Professional Documents
Culture Documents
امللح
2
االهداء ...
اىل أبطال الفىج الثالث – لىاء ( )101و شهدائه األبرار ....
3
شىاطئ الدم شىاطئ امللح
4
دمع فضي أو ٙنر .فضي ال أدري -ما الفرؽ -كل شيء يوحي بأشياء
اخرى.حرب ٘نراء ،او سوداء ال فرؽ ،فاألوىل تولد الثانية .اناس او كائنات ببل
قرار ىو غايتنا ...عندما تدفعنا اىواؤنا ٥نو قتل الفضيلة يف مهدىا ..تكوف اٜنرب
منارنا العايل يف ٣نلكة االنساف ٥.نن ضد الكائنات االخرى ،بل ضد انفسنا .من
مات ؟ من عاش ؟ -فكر معي – تأمل .من عظم شأنو ؟ انظر ؟ انو الذي ٬نبل
االرض انيناً انو جبلدىا .أحبائي ال شيء ينقذنا سوى اٞنوت ؟ واٞنوت منا قريب
بل ابعدا من البلهناية ،وجلة ساعاتنا بل ثقيلة متماسكة اىواؤنا ،بل متبلشية .أي
شيء يأتينا من الغيب و أي فرح ال ينتهي اال ّنأمت ،واي مأمت يدوـ ،ىي ىكذا
لعبة الصغار – الكبار – ىي ىكذا ٜنظة اٜنرج ..ومضى اٛنماؿ .
ذاب قليب يف تراب اٞنواضع ،عانقتين رائحة اٞننسيٌن الشرفاء من رجاؿ ىذا
الزمن..وجوه ١ندقة يف موتى..بل موتى ١ندقوف يف موتى..أدركت سر وجودنا
وفنائنا..يف امتداد اٞندى خندؽ يقي النار..بل يولد النار ،منها .حيث النار ىو
مأمن منها .لتحٍن وتبقى عليك اف ٓنرتؽ ،عليك اف تكوف نيازؾ أصحابك.ىذه
فلسفة البقاء لقرف التكامل والذروة .عندما تكوف اٞنصاحل فوؽ الشرؼ تسقط القيم
ويرتفع النفاؽ فوؽ اٛنبٌن..
5
البحًنة االصطناعية اليت أماـ السرية.باضطراهبا أرىقتها اٞندافع والصواريخ اليت
تنفجر فيها ،اهنا الفاصلة بٌن نارين يرتاوح عرضها كيلو مرت .اقل أو اكثر يف بعض
اٞنناط .وعمقها ال يتجاوز اٞنرت..ارى على ضوء الشمس من خبلؿ ملجئي قفزات
االٚناؾ الفزعة أو حركة زعانفها وىي تعيش يف اٞناء وتولد اٞنوج اٝنفيف.
وقفت يف ملجأ الرشاشة اٝنفيفة .افحصها وبرفقيت اٛنندي عددىا بنظرات تأمل أو
ترقب يف اكتشاؼ شيء مين ..انو يريد اف يعرؼ اٞنزيد عن آمره اٛنديد .عن
الضابط الذي امتدحو آمر السرية ٟ..نم أمس قائبلً:
انغرست نظرات اٛنندي يف مبلمح وجهي ،يريد اف يقرأىا .كاد اف يسألين لوال
مغادريت موضع الرشاشة..مشيت يف اٝنندؽ أريد اف اعرؼ مواضع الفصيل كلها
..يتبعين عريف الفصيل.
دخلت موضع قاذفة اربعٌن مليم ،فجأة ٚنعت أحد اٛننود يغين غناءً يوحي
بالشوؽ ..قطع غناءه و أستعد معتذراَ..ابتسمت..وقلت :اذا طابت النفوس
غنت..
6
وقلت يف نفسي انو مطمئن وىذا يعين انو على قد ٍر كبًن من اٞنعنويات ،مل البث
ُ
كت مواضع القاذفة اىل اٞنواضع االخرى ،استطعت اف أدخل ٍ
كثًنا بل ٜنظة وتر ٌ
مواضعهم ٗنيعها لكين مل إنكن من معرفة أٚنائهم بسرعة ومل استطع أف اكمل
ترتيب مواضعي الدفاعية.لكين سأعرفها ال ١نالة يف االياـ القادمة.
