You are on page 1of 24

‫تفسير لطائف اإلشارات ‪ /‬القشيري (ت ‪ 465‬هـ)‬

‫ين ِمن َقْبلِ ُك ْم َل َعَّل ُك ْم َت َّتُقو َن }‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫{ ٰيأَُّيها َّٱل ِذين آمُنوْا ُك ِتب عَلي ُكم ِ‬
‫ام َك َما ُكت َب َعَلى َّٱلذ َ‬
‫ُ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ٱلص‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬

‫الصوم على ضربين‪ :‬صوم ظاهر وهو اإلمساك عن المفطرات مصحوباً بالنية‪،‬‬
‫وصوم باطن وهو َص ْو ُن القلب عن اآلفات‪ ،‬ثم صون الروح عن المساكنات‪،‬‬
‫ثم صون ِ‬
‫الس ِر عن المالحظات‬

‫ويقال صوم العابدين شرطه ‪ -‬حتى َي ْك ُم َل ‪ -‬صو ُن اللسان عن الغيبة‪،‬‬


‫طْرف عن النظر بالريبة كما في الخبر‪:‬‬ ‫وصون ال َ‬
‫ص ْم سمعه وبصره " الخبر‪،‬‬
‫" َم ْن صام َفْلَي ُ‬
‫وأما صوم العارفين فهو حفظ السر عن شهود كل غيره‬
‫وإن من أمسك عن المفطرات فنهاية صومه إذا هجم الليل‪،‬‬
‫ومن أمسك عن األغيار فنهاية صومه أن يشهد الحق‪،‬‬
‫قال صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬صوموا وأفطروا لرؤيته "‬
‫الهاء في قوله عليه السالم ‪ -‬لرؤيته ‪ -‬عائدة عند أهل التحقيق إلى الحق سبحانه‪،‬‬
‫فالعلماء يقولون معناه عندهم صوموا إذا أريتم هالل رمضان وأفطروا لرؤية هالل‬
‫ُ‬
‫شوال‪ ،‬وأما الخواص فصومهم هلل ألن شهودهم هللا وفطرهم باهلل وإقبالهم على هللا‬
‫والغالب عليهم هللا‪ ،‬و الذي هم به محو‬
‫* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن‪ /‬البقلي (ت ‪ 606‬هـ)‬

‫ين ِمن َقْبلِ ُك ْم َل َعَّل ُك ْم َت َّتُقو َن }‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫{ ٰيأَُّيها َّٱل ِذين آمُنوْا ُك ِتب عَلي ُكم ِ‬
‫ام َك َما ُكت َب َعَلى َّٱلذ َ‬
‫ُ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ٱلص‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬

‫ين ِمن َقْبلِ ُك ْم }‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ام َك َما ُكت َب َعَلى َّٱلذ َ‬
‫آمُنوْا ُكت َب َعَلْي ُك ُم ٱلصَي ُ‬ ‫{ ٰيأَُّي َها َّٱلذ َ‬
‫ين َ‬
‫نداء الصحاب القلوب وخطاب مع طالب هالل المشاهدة فى أقطار سماوات‬ ‫لهذا ٌ‬
‫الغيوب‬
‫أى يا أهل اليقين فرض عليكم اإلمساك عن الكون أصال أل نكم في طلب المشاهدة‬
‫فواجب أن تصوموا عن مالوفات الطبيعة فى مقام العبودية كما كتب على المرسلين‬
‫والنبين والعارفين والمحبين من قبلكم لكى تخلصوا عن رجس البشرية وتصلوا مقام‬
‫األمن والقربة‬
‫تفسير القرآن ‪ /‬ابن عربي (ت ‪ 638‬هـ)‬

‫اص ِفي ٱْلَق ْتَلى ٱْل ُحُّر ِباْل ُح ِر َوٱْل َعْب ُد ِبٱْل َعْب ِد َوٱألُن َث ٰى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آمُنوْا ُكت َب َعَلْي ُك ُم ٱْلق َص ُ‬ ‫َ‬ ‫ين‬
‫َ‬ ‫ذ‬‫{ ٰيأَُّيها َّٱل ِ‬
‫َ‬
‫آء ِإَلْي ِه ِبِإ ْح َس ٍ‬
‫ان ٰذ ِل َك‬ ‫َ ٌ‬ ‫د‬‫َ‬ ‫َ‬
‫أ‬
‫و‬ ‫وف‬‫اع ِبٱْلمعر ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ب‬
‫َ‬
‫يه َشيء َف ِ‬
‫ٱت‬ ‫ٌْ‬
‫ِبٱألُ ْن َثى َفمن ع ِفي َله ِمن أَ ِخ ِ‬
‫ٰ َْ ُ َ ُ ْ‬
‫يم } * { َوَل ُك ْم ِفي‬ ‫يف ِمن َّربِ ُكم ورحم ٌة َفم ِن ٱع َت َد ٰى بع َد ٰذلِ َك َفَل ُه ع َذ ِ‬ ‫َت ْخ ِف ٌ‬
‫اب أَل ٌ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َْ‬ ‫ْ ََ ْ َ َ ْ‬
‫اب َل َعَّل ُك ْم َت َّتُقو َن } * { ُك ِت َب َعَلْي ُك ْم ِإ َذا َح َضَر أَ َح َد ُك ُم ٱْل َم ْو ُت‬ ‫اص َح َٰيوٌة ٰيأُوِلي ٱألَ ْلَب ِ‬ ‫ٱْل ِق َص ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ين } * { َف َمن َبَّدَل ُه‬ ‫ين ِبٱْل َم ْعُروف َحقاً َعَلى ٱْل ُم َّتق َ‬ ‫ِإن َتَر َك َخْي اًر ٱْل َوصَّي ُة لْل َوال َدْي ِن َوٱألَ ْقَربِ َ‬
‫اف ِمن‬ ‫ِ‬ ‫بع َد ما س ِمعه َفِإَّنما ِإ ْثمه عَلى َّٱل ِذين يب ِدُلوَنه ِإ َّن َّ ِ‬
‫يم } * { َف َم ْن َخ َ‬ ‫يع َعل ٌ‬ ‫ٱهلل َسم ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫َْ َ َ َُ َ ُُ َ‬
‫يم } *‬ ‫ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫ٱهلل َغ ُف ٌ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫وص َجَنفاً أَ ْو ِإ ْثم ًا َفأ ْ‬
‫َصَل َح َبْيَن ُه ْم َفالَ إ ْث َم َعَلْيه إ َّن َّ َ‬ ‫ُّم ٍ‬

‫ين ِمن َقْبلِ ُك ْم َل َعَّل ُك ْم َت َّتُقو َن }‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ام َك َما ُكت َب َعَلى َّٱلذ َ‬ ‫آمُنوْا ُكت َب َعَلْي ُك ُم ٱلصَي ُ‬
‫ين َ‬ ‫{ ٰيأَُّي َها َّٱلذ َ‬
‫ام أُ َخَر َو َعَلى‬ ‫نكم َّم ِريضاً أَ ْو َعَل ٰى َس َف ٍر َف ِعَّد ٌة ِم ْن أََّي ٍ‬‫ان ِم ُ‬
‫ات َف َمن َك َ‬ ‫ود ٍ‬‫* { أََّياماً َّم ْع ُد َ‬
‫وموْا َخْيٌر َّل ُك ْم‬ ‫ص‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫أ‬‫و‬ ‫ه‬ ‫ط َّو َع َخْي اًر َف ُهو َخْيٌر َّ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ين‬
‫ٍ‬ ‫طعام ِمس ِ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ة‬ ‫ي‬ ‫د‬
‫ْ‬ ‫َّٱل ِذين ي ِط ُيقوَنه ِ‬
‫ف‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ِإن ُكْن ُت ْم َت ْعَل ُمو َن }‬

