Professional Documents
Culture Documents
األمن يعني السكينة واالستقرار النفسي واالطمئنان القلبي ،واختفاء مشاعر الخوف من النفس
البشرية .
وللتعرف أكثر على مفهوم األمن بشكل عام من خالل الموسوعات الفكرية المتخصصة نشير إلى ما ورد في
الموسوعة البريطانية للمعارف «حماية األمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية» .وعرفه بعضهم بأنه "
التطور والتنمية ،سواء منها االقتصادية أو االجتماعية او السياسية في ظل حماية مضمونة» ،وأضاف «إن
األمن الحقيقي للدولة ينبع من معرفتها العميقة للمصادر التي تهدد مختلف قدراتها ومواجهتها ،إلعطاء
الفرصة لتنمية تلك القدرات تنمية حقيقية في كافة المجاالت سواء في الحاضر او المستقبل».
هناك أنواع عديدة لألمن منها : األمن النفسي واألمن الثقافي والفكري واألمن االقتصادي واألمن
المائي واألمن الوطني واألمن الوقائي ،واألمن الغذائي وغيرها من أنواع األمن األخرى
األمن :مطلب حيوي ال يستغني عنه إنسان وال ذي روح من الكائنات ،وألهميته دعا به إبراهيم عليه
السالم لمكة أفضل البقاع :
ام إبراهيم.35:
َص َن َ اج ُن ْب ِني َو َب ِن َّي أ ْ
َن َن ْع ُب َد اأْل ْ
اجع ْل َه َذا ا ْلبلَ َد ِ
آمناً َو ْ َ ب َْيم َر ِّ قال تعالى (:وإِ ْذ قَ َ ِ ِ
ال إ ْبَراه ُ َ
تعين على األمة برمتها أن تتضامن في حراسته .
ولما لألمن من أثر في الحياة ّ
وهو مطلب الشعوب كافة بال استثناء ،ويشتد األمر خاصة في المجتمعات المسلمة ،التي إذا آمنت
أمنت ،وإ ذا أمنت نمت؛ فانبثق عنها أمن وإ يمان ،إذ ال أمن بال إيمان ،وال نماء بال ضمانات واقعية ضد ما
يعكر الصفو في أجواء الحياة اليومية .
لألمن معوقات كثيرة ،تقف قي أغلب األحيان حائال دون تحقيق الحياة الهانئة والمستقرة للشعوب ،
ومن ابرز تلك المعوقات التي تحد من الدور األمني الشامل لمؤسسات المجتمع المختلفة عدم االهتمام
الكافي بحماية األمن الفكري .
لعل أكبر داللة على مفهوم األمن في اإلسالم ما ورد في كتاب اهلل سبحانه وتعالى :
( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) 3قريش .
ونتيجة لذلك فإن األمن هو مواجهة الخوف ،والمقصود به هنا ما يهدد المجتمع اقتصاديا واجتماعيا
وسياسيا وفكريا ..وبشكل عام فإن مفهوم األمن هو الوصول إلى أعلى درجات االطمئنان والشعور بالسالم
.
وقد بين الرسول أن األمن أعظم مطلب للمسلم في هذه الحياة ،وأنه بحصوله كأن المسلم ظفر بما في
الدنيا من ملذات ومشتهيات ،وكل ما يريده في دائرة الحالل ؛ فعن سلمه بن عبد اهلل بن ِم ْحصن َ
الخ ْطمي
عن أبيه قال :قال :رسول اهلل صلى اهلل غليه وسلم " :من أصبح منكم آمناً في سربه ،معافى في جسده
،عنده قوت يومه ،فكأنما حيزت له الدنيا " .