اف مايشغلين ىو جبهة العدو..انين كجديد اريد اف اعرؼ عنو الكثًن .ماقالو يل
آمر السرية ال يشفي غليل مث اين أتردد أف أسأؿ اٛننود،لكين بقرارة نفسي مرتاح
ومطمئن ألين سأعرؼ كل شيء.
جلست يف ملجأ الراحة اٞنخصص يل..غرفة صغًنة،بل زنزانة عرضها مرتاف وطوٟنا
ُ
ثبلثة امتار،طن من الرتاب فوقها تنغرس يف االرض ح ى منتصفها ..الرطوبة الكثيفة
تكسو أرضها بفعل البحًنة و أرض البصرة السبخة..تغزوين اسراب من البعوض
اٞنتوحش والذباب االىوج الذي ال يقطع االنٌن.كل شيء ىنا مفزع..جلست على
سريري وأمامي طبلة خشبية صنعها اٛننود يل من صنادي .عتاد اٟناوف.اٚنع اصوات
انفجار القذائف اٞنعادية..لقد أستقبلين االعداء ،كعادهتم قصف مدفعي كثيف
على قطعاتنا..وقت الغروب والفجر..يقابل ذلك قصف مقابل من قطعاتنا ،
وىكذا اف توقف السبلح اٝنفيف يبقى السبلح الثقيل سيد اٞنوقف و ال ينقطع
اطبلقا..
اضطجعت على سرير ،متعب ..غريب على اٞنكاف..اٜنرب غاية أـ وسيلة؟ اف
اٜنرب غاية للجنوف ووسيلة للموت ،ال شيء غًن ىذا ...اف يدفعك عدوؾ اال اف
7
ٓناربو ،اف ٩نربؾ على اف تسفك دمو فهذا ىو اٛننوف بعينو..اف اٜنرب لعبة النار
اليت مل تنطفئ أبدا بل تطورت وسائل اتقادىا واستحاؿ اٙنادىا،
شرؽ البصرة أو غرب ايراف الفرؽ،عدا ىو موقعي من خارطة العامل احملرتقة ،مشاؿ
النخيل الوارؼ الظل الذي أرقتو اٜنرب وىجرتو الطيور..يف طريقي اىل اٛنبهة عندما
مررت بغابة ٦نيل كثيفة..قاؿ يل زميلي الضابط الذي جاء معي:
عربنا اٛنسر ُ
-أتعرؼ اسم ىذه الغابة ؟
-ىي كذلك
ساعتها ٕننيت اال اكوف قد رأيتها يف ىذه اللحظة ،لقد أصبحت ٠نرد ىياكل لنخل
ىرـ وبساط يابس من اعشاب اٜنلفاء .أف ىذه اٛنزيرة الفاتنة اليت كانت مرتعاً
لسفرات طلبة اٛنامعة ..تصبح ىكذا.مل ار فيها سوى أمراة تلبس السواد ْنمع
اٜنطب..لقد ىجرىا الناس،ألف القصف اٞندفعي ال ير٘نها ..نظرت باْناه السقف
..جسور خشبية يتخللها آخر حديدي أكلو الصدأ ،قرأت على اٛنسر اٜنديدي
ِنط بسيط :ذكرى اٞنقاتل ٘نزة حسٌن –بغداد-الراشدية
8
قلت يف نفسي أين ىو االف ..أىو ميت أـ حي؟ ..أتوجد لئلنساف قدرة ٞنعرفة
مكاف االشخاص الذين يقرأ اٚناءىم يف الصحف و على اٛندراف أو يف
االعبلنات أو على شاىدات القبور ؟ ٞ ..ناذا يهرب االسم من حاملو ؟.
