحاديث الدالة على ذلك‪ ،‬ولو كانت حرية الفكر املفضية إىل‬
‫األقوال الكفرية جائزة ِف الشرع ملا كان حلد الردة معىن وهو الذي مل خيل منه كتاب من كتب الفقه‬
‫‪ ،‬بل إن الذمي واملعاهد إذا بدر منه سب هلل أو لرسوله انتقض عهده ووجب قتله عند عامة أهل‬
‫العلم‪.‬‬
‫أما من يقول دع الناس خلالقهم فهذا صحيح إذا مل يظهر منهم ما يوجب اإلنكار‪ ،‬فالتفتيش عن‬
‫نوااي الناس أو التنقيب عما ِف صدورهم أمر ال جيوز‪ ،‬وقد أمران الشارع احلكيم أبن نعامل الناس مبا‬
‫ظهر لنا منهم من قول أو فعل وحيكم عليهم من خالل ذلك‪ ،‬وال تربأ الذمة ِف ذلك إال ابإلنكار‬
‫عليهم واستتابتهم وإقامة حد الردة عليهم إن ظهر ما يوجب ذلك‪ ،‬فإن اتب وأعلن رجوعه فحينئذ‬
‫يدرأ عنه احلد ونكل أمره إىل هللا‪ ،‬وإن مل نتحقق من صدق توبته‪ ،‬إال إذا كان فعله أو قوله مما ال‬
‫تؤثر فيه التوبة فإنه يقتل حدا ِف الدنيا وتوبته بينه وبني ربه كما هو رأي كثري من أهل العلم‪.‬‬

‫وهللا تعاىل أعلم‪.‬‬


‫أسأل هللا العلي القدير أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويؤيد ابحلق اجملاهدين ِف سبيله اآلمرين‬
‫ابملعروف والناهني عن املنكر من أبناء هذا الدين إنه ويل ذلك والقادر عليه‪.‬‬
‫وآخر دعواان أن احلمد هلل رب العاملني ‪.‬‬

‫أماله‪ :‬محود بن عبدهللا بن عقالء الشعييب ِف ‪ 4194/4/45‬ه‬

‫‪911‬‬
‫فتوى الشيخ محود بن عقالء الشعييب يف كفر املغين عبدهللا الرويشد‬
‫فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعي يب حفظه هللا تعاىل ‪..‬‬
‫ال زالنا اي شيخنا الفاضل نسمع من دهاقنة الفسق والضالل ما يدمي القلوب ويفت األكباد من‬
‫استهزاء ابهلل وآبايته وبرسوله‪ ،‬والذي من آخرها ما قام به املاجن الرويشد حينما غىن بسورة الفاحتة‬
‫‪ ،‬ومع ذلك مل نر هلؤالء من يردعهم ويوقفهم عند حدهم ويقيم فيهم حكم هللا تعاىل نرجوا منكم اي‬
‫فضيلة الشيخ أن تبينوا السبيل ِف هذه املعضلة‪ ،‬رفع هللا قدركم وأعلى من زلتكم‪.‬‬
‫اجلواب ‪..‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني ‪ ..‬أما بعد‬
‫فإن االستهزاء ابهلل وآايته ورسوله خلق ختلق به أعداء اإلسالم من يهود ونصارى ومنافقني‬
‫وعلمانيني ومغنيني وصحفيني وزاندقة وغريهم‪ ،‬وعمل هؤالء على نشره عن طريق هؤالء السفهاء‬
‫الذين تبني كفرهم من فعله‪ ،‬والذي دفعهم لذلك حب االشتهار وتكثري املال حىت أنزل هللا فيهم‬
‫كتااب يتلى إىل يوم القيامة إذ ي قول سبحانه‪ ﴿ :‬ولئن سألتهم ليقولن إمنا كان خنوض ونلعب قل‬ ‫ً‬
‫أابهلل وآايته ورسوله كنتم تستهزئون ال تعتذروا قد كفرمت بعد إميانكم ﴾(سورة التوبة آية‪-11:‬‬
‫‪ )15‬وسبب نزول هذه اآلية ِف غزوة تبوك وقد نزلت ِف بعض املنافقني ملا قالوا‪ :‬ما رأينا مثل قرائنا‬
‫طوان وال أكذب ألسنة وال أجنب عند اللقاء‪ ،‬يقول ابن عمر رضي هللا عنهما كما ِف‬ ‫هؤالء أرغب ب ً‬
‫تفسري القرطيب‪ :‬رأيت قائل هذه املقالة وديعة بن اثبت متعلقا حبقب انقة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص مياشيها‬
‫واحلجارة تنكبه وهو يقول‪ :‬إمنا كنا خنوض ونلعب والنيب عليه الصالة والسالم يقول‪ ﴿ :‬قل أابهلل‬
‫وآايته ورسوله كنتم تستهزئون ﴾ ؟ وال يشك عاقل أن ما يقوم به هؤالء من تلحني وغناء آلايت‬
‫كتاب هللا سبحانه وتعاىل من الكفر الصراح‪ ،‬إذ األمة أمجعت على أن من استهزأ بشيء من‬
‫الشرع إما بكتابة أو كالم أو غناء أو ما شابه ذلك أن ذلك ردة صرحية‪ ،‬ولو مل يعلم صاحبه أن ما‬
‫فعله من الكفر‪ ،‬يقول ابن تيمية رمحه هللا تعاىل ِف ال فتاوى (‪ )914 /1‬عند قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ال‬
‫كفرا‪ ،‬بل ظنوا‬ ‫تعتذروا قد كفرمت بعد إميانكم ﴾ يقول‪ :‬فدل على أهنم مل يكونوا عند أنفسهم قد أتوا ً‬
‫أن ذلك ليس بكفر‪ ،‬فبني أن االستهزاء ابهلل وآايته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إميانه ‪ ..‬اه‬
‫ويقول القاضي عياض رمحه هللا تعاىل ِف الشفاء (‪ :)44٧4 /9‬اعلم أن من استخف ابلقرآن أو‬
‫املصحف أو بشي منه أو سبهما أو جحده ‪ ..‬فهو كافر عند أهل العلم إبمجاع‪ .‬اه ‪ ،‬وعد البهويت‬
‫رمحه هللا تعاىل ِف كشف القناع (‪ )441 /1‬من نواقض اإلسالم امتهان القرآن أو إسقاط حرمته‬

‫‪911‬‬
‫وأن ذلك كفر‪ .‬اه وذكر دمحم بن إمساعيل الرشيد احلنفي ِف رسالة ألفاظ الكفر (ص ‪ )99‬أن‬
‫االستخفاف ابلقرآن أو ابملسجد أو بنحوه مما يعظم ِف الشرع أنه كفر‪ .‬اه وقد كفر هللا سبحانه‬
‫هؤالء مع أهنم خرجوا غزاة وقد تركوا أوالدهم وأزواجهم وأهلهم وأوطاهنم وِف وقت شديد احلر‬
‫وح ِكم عليهم ابلردة عن اإلسالم‪ ،‬يقول هللا عز وجل‬
‫وشديد العطش ومع هذا مل يشفع ذلك هلم ُ‬
‫‪ ﴿:‬وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من انصرين* ذلكم‬
‫أبنكم اختذمت آايت هللا هزوا وغرتكم احلياة الدنيا فاليوم ال خيرجون منها وال هم يستعتبون ﴾(سورة‬
‫اجلاثية آية‪ )45-41:‬ويقول تبارك وتعاىل‪ ﴿ :‬وإذا علم من آايتنا شيئًا اختذها هزوا أولئك هلم‬
‫عذاب مهني ‪(﴾ ..‬سورة اجلاثية آية‪ )2:‬واالستهانة بكتاب هللا استهانة بقائله سبحانه وتعاىل ألن‬
‫كالم هللا سبحانه صفة من صفاته‪ ،‬إذ الكالم ِف الصفات فرع عن الكالم ِف الذات‪ ،‬يقول‬
‫النووي رمحه هللا تعاىل ِف روضة الطالبني (‪ :)11/4٧‬واألفعال املوجبة للكفر هي اليت تصدر عن‬
‫عمد واستهزاء ابلدين صريح‪ .‬ونقل القرطيب ِف تفسريه وهو يشرح موقف املستهزئني ِف غزوة تبوك‬
‫جادا أو هازال وهو كيفما كان كفر‬ ‫قول ابن العريب إذ يقول‪ :‬ال خيلو أن يكون ما قالوه من ذلك ً‬
‫فإن اهلزل ابلكفر كفر وال خالف فيه بني األمة‪ ،‬فإن التحقيق أخو العلم واحلق‪ ،‬واهلزل أخو الباطل‬
‫واجلهل‪ .‬اه ‪ .‬وليُعلم أن هللا سبحانه وتعاىل مزق ملك األكاسرة كل ممزق وأزال ملكهم ملا سخروا‬
‫بكتاب رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فكيف بكتاب هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬وإن الساكتني عن إقامة حد هللا تعاىل‬
‫هبؤالء وهم قادرون على ذلك أهنم مثلهم وجدير أن ميزق هللا حكمهم ويشتت مشلهم كما فعل‬
‫بغريهم‪ ،‬وهم بفعلهم هذا شريكون ِف اإلمث‪ ،‬يقول هللا سبحانه وتعاىل‪ ﴿ :‬وقد نزل عليكم ِف‬
‫الكتاب أن إذا مسعتم آايت هللا يكفر هبا ويستهزأ هبا فال تقعدوا معهم حىت خيوضوا ِف حديث‬
‫غريه إنكم إذن مثلهم ‪(﴾ ..‬سورة النساء اآلية‪.)41٧:‬‬
‫وأخريا ‪ ..‬ليعلم الرويشد وغريه أنه هبذا الفعل ارتد عن اإلسالم وثبت كفره‪ ،‬وجيب على ويل أمر‬
‫البلد اليت ينتمي إليها هذا املرتد وأمثاله أن ينفذ فيه حكم هللا تعاىل وهو القتل بال استتابة‪ ،‬ألنه‬
‫أصبح بفعله هذا زندي ًقا والزنديق ال تقبل توبته عند العلماء وألن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أهدر دم القينتني اللتني‬
‫احدا إلقامة‬
‫كانتا تغنيان هبجائه عليه الصالة والسالم‪ .‬وإننا هنيب بعلماء الشريعة أن يقفوا ص ًفا و ً‬
‫حد هللا ِف هذا الطاغوت وأمثاله وأال يتساهلوا ِف ذلك‪.‬‬
‫نسأل هللا جلت قدرته أن ينصر من نصر الدين وأن خيذل من خذل الدين‪ ،‬إنه وحده القادر‬
‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أماله فضيلة الشيخ أ‪ .‬محود بن عقالء الشعي يب ‪ 4199 /4 /4‬ه‬

‫‪912‬‬
‫املليفي(‪)4‬‬ ‫حمادثة الشيخ محود رمحه هللا مع األستاذ دمحم‬
‫ما هو احلديث الذي دار بينك وبني العالمة الشعييب ؟‬
‫اتصل بنا عالمة القصيم فضيلة الشيخ محود العقال الشعييب صاحب الفتوى الشهرية هبدر دم‬
‫املطرب عبدهللا رويشد ودار بيننا احلوار التايل ‪:‬‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا اي ولدي معك أخوك أبو عبد هللا محود العقال الشعييب! فقلت له اي شيخ‬
‫يل الشرف وهللا وكان األوىل أن خترب تالميذك ألتصل أان بك‪،‬فرد علينا متواضعاً بقوله ‪:‬ال فرق اي‬
‫أخ دمحم بيين وبينك إال فارق السن فقط !‬

‫فعل ابطل ومشني حبق بن عمري‬

‫وأان أتصل بك بعدما قرأ علينا الطلبة عندي مقاالتك الطيبة ِف الذب عن دين هللا‪،‬ولقد قرأوا علي‬
‫آخر مقالني كتبتهما عن دمحم العوضي‪،‬وأان أود أن أستفسر منك هل صحيح أن دمحم العوضي قد‬
‫قال عن الصحايب اجلليل (مصعب بن عمري) هنع هللا يضر أنه كان مائعاً وعرض ِف عرضه؟ فقلت له األمر‬
‫ليس كذلك اي شيخ محود‪..‬ولكن العوضي قال للناس ِف حلقة خمصصة عن املخنثني أبنه ِف احللقة‬
‫القادمة وما دمنا نتكلم ِف ساعة صرحية سوف أفصح عن سفري عريب كان ِف قمة النعومة ‪ ..‬وما‬
‫دمنا ِف فضائية كويتية فلسوف أقول لكم أيضاً أنه سفري خليجي أيضاً ! ‪ ،‬مث أنه بعد أن انتظر‬
‫الناس أسبوعاً كامالً يتلهفون مساع خرب هذا السفري ‪ ..‬قال أنه مصعب بن عمري! فقال الشيخ‬
‫محود العقال أعوذ ابهلل هذا تعريض صريح بسمعة هذا الصحايب وهذا الفعل ابطل ومشني ‪..‬‬
‫فقلت له ولكن العوضي اعتذر عن فعلته هذه وقال ِف حلقاته املقبلة أبنه قصد اإلاثرة ولكنه مل‬
‫يكن موفقا البتة ِف تلك احللقة وأنه اندم ويستغفر هللا على ما بدر منه خبطأ غري مقصود وأن مقام‬
‫الصحابة حمفوظ ‪.‬‬

‫ال جيوز حماورة املخنثني واللوطيني‬

‫واتبع الشيخ محود العقال ‪ :‬وهل صحيح أن العوضي أيت ابملخنثني واللوطيني وأخذ حياورهم علناً‬
‫أمام الناس وكان يتلطف معهم وميازحهم؟ فقلت له نعم وهللا صحيح‪ ،‬وهو يقول أبن هذه ظاهرة‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬املصدر‪ :‬جملة األايم والناس ‪ -‬العدد العاشر‪ -‬اغسطس ‪ 9٧٧4‬م ‪ -‬ص ‪.11-11‬‬

‫‪913‬‬
‫موجودة ِف جمتمعنا الكوييت وجيب معاجلتها ! فقال الشيخ محود العقال الشعييب ولكن فعله هذا‬
‫ليس معاجلة بل طريقته هذه هي إشاعة هلذا املنكر وهو أتليف للناس على وجود هذا املنكر بينهم‬
‫‪ ،‬وديننا اإلسالمي ليس فيه مناقشة أمور الفاحشة واحلرام والرذيلة أمام الناس وهذا ال جيوز ِف دين‬
‫ف أَذَاعُوا بِِه ۖ َولَْو‬ ‫هللا أبداً وهللا تعاىل يقول ِف سورة النساء ‪( :‬وإِذَا جاءهم أَمر ِمن ْاألَم ِن أَ ِو ا ْخلو ِ‬
‫َْ‬ ‫َ َ َُ ْ ْ َ ْ‬
‫ضل َِّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرس ِ‬
‫ول َوإِ َ َٰىل أ ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َعلَْي ُك ْم َوَر ْمحَتُهُ‬ ‫ُويل ْاأل َْم ِر مْن ُه ْم لَ َعل َمهُ الذ َ‬
‫ين يَ ْستَ ْنبطُونَهُ مْن ُه ْم ۗ َولَ ْوَال فَ ْ ُ‬ ‫َرُّدوهُ إ َىل َّ ُ‬
‫َالتَّبَ ْعتُ ُم الشَّْيطَا َن إَِّال قَلِ ًيال)[سورة النساء ‪]٧4‬‬

‫حتذير شديد اللهجة‬

‫ال جيوز حملمد العوضي أن خيرج على الناس عرب هذا اجلهاز املرئي ويقول هلم إن الناس قد هلكت‬
‫هبذه املنكر مث جيالس أهل هذا املنكر الذين ليس هلم دواء ِف ديننا اإلسالمي إال أن يرموا من‬
‫شاهق اجلبل ‪ ،‬نعم وهللا ال جيوز له أن يهلك الناس ويشيع بينهم احلديث عن تفاصيل هذا الفعل‬
‫حبجة أن بعض األخباث قد ابتلوا به مث جيعل هذا املنكر شائعا بني الناس واحلديث الصحيح يقول‬
‫(من قال هلك الناس فهو أهلكم)(‪ )4‬فبارك هللا فيك اي أخ دمحم املليفي أخرب العوضي على لساين‬
‫وقل له يقول لك محود العقال الشعييب إن مل تكف عن هنجك هذا فلسوف أصدر بياانً فيك حنذر‬
‫الناس من ضاللك واحنرافك ! فقلت للشيخ هل تسمح يل أن أنقل وعيدك له عرب الصحيفة فقال‬
‫نعم وهللا امسح ولسنا خنشى وهللا ِف قول احلق لومة الئم ‪ ..‬مث سلم علينا وغلق اهلاتف ‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪. )9194( - 442‬‬

‫‪914‬‬
‫دم الرويشد‪ ...‬حوار مع الشيخ العقال‬
‫بقلم‪ :‬دمحم العوضي‪)4()9٧٧4/1/44( -‬‬
‫اتصل بنا بعض طلبة العلم والدارسني ِف جامعة اإلمام دمحم بن سعود فرع القصيم يبلغوان رسالة‬
‫شفوية وعتباً من فضيلة الشيخ محود العقال الشعييب‪ ،‬أحد فقهاء القصيم والرئيس السابق لقسم‬
‫العقيدة ِف جامعة اإلمام‪ ،‬وصاحب الفتوى املشهورة ِف املغين عبدهللا الرويشد‪ ،‬وِف متام الساعة‬
‫(‪ 4٧،)5‬أمس الثالاثء‪ ،‬هاتفت الشيخ العقال‪ ،‬وبعد تبادل السالم‪ ،‬وقبل ان اسأله عن شبهة‬
‫واشاعة اهدار الشيخ لدم الرويشد بدأت بنفسي وطلبنا مساع نصيحة الشيخ ومالحظاته اليت نقلها‬
‫لنا بعض تالمذته لإلستفادة منه ونفي بعض ما وصل الشيخ من مالحظات غري صحيحة وللعلم‬
‫فإن الشيخ العقال ِف الثمانني من عمره‪ ،‬ومكفوف البصر‪ ،‬لكنه مطلع بشكل جيد على االمور‬
‫بشكل أكثر من كثري من املبصرين‪.‬‬
‫قال الشيخ بكل تواضع‪ ،‬اننا نسمع عنك كل خري‪ ،‬وعن مواقفك املشرفة ِف نصرة اإلسالم‪ ،‬لكن‬
‫اساءان ما بلغنا عن ذكرك مصعب بن عمري ِف حلقة «اجلنس الثالث» ِف التلفزيون‪ ،‬شكرت‬
‫الشيخ على غريته وعلى نصحه وحرصه على أحد ابنائه‪ ،‬لكين طلبت من فضيلته أن أشرح له‬
‫الصورة الكاملة للموضوع قال تفضل‪ :‬فقلت‪ :‬ترجع أمهية طرحي ملوضوع «اجلنس الثالث»‬
‫ألسباب عدة‪:‬‬
‫‪ 4‬ألن قنوات فضائية عدة طرحت املوضوع بشكل حواري من غري حسم وكشف لعوار هذه‬
‫الفئة وكأن وجود هذه الشرحية السيئة أمر طبيعي وغري مستهجن وبعضهم أخذ صيغة تربيرية وغيَّب‬
‫فيها احلكم الشرعي عن املشكلة‪.‬‬
‫‪ 9‬الظاهرة آخذة ِف االنتشار‪.‬‬
‫‪ 4‬أصبحوا يعلنون عن أنفسهم جماهرة وصار هلم مطاعم خاصة‪ ،‬واسرتاحات وحالقون وعيادات‬
‫وبعض االسواق‪.‬‬
‫‪ 1‬ألهنم انتقلوا من العمل التلقائي اىل عمل تنظيمي‪.‬‬
‫‪ 5‬ألهنم مسنودون ِف بعض البالد العربية من مراكز النفوذ‪.‬‬
‫‪ 1‬النه ال توجد أحكام أمنية وقانونية لردعهم‪ ،،،‬اخل‪ ،‬مث ذكرت للشيخ اننا طرحنا املسألة بشيء‬
‫من التفصيل مع حكم الشرع فيهم وكالم الفقهاء ‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬أصل املقالة نشر ِف جريدة الرأي العام الكويتية ِف اتريخ ‪ 9٧٧4/1/44‬ولكن العدد أحرتق!!! مث وجدته منشور‬
‫ِف منتدى "سوالف للجميع" بعنوان (بني الشيخ محود العقال الشعييب و الشيخ دمحم العوضي – حفظهما هللا)‬

‫‪915‬‬
‫وبينا اننا مل نقل ان الصحايب كان من اجلنس الثالث‪ ،‬ولكن اخلطأ وقع ِف طريقة العرض واالاثرة‬
‫أبن سفريا مرتفا ِف جزيرة العرب سنذكره كيف حتول ِف حياته إىل شيء آخر‪ ،،،‬هذا اللبس الذي‬
‫أربك البعض مع اننا ذكران قصة مصعب هنع هللا يضر وجهاده وشرفه وكيف ان العقيدة كفيلة ان جتعل‬
‫اإلنسان ينتقل من حياة النعيم والدالل اىل اجلهاد وشظف العيش‪ ،،،‬وأكثر ما اثلج قلب الشيخ‬
‫اخباران له‪ :‬أبننا اعتذران مرتني ِف مقالتني نشرت أحدامها جريدة «الرأي العام» والثانية ِف‬
‫«الشرق» القطرية كما اننا أعلنا مرتني ِف التلفاز عن هذا اخلطأ واستغفران هللا تعاىل من عدم‬
‫االتقان ِف عرض القصة‪ ،‬فقال الشيخ مشجعا‪ :‬هذا حيسب لك‪ ،‬وتكلم الشيخ عن معركة االسالم‬
‫احلالية مع املدرسة العقلية والصحافية ووجوب توحيد اجلهود ِف ذلك‪.‬‬
‫دم الرويشد ‪:‬‬
‫ومل اترك فرصة حديثي مع الشيخ متر‪ ،‬بل أحببت ان ازيل لبسا ِف الساحة الكويتية‪ ،‬وهي االشاعة‬
‫اليت تقول ان الشيخ أهدر دم الرويشد‪ ،‬قال الشيخ‪ :‬ان فتواي ال تتضمن هذا االمر اطالقا بل ال‬
‫جيوز ألحد ان يعتدي على آحاد الناس أبي حجة وأن هذا واجب السلطات‪ ،‬كما بني الشيخ‬
‫لبسا آخر وقع فيه بعض من تصدى ملوضوع االقتباس والتضمني آلايت هللا ِف الشعر‪ ،‬فقال‬
‫الشيخ‪ :‬هذا اجازه الفقهاء ان كان املعىن املقصود من الشعر حسنا‪ ،‬لكن مل يقل احد من فقهاء‬
‫االمة جبواز تضمني اآلايت ِف جمال التلحني والغناء‪ ،‬شكرت الشيخ على منحه لنا بعضا من وقته‬
‫الثمني وستكون لنا زايرة قريبة له إبذن هللا لالستفادة من علمه وخربته ِف احلياة‪.‬‬

‫‪916‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫اجلواب على خطاب خطباء اجلوامع ابجلزائر‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني‪.‬‬
‫إىل اإلخوة خطباء اجلوامع من أهل السنة ِف مدينة اجلزائر‪ -‬حفظهم هللا‪-‬‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪ ...‬وبعد‪...‬‬
‫تذكرون ِف خطابكم الذي بعثتموه إيل ومؤرخ بتاريخ ‪ 1‬من مجادى اآلخرة عام ‪4194‬ه ‪ ،‬واملرفق‬
‫به عرض وحبث علمي‪ ،‬والواصل إلينا بتاريخ ‪4194/2/2‬ه ‪ :‬أنكم اُبتليتم أنتم أئمة مساجد مدينة‬
‫درس بني يدي خطبة اجلمعة‪ ،‬وتذكرون أنكم‬ ‫اجلزائر وأُجربمت على بدعة حمدثة ِف الدين وهي إقامة ٍ‬
‫جمربون على فعله وإال فُصلتم من اخلطابة‪ ،‬وأن هذه اخلطة كانت من أجل إجلاء خطباء أهل السنة‬
‫‪ -‬وهم كثريون ِف العاصمة‪ -‬إىل االستقالة‪ -‬من أنفسهم‪ -‬عن اخلطابة ليحل مكاهنم أهل البدع‪.‬‬
‫وأنكم طرحتم القضية فيما بينكم فكان رأيكم أن تلتزموا ابلدرس حفاظًا على عقيدة األمة وحفاظًا‬
‫على املنابر اليت يعتليها أهل البدع واإلحلاد والشرك‪ ،‬وأنكم بنيتم اختياركم هذا على أدلة شرعية من‬
‫نصوص نقلتموها عن بعض الصحابة كتميم الداري وأيب هريرة إبقرار الصحابة املعاصرين هلم‬
‫ابلتذكري والدرس بني يدي اخلطبة‪ ،‬وأنه فِ ْعل بعض العلماء من السلف وذكرمت أمساءهم‪.‬‬
‫استنادا إىل ما قرره شيخ اإلسالم‬
‫ً‬ ‫اعد و ٍ‬
‫أصول ِف املوازنة بني املصاحل واملفاسد‬ ‫أيضا على قو َ‬‫وبنيتموه ً‬
‫ابن تيمية ِف كتبه كالفتاوى واقتضاء الصراط املستقيم واالستقامة‪ ،‬وأنكم كتبتم ذلك إلينا خبطابكم‬
‫املذكور تطلبون بذل مشورتنا‪ ،‬وهل أصبتم ِف اختياركم‪ ،‬فنقول‪ :‬نفيدكم أنه بناء على ما ورد من‬
‫اآلاثر وما تقتضيه القواعد األصولية اليت تبحث ِف املوازنة بني املصاحل واملفاسد فالذي يتضح لنا‬
‫أن رأيكم االلتزام هبذه األمور موافق للصواب‪ .‬وأنه‪ -‬وإن كان خمال ًفا لبعض آراء فقهاء األمة‪ -‬إال‬
‫أنه يرتتب عليه مصاحل أكرب من املفاسد‪ ...‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أماله فضيلة الشيخ‪ /‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫األستاذ‪ -‬ساب ًقا‪ -‬جبامعة اإلمام دمحم بن سعود اإلسالمية ابلقصيم‬
‫‪4194/2/41‬ه‬

‫‪917‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫فتوى يف حكم الصالة على امليت الغائب‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني وبعد ‪.‬‬
‫فقد وردان سؤال من بعض شباب املدينة املنورة هذا نصه ‪:‬‬
‫ما حكم الصالة على امليت الغائب ؟ وإذا كان ِف املسألة خالف فنرجوا بيانه ‪ ،‬مع ذكر الراجح‬
‫من أقوال العلماء ِف املسألة ؟ وهللا حيفظكم ‪..‬‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫احلمد هلل ‪ ،‬لقد أختلف علماء األمة ِف حكم الصالة على امليت الغائب على أقوال سأبينها إن‬
‫شاء هللا فيما أييت ‪ ،‬لكن ينبغي أن يُعلم أن األصل ِف مشروعية الصالة على امليت الغائب فعله‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص ِف صالته على النجاشي ‪ ،‬القول األول من أقوال العلماء مشروعية الصالة على الغائب‬
‫مطلقا سواء أديت عليه الصالة حاضرا أو مل يصلى عليه مطلقا ‪ ،‬وهذا عليه طائفة من العلماء ‪،‬‬
‫منهم اإلمام ابن حزم وغريه حيث قال ِف احمللى ‪ 412/5‬رقم ‪ 14٧‬قال ‪ :‬ويصلى على امليت‬
‫الغائب ‪ ،‬وقد صلى رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص على النجاشي ‪ ،‬وصلى معه أصحابه صفوفا ‪ ،‬وهذا إمجاع‬
‫منهم ال جيوز تعديه ا ه ‪ .‬وقال أيضا ِف احمللى ‪ 442/5‬رقم ‪ 5٧٧‬بعدما ذكر صالة الرسول صلى‬
‫هللا عليه وسلم على النجاشي وأنه أمر هبا قال ‪ :‬فهذا أمر رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وعمله وعمل مجيع‬
‫أصحابه فال إمجاع أصح من هذا ‪ .‬ا ه‬

‫والقول مبنع الصالة على الغائب مطلقا خالف السنة و خالف عمل الصحابة ‪ ،‬قال ابن حزم ِف‬
‫احمللى ( ‪ 442/5‬رقم ‪ : ) 5٧٧‬ومل جيئ قط عن أحد من الصحابة أنه زجر عن هذا أو أنكره (‬
‫أي الصالة على الغائب ) اه ‪.‬‬

‫وهذا هو الذي عليه العمل القدمي وهو عمل الصحابة ولكن حدث خالف بني التابعني فيما بعد‬
‫ِف ذلك على ثالثة أقوال كما تقدم ‪.‬‬
‫القول األول ‪ :‬الصالة مطلقا على كل غائب صلي عليه أو مل يصل عليه وهو قول الشافعي وأمحد‬
‫رمحهما هللا وأصحاهبما ( الفتح الرابين ‪ ، 999/1‬نيل األوطار ‪ ، 55/1‬جمموع النووي ‪، 954/5‬‬
‫اإلفصاح البن هبرية ‪. ) 4٧1/4‬‬

‫‪918‬‬
‫القول الثاين ‪ :‬أنه خاص ابلنيب ملسو هيلع هللا ىلص وال يكون ألحد بعده ‪ ،‬فمنعوا الصالة على الغائب مطلقا ‪،‬‬
‫وهو قول مالك وأيب حنيفة رمحهما هللا واصحاهبما ( املراجع السابقة ) ‪.‬‬

‫القول الثالث ‪ :‬التفصيل وهو الصالة على الغائب إذا مل يصل عليه ‪ ،‬وهذا القول هو القول‬
‫الراجح الذي تدل عليه األدلة وهي‪:‬‬
‫(‪ )4‬أنه فعل الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ِف صالته على النجاشي وصالة الصحابة معه ‪.‬‬
‫(‪ )9‬إمجاع الصحابة وعدم منعهم من الصالة على الغائب ‪ ،‬إذ لو كانت خاصة ابلرسول صلى‬
‫هللا عليه وسلم ملنعوا ذلك ‪ ،‬قال ابن حزم ِف احمللى ‪ :‬ومل جيئ قط عن أحد من الصحابة أنه زجر‬
‫عن هذا أو أنكره ( أي الصالة على الغائب ) ‪ .‬اه‬

‫أما القول ابخلصوصية فهذا خالف األصل ‪ ،‬إذ إن األصل عدم اخلصوصية بل التأسي واالقتداء به‬
‫‪ ،‬قال تعاىل ( لقد كان لكم ِف رسول هللا أسوة حسنة)(سورة األحزاب اآلية‪ ، )94:‬وقال صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪ ( :‬صلوا كما رأيتموين أُصلي )(‪ ، )4‬وقد رأيناه يصلى على غائب مل يصل عليه ‪،‬‬
‫فنُصلي على الغائب الذي مل يصل عليه فقط ‪.‬‬
‫أما القول األول وهو الصالة مطلقا فريده أن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص توِف أبيب هو وأمي فلم يصل عليه صالة‬
‫الغائب وكذا اخللفاء الراشدون والعلماء املرضيون واألئمة املهديون ‪،‬قال ابن القيم رمحه هللا ‪ :‬ومل‬
‫يكن من هديه وسنته الصالة على كل ميت غائب ‪ ،‬فقد مات خلق كثري من املسلمني من‬
‫الصحابة وغريهم وهم غُيب فلم يصل عليه اه ( زاد املعاد ‪ ، ) 411/4‬وقال ابن الرتكماين ِف‬
‫اجلوهر النقي ‪ 54/1‬قال ‪ :‬أنه مل ينقل أن النيب صلى على من مات من أصحابه ومل ينقل أنه‬
‫صلى املسلمون على اخللفاء األربعة وغريهم ‪.‬‬
‫والقول الثالث الذي رجحناه قال به واختاره من العلماء أبو داود صاحب السنن حيث قال ِف‬
‫سننه من كتاب اجلنائز ابب الصالة على املسلم ميوت ِف بالد الشرك ‪ ،‬واختاره اخلطايب حيث قال‬
‫ِف معامل السنن ‪ : 91٧/4‬النجاشي رجل مسلم قد آمن برسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وصدقه على نبوته إال إنه‬
‫كان يكتم إميانه واملسلم إذا مات وجب على املسلمني أن يصلوا عليه إال إنه كان بني ظهراين أهل‬
‫الكفر ومل يكن حبضرته من يقوم حبقه ِف الصالة عليه فلزم رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص أن يفعل ذلك إذ هو نبيه‬
‫ووليه وأحق الناس به ‪ ،‬فهذا وهللا أعلم هو السبب الذي دعاه إىل الصالة عليه بظهر الغيب ‪،‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )1٧٧٧‬‬

‫‪919‬‬
‫فعلى هذا إذا مات املسلم ببلد من البلدان وقد قُضي حقه ِف الصالة عليه فإنه ال يصلى عليه من‬
‫كان ببلد آخر غائباً عنه فإن علم أنه مل يصل عليه لعائق أو مانع عذ ٍر كانت السنة أن يصلى عليه‬
‫وال يرتك ذلك لبعد املسافة ‪ ..‬مث رد على من خصص الفعل برسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قائال ‪ :‬ألن رسول هللا‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص إذا فعل شيئاً من أفعال الشريعة كان علينا متابعته واالقتداء به والتخصيص ال يُعلم إال بدليل‬
‫فعلمت إن هذا التأويل‬
‫َ‬ ‫‪ ،‬ومما يبني ذلك أنه ملسو هيلع هللا ىلص خرج ابلناس إىل املصلى فصف هبم فصلوا معه‬
‫فاسد ‪ .‬اه ‪.‬‬
‫واختاره أيضا شيخ اإلسالم ابن تيميه فيما نقله عنه ابن القيم ِف زاد املعاد ‪ 415/4‬قال ‪ :‬قال ابن‬
‫صلى النيب صلى هللا‬ ‫صلي عليه كما َ‬ ‫تيميه ‪ :‬الصواب أن الغائب إن مات ببلد مل يصل عليه فيه ُ‬
‫صلي حيث مات مل يصل‬ ‫عليه وسلم على النجاشي ‪ ،‬ألنه مات بني الكفار ومل يصل عليه ‪ ،‬وإن ُ‬
‫عليه صالة الغائب ‪ ،‬ألن الفرض سقط بصالة املسلمني عليه اه وهي رواية عن اإلمام امحد ِف‬
‫اإلنصاف ‪ : 544/9‬وقيل يصلى عليه إن مل يكن صلي عليه وإال فال ‪ ،‬اختاره الشيخ تقي الدين‬
‫وابن عبدالقوي وصاحب النظم وجممع البحرين اه واختاره أيضا ابن القيم ‪.‬‬
‫أما ما يُروى عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أنه صلى على الصحايب معاوية ابن أيب معاوية فال يصح ‪ ،‬قال ابن‬
‫القيم ِف زاد املعاد ‪ : 415/4‬وما روي أنه صلى على الصحايب معاوية ابن أيب معاوية صالة‬
‫غائب فال يصح ‪ ،‬وقال ابن عبدالرب والبيهقي والذهيب ‪ :‬إن أسانيد أحاديث صالته على معاوية‬
‫بن أيب معاوية ليست ابلقوية ( عون املعبود ‪. ) 42/2‬‬
‫ومن املعلوم أن املقاصد الشرعية من الصالة على الغائب هي الدعاء واالستغفار له كما روى أبو‬
‫هريرة قال ‪ :‬نعى رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص النجاشي ألصحابه ‪ ،‬مث قال ‪ :‬استغفروا له ‪ ،‬رواه أمحد ( املسند‬
‫‪ ، ) 592 ، 914/9‬وقال ابن القيم ِف زاد املعاد ‪ : 414/4‬ومقصود الصالة على اجلنازة هو‬
‫الدعاء للميت اه ‪ .‬ولكن مما أُحدث ِف األزمنة املتأخرة وهو جعل صالة الغائب صالة مدح‬
‫وتكرمي وصالة جماملة وأتييد ‪ ،‬فخرجت عن مقاصدها الشرعية اليت ُشرعت من أجلها إىل هذه‬
‫صلي على من‬ ‫األمور احملدثة ‪ ،‬وقد قال ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬من عمل عمال ليس عليه أمران فهو رد )(‪ )4‬بل ُ‬
‫أمر هللا بعدم الصالة عليه ‪ ،‬كما قال تعاىل ( وال تصل على أحد منهم مات أبدا وال تقم على قربه‬
‫)(سورة التوبة اآلية‪ ، )٧1:‬قال ابن رشد ‪ :‬أمجع العلماء على ترك الصالة على املنافقني مع‬
‫تلفظهم ابلشهادة اه ( بداية اجملتهد ‪. ) 942/4‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم (‪. )414٧‬‬

‫‪911‬‬
‫وصلي على من حارب هللا ورسوله وصد عن سبيل هللا وحكم بغري شرعه ووآىل أعداء اإلسالم ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وال حول وال قوة إال ابهلل ‪ ،‬ولو كان من مقاصد صالة اجلنازة التكرمي واملدح والثناء وإظهار املكانة‬
‫لكان أوىل الناس هبا املصطفى ملسو هيلع هللا ىلص عند موته واخللفاء الراشدين من بعده واألئمة املهديني من‬
‫بعدهم ‪.‬‬
‫هذا ونسأل هللا أن يهدينا ملا اختلف فيه من احلق إبذنه إنه على كل شيء قدير ‪ ،‬وصلى هللا على‬
‫نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني ‪..‬‬
‫أماله فضيلة الشيخ‬
‫أ‪ .‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪ 4194 /44 /4٧‬ه‬

‫‪911‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫حكم النوادي النسائية‬
‫فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب حفظه هللا من كل سوء‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‬
‫تتوجه أقالم جمموعة ابلية مدسوسة ‪ ..‬تكيد لنسائنا وبناتنا وأبنائنا ‪ ..‬لتخرج نسائنا وبناتنا من‬
‫بيوهتن اململوءة ابخلري والعفة إىل مواقع الرذيلة واالنسالخ من العفة ‪ ..‬تلك هي النوادي النسائية‬
‫املزعومة ‪ ..‬فلو أحتفتنا اي شيخنا الفاضل برسالة عامة تزيل هبا الغمة وتدرأ هبا الفتنة ‪ ..‬نفع هللا بك‬
‫اي شيخنا ‪ ..‬وجعل ما تقوله ِف ميزان حسناتك ‪ ..‬آمني ‪.‬‬
‫الـجـواب ‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني ‪ ..‬أما بعد‪.‬‬
‫فإنه ال خيفى على اجلميع تلك الثورة الفاسدة املفسدة اليت يقوم هبا أهل العلمنة واإلفساد ‪..‬‬
‫والذين ما فتئوا يبحثون عن أي طريق يسلكونه حىت يدخلوا هبا على نسائنا إلفسادهن وإخراجهن‬
‫من بيت العفة والفضيلة ‪.‬‬
‫واملتعني على أهل العلم والدين أال يدعوا هلؤالء الفرصة أبن يقضوا على الدين ابسم الدفاع عن‬
‫املرأة ‪ ..‬وإين ألعجب من عموم املسلمني كيف يرتكون هؤالء وما يريدونه ‪.‬‬
‫وال خيفى أن النوادي الرايضية النسائية اليت يطالب هبا هؤالء هي إحدى الطرق املسلوكة من قبل‬
‫أولئك السقط إلظهار املرأة املسلمة بصورة املرأة الغربية قلبا وقالبا ‪ ،‬أولئك النفر الذين يريدون‬
‫إخراجها إىل مواطن الفساد والبغاء ابسم حتريرها ‪ ،‬وأن جيعلوها سلع ة يتزايد هبا الفجار لقضاء‬
‫رغباهتم وشهواهتم البهيمية ‪ ،‬وأي كرامة وأي حرية وأي إعزاز للمرأة إبخراجها إىل تلك النوادي‬
‫املفسدة ‪ ،‬نوادي التفسخ واالختالط واالحنطاط ؟ ما هو الربح من أن جنعل املرأة املسلمة العفيفة‬
‫عارية خمتلطة ابألجانب ؟!! روى أبو داود رمحه هللا أن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص قال ‪ ( :‬ما من امرأة ختلع ثياهبا‬
‫ِف غري بيتها إال هتكت ما بينها وبني هللا تعاىل )(‪. )4‬‬
‫وال شك أن املقصود من إخراجها إىل هذه النوادي الفاسدة خمالفة ملقصود الشارع من صيانة املرأة‬
‫عما يشينها ‪ .‬وال خيفى أن هللا سبحانه وتعاىل أسقط الواجبات عنها اليت أانطها ابلرجل من أجل‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن أيب داود (‪ )1٧4٧‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬

‫‪912‬‬
‫أن ييسر هلا صالحها ‪ ..‬مع العلم أننا نرى الشباب اليوم خصوصا ِف الرايضة يعرتيه ما يعرتيه مما‬
‫ال خيفى على اجلميع من التعري والن زول إىل بعض املنكرات اليت ال ترضي هللا ‪ ..‬فكيف تقحم‬
‫املرأة ِف ذلك وحنن نعلم ضعفها وسهولة خمادعتها واإلغرار هبا ‪ ..‬فهل املرأة ِف زماننا بلغت مبلغا‬
‫عظيما فلم ينقصها شيء إال أن تقحم ِف هذه البؤر املنتنة ‪.‬‬
‫وقد احتج من يقول ما ال يفقهه أن عائشة اهنع هللا يضر كانت تسابق الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ‪.‬‬
‫واستدالهلم على رفسادهم املرأة هبذا احلديث مردود ألمور ‪:‬‬
‫‪ -4‬أن عائشة اهنع هللا يضر مل تسابق إال زوجها ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬مع العلم أنه عليه الصالة والسالم أمر أصحابه أن‬
‫يتقدموا حىت ال تقع أبصارهم عليها ‪.‬‬
‫‪ -9‬أن تلك املسابقة لو كانت مقصودة للرايضة لوصلنا أن عائشة وغريها من نساء املسلمني كن‬
‫على ذلك املنوال املتكرر من املسابقة ‪ ،‬مع العلم أن سباق الرجال ابخليل وغريه مشهور عند‬
‫العرب ِف اإلسالم وقبله ‪ ..‬ومل جييء أهنا اهنع هللا يضر كررهتا إال مرة واحدة ‪ .‬وهذا يبي ن أن الرايضة مل يكن‬
‫مقصود سباقها مع رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ‪.‬‬
‫‪ -4‬لو كان السباق مشروعا للمرأة ‪ ،‬ألمرت املرأة أن ترمل ِف املطاف واملسعى مثل الرجال ‪.‬‬
‫ومع ذلك نرى نساء املسلمني يشتكني ممن يؤذيهن ابملعاكسات واملضايقات ِف أسواقهن ‪..‬‬
‫فكيف لو خرجن إىل النوادي ؟؟!!‬
‫وأخريا ‪ ..‬يقول هللا عز وجل لنساء نبيه عليه الصالة والسالم {وقرن ِف بيوتكن وال تربجن تربج‬
‫اجلاهلية األوىل}(سورة األحزاب آية‪ )44:‬وهن العفيفات الطاهرات املربآت من كل سوء ‪ .‬ويقول‬
‫عليه الصالة والسالم ‪ ( :‬املرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان )(‪ )4‬رواه الرتمذي ‪.‬‬
‫فعلى املرأة املسلمة أن هتتم بكتاب هللا فتقرأه و تتدبره ‪ ..‬وتدع عنها ما يكاد هلا وما يراد منها ‪..‬‬
‫وعليها أن هتتم أببنائها و بيتها وبعلها وتدع عنها االهتمامات اليت تروج هلا عن طريق أعداءها ‪..‬‬
‫ولْتعلم أن هللا عز وجل أمنها أمانة سيسأهلا عنها يوم القيامة فال تضيعها ‪ ..‬وعليها أن تقوم ابألمر‬
‫ابملعروف والنهي عن املنكر ِف األماكن اليت ال يصل إليها الرجال ‪.‬‬
‫نسأل هللا عز وجل أن يرد كيد أعداء الدين إىل حنورهم ‪ ..‬وأن ميكر هبم كما مكروا بنساء‬
‫املسلمني ‪ ..‬وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫أماله أ‪ .‬محود بن عقالء الشعييب ‪4194/1/44‬ه‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن الرتمذي (‪ )4414‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬

‫‪913‬‬
‫حكم هتنئة الكفار أبعيادهم وفوزهم ابالنتخاابت‬
‫سئل فضيلة الشيخ ‪ /‬محود بن عبدهللا بن عقالء الشعييب عن حكم هتنئة الكفار أبعيادهم وفوزهم‬
‫ابالنتخاابت ‪.‬‬
‫اجلواب ‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني ‪ ..‬وبعد‬
‫فإن هتنئة الكفار والتربيك هلم مبناسبة إعتالئهم املناصب أمر حمرم شرعا ألن ذلك ركون إليهم‬
‫ومواالة هلم ‪ ،‬ومناقض للوالء والرباء الذي هو أصل من أصول الدين ألهنم أعداء هلل ودينه ورسله ‪،‬‬
‫ال سيما إن كان الكافر الذي ترفع له التهاين جمرم حرب ما زالت يداه تقطر من دماء املسلمني‬
‫كالطاغية رئيس االحتاد الروسي الذي والعياذ ابهلل يتحدى رب العاملني قائال ( سنستمر ِف احلرب‬
‫ولو لزم األمر حماربة هللا حلاربناه ) فيجب على كل مسلم بغض هذا وأمثاله ومعاداهتم وبذل الغايل‬
‫والنفيس ِف سبيل حرهبم وجهادهم والبعد عن الركون إليهم ومواالهتم ألن ِف الركون إليهم تعرض‬
‫لغضب هللا وعقابه ‪.‬‬
‫قال تعاىل { وال تركنوا إىل الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون هللا من أولياء مث ال‬
‫تنصرون }(سورة هود آية‪ . )444:‬والقرآن الكرمي مليء ابآلايت اليت حتذر من مواالة الكافرين‬
‫والركون إليهم وحتكم على من توالهم أنه منهم ‪ ،‬قال تعاىل ‪ { :‬اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا‬
‫اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتوهلم منكم فإنه منهم }(سورة املائدة آية‪. )54:‬‬
‫والرباءة من الكافرين أمر ال يستقيم إميان العبد إال بتحقيقه ‪ .‬ألجل ذلك تربأ أبوان إبراهيم عليه‬
‫السالم من أبيه وقومه ‪ ،‬قال تعاىل ‪ { :‬وإذ قال إبراهيم ألبيه وقومه إنين براء مما تعبدون * إال‬
‫الذي فطرين فإنه سيهدين }(سورة الزخرف آية‪ )91-91:‬وقال تعاىل ‪ { :‬قد كانت لكم أسوة‬
‫حسنة ِف إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إان بَُرآء منكم ومما تعبدون من دون هللا كفران بكم‬
‫وبدأ بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حىت تؤمنوا ابهلل وحده }(سورة املمتحنة آية‪ . )1:‬وأمثال‬
‫هذه اآلايت ِف القرآن كثرية فكيف ي ْقدم املسلم مع هذه اآلايت على تقدمي التهاين والتربيكات‬
‫ور ُسله وأعداء اإلنسانية والضمري ؟!‬
‫ألعداء هللا ُ‬
‫هذا ونسأل هللا أن يعلي كلمته وينصر جنده إنه ويل ذلك والقادر عليه وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى‬
‫آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫أماله فضيلة الشيخ أ‪ .‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪4194/4/4‬ه‬

‫‪914‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫حكم املشاركة يف احتفاالت األلفية‬
‫فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب ‪ ......‬حفظه هللا من كل سوء‬
‫ما حكم املشاركة ِف االحتفاالت األلفية وعيد مولد املسيح عليه السالم‪ ،‬وما حكم حتري هذه‬
‫املناسبة الفتتاح املشاريع واحملالت التجارية‪ ،‬وهل جيوز مشاهدة هذه احلفالت عرب وسائل اإلعالم‪،‬‬
‫وهل جتوز املشاركة ِف املسابقات املعدة هلذه املناسبة …‪ .......‬وجزاكم هللا خريا‬
‫اجلواب ‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني وبعد ‪..‬‬
‫اعلم أوال أن من أكرب أهداف اليهود والنصارى ِف بث مثل هذه احلفالت ت نصري املسلمني‬
‫وصرفهم عن دينهم اإلسالم‪ ،‬واهليمنة عليهم‪ ،‬ومن املؤسف هتافت الكثريين من املسلمني لت قليد‬
‫اليهود والنصارى وتعظيم أايمهم وأعيادهم وعاداهتم مع أهنا كلها ابطلة ِف شرعنا‪ِ ،‬ف حني أن أحدا‬
‫منهم مل يعظم شرعنا ويق لدان ِف إقامة أعيادان مع أنه هو الدين الصحيح ‪.‬‬
‫وأما املشاركة ِف إقامة مثل هذه األعياد واحلفالت املذكورة حرام ‪ ..‬ال حيل ملسلم يؤمن ابهلل ويدين‬
‫بشريعة دمحم ملسو هيلع هللا ىلص أن يشارك فيها أبي شكل من أشكال املشاركة سواء أكان ابحلضور واالجتماع‬
‫معهم أو بتبادل التهاين والتربيكات واهلدااي ‪ ..‬كل هذا حرام ال حيل ملسلم أن يفعله حاكما كان أو‬
‫حمكوما‪ ،‬ألن مشاركتهم ِف حفالهتم وأعيادهم تتضمن الركون إليهم ومواالهتم وحبهم‪ ،‬وهذه األمور‬
‫حمرمة ِف ديننا ابإلمجاع ‪ .‬قال تعاىل‪ { :‬وال تركنوا إىل الذين ظلموا فتمسكم النار }(سورة هود‬
‫اآلية‪ ،)444:‬وقال تعاىل‪ { :‬اي أيها الذين آمنوا ال تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء}(سورة املمتحنة‬
‫اآلية‪. )4:‬‬
‫وليعلم أن ِف مشاركة املسلم لليهود والنصارى ِف أعيادهم ذل وإهانة لإلسالم وحط من كرامة‬
‫املسلمني‪ ،‬وما تقوم به بعض احلكومات اإلسالمية والعربية من استعدادات على قدم وساق لبث‬
‫هذه احلفالت واألعياد ِف شىت وسائل اإلعالم منكر جيب منعه‪.‬‬
‫وأعياد اليهود والنصارى تشبه أعياد اجلاهلية‪ ،‬وفيها أواثن تعبد من دون هللا ‪ ..‬تلك الصلبان اليت‬
‫ت قام ِف مكان هذه األعياد واليت يت قلدوهنا هم‪ ،‬وأعياد اجلاهلية حرمها رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وهنى عنها‬
‫فمن ذلك أن رجال سأله فقال اي رسول هللا‪ :‬إين نذرت أن أحنر إبال ببوانة‪ .‬فقال عليه الصالة‬
‫والسالم‪ ( :‬هل كان فيها وثن من أواثن اجلاهلية يعبد؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬هل كان فيها عيد من‬

‫‪915‬‬
‫أعيادهم ؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال أوف بنذرك )(‪ ، )4‬ومفهوم احلديث أنه لو كان فيها عيد من أعياد‬
‫اجلاهلية مل جيُز هلذا الرجل أن ينحر إبله ِف هذا املكان ‪.‬‬
‫مث إن كان املسلم املشارك لليهود والنصارى ِف أعيادهم يعت قد أهنا عبادة صحيحة فهو على خطر‬
‫الوقوع ِف الكفر العتباره أن أدايهنم صحيحة‪ ،‬ودين الرسول ملسو هيلع هللا ىلص قد نسخها وأبطلها‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫{ إن الدين عند هللا اإلسالم }(سورة آل عمران آية‪ ، )42:‬وقال { ومن يبتغ غري اإلسالم دينا‬
‫فلن يقبل منه }(سورة آل عمران اآلية‪ .)٧5:‬وملا رأى رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ِف يد عمر بن اخلطاب‬
‫هنع هللا يضر نسخة من التوراة غضب وقال‪ ( :‬والذي نفسي بيده لقد جئتكم هبا بيضاء نقية ‪ ..‬والذي‬
‫نفسي بيده لو أن موسى ملسو هيلع هللا ىلص كان حيا ما وسعه إال أن يتبعين )(‪.)9‬‬
‫مث إن هللا سبحانه أعز املسلمني أبن شرع هلم أعيادا بدال من أعياد اجلاهلية‪ ،‬ومواسم للعبادة‬
‫حددها ابألشهر اهلاللية‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬يسألونك عن األهلة قل هي مواقيت للناس واحلج }(سورة‬
‫البقرة اآلية‪. )4٧2:‬‬
‫وأما حكم حتري هذه املناسبة الفتتاح املشاريع واحملالت التجارية وحكم مشاهدة هذه احلفالت‬
‫عرب وسائل اإلعالم واالشرتاك ِف املسابقات املعدة لذلك حرام ال جيوز فعله ‪ ..‬و مرتكبه مرتكب‬
‫ملنكر جيب منعه‪.‬‬
‫نسأل هللا أن يعز اإلسالم واملسلمني وينصرهم على أعدائهم ‪ ..‬وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله‬
‫وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫أماله‬
‫أ‪ .‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪419٧/2/4‬ه‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن أيب داود (‪ )4444‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )9‬مسند أمحد (‪ )45451‬وحكم األلباين حسن ‪.‬أنظر إرواء الغليل (‪. )45٧2‬‬

‫‪916‬‬
‫حكم بطاقة املرأة‬
‫فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب حفظه هللا من كل سوء‪.‬‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته وبعد ‪.‬‬
‫فمنذ سنوات والصحف احمللية تثري بني حني وآخر موضوع بطاقة املرأة‪ .‬وِف هذه األايم طفحت‬
‫كثري من الصحف مبقاالت ومقابالت عن هذا املوضوع‪ ،‬واملالحظ أهنا تطرح من طرف واحد ‪،‬‬
‫طرف املؤيد بل املتحمس هلا‪ .‬وهذا له خطورته من جهتني‪:‬‬
‫احدامها ‪ :‬ما فيه من التلبيس على الناس أن هذا هو الصواب الذي ال مرية فيه وال جمال للنقاش‬
‫فيه‪ .‬واألخرى ‪ :‬كونه يلقي ِف روع القارئ أن هذا هو رأي مجيع الناس وأنه الميكن ألحد أن‬
‫يواجهه أو خيالفه‪.‬‬
‫هلذا نرجو من فضيلتكم أن تبينوا لنا ولعامة املسلمني احلكم الشرعي فيما خيص بطاقة املرأة ‪.‬‬
‫اجلواب ‪:‬‬
‫وعليكم السالم ورمحة هللا وبركاته‪.‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على رسول هللا ‪.‬‬
‫ان منح املرأة بطاقة حتمل صورهتا منكر الجييزه الشرع يرتتب على ذلك مفاسد عظيمة دينية‬
‫وخلقية واجتماعية وفيما يلي أبني بعض هذه املفاسد‪:‬‬
‫أوال‪ :‬التصوير والكالم فيه معلوم ومشهور وهو حمرم ابتفاق العلماء ‪ ،‬فقد جاءت األحاديث‬
‫الكثرية عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص ِف الصحاح واملسانيد والسنن دالة على حترمي تصوير كل ذي روح آدميا كان‬
‫أوغريه وقد جاء الوعيد للمصورين أبهنم أشد الناس عذااب يوم القيامة ‪ ،‬ومن األحاديث الصحيحة‬
‫الواردة ِف حق املصورين‪ :‬ما جاء ِف الصحيحني عن أيب هريرة هنع هللا يضر قال ‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪(:‬‬
‫قال هللا تعاىل ‪ :‬ومن أظلم ممن ذهب خيلق كخلقي فليخلقوا ذرة أوليخلقوا حبة أوليخلقوا شعرية‬
‫)(‪ )4‬لفظ مسلم‪ .‬وهلما أيضا عن أيب سعيد هنع هللا يضر قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ (:‬ان أشد الناس عذااب‬
‫يوم القيامة املصورون )(‪ )9‬وهلما عن ابن عمر هنع هللا يضر قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ (:‬ان الذين يصنعون‬
‫هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال هلم أحيوا ما خلقتم)(‪ .)4‬لفظ البخاري‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ‪. )9444( - 4٧4‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم ‪. )94٧2( - 2٧‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )5254‬‬

‫‪917‬‬
‫وعن ابن عباس هنع هللا يضر قال‪ :‬مسعت رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص يقول‪ (:‬من صور صورة ِف الدنيا كلف أن ينفخ‬
‫فيها الروح وليس بنافخ )(‪ )4‬متفق عليه ‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬كشف املرأة وجهها عند ارادة حتقق شخصيتها اذا ال يتسىن ِف كل حال أن يتم ذلك من‬
‫قبل نساء وِف هذا من الفتنة ما ال خيفى‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬يتأكد احملذور املتقدم ِف الطرق الطويلة فهل يتوىل األمر رجال؟ أم يوظف نساء شرطيات؟‬
‫واذا وظفن فهل سيعملن جنبا اىل جنب الرجال ِف تلك املواقع النائية؟ أم سيكون حمارمهن معهن؟‬
‫ان اخليار األخري يظهر أنه على ضوء الظروف الراهنة بعيد جدا‪ ،‬وعلى أي حال أفال أنخذ عربة‬
‫مما هو حاصل ِف بعض القطاعات اليت يعمل فيها نساء جبنب الرجال‪ ،‬وكيف حيصل فيها أمور‬
‫يندى هلا اجلبني‬
‫رابعا ‪ :‬مما يلفت النظر ويقوي التخوفات أن املتحمسني هلذا الطلب واملتصدين للكتابة عنه ِف‬
‫الصحف أكثرهم أانس مشبوهون قد ارتبطت أمساؤهم ابملطالبة أبمور منكرة كالدعوى أن يتوىل‬
‫النساء تدريس البنني وكاملطالبة ابنشاء نوادي رايضية للبنات والدعوى اىل مشاركة املرأة للرجل ِف‬
‫عمله والدعوى اىل قيادة النساء للسيارات واالعرتاض على كون القوامة للرجل ‪.‬‬
‫ومع أن هذه املفاسد اليت ترتتب على محل املرأة البطاقة الشخصية اليت تعتمد على صورة ِف‬
‫االثبات فإن هناك أمور سلبية كثرية تضعف من داللة هذه البطاقة على شخصية حاملها منها ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬سهولة التغيري واحالل صورة مكان أخرى أو جواز مكان آخرأو وثيقة مكان أخرى ‪.‬‬
‫اثنيا ‪ :‬تقادم الصورة فال تصبح دقيقة تبني مالمح الوجه اذا كرب االنسان وتغريت مالمح وجهه ‪.‬‬
‫اثلثا ‪ :‬تغري السمات الشخصية مثل اعفاء اللحية أوحلقها وحنوه ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬تغري الصفات اخللقية عرب اجلراحة العارضة أو اجلراحة التجميلية ‪.‬‬