‫القصاص قانون من قوانين العدالة‪ُ ،‬ف ِرض إل زالة عدوان القوة السبعية‪ ،‬وهو ظل من‬
‫ظالل عدله تعالى فإنه إذا تصرف في عبده بإفنائه فيه عوضه عن حر روحه روحاً‬
‫موهوماً خي اًر منه‪ ،‬وعن عبد قلبه قلباً موهوباً‪ ،‬وعن أنثى نفسه نفساً موهوبة كاملة‬
‫{ ولكم } في مقاصة هللا إياكم بما ذكر { حياة } عظيمة‪ ،‬أي‪ :‬حياة ال يوصف كنهها‬
‫{ يا أولي األلباب } أي‪ :‬العقول الخالصة عن قشر األوهام وغواشي العينيات واألجرام‬
‫فكذا في هذا القصاص ‪ -‬لكي تتقوا تركه وتحافظوا عليه ‪ -‬الوصية والمحافظة عليها‬
‫قانون آخر ُف ِر َ‬
‫ض إل زالة نقصان القوة الملكية‪ ،‬أي‪ :‬القوة النطقية وقصورها عما‬
‫يقتضي الحكمة من التصرف في األموال‪ ،‬والسلطنة على القوتين األخريين بنور الحق‬
‫وحكم الشرع‪ ،‬ومنعها عن عدوانها أيضاً بتبديل الوصية الذي هو نوع من الجريمة‬
‫والخيانة‪ ،‬وتحريضها على التحقيق والتدقيق في باب الحكمة التي هي كمالها‬
‫باإلصالح بين الموصى لهم على مقتضى الحكمة‪،‬‬
‫إذا توقع وعلم من الموصي إض ار اًر بالسهو والعمد –‬
‫الصيام قانون آخر مما ُف ِر َ‬
‫ض إل زالة عدوان القوة البهيمية وتسلطها –‬
‫واعلم أن قصاص أهل الحقيقة ما ذكر‪ ،‬ووصيتهم هي بالمحافظة على عهد األزل‬
‫وب } البقرة‪132 :‬‬ ‫اه ِ ِ‬ ‫بترك ما سوى الحق‪ ،‬كما قال تعالى‪ {:‬وو َّصى ِبهآ ِإبر ِ‬
‫يم َبنيه َوَي ْعُق ُ‬
‫َ َ ٰ َ َْ ُ‬
‫وصيامهم هو اإلمساك عن كل قول وفعل وحركة وسكون ليس بالحق للحق‬
‫* تفسير روح البيان في تفسير القرآن‪ /‬إسماعيل حقي (ت ‪ 1127‬هـ)‬

‫ين ِمن َقْبلِ ُك ْم َل َعَّل ُك ْم َت َّتُقو َن }‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ام َك َما ُكت َب َعَلى َّٱلذ َ‬
‫آمُنوْا ُكت َب َعَلْي ُك ُم ٱلصَي ُ‬ ‫{ ٰيأَُّي َها َّٱلذ َ‬
‫ين َ‬
‫{ يا أيها الذين آمنوا } قال أصحاب اللسان يا حرف نداء وهو نداء من الحبيب‬
‫للحبيب وأيها تنبيه من الحبيب للحبيب وآمنوا شهادة من الحبيب للحبيب‬
‫وقال الحسن إذا سمعت هللا يقول يا أيها الذين آمنوا فارفع لها سمعك‬
‫فإنه ألمر تؤمر به أو لنهى تنهى عنه‬
‫وقال جعفر الصادق لذة فى النداء أزال بها تعب العبادة والعناء يشير إلى أن المحب‬
‫يبادر إلى إمتثال أمر محبوبه حتى لو أمره بالقاء نفسه فى النار‬
‫{ كتب عليكم الصيام } أى فرض عليكم صيام شهر رمضان فانه تعالى‬
‫قال بعده{ أياما معدودات } البقرة ‪184‬‬
‫وقال تعالى{ فمن شهد منكم الشهر فليصمه } البقرة ‪185‬‬
‫بعد قوله{ شهر رمضان } البقرة ‪185‬‬
‫والصيام فى الشريعة هو اإلمساك نها ار مع النية من أهله عن المفطرات المعهودة‬
‫التى هى معظم ما تشتهيه األ نفس‬
‫وهذا صوم عوام المؤمنين‬
‫وأما صوم الخواص فاإلمساك عن المنهيات‬
‫وأما صوم أخص الخواص فاإلمساك عما سوى هللا تعالى‬
‫{ كما كتب } محل كما النصب على أنه صفة مصدر محذوف‬
‫أى كتب كتابا كائنا مثل ما كتب وما مصدرية أو على أنه حال من الصيام‬
‫وما موصولة أى كتب عليكم الصيام مشبها بالذى كتب { على الذين من قبلكم }‬
‫من األ نبياء عليهم السالم واألمم من لدن آدم عليه السالم‬
‫وفيه تأكيد للحكم وترغيب فيه وتطييب أل نفس المخاطبين‬
‫فإن الصوم عبادة شاقة والشىء الشاق إذا عم سهل تحمله‬
‫ويرغب كل أحد فى إتيانه والظاهر أن التشبيه عائد إلى أصل إيجاب الصوم‬
‫ال إلى كمية الصوم المكتوب وبيان وقته‬
‫فكان الصوم على آدم أيام البيض‬
‫وصوم عاشو ارء كان على قوم موسى‬
‫والتشبيه ال يقتضى التسوية من كل وجهه كما يقال فى الدعاء‬
‫اللهم ِ‬
‫صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم‬
‫وكما قال عليه السالم " إنكم سترون ربكم كالقمر ليلة البدر"‬
‫فان هذا تشبيه الرؤية بالرؤية ال تشبيه المرئى بالمرئى‬
‫{ لعلكم تتقون } المعاصى‬
‫فإن الصوم يكسر الشهوة التى هي مبدأها كما قال عليه السالم‬
‫" يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج‬
‫ومن لم يستطع فعليه بالصوم فان الصوم له وجاء "‬
‫قوله الشباب جمع شاب وهو عند أصحابنا من بلغ ولم يحاوز ثالثين‬
‫كذا قاله النووى والباءة النكاح والتزوج وهو المباءة فى المنزل‬
‫ألن من تزوج امرأة بوأها منزال والوجاء نوع من اإلخصاء‬
‫وهو أن يرض عروق اإل نثيين ويترك الخصيتين كما هما‬
‫والمعنى على التشبيه أى الصوم يقطع شهوة الجماع ويدفع شر المنى كالخصاء‬
‫واألمر فى الحديث للوجوب أل نه محمول على حالة التوقان بإشارة قوله‬
‫يا معشر الشباب فانهم ذووا التوقان على الجبلة السليمة‬
‫قال العلماء تسكين الشهوة يحصل بالصيام بالنهار والقيام بالليل‬
‫وحذف الشهوات والتغافل عنها وترك محادثة النفس بذكرها‬
‫فان قلت أن الرجل يصوم ويقوم وال يأكل ويجد من نفسه حركة وإضطرابا‬
‫قلت ذلك من فرط فضل شهوة مقيمة فيه من األول‬
‫فليقطع ذلك عن نفسه بالهموم واألحزان الدائمة وذكر الموت‬
‫وتقريب األجل وقصر األمل والمداومة على المراقبة والمحافظة على الطاعة‬
‫تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد‪ /‬ابن عجيبة (ت ‪ 1224‬هـ)‬