اطلقت نظري ٥نو مصدر الضوء كفانوس ازرؽ وعليو عبلمة اٝنفاش اليت جرتين
بعيداٌ كنا صغاراً أنا واخواين الثبلثة نتجمع حولو مثل حشرات نقلب أوراقا كتبنا
اٞندرسية ..ونبلل أوراؽ الرسم بزيتو لنطبع صور القراءة اٛنميلة .أنا كنت شغوفا
برسم اٛنباؿ ..ال أعلم ٞناذا ،رّنا الف جبل مكحوؿ أمامي كل ٜنظة.اما عبد
الذي مات بالسحايا فقد برع برسم عباد الشمس كاف ٬نتلك حساسية فنية ورىافة
عالية..اللعنة ٟنذا اٞنرض..مات وعمره أربعة عشر عاماً،لقد اخذ نصف عمري
معو.انو ٜند ىذه اللحظة ال يفارقين ،وكل مناسبة احرص على زيارة قربه يف طرؼ
قريتنا لقد غطى قربه العشب ،اما اٚناعيل فكاف ٩نيد رسم الزورؽ ،يرٚنو هتادى
يف النهر..كاف ايب يتأملنا.شيخ كبًن ْناوز عمره السبعٌن كأين اراه االف يداعب
صخر مسبحتو،و ٪نب اكل اٝنبز اٜنار الذي يدفئو على ٗنر اٞنوقد ..كاف يرسلين
لكي أجلب لو رغيف اٝنبز ويقوؿ وىو يعلس اٝنبز اٜنار ويقدـ قطعة منو لنا..اهلل
كم ىو طيب ..تفضلوا ..ناكل بنهم وُنرقة .مات أيب بعد بداية اٜنرب بسنة..
مرة،ما زلت اذكرىا ،كاف ايب يسقي حقل القطن الذي كنا نعوؿ عليو كثًنا ،
ذلك اليوـ ٚنعت األخبار وكعادهتا امي أعطتين غداء ايب أل٘نلو لو ..يف
الكثًنة عن حرب العرب واليهود -حرب تشرين عاـ ثبلثة وسبعٌن – تناقلت
االخبار اف العرب اسقطوا مائو طائرة يهودية وتتقد اٛنيوش العربية لتحرير فلسطٌن،
كانت الفرحة تغمرين واآلماؿ ٕنؤل قليب وانا ف ى ،كنت اْنمع مع القروين حوؿ
9
اٞنذياع لنسمع انتصارات العرب على اليهود٘..نلت غداء ايب و انطلقت ٥نوه ،
كاٜنصاف اٛنامح .ألبشره بنصر العرب ،وأستطيع،باف انط بٌن اٜنقوؿ والسواقي
،قلت اليب والفرح يغمرين :
أيب ..أيب لقد اسقطنا مائة طائرة يهودية و تتقدـ اآلف جيوش العرب الحتبلؿ
اسرائيل وٓنرير فلسطٌن .مل ينتبو ايب يل واستمر يداور اٞناء يف اٜنقل مث نظر ايل ببل
شعرت وكأف نصفي دخل االرض و اين بارد كالثلج
ُ مباالة و داوـ بعملو ..ساعتها
..أردت أف ابكي لكين مل أستطع ،كاف وجهي أ٘نر ١نتقناً .غرس ايب مسحاتو يف
االرض و احتضنين وقاؿ:
وقبلين ايب و أمرين أف ارجع ..رجعت للبيت متثاقل اٝنطى وأساؿ نفسي ٞناذا مل
يفرح أيب ومل يعر ا٨نية ٞنا قلت ..
تراكم السنوف ْنارب ..واألمل ْنربتو مرة من اٞنستحيل نسياهنا.. .واٞناضي
مرتعش٨.نا كاف ألنو تراث مث ألف شره قد عُرؼ ووقع فعلو و انتهى تأثًنه ...تكوف
حجاره صماء ..و ضمًن مرتعش ..أو الشيء...ال فرؽ ..فالعامل مل يعد لو القدرة
11
على ٕنييز اٛنيد ومل يعد قادرا على فهم اٜنقيقة.. .أف ٕنوت يف العراء جائعاً او تقتل
يف ملهى للبغايا ..الفرؽ ..اف تقاتل عن ح .أو باطل سواسية ،اهنم دائما مع
مصاٜنهم و احيانا مع اٞننتصر و أف كاف على الباطل ..أحس اف جفوين قد تثاقل
فتحها وبدأ النعاس يغزو جسدي ..نظرت اىل ساعيت كانت الواحدة ليبل ..كاف
يوماً حافبل باٛنديد ..يوماً حقيقياً ..أغمضت جفوين و٧نت.. .و تنشط أذين
اصوات اٞندفعية وىدير الرشاشات.