‫وبعد أن ثبت فشل وسائل االثبات الدارجة وتراجع فعاليتها وخصوصا أمام التطور السريع‬
‫واملتالحق ِف صناعة اجلرمية ‪ ،‬كان البد من بروز وسيلة أخرى تضيق الفرصة أمام العابثني وحتد من‬
‫انتشار اجلرمية والتسارع اهلائل ِف انتهاك احلدود وجتاوز العابثني ابألنظمة فكانت بطاقة البصمة‬
‫هي البديل للبطاقة التقليدية اليت تعتمد ِف الداللة الثبوتية على هوية الشخص بواسطة الصور‬
‫الفوتوغرافية اليت حيملها صاحب البطاقة‪.‬‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )9995‬‬

‫‪918‬‬
‫ولبطاقة البصمة مميزات تنفرد عن البطاقة التقليدية اليت تعتمد على الصورة الفوتوغرافية ِف اثبات‬
‫اهلوية منها ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬أن تقليد البصمة أوتزويرها أمر مستحيل ألن هللا سبحانه وتعاىل خلق البشر خمتلفي‬
‫البصمات فكل فرد من أفراد البشر بصمته ختتص به ال يشبهها شيء من بصمات اآلخرين ‪.‬‬
‫اثنيا ‪ :‬دقة املعلومات وقوة الداللة الثبوتية واستحالة التزوير والتقليد كما سبق ‪.‬‬
‫اثلثا ‪ :‬متتاز ابلدقة ِف التنظيم وختزين املعلومات املهمة عن األفراد وهذه ميزة التتوفر ِف البياانت‬
‫الشخصية اليت تعتمد على األوراق ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬احلد من التزوير واذا كان التزوير أحد أسباب فشل وسائل التعرف على الشخصية التقليدية‬
‫فان التزوير الميكن البتة مع البصمة كما تقدم ‪.‬‬

‫كيفية استعمال البصمة ‪:‬‬


‫ان استعمال بطاقة البصمة سهل ميسر ال يستغرق أكثر من عدة ثواين ‪ .‬وذلك أبن ختزن بصمة‬
‫اهبام الشخص الذي حيمل البطاقة ِف بطاقته ‪.‬‬
‫فاذا أريد كشف هويته فما على املسؤول اال أن أيمره بوضع بصمة اهبامه على جهاز خمصص‬
‫لذلك مث يقارن بني البصمة املخزنة ِف البطاقة والبصمة اليت توضع على اجلهاز فاذا تطابقتا ثبتت‬
‫هوية حامل البطاقة ‪ ،‬وهذه الطريقة مستعملة ِف كثري من دول العامل عند مداخل املطارات ومنافذ‬
‫احلدود وبواابت مراكز السجون وغريها‬
‫وبعد فقد أوضحت ِف هذه الفتوى األضرار واملفاسد الدينية واخللقية واالجتماعية وذكرت‬
‫األمورالسلبية اليت تقدح ِف داللة البطاقة اليت تعتمد على الصورة وتضعفها كما ذكرت بديال‬
‫للبطاقة التقليدية يتم به املقصود من غري أن حتقق فيه األضرار واملفاسد اليت تعرض للبطاقة‬
‫التقليدية كما ال تتطرق اليه األمور السلبية اليت تضعف داللته على اهلوية أال وهو بطاقة البصمة ‪.‬‬

‫هذا وأسأل هللا أن يوفق اجلميع ملا حيبه ويرضاه وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أماله‬
‫أ‪ .‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫‪4194/4/95‬ه‬

‫‪919‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫حضرة صاحب السمو امللكي وويل العهد وانئب رئيس جملس الوزراء‬
‫احملرم‪ -‬وفقه هللا‪-‬‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪ ...‬وبعد‬
‫فانطالقًا من قوله ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬الدين النصيحة‪ ،‬الدين النصيحة» قيل‪ :‬ملن اي رسول هللا؟ قال‪« :‬هلل‬
‫ولكتابه ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم»(‪)4‬؛ انطالقًا من هذا احلديث الشريف أتقدم إىل‬
‫موضحا أضرارها ومفاسدها‪ ،‬ومبينًا‬
‫ً‬ ‫مسوكم هبذه النصيحة حول منح املرأة البطاقة الشخصية‪.‬‬
‫السلبيات اليت ترد عليها فتضعف داللتها الثبوتية على هوية حاملتها‪ ،‬ومبينًا ِف نفس األمر البديل‬
‫هلا وهي بطاقة البصمة‪ ،‬وأوضحت مزااي هذا البديل وكيفية استعماله‪.‬‬
‫صاحب السمو‪ ...‬منذ سنوات والصحف احمللية تشري بني حني وآخر إىل موضوع بطاقة املرأة‪.‬‬
‫وِف هذه األايم طفحت كثري من الصحف مبقاالت ومقابالت عن هذا املوضوع‪ ،‬واملالحظ أهنا‬
‫طرح من طرف واحد‪ ،‬طرف املؤيد بل املتحمس هلا‪ .‬وهذا له خطورته من جهتني‪ :‬أما إحدامها‬ ‫تُ َ‬
‫فهي من التلبيس على الناس أن هذا هو الصواب الذي ال مرية فيه وال جمال للنقاش فيه‪ ،‬واألخرى‬
‫كونه يلقي ِف روع القاريء أن هذا هو رأي مجيع الناس‪ ،‬وأنه ال ميكن ٍ‬
‫ألحد أن يواجهه أو‬
‫خيالفه‪ ،‬وخلطورة األمر واستباقًا ملا حيدث من أمور يصعب استدراكها أو عالجها؛ وجهت هذه‬
‫النصيحة لسموكم راجيًا أن تلقى العناية واالهتمام‪.‬‬
‫صاحب السمو‪ :‬فيما يلي بيان لبعض ما يرتتب على منح املرأة البطاقة الشخصية من مفاسد‪:‬‬
‫أوال‪ :‬التصوير‪ ،‬والكالم فيه معلوم ومشهور‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬إضعاف قوامة الرجال على النساء‪ ،‬والعالقة بينهما واضحة‪ .‬وِف إحدى املقابالت مع عدد‬
‫من النساء املؤيدات للبطاقة قالت معدة التقرير قبل أن تورد كالمهن ابلتفصيل‪( :‬إن أقوال أكثرهن‬
‫مبنية على كون البطاقة ختلص من تسلط األزواج) [جريدة املدينة‪419٧/٧/4٧ ،‬ه ]‪ .‬بل بلغ من‬
‫ظهور العالقة بني بطاقة املرأة وقوامة الرجل إىل أن إذاعة لندن (‪ BBA‬يب يب سي) قالت ِف‬
‫ضوء تعليقها على خرب تصريح أحد املسئولني بشأن بطاقة املرأة ما نصه‪( :‬ومن املعروف أن النساء‬
‫سج ْلن حاليًا ِف بطاقات ألسرهن أو أزواجهن ابعتبارهن حتت الوالية الشرعية لألب‬
‫السعودايت يُ َّ‬
‫أو الزوج)‪ .‬وِف إضعاف قوامة الرجل من الشرور واملفاسد وتوسع فرص الفساد ما ال خيفي‪،‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم (‪. )55‬‬

‫‪921‬‬
‫ومعلوم ما عليه احلال اآلن من مترد بعض النساء على أزواجهن وما ترتب على ذلك من مفاسد‪،‬‬
‫منها كثرة حاالت الطالق‪ ،‬وقد ذكرت صحيفة الشرق األوسط ِف اتريخ ‪4141/4/94‬ه أن‬
‫معدل حاالت الطالق ِف الرايض هو حالة كل ثالث ساعات‪ ،‬فكيف يكون احلال عند حصول‬
‫البطاقة؟!!‬
‫اثلثا‪ :‬كشف املرأة عن وجهها عند إرادة التحقق من شخصيتها‪ ،‬إذ ال يتسىن ِف كل حال أن يتم‬
‫ذلك من قِبل نساء‪ ،‬وِف هذا من الفتنة ما ال خيفى‪ ،‬خاصة وأن الذي يتوىل التحقق من اهلوايت‬
‫كثري منهم من الشباب‪ ،‬فإذا كانت املرأة حسناء وِف سن الشباب اُستضعِف حمرمها لصغر سنه أو‬
‫غري ذلك‪ ،‬وهذا ابب للشيطان ليغري ابلتعرض هلا‪ ،‬و"الدفع أوهن من الرفع والوقاية خري من‬
‫العالج"‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬يتأكد احملذور املتقدم ِف الطرق الطويلة‪ ،‬فهل يتوىل األمر رجال؟ أم تُوظَّف نساء شرطيات؟‬
‫وإذا ُو ِظفن فهل سيعملن جنبًا إىل جنب الرجال ِف تلك املواقع النائية؟ أم سيكون حمارمهن‬
‫جدا‪ ،‬وعلى أي حال؛ أفال‬‫بعيدا ً‬
‫معهن؟ إن اخليار األخري يظهر‪ -‬على ضوء الظروف الراهنة‪ً -‬‬
‫أنخذ ِعربة مما هو حاصل ِف بعض القطاعات اليت يعمل فيها نساء جبنب الرجال وكيف حيصل‬
‫فيها أمور يندى هلا اجلبني؟!‬
‫خامسا‪ :‬كثري من الفتيات لن يُ َّ‬
‫صورن إال وقد ظهرن أبمجل ما يقدرن عليه‪ ،‬وغالبًا ما يكون هذا‬
‫جمال تنافس بينهن ومدعاة لتبادهلن صورهن‪ ،‬على سبيل الذكرى أو غري ذلك‪ ،‬مما قد حيصل معه‬
‫تسرب صورهن ووصوهلا إىل الرجال‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬أن فتح هذا الباب‪ -‬ونعوذ ابهلل أن حيصل ذلك‪ -‬سيُ َلزم اجلميع به‪ -‬إال أن يشاء هللا‪،-‬‬
‫فيشمل الصاحلات وبنات الصاحلني الذين حرصوا واجتهدوا ِف تنشئة أوالدهم على احلشمة‬
‫بدأ به حىت يُ َلزم به اجلميع‪-‬‬
‫واحلياء‪ ،‬ولو قيل ِف بداية األمر أنه أمر اختياري ملن ترغب فما إن يُ َ‬
‫إال أن يشاء هللا‪ -‬بطريق مباشر أو غري مباشر‪ ،‬كأن تُربَط الدراسة وإجناز املعامالت وتقدمي‬
‫اخلدمات بوجود البطاقة‪ .‬وما قد يوضع من ضوابط مثل أن يقال من حق املرأة أن ترفض‬
‫االستجابة ملن يتحقق من شخصيتها إذا كن رجالً‪ ،‬أو يقال جيب أن تقتصر الصورة على الوجه‬
‫فقط دون الشعر والكتفني وسائر أجزاء البدن‪ ،‬أو غريه من الضوابط فإهنا‪ -‬إن ُوضعت‪ -‬ال تلبث‬
‫جمردا من الضوابط‪.‬‬
‫أن تسقط‪ ،‬ويبقى أصل املسألة ً‬
‫سابعا‪ :‬من حجج املطالبني ابستقالل املرأة ابلبطاقة‪ :‬احلاجة إىل إثبات شخصيتها عند التعامالت‬
‫املالية لدى البنوك‪ ،‬عند الصرف وبطاقة الصرف اإللكرتوين ذات الرقم السري الذي خيتص ملعرفته‬

‫‪921‬‬
‫صاحب البطاقة‪ ،‬كما فيه من التحقق من شخصية صاحب احلساب ومن َمث إمتام عملياته‬
‫املطلوبة‪ .‬وميكن تطوير هذه اخلدمة إذا احتاج األمر ذلك لتعميم خدمة شبكة السعودية التابعة‬
‫ملؤسسة النقد لتشمل فروع البنك حيث هي اآلن مقتصرة على مكائن الصرف واحملالت التجارية‪،‬‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ تسحب املرأة املبلغ الذي تريده دون تقييده مببلغ معني‪ .‬واستطر ًادا نقول أن التزوير وانتحال‬
‫الشخصية حيصل ويتكرر ِف صفوف الرجال ابلرغم من وجود البطاقات اخلاصة هلم‪.‬‬
‫أيضا‪ :‬احلاجة إىل البطاقة حلفظ احلدود واملنافذ ومعرفة من يدخل ومن خيرج‪،‬‬‫اثمنا‪ :‬ومن احلجج ً‬
‫ومعروف لدى اجلميع أن جوازات السفر عامة للرجال والنساء‪.‬‬
‫هذا وال نزعم أن احلاجة منحصرة ِف الصورتني املتقدمتني‪ ،‬لكن نقول‪ :‬أنه عند املوازنة بني املصاحل‬
‫واملفاسد يظهر رجحان املفاسد بشكل جلي‪ ،‬فاملفاسد النامجة من البطاقة أكثر ِف عددها وأخطر‬
‫ِف نوعها من املفاسد احلاصلة من عدمها‪.‬‬
‫تسعا‪ :‬مما يلفت النظر ويقوي التخوفات أن املتحمسني هلذا املطلب و املتصدين للكتابة عنه ِف‬
‫الصحف أكثرهم أانس مشبوهون قد ارتبطت أمساؤهم ابملطالبة أبمور منكرة؛ كالدعوة إىل أن يتوىل‬
‫النساء تدريس البنني‪ ،‬وكاملطالبة إبنشاء نوادي رايضية للبنات‪ ،‬والدعوة إىل مشاركة املرأة للرجل ِف‬
‫عمله‪ ،‬والدعوة إىل قيادة النساء للسيارات‪ ،‬واالعرتاض على كون القوامة للرجل‪ .‬ومع هذه املفاسد‬
‫أمورا‬
‫اليت ترتتب على محل املرأة البطاقة الشخصية اليت تعتمد على الصورة ِف اإلثبات فإن هناك ً‬
‫سلبية كثرية تُضعِف من داللة هذه البطاقة على شخصية حاملها‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬سهولة التغيري وإحالل صورةٍ مكان أخرى أو جواز مكان آخر أو وثيقة مكان أخرى‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬تقادم الصورة فال تصبح دقيقة تبين مالمح الوجه إذا كرب اإلنسان وتغريت مالمح وجهه‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬تغري السمات الشخصية مثل إعفاء اللحية و حلقها وحنوه‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬تغري الصفات اخلَلقية عرب اجلراحات العارضة أو اجلراحة التجميلية‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬ضرورة جتديد البطاقة الشخصية بشكل دوري لتحديث الصورة واملعلومات‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬الضياع والفقدان للبطاقات واجلوازات واألوراق الثبوتية‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬نسيان األوراق الثبوتية‪.‬‬
‫اثمنا‪ :‬تلف الواثئق‪.‬‬
‫وخصوصا أمام التطور السريع‬
‫ً‬ ‫وبعد أن ثبت فشل وسائل اإلثبات الدارجة وتراجع فعاليتها‬
‫واملتالحق ِف صناعة اجلرمية‪ ،‬كان البد من بروز وسيلة أخرى تضيق الفرصة أمام العابثني ِ‬
‫وحت ُّد من‬
‫انتشار اجلرمية والتسارع اهلائل ِف انتهاك احلدود وجتاوز العابثني األنظمة‪ ،‬فكانت بطاقة البصمة‬

‫‪922‬‬
‫هي البديل للبطاقة التقليدية اليت تعتمد على الداللة الثبوتية على هوية الشخص بواسطة الصورة‬
‫الفوتوغرافية اليت حيملها صاحب البطاقة‪.‬‬
‫ولبطاقة البصمة مميزات تنفرد هبا عن البطاقة التقليدية اليت تعتمد على الصورة الفوتوغرافية ِف‬
‫إثبات اهلوية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن تقليد البصمة أو تزويرها أمر مستحيل؛ ألن هللا سبحانه وتعاىل خلق البشر خمتلفي‬
‫البصمات‪ ،‬فكل فرد من أفراد البشر بصمته ختتص به ال يشبهها شيء من بصمات اآلخرين‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬دقة املعلومات وقوة الداللة الثبوتية واستحالة التزوير والتقليد كما سبق‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬متتاز ابلدقة ِف التنظيم وختزين املعلومات املهمة عن األفراد‪ ،‬وهذه ميزة ال تتوفر ِف البياانت‬
‫الشخصية اليت تعتمد على األوراق والصور‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬احلد من التزوير‪ ،‬وإذا كان التزوير أحد أسباب فشل وسائل التعرف على الشخصية ابلطرق‬
‫التقليدية فإن التزوير ال ميكن البتة مع البصمة كما تقدم‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬احلد من الفساد األخالقي الذي يتخذه عدم وجود البطاقة النسائية اليت تثبت هوية املرأة‬
‫ِف جمتمعنا السعودي سبيالً له‪ .‬حيث ميكن هبذه الطريقة التثبت من هوية املرأة ِف أي وقت‬
‫ومكان عند احلاجة فيتم ضبط ذلك ِف املطارات ومراكز التفتيش والفنادق وغريها‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬ضبط دخول وخروج احلجاج واملعتمرين إىل اململكة العربية السعودية‪ ،‬حيث أييت الكثري‬
‫منهم للحج أو العمرة مث إذا دخل أو استقر ِف مكة أتلف جوازه وواثئقه وأقام بصورة غري نظامية‪،‬‬
‫وإذا قُبِض عليه وأراد الرجوع إىل بلده سلَّم نفسه للسلطات فأودع ِف السجن حىت يتم ترحيله‪،‬‬
‫ويعود بعد فرتة جبواز آخر‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬التقدم العلمي‪ ،‬فالتقنية احلالية بشقيها الفين والتكنولوجي قدمت للعامل خمرتعات علمية‬
‫فعالة ِف جماالت كثرية‪ ،‬وأسهمت ِف تطوير وسائل الكشف عن اهلوية ابستخدام البصمات‪،‬‬
‫واعتمادها على نظرايت علمية حديثة ِف حتديد هوايت األفراد‪.‬‬
‫كيفية استعمال بطاقة البصمة ‪ :‬إن استعمال بطاقة البصمة سهل ميسر ال يستغرق أكثر من‬
‫يد كشف‬ ‫عدة ثو ٍان‪ ،‬وذلك أبن ُختَّزن بصمة إهبام الشخص الذي حيمل البطاقة ِف بطاقته‪ .‬فإذا أُر َ‬
‫خمصص لذلك‪ ،‬مث‬ ‫هويته فما على املسئول عن ذلك إال أن أيمره بوضع بصمة إهبامه على جهاز َّ‬
‫يقارن بني البصمة املخزنة ِف البطاقة والبصمة اليت توضع على اجلهاز‪ ،‬فإذا تطابقتا ثبتت هوية‬
‫حامل البطاقة‪ ،‬وهذه الطريقة مستعملة ِف كثري من دول العامل عند مداخل املطارات ومنافذ احلدود‬
‫وبواابت مراكز السجون وغريها‪.‬‬

‫‪923‬‬
‫صاحب السمو‪ ...‬لقد أوضحت ِف هذه النصيحة األضرار واملفاسد الدينية واخلُلقية واالجتماعية‬
‫وذكرت األمور السلبية اليت تقدح ِف دالئل البطاقة اليت تعتمد على الصورة وتضعفها‪ ،‬كما‬ ‫ُ‬ ‫‪،‬‬
‫ذكرت بديالً للبطاقة التقليدية (أال وهو بطاقة البصمة) يتم به املقصود من غري أن تتحقق فيه‬
‫األضرار واملفاسد اليت تعرض للبطاقة التقليدية‪ ،‬كما ال تتطرق إىل األمور السلبية اليت تُضعِف‬
‫الداللة على اهلوية‪.‬‬
‫هلذا آمل من مسوكم الكرمي أن هتتموا هبا شخصيًا وال تكلوان لغريكم‪ ،‬إال إذا رأى مسوكم إحالته‬
‫ألصحاب الفضيلة رئيس وأعضاء جملس هيئة كبار العلماء لتقييمها وإعطائكم نتيجتها ألمهيتها‬
‫حفظكم هللا‪.‬‬
‫م ِ‬
‫قد ُمه‬ ‫ُ‬
‫أخوكم‪ /‬محود بن عقالء الشعييب‬
‫األستاذ (ساب ًقا) ِف جامعة اإلمام دمحم بن سعود‬
‫القصيم ‪ -‬بريدة‬
‫‪419٧/4٧/91‬ه‬

‫‪924‬‬
‫التصوير(‪)4‬‬ ‫فتوى يف حكم‬
‫فتوى الشيخ محود بن عبد هللا العقالء الشعييب رمحه هللا‬
‫س‪ :‬ما حكم التصوير وما حكم اختاذ الصور وهل هناك فرق بني ماله ظل من الصور وما ال ظل‬
‫له ِف احلكم؟‬
‫(‪.......‬اجلواب ‪ :‬احلمدهلل‪ :‬التصوير ‪ :‬مصدر صور الشيء يصوره تصويرا إذا عمل له شكالً‬
‫ومثالً سواء أكان املصور متثاالً أو غريه قال ِف لسان العرب ‪ :‬ومثل الشيء ابلشيء سواء وشبهه‬
‫به وجعله مثله وعلى مثاله ‪.‬اه ‪.‬‬
‫هذا تعريف التصوير ِف اللغة وأما حكمه شرعاً فسأبينه بعد ذكر طرف مما ورد ِف ذم التصوير‬
‫واملصورين فقد استفاضت األحاديث عنه ملسو هيلع هللا ىلص ِف ذم التصوير وبيان عقوبة املصورين ومن ذلك‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ما أخرجه البخاري ومسلم رمحهم هللا عن أيب هريرة رضي هللا عن ه قال ‪:‬قال رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪" ":‬قال هللا تعاىل‪" :‬ومن أظلم ممن ذهب خيلق كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا‬
‫شعرية(‪.)9‬‬
‫اثنياً‪ :‬عن عائشة هنع هللا يضر أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال‪" :‬أشد الناس عذاابً يوم القيامة الذين يضاهون خبلق‬
‫هللا" متفق عليه(‪.)4‬‬
‫هذه النصوص اليت ذكرهتا لو مل يرد سواها ِف حترمي التصوير لكفت فكيف وقد روي ِف هذه‬
‫املسألة عنه ملسو هيلع هللا ىلص ما يزيد على أربعني حديثاً كلها نصوص صرحية بعضها ِف الصحيحني وبعضها ِف‬
‫السنن وبعضها ِف املسانيد وكلها تتضمن لعن املصورين وأهنم أشد الناس عذاابً يوم القيامة واهنم‬
‫من أظلم الناس كما تقدم فال حيل إلمريء يؤمن ابهلل واليوم األخر ان يغفلها ويعرض عنها ويفيت‬
‫إبابحة بعض أنواع التصوير‪.‬‬
‫والتصوير ال خيلوا من أن يكون لذوات األروح كاإلنسان واحليوان وغري ذلك فإنه حمرم حترمياً مغلظاً‬
‫سواء أكانت الصورة جمسمة أي هلا أي هلا ظل كالصورة املركبة أو املنحوتة أو ليست جمسمة كاليت‬
‫يتم تصويرها ابلنقش أو الرسم أو اآللة الفوتغرافية وهذا حمل إمجاع بني من يعتد بقوله من علماء‬
‫املسلمني فالكل متفقون على أن تصوير ذات األرواح حمرم ال فرق فيه بني أن يكون هلا ظل أو ال‬
‫‪).....‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬هذا ما وجدته من الفتوى ِف منتدايت "بريدة سيت" بعنوان "هااام ‪:‬إىل من إستشكل عليه حرمة الصور والتصاوير"‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري (‪ )4( )5254‬صحيح البخاري (‪ ،) 5251‬ومسلم ‪)94٧1( - 24‬‬

‫‪925‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫فتوى فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعييب يف لعبة البوكيمون‬
‫فضيلة الشيخ محود بن عقالء الشعي يب حفظه هللا من كل سوء ‪..‬‬
‫ظهر ِف اآلونة األخرية لعبة تسمى (البوكيمون) وهي لعبة أُعجب هبا األطفال فصارت شغلهم‬
‫تروج علَم اليهود وصلبان النصارى ورموز الدايانت املنحرفة ‪ ..‬ما حكم‬ ‫الشاغل‪ ،‬وهذه اللعبة ِ‬
‫شرائها واللعب هبا‪ ،‬وما حكم شراء أو بيع بعض السلع اليت ِ‬
‫تروج هلذه الكروت؟ وما اإلجراء‬
‫املتخذ جتاه هذه الشركات اليت قامت ابلدعاية هلذه اللعبة؟ أفيدوان مأجورين‪.‬‬
‫خريا ‪..‬‬
‫وجزاكم هللا ً‬
‫ابنكم احملب ………… الرايض‬
‫اجلواب ‪..‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني وبعد ‪..‬‬
‫دخلوا ِف أخرى‪ ،‬وال يزال أعداء‬ ‫فإن املسلمني ِف هذه األزمان ال يفتأون أن َخيْرجوا من فتنة إال ويُ َ‬
‫اإلسالم من يهود ونصارى وعلمانيني وحداثيني وماسونيني وغريهم ِف حماوالهتم املتكررة ِف إفساد‬
‫عقائد وأخالق املسلمني‪ ،‬ولن يطيب هلم ابل حىت خيرجوهم من دينهم الذي ارتضاه هللا هلم إىل‬
‫عقائد االحنالل والتفسخ‪ ،‬يقول هللا سبحانه وتعاىل‪ ﴿ :‬ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء‬
‫‪(﴾ ..‬سورة النساء اآلية‪ ،)٧2:‬واملطلع على أحوال هؤالء املضللني يرى أهنم ِف حماوالت جادة‬
‫لتنشئة أبنائنا وتربيتهم على عادات احلضارات الكافرة الفاشلة‪ ،‬وما اللعبة املسماة ب (البوكيمون) إال‬
‫إحدى طرقهم ِف تسيري أبنائنا إىل الطرق اإلحلادية‪ ،‬إذ تقوم فكرة هذه اللعبة على النظرية اإلحلادية‬
‫قردا‪ ،‬حىت وصل إيل أن بعض من يلعبها من األطفال انتشر‬ ‫(داروين) اليت تقول إن اإلنسان كان ً‬
‫على ألسنتهم أن الصور املوجودة ِف هذه اللعبة تتطور وتنتقل من خملوق إىل آخر وهذه هي نظرية‬
‫متاما‪.‬‬
‫داروين ً‬
‫واملتابع هلذه اللعبة جيد أهنا مل تنتشر من أجل التسلية أو الرتفيه كما يفهم البعض بل املعروف أن‬
‫وراء هذه اللعبة أيد خفية منظمة تعمل ِف اخلفاء لنشر أفكار هدامة عربة تلك الرموز والشعارات‬
‫عوضا عن ظهور الوثن النصراين فيها املسمى ب (الصليب) واجملمع على حترمي‬ ‫املوجودة فيها‪ ،‬هذا ً‬
‫رفعه‪ ،‬والشعارات اليهودية كالنجمة السداسية ورموز املاسونية املنحرفة ورموز املعتقد الياابين القائم‬
‫وعوضا عن أهنا تؤدي إىل‬ ‫ً‬ ‫كبريا‪،‬‬
‫علوا ً‬ ‫على أن ِف الكون إله آخر مع هللا‪ ،‬تعاىل هللا عما يقولون ً‬
‫‪926‬‬
‫البغضاء والشحناء وصرف األبناء عما ينفعهم وكوهنا مشاهبة للكفار والنيب عليه الصالة والسالم‬
‫يقول‪«:‬من تشبه بقوم فهو منهم»(‪ )4‬ومن أكل أموال الناس ابلباطل يقول هللا سبحانه‬
‫وتعاىل‪﴿ :‬وال أتكلوا أموالكم بينكم ابلباطل ﴾(سورة البقرة آية‪ )4٧٧:‬ومن القمار وامليسر احملرم ني‬
‫يقول سبحان ه وتعاىل‪ ﴿ :‬إمنا يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء ِف اخلمر وامليسر‬
‫ويصدكم عن ذكر هللا وعن الصالة فهل أنتم منتهون ﴾(سورة املائدة آية‪. )24:‬‬
‫فاملتحتم ِف هذه املسألة حترمي بيع هذه اللعبة اليت تبين ِف عقول أبنائنا االنسالخ من اإلسالم‬
‫أيضا حترمي الدعاية هلا‪ ،‬فعلى أولياء أمور األبناء وعلى املعلمني أن ينتبهوا هلذا األمر وأن‬
‫ويتحتم ً‬
‫مينعوا لعب وتداول األطفال هلذه اللعبة‪ ،‬وعلى الشركات اليت تقوم ابلدعاية هلا أن ختاف هللا‬
‫سبحانه وتعاىل وأال تنشر مثل هذه احملرمات‪ ،‬وعلى اجلميع مقاطعة الشركات والسلع اليت تقوم‬
‫ابلدعاية هلذه اللعبة‪.‬‬
‫نسأل هللا مبنه وكرمه أن يعز اإلسالم وأهله وأن يذل الكفر وأهله إنه وحده القادر‪.‬‬
‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أماله فضيلة الشيخ‬
‫أ‪ .‬محود بن عقالء الشعي يب‬
‫‪ 4194 /49 /4‬ه‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن أيب داود (‪ ) 1٧44‬وحكم األلباين ‪ :‬حسن صحيح ‪.‬‬

‫‪927‬‬
‫حكم كفالة من مات أبوه وقد جتاوز سن البلوغ‬
‫فضيلة شيخنا الشيخ محود بن عقالء الشعي يب ‪ ..‬حفظه هللا‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته ‪ ..‬وبعد‬
‫نرى ِف بعض اهليئات واملؤسسات واملربات اخلريية أن بعضهم يكفل من مات أبوه ِف بند كفالة‬
‫يتيما وهو قد جتاوز سن البلوغ حيث يبلغ من العمر سبعة‬ ‫يتيم ولرمبا كان ذلك املكفول يسمى ً‬
‫عاما أو أكثر‪ ،‬فما رأي فضيلتكم ِف ذلك؟‬ ‫عشر ً‬
‫وهللا حيفظكم ‪ ..‬ابنكم ……… ِف ‪ 4199 /9 /4٧‬ه‬
‫اجلواب ‪..‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني ‪ ..‬أما بعد‪.‬‬
‫ل ق د ح ث اإلس الم على اليتيم وكف ال ته ورع ايته‪ ،‬ق ال ت عاىل‪ ﴿:‬يسألونك عن اليتامى قل إصالح‬
‫هلم خري ﴾(سورة البقرة آية‪ )99٧:‬وقال ملسو هيلع هللا ىلص‪«:‬أان وكافل اليتيم ِف اجلنة هكذا»(‪ )4‬رواه البخاري‪.‬‬
‫وقد حذر اإلسالم من غمط حق اليتيم وإضاعته قال تعاىل‪ ﴿ :‬إن الذين أيكلون أموال اليتامى‬
‫انرا وسيصلون سعريا ﴾(سورة النساء آية‪ )4٧:‬وقال سبحانه وت عاىل‬ ‫ظلما إمنا أيكلون ِف بطوهنم ً‬ ‫ً‬
‫‪ ﴿:‬ف أما اليتيم ف ال تقهر) ﴾(سورة الضحى آية‪. )2:‬‬
‫وقد ذكر أهل اللغة أن اليُتم هو فقدان األب حىت يبلغ احللم‪ ،‬فإذا بلغ زال عنه اسم اليُتم وقد ذكر‬
‫أبو داود ِف السنن قال‪ :‬ابب ما جاء مىت ينقطع اليُتم وساق حديث علي بن أيب طالب هنع هللا يضر قال‪:‬‬
‫حفظت من رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ال يتم بعد احتالم»(‪ ،)9‬قال النووي‪ :‬حديث اثبت‪ ،‬وعن عائشة‬
‫اهنع هللا يضر قالت‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬رفع القلم عن ثالث‪ :‬الصيب حىت حيتلم»(‪ ،)4‬رواه أبو داود‬
‫والرتمذي والنسائي‪ ،‬وِف رواية‪« :‬الصيب حىت يكرب»‪ ،‬وعلى ذلك فال يستحق اليتيم إذا بلغ ما هو‬
‫فقريا فإنه يستحق الكفالة بوصف الفقر‬ ‫مرصود ِف بند الكفالة لزوال الوصف عنه إال إذا كان ً‬
‫واملسكنة من غري بند كفالة اليتيم‪ ،‬وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫أماله فضيلة الشيخ أ ‪ .‬محود بن عقالء الشعي يب‬
‫‪ 4199 /9 /49‬ه‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪. )1٧٧5‬‬
‫(‪ )9‬سنن أيب داود (‪ )9٧14‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن أيب داود (‪ )11٧4‬وحكم األلباين صحيح ‪.‬‬

‫‪928‬‬
‫حكم قيادة املرأة للسيارة‬
‫فضيلة الشيخ‪ /‬محود بن عقالء الشعي يب ‪ ..‬حفظه هللا ومتعه ابلصحة والعافية‪.‬‬
‫ظهر ِف اآلونة األخرية منشورات تطالب بقيادة املرأة للسيارة فما هو رأيكم فيها؟ وما حكم قيادة‬
‫املرأة للسيارة؟‬
‫فأجاب فضيلته‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني القائل‪ ﴿ :‬اي نساء النيب لسنت كأحد من النساء إن اتقينت فال ختضعن‬
‫ابلقول فيطمع الذي ِف قلبه مرض وقلن قوال معروفًا (‪ )49‬وقرن ِف بيوتكن وال تربجن تربج‬
‫ت‬
‫اجلاهلية األوىل ‪(﴾..‬سورة األحزاب اآلية‪ )44:‬والصالة والسالم على نبينا دمحم القائل‪«:‬ما تَ َرْك ُ‬
‫الر َج ِال ِم َن النِ َس ِاء»(‪ )4‬صلى هللا عليه وعلى آله وأصحابه الذين ساروا على‬ ‫َضُّر َعلَى ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫بَ ْعدي فْت نَةً أ َ‬
‫هنجه ومتسكوا أبهداب شريعته وتعاليم دينه فرضي هللا عنهم وأرضاهم ‪ ..‬أما بعد ‪.‬‬

‫فإن سؤالك ذو شقني األول عن رأيي ِف املنشورات اليت وزعت واليت وجهها كاتبوها إىل (فتاة‬
‫املطالب!) كما يسموهنا‪ ،‬والشق الثاين عن حكم متكني املرأة عن قيادة السيارة‪.‬‬
‫أفكارا نتنة تفوح ابلعلمانية‬‫أما اجلواب عن الشق األول‪ :‬فإن تلك الورقة املشار إليها تتضمن ً‬
‫واحلداثة والنفاق واإلحلاد‪ ،‬ألن خالصتها االستهزاء ابلشريعة ووصفها ابلرجعية املقيتة‪ ،‬واالستهزاء‬
‫بعلماء الشريعة وقادهتا‪ ،‬وهذا يفضي بصاحبه إىل الكفر ألنه ال يقل استهزاء ابلشريعة ومحلتها عن‬
‫بطوان وال أكذب ألسنة وال أجنب عند‬ ‫مقالة املنافقني الذين قالوا‪ :‬ما رأينا مثل قرائنا هؤالء أرغب ً‬
‫اللقاء؛ يعنون رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وصحابته‪ ،‬وقد كفرهم هللا بتلك املقالة حيث قال‪ ﴿ :‬ال تعتذروا قد‬
‫كفرمت بعد إميانكم ‪(﴾ ..‬سورة التوبة اآلية‪ .)11:‬حينما جاءوا يعتذرون إىل النيب صلى هللا عليه‬
‫وسلم عن مقالتهم وأهنم ما حتدثوا بذلك احلديث إال ليقطعوا به الطريق‪.‬‬
‫أما الشق الثاين‪ :‬وهو حكم متكني املرأة من قيادة السيارة‪ :‬فاعلم أن هذه الضجة الكربى اليت‬
‫شغلت وسائل اإلعالم املقروءة واملسموعة واملرئية حول املطالبة بتمكني املرأة من القيادة‪ ،‬ليس‬
‫اهلدف منها اإلذن للمرأة ِف قيادة السيارة فحسب وإمنا الغرض منها حتقيق هدف سيئ طاملا راود‬
‫أحالم العلمانيني ومن هم على شاكلتهم منذ زمن ليس ابلقصري أال وهو إخراج املرأة من البيت‬
‫الذى نشأت فيه وتربت على الفضيلة والعفة والطهر وفق تعاليم الدين احلنيف الذي منح املرأة‬
‫حقوقها كاملة ِف حدود صالحياهتا وانتشلها من الضياع الذي كانت تعيشه ِف اجلاهلية‪ ،‬حيث‬
‫______________________________________‬
‫(‪. )5٧21‬‬ ‫(‪ )4‬صحيح البخاري‬

‫‪929‬‬
‫كانت املرأة من سقط املتاع توهب وتورث وليس هلا أي وجود ِف مرافق احلياة سوى اخلدمة‬
‫واالستمتاع هبا‪ ،‬وانتشلها اإلسالم من هذا الضياع وأعطاها كامل حرايهتا اليت تليق هبا ومكنها من‬
‫ممارسة حقوقها وأعاد هلا كرامتها اليت كانت ممتهنة قبل اإلسالم‪ ،‬فأصبحت ترث بعد أن كانت‬
‫تورث ومتلك بعد أن كانت ال ِم ْلك هلا‪ ،‬إمنا يريد هؤالء إخراجها من بيت العفة والطهر إىل جمتمع‬
‫يكثر فيه الضياع فتصبح سلعة رخيصة متتهن كرامتها وينتهك عرضها وتن زلق ِف محأة الرذيلة‪.‬‬
‫ولتمكني املرأة من القيادة مفاسد عظيمة منها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن هذا األمر إذا حتقق أصبح ذريعة ووسيلة للفساد‪ ،‬وعلماء الشريعة اتفقوا على أن الوسيلة‬
‫املفضية إىل غاية حمرمة أتخذ حكم تلك الغاية‪ ،‬فحرموا الوسائل اليت تفضي إىل غاايت حمرمة‪ ،‬ومما‬
‫ال شك فيه أن خروج املرأة بسيارهتا وحدها وجتوهلا ِف األماكن العامة والطرقات الطويلة وسيلة إىل‬
‫حترش مرضى القلوب والفساق هبا ومراودهتا عن نفسها‪ ،‬وهبذا يتحقق اهلدف العلماين ِف إخراج‬
‫املرأة من بيتها وتدمري األسرة املسلمة‪ ،‬وإمهال البيت واألطفال وفتحهم على أبواب الضياع كما هو‬
‫حاصل ِف الغرب‪ ،‬وال شك أن ِف حتقيق هذه هتيئة اجلو للفساد األخالقي الذي عم وطم وبدأ‬
‫يتطاير شرره‪ ،‬فتزداد معاكسة النساء بصورة مل يسبق هلا مثيل وتتيسر سبلها أكثر وخاصة مع كثرة‬
‫الشباب غري امللتزم‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬إن حتقق قيادة املرأة يرتتب عليه ترك احلجاب الذي أمر هللا به ورسوله‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫ادعائهم إمكانية القيادة ابحلجاب فهذا وإن مت ِف أول األمر ستكون النهاية ترك احلجاب ‪ ..‬قال‬
‫تعاىل‪ ﴿:‬اي أيها النيب قل ألزواجك وبناتك ونساء املؤمنني يدنني عليهن من جالبيبهن ذلك أدَّن‬
‫رحيما ﴾(سورة األحزاب آية‪. )52:‬‬
‫غفورا ً‬
‫أن يعرفن فال يؤذين وكان هللا ً‬
‫اجا أن يتقوا هللا فيهن وأن حيولوا‬‫وأخريا هنيب أبولياء أمور النساء سواء كانوا آابء أو إخو ًاان أو أزو ً‬
‫بينهن وبني ما يفضي إىل تعرضهن للضياع والفساد‪ ،‬فيمنعوهن من خمالطة الرجال ِف أي جمال من‬
‫اجملاالت ويراقبوهن ِف مجيع األحوال‪ ،‬ألن املرأة وإن كانت عفيفة ملتزمة إال أن للفساق من مرضى‬
‫القلوب أساليب وطرق شريرة يستطيعون هبا إخضاع املرأة واستجابتها ملطالبهم البهيمية ولن زواهتم‬
‫الشهوانية ‪ ..‬وحيسن ختام هذه الفتوى ببيتني للقحطاين رمحه هللا ِف نونيته ومها قوله‪:‬‬
‫رن الرجـال الناظرين رىل النسا__________ مثل الكالب تطوف ابلالمحان‬
‫رن مل تَصن تل اللحوم أسودها__________ أُكلـت بال عوض وال أمثـان‬
‫نسأل هللا سبحانه أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويقمع أهل الباطل ويرد كيدهم إىل حنورهم‪.‬‬
‫هذا وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وأصحابه أمجعني‪ .‬كتبه‪ :‬محود بن عقالء الشعي يب‬

‫‪931‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫حكم قراءة دعاء ختم القرآن يف الصالة وغريها‬
‫فضيلة الشيخ‪ /‬محود بن عقالء الشعي يب ‪ ..‬حفظه هللا من كل سوء‪.‬‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪.‬‬
‫السؤال‪:‬ما حكم قراءة دعاء ختم القرآن ِف الصالة وغريها أفتوان مأجورين‪.‬‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫وعليكم السالم ورمحة هللا وبركاته ‪ ..‬احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على نبينا دمحم وآله‬
‫وصحبه أمجعني ‪..‬‬
‫اعلم أوال‪ :‬أن العبادات توقيفية تتوقف صحتها على حتقيق شرطني اثنني‪.‬‬
‫أحدمها‪ :‬أن تكون العبادة خالصة لوجه هللا سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن تكون وفق سنة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص فإذا فقد هذان الشرطان أو أحدمها فالفعل مبتدع ابطل‪،‬‬
‫وقراءة دعاء ختم القرآن ِف الصالة مل يثبت فيه شيء عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص وال عن صحابته رضوان هللا‬
‫عليهم وكل اآلاثر اليت وردت ِف هذا الباب ال يصح رفع شيء منها إىل النيب ملسو هيلع هللا ىلص مع أهنا مع عدم‬
‫ثبوهتا عن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ليس فيها ذكر حصول الدعاء ِف الصالة وأصح ما ورد ِف هذا الباب ما‬
‫رواه اثبت البناين عن أنس أنه كان إذا ختم القرآن مجع أهله وولده فدعا هلم‪ )4(.‬فيتبني من هذا‬
‫أن دعاء القارئ خلتم القرآن خارج الصالة وحضور الدعاء أمر مأثور عن السلف الصاحل أما ختم‬
‫القرآن من إمام أو منفرد قبل الركوع أو بعده ِف الرتاويح أو غريها فال يعرف ورود شيء فيه أصالً‬
‫عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص وال عن أحد من صحابته كما تقدم‪.‬‬
‫اخلالصة‪:‬أنه قد تقدم أن العبادات ال تثبت إال بنص من القرآن أوالسنة وألن دعاء اخلتم ِف‬
‫الصالة مل يرد ِف القرآن وال ِف السنة فعلى هذا يكون فعله بدعة وال جيوز فعلها‪.‬‬
‫وصلى هللا عن نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫أماله فضيلة الشيخ‪ /‬محود بن عقالء الشعي يب‬
‫ِف ‪ 419٧ /2 /4‬ه‬

‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬سنن الدارمي (‪ )4541‬وحكم حسني سليم أسد إسناده صحيح وهو موقوف على أنس ‪.‬‬

‫‪931‬‬
‫ملحق‬
‫يف راثء والدفاع عن‬
‫الشيخ العالمة محود بن عقالء الشعييب رمحه هللا تعاىل‬

‫‪932‬‬
‫رسالة الشيخ ابن ابز رىل الشيخ محود بن عقالء الشعييب‬
‫مكتب املفيت العام‬
‫اتريخ ‪4145/4٧/91‬ه‬
‫من عبد العزيز بن عبد هللا بن ابز‪ ..‬إىل حضرة األخ املكرم صاحب الفضيلة‪ :‬الشيخ‪ /‬محود بن‬
‫عبد هللا العقالء‪ -‬وفقه هللا وزاده من العلم واإلميان‪ ..-‬آمني‪.‬‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪ ..‬أما بعد‪:‬‬
‫فال خيفى على مثلكم حاجة الطالب ِف هذا الوقت إىل تدريس كتب أهل السنة واجلماعة من‬
‫كتب العقيدة‪ ،‬وكتب احلديث الشريف والفقه‪ ..‬فأرجو العناية بذلك‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬الصحيحان وتفسري ابن كثري وكتب شيخ اإلسالم‪ /‬ابن تيمية كالتدمرية واحلموية‬
‫ومنهاج السنة والواسطية‪ ،‬وكتب شيخ اإلسالم‪ِ -‬ف عصره‪ /-‬دمحم بن عبد الوهاب وأحفاده وغريهم‬
‫من أهل السنة واجلماعة‪.‬‬
‫فأرجو العناية بذلك واحتساب األجر ِف تعيني دروس ِف هذه الكتب أو بعضها‪.‬‬
‫شكر هللا سعيكم ونفع بكم عباده‪ ...‬إنه مسيع قريب‪.‬‬
‫والسالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪.‬‬
‫املفيت العام للمملكة العربية السعودية‬
‫عبد العزيز بن عبد هللا بن ابز‬

‫‪933‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫تكذيب أمانة كبار العلماء جلريدة عكاظ‬
‫اململكة العربية السعودية‬
‫رائسة إدارة البحوث العلمية واإلفتاء‬
‫مكتب املفيت العام‬
‫سعادة رئيس حترير جريدة عكاظ‪ -‬وفقه هللا‪-‬‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته ‪ ..‬وبعد‬
‫فإشارًة إىل ما نُ ِشر ِف الصفحة السادسة من جريدتكم ِف عددها رقم ‪ 49٧44‬والصادر بتاريخ‬
‫‪4199 /1/9٧‬ه بعنوان (أمانة كبار العلماء لعكاظ األسبوعية (محود عقالء الشعييب مل يشتغل‬
‫ابإلفتاء واجتهاداته ال يُعتَ ُّد هبا)‪ ..‬وبعد عرض هذا اخلرب على األمانة العامة هليئة كبار العلماء‬
‫أفادت األمانة أن ما صدر من األمانة هو أن فضيلة الشيخ‪ /‬محود العقالء ليس عضو إفتاء ِف‬
‫رائسة البحوث العلمية واإلفتاء‪ ،‬وسبق له التدريس ِف املعاهد العلمية وِف كلية الشريعة فقط‪،‬‬
‫وذلك إجابةً لسؤال من حمرر اجلريدة عرب اهلاتف عن الشيخ‪ ،‬أما ما عدا ذلك مما نُ ِسب إىل األمانة‬
‫ونُشر ِف ثنااي اخلرب فكله إضافات وخترصات من حمرر هذا اخلرب عبد هللا العريفج‪ ،‬ونسبته إىل أمانة‬
‫هيئة كبار العلماء كذب وهبتان‪.‬‬
‫نرجو من سعادتكم نشر هذا التعقيب والتوضيح ِف نفس الصفحة اليت نُشر فيها هذا اخلرب من‬
‫دون نقص‪ ،‬وأن يُكتَب عنوانه بنفس البنط الذي ُكتب به بنط اخلرب املنشور‪.‬‬
‫كما أرجو التأكيد على حمرر هذا اخلرب بعدم اختالق وإضافة أية معلومات مل يصرح هبا‪ ،‬وذلك‬
‫لتحقيق املصداقية ِف نقل األخبار لقراء اجلريدة‪.‬‬
‫وفق هللا اجلميع لكل خري‪ .‬والسالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪.‬‬
‫مدير إدارة العالقات العامة واإلعالم برائسة‬
‫إدارة البحوث العلمية واإلفتاء‬
‫سليمان بن دمحم أبو عباه‬
‫‪4199/٧/4‬ه‬

‫‪934‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫دفاعا عن الشيخ محود بن عقالء الشعييب‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فقد قرأت ما نقلته جريدة عكاظ األسبوعية‪ِ ،‬ف عددها [‪ ،49٧44‬املؤرخ ِف ‪ /9٧‬رجب‪4199/‬‬
‫ه ] عن مصادر ِف أمانة هيئة كبار العلماء وما قالوا عن شيخنا العالمة محود بن عقالء الشعييب‬
‫حفظه هللا تعاىل من كل سوء وما جاء ِف هذا البيان من كذب وافرتاء وزور ومهز وملز وقذف ِف‬
‫حق شيخنا حفظه هللا‪.‬‬
‫وهللا تعاىل يقول‪{ :‬والذين يؤذون املؤمنني واملؤمنات بغري ماكتسبوا فقد احتملوا هبتاان وإمثا مبينا}‪،‬‬
‫وِف احلديث مرفوعا (إن أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا) [متفق عليه]‪ .‬وِف احلديث‬
‫مرفوعا (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) [رواه مسلم]‪ .‬وِف احلديث مرفوعا (من عادى‬
‫يل ولياً فقد آذنته ابحلرب) [رواه البخاري]‪.‬‬

‫وقد تضمن هذا التصريح من تل املصادر األمور التالية‪:‬‬


‫‪ )4‬حماولة جتريد شيخنا حفظه هللا تعاىل وإبعاد صفة كونه من العلماء؛ وهذا ال يضره عند هللا وال‬
‫عند املؤمنني وقد شهد له ابلعلم واالجتهاد القريب والبعيد وهلل احلمد‪ .‬وِف احلديث مرفوعا (أنتم‬
‫شهداء هللا ِف األرض)‪.‬‬
‫وإمنا هذه سنة اليهود البهت إذا غضبوا على علمائهم وأفاضلهم الذين كانوا يسموهنم من قبل‬
‫علماء فإذا غضبوا عليهم سلبوهم هذا االسم وقالوا فالن أو املدعو فالن‪ ،‬ففي قصة عبد هللا بن‬
‫سالم وكان حرب من أحبارهم وعامل من علمائهم فلما أسلم قال هلم رسول هللا صلى عليه وسلم‪:‬‬
‫(ما تقولون ِف ابن سالم) قالوا‪ :‬سيدان وابن سيدان وحربان وعاملنا فلما علموا إسالمه كذبوه ووقعوا‬
‫ِف عرضه وتكلموا فيه والقصة معروفة‪ .‬وِف احلديث مرفوعا (لتتبعن سنن من كان قبلكم‪ ،)...‬مث‬
‫قال‪( :‬اليهود والنصارى)‪.‬‬
‫وشيخنا وهلل احلمد وضع هللا له القبول ِف األرض والثناء وهذا ملموس مشاهد من ثناء الناس عليه‬
‫وتطلعهم إىل فتاويه وتسابقهم إليها من العلماء قبل غريهم‪.‬‬
‫وِف احلديث مرفوعا‪( :‬مث يوضع له القبول ِف األرض)‪.‬‬

‫‪935‬‬
‫بل إنه تتلمذ على يديه كثري من أعضاء هيئة كبار العلماء فهل هذا من اإلعرتاف حبق املشايخ‬
‫على طالهبم‪ ،‬وِف احلديث مرفوعا‪( :‬من صنع إليكم معروفا فكافئوه) [متفق عليه] وليس؛‬
‫(اهتموه)‪ .‬وِف احلديث املرفوع أيضا‪( :‬تواضعوا ملن تَعلمون منه) [رواه الطرباين عن أيب هريرة]‪ .‬وكما‬
‫قال الشاعر‪:‬‬

‫أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماين‬

‫‪ )9‬اعتبارهم أن فتوى الشيخ محود ال يؤخذ وال يعتد هبا؛ وهذا من ظلم أهل احلق وغمطهم‬
‫حقوقهم واستصغارهم‪ .‬وِف احلديث مرفوعا (الكرب بطر احلق وغمط الناس) أي؛ احتقارهم‪[ ،‬رواه‬
‫مسلم]‪ .‬وِف احلديث مرفوعا (املسلم أخو املسلم ال حيقره) [رواه مسلم]‪ .‬وِف احلديث مرفوعا‪:‬‬
‫(ليس منا من مل يعرف شرف كبريان) [رواه أبو داود وصححه الرتمذي]‪ ،‬وِف رواية صححها‬
‫(وجيل‬
‫احلاكم‪( :‬ويعرف حق كبريان)‪ .‬وعند أمحد بسند حسن‪( :‬ويعرف لعاملنا)‪ .‬وعند الطرباين ُ‬
‫كبريان)‪.‬‬
‫بل هذا زور وهبتان وِف احلديث مرفوعا (أال أنبئكم أبكرب الكبائر ثالاث ‪ -‬مث ذكر ‪ -‬شهادة الزور‬
‫وقول الزور) [متفق عليه]‪ .‬قال تعاىل‪{ :‬واجتنبوا الرجس من األواثن واجتنبوا قول الزور}‪.‬‬
‫س على مدى أربعني سنة ِف العقيدة‬ ‫وهل ال يصلح لإلفتاء واالجتهاد وليس مؤهال لذلك من َد َّر َ‬
‫واحلديث والفقه وأصول الفقه والنحو والتفسري مث ترقى إىل أن وصل إىل درجة أستاذ كرسي‬
‫وتسمى ِف الدراسات العلمية "برفسور" ِف التدريس اجلامعي وأهل االختصاص يعرفون ماذا تعين‬
‫األستاذية‪.‬‬
‫وهل يقال فيمن خترج على يديه مجع من العلماء منهم أعضاء ِف هيئة كبار العلماء منهم املفيت‬
‫وغريه ومجع يبلغ العشرات من قضاة التمييز ومثله ِف العدد من الدكاترة ورؤساء حماكم ووزراء‬
‫وغريهم ولوال خشية اإلطالة لسردان امساءهم‪ ،‬علما أبن امساءهم مذكورة بنصها ِف مقدمة كتاب‬
‫شيخنا وامسه‪" :‬القول املختار ِف حكم االستعانة ابلكفار"‪ .‬وموجودة ِف سرية شيخنا الذاتية ِف‬
‫موقعه حفظه هللا على شبكة اإلنرتنت‪.‬‬
‫وهل يقال ذلك ملن كلفته وعمدته اجلامعة اإلسالمية ِف املدينة املنورة حينما طلبت منه النظر ِف‬
‫نتاج وكتب بعض العلماء املشهورين وتقييم ذلك متهيدا لرتقيتهم لدرجة األستاذية وهم؛ الشيخ عبد‬
‫القادر شيبة احلمد‪ ،‬والشيخ أبو بكر اجلزائري‪ ،‬والشيخ ربيع املدخلي‪ .‬كما كلفت اجلامعة‬
‫اإلسالمية شيخنا حفظه هللا ابلنظر ِف كتاب الشيخ دمحم أمان اجلامي الذي أعده للدكتوراه للنظر‬

‫‪936‬‬
‫عن مدى مناسبة استحقاقه للطبع أم ال‪ .‬وأيضا طلبت جامعة اإلمام من شيخنا حفظه هللا النظر‬
‫ِف بعض نتاج وكتب الشيخ؛ دمحم بن صاحل العثيمني رمحه هللا وتقييمها متهيدا لرتقيته لدرجة‬
‫اإلستاذية‪.‬‬
‫فهل كل من طُلب منه تقييم تلك األعمال السابقة لعلماء مشهورين يقال عنه أبنه غري مؤهل وال يصلح‬
‫لإلفتاء وليس مؤهال لالجتهاد وليس من طلبة العلم؟! سبحانك هذا هبتان عظيم‪.‬‬
‫‪ )4‬أما الكذب الذي فيها‪ ،‬فقد قالوا إنه أُحيل للتقاعد لبلوغه السن القانوين؛ فشيخنا حفظه هللا‬
‫تعاىل إمنا انتقل إىل التقاعد املبكر بناء على رغبته وطلبه‪.‬‬
‫‪ )1‬وقوهلم‪( :‬تلك الفتوى اليت أهدر فيها دم‪ :)...‬وهذا كذب وهبتان وزور فإن فتوى الشيخ ِف‬
‫املغين الرويشد ليس فيها إهدار دم‪ ،‬إمنا بني فيها حكم هللا ِف كفر من غىن ابلقرآن وطالب‬
‫حكومته إبقامة حكم هللا فيه وِف أمثاله من املرتدين‪ .‬وكأن هؤالء ال يفرقون بني هذا وذاك!!‬
‫‪ )5‬وقوهلم‪( :‬مل يسبق له أن اشتغل ابإلفتاء)‪ :‬وهذا كذب أيضا وافرتاء‪ ،‬فقد كلفه مساحة العالمة‬
‫الشيخ دمحم بن إبراهيم ابإلفتاء والتدريس ِف احلرم املكي أثناء احلج من عام ‪ 44٧٧‬ه إىل ‪44٧1‬‬
‫ه‪.‬‬
‫وكذا كلفه مساحة العالمة الشيخ عبد العزيز بن ابز ابلتدريس ِف خطابه املؤرخ ِف‬
‫‪4145/4٧/91‬ه ابجللوس للتعليم والتدريس‪.‬‬
‫وقد اختاره ورشحه الشيخ دمحم بن إبراهيم للقضاء‪ ،‬ولكن تدخل شيخ شيخنا دمحم األمني الشنقيطي‬
‫وطلب من الشيخ دمحم بن إبراهيم إعفاءه من القضاء وتركه يدرس ِف الكلية نظرا لقدراته العلمية‬
‫وقوة قدرته ِف التدريس والشرح والتفهيم وقوة حافظته‪.‬‬
‫‪ )1‬ومن الكذب وعدم الفقه واملعرفة ملضمون فتاوى الشيخ أو التحامل عليه!! قوهلم‪( :‬إن الشيخ‬
‫محود يفيت بردة من يتعامل مع أهل الكتاب)؛ وهذا افرتاء عظيم سيسألون عنه يوم القيامة‪.‬‬
‫وفتوى شيخنا حفظه هللا كانت ِف حكم من ظاهر األمريكان ضد طالبان املسلمة اجملاهدة وفقها‬
‫هللا‪ .‬وهذا يعين أهنم ال يفرقون بني التعامل واملظاهرة وال يعرفون الفرق بينهما؟ وكما قيل؛ رمتين‬
‫بدائها وانسلت‪.‬‬
‫أما الكذب واالفرتاء الضمين املبطن وحماولتهم التلميح والتلويح أبهنا موجودة ِف شيخنا حفظه هللا‪،‬‬
‫فقوهلم‪( :‬والفتوى ال تصح إال من طالب علم مؤهل لديه اإلملام التام ابألحكام ومعرفة األدلة)‪،‬‬
‫وقوهلم‪( :‬وجوب التعقل والتثبت وترك األمور ألهلها)‪.‬‬

