Professional Documents
Culture Documents
تفاسير القرآن 0012
تفاسير القرآن 0012
ين ِمن َقْبلِ ُك ْم َل َعَّل ُك ْم َت َّتُقو َن } ِ ِ { ٰيأَُّيها َّٱل ِذين آمُنوْا ُك ِتب عَلي ُكم ِ
ام َك َما ُكت َب َعَلى َّٱلذ َ
ُ يَ ٱلص َ َْ ُ َ َ َ
الصوم على ضربين :صوم ظاهر وهو اإلمساك عن المفطرات مصحوباً بالنية،
وصوم باطن وهو َص ْو ُن القلب عن اآلفات ،ثم صون الروح عن المساكنات،
ثم صون ِ
الس ِر عن المالحظات
ين ِمن َقْبلِ ُك ْم َل َعَّل ُك ْم َت َّتُقو َن } ِ ِ { ٰيأَُّيها َّٱل ِذين آمُنوْا ُك ِتب عَلي ُكم ِ
ام َك َما ُكت َب َعَلى َّٱلذ َ
ُ يَ ٱلص َ َْ ُ َ َ َ
اص ِفي ٱْلَق ْتَلى ٱْل ُحُّر ِباْل ُح ِر َوٱْل َعْب ُد ِبٱْل َعْب ِد َوٱألُن َث ٰى ِ ِ
آمُنوْا ُكت َب َعَلْي ُك ُم ٱْلق َص ُ َ ين
َ ذ{ ٰيأَُّيها َّٱل ِ
َ
آء ِإَلْي ِه ِبِإ ْح َس ٍ
ان ٰذ ِل َك َ ٌ دَ َ
أ
و وفاع ِبٱْلمعر ِ
ُ ْ َ ٌ ب
َ
يه َشيء َف ِ
ٱت ٌْ
ِبٱألُ ْن َثى َفمن ع ِفي َله ِمن أَ ِخ ِ
ٰ َْ ُ َ ُ ْ
يم } * { َوَل ُك ْم ِفي يف ِمن َّربِ ُكم ورحم ٌة َفم ِن ٱع َت َد ٰى بع َد ٰذلِ َك َفَل ُه ع َذ ِ َت ْخ ِف ٌ
اب أَل ٌ َ ٌ َْ ْ ََ ْ َ َ ْ
اب َل َعَّل ُك ْم َت َّتُقو َن } * { ُك ِت َب َعَلْي ُك ْم ِإ َذا َح َضَر أَ َح َد ُك ُم ٱْل َم ْو ُت اص َح َٰيوٌة ٰيأُوِلي ٱألَ ْلَب ِ ٱْل ِق َص ِ
ِ ِ ِ ِ ِ
ين } * { َف َمن َبَّدَل ُه ين ِبٱْل َم ْعُروف َحقاً َعَلى ٱْل ُم َّتق َ ِإن َتَر َك َخْي اًر ٱْل َوصَّي ُة لْل َوال َدْي ِن َوٱألَ ْقَربِ َ
اف ِمن ِ بع َد ما س ِمعه َفِإَّنما ِإ ْثمه عَلى َّٱل ِذين يب ِدُلوَنه ِإ َّن َّ ِ
يم } * { َف َم ْن َخ َ يع َعل ٌ ٱهلل َسم ٌ َ َ َُ ُ َْ َ َ َُ َ ُُ َ
يم } * ِ
ور َّرح ٌ ٱهلل َغ ُف ٌ ِِ ِ وص َجَنفاً أَ ْو ِإ ْثم ًا َفأ ْ
َصَل َح َبْيَن ُه ْم َفالَ إ ْث َم َعَلْيه إ َّن َّ َ ُّم ٍ
ين ِمن َقْبلِ ُك ْم َل َعَّل ُك ْم َت َّتُقو َن } ِ ِ ِ ِ ِ
ام َك َما ُكت َب َعَلى َّٱلذ َ آمُنوْا ُكت َب َعَلْي ُك ُم ٱلصَي ُ
ين َ { ٰيأَُّي َها َّٱلذ َ
ام أُ َخَر َو َعَلى نكم َّم ِريضاً أَ ْو َعَل ٰى َس َف ٍر َف ِعَّد ٌة ِم ْن أََّي ٍان ِم ُ
ات َف َمن َك َ ود ٍ* { أََّياماً َّم ْع ُد َ
وموْا َخْيٌر َّل ُك ْم ص ت
َ ن َ
أو ه ط َّو َع َخْي اًر َف ُهو َخْيٌر َّ
ل َ ت
َ ن م ف
َ ين
ٍ طعام ِمس ِ
ك َ ٌ
ة ي د
ْ َّٱل ِذين ي ِط ُيقوَنه ِ
ف
ُ ُ َ ُ َ َ َُ ْ َ ُ َ ُ
ِإن ُكْن ُت ْم َت ْعَل ُمو َن }
