Professional Documents
Culture Documents
خطبة مع قَولِ اللهِ تَعَالى (ويُؤتِ كُلَّ ذِي فَضلٍ فَضلَهُ)
خطبة مع قَولِ اللهِ تَعَالى (ويُؤتِ كُلَّ ذِي فَضلٍ فَضلَهُ)
الخطبة األولى:
الحَمدُ للهِ الذِي شَمِ َّلنَا بِمَغفِرَتِهِ ورَحمَتِهِ ،ودَلَّنَا َعلَّى أَّسبَابِ رِضَّاهُ وجَنَّتِهِ ،لا يَنقُصُ مِن
شَيءٍ حَولَّنَا فَّانٍ لا يَبقَّى لَّهُ ُوجُودٌ ،فلا تَّ َّتعَلَّقْ بِدُنيَاكَّ أَّكثرَ َّأيُهَا العَبدُ الصَّدُودُ ،وأَّشهَ ُد أَّنَّ
أَّنَّ اللهَ رَازِقُنَا كَّمَا يَرزُقُ الطَّيرَ ،اللهُمَّ ص َِل وسَلِم وبَارِكْ َعلَّيه ،وعلى آلِهِ وصَحبِهِ ومَن
أَّمَّا بَعد:
لَّم يَ ُتبْ أَّن يَتَّحَسَّرَ عَلَّى نَّفسِهِ إِن تَّلَّقَّى العِقَّابَ ،فهَلَّا رَجَعنَا إِلَّى اللهِ الذِي يُحِبُ ِلعَبِيدِ ِه
السَّعَادَ َة وحُس َن المَآبِ ،ورَ َجونَّاهُ أَّن يَغفِرَ لَّنَا مَا أَّخطَّأنَّا ومَا قَّصَّرنَّا قَّبلَّ َيو ِم الحِسَابِ ،بَأَّن
خالِفُ لَّهُ أَّمرًا يُص ِلحُنَا ،ولا نَّعمَ ُل مَا يُشِي ُننَا وما نَّ َهانَّا عَنهُ،
نَّتَّقِيَهُ سُبحَانَّهُ ونُؤ ِمنَ بِهِ ،فلا نُ َّ
قَّالَّ َّتعَالَّى{ :يَا َّأيُهَا الذِي َن آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ ولْتَّنظُرْ نَّفسٌ مَا قَّدَّمَت لِغَّ ٍد واتَّقُوا الل َه إِنَّ اللهَ
ك هُ ُم الفَّاسِقُونَ}.
سهُم أُولَّئِ َ
خَبِيرٌ بِمَا تَّعمَلُونَولا تَّكُونُوا كَّالذِينَ نَّسُوا الل َه فَّأَّنسَاهُم أَّنفُ َ
أَّيُها الإِخوَ ُة في اللهِ ،إِنَّ الل َه تَّ َعالَّى تَّفَّرَّ َد بِرُبُوبِيَّتِ ِه بِأَّن أَّنعَم عَلَّى خَلقِهِ مَا شَاءَ مِن نِعَمِهِ ،ولا
ك أَّحَ ٌد صَرفَ الخَّيرَاتِ وإِنزَالَّ البَرَكَّاتِ َعلَّى غَّيرِهِ ،ولا َيظُن ظَّانٌّ أ ََّّن اللهَ لا يُعطِي ِه شَيئًا
يَملِ ُ
ب مُبِينٍ}.