عرفت من اٛننود ىاشم النحيل ..لكنو نشيط ..وعبد اٜنسٌن صاحب الصوت
اٛنميل و١نمد الباقر و أ٘ند الصويلح و عريف الفصيل سلماف وغازي ،ومل ٕنض
أياـ اال وعرفت اٚناءىم كلها ح ى عناوينهم ..وجهتهم ومن اٞنتزوج ومن
أعزب..وقفت يف اٞنلجأ وَنانيب العريف ىاشم
-نعم سيدي.
-اتدخن ؟
-ال .
11
-اناـ اغلب النهار و أستيقظ ليبلً ..اهنم دائماً يهجموف ليبلً يستغلوف الظبلـ .
التقطت الناظور ..وصوبت نظري باْناه العدو ..بدا أف االشياء أكثر وضوحاً
..بعض اٞنواضع اٞنعادية لرشاشات وبنادؽ ..يف البحًنة ىناؾ ٙنس دبابات
معطوبة وشفل ١نطم ..اهنا ىذه البحًنة موجودة ...أجلت نظري باْناه مشاؿ
البحًنة توضحت هنايتها ،اهنا تبدأ بالضي .كلما أْنهنا مشاالً ح ى تتبلشى عند
احد سرايانا اليت تبعد عن العدو مسافة مئيت مرت ..اطلقنا على ىذه السرية قاعدة
االبطاؿ ..الف اٜنرب بينهم متقدة ليل هنار وال٬نر يوـ أال ويسقط فيو شهيد أو
جريح.
كاف ىناؾ يف وسط البحًنة ٠نموعة من طيور النورس البيضاء ..متكورة على
بعضها ٞ..ناذا ىي ىنا؟ ..أجائت لتذكر االعداء بالسبلـ وبأف اٜنياة مكن أف
تعاش ببل حرب ودـ ؟
-االسبوع القادـ.
-أف شاء اهلل ..اف الربتقاؿ أكثر حظا من النخيل فلم ٓنرقو مدافعهم.
-ال تأس على النخيل انو يتحمل االعداء ،ليس مثل الربتقاؿ رقي .و٬نوت
بسرعة.
12
كاف ىاشم أب الربع بنات أكربىن يف الثالث االبتدائي ،والصغًنة يف حضن امها
..حدثين عنو عريف الفصيل وقاؿ :
انو يف معارؾ بنجوين أبلي ببلءاً حسناً .من وراء صخرة استطاع اف يقتل اكثر من
جندي ايراين ..وعند تداخل القطعات واشتداد اٞنعارؾ فقد ٞندة يومٌن وحسب يف
عداد اٞنفقودين ولكنو عاد بعد ذلك ومعو اربع ىويات ٛننود ايرانيٌن قتلهم ببندقيتو
.
-اين انت ؟
-و أنت ؟
انو مل يتوقع اف أسأؿ ىذا السؤاؿ .أسفت لتسرعي – مث مادخل عالية حساف هبذا
..ومن أتى هبا اىل ىذا اٞنكاف ؟..
-ال .....آسف.
استطعت اف اتبلىف تسرعي وزلة لساين .وتركتو يقطع البحًنة بنظراتو الثاقبة باْناه
العدو ..لكنو مل يعرؼ عالية حساف ..
نظرت ٥نو ماجد البصري الذي انزوى يف موضع الرمي وحدؽ يف األف .البعيد ، ُ
كنت اعاملو
عمره تسعة عشر عاماً ال غًن وىو ف ى أكثر منو شاباً فيو براءة طفلُ ..
يف الفصيل على ىذا االساس ...كثًناً ما ابتسم بوجهو..سبلحو قاذفة..
قلت ٞناذا ٥نمل دائماً أكثر من طاقتنا؟ .ىل ىو شبل اذاً مثل االشباؿ اليت ٚنعت
عن قتاٟنم يف بًنوت ضد العدو الصهيوين ..