القصاص قانون من قوانين العدالةُ ،ف ِرض إل زالة عدوان القوة السبعية ،وهو ظل من
ظالل عدله تعالى فإنه إذا تصرف في عبده بإفنائه فيه عوضه عن حر روحه روحاً
موهوماً خي اًر منه ،وعن عبد قلبه قلباً موهوباً ،وعن أنثى نفسه نفساً موهوبة كاملة
{ ولكم } في مقاصة هللا إياكم بما ذكر { حياة } عظيمة ،أي :حياة ال يوصف كنهها
{ يا أولي األلباب } أي :العقول الخالصة عن قشر األوهام وغواشي العينيات واألجرام
فكذا في هذا القصاص -لكي تتقوا تركه وتحافظوا عليه -الوصية والمحافظة عليها
قانون آخر ُف ِر َ
ض إل زالة نقصان القوة الملكية ،أي :القوة النطقية وقصورها عما
يقتضي الحكمة من التصرف في األموال ،والسلطنة على القوتين األخريين بنور الحق
وحكم الشرع ،ومنعها عن عدوانها أيضاً بتبديل الوصية الذي هو نوع من الجريمة
والخيانة ،وتحريضها على التحقيق والتدقيق في باب الحكمة التي هي كمالها
باإلصالح بين الموصى لهم على مقتضى الحكمة،
إذا توقع وعلم من الموصي إض ار اًر بالسهو والعمد –
الصيام قانون آخر مما ُف ِر َ
ض إل زالة عدوان القوة البهيمية وتسلطها –
واعلم أن قصاص أهل الحقيقة ما ذكر ،ووصيتهم هي بالمحافظة على عهد األزل
وب } البقرة132 : اه ِ ِ بترك ما سوى الحق ،كما قال تعالى {:وو َّصى ِبهآ ِإبر ِ
يم َبنيه َوَي ْعُق ُ
َ َ ٰ َ َْ ُ
وصيامهم هو اإلمساك عن كل قول وفعل وحركة وسكون ليس بالحق للحق
* تفسير روح البيان في تفسير القرآن /إسماعيل حقي (ت 1127هـ)
ين ِمن َقْبلِ ُك ْم َل َعَّل ُك ْم َت َّتُقو َن } ِ ِ ِ ِ ِ
ام َك َما ُكت َب َعَلى َّٱلذ َ
آمُنوْا ُكت َب َعَلْي ُك ُم ٱلصَي ُ { ٰيأَُّي َها َّٱلذ َ
ين َ
{ يا أيها الذين آمنوا } قال أصحاب اللسان يا حرف نداء وهو نداء من الحبيب
للحبيب وأيها تنبيه من الحبيب للحبيب وآمنوا شهادة من الحبيب للحبيب
وقال الحسن إذا سمعت هللا يقول يا أيها الذين آمنوا فارفع لها سمعك
فإنه ألمر تؤمر به أو لنهى تنهى عنه
وقال جعفر الصادق لذة فى النداء أزال بها تعب العبادة والعناء يشير إلى أن المحب
يبادر إلى إمتثال أمر محبوبه حتى لو أمره بالقاء نفسه فى النار
{ كتب عليكم الصيام } أى فرض عليكم صيام شهر رمضان فانه تعالى
قال بعده{ أياما معدودات } البقرة 184
وقال تعالى{ فمن شهد منكم الشهر فليصمه } البقرة 185
بعد قوله{ شهر رمضان } البقرة 185
والصيام فى الشريعة هو اإلمساك نها ار مع النية من أهله عن المفطرات المعهودة
التى هى معظم ما تشتهيه األ نفس
وهذا صوم عوام المؤمنين
وأما صوم الخواص فاإلمساك عن المنهيات
وأما صوم أخص الخواص فاإلمساك عما سوى هللا تعالى