رِزقُهَا ويَعلَّمُ مُستَّقَّرَّهَا ومُستَّو َدعَهَا ك ٌُّل في كِتَّا ٍ
فَّعَلَّى مَن أَّنعَ َم اللهُ عَلَّي ِه بِعَا ِفيَةٍ في بَدَنِهِ ،أَّو مَوهِبَةٍ في نَّفسِهِ ،أَّو زِيَادَ ٍة في رِزقِهِ ،أَّو تَّيسِيرٍ
في عَمَلِهِ ،أَّو مَكَّانَّةٍ بَينَ أَّهلِهِ ،أَّو إِيمَا ٍن في قَّلبِهِ ،أَّو سَدَا ٍد في قَّولِهِ وفِعلِهِ ،أَّن يَشكُرَ الل َه
ويَذكُرَهُ بِالفَّضلِ والمِنَّةِ ،فَّمَا أَّحسَنَ ِبالمُؤمِ ِن التَّقِي أَّن يَكُو َن شَاكِرًا حَامِدًا! حَتَّى تَّزدَادَ نِعَ ُم
اللهِ عَلَّيه وتَّبقَّى لَّ َديهِ فَّلا تَّنقَّطِ ُع عَنهُ ،وأَّنَّ َعلَّي ِه الرِضَّى والقَّنَاعَةَّ بِمَا ُقسِمَ واختِي َر لَّهُ؛ فَّيَنَا َّل
ض َعلَّى قِلَّةِ
بِذَّلِكَ رَاحَةً دَاخِلِيةً ،وتَّوَازُنًا نَّفسِيًا ،وإِقبَالًا عَمَلِيًا ،حِينَها يَستَّعِدُ بِعَ َد ِم الاعتِرَا ِ
رِزقِهِ ،وبَسَاطَّةِ مِهنَتِهِ ،وتَّأخُرِ وَظِيفَّتِهِ وزَّوَاجِهِ ،فإِن ذَّلِك كُلُهُ مِ َن اللهِ ،ومَا عَلَّى العَب ِد إِلا
أَّن يُبَادِرَ بِنفسِ ِه لِتَّطوِيرِهَا ،والاجتِهَادِ بِرَفعِ شَأنِهَا ،والصبرِ في إِصلاحِهَا وتَّقوِي ِمهَا ،والتَّفَّاُُلِ
في تَّغيُرِ َحالِهَا ،والتَّوكُلِ على اللهِ في نَّيلِ مُرَادِهَا ،قَّا َّل َّتعَالَّى{ :هُوَ الذِي جَعَ َّل لَّكُم
أَّيُهَا الإِخوَ ُة المُبَارَكُونَ ،لِنَعلَّمْ أ ََّّن فَّضلِ اللهِ عَلَّى بَعضِ ِعبَادِ ِه بِالقُوَّةِ أَّو المَا ِل أَّو العِل ِم أَّو الجَاهِ
إِنَّمَا هَذَّا مِن حِكمَةِ الل ِه وتَّدبِيرِهِ ،فَّلا يَكُن أَّحَدُنَّا حَاسِدًا غَّيرَهُ بِمَا عِندَهُ ويَسعَى جَادًا في
ك صَاحِبَ ُه ويُفقِ ُد
ب لَّهُ؛ فَّهَذَّا خِلافٌ للإِيمَانِ بِقَّضَّاءِ اللهِ وقَّدَرِهِ ،وذَّنبٌ عَظِي ٌم يُهلِ ُ
مَنعِ مَا كُتِ َ
ب يَسلُكُ ُه الشَّيطَّا ُن ومَن حَذَّا حَذوَهُ ،قَّا َّل تَّ َعالَّى{ :ولا تَّتَّمَنَّوا مَا فَّضَّلَّ
حَسَنَاتِهِ ،وهُ َو دَأ ٌ
اللهَ مِن فَّضلِهِ إِنَّ اللهَ كَّانَ بِك ُِل شَيءٍ عَلِيمًا}.
َب الإِنسَا ُن وتَّمَنَّى أَّن يَكُونَ عِندَهُ مِثلَّ مَا عِندَ غَّيرِهِ ،فيَعمَ َّل مَا يُرضِي اللهَ ولا
إِلا إِذَّا َّأح َّ
يَتَّمَنَّى زَّوَالَّهَا مِن عِندِهِ ،بَل يَدعُو لَّهُ بِأَّن يُبَارِكَّ لَّهُ بِهَا ،فَّهَذِ ِه غِبطَّةٌّ َحسَنَةٌّ تَّتَّط ََّّلبُ إِخلاصًا
إِلا في اثنَتَّينِ :رَجُ ٌّل عَلَّمهُ الل ُه القُرآنَ ،فَّهُوَ يَتلُو ُه آنَّاءَ اللَّي ِل وآنَّاءَ النَّهَارِ ،فسَمِعَهُ جَارٌ لَّهُ،
فَّقَّال :لَّيتَّنِي أُوتِيتُ مِثلَّ مَا أَّوتِي فُلا ٌن فَّعَمِلتُ مِث َّل مَا يَعمَلُ ،ورَجُلٌّ آتَّا ُه اللهُ مَالًا فهُ َو يُهلِكُهُ
في الحَقِ ،فَّقَّا َّل رَجُلٌّ :لَّيتَّنِي أُوتِيتُ مِثلَّ مَا أُوتِي فُلا ٌن فَّعَمِلتُ مِثلَّ مَا يَعمَل)) رَوَاهُ
البُخَّارِي في صَحِيحِهِ.
