You are on page 1of 5

‫مع قَولِ الل ِه َتعَالى‪{ :‬ويُؤتِ كُلَّ ذِي فَّض ٍل فَّضلَّهُ}‬

‫الخطبة األولى‪:‬‬
‫الحَمدُ للهِ الذِي شَمِ َّلنَا بِمَغفِرَتِهِ ورَحمَتِهِ‪ ،‬ودَلَّنَا َعلَّى أَّسبَابِ رِضَّاهُ وجَنَّتِهِ‪ ،‬لا يَنقُصُ مِن‬

‫َي المَعبُودُ‪ ،‬كُلَّ‬


‫خَزَائِنِهِ شَيءٌ إِن أَّنعَ َم عَلَّى َخلِيقَّتِهِ‪ ،‬وأَّشهَدُ أَّن لا إِلَّهَ إِلا الل ُه وَحدَهُ الح ُ‬

‫شَيءٍ حَولَّنَا فَّانٍ لا يَبقَّى لَّهُ ُوجُودٌ‪ ،‬فلا تَّ َّتعَلَّقْ بِدُنيَاكَّ أَّكثرَ َّأيُهَا العَبدُ الصَّدُودُ‪ ،‬وأَّشهَ ُد أَّنَّ‬

‫ث الأُمَّةَّ عَلَّى الإِحسَانِ إِلَّى الغَّيرِ‪ ،‬وأَّب َّلغَّنَا‬


‫مُحَمَّدًا عَبدُ الل ِه ورَسُولُهُ الهَادِي لِكُلِ خَيرٍ‪َ ،‬ح َّ‬

‫أَّنَّ اللهَ رَازِقُنَا كَّمَا يَرزُقُ الطَّيرَ‪ ،‬اللهُمَّ ص َِل وسَلِم وبَارِكْ َعلَّيه‪ ،‬وعلى آلِهِ وصَحبِهِ ومَن‬

‫تَّبِعَهُم في أَّعمَا ِل البِرِ والخَّيرِ‪.‬‬

‫أَّمَّا بَعد‪:‬‬

‫سنَ ُيجَازَّى بِالرِضَّى وا َّلثوَابِ‪ ،‬وأَّنَّ المُسيءَ يُخشَى َعلَّيهِ ِإذَّا‬


‫فيَا ِعبَا َد اللهِ‪ ،‬لِنَعلَّ ْم أَّنَّ المُح ِ‬

‫لَّم يَ ُتبْ أَّن يَتَّحَسَّرَ عَلَّى نَّفسِهِ إِن تَّلَّقَّى العِقَّابَ‪ ،‬فهَلَّا رَجَعنَا إِلَّى اللهِ الذِي يُحِبُ ِلعَبِيدِ ِه‬

‫السَّعَادَ َة وحُس َن المَآبِ‪ ،‬ورَ َجونَّاهُ أَّن يَغفِرَ لَّنَا مَا أَّخطَّأنَّا ومَا قَّصَّرنَّا قَّبلَّ َيو ِم الحِسَابِ‪ ،‬بَأَّن‬

‫خالِفُ لَّهُ أَّمرًا يُص ِلحُنَا‪ ،‬ولا نَّعمَ ُل مَا يُشِي ُننَا وما نَّ َهانَّا عَنهُ‪،‬‬
‫نَّتَّقِيَهُ سُبحَانَّهُ ونُؤ ِمنَ بِهِ‪ ،‬فلا نُ َّ‬

‫قَّالَّ َّتعَالَّى‪{ :‬يَا َّأيُهَا الذِي َن آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ ولْتَّنظُرْ نَّفسٌ مَا قَّدَّمَت لِغَّ ٍد واتَّقُوا الل َه إِنَّ اللهَ‬

‫ك هُ ُم الفَّاسِقُونَ}‪.‬‬
‫سهُم أُولَّئِ َ‬
‫خَبِيرٌ بِمَا تَّعمَلُونَ‪‬ولا تَّكُونُوا كَّالذِينَ نَّسُوا الل َه فَّأَّنسَاهُم أَّنفُ َ‬
‫أَّيُها الإِخوَ ُة في اللهِ‪ ،‬إِنَّ الل َه تَّ َعالَّى تَّفَّرَّ َد بِرُبُوبِيَّتِ ِه بِأَّن أَّنعَم عَلَّى خَلقِهِ مَا شَاءَ مِن نِعَمِهِ‪ ،‬ولا‬

‫ك أَّحَ ٌد صَرفَ الخَّيرَاتِ وإِنزَالَّ البَرَكَّاتِ َعلَّى غَّيرِهِ‪ ،‬ولا َيظُن ظَّانٌّ أ ََّّن اللهَ لا يُعطِي ِه شَيئًا‬
‫يَملِ ُ‬