‫ين ِمن َقْبلِ ُك ْم َل َعَّل ُك ْم َت َّتُقو َن }‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫{ ٰيأَُّيها َّٱل ِذين آمُنوْا ُك ِتب عَلي ُكم ِ‬
‫ام َك َما ُكت َب َعَلى َّٱلذ َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ٱلص‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ام أُ َخَر َو َعَلى‬ ‫نكم َّم ِريضاً أَ ْو َعَل ٰى َس َف ٍر َف ِعَّد ٌة ِم ْن أََّي ٍ‬
‫ان ِم ُ‬‫ات َف َمن َك َ‬‫ود ٍ‬‫* { أََّياماً َّم ْع ُد َ‬
‫وموْا َخْيٌر َّل ُك ْم‬
‫ص ُ‬
‫َّ‬
‫ط َّو َع َخْي اًر َف ُه َو َخْيٌر ل ُه َوأَن َت ُ‬
‫ين َف َمن َت َ‬‫ام ِم ْس ِك ٍ‬ ‫ين ُي ِط ُيقوَن ُه ِف ْدَي ٌة َ‬
‫ط َع ُ‬
‫ِ‬
‫َّٱلذ َ‬
‫ِإن ُكْن ُت ْم َت ْعَل ُمو َن } *‬

‫ان َف َمن‬ ‫ات ِم َن ٱْل ُه َد ٰى َوٱْل ُفْرَق ِ‬ ‫آن ُه ًدى لِ َّلن ِ‬


‫اس َوَبِيَن ٍ‬ ‫ر‬ ‫ق‬‫ُ‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ٱ‬ ‫{ َشهر رم َضان َّٱل ِذ ۤي أُْن ِزل ِف ِ‬
‫يه‬
‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ َ َ‬
‫ٱهلل‬
‫يد َُّ‬ ‫ام أُ َخَر ُي ِر ُ‬ ‫ان َم ِريضاً أَ ْو َعَل ٰى َس َف ٍر َف ِعَّد ٌة ِم ْن أََّي ٍ‬ ‫ص ْم ُه َو َمن َك َ‬ ‫نك ُم َّ‬
‫ٱلش ْهَر َفْلَي ُ‬ ‫َش ِه َد ِم ُ‬
‫اك ْم َوَل َعَّل ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِب ُكم ٱْلُي ْسَر َوالَ ُي ِر ُ ِ‬
‫ٱهلل َعَل ٰى َما َه َد ُ‬ ‫يد ب ُك ُم ٱْل ُع ْسَر َولِ ُت ْكمُلوْا ٱْلعَّد َة َولِ ُت َكبُروْا َّ َ‬ ‫ُ‬
‫َت ْش ُكُرو َن }‬