‫‪937‬‬
‫وقد قال القائل قبلهم مثل قوهلم فقال‪{ :‬أم أان خري من هذا الذي هو مهني وال يكاد يبني}‬
‫تشاهبت قلوهبم‪.‬‬
‫‪ )1‬وأما قذفهم للشيخ حفظه هللا ِف هذا الباب فقوهلم إن عليه مآخذ سلوكية!!‬
‫فماذا يعين هذا الكالم؟ وهل هذا إال قذف صريح مقيت خبيث يستحق إقامة الدعوى عليهم‬
‫ومقاضاهتم شرعا يؤخذ به حق الشيخ اخلاص وحق طالبه وحق أهله وحق عامة املسلمني‪ .‬وهذه‬
‫من البذاءة وفحش الكالم‪ ،‬وِف احلديث مرفوعا‪( :‬احلياء من اإلميان والبذاء من اجلفاء) [صححه‬
‫الرتمذي وابن حبان]‪ .‬وِف رواية أخرى (والبذاء شعبة من النفاق) [رواه الرتمذي]‪ ،‬وِف احلديث‬
‫مرفوعا‪( :‬إن هللا يبغض الفاحش البذيء) [صححه الرتمذي]‪.‬‬

‫وختاما‪:‬‬
‫فقد وقعوا ِف عرض شيخنا وشهدوا زورا وكذبوا عليه ومهزوه وملزوه‪ ،‬وِف احلديث مرفوعا‪( :‬من شهد‬
‫على مسلم شهادة ليس هلا أبهل فليتبوأ مقعده من النار) [رواه أمحد عن أيب هريرة]‪.‬‬
‫وهل هذا جزاء من صدع ابحلق ورفع لواء جهاد الكلمة وقول احلق‪ ،‬وِف احلديث مرفوعا فقد سئل‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص أي اجلهاد أفضل؟ قال‪( :‬كلمة حق عند سلطان جائر) [رواه النسائي بسند صحيح]‪.‬‬
‫أقلوا عليهم ال أاب ألبيكم من اللومأ و سدوا املكان الذي سدوا‬
‫ورذا أراد هللا نشر فضيلة طويت أتح هلا لسان حسود‬

‫قال الربهباري ِف شرح السنة [رقم ‪( :]414‬إذا رأيت الرجل حيب أاب هريرة وأنس بن مالك وأسيد‬
‫بن حضري فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء هللا‪ .‬وإذا رأيته حيب أيوب وابن عون ويونس بن عبيد‬
‫وعبد هللا بن إدريس األودي والشعيب ومالك بن مغول ويزيد بن زريع ومعاذ بن معاذ ووهب بن‬
‫جرير ومحاد بن سلمة ومحاد بن زيد ومالك بن أنس واألوزاعي وزائدة بن قدامة وأمحد بن حنبل‬
‫فاعلم أنه صاحب سنة‪ .‬وإذا مسعت الرجل يذكر ابن أيب دؤاد وبشر املريسي ومثامة البصري ‪ -‬من‬
‫رؤوس املعتزلة ‪ -‬وأاب اهلذيل املعتزيل وهشام الفوطي ‪ -‬من دعاة االعتزال ‪ -‬أو أحدا من أتباعهم‬
‫وأشياعهم فاحذره فإنه صاحب بدعة)‪.‬‬
‫نعوذ ابهلل من البهت واالفرتاء‪.‬‬
‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‬
‫كتبه؛ علي بن خضري اخلضري‬
‫‪ / 92‬رجب ‪ 4199 /‬ه‬

‫‪938‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫رد مجاعة من العلماء على افراءات جريدة الوطن‬

‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني وبعد ‪:‬‬
‫فقد اطلعنا على ما نقلته جريدة الوطن األفاكة ُحبالة الشيطان ودهليز الضالل واالفتتان ِف عددها‬
‫{‪ }11٧‬املؤرخ األحد ‪4199/44/1‬ه من كالمها على الشيخ العالمة اإلمام محود بن عقالء‬
‫الشعييب واهتامها له ابلكذب والتنقص والسخرية واهلمز واللمز والتغفيل والسذاجة وهذا نفاق‬
‫وضالل وقالوا كما قال أسالفهم وأئمتهم من قبل من املنافقني الذين قالوا ِف علماء الصحابة ( ما‬
‫رأينا مثل قرائنا هؤالء أكذب ألسنا وال أجنب عند اللقاء وال أكرب بطوان ) فأنزل هللا ِف حقهم (‬
‫ولئن سألتهم ليقولن إمنا كنا خنوض ونلعب قل أابهلل وآايته ورسوله كنتم تستهزءون ) وساروا على‬
‫الطريقة الفرعونية ( أم أان خري من هذا الذي هو مهني وال يكاد يبني ) تشاهبت قلوهبم !! وعن‬
‫ابن مسعود األنصاري هنع هللا يضر قال قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ( إن مما أدرك الناس من كالم النبوة األوىل إذا مل‬
‫تستح فاصنع ما شئت ) ‪.‬‬
‫وال سيما وقد انتقل إىل رمحة هللا تعاىل تغمده هللا بواسع رمحته ‪ ،‬وعن عائشة رضى هللا عنها قالت‬
‫قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ( ال تسبوا األموات ‪.)...‬‬
‫وانطالقا من قوله ملسو هيلع هللا ىلص ( من رد عن عرض أخيه رد هللا عن وجهه النار يوم القيامة )رواه الرتمذي ‪.‬‬
‫وكما ِف حديث الرباء رضى هللا عنه قال أمران رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص بسبع وذكر منها ( نصرة املظلوم )‪.‬‬
‫وجيب محاية عرض من قام هلل وقام ِف نصرة دينه الذي شرعه وارتضاه ونصر السنة وقمع البدعة‬
‫وانصر اجلهاد واجملاهدين ورفع لواء الصدع ابحلق وأحياه لألمة ‪ ،‬وخيشى على من ختاذل عن ذلك‬
‫العقوبة كما ِف حديث جابر بن أيب طلحة رضى هللا عنه قال ملسو هيلع هللا ىلص ما من امرئ مسلم خيذل امرأ‬
‫مسلما ِف موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إال خذله هللا ِف موطن حيب فيه‬
‫نصرته ) رواه أبو داود ‪.‬‬
‫وإن هذه اجلريدة لو تكلمت بسب أحد األمراء ألزيلت عن جذورها ولكن كما قيل ‪:‬‬
‫يقاد للسجن رن سب امللي ورن ُسب اإلله فكل الناس أحرار‬

‫وحنن إذ نربأ إىل هللا مما قالته هذه الصحيفة اجلائرة فإننا ندعو إخواننا املسلمني إىل األمور التالية ‪:‬‬

‫‪939‬‬
‫مقاطعة هذه الصحيفة مقاطعة اتمة من انحية البيع والشراء والقراءة والنشر ومجيع أنواع املقاطعة ‪.‬‬
‫السعي ِف حماكمة هذه الصحيفة وإقامة دعوى ضدها من أهل الشيخ رمحه هللا ومن طالبه ومن‬
‫أهل الغرية والصالح ‪.‬‬
‫الدعاء على هذه الصحيفة ومن كتبها وأمر هبا ومن رضي وأذن بذلك فقد ظلمت وبغت وِف‬
‫احلديث ( اتقوا دعوة املظلوم فإنه ليس بينها وبني هللا حجاب ) وقد دعا نفر من الصحابة على‬
‫ظامليهم كما دعا سعيد بن زيد وسعد بن أيب وقاص رضى هللا عنهما على من ظلمهما ِف‬
‫أحاديث معروفة‪.‬‬
‫االتصال هبذه الصحيفة واإلنكار عليها ‪.‬‬
‫نسأل هللا أن يتغمد الشيخ بواسع رمحته وأن يغفر له ويرمحه ‪ ،‬وأن خيذل أهل الباطل والساعني فيه‬
‫وأن ينصر اجملاهدين ِف كل مكان وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫حرر ِف ‪4199/44/1‬ه‬
‫دمحم بن فهد بن علي الرشودي‬
‫علي بن خضري اخلضري‬
‫صاحل بن عبد هللا الشقيق‬

‫‪941‬‬
‫خطاب املل فهد للشيخ محود العقالء وأخوانه من أهايل القصيم(‪)4‬‬
‫[‪)9(]....‬األخوان الكرام من أهايل القصيم ‪ ،‬الشيخ محود العقالء وأخوانه الذين رفعوا لنا كتاهبم‬
‫سلمهم هللا‪.‬‬

‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته وبعد ‪:‬‬

‫فقد قرأت كتابكم وفهمت ما عرضتم فيه من أستيائكم من عدوان العراق ابجتياح الكويت وترويع‬
‫أهلها وما ترتب على ذلك من قتل وهنب وتشريد وختريب ‪ ،‬وما أوضحتم إبنكم تفدون دينكم‬
‫ابالنفس واالموال واستعدادكم للجهاد‪ ،‬وهذا أمر ال يستغرب منكم فإن ابناء هذا الشعب هم‬
‫عدته وجنده وهم الذين بنوا كيان هذه الدولة حتت قيادة مؤسسها امللك عبدالعزيز رمحه هللا ورحم‬
‫أخوانه الذين ساعدوه وأيدوه حىت حقق هللا اجتماع الكلمة وترسيخ األمن والعدل ‪ ،‬ونرجو هللا أن‬
‫يدمي علينا نعمة االستقرار ويكفينا شر االشرار وكيد االعداء احلاقدين‪ ،‬ونشكركم أيضا على‬
‫نصائحكم الدالة على غريتكم وحبكم للتعاون على الرب والتقوى ‪ ،‬ويسران قيام أخواننا وابنائنا‬
‫مبعاودة النصائح اهلادفه املتأنيه بعد النظر والتثبت ومالحظة مناسبة األحوال ‪ ،‬والناس ال يزالون‬
‫خبري ما دامو متفامهني ومتعاونني على الرب والتقوى ومتصفني ابلتناصح‪ ،‬والنصائح إذا كانت‬
‫مقصوره على الناصحني وويل األمر ومل تنشر على العامة كانت انفعه ومفيده ‪ ،‬وويل األمر حمتاج‬
‫ملن يعينه ابلتذكري إلن الذكرى تنفع ‪ ،‬جعلنا هللا مجيعا من املؤمنني ‪ ،‬وويل األمر قد يعرض له من‬
‫املشاكل األمة املعقدة ما يشغله عن بعض األمور فإذا وفق هللا الرجال الصادقني ملعاونته وتذكريه‬
‫دل ذلك على صدق النيه‪ ،‬وال خيفى أن النصح ِف السر هو األنفع واألقرب حلصول أثره ‪ ،‬وكل ما‬
‫ذكرمت كان موضع أهتمامنا وسوف نويل ذلك ما يستحقه ونعاجله بعد النظر مبا حيقق لبالدان اخلري‬
‫ِف دينها ودنياها ان شاء هللا ‪ ،‬وبالدان ما قامت أال على اساس العقيدة اليت دافع عنها االابء حىت‬
‫سلموها لنا صافية مشرقه‪ ،‬وسوف حنافظ عليها حبول هللا وال نسمح إبن ينتقصها عدو مغرض‬
‫وسوف تسمعون وترون كل ما يسر كل مؤمن أن شاء هللا ‪ ،‬وأنتم تعلمون أن بالدان حمسودة على‬
‫____________________________________‬
‫(‪ )4‬املصدر‪:‬حساب بريدة عرب التاريخ ِف موقع تويرت‪ ،‬اسم املستخدم @‪ ، hooay_najjd‬اتريخ ‪4141/4٧/٧:‬‬
‫ه ‪ .‬نص التغريدة‪:‬خطاب ‪#‬امللك_فهد (لالخوان) والشيخ محود العقالء الشعييب يشكرهم على النصحية ومشاعرهم‬
‫واستعدادهم للجهاد أايم غزو الكويت الرابط‪p1x5pxwU5http://t.co/Y :‬‬

‫(‪ )9‬مل تتضح يل الكلمة‪ ،‬أنظر إىل صورة اخلطاب ص ‪. 214‬‬

‫‪941‬‬
‫ما فيها من أمن وإستقرار وكثرة خريات ومتاسك بني األمه ‪ ،‬واعداؤان كثري وال يتم التغلب عليهم‬
‫اال ابلتعاون ورفض كل ما يسبب الشر أو يبذر بذوره سلمكم هللا والسالم عليكم ‪.‬‬

‫اخوكم فهد بن عبد العزيز ال سعود‬

‫‪942‬‬
‫صور اخلطاب‬

‫‪943‬‬
944
945
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫اإلعالم اجلائر على الشيخ محود بن عقالء الشعييب‬
‫حفظه هللا‬
‫‪ 4199 / 4 / 94‬ه‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني ‪،‬نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني ‪ ،‬أما بعد ‪.‬‬
‫فإن مما ابتليت به األمة اليوم ما أخربان به النيب ملسو هيلع هللا ىلص أن يوسد األمر إىل غري أهله ‪ ،‬فإعالمنا املقروء‬
‫و املسموع قد أُوكل إليه أسافل القوم ممن ال يشهد هلم بصالح وال استقامة إال ما ندر ‪ ،‬وإن‬
‫أتيت على كثري منهم وجدهتم يرددون ماال يفقهون تقليداً للغرب الكافر و تطبيقا لسنة املغلوب‬
‫املتبع للغالب اتباعا للهوى و الشهوات وال حول وال قوة إال ابهلل ‪ ،‬وملا كان هؤالء على ماهم عليه‬
‫من نفوٍر عن الدين كانت ضراوهتم على أهل الدين اعظم واعظم ‪ ،‬ألن مواالة أهل اإلسالم‬
‫العاملني له يتناىف مع تقاليد الغرب الغالب على هؤالء ‪ ،‬وتطالعنا ساحة العفن اإلعالمي ِف هذا‬
‫الوقت وبعد مضي زمن طويل من متابعتها لنشر العربدة والعري والتخلف ونشر الفساد واحنالل‬
‫األخالق وتشتيت عقائد الناس تطالعنا مبدح وثناء لفساق القوم ومروجي اخلىن والعهر ممن تغين‬
‫آبايت هللا البينات وأبعظم سورة ِف القرآن ‪ ،‬يُ َدنْ َد ُن عليها أبواتر العود ‪ ،‬هذه املعازف والغناء اليت‬
‫قال هللا عنهما ( ومن الناس من يشرتي هلو احلديث ليضل عن سبيل هللا ) ‪ ،‬فهي ضالل عن‬
‫سبيل هللا ‪ ،‬واملعازف واألغاين بريد الزان ‪ ،‬ومصدر من مصادر الفسق والفجور ‪ ،‬مث جتتمع هذه‬
‫املعزف آبايت هللا وكلماته اليت أنزهلا على عباده سبحانه ‪ ،‬وأي كرامة وأي فضل أن ين زل هللا تعاىل‬
‫كالمه بني عبادة يتلونه أانء الليل وأطراف النهار مث أيت عربيد عاش بني أوكار الفسق فيتغىن‬
‫آبايته سبحانه ‪ ، !! ...‬إنه جرم عظيم ال يشعر به إال من رضي ابهلل رابً وابإلسالم ديناً ومبحمد‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص نبيا ورسوالً ‪ ،‬ومل يستنكر على هذا املعتدي عبد هللا الرويشد ملا تغىن آبايت هللا أحد ممن‬
‫ينتمي إىل هذه الساحات العفنة إال ما ندر ‪ ،‬والذين ال يستغرب منهم تركهم الدفاع عن شريعة‬
‫رب العاملني ‪ ،‬لكن املستغرب أن ينخدع من هو حمسوب على اخلري وأهله خلف شعارات جائرة‬
‫وعناوين براقة أبسلوب تلوح فيه قلة األدب ‪ ،‬و ليتهم سكتوا عن شيخ جليل علم العلم الشرعي‬
‫ودرسه ‪ ،‬وخرج على يديه علماء ووزراء ومسؤولني ودعاة ‪ ،‬دافع عن كتاب هللا وحتمل اجتماع أهل‬
‫األرض قاطبة عليه إال ما رحم ربك ‪ ،‬وهذه سنة من هذا العامل اجملاهد هلل دره ‪ ،‬احتذى هبا عن‬
‫سيد املرسلني وخامت رسل رب العاملني دمحم عليه افضل الصالة والسالم الذي رمته العرب عن قوس‬

‫‪946‬‬
‫واحدة فصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله ومن تبعه إىل يوم الدين ‪ ،‬وقد خطأ هؤالء السفهاء‬
‫الشيخ محود وشنعوا عليه وجترأوا على أحد أعالم املسلمني إما جبهل أو خببث ‪ ،‬فال حول وال قوة‬
‫َ‬
‫إال ابهلل ‪ ،‬وليُعلم أن من أقل الواجب على شباب اإلسالم ( جيل الصحوة ) أن يقفوا مع علمائهم‬
‫يدافعون عنهم مبا أوتوا من قوة ‪ ،‬وال يفتئوا عن الذب عن أعراضهم ِف زمن قل فيه النصري إال من‬
‫رب العاملني ‪ ،‬وليُعلم أن من أقل ما يبتغى عند اخلالف هو العدل واإلنصاف والصدق ِف القول ‪،‬‬
‫حىت مع غري املسلمني ‪ ،‬فكيف بعلماء املسلمني ‪.‬‬
‫إن إعالم القوم الذي تعودان منه االفرتاء على دين رب العاملني والدفاع عن أهل الفسق وعلى‬
‫الكذب والدجل على عوام املسلمني ‪ ..‬ال يستغرب منه أن يفرت على أحد رجال اإلسالم ‪ ،‬وقد‬
‫صب جام غضبه على الشيخ الكرمي ألنه كفر من أساء لإلسالم واملسلمني ‪ ،‬و حتركت من ساسة‬
‫تلك الساحة العفنة أقالم مل يعهد منها أن تتحرك لنصرة الدين أو الوقوف مع مصاحل املسلمني ‪،‬‬
‫إال مع قلب احلقائق والتلفيق واصطناع املواقف ‪ ،‬فلم تتحرك تلك األقالم عندما تغىن ابلقرآن‬
‫الكثري من املغنني عليهم لعنة هللا !! أين تلك األقالم عن جراحات املسلمني ِف مشارق األرض‬
‫ومغارهبا ؟ أين هي عن جمازر املسلمني ِف جزر امللوك ؟ أين هي عن نصرة املسلمني ِف الشيشان‬
‫؟ أين هي عن دماء املسلمني ِف الفلبني ؟ أين هي عن كشمري املستضعفة ؟ أين هي عن نصرة‬
‫طالبان واليت تعلن صباح مساء أهنا على استعداد لنشر اإلسالم وسحق الزندقة واإلحلاد ؟ أين هي‬
‫عن إصالح عقائد الناس وما داخلها من تغري و تشتت ِف املعتقد وغريه ؟ نسأل هللا العفو والعافية‬
‫‪ ..‬وألن الشيخ ثبت على قوله ومل يتزعزع رأينا كيف جترأ عليه بعض الكتاب ‪ ،‬لقد ظهروا على‬
‫حقيقتهم وابن زيفهم وخداعهم ‪ ،‬مهما قدموا من حجج ومهما استبسلوا ِف الدفاع عن رعونتهم‬
‫ومحاقتهم ‪.‬‬
‫أفىت الشيخ محود ‪ ،‬قلتم ‪ :‬أين البينة ؟ قلنا ‪ :‬هذه البينة ‪ :‬وهي شهادة الشهود وما نشر ِف أكثر‬
‫من جريدة ‪ ،‬قلتم ‪ :‬ال يكفي ‪ ،‬ألنه كالم جرائد ‪ ،‬والشهود جمهولو العدالة ‪ ،‬قلنا ‪ :‬وهذا مقطع‬
‫من األغنية املذكورة بصوت املذكور ‪ ،‬قلتم ‪ :‬قد تكون منتحلة ‪ ،‬ومن يثبت أنه الرويشد فعال ؟ قلنا‬
‫‪ :‬هؤالء يشهدون أنه الرويشد ‪ ،‬قلتم ‪ :‬إن كانوا يسمعون الغناء فشهادهتم ابطلة ألهنم فساق ‪،‬‬
‫وإن كانوا ال يسمعون فكيف يشهدون ؟ قلنا ‪ :‬وها قد اعرتف الرويشد نفسه ابألغنية ‪ ،‬قلتم ‪:‬‬
‫ومن قال إهنا نفس األغنية ؟ قلنا ‪ :‬ها قد ذكر كالماهتا ‪ ،‬قلتم ‪ :‬ولو ‪ ..‬من يثبت إن الرويشد هو‬
‫املعرتف هذا كالم جرائد ؟ ولو قلنا ‪ :‬ها قد خرج الرويشد ِف التلفاز والقنوات وقد احتضن العود‬
‫ويغين الفاحتة ‪ ..‬لقلتم ‪ :‬مدبلج ‪...‬الدبلجة سهلة ‪ ،‬ولو قلنا ‪ :‬ها قد جاء الرويشد أمام القضاء‬

‫‪947‬‬
‫واعرتف أبنه غىن الفاحتة ‪ ،‬لقلتم ‪ :‬جين تلبس بصورة الرويشد ‪،‬واجلن يتلبسون بصورة اإلنس ‪ ،‬ولو‬
‫قلنا ‪ :‬جئنا بقارئ يقرأ على (الرويشد) وينفث عليه حىت أتكد أنه ليس جنيا ؟ لقلتم ‪ :‬هذا القارئ‬
‫مؤيد لفتوى الشيخ (محود) لذلك مل يقرأ جيدا ‪ ،‬ولو قلنا ‪ :‬وهذا ويل أمر ( اجلن ) قابلناه وسألناه‬
‫عن (الرويشد) املوجود هل هو أحد رعاايه من ( اجلن ) أو هو ( الرويشد املغين ) فنفى أن يكون‬
‫جنيا ‪ ،‬لقلتم ‪ :‬قاله ويل أمر اجلن بال بينة وال إثبات كفتوى الشيخ محود ‪ ،‬ولو قلنا قال هللا قال‬
‫رسوله ‪ :‬لقلتم ‪ ،‬ولو قلنا ‪ :‬لقلتم ‪ ،‬ولو قلنا ‪ :‬لقلتم ‪ ،‬فمادام اإلسالم موجود سنقول وتقولون ولن‬
‫تكفوا عن قولكم حىت ينتهي اإلسالم ولن ينتهي اإلسالم إال عند قيام الساعة ‪ ،‬مهما قلنا‬
‫ستقولون ‪ ،‬ورجعنا عودا على بدء ‪.‬‬
‫ومن الذين تكلموا على الشيخ محود جبهل وخبث وسوء طوية ظهرت ِف ثنااي ما سطره رئيس‬
‫حترير جريدة الرايض ( تركي السديري ) ‪ ،‬ذلك االسم القبيح ‪ ،‬والذي إن أردت أن تعرف عنه‬
‫شيئا فأذكر امسه ِف جملس ما ‪ ،‬وسوف جتد كل من ِف قلبه إميان يتغري وجهه ويدعوا عليه ويصفه‬
‫أبوصاف اخلبث والعداء للدين وأهله ‪ ،‬ومقاله هذا الذي تكلم فيه عن الشيخ واضح وضوح‬
‫الشمس ِف صورة عداءه لإلسالم وقد وصف شباب الصحوة بقوله ‪ :‬من يسمون أنفسهم جبيل‬
‫الصحوة ‪ ،‬هذا هو العداء للدين حقيقةً ‪ ..‬وقد خول نفسه أبن ينتقد العلماء ويقبل من يشاء‬
‫ويرفض ِمن من يشاء ‪ ،‬وقد رد عليه أبو دمحم جزاه هللا خري من الرايض هبذا املقال الذي نشر على‬
‫الشبكة العاملية األنرت نت ‪ ،‬ألن صحفنا حتتكر املنرب الصحفي ‪ ،‬وهذا دليل على ضعفهم العلمي‬
‫وعجزهم عن اجملادلة ِف احلق ولو بلغوا أعلى املناصب وانلوا على أعلى الشهادات ‪ ،‬والشواهد‬
‫كثرية ‪.‬‬
‫قال أبو دمحم جزاه هللا خريا‪:‬‬
‫السفهاء يتطاولون على العلماء‬

‫مصيبة أن خيرج علينا من ينتسب إىل اإلسالم ويسخر به بل وبكتاهبم املقدس‪ ..‬وتزداد املصبية إذا‬
‫خرج من ينتسب إىل اإلسالم ويدافع عن هذا اجلرمية وبكل وقاحة ‪ ..‬تتجلى هذه املصائب ِف‬
‫موقف ‪ :‬تركي السديري ‪ .‬مع قضية فتوى العالمة الشيخ ‪ :‬محود بن عقال الشعييب مع املطرب‬
‫الكوييت ‪ :‬عبد هللا الرويشد ‪ ،‬فقد خرج علينا هذا الكاتب جماهراً بسفهه وجهله مع العلماء ِف‬
‫صحيفة الرايض بعددها ( ‪ِ ) 4421٧‬ف يوم الثالاثء املوافق ‪ / 41 :‬حمرم ‪4199 /‬ه ‪ .‬وخموالً‬
‫نفسه حكماً عليهم بكل جرأة ‪ ،‬فال غرابة ‪ ..‬فهذه من عالمات الساعة اليت أخرب عنها نبينا_عليه‬

‫‪948‬‬
‫الصالة والسالم _ من علو األسافل ونطق الرويبضة ‪ ،‬ففي الوقت الذي يستنكر فيه هذا الكاتب‬
‫أن خيَول أحد نفسه للفتوى‪ .‬جنده قد خول نفسه للرد على علم من أعالم املسلمني ‪.‬ولكن‬
‫السحاب ال يضره نبح الكالب‪.‬‬
‫ولو أين بليت هبامشي _ خؤولته بنو عبد املدان‬
‫صربت على أذاه يل ولكن_ تعالوا فانظروا مبن ابتالين‬
‫فتاريخ العالمة ‪ :‬محود بن عقال الشعييب حافل ابلعلم والتعليم واجملاهدة و املصابرة وقد خترج من‬
‫مدرسته ومن بني يديه كبار العلماء وهو ليس حباجة إىل شهادة أحد ‪ ،‬ويكفيه أنه معلم وشيخ‬
‫املشايخ ‪ ،‬فقد خترج من بني يديه العالمة ‪ :‬دمحم بن صاحل العثيمني رمحة هللا ‪ -‬وفضيلة الشيخ ‪:‬‬
‫عبد العزيز آل الشيخ مفيت عام اململكة و فضيلة الشيخ ‪ :‬صاحل اللحيدان ‪ ،‬وفضيلة الشيخ صاحل‬
‫الفوزان ومعايل الدكتور ‪ :‬عبد هللا الرتكي أمني رابطة العامل اإلسالمي ومعايل الشيخ عبدهللا آل‬
‫الشيخ وزير العدل ‪ ،‬فشيخ هؤالء تالميذه ‪ ،‬أيقال عنه أنه شخص غري خمول للفتوى؟!! وليتك مل‬
‫تلغ ِف ع ْلم ومشوخ الشيخ واكتفيت بتصفيف األوراق وقراءة الكاريكاتري ‪ ..‬أما األمور الشرعية‬ ‫ُ‬
‫فمالك وماهلا ‪ (( ..‬قد علم كل أانس مشرهبم )) ‪ ،‬وِف هذه املقالة يستنكر ‪ :‬تركي السديري أن‬
‫تصدر فتوى بتكفري أمثال تركي احلمد وعبد هللا الرويشد ‪..‬‬
‫وابختصار شديد نقول ‪:‬‬
‫إن التكفري حق هلل ورسول ‪ ،‬فال جيوز ألحد أن يقدم على تكفري أحد إال من كفرة هللا ورسوله أال‬
‫وإن ممن كفرة هللا ورسوله املستهزئني بدين هللا جل وعال ‪ .‬يتبني ذلك ابلنفر الذين خرجوا مع النيب‬
‫صلى هللا علية وسلم _ للجهاد مث تلفظوا أبلفاظ مل يقصدوا هبا الكفر وإمنا قالوها ليقطعوا هبا عناء‬
‫السفر فقالوا ‪ :‬ما رأينا مثل قرائنا هؤالء أرغب بطوانً وأكذب ألسناً وأجنب عند اللقاء ‪ ،‬فنزل‬
‫الوحي بتكفري هؤالء ونزلت آايت تتلى إيل يوم القيامة‪ (( :‬قل أاب هللا وآايته ورسوله كنتم تستهزئون‬
‫ال تعتذروا قد كفرمت بعد إميانكم )) ‪ .‬نزل تكفريهم وهم خارجون ِف اجلهاد مع رسول هللا ضد‬
‫الكفار ‪ ..‬ال ِف حفلة موسيقية ماجنة‪ .‬ولكنه حكم هللا ‪ (( ..‬ال تعتذروا قد كفرمت بعد إميانكم ))‬
‫أتعيب على الشيخ أن صدع حبكم هللا جل وعال ؟!‪ ..‬وأان أكاد أجزم جزماً اتماً أنك ال تفقه ِف‬
‫أحكام املرتد ِف الفقه اإلسالمي شيئاً ولكن ظننت املسألة إبداء رأي كما تبديه ِف الصفحات‬
‫الفنية والرايضية ورسوم الكاريكاتري ‪ ،‬فمن اجلميل أن تعرف قدرك وتلزم حدك و العجب أنك ترد‬
‫هذه الفتوى من أجل أمرين ‪:‬‬
‫األول ‪ -:‬أن بعض فقهاء العرب يرفضون هذا التسرع ‪.‬‬

‫‪949‬‬
‫فأقول لك ‪ :‬العربة ابلكتاب والسنة وإذ أقام الدليل على تكفري شخص كفره العلماء ‪ .‬مث أن بعض‬
‫هؤالء الفقهاء الذين ذكرت وحتتج هبم استنكروا هدم األصنام بل محَلوا أنفسهم عناء السفر من‬
‫أجل احملافظة على رموز الكفر والشرك ‪ ،‬وبعضهم يقول ‪ :‬إن اليهود والنصارى أخوان لنا ‪ ،‬فإن‬
‫أردت أن حتتج فاحتج ابلكتاب والسنة ‪.‬‬
‫الثاين ‪ -:‬قولك ‪ :‬أن هذا احلكم يعرضنا عرب وسائل اإلعالم إىل سخرية اآلخرين‪ .‬فأقول ‪ :‬ليتك‬
‫سكت واكتفيت ما سبقت اإلشارة إلية ‪ ،‬أمبثل هذه اخلزعبالت واألحاجي ترد أحكام هللا‬
‫؟!…أتردها حىت ال تسخر هبا بعض وسائل اإلعالم ‪.‬؟!! فميت كانت هذا الوسائل حكماً على‬
‫حكم هللا ورسوله ؟ والناس أمجعني يعرفون اجتاهات وأهداف بعض هذه الوسائل أما قولك ‪:‬‬
‫ولست أفهم ماذا تعين عبارة ( جيل الصحوة ) ‪.‬فليتك إذا مل تفهم سكت ‪ .‬ولكنك وضعت‬
‫عقلك ِف طبق ودعوتنا ملشاهدته فلم نرى فيه إال العفن والتطاول على العلماء ‪ ،‬والتحامل على‬
‫جيل الصحوة ‪ ،‬وعدم الفهم ‪ .‬مث أعلم أن الشهرة ال تنال على أكتاف العلماء ‪.‬‬
‫إىل القراء ‪ :‬قسوة العبارة جزاءً وفاقاً كما قال تعايل‪ (( :‬ال حيب هللا اجلهر ابلسوء من القول إال من‬
‫ظلم وكان هللا مسيعاً عليماً )) انتهى ‪ ..‬كتبه أبو دمحم ‪ -‬الرايض ‪4199 / 4 / 4٧ -‬ه‬

‫املقاالت السوداء واخلطاب االقصائي‬

‫قال جزاه هللا خريا ‪:‬‬


‫احلمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا وعلى آله وصحبه ومن وااله إىل يوم الدين ‪ ،‬أما بعد ‪:‬‬
‫‪-‬‬
‫فإن املقاالت السوداء هي تلك املقاالت اليت ينتصب كاتبوها جلعل ورثة األنبياء غرضا يصوبون‬
‫إليهم سهامهم حبجج واهية ‪ ،‬هناية مؤداها إسقاط فتوى أهل العلم وفتح ابب السخرية ابلدين‬
‫على مصراعيه ‪ ،‬وهذه احلجج التقف عند حد ألهنا من وحي الشياطني وما زال الشياطني يوحي‬
‫بعضهم إىل بعض زخرف القول غرورا ‪ ،‬فمن قائل ‪ :‬مستعجل ‪ ،‬ومن قائل ‪ :‬فتوى فردية ‪ ،‬ومن‬
‫قائل تدخل ِف شؤون الدول األخرى ‪ ،‬ومن قائل ‪ :‬هذا خمالف للقانون الدويل ‪ ،‬والقائمة ال تنتهي‬
‫‪ ،‬إال أن املتابع يرى أن اجلامع بني هذه املقاالت أغفلت من صدرت ِف حقه الفتوى ومل تتعرض‬
‫له بشيء ‪ .‬ولدى كتاهبا من األعذار ما يقولونه ‪،‬كما يالحظ املتابع أن الكالم كان منصبا على‬
‫من أفىت ال من سكت ‪ ،‬و يالحظ أن هذا النوع من الفتاوى هو حمل النقد ‪ ،‬وأيضا يالحظ أن‬
‫غالب هذه املقاالت صدرت من أانس ليس هلم سابقة ِف نصرة هذا الدين أو عرف عنهم التمكن‬

‫‪951‬‬
‫من علوم الشريعة متدثرين بعبارات منمقة ‪ ،‬وألفاظ راننة ‪،‬ومصطلحات فضفاضة‪ ،‬انسني أو‬
‫متناسني أن هذا العلم دين فانظروا عمن أتخذون دينكم ‪ ،‬وسيالحظ املتابع الكثري والكثري ‪،‬ومما‬
‫قرأته مقالة عبد الرمحن بن دمحم الالحم عنون هلا بعنوان الفتاوى السوداء ‪،‬كانت حبق هي املقالة‬
‫السوداء ‪ ،‬وأان لن أنتصب هنا ِف مقام املدافع عن الشيخ محود وفقه هللا ونفعنا بعلومه ألمور‬
‫منها‪ -:‬أنه ليس ِف موقف ضعف بل هو يستند إىل قال هللا فال رسوله ملسو هيلع هللا ىلص ‪،‬أن هللا قد تكفل‬
‫ابلدفاع عنه واالنتقام من شانئيه قال تعلى ( إن هللا يدافع عن الذين آمنوا ‪ )........‬اآلية ‪ ،‬وقوله‬
‫‪ :‬من عادى يل وليا فقد آذنته ابحلرب ‪ ،‬إن مجيع من كتبوا ينتقدون فتواه ما مقاالهتم هذه إال ردة‬
‫فعل لفتواه اليت هي ردة فعل ملا قام به من صدرت ِف حقه الفتوى ‪ ،‬فأي الفريقني أحق ابألمن ؟‬
‫فأان ِف مقام الشفقة على املنتقدين أقرب مين من مقام املدافع عن الشيخ ‪ ،‬وقد عنونت هذه‬
‫املقالة هبذا العنوان الذي قد ال يكون مرغواب فيه من البعض العتبارات من أمهها ‪-:‬‬
‫‪ -4‬مقابلة لعنوان الالحم آنف الذكر ليعلم أن هذا النوع من التعبري كل جييده ولكن العربة‬
‫ابلدليل الشرعي ‪.‬‬
‫‪ -9‬إذا كانت الفتوى اليت صدرت من عامل هو شيخ لبعض املشائخ املعروفني توصف أبهنا فتاوى‬
‫سوداء فإن وصف ما دوهنا من املقاالت ومن انس نكرات أحق ابملقاالت السوداء ‪.‬‬
‫‪ -4‬إذا كانت الفتوى اليت خرجت خمرج الغرية على دين هللا والذب عن كتابه من شخص فاسق‬
‫توصف هبذا الوصف املستهجن فإن ما خرج خمرج الذب عن هذا الفاسق هو أحق بوصف السواد‬
‫‪.‬‬
‫‪ -1‬إذا كانت الفتوى اليت اشتملت وبنيت على قال هللا قال رسوله وضمنت كالم العلماء من‬
‫شخص متخصص توصف ابلسوداء فإن مامل يشتمل على ذلك ومل يبىن إال على اهلوى والتخرص‬
‫أحق هبذا الوصف ‪ ،‬وسيتبني فيما يلي قدر السواد الذي ِف هذه املقالة ( ظلمات بعضها فوق‬
‫بعض إذا أخرج يده مل يكد يراها ومن مل جيعل هللا له نورا فماله من نور ) ‪.‬‬
‫قال الالحم‪:‬‬
‫قوبلت فتوى الشيخ محود العقالء املتضمنة تكفري الفنان عبدهللا الرويشد ابستغراب من العلماء‬
‫واملفكرين ورجال اإلعالم‪ ،‬وأصبحت الفتوى مادة إعالمية دمسة للصحف السيارة وشبكات التلفزة‬
‫ِف الفرتة املاضية إال أنين أعتقد أنه ال جمال لالستغراب من تلك الفتوى ‪ .‬أه‬
‫وأقول ‪:‬‬

‫‪951‬‬
‫هذه مقدمة وجل منها الالحم ملا يصبوا إليه ِف مقالته ظنا منه أن التقدمي مبثل هذه املقدمة سيهيئ‬
‫القارئ لتقبل اللون القامت الذي وصفت به هذه الفتوى وأن هذه نظرة العلماء واملفكرين‬
‫واإلعالميني فيجب عليك أيها القارئ االنضمام للقافلة فلست ِف الطريق وحدك ‪.‬‬
‫لكن الالحم فاته ما يلي ‪-:‬‬
‫نسي أن يبني للقارئ من أي األصناف هو ؟ هل هو من العلماء ومن املراد ابلعلماء هل هم‬
‫علماء الشريعة أم غريهم ؟ أم هو من املفكرين ؟ أم هو من اإلعالميني؟ أان ال أظن أن الالحم من‬
‫هذه األصناف كلها ‪ .‬بدليل أن هذه األصناف قابلت الفتوى ابستغراب أما هو فلم حيصل منه‬
‫االستغراب بل ليس لالستغراب لديه جمال ‪ ،‬إال أن يكون فاهتم برتبه‪.‬مث منهم علماء الشريعة الذين‬
‫هم ِف مقام الشيخ وكان منهم االستغراب وأين وجدت كالمهم وما دليلهم من كالم هللا وكالم‬
‫رسوله ملسو هلآو هيلع هللا ىلص ؟ هذا ابعتبار أن العلماء الذين ذكرت أهنم قابلوا الفتوى ابستغراب هم من علماء‬
‫الشريعة ‪ ،‬وال أظنك تعنيهم بدليل أنك حشرت معهم املفكرين واإلعالميني ِف فتوى شرعية ال‬
‫انقة لإلعالميني فيها وال مجل وماذا يعين استغراب املفكرين واإلعالميني ‪ِ .‬ف مسألة أنت تنكر‬
‫على عامل جليل احلديث فيها‪ .‬مع حتفظي الشخصي على مصطلح مفكرين ِف هذا السياق مث‬
‫هب أن هذا الكالم كان صحيحا وأان أقول انه صحيح ِف حق من ذكر‪ - ،‬ما عدا العلماء‬
‫الرابنيني‪ -‬فإن استغراهبم ال يزيدان إال يقينا بديننا وبصحة الفتوى فقد أخربان من ال ينطق عن‬
‫اهلوى أن الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدا ‪ ،‬وغربة الدين قدمية وقد تكلم عنها من مضى ‪.‬‬
‫ذكر الالحم ما نصه‪:‬‬
‫وعليه فإن املتتبع لفتاوى الشيخ السابقة يلمس جبالء اخلطاب اإلقصائي واللغة األحادية‪ ،‬وابلتايل‬
‫فإنه ال يستغرب صدور هذه الفتوى من الشيخ محود‪،‬ألهنا حلقة جاءت بتسلسل منطقي وهي‬
‫مهيأة لالستمرار حلالة قد تطال إذا ما أجلمت رموزاً داخل املؤسسة الدينية ذاهتا أو قوى اجتماعية‬
‫أخرى ‪.‬قد ذكر الالحم هنا بعض املغالطات اليت سنبينها تباعا ِف املقاالت القادمة إن شاء هللا‬
‫‪.‬ولكن ما يهمنا هنا قوله ( وعليه فإن املتتبع لفتاوى الشيخ السابقة يلمس جبالء اخلطاب‬
‫االقصائي واللغة األحادية ) أقول رمتين بدائها وانسلت ‪ ،‬فإن مقالتك هذه هي اإلقصائية وأحادية‬
‫اللغة ‪.‬‬
‫ورلي البيان‪:‬‬
‫*أوال ‪ -‬هذه العبارة مل تكن مستعملة بني العلماء وإمنا كثر احلديث عنها والتعبري هبا حديثا من‬
‫أانس حيملون أفكارا منبوذة خمالفة ملا عليه اجملتمع ال يستطيعون نشرها ِف أوساطه مادامت األبواب‬

‫‪952‬‬
‫موصدة ِف وجوههم ‪ ،‬وحيث أن العلماء هم احلصن املانع والدرع الواقي ملعتقد األمة ينفون عنه‬
‫انتحال املبطلني مل جيد أصحاب هذه األفكار إال مثل هذه األساليب اليت يقصد من ورائها فتح‬
‫اجملال هلم لبث أفكارهم املشبوهة ‪ ،‬ولذا جتد أهنا تكثر ِف خطاب العلمانيني واحلداثيني ويكثر‬
‫تداوهلا ِف الصحافة ‪ ،‬مث سرت هذه العبارة إىل بعض من يسمون ابملفكرين والكتاب املتدينني‬
‫إحساان منهم هبذه العبارة رغم أن ما يعنيه هؤالء الكتاب غري ما يعنيه أولئك العلمانيني ‪ ،‬ولعل‬
‫الالحم دخلت عليه هذه العبارة من هذا الباب ‪ .‬ومع ذلك فإننا نقول أن هذا النوع من الوصف‬
‫ال هنابه وال ننكره ابجلملة فموقفنا منه التفصيل ‪ .‬نعم نقصي اآلخرين إذا كانوا دعاة ابطل ومروجي‬
‫فساد وال نسمع هلم حفاظا على أمساعنا من احلرام وعقولنا من الشبه ‪ .‬وهذا هو منهج سلفنا مع‬
‫أهل البدع ‪،‬بل هو أمر ربنا سبحانه وتعاىل ( والذين ال يشهدون الزور ) وال يهمنا أن نرمى هبذه‬
‫الصفة أبدا ‪.‬أما إن كان املخالف ميلك دليال شرعيا فإن الواجب مناقشته وحماورته ومعرفة ما لديه‬
‫وهذه كتب العلماء قدميا وحديثا مليئة هبذا النوع من النقاشات والسؤال اآلن من أي هذين‬
‫النوعني ما رميت به الشيخ ؟ أم هناك نوع اثلث فتذكره لنا ‪.‬وما هو الرأي األخر الذي أقصاه‬
‫الشيخ ؟ فلعلك تقصد من يقول أن هللا والشيطان وجهان لعملة واحدة ‪ .‬أعيذك من ذلك ‪.‬‬
‫وللحديث بقية إن شاء هللا ‪..‬‬
‫مث رد جزاه هللا خريا على غري هذا فقال ‪:‬‬
‫قال الكاتب ‪:‬‬
‫( وحمصل كالم هؤالء الفقهاء أن الزنديق هو من يسر الكفر ويظهر اإلسالم كيدا لإلسالم )‬
‫فأجاب قائال ‪:‬‬
‫ليس األمر كما تومهت ‪ ،‬فكالم العلماء ليس حمصورا ِف أن الزنديق هو من يسر الكفر ويظهر‬
‫اإلسالم كيدا لإلسالم بل كالمهم أمشل من ذلك وإليك البيان ‪:‬‬
‫‪ -4‬يطلق بعض العلماء لفظ الزنديق على من يقول خبلق القرآن ‪:‬‬
‫( حدثنا سليمان بن أمحد ثنا احلسن بن إسحاق التسرتي ثنا حيىي بن خلف بن الربيع الطرسوسي‬
‫وكان من ثقات املسلمني وعبادهم قال كنت عند مالك بن أنس ودخل عليه رجل فقال اي أاب‬
‫عبدهللا ما تقول فيمن يقول القرآن خملوق فقال مالك زنديق اقتلوه فقال اي أاب عبدهللا إمنا أحكي‬
‫كالما مسعته فقال مل أمسعه من أحد إمنا مسعته منك وعظم هذا القول ) حلية األولياء ‪.‬‬
‫‪9-‬يطلق بعض العلماء لفظ الزنديق على من أنكر صفة من صفات هللا غري الكالم‪:‬‬

‫‪953‬‬
‫( أخربان إمساعيل بن إمساعيل ِف كتابه أخربان أمحد بن متيم اللبلي ببعلبك أخربان أبو روح هبراة‬
‫أخربان دمحم بن إمساعيل أخربان عبد الواحد بن أمحد املليحي أخربان أمحد بن دمحم اخلفاف حدثنا أبو‬
‫العباس السراج إمالء قال من مل يقر أبن هللا تعاىل يعجب ويضحك وينزل كل ليلة إىل السماء‬
‫الدنيا فيقول من يسألين فأعطيه فهو زنديق كافر يستتاب فإن اتب وإال ضربت عنقه وال يصلى‬
‫عليه وال يدفن ِف مقابر املسلمني ) سري أعالم النبالء ‪.‬‬
‫‪4-‬يطلق بعض العلماء لفظ الزنديق على من يسب الصحابة كالرافضة‪:‬‬
‫( أخربان أبو منصور دمحم بن عيسى اهلمذاين ثنا صاحل بن امحد احلافظ قال مسعت أاب جعفر أمحد‬
‫بن عبدل يقول مسعت امحد بن دمحم بن سليمان التسرتي يقول مسعت أاب زرعة يقول إذا رأيت‬
‫الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص فاعلم أنه زنديق وذلك أن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص عندان حق‬
‫والقرآن حق وإمنا أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص وإمنا يريدون أن جيرحوا‬
‫شهودان ليبطلوا الكتاب والسنة واجلرح هبم أوىل وهم زاندقة ) الكفاية ِف علم الرواية ص‪21‬‬
‫‪1-‬يطلق بعض العلماء لفظ الزنديق على من سب أصحب احلديث‪:‬‬
‫(مسعت أاب احلسني دمحم بن امحد احلنظلي ببغداد يقول مسعت أاب إمساعيل دمحم بن إمساعيل الرتمذي‬
‫يقول كنت اان وأمحد بن احلسن الرتمذي عند أيب عبد هللا امحد بن دمحم بن حنبل فقال له امحد بن‬
‫احلسن اي أاب عبد هللا ذكروا البن أيب قتيلة مبكة أصحاب احلديث فقال أصحاب احلديث قوم سوء‬
‫فقام أبو عبد هللا وهو ينفض ثوبه فقال زنديق زنديق زنديق ودخل البيت)انظر جمموع‬
‫الفتاوى‪21/1‬‬
‫‪5-‬بل إن بعض العلماء أطلق لفظ زنديق على من عبد هللا ابحلب وحده‪:‬‬
‫(وقال بعضهم من عبد هللا ابحلب وحده فهو زنديق ومن عبد هللا ابخلوف وحده فهو حروري ومن‬
‫عبده ابلرجاء وحده فهو مرجئ ومن عبده ابحلب واخلوف والرجاء فهو مؤمن موحد ) جمموع‬
‫الفتاوى ‪٧4 / 4٧‬‬
‫‪1-‬بل من ادعى ِف أمر خمتلف فيه هل هو حرام أم مباح ؟ أنه قربة هلل فهو زنديق‪:‬‬
‫( ومعلوم ِف كل عمل تنازع املسلمون فيه هل هو حمرم أو مباح ليس بقربة أن من جعله قربة فقد‬
‫خالف اإلمجاع وإذا فعله متقراب به كان ذلك حراما إبالمجاع كما لو تقرب بلعب النرد والشطرنج‬
‫وبيع الدرهم ابلدرمهني وإتيان النساء ِف احلشوش واستماع الغناء واملعازف وحنو ذلك مما للناس فيه‬
‫قوالن التحرمي واإلابحة مل يقل أحد إهنا قربة فالذي جيعله عبادة يتقرب به كما يتقرب ابلعبادات‬
‫قد فعل حمرما ابإلمجاع وهذا يشبه التقرب ابملالهي واملعازف فإن مجهور املسلمني على أهنا حمرمة‬

‫‪954‬‬
‫وبعضهم أابحها ومل يقل أحد إهنا قربة فقائل ذلك خمالف لإلمجاع وإمنا يقول ذلك زنديق ) جمموع‬
‫الفتاوى ‪ . 992 / 91‬فكيف مبن تقرب هلل ابلتغين آبايته ؟‬
‫فهذه عدة اطالقات للفظ زنديق أطلقها العلماء األوائل غري ماذكر األخ ‪ .‬انتهى‬

‫وكتب الشيخ الداعية عبدالرمحن بن دمحم اهلرِف جزاه هللا خريا ردا أيضا على املدعو الالحم فقال ‪:‬‬
‫األخ عبدالرمحن الالحم ‪:‬‬
‫لقد أسأت للشيخ محود حفظه هللا ِف مقالك ابهلمز واللمز و أسأت العبارة حىت إنين عجبت من‬
‫األخوة القائمني على املنتدى كيف مسحوا هبا ‪ ،‬خاصة ذلك العنوان األسود ولكين سأقف معك‬
‫فيما كتبت فأقول وابهلل التوفيق ‪:‬إن عامة العلماء وكثريا من طلبة العلم يعرفون من هو الشيخ‬
‫محودالعقالء حفظه هللا فهو شيخ لكثري من كبار علماء اململكة العربية السعودية حفظهم هللا‬
‫تعاىل ‪ .‬فهو معروف بعلمه وفضله أسكنه هللا اجلنة … آمني ‪.‬‬
‫قلت‪:‬‬
‫َ‬
‫قوبلت فتوى الشيخ محود العقالء املتضمنة تكفري الفنان عبدهللا الرويشد ابستغراب من العلماء‬
‫واملفكرين ورجال اإلعالم‪ ،‬وأصبحت الفتوى مادة إعالمية دمسة للصحف السيارة وشبكات التلفزة‬
‫ِف الفرتة املاضية ‪.‬‬
‫وأقول ‪:‬‬
‫أما إهنا قوبلت هبذا االستغراب من املفكرين ورجال اإلعالم فهذا أمر طبعي فمىت عرف هؤالء‬
‫حبرصهم على الدين ؟؟ والنفاح عنه ؟؟ أو معرفتهم أبصوله وقواعده ؟؟وأان أضرب لرجال الفكر‬
‫بفهمي هويدي مثال الذي يطالب أن يتفاهم مع من يسب هللا ودينه ونبيه وال يعجل ابحلكم عليه‬
‫وارهابه !! زعم أما العلماء فمن تيقن منهم أن الصوت الذي نشر ِف الشبكة العاملية هو‬
‫للرويشد فهو بال شك سيقول بكفره ‪ ،‬حيث ال عربة ابملقصد هنا ‪ ،‬وال عربة بقصد الكفر أيضا ‪،‬‬
‫وهذا معلوم لطلبة العلم ‪ ،‬وقد قابلت العديد من القضاة وأساتذة اجلامعات واملثقفني ؛ وكان قوهلم‬
‫هو نفس قول الشيخ حفظه هللا وإن كان هناك عددا ممن توقف ِف املسألة لسبب واحد وهو‬
‫عدم ثبوت أن املغين هو الرويشد فقط عند هذا املتوقف ‪ .‬أما كوهنا مادة إعالمية دمسة كما‬
‫قلت فألن األمة اإلسالمية قل فيها من يقوم أبمر هللا تعاىل ومل تعدم ‪ ،‬ولن تعدم إبذن هللا تعاىل‬
‫اَّللُ َعلَيْ ِه وآله َو َسلَّ َم‬
‫صلَّى َّ‬
‫و قد كثرت الفتاوى املميعة للدين واملتساحمة مع من حيارب هللا ورسوله َ‬
‫‪.‬‬

‫‪955‬‬
‫قلت ‪:‬‬
‫َ‬
‫إال أنين أعتقد أنه ال جمال لالستغراب من تلك الفتوى ألهنا جاءت ضمن نسق فكري مطرد فهي‬
‫ال تعدو أن تكون سوى وثبة هوائية من عدة وثبات عودان الشيخ اجلليل أن يتحفنا هبا بني الفينة‬
‫واألخرى وعليه فإن املتتبع لفتاوى الشيخ السابقة يلمس جبالء اخلطاب اإلقصائي واللغة األحادية‬
‫‪.‬‬
‫وأقول ‪:‬‬
‫الشيخ اجلليل ؟ !!!!! لو كان جليال عندك ملا وصفت فتاواه ابلسوداء ‪ ،‬والتأدب مع العلماء‬
‫واجب وهو ال يلغي النقد املؤدب الرصني‪ ،‬اخلطاب اإلقصائي واللغة األحادية عبارات يستعملها‬
‫بعض الناس للتهويل والتخويف فيقول لك ‪ :‬أنت صاحب لغة أحادية أنت صاحب خطاب‬
‫إقصائي أنت إرهايب وكل هذا ليدخلك ِف دوامة الدفاع املستميت عن نفسك ‪ ،‬ويدخلك من‬
‫حيث تدري أو ال تدري ِف قفص االهتام ‪ ،‬فيجعل منك جمرما ‪ ،‬وهيهات أن تنجو منه ‪.‬‬
‫قلت ‪:‬‬
‫َ‬
‫فتلك الفتوى كانت نتاجاً طبيعياً للدعاوى اليت مازال البعض يطلقها حول حتصني بعض‬
‫االطروحات من النقد وجترمي من يتجرأ عليها ابملناقشة أو يهم ابحلوار مع أرابهبا‪ ،‬فهم أضفوا قداسة‬
‫عليها وعلى أصحاهبا مما استتبع معه ضمور أدبيات احلوار ِف بنيتنا الفكرية بوجه عام ‪.‬‬
‫وأقول ‪:‬‬
‫قلت لك فيما سبق إن طرح الفكرة واحلوار حوهلا ال يبغضه أي منصف ‪ ،‬ولكن هو أسلوب‬
‫الطرح‬
‫ووقت النقد‪ ،‬فكثريون ممن نقد الشيخ خاصة ِف منتدايت الشبكة العاملية كان نقدهم هل تثبت‬
‫الشيخ ؟؟وهل أدلته كافية ؟؟ فكنت أقول للكثريين ‪ :‬إن الطرق اليت تثبت هبا الشيخ كانت كافيه‬
‫له للحكم ‪ ،‬وأدلته كانت كافيه له حفظه هللا وكثري منهم خلط بني الفتوى والقضاء خلطا عجيبا‬
‫وال قداسة ألحد عندان معاشر أهل السنة ‪ ،‬ولكن احرتام العلماء واجب ‪ ،‬وتقدميهم دين ‪،‬واحلوار‬
‫ِف ديننا له ضوابط وحدود وآداب ‪ .‬ففي ديننا ال ميكن أن حتاور كل شيء وأي شيء مادمت‬
‫مسلماً ‪ ،‬خبالف الكافر الذي تدعوه لإلسالم فقد حتاوره ِف وجود هللا مثال ولكن من حاور ِف‬
‫هذا من املسلمني كفر وأخالك تعرف هذا جيدا والسؤال للمتعلم خيتلف عن احلوار واملناظرة ‪.‬‬
‫قلت ‪:‬‬
‫َ‬

‫‪956‬‬
‫وال خيفى أن ِف ذلك إمياءة إىل دول قدمت منوذجاً لسيادة الشريعة أبسلوب حضاري‪ ،‬ولكنها مل‬
‫توافق القالب املرتسخ لدى الشيخ ِف مفهوم الدولة فن زع عنها جمرد االنتماء للشريعة متجاهالً‬
‫األضرار اليت قد ينتجها ذلك اخلطاب على أمن تلك الدول مما ينعكس سلباً على نسيجها‬
‫االجتماعي‬
‫وأقول ‪:‬‬
‫العامل الذي يفيت يالحظ األضرار مبعناها األعم األمسى ‪ ،‬ويراعي قواعد الشرع املطهر ‪ ،‬فال معين‬
‫حلفظ النفس وقد ذهب الدين ‪ ،‬وعلى هذا فقس ‪ .‬فمثال ‪ :‬مهما كانت األضرار اليت سوف‬
‫حتدث ِف أمن تلك الدول ال تعادل حتكيم الشرع املطهر ‪ ،‬واألمر كما قال هللا تعاىل ‪" :‬والفتنة‬
‫أكرب من القتل " قال جماهد ‪ :‬والفتنة هنا الكفر ‪ .‬فأيها أعظم ِف ميزان الشرع ؟؟؟‬
‫قلت ‪:‬‬
‫َ‬
‫وأعتقد أن اإلشكالية العظمى ِف منهج الفتاوى الفردية أنه يورم األفراد على حساب املؤسسات‬
‫واليت هي قوام اجملتمع املدين احلديث حيث إن مثل تلك القضااي ذات البعد اجلنائي البحت ينعقد‬
‫االختصاص ِف الفصل فيها للمؤسسات القضائية ِف الدولة حىت يتمكن الطرف اجملين عليه ِف‬
‫تلك الفتوى من إبداء دفاعه أو يثبت انتفاء التهمة من األساس وحيفظ حقه املدين مبالحقة‬
‫املتسبب فيها‬
‫ابلتعويض عن األضرار اليت حلقت به من جراء تلك الفتوى اجلائرة ‪.‬‬
‫وأقول‪:‬‬
‫بال شك أن الفتاوى الصادرة عن املؤسسات هي أقوى ِف العموم من الفتاوى الصادرة من‬
‫أشخاص ‪ ،‬خاصة ِف هذه األزمنة اليت قل فيها العلماء املوسوعيون كما يقال ‪ .‬ولكنك وقعت‬
‫فيما وقع فيه غريك من اخللط حيث إن الشيخ عامل مفىت وليس قاضيا فال يلزمه ما يلزم القضاة أو‬
‫دور القضاء ‪ ،‬فهذه الدور هلا تنظيماهتا اإلدارية اليت تعمل مبقتضاها ‪ .‬مث انه سبق وأن صدرت‬
‫فتاوى بكفر أشخاص من دار الفتوى والقضاء أايم حياة مساحة مفىت الداير الشيخ دمحم بن إبراهيم‬
‫آل الشيخ ومن بعده اإلمام عبدالعزيز ابن ابز رمحهما هللا وغفر هلما ‪ .‬فمثال راجع فتاوى مساحة‬
‫الشيخ دمحم بن إبراهيم كتاب املرتد لتعلم أنه كفر أشخاص قالوا عربات هي أقل مما قال‬
‫الرويشد‪،‬وراجع رد الشيخ عبدالعزيز ابن ابز على جملة عكاظ وكيف وصف كاتب املقال والقائمني‬
‫على اجلريدة‪،‬أم أهنما أيضا أصحاب فتاوى جائرة وسوداء ؟؟؟ وصدقيت قد ال أعجب منك إن‬
‫قلت ‪ :‬نعم ‪ ،‬أما وصفك أبهنا فتوى جائرة فهو جور منك وظلم بني ولكن على من ؟؟ على‬