ب
هَذَّا وَأَّسْ َّتغْفِرُ اللهَ الْ َعلِيَّ الْ َعظِي َم لِي وَلَّكُ ْم ولِسَائِرِ المُسلِمِي َن والمُسلِمَاتِ ِمنْ ك ُِل ذَّنْ ٍ
أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَاَ ،منْ يهدِ اللهُ فلاَّ مُض َِّل لَّهُ ،وَ َمنْ يُضْلِ ْل فَّل َّا هَادِيَ لَّهُ ،وأشهدُ أنْ لا
ك لَّهُ ،وأشهدُ أنَّ ُمحَمَّدًا عبدُ الل ِه ورسُولُهُ ،صَلَّوَاتُ اللهِ تَّعَالَّى
إلهَ إِلَّا اللهُ َوحْدَهُ لَّا شري َ
وسَلامُهُ َعلَّيهِ ،و َعلَّى آلِهِ وأَّصَحَابِهِ ،وَ َمنْ تَّبِ َعهُمْ بِإِخلاصٍ وإِحْسَانٍ إِلَّى َيوْ ِم الدِينِ.
أمَّا بَعد:
فَّيَا ِعبَا َد اللهِ ،اتَّقُوا اللهَ حَتَّى يَرزُقَّكُم ويَتَّفَّضَّلَّ َعلَّيكُم ،قَّا َّل تَّ َعالَّى{ :ومَن يَتَّ ِق اللهَ يَجعَ ْل
عَلَّيكُم مِدرَارًا ويُمدِدْكُم ِبأَّموَا ٍل وبَنِينَ ويَجعَ ْل لَّكُم جَنَّاتٍ ويَجعَلْ لَّكُم أَّنهَارًا}،
ادعُوا اللهَ – يا عِبَا َد اللهِ – ِبأَّن يُعطِيَكُم َّفهُ َو سَمِيعٌ لِمَن دَعَاهُ ،لا يَرُدُ مَن رَفَّعَ يَدَي ِه ونَّاجَاهُ،
تَّوكَّلُوا َعلَّيهِ جَلَّ في عُلاهُ ،ولا تَّعتَّمِدُوا عَلَّى حَظٍ أَّو قُوَّ ٍة أَّو خِبرَةٍ أَّو جَاهٍ ،عن عُمَر ب ِن
َّوكلِهِ
ت رَسُولَّ الل ِه يَقُولُ(( :لَّو أنَّكُم تَّتَّوكَّلُونَ َعلَّى اللهِ ح ََّق ت ُ
الخَّطَّاب قَّالَّ :سَمِع ُ
ث
لَّرَزَّقَّكُم كَّمَا يَرزُقُ الطَّيرَ ،تَّغدُو خِمَاصًا وتَّرُوحُ ِبطَّانًا)) رَوَاهُ التِرمِذِي ،وقَّالَّ :حَ ِدي ٌ
حَسَنٌ.
ك أَّن يَخ ُلفَ لَّكُم في رِزقِكُم ،قَّالَّ
تَّصَدَّقُوا لل ِه في ك ُِل صَبَا ٍح مِن يَومِكُم يَدعُو لَّكُم َملَّ ٌ
{إِنَّ الذِي َن يَتلُو َن كِتَّابَ الل ِه و َّأقَّامُوا الصَّلا َة وأَّنفَّقُوا مِمَّا رَزَّقنَاهُم سِرًا وعَلانِي ًة يَرجُونَ ِتجَارَةً
لَّن تَّبُور لِيُوفِ َيهُم أُجُورَهُم و َيزِيدَهُم ِمن فَّضلِ ِه إِنَّهُ غَّفُورٌ شَكُورٌ}.