{ كما كتب } محل كما النصب على أنه صفة مصدر محذوف
أى كتب كتابا كائنا مثل ما كتب وما مصدرية أو على أنه حال من الصيام
وما موصولة أى كتب عليكم الصيام مشبها بالذى كتب { على الذين من قبلكم }
من األ نبياء عليهم السالم واألمم من لدن آدم عليه السالم
وفيه تأكيد للحكم وترغيب فيه وتطييب أل نفس المخاطبين
فإن الصوم عبادة شاقة والشىء الشاق إذا عم سهل تحمله
ويرغب كل أحد فى إتيانه والظاهر أن التشبيه عائد إلى أصل إيجاب الصوم
ال إلى كمية الصوم المكتوب وبيان وقته
فكان الصوم على آدم أيام البيض
وصوم عاشو ارء كان على قوم موسى
والتشبيه ال يقتضى التسوية من كل وجهه كما يقال فى الدعاء
اللهم ِ
صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
وكما قال عليه السالم " إنكم سترون ربكم كالقمر ليلة البدر"
فان هذا تشبيه الرؤية بالرؤية ال تشبيه المرئى بالمرئى
{ لعلكم تتقون } المعاصى
فإن الصوم يكسر الشهوة التى هي مبدأها كما قال عليه السالم
" يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج
ومن لم يستطع فعليه بالصوم فان الصوم له وجاء "
قوله الشباب جمع شاب وهو عند أصحابنا من بلغ ولم يحاوز ثالثين
كذا قاله النووى والباءة النكاح والتزوج وهو المباءة فى المنزل
ألن من تزوج امرأة بوأها منزال والوجاء نوع من اإلخصاء
وهو أن يرض عروق اإل نثيين ويترك الخصيتين كما هما
والمعنى على التشبيه أى الصوم يقطع شهوة الجماع ويدفع شر المنى كالخصاء
واألمر فى الحديث للوجوب أل نه محمول على حالة التوقان بإشارة قوله
يا معشر الشباب فانهم ذووا التوقان على الجبلة السليمة
قال العلماء تسكين الشهوة يحصل بالصيام بالنهار والقيام بالليل
وحذف الشهوات والتغافل عنها وترك محادثة النفس بذكرها
فان قلت أن الرجل يصوم ويقوم وال يأكل ويجد من نفسه حركة وإضطرابا
قلت ذلك من فرط فضل شهوة مقيمة فيه من األول
فليقطع ذلك عن نفسه بالهموم واألحزان الدائمة وذكر الموت
وتقريب األجل وقصر األمل والمداومة على المراقبة والمحافظة على الطاعة
تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد /ابن عجيبة (ت 1224هـ)
ين ِمن َقْبلِ ُك ْم َل َعَّل ُك ْم َت َّتُقو َن } ِ ِ { ٰيأَُّيها َّٱل ِذين آمُنوْا ُك ِتب عَلي ُكم ِ
ام َك َما ُكت َب َعَلى َّٱلذ َ ُ ي
َ ٱلص َ َْ ُ َ َ َ
ام أُ َخَر َو َعَلى نكم َّم ِريضاً أَ ْو َعَل ٰى َس َف ٍر َف ِعَّد ٌة ِم ْن أََّي ٍ
ان ِم ُات َف َمن َك َود ٍ* { أََّياماً َّم ْع ُد َ
وموْا َخْيٌر َّل ُك ْم
ص ُ
َّ
ط َّو َع َخْي اًر َف ُه َو َخْيٌر ل ُه َوأَن َت ُ