‫ض إِلا عَلَّى اللهِ‬


‫مِن أَّفضَّالِهِ‪ ،‬ولا يَبسُطُ عَلَّيهِ بَعضَ رِزقِهِ‪ ،‬وقَّا َّل تَّ َعالَّى‪ :‬ومَا مِن دَابَّةٍ في الأَّر ِ‬

‫ب مُبِينٍ}‪.‬‬
‫رِزقُهَا ويَعلَّمُ مُستَّقَّرَّهَا ومُستَّو َدعَهَا ك ٌُّل في كِتَّا ٍ‬

‫فَّعَلَّى مَن أَّنعَ َم اللهُ عَلَّي ِه بِعَا ِفيَةٍ في بَدَنِهِ‪ ،‬أَّو مَوهِبَةٍ في نَّفسِهِ‪ ،‬أَّو زِيَادَ ٍة في رِزقِهِ‪ ،‬أَّو تَّيسِيرٍ‬

‫في عَمَلِهِ‪ ،‬أَّو مَكَّانَّةٍ بَينَ أَّهلِهِ‪ ،‬أَّو إِيمَا ٍن في قَّلبِهِ‪ ،‬أَّو سَدَا ٍد في قَّولِهِ وفِعلِهِ‪ ،‬أَّن يَشكُرَ الل َه‬

‫ويَذكُرَهُ بِالفَّضلِ والمِنَّةِ‪ ،‬فَّمَا أَّحسَنَ ِبالمُؤمِ ِن التَّقِي أَّن يَكُو َن شَاكِرًا حَامِدًا! حَتَّى تَّزدَادَ نِعَ ُم‬

‫اللهِ عَلَّيه وتَّبقَّى لَّ َديهِ فَّلا تَّنقَّطِ ُع عَنهُ‪ ،‬وأَّنَّ َعلَّي ِه الرِضَّى والقَّنَاعَةَّ بِمَا ُقسِمَ واختِي َر لَّهُ؛ فَّيَنَا َّل‬

‫ض َعلَّى قِلَّةِ‬
‫بِذَّلِكَ رَاحَةً دَاخِلِيةً‪ ،‬وتَّوَازُنًا نَّفسِيًا‪ ،‬وإِقبَالًا عَمَلِيًا‪ ،‬حِينَها يَستَّعِدُ بِعَ َد ِم الاعتِرَا ِ‬

‫رِزقِهِ‪ ،‬وبَسَاطَّةِ مِهنَتِهِ‪ ،‬وتَّأخُرِ وَظِيفَّتِهِ وزَّوَاجِهِ‪ ،‬فإِن ذَّلِك كُلُهُ مِ َن اللهِ‪ ،‬ومَا عَلَّى العَب ِد إِلا‬

‫أَّن يُبَادِرَ بِنفسِ ِه لِتَّطوِيرِهَا‪ ،‬والاجتِهَادِ بِرَفعِ شَأنِهَا‪ ،‬والصبرِ في إِصلاحِهَا وتَّقوِي ِمهَا‪ ،‬والتَّفَّاُُلِ‬

‫في تَّغيُرِ َحالِهَا‪ ،‬والتَّوكُلِ على اللهِ في نَّيلِ مُرَادِهَا‪ ،‬قَّا َّل َّتعَالَّى‪{ :‬هُوَ الذِي جَعَ َّل لَّكُم‬

‫الأَّرضَ ذَّلُولًا فَّامشُوا في َمنَاكِبِهَا وكُلُوا مِن رِزقِهِ وإِلَّيهِ ا ُلنشُورُ}‪.‬‬

‫أَّيُهَا الإِخوَ ُة المُبَارَكُونَ‪ ،‬لِنَعلَّمْ أ ََّّن فَّضلِ اللهِ عَلَّى بَعضِ ِعبَادِ ِه بِالقُوَّةِ أَّو المَا ِل أَّو العِل ِم أَّو الجَاهِ‬

‫إِنَّمَا هَذَّا مِن حِكمَةِ الل ِه وتَّدبِيرِهِ‪ ،‬فَّلا يَكُن أَّحَدُنَّا حَاسِدًا غَّيرَهُ بِمَا عِندَهُ ويَسعَى جَادًا في‬
‫ك صَاحِبَ ُه ويُفقِ ُد‬
‫ب لَّهُ؛ فَّهَذَّا خِلافٌ للإِيمَانِ بِقَّضَّاءِ اللهِ وقَّدَرِهِ‪ ،‬وذَّنبٌ عَظِي ٌم يُهلِ ُ‬
‫مَنعِ مَا كُتِ َ‬