وحرم اهلل مكة والبيت الحرام إلى يوم القيامة فإليها تشد الرحال وتضاعف فيها الصالة وأهلها في أمن
اج َع ْل َه َذا ا ْلَبلَ َد
ب ْيم َر ِّ وأمان لدعوة إبراهيم عليه السالم لهذه البقعة المباركة قال تعالى ( :وإِ ْذ قَ َ ِ ِ
ال إ ْبَراه ُ َ
ام ) 35إبراهيم . َص َن َ اج ُن ْب ِني َو َب ِن َّي أ ْ
َن َن ْع ُب َد األ ْ
ِ
آمناً َو ْ
ولقد اهتم اإلسالم بتنمية الوعي األمني بأمره بأخذ الحيطة والحذر وهو أكبر مفهوم للسالمة ومن ذلك
األخذ على يد الظالم ،قال صلى اهلل عليه وسلم « :إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن
يعمهم اهلل بعقاب منه » ،ويعد تفادي الخطر والبعد عن المهالك من الواجبات األساسية التي يحض عليها
ديننا اإلسالمي ومن ذلك قوله صلى اهلل عليه وسلم « :ال يشير أحدكم إلى أخيه بالسالح فإنه ال يدري أحدكم
لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار » .
وجاء اإلسالم ليحفظ على الناس مقاصد الشريعة الخمس وهي حرمة الدين والنفس والعقل والعرض
والمال ،وأول هذه المقاصد وأهمها الدين فكل اعتداء على الدين قوالً أو فعالً فإن الشريعة اإلسالمية تحرمه
وتمنع ذلك االعتداء على عقائد الناس ومحاولة تغييرها واإلخالل بأمنهم الفكري ،والسعي في انحرافهم ،
لذلك ُجعل مصدر التلقي في العقائد والعبادات والقضايا الكبرى في حياة المسلمين موحداً .
لقد تعددت مفاهيم األمن الفكري ،ولكنها في النهاية تصب في معين واحد :فهو عند المسلمين أن
الفكرية
ّ ومنظوم ِتهم
َ
شخصي ِتهم وتميُّز ِ
ثقافتهم ّ مكونات ِّ
مطمئنين على ِّ مجتم ِعهم آمنين
َ يعيش أهل اإلسالم في
َ
ِ
المنبثقة من الكتاب والسنة .
ويعني الحفاظ على المكونات الثقافية األصيلة في مواجهة التيارات الثقافية الوافدة ،او االجنبية
المشبوهة ،فهو يصب في صالح الدعوة لتقوية هذا البعد من أبعاد األمن الوطني .وهو بهذا يعني حماية
وصيانة الهوية الثقافية من االختراق او االحتواء من الخارج ،ويعني أيضا الحفاظ على العقل من االحتواء
الخارجي وصيانة المؤسسات الثقافية في الداخل من االنحراف .
وهو اطمئنان الناس على مكونات أصالتهم وثقافتهم النوعية ومنظومتهم الفكرية ،
ويعني السكينة واالستقرار واالطمئنان القلبي واختفاء مشاعر الخوف على مستوى الفرد والجماعة في
جميع المجاالت النفسية واالجتماعية واالقتصادية .
ويعني صيانة عقول أفراد المجتمع ضد أية انحرافات فكرية أو عقدية مخالفة لما تنص عليه تعاليم
اإلسالم الحنيف أو أنظمة المجتمع وتقاليده.
يعتبر الفكر البشرى ركيزة هامة وأساسية في حياة الشعوب على مر العصور ومقياساً لتقدم األمم
وحضارتها ،وتحتل قضية األمن الفكري مكانه مهمة وعظيمة في أولويات المجتمع الذي تتكاتف وتتآزر
جهود أجهزته الحكومية والمجتمعية لتحقيق مفهوم األمن الفكري تجنباً لتشتت الشعور الوطني أو تغلغل
التيارات الفكرية المنحرفة ،وبذلك تكون الحاجة إلى تحقيق األمن الفكري هي حاجة ماسة لتحقيق األمن
واالستقرار االجتماعي .