ين َف َمن َت َام ِم ْس ِك ٍ ين ُي ِط ُيقوَن ُه ِف ْدَي ٌة َ
ط َع ُ
ِ
َّٱلذ َ
ِإن ُكْن ُت ْم َت ْعَل ُمو َن } *
ين ِمن َقْبلِ ُك ْم َل َعَّل ُك ْم َت َّتُقو َن } ِ ِ { ٰيأَُّيها َّٱل ِذين آمُنوْا ُك ِتب عَلي ُكم ِ
ام َك َما ُكت َب َعَلى َّٱلذ َ ُ ي
َ ٱلص َ َْ ُ َ َ َ
ام أُ َخَر َو َعَلى نكم َّم ِريضاً أَ ْو َعَل ٰى َس َف ٍر َف ِعَّد ٌة ِم ْن أََّي ٍ ان ِم ُ ات َف َمن َك َ ود ٍ* { أََّياماً َّم ْع ُد َ
وموْا َخْيٌر َّل ُك ْم ص ُ
َّ
ط َّو َع َخْي اًر َف ُه َو َخْيٌر ل ُه َوأَن َت ُ ين َف َمن َت َ ام ِم ْس ِك ٍ
ط َع ُين ُي ِط ُيقوَن ُه ِف ْدَي ٌة َ ِ
َّٱلذ َ
ات ِم َن آن ُه ًدى لِ َّلن ِ
اس َوَبِيَن ٍ ر قُ ل
ْ ٱ ِإن ُكْن ُتم َتعَلمون } * { َشهر رم َضان َّٱل ِذ ۤي أُْن ِزل ِف ِ
يه
ْ ُ َ ُْ َ َ َ ْ ْ ُ َ
ان َم ِريضاً أَ ْو َعَل ٰى َس َف ٍر َف ِعَّد ٌة ص ْم ُه َو َمن َك َ ٱلش ْهَر َفْلَي ُنك ُم َّ ان َف َمن َش ِه َد ِم ُ ٱْل ُه َد ٰى َوٱْل ُفْرَق ِ
ِ ِ ِ ٱهلل ِب ُكم ٱْلُي ْسَر َوالَ ُي ِر ُ ِ ِم ْن أََّي ٍ
ٱهلل َعَل ٰى يد ب ُك ُم ٱْل ُع ْسَر َولِ ُت ْكمُلوْا ٱْلعَّد َة َولِ ُت َكبُروْا َّ َ يد َّ ُ ُ ام أُ َخَر ُي ِر ُ
اك ْم َوَل َعَّل ُك ْم َت ْش ُكُرو َن }
َما َه َد ُ
---------------------------------------------
تفسير التأويالت النجمية في التفسيراإلشاري الصوفي /اإلمام أحمد بن عمر(ت 618هـ)
أخبر عن أحد أركان الوصية في اإلمساك عن المشارب القلبية والقالبية بقوله تعالى:
ام } البقرة،183 : ي { ٰيأَُّيها َّٱل ِذين آمُنوْا ُك ِتب عَلي ُكم ِ
ٱلص
ُ َ َ َْ ُ َ َ َ
واإلشارة فيها أن الصوم كما يكون للظاهر يكون للباطن ،وباطن الخطاب يشير إلى
صوم القلب والروح والسر،
آمُنوْا } شهود أنوار الحضور مع هللا كما سبق ذكرهم، ينذ{ َّٱل ِ
َ َ
فصوم القلب :صومه عن مشارب المعقوالت،
وصوم الروح :عن مالحظة الروحانية،
وصوم السر :صومه عن شهود غير هللا،
فمن أمسك عن المفطرات فنهاية صومه إذا هجم الليل،
ومن أمسك عن األغيار فنهاية صومه أن يشهد الحق
وفي قوله صلى هللا عليه وسلم :
،عند أهل التحقيق الهاء عائدة إلى الحق تعالى " ،صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته "
فينبغي أن يكون صوم العبد ظاه اًر وباطناً لرؤية الحق وإفطاره بالرؤية
كما قال قائلهم :
لقد صا َم طرفي عن شهو ِد سواكم وحق له لما اعترا ُه نواكم
حين يبدو هاللَ ُهم
عي ُد قو ٌم َ
يُ ِ صب حين يراك ُم ويبدو هال ُل ال َ