‫ب يَسلُكُ ُه الشَّيطَّا ُن ومَن حَذَّا حَذوَهُ‪ ،‬قَّا َّل تَّ َعالَّى‪{ :‬ولا تَّتَّمَنَّوا مَا فَّضَّلَّ‬
‫حَسَنَاتِهِ‪ ،‬وهُ َو دَأ ٌ‬

‫سبُوا و ِللنسَاءِ نَّصِيبٌ مِمَّا اك َّتسَب َن وسْئَّلُوا‬


‫اللهُ بِهِ بَعضَّكُم عَلَّى بَعضٍ للرِجَالِ نَّصِيبٌ مِمَّا اكتَّ َ‬

‫اللهَ مِن فَّضلِهِ إِنَّ اللهَ كَّانَ بِك ُِل شَيءٍ عَلِيمًا}‪.‬‬

‫َب الإِنسَا ُن وتَّمَنَّى أَّن يَكُونَ عِندَهُ مِثلَّ مَا عِندَ غَّيرِهِ‪ ،‬فيَعمَ َّل مَا يُرضِي اللهَ ولا‬
‫إِلا إِذَّا َّأح َّ‬

‫يَتَّمَنَّى زَّوَالَّهَا مِن عِندِهِ‪ ،‬بَل يَدعُو لَّهُ بِأَّن يُبَارِكَّ لَّهُ بِهَا‪ ،‬فَّهَذِ ِه غِبطَّةٌّ َحسَنَةٌّ تَّتَّط ََّّلبُ إِخلاصًا‬

‫ِي ‪ ‬قَّالَّ‪(( :‬لا حَسَ َد‬


‫وصِدقًا‪ ،‬وعَزمًا وعَ َملًا‪ ،‬و ُدعَاءً ورَجَاءً‪ ،‬عَن أَّبي هُرَيرَ َة ‪ ‬أَّنَّ النَّب َّ‬

‫إِلا في اثنَتَّينِ‪ :‬رَجُ ٌّل عَلَّمهُ الل ُه القُرآنَ‪ ،‬فَّهُوَ يَتلُو ُه آنَّاءَ اللَّي ِل وآنَّاءَ النَّهَارِ‪ ،‬فسَمِعَهُ جَارٌ لَّهُ‪،‬‬

‫فَّقَّال‪ :‬لَّيتَّنِي أُوتِيتُ مِثلَّ مَا أَّوتِي فُلا ٌن فَّعَمِلتُ مِث َّل مَا يَعمَلُ‪ ،‬ورَجُلٌّ آتَّا ُه اللهُ مَالًا فهُ َو يُهلِكُهُ‬

‫في الحَقِ‪ ،‬فَّقَّا َّل رَجُلٌّ‪ :‬لَّيتَّنِي أُوتِيتُ مِثلَّ مَا أُوتِي فُلا ٌن فَّعَمِلتُ مِثلَّ مَا يَعمَل)) رَوَاهُ‬

‫البُخَّارِي في صَحِيحِهِ‪.‬‬

‫ت والذِكرِ الحَكِيمِ‪ ،‬أَّقُولُ َّقولِي‬


‫بَارَكَّ اللهُ لِي ولَّكُم في القُرآنِ العَظِيمِ‪ ،‬ونَّفَّعَنِي وإِيَّاكُم ِبالآيَا ِ‬

‫ب‬
‫هَذَّا وَأَّسْ َّتغْفِرُ اللهَ الْ َعلِيَّ الْ َعظِي َم لِي وَلَّكُ ْم ولِسَائِرِ المُسلِمِي َن والمُسلِمَاتِ ِمنْ ك ُِل ذَّنْ ٍ‬

‫فَّاسْتَّغْفِرُوهُ يَغفِرْ لَّكٌّم‪ ،‬إِنَّهُ ُهوَ ا ْلغَّفُورُ الرَّحِيم‪.‬‬


‫الخطبة الثانية‪:‬‬
‫إنَّ الحمدَ للهِ َّنحْمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُهُ‪ ،‬ونَّتُوبُ إِلَّي ِه ونَّتَّوَكَّ ُل عَلَّيهِ‪ ،‬ونعوذُ باللهِ مِ ْن شرورِ‬

‫أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا‪َ ،‬منْ يهدِ اللهُ فلاَّ مُض َِّل لَّهُ‪ ،‬وَ َمنْ يُضْلِ ْل فَّل َّا هَادِيَ لَّهُ‪ ،‬وأشهدُ أنْ لا‬