‫األحسن أنه الصيام‪،‬‬


‫ُ‬ ‫اختلِف في العامل فيه‪ ،‬و‬ ‫قلت‪ { :‬أياماً } منصوب على الظرفية‪ ،‬و ُ‬
‫وال يضره الفصل ألن الظرف ُيتوسع فيه ما ال يتوسع في غيره‪،‬‬
‫و { معدودات } نعت له‪ ،‬و { عدة } مبتدأ أي‪َ :‬ف َع ْلي ِه ِعَّد ٌة‬
‫و { أُخر } ممنوع من الصرف للعدل عن األلف والالم والوصف‬
‫و { شهر رمضان } إما خبر عن مضمر‪ ،‬أو مبتدأ‪ ،‬والخبر‪ :‬األلف والالم والوصف‪:‬‬
‫و { شهر رمضان } إما خبر عن مضمر‪ ،‬أو مبتدأ‪ ،‬والخبر‪ { :‬فمن شهد } ‪،‬‬
‫أو بدل من { الصيام } ‪ ،‬على حذف مضاف‪ ،‬أي‪ :‬صيام شهر رمضان‬
‫رمض إذا احترق‪ ،‬وأضيف إليه الشهر‪ُ ،‬‬
‫وجعل َعَلما‪،‬‬ ‫و { رمضان } مصدر َ‬
‫ومنع من الصرف للعَلمية واأللف والنون َ‬
‫وس َّم ْوه بذلك‬ ‫ُ‬
‫حر الجوع والعطش‪،‬‬
‫إما الرتماض القلب فيه من َّ‬
‫أو الرتماض القلب فيه من َحَّر الجوع والعطش‪،‬‬
‫الحر حين نقلوا الشهور عن اللغة القديمة‬
‫أو الرتماض الذنوب فيه‪ ،‬أو وافق َّ‬
‫و { الشهر } ظرف‪ ،‬لقوله‪ { :‬شهد } أي‪ :‬حضر‪،‬‬
‫وقوله‪ { :‬ولتكلموا } اآلية‪،‬‬
‫ثالث ِعلل لثالثة أحكام على سبيل ِ‬
‫الف و َّ‬
‫الن ْش ِر المعكوس‪ ،‬أي‪ :‬ولتكملوا العدة‬ ‫هذه ُ َ‬
‫أمرتكم بصيام الشهر كله‪،‬‬
‫أمرتكم بقضاء عدة أيام أخر‪ ،‬ولتكبروا هللا عند تمام الشهر ُ‬
‫ُ‬
‫أردت بكم اليسر دون العسر‬ ‫ولعلكم تشكرون ُ‬
‫يقول الحق جل جالله‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا } ُفرض عليكم { الصيام }‬
‫كما فرض { على الذين من قبلكم } من األنبياء وأَ َم ِمهم من لدن آدم‪،‬‬
‫فلكم فيهم أسوة‪ ،‬فال يشق عليكم { لعلكم تتقون } المعاصي‪،‬‬
‫فإن الصوم يكسر الشهوة‬
‫ولذلك قال ‪ -‬عليه الصالة والسالم‪:-‬‬
‫وم ْن َل ْم َي ْس َت ِط ْع َف َع ْليه َّ‬
‫بالص ْومِ‪َ ،‬فِإَّنه َل ُه ِو َجاء‬ ‫اء َة َفْلَي َت َزَّو ْج‪َ ،‬‬
‫الب َ‬
‫اع مْن ُك ُم َ‬
‫ط َ‬‫اس َت َ‬
‫" َم ْن ْ‬
‫" وذلك الصيام إنما هو في أيام قالئل { معدودات } فال يهولكم أمره‪،‬‬
‫{ فمن كان منكم مريضاً } يشق عليه الصيام‪ { ،‬أو على سفر } فأفطر فعليه صيام‬
‫عدة ما أفطر { من أيام أُخر } بعد تمام الشهر‪ { ،‬وعلى الذين يطيقونه } بال مشقة‪،‬‬
‫إن أرادوا أن يفطروا { فدي ُة } وهي‪ { :‬طعام مساكين }‪ُ :‬م ٍد لكل يوم‬
‫طعام مسكين } أي‪ :‬وهي طعام مسكين لكل يوم‬ ‫ُ‬ ‫وفي قراءة { فدي ٌة‬
‫ين عن يوم‪،‬‬‫المد‪ ،‬أو أطعم مسكيَن ْ‬
‫وقيل‪ :‬نصف صاع { فمن تطوع } بزيادة ُ‬
‫{ فهو خير له } وأعظم أج اًر‪ { ،‬وإن تصوموا } أيها المطيقون للصيام‪،‬‬
‫{ خير لكم إن كنتم تعلمون } ما في الصيام من األسرار‪ ،‬والخير المدرار‪،‬‬
‫ثم نسخ بقوله‪ { :‬فمن شهد منكم الشهر فليصمه }‬
‫وذلك الصيام الذي أُمرتم به هو { شهر رمضان } المبارك‬
‫{ الذي أنزل فيه القرآن } أي‪ :‬ابتداء نزوله فيه أو إلى سماء الدنيا‪ ،‬حالة كونه‬
‫{ هدى للناس } أي‪ :‬هادياً لهم إلى طريق الوصول‪ ،‬وآيات واضحات‬
‫{ من الهدى والفرقان } الذي يفرق بين الحق والباطل‬
‫قلت‪ :‬فيه هدى للناس إلى مقام اإلسالم‪ { ،‬وبينات } ‪،‬‬
‫شئت َ‬
‫وإن َ‬
‫أي‪ :‬حججاً واضحة تهدي إلى تحقق اإليمان‪،‬‬
‫وإلى تحقق الفرق بين الحق والباطل‪ ،‬وهو ما سوى هللا‪،‬‬
‫فيتحقق مقام اإلحسان‬
‫فمن } حضر منكم في { الشهر } ولم يكن مساف اًر { فليصمه } وجوباً‪،‬‬
‫وكان في أول اإلسالم على سبيل التخيير ألنه شق عليهم حيث لم يأل ُفوه‪،‬‬
‫فلما ألفوه واستمروا معه‪ ،‬حتمه عليهم في الحضور والصحة‬
‫شرع فيه‬
‫ومن كان مريضاً } يشق عليه الصيام‪ { ،‬أو على } َجناح { سفر } بحيث َ‬ ‫{ َ‬
‫قبل الفجر فأفطر فيه‪ ،‬فعليه { عدة من أيام أُخر } { يريد هللا بكم اليسر } والتخفيف‪،‬‬
‫حيث خفف عنكم‪ ،‬وأباح الفطر في المرض والسفر‪،‬‬
‫{ وال يريد بكم العسر } إذ لم يجعل عليكم في الدين من حرج‪،‬‬
‫وإنما أمركم بالقضاء { لتكلموا العدة } التي أمركم بها‪ ،‬وهي تمام الشهر‪،‬‬
‫{ ولتكبروا هللا على ما هداكم } ‪ ،‬أمركم بصيامه فتكبروا عند تمامه‬
‫الم َصَّلى‪ ،‬بعد الطلوع‪،‬‬
‫ووقت التكبير عند مالك‪ :‬من حين يخرج إلى ُ‬
‫إلى مجيء اإلمام إلى الصالة‪،‬‬
‫ظه المختار‪ :‬هللا أكبر‪ ،‬هللا أكبر‪ ،‬ال إله إال هللا‪ ،‬هللا أكبر وهلل الحمد على ما هدانا‪،‬‬
‫ولف ُ‬
‫اللهم اجعلنا من الشاكرين لجمعه بين التهليل والتكبير والشكر‬
‫امتثاالً لقوله‪ { :‬ولعلكم تشكرون } على ما أوليناكم من سابغ اإلنعام‪،‬‬
‫وسهلنا عليكم في شأن الصيام اإلشارة‪:‬‬
‫َّ‬
‫ُكتب عليكم الصيام عن الحظوظ والشهوات‪،‬‬
‫كما كتب على َمن سلك الطريق قبلكم من العارفين الثقات‪،‬‬
‫في أيام المجاهدة والرياضات‪ ،‬حتى تنزلوا بساحة حضرة المشاهدات‪،‬‬
‫لعلكم تتقون شهود الكائنات‪ ،‬ويكشف لكم عن أسرار الذات‪،‬‬
‫فمن كان فيما سلف من أيام عمره مريضاً بحب الهوى‪،‬‬
‫تالفي ما ضاع في أيام أُخر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فليبادر إلى ِ‬ ‫أو على سفر في طلب الدنيا‪،‬‬
‫ْ‬
‫وعلى األقوياء الذين ُيطيقون هذا الصيام‪ ،‬إطعام الضعفاء من ُقوت اليقين‬
‫ومعرفة رب العالمين‬
‫فم ْن تطوع خي اًر بإرشاد العباد إلى ما ُيقوِي يقينهم‪،‬‬
‫َ‬
‫الس َوى‪،‬‬
‫ويرفع فهو خير له وأَ ْن َت ُدوموا أيها األقوياء على صومكم عن شهود َّ‬
‫وعن مخالطة الحس بعد التمكين‪ ،‬فهو خير لكم وأسلم‪،‬‬
‫إن كنتم تعلمون ما في مخالطة الحس من تفريق القلب وتوهين الهمم‪،‬‬
‫إذ في وقت هذا الصيام يتحقق وحي الفهم واإللهام‪،‬‬
‫اطع العرفان فمن شهد هذا َفْلَي ُد ْم على صيامه‪،‬‬
‫وتترادف األنوار وسو ُ‬
‫ومن لم َيْق ِدر عليه َفْلَيْب ِك على نفسه في تضييع أيامه‬
‫واعلم أن الصيام على ثالث درجات‪:‬‬
‫صوم العوام‪ ،‬وصوم الخواص‪ ،‬وصوم خواص الخواص‬
‫أما صوم العوام‪:‬‬
‫مقامهما من الفجر إلى الغروب‪،‬‬
‫شهوتي البطن وال َفْرج‪ ،‬وما يقوم َ‬
‫َ‬ ‫فهو اإلمساك عن‬
‫مع إرسال الجوارح في الزالَّت‪ ،‬وإهمال القلب في الغفالت‬
‫حب هذا الصوم ليس له من صومه إال الجوع‪،‬‬
‫وصا ُ‬
‫لقوله صلى هللا عليه وسلم‬
‫طعامه وشرَابه‬
‫َ‬ ‫العمل به فليس هلل حاج ٌة في ْ‬
‫أن يدع‬ ‫الزور و َ‬
‫قول ُ‬
‫" ‪َ :‬م ْن لم َي َد ْع َ‬
‫"وأما صوم الخواص‪:‬‬
‫كلها عن ال َفضول‪ ،‬وهو كل ما يشغل العبد عن الوصول‪،‬‬ ‫فهو إمساك الجوارح َّ‬
‫وحاصُله‪ :‬حفظ الجوارح الظاهرة والباطنة عن االشتغال بما ال َي ْع ِني‬
‫وأما صوم خواص الخواص‪:‬‬
‫فهو حفظ القلب عن االلتفات لغير الرب‪ ،‬وحفظ السر عن الوقوف مع الغير‪،‬‬
‫وعكوف القلب في حضرة الموَلى‪،‬‬
‫ُ‬ ‫السوى‪،‬‬
‫وحاصله‪ :‬اإلمساك عن شهود َّ‬
‫وصاحب هذا صائم أبداً سرمداً فأهل الحضرة على الدوام صائمون‪،‬‬
‫وفي صالتهم دائمون‪ ،‬نفعنا هللا بهم وحشرنا معهم آمين‪.‬‬
‫تفسير الجيالني‪ /‬الجيالني (ت‪713‬هـ)‬