‫‪957‬‬
‫نفسك اليت بني جنبيك فأنت طوال املقالة هتمز وتلمز الشيخ ومل تقل كلمة ردع وال زجر للرويشد‬
‫!!!اي أخي هب أن الشيخ أخطأ ‪ ،‬هل خطؤه يقارن خبطأ الرويشد ؟؟؟ أي ظلم ظلمت به نفسك‬
‫؟؟إن فعلك هذا جيرئ الرويشد وغريه على التمادي ِف أفعاهلم ‪ ،‬على األقل يقال ‪ :‬إن فعله خطأ‬
‫وسيئ يستحق معه التأديب والزجر ‪ ،‬لكنه مل يكفر مثال‪ ،‬ولكن دافعت عن الرويشد فهنيئا له‬
‫دفاعك ‪.‬‬
‫قلت ‪:‬‬
‫َ‬
‫إال أن الفتوى الفردية تضع ذلك املسكني بني خيارين إما أن يعلن أمام املأل عن توبته عن جرم هو‬
‫يعتقد أنه مل يقرتفه أو حيزم حقائبه ويهاجر إىل دولة ال تصلها بنادق احملتسبني ‪..‬‬
‫وأقول ‪:‬‬
‫أال جتد معي أن اخليارين هلما فوائد ‪ ،‬هب أنه اتب على املأل أال جيعل هذا غريه يتأدب ؟؟ ويفكر‬
‫عدة مرات قبل اخلوض ِف آايت هللا ؟؟ ولو أنه حزم حقائبه فإن هللا تعاىل له ابملرصاد ‪ ،‬وال خيفاك‬
‫أين كان رشاد خليفة ‪ ،‬ولكن هللا كان له ابملرصاد ‪.‬وال خيلوا بلد مسلم من رجل حيب األجر‬
‫ويرجو اجلنة كثر احملتسبني على أهل الفجور‪.‬‬
‫قلت ‪:‬‬
‫َ‬
‫بل إن صاحب الفتوى قصر اخليارات على خيار أوحد فأغلق ابب التوبة وأىب إال أن يؤمت أبناءه‬
‫ويرمل امرأته " اليت ابنت منه مبجرد الفتوى " فقضى عليه ابلقتل بال استتابة !!! ‪.‬‬
‫وأقول ‪:‬‬
‫مسألة استتابة املرتد مسألة خالفية بني العلماء فأوجز لك فيها القول‪ :‬اإلمجاع على أن ساب النيب‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه وآله َو َسلَّ َم ال يستتاب ‪ ،‬ألنه حق بشر ‪.‬وقع اخلالف ِف غريه فذهب اجلمهور‬
‫صلَّى َّ‬‫َ‬
‫إىل أن غري ساب النيب يستتاب ‪ ،‬فأن اتب وإال قتل وفصل غريهم فقالوا ‪ :‬إن كان فعله يوصله‬
‫حلد الزندقة فال يستتاب ‪ ،‬وإال يستتاب وهناك من ذهب لعدم استتابة املرتد مطلقا حلديث آيب‬
‫اَّللُ َعْنهُ‪.‬والذي يظهر يل أنك مل تفهم معىن ال يستتاب حيث قلت ‪:‬‬ ‫موسى األشعري َر ِض َي َّ‬
‫فأغلق ابب التوبة ‪ .‬وهذا شيء مضحك !!ألن االستتابة معناها ‪ :‬أن يقال له تب من فعلك وإال‬
‫قتلناك أما ابب التوبة بينه وبني هللا فمفتوح ال يغلق إال ابلغرغرة أو خروج الشمس من املغرب أما‬
‫املشهد العاطفي الذي ذكرته فال قيمت له ِف الشرع ‪ ،‬حيث إنه لو اعترب ملا أقيم حد على أحد‬
‫من الناس فللقاتل أبناء وزوجة مسكينة وكذا احملارب ‪ ،‬بل حىت احلريب الذي يقاتل املسلمني‬
‫‪.‬واألصل عندان معاشر املسلمني هو قول هللا تعاىل ‪ ":‬وال أتخذكم هبما رأفة ِف دين هللا إن كنتم‬

‫‪958‬‬
‫تؤمنون ابهلل واليوم اآلخر وليشهد عذاهبما طائفة من املؤمنني" أما كون زوجته ابنت منه فقد ابنت‬
‫بفعله هو ال بفعل الشيخ ‪.‬‬
‫قلت أصلحك هللا ‪:‬‬ ‫َ‬
‫وإذا قرأان فتوى الشيخ محود من خالل قواعد القانون الدويل ‪ ،‬فإننا جند فيها قفزاً على مسلمات‬
‫وأعراف دولية‪ ،‬فنجد أن من أهم قواعد القانون الدويل االعرتاف لكل دولة مستقلة ابلسيادة بكل‬
‫أبعاد ذلك املصطلح سواءً كانت سيادة تشريعية أو قضائية أو سياسية فالفنان عبدهللا الرويشد‬
‫يقطن ِف دولة هلا مؤسساهتا وعلماؤها ومرجعيتها ‪.‬‬
‫وأقول ‪:‬‬
‫وهذه هي الطامة الكربى!! فإن القانون الذي تذكره مساه مساحة الشيخ عبدالعزيز ابن ابز طاغوات‬
‫ملا ذكروا أن اإلمارات تنوى حماكمة إيران له ‪ ،‬فارجع لذلك إن شئت ‪ ،‬وكل قانون ال يصدر عن‬
‫شرع هللا فهو طاغوت ‪ ،‬وقد مسى مساحة الشيخ دمحم بن إبراهيم القوانني األمريكية والفرنسية وغريها‬
‫ابلقوانني الكفرية‪ ،‬ولكن قد يكون الشيخان أصحاب فتاوى سوداء جائرة مثل تلميذمها –عند‬
‫الكاتب ‪ -‬مث إن مساحة الشيخ محود طلب من دولة هذا الرجل أن تنفذ فيه حكم هللا ‪ ،‬ومل يتعد‬
‫السيادة القضائية كما تزعم ‪ ،‬فقد قال أسكنه هللا الفردوس العلى من اجلنة ‪ (( :‬وجيب على ويل‬
‫أمر البلد اليت ينتمي إليها هذا املرتد وامثاله أن ينفذ فيه حكم هللا تعاىل وهو القتل )) وكم من عامل‬
‫أفىت بفتاوى تعلق بدول أخرى ‪ ،‬ومل جيد من يعارضه وال يتعداه ‪ ،‬فمثال أفىت كثريين مبنع هدم‬
‫أصنام بوذا وهي واقعة حتت حكم دول طالبان فلماذا مل يشنع عليهم ؟؟ وملاذا ال يقال أنه تدخل‬
‫ِف سياسة دولة هلا دور القضاء والفتوى ؟؟ ولكنه الكيل مبكيالني ‪..‬‬
‫قلت ‪:‬‬
‫َ‬
‫وإن جتاوز كل تلك األمور كفيل أبن يسمم عالقة بني قطرين اتسمت ابحلميمة طوال عقود‬
‫مضت‬
‫وأقول ‪:‬‬
‫الذي أجزم به أن بني اململكة العربية السعودية وهي بلد الشيخ املفيت محود ودولة الكويت وهي‬
‫بلد الرويشد عالقة أقوى من أن تسمم بسبب مثل هذه الفتوى ‪،‬فال عليك اطمأن ‪.‬‬
‫قلت ‪:‬‬
‫َ‬
‫إن صدور مثل تلك الفتوى إمنا ينم عن وجود تيار عريض ما زال عاجزاً عن االخنراط ِف اجملتمع‬
‫املدين ومؤسساته‪،‬وأضحى حبيساً جلزر فكرية داخل الدول ذاهتا ‪.‬‬

‫‪959‬‬
‫وأقول ‪:‬‬
‫وجود تيار ال يريد االخنراط ِف اجملتمع املدين ليس خطأ حمضا فقد حيبذ بعض الناس اعتزال اجملتمع‬
‫بكل مؤسساته ‪ ،‬وقد ورد مثل هذا ِف السنة املطهرة ‪ ،‬وقد جيب اعتزال الناس ِف بعض األزمنة‬
‫واألحوال ‪.‬‬
‫قلت ‪:‬‬
‫َ‬
‫وهنا أييت دور رجال الشريعة وعلماء النفس واالجتماع ِف التصدي ملثل تلك اإلشكالية اليت قد‬
‫تعرقل مسرية التنمية والتطور احلضاري للدول وتبعث من جديد مجاعات كنا نظن أهنا أصبحت ِف‬
‫ذاكرة التاريخ ‪.‬‬
‫وأقول ‪:‬‬
‫بال شك على رجال الشريعة واجب عظيم ِف التصدي ملثل هذه الردة اجلماعية الين تنكب هبا‬
‫األمة بني الفينة واألخرى ‪،‬وعلماء النفس واالجتماع ممن ترى على الشرع ال على نظرايت دارون‬
‫عليهم واجب كبري ِف معاجلة أصحاب األمراض النفسية ممن يبحث عن الشهرة وراء الرد على‬
‫الناس بقصد إسقاطهم ‪ ،‬وغريهم من أصحاب األمراض األخرى اليت تبعد أصحاهبا من دين هلل‬
‫جل وعال ‪.‬‬
‫ِف ختام املقالة آمل من الكاتب أن يتحلى بقليل من اإلنصاف ‪ ،‬وليته مل يلمز واكتفى ابلرد‬
‫العلمي وكذا لو تناول فعل الرويشد بشيء من البيان خلطره على الرويشد وعلى األمة اإلسالمية ‪.‬‬
‫انتهى‬
‫وكتب األخ الفاضل أبو علي األزدى ردا قال فيه‪:‬‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته ‪..‬‬
‫هذه بعض االستدراكات واملآخذ املعتربة على ما كتبه عبد الرمحن املسلم من نقد لفتوى الشيخ‬
‫العالمة محود العقالء حفظه هللا ِف تكفري املغين الرويشد ‪:‬‬
‫يقول عبد الرمحن املسلم كاتب املقال ‪:‬‬
‫" وأان هنا أتساءل هل هذا سؤال أما جواب كامل !!!! "‬
‫اجلواب ‪ :‬من حق صاحب السؤال أن يطرح سؤاله ابلصيغة اليت يراها األنسب ملا يتضمنه السؤال‬
‫‪ ،‬واالعرتاض على ذلك تسلط ال يليق !!‬
‫قال ‪:‬‬
‫" وهل جيرؤ من ألقي إليه السؤال هبذه الصيغة أن يرد على صاحبه مبا اليوافقه" ‪.‬‬

‫‪961‬‬
‫اجلواب ‪ :‬يرد مباال يوافقه إن كان يراه على خطأ ‪ ،‬أما وهو يراه ينطق ابحلق فكيف يرد عليه ما يراه‬
‫هو نفسه وصفا صحيحا ؟؟ ورحم هللا اإلمام مالك عندما قال ملا سئل عن الغناء ‪ ((:‬إمنا يفعله‬
‫عندان ال ُف َّساق )) ومساه اإلمام الشافعي دايثةً فقال (( هو دايثة ‪ ،‬فمن فعل ذلك كان ديُّواثً))‬
‫فكيف إذا انظم مع الفسق االستخفاف بشيءٍ كالم هللا ؟؟‬
‫قال ‪:‬‬
‫لست أدري كيف خلط الشيخ هنا بني اليهود والنصارى و املنافقني والعلمانيني والزاندقة ‪ ،‬وبني‬
‫املغنني " ‪.‬‬
‫اجلواب ‪ :‬أوال ‪ :‬الشيخ مل خيلط بل ذكر أن االستهزاء ابلدين ال يصدر إال عمن ذكرهم ‪ ،‬وهو أمر‬
‫مشاهد معروف حىت قبل أن يذكره الشيخ ‪ .‬اثنيا ‪ :‬ال أدري كيف غفل الكاتب أو تغافل عن قول‬
‫الشيخ " من يهود‪ ..‬اخل " وكل من له إملام ابللغة يعرف أن ( من ) هنا ِف كالم الشيخ هي‬
‫التبعيضية‪ ..‬أي مبعىن أن بعض املغنيني والصحفيني يستهزئ ابهلل وآايته ورسوله‪.‬‬
‫قال ‪:‬‬
‫" فهل كل مغ ٍن هو مستهزئ ابهلل وآايته ورسوله !!!!!!!! " ‪.‬‬
‫اجلواب ‪ :‬أوال ‪ :‬كيف تلزم الشيخ أبن كل مغ ٍن هو مستهزئ ابهلل وآايته ورسوله ؟؟ وقد قدمت‬
‫لك أن ( من ) ِف كالم الشيخ هي التبعيضية !! اثنيا ‪ :‬وبناء عليه ‪ ،‬فهذا اإللزام ابطل ‪ ،‬وهو إلزام‬
‫للشيخ مباال يلزمه أبدا ‪ ،‬وكل ما قاله الشيخ أن االستهزاء ال يصدر عادة إال ممن ذكرهم ‪ ،‬وال يعين‬
‫هذا أبدا عند العقالء العارفني بلغة العرب أنه يلزم منه أن مجيع املغنني مستهزئني !!‬
‫قال ‪:‬‬
‫" واألغرب من ذلك هو ضم الصحفيني لتلك الطوائف " ‪ .‬وجياب عن هذا الكالم مبا ذكر أعاله‬
‫‪ ،‬كماال ينكر منصف وجود االستهزاء عند بعض الصحفيني صرحيا كان أو غري صريح ‪.‬‬
‫قال ‪:‬‬
‫فكيف أصبح االستهزاء ابهلل وآايته ورسوله خلق ختلق به الصحفيون " ‪.‬‬
‫اجلواب ‪ :‬قد أوضحت لك أن ( من ) ِف كالم الشيخ هي التبعيضية وهذا اخلطأ هو تكرار ملا‬
‫تقدم ‪ ،‬وهو مبين على الفهم اخلاطئ واملتسرع لكالم الشيخ ‪.‬‬
‫قال ‪:‬‬
‫وليته خيربان ماذا تعين األلف والالم ِف قول(الصحفيني ) !!!!!‬

‫‪961‬‬
‫اجلواب ‪ :‬أوال ‪ :‬أقول لعبد الرمحن املسلم ‪ :‬اتق هللا !! وانقل كالم الشيخ كما ورد ِف الفتوى بدون‬
‫حتريف أو إضافة !! والشيخ إمنا قال ‪ ( :‬وصحافيني ) ومل يقل ( الصحفيني ) فمن أين جئت‬
‫ابأللف والالم اليت حشرهتا من عندك ؟؟ مث رحت تسأل الشيخ عن معناها ؟؟ ولو كان ما جاء‬
‫ِف فتوى الشيخ ورد هبذه الصيغة ‪ ( :‬فإن االستهزاء ابهلل وآايته ورسوله خلق ختلق به أعداء‬
‫اإلسالم اليهود والنصارى واملنافقني والعلمانيني واملغنني والصحافيني ‪ ) ..‬لكان لكالم املعرتض‬
‫وجه من الصحة ‪ ،‬ومبا أن األمر عكس ذلك ‪ ،‬فإن ما ذكره املسلم هو تقويل للشيخ مبامل يقله ‪،‬‬
‫وإلزام ابطل مبا ال يلزمه ‪ ،‬فليتق هللا !!‬
‫قال ‪:‬‬
‫من هم هؤالء الذين عملوا على نشره ؟؟ ومن هم هؤالء السفهاء ‪ ،‬الذين تبني كفرهم من (فعلهم‬
‫)‬
‫اجلواب ‪ :‬أحلظ على هذه األسئلة ( َّ‬
‫التسذج ) املتعمد !! وإال فكالم الشيخ واضح حبمد هللا وهو‬
‫أن أعداء اإلسالم الذين يرتبصون به الدوائر مل ينفكوا عن التشجيع على نشر اإلحلاد والكفر‬
‫واالستهزاء بشعائر الدين ‪ ،‬فضال عن التمكني ألهل الفسق ودعاة الرذيلة من مغنني وغريهم ‪ ،‬وأن‬
‫من هذه‬
‫صفتهم فإن هلم التمكني والصدارة ِف كثري من البلدان ‪.‬‬
‫مث قال ‪:‬‬
‫والذي دفعهم لذلك حب االشتهار وتكثري املال دفع من ؟؟ مث إن مسألة حب االشتهار مسألة‬
‫قلبية‬
‫اجلواب ‪ :‬أما كون حب االشتهار مسألة قلبية فهذا صحيح لكنها كلمة حقٍ أريد هبا ابطل !!‬
‫وإال فإن مل يكن هؤالء املستهزؤون من املغنني بدين هللا يعملون ما عملوه بدافع حب االشتهار‬
‫وتكثري املال ‪ ،‬فبأي دافعٍ إذا جترؤا على ذلك ؟؟‬
‫مث قال ‪:‬‬
‫( حىت انزل هللا فيهم كتااب يتلى إىل يوم القيامة إذ يقول سبحانه ( ولئن سألتهم ليقولون إمنا كنا‬
‫خنوض ونلعب قل أابهلل وآايته ورسوله كنتم تستهزءون ال تعتذروا قد كفرمت بعد إميانكم )‪ ..‬أنزل ِف‬
‫من ؟؟؟‬
‫اجلواب ‪ :‬واضح لطالب احلق أهنا نزلت ِف كل مستهزئ ساخرٍ بشيء من دين هللا ‪ ،‬فلمَ السؤال‬
‫‪ ،‬وكالم الشيخ ِف الفتوى واضح مفصل ِف ذلك ؟!‬

‫‪962‬‬
‫مث قال ‪:‬‬
‫‪ :‬مث إن من أنزلت فيهم اآلايت ‪ ،‬ما كانوا يريدون االشتهار وتكثري املال " ‪.‬‬
‫اجلواب ‪ :‬لو قرأت كالم الشيخ كما ينبغي ملا قلت ذلك !! وبيان األمر لك أن الشيخ بعدما تكلم‬
‫عن السفهاء من املغنيني الذين تبني كفرهم من فعلهم ابستهزائهم بشيء من دين هللا ‪ ،‬مث ذكر أن‬
‫ما يدفعهم لذلك هو حب االشتهار وتكثري املال ( كما هو مشاهد ِف الواقع ) قال الشيخ عقب‬
‫ذلك ‪ " :‬حىت انزل هللا فيهم كتااب يتلى إىل يوم القيامة " فقوله " فيهم " الضمري يعود على من ؟؟‬
‫ال يرتدد منصف ِف أنه يعود على كل مستهزئ بدين هللا إىل يوم القيامة مغنيا كان أو غري مغين ‪،‬‬
‫واآلية العظيمة اليت ذكرها الشيخ وإن كان املخاطبون فيها هم أولئك النفر ‪ ،‬إال أن حكمها دائم‬
‫إىل يوم القيامة فكل من استهزئ بشيء من دين هللا فهو كافر سواء كان الدافع له هو البغض‬
‫لدين هللا أو اللهو واللعب ‪ ،‬أو االشتهار ‪ ،‬أو طلب حضوض الدنيا أو غري ذلك ‪.‬‬
‫إىل أن قال ‪:‬‬
‫وغناء آلايت كتاب هللا سبحانه وتعاىل من‬ ‫( وال يشك عاقل أن ما يقوم به هؤالء من تلحني ٍ‬
‫الكفر الصراح ) من هم هؤالء ؟ هل يقصد العلمانيني واليهود والنصارى والصحفيني واملغنني الذي‬
‫سبقت اإلشارة إليهم ِف أول الكالم ؟؟!! ‪.‬‬
‫اجلواب ‪ :‬قد عاد عبد الرمحن املسلم إىل تكلف التسذج لإلحياء بعدم وضوح كالم الشيخ ‪ ،‬وإال‬
‫وغناء آلايت كتاب هللا " يدرك وجبالء من يقصد‬ ‫فإن أي عاقل يقرأ قول الشيخ " من تلحني ٍ‬
‫الشيخ بقوله الفائت !!‬
‫مث قال ‪:‬‬
‫وإمنا حمل النزاع هو ما حكم غناء أبيات ضمت بعض آايت من القرآن الكرمي ؟؟؟؟ " ‪.‬‬
‫واجلواب ‪ :‬هذا الكالم ليس بصحيح وليس مبحل نزاعٍ بني العلماء بل هو حمل إمجاع !!ومعلوم‬
‫أن املغين قد افتتح األغنية واآلالت املوسيقية تصدح جبواره مبوال يبدأ آبيتني اتمتني ‪ ،‬ومها اآليتان‬
‫الثانية واخلامسة من سورة الفاحتة واليت عدد آايهتا سبع كما هو معلوم‪ ،‬وقد أمجع أهل اإلسالم‬
‫علىوجوب احرتام كالم هللا وتعظيمه وصيانته عن كل عيب ونقص ومن أسقط حرمت ه ومهابته فهو‬
‫كفرصريح والعياذ ابهلل ‪ ،‬وال يشك من رزقه سالمة البصرية أن من أعظم أنواع االستخفاف ابلقرآن‬
‫صل‬‫واالستهانة حبرمته افتتاح الغناء ابالت اللهو ببعض آايت من القرآن ‪ ،‬قال تعاىل ( إِنَّهُ لََق ْول فَ ْ‬
‫(‪َ )44‬وَما ُه َو ِاب ْهلَْزِل (‪ ) )41‬فكل من اختذ شيئاً من آايت القرآن للهزل والغناء والرقص والطرب‬
‫فقد اختذها هزواً ولعباً ‪.‬‬

‫‪963‬‬
‫مث قال ‪:‬‬
‫فهو مل يغن القرآن بل غىن أبيااتً ضمنت بعض آايت القرآن وهي آية واحدة ‪ ،‬إايك نعبد وإايك‬
‫نستعني " ‪.‬‬
‫اجلواب‪ :‬سبق الرد على أول الكالم مبا يغين عن إعادته ‪ ،‬أما قولك أبهنا آية واحدة فهذا الكالم‬
‫ليس بصحيح ‪ ،‬وهذا أمر عجيب للغاية أن خيطئ مسلم ِف عد آايت الفاحتة !!!‬
‫مث قال ‪:‬‬
‫مبعىن اعتبار القصد هنا ‪ ....‬اخل " ‪.‬‬
‫اجلواب ‪:‬القصد املعترب شرعا ِف التكفري هو قصد الفعل املكفر ال قصد الكفر به ‪ ،‬وهو ما عرب‬
‫عنه شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا بقوله ( وابجلملة فمن قال أو فعل ما هو ُك ْفر َك َفَر بذلك‪،‬‬
‫وإن مل يقصد أن يكون كافراً‪ ،‬إذ ال يقصد الكفر أحد إال ما شاء هللا) ‪.‬‬
‫مث قال ‪:‬‬
‫آايت من القرآن ‪ ،‬فهل مثل هذا حقه أن يكفر‬ ‫وهو جاهل حبكم غناء األبيات اليت ضمنت ٍ‬
‫وخيرج من امللة ويوضع ِف صف اليهود والنصارى ‪ ،‬أم كان حقه أن يعلم وينصح ؟؟؟؟؟؟" ‪.‬‬
‫اجلواب ‪ :‬أكتفي ِف الرد على هذا الكالم مبا قاله اإلمام دمحم بن عبد الوهاب رمحه هللا كما ِف‬
‫الدرر السنية عمن نطق بكلمة الكفر وال يعرف أهنا تكفره ‪ ( :‬وأما كونه ال يعرف أهنا تكفره‪،‬‬
‫فهم يعتذرون من النيب صلى هللا‬ ‫فيكفي فيه قوله «ال تعتذروا قد كفرمت بعد إميانكم» التوبة ‪ُ ،11‬‬
‫عليه وسلم ظانني أهنا ال تكفرهم ‪ .‬والعجب ممن حيملها على هذا وهو يسمع قوله «وهم حيسبون‬
‫أهنم حيسنون صنعا» الكهف ‪« ،4٧1‬إهنم اختذوا الشياطني أولياء من دون هللا وحيسبون أهنم‬
‫مهتدون» األعراف ‪« ،4٧‬وإهنم ليصدوهنم عن السبيل وحيسبون أهنم مهتدون » الزخرف ‪،41‬‬
‫أيظن هؤالء ليسوا كفاراً؟‪ ،‬وال تستنكر اجلهل الواضح هلذه املسائل ألجل غربتها) ‪.‬‬
‫مث قال ‪:‬‬
‫ال يصح وصف املغىن الفاسق ابلزنديق " ‪.‬‬
‫اجلواب ‪:‬قد ذكر الشيخ ِف الفتوى أنه اصبح بفعله هذا أي بغناءه ببعض آايت الفاحتة زنديقا‬
‫‪،‬والزنديق هو من يظهر اإلسالم ويبطن الكفر ‪ ،‬وهذا ما عمله الرويشد فقد أنكر ِف البداية أنه‬
‫تغىن ابلفاحتة ‪ ،‬وادعى أنه مسلم ‪ ،‬مث عاد بعد مدة فأقر بذلك وزعم أنه مل يكن يقصد ذلك ‪ ..‬مث‬
‫بعد ذلك زعم أنه اتب ‪ ..‬اخل !! فهذا هو الزنديق وهو الذي ظهر لنا مما خيفي مما ينقض دعواه‬
‫أبنه مسلم ‪ ،‬ارجع إىل ص ‪4٧‬‬

‫‪964‬‬
‫مث قال ‪:‬‬
‫مث إن القول أبن الزنديق ال تقبل توبته عند العلماء ‪ ،‬كلمة ال خطام هلا وال زمام فالعبارة فيها‬
‫تعميم خمل ابملعىن فالتوبة تقبل مامل يغرغر أو خترج الشمس من مغرهبا فإن أراد ال تقبل عند الناس‬
‫‪ ،،‬فهذا‬
‫تدليس ال يليق "‬
‫اجلواب ‪:‬بل كالمك وهللا هو الذي ال خطام والزما‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا ‪( :‬‬
‫والفقهاء متنازعون ِف قبول توبة الزنديق فأكثرهم ال يقبلها وهو مذهب مالك وأهل املدينة‬
‫ومذهب أمحد ِف أشهر الروايتني عنه وهو أحد القولني ِف مذهب أىب حنيفة ووجه ِف مذهب‬
‫الشافعي والقول اآلخر تقبل توبته وقد اتفقوا على أنه إذا قتل مثل هذا ال يقال قتل ظلما) أه‬
‫فليس املقصود من التوبة ما تومهته أهنا التوبة اليت بني العبد وربه ‪ ،‬بل املقصود هو ‪ :‬هل تقبل منه‬
‫التوبة إذا ادعاها ؟؟‬
‫والشيخ حفظه هللا اعتمد ما عليه األكثر كما أشار إليه شيخ اإلسالم فكيف يقال له مثل هذا‬
‫الكالم السيئ ؟؟ ولو أنصفنا ‪ ،‬فكالمك هو األحق هبذا بوصف أنه الزمام له وال خطام ‪ ،‬وأنه‬
‫تدليس ال يليق !! فضال عما ِف عبارة " فهذا تدليس ال يليق " من تعريض وسوء أدب ال يليق أن‬
‫يقال لعامل جليل تكلم بعلم وحجة !!‬
‫مث قال ‪:‬‬
‫أليس ِف التضمني شبة ؟؟ أليس ِف اجلهل شبهة ؟؟ والنيب ملسو هيلع هللا ىلص يقول ‪ :‬ادرأوا احلدود ابلشبهات "‬
‫اجلواب ‪:‬احلكم بردة من ثبت استخفافه بكالم هللا هو حكم شرعي واجب التطبيق وليس حدا ‪،‬‬
‫وإمنا احلد هو قتله ‪ ،‬وطاملا أنه قد ثبت فعله ملا أمجع أهل العلم أنه كفر وردة فوجب على من بيده‬
‫السلطة أن ينفذ فيه حكم الشرع ‪ ،‬ولو سلمنا جدال بصحة كالمك ‪ :‬فلماذا مل يدرأ النيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم احلكم ابلكفر عن الذين قالوا للنيب ملسو هيلع هللا ىلص وأصحابه ‪ ( :‬ما رأينا مثل قرائنا هؤالء أرغب‬
‫بطوانً وال أكذب ألسناً وال أجنب عند اللقاء ) مع أن ظاهر اآلية اليت نزلت ِف بيان كفرهم يدل‬
‫أهنم كانوا من قبل مؤمنني فكفروا ابالستهزاء الذي يعلمون حرمته ولكن مل يظنوه كفراً ‪ ((.‬ال‬
‫تعتذروا قد كفرمت بعد إميانكم )) هذا مع اهنم خرجوا غُزاة وقد تركوا أوالدهم و أزواجهم وأهلهم‬
‫وحكِم عليهم ابلكفر‬ ‫وأوطاهنم وِف وقت شديد احلر وشديد العطش ‪ ،‬ومع هذا مل يشفع ذلك هلم ُ‬
‫األكرب ‪ ،‬وقد كانوا أوىل ابلعذر من غريهم لكن مع ذلك كفَّرهم هللا من فوق سبع مسوات ‪ ،‬ومل‬

‫‪965‬‬
‫يشفع هلم اعتذارهم ابجلهل أن ما فعلوه من الكفر ‪ ،‬وعدم قصدهم للكفر ‪ ،‬وأهنم إمنا كانوا‬
‫خيوضون ‪ ،‬ويلعبون فحسب !!‬
‫وِف اخلتام ‪ :‬أنصح عبد الرمحن املسلم أن يتقي هللا وال يتسرع ابالنتقاد إال بعلم ‪ ،‬وإدراك وفهم‬
‫لكالم من ينتقده ‪ ،‬كما أسأل هللا عز وجل أن يبارك لنا ِف عمر العالمة الشيخ محود العقالء‬
‫وعلمه ‪ ،‬وهللا تعاىل أعلم ‪ ،‬وصلى هللا على نبينا دمحم ‪ ،‬وعلى آله وصحبه وسلم ‪ ...‬أبو علي‬
‫األزدي ‪ ..‬انتهى‬

‫وهذا بيان من طالب الشيخ محود حفظه هللا حول تكذيب الرويشد واإلعالم لألغنية واليت ظهرت‬
‫ومسعها الناس ‪..‬‬

‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬


‫بيان من طالب الشيخ محود بن عقالء الشعييب حول تكذيب الرويشد وافراء‬
‫الصحف وغريها‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا دمحم وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني أما بعد‬
‫فقد حاول ضعاف النفوس ومجع من املنهزمني واملتخاذلني وبعض من الصحف املغرضة الشانئة‬
‫تشويه مسعة الشيخ اجملاهد شيخنا العالمة محود بن عقالء الشعييب حفظه هللا ‪ ،‬كما حاول بعض‬
‫اجلهلة من خالل شبكة اإلنرتنت وغريها من وسائل اإلعالم ِف الداخل واخلارج توظيف ما جرى‬
‫حول تكذيب الفتوى ِف حماولة للنيل من الشيخ حفظه هللا ‪ ،‬برتديد ألابطيل وأقاويل تلوكها‬
‫ألسنتهم وختطها أقالمهم وهللا سبحانه يقول ( ولتعرفنهم ِف حلن القول ) من وصف قيام شيخنا مبا‬
‫أوجب هللا عليه وعلى غريه من العلماء من الصدع ابحلق ومبادرته ِف التصدي ألهل الباطل وأخذه‬
‫زمام اإلقدام ِف ذلك ‪ ،‬يقول سبحانه وتعاىل ( وإذ اخذ هللا ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه‬
‫للناس وال تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشرتوا به مثنا قليال فبئس ما يشرتون ) ‪ ،.‬ووصفهم جلهاد‬
‫الشيخ الذي ال يروق هلم ‪ ..‬أن ذلك من االستعجال وعدم التثبت ‪ ،‬وهللا سبحانه يقول ( ولوال‬
‫إذ مسعتموه ظن املؤمنون واملؤمنات أبنفسهم خريا وقالوا هذا أفك مبني ) ويقول سبحانه ( ولوال إذ‬
‫مسعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم هبذا سبحانك هذا هبتان عظيم ) اآلية ‪.‬‬

‫‪966‬‬
‫وما قام به الشيخ حفظه هللا تعاىل هي منحة منحاها هللا سبحانه إايه من التوفيق إىل أن يقوم‬
‫جبهاد الكلمة وبشعرية األمر ابملعروف والنهي عن املنكر وهي سنة هللا سبحانه ِف اجملاهدين‬
‫الصادقني ‪ ،‬وهذا الطريق البد فيه من األذية ‪ ،‬قال تعاىل ( لتبلون ِف أموالكم وأنفسكم ولتسمعن‬
‫من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثريا )‬
‫وإن من سنن هللا سبحانه وتعاىل التمييز بني أهل احلق والباطل يقول عز وجل ( ماكان هللا ليذر‬
‫املؤمنني على ما أنتم عليه حىت مييز اخلبيث من الطيب ) ‪.‬‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا تعاىل ِف أول اجلواب الصحيح ‪ :‬ومن أعظم أسباب ظهور‬
‫اإلميان والدين وبيان حقيقة أنباء املرسلني ظهور املعارضني هلم من أهل اإلفك املبني ‪ ،‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫( وكذلك جعلنا لكل نيب عدوا شياطني األنس واجلن يوحي بعضهم إىل بعض زخرف القول غرورا‬
‫ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفرتون ) إىل أن قال ‪ :‬وذلك أن احلق إذا جحد وعورض‬
‫ابلشبهات أقام هللا تعاىل له مما ُحيق به احلق ويُبطل به الباطل من اآلايت البينات مبا يظهره من‬
‫أدلة احلق وبراهينه الواضحة وفساد ما عارضة من احلجج الداحضة ‪ ..‬اه ‪.‬‬
‫وإن من حكم هللا العظيمة أنه سبحانه إذا أراد ألحد من املخلصني ِرفْعة يسر له أسباب العزة‬
‫والرفعة من حيث ال يشعر وال حيتسب ‪ ،‬وهلل ِف خلقه شؤون ‪ ،‬يقول سبحانه وتعاىل ( إن الذين‬
‫جاؤا ابإلفك عصبة منكم ال حتسبوه شرا لكم بل هو خري لكم ‪. ) ..‬‬
‫أما بعد ‪..‬‬
‫فإن األدلة اليت حكم الشيخ من خالهلا بردة املغين الرويشد اثبتة صرحية ‪ ،‬وهي ما يلي ‪:‬‬
‫‪ – 4‬من خالل الشهود الذين رأوه وهو يتغىن ابلقرآن ِف القناة الكويتية الرابعة وذلك ِف يوم‬
‫الثالاثء ‪ 4194 / 44 / 9٧‬ه قبيل منتصف الليل بربع ساعة ‪.‬‬
‫‪ – 9‬من خالل التسجيل الصويت والذي شهد به الثقات ممن يعرف صوته أنه هو ‪.‬‬
‫‪ – 4‬ما نشر ِف جريدة الوطن الكويتية ِف ‪ 4194 / 49 / 4‬ه بقلم الكاتب الصحفي مبارك‬
‫شاِف اهلاجري جزاه هللا خريا حيث شاهد واستمع للمغين وهو يقوم بذلك ‪ ،‬مث كتب مقاال بعنوان‬
‫( هذا غناء القرآن إن كنتم تعقلون ) مطالبا إبيقاف هذا العبث ‪.‬‬
‫‪ – 1‬ما نشر ِف صحيفة األنباء الكويتية بتاريخ ‪ / 9٧‬فرباير ‪ 9٧٧4 /‬م ‪ ،‬وقد حذر الكاتب فيه‬
‫من مغبة تغين الرويشد آلايت سورة الفاحتة ‪.‬‬
‫‪ – 5‬ما نشر ِف جريدة النخبة عدد ‪ِ 444‬ف ‪ 4194 / 49 / 99‬ه حيث طالبت الصحيفة‬
‫وفق هللا أهلها للخري ‪ ،‬واستنكرت تغين الرويشد ابلقرآن ‪.‬‬

‫‪967‬‬
‫‪ - 1‬مساعنا لألغنية من خالل شريط الكاسيت بصوته وهو يغين على العود صدرا من سورة‬
‫الفاحتة ‪.‬‬
‫أخريا ‪..‬‬
‫فحق له‬
‫نبشر الشيخ محود حفظه هللا تعاىل أبن هللا رفع من زلته بتصديه ألهل الباطل وقمعه إايهم ‪ُ ،‬‬
‫ما قيل فيه من أنه سلطان العلماء واتج اجملاهدين وأسد الفتاوى ‪ ،‬قال تعاىل ( ‪ ..‬وتعز من تشاء‬
‫وتذل من تشاء بيدك اخلري إنك على كل شيء قدير ) وقال تعاىل ( إن هللا يدافع عن الذين آمنوا‬
‫) وقال تعاىل ( وإن جندان هلم الغالبون ) وقال تعاىل ( كتب هللا ألغلنب أان ورسلي إن هللا قوي‬
‫عزيز ) ‪.‬‬
‫نسأل هللا سبحانه إن يعزه ومن انصره وأن خيذل احلاقدين واملنهزمني وأعداء هذا الدين ‪.‬‬
‫وصلى هللا على نبينا دمحم وعلى آله وصحبه أمجعني‬

‫كتبه طالب الشيخ ِف الداخل واخلارج‬


‫‪ 4199 / 4 / 1‬ه‬

‫انتهى ما كتبه طالب الشيخ ‪..‬‬


‫ولئن وقف بعضهم مع زعامات العلمنة ِف خندق واحد للدفاع عن الطواغيت وامثاهلم فإن ذلك‬
‫ِف احسن أحواله سذاجة وجهل واضح ‪ ،‬إن الرجوع للحق وعدم التمادي والتكابر ليعد مفخرة‬
‫ملن تنكب هذا الطريق ‪ ،‬وليس من الغريب على من تعلم الشريعة أن يكون ديدنه عدم التمادي ِف‬
‫الباطل ‪ ،‬ولكن الغريب أن يقف ِف صف من عرف عنه الصد عن دين هللا واتباع األهواء‬
‫وغريه من العلماء‬
‫والشهوات ‪ ،‬وإننا هبذا التوضيح لنرجوا من هللا العلي القدير أن يوفق الشيخ محود َ‬
‫ملا حيبه ويرضاه ‪ ،‬وأن جيعلهم ممن يقولون كلمة احلق ال خيافون ِف هللا لومة الئم ‪ ،‬وأن جيعلنا هداة‬
‫مهتدين غري ضالني وال مضلني ‪ ،‬وأن يهدينا إىل ما اختلف فيه من احلق إبذنه إنه على كل شيء‬
‫قدير ‪ ،‬ونسأل هللا تعاىل أن يهدي ضال املسلمني وأن يرده إليه رداً مجيالً ‪ ،‬وأن يهدي ويصلح من‬
‫وقف ضد الشيخ ‪ ،‬وأن ينصر دينه ويعلي كلمته إنه على كل شيء قدير ‪ ،‬وصلى هللا نبينا دمحم‬
‫وعلى آله وصحبه أمجعني‬
‫‪ 4199 / 4 / 94‬ه‬

‫‪968‬‬
‫الشعييب(‪)4‬‬ ‫اعتذار جريدة الرايض للشيخ محود بن عقالء‬
‫إنقاذ لقرار اللجنة االبتدائية للنظر ِف املخالفات الصحفية رقم ‪ 5٧‬لعام ‪414٧‬ه وخطاب وزارة‬
‫اإلعالم رقم‪ 41542‬واتريخ ‪4141/49/9٧‬ه ‪.‬‬
‫تعتذر جريدة الرايض للشيخ محود بن عبد هللا بن عقالء الشعييب عما ورد ِف مقالني املنشورين ِف‬
‫اجلريدة بعنوان (اإلرهابيون و الفتاوى الطالبانية) بتأريخ ‪ 4191/1/4‬و(ليس تطرفا ولكنه تكفريا)‬
‫بتأريخ ‪ 4191/1/4٧‬واللذين تضمنا تعريضا ابلشيخ وانتقاصا من قدره ومكانته العلمية‬
‫واالجتماعية كما تضمنا نقدا غري مربر وحتامال ِف الطرح على الشيخ رمحه هللا ‪.‬‬
‫حيث من املعلوم أن الشيخ قد أفىن عمره ِف تعلم العلم الشرعي وتعليمه على مذهب السلف‬
‫الصاحل من أهل السنة واجلماعة ملا يزيد على مخسني عاما ودرس على يديه معظم أعضاء هيئة‬
‫كبار العلماء ‪.‬‬
‫وامتدادا هلذا االعتذار تعتذر جريدة الرايض لعائلة الشيخ رمحه هللا عما سببه هذان املقاالن من‬
‫جرح ملشاعرهم وسبب هلم الضيق واحلرج ‪.‬‬

‫____________________________________‬
‫(‪ )4‬نشرت جريدة الرايض البيان ِف اتريخ‪ 4141/4/1 :‬ه‬

‫‪969‬‬
‫سؤال حول قول الشيخ محود " ترك اجلهاد كفر"‬
‫ِف لقاء قدمي أجراه الشيخ عبد الرمحن اهلرِف مع الشيخ العالمة محود بن عقالء الشعييب جاء فيه‪.‬‬
‫ما حكم ترك اجلهاد الذي نراه ِف هذا الزمان واهتام اجملاهدين أهنم ارهابيني ؟‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه وآله َو َسلَّ َم …‪ .‬حىت تراجعوا دينكم " فهذا يدل على أن‬
‫صلَّى َّ‬
‫ترك اجلهاد كفر لقوله َ‬
‫ترك اجلهاد كفر والعياذ ابهلل مث إن األمة إذا تركت اجلهاد وأعرضت عنه وتركت األعداء يعيثون‬
‫اَّللُ َعلَْي ِه‬
‫صلَّى َّ‬
‫ِف بالد املسلمني الفساد مث مل تقم ومل جتاهد فهؤالء خرجوا عن دينهم ألن الرسول َ‬
‫وآله َو َسلَّ َم قال ‪ :‬حىت يراجعوا دينهم ‪ ،‬فاجلهاد مل يوصم من قبل املسلمني ِف العصور السابق أبنه‬
‫إرهاب أو اعتربوا اجملاهدين إرهابيون والسبب ال خيف على من له أدين بصرية ‪.‬‬
‫هل من توجيه لكالم الشيخ رمحه هللا؟‬
‫حيث سيستغل بعض مرضى القلوب من ادعياء السلفية مثل هذه األقوال و يقولوا عن الشيخ أنه‬
‫خارجي تكفريي‪....‬كما هو معلوم‪.‬‬
‫اجلواب على كالم الشيخ رمحه هللا على أوجه ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أن الشيخ محود رمحه هللا مسبوق بقول ابن النحاس ِف التكفري برتك اجلهاد ( مشارع‬
‫االشواق ‪ )4٧ /4‬قال رمحه هللا ‪ :‬ودل قوله ملسو هيلع هللا ىلص ( حىت ترجعوا إىل دينكم ) على أن ترك اجلهاد‬
‫واإلعراض عنه والسكون إىل الدنيا خروج عن الدين ومفارقة له وكفى به ذنبا وإمثا مبينا ‪ .‬اه‬
‫الثاين ‪ :‬التذكري بنقل ابن تيمية لإلمجاع على أن الطائفة املمتنعة عن شريعة من شرائع اإلسالم‬
‫فإهنا تقاتل عليها وذكر منها اجلهاد ‪ ،‬فالطائفة ذات الشوكة واملنعة إذا امتنعت عن إقامة شعرية‬
‫اجلهاد فإهنا تقاتل عليها ‪ ،‬واخلالف ِف النوافل فقط ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬كالم الشيخ الشعييب ِف كفر العموم ‪ ،‬وهذا التكفري جتده ِف مسائل أخرى أقل من‬
‫مسألة اجلهاد ‪ ،‬واالحناف من أكثر الناس تساهال ِف ذلك ‪ ،‬وقد عدوا من قال ( مسيجد‬
‫ومصيحف كافر ) وصاحب اإلقناع أوصل مسائل التكفري اليت يكفر صاحبها إىل أربعمائة مكفر‬
‫( الدرر السنية ‪. ) ٧5/4٧ ، 4٧2 / ٧‬‬
‫أما األفراد أبعياهنم فال يكفرون حىت تكتمل الشروط وتنتفي املوانع ‪ ،‬كما ذكر أئمة الدعوة ان‬
‫الشخص بعينه ِف الطائفة املمتنعة ال حيكم بكفره ألحتمال عجزه عن اهلجرة أو ما شابه ذلك ‪،‬‬
‫أما ِف القتال واملال فداخل معهم ‪ .‬وانظر ( الدرر السنية ‪(، ) 411 ، 415 / 4٧ ، 151 / ٧‬‬
‫منهاج أهل احلق البن سحمان ص ‪ 15‬وما بعدها)‪.‬‬

‫‪971‬‬
‫الرابع ‪ :‬وهذا لالستئناس ‪ ،‬أن الشيخ محود العقالء رمحه هللا ِف وصفه ابلتكفري أحلق ذلك ابلعموم‬
‫كما ِف النص السابق وقد قال ‪( :‬فهؤالء خرجوا عن دينهم ) ‪.‬‬
‫فتبني ان قول الشيخ ِف تكفري اترك اجلهاد على العموم وليس على االعيان ‪ ،‬وقوله ابلتكفري ِف‬
‫ترك اجلهاد كقوله ابلتكفري على ترك الصالة دون التعيني ‪ ،‬فتقول مثال اترك الصالة كافر ‪ ،‬لكن‬
‫جارك الذي ال يصلي ِف املسجد ليس بكافر الحتمال انه يصليها ِف البيت ‪ ،‬وعلى ذلك قس ‪.‬‬
‫وفق هللا اجلميع ملا حيب ويرضى ‪.‬‬

‫الشيخ عبد الرمحن اجلفن ِف موقع األلوكة اتريخ ‪. )4()9٧٧2/1/5‬‬ ‫(كتبه‬

‫____________________________________‬
‫(‪https://al-maktaba.org/book/44٧٧٧/44924 )4‬‬

‫‪971‬‬
‫حنني وتذكرة بكبار علماء الزهد والتواضع يف اجلزيرة‬
‫خباب احلمد | ‪ 4144/4/92‬ه‬
‫مقال ِف موقع صيد الفوائد‪.‬‬
‫عشت ِف بالد احلرمني مدَّة طويلة‪ ،‬شهدت فيها العديد من املواقف واألحداث‪ ....‬لعل هللا تعاىل‬
‫يسر يل تدوين شيء منها‪ ،‬ففيها من املواقف والطرائف‪ ،‬والعجائب والغرائب‪ ،‬والنوازل واحلوادث‪،‬‬ ‫يِ‬
‫ُ‬
‫واألفراح واألتراح الشيء الكثري‪...‬‬
‫ِممَّا رأيته هنالك عند بعض أهل العلم الكبار ‪ -‬وكنت أحب القراءة عليهم أكثر من غريهم ‪ -‬حالة‬
‫غريبة من الزهد والتواضع وكراهة الشهرة‪ ،‬والبعد عن األضواء‪.‬‬
‫لعل هللا‬
‫ولعلي أذكر ِف هذه املقالة املتواضعة طرف يسري‪ ،‬وبداية خيط ِف احلديث عن سريهتم‪َّ ،‬‬
‫ُ‬
‫شرفين هللا تعاىل ابجللوس معهم والقراءة عليهم‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫فلقد‬ ‫أعرفه‪،‬‬ ‫ما‬ ‫عنهم‬ ‫تعاىل يفتح علي ألكتب‬
‫وكثري منهم قارب أو جاوز ‪ 1٧‬عاماً وقت قراءيت عليهم‪ ،‬ولرمبا جاوز بعضهم اآلن التسعني عاماً‪،‬‬
‫عز‬
‫منهم من توفاه هللا تعاىل فرمحة هللا عليه ورضي عنه‪ ،‬ومنهم من بقي على قيد احلياة سائالً املوىل َّ‬
‫وجل أن حيفظهم ويبارك فيهم‪ ،‬ومن هؤالء العلماء األجالء الزهاد‪.‬‬
‫الرابين‪ :‬محود بن عقالء الشعييب ‪ -‬رمحه هللا رمحة واسعة ‪ ، -‬وقد كتبت عنه بعد‬ ‫شيخنا العالمة َّ‬
‫وفاته مقالة بعنوان‪( :‬الصفات العمليَّة لشيخ اجلزيرة العربية محود بن عقالء الشعييب)‪ ،‬أتذكر َّأهنا‬
‫نُشرت ِف بعض املنتدايت واملواقع‪ ،‬إال أنين حبثت عنها ومل أجدها وضاعت مين واي للحسرة!!‬
‫ضمنتها عدداً من مواقفي الشخصيَّة معه‪ ،‬وحديث عن مدى زهد الرجل مع أنَّه من أهل‬ ‫وقد َّ‬
‫حىت أنَّه أفردين ‪ -‬جزاه هللا خرياً ‪ -‬بدروس مل‬ ‫الثراء والغىن‪ ،‬وكرمه وجوده‪ ،‬وحبه لبالدي (فلسطني) َّ‬
‫يفردها لغريي ِممَّن هم أكرب مين سناً وأعلى قدراً من طلبة العلم األجالء ِف السعودية‪ ،‬وكان ذلك‬
‫إيل!‬
‫سر َّ‬
‫بسبب حمبته لفلسطني‪ ،‬كما كان يُ ُّ‬
‫لقد رأيت منه عجباً عجاابً ِف تواضعه‪ ،‬فدروسه اليت كانت تُعقد ِف مزرعته الواسعة‪ ،‬تكون ِف‬
‫(خيمة الشعر) وقد ترى ِف أطرافها خيوط العنكبوت‪ ،‬وتراه البساً لباساً نظيفاً إالَّ أنَّه ال أيبه أبن‬
‫يكون الثوب أو غطاء الرأس ‪ -‬الغُرتة ‪ -‬مكوايً‪.‬‬
‫لقد رأيت ِف شيخنا محود العقالء رمحه هللا مظهراً جليالً من مظاهر التواضع‪ ،‬وعدم تقليله من‬
‫شأن طلبته‪ ،‬ولو كانوا صغاراً‪ ،‬بل رَّمبا سأهلم الستزادة معلوماته‪.‬‬
‫أن الشيخ محود – رمحة هللا عليه ‪ -‬سئل عن مجاعة (األحباش)‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫وأذكر ِف هذا الصدد َّ‬
‫معلومايت عنهم ضئيلة‪ ،‬مثَّ سأل أحد طلبته الذين يصغرونه خبمسني عاماً على األقل‪ ،‬وقال له‬

‫‪972‬‬
‫حدثنا عنهم فلقد مسعت أنَّك معنتٍ أبخبارهم‪ ،‬فخجل ذلك الشاب وذكر طرفاً يسرياً ِممَّا يعرفه‬ ‫ِ‬
‫احرتاماً لقدر شيخه وجاللته‪.‬‬
‫ومن مظاهر تواضعه العجيب الذي انبهرت منه‪ ،‬أنَّين كنت أقرأ عليه ِف مزرعته كتاب‪( :‬جتريد‬
‫حىت أنين وقت قراءيت‬ ‫التوحيد املفيد) لإلمام املقريزي رمحه هللا‪ ،‬وكنا بصيف شديد احلرارة جداً‪َّ ،‬‬
‫ح هبا عنه؛ لكي يتحرك اهلواء من شدَّة احلر‪ ،‬وحينما‬ ‫عليه كنت آخذ معي مروحة من قش أ َُرِو ُ‬
‫كنت أقرأ عليه ‪ -‬وكان ضريراً ‪ -‬قام من جملسه وذهب ما يقارب أربعة أمتار فقلت له‪:‬‬
‫شيخنا ‪ ...‬أحسن هللا إليك ‪ ...‬هل من خدمة أقدمها إليك؟‬
‫فقال يل ابللهجة النجدية‪( :‬خلِك جالس)‪...‬‬
‫مث قام فشرب ماء وأتى يل بكأس ماء ابرد وقال يل اشرب فاجلو حار‪ .....‬قام الرجل وهو أعمى‬
‫وشرب ماء ومل يطلب مين أن آيت له ابملاء مثَّ أيت يل بكأس ماء فما أمجله وأمجل تواضعه ‪....‬‬
‫وصب عليه من شآبيب ِبره‪....‬‬ ‫ونور ضرحيه َّ‬ ‫قدَّس هللا روحه َّ‬

‫‪973‬‬
‫من مسرية جبل (ذكرايت مع فضيلة الوالد العالمة محود بن عبدهللا‬
‫العقالء)(‪)4‬‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‬
‫مل أكن أظن ِف يوم من األايم أن أانل بسهولة شرف التتلمذ على العالمة اجلهبذ الشيخ محود بن‬
‫عبد هللا بن عقالء الشعييب‪ .‬وكان مايدور ِف ذهين وخميليت أن علم الشيخ ووقته مبذول فقط لكبار‬
‫طلبة العلم وأساتذة اجلامعة‪ ...‬ولكن مسألة علمية دار نقاش حوهلا مع أحد اإلخوة الفضالء‬
‫نصبنا ِف هنايتها شيخنا العالمة مرجعاً حنتكم إليه إذ أن البحث العلمي مل يؤدي بنا إىل نتيجة‬
‫مرجحة ألحد الطرفني (ولعل ذلك لقلة العلم)‪ .‬املهم وحنن ِف الطريق إىل الشيخ جالت ِف ذهين‬
‫أول مرة رأيته فيها ِف مزرعته واليت حنن ِف الطريق إليها األن كان لقاء عابراً مل أيخذ أكثر من‬
‫السالم والتعريف ابإلسم فقط مما زاد ِف مهابة الشيخ رمحة هللا ِف صدري وأكربت تلك األنفة‬
‫واهليبة أميا إكبار ‪ ...‬املراد أننا وصلنا إىل الشيخ ِف مزرعته وعرفناه أبمسائنا وعرضنا عليه ما أتينا‬
‫بصدده مث دار احلديث حول بعض القضااي واألمور الدائرة ِف ذلك الوقت (وأمهها قضية سجن‬
‫املشائخ إذ كانت الزالت ساخنة بعد )واجلهود املبذولة وما إىل ذلك ‪ ...‬وما خرجنا من عند‬
‫الشيخ إال وقد رتب لنا يوماً للقراءة عليه‪...‬‬
‫ِف الواقع مل أتوقع أن األمر سيكون بكل هذه السهولة والسالسة واليسر ‪ ...‬كما مل أتوقع أن نقابل‬
‫بكل تلك اللباقة والدماثة ومراعاة اخلواطر من الشيخ رمحه هللا ‪ .‬إذ أننا نسمع عن صرامة الشيخ‬
‫وجديته وحدته والذي ورثها كصفات من شيخه األول العالمة دمحم بن إبراهيم رمحه هللا ‪.‬ولكن ما‬
‫أدركته فيما بعد أن كال الصورتني صحيح فبمقدار الشدة واحلدة والصرامة مع املفسدين واملتالعبني‬
‫كان أرق من نسمة الفجر وأطهر من حبة املطر ألبنائه من صلبه ومن طالبه وإلخوانه من العلماء‬
‫‪.‬وبعد هذا اللقاء تكررت اللقاءات وزاددت أواصر احملبة واالرتباط فكانت هذه الذكرايت‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬لست بصدد السرد أو كتابة مذكرات أوسرية وإمنا هي اشارات ووقفات وشيخنا له من احلق‬
‫علينا الشيئ العظيم ولن نوفيه حقه ِف ذلك إال ِف اثنتني مها‪:‬‬
‫(‪ )4‬االستمرار ِف طريق الدعوة واجلهاد والتعليم واالصالح‪.‬‬
‫(‪)9‬الدعاء له‪.‬‬
‫______________________________________‬
‫(‪ )4‬نقلت هذا املقال من منتدايت املشكاة وأصل هذا املقال ِف منتدى ملتقى الساحات ‪.‬‬

‫‪974‬‬
‫قبل البدء ِف تقليب دفرت الذاكرة أنبه إىل أين أعفيت نفسي من الرتتيب الزمين وذلك أين كتبت‬
‫هذه الذكرايت البسيطة ِف فورة من مشاعر احلزن على فقد الوالد والشيخ واملريب رمحه هللا تعاىل‬
‫وكنت أزمعت على أن أكتبها ِف األايم األوىل لوفاة الشيخ إال أين رأيت أن الرتيث ِف كتابتها‬
‫والتأخر ِف نشرها حسن وذلك اننا ومن منطلق العادة البشرية فسوف خيف الكالم والتأبني والثناء‬
‫على الشيخ تدرجيياً( وهذا ما كان )حىت اليكاد يذكر إال ِف األوساط اليت تتدول البحث العلمي‬
‫والرأي الشرعي حبكم أن شيخنا من أرابب ذلك ‪ ،‬فقلت إذا ما كان ذلك أخرجت هذه الذكرايت‬
‫لعلها تذكر ابلراحلني عن أعيننا وملا يرحلوا من حبنا وتقديران وعرفاننا ابلفضل واجلميل هلم من‬
‫هذا املنطلق سجلت بعض األوراق ِف فيما ذكرت أعاله و لكن لألسف الشديد أن تلك األوراق‬
‫فقدهتا أثناء ترتيب مكتبيت إال ورقتني من أوهلا‬
‫وهلذه فليلتمس لنا أحبتنا العذر ِف التقصري والزلل‪.‬‬
‫(‪ )4‬أذكر أننا ِف بداية األمر طلبنا من الشيخ القراءة عليه ِف األصول الثالثة والقواعد األربع‬
‫وذلك من ابب التدرج ِف سلم الطلب (مع أننا قد حفظنها على بعض مشائخنا قبل اجملئ إىل‬
‫الشيخ) إال أنه رفض ذلك حبجة وجيهة جداً تدلك على سعة أفق الشيخ وسعة إدراكه وخربته ِف‬
‫الرتبية والتعليم وتلك احلجة كانت أننا نستوعب معىن هذه املتون ومجيع ما فيها من مسائل قد‬
‫وعيناه وحفظناه من طرق شىت كما أن حفظنا هلا قد قطع عنا نصف الطريق (وكان الشيخ من‬
‫احلريصني واحلاثني واملرغبني ِف حفظ املتون ولكن من غري إلزام أو إجبار )رمحه هللا كم كان برا‬
‫رحيما مربياً حكيما‪.‬‬
‫وكذلك كان األمر ابلنسبة لكشف الشبهات ‪.‬‬
‫فبدأان ِف كتاب التوحيد للمجدد دمحم بن عبد الوهاب رمحه هللا مع شرحه فتح اجمليد للعالمه واجملدد‬
‫الثاين عبدالرمحن بن حسن آل الشيخ رمحه هللا ‪.‬‬
‫فكنا أنيت لصالة العصر مع الشيخ مث بعد الصالة والسالم على الشيخ نبدأ ابلتسميع مث يعلق‬
‫الشيخ ما فتح هللا به عليه على منت كتاب التوحيد نقرأ ِف فتح اجمليد ويعلق عليه الشيخ مبا تيسر ‪.‬‬
‫وكان مما اسرتعى نظران وسرق إعجابنا أن شرح الشيخ على كتاب التوحيد أييت طبق األصل ملا ِف‬
‫فتح اجمليد حىت رأيت أان وصاحيب األخر اإلكتفاء بقراءة فتح اجمليد مباشرة وذلك استغالالً للوقت‬
‫كيما يتسىن لنا كتابة أكرب قدر ممكن من تعليقات الشيخ على الفتح وذلك ملا ِف تلك التعليقات‬
‫من نفاسة ومتانة‪.‬‬
‫وابلطبع كان ذلك بعد إذن الشيخ والذي نزل عند رغبتنا كما لو كنا حنن الشيوخ وهو التلميذ‪.‬‬