ب رئيس ِّ
لكل األمن بمفهو ِمه الشامل مطلَ ٌ
َ أن
يقول د .عبد الرحمن السديس في إحدى خطبه " ومع َّ
وأخطرها ،فهو ِ
أنواعه أهم
عد َّنوعا ُي َ وأساس أمانها واطمئنانها إالَّ َّ ِ
َ أن هناك ً ُ استقرارها ركيزة
أمة إذ هو َ
ّ
وشخصي ِتها الحضارية ،حيث ال ِغنى لها
ّ األمة
بهوية ّ
ِ
الوثيقة ّ الجسد ِلما له من ِّ
الصلة َ
ِ
بمثابة الرأس من
اطمأن الناس
َّ الفكري .فإذا
ّ األمن
ُ وركيزتُه الكبرى ،ذلكم هو ِ
األمن َ ب
عنه ،وال قيم َة للحياة بدونه ،فهو لُ ّ
األمن في أَسمى
ُ لديهم من ِق َيم ومثُ ٍل ومبادئ فقد تحقَّق لهم أصول وثوا ِبت ِ
وأمنوا على ما َ ٍ على ما عندهم من
صو ِره وأجلَى معانيه وأ ِ
َنبل َمراميه " . َ
فاألمن الفكري يأتي في الدرجة األولى من حيث األهمية والخطورة ،وتصرفات الناس تنطلق من
قناعاتهم التي تستند إلى أرصدتهم الفكرية واالعتقادية ،وبهذا يكون منطلق كل عمل يمارسه اإلنسان
ويظهر في سلوكه من خير أو شر مركوزاً في كيانه الفكري واالعتقادي ومستكناً في داخل النفس وأعماقها
.
يمكن القول أن األمن الفكري لكل مجتمع يهدف إلى الحفاظ على هويته إذ إن في حياة كل مجتمع
ثوابت تمثل القاعدة التي تبنى عليها وتعد الرابط الذي يربط بين أفراده iوتحدد سلوك أفراده وتكيف ردود
أفعالهم تجاه األحداث وتجعل للمجتمع استقالله وتميزه وتضمن بقاؤه في األمم األخرى .
وهو يهدف فيما يهدف أيضا إلى حماية العقول من الغزو الفكري ،واالنحراف الثقافي ،والتطرف الديني
،بل األمن الفكري يتعدى ذلك كله ليكون من الضروريات األمنية لحماية المكتسبات والوقوف بحزم ضد كل
ما يؤدي إلى اإلخالل باألمن الوطني .
ِ
والعوامل التي يرى كثرةَ األسباب
األمة ُيصاب بالذّهول وهو َ
الفكري في ّ
ِّ واقع األمن
المتأم َل في ِ
ّ إن
َّ
ِ
األسباب : أخطر تلك ِ
أركانه ولعل وزعزعة
َ تسعى إلى تقويض ِ
بنيانه
َ َ
2ـ ترك المرجعية الدينية في مجال الفتوى :فأصبحت نسبة ال يستهان بها من الشباب عازفة عن مشائخ
البالد الكبار زاهدة فيما عندهم ووجدت أو أوجدت فجوة بينهم وبين علمائهم في مخالفة مؤذنة بالخطر .
3ـ البث الفضائي المرئي والمسموع وظهور شبكة اإلنترنت :بما فيها من السلبيات واإليجابيات مما جعل
مصادر التلقي في مجال الفكر والتربية متعددة ومتنوعة ولم تعد محصورة في المدرسة والمسجد واألسرة ،
إضافة إلى تسويق االنحرافات السلوكية واألخالقية التي جعلت تيار الوسط يفقد كثيراً من سالكيه لصالح
تيار الجفاء والتفريط في ثوابت الفكر والخلق في أكثر األحيان .
4ـ محاولة البعض تغيير الخطاب الديني :فبعد أن كان التوازن هو سمته الظاهرة سعى البعض إلى تغليب
جانب الشحن العاطفي على حساب الجانب العلمي العقلي من الخطاب الديني وتم التركيز على أفضل ما في
الماضي وأسوأ ما في الحاضر مما أشاع جواًّ من اليأس واإلحباط والرغبة في إحداث التغيير بطرق بائسة
يائسة .