‫ين ِمن َقْبلِ ُك ْم َل َعَّل ُك ْم َت َّتُقو َن }‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫{ ٰيأَُّيها َّٱل ِذين آمُنوْا ُك ِتب عَلي ُكم ِ‬
‫ام َك َما ُكت َب َعَلى َّٱلذ َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ٱلص‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ام أُ َخَر َو َعَلى‬ ‫نكم َّم ِريضاً أَ ْو َعَل ٰى َس َف ٍر َف ِعَّد ٌة ِم ْن أََّي ٍ‬ ‫ان ِم ُ‬ ‫ات َف َمن َك َ‬ ‫ود ٍ‬‫* { أََّياماً َّم ْع ُد َ‬
‫وموْا َخْيٌر َّل ُك ْم‬ ‫ص ُ‬
‫َّ‬
‫ط َّو َع َخْي اًر َف ُه َو َخْيٌر ل ُه َوأَن َت ُ‬ ‫ين َف َمن َت َ‬ ‫ام ِم ْس ِك ٍ‬
‫ط َع ُ‬‫ين ُي ِط ُيقوَن ُه ِف ْدَي ٌة َ‬ ‫ِ‬
‫َّٱلذ َ‬
‫ات ِم َن‬ ‫آن ُه ًدى لِ َّلن ِ‬
‫اس َوَبِيَن ٍ‬ ‫ر‬ ‫ق‬‫ُ‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ٱ‬ ‫ِإن ُكْن ُتم َتعَلمون } * { َشهر رم َضان َّٱل ِذ ۤي أُْن ِزل ِف ِ‬
‫يه‬
‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ َ َ‬ ‫ْ ْ ُ َ‬
‫ان َم ِريضاً أَ ْو َعَل ٰى َس َف ٍر َف ِعَّد ٌة‬ ‫ص ْم ُه َو َمن َك َ‬ ‫ٱلش ْهَر َفْلَي ُ‬‫نك ُم َّ‬ ‫ان َف َمن َش ِه َد ِم ُ‬ ‫ٱْل ُه َد ٰى َوٱْل ُفْرَق ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٱهلل ِب ُكم ٱْلُي ْسَر َوالَ ُي ِر ُ ِ‬ ‫ِم ْن أََّي ٍ‬
‫ٱهلل َعَل ٰى‬ ‫يد ب ُك ُم ٱْل ُع ْسَر َولِ ُت ْكمُلوْا ٱْلعَّد َة َولِ ُت َكبُروْا َّ َ‬ ‫يد َّ ُ ُ‬ ‫ام أُ َخَر ُي ِر ُ‬
‫اك ْم َوَل َعَّل ُك ْم َت ْش ُكُرو َن }‬
‫َما َه َد ُ‬

‫ثم لما نبههم سبحانه بنبذ ما يتعلق بتهذيب ظاهرهم‪،‬‬


‫أراد أن ينبههم على بعض ما يتعلق بتهذيب باطنهم فقال أيضاً منادياً لهم‪:‬‬
‫ام }‬ ‫ي‬ ‫{ ٰيأَُّيها َّٱل ِذين آمُنوْا ُك ِتب عَلي ُكم } في دينكم { ِ‬
‫ٱلص‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫هو اإلمساك المخصوص من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس‬
‫في الشهر المعروف بلسان الشريعة‪،‬‬
‫واإلمساك المطلق واإلعراض الكلي عما سوى الحق عند أولي النهى واليقين‬
‫المستكشفين عن سرائر األمور‪ ،‬المتحققين بها حسب المقدور‬
‫ين } خلوا { ِمن َقْبلِ ُك ْم }‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫{ َك َما ُكت َب َعَلى } أمم األنبياء { َّٱلذ َ‬
‫وإنما فرض عليكم { َل َعَّل ُك ْم َت َّتُقو َن } البقرة‪ 183 :‬رجاء أن تحفظوا أنفسكم عن اإلفراد‬
‫في األكل المميت للقلب المطفئ نيران العشق والمحبة الحقيقية‬
‫ات } هي شهر رمضان‬ ‫وإذ فرض عليكم صوموا { أََّياماً } قالئل { َّم ْع ُد َ‬
‫ود ٍ‬
‫نكم } حين ورود شهر رمضان الذي فرض فيه الصيام‬ ‫ان ِم ُ‬
‫{ َف َمن َك َ‬
‫{ َّم ِريضاً } مرضاً يضره الصوم أو يعسر عليه { أَ ْو } حين وروده { َعَل ٰى } جناح‬
‫{ َس َف ٍر } مقدار مسافة مقدرة عند الفقهاء فانظر { َف ِعَّد ٌة ِم ْن أََّي ٍ‬
‫ام أُ َخَر }‬
‫مساوية لأليام المفطرة‪،‬‬
‫يجب على المفطر بال كفارة‬
‫ين ُي ِط ُيقوَن ُه } أي‪ :‬الصوم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫{ َو َعَلى َّٱلذ َ‬
‫فيفطرونه مع أنهم ليسوا مرضى‬
‫وال مسافرين‬
‫ام ِم ْس ِك ٍ‬
‫ين }‬ ‫ُ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ط‬
‫َ‬ ‫{‬ ‫هي‬ ‫}‬ ‫ٌ‬
‫ة‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫د‬
‫ْ‬ ‫{ِ‬
‫ف‬
‫احد من المساكين‬ ‫طعام و ٍ‬
‫ُ‬ ‫يوم من األيام المفطرة من رضمان‬ ‫أي‪ :‬فدية كل ٍ‬
‫ط َّو َع } زاد في الفدية { َخْي اًر } تبرعاً زائداً مما كتب له‬
‫{ َف َمن َت َ‬
‫{ َف ُه َو } أي‪ :‬ما زاد عليها { َخْيٌر َّل ُه } عند ربه يجزيه عليه زيادة جز ٍاء‬
‫وموْا } أيها المؤمنون { َخْيٌر َّل ُك ْم } من الفدية‪ ،‬وزيادة عليها متبرعاً‬ ‫ص ُ‬ ‫{ َوأَن َت ُ‬
‫{ ِإن ُكْن ُت ْم َت ْعَل ُمو َن } البقرة‪ 184 :‬سرائر اإلمساك والفوائد والعائدة منها إلى نفوسكم‪،‬‬
‫من كسر الشهوة والتلقي على الطاعة والتوجه مع الفراعنة‪،‬‬
‫هذا في بدء اإلسالم‪ ،‬ثم نسخ باآلية ستذكر‬
‫واعلموا أيها المؤمنون أن أفضل الشهور عند هللا وأرفعها قد اًر ومرتبة‪:‬‬
‫آن } أي‪ :‬ابتداء نزوله أو نزل كله فيه‪ ،‬بل الكتب‬ ‫ر‬ ‫ق‬‫ُ‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ٱ‬ ‫{ َشهر رم َضان َّٱل ِذ ۤي أُْن ِزل ِف ِ‬
‫يه‬
‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ َ َ‬
‫األربعة كلها تنزل فيه على ما نقل في الحديث وكيف ال يكون أفضل الشهور‪،‬‬
‫اس } المؤمنين بتوحيد هللا المتوجهين نحو‬ ‫والحال أن القرآن النزل فيه { ُه ًدى لِ َّلن ِ‬
‫ات } شواهد وآيات واضحات‬ ‫جنابه يهديهم إلى مرتبة اليقين { َوَبِيَن ٍ‬
‫{ ِم َن ٱْل ُه َد ٰى } الموصل للمستكشفين عن سرائر التوحيد إلى مرتبة عين اليقين‬
‫ان } الفارق لهم بين الحق الذي هو الوجود اإللهي‪،‬‬ ‫{ َوٱْل ُفْرَق ِ‬
‫والباطل الذي هو الوجودات الكونية يوصلهم إلى مرتبة حق اليقين‬
‫ص ْم ُه }‬
‫ٱلش ْهَر } المذكور مقيماً مطيق ًا بال عذر { َفْلَي ُ‬ ‫نك ُم َّ‬ ‫{ َف َمن َش ِه َد } أدرك { ِم ُ‬
‫ثالثين يوماً حتى بال إفطار وإفداء؛ ألن هذه اآلية ناسخة لآلية السابقة‬
‫ان َم ِريضاً } ال يطيق على صومه خوفاً من شدة مرضه‬ ‫{ َو َمن َك َ‬
‫{ أَ ْو َعَل ٰى } متن { َس َف ٍر } فأفطر دفعاً للحرج { َف ِعَّد ٌة ِم ْن أََّي ٍ‬
‫ام أُ َخَر }‬
‫أي‪ :‬لزم عليه صيام أيام أخر قضاء أليام الفطر‬
‫يد ِب ُك ُم ٱْل ُع ْسَر }‬
‫ٱهلل ِب ُك ُم } أيها المؤمنون { ٱْلُي ْسَر } لئال يتحرجوا { َوالَ ُي ِر ُ‬ ‫إنما { ُي ِر ُ‬
‫يد َّ ُ‬
‫لئال تضطروا وتضطربوا وإنما رخص لكم اإلفطار في المرض والسفر { َو } ألزم عليكم‬
‫القضاء بعد { لِ ُت ْك ِمُلوْا ٱْل ِعَّد َة } المفروضة لكم في كل سنة؛‬
‫لئال تحرموا عن منافع الصوم‬
‫ِ‬
‫اك ْم } إلى الرخص عند االضطرار‬ ‫{ َولِ ُت َكبُروْا َّ َ‬
‫ٱهلل } وتعظموه { َعَل ٰى َما َه َد ُ‬
‫{ َوَل َعَّل ُك ْم َت ْش ُكُرو َن } البقرة‪ 185 :‬تتنبهون بشكر نعمه الفائضة عليكم‬
‫في أمثال هذه المضائق إلى ذاته‪ ،‬أو يشكر نعمه تتقربون إليه‬