‫‪975‬‬
‫مث بعد ذلك نقرأ ِف النحو ِف اآلجروميه مث ِف شرحها خلالد األزهر مث يعطي الشيخ كل واحد منا‬
‫نصاً من أية أو أبيااتً شعرية إلعراهبا‪ .‬رمحه هللا كم كان ذا خلق اندر وعلم وفضل‪.‬‬
‫(‪ِ)9‬ف يوم من األايم ارتج على الشيخ ونسي نصاً من كتاب التوحيد ِف األبواب املتقدمة‬
‫واستحيينا أان وأخي األخر أن نرد على الشيخ من حفظنا إجالالً وتقديران لفضيلته وأتدابً مع أهل‬
‫العلم وقلبنا الكتاب حىت نعثر على النص املراد إال أن الشيخ استدرك وتذكر ما نسي مث تكلم على‬
‫املسألة موضع احلديث ‪ ...‬مث أطرق الشيخ برأسه وقال‪:‬‬
‫اي فالن( وكنت أان القارئ)أخر مرة قرأت فيها فتح اجمليد قبل ثالثني سنة فزاد إعجابنا حبافظة‬
‫الشيخ وحضور ذهنه رغم سنه املتقدمه وتطاول السنني على مراجعته للكتاب‪ .‬مث استطرد‬
‫قائالً‪ :‬كنت أحفظ عن ظهر قلب ‪:‬األصول الثالثه والقواعد األربع وكشف الشبهات وكتاب‬
‫التوحيد وبلوغ املرام وزاد املستقنع وألفية بن مالك واملعلقات والكثري الكثري من القصائد كامسي ومل‬
‫أجاوز بعد العشرين من عمري‪.‬‬
‫كان الشيخ حمباً للشعر قارضاً له وأذكر أنه قال يل ذات مرة أنه ألف ِف صباه قصيدة فيها شيئ‬
‫من الغزل إال أنه جتاوز ذلك وتركه ومل يكن مكثراً وكان شعره خاصاُ به وحد فقط واليطلع عليه‬
‫أحد كما ذكر يل رمحه هللا ‪.‬‬
‫وِف سياق ذلك أذكر أن أتيت إليه مبقابلة ِف إحدى الصحف السعوديه مع صاحب الفضيلة‬
‫الشيخ إبن ابز رمحه هللا وكا ن أحد شيوخه الثالثه فقط الذين أخذعنهم (وهم مع ابن ابز دمحم‬
‫األمني الشنقيطي صاحب أضواء البيان والعالمة ابن إبراهيم املفيت السابق) املهم أين بدأت أسرد‬
‫على الشيخ أسئلة املقابلة فقط (طلباً للوقت ) واليت كانت طويلة ومل يتوقف الشيخ رمحه هللا إال مع‬
‫إجابه الشيخ ابن ابز حول سؤال عن الشعر وهل كان الشيخ ابن ابز يقرض الشعر ويتذوقه مما‬
‫يدل على حب ِف الشيخ محود للشعر وحب لتتبع بعض املواضع اخلاصة ِف سرية شيخه ابن ابز‬
‫رحم هللا الشيخ ووفق أبنائه وطالبه لكل خري‪.‬‬
‫(‪ِ )1‬ف احلقيقة بلغ كرم الشيخ الغاية ومل أرى أجود منه فقد كان ذا سخاء وعطاء رمحه هللا تعاىل‪.‬‬
‫ِف مرة من املرات أتى رجل من العامة وأخذ يضرب على منبه السيارة خارج املسجد فقال يل‬
‫الشيخ رمحة هللا قم وانظر من الرجل فقمت وذهبت إليه وإذا هو رجل أبكم ال يتكلم فرجعت إىل‬
‫الشيخ وأخربته ابحلال فقال نعم فقام الشيخ ودخل املنزل قليالً ورجع وأعطاين ِف يدي بشكل‬
‫خفي جمموعة من النقود وقال أعطه هذا واعتذر له ‪،‬هذا املتيسر األن ‪ .‬ومن ابب الفضول (أسال‬
‫هللا املغفرة) عددت النقود وهي داخل يدي ومل أجرؤ على عدها عالنية احرتاماً وتقديراً للشيخ‬

‫‪976‬‬
‫رمحه هللا تعاىل وكانت مخس أو ست أوراق وملا وصلت الرجل قام بكل سذاجة العامي وعد النقود‬
‫فإذا هي (‪95٧٧‬رايل) وقد كاد الرجل جين من شدة الفرح لدرجة أنه كاد أن يقبل يدي‪ .‬املهم‬
‫رجعت إىل الشيخ وقلت ِف نفسي لعل الشيخ غلط أو شيئ من هذا فقلت ‪:‬من هذا الرجل اي‬
‫شيخ لو رأيت فرحه لعجبت فقال رمحه هللا ‪:‬هذا واحد من أهل حائل جاء أمس وطلب مساعدة‬
‫أو صدقة فأعطيته ما تيسر قلت‪ :‬هل تعرفه اي شيخ قال‪ :‬ال ‪.‬‬
‫(‪ )5‬من طرائف الشيخ‪ِ = :‬ف مرة من املرات أتيت إىل الشيخ مسلماً ِف رمضان‪ .‬وكان عنده‬
‫بعض الضيوف فلما خرجوا ههمت ابخلروج معهم فاستبقاين الشيخ رمحه هللا وقال‪ :‬ما سولفنا‬
‫معك اجلس حىت نفطر سويه فقلت ‪:‬ايشيخ اليوم موعد اجلدة قال‪ :‬أدامك وصلت هنا خل‬
‫اجلدة ِف الغد قلت‪ :‬لعلك تعذرن ايشيخ قال‪ :‬خري ان شاء هللا فأخذ الشيخ ِف احلديث وصار‬
‫يسرد بعضاً من ذكرايته ويعرج مرة أخرى على بعض املواقف وأخرى على بعض اإلشارات الرتبوية‬
‫والعلمية وهكذا حىت أتى بعض أبناء الشيخ رمحه هللا ‪ .‬فقال الشيخ رمحه هللا تعاىل‪:‬إن كانك‬
‫صادق اطلع هاحلني فأسقط ِف يدي‪ .‬فقال‪ :‬نيب نكسب أجرك اليوم واجلدة له أجر الغد فتناول‬
‫الشيخ مساعة اهلاتف و أمليت له الرقم مث سلمين مساعة اهلاتف واعتذرت من اجلدة اليت هلجت‬
‫ابلدعاء والثناء على الشيخ ومحلتين السالم له‪ .‬وكان الشيخ يشاغلين ابحلديث حىت يقرب وقت‬
‫اآلذان مما يضطرين إىل املكث‪ ...‬كان حمباً لطالبه مقدراً هلم أميا تقدير رمحه هللا‬
‫تعاىل‪.‬‬
‫مرة من املرات جاء أحد عمال املزرعة إىل الشيخ ومعه جمموعة من الرباغي فقال للشيخ نريد من‬
‫هذه جمموعة فأخذها الشيخ وتلمسها أبانمله وقال يوجد لدينا من هذه كذا ومن تلك كذا أما‬
‫هذه فقل للسائق أييت لك مبا تريد‪ .‬فعجبنا لدقة الشيخ ونباهته وذكائه ومعرفته أبدق األمور‪= .‬‬
‫ومرة دخل علينا ابنه األستاذ عزيز (وكان ذلك بعد االنتهاء من الدرس) فقال خماطباً والده‪ :‬ماشاء‬
‫هللا مىت سلكتوا السخانة فرد الشيخ ‪ :‬اليوم فقال األستاذ عزيز ‪:‬الكهرابئي من بريدة فقال الشيخ‬
‫‪:‬ال ‪ ...‬أان الذي سلكتها والشيخ أعمى ايإخوة ولكن التميز واإلبداع وقهر املستحيل عادة عند‬
‫البعض‪...‬‬
‫(‪ِ )1‬ف يوم من أايم الشتاء وكان يوم مخيس على ما أذكر أزمعت أان وثلة من األحبة على تناول‬
‫طعام الغداء ِف اهلواء الطلق وِف طريقنا إىل(ملف العائلة ‪ -‬املكان املفضل ِف ذلك الوقت‪)-‬‬
‫توقفنا أمام أسواق الفاخرية ِف حي الفاخرية وبعد شراء بعض احلاجيات واثناء خروجنا من‬
‫األسواق كانت أمامنا جمموعات متناثرة من األوراق صغري ةاحلجم واليت تعودان على رؤيتها ِف تلك‬

‫‪977‬‬
‫األايم اذ كانت عبارة عن منشورات إما من املسعري أو غريه التقطت واحدة منها وكانت عجيبة‬
‫غريبة ‪....‬‬
‫اذ كان فحوى تلك الورقة عبارة هتنئة لوىل األمر مبناسبة استأصال شأفة الشر واإلجرام واملتمثل ِف‬
‫تنفيذ القصاص ِف أحد املفسدين ِف األرض‬
‫وليس هذا مكمن الغرابة وإمنا مكمنها أن املوقعني على تلك التهنئة هم‪:‬‬
‫العالمة الشيخ محود العقالء‬
‫العالمة الشيخ دمحم املنصور‬
‫الدكتور الشيخ صاحل الونيان‬
‫الدكتور الشيخ سليمان العودة‬
‫والذي جيعلك توغل ِف الغرابة أكثر أن اجملرم املفسد ِف األرض كان ‪:‬‬
‫الفاضل عبد هللا احلظيف أسال هللا الكرمي مبنه وفضله أن جيعله ِف عداد الشهداء‬
‫املهم ملا كان من الغد وجاء وقت الدرس اخلاص عند فضيلة الشيخ وجدان الشيخ رمحة هللا به أثر‬
‫من مرض فجلس معنا الشيخ رمحه هللا لتداول الرأي حول تلك الورقة املزعومة وما هي اال برهة من‬
‫الزمن حىت أقبلت سيارة فيها ثالثة من الشباب (كان ذلك قبل بناء السور على منزل‬
‫الشيخ) فقال يل الشيخ اي فالن قم وأدخلين البيت واعتذر يل من اإلخوة ألين متعب وقمت‬
‫ممسكاً بيد الشيخ و اثناء الطريق إىل ابب املنزل قال يل الشيخ من القادم فقلت له (فالن) قال‬
‫الشيخ أبو عبدهللا أرجعين يستاهل من جيلس له فرجعنا إىل اجمللس و قد وصل أصحاب السيارة ِف‬
‫تلك األثناء وسلموا على الشيخ واستقبلهم حبفاوة ابلغة وقلت هلم ان الشيخ به عارض صحي‬
‫ولكن أىب إال لقياكم حلبه لكم (كل ذلك رجاء اال يطيلوا املكث عند الشيخ كي اليتعب من‬
‫اجللوس )‬
‫املهم دار احلديث مباشرة عن تلك الورقة وكان الشيخ رمحه هللا يضحك كثرياً منها وِف أثناء‬
‫احلديث مال أبو عبد هللا( هذا) إيل وقال ملا الحناول اقناع الشيخ إبخراج ورقة تنقض هذه التهنئة‬
‫فقلت له إن الشيخ سوف يتكلم ِف درس التدمرية ِف جامع اجلاسر عن هذه الورقة فقال أبو‬
‫عبدهللا اليكفي فقلت اذا استعنا ابهلل فتكلمت مع الشيخ هبذا الصدد وآزرين صاحيب اآلخر‬
‫كذلك تكلم بعدان أبو عبدهللا إال أن الشيخ مل ير اصدار بيان أو تكذيب إال بعد الرتوي واملشورة‬
‫مع بقية املشائخ لعله أن يصدر تكذيب مشرتك ‪...‬التفت الشيخ إىل أيب عبد هللا هذا وقال اي‬
‫شيخ فالن أوردوا(يقصد الذين كتبوا التهنئة ) أثر مل يسبق أن مر على(وهو إقامة حد خري من أن‬

‫‪978‬‬
‫متطر األرض أربعني سنة) هل مر عليك فقال نعم أورده ابن كثري ِف البداية وفيه مقال ‪ ...‬بعد‬
‫ذلك قلت للشيخ لعلك تعبت لو تراتح قليالً فقال الشيخ صدقت (اقضب يدي) فقمنا مع‬
‫الشيخ حىت دخل البيت وغادران مزرعة الشيخ رمحه هللا‬
‫وِف يوم األحد(ِف درس التدمرية) تكلم الشيخ عن تلك الورقة كالماً قوايً جريئاً صرحياً مدوايُ والقى‬
‫ابلالئمة مباشرة على املباحث والدرس مسجل حبمد هللا تعاىل‬
‫رحم هللا الشيخ كم كان قوايً الخياف ِف هللا لومة الئم‬
‫(‪)1‬‬
‫الشيخ والسجن‬
‫كان اعتقال الشيخ رمحه هللا تعاىل ِف يوم السبت املوافق السبت ‪ 4141 /4/5‬الساعة التاسعة‬
‫والنصف ليالً تقريباً وقد مضى على اعتقال املشائخ تقريبا مثانية أشهر وأايم وكان األعتقال ِف‬
‫سجن احلائر ابلرايض ‪ ،‬تضافرت اجلهود من العلماء واملشائخ وإخوان الشيخ وأبنائه لفك أسر‬
‫الشيخ رمحه هللا‪.‬‬
‫للشيخ دمحم بن عثيمني وقبله الشيخ الوالد عبد العزيز بن ابز جهود التنكر ِف ذلك أما الشباب‬
‫فبيض هللا تلك الوجوه الغضة اليت ما وجدت سبيال مفتوحاً إال سلكته ِف ذلك الصدد أما أسرة‬
‫الشيخ فليس مستغراب على أسرة أخرجت أمثال الشيخ أن هتب كا الضياغم لفك أسر درهتا ودرتنا‬
‫مجيعا العالمة الشيخ محود رمحه هللا لن أسرد هنا حتليالً لسجن الشيخ ولن أذكر أسبااب الكثري‬
‫يعرفها وإمنا هي ذكرايت ومواقف مسعتها من الشيخ عن فرتة إعتقاله منها ما يلي‪:‬‬
‫داهم مزرعة الشيخ عدد كبري من فرق الشرطة واملباحث فاق عدد السيارات التسع على ما‬
‫أذكر اقتيد الشيخ مباشرة إىل الرايض قبل التفتيش دامت عملية التفتيش أكثر من ست ساعات‬
‫سجن الشيخ رمحه هللا ِف فيال ضمن جممع سجون احلائر كانت قبل وصول الشيخ بفرتة بسيطة‬
‫مأهوله من قبل أحد األمراء املساجني من قبل األمري سلمان كم أخرب الشيخ بذلك من قبل‬
‫احلارس واملرافق له‬
‫وصل خرب سجن الشيخ إىل املشائخ املعتقلني فور وصوله إىل مقر إقامته املؤقت ِف احلائر ‪ ،‬دخل‬
‫أخو الشيخ وهو ضابط كبري وأخوه دمحم (أبوعبدهللا ) جار الشيخ ِف املزرعة على األمري انيف‬
‫واستقبلهم استقبال طيب ووعدهم خرياً وملا حدثوه عن الناحية الصحية للشيخ قال إين أشرف‬
‫على تغذية الشيخ بنفسي هذا ما قاله يل الشيخ محود رمحه هللا‬

‫‪979‬‬
‫الشيخ تكرم على السجن أبن قام بتأبري (تلقيح) النخل املوجود ِف فناء الفيال اليت سجن فيها =‬
‫كان الذي يقوم على خدمة الشيخ عريف أطلق عليه الشيخ لقب (قنيفذ) من ابب التندر‬
‫والتلطف مع هذا الرجل ‪،‬وضعوا عند الشيخ مذايع استمع من خالله لكثري من برامج(أم يب سي‬
‫اف ام) وقد استاء الشيخ جدا منها وضاق صدره من هذا اإلفساد املتعمد للشباب ‪ ،‬كانت‬
‫املعاملة مبنية على التقدير واالحرتام بل والتبجيل وطبعا هذه أوامر عليا وذلك ملا يعرف من مكانة‬
‫الشيخ عند العلماء والشباب والعامة ِف الداخل واخلارج‪ ،‬سئل الشيخ رمحه هللا ِف التحقيق عن ما‬
‫حيدث من فتنة اجلامية واليت كانت مستعرة ِف ذلك الوقت فتكلم الشيخ بكل يكتب مباء الذهب‬
‫بني فيه خطر مثل هذا التوجه ووضع احللول والبدائل وان إىل ذلك ولو كان الوقت يسمح لذكرت‬
‫طرفاً مما أذكر من كالم الشيخ ِف هذا الصدد ‪ ،‬ختم الشيخ القرآن الكرمي (‪ )19‬مرة ِف كل يوم‬
‫ختمة وكانت مدة سجنه (‪ )14‬يوما ‪ ،‬خرج الشيخ من السجن ِف يوم األحد املوافق‬
‫‪ 4141/9/4٧‬الساعة (‪)49‬ليالُ مكث عند ابنه ِف الرايض قليالً مث رجع إىل بريدة سريعاً ِف‬
‫نفس تلك الليلة ‪ ،‬توافدت مجوع كثرية الحتصى للسالم على الشيخ وهتنئته بسالم الوصول من‬
‫كافة طبقات اجملتمع بال استثناء‪.‬‬
‫أظين نسيت الكثري ولكن حسيب من الثوب ماسرت‬

‫ختاما‬
‫مع آفول مشس هذه الذكرايت واليت علم هللا كم آذتين اذ ذكرتين برجل افتقدته كوالد قبل أن أفتقده‬
‫شيخاً اليسعين هنا إال الدعاء للشيخ ابلرمحة واملغفرة وأن خيلفنا خرياً منه إنه ويل ذلك والقادر‬
‫عليه‪ .‬والسالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‬

‫‪981‬‬
‫رىل ذل القمر الذي توارى يف مغربه وذل احلسام الذي عاد رىل غمده وذل‬
‫األسد الذي آب رىل عرينه وودع العامل بصمت‬

‫رىل اإلمام اجملاهد العالمة فضيلة الشيخ ‪ /‬محود بن عقالء الشعييب رمحه هللا رمحة واسعة‬
‫أسعداين اي مقليت وجودا *** وابكيا عامل الزمان محودا‬
‫وأفيضا دما رذا شح دمع *** علّه أن يريح قلبا كميدا‬
‫عبقري يفي اإلمام الفقيدا‬
‫ّ‬ ‫ما عسى الشعر أن يقول وهل *** من‬
‫قمر غاب يف زمان رهيب *** تركا بعده الليايل سودا‬
‫أسد ودع العرين خالء *** وهزبر وما أقل األسودا‬
‫أشرق الكفر ابحلجاج واعيا *** كل فحل وأخرس التلمودا‬
‫وغدت أمة النصارى حيارى *** كل يوم ختشى بياان جديدا‬
‫ودعت دولة الصليب بويل *** من فتواه ال تطيق مزيدا‬
‫يرجم الشيخ رفكهم برجوم *** من جنم تفتت اجللمودا‬
‫ومضى الف ّذ اثبتا ال يبايل *** بنفاق وال يهاب وعيدا‬
‫واثقا ال خياف يف هللا لوما *** يتحدى من الطواغيت كيدا‬
‫وأته اليقني وهو على احلق *** فال أدرك اجلبان الرقودا‬
‫رمنا الشيخ حجة هللا يف اخللق *** يف زمان من اهلوان مديدا‬
‫نور هللا بقعة حل فيها *** وسقاها ومدها هللا بيدا‬
‫أي حلم ضممته أيها اللحد *** وعلم آاثره لن تبيدا‬
‫ورابء حويته ومضاء *** وثبات و عزة وصمودا‬
‫لوعلمت األايم علم يقني *** من حوالي الحتقرت اللحودا‬
‫كم صدور تنفست صعداء كان *** غما هلا وخصما عنيدا‬
‫وسطور تنفس احلقد منها *** غردت يوم موته تغريدا‬
‫ولئام تربصته بسوء *** وترى أن موته كان عيدا‬
‫وترى أن موته كان عيدا *** أيها الشامتون موتوا بغيظ‬

‫‪981‬‬
‫رن هلل أمة وجنودا *** أمة الدين ال تزال فتاة‬
‫وعلى الدهر ال تزال ولودا *** كلما ودع السماء هالل‬
‫ولدت بعده هالال وليدا *** لو رأيتم مسرية السبت ملا شيعوه‬
‫ودفنه املشهودا *** ووداعا له يذيب حشاكم‬
‫ووالء يفت منكم كبودا *** فاسألوا السبت ما رأى من مجوع‬
‫شيعوه واستشهدن الشهودا *** جحفل ال يناله الطرف‬
‫رال رد حريان يعجز التحديدا *** يراءى يوم القيامة ملا‬
‫أجلب الناس واستتموا ورودا *** يزحف اجلمع واخلالئق صور‬
‫تراءى جثمان املمدودا *** فوق نعش تقاذفته أكف‬
‫ىف خضم ختاله العني طودا *** قل ملن ابلعمى يعيب عليه‬
‫قل ملن ابلعمى يعيب عليه *** ساء عبد تنقص املعبودا‬
‫نور عيني ما أفادك رال *** حرية القلب والضالل البعيدا‬
‫أيها الشانئون مهال فإان *** معشر ال حناذر التفنيدا‬
‫ال يسر املصاب يف الدين رال *** ملحدا أو مهتكا عربيدا‬
‫ليس قينان غري قن وقني *** وعبيد لعبد عبد يهودا‬
‫غش زيوف *** نقد الشيخ يستزيد نقودا‬ ‫و(النقيدان) نقد ّ‬
‫رن طعن القتيل ما عاد فخرا *** فلماذا متزقون اجللودا‬
‫ومن اللؤم أن يهان األسارى *** واألسارى يعاجلون القيودا‬
‫اي عبيدا ما تنقمون عليه *** غري أن قام يستثري العبيدا‬
‫ينكر األرمد الضياء وال *** أيلف رال ظالمه املنكودا‬
‫رن عود احلقوق يبغى جهودا *** وجهادا من الشعوب جهيدا‬
‫ُرب عيش أعز منه ممات *** يوم يلقى أقزامنا التأييدا‬
‫أيها الراحل العظيم وداعا *** أنت من جدد اهلدى جتديدا‬
‫فلئن ُمت ما مبوت عار *** قمة الفخر أن متوت شهيدا‬
‫فلقد عشت يف احلياة عزيزا *** فلذا كنت يف املمات محيدا‬

‫‪982‬‬
‫ولقد كنت يف اهلداة سين الربق *** وقد كنت للعداة رعودا‬
‫كنفا للدعاة ظال ظليال *** وألهل النفاق كنت جليدا‬
‫وألنت اإلمام فردا ل الذكر *** على صفحة الزمان خلودا‬
‫رب هول وقفت فيه وحيدا *** ومقام ينهنه الصنديدا‬
‫واقفا موقف النبيني صربا *** حاكيا يف اليقني نوحا وهودا‬
‫حمييا ملة اخلليل بوقت *** عز فيه من حقق التوحيدا‬
‫وعلوا حىت سكنت الصعيدا‬
‫ًّ‬ ‫شاخما ال تزال تسمو صعودا ***‬
‫وألنت احلسام أغمد قربا *** بعد أن سلّ اإلله حديدا‬
‫هل لعني تذوق بعدك غمضا *** وترى بعدك الوجود سعيدا‬

‫مهام اليمامي‬
‫ذو القعدة ‪4199‬‬

‫‪983‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫راثء ‪ ..‬وعزاء‬
‫احلمد هلل وحده‪ ،‬والصالة والسالم على من ال نيب بعده‪ ،‬وبعد‪.‬‬
‫رحل العامل البصري ‪ ..‬البصري أبحوال أمته وما ُحياك ضدها ‪ ..‬البصري أبحوال اجملرمني ومذاهبهم‬
‫‪!..‬‬
‫رحل العامل اجملاهد ‪ ..‬رفيق اجملاهدين ‪ ..‬وشيخهم وعاملهم ‪ِ ..‬ف حني تنكر هلم كثري من أهل العلم‬
‫‪ ..‬وممن هلم صلة ابلعلم ‪!..‬‬
‫رحل الشيخ احلبيب ‪ ..‬وال نعلم عنه إال أنه حيب هللا ورسوله ‪ ..‬وحيب اجلهاد واجملاهدين ‪..‬‬
‫وألجل ذلك أحببناه ‪ ..‬وال نزكيه على هللا!‬
‫املشرفة النبيلة ‪ ..‬والذي كان آخرها موقف يتمثل بتوجيه‬ ‫رحل الشيخ احلبيب ‪ ..‬صاحب املواقف ِ‬
‫بيان نصرة وأتييد ألمري املؤمنني املال دمحم عمر ‪ ..‬ومن معه من اجملاهدين املخلصني ‪ ..‬وبيان إىل‬
‫علماء الباكستان حيثهم فيه على نصرة اجلهاد واجملاهدين ‪ ..‬أنعم هبما من بيانني!‬
‫إذا ذُكر الصدع ابحلق ِف وجوه الطغاة اآلمثني ‪ ..‬ذُكر الشيخ ‪ ..‬ال يُثنيه عن بيان احلق ترغيب وال‬
‫ترهيب ‪!..‬‬
‫رحل الشيخ احلبيب ‪ ..‬مريب األجيال ‪ ..‬مريب العلماء والدعاة ‪!..‬‬
‫رحل الشيخ احلبيب ‪ ..‬واألمة عنه راضية ‪ ..‬واجملاهدون عنه راضون ‪ ..‬وشهداء هللا ِف األرض عنه‬
‫راضون ‪ ..‬وهذا من مبشرات اخلري الدالة على حسن اخلامتة إن شاء هللا!‬
‫اعف عن الشيخ‬ ‫الكل يثين على الشيخ خرياً ‪ ..‬ويدعو للشيخ ابخلري‪ :‬اللهم ارحم الشيخ ‪ ..‬اللهم ُ‬
‫‪ ..‬اللهم جتاوز عن الشيخ ‪ ..‬اللهم آمني!‬
‫رحل الشيخ احلبيب أبو عبد هللا محود بن عقالء الشعييب ‪ ..‬إىل رمحة ربه وجواره إن شاء هللا ‪..‬‬
‫بعد منتصف ليلة السبت ِف اخلامس من ذي القعدة‪ ،‬لسنة ‪ 4199‬ه ‪ ..‬داعني له هللا تعاىل أن‬
‫يتغمده برمحته وعفوه‪ ،‬وأن يتجاوز عن سيئاته ‪ ..‬وأن يُسكنه فسيح جناته ‪ ..‬وأن يُبارك له ِف‬
‫حسناته ‪ ..‬وأن جيعل قربه روضة من رايض اجلنة ‪ ..‬وأن يبلغه منازل الشهداء واجملاهدين املخلصني‬
‫‪ِ ..‬ف الفردوس األعلى كما كان حيب اجلهاد وأهله ‪ ..‬وينصر اجلهاد وأهله!‬
‫ومن كرامات الشيخ اليت تُذكر ‪ ..‬والبشارات الدالة على اخلري ‪ ..‬أنه إىل الساعة مل يث ِن عليه ظامل‬
‫معروف ‪ ..‬أو صاحب بدعة معروف ببدعته ‪ ..‬أو شيخ متهم ‪ ..‬بل ومل تذكر خرب وفاته إذاعة‬

‫‪984‬‬
‫رمسية ‪ ..‬ليس ألن الشيخ دون أن يُذكر ‪ ..‬ال ‪ ..‬بل ألن الشيخ كان غصة ِف حلوقهم ‪ ..‬وعقبة‬
‫كأداء أمام ابطلهم ‪ ..‬ما عرفوا مىت يسرتحيون منها ‪ ..‬وهذه مفخرة عظيمة تُذكر للشيخ!‬
‫وإىل آل الشيخ وأهله ‪ ..‬وتالمذته وأحبابه‪ :‬أحسن هللا عزاءكم ‪ ..‬وآجركم خرياً على مصابكم ‪..‬‬
‫وأخلفكم خرياً منها ‪ ..‬فلله ما وهب وما أخذ‪ ،‬وإن من شيء عنده إال أبجل ‪ ..‬وال نقول إال ما‬
‫يُرضي الرب عز وجل ‪ ..‬إن القلب ليحزن‪ ،‬وإن العني لتدمع ‪ ..‬وإان على فراقك اي شيخنا حمزونون‬
‫‪ ..‬أنتم السابقون‪ ،‬وحنن الالحقون ‪ ..‬وإان على دربك ِف اجلهاد والصدع ابحلق إن شاء هللا‬
‫ماضون ‪ ..‬غفر هللا لنا ولكم ‪ ..‬وإان هلل وإان إليه راجعون ‪ ..‬وال حول وال قوة إال ابهلل العلي‬
‫العظيم‪.‬‬

‫‪ 4199/44/1‬ه ‪ .‬عبد املنعم مصطفى حليمة‬


‫‪ 9٧٧9/4/9٧‬م‪ .‬أبو بصري‬

‫‪985‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫مات اإلمام‬
‫ينهمر‬
‫وليس يشفيه غري الدم ِع ُ‬ ‫منفطر …………‪َ .‬‬ ‫ُ‬ ‫القلب‬
‫َ‬ ‫عني جودي‪ ،‬فإن‬ ‫اي ُ‬
‫تستعر‬ ‫هليب النار‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫وكيف يُشفى من األحزان ذو َك َمد؟ …………‪ .‬أم كيف يُطفى ُ‬
‫والسهر؟‬ ‫ِ‬
‫النائبات احلز ُن‬ ‫يصرف‬
‫ُ‬ ‫وهل ترد الدموعُ فجع ٍ‬
‫غائلة؟ …………‪ .‬أم‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫العيش شاب صفوها ال َك َد ُر‬ ‫ِ‬ ‫هي املنااي على املُىن ُحمكمةٌ‪ .………… ،‬فلذةُ‬
‫احلذر‬ ‫ِ‬
‫نحتم‪ .………… ،‬فال التوقّي يرده وال ُ‬ ‫واملوت حق على العباد ُم ٌ‬
‫ُ‬
‫مستطر‬ ‫ِ‬
‫الكتاب‬ ‫الليل يف‬
‫ُ‬ ‫صبح يف حبر غفلته‪ .………… ،‬وموتُه َ‬ ‫كم من فىت ُم ٍ‬
‫وجام ٍع دنس الدنيا لِوارثه‪ .………… ،‬والقربُ عما قليل سوف ُحيت َفر‬
‫منتظر‬
‫والرحيل ُ‬ ‫ُ‬ ‫نصيب له …………‪ِ .‬من ز ِاد أُخراه‪،‬‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫وخائض يف الدىن‪ ،‬وال‬
‫القدر‬
‫ينطق ُ‬‫حني ُ‬
‫خيرس َ‬
‫والظن ُ‬
‫ُّ‬ ‫املوت زخرفَها‪.………… ،‬‬
‫كم من ظنون أحان ُ‬

‫****‬
‫منكسر‬
‫ُ‬ ‫ظم الدي ِن‬
‫وع ُ‬ ‫منثلم‪ُّ .………… ،‬‬
‫واحلق ابك‪َ ،‬‬ ‫فسور العلم ٌ‬‫اإلمام‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫مات‬
‫تنغمر‬ ‫ِ‬
‫وعني اهلدى يف الدم ِع ُ‬ ‫فصارم اجلهاد به …………‪ .‬فلٌّ‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫مات اإلمام‪،‬‬
‫النفاق حني ينتشر؟‬‫مات اإلمام‪ ،‬فمن للكف ِر يردعه؟ …………‪ .‬ومن لِداء ِ‬
‫القمر ؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سواد الدجلة ُ‬ ‫يل َ‬‫من للضالل مييط ظل سدفته …………‪ .‬كما يز ُ‬
‫أثر؟‬
‫عني وال ُ‬‫من للجهاالت ابلربهان ينسفها …………‪ .‬فتُسلم الروح‪ ،‬ال ٌ‬
‫والكلب خيرسه – رذا عوى – احلَ َج ُر‬ ‫من للكالب من األحجار ي ِ‬
‫لقمها؟ ……‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قرهنم؟ …………‪ .‬من لألُىل جاهروا ابلفسق أو كفروا؟‬
‫من لألعادي رذا ما ذر ُ‬
‫مات اإلمام‪ ،‬وكان حجة َعلَما …………‪ .‬حبرا من العلم ال يشوبه الكدر‬
‫النعام واحلُ ُم ُر‬ ‫ٍ‬
‫بصر عند كل معرك …………‪ .‬ليثا‪ ،‬رذا استأسد ُ‬ ‫قد كان يُ َ‬
‫وكان يقصد عند كل ٍ‬
‫انئبة‪ .………… ،‬فيَج ِري‪ ،‬رن توىل َمن به َخ َوُر‬ ‫ُ‬
‫املطر‬ ‫ِ‬
‫موات البَل َق ِعِ ُ‬ ‫يغيث َ‬ ‫وكان ابلعلم ُحييي ُسنة َد َرست …………‪ .‬كما ُ‬
‫كالدر يف اللمعان‪ ،‬بل هي ُّ‬
‫الدرر‬ ‫ِّ‬ ‫وكان تُرجى الفتاوى منه زاهرة …………‪.‬‬
‫اجملد غايتُه‪ ،‬واحلق رايته …………‪ .‬والعُ ْرف عادته‪ ،‬وُك ْتبه غُرر‬

‫‪986‬‬
‫بكل الكون ٌمشت ِه ُر‬ ‫وصدعُه ابهلُدى ِ‬
‫أنوف‪ٍّ ،‬‬
‫عدت …………‪ .‬له ٌ‬
‫صرفا‪ ،‬ورن َر ْ‬ ‫َ‬

‫****‬
‫الصبُـ ُر‬
‫عشر ُّ‬ ‫ِ‬
‫نفس‪ ،‬ما فاز رال املَ ُ‬‫فاصطربي …………‪ .‬اي ُ‬ ‫ران رىل هللا راجعو َن‪ْ ،‬‬
‫الص َوُر‬ ‫مات اإلمام‪ ،‬وما ماتت مواق ُفه …………‪ .‬والفكر يبقى رذا ما ِ‬
‫غابت ُّ‬ ‫ُ‬
‫هر‬ ‫فلست أر ِ‬
‫نص ُ‬
‫فؤاده ابهلوى والغَ ِّي ُم َ‬
‫ثيه‪ ،‬رمنا الراثءُ ملن …………‪ُ .‬‬

‫الشيخ عصام البشري املراكشي املغريب‬


‫اخلميس ‪4199/44/4٧‬‬

‫‪987‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫القلب الشجاع‬
‫ُ‬ ‫رحل‬
‫َ‬
‫قد يكون العلم يف قلب جبا ْن …………‪.‬قد يكون العلم مقروان ‪..‬‬
‫العلم جهال ‪..‬‬
‫أبعباء الزما ْن …………‪.‬قد يظل ُ‬
‫ع‬
‫القلب الشجا ْ‬
‫ُ‬ ‫كلما زل اللسـا ْن ! …………‪.‬قد مضى‬
‫ساعة العسرةِ …………‪.‬يف ِ‬
‫يوم الطعا ْن‬ ‫ومضى يف ِ‬
‫ِ‬
‫البحث عن اهلادي ‪..‬‬ ‫رحب الذراع…………‪ .‬ساعةَ‬ ‫قد مضى ُ‬
‫ع‬
‫كب يف تل الصحاري والبقا ْ‬ ‫فحار الر ُ‬
‫مضى احلادي …………‪َ .‬‬
‫ع …………‪.‬وغدا كل الرعااي ‪..‬‬ ‫كل اجلمو ْ‬
‫وبكت ُّ‬
‫ع‬
‫األرض حبثا …………‪.‬عن بقااي من مشو ْ‬ ‫َ‬ ‫ينهبون‬
‫ع‬
‫القوم اخلدا ْ‬
‫واسود املكان …………‪.‬واكتسى ُ‬
‫الليل ‪َ ..‬‬
‫وادهلم ُ‬
‫حسن له ‪..‬‬
‫اب …………‪.‬غرهم ٌ‬
‫حينما ازدان هلم لون السر ْ‬
‫كالشهاب …………‪.‬فتالشى‬
‫ْ‬ ‫عندما يبدو مجيال‬
‫وتالشت معه آماهلم‬
‫ْ‬ ‫وتالشوا خل َفهُ …………‪.‬‬
‫اد هلم ‪..‬‬ ‫ِ‬
‫مث تهوا يف بالد هللا …………‪.‬ال ز َ‬
‫ع‬
‫اب …………‪.‬ها هم اآل َن يعيشون الضيا ْ‬ ‫أي شر ْ‬
‫وال ُّ‬
‫املوت يبكينا‬
‫رن بكينا أيها الشي ُخ …………‪.‬فليس ُ‬
‫ممات يف احلياة‬
‫املوت ٌ‬
‫فكل الناس موتى …………‪.‬رمنا ُ‬ ‫ُّ‬
‫حس وشعوٍر …………‪.‬وضم ٍري ضل عن رفع اجلباه‬ ‫موت ٍّ‬‫ُ‬
‫ظل يف ٍ‬
‫دوامة للخزي والعا ِر …………‪.‬أسريا ‪..‬‬
‫وجه من أخزاهُ …………‪.‬ال يبـدي ِ‬
‫السنا ْن‬ ‫يستحي من ِ‬
‫َ‬
‫ابت مهزوما ومأسورا …………‪.‬وخيشى أن يرى امليدا َن‬
‫َ‬
‫املكارم‬
‫ْ‬ ‫أفعال‬
‫املالحم …………‪.‬وتنحت عنه ُ‬
‫ْ‬ ‫يف يوم‬
‫أرحم‬
‫املوت ْ‬ ‫ِ‬
‫امض اي شي ُخ …………‪.‬فإن َ‬
‫صاحب‬
‫ْ‬ ‫العصر أبكم …………‪.‬مل يعد ِ‬
‫للعلم‬ ‫َ‬ ‫رن هذا‬

‫‪988‬‬
‫العلم متاعا‬ ‫ِ‬
‫أصبح ُ‬‫طالب …………‪َ .‬‬ ‫مل يعد للمجد ْ‬
‫خ‬
‫متت اي شي ُ‬
‫املكاسب …………‪.‬مل ْ‬ ‫تُبتغى ِ‬
‫فيه‬
‫ْ‬
‫كاذب …………‪.‬كلهم موتى ‪..‬‬ ‫النعي ْ‬‫رن َ‬
‫الباطل‬
‫ُ‬ ‫النعي كاذب …………‪.‬فرح‬‫وهذا ُ‬
‫الرغائب‬ ‫وابتسام ِ‬
‫اخلبث يف وجه‬ ‫اقب…………‪.‬‬ ‫وانزاح عن ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫هم املر ْ‬
‫كاهله ُّ‬
‫والكافر…………‪ .‬واستبشر ابلنعي املناف ْق‬
‫ُ‬ ‫العاذل‬
‫ُ‬ ‫ِمش َ‬
‫ت‬
‫الشمس‬
‫َ‬ ‫فهنيئا للمناف ْق …………‪.‬الذي ظن أبن‬
‫احلق‬
‫حاجب …………‪.‬رنه ُ‬ ‫ْ‬ ‫غرابل‬
‫قد حيجبها ُ‬
‫الكواكب‬
‫ْ‬ ‫الشمس يطغى …………‪.‬فو َق أنوا ِر‬
‫ِ‬ ‫فنور‬
‫ُ‬
‫اجلميل‬
‫ْ‬ ‫صاحب الر ِ‬
‫أي‬ ‫َ‬ ‫فوداعا أيها الشي ُخ اجلليل …………‪.‬ووداعا‬
‫القلب الشجاع …………‪.‬أيها الشي ُخ اجملاه ْد‬
‫ُ‬ ‫ووداعا أيها‬
‫كلنا ثكلى …………‪.‬ورن هللا شـاه ْد‬

‫أمحد الطارش‬
‫‪4199/44/1‬ه‬

‫‪989‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫وسأر ِ‬
‫ثيه ‪..‬‬
‫مث سأروي للعاملني قصيت مع حبـيـبنا وشيخنا الشامخ املُبجل‬
‫حديثنا اليوم عن هذا اهلزبر ‪ !..‬وحيدر زمانه وضرغام عصره ‪ ..‬وأسد املنابر ‪ ..‬وصدق اإلمام ابن‬
‫القيم ِف قوله ( لكل له من إمسه نصيب ) وأقسم أنه قد استقى من إمسه أكرب نصيب حىت غدا‬
‫الشعييب ) ‪ ..‬لو كان حياً ملا‬
‫علماً بسرية عظيمة حممودة إنه العالمة ( محود ) ‪ ..‬وويح جده ( ُ‬
‫وسعه إال أن يفتخر حبفيده الذي هو أبلف ألف حفيد ‪ !..‬أنه محود بن عبد هللا بن عقالء‬
‫رفض وأحفاد عاد ومثود ‪ ..‬وعلى رحيلك‬ ‫الشعييب ‪ !..‬وليت شعري اي محود مل جيافيك غري أهل ٍ‬ ‫ُ‬
‫در من قال فيك ‪:‬‬
‫زغردة مومسات اليهود وهلل ُ‬
‫ِ‬
‫األطواد‬ ‫ـود هلفي هلفة * * * لفراق داهي ـ ٍـة من‬
‫اإلمام مح ـ ـ ُ‬
‫ُ‬ ‫ذاك‬
‫ـهم فشق فؤادي‬‫فاهتز قليب ه ـ ــزة * * * وأصابين س ـ ٌ‬
‫علم هوى ّ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫األكباد‬ ‫ِ‬
‫العيون جريــحة‬ ‫اي ويح قليب كـم تكابد أمـ ـةٌ * * * قرحى‬
‫هللاُ يش ــهد أنين لفراق ـ ِـه * * * يف كر ٍبة عظمى وس ـ ٍ‬
‫ـقم ابدي‬
‫جيود لكل ٍ‬
‫قلب صـ ــادي‬ ‫نبع ُ‬
‫فؤادهُ * * * ٌ‬
‫ـري أن َ‬ ‫كفيف غ ـ َ‬
‫شي ٌخ ٌ‬

‫قبل ستة أشهر ‪ ..‬رن هاتف املنزل عندي فرفعته ‪ ..‬وإذ على الطرف اآلخر صوت متحشرج‬
‫ُم تهدج ‪ ..‬وِف نربته فحولة وِف نغمته إنكسار الكهولة ‪ !..‬قال ‪ :‬أهذا منزل كاتب صحيفة الوطن‬
‫دمحم املليفي ؟ قلت نعم ‪ ..‬وحمدثك هو املليفي بشحمه وحلمه ! ولكن عفوا من املتحدث ؟ فقال‬
‫أان أخوك محود العقال الشعييب ‪ !!..‬فقلت هللا أكرب اي شيخنا الفاضل وِمل هذا العناء اي أيها الوالد‬
‫الكرمي ‪ ..‬ليتك أخربت طالبك ليخربوين أبنك تريدين ‪ ..‬كي آتيك بنفسي إىل بيتك فقال ال فرق‬
‫بيننا اي ولدي اللهم إال إين أُكربك ِف العمر فقط ‪ !..‬فقلت أقس م أن تواضعك قد قصم يل ظهري‬
‫وليس يل ما أقوله لك اي والدي إال أنه يل الشرف أن يتصل بنا أمثالك ‪ ..‬فأمرين اي ِ‬
‫أبت مبا تريد‬
‫‪ ..‬فقال كالماً مطوالً عن مقاالتنا املتواضعة وليس اآلن وقت احلديث عن ذلك احلِوار ‪..‬وقد‬
‫نشرته جملة (( األايم والناس )) ِف ذلك الوقت كامالً غري منقوص ‪ ..‬بدءا من السالم عليكم ‪..‬‬
‫إىل أستودعك هللا اي ولدي ‪ ،‬ولكنه واحلق أقول ما أن أغلق اهلاتف مين قائالً ( أستودعك هللا اي‬
‫ولدي ) حىت أحسست ابلصغار ِف نفسي ‪ ..‬مث بشعوٍر غريب وهو إحساسي أبين لن أمسع هذا‬
‫الصوت جمدداً ‪ ..‬فلقد كان خيتبئ خلف صوته نوائب من احلُزن وأخاديد من اهلم ‪..‬وكيف ال ‪..‬‬

‫‪991‬‬
‫وهو حيمل هم هذا اإلسالم منذ أن عرفه الناس وصدح بينهم إمسه وعلمه ‪ ..‬لقد كان احلوار شرعيا‬
‫‪ ..‬ولكين من هيبته‪ ..‬شعرت وكأين ال أجيد احلديث ابلعربية‪..‬فضالً عن جماراته ِف احلديث !‬
‫اتصلت بعدها على الفور بصاحيب القصيمي الذي يسكن ِف مدينة بريدة ‪ ..‬وعتبت عليه كثرياً‬
‫ملاذا أعطى رقمي للشيخ ليتصل يب ومل يعطين أان رقمه ألتصل به بنفسي ‪ ..‬فضحك ملئ فيه ‪!..‬‬
‫فقلت له وحيك وتضحك أيضاً !؟ فقال أضحك ألنك ال تعرف هذا الشيخ اي أخي دمحم ! أنه‬
‫يتصل ابجلميع ويتفقد ال ُك ل ‪ ..‬ويسأل عن الشباب دوماً وحنن ال جند من ُحيفزان ويشجعنا ويذكران‬
‫مثله أبداً ‪..‬ووهللا لوال البياض الظاهر ِف عينه لقلنا أن يتعامى وليس أبعمى ‪ !..‬فهو يشعر بنا‬
‫مجيعاً ويسلم على اجلميع إبمسه وكأنه يراه‪ !..‬إنه شيخ اجلميع ووالد اجلميع وكذلك صديق اجلميع‬
‫‪ !..‬إذا أصاب أحد منا هم أو ألَّم به غم أو طاف به ُحزن ‪ ..‬ذهب إيل الشيخ محود ‪ ..‬وما هي‬
‫إال حلظات حىت جيد أثر بلسمه وقد أصاب قلبك ‪ ..‬وفيض حديثه خيرتق مسعه فيشرح صدره ‪..‬‬
‫فهو إما مفسراً آلية أو معلقاً على حديث أو حاكياً لسرية الرجال ومآثرهم‪ ..‬ووهللا مل نرى مثله‬
‫ردي فاً للحق وصاحباً له ‪ ..‬وكلما رأيناه ذكران حديث رسول هللا ملسو هلآو هيلع هللا ىلص وهو يتحدث عن صفة‬
‫املؤمن احلق الذي ( ال خيشى ِف هللا لومة الئ م ) ‪ ..‬فقلت له وهللا اي صديقي القصيمي لو كنت‬
‫بينكم لغسلت له قدميه ‪ ..‬وقبلت ِف كل رؤية له رأسه ويديه ‪..‬‬
‫إن للفجائع اختالف فيما بينها وتباين بني مراتبها لكن من أشدها لذعاً وأعظمها وقعاً ‪ ..‬تلك‬
‫الشعي يب ) للدين ركناً ُمشتداً وللعِلم‬ ‫الفجيعة اليت أحرجت صدور قوم مؤمنني ‪ ..‬فلقد كان ( ُ‬
‫ِشهاابً ال خيبو ‪ ..‬ولقد ذكرت طرفاً من سريته العطرة وترمجته الرائعة على صدر صحيفة الوطن‬
‫(( =‪ )) 5٧٧2٧mccw://ppp.fapfcfG.toh.tp/aittc.ftwpii‬قبل أايم وأبرزت‬
‫له صورة يتيمه ‪ ..‬وذكرت ِف أتبينه على الصفحة األوىل عالقته احلميمة مع العِلم وأهله ‪ ..‬وكيف‬
‫أنه من أوائل من انل األستاذية ِف الشريعة ِف شقيقتنا الكربى اململكة ‪ ..‬وذكران كيف أن قد خترج‬
‫على يديه الكثري من طالب العلم واملشايخ ‪ ..‬بل أن الشيخ الراحل العالمة ابن عثيمني رمحه هللا‬
‫كان يستفتيه ِف بعض مسائل العِلم كيف ال وهو من قرانئه وأخدانه فعليهم مجيعاً من هللا وسلوان‬
‫ورضوان ورمحه ‪..‬‬
‫والعجيب ِف سرية هذا اجلهبذ حقاً أنه حفظ القرآن قبل أن يبلغ احلُلم ‪ ..‬بل أمت حفظ كتاب هللا‬
‫حىت بعد أن أصابه مرض اجلُدري ابلعمى ومل يث نه فقد عينيه عن مواصلة تعلمه أبداً ‪ !..‬وليت‬
‫شعري اي أيها السادة القراء كأين أراه وهو ِف السابعة من عمره ‪ ..‬وعينيه قد ابيضتا من احلُزن على‬
‫فقدها وليس لديه ما يلهو به بني األطفال إال ما تبقى له من ذكرايت ِف الظ الم ‪!..‬‬

‫‪991‬‬
‫الطفل األعمى وهو متوركاً ِف ساحة املسجد يهز رأسه وهو يتحفظ ويتلو آايت‬ ‫وكأين أرى هذا ِ‬
‫وشد على رأسه مهومه ‪ !..‬وكأين أمسع املرض صارخاً به بعد‬ ‫القرآن ‪ ..‬فلقد طوح به الزمن مصائبه َّ‬
‫أن سلب منه عينيه ونور بصره قائالً له ‪ :‬اي محود ‪ ..‬أن ت رج ل منذ هذه الساع ة ‪ !!..‬وليس‬
‫ل ك من الطفولة إال س بع سنوات م ضت ‪!..‬‬
‫عجباً ‪ !..‬فلقد كان أبوه فقرياً ال جيد من يساعده ِف احلرث واحلقل إال هذا الطفل الكفيف ‪!..‬‬
‫فهاهو يقول عن نفسه ِف آخر لقاء معه ِف أحد اجملالت اإلسالمية ‪ :‬لقد كنت أعمل مع أيب ِف‬
‫احلقل مبا أقدر عليه وكنت ألقح النخل وأصلح الزرع ‪ !..‬اي هللا ‪ !..‬م اذا أبقيت لشبابنا ورج النا اي‬
‫أيها الطفل الك فيف ‪ !..‬أبيب أنت وأمي اي أيها الشيخ اجلليل ‪ !..‬فلكأن املداد يسيل بسرية رجل‬
‫من السلف الصاحل وليس ب بقية من السلف الصاحل‪ !..‬ولكن صدق رسول اهلدى وإمام الرمحة‬
‫ملسو هلآو هيلع هللا ىلص عندما قال ( إن هللا ال ينزع العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ‪ ..‬ولكن يقبض العلم بقبض‬
‫وحسن عمله ) ولقد ودعنا هذا الشيخ‬ ‫العلماء‪ ) ..‬وصدق رسول هللا ( خريكم من طال عُمره ُ‬
‫اجلليل وهو ِف الثمانني من العُمر ‪ ..‬بدئ ها حبفظ القرآن وختمها مبسك متضوع فكان وتداً ِف‬
‫ومثاالً سامياً للصدع بدين الرمحن ‪ ..‬فلله دره من رجل أعاد أجماد جدان اإلمام العِز بن عبد‬‫احلق ِ‬
‫السالم ‪!..‬‬
‫فاللهم تقبله ِف الصاحلني‪..‬وتقبلنا معه وأعف عنا وعنه ‪..‬واحشران وإايه مع من حنب مع الرسول‬
‫وآله وصحبه األطهار‪..‬‬

‫مع ـ ـ ـ ـ ـ ــاشر النبــالء ‪..‬‬


‫إنه مما يدمي القلب حقاً وحيزنه ‪ ..‬وميزق الفؤاد ويكلِ ُمه أن ترى أمثال هذا اإلمام يرحل عن دنياان‬
‫فال نرى له من عزاء بني الناس إال ما ندر ‪ !..‬بينما لو كان اهلالك فناانً أو راقصة له اترخيها‬
‫لس ِطرت ِف سريهتا العطرة ! عشرات الصفحات وألفردت هلا زوااي خ ِرب ة وأقالم‬ ‫احلافل مع اهلز ‪ُ ..‬‬
‫مكسورة ‪ ..‬و ُلرِوي للعاملني قصتها مع أجمادها احلافلة ‪ ..‬وكيف كان يفت لها إيقاع الطبلة ‪!..‬‬
‫فأي زمن أغرب هذا الذي يرتفع فيه اسم الثرى ‪ ..‬وختبو فيه الثراي‪ !..‬ولكن صدق الصادق‬
‫املصدوق ‪ ( ..‬بدأ اإلسالم غريباً وسيعود غريباً كما بدء ‪ ..‬فطوىب للغرابء ‪ ) ..‬فلله درك اي إمام‬
‫الغرابء ِف عصران ‪ ..‬اي من صدقت هللا فيما عاهدت عليه حىت قضيت حنبك ومل تبدل تبديال ‪..‬‬

‫الكاتب جبريدة الوطن الكويتية ‪..‬‬


‫دمحم يوسف املليفي ‪.‬‬

‫‪992‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫وانطفــأ ِ‬
‫الس ـراج‬
‫كتب األخ دمحم بن يوسف املليفي ( الكاتب جبريدة الوطن الكويتية )‬
‫بعد أن صليت الفجر ‪ ..‬اقرتب مين شاب ِف العشرينات من عمره ‪ ..‬قال يل جئ تك زائراً من‬
‫اململكة السعودية ‪ ..‬فقلت له حياك هللا وبياك ‪ ..‬ولكين مل أتشرف مبعرفتك بعد ‪ ..‬فقال أان‬
‫أخوك ( س ع د ) ابن الشيخ سع يد آل الزعري ‪!..‬‬
‫احلق أقول ‪ ..‬أبن مثلي يتشرف أن جيالس أشبال هذا األسد ‪ ..‬كانت اجللسة محيمية ‪ ..‬إميانية ‪..‬‬
‫مث بعد أن أفطران ‪ ..‬ودعين ورحل إىل وجهة هو موليها ‪ ..‬فلقد عرفت أنه ممن يستبق اخلريات أاثبه‬
‫هللا ‪..‬‬
‫وجدت متسعاً من الوقت ألت فقد بريدي االكرتوين ‪ ..‬قبل أن أتوجه إىل عملي ‪ ..‬كانت الرسائل‬
‫كثرية كالعادة ‪ ،‬ولكن لفت انتباهي منها رسالينت ‪ ..‬األوىل من شاب يتوقد محاساً ويلقب نفسه‬
‫بوحش اجلهاد ‪ ..‬كانت رسالته ثناء عطراً ‪ ،‬وأقسم أين ال أستحق قطرة منه ‪ ..‬ولكنه حيسن الظن‬
‫يب كثرياً وأسأل هللا أن أكون خرياً مما يظن وأن يغفر يل ما ال يعلم ‪ ..‬ولو أنه علِ م حب ايل ملا أثىن‬
‫ولو حبرف واحد ‪ ..‬فاهلل املستعان وهو أرحم الرامحني ‪..‬‬
‫وأم ا الرسالة الثانية ‪ ..‬فلقد كانت مفاجئة ل ي ‪ ..‬حيث أهنا من أخت فاضلة ‪ ..‬زكا هبا نسبها ‪..‬‬
‫وحسبها ‪ ..‬ودينها‪ ..‬كيف ال ؟ ومن بيت أبيها خيرج الورع ‪ ..‬إهنا األخت الفاضلة نورة بنت‬
‫العالمة محود بن عقالء الشعييب ‪ ..‬رمحه هللا وأسكنه فسيح جناته ‪ ..‬آمني ‪.‬‬
‫كانت الرسالة عبارة عن مرثية عطرية ‪ ..‬وراثء معطر من بنت اب ي ها ‪ ..‬وقد تقدم ت ِف مقدمة‬
‫هذه املرثية بطلب من ي ‪ ،‬أثقلت به كاهلي املثقل ‪ ..‬حيث اين ال أملك تنفيذه وع اجز عن حتقيق ه‬
‫وهللا تعاىل يعلم لو أين استطعت إىل تلب يته سب يالً ما أتخ رت عنه ف ت يال ‪ ..‬ولكن هللا املستعان ‪..‬‬
‫لقد طلبت مين األخت الفاضلة أن أضع راثئها ِف زاوييت جبريدة الوطن الكويتية ‪ ..‬ولكن كيف يل‬
‫أن أضعه وقد منعت اجلريدة أصالً راثئي أان في ه ‪!..‬؟ فلقد فوجئت ابلقائمني على الصحيفة‬
‫خيربوين أبهنم ال يريدون ان حيرجوا أنفسهم مع ( جهات خارجية ) !! ‪ ..‬وتلك اجله ات ال ت ريد‬
‫أن يكتب ِف حق هذا الشيخ ثناء عطراً وراثء ‪ ! ..‬فما كان مين إال أن نق لت راثئ ي فيه قبل‬
‫أسابيع إىل الساحة ‪ ..‬ليندث ر بعد ساعات بني أكوام املواضيع ‪ ..‬وال حول وال قوة إال ابهلل العلي‬
‫العظي م ‪ ..‬وإن ي إذ أُق دم إعت ذاري العري ض هلذه السي دة الفاضلة ‪ ..‬فإين ال اجد حرج اً من نقل‬

‫‪993‬‬
‫مرثيتها املباركة ِف ساحتنا اليت يدخل الناس عليها أف واج ا ‪ ..‬فلعلها أن تص ل إىل امساع حمب ي هذا‬
‫الشيخ اجلليل وأبصارهم ‪ ..‬ويتحقق ولو شيئاً قليالً من املقصود ‪ ..‬وأسأل هللا القبول والرضوان ‪..‬‬
‫واآلن اضع بني يدي كم الكرمية رسالتها اليتي مة كما جائتين ‪..‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫األخ الكاتب دمحم بن يوسف املليفي ‪.‬‬
‫السالم عليكم ورمحة هللا وبركاته وبعد ‪:‬‬
‫ِ‬
‫ابإلمكان نشر هذه املقالة ِف صحيفة الوطن الكويتية وجزاك هللا خرياً واليت هي‬ ‫أرجو إذا كان‬
‫الس راج ))‬‫بعنوان (( وانطف أ ِ‬