اإلشارة فيها :أن صومكم في أيام قالئل معدودة متناهية ،وثمرات صومكم وفوائدها من
أيام غير معدودة وال متناهية ،فال يهولنكم سماع ذكره وهذا كقوله تعالى:
ق ِج َه ِاد ِه الحج78 : اهدوا ِفي َّ ِ
ٱهلل َح َّ ِ
َو َج ُ
ان ِم ُ
نكم َّم ِريضاً } البقرة184 :؛ ثم قال تعالىَ { :ف َمن َك َ
أي :وقع له فترة من السلوك لمرض عارض قلبه من غلبات صفات النفس وداعي
البشرية وكسل الطبيعة فانحرف خارج القلب،
{ أَ ْو َعَل ٰى َس َف ٍر } البقرة،184 :
أو وقع له أثناء السلوك من العجز عن القيام بأعباء أحكام الحقيقة،
فليمهل حتى تشتد إرادته وتقوى جرأته وتدركه العناية ويعالج سقمه بمعاجين األلطاف،
ويزيل مرضه بملينات األلطاف،
{ َف ِعَّد ٌة ِم ْن أََّي ٍ
ام أُ َخَر } البقرة184 :؛
يعني :في أيام سالمة القلب وزوال المرض فيستدرك ما فاته باألخذ بالتأويل
وما رخص له في التسهيل
التغابن16 : ط ْع ُت ْم
ٱس َت َ كما قال تعالى ألهل الرخصَ :ف َّٱتُقوْا َّ َ
ٱهلل َما ْ
ق ُتَق ِات ِه آل عمران102 : وقال تعالى ألهل العزائمَّ :ٱتُقوْا َّ َ
ٱهلل َح َّ
وذلك سنة من هللا في التسهيل ألهل البداية،
ثم استيفاء ذلك عنهم واجب في آخر الحالة،
ين ُي ِط ُيقوَن ُه ِف ْدَي ٌة } البقرة184 :؛ ِ
{ َو َعَلى َّٱلذ َ
أي :على من كان له قوة في صدق الطلب وهمة علية في المقصد واجبة لما أفطروا،
وإن إمساك الهمة عن المشارب بااللتفات إلى بعض المطالب فرجع تسهيالت الشريعة
عن شارب الحقيقة،
ام ِم ْس ِك ٍ
ين } البقرة،184 : ط َع ُ
{ َ
إشارة إلى أن كل مشرب ألطاف الحق؛ يعني :المسكين من يكون مشربه
غير ما عند هللا ،وفيه إشارة إلى أن كفارته ما يكون
ين } فيعطيه المساكين بالخروج عما سوى هللا، ام ِم ْس ِك ٍ
ط َع ُ
{ َ
ويواصل الصوم وال يفطر إال على طعام مواهب الحق وشرب مشاربه،
كما كان النبي صلى هللا عليه وسلم يواصل ويقول:
"إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني " ،
ط َّو َع َخْي اًر البقرة184 :؛ أي :فمن زاد في الغذاء؛
َف َمن َت َ
يعني :كلما فطر عن مشرب فال بد سقي من مشرب فيغذي ذلك المشرب أيضاً،
{ َف ُه َو َخْيٌر َّل ُه } البقرة ،184 :أن يصير مشربه ترك المشارب كلها ودوام الصوم
وموْا َخْيٌر َّل ُك ْم } البقرة184 :؛
ص ُكقوله تعالىَ { :وأَن َت ُ
يعنيِ { :إن ُكْن ُت ْم َت ْعَل ُمو َن } البقرة ،184 :أن فوق كل مشرب آخر إلى ما ال يتناهى؛
ولهذا قال صلى هللا عليه وسلم " :من استوى يوماه فهو مغبون"
وفيه إشارة أخرى وهي:
ان َّٱل ِذ ۤي } البقرة،185-184 :