‫‪---------------------------------------------‬‬
‫تفسير التأويالت النجمية في التفسيراإلشاري الصوفي‪ /‬اإلمام أحمد بن عمر(ت‪ 618‬هـ)‬

‫أخبر عن أحد أركان الوصية في اإلمساك عن المشارب القلبية والقالبية بقوله تعالى‪:‬‬
‫ام } البقرة‪،183 :‬‬ ‫ي‬ ‫{ ٰيأَُّيها َّٱل ِذين آمُنوْا ُك ِتب عَلي ُكم ِ‬
‫ٱلص‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫واإلشارة فيها أن الصوم كما يكون للظاهر يكون للباطن‪ ،‬وباطن الخطاب يشير إلى‬
‫صوم القلب والروح والسر‪،‬‬
‫آمُنوْا } شهود أنوار الحضور مع هللا كما سبق ذكرهم‪،‬‬ ‫ين‬‫ذ‬‫{ َّٱل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فصوم القلب‪ :‬صومه عن مشارب المعقوالت‪،‬‬
‫وصوم الروح‪ :‬عن مالحظة الروحانية‪،‬‬
‫وصوم السر‪ :‬صومه عن شهود غير هللا‪،‬‬
‫فمن أمسك عن المفطرات فنهاية صومه إذا هجم الليل‪،‬‬
‫ومن أمسك عن األغيار فنهاية صومه أن يشهد الحق‬
‫وفي قوله صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫‪ ،‬عند أهل التحقيق الهاء عائدة إلى الحق تعالى‪ " ،‬صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته "‬
‫فينبغي أن يكون صوم العبد ظاه اًر وباطناً لرؤية الحق وإفطاره بالرؤية‬
‫كما قال قائلهم ‪:‬‬
‫لقد صا َم طرفي عن شهو ِد سواكم‬ ‫وحق له لما اعترا ُه نواكم‬
‫حين يبدو هاللَ ُهم‬
‫عي ُد قو ٌم َ‬
‫يُ ِ‬ ‫صب حين يراك ُم‬ ‫ويبدو هال ُل ال َ‬

‫ام } البقرة‪183 :‬؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫قوله تعالى‪ُ { :‬كت َب َعَلْي ُك ُم ٱلصَي ُ‬
‫أي‪ :‬على كل عضو في الظاهر وعلى كل صفة في الباطن‪،‬‬
‫فصوم اللسان‪ :‬من الكذب والفحش والغيبة‪،‬‬
‫وصوم العين‪ :‬عن النظر في الغفلة والريبة‪،‬‬
‫وصوم السمع‪ :‬عن استماع المناهي والمالهي‪،‬‬
‫وعلى هذاِ قس الباقي‪،‬‬
‫وصوم النفس‪ :‬عن التمني والحرص والشهوات‪،‬‬
‫وصوم القلب‪ :‬عن حب الدنيا وزخارفها‪،‬‬
‫وصوم الروح‪ :‬عن نعيم اآلخرة ولذاتها‪،‬‬
‫وصوم السر‪ :‬عن رؤية وجود غير هللا تعالى وإثباته‪،‬‬
‫ين ِمن َقْبلِ ُك ْم } البقرة‪،183 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫{ َك َما ُكت َب َعَلى َّٱلذ َ‬
‫هي إشارة إلى أن أجزاء وجود اإلنسان من الجسمانية والروحانية قبل التركيب صارت‬
‫صائمة عن المشارب كلها‪ ،‬فلما تعلق الروح بالقالب صارت أجزاء القالب مستدعية‬
‫للحظوظ الحيوانية والروحانية بقوة إمداد الروح‪،‬‬
‫القالب متمتعاً من المشارب الروحانية والحيوانية‪،‬‬ ‫وصار الروح بقوة حواس‬
‫ين ِمن َقْبلِ ُك ْم }‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وهم مركبون‪َ { ،‬ك َما ُكت َب َعَلى َّٱلذ َ‬ ‫فاآلن كتب عليكم الصيام‬
‫من المفردات‪َ { ،‬ل َعَّل ُك ْم‬
‫َت َّتُقو َن } البقرة‪ ،183 :‬من مشارب المركبات‪،‬‬
‫وتصومون فيها مع حصول استعداد الشرب؛ لتفطروا من مشارب يشرب بها عباد هللا‬
‫ط ُهو ًار } اإلنسان‪ 21 :‬فيطهركم من طهورية هذا الشراب‬
‫اه ْم َرُّب ُه ْم َشَراب ًا َ‬
‫َو َسَق ُ‬
‫عن دنس استدعاء الحظوظ‪ ،‬طلعت شمس استدعاء حقوق اللقاء من مطلع االلتقاء‬
‫فحينئذ يتحقق إنجاز ما وعد سيد األنبياء‬
‫بقوله صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫"للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه"‬
‫ات }‬ ‫ثم أخبر عن كمال لطفه مع العباد بتقليل األعداد في قوله تعالى‪ { :‬أََّياماً َّم ْع ُد َ‬
‫ود ٍ‬
‫البقرة‪ ،184 :‬إلى قوله تعالى‪َ { :‬وٱْل ُفْرَق ِ‬
‫ان } البقرة‪185 :‬‬