‫هللا أكرب ‪ ..‬هل إهند اجلبل الشامخ ‪ ..‬هللا أكرب ‪ ..‬هل اختفى القمر الساطع ‪ ..‬هللا أكرب ‪ ..‬هل‬
‫انث لم اإلسالم ‪ ..‬هللا أكرب ‪ ..‬هل اهندم حصن الدين ‪!..‬؟‬
‫هللا أكرب ‪ ..‬هل ترجل الفارس اهلمام ‪ ..‬هللا أكرب ‪ ..‬هل دَّن وقت رفع العلم بقبض أرواح العلماء‬
‫‪..‬هللا أكرب ‪ ..‬هل انطفأت مشس احلق ‪..‬‬
‫هللا أكرب ‪ ..‬هل رحل الشيخ اإلمام العالمة مايلء الدنيا وشاغل الناس ‪ ..‬نعم أقوهلا وقليب يعتصر‬
‫ابحلزن واألمل ‪ ..‬نعم أقوهلا بكل فخر واعتزاز ‪ ..‬نعم أقوهلا إمياانً ابلقضاء والقدر ‪..‬‬
‫نعم رحل الشيخ ‪ ( :‬محود بن عبد هللا بن عقالء الشعييب ) ‪..‬‬
‫رحل وترك الدنيا وزينتها‪ ..‬رحل وترك كتب العقيدة والتوحيد بل كتب الدين كلها تبكي رحيله ‪..‬‬
‫رحل وترك حمبيه ِف ذهول لعظم املصيبة ‪ ..‬رحل وترك مسجده يئن لفقده ‪..‬‬
‫رحل الشيخ ففرح كل مبتدع ملوته ومل يستطع الصرب فأخرج كرهه الدفني ومسه الزعاف فقط حينما‬
‫مات ‪ ،‬ولسان حال الفقيد يقول ‪:‬‬
‫إذا أت ت ك مذمت ي من انق ص ‪ ...‬فهي الشهادة ل ي أبين كامل ‪..‬‬
‫رحل حبييب ونور عيين ‪ ...‬رحل من كنت أرى الدنيا من خالله وبرحيله أظلمت الدنيا ِف وجهي‬
‫ومل يعد هلا طعم بعده ‪ ..‬ولكن عزائي فيك اي والدي احلبيب وشيخي املبجل ‪:‬‬
‫أن من صلى عليك وشيعك ال ُحيصون لكثرهتم ‪...‬أن كبار العلماء من أقرانك قد حزنوا لفقدك‬
‫وأتوا لتعزي ت نا من كل فج عميق أن العلماء وطلبة العلم ومجع غفري من داخل اململكة وخارجها قد‬
‫ساروا خلف جنازتك اليت عدها أعدائك قبل أصدقاؤك من أكرب اجلنائز مشهداً‪ ...‬أن رنني‬
‫اهلاتف من مجيع أصقاع األرض مل يهدأ لتعزيتنا فيك ‪...‬‬

‫‪994‬‬
‫لقد عزى فيك املشايخ والعلماء ‪ ...‬لقد عزى فيك األمراء والوزراء ‪ ...‬لقد عزى فيك الرجال‬
‫والنساء ‪...‬عزائي فيك اي والدي احلبيب نور وجهك الساطع وابتسامتك املضيئة حني موتك راجيةً‬
‫أن تكون دليالً على حسن خامتتك ‪ ...‬عزائي ايوالدي الرؤى اليت رآها الناس فيك قبل موتك‬
‫وبعده فعربها املعربون أنك قُبضت على خري وأنك صرت إىل خري أحسبك وهللا حسيبك وال‬
‫ين َآمنُوا‬ ‫َّ ِ‬
‫أزكيك على هللا ‪ ...‬عزائي فيك اي والدي أنك كنت دائما تتلو قوله تعاىل ‪َ { :‬اي أَيُّ َها الذ َ‬
‫ت أَقْ َد َام ُك ْم } ‪ ..‬فلقد نصرت هللا حياً فنصرك حياً وميتاً ‪..‬‬ ‫ص ْرُك ْم َويُثَبِ ْ‬
‫اَّللَ يَْن ُ‬ ‫إِ ْن تَْن ُ‬
‫ص ُروا َّ‬
‫وأخرياً سأتسلى بقول الذي ال ينطق عن اهلوى حبييب وقرة عيين رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ( اللهم آجرين ِف‬
‫مصيبيت واخلف يل خرياً منها ) وقوله بعد وفاة ابنه إبراهيم ( إان هلل وإان إليه راجعون ‪ ،‬إن العني‬
‫لتدمع وإن القلب ليحزن وإان على فراقك ‪ ..‬ايوالدي حملزونون ) ‪... ...‬‬
‫فاهنأ بقربك اي والدي فلقد بلغت الرسالة ‪ ،‬وأديت األمانة ‪ ،‬ونصحت األمة وأبرأت الذمة ‪،‬‬
‫وأقمت احلجة ‪ ،‬وصدعت ابحلق ‪ ،‬وأعذرت إىل هللا ومل ختش فيه لومة الئم ‪ ..‬أحسبك كذلك وال‬
‫أزكي على هللا أحداً ‪..‬‬

‫ابنتك املكلومة ‪ /‬نورة بنت محود الشعييب ‪..‬‬

‫‪995‬‬
‫قصيدة ذهب الذين أحبهم‬
‫ِ‬
‫ترجل ‪ ----‬والصربُ أجربُ للفؤاد و أمجلُ‬
‫ُ‬ ‫هللا حسيب حينما‬
‫أسف علي و حرقةٌ و متلملُ‬ ‫وهللا حسيب حينما جيتالين ‪ٌ ----‬‬
‫وهللا حسيب حني أجرع األسى ‪ ----‬غصصا‪ ،‬ودمعي يف ركاب يهملُ‬
‫و هللا حسيب كلما صالت بنا ‪ ----‬برحى املنية صولةٌ ال متهلُ‬
‫جحفل‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫جحفل ‪ ----‬يتلوه يف عني املصيبة‬ ‫ذهب الذين أحبهم يف‬
‫األرذل‬
‫ُ‬ ‫اي شيخنا العقال ‪ :‬رحلت!! وأميت ‪ ----‬ثكلى‪ ..‬يصارعها العدو‬
‫ـل‬
‫تفهق ابلردى؟ ‪ -----‬و على رحيل أمةٌ ترحـ ُ‬
‫واألحداث ُ‬
‫ُ‬ ‫أرحلت‬
‫صرت أعمارهم ‪ -----‬فاخلد إبرث ‪ ..‬رن عمرك أطول‬‫قوم قُ ّ‬
‫ٌ‬ ‫يفدي‬
‫مؤثل‬
‫اب عيونه ‪ ----‬فاهنأ ‪ ..‬فمج ُدك يف الزمان ُ‬
‫يفدي من مأل الر ُ‬
‫تسول‬ ‫ٍ‬
‫متفيهق ‪ -----‬من دينهم عاريّةٌ و ُ‬ ‫كل منافـ ٍـق‬
‫ُّ‬ ‫يفدي‬
‫املرسخ مثلما ‪ ----‬أيسى على نور العيون املسملُ‬
‫أسفي على العلم ّ‬
‫األطول‬
‫ُ‬ ‫السياج‬
‫ُ‬ ‫حرس الفضيلة و‬
‫وعزها ‪ُ ----‬‬
‫علماؤان نور البالد ُّ‬
‫تُستنزل الرمحات من عرباهتم ‪ ----‬و رؤى احلياة جبودهم تتهلّلُ‬
‫موج احلياة و للسفني متيّ ُل‬ ‫املوصلون رىل النجاة رذا طغى ‪ُ ----‬‬
‫أحول‬
‫طرف ُ‬ ‫الراسخون الثابتون على اهلـدى ‪ ----‬رن أنكر اإلشراق ٌ‬
‫هبم ٍة نبويٍّة ‪ -----‬يف هللا ال ختبو و ال تتتب ّد ُل‬
‫املصلحون ّ‬
‫تنزل‬
‫خيشع و العطااي ُ‬ ‫زمر املالئ يف جمالس ذكرهم ‪ ---‬فالقلب ُ‬
‫ِ‬
‫زمر املالئ يف جمالس ذكرهم ‪ ----‬رن كان للشيطان ق ْدما جحفلُ‬
‫تتحول‬
‫غرارةٌ ّ‬ ‫هذي احلياة شواه ٌد مقروءة ‪ ----‬ومنازل ّ‬
‫مرجل‬
‫ُ‬ ‫ح ّقا رحلت !! وأميت مكلومـةٌ ‪ ----‬و كأن يف لب احلشاشة‬
‫اذهب رىل هللا الكرمي وفضله ‪ ----‬فلعل يف لقياه ما تتأمل‬
‫أحب و أحفلُ‬
‫وهللا حسيب حني ينثر مهجيت ‪ ----‬سهم الردى فيمن ُّ‬
‫ستقبل‬ ‫ٍ‬
‫مصائب ‪ ----‬مما مضى منها وما يُ ُ‬ ‫وهللا حسيب يف جليل‬

‫صاحل علي العمري‪ -‬الظهران‬

‫‪996‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫قصائد وصلت ملوقع الشيخ محود رمحه هللا‬

‫قصيدة ‪ :‬أحقا مات عقالان ؟‬


‫ودعت دنياان *** أحقا عباد هللا قد مات عقالان؟؟‬
‫وداعا حبيب الناس ّ‬
‫متوت املعاين يف حرويف وتشتكي *** من الغصص األلفاظ فاخلطب أعياان‬
‫رحلت ويف جند علي مناحة *** محائم بيت هللا تبكي وأقصاان‬
‫ويف طيبة الغراء املآذن تشتكي *** مدامع عشاق العال سلن ودايان‬
‫رحلت ويف كل القصيم مناحة *** وكم من أسري لألسى ابت حرياان‬
‫حبييب فال أدري أبعدك أنتشي *** ٍ‬
‫بعيد رذا ال ابرك هللا نشواان‬
‫حبييب فما بعد الفراق ملهجيت *** سوى الدمع من عيين ينساب هتاان‬
‫وداعا وداعا ال لقاء اليوم بعدهُ *** سوى رن يشاء هللا يف اخللد تلقاان‬
‫وداعا حبيب الناس ما كنت خائنا *** لقوم واإلسالم ما كنت خواان‬
‫وداعا ومايل سلوة بعد ب ِ‬
‫عدكم *** أميكننا نفدي ؟ قد كان ما كاان‬‫ُ‬
‫أموت مبشفاهم فليس سوى أذى *** دواء ولكن يوصل القرب مرضاان‬
‫وحيي النصارى يف بالدي صليبهم ***فكيف يداوي القاتلون جرحاان؟‬
‫وكيف يداوينا الصليب رماحهم *** متزقنا اي لألسى ضج بركاان‬
‫واي لألسى اي قوم هل من مشمر *** لنخرج أهل الكفر فالشر أعياان‬
‫رجال ولكن ال أرى مثل خالد *** نساء ولكن ال أرى مثل أوالان‬
‫فيا أمة املختار جرح اثعب *** واي أمة املختار هللا يرعاان‬
‫وخيرج ريب للظالم مشاعال *** لتخسأ أمريكا فما مات عقالان‬

‫‪997‬‬
‫يف راثء سلطان العلماء‬
‫مسو يف املبادىء والصفات ……‪ ..‬وعز يف املمات ويف احلياة‬
‫وعلم مل تدنسه الداناي ………‪ ..‬وجل عن اهلوى و املغرايت‬
‫ومدرسة من األسالف عاشت ……‪ ..‬تعلمنا الثبات رىل املمات‬
‫فرات سائغ ما كدرته ………‪ ..‬من التقوى دالء األعطيات‬
‫رذا سكتوا تصدى للفتاوى ………‪ ..‬ليعلنها إبعالن الثقات‬
‫ويصدع ابحلقيقة يف مشوخ ……‪ ..‬وأينف من دهاليز السبات‬
‫ويف هذا الزمان بال مراء ……‪ ..‬رمام أئمة احلق اهلداة‬
‫مبوت يفرح األعداء ملا ……‪ ..‬رأوا يف موتكم فرح الطغاة‬
‫رأوا يف موتكم موت املعايل ……‪ ..‬وعيش أراذل ورويبضات‬
‫رضينا ابلقضاء وما جزعنا …‪ ..‬فكل مقدر ال بد آت‬

‫قصيدة " أسـد الفتاوى "‬


‫وهذه قصيدة ال يعرف صاحبها‪ ،‬يقول فيها‪:‬‬
‫أسـد الفتاوى عامل تـروى له *** سري سرت قدما مع الركبان‬
‫سـري هبا عـرب جتلت رنـما *** سري العال تروى بكل لسان‬
‫هـو منرب مـا أجلبت آراؤه *** خطب تشن لزمرة الطغيان‬
‫هـذا ألن احلق منهجه الذي *** من حاد عنه يصاب ابخلذالن‬
‫أقـوالـه درر مست وأدلـة *** من سـنة املختار والقـرآن‬
‫ما كان مرجعه اهلوى رن اهلوى *** يهوى مبن يهـواه يف النـريان‬
‫رن اهلـوى من سامـه ألفيته *** بني الـورى يف ذلة وهـوان‬
‫فنت أتت وتفننت يف نشرهـا *** أذانب كل مكابـر فــتان‬
‫فأتت جهود الشيخ تكشف زيفها *** ابلرد واإلفصـاح ابلربهـان‬
‫رن الـدفاع عن املبادئ عزة *** شرف بذاك عساكـر اإلميان‬
‫اي شيخنا قد غظت كل منافق *** وكبت كل جمـازف علمان‬

‫‪998‬‬
‫وهتكت أستار الطغاة وأرعبت *** فتـواك عبـد معازف وقيان‬
‫ووقفت كاجلبل األشم مناضال *** ومنـازال جلحافـل الصلبان‬
‫فقضيت دهرك اي رمام جماهدا *** ومسانـدا للحق دون تـوان‬
‫ترثي ساحات اجلهاد وأس ُدها *** يـرثي كل مهـند وسـنان‬
‫يرثي جيش احلق ال جيش الذي *** قـد ابء ابلتنكيل واخلسـران‬
‫ترثي جند دمحم أسد الشرى *** حصن العقيدة يف رىب الشيشان‬
‫يرثي من ابعوا احلياة رخيصة *** هلل مـن عـرب ومـن أفغان‬
‫ترثي كشمري اليتيمة حيث قد *** ابتت جترع غصـة األحـزان‬
‫ترثي غـزة واخلليل وقدسنا *** ترثـي كـل معـقل اإلميان‬
‫ترثي اي شيخ القصيم أئـمة *** عرفوا خطاك فكنت ذا رجحان‬
‫حظيت مساحتكم خبري مشائـل *** وتبوأت يف اخللق خـري مكان‬
‫أفبعد فضل يستطيل املفري *** حاشاك مما قـيل مـن هذاين‬
‫تبت أايديهم وما فقهوا الذي *** يف غاية التوضيح والتبيان‬
‫فاهلل جيزي شيخنا خري اجلزى *** ويثيبه الفردوس خري جنان‬

‫‪999‬‬
‫رن العني لتدمه ورن القلب ليحزن وال نقول رال ما يرضي ربنا‬
‫وران لفراق الشيخ حملزونون‬
‫{إان هلل وإان إليه راجعون}‬
‫قال الطائر املهاجر ‪:‬‬
‫ِ‬
‫األوتد‬ ‫حلرقة بفؤادي ‪ ...‬لوفاةِ رك ٍن ِ‬
‫اثبت‬ ‫وارمحتاهُ ٍ‬
‫محود هلفي هلفة ‪ ...‬لفراق ٍ‬
‫داهية من األطو ِاد‬ ‫اإلمام ُ‬ ‫ذاك‬
‫ُ‬
‫سهم فشق فؤادي‬ ‫فاهتز قليب هزة ‪ ...‬وأصابين ٌ‬
‫علم هوى ّ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫األكباد‬ ‫ِ‬
‫العيون جرحية‬ ‫اي ويح قليب كم تكابد أمةٌ ‪ ...‬قرحى‬
‫اقه ‪ ...‬يف كر ٍبة عظمى ٍ‬
‫وسقم ابدي‬ ‫هللا يشهد أنين لفر ِ‬
‫ُ‬
‫أبناؤهُ حىت ور ْن فُجعوا ِبه ‪ ...‬تُسلي مواساةٌ ِ‬
‫ألهل ودادي‬
‫مارج وقّ ِ‬
‫اد‬ ‫القلب شعلةَ ٍ‬‫وحدي حامال ‪ ...‬يف ِ‬ ‫ِ‬
‫اللوعات‬ ‫وأقاسي‬
‫َ‬
‫حلت بقتادي‬
‫عيين ُك ْ‬‫علمت وفاتهُ ‪ ...‬وكأن َ‬
‫ُ‬ ‫هللاُ يعلم م ْذ‬
‫ِ‬
‫األجداد‬ ‫ني لََف ْق ُدهُ ‪ ...‬عندي ِ‬
‫كفقد أيب أو‬ ‫قسما برب املروت ِ‬
‫الفؤاد عرائ َ اآلابدي‬ ‫نبأ أقض مضاجعي ‪ ...‬وأرى‬ ‫هللا من ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ينشر علمه وينادي‬ ‫عاش ُ‬ ‫اإلمام فإنهُ ‪ ...‬قد َ‬
‫ُ‬ ‫فليهنأ الشي ُخ‬
‫اإلمام يعادي‬
‫ُ‬ ‫مل تُغرهِ الدنيا وال طالهبا ‪ ...‬كال وال فيها‬
‫ِ‬
‫واإلسناد‬ ‫ٍ‬
‫امرىء ‪ ...‬فحياتهُ يف امل ِ‬
‫نت‬ ‫مل جي ِن يف هذي احلياةِ على‬
‫قلب صادي‬ ‫جيود لكل ٍ‬ ‫نبع ُ‬‫فؤادهُ ‪ٌ ...‬‬
‫غري أن َ‬ ‫كفيف َ‬‫شي ٌخ ٌ‬
‫ِ‬
‫األجواد‬ ‫وأجود‬
‫ُ‬ ‫اي ربنَا فارمحهُ وامجعنا ِبه ‪ ...‬أنت الكرمي‬
‫القصور وقلة يف الز ِاد‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ابلصاحلات فإننا ‪ ...‬نشكو‬ ‫واختم لنا‬

‫‪1111‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫ود !!‬
‫س ُ‬‫ف تَ ُ‬
‫اء َك ْي َ‬
‫َاي َم ْن َرأَى العُلَ َم َ‬
‫راثء ِف الشيخ محود الشعييب رمحه هللا ‪:‬‬
‫ٍ ِ‬ ‫اي َانئِب ِ‬
‫قود !!‬‫ات الد ْه ِر َمالَ ِ ُسودُ !! ………‪ِ ..‬يف ُك ِّل يَوم َعاملٌ َم ْف ُ‬ ‫َ َ‬
‫ود‬
‫ات ُمحُ ُ‬ ‫ت ِم َن الرِزي ِة قَـ ْبـلَهُ ………‪َ ..‬حىت َد َه ِاين النـ ْع ُي ‪َ :‬م َ‬ ‫َما رِ ْن أَفَـ ْق ُ‬
‫ِ‬ ‫َخبـر ي ِع ُّز علَى املَ ِ‬
‫ار َوالت ْجوي ُد‬ ‫سام ِع َح ْرفُهُ ………‪ ..‬تُـ ْنـ َعى بِه األ ْ‬
‫َس َف ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌَ َ َ‬
‫ِ ِ‬
‫ص ٍُّرب َم ْر ُد ُ‬
‫ود‬ ‫يـَا َد ْم ُع َمالَ َ ِيف املَ َحاج ِر َجام ٌد ؟! ………‪َ ..‬اي َد ْم ُع ! ُك ُّل تَ َ‬
‫ب ُح ْسنَـ َها التـ ْن ِكي ُد‬ ‫ت َوأَ ْع َق َ‬ ‫اس ُن بَـ ْع َده ………‪َ ..‬ر َحلَ ْ‬ ‫الشع ِييب ) فَاملَح ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫رحل ( ِ‬
‫ََ َ‬
‫ض ِل ِيف أَ ْك َفانِِه ………‪َ ..‬وبَ َكى التُّـ َقى َوبَكى َعلَ ِيه اجلُ ُ‬
‫ود‬ ‫وس ال َف ْ‬ ‫ت ُمشُ ُ‬ ‫لُف ْ‬
‫ود !‬‫ف َم ْك ُد ُ‬ ‫اس ٌ‬ ‫ت بواكِي املَج ِد ِيف طُرقَاتِِه ………‪ ..‬واليوم يوم َك ِ‬
‫َ ٌَََ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َو َعلَ ْ َ‬
‫ود‬
‫اق َو ْه َي َجتُ ُ‬ ‫ت َعلَى األَ ْعنَ ِ‬ ‫محلَ ْ‬‫اه ْدتُـ َها ………‪ُِ ..‬‬ ‫اي أُمة ِيف َش ْخ ِ ِ‬
‫صه َش َ‬ ‫َ‬
‫ود !!‬ ‫س ُ‬ ‫ف تَ ُ‬ ‫اء َك ْي َ‬
‫ف نـُبُوغُ َها …‪َ ..‬اي َم ْن َرأَى العُلَ َم َ‬ ‫ال َك ْي َ‬
‫يـَا َم ْن َرأَى األَبْطَ َ‬
‫َه ِذي جنَ َازةُ َش ْي ِخنَا ِ؛يف َح ْش ِد َها ………‪ ..‬نَـبَأٌ ِأبَن َك َر َام ِيت َستَـعُ ُ‬
‫ود‬
‫وق َوبَـ ْي َـن ُك ِّل ُم َد ِاه ٍن …‪ ..‬يَـ ْوَم اجلَنَائِ ِز ؛ َشاه ٌد َم ْش ُه ُ‬
‫ود‬ ‫بـ ْيـن الصـ ُد ِ‬
‫َ َ‬
‫ف ٌِ ‪ -‬ل ََع ْم ِري ‪َ -‬ما َعلَ ِيه َم ِزي ُد‬ ‫اء ِم ْن ُش ُرفَاتِِه ………‪َ ..‬ش َر ٌ‬ ‫ع ٌّز يَـ َرى اجلَْوَز َ‬
‫ِ‬
‫ود !!‬ ‫ْت يَـعُ ُ‬ ‫ت ِش ْع ِري لَو فَـ َعل ُ‬ ‫لَو َكا َن يَـ ْرِج ُع ِابل ُف َؤ ِاد فَ َديْـتُهُ ………‪َ ..‬اي ل َْي َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫ني األ ََانِم ُخلُ ُ‬
‫ود‬ ‫الم ِرىء بَـ َْ‬‫وت ُح ْك ٌم م ْن رلَه َعاد ٍل ………‪َ ..‬ما ْ‬ ‫املَ ُ‬
‫ت َحييا بِ ِه الت ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وحي ُد‬ ‫ني األ ََانِم َك َميِّت !! ………‪َ ..‬ك ْم َميِّ َْ‬ ‫َك ْم َع ٍامل بَـ َْ‬
‫هلل أَيْ َن تُ ِري ُد ؟!‬ ‫شه ………‪ ..‬اي َشي َخنا ! ِاب ِ‬ ‫لَو َج َاز ِيل ؛ ل ََوقَـ ْف ُ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َل نَـ ْع َ ُ‬
‫َسأ ُ‬
‫تأْ‬
‫ميع َوبُوِر َك التـ ْن ِدي ُد‬ ‫ت ُّ ِ ِ ِ‬ ‫ضاقَ ِ‬
‫ت اجلَ ُ‬ ‫ص َم َ‬ ‫الدنْـيَا ل َقول َ ع ْن َد َما ………‪َ ..‬‬ ‫َه ْل َ‬
‫ود‬
‫ني ُرعُ ُ‬ ‫ت َهلَا ِيف املَ ْش ِرقَـ ْ ِ‬ ‫ت تُ ْس ِم ُع ِيف ا َحلََفائِ ِر أُمة ………‪َ ..‬كانَ ْ‬ ‫فَ َذ َه ْب َ‬
‫ت الصا ِرُم املَغْ ُم ُ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ود‬ ‫ت ‪ :‬أَنْ َ‬ ‫ْس ْم ُ‬ ‫ْب أَ ْعظَ ُم م ْـن قَصي َدة َشاع ٍر ………‪ ..‬أَق َ‬ ‫اخلَط ُ‬

‫نظم‪ :‬أيب معاذ الضرييب‬


‫القصيم‬

‫‪1111‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫ورحل درع اإلسالم‬

‫بقلم‪ /‬دمحم بن إبراهيم الصمعاين‬

‫احلمد هلل الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده اخلري وهو‬
‫على كل شيء قدير والصالة والسالم على إمام اجملاهدين وقائد الغر احملجلني وسيد األنبياء‬
‫واملرسلني عليه افضل الصالة وأزكى التسليم وبعد‪.‬‬
‫فهذه األسطر تتحدث عن أحد أئمة الدعوة وهو اإلمام محود بن عبد هللا بن عقالء الشعييب رمحه‬
‫هللا وال غر أن يكون إماما فبالصرب واليقني تنال اإلمامة ِف الدين لقد فقد بصره عند سن التمييز‬
‫وحفظ القرآن قبل البلوغ وشرع ِف طلب العلم بعد حفظ القرآن وكان جادا ِف طلبه ‪ ،‬وتتلمذ على‬
‫الشيخ عبد اللطيف آل شيخ ومساحة الشيخ دمحم بن إبراهيم ومساحة الشيخ عبد العزيز بن ابز‬
‫والشيخ دمحم الشنقيطي وغريهم من العلماء األجالء وكان من زمالءه ِف رحله طلب العلم مساحة‬
‫الشيخ دمحم املنصور رمحه هللا واستمرا على الزمالة طيلة حياهتما مث بعد ذلك شرع الشيخ محود ِف‬
‫التدريس وتتلمذ على يديه ثلة من العلماء والقضاة وأعضاء هيئة التدريس ِف اجلامعات وغريهم من‬
‫املشايخ األفاضل‪.‬‬
‫ولعل من أبرز ما يتلهف إىل مساعه هو احلديث عن مواقف الشيخ وصدقه وإخالصه فقد كان‬
‫الشيخ حنسبه وهللا حسبنا وحسيبه أنه كان صادقا ِف تعامله مع اآلخرين حمبا اخلري للمؤمنني‬
‫مبغضا للكفر والكافرين حراب على من حارب الدين سلما لإلسالم واملسلمني كان رمحه هللا عطوفا‬
‫على فقراء املسلمني فطاملا أتى الفقراء إليه عندما نكون ِف الدرس أتيت األم مع أوالدها وتشكو‬
‫للشيخ سؤ حاهلا فيسأل الشيخ عن عددهم فيعطي األم واألوالد ما كتب هللا أن يعطيهم فال أذكر‬
‫يوما أنه رد أحدا من احملتاجني مع كثرهتم وإحلاحهم فكنت أقول ِف نفسي لو كانت هذه النفقات‬
‫ِف غري وجوه اخلري لنفد ما عند الشيخ وهذا ما أطلعين هللا عليه فماذا عما مل اعلم عنه اسأل هللا‬
‫أن يكون ذلك سياجا له عن النار ملحقا إايه ِف الفردوس مع األبرار أما من جانب صربه وجتلده‬
‫فقد كان جبال ِف الصرب وأذكر مره أين أتيت للدرس فلم أجد الشيخ ِف املسجد فطرقت عليه‬
‫الباب ِف بيته فلم جيبين أحد فصربت قليال إذا يب امسع الشيخ قادما وفجأة إذا ابلشيخ يسقط على‬
‫اجلدار فبدأت أاندى الشيخ واذكر اسم هللا عليه مث قليال إذا الباب يفتح قفله فعندما فتحت الباب‬

‫‪1112‬‬
‫إذا ابلشيخ ساقطا على األرض ففزعت إليه أريد محله للمستشفى فرفض الشيخ بشده وقال ليس‬
‫يب شي فمن كان حمتسبا األجر عند هللا رفض أن يبث شكواه لغري هللا ومن صربه انه كان ينتظر‬
‫طالبه ِف املسجد وال ينصرف حىت أيتوا إليه وكان مراعيا لظروفهم إن أتخروا وكان رمحه هللا دقيقا‬
‫ِف املواعيد حمافظا عليها وال اذكر انه تكلم عن دقة املواعيد ووجوب احلرص عليها ولكن قد ترجم‬
‫عن ذلك بفعله رمحه هللا وهذا خبالف من يتكلم والفعل ينقض وكان رمحه هللا ابعد الناس عن‬
‫الدنيا وزخرفها وكان سجوده على الرتاب متذكرا بذلك سرعة االنتقال إليه قال تعاىل (منها‬
‫خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها خنرجكم اترة أخرى) وكان يرفض عيش املنعمني املرتفني ويدخر ذلك‬
‫ِف جنات النعيم وكان مراقبا هلل تعاىل شديد اخلوف منه شديد اخلوف من الراي فطاملا قدمت له‬
‫القهوة والتمر بعد العصر وهو صائم فيبدي للحاضرين انه حمجوب عنها وكان رمحه هللا واقفا عند‬
‫حدود هللا شديد اخلوف منه اسأله بعض األحيان عن بعض األسئلة فيجيب عن بعضها وقد يقول‬
‫بعض األحيان هللا اعلم وال جيد ِف ذلك غضاضة بل ال تستغرب عندما أقول لك أنه رجع عن‬
‫قوله ِف أحد املسائل عندما انقشه عنها أحد طالبه وسئل أحد األايم هل ستقف عن الفتوى اي‬
‫شيخ فقال قد أحتمل ما يصيبين ِف الدنيا مهما عظم ولكين لست مستعدا أن أحتمل كيه واحده‬
‫من النار وقال ِف موضع آخر أن البس جلام من انر فسجل أيها التاريخ سجل هذه الكلمات‬
‫العظيمة من رجل عظيم فالتاريخ ال يسجل إال العظماء سجلها كما سجلت (أان جنيت وبستاين ِف‬
‫صدري) و(إن ِف الدنيا جنة من مل يدخلها مل يدخل جنة اآلخرة) ومن قال (كيف استعبدمت العباد‬
‫وقد ولدهتم أمهاهتم أحرارا)‪ .‬وكان الشيخ دائما ما يوصي ابلصرب واإلخالص وأذكر أين كنت ِف‬
‫موعد معه لزايرة الشيخ دمحم املنصور رمحه هللا يوم أن كان مريض ِف املستشفى فعندما أتيت ِف‬
‫املوعد احملدد إذا ابلشيخ محود ينتظرين فذهبنا سواي إىل الشيخ دمحم فعندما التقى الشيخني سأل كل‬
‫واحد منهما عن حال اآلخر قليال مث انتقل احلديث سريعا عن أحوال املسلمني وعن املنكرات وكل‬
‫واحد منهما يناشد اآلخر ماذا صنعت وماذا ستصنع وأان أبصرمها أتذكر قوله تعاىل (وتواصوا ابحلق‬
‫وتواصوا ابلصرب) وكان رمحه هللا شديد الغضب عندما يسمع خمالفه للشرع املطهر وكان حيذر من‬
‫القول ابلرأي واهلوى ويوصي ابلرجوع إىل كتاب هللا وسنة رسوله ملسو هيلع هللا ىلص وكان رمحه هللا قوي البصرية‬
‫وان كان أعمى البصر كما قال تعاىل (فإهنا ال تعمى األبصار ولكن تعمى القلوب اليت ِف‬
‫الصدور) وكان قوي اإلحساس مبن حوله حىت أن بعض أبناءه وأحفاده حياولون التسلل من املنزل‬
‫إىل املزرعة عن طريق املسجد ِف غري وقت اللعب فكان رمحه هللا يشعر هبم فيصدهم إىل املنزل‬
‫وكان حيفظ الطريق ويعلمه اشد من معرفة املبصر وأذكر انه كان سيأيت للشيخ مجاعة من طالب‬

‫‪1113‬‬
‫العلم واملشايخ وقد ضاع مفتاح اجمللس فذهبت أان والشيخ نبحث عنه فكان الشيخ هو الذي‬
‫يدلين على الطريق فإذا وصل إىل املكان الذي يعتقد أن املفتاح به يقول أبصر هذا املكان بل ال‬
‫تستغرب إذا قلت لك أين أسري أان والشيخ وكان الشيخ مسرع فأردت إيقافه ألن أمامه درج‬
‫فسبقين الشيخ ونزل وهو مسرع واحد املرات سألين هل الغيوم ِف السماء كثرية أم قليلة فقلت ِف‬
‫نفسي وما يدريك أن ِف السماء غيوم وأنت أعمى فسبحان من ابصر األعمى ما مل يبصره‬
‫املبصرون وكان رمحه هللا متقنا حلفظ كتاب هللا بل كان يقرا عليه أحد االخوة من خارج البالد‬
‫بقراءة ورش ويرد عليه الشيخ إبتقان وكان ابرعا ِف النحو مهتما ابإلعراب اكثر من اهتمامه‬
‫ابلقواعد وكان عارفا بعلم العروض متقنا له وقد قرء عليه رمحه هللا ِف هذه الفنون أعداد من‬
‫الطالب وقرء عليه بفنون أخرى كالفقه وأصوله واحلديث والسرية ومن ابرز ما قرء عليه بكثرة‬
‫ابلعقيدة فقد كان حبرا ال ساحل له ِف علم العقيدة حافظا لكتب الشيخ دمحم بن عبد الوهاب رمحه‬
‫هللا هاضما لفتاوى شيخ اإلسالم ابن تيميه بل ِف الفتوى احلمويه والتدمريه كان يوقف القاري‬
‫ويقول هذه اللفظة ال اذكرها مث نقف قليال إذا ابلطبعة جديدة ولعل من ابرز ما عرف عن الشيخ‬
‫هو دفاعه عن الدين وعن قضااي املسلمني فكان كاألسد الذي يذود عن عرينه تسلل املعتدين‬
‫فكان الشيخ رمحه هللا ال يقر له قرار وال يهدا له ابل إذا تكلم بدين وانتقص منه فكان سياجا من‬
‫العقيدة للمسلمني وسدا منيعا ِف وجوه املعتدين وبذلك حيق لنا مجيعا أن نطلق عليه لقب [درع‬
‫اإلسالم بن عقالء] وكان شجاعا ال خياف غري هللا كما كان ال يرجو غري هللا وكان نبيها ذكيا‬
‫حذقا ال ينطلي عليه حتايل وكذب وكان قوي احلجة مفحما للخصوم ولعل ذلك راجعا إىل تعلقه‬
‫ابلكتاب والسنة ومعرفته بردود األئمة على اخلصوم وكان ال يعرف اجملاملة ِف دين هللا ال لشريف‬
‫أو وضيع وال لكبري أو رضيع ولذلك كان مهيبا يهابه العظماء وحيبه الفقراء والضعفاء وكان حريصا‬
‫على حتريك قضااي املسلمني ِف انفس املسلمني وخصوصا العلماء فكان يستدعي العلماء والدعاة‬
‫ويعاتبهم على تقصريهم ِف الدفاع عن اإلسالم وقضاايه وكان يرسل طالبه لتحريكهم أو يتصل‬
‫عليهم إذا مل حيضروا ويذكرهم أبحوال املسلمني حىت انه اتصل مره على أحدا العلماء وأان جبواره‬
‫وقال له أي مهزلة هذه اي شيخ تسقط عمارتني فتقوم الدنيا وال تقعد ويبيت شعب كامل بني‬
‫التهجري واإلابدة وكأن األمر عادي البد أن نقف موقف صارم فقلت ِف نفسي إذاً ماذا يقول‬
‫غريك من العلماء إذا انك أنت مل تقف موقفا صارما فرحم هللا الشيخ رمحة واسعة فلعمر هللا أن‬
‫اعظم من فجع ابلشيخ وسيفقده هم اجملاهدون املرابطون على ثغور املسلمني الذين سهروا لينام‬
‫املسلمون وجاعوا ليشبع املسلمون وقتلوا ليحيا املسلمون وسيفقده رجال احلسبة الذين كان الشيخ‬

‫‪1114‬‬
‫جبلسة ومهاتفه وبرقية ينكر ماال ينكره مئات املسلمني سيفقده العلماء الذين قال منصفهم أن‬
‫الشيخ محود محل عنا محال ال نستطيع محله سيفقده املظلومون الذين وجدوا عند الشيخ القدرة‬
‫على اسرتجاع حقوقهم ووجدوا عنده صدرا منشرحا ِف استقبال قضاايهم وابختصار سيفقد الشيخ‬
‫كل مسلم خملص صادق وابملقابل سيفرح مبوت الشيخ كل شيطان وفاسق ولكننا نقول هلؤالء‬
‫الذين فرحوا إن اجلولة مل تنتهي بعد بل هناك جولة قادمة وهي قريبة بوعد هللا لنا قال تعاىل (وما‬
‫يدريك لعل الساعة تكون قريبا) فبعد قيام القيامة سيقوم األشهاد وستأيت كل نفس معها سائق‬
‫وشهيد ويكون النصر ِف تلك الساعة للمؤمنني الصادقني قال تعاىل (من كان يظن أن لن ينصره‬
‫هللا ِف الدنيا واآلخرة فليمدد بسبب إىل السماء مث ليقطع فلينظر هل يذهنب كيده ما يغيظ) و قال‬
‫(إان لننصر رسلنا والذين آمنوا ِف احلياة الدنيا ويوم يقوم األشهاد) ِف هذه الساعة سيكون النصر‬
‫للمؤمنني وسيأيت الظاملون الذين قتلوا املسلمني ِف فلسطني والبوسنة كوسوفا والشيشان وكشمري‬
‫والفلبني وأفغانستان والذين فرحوا مبوت العلماء وفرحوا ببقاء املنكرات سيأيت هؤالء الظاملون‬
‫وسيعتذرون ملا بدر منهم ولكن هل يقبل اعتذارهم (يوم ال ينفع الظاملني معذرهتم وهلم اللعنة وهلم‬
‫سؤ الدار) إن النصر احلقيقي والسعادة احلقيقة ليست ملن بقي ِف الدنيا الفانية وطال بقاؤه بل‬
‫هي ملن كانت له عقىب الدار واي ويل من كانت له سؤ الدار فلعمر هللا هلذه هي اخلسارة احلقيقية‬
‫وأما من انقص من قدر الشيخ مبقال احلاقد فيقال له ال يضر السحاب نبح الكالب ودأب‬
‫الصعاليك انتقاد األئمة من أجل الشهرة وقد انتقد هذا الصعلوك إمام أهل السنة أمحد بن حنبل‬
‫رمحه هللا وأثىن على إمام املعتزلة أمحد بن أيب دؤاد الذي كان يقول للمعتصم اقتل ابن حنبل ودمه‬
‫ِف رقبيت وذلك مبقال سابق له ويقال لذلك الساخر ابشر بسوء اخلامتة فهذه حال من تكلم‬
‫ابلعلماء الرابنيني وعودا على بدء فالشيخ محود رمحه هللا قد شهد له عباد هللا الصادقني بتبليغ‬
‫الرسالة واكنوا له احلب العميق وأحبه املسلمون ِف مشارق األرض ومغارهبا وما أدل على ذلك من‬
‫رسائل العزاء اليت وردت من القاصي والداين بل وجنازته رمحه هللا كان هلا مشهدا عظيما تذكران‬
‫موقف القيامة الرهيب فصلى على الشيخ أعداداً ال يعلمهم إال خالقهم وبعد الصالة عليه ساروا‬
‫به إىل املقربة فإذا ابملقربة ممتلئة قبل الوصول إليها والشوارع مكتظة ابملسلمني والناس على أسطح‬
‫املنازل وعلى جدران املقربة واألبواب ال تسع الداخلني هلا فكان الناس يقفزون من اجلدران وصلي‬
‫على الشيخ ِف الطريق وداخل املقربة ومل يستطيعوا إيصاله إىل قربه إال بعد مشقة ابلغة وكاد البعض‬
‫أن يهلك من الزحام مث بعد قربه مل يتمكن من حثي الرتاب عليه إال نفر قليل ابلنسبة للحاضرين‬
‫واستمر الناس يتوافدون على قربه ويصلون عليه ويرتمحون عليه أايما وقد ُرئي الشيخ يُقتل شهيدا‬

‫‪1115‬‬
‫ِف أرض اجلهاد ولعل ذلك بياان لقوله ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ( :‬إن ِف املدينة أقواما ما سرمت مسريا وال قطعتم واداي‬
‫إال كانوا معكم حبسهم العذر )) وقوله عليه الصالة السالم ‪ ( :‬من سأل هللا الشهادة خالصا من‬
‫قلبه بلغه هللا منازل الشهداء وإن مات على فراشه ‪)..‬‬
‫و وهللا إننا بقدر ما حنزن على فراق الشيخ رمحه هللا جيب أن نفرح أبمر مهم وهو أن الشيخ مات‬
‫على ما هو عليه من صدق وثبات فماذا احلال لو تذبذب وتراجع لكانت اعظم فجيعة على‬
‫املسلمني أوال وعليه اثنيا فنحمد هللا على هذه النعمة العظيمة وِف حقيقة األمر أن الشيخ مل ميت‬
‫بل هو الزال حي بكلماته اخلالدة ومواقفه املشرفة ومبا ترك من علم مازال حيا ألن كل واحد منا‬
‫قد نقش على صدره [درع اإلسالم بن عقال]‪.‬‬

‫‪1116‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫وقفات ومواقف من حياة شيخنا العالمة اجملاهد‬
‫احلمد هلل وحدة والصالة والسالم علي نبينا دمحم صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد ‪:‬‬
‫أن العلماء هم السراج الذي ينري هلذه األمة طريقها ‪...‬‬
‫فهم ورثة األنبياء كما اخرب النيب ملسو هيلع هللا ىلص ‪ (( :‬ان العلماء ورثة األنبياء وان األنبياء مل يورثوا ديناراً وال‬
‫درمها بل ورثوا العلم ))‬
‫ومن حفظ هللا هلذا الدين أن جعل هلذه األمة علماء رابنيني ينشروا العلم النافع ويصدعون ابحلق‬
‫وأيمرون ابملعروف وينهون عن املنكر ‪..‬‬
‫ومن هؤالء العلماء شيخنا العالمة اجملاهد ‪ /‬محود العقال الشعييب – رمحه هللا – حنسبه كذلك وهللا‬
‫حسيبه وال نزكى على هللا أحداً ‪..‬‬
‫ومن فضل هللا علي أين جالست الشيخ واستفدت منه فوائد لو وزنت ابلدنيا و ما فيها ما عدلت‬
‫ربع ما أستفدته من شيخنا رمحه هللا ‪..‬‬
‫ولقد صعقت هبذه املصيبة وهي وفاة شيخنا رمحه هللا ‪،،‬‬
‫ومن اقل الواجب ِف حق الشيخ رمحه هللا ذكر بعض الوقفات واملواقف اليت رايتها بنفسي او اليت‬
‫مسعتها من طلبه الشيخ ‪،،‬‬
‫وليعذرين القارئ الكرمي فكيف أستطيع أن أكتب عن جبل العقيدة ‪....‬من اان حىت أتكلم عنه ‪..‬‬
‫ان اليد ترجتف عند حماولة ذكر فضائله والبيان يعجز عن ذكر مآثره والشعر يعجز عن ذكر مناقبه‬
‫والقلب حيزن على فراقه والعني تدمع لودعاه ‪..‬‬
‫الوقفات واملواقف ‪..‬‬
‫ِف البداية البد من جعل وقفة ِف حياة الشيخ – رمحه هللا – وهي جديرة ابالنتباه من كل شيخ‬
‫وطالب علم بل من كل مسلم ‪ ،‬إال وهي إذا كان معك احلق ال يضرك كثرة من خالفك ‪ ،‬فشيخنا‬
‫– رمحه هللا – كثر أعداءه من علمانيني ومشايخ السوء و عصرانيني وطالب الدنيا وكل من ِف‬
‫قلبه هواء ‪...‬‬
‫ومع ذلك ثبت شيخنا رمحه هللا ومل يداهن او جيامل – رمحه هللا ‪. -‬‬

‫‪1117‬‬
‫وقفة مع فتواه الشهرية يف غناء الرويشد للقرآن ‪:‬‬
‫كلنا يذكر تلك الفتوى الىت كانت فاجأت اجلميع ‪..‬‬
‫الشيخ أفىت بردة الرويشد لغناءه بسورة الفاحتة ‪ ،،‬و أفىت هبذه الفتوى وهو يعرف ان هناك من‬
‫سوف يعرتض ويطعن وينتقد هذه الفتوى ومع ذلك مل قاهلا صرحية ‪..‬‬
‫فهل ندم ِف اصدارها الشيخ – رمحه هللا –‬
‫اجلواب ‪ /‬ال‬
‫بعد هذه الفتوى خرج الرويشد ِف وسائل اإلعالم ونفى انه قد غىن بسورة الفاحتة وأهنا كذب ‪..‬‬
‫فهاجم شيخنا – رمحه هللا – الناس ِف وسائل األعالم من صحافة وتلفاز وحنوه ‪..‬‬
‫و اي ليت األمر توقف على هذا الوضع بل كتب ِف املنتدايت ِف اإلنرتنت بعض املنتسبني للعلم‬
‫واخذوا يدافعون عن هذا اجملرم ( الرويشد ) وقالوا ‪ :‬تسرع العقال الشعييب ِف الفتوى !!‬
‫مثل هذه الفتاوى املفرتض اال تصدر من العلماء الكبار ‪!!..‬‬
‫العقال الشعييب تكفريي ‪..‬‬
‫العقال الشعييب جاهل ابلعقيدة ‪..‬‬
‫العقال الشعييب ال يؤخذ منه الفتوى ألنه ال ميثل جهة رمسية ‪...‬اخل من الكالم القبيح ‪..‬‬
‫وعندما وضعنا مقطع لصوت الرويشد وهو يغين ابلفاحتة ِف املنتدايت قام من تكلم وطعن ابلشيخ‬
‫و أنكروا وظهر ورعهم البارد فقالوا ‪ :‬اتقوا هللا ‪...‬ال جيوز وضع الغناء !!‬
‫ملاذا تضعوا املوسيقي ‪....‬هذا حرام !!‬
‫سبحانك ريب ‪..‬‬
‫وهل الطعن ِف العلماء حالل ‪..‬‬
‫وهل نبز العلماء جائز ‪،،‬‬
‫وهل اهتام العلماء ابلباطل واجب !!‬
‫وبعد فرتة صرح الرويشد انه غىن سورة الفاحتة ‪..‬‬
‫فما كان من هؤالء ممن دافع عن هذا الزنديق اال أن سكتوا ومل يكتبوا اعرتاف او رجوع عن‬
‫كالمهم او اعتذار للشيخ – رمحه هللا – وكأهنم يقولون ‪ /‬ما ألذا حلوم العلماء ‪ ...‬وما أطيبها ‪..‬‬
‫وبعد ذلك اصبح الرويشد ال يتنقل اال حبرس وجنود حىت ال يصاب بسوء وال يعرتض له أحد ‪..‬‬
‫وبعد ذلك ‪..‬‬
‫ظهر ِف إحدى القنوات الفضائية ووجهه حممر ومصفر وقال ِف هذا اللقاء ‪:‬‬

‫‪1118‬‬
‫ماذا يريدون مين ؟؟‬
‫لقد تعبت نفسياً ‪...‬‬
‫اان غري مراتح ‪..‬‬
‫حىت أوالدي ِف املدرسة يقول هلم زمالئهم ‪ :‬اي ابن الكافر ‪..‬‬
‫بل ان األمر مل يتوقف على ذلك بل اخربين أحد اإلخوة ابلكويت ان دمحم العوضي اتصل عليه‬
‫وقال له ‪:‬‬
‫اتصل على الشيخ ‪ /‬محود واطلب منه أن يوافق على أن يزوره الرويشد ويعتذر له ‪..‬‬
‫فاتصل على شيخنا فما كان من شيخنا إال أن رد ابلرفض وقال أان أفتيت حبكم الشرع فيه فال‬
‫اييت يل ‪..‬‬
‫أين الرويشد وشهرته ‪..‬‬
‫اين ماليني األموال اليت ميلكها ‪..‬‬
‫أين املعجبني فيه ‪..‬‬
‫أين املصفقني واملطبلني له ‪..‬‬
‫أدعوكم اخويت للتأمل ‪..‬‬
‫شيخ ضرير اعمى البصر ( لكنه نري البصرية )جتاوز الثمانني عاماً ِف مزرعته خارج املدينة ليس‬
‫صاحب منصب ‪..‬‬
‫بل ليس له صالحيات وال مميزات حىت انه ممنوع من القاء الدروس ‪.‬‬
‫‪.‬يصدر ورقة واحدة فتوى ‪...‬ورقة واحدة !!‬
‫اهتز هلا العامل‪ .. .‬حىت أن وكاالت األنباء العاملية طلبت زايرته ليأخذوا لقاء له و تصرحيات ‪.‬‬
‫أليس هذا دليل إخالص الشيخ رمحه هللا ‪ (..‬حنسبه كذلك )‬
‫كم من مفىت او شيخ اصدر فتوى كان مصريها النسيان ‪..‬‬
‫كم من مفىت ليس لفتواه ثقل وال وزن ‪..‬‬
‫رمحك هللا اي شيخنا فقد ذكرتنا بشيخ اإلسالم ابن تيمية – رمحه هللا ‪. -‬‬
‫زار شيخنا جمموعة من االخوة وكان من ضمن احلديث سؤال ألحدهم للشيخ ‪..‬‬
‫فقال ‪ :‬اي شيخ خناف عليك أن تسجن ‪..‬‬
‫فماذا تظنون الشيخ قائل !!‬
‫هل خاف الشيخ من السجن !!‬

‫‪1119‬‬
‫قال – رمحه هللا ‪ : -‬ما بعد الثمانني شيء ‪..‬‬
‫واملقصود ‪:‬‬
‫ان الشيخ يقول عن نفسه ان جتاوز الثمانني عاماً وما بعد الثمانني شيء ‪..‬أي يقصد اقرتب رحيله‬
‫من الدنيا ‪..‬‬
‫فلم أيبه ألحد النه كان يريد ان يالقى ربه وقد أدى ما عليه ‪..‬‬
‫هذه وقفه لكل من ابع دينه بدنياه ‪..‬‬
‫وقفه ملن اشرتى الدنيا ابآلخرة ‪..‬‬
‫وقفة ملن خاف وداهن ‪..‬‬
‫وقفة لكل من أراد زينة احلياة الدنيا وترك جنان اآلخرة ‪..‬‬
‫رمحك هللا اي شيخنا ‪...‬فقد ذكرتنا ابلعز بن عبد السالم – رمحه هللا –‪.‬‬
‫كلما أتيت للشيخ – رمحه هللا – كان يذكر اجملاهدين خبري ويدعو هلم ويدعوا لنصرهتم وللذب عن‬
‫عنهم بل وللخروج معهم ِف اجلهاد ِف سبيل هللا ‪..‬‬
‫وكان يقول ‪ :‬لوال العذر خلرجت معهم ‪..‬‬
‫رمحك هللا اي شيخنا ‪ ..‬فقد كنت شيخ اجملاهدين ‪.‬‬
‫كنا ِف بعض األحيان أنيت للدرس ِف املوعد احملدد ‪..‬‬
‫فما جند اال الشيخ خرج ومعه أحد أبناءه ‪ ،‬فقلنا للشيخ ‪ :‬هل لنا درس اليوم ؟‬
‫فقال الشيخ ‪ :‬اعتذر اي أخوان ‪ ..‬فأان مسافر للرايض ألقابل الشيخ ابن ابز – رمحه هللا –ألكلمه‬
‫عن موضوع قيادة املرأة للسيارة ‪ ......‬ومرة قال لبطاقة املرأة‪ ...‬اخل‬
‫كان رمحه هللا ينكر مبا يقدر عليه وكان يكلم ويراسل الشيخ ابن ابز – رمحه هللا – وكان بينهما ود‬
‫واخوة عظيمة ‪.‬‬
‫رمحك هللا اي شيخنا فقد بلغت و أوفيت وكفيت ‪..‬‬
‫كان يكرر كثريا رمحه هللا قصيدة القاضي اجلرجاين ‪:‬‬
‫يقولون‪ :‬يل فيـ انقباض‪ ،‬ورمنا * * * رأوا رجال عن موقف الذل أحجما‬
‫أرى الناس من داانهم هان عندهم * * * ومن أكرمته عزة النفـس أكرما‬
‫وما كل بـرق الح يل يستفـزين * * * وال كل من القيت أرضـاه منعما‬
‫ورين رذا فاتين األمـر لـم أبـت * * * أقلـب طـريف رثـره متنـدمـا‬
‫ولكنه رن جـاء عفـوا قبلـتـه * * * ورن مال لـم أتبعـه لوال ورمبـا‬

‫‪1111‬‬
‫وأقبض خطوي عن أمور كثيـرة * * * رذا مل أنلها وافر العرض مكرمـا‬
‫وأكرم نفسي أن أضاح عابسـا * * * وأن أتلقى بـالـمـديـح مذمما‬
‫ولو أن أهل العلم صانوه صاهنم * * * ولو عظمـوه يف النفـوس َلعظّما‬
‫ولكن أهانـوه فهـان ودنسـوا * * * حميـاه ابألطمـاع حىت جتهمـا‬
‫أأشقى به غرسا وأجنيـه ذلـة؟ * * * رذن فاتباع اجلهـل قد كان أحزما‬
‫فالشيخ ‪ -‬رمحه هللا – كان يكرر هذه االبيات وكانه يقول هذا منهجي وطريقي ‪..‬‬
‫رمحك هللا اي شيخنا ‪..‬‬
‫وهذا موقف حدث يل مع الشيخ – رمحه هللا ‪: -‬‬
‫كان أحد االخوة قد دعا الشيخ لوليمة ِف مزرعته بعد صالة العشاء وكان ِف الوليمة جمموعة من‬
‫املشايخ وطلبه العلم وانشغل صاحب الوليمة فلم يستطيع إحضار الشيخ للمزرعة فكلمنا لنحضر‬
‫الشيخ ‪..‬‬
‫فذهبت مزرعته الشيخ وكما هو معروف ان مزرعة الشيخ خارج مدينة بريدة وتبعد حوايل ثالثني‬
‫كيلو او تزيد‪..‬‬
‫وقدر هللا قبل هذه الوليمة أبايم ان يطمس بعض األطفال حروف لوحة سياريت فلما ذهبت للشيخ‬
‫كان هناك نقطة تفتيش فانتبه العسكري للوحة املطموسة فحرر يل خمالفة و قام ابحتجاز السيارة‬
‫ونقلها إىل حجز السيارات الذي يبعد عن مزرعة الشيخ أربعني كليو تقريبا ‪..‬‬
‫حاولت أن أفهمهم أين مرتبط مع أحد املشايخ و أين سوف أقوم بتعديل اللوحات وان املسالة ال‬
‫تستدعي حجز السيارة ‪..‬ولكن لقد أمسعت لو انديت حياً ‪..‬‬
‫فلما وصلنا للحجز وضعوا السيارة ِف مكان حجز السيارات مث قالوا ‪ :‬انصرف ‪..‬‬
‫فقالوا ‪ :‬دبر حالك ‪..‬؟؟؟‬
‫ختيلوا أيها األحباب رجال األمن حيجزون سيارة مواطن ِف إحدى الطرق البعيدة عن املدينة وِف‬
‫مكان مقطوع ويقولون ‪ :‬دبر حالك !!‬
‫الشاهد ‪ ..‬أتخر علي الوقت والشيخ ينتظر و أتخرت على صاحب العزمية ‪..‬‬
‫ويسر هللا يل سائق أجرة فركبت معه وذهبنا مباشرة ملزرعة الشيخ فلما وصلت طرقت الباب فخرج‬
‫يل الشيخ – رمحه هللا – فقال يل ‪ :‬ملاذا اتخرت ؟‬
‫فأخربت الشيخ مبا حدث ‪..‬‬

‫‪1111‬‬
‫فما كان من الشيخ –رمحه هللا – إال ان ادخل يده ِف جيبه واخرج من جيبه النقود وقال ‪ :‬خذ‬
‫أعطى احلساب لسائق األجرة ‪..‬‬
‫قلت ‪ :‬اي شيخ ال ‪ ..‬عفا هللا عنك ‪..‬‬
‫فأقسم الشيخ فما كان اال أن قبلت بعد قسم الشيخ ‪..‬‬
‫مث طلب الشيخ من سائقة أن جيهز السيارة وقال يل ‪ :‬اركب معنا ‪..‬‬
‫وِف الطريق متتعت حبديث الشيخ وعلمه وكالمه الذي يقطر كالعسل ‪..‬‬
‫فلما اقرتبنا من بريدة قال لسائقة ‪ :‬اذهب إىل إدارة مرور بريدة ‪!!!..‬‬
‫قلت ‪ :‬اي شيخ عفا عنك ملاذا ؟‬
‫قال ‪ :‬حىت خنرج سيارتك ‪..‬‬
‫فقلت له ‪ :‬لكن االخوة ينتظروننا واملشايخ موجودين ‪..‬‬
‫فقال ‪ :‬أنت تعبت وأتيت من اجلي فلذلك سأذهب وان خنرج من عندهم اال ومعك سيارتك ‪..‬‬
‫أصابين إحراج شديد ‪...‬و تعلثم لساين ‪..‬‬
‫حينها أخذت انظر للشيخ واستغرب ‪..‬‬
‫هل أحد من املشايخ هبذا الكرم الفياض واخللق الرفيع !!‬
‫مث فكرت وتذكرت االخوة واملشايخ الذين ينتظرون الشيخ –رمحه هللا ‪. -‬‬
‫وبعد جهد جهيد ‪..‬أقنعت الشيخ أنين سوف أراجعهم وإذا أشكل علي شيء سوف ارجع له ‪..‬‬
‫فوافق الشيخ هبذا الشرط ‪..‬‬
‫مث ذهبنا لالخوة وملا وصلنا للمزرعة ونزلنا اخذ الشيخ ميدحين ويثين علي ويدعو يل مبا ال استحقه‬
‫‪ ..‬هذه موقف اذكره للشيخ – رمحه هللا – إبجالل ‪...‬‬
‫أحبيت ‪..‬ما كتبته اعتربه دردشة وليس مقال او راثء للشيخ ‪..‬‬
‫أحببت ان أشارك به‪..‬‬
‫رمحك هللا اي شيخنا ‪..‬‬
‫اللهم اين اشهد ان عبدك محود العقال الشعييب قد ابرىء ذمته‬
‫اللهم اين اشهد ان عبدك محود العقال الشعييب قد ابرىء ذمته‬
‫اللهم اين اشهد ان عبدك محود العقال الشعييب قد ابرىء ذمته‬
‫النعمان‬
‫منتدى الدفاع عن السنة‬