فتأتي أحيانا كثيرة من جماعات التطرف والتشدد الفكري ،ومثيري الفتن ودعاة الفرقة .ولما كانت الرقابة
األمنية او الضوابط والقيود على ما تقوم بعرضه وبثه تلك الجماعات من خالل البث اإلعالمي واالنترنت
وغيرهما من الوسائل من الصعوبة بمكان نظرا لما يسمى بالعولمة وعصر تدفق المعلومات بكثافة ،فقد
أصبح اللجوء إلى استراتيجية اجتماعية متكاملة أمرا ملحا للمساهمة في الحفاظ على عقول الشباب
وغيرهم من الغزو الفكري وتحصينهم ثقافيا من خالل المعلومات الصحيحة التي تزيد الوعي األمني
والثقافي .
ولما كان األمن الوطني في مفهومه الشامل يعني تأمين الدولة والحفاظ على مصادر قوتها السياسية
والعسكرية واالقتصادية واالجتماعية ،وإ يجاد االستراتيجيات والخطط الشاملة التي تكفل تحقيق ذلك ،يبرز
هنا البعد الفكري والمعنوي لألمن الوطني الذي يهدف الى حفظ الفكر السليم والمعتقدات والقيم والتقاليد
الكريمة .هذا البعد من وجهة نظرنا يمثل بعدا استراتيجيا لألمن الوطني ألنه مرتبط بهوية األمة واستقرار
قيمها التي تدعو إلى أمن األفراد وأمن الوطن والترابط والتواصل االجتماعي ،ومواجهة كل ما يهدد تلك
الهوية وتبني أفكار هدامة تنعكس سلبا على جميع مناحي الحياة السياسية واالقتصادية واالجتماعية ،الن
الهوية تمثل ثوابت األمة من قيم ومعتقدات وعادات ،وهذا ما يحرص األعداء على مهاجمته لتحقيق
أهدافهم العدوانية والترويج ألفكارهم الهدامة وخاصة بين شريحة الشباب ،والتشويش على أفكارهم
ودعوتهم للتطرف ،كما يشير إلى ذلك الدكتور صالح المالك في دراسة حول دور األمن الفكري في الحماية
من الغزو الفكري .
يتحقق األمن الفكري عندما يتم التوافق بين ما تؤمن به الجماعة ،وما تطالـب بتأديته .
ويتحقق عندما ال تكون شرعية وجود أي مجموعة ،من خالل المنظومة الفكرية والقيمية التي تؤمن بها
مهددة بممارسات مفروضة ال تستطيـع مدافعتها .
ويتحقق األمن الفكري عندما تنسجم السياسات التنموية مع الثوابت ،وعندما ال تكون تلك السياسات
التنموية ،بحكم كونها طريقة تفكير ،وأسلوب حياة ،موضع قلق للشرعية التي يستمد منها الكيان
االجتماعي أو السياسي .
ِ
وثقافته األصيلة كره المستنيرمباد ِئه و ِق َيمه و ِف ِ
كما يتحقق األمن الفكري عندما يطمئن المجتمع على ِ
المستور َدة . الفكرية
ّ ِ
وغوائل االنحرافات الوافدة
َ ِ
لوثات المبادئ ويأمن على ذلك من
َ
تتطلب حماية األمن الفكري وجود وسائل وقائية ،وأخرى عالجية وهي على النحو التالي :
1ـ إظهار وسطية اإلسالم واعتداله وتوازنه ،وترسيخ االنتماء لدى الشباب لهذا الدين الوسط وإ شعارهم
باالعتزاز بهذه الوسطية .
2 ـ معرفة األفكار المنحرفة وتحصين الشباب ضدها :فال بد من تعريفهم بهذه األفكار وأخطائها قبل
وصولها إليهم منمقة مزخرفة فيتأثرون بها ؛ ألن الفكر الهدام ينتقل بسرعة كبيرة جداًّ وال مجال لحجبه عن
الناس .