‫اإلشارة فيها‪ :‬أن صومكم في أيام قالئل معدودة متناهية‪ ،‬وثمرات صومكم وفوائدها من‬
‫أيام غير معدودة وال متناهية‪ ،‬فال يهولنكم سماع ذكره وهذا كقوله تعالى‪:‬‬
‫ق ِج َه ِاد ِه الحج‪78 :‬‬ ‫اهدوا ِفي َّ ِ‬
‫ٱهلل َح َّ‬ ‫ِ‬
‫َو َج ُ‬
‫ان ِم ُ‬
‫نكم َّم ِريضاً } البقرة‪184 :‬؛‬ ‫ثم قال تعالى‪َ { :‬ف َمن َك َ‬
‫أي‪ :‬وقع له فترة من السلوك لمرض عارض قلبه من غلبات صفات النفس وداعي‬
‫البشرية وكسل الطبيعة فانحرف خارج القلب‪،‬‬
‫{ أَ ْو َعَل ٰى َس َف ٍر } البقرة‪،184 :‬‬
‫أو وقع له أثناء السلوك من العجز عن القيام بأعباء أحكام الحقيقة‪،‬‬
‫فليمهل حتى تشتد إرادته وتقوى جرأته وتدركه العناية ويعالج سقمه بمعاجين األلطاف‪،‬‬
‫ويزيل مرضه بملينات األلطاف‪،‬‬
‫{ َف ِعَّد ٌة ِم ْن أََّي ٍ‬
‫ام أُ َخَر } البقرة‪184 :‬؛‬
‫يعني‪ :‬في أيام سالمة القلب وزوال المرض فيستدرك ما فاته باألخذ بالتأويل‬
‫وما رخص له في التسهيل‬
‫التغابن‪16 :‬‬ ‫ط ْع ُت ْم‬
‫ٱس َت َ‬ ‫كما قال تعالى ألهل الرخص‪َ :‬ف َّٱتُقوْا َّ َ‬
‫ٱهلل َما ْ‬
‫ق ُتَق ِات ِه آل عمران‪102 :‬‬ ‫وقال تعالى ألهل العزائم‪َّ :‬ٱتُقوْا َّ َ‬
‫ٱهلل َح َّ‬
‫وذلك سنة من هللا في التسهيل ألهل البداية‪،‬‬
‫ثم استيفاء ذلك عنهم واجب في آخر الحالة‪،‬‬
‫ين ُي ِط ُيقوَن ُه ِف ْدَي ٌة } البقرة‪184 :‬؛‬ ‫ِ‬
‫{ َو َعَلى َّٱلذ َ‬
‫أي‪ :‬على من كان له قوة في صدق الطلب وهمة علية في المقصد واجبة لما أفطروا‪،‬‬
‫وإن إمساك الهمة عن المشارب بااللتفات إلى بعض المطالب فرجع تسهيالت الشريعة‬
‫عن شارب الحقيقة‪،‬‬
‫ام ِم ْس ِك ٍ‬
‫ين } البقرة‪،184 :‬‬ ‫ط َع ُ‬
‫{ َ‬
‫إشارة إلى أن كل مشرب ألطاف الحق؛ يعني‪ :‬المسكين من يكون مشربه‬
‫غير ما عند هللا‪ ،‬وفيه إشارة إلى أن كفارته ما يكون‬
‫ين } فيعطيه المساكين بالخروج عما سوى هللا‪،‬‬ ‫ام ِم ْس ِك ٍ‬
‫ط َع ُ‬
‫{ َ‬
‫ويواصل الصوم وال يفطر إال على طعام مواهب الحق وشرب مشاربه‪،‬‬
‫كما كان النبي صلى هللا عليه وسلم يواصل ويقول‪:‬‬
‫"إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني " ‪،‬‬
‫ط َّو َع َخْي اًر البقرة‪184 :‬؛ أي‪ :‬فمن زاد في الغذاء؛‬
‫َف َمن َت َ‬
‫يعني‪ :‬كلما فطر عن مشرب فال بد سقي من مشرب فيغذي ذلك المشرب أيضاً‪،‬‬
‫{ َف ُه َو َخْيٌر َّل ُه } البقرة‪ ،184 :‬أن يصير مشربه ترك المشارب كلها ودوام الصوم‬
‫وموْا َخْيٌر َّل ُك ْم } البقرة‪184 :‬؛‬
‫ص ُ‬‫كقوله تعالى‪َ { :‬وأَن َت ُ‬
‫يعني‪ِ { :‬إن ُكْن ُت ْم َت ْعَل ُمو َن } البقرة‪ ،184 :‬أن فوق كل مشرب آخر إلى ما ال يتناهى؛‬
‫ولهذا قال صلى هللا عليه وسلم " ‪:‬من استوى يوماه فهو مغبون"‬
‫وفيه إشارة أخرى وهي‪:‬‬
‫ان َّٱل ِذ ۤي } البقرة‪،185-184 :‬‬
‫{ ِإن ُكْن ُت ْم َت ْعَل ُمو َن * َش ْهُر َرَم َض َ‬
‫شهر النصب على قراءة من قرأها؛‬
‫ِإن ُكْن ُت ْم َت ْعَل ُمو َن } ما اختص به‪،‬‬ ‫يعني‪ :‬وإن تصوموا على المشارب كلها { َخْيٌر َّل ُك ْم‬
‫من يكون حاله كحال رمضان‬ ‫ِ ِ‬
‫آن } البقرة‪ 185 :‬فمعناه‪ :‬وأن‬ ‫{ أُْن ِز َل فيه ٱْلُقْر ُ‬
‫في إدامة الصوم فينزل فيه حقائق القرآن؛‬
‫ليكون على مأدبة هللا ال على معنى أن يأكل من المأدبة فإنه دائم الصوم‪،‬‬
‫ولكن المأدبة تأكله تفنيه عن خلق الخلقية وتبقيه بخلق الخالقية‪،‬‬
‫كما كان حال النبي صلى هللا عليه وسلم بقوله تعالى‪:‬‬
‫ِ‬
‫َوإَِّن َك َل َعَل ٰى ُخُل ٍق َعظ ٍ‬
‫يم القلم‪ 4 :‬والعظيم هو هللا‪ ،‬فافهم جداً‬
‫ولما سئلت عائشة رضي هللا عنها‬
‫ما كان خلق النبي صلى هللا عليه وسلم قالت ‪:‬‬
‫"كان خلقه القرآن " فهنا ينقطع سير السالك فيكون السير بحقائق القرآن‬
‫فيه يهديه من خلق إلى خلق‪،‬‬
‫ات ِم َن ٱْل ُه َد ٰى َوٱْل ُفْرَق ِ‬
‫ان } البقرة‪185 :‬‬ ‫كما قال تعالى‪ُ { :‬ه ًدى لِ َّلن ِ‬
‫اس َوَبِيَن ٍ‬
‫ثم أخبر عن وجوب الصوم عند شهود الشهر التمام بقوله تعالى‪:‬‬
‫ص ْم ُه } البقرة‪،185 :‬‬ ‫ٱلش ْهَر َفْلَي ُ‬ ‫{ َف َمن َش ِه َد ِم ُ‬
‫نك ُم َّ‬
‫وموْا َخْيٌر َّل ُك ْم } البقرة‪184 :‬‬
‫ص ُ‬ ‫اإلشارة فيها أنه ذكر بعد قوله‪َ { :‬وأَن َت ُ‬
‫إن تدومون على إمساك النهمة عن المشارب كلها‬
‫إن كنتم تعرفون قدر شهر رمضان؛‬
‫وهو‪ :‬عبارة عن دوام الصوم الحقيقي‪،‬‬