‫‪1112‬‬
‫َرِمحَهُ هللاُ تَ َعاىل‬ ‫َش ْي ُخ الطبَـ َق ِة ُمحُْو ُد العُ ْقالء‬
‫املولود (‪ ،)4411‬املتَ َو َّىف (‪)4199/44/5‬‬
‫السبعِ‬ ‫ُ‬ ‫عن عم ٍر ي ن ِ‬
‫ني ‪.‬‬ ‫السْب َ َ َّ ْ ْ َ‬
‫و‬ ‫ة‬ ‫ع‬ ‫اه ُز َّ‬ ‫َ ْ ُ ُ َُ‬
‫آل َمحْ َدا َن الغَ ِام ِد ُّ‬
‫ي‬ ‫بن َس ْع ٍد ُ‬ ‫ب ُ‬
‫ِ‬
‫الشيخ‪/‬ذ َاي ُ‬
‫الرِحْي ِم‬ ‫بِ ْس ِم هللاِ َّ‬
‫الر ْمحَ ِن َّ‬
‫ني ‪َّ .‬أما بَ ْع ُد ‪:‬‬ ‫السالم علَى عب ِده ورسولِه ِ‬
‫األم ْ ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الصالةُ و َّ ُ َ َْ َ ُ ْ‬ ‫ني‪ ،‬و َّ‬ ‫العالَم ْ َ‬‫احلَ ْم ُد هلل َر َ‬
‫بص ٍ‬ ‫ث أوصلَِين ِ‬ ‫ضلِه‪ِ ِ ِ ،‬‬ ‫ص ِين ب َكبِ ِْري فَ ْ‬
‫الت ال تُ َع ُّد وال‬ ‫وعظْي ِم ح ْلمه؛ َحْي ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫اىل أ ْن َخ َّ‬ ‫فأ ْش ُك ُر هللاَ تَ َع َ‬
‫ت َجمَ ِامْي ِع ( فَتَ َاوى َور َسائِ ِل )‬ ‫الس ْف ِر ال َق ِوِْمي‪ ،‬والعِلْ ِم ِ‬ ‫ُْحتصى؛ فَ َكا َن ِمْنها ‪ :‬قِراءةُ هذا ِ‬
‫العظْي ِم املَْزبُ ْوِر َْحت َ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫الم ِة ‪ :‬أيب‬ ‫الع َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوقْت‪ ،‬الشَّْي ِخ اهلَُمام‪ ،‬فَا ِر ِس املَْن ُق ْول واملَْع ُق ْول‪ ،‬فَضْي لَة الشَّْي ِخ َ‬
‫َشي ِخ الطَّب َق ِة‪ ،‬وحسنَ ِة ِ‬
‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اىل ‪.‬‬ ‫َعْبد هللا ُمحُْود ب ِن َعْبد هللا العُ ْقالء الش َ‬
‫ُّعْيِ ِيب َرمحَهُ هللاُ تَ َع َ‬
‫ات َعلَى فِ ْعلِها‪ ،‬ألتَ َفيَّأ‬ ‫إيل ( رسائِلُه وفَتَاواه ) رجاء الن ِ ِ ِ‬
‫َّه َل م ْن ع ْلمها‪ ،‬والثَّبَ َ‬ ‫ت ََّ َ َ ُ َ ُ َ َ َ ْ‬
‫ِ‬
‫فعْن َدها؛ سْي َق ْ‬
‫ِ‬
‫اب ِحس ٍ‬ ‫إيل َه ِذه املج ِامْيع ِِف أثْو ٍ‬ ‫ِظال َهلا‪ ،‬وأج ِ ِ‬
‫ان‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫ت ََّ‬ ‫ث ُزفَّ ْ‬ ‫فح ْم ًدا؛ َحْي ُ‬ ‫ين مثَ َارها؛ فَ َكا َن ذَ َاك ! َ‬ ‫َ َْ‬
‫العْي نَ ْ ِ‬ ‫ني‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ع‬
‫ض َّو َ‬‫ث تَ َ‬ ‫ني‪َ ،‬حْي ُ‬ ‫وماء َ‬ ‫الو ْحيَ ْ ِ َ‬ ‫ِ‬
‫اءت َكل َما ُهتا بنُ ْور َ‬ ‫أض ْ‬ ‫ص َف َحا ُهتا‪ ،‬و َ‬ ‫ألألت َ‬ ‫وعُ ُق ْود ُمجَا َن‪ ،‬قَ ْد تَ ْ‬
‫الزَما َن َوالَّ ُد‪،‬‬ ‫أبن َّ‬‫ضا َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ُهم بَ ْع ً‬ ‫ني أ ْن يُ َسلي بَ ْع ُ‬ ‫اح َش َذ َاها … ل َذا؛ َكا َن َحقًّا َعلَى املُْؤمن ْ َ‬ ‫م ْس ُكها‪ ،‬وفَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫و َّ ِ‬
‫ت‬ ‫الم نُبَالءَ‪ ،‬كالشَّْي ِخ العُ ْقالء‪ِ ،‬ف َّأايٍم أظْلَ َم نَ َه ُارها‪ ،‬وا ْغبَ َّر ْ‬ ‫أع ٍ‬ ‫اد … بعُلَ َماءَ أجالءَ‪ ،‬و ْ‬ ‫األاي َم جيَ ُ‬
‫الزم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ان !‬ ‫اث ََ َرةِ الطَّغَام‪ ،‬وفَ َساد ْأه ِل ََّ‬ ‫ص ْوَرةِ‪َ ،‬علَى ُر ْغ ِم ُم َك َ‬ ‫َمسَ ُاؤها‪ ،‬فاحلَ ْم ُد هلل َعلَى بَ َقاء الطَّائ َفة املَْن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّأما تَ ْذكِي ر ب ع ِ ِ‬
‫اد‬
‫س‪ ،‬وتُ َق ُ‬ ‫َّ‬
‫األمسَاعُ‪ ،‬وتُ َعط ُر املَ َجال ُ‬ ‫ب ْ‬ ‫آخ ُر‪ ،‬لمثْله تُطَْر ُ‬ ‫ض سْي َرةِ َشْي ِخ الطَّبَ َقة‪ ،‬فَ َش ْيء َ‬ ‫ُْ َْ‬
‫ني ‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ب العِْل ِم‪ ،‬وتَْن َجُّر ُساللَةُ س َِري َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصاحل ْ َ‬ ‫َجنَائ ُ‬
‫ِِ‬ ‫اإلس ِ‬
‫اعةً ِِف‬‫أخَر َس َ‬ ‫استَ َ‬ ‫ني‪ ،‬لَ َما ْ‬ ‫يب ) َخبَ َر اخلَالف ْ َ‬ ‫الم ( َّ‬
‫الذ َهِ ُّ‬ ‫استَ ْقبَ َل ُم َؤِر ُخ ْ‬ ‫ك؛ لَ ْو ْ‬ ‫ك َحنَانَْي َ‬ ‫فحنَانَْي َ‬
‫َ‬
‫َّاظ (تَ ْذكِرتِه)‪ ،‬فالعِْلم رِحم ب ِ‬ ‫اق حف ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الء ) ِِف ِ ِ ِ‬ ‫ِذ ْك ِر ( الع ْق ِ‬
‫ووَرثَةُ‬
‫ني ْأهله‪َ ،‬‬ ‫ُ َ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫أعالم ( س َِريه )‪ ،‬أو طبَ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ان !‬‫األنْبِي ِاء قَائِمو َن ح َّجةً ِِف ُك ِل َزم ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ُْ ُ‬
‫اهد َرَّابِينُّ‬ ‫وجم ِ‬ ‫فَال ي هولَنَّك ما هنا؛ فالشَّيخ الشُّعيِيب رِمحه هللا ع ِامل ع ِامل‪ ،‬وز ِاهد عابِد‪ِ ِ ُ ،‬‬
‫وحمَقق ُم َدقق‪َُ ،‬‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ُ َْ ُّ َ َ ُ ُ َ َ‬ ‫َ ُ ْ َ َ َُ‬
‫صا ِر‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫اإلسه ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اب ِِف ْأم ِره‪ ،‬فَ َق ْد طَبَّ َق ذ ْك ُره َمجْي َع ْ‬
‫األم َ‬ ‫فش ْهَرتُه تُ ْغ ِين َع ِن اإلطْنَاب ِِف ذ ْك ِره‪ ،‬و ْ َ‬ ‫… ُ‬
‫بسْي َرتِه[‪. ]4‬‬ ‫ف ِ‬ ‫َّع ِري ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫وش ِ‬
‫اع علْ ُمه ِِف نَ َواحي الداي ِر؛ ل َذا ْ‬
‫استَ ْغنَ ْي نَا َع ِن الت ْ ْ‬ ‫َ َ‬
‫______________________________________‬
‫الشعيِيب رِمحه هللا ف َكا َن ِممَّا وقَع ِِف ي ِدي ما سطَّره ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشْي ُخ‬
‫أخي َّ‬ ‫َ َ َ َ َ َ‬ ‫وم َقاالت ِِف سْي َرة الشَّْي ِخ ُمحُْود َْ َ َ ُ ُ‬ ‫ت َر َسائ ُل‪َ ،‬‬ ‫[‪ ]4‬لَ َق ْد ُكتبَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت ُعْن َوان "إيْنَ ِ‬
‫اس‬ ‫وم َذا َكَرته‪َْ ،‬حت َ‬
‫ث ذَ َكَر َسْي َرتَه ذ ْكًرا َوافيًا‪ ،‬ممَّا يُ َشج ُع َعلَى ُمطَالَ َعته ُ‬ ‫الر ْمحَ ِن اجلِْف ُن َحفظَه هللاُ؛ َحْي ُ‬‫َعْب ُد َّ‬
‫الء ِِف َسْي َرةِ َشْي ِخنا العُ ْقالء" فَ َجَزاهُ هللاُ َخْي ًرا!‬‫النُّب ِ‬
‫َ‬

‫‪1113‬‬
‫ض لَهُ‬
‫ٍ‬
‫ض بغَايَة‪ ،‬وَملْ يُ ْق َ‬
‫ِ‬
‫أي الض ََّواحي أتَْي تَه‪َ ،‬ملْ يَ ْر َ‬ ‫احي ِجْئ تَه‪ ،‬والبَ ْد ُر ِم ْن ِ‬ ‫أي النَّو ِ‬ ‫ِ‬
‫فه َو البَ ْح ُر م ْن ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ني‪ ،‬و َّاختَ َذ العِْل َم‬ ‫َّهار ابللَّْي ِل َدائِبَ ْ ِ‬
‫ص َل الن َ َ‬ ‫الصْب ُح ليُ َحاكِيَهُ فلُ ِط ْم‪َ ،‬و َّ‬ ‫ض َع العِْل َم ُمْن ُذ فُ ِط َم‪ ،‬وطَلَ َع ُّ‬ ‫ِ ٍ‬
‫بن َهايَة‪َ ،‬ر َ‬
‫ف َع ْن بُلُ ْوِغ َم َداه ‪.‬‬ ‫ابلسلَ ِ ِ‬
‫حىت َحلِ َق َّ‬ ‫والعمل ِ‬
‫ف هبُ َداه‪ ،‬و ْأأنى اخلَلَ َ‬ ‫ني؛ َّ‬ ‫صاحبَ ْ َ‬ ‫ََ َ َ‬
‫ث ِ‬
‫أبدلَّةٍ‬ ‫ضايِق البح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ْوَمه ِِف َو َسط َمْي َدانه‪ ،‬وفَ َّر َج َم َ َ َ ْ‬ ‫َّل ُخ ُ‬ ‫وجد َ‬‫اد َل ْأه َل َزَمانه‪َ ،‬‬ ‫َفرمحَهُ هللاُ؛ َك ْم َج َ‬
‫أس لِ َسانِه‪ ،‬وعُلُ ْوَم‬ ‫السنَّةَ َعلَى َر ِ‬ ‫كأن ُّ‬ ‫اط َع ِة‪َّ ،‬‬ ‫الس ِ‬‫ني َّ‬ ‫الش ُكو ِك ابلبَ ر ِاه ْ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫صَر أقْ َوالَه ِِف ظُلُ َمات ُّ ْ‬
‫ِ ٍ‬
‫قَاط َعة‪ ،‬ونَ َ‬
‫اص ِل ِجنَانِه‪ ،‬وأقْ و َال العلَم ِاء َْجملَُّوة نُصب عيانِه فَما أسبق ِ‬ ‫األثَِر مساقَة ِِف حو ِ‬
‫أسَرعَ‬ ‫وما ْ‬ ‫ضا ِره‪َ ،‬‬ ‫است ْح َ‬ ‫ْ َ ََ َ ْ َ َ ْ‬ ‫َ َُ‬ ‫ََ‬ ‫َُ‬
‫ضا ِره!‬
‫إح َ‬ ‫ْ‬
‫وعلَى ِمْن َِرب احلَ ِق ُمْن ِذ ًرا ِم ْق َد ًاما!‬ ‫فال جرم أنَّه َكا َن ِِف أر ِ ِ‬
‫ض العُلُ ْوم َحا ِرًاث َمهَّ ًاما‪َ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ ََ‬
‫ف وبَِقيَّةُ‬ ‫يل قُ ْدوةُ اخلَلَ ِ‬
‫ُص ْوِ ُّ َ‬ ‫ظ املَُفس ُر األ ُ‬
‫أس ِهم ‪ :‬الشَّيخ احلافِ ُ ِ‬
‫ُْ َ‬
‫فَ َق ْد َِمسع ِمن َمجاع ٍة َكثِي رةٍ‪ ،‬وعلَى ر ِ‬
‫َ ْ َ َ َْ َ َ‬
‫ِ‬
‫السنَّ ِة‪ ،‬وقَ ِام ُع‬ ‫السلَ ِفي ال َف ِقْيه َان ِص ُر ُّ‬ ‫َّع َوةِ َّ‬ ‫ِ‬
‫الشْنقْي ِطي َرمحَهُ هللاُ‪ ،‬وَك َذا َسلْي ُل الد ْ‬
‫ني ِ ِ‬ ‫ف ُحم َّم ُد ِ‬
‫األم ْ ِ‬ ‫السلَ ِ َ‬ ‫َّ‬
‫ص ُر‪،‬‬ ‫الس ْم ُع والبَ َ‬ ‫ني ‪ :‬فَ َه ُما َّ‬ ‫آل الشَّْي ِخ رِمحَهُ هللاُ‪ ،‬فَ َحسبُك هبِِما ِم ْن َإم َام ْ ِ‬ ‫بن إبْ َر ِاهْي َم ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الب ْد َعة ُحمَ َّم ُد ُ‬
‫ف‪ِِ ،‬ف‬ ‫الف ْق ِه‪ ،‬والتَّ ْف ِس ِري‪ ،‬والنَّح ِو‪ ،‬واألُصوِل‪ ،‬واخلِال ِ‬ ‫فَعِْن َد َذلِك ب رع الشَّيخ الشُّعيِيب ِِف الع ِقي َدةِ‪ ،‬و ِ‬
‫ُْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ ََ َ ْ ُ َْ ُّ‬
‫ات هللاِ بنَ ْف ِسه‪ ،‬ويَ ِده‪ ،‬ولِ َسانِه ‪.‬‬ ‫اه ًدا ِِف ذَ ِ‬ ‫ِحني َكا َن ي ت وقَّ ُد ذَ َكاء‪ ،‬قَ َّواالً ابحل ِق‪َ ،‬ان ِهيا ع ِن املْن َك ِر‪ُ ،‬جم ِ‬
‫ً َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ََ َ‬ ‫َْ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وإجاللِه‪ ،‬فَ َكا َن َحقًّا َشْي َخ‬ ‫إبم َامته ْ‬
‫ِ‬
‫ض َ‬ ‫ص ِر‪َ ،‬ما يَ ْق ِ‬ ‫وو َج َهاءُ امل ْ‬ ‫ص ِر‪ُ ،‬‬ ‫الع ْ‬
‫َك َما تَتَ ْل َم َذ َعلَْيه ُشيُ ْو ُخ َ‬
‫الر ِعيَّ ِة‪،‬‬
‫اعي و َّ‬ ‫الر ِ‬
‫وإم َامة ِعْن َد َّ‬ ‫وهْي بَة َ‬ ‫اصة‪َ ،‬‬
‫الطَّب َق ِة[‪َ ،]4‬كما َكا َن لَه وجاهة وإجابة ِعْن َد الع َّام ِة واخل َّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ََ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضى وقَب ول ِعْن َد ال َق ِ‬
‫اصي والد ِ‬
‫َّاين!‬ ‫وِر َ ً ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ت َم ِسْي َر َّ‬ ‫ِ‬
‫الد‬
‫ألت هبَا البَ ُ‬ ‫س ِِف األقْطَا ِر‪ ،‬و ْامتَ ْ‬ ‫الش ْم ِ‬ ‫فأما ُكتُبُه فَ ِهي أ ْش َه ُر م ْن أ ْن تُ ْذ َكَر؛ فَ َق ْد َس َار ْ‬ ‫َّ‬
‫اط َعةُ َعلَى‬ ‫السن َِّة واجلماع ِة"‪ ،‬و"الب ر ِاهني ال َق ِ‬ ‫ص ُر َع ِقْي َدةِ ْأه ِل ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ََ ْ ُ‬ ‫ََ َ‬ ‫ص ُار‪ ،‬فَ َم ْن نَظََر فْيها ال سيَّ َما "خمُْتَ َ‬ ‫األم َ‬
‫و ْ‬
‫االستِ َعانَِة ابل ُكفَّا ِر" و َغْي ُرُها؛ َعلِ َم َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫اإلميَان ابهلل والدَّا ِر اآلخَرةِ"‪ ،‬و"ال َق ْو ُل املُ ْختَ ُار ِِف ُح ْك ِم ْ‬
‫حْت ِميَّ ِة ْ ِ ِ‬
‫َ‬
‫ص ْخ ٍر‪ ،‬ويَْن َهلُ ِم ْن َْحب ٍر!‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشَّْي َخ قَ ْد ُرِز َق ح ْفظًا َواس ًعا‪ ،‬وفَ ْه ًما َوافًرا‪ ،‬ل َكأنَّه يَْن َزعُ م ْن َ‬
‫الزما َن‪ ،‬وساد ِ‬ ‫ِ‬ ‫اح ْ ِ‬ ‫الرْكبا ُن‪ ،‬وطَار ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫ََ‬ ‫ني‪َ ،‬ك َما َّأهنا َسابَ َقت ََّ‬ ‫ت بال َجنَ َ‬ ‫َ‬ ‫َّأما فَتَ َاواه‪َ ،‬ور َسائلُه؛ فَ َق ْد َس َار هبَا ُّ َ‬
‫اع ًدا َهلَا يُعِدُّها !‬ ‫امل َكا َن‪ ،‬تَ ِرد إلَيه ال َفتَاوى وال ي ِردها‪ ،‬وتَِف ُد علَيه في ِجيب علَيها أبج ِوب ٍة َكأنَّه َكا َن قَ ِ‬
‫َ ُ ْ ُ َْ ْ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬
‫ك لِ ُم َعانِ ِديْه فِْي َما ُّاد ِع َي به َعلَْيه بُْرَهان‪،‬‬ ‫وََّأما ماجرايت ه َذا اإلم ِام فَ َكثِي رة ع ِدي َدة‪ ،‬فَلَم يظْهر ِِف َذلِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َْ‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ََ ُ َ‬
‫ان‪ ،‬وقُصارى ذَلِك أنَّه ُّاهتمِ‬ ‫السلْطَ ِ‬ ‫وح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ب ُّ‬ ‫ت ِِف ال ُقلُ ْوب م ْن َمثََرات الشَّنَآن‪ُ ،‬‬ ‫َغْي ُر تَْنكْي َدات َر َس َخ ْ‬
‫الزم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صدَّى له ‪َّ :‬إما‬ ‫ث تَ َ‬ ‫ان؛ َحْي ُ‬ ‫وه َذا ُكلُّه م ْن فَ َساد ْأه ِل ََّ‬ ‫اب بِه ويُ َشا ُن ‪َ .‬‬ ‫ي ِِف َغ ِْري َما يُ َع ُ‬ ‫و ْأوذ َ‬
‫______________________________________‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بشْي ِخ الطَّبَ َقة َّإال إ َذا َكا َن أ ْكثَ ُر طُالبِه عُلَماءَ‪َ ،‬‬
‫وه َذا َما يَْنطَبِ ُق‬ ‫ات َكانُوا ال يُلَ ِقبُ ْو َن َّ‬
‫الر ُج َل َ‬
‫الرت ِاج ِم والطَّب َق ِ‬
‫َ‬
‫[‪ ]4‬أهل ِ‬
‫الس ِْري و َّ‬ ‫ُْ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫على الشَّْي ِخ ُمحُْود الش َعْيِيب!‬

‫‪1114‬‬
‫ومجَ َع‬ ‫َّعي أنَّه ان ِصح‪ ،‬فَقد أوِذ ِ‬ ‫َّعي أنَّه ع ِامل‪ ،‬أو منَافِق يد ِ‬ ‫اهل يد ِ‬ ‫ِ‬
‫أعلَى هللاُ َمنَا َره‪َ ،‬‬ ‫ي َرمحَهُ هللاُ؛ َح َّىت ْ‬ ‫َْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َج َ‬
‫أع َداءهُ‪ ،‬فَ ُهو أ ْكبَ ُر ْم َن أ ْن يُنَ بِهَ َعلَى َسْي َرتِه ِمثْلِي!‬ ‫قُلُوب أه ِل احل ِق علَى َحمبَّتِه‪ ،‬والد ِ‬
‫ت ْ‬ ‫ُّعاء لَه‪ ،‬وَكبَ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ْ َ َ َ‬
‫س‪ ،‬مْن َق ِطع الن ِ‬
‫َّظ ِْري‪َ ،‬م َع‬ ‫وه َك َذا؛ ما ز َال الشَّيخ رِمحه هللا رافِعا رأسا ِِف العِْل ِم والت ِ‬
‫َّعلْي ِم‪ ،‬والد َّْر ِس والتَّ ْد ِريْ ِ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ َ َُ ُ َ ً َ ً‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ما ميُْلِيه ِمن َّ ِ‬
‫ب‬‫نت ِِف َم َسا ِر َ‬ ‫اك ‪َ ...‬ح َّىت إذَا أ ِزفَت اآل ِزفَةُ‪ ،‬وأقْ بَ لَت الف َُ‬ ‫الر َسائ ِل وال َفتَ َاوى ُهنَا ُ‬
‫وهنَ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫أبم ٍر ِم ْن ْإم ِريكا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫اإلس ِ‬ ‫مهلِ َك ٍة‪ ،‬مْن َقاد ًة لتعِي َدها حراب ِ‬
‫ني ِِف بِالد أفْ غَان ْستَا َن‪ْ ،‬‬ ‫الم واملُ ْسلم ْ َ‬ ‫صلْيبِيَّةً َعلَى ْ‬ ‫ُ َ ُ ْ َ ًْ َ‬ ‫ُْ‬
‫ني‪ ،‬فَعِْن َدها بََرَد احلَ ُّق‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وحلَ َفائِها‪ ،‬وتَعاو ٍن سافِ ٍر ِمن ( متَ ِ ِ‬
‫ص ِر‪ُ ،‬ح َّك ًاما َكانُوا أو َْحم ُك ْوم ْ َ‬ ‫الع ْ‬
‫أسل َمة ) َ‬ ‫ْ ُ ْ‬ ‫َُ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اطل‪ ،‬وس َكت أ ْكثَر العلَماء‪ ،‬ونَطََق ِ‬ ‫ِ‬
‫ني‪،‬‬‫أص َوات العلْ َمانيِ ْ َ‬ ‫ت ْ‬ ‫ك َْحت َ‬ ‫ات‪ُ ،‬ك ُّل ذَل َ‬ ‫ض ُ‬ ‫الرَويْبِ َ‬
‫ت ُّ‬ ‫ومَرَد البَ ُ َ َ ُ ُ َ‬ ‫َ‬
‫الم ِه‪ ،‬ورفْ ر َ ِ‬ ‫الميِني‪ ،‬فَ َكا َن اللَّتَ يَّا والَِّيت ‪ ...‬ح َّىت إ َذا س َكن اللَّيل بظَ ِ‬ ‫الم ْ ِ‬ ‫ف أقْ ِ‬ ‫وص ِري ِ‬
‫ف البَاطلُ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫اإلع ْ َ‬ ‫َْ‬
‫اط َل بِ ُك ِل قُ َّوتِه‪،‬‬ ‫األع َد ِاء بصوتِه‪ ،‬ضا ِراب الب ِ‬ ‫ِ‬ ‫المه؛ جاء الشَّيخ الشُّعيِ ِ‬
‫َْ َ ً َ‬ ‫يب َرمحَهُ هللاُ ُمَزِْجمًرا ِِف ُو ُج ْوه ْ‬ ‫َ َ ْ ُ َْ ُّ‬
‫أبع ِ‬‫ْ‬
‫ف الضَّاللَِة‪ ،‬حبُ َج ٍج َرَو ِاس َخ‪ ،‬فأقْ َد َم ِحْي نَها إ ْذ َكا َن‬ ‫ف َزيْ َ‬ ‫ث َك َش َ‬ ‫بص ْولَتِه … َحْي َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َكاش ًفا أقْن َعةً َخ ْرقَاءَ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات واإلقْ َد ُام ِِف‬ ‫ني َوَّىل ال ُف ْر َسا ُن ابلفَرا ِر‪ ،‬فَ َكا َن مْنه َرمحَهُ هللاُ الثَّبَ ُ‬ ‫أخطَار‪ ،‬وبََرَز للنَز ِال َح ْ َ‬ ‫ِِف اإلقْ َد ِام ْ‬
‫ك َما َكتَبَهُ الشَّْي ُخ ( َرِمحَهُ هللاُ )‬ ‫وخافَه ُجالبُه! فَ ُد ْونَ َ‬
‫ِ‬
‫الم احلَ ِق‪ ،‬وتَ ْس ِويْقه ِِف َزَم ٍن َك َس َد طُالبُّه‪َ ،‬‬ ‫أع ِ‬ ‫َرفْ ِع ْ‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ك َما َأرى‪ ،‬ولتَ ْعلَ َم َّ‬ ‫ِِف َجمَ ِامْيعِه َه ِذه لِتَ رى ِ‬
‫أن احلَ َّق لَهُ ر َجاالت ال تُْلهْيهم َمنَاص ُ‬ ‫أبم َعْي نَ ْي َ‬ ‫َ‬
‫آخَر َحيَاتِه‪،‬‬ ‫س ْلطَانِيَّة‪ ،‬وال ظُنُون َشيطانِيَّة‪ ،‬فَرِحم هللا الشَّيخ إ ْذ َمل ي ْفتَأ ي نَافِح ع ِن احل ِق ح َّىت ِ‬
‫َ َ ُ َْ ْ َ ُ ُ َ َ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ات َعلَْيه"‪ ،‬وهللاُ َحسْي بُه!‬ ‫ث ُكلُّ َعْبد َعلَى َما َم َ‬ ‫ال ابخلََواتْي ِم"‪ ،‬و"يُْب َع ُ‬ ‫و"األع َم ُ‬
‫ْ‬
‫ني ِ‬ ‫ف وأرب ع ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السب ِ‬
‫وع ْش ِريْ َن‬ ‫مائة واثْنَ تَ ْ ِ‬ ‫س َخلَ ْو َن م ْن َش ْه ِر ذي ال َق ْع َدة َسنَة ألْ ٍ ْ َ ْ‬ ‫ت خلَ ْم ٍ‬ ‫َح َّىت إذا َكا َن لَْي لَةُ َّ ْ‬
‫الدنْيا ب ع َد ِست ٍَّة وسبعِني سنَةٍ‬ ‫الس ِ‬‫الصالةِ و َّ‬ ‫ِمن اهلِجرةِ النَّب ِويَِّة علَى ِ‬
‫َْ ْ َ َ‬ ‫الم‪ ،‬فَ َار َق الشَّْي ُخ ُّ َ ْ‬ ‫ضلُ َّ‬ ‫صاحبِها أفْ َ‬ ‫َ َْ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫م ِدي َدةٍ‪ ،‬قَضاها ب ني علُوٍم م ِفي َدةٍ‪ ،‬و ٍ ِ ٍ‬
‫أع َمال َمشْي َدة؛ َات ِرًكا َوَراءه ُكنُ ْوًزا علْميَّةً‪ ،‬وسْي َرةً َم ْرضيَّةً؛ َفرمحَهُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َْ َ ُ ْ ُ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫وج َع َل َجنَّةَ‬ ‫اآلخرةِ‪ ،‬ونَ َفع بعلُوِمه وفَتَاواه‪ ،‬وب َّل َّ ِ‬
‫ابلر ْمحَة َمثْ َواه‪َ ،‬‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُْ‬
‫ِ‬
‫الدنْيا و َ‬ ‫هللاُ َر ْمحَةً َو ِاس َعةً‪َ ،‬ورفَ َع ِذ ْكَره ِِف ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني!‬‫الف ْرَد ْو ِس َم َأواه‪ ،‬آم ْ ُ‬
‫وم ْن تَبِ َعهُ إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وص ْحبِه‪َ ،‬‬ ‫وعلَى آله‪َ ،‬‬ ‫ني‪َ ،‬‬ ‫الم َعلى َر ُس ْوله األم ْ َ‬ ‫الس ُ‬ ‫الصالةُ و َّ‬ ‫ني‪ ،‬و َّ‬ ‫العالَم ْ َ‬
‫واحلَ ْم ُد هلل َر َ‬
‫ف و ْأربَ ْعمائة و ْأربَ َعةَ َع َشَر ِم َن‬ ‫األوِل لع ِام ألْ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الدي ِن‪َ .‬متَّ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ص ِر اليَ ْوم الع ْش ِريْ َن م ْن َربِْي ِع َّ َ‬ ‫ت كتَابَتُه ِف َع ْ‬ ‫ْ‬ ‫يَ ْوم ْ‬
‫اهلِ ْجَرةِ النَّبَ ِويَِّة‬
‫آل َمحْ َدا َن الغَ ِام ِد ُّ‬
‫ي‬ ‫بن َس ْع ٍد ُ‬ ‫ب ُ‬
‫ِ‬
‫وَكتَ بَهُ ذ َاي ُ‬
‫ِ‬
‫ف (‪)4191/4/9٧‬‬ ‫الطَّائ ُ‬
‫نقال عن موقع فضيلة الشيخ ذايب الغامدي‬

‫‪1115‬‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬
‫مشاهدات من جنازة الشيخ رمحه هللا‬
‫إان هلل وإان إليه راجعون‬
‫اللهم اجران ِف مصيبتنا واخلف لنا خريا‬
‫إن العني لتدمع والقلب ليحزن وال نقول إال ما يرضي ربنا وإان لفراقك اي أاب عبد هللا حملزونون‬
‫ِف يوم مشهود ‪..‬‬
‫ودعت األمة عاملها األجل‪ ..‬وداعيتها األمثل‪ ..‬وأحد أئمة اهلدى ومصابيح الدجى ‪..‬‬
‫أحد الذين تكلموا يوم أن سكت الكثري ‪ ..‬أحد الذين تكلموا ومل خيشى ِف هللا لومة الئم ‪..‬‬
‫أحد الذين أوقفوا أنفسهم خلدمة هذا الدين والقيام أبمر هذا الدين والدعوة هلذا الدين ؛ فأرخصوا‬
‫ِف ذلك كل ٍ‬
‫غال ونفيس ‪..‬‬
‫أحد الذين بذلوا أنفسهم وجاههم وسلطاهنم للجهاد وأهله وحاملي لوائه ‪..‬‬
‫فلله دره من إمام تعجز الكلمات عن الوفاء حبقه !‬
‫وهلل دره من جماهد ُسطرت حياته مبداد من ذهب !!‬
‫إنه الشيخ اإلمام والعامل اجملاهد محود بن عبد هللا بن عقال الشعييب رمحه هللا‬
‫وهذه املشاهدات أكتبها هنا ليسجلها التأريخ ‪ ..‬وليسري هبا الركبان ‪ ..‬وليعلم اجلميع أن هلذا‬
‫الدين رجاله ‪ ..‬وأن يوم اجلنائز يوم موعود بني أهل احلق وأهل الباطل ‪...‬‬
‫وليعلم املسلمون أمجع أنه لن يصلح أمر هذه األمة إال مبا صلح أوهلا ‪..‬‬
‫وهذه األمة بفضل هللا أمة معطاء ‪ ..‬اخلري فيها كثري ال ينقطع ‪ ..‬واجلهاد فيها ابق إىل قيام يوم‬
‫القيامة ومن لوازم بقاء اجلهاد بقاء أهله و(اخليل معقود ِف نواصيها اخلري إىل يوم القيامة) ‪ ..‬وكلما‬
‫سيد ‪ ..‬فهي أمة ولود وأرحام النساء فيها مل ولن تعقم‪.‬‬
‫مات سيد جاء ُ‬
‫فإىل هذه املشاهد أنقلكم ‪ ..‬وعن هذا اليوم أحدثكم ‪. .‬‬
‫أفواج السيارات تدفقت إىل حي اخلليج من كل مكان‪.‬‬
‫منذ وقت مبكر لوحظ تواجد املصلني ِف املسجد‪.‬‬
‫الكثري من العلماء وطلبة العلم وحميب الشيخ قدموا من كل مكان إىل مدينة بريدة ألداء الصالة‬
‫على الشيخ‪.‬‬
‫السيارات مألت مداخل احلي وشوارعه‪.‬‬

‫‪1116‬‬
‫مشهد مهيب للجموع وهي تسارع اخلطى للوصول إىل جامع حي اخلليج ِف مدينة بريدة ‪،‬‬
‫صاحب أحد املنازل الكبرية للمنزل ابب من األمام وابب من اخللف فتح أبواب منزله ليعرب‬
‫الناس إىل املسجد‪.‬‬
‫امتأل املسجد بطابقية وفنائه ابملصلني حىت غص هبم‪.‬‬
‫امتألت الشوارع احمليطة ابملسجد والشوارع القريبة من املسجد واألراضي الفضاء ابملصلني‪.‬‬
‫بعض أصحاب املنازل فتح أبوابه للصالة ِف فناء املنزل‪.‬‬
‫أم املصلني فضيلة الشيخ الدكتور صاحل بن دمحم الونيان حفظه هللا‬
‫ذهبت اجلموع الكبرية ِف منظر مهيب إىل مقربة (املوطا) غرب بريدة ‪ ،‬وأكثرهم بل جلهم مشياً‬
‫على األقدام‪.‬‬
‫اصطف املئات على جنبات الطريق املقابل للمقربة‪.‬‬
‫امتألت سطوح املباين حتت اإلنشاء املقابلة للمقربة‪.‬‬
‫أتخر وصول جنازة الشيخ للمقربة‪.‬‬
‫بعض العلماء وصل مبكراً إىل املقربة ووقف منتظراً وصول اجلنازة‪.‬‬
‫األعداد اليت حضرت لتصلي على الشيخ ِف املقربة كبرية جداً وكان تواجدها ِف املقربة مبكراً‪.‬‬
‫صلي على الشيخ ِف الشارع القريب من املقربة وِف املقربة أكثر من مرة !‬
‫قام البعض ابلنزول إىل املقربة من فوق األسوار‪.‬‬
‫تزاحم الناس تزامحاً شديداً للوصول إىل نعش الشيخ ومحله‪.‬‬
‫الزحام عند قرب الشيخ ال يوصف‪.‬‬
‫أحداث سريعة متر وال ميكن رصدها‪.‬‬
‫العلماء وطلبة العلم تقبلوا العزاء قبل وصول اجلنازة وبعدها‪.‬‬
‫أجواء حزينة ختيم على أقارب الشيخ رمحه هللا وعلى العلماء وطلبة العلم‪.‬‬
‫فضيلة الشيخ علي بن خضري اخلضري حفظه هللا كان ِف وسط دائرة كبرية من املعزين ورغم وقاره‬
‫وصربه إال أن اإلجهاد والتعب واضح عليه‪.‬‬
‫فضيلة الشيخ الدكتور انصر بن سليمان العمر حفظه هللا ذهب به بعيداً عن مكان القرب بشق‬
‫االنفس من كثرة الناس حوله خوفاً من اإلجهاد‪.‬‬
‫فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة حفظه هللا كان هادائً صابراً والناس أتتيه وتعزيه وهو ال‬
‫يستقر ِف مكان واحد‪.‬‬

‫‪1117‬‬
‫فضيلة الشيخ العالمة عبد هللا بن عبد الرمحن اجلربين أحاطت به اجلموع من كل مكان والغبار‬
‫ميأل األنوف ولكن الشيخ أىب أن خيرج حىت يشارك ِف دفن الشيخ اإلمام‪.‬‬
‫العلماء وطلبة العلم الذين حضروا ال يعدون من كثرهتم‪.‬‬
‫مت رصد اجلموع الكبرية بواسطة الفيديو‪.‬‬
‫ازدمحت شبكة اهلاتف اجلوال ‪ ..‬وكان نتيجة حماولة االتصال (الشبكة مشغولة) ‪.‬‬
‫اجلموع كانت كبرية جداً‪.‬‬
‫ومشاهدات أخرى ‪ ..‬لعل غريي يسجلها لكم ‪.‬‬
‫اللهم ارحم شيخنا ووالدان وارفع درجته ِف املهديني واخلفه ِف عقبه ِف الغابرين وبلغه منازل‬
‫الصديقني والشهداء والصاحلني وامجعنا به ِف الفردوس العالية من اجلنة واغفر لنا وله اي رب‬
‫العاملني‪.‬‬
‫اللهم صلي وسلم على نبينا دمحم ‪.‬‬

‫‪1118‬‬
‫الفهرس‬
‫مقدمة‪9.....................................................................................‬‬
‫_______________‬
‫لقاء مع فضيلة الشيخ العالمة محود بن عقالء الشعييب‬
‫مولد فضيلة الشيخ ونشأته‪1....................................................................‬‬
‫زمالء الشيخ ِف التدريس‪1.....................................................................‬‬
‫من تالميذ الشيخ‪1............................................................................‬‬
‫طريقة التدريس عند الشيخ دمحم بن إبراهيم‪1......................................................‬‬
‫االختصاص ابلشيخني دمحم ابن إبراهيم و دمحم آمني الشنقيطي‪1....................................‬‬
‫طريقة احلفظ‪٧................................................................................‬‬
‫طريقة تدريس الشيخ محود للطالب ِف اجلامعة‪٧..................................................‬‬
‫البحوث واملؤلفات للشيخ‪٧....................................................................‬‬
‫املناظرات العلمية‪2............................................................................‬‬
‫مناقشة الشيخ محود مع الشيخ الشنقيطي حول اجملاز ِف القرآن‪44..................................‬‬
‫كلمة توجيهية‪49.............................................................................‬‬
‫_______________‬
‫السرية ذاتية لسماحة الشيخ محود بن عقالء الشعييب‬
‫مقدمة‪45....................................................................................‬‬
‫نبدأ ابحلديث معكم اي فضيلة الشيخ ونود أن حتدثوننا عن نسبكم ومولدكم ونشأتكم ‪41.............‬‬
‫هل كان لوالدكم ‪-‬رمحه هللا‪ -‬أثر ِف تربيتكم‪41...................................................‬‬
‫شيخكم ِف الكتاب لو حدثتموان عنه‪41........................................................‬‬
‫ما هي طريقة الدراسة ِف الكتاب‪41............................................................‬‬
‫هل تذكرون بعض زمالئكم ِف الكتاب ممن طلب العلم وبرز‪4٧....................................‬‬
‫هل تذكر أحداً ممن زاملكم ِف الدراسة وبرز على الشيخ دمحم بن إبراهيم والشيخ عبد اللطيف‪4٧.......‬‬
‫ما هي طريقة الدراسة على الشيخ دمحم‪4٧.......................................................‬‬
‫هل الطالب الذين درسوا ِف املعهد هم أنفسهم الذين التحقوا ابملعهد‪42............................‬‬
‫لو تذكرون لنا حفظكم هللا بعض من درسكم ِف تلك الفرتة‪42.....................................‬‬
‫لو تذكرون لنا بعضاً ممن تتلمذ على يديكم ِف تلك الفرتة سواء ِف الكلية أو املعهد؟‪9٧...............‬‬

‫‪1119‬‬
‫هل أشرفتم على رسائل للماجستري والدكتوراه‪94..................................................‬‬
‫هل شاركتم ِف تقومي أعمال بعض املشايخ لرتقيتهم‪99.............................................‬‬
‫مىت كان اشتغالكم ابحملاماة؟‪94.................................................................‬‬
‫سنذكر لكم أمساء بعض املشائخ وحنب معرفة اتصالكم هبم‪91......................................‬‬
‫وملاذا هذه العناية ابلدراسة على الشيخ الشنقيطي ابلذات؟‪95.....................................‬‬
‫مسعنا أن الشيخ عندما جاء للحج مل يكن على عقيدة أهل السنة فهل هذا صحيح ؟ وكيف انتقل‬
‫إلعتقاد أهل السنة ؟‪91.......................................................................‬‬
‫هل كان لكم إهتمام ابألدب واللغة عموما والشعر على وجه اخلصوص ؟‪91........................‬‬
‫لو حدثتموان عن مؤلفاتكم؟‪91.................................................................‬‬
‫ما رأيكم ‪ -‬رعاكم هللا‪ِ -‬ف االنتساب للجماعات اإلسالمية؟‪91...................................‬‬
‫ما رأيكم ِف الدخول ِف الربملاانت ؟‪9٧..........................................................‬‬
‫مساحة الشيخ محود العقالء الشعييب زكيتم حكومة طالبان اإلسالمية تزكية مطلقة ؟‪9٧................‬‬
‫بعض الناس قد يقع ِف كفر ويعتذر أنه خيشى من اإلكراه‪ ،‬فما الفرق بني اإلكراه وخوف اإلكراه؟‪92...‬‬
‫بعض حكومات الدول اإلسالمية تقول لو طبقنا الشريعة خنشى أن نقتل أو نقاتل فهل هذا عذر ِف ترك‬
‫تطبيق الشريعة واستبداهلا ابلقوانني؟‪92...........................................................‬‬
‫ما حكم ترك حتكيم الشريعة ؟‪4٧...............................................................‬‬
‫ما حكم ترك اجلهاد الذي نراه ِف هذا الزمان واهتام اجملاهدين أهنم إرهابيون ؟‪44.....................‬‬
‫_______________‬
‫ريناس النبالء يف سرية شيخنا العقالء‬
‫مقدمة‪44....................................................................................‬‬
‫مولد الشيخ ونسبه ونشأته‪45..................................................................‬‬
‫بداية طلبه للعلم‪45...........................................................................‬‬
‫انتقاله إىل الرايض‪45..........................................................................‬‬
‫مالزمته للشيخ دمحم بن إبراهيم رمحه هللا‪41........................................................‬‬
‫مالزمته للشيخ دمحم األمني الشنقيطي رمحه هللا‪41.................................................‬‬
‫التحاقه ابملعهد وكلية الشريعة‪42................................................................‬‬
‫مشاخيه‪42...................................................................................‬‬
‫بعد خترجه من كلية الشريعة‪42.................................................................‬‬
‫ميوله لتدريس اللغة العربية‪42...................................................................‬‬

‫‪1121‬‬
‫اهتمامه بطالبه‪1٧............................................................................‬‬
‫تالمذته‪19...................................................................................‬‬
‫مؤلفاته‪14....................................................................................‬‬
‫قوته ِف احلق ورابطة جأشه‪11..................................................................‬‬
‫مبايعة امللك فيصل بن عبد العزيز‪11............................................................‬‬
‫عبادته‪1٧....................................................................................‬‬
‫الشيخ رمحه هللا وقضااي املسلمني وأخبارهم‪12....................................................‬‬
‫مواقف املخالفني مع الشيخ‪12.................................................................‬‬
‫أحواله اخلاصة ِف بيته ومزرعته‪5٧...............................................................‬‬
‫أبناء الشيخ‪59................................................................................‬‬
‫وفاته رمحه هللا‪59..............................................................................‬‬
‫_______________‬
‫ترمجة الشيخ يف كتاب روضة الناظرين يف مآثر علماء جند‪55..............................‬‬
‫_______________‬
‫ترمجة الشيخ يف كتاب احلنابلة خالل ثالثة عشرة قرن‪51.................................‬‬
‫_______________‬
‫يقول الشيخ صاحل الصيخان عن العالمة محود‪5٧.........................................‬‬
‫_______________‬
‫شيوخه وتالميذه‪14...........................................................................‬‬
‫_______________‬
‫أهم أعماله ووظائفه‪14.......................................................................‬‬
‫_______________‬
‫من جهود ومشاركات الشيخ محود رمحه هللا‪14.................................................‬‬
‫_______________‬
‫بعض الرسائل اجلامعية اليت أشرف عليها فضيلة الشيخ محود رمحه هللا‪11........................‬‬
‫_______________‬
‫آاثر الشيخ محود بن عقالء الشعييب املفقودة‪12................................................‬‬
‫_______________‬
‫شرح شروط ال رله رال هللا‬

‫‪1121‬‬
‫مقدمة‪19....................................................................................‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬معىن اإلله‪14...................................................................‬‬
‫الفصل الثاين ‪ :‬أركان ال إله إال هللا‪15...........................................................‬‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬إعراب ال إله إال هللا‪11.........................................................‬‬
‫الفصل الرابع ‪ :‬شروط ال إله إال هللا‪1٧..........................................................‬‬
‫الشرط األول العلم مبعناها نفيا وإثبا ًات‪12.........................................................‬‬
‫الشرط الثاين اليقني املناِف للشك‪٧٧.............................................................‬‬
‫الشرط الثالث القبول املناِف للرد‪٧4.............................................................‬‬
‫ظاهرا وابطنًا‪٧4.................................................‬‬
‫الشرط الرابع االنقياد والتسليم هلا ً‬
‫الشرط اخلامس الصدق فيها املناِف للكذب‪٧9...................................................‬‬
‫الشرط السادس اإلخالص املناِف للشرك‪٧4......................................................‬‬
‫الشرط السابع احملبة املنافية للكراهية‪٧4..........................................................‬‬
‫الشرط الثامن الكفر ابلطاغوت‪٧5..............................................................‬‬
‫الشرط التاسع املوت عليها‪٧1..................................................................‬‬
‫مسألة‪٧1....................................................................................‬‬
‫_______________‬
‫خمتصر عقيدة أهل السنة واجلماعة‬
‫مقدمة‪٧1....................................................................................‬‬
‫ابب اإلميان يزيد وينقص ‪٧٧...................................................................‬‬
‫ابب اإلميان ابهلل‪٧2...........................................................................‬‬
‫ابب اإلميان ابملالئكة‪2٧.......................................................................‬‬
‫وظائف املالئكة‪29...........................................................................‬‬
‫ابب اإلميان ابلكتب‪24........................................................................‬‬
‫ابب اإلميان ابلرسل واألنبياء‪21.................................................................‬‬
‫ابب اإلميان ابليوم اآلخر‪25....................................................................‬‬
‫ابب اإلميان خبروج املهدي‪25..................................................................‬‬
‫ابب اإلميان خبروج الدجال‪21..................................................................‬‬
‫ابب اإلميان بن زول عيسى عليه السالم‪21........................................................‬‬
‫ابب اإلميان خبروج أيجوج ومأجوج‪21...........................................................‬‬

‫‪1122‬‬
‫ابب اإلميان خبروج الدابة‪21....................................................................‬‬
‫ابب اإلميان بطلوع الشمس من مغرهبا‪21........................................................‬‬
‫ابب اإلميان بفتنة القرب وعذابه ونعيمه‪21........................................................‬‬
‫ابب اإلميان ابلنفخ ِف الصور‪22................................................................‬‬
‫ابب اإلميان ابلبعث واحلشر‪22.................................................................‬‬
‫ابب اإلميان ابحلساب‪4٧٧.....................................................................‬‬
‫ابب اإلميان ابمليزان‪4٧٧.......................................................................‬‬
‫ابب اإلميان ابلصراط‪4٧4.....................................................................‬‬
‫ابب اإلميان ابحلوض‪4٧4......................................................................‬‬
‫ابب اإلميان ابلشفاعة‪4٧9.....................................................................‬‬
‫ابب اإلميان ابجلنة‪4٧4........................................................................‬‬
‫ابب اإلميان ابلنار‪4٧1........................................................................‬‬
‫ابب اإلميان ابلقدر‪4٧1.......................................................................‬‬
‫ونؤمن أبن اإلميان ابلقدر على أربع مراتب‪4٧5...................................................‬‬
‫ابب اإلميان برؤية املؤمنني رهبم يوم القيامة‪4٧1...................................................‬‬
‫ابب اإلميان ابحلكم مبا أنزل هللا‪4٧1............................................................‬‬
‫ابب اإلميان بصفات هللا عز وجل‬
‫اإلميان ابلوجه‪4٧٧............................................................................‬‬
‫اإلميان ابليد‪4٧٧.............................................................................‬‬
‫اإلميان أبصابع هللا تعاىل‪4٧2...................................................................‬‬
‫اإلميان بكالم هللا تعاىل‪4٧2....................................................................‬‬
‫اإلميان ابلعلو والفوقية‪44٧.....................................................................‬‬
‫اإلميان ابالستواء على العرش‪44٧...............................................................‬‬
‫اإلميان ابلعينني‪444...........................................................................‬‬
‫اإلميان ابلغضب‪449..........................................................................‬‬
‫اإلميان ابلضحك‪449.........................................................................‬‬
‫اإلميان ابحلب والرضا‪449.....................................................................‬‬
‫اإلميان بصفيت السخط والكراهية هلل تعاىل‪444...................................................‬‬
‫اإلميان ابلنفس‪441...........................................................................‬‬

‫‪1123‬‬
‫اإلميان ابلنزول واإلتيان واجمليء‪441.............................................................‬‬
‫اإلميان ابلقدرة‪445...........................................................................‬‬
‫اإلميان ابإلرادة واملشيئة‪445....................................................................‬‬
‫اإلميان ابلعجب‪441..........................................................................‬‬
‫اإلميان ابلسمع والبصر‪441....................................................................‬‬
‫اإلميان ابلعلم‪441.............................................................................‬‬
‫اإلميان ابملعية‪44٧............................................................................‬‬
‫ابب مسائل ِف التكفري‪44٧...................................................................‬‬
‫ابب مواالة املؤمنني من اإلميان‪442.............................................................‬‬
‫ابب معاداة الكافرين من اإلميان‪49٧............................................................‬‬
‫ابب اإلميان بكرامات األولياء‪494..............................................................‬‬
‫ابب من اإلميان حمبة آل البيت وصحابة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪494.......................................‬‬
‫ابب اإلميان ابلوعد والوعيد‪499................................................................‬‬
‫ابب من اإلميان‪494..........................................................................‬‬
‫_______________‬
‫الرباهني املتظاهرة على حتمية اإلميان ابهلل واليوم اآلخر‬
‫مقدمة‪491..................................................................................‬‬
‫اإلميان ابهلل‪495..............................................................................‬‬
‫إثبات وجود اخلالق عن طريق التأمل ِف خملوقاته‪491..............................................‬‬
‫عجز الطبيعة عن اإلبداع واخللق‪49٧...........................................................‬‬
‫الصدفة ال ختلق‪444..........................................................................‬‬
‫حدوث الكائنات برهان قاطع على وجود اخلالق‪441.............................................‬‬
‫ما جيب هلل من صفات الكمال‪445............................................................‬‬
‫منهج السلف ِف أمساء هللا وصفاته‪441.........................................................‬‬
‫اجلهمية‪441.................................................................................‬‬
‫املعتزلة‪441...................................................................................‬‬
‫األشاعرة والكالبية واملاتريدية‪44٧...............................................................‬‬
‫املشبهة‪442..................................................................................‬‬
‫اإلميان ابملعاد‪41٧............................................................................‬‬

‫‪1124‬‬
‫البعث‪419...................................................................................‬‬
‫طريقة القرآن الكرمي ِف إثبات البعث والرد على منكريه‪414........................................‬‬
‫مذاهب الناس ِف البعث واجلزاء يوم القيامة‪411..................................................‬‬
‫مواقف القيامة‪41٧...........................................................................‬‬
‫الصراط‪41٧..................................................................................‬‬
‫اختالف املفسرون ِف معىن الورود‪412..........................................................‬‬
‫عقائد الناس ِف الصراط‪45٧...................................................................‬‬
‫امليزان‪454...................................................................................‬‬
‫هل الوزن لألعمال أو للصحائف‪454..........................................................‬‬
‫اجلنة والنار‪451...............................................................................‬‬
‫اجلنة والنار موجوداتن اآلن‪451................................................................‬‬
‫خالف املعتزلة ِف وجود اجلنة والنار قبل يوم القيامة‪455..........................................‬‬
‫مناقشة أدلة املعتزلة‪451.......................................................................‬‬
‫خلود اجلنة والنار وآراء الناس ِف ذلك‪451......................................................‬‬
‫مقدمات اليوم اآلخر‬
‫أشراط الساعة‪452............................................................................‬‬
‫أقسام أشراط الساعة‪414......................................................................‬‬
‫‪ -4‬املهدي‪414..............................................................................‬‬
‫‪ -9‬الدجال‪419.............................................................................‬‬
‫‪ -4‬نزول عيسى ابن مرمي عليه السالم‪414......................................................‬‬
‫‪ -1‬أيجوج ومأجوج‪414......................................................................‬‬
‫‪ -5‬دابة األرض‪411..........................................................................‬‬
‫‪ -1‬طلوع الشمس من مغرهبا‪415..............................................................‬‬
‫‪ -1‬الدخان‪411.............................................................................‬‬
‫الربزخ‪411...................................................................................‬‬
‫‪ 4‬سؤال امللكني ِف القرب‪411..................................................................‬‬
‫‪ 9‬عذاب القرب ونعيمه‪41٧....................................................................‬‬
‫الروح وحقيقتها‪41٧...........................................................................‬‬
‫اخلالف ِف حدوث الروح‪414.................................................................‬‬

‫‪1125‬‬
‫مناقشة أدلة القائلني بقدم الروح‪414............................................................‬‬
‫اخلالف ِف سبق الروح للبدن ِف احلدوث أو أتخرها عنه‪411......................................‬‬
‫مناقشة األدلة‪411............................................................................‬‬
‫الفرق بني الروح والنفس‪415...................................................................‬‬
‫هل متوت الروح أو املوت خاص ابلبدن‪411.....................................................‬‬
‫مناقشة األدلة‪411............................................................................‬‬
‫الرأي الثاين ِف هذه املسألة‪411................................................................‬‬
‫خامتة‪41٧...................................................................................‬‬
‫مراجع‪4٧٧...................................................................................‬‬
‫_______________‬
‫شرح العقيدة الطحاوية‬
‫املقدمة‪4٧4..................................................................................‬‬
‫املنهزمون واحلروب الصليبية‪4٧9................................................................‬‬
‫سرية خمتصرة للشيخ محود العقالء الشعييب‪4٧5...................................................‬‬
‫من املآخذ على منت الطحاوية ما يتعلق ابإلميان والكفر‪4٧1.......................................‬‬
‫أقسام التوحيد‪4٧1............................................................................‬‬
‫طريقة املبتدعة ِف تنزيه هللا تعاىل‪4٧٧............................................................‬‬
‫طريقة السلف ِف تنزيه هللا تعاىل‪4٧2............................................................‬‬
‫خالف الناس ِف تسلسل احلوادث‪42٧.........................................................‬‬
‫التفريق بني قول ابن تيمية والفالسفة ِف تسلسل احلوادث‪424.....................................‬‬
‫أقسام الصفات‪429...........................................................................‬‬
‫ابن تيمية حيتج على األشاعرة بدليلهم العقلي‪424................................................‬‬
‫أنواع اإلرادة‪421..............................................................................‬‬
‫قوله ‪ :‬ال تبلغه األوهام وال تدركه األفهام‪425....................................................‬‬
‫قوله ‪ :‬خالق بال حاجة ‪ ،‬رازق بال مؤونة‪421....................................................‬‬
‫طريقة السلف ِف تفسري ( ليس كمثله شيء ‪421.............................................)..‬‬
‫طريقة السلف ِف إثبات صفات الكمال‪42٧....................................................‬‬
‫طبقات القدرية‪422...........................................................................‬‬
‫قوله ‪ :‬وقدر هلم أقداراً وضرب هلم آجاالً‪422....................................................‬‬

‫‪1126‬‬
‫اإلرادة واملشيئة نوعان‪9٧٧.....................................................................‬‬
‫مشيئة العبد والرد على اجلربية‪9٧4..............................................................‬‬
‫أنواع اهلداية‪9٧4..............................................................................‬‬
‫مناظرة عبداجلبار اهلمذاين لالسفرائيين‪9٧9.......................................................‬‬
‫الفرق بني الرسول والنيب‪9٧1...................................................................‬‬
‫األمجاع على أن دمحم ملسو هيلع هللا ىلص خامت األنبياء وكفر من إدعى النبوة‪9٧1...................................‬‬
‫حديث ( سيكون ِف أميت كذابون ثالثون ) للحصر‪9٧5..........................................‬‬
‫الرد على املعتزلة ِف نفيهم كرامات األولياء‪9٧5...................................................‬‬
‫مذاهب الناس ِف كالم هللا سبحانه‪9٧1.........................................................‬‬
‫اخلالف بني األشاعرة والكالبية واملاتريدية خالف لفظي‪9٧1......................................‬‬
‫هل األشاعرة األقرب إىل أهل السنة ‪ ،‬وتعليق الشيخ ‪944.........................................‬‬
‫إثبات األشاعرة للصفات السبع على غري طريقة أهل السنة‪949....................................‬‬
‫رؤية هللا يوم القيامة‪949.......................................................................‬‬
‫رؤية هللا ِف املنام وتوجيه الشيخ محود لكالم ابن تيمية‪945........................................‬‬
‫هل اختلف السلف ِف املعتقد‪945.............................................................‬‬
‫خمالفة املؤولة ألهل اللغة ِف معىن قوله تعاىل ( إىل رهبا انظرة )‪941.................................‬‬
‫قول الطحاوي ( وتفسريه على ما أراده هللا ) ومالحظة الشيخ محود‪941............................‬‬
‫أقسام املفوضة‪94٧...........................................................................‬‬
‫هل كيفيات الصفات من املتشابه‪942..........................................................‬‬
‫احلكمة والتعليل‪99٧..........................................................................‬‬
‫التأويل ِف أصول الدين ال يقبل‪994............................................................‬‬
‫مل يثبت لفظ نفي التشبيه ِف الكتاب والسنة‪999.................................................‬‬
‫جواز وصف هللا ابلفرد والفردانية من ابب اإلخبار‪999............................................‬‬
‫مالحظة الشيخ على قول الطحاوي ‪ ( :‬تعاىل عن احلدود والغاايت ‪994....................... )..‬‬
‫الكالم ِف اجلسم واجلهة والتحيز‪994............................................................‬‬
‫اإلسراء واملعراج‪991...........................................................................‬‬
‫هل اإلسراء واملعراج كان يقظة أم مناما‪995......................................................‬‬
‫تضعيف رواية شريك ِف املعراج‪991............................................................‬‬
‫احلوض و الكوثر‪991.........................................................................‬‬