{ ِإن ُكْن ُت ْم َت ْعَل ُمو َن * َش ْهُر َرَم َض َ
شهر النصب على قراءة من قرأها؛
ِإن ُكْن ُت ْم َت ْعَل ُمو َن } ما اختص به، يعني :وإن تصوموا على المشارب كلها { َخْيٌر َّل ُك ْم
من يكون حاله كحال رمضان ِ ِ
آن } البقرة 185 :فمعناه :وأن { أُْن ِز َل فيه ٱْلُقْر ُ
في إدامة الصوم فينزل فيه حقائق القرآن؛
ليكون على مأدبة هللا ال على معنى أن يأكل من المأدبة فإنه دائم الصوم،
ولكن المأدبة تأكله تفنيه عن خلق الخلقية وتبقيه بخلق الخالقية،
كما كان حال النبي صلى هللا عليه وسلم بقوله تعالى:
ِ
َوإَِّن َك َل َعَل ٰى ُخُل ٍق َعظ ٍ
يم القلم 4 :والعظيم هو هللا ،فافهم جداً
ولما سئلت عائشة رضي هللا عنها
ما كان خلق النبي صلى هللا عليه وسلم قالت :
"كان خلقه القرآن " فهنا ينقطع سير السالك فيكون السير بحقائق القرآن
فيه يهديه من خلق إلى خلق،
ات ِم َن ٱْل ُه َد ٰى َوٱْل ُفْرَق ِ
ان } البقرة185 : كما قال تعالىُ { :ه ًدى لِ َّلن ِ
اس َوَبِيَن ٍ
ثم أخبر عن وجوب الصوم عند شهود الشهر التمام بقوله تعالى:
ص ْم ُه } البقرة،185 : ٱلش ْهَر َفْلَي ُ { َف َمن َش ِه َد ِم ُ
نك ُم َّ
وموْا َخْيٌر َّل ُك ْم } البقرة184 :
ص ُ اإلشارة فيها أنه ذكر بعد قولهَ { :وأَن َت ُ
إن تدومون على إمساك النهمة عن المشارب كلها
إن كنتم تعرفون قدر شهر رمضان؛
وهو :عبارة عن دوام الصوم الحقيقي،
آن } كما مر ذكره، ر ق
ُ ل
ْ ٱ { َّٱل ِذ ۤي أُْن ِزل ِف ِ
يه
ْ ُ َ
قال تعالىَ { :ف َمن َش ِه َد ِم ُ
نك ُم َّ
ٱلش ْهَر } البقرة185 :؛
أي :من أدرك مؤنة دوام اإلمساك عن المشارب بالكلية،
ص ْم ُه }؛ أي :فله دوام على مالزمة اإلمساك
{ َفْلَي ُ
لقوله صلى هللا عليه وسلم :لحارثة رضي هللا عنه " أصبت فالزم " ،
وقال أبو يزيد -رحمه هللا :-ناداني ربي ،وقال :اترك نفسك والزم بدك،
فإن رمضان يرمض ذنوب قوم ،فشهود رمضان الحقيقي يحرق وجود قوم،
فشتان بين من يحرق ذنوبه رحمته وبين من يحرق رسوم حقيقته؛
وفيه معنى آخر وهو أن من كان منكم شاهداً الشهر وحاضره
ال غائب الشهر حاضره فليصمه،
ان َم ِريضاً } البقرة 185 :بمرض الفترة والغفالت
{ َو َمن َك َ
{ أَ ْو َعَل ٰى َس َف ٍر } البقرة 185 :من وقفات السلوك السالك،
ام أُ َخَر } البقرة ،185 :الرغبات وصحة صدق النيات{ َف ِعَّد ٌة ِم ْن أََّي ٍ
والرجوع إلى مقام القربات بتصرف الجذبات
فيقضي فيها ما فاته ويحيي فيها ما أماته
يد ِب ُك ُم ٱْل ُع ْسَر } البقرة،185 :
ٱهلل ِب ُك ُم ٱْلُي ْسَر َو َال ُي ِر ُ وقوله تعالىُ { :ي ِر ُ
يد َّ ُ