3 ـ إتاحة الفرصة الكاملة للحوار الحر الرشيد داخل المجتمع الواحد :وتقويم االعوجاج الفكري بالحجة
واإلقناع ؛ ألن البديل هو تداول هذه األفكار بطريقة سرية غير موجهة وال رشيدة مما يؤدي في النهاية إلى
اإلخالل بأمن المجتمع
4ـ االهتمام بالتربية :في المدارس والمساجد والبيوت ،وغيرها من مؤسسات المجتمع األخرى .
5ـ هناك نسبة ال بأس بها من المنحرفين هم من الطالب ،لذا يجب أن يحصل تفاعل بين المؤسسات
التعليمية ومحيطها ،بحيث يجعل منها مؤسسات مفتوحة رائدة في تعميم التربية والمعرفة ،مما يسهل لها
متابعة رسالتها السامية في إيجاد المواطن الصالح ،بحيث يتهيأ ذهنياً ونفسياً للتوافق مع متطلبات الحياة
االجتماعية .
6ـ إن من أهم ما ينبغي أن تقوم به المؤسسات التعليمية أن تضمن برامجها فصوالً عن األمن الفكري
تصب في قناة الوقاية من االنحراف الثقافي والغزو الفكري ،وذلك عن طريق نشر المبادئ الفكرية القويمة
ومبادئ الفضيلة واألخالق .
7ـ من األهمية بمكان أن يتعلم الطالب كيف يتحقق أمن المجتمع بصفة عامة ،وأمنه بصفة خاصة ،من
خالل تهيئة نفسية واجتماعية للتكيف مع القيم واآلمال وتطلعات المجتمع .
8ـ ينبغي أال نغفل أهمية دور المدرسة في الكشف عن المظاهر ذات المؤشر االنحرافي الفكري أو األخالقي
منذ بدايتها ،ودراستها دراسة دقيقة ومعالجتها عبر اإلرشاد الطالبي بالمدرسة ،واالتصال بولي أمر
الطالب لتنظيم التعاون مع اإلدارة المدرسية قبل استفحال المشكلة ،وعالجها قبل أن تصبح سلوكاً
اعتيادياً .
ثانياً ـ بعض الوسائل العالجية:
1ـ دعوة المخطئ إلى الرجوع عن خطئه :وبيان الحق بالمناقشة العلمية الهادئة دون اتهام للنيات فقد
تكون صادقة ،ولكن هذا ال يغني عن صاحبها شيئاً
2ـ تجنب األساليب غير المجدية :فالمصاب بهذا المرض ال يعالج بالتركيز على الوعظ والتخويف من
عقاب اهلل ،ألن هذا األسلوب في الغالب ال يجدي معهم نفعا ،فأمثال هؤالء يرون أنهم على صواب ودين
فكيف تعظ إنساناً يظن أنه على الدين الحق قبل أن تبين له خطأه الفكري فيما يراه حقاًّ 3 .ـ وجوب األخذ
على أيديهم :ومنعهم من اإلخالل باألمن الفكري للمجتمع ولو أدى ذلك إلى إجبارهم على عدم مخالطة
اآلخرين التقاء شرهم .
4 ـ النهي عن مجالسة أهل االنحراف الفكري :الذين يريدون خرق سفينة المجتمع وإ غراق أهلها
بخوضهم في آيات اهلل وتجرئهم على الفُتيا بغير علم .
5 ـ ضرورة التفريق بين االنحراف الفكري الذي لم يترتب عليه فعل ،وبين من أخل بفعله باألمن في
مجتمعه :فمن ظهر منه عمل تخريبي وثبت عليه شرعاً فيجب محاسبته على ما بدر منه كائناً من كان ،
وعقابه بما يستحقه شرعاً حتى ولو كان ظاهره الصالح واالستقامة .