‫آن } كما مر ذكره‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ق‬
‫ُ‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ٱ‬ ‫{ َّٱل ِذ ۤي أُْن ِزل ِف ِ‬
‫يه‬
‫ْ ُ‬ ‫َ‬
‫قال تعالى‪َ { :‬ف َمن َش ِه َد ِم ُ‬
‫نك ُم َّ‬
‫ٱلش ْهَر } البقرة‪185 :‬؛‬
‫أي‪ :‬من أدرك مؤنة دوام اإلمساك عن المشارب بالكلية‪،‬‬
‫ص ْم ُه }؛ أي‪ :‬فله دوام على مالزمة اإلمساك‬
‫{ َفْلَي ُ‬
‫لقوله صلى هللا عليه وسلم‪ :‬لحارثة رضي هللا عنه " أصبت فالزم " ‪،‬‬
‫وقال أبو يزيد ‪ -‬رحمه هللا ‪ :-‬ناداني ربي‪ ،‬وقال‪ :‬اترك نفسك والزم بدك‪،‬‬
‫فإن رمضان يرمض ذنوب قوم‪ ،‬فشهود رمضان الحقيقي يحرق وجود قوم‪،‬‬
‫فشتان بين من يحرق ذنوبه رحمته وبين من يحرق رسوم حقيقته؛‬
‫وفيه معنى آخر وهو أن من كان منكم شاهداً الشهر وحاضره‬
‫ال غائب الشهر حاضره فليصمه‪،‬‬
‫ان َم ِريضاً } البقرة‪ 185 :‬بمرض الفترة والغفالت‬
‫{ َو َمن َك َ‬
‫{ أَ ْو َعَل ٰى َس َف ٍر } البقرة‪ 185 :‬من وقفات السلوك السالك‪،‬‬
‫ام أُ َخَر } البقرة‪ ،185 :‬الرغبات وصحة صدق النيات‬‫{ َف ِعَّد ٌة ِم ْن أََّي ٍ‬
‫والرجوع إلى مقام القربات بتصرف الجذبات‬
‫فيقضي فيها ما فاته ويحيي فيها ما أماته‬
‫يد ِب ُك ُم ٱْل ُع ْسَر } البقرة‪،185 :‬‬
‫ٱهلل ِب ُك ُم ٱْلُي ْسَر َو َال ُي ِر ُ‬ ‫وقوله تعالى‪ُ { :‬ي ِر ُ‬
‫يد َّ ُ‬
‫} َفِإ َّن َم َع ٱْل ُع ْس ِر ُي ْس اًر {‬
‫الشرح‪:‬‬
‫فيريد بكم اليسر الذي هو مع العسر‪ ،‬فال تنظر في امتثال األوامر إلى العسر‬
‫ولكن انظر إلى اليسر الذي مع العسر‪ ،‬فإن العاقل الذي ينظر مرارة الشراب‬
‫فيتركه ولكن ينظر إلى حالوة الصحة وال يبالي بمرارة الشراب فيشربه بقوة الهمة؛‬
‫ٱهلل ِب ُك ُم ٱْلُي ْسَر } إذا هداكم لإليمان‬‫يد َّ ُ‬ ‫وفيه معنى آخر أنه { ُي ِر ُ‬
‫وبعث إليكم الرسول؛ لتؤمنوا به وأنزل معه القرآن‬
‫آمُنوْا ُك ِت َب َعَلْي ُك ُم } البقرة‪، :‬‬ ‫ين‬ ‫وخاطبكم بقوله‪ٰ { :‬يأَُّيها َّٱل ِ‬
‫ذ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ثم وفقكم إلعطاء حق ما وجب عليكم واتقاء مخالفة ما كتب عليكم‬
‫والتصديق بالحسنى التي وعدكم بها‪،‬‬
‫اليسرى وهي ما أراد به من اليسر لقوله تعالى ‪ ،‬ثم وفقكم إلعطاء حق ما وجب عليكم‬
‫واتقاء مخالفة ما كتب عليكم والتصديق بالحسنى التي وعدكم بها‪،‬‬
‫اليسرى وهي ما أراد به من اليسر‬
‫لقوله تعالى‬
‫ط ٰى َو َّٱتَق ٰى * َو َصَّد َق ِبٱْل ُح ْسَن ٰى * َف َسُنَي ِسُرُه لِْلُي ْسَر ٰى {‪:‬‬
‫َما َم ْن أَ ْع َ‬
‫} َفأ َّ‬
‫الليل‪،7-5 :‬‬
‫ومن يرد هللا به العسر لم يوفقه إلعطاء حق اإليمان؛ ليبخل به‬
‫والتقاء مخالفة ما وجب عليه ليستغني وال للتصديق؛‬
‫ليكذب بالحسنى؛ لكي ييسره للعسرى؛‬
‫وهي ما أراد به من العسر كقوله تعالى‬
‫ٱس َت ْغَن ٰى * َوَك َّذ َب ِبٱْل ُح ْسَن ٰى * َف َسُنَي ِسُرُه لِْل ُع ْسَر ٰى‬ ‫ِ‬
‫َوأَ َّما َمن َبخ َل َو ْ‬
‫الليل‪،10-8 :‬‬
‫ومن أمارات أنه أراد بعبده اليسر أنه أقامه لطلب اليسر‪،‬‬
‫ولو لم يرد به اليسر لما جعله طالباً لليسر هارباً من العسر‪،‬‬
‫قال قائلهم‬
‫فيض جودك ما علمتني َّ‬
‫الطلبا‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫أطلبه‬
‫نيل ما أرجو و ُ‬‫لو لم ترد َ‬
‫حقق رجاء أهل الوفاء للعطاء وأقلق قلوب العشاق ببلوغ اليسر‪،‬‬
‫حيث قال تعالى‪:‬‬
‫ٱهلل ِب ُك ُم ٱْلُي ْسَر } البقرة‪،185 :‬‬ ‫{ ُي ِر ُ‬
‫يد َّ ُ‬
‫وأزال عن صدور العابدين الشجون‪ ،‬وأزاح عن قلوب المحبين مجوزات الظنون‪،‬‬
‫يد ِب ُك ُم ٱْل ُع ْسَر } البقرة‪،185 :‬‬
‫حيث قال‪َ { :‬والَ ُي ِر ُ‬
‫قوله تعالى‪َ { :‬ولِ ُت ْك ِمُلوْا ٱْل ِعَّد َة } البقرة‪ 185 :‬أنواع الغاية بجذبات‬
‫ٱهلل ِب ُك ُم ٱْلُي ْسَر } ولتتموا عدة أيام الطلب بمبليات‪،‬‬ ‫{ ُي ِر ُ‬
‫يد َّ ُ‬
‫ِ‬ ‫{ َوالَ ُي ِر ُ ِ‬
‫ٱهلل } البقرة‪185 :‬؛‬ ‫يد ب ُك ُم ٱْل ُع ْسَر } ‪َ { ،‬ولِ ُت َكبُروْا َّ َ‬
‫اك ْم } البقرة‪185 :‬‬
‫أي‪ :‬ولتعظموا هللا عن االنفصال واالتصال‪َ { ،‬عَل ٰى َما َه َد ُ‬
‫إلى عالم الوصال بتجلي صفات الجمال‪َ { ،‬وَل َعَّل ُك ْم َت ْش ُكُرو َن } البقرة‪185 :‬‬
‫أي‪ :‬ولكي تشكروا نعمة الوصال بأداء حق التنزيه‬
‫لذات ذي الجالل في تحقيق أهل الكمال‬

You might also like