} َفِإ َّن َم َع ٱْل ُع ْس ِر ُي ْس اًر {
الشرح:
فيريد بكم اليسر الذي هو مع العسر ،فال تنظر في امتثال األوامر إلى العسر
ولكن انظر إلى اليسر الذي مع العسر ،فإن العاقل الذي ينظر مرارة الشراب
فيتركه ولكن ينظر إلى حالوة الصحة وال يبالي بمرارة الشراب فيشربه بقوة الهمة؛
ٱهلل ِب ُك ُم ٱْلُي ْسَر } إذا هداكم لإليمانيد َّ ُ وفيه معنى آخر أنه { ُي ِر ُ
وبعث إليكم الرسول؛ لتؤمنوا به وأنزل معه القرآن
آمُنوْا ُك ِت َب َعَلْي ُك ُم } البقرة، : ين وخاطبكم بقولهٰ { :يأَُّيها َّٱل ِ
ذ
َ َ َ
ثم وفقكم إلعطاء حق ما وجب عليكم واتقاء مخالفة ما كتب عليكم
والتصديق بالحسنى التي وعدكم بها،
اليسرى وهي ما أراد به من اليسر لقوله تعالى ،ثم وفقكم إلعطاء حق ما وجب عليكم
واتقاء مخالفة ما كتب عليكم والتصديق بالحسنى التي وعدكم بها،
اليسرى وهي ما أراد به من اليسر
لقوله تعالى
ط ٰى َو َّٱتَق ٰى * َو َصَّد َق ِبٱْل ُح ْسَن ٰى * َف َسُنَي ِسُرُه لِْلُي ْسَر ٰى {:
َما َم ْن أَ ْع َ
} َفأ َّ
الليل،7-5 :
ومن يرد هللا به العسر لم يوفقه إلعطاء حق اإليمان؛ ليبخل به
والتقاء مخالفة ما وجب عليه ليستغني وال للتصديق؛
ليكذب بالحسنى؛ لكي ييسره للعسرى؛
وهي ما أراد به من العسر كقوله تعالى
ٱس َت ْغَن ٰى * َوَك َّذ َب ِبٱْل ُح ْسَن ٰى * َف َسُنَي ِسُرُه لِْل ُع ْسَر ٰى ِ
َوأَ َّما َمن َبخ َل َو ْ
الليل،10-8 :
ومن أمارات أنه أراد بعبده اليسر أنه أقامه لطلب اليسر،
ولو لم يرد به اليسر لما جعله طالباً لليسر هارباً من العسر،
قال قائلهم
فيض جودك ما علمتني َّ
الطلبا ِ من أطلبه
نيل ما أرجو و ُلو لم ترد َ
حقق رجاء أهل الوفاء للعطاء وأقلق قلوب العشاق ببلوغ اليسر،
حيث قال تعالى:
ٱهلل ِب ُك ُم ٱْلُي ْسَر } البقرة،185 : { ُي ِر ُ
يد َّ ُ
وأزال عن صدور العابدين الشجون ،وأزاح عن قلوب المحبين مجوزات الظنون،
يد ِب ُك ُم ٱْل ُع ْسَر } البقرة،185 :
حيث قالَ { :والَ ُي ِر ُ
قوله تعالىَ { :ولِ ُت ْك ِمُلوْا ٱْل ِعَّد َة } البقرة 185 :أنواع الغاية بجذبات
ٱهلل ِب ُك ُم ٱْلُي ْسَر } ولتتموا عدة أيام الطلب بمبليات، { ُي ِر ُ
يد َّ ُ
ِ { َوالَ ُي ِر ُ ِ
ٱهلل } البقرة185 :؛ يد ب ُك ُم ٱْل ُع ْسَر } َ { ،ولِ ُت َكبُروْا َّ َ
اك ْم } البقرة185 :
أي :ولتعظموا هللا عن االنفصال واالتصالَ { ،عَل ٰى َما َه َد ُ
إلى عالم الوصال بتجلي صفات الجمالَ { ،وَل َعَّل ُك ْم َت ْش ُكُرو َن } البقرة185 :
أي :ولكي تشكروا نعمة الوصال بأداء حق التنزيه
لذات ذي الجالل في تحقيق أهل الكمال