ِ
أركانه ،ولعل وزعزعة تسعى إلى تقويض بناء األمن الفكري ِ
َ 1 ـ لقد تعددت األسباب والعوامل التي َ
ق الشريعة . ِ
جوانب العقيدة وتطبي ِ القصور في ِ
األسباب أخطر تلك
ُ َ
والثقافي والذي يروج له ممن يحسبون على جماعة المسلمين ، الفكري
ّ ِ
الغزو ِ
وسائل الز َخم الهائل من
3ـ ّ
ّ
ِ
المحافظ المجتمع المسلم الثقافي ،بل ويحاولون إخضاع ِ
للغزو الخضوع
ِ مسالك متعدِّدة في
َ ويسل ُكون
َ ّ
وحر ّية التفكير . ِ ِ ِ ِ
حر ّية الرأي ّ
فجة تحت ستار ّبدعاوى ّ
َ المنحرف وجنوحهم لرغبتهم
تروج له من
ُ ثانيا ـ القنوات الفضائية وما تبثه من مواد إعالمية ألبناء المجتمع العربي السعودي ،وما
ِ
وزعزعة األمن واالستقرار ،والرغب ًة في ِ
الثوابت الوطنية الهدف منها الني ُل من
ُ أكاذيب وادعاءات باطلة ،
َ
اإلضرار باالقتصاد والقضاء على المؤسسات التنموية.
ثالثا ـ شبكات اإلنترنت :وهذه قاصمة الظهر التي أخذت تشوش على أفكار الناشئة ،وتدعوهم إلى التطرف
أي حاقد لما يريده من خالل هذه الشبكات .
،ألنه من السهل جداً أن يروج ُّ
لقد تحدثنا عن دور المؤسسات التربوية بشكل عام في تعزيز األمن الفكري ،وهنا يبرز دزر المناهج
في تحقيق هذا األمن ،لذا يجب على تلك المؤسسات وضع الخطط المدروسة التي تحقق الوعي األمني من
خالل بثه في مفردات المناهج ،ومما الشك فيه أن االهتمام بتلك المبادئ يعد من األسس المهمة لحماية
المجتمع من االنحراف والغزو الثقافي ،وتوفير األمن الفكري .
إن مناهج التعليم الحافلة بما يربي الطالب على التوازن والوسطية واتباع الدليل ،وترك االفتراق واألهواء
والبدع المحدثة ،لهي كفيلة أن تنمي في أعماق الشباب روح الوطنية الحقيقة ،وتساعدهم على تمييز
الثقافة الفكرية المسمومة ،التي تبثها وسائل اإلعالم المشبوهة سواء عن طريق البث الفضائي والشبكة
العنكبوتية ،أو الصحف والمجالت المشبوهة الوافدة من الخارج .
ومن خالل ما سبق يتحمل الطالب جزءا ليس هينا من المسؤولية نحو تحقيق األمن الفكري لذلك تكمن
أهمية تعليمه كيف يتحقق أمن المجتمع بصفة عامة ،وأمنه بصفة خاصة ،من خالل تهيئة نفسيا
واجتماعيا للتكيف مع القيم واآلمال وتطلعات المجتمع الذي ينشد السلوكيات المثالية الجماعية التي تحقق
األمن واألمان .
ويخطئ َمن يعتقد أن مهمة المؤسسات التعليمية تقتصر على تعليم القراءة iوالكتابة وإ عطاء مفاتيح
العلوم للطالب دون العمل على تعليم الناس ما يحتاجون إليه في حياتهم العلمية والعملية ،وترجمة هذه
العلوم إلى سلوك وواقع ملموس .وأهم شيء يحتاجونه وال حياة لهم بدونه هو األمن في األوطان ،
وأستطيع القول بأن األمن هو مسؤولية الجميع ،ولكنه في حق المؤسسات التعليمية أهم ؛ ألن هذه
المؤسسات تجمع كل فئات المجتمع على اختالف أعمارهم بداي ًة من السن المبكرة التي تتمثل في المرحلة
االبتدائية والمتوسطة ،وفيها يستطيع المعلم والمربي أن يشكل الطالب بالكيفية التي يريدها ،فإذا لقي
الطالب َمن يوجهه التوجيه السليم نشأ نشأة طيبة يجني ثمارها المجتمع الذي يعيش فيه ،وإ ن كان الحاصل
غير ذلك فالعكس هو النتيجة الحتمية ،خاصة أن الذين يقومون على هذه المؤسسات هم خالصة ِّ
مفكري
وم ْع ِقد رأيها ،وفيهم يجب أن تجتمع الصفات الحميدة المؤهلة إلدراك أهمية األمر ،والشعور
األمة َ
بالمسؤولية العظيمة الملقاة على عواتقهم ،وأن يكونوا قدوة حسنة ألبنائهم الطالب في جميع تصرفاتهم
وأعمالهم وأقوالهم.