‫‪1127‬‬
‫أنواع الشفاعة‪99٧............................................................................‬‬
‫امليثاق هو ما أودعه هللا ونصبه من الدالئل والرباهني‪949..........................................‬‬
‫مراتب القضاء والقدر‪944.....................................................................‬‬
‫افرتاق الناس ِف القضاء والقدر‪941.............................................................‬‬
‫نشأة بدعة القدر‪941.........................................................................‬‬
‫القدرية ال يرون النصوص حجة على مسائل املعتقد‪941..........................................‬‬
‫اخلالق ِف اللغة له عدة اطالقات‪941...........................................................‬‬
‫قوله ‪ :‬وكل ميسر ملا خلق له‪94٧...............................................................‬‬
‫اجلربية الطائفة اإلبليسية‪942...................................................................‬‬
‫اخلامتة هي مناط السعادة والشقاوة‪942.........................................................‬‬
‫القضاء والقدر مرتادفان‪91٧...................................................................‬‬
‫أول واجب على املكلف‪914..................................................................‬‬
‫كفر من رد حكم الكتاب‪919.................................................................‬‬
‫تعريف العلم املفقود والعلم املوجود‪919..........................................................‬‬
‫أيهما خلق أوال ‪ :‬العرش أم القلم‪914...........................................................‬‬
‫األلباين مل يفهم مقصود ابن تيمية ِف مسألة بدء اخللق‪911........................................‬‬
‫اإلميان أبن هللا كتب القضاء والقدر ِف اللوح احملفوظ‪911.........................................‬‬
‫نفاة القدر كأهنم خياصمون هللا‪911.............................................................‬‬
‫معتقد أهل السنة ِف العرش‪91٧................................................................‬‬
‫صفة اخللة والرد على منكريها‪912..............................................................‬‬
‫ردا على املعتزلة ‪ :‬ليس كل كالم حيتاج إىل لسان وأسنان‪954......................................‬‬
‫اجلواب على قول الشاعر ‪ :‬إن الكالم لفي الفؤاد‪959............................................‬‬
‫دمحم عبده وأتويله للمالئكة أبهنم قوى‪954.......................................................‬‬
‫أيهما أفضل املالئكة أم صاحل البشر‪951........................................................‬‬
‫الفرق بني النيب والرسول‪955...................................................................‬‬
‫التفريق بني املعجزة والكرامة واخلارق الشيطاين‪951...............................................‬‬
‫هل يوصف النيب ابلعبقري‪951.................................................................‬‬
‫رجل واحد يتحدى أمة‪951...................................................................‬‬
‫اإلميان ابلكتب املنزلة إمجاالً وما نزل على دمحم ملسو هيلع هللا ىلص تفصيالً‪95٧....................................‬‬

‫‪1128‬‬
‫اإلميان ابلنسخ األحكام والفرق بينها وبني التخصيص‪952........................................‬‬
‫ليس كل من أدى أركان اإلسالم صار مسلما دائما‪91٧..........................................‬‬
‫من حكم القوانني الوضعية فهو كافر حىت لو صام وصلى‪914.....................................‬‬
‫كل حكام املسلمني حيكمون ابلقانون‪914......................................................‬‬
‫الكالم على حماكم فض املنازعات التجارية‪914..................................................‬‬
‫مسمى اإلميان عند أيب حنيفة هو التصديق فقط‪914.............................................‬‬
‫القول عند األحناف ركن لكن ليس من اإلميان‪914..............................................‬‬
‫اإلسالم تعريفه ِف اللغة والشرع‪919.............................................................‬‬
‫ذم اخلوض ِف ذات هللا والنهي عن اجلدال ابلباطل‪914...........................................‬‬
‫مذاهب الناس ِف معىن أن القرآن كالم هللا‪915..................................................‬‬
‫مناظرة الكناين للمريسي عند املأمون‪911........................................................‬‬
‫اختالف الناس ِف كالم هللا‪911................................................................‬‬
‫خالف الناس ِف التكفري ابلكبرية‪912...........................................................‬‬
‫األصول اخلمسة عند املعتزلة‪91٧...............................................................‬‬
‫الرد على املعتزلة ِف نفيهم الشفاعة‪914.........................................................‬‬
‫معىن اخلزي ِف قوله تعاىل ( فقد أخزيته ) أي سببت له اخلجل‪914................................‬‬
‫أحوال مرتكب الكبرية عند أهل السنة‪914......................................................‬‬
‫طبقات املرجئة‪919...........................................................................‬‬
‫اتفاق الصحابة على جلد قدامة بن مظعون مع كونه متأوال‪919...................................‬‬
‫اإلميان عند الطحاوي يضعف لكن ال ينقص‪914................................................‬‬
‫اخلالف ِف تعلق الثواب والعقاب ابلعمل‪914....................................................‬‬
‫الشهادة للمعني ابجلنة أو النار ال يكون إال ابلنص‪911...........................................‬‬
‫مالحظة الشيخ على الطحاوي ِف مسألة كفر اجلحود‪912........................................‬‬
‫اختالف الطوائف ِف مسمى اإلميان‪9٧٧........................................................‬‬
‫العطف ال يقتضي املغايرة دائما‪9٧4............................................................‬‬
‫حقيقة اإلميان شرعا ووجه ارتباطه لغة‪9٧9.......................................................‬‬
‫األحناف يقيد إرجاؤهم إبرجاء الفقهاء أو أرجاء أهل السنة‪9٧4...................................‬‬
‫ابن أيب العز حاول أن جيمع بني قول الطحاوي ِف اإلرجاء وأهل السنة‪9٧4.........................‬‬
‫اخلالف بني أهل السنة واألحناف ِف اإلميان خالف معنوي‪9٧4...................................‬‬

‫‪1129‬‬
‫من يقيد الكفر ابالعتقاد فهو مرجئ‪9٧1........................................................‬‬
‫تكفري احملكم للقانون الوضعي والرد على املرجئة‪9٧1..............................................‬‬
‫مالحظة الشيخ على قول الطحاوي ‪ :‬اإلميان واحد وأهله ِف أصله سواء‪9٧1........................‬‬
‫النطق ابللسان عند األحناف ال يدخل ِف اإلميان‪9٧1............................................‬‬
‫إميانك وإميان أيب بكر عند األحناف سواء‪9٧1..................................................‬‬
‫اإلميان عند األحناف يقوى ويضعف لكن ال يزيد وال ينقض‪9٧1..................................‬‬
‫معىن اإلميان ابهلل‪9٧1.........................................................................‬‬
‫اإلميان ابملالئكة‪9٧1..........................................................................‬‬
‫االشتغال ابلتفضيل بني املالئكة وصاحل البشر شغل وقت دون فائدة‪9٧1...........................‬‬
‫حتكيم بعض الشريعة من اإلميان ببعض والكفر ببعض‪9٧٧........................................‬‬
‫تعريف الكبرية وضابطها‪9٧2...................................................................‬‬
‫الشرك األصغر البد فيه من تطهري صاحبه ابلنار‪92٧.............................................‬‬
‫منشأ مذهب اخلوارج واملرجئة‪92٧..............................................................‬‬
‫طريقة تويل اإلمام للحكم‪924..................................................................‬‬
‫حكم الصالة على احلاكم املرتد‪929............................................................‬‬
‫القول الراجح ِف مسألة الصالة خلف اإلمام الفاسق‪929.........................................‬‬
‫سبب ذكر السلف لبعض مسائل الفقه ِف كتب العقائد‪929......................................‬‬
‫احلكم على املعني ابجلنة أو النار وخالف أهل العلم ِف ذلك‪924..................................‬‬
‫احلكم على املعني ابلكفر أو اإلسالم منوط مبا يظهر منه‪925......................................‬‬
‫مىت حيل دم املسلم‪921........................................................................‬‬
‫اخلروج على احلاكم املرتد يكون عند اإلمكان‪921................................................‬‬
‫أئمة اليوم ال أحد منهم ينطبق عليه حديث ( ما أقاموا فيكم الصالة )‪921.........................‬‬
‫اطالقات السنة لغة‪921.......................................................................‬‬
‫الكثرة غالبا تكون خبالف الصواب‪92٧.........................................................‬‬
‫جذور البدع وجدت ِف زمن النبوة‪922..........................................................‬‬
‫بغض اإلمام ال يفهم منه اخلروج عليه‪4٧٧.......................................................‬‬
‫املسح على اخلفني وسبب إدخال السلف له ِف املعتقد‪4٧4.......................................‬‬
‫وجوب اجلهاد مع كل إمام براًكان أو فاجراً‪4٧9.................................................‬‬
‫اجلهاد ركن من أركان اإلسالم‪4٧4..............................................................‬‬

‫‪1131‬‬
‫حاالت وجوب اجلهاد على األعيان‪4٧4........................................................‬‬
‫مجاعة التبليغ ‪ ،‬ومؤامرات االجنليز للوقوف ضد اجلهاد‪4٧4........................................‬‬
‫املالئكة الكاتبني واملالئكة احلفظة‪4٧5..........................................................‬‬
‫قوله ‪( :‬يتعاقبون فيكم مالئكة )‪ .‬ولغة أكلوين الرباغيث‪4٧1.......................................‬‬
‫اجلمع بني قوله تعاىل (هللا يتوىف األنفس) وقوله (قل يتوفاكم ملك املوت)‪4٧1.......................‬‬
‫داللة الكتاب والسنة على عذاب القرب ونعيمه‪4٧٧...............................................‬‬
‫عذاب القرب يكون للمقبور وغري املقبور‪44٧.....................................................‬‬
‫العذاب والنعيم ِف القرب هل هو للروح أو للجسد أو لكليهما‪44٧..................................‬‬
‫البعث ِف اللغة يطلق على معنيني‪449..........................................................‬‬
‫ذكر خالف الناس ِف البعث بعد املوت‪444.....................................................‬‬
‫األدلة العقلية على البعث بعد املوت‪444........................................................‬‬
‫قوله تعاىل ( الذي جعل لكم من الشجر األخضر انرا ) وعالقتها ابلبعث‪441.......................‬‬
‫السبب ِف تكرار القرآن ألدلة اإللوهية والبعث‪441...............................................‬‬
‫الرد على شبهة الفالسفة ِف أن غري دمحم من األنبياء مل يتكلم ِف البعث‪441.........................‬‬
‫اجلزاء يوم القيامة على ثالثة أنواع‪44٧...........................................................‬‬
‫قوله ( وقراءة الكتاب )‪442...................................................................‬‬
‫مسألة ارتباط الثواب ابلعمل ومذاهب الناس ِف ذلك‪49٧........................................‬‬
‫اختالف السلف ِف وصف الصراط‪494........................................................‬‬
‫تفسري قوله تعاىل ( وإن منكم إال واردها ) وان الراجح عدم دخوهلا‪499............................‬‬
‫إيراد املعتزلة لشبهتني ِف إنكار امليزان واجلواب عليهما‪499.........................................‬‬
‫الوزن يوم القيامة للعمل والعامل والصحف‪494..................................................‬‬
‫كالم الشيخ حول اختصاره شرحه منت الطحاوية‪491............................................‬‬
‫تعريف اجلنة والشواهد اللغوية‪491..............................................................‬‬
‫تعريف جهنم لغة وأن أصلها فارسي‪491........................................................‬‬
‫اجلواب على شبه املعتزلة ِف إنكارهم وجود اجلنة والنار‪491........................................‬‬
‫فناء النار واجلنة ومذاهب الناس‪44٧............................................................‬‬
‫رأي ابن تيمية وابن القيم رمحهما هللا ِف فناء النار‪444............................................‬‬
‫القول بفناء النار مسألة اجتهادية‪449...........................................................‬‬
‫االستطاعة عند أهل السنة ومىت تكون‪444......................................................‬‬

‫‪1131‬‬
‫خلق أفعال العباد وخالف الناس ‪441..........................................................‬‬
‫رد شبهة القدرية إبلزامهم بصفة العلم هلل‪441....................................................‬‬
‫اإلجابة على شبهة املعتزلة ِف تعدد اخلالقني من وجهني‪441.......................................‬‬
‫األدلة السمعية عند أهل الكالم ليست حجة على مسائل األصول‪442............................‬‬
‫مسألة الكسب عند الطحاوي هو فيها على مذهب أهل السنة‪41٧...............................‬‬
‫األشاعرة جربية حمضة‪414.....................................................................‬‬
‫إثبات الكسب ونفي الفعل مستحيل عقال‪414..................................................‬‬
‫اإلجابة على شبهة اجلربية ِف نفي فعل العبد‪419.................................................‬‬
‫تفسري قوله تعاىل ( وما رميت إذ رميت ) وأن هلا معنيني‪414......................................‬‬
‫مالحظة الشيخ على الطحاوي ِف قوله ( وال يطيقون إال ما كلفهم )‪414...........................‬‬
‫اجلواب على مقولة القدرية ِف عجز هللا عن الظلم‪411............................................‬‬
‫قاعدة السلف ِف سؤال عن أفعال هللا‪415......................................................‬‬
‫مسألة إهداء ثواب ال ُقَرب ومذاهب الناس فيها‪411..............................................‬‬
‫الراجح ِف مسألة إهداء ثواب القرب‪41٧........................................................‬‬
‫اجلواب على كالم الفالسفة ِف عدم فائدة الدعاء‪412............................................‬‬
‫إجابة الدعاء له شروط وموانع‪45٧.............................................................‬‬
‫شروع الطحاوي ِف الرد على معطلة الصفات‪459................................................‬‬
‫مذاهب الناس ِف إثبات ونفي الصفات‪459.....................................................‬‬
‫ردا على األشاعرة ‪ :‬إذا كان العقل مل يثبت صفات الفعل فإنه مل ينفيها‪451.........................‬‬
‫املفوضة ليسوا من فرق اإلثبات والنفي للصفات‪455..............................................‬‬
‫املفوضة ليس هلم أتويل سائغ‪455..............................................................‬‬
‫كل الصحابة عدول بتعديل هللا ورسوله هلم‪455..................................................‬‬
‫الناس ِف مسألة مواالة الصحابة على ثالث فرق‪451.............................................‬‬
‫خالفة أيب بكر كانت ابالختيار واالنتخاب‪45٧.................................................‬‬
‫ترتيب الصحابة ِف اخلالفة هو الذي يرتتب عليه التضليل وعدمه‪414...............................‬‬
‫الرافضة منافقون‪419..........................................................................‬‬
‫ابن عريب والتلمساين ‪ ..‬يرون أن الويل أفضل من النيب‪414........................................‬‬
‫شروط ثبوت الكرامة لألولياء‪411..............................................................‬‬
‫أنواع كرامة األولياء‪411.......................................................................‬‬

‫‪1132‬‬
‫أقسام أشراط الساعة‪411......................................................................‬‬
‫أحاديث املسيح الدجال تبلغ حد التواتر‪411....................................................‬‬
‫ابن صياد ليس هو املسيح الدجال‪411.........................................................‬‬
‫عيسى بن مرمي عليه السالم ينزل ويبطل القوانني والطواغيت‪411...................................‬‬
‫طلوع الشمس من مغرهبا‪411..................................................................‬‬
‫خروج دابة األرض من موضعها‪411............................................................‬‬
‫اجلواب على شبهة بعض املعاصرين ِف إنكاره أيجوج ومأجوج‪41٧.................................‬‬
‫الدخان من أشراط الساعة‪41٧.................................................................‬‬
‫حترمي تعلم السحر وتعاطيه‪412.................................................................‬‬
‫االتفاق على قتل الساحرة ولو مل يصل سحره إىل الكفر‪41٧......................................‬‬
‫انتهاء اسرتاق السمع‪414......................................................................‬‬
‫معىن قوله ( ونرى اجلماعة حقا وصوااب والفرقة زيغاً وعذاابً )‪419...................................‬‬
‫قول الطحاوي ( دين اإلسالم ) طريقة من طرق احلصر‪414.......................................‬‬
‫حترمي حتكيم شريعة التوراة واإلجنيل‪414..........................................................‬‬
‫الطحاوي يربأ من دين املشبهة واجلهمية واجلربية والقدرية‪411......................................‬‬
‫_______________‬
‫رسالة يف حكم اخلالف يف أصول اإلميان‬
‫تعريف اإلميان ومسلك املرجئة فيه‪415..........................................................‬‬
‫أدلة املرجئة إبختصار‪415.....................................................................‬‬
‫اجلواب عنها‪411.............................................................................‬‬
‫تعريف اإلميان و مسلك مجهور السلف فيه‪411..................................................‬‬
‫نتيجة االختالف مسمى اإلميان‪411............................................................‬‬
‫األصل األول اإلميان ابهلل‪411..................................................................‬‬
‫هنج ابن القيم ِف االستدالل على وجود هللا سبحانه وتعاىل‪41٧....................................‬‬
‫هنج علماء الكالم ِف االستدالل على وجود هللا تعاىل‪41٧........................................‬‬
‫تفاوت املعرتفني ابلصانع‪412..................................................................‬‬
‫تعليق على قول اإلمام مالك ِف االستواء‪412....................................................‬‬
‫أقسام مذاهب الناس ِف الصفات‪4٧٧..........................................................‬‬
‫مذاهب الناس ِف حكم مرتكب الكبرية‪4٧4.....................................................‬‬

‫‪1133‬‬
‫التمسك ابلكتاب والسنة‪4٧9..................................................................‬‬
‫_______________‬
‫حكم القول بفناء النار‪4٧4................................................................‬‬
‫_______________‬
‫صفة العلو وحكم الصالة خلف من أنكرها‬
‫علو هللا سبحانه اثبت ِف الكتاب‪4٧5..........................................................‬‬
‫األحاديث الدالة على علو هللا على خلقه‪4٧1...................................................‬‬
‫العقل يدل على علو هللا‪4٧1...................................................................‬‬
‫حكم من أنكر علو هللا‪4٧1..................................................................‬‬
‫حكم إمامة من ينكر علو هللا‪4٧٧..............................................................‬‬
‫_______________‬
‫الوالء والرباء ووجوب نصرة طالبان وحكم من ظاهر األمريكان عليها‬
‫الوالء ِف اللغة‪4٧2............................................................................‬‬
‫الوالء ِف الشرع‪42٧...........................................................................‬‬
‫الرباء تعريفه لغة‪42٧..........................................................................‬‬
‫الرباء ِف الشرع‪42٧...........................................................................‬‬
‫من زلة الوالء والرباء ِف اإلسالم‪42٧..............................................................‬‬
‫حكم مظاهرة الكفار على املسلمني‪424........................................................‬‬
‫_______________‬
‫نصرة طالبان هلدمهم األواثن‬
‫سؤال وجواب عن مشروعية فعلهم‪421..........................................................‬‬
‫األدلة من كتاب هللا على وجوب كسر األصنام‪421..............................................‬‬
‫ومن سنة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪421...................................................................‬‬
‫سراايه ملسو هيلع هللا ىلص ِف ذلك‪42٧.......................................................................‬‬
‫فعل السلف و من بعدهم وامللوك واجملاهدين‪422.................................................‬‬
‫اإلمجاع‪1٧٧..................................................................................‬‬
‫مث يقال هلؤالء املشككني‪1٧4..................................................................‬‬
‫الرد على من يقول إن احملرم من التماثيل هو ما صنعه املسلمون‪1٧4................................‬‬
‫مث نقول ملن أاثر هذه الشبه على املسلمني‪1٧9...................................................‬‬

‫‪1134‬‬
‫_______________‬
‫بيان للرئيس احلايل ملنظمة املؤمتر اإلسالمي وأعضائه بشأن حتطيم حكومة طالبان‬
‫اإلسالمية لألصنام‪1٧1.....................................................................‬‬
‫_______________‬
‫القول املختار يف حكم االستعانة ابلكفار‬
‫سرية املؤلف‪1٧1.............................................................................‬‬
‫مقدمة‪1٧٧..................................................................................‬‬
‫متهيد‪14٧....................................................................................‬‬
‫تعريف اجلزيرة‪141............................................................................‬‬
‫اجلواب عن هذين الدليلني‪141.................................................................‬‬
‫حكم إقامة اليهود والنصارى واملشركني ِف اجلزيرة العربية‪19٧.......................................‬‬
‫ذكر طرف من أقوال العلماء ِف إجالء اليهود والنصارى من جزيرة العرب‪194.......................‬‬
‫حكم االستعانة ابليهود والنصارى وسائر الكفار‪191.............................................‬‬
‫الوالء تعريفه ِف اللغة‪191......................................................................‬‬
‫منزلة الوالء والرباء ِف اإلسالم‪19٧..............................................................‬‬
‫ومن األحكام الدينية‪145......................................................................‬‬
‫الرباء تعريفه ِف اللغة واالصطالح‪141...........................................................‬‬
‫مكانة الرباء ِف العقيدة اإلسالمية‪141...........................................................‬‬
‫فصل ‪ -‬االستعانة ابلكفار‬
‫أوالً؛ استعانة املسلمني ابلدولة الكافرة على دولة كافرة‪11٧........................................‬‬
‫مناقشة أدلة من جوز االستعانة ابلكفار من العلماء‪111..........................................‬‬
‫اثنياً؛ حكم االستعانة ابلكفار على الدولة املسلمة أو الطائفة املسلمة ‪ -‬كأهل البغي‪151.............‬‬
‫االستعانة ابلكفار يف غري مباشرة القتال‬
‫احلالة األوىل‪ :‬االستعانة هبم ِف األعمال الكتابية واحلسابية واإلدارة وحنو ذلك‪11٧....................‬‬
‫احلالة الثانية‪ :‬استعانة املسلمني ابلكفار ِف اخلدمة‪119............................................‬‬
‫استعانة الدولة املسلمة أبموال الدولة الكافرة وما يرتتب عليه‪119...................................‬‬
‫حكم االستعانة ابلكفار ِف األمور املعنوية‪114...................................................‬‬
‫خامتة‪115...................................................................................‬‬
‫_______________‬

‫‪1135‬‬
‫حكم رقامة اليهود والنصارى يف جزيرة العرب ومتلكهم العقارات واستثمارها‪111........‬‬
‫_______________‬
‫فتوى يف احلاكم الذي حيكم بغري ما أنزل هللا‬
‫األوىل‪ :‬مسألة التشريع‪112....................................................................‬‬
‫الثانية‪ :‬مسألة احلكم‪11٧......................................................................‬‬
‫_______________‬
‫فتوى يف التحاكم رىل القوانني الوضعية‬
‫مقدمة‪119..................................................................................‬‬
‫داللة آية (ومن مل حيكم مبا أنزل هللا فأولئك هم الكافرون)‪114.....................................‬‬
‫اجلواب عن رواية ابن عباس‪( :‬كفر دون كفر)‪114...............................................‬‬
‫انتفاء اإلميان عمن مل حيكم شرع هللا‪114........................................................‬‬
‫سبب نزول آية ﴿ أمل تر إىل الذين يزعمون‪111..............................................)...‬‬
‫بيان أن احملكم للقوانني الوضعية كافر‪115.......................................................‬‬
‫أقوال العلماء واألئمة ِف كفر حمكمي القوانني‪111................................................‬‬
‫_______________‬
‫الرد على افراءات العنربي وبيان فساد أصل مذهبه يف اإلرجاء‬
‫مقدمة‪11٧..................................................................................‬‬
‫االفرتاء األول‪11٧............................................................................‬‬
‫االفرتاء الثاين‪112.............................................................................‬‬
‫االفرتاء الثالث‪1٧٧............................................................................‬‬
‫اجلواب على اإلفرتاءات‪1٧٧...................................................................‬‬
‫افرتاؤه على شيخنا دمحم األمني الشنقيطي‪1٧9....................................................‬‬
‫افرتاؤه على اإلمام ابن كثري‪1٧4................................................................‬‬
‫موقف العلماء من احلكم ابلقوانني الوضعية‪1٧1..................................................‬‬
‫_______________‬
‫كلمة حق يف سيد قطب‪1٧1..............................................................‬‬
‫_______________‬
‫حتذير الشيخ من تكفري مرتكيب املعاصي من املسلمني‪1٧٧................................‬‬
‫_______________‬

‫‪1136‬‬
‫حكم الدعوة رىل وحدة األداين‪12٧.......................................................‬‬
‫_______________‬
‫فتوى يف طائفة النصريية‪124..............................................................‬‬
‫_______________‬
‫فتوى الشيخ محود يف حسن بن فرحان املالكي‬
‫أوالً ‪ :‬طعنه ِف الصحابة‪125...................................................................‬‬
‫اثنياً ‪ :‬عدم إثباته لبعض من الصفات‪121.......................................................‬‬
‫اثلثاً ‪ :‬تركيزه على أن عقيدة أهل السنة صنعها الصراع السياسي‪121...............................‬‬
‫رابعاً ‪ :‬ملزه أئمة أهل السنة‪121................................................................‬‬
‫خامساً ‪ :‬قدحه ِف أئمة احلنابلة‪121............................................................‬‬
‫سادساً ‪ :‬قدحه ِف كتب العقيدة عند أهل السنة‪121.............................................‬‬
‫سابعاً ‪ :‬دفاعه عن أهل البدع والضالل‪121.....................................................‬‬
‫اثمناً ‪ :‬جراءته ِف الكذب على األئمة‪12٧......................................................‬‬
‫اتسعاً ‪ :‬جهله مبعاين احلديث‪12٧..............................................................‬‬
‫عاشراً ‪ :‬أسلوبه ِف كتاابته خبيث‪12٧...........................................................‬‬
‫احلادي عشر ‪ :‬سعيه احلثيث على تشويه حقائق التاريخ‪12٧......................................‬‬
‫الثاين عشر ‪ :‬اهتامه األمة أبهنا مل تقاتل ألجل الدين‪122..........................................‬‬
‫الثالث عشر ‪ :‬لديه تقية وغموض ِف طرحه‪122.................................................‬‬
‫الرابع عشر ‪ :‬تشكيكه للعامة ابحلق‪122........................................................‬‬
‫اخلامس عشر ‪ :‬تعميم خطأ الفرد على اجلميع‪122...............................................‬‬
‫السادس عشر‪ :‬إنكاره لوجود البطل القعقاع بن عمرو‪5٧٧........................................‬‬
‫افرتاؤه على اإلمام دمحم بن عبد الوهاب‪5٧٧......................................................‬‬
‫وبناءً على ما تقدم فإنه يتعني أن يتخذ ىف حقه ما يلي‪5٧4.......................................‬‬
‫_______________‬
‫رسالة نقد (الثمار الشهية)‪5٧4............................................................‬‬
‫_______________‬
‫رسالة نقد حول (الثمار الشهية)‪5٧5......................................................‬‬
‫_______________‬

‫‪1137‬‬
‫رسالة نقد حول (الثمار الشهية)‪5٧1......................................................‬‬
‫_______________‬
‫تسهيل الوصول رىل فهم علم األصول‬
‫مقدمة‪5٧2..................................................................................‬‬
‫أصول الفقه‪54٧..............................................................................‬‬
‫األحكام الشرعية‪549.........................................................................‬‬
‫أقسام احلكم التكليفي‪549....................................................................‬‬
‫أقسام احلكم الوضعي‪545.....................................................................‬‬
‫أقسام الكالم‪541............................................................................‬‬
‫تقسيم الكالم إىل خرب وإنشاء‪54٧.............................................................‬‬
‫تقسيم الكالم إىل حقيقة وجماز‪542.............................................................‬‬
‫أقسام العالقة‪599............................................................................‬‬
‫األمر‪594....................................................................................‬‬
‫احلكم الذي تقتضيه صيغة األمر عند اإلطالق‪591...............................................‬‬
‫األمر ابلشيء أمر به ومبا ال يتم إال به‪595.......................................................‬‬
‫استعمال صيغة األمر ِف غري معناها األصلي‪595.................................................‬‬
‫تكرار املأمور به أو عدم تكراره‪591.............................................................‬‬
‫األمر املطلق يقتضي فعل املأمور به على الفور‪591...............................................‬‬
‫من يدخل ِف خطاب التكليف ومن ال يدخل‪591...............................................‬‬
‫النهي‪59٧...................................................................................‬‬
‫أحوال النهي‪592.............................................................................‬‬
‫اقتضاء النهي فساد املنهي عنه‪592.............................................................‬‬
‫األدلة على اقتضاء النهي الفساد‪54٧...........................................................‬‬
‫العام‪544....................................................................................‬‬
‫نصية النكرة ِف العموم وظهورها فيه‪549........................................................‬‬
‫داللة اللفظ العام واستعماالته‪544..............................................................‬‬
‫عموم حكم اخلطاب اخلاص به ملسو هيلع هللا ىلص‪544........................................................‬‬
‫العربة بعموم اللفظ ال خبصوص السبب‪541.....................................................‬‬
‫احلكم على املفرد حبكم العام ال يسقط عمومه‪541...............................................‬‬

‫‪1138‬‬
‫اخلاص‪545..................................................................................‬‬
‫املخصصات‬
‫التخصيص ابالستثناء‪541.....................................................................‬‬
‫التخصيص ابلشرط‪541.......................................................................‬‬
‫التخصيص ابلصفة‪54٧.......................................................................‬‬
‫التخصيص ابلغاية‪54٧........................................................................‬‬
‫التخصيص ببدل البعض‪542...................................................................‬‬
‫املخصصات املنفصلة‬
‫أوالً‪ :‬التخصيص ابلنص عن الكتاب أو السنة‪542...............................................‬‬
‫اثنيا‪ :‬اإلمجاع‪51٧............................................................................‬‬
‫اثلثًا‪ :‬القياس‪51٧.............................................................................‬‬
‫ابعا‪ :‬احلس‪51٧.............................................................................‬‬
‫رً‬
‫خامسا‪ :‬العقل‪51٧...........................................................................‬‬
‫ً‬
‫أقسام اللفظ من حيث الداللة‪514.............................................................‬‬
‫اجململ واملبني‬
‫أوالً‪ :‬اجململ‪519..............................................................................‬‬
‫اثنيا‪ :‬املبني‪511..............................................................................‬‬
‫أتخري البيان عن وقت احلاجة إليه‪515..........................................................‬‬
‫النسخ‪511...................................................................................‬‬
‫نسخ الرسم واحلكم‪511.......................................................................‬‬
‫النسخ إىل غري بدل‪51٧.......................................................................‬‬
‫النسخ إىل بدل‪51٧...........................................................................‬‬
‫نسخ الكتاب أو السنة بكتاب أو سنة‪512......................................................‬‬
‫نسخ املتواتر واآلحاد مبتواتر وآحاد‪512..........................................................‬‬
‫اإلمجاع‪55٧..................................................................................‬‬
‫دليل حجية اإلمجاع‪554.......................................................................‬‬
‫عصر اإلمجاع‪559............................................................................‬‬
‫هل انقراض عصر اجملمعني شرط ِف انعقاد إمجاعهم أو ال ؟‪559...................................‬‬
‫مثرة اخلالف‪ :‬ينبين على اخلالف ِف هذه املسألة شيئان‪554.......................................‬‬

‫‪1139‬‬
‫مستند اإلمجاع‪554...........................................................................‬‬
‫أقسام اإلمجاع‪554............................................................................‬‬
‫األخبار‪551.................................................................................‬‬
‫تقسيم اخلرب ابعتبار وصفه ابلصدق والكذب‪555................................................‬‬
‫تقسيم اخلرب رىل متواتر وآحاد‬
‫املتواتر‪555...................................................................................‬‬
‫اآلحاد‪551..................................................................................‬‬
‫التعبد أبخبار اآلحاد‪551......................................................................‬‬
‫تقسيم اآلحاد من حيث رواته قلة وكثرة‪551.....................................................‬‬
‫أقسام اآلحاد من حيث القبول أو الرد‪551......................................................‬‬
‫أما األصوليون فإهنم يقسمونه من حيث اتصال السند وانقطاعه رىل قسمني‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬املسند‪55٧..............................................................................‬‬
‫اثنيا‪ :‬املرسل‪55٧.............................................................................‬‬
‫تصرف الراوي ِف نقله للخرب‪51٧...............................................................‬‬
‫الشروط املعتربة ِف الراوي‪51٧..................................................................‬‬
‫صيغ األداء‪514..............................................................................‬‬
‫مراتب ألفاظ الرواية من غري الصحايب‪514.......................................................‬‬
‫أفعال الرسول ملسو هيلع هللا ىلص وتقريراته‬
‫أوالً‪ :‬أفعاله عليه الصالة والسالم‪519...........................................................‬‬
‫اثنيا‪ :‬تقريراته ملسو هيلع هللا ىلص‪514.........................................................................‬‬
‫القياس‪511..................................................................................‬‬
‫أركان القياس‪515.............................................................................‬‬
‫شروط القياس‪515............................................................................‬‬
‫تقسيم القياس‪511............................................................................‬‬
‫تقسيم القياس ابعتبار التصريح ابلعلة وعدمه‪511.................................................‬‬
‫تقسيم العلة ابعتبار جماري االجتهاد فيها‪511....................................................‬‬
‫مسالك العلة‪512............................................................................‬‬
‫ترتيب األدلة‪51٧.............................................................................‬‬
‫الرتجيح‪514.................................................................................‬‬

‫‪1141‬‬
‫االجتهاد والتقليد‬
‫أوالً‪ :‬االجتهاد‪511...........................................................................‬‬
‫اثنيا‪ :‬التقليد‪511.............................................................................‬‬
‫املفيت واملستفيت‪511...........................................................................‬‬
‫آداب املفيت واملستفيت‪51٧.....................................................................‬‬
‫_______________‬
‫بيان عما حصل من لبس يف شروط اإلفتاء‪5٧٧...........................................‬‬
‫_______________‬
‫اإلمامة العظمى‬
‫مقدمة‪5٧4..................................................................................‬‬
‫الفصل األول يف احلالة السياسية يف اجلزيرة العربية قبل اإلسالم‬
‫املبحث األول‪ :‬تقسيم سكان اجلزيرة إىل بدو وحضر‪5٧٧.........................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬الواقع السياسي للقبائل البدوية‪5٧٧...............................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬الواقع السياسي جملتمعات احلضر ِف مكة على وجه اخلصوص‪5٧2..................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬مناصب قريش ِف مكة قبل اإلسالم‪52٧..........................................‬‬
‫نظاما سياسيا قبل اإلسالم‪524.............................‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬مكة املكرمة مل تعرف ً‬
‫املبحث السادس‪ :‬ممالك اجلزيرة العربية قبل اإلسالم‪529...........................................‬‬
‫الفصل الثاين يف نشأة الدولة اإلسالمية‬
‫املبحث األول‪ :‬ظهور الكيان السياسي اإلسالمي‪524............................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬ممارسة الدولة اإلسالمية لوظائفها‪521.............................................‬‬
‫الفصل الثالث يف اإلمامة واخلالفة‬
‫اصطالحا‪525........................................‬‬
‫ً‬ ‫املبحث األول‪ :‬تعريف اإلمامة واخلالفة لغة و‬
‫املبحث الثاين‪ِ :‬ف الفرق بينهما وبني امللك‪521..................................................‬‬
‫الفصل الرابع يف حكم نصب اإلمام األعظم‬
‫املبحث األول‪ :‬وجوب نصب اإلمام‪52٧........................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ِ :‬ف خالف املعتزلة مع اجلمهور ِف حقيقة املقتضي لوجوب نصب اإلمام‪1٧9...........‬‬
‫الفصل اخلامس يف عقد اإلمامة‬
‫املبحث األول‪ :‬صفة العقد‪1٧1................................................................‬‬

‫‪1141‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬طرق تولية اإلمام‬
‫املطلب األول‪ :‬طريقة االختيار‪1٧5.............................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬طريقة العهد‪1٧٧................................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬طريقة القهر والغلبة‪144........................................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬ترجيح طريقة االختيار‪149.......................................................‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬إمامة أيب بكر الصديق‪145....................................................‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬العهد إىل األبناء‪14٧.........................................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬رأي الشيعة يف اإلمامة‪142...................................................‬‬
‫الفصل السادس يف أهل احلل والعقد‬
‫املبحث األول‪ :‬الصفات املعتربة ِف أهل احلل والعقد‪194..........................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬الشروط املعتربة يف اإلمام األعظم‪199..........................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬اإلسالم‪199...................................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الذكورية‪199...................................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬العدالة‪199....................................................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬العلم‪194......................................................................‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬الكفاءة‪191..................................................................‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬النسب القرشي‪191..........................................................‬‬
‫احلكمة ِف اشرتاط القرشية‪195.................................................................‬‬
‫هل جيوز العدول عن قريش ِف عقد اإلمامة‪19٧.................................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬فقدان الشروط عند العقد وبعده‪14٧..........................................‬‬
‫الفصل السابع فـي الـبـيـع ــة‪144...............................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬صفة البيعة ومعناها‪149.......................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬تعدد البيعة ألكثر من رمام‪144.................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬رأي اجلمهور مع أدلته‪141.......................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬رأي املاوردي‪145...............................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬رأي ابن حزم‪141..............................................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬رأي أيب بكر الباقالين‪141.......................................................‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬رأي أيب املعايل اجلويين‪14٧.....................................................‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬مناقشة آراء الكرامية ِف هذه املسألة‪142........................................‬‬

‫‪1142‬‬
‫الفصل الثامن واجبات اإلمام وحقوقه‬
‫املبحث األول‪ :‬واجبات اإلمام‪11٧...........................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مسئولية احلاكم أمام هللا‪11٧.....................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬مسئولية احلاكم أمام األمة‪119....................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬حقوق اإلمام‪111.............................................................‬‬
‫الفصل التاسع تـولـيـات اإلمــام‬
‫املبحث األول‪ِ :‬ف تعريف الوزارة‪111...........................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬تقسيم الوزارة‪11٧...............................................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬وزارة التفويض‪11٧.............................................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬تقليد الوزارة‪154................................................................‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬وزارة التنفيذ‪159..............................................................‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬املقارنة بني وزاريت التفويض والتنفيذ‪151........................................‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬وحدة الوزارة‪151..............................................................‬‬
‫الفصل العاشر القيم السياسية يف نظام الدول اإلسالمية‪155....................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬الشورى يف اإلسالم‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف الشورى‪151.............................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أدلة حجية الشورى ِف القرآن الكرمي‪151..........................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الشورى ِف السنة النبوية‪15٧....................................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬نطاق الشورى‪11٧..............................................................‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬مدى إلزام الشورى‪114........................................................‬‬
‫الصحيح هو التزام احلاكم بتنفيذ ما تنتهي إليه الشورى‪119........................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬العدل‪111....................................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬حترمي الظلم‪115.................................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬العدل بني النظرة اإلسالمية والنظرة الغربية املعاصرة‪111..............................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬االلتزام ابلعدل غري قاصر على احلكام‪111........................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬احلرية‪11٧...................................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬حرية الرأي والفكر‪112..........................................................‬‬
‫احلرية من الفطرة‪11٧..........................................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬سرية الرسل تؤكد حرية الرأي‪114.................................................‬‬

‫‪1143‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬القرآن والسنة يقرران حرية الرأي‪114.............................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬العلماء املسلمون وحرية الرأي السياسي‪114........................................‬‬
‫موقف العز بن عبد السالم مع امللك الصاحل‪112................................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬يف املساواة‪1٧4...............................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬املساواة ِف اإلسالم‪1٧9.........................................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬املساواة ِف احلقوق واملسئوليات‪1٧4...............................................‬‬
‫املساواة ِف تويل الوظائف والتعيني ِف املناصب واألعمال‪1٧4......................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬املساواة ِف املثول أمام القضاء‪1٧1...............................................‬‬
‫خامتة البحث يف عزل اإلمام‬
‫املعيار األول‪1٧٧.............................................................................‬‬
‫املعيار الثاين‪1٧2..............................................................................‬‬
‫املراجع‪124..................................................................................‬‬
‫_______________‬
‫سؤال عن شرعية حكومة الطالبان‬
‫تقييم الدول واحلكم عليها ابلشرعية وعدمها يتوقف على أمور‪124.................................‬‬
‫من أعظم ما امتازت به حكومة طالبان املسلمة‪121..............................................‬‬
‫وِف اخلتام‪121...............................................................................‬‬
‫_______________‬
‫مذكرة النصيحة‬
‫رسالة اىل الشيخ عبدالعزيز ابن ابز‪121.........................................................‬‬
‫رسالة اىل خادم احلرمني‪12٧...................................................................‬‬
‫مقدمة النصيحة‪122..........................................................................‬‬
‫دور العلماء والدعاة‪1٧4......................................................................‬‬
‫واقع دور الدعاة والعلماء حالياً‪1٧4.............................................................‬‬
‫سبيل اإلصالح‪1٧1..........................................................................‬‬
‫األنظمة واللوائح‪1٧1..........................................................................‬‬
‫واقع األنظمة من خالل بعض األمثلة والشواهد‪149..............................................‬‬
‫سبيل اإلصالح‪141..........................................................................‬‬
‫القضاء واحملاكم‪141..........................................................................‬‬

‫‪1144‬‬
‫واقع القضاء واحملاكم‪14٧......................................................................‬‬
‫سبيل اإلصالح‪194..........................................................................‬‬
‫حقوق العباد‪195.............................................................................‬‬
‫الوضع اإلداري‪192...........................................................................‬‬
‫الواقع اإلداري‪144............................................................................‬‬
‫سبيل اإلصالح‪149..........................................................................‬‬
‫املرافق االجتماعية‪141........................................................................‬‬
‫واقع املرافق االجتماعية‪141....................................................................‬‬
‫سبيل اإلصالح‪141..........................................................................‬‬
‫املال واالقتصاد‪14٧...........................................................................‬‬
‫واقع املال واالقتصاد‪11٧......................................................................‬‬
‫سبيل اإلصالح‪114..........................................................................‬‬
‫اجليش‪111..................................................................................‬‬
‫واقع اجليش‪111..............................................................................‬‬
‫سبيل اإلصالح‪111..........................................................................‬‬
‫اإلعالم‪111..................................................................................‬‬
‫الواقع اإلعالمي‪159..........................................................................‬‬
‫العالقات اخلارجية‪151........................................................................‬‬
‫واقع العالقات اخلارجية‪151...................................................................‬‬
‫سبيل اإلصالح‪151..........................................................................‬‬
‫أمساء املوقعني‪152............................................................................‬‬
‫_______________‬
‫البيان الثالثي يف الرد على اهليئة وبياهنا بشأن مذكرة النصيحة‪114.......................‬‬
‫_______________‬
‫حكم ما جرى يف أمريكا من أحداث‪111..................................................‬‬
‫الشبهات واجلواب عنها من عدة أوجه‪112......................................................‬‬
‫سؤال لإلخوة الذين يطلقون كلمة [ اإلرهاب ] على ما حصل ِف أمريكا‪11٧.......................‬‬
‫مث نقول هلؤالء ماذا تقصدون ابألبرايء‪114.......................................................‬‬
‫ومن كالم أهل العلم ِف جواز االنتقام ابملثل‪119.................................................‬‬

‫‪1145‬‬
‫وِف اخلتام‪114...............................................................................‬‬
‫_______________‬
‫خطاب من املشايخ الفضالء رىل أمري املؤمنني املال دمحم عمر‪115..........................‬‬
‫_______________‬
‫خطاب املشايخ الفضالء رىل كافة علماء ابكستان‪1٧4...................................‬‬
‫_______________‬
‫بيان رىل القائدين رابين وسياف‪1٧1........................................................‬‬
‫_______________‬
‫أخي القائد حكمتيار‪1٧1..................................................................‬‬
‫_______________‬
‫حكم اجلهاد واستئذان الوالدين‬
‫اجلواب‪1٧٧..................................................................................‬‬
‫أنواع اجلهاد وأعداءه‪1٧2......................................................................‬‬
‫طرفاً من اآلايت ِف اجلهاد واحلث عليه‪12٧.....................................................‬‬
‫أما األحاديث ِف ذلك فمنها‪124..............................................................‬‬
‫حكم اجلهاد ِف وقتنا احلاضر ومىت يكون اجلهاد فرض عني‪129...................................‬‬
‫أمهية اجلهاد ابملال واإلعالم‪124................................................................‬‬
‫وجوب مقاطعة الصهاينة واألمريكان‪121........................................................‬‬
‫استئذان الوالدين ِف اخلروج لإلعداد أو اجلهاد‪125...............................................‬‬
‫_______________‬
‫حكم استئذان الوالدين يف اخلروج للجهاد‪121............................................‬‬
‫_______________‬
‫بيان يف دعم اإلمارة اإلسالمية وتعجيل الزكاة هلا‪121.....................................‬‬
‫_______________‬
‫معىن اإلرهاب وحقيقته‬
‫مناذج مما قيل ِف تعريف اإلرهاب‪12٧...........................................................‬‬
‫‪ -4‬تعريفه من حيث اللغة العربية‪122..........................................................‬‬
‫‪ -9‬تعريف مفهوم اإلرهاب ِف الشرع ‪٧٧٧......................................................‬‬
‫مفهوم اإلرهاب عند هؤالء الكفرة‪٧٧4..........................................................‬‬

‫‪1146‬‬
‫أهداف الصليبيني‪٧٧4........................................................................‬‬
‫_______________‬
‫حكم القتال مع اخواننا يف الشيشان‬
‫حملة قصرية تبني مكانة اجلهاد ِف اإلسالم وفضله‪٧٧4.............................................‬‬
‫اجلواب على السؤال من شقني‪٧٧1.............................................................‬‬
‫أمهية اجلهاد ابملال واإلعالم‪٧٧5................................................................‬‬
‫_______________‬
‫املوقف الشرعي جتاه اجلهاد يف الفلبني‪٧٧1................................................‬‬
‫_______________‬
‫حكم العمليات االستشهادية‬
‫سؤال واجلواب عنه‪٧٧٧.......................................................................‬‬
‫األدلة من القرآن والسنة‪٧٧2...................................................................‬‬
‫اإلمجاع‪٧4٧..................................................................................‬‬
‫مسألة الترتس ووجه الداللة‪٧44................................................................‬‬
‫مسألة البيات ووجه الداللة‪٧49................................................................‬‬
‫اخلالصة‪٧49.................................................................................‬‬
‫_______________‬
‫نداء رىل حكام العرب واملسلمني‪٧41......................................................‬‬
‫_______________‬
‫بيان يف احلث على املقاطعة االقتصادية ضد أعداء املسلمني‪٧99.........................‬‬
‫_______________‬
‫بيان من أهل العلم يف احلث على املقاطعة‪٧95............................................‬‬
‫_______________‬
‫الرد على من أفىت بعدم جواز املقاطعة االقتصادية‪٧91....................................‬‬
‫_______________‬
‫رسالة رىل الشيخ عبد العزيز بن ابز يف الدفاع عن الشيخ سليمان العلوان‪٧4٧...........‬‬
‫_______________‬
‫بيان يف الدفاع عن الشيخ عبدالكرمي احلميد‪٧44..........................................‬‬
‫_______________‬

‫‪1147‬‬
‫سعود‪٧41.......................................‬‬ ‫رىل معايل األخ العزيز مدير جامعة املل‬
‫_______________‬
‫رسالة رىل وزير املعارف‪٧45................................................................‬‬
‫_______________‬
‫املقدمات وما رليها‬
‫تقريظ للكتاب املوثق "مجع ألحاديث األحكام من الصحيحني"‪٧41...............................‬‬
‫مقدمة للكتاب حقائق ِف التوحيد‪٧41..........................................................‬‬
‫مقدمة للكتاب إجناح السائل ِف أهم املسائل‪٧4٧................................................‬‬
‫مقدمة للكتاب التأصيل ِف مشروعية ما حصل ألمريكا من تدمري‪٧42..............................‬‬
‫مقدمة للكتاب التبيان ِف كفر من أعان األمريكان‪٧1٧...........................................‬‬
‫_______________‬
‫رسالة رىل الدكتور حمسن العواجي‬
‫مقدمة‪٧19..................................................................................‬‬
‫فيما خيص منهج أهل السنة واجلماعة‪٧14.......................................................‬‬
‫فيما خيص دعم منهج الفرق الضالة‪٧14.........................................................‬‬
‫فيما خيص اخلالفات الفقهية‪٧14...............................................................‬‬
‫فيما خيص العلماء وطلبة العلم‪٧11.............................................................‬‬
‫الدفاع والثناء على العلمانيني واحلداثيني‪٧15.....................................................‬‬
‫_______________‬
‫رد الشيخ محود رمحه هللا على رسالة أهايل مدينة حقل‪٧11...............................‬‬
‫_______________‬
‫رد الشيخ محود رمحه هللا على رسالة أهايل جدة حول احلسبة‪٧1٧........................‬‬
‫_______________‬
‫كلمة الشيخ محود رمحه هللا يف مهرجان السنة النبوية‪٧54.................................‬‬
‫_______________‬
‫بيان األول رىل عموم املسلمني عما يدور يف فلسطني‬
‫أسباب وحشية الصهاينة‪٧55..................................................................‬‬
‫أسباب خذالن حكام العرب و املسلمني‪٧51....................................................‬‬

‫‪1148‬‬
‫مناذج ألنتصارات قوة املؤمنني ابهلل على القوة املادية‪٧51..........................................‬‬
‫واقع األعالم العريب‪٧51.......................................................................‬‬
‫األسلوب الناجع ِف تطهري أرض فلسطني من يهود‪٧5٧...........................................‬‬
‫_______________‬
‫بيان الثاين رىل عموم املسلمني عما يدور يف فلسطني‬
‫أمهية اجلهاد وإيضاح مكانته ِف اإلسالم‪٧52.....................................................‬‬
‫فضل اجلهاد ومراتبه‪٧14.......................................................................‬‬
‫تفاهة األعالم العريب‪٧19......................................................................‬‬
‫واجب رؤساء الدول ِف العامل اإلسالمي‪٧19.....................................................‬‬
‫جوانب الضعف ِف األمة اإلسالمية‪٧14........................................................‬‬
‫وجوب مقاطعة اليهود واألمريكان‪٧14..........................................................‬‬
‫_______________‬
‫رسالة رىل ابن ابز خبصوص فتواه ابلصلح مع اليهود‬
‫نلخص اجتهادان ِف النقاط التالية‪٧15..........................................................‬‬
‫وأخرياً مساحة الشيخ‪٧11......................................................................‬‬
‫املقدمون‪٧1٧................................................................................‬‬
‫_______________‬
‫حكم أخذ اجلنسية للمكره من دولة كافرة‪٧12............................................‬‬
‫_______________‬
‫حكم مشاركة الفتيات يف اجلنادرية‪٧14....................................................‬‬
‫_______________‬
‫فتوى يف تكفري امللحد تركي احلمد‪٧14....................................................‬‬
‫_______________‬
‫حكم سب هللا ورسوله واالستهزاء ابلدين‪٧15.............................................‬‬
‫_______________‬
‫فتوى يف استعمال حق التقاضي لدى احملاكم الشرعية ضد املستهزئني ابلدين‪٧11........‬‬
‫_______________‬
‫رسالة يف مشروعية قنوت النوازل‬
‫مقدمة‪٧12..................................................................................‬‬

‫‪1149‬‬
‫أوالً‪ :‬قلت ‪ :‬إنه ليس من مفهوم قنوت النازلة عند الصحابة والسلف إذا وقعت انزلة ِف طرف من بالد‬
‫املسلمني قنت اجلميع ‪٧٧٧....................................................................‬‬
‫‪ -4‬احلنابلة‪٧٧9..............................................................................‬‬
‫‪ -9‬املالكية‪٧٧9..............................................................................‬‬
‫‪ -4‬الشافعية‪٧٧4.............................................................................‬‬
‫‪ -1‬احلنفية‪٧٧4..............................................................................‬‬
‫اخلالصة‪٧٧4.................................................................................‬‬
‫اثنياً‪ :‬ذكرمت ِف املسألة الثانية أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص ملا قنت مل أيمر مساجد املدينة ابلقنوت‪٧٧1...............‬‬
‫اثلثًا‪ :‬ذكرمت ِف املسألة الثانية قولكم إمنا قنت هو عليه الصالة والسالم شهرا‪٧٧5.....................‬‬
‫ابعا قلتم ِف املسالة الثانية إن القنوت لإلمام األعظم‪٧٧2.........................................‬‬
‫رً‬
‫_______________‬
‫خطاب الشيخ محود ألحد املشايخ حول قنوت النوازل‬
‫مقدمة‪٧24..................................................................................‬‬
‫أوالً‪ :‬قلت إن القنوت نُ ِسخ بعد حادثة بئر معونة‪٧24............................................‬‬
‫اثنياً‪ :‬قلت إن مذهب أيب حنيفة يرى املنع مطل ًقا‪٧29............................................‬‬
‫اثلثًا‪ :‬قولك إن املنع مطل ًقا قول مذهب اإلمام مالك‪٧24.........................................‬‬
‫ابعا‪ :‬قولك ابلنسخ‪٧24......................................................................‬‬ ‫رً‬
‫قلت ِف رسالتك‪ :‬إن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص مل يقنت ِف غزوة مؤتة وال يوم حنني وال ِف األحزاب‪٧21...‬‬
‫خامسا‪َ :‬‬
‫ً‬
‫سادسا‪ :‬قولك أين حشدت أقواالً كثرية ألئمة املذاهب وبعض الصحابة‪٧21........................‬‬ ‫ً‬
‫فعل اخللفاء الراشدين وإمجاعهم على القنوت‪٧21................................................‬‬
‫نصوص من قنت من الصحابة‪٧25............................................................‬‬
‫اإلمجاع‪٧21..................................................................................‬‬
‫قلت‪ :‬والصحابة أعلم منا ابلشريعة‪٧21.............‬‬
‫ذكرت أن الصحابة مل يقنتوا‪َ ،‬‬
‫سابعا‪ :‬قلت بعد ما َ‬‫ً‬
‫اثمنًا‪ :‬ذكرت ِف رسالتك فقلت‪ :‬وكان بعض الصحابة ملا ُسئل عن القنوت ِف الفرائض‪٧21...........‬‬
‫_______________‬
‫حكم تكرمي بعض املنحرفني واستقباهلم واالحتفاء هبم‬
‫أوال‪ :‬متكني هؤالء من نشر أفكارهم منكر عظيم‪٧2٧.............................................‬‬
‫اثنيا‪ :‬قائل الكلمات الكفرية جيب اإلنكار عليه‪٧22.............................................‬‬
‫اثلثا‪ :‬دعوى حرية الفكر إذا كانت مفضية إىل حرية الكفر فهي ابطلة‪2٧٧..........................‬‬

‫‪1151‬‬
‫فتوى الشيخ يف كفر املغين عبدهللا الرويشد‪2٧4...........................................‬‬
‫_______________‬
‫حمادثة الشيخ محود رمحه هللا مع األستاذ دمحم املليفي‪2٧4..................................‬‬
‫_______________‬
‫مقالة دم الرويشد‪ ...‬حوار مع الشيخ العقال‪2٧5.........................................‬‬
‫_______________‬
‫اجلواب على خطاب خطباء اجلوامع ابجلزائر‪2٧1..........................................‬‬
‫_______________‬
‫فتوى يف حكم الصالة على امليت الغائب‪2٧٧............................................‬‬
‫_______________‬
‫فتوى يف النوادي النسائية‪249.............................................................‬‬
‫_______________‬
‫حكم هتنئة الكفار أبعيادهم وفوزهم ابالنتخاابت‪241.....................................‬‬
‫_______________‬
‫حكم املشاركة يف احتفاالت األلفية‪245...................................................‬‬
‫_______________‬
‫فتوى يف حكم بطاقة املرأة‪241............................................................‬‬
‫_______________‬
‫حضرة صاحب السمو امللكي وويل العهد‪29٧............................................‬‬
‫_______________‬
‫فتوى يف حكم التصوير‪295...............................................................‬‬
‫_______________‬
‫فتوى الشيخ يف لعبة البوكيمون‪291........................................................‬‬
‫_______________‬
‫حكم كفالة من مات أبوه وقد جتاوز سن البلوغ‪29٧......................................‬‬
‫_______________‬
‫حكم قيادة املرأة للسيارة‪292..............................................................‬‬
‫_______________‬

‫‪1151‬‬
‫حكم قراءة دعاء ختم القرآن يف الصالة‪244.............................................‬‬
‫_______________‬
‫ملحق يف راثء والدفاع عن الشيخ العالمة محود بن عقالء الشعييب رمحه هللا‬
‫_______________‬
‫رسالة الشيخ ابن ابز رىل الشيخ محود بن عقالء الشعييب‪244.............................‬‬
‫_______________‬
‫تكذيب أمانة كبار العلماء جلريدة عكاظ‪241.............................................‬‬
‫_______________‬
‫دفاع عن الشيخ محود رمحه هللا تعاىل‪245.................................................‬‬
‫_______________‬
‫رد مجاعة من العلماء على افراءات جريدة الوطن‪242....................................‬‬
‫_______________‬
‫فهد للشيخ محود العقالء وأخوانه من أهايل القصيم‪214..................‬‬ ‫خطاب املل‬
‫_______________‬
‫اإلعالم اجلائر على الشيخ محود بن عقالء الشعييب‪211..................................‬‬
‫_______________‬
‫اعتذار جريدة الرايض للشيخ محود بن عقالء الشعييب‪212...............................‬‬
‫_______________‬
‫سؤال حول قول الشيخ محود " ترك اجلهاد كفر"‪21٧.....................................‬‬
‫_______________‬
‫حنني وتذكرة بكبار علماء الزهد والتواضع يف اجلزيرة‪219.................................‬‬
‫_______________‬
‫ذكرايت مع فضيلة الوالد العالمة محود بن عبدهللا العقالء‪211...........................‬‬
‫_______________‬
‫القمر الذي توارى يف مغربه)‪2٧4.......................................‬‬ ‫قصيدة (رىل ذل‬
‫_______________‬
‫راثء ‪ ..‬وعزاء‪2٧1..........................................................................‬‬
‫_______________‬

‫‪1152‬‬
‫مات اإلمام‪2٧1............................................................................‬‬
‫_______________‬
‫القلب الشجاع‪2٧٧..................................................................‬‬
‫ُ‬ ‫رحل‬
‫َ‬
‫_______________‬
‫ِ‬
‫سأرثيه ‪ ..‬مث سأروي للعاملني قصيت مع حبيبنا وشيخنا الشامخ املُبجل‪22٧...............‬‬
‫_______________‬
‫وانطفأ ِ‬
‫السراج‪224.......................................................................‬‬
‫_______________‬
‫قصيدة ‪ :‬ذهب الذين أحبهم‪221..........................................................‬‬
‫_______________‬
‫قصيدة ‪ :‬أحقا مات عقالان ؟‪221.........................................................‬‬
‫_______________‬
‫قصيدة ‪ :‬مسو يف املبادىء والصفات وقصيدة " أسد الفتاوى "‪22٧......................‬‬
‫_______________‬
‫قصيدة الطائر املهاجر‪4٧٧٧...............................................................‬‬
‫_______________‬
‫ود !!‪4٧٧4...................................................‬‬
‫س ُ‬‫ف تَ ُ‬
‫اء َك ْي َ‬
‫َاي َم ْن َرأَى العُلَ َم َ‬
‫_______________‬
‫ورحل درع اإلسالم‪4٧٧9..................................................................‬‬
‫_______________‬
‫وقفات ومواقف من حياة شيخنا العالمة اجملاهد‪4٧٧1....................................‬‬
‫_______________‬
‫محُْو ُد العُ ْقالء " َر ِمحَهُ هللاُ تَـ َعاىل‪4٧44.......................................‬‬
‫َش ْي ُخ الطبَـ َق ِة " ُ‬
‫_______________‬
‫مشاهدات من جنازة الشيخ رمحه هللا‪4٧41...............................................‬‬
‫_______________‬
‫الفهرس‪4٧42..............................................................................‬‬

‫‪1153‬‬

You might also like