‫ك لَّهُ‪ ،‬وأشهدُ أنَّ ُمحَمَّدًا عبدُ الل ِه ورسُولُهُ‪ ،‬صَلَّوَاتُ اللهِ تَّعَالَّى‬
‫إلهَ إِلَّا اللهُ َوحْدَهُ لَّا شري َ‬

‫وسَلامُهُ َعلَّيهِ‪ ،‬و َعلَّى آلِهِ وأَّصَحَابِهِ‪ ،‬وَ َمنْ تَّبِ َعهُمْ بِإِخلاصٍ وإِحْسَانٍ إِلَّى َيوْ ِم الدِينِ‪.‬‬

‫أمَّا بَعد‪:‬‬

‫فَّيَا ِعبَا َد اللهِ‪ ،‬اتَّقُوا اللهَ حَتَّى يَرزُقَّكُم ويَتَّفَّضَّلَّ َعلَّيكُم‪ ،‬قَّا َّل تَّ َعالَّى‪{ :‬ومَن يَتَّ ِق اللهَ يَجعَ ْل‬

‫سبْ}‪ ،‬واستَّغفِرُوه في يَومِكُم ولَّيلِكُم حَتَّى يَ ِزيدَكُم‬


‫ث لا يَحتَّ ِ‬
‫لَّهُ مَخرَجًا ويَرزُقْهُ مِن حَي ُ‬

‫ت استَّغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَّا َن غَّفَّارًا ‪ ‬يُرسِلِ السَّمَا َء‬


‫ويَمُنَّ عَلَّيكُم‪ ،‬قَّالَّ تَّعَالَّى‪{ :‬فَّقُل ُ‬

‫عَلَّيكُم مِدرَارًا ‪ ‬ويُمدِدْكُم ِبأَّموَا ٍل وبَنِينَ ‪ ‬ويَجعَ ْل لَّكُم جَنَّاتٍ ويَجعَلْ لَّكُم أَّنهَارًا}‪،‬‬

‫ادعُوا اللهَ – يا عِبَا َد اللهِ – ِبأَّن يُعطِيَكُم َّفهُ َو سَمِيعٌ لِمَن دَعَاهُ‪ ،‬لا يَرُدُ مَن رَفَّعَ يَدَي ِه ونَّاجَاهُ‪،‬‬

‫تَّوكَّلُوا َعلَّيهِ جَلَّ في عُلاهُ‪ ،‬ولا تَّعتَّمِدُوا عَلَّى حَظٍ أَّو قُوَّ ٍة أَّو خِبرَةٍ أَّو جَاهٍ‪ ،‬عن عُمَر ب ِن‬

‫َّوكلِهِ‬
‫ت رَسُولَّ الل ِه ‪ ‬يَقُولُ‪(( :‬لَّو أنَّكُم تَّتَّوكَّلُونَ َعلَّى اللهِ ح ََّق ت ُ‬
‫الخَّطَّاب ‪ ‬قَّالَّ‪ :‬سَمِع ُ‬

‫ث‬
‫لَّرَزَّقَّكُم كَّمَا يَرزُقُ الطَّيرَ‪ ،‬تَّغدُو خِمَاصًا وتَّرُوحُ ِبطَّانًا)) رَوَاهُ التِرمِذِي‪ ،‬وقَّالَّ‪ :‬حَ ِدي ٌ‬

‫حَسَنٌ‪.‬‬
‫ك أَّن يَخ ُلفَ لَّكُم في رِزقِكُم‪ ،‬قَّالَّ‬
‫تَّصَدَّقُوا لل ِه في ك ُِل صَبَا ٍح مِن يَومِكُم يَدعُو لَّكُم َملَّ ٌ‬

‫ِب ك َُّل كَّفَّارٍ أَّثِيمٍ}‪ ،‬وقَّالَّ تَّعَالَّى‪:‬‬


‫تَّعَالَّى‪{ :‬يَمحَقُ الل ُه الرِبَا ويُربِي الصَّدَقَّاتِ واللهُ لا ُيح ُ‬

‫{إِنَّ الذِي َن يَتلُو َن كِتَّابَ الل ِه و َّأقَّامُوا الصَّلا َة وأَّنفَّقُوا مِمَّا رَزَّقنَاهُم سِرًا وعَلانِي ًة يَرجُونَ ِتجَارَةً‬

‫لَّن تَّبُور ‪ ‬لِيُوفِ َيهُم أُجُورَهُم و َيزِيدَهُم ِمن فَّضلِ ِه إِنَّهُ غَّفُورٌ شَكُورٌ}‪.‬‬

‫أَّلا صَلُوا وسَلِمُوا رَحِمَكُمُ الل ُه عَلَّى مُحَمَّ ِد المُصطَّفَّى‪..‬‬

You might also like