ويجب أن تبدأ معالجة االنحرافات الفكرية بمعالجة األسباب والعوامل المؤدية لها والوقاية منها .
فللمدرسة دور بالغ األهمية في تنشئة شخصية الطالب من خالل استكمال دور األسرة والمؤسسات
االجتماعية األخرى بتطويع سلوكه وتوجيهه وإ كسابه القيم والمفاهيم الصحيحة .وهذا سوف يحصن الفرد
ضد المؤثرات الفكرية السلبية مهما كان مصدرها .
أما دور المعلم فهو عظيم ومهم ،وتحمل الجزء األكبر في تعزيز األمن الفكري ،فهو القدوة والمربي ،
والموجه والمحرك لفئة الشباب داخل الحرم المدرسي وخارجه ،وكلمته مسموعة عندهم ،بل يقلدونه في
كثير من مناحي حياتهم ،وسلوكهم ويعتبرونه المثل األعلى لهم ،لذا فإن مسؤولياته كبيرة ،وتوجيهاته
ضرورية وملحة ،لذا مراعاة التالي :
1ـ يجب على المعلم أن يكون قدوة لعمل الخير واإلصالح والتوبة وتبني ما يسعد البشرية وخصوصاً ما
يجب على هذا المعلم تجاه وطنه ومجتمعه فضالً على أنه معلم الخير ويحمل مسؤولية جسيمة
فالبد لهم أن يقوموا بتنشئة الطلبة
2 ـ ولكي يقوم المعلمون بدورهم في التوعية والوقاية من االنحراف ّ ،
تنشئة إسالمية صحيحة .
3 ـ ومن الواجب على المعلمين أن يؤ ّكدوا على تمثّل الطلبة القدوة الحسنة في سلوكياتهم وتصرفاتهم ،
وفي االنسجام مع قيم المجتمع وقوانينه .
4ـ ترسيخ مبدأ الحوار الهادف واالستماع لآلخرين واحترام آرائهم بقصد الوصول إلى الحق ومساعدة
الطالب على استخدام التفكير بطريقة صحيحة ليكونوا قادرين على تمييز الحق من الباطل والنافع من الضار
وتنمية اإلحساس بالمسؤولية لدى الطالب .
8ـ توجيه الشباب لطرق البحث عن المعلومات الصحيحة وتشجيعهم على ذلك .
10ـ مساعدة الطالب على استيعاب المفاهيم واألفكار التي تتعلق بالحياة والمستقبل ،والبعيدة عن األفكار
المنحرفة والمتطرفة .
ويذكر د .المطرود انه قد وجد بعض المعلمين في الساحة يحملون هذا الفكر المنحرف ويحثون
الشباب على حمله ،والدولة بأجهزتها المعنية جادة في استئصال هذا المرض الفكري الخطير والدخيل على
المجتمع وإ يقاف أمثال هؤالء مرهبي الفكر البشري .
وأردف قائالً :إن المعلم باستطاعته توجيه جيل وطنه إلى البناء والخير والفضيلة وفي نفس الوقت
باستطاعته توجيههم للخراب والدمار وتبني األفكار اإلجرامية والتكفيرية واإلرهابية وشتان ما بين هذين
الطريقين وهذين الفكرين .