ماجد البصري يتأمل البحًنة ..وطيور النورس اٞننتشرة ..أتراه يف ىذه اللحظة
يتذكر امو أـ حبيبتو ..ماجد البصري..فيك يتجلى اٝنجل البصري ..وابتسامة ىي
مفتاح اكتشاؼ احملبة ..ىي اوؿ باب من أبواب عش .البصرة وأىلها ..ادركت
ٞناذا ٚنيت البصرة ثغر العراؽ الباسم ٥ .نن يف حلم أو واقع ونسأؿ عن زوارؽ مرت
من ىنا و عن سندباد توارى وراء طموحو نستجلي ذلك اٞناضي ونتيو يف دروب
العش ..أ أمل نقلنا ٥نو باب ((النعيم )) ىي ىكذا بسمة القلب وسط النار .قاؿ
يل احد اٛننود اف ماجد احب البحر كثًناً و عندما ينغرس يف موضع الرمي يبقى
٪ندؽ يف البحًنة اليت أمامنا اىل اف ينتهي دوره..عرفت بعدىا أف اباه كاف ُناراً
15
٩نوب البحار وكثًناً ماكاف يأخذه معو وقد شاىدت لو صورة مع والده يف سفينة
صيد على شواطيء عُماف.
ويف احد صباحات تشرين قبل عشر سنوات ذىب ابوه يف رحلة صيد ومل يعد ،
كثرت الشائعات عن مصًنه ،منها ما يقوؿ اف عاصفة ىبت عليهم و أغرقتهم و
منهم من يقوؿ انو أسًن لدى أحد قراصنة البحر االيرانيٌن عندما استوىل على
السفينة وىناؾ رأي آخر يقوؿ انو يف اٟنند وقد تزوج ىندية ألنو كاف على عبلقة
بأمرأة يف بومباي ،اٞنهم انو مل يرجع من رحلتو وقد ترؾ وراءه ماجد و امو وثبلث
بنات ..
-كيف ؟
-ستذىب يف سيارة اٜنانوت وتبقى ثبلثة أياـ وتعود بعدىا بالسيارة نفسها .
16
-شكراً ...كم كنت إنىن أف اذىب اىل البصرة ىذا اليوـ
-باهلل ما ىو ؟
-اف ْنلب لنا ٚنكة ١نشية بالطرشي والطماطة والبهارات ..اٞنهم بالطريقة اليت
تطهوف هبا السمك .
وحٌن جاءت سيارة اٜنانوت قفز فيها ماجد وعبلمات الرضا و البسمة واضحة
عليو
**********
يف ملجئي الذي فيو أماف العامل و واحة الراحة اٟنادئة أجلس ..اجيل بنظرايت
على ما يشغلين ،ما٩نعل الوقت ينساب ،مايُبعد التفكًن باٜنرب ،وينسيين حياة
17
اٞنبلجئ الرتيبة ،التقط ٠نلة ببل غبلؼ ..متسخة الصفحة االوىل ..اقلب االوراؽ
و أقرأ العناوين ..أتوقف عند صورة لفتاة ..ملونة ..أتأملها كثًناً ..أُنث عن
اٚنها كأين أعرفها ..ال أجد ..أغل .اجمللة ،اصمت ..أرمي سهامي اليك فتقع
يف صدري .أقرتب منك فتبتعدين كالسراب .أكنت أحب جببلً أـ فاتنة العصور
العتيقة ؟ ..ا٘نل ظمأي باْناه شواطئك فتحرقين نارؾ ..يف البعد يتولد احساس
اٜننٌن و الغربة وتكونٌن طيف اٟنوى ،جرتين األياـ ٥نو سواتر الدـ ..واٞنصًن ٥نو
األرؽ االزيل وضريبة االوطاف بأْناه اٜنب الكبًن ..أي شيء يأيت بك و اي عمل
يبعدؾ عن بايل ..ال ورد يف أرض البعوض والضباب ...أف شقائ .النعماف ال
تنبت االّ يف االرض اليت تطأىا اقدامك ..من أتى بك اىل قرييت النائية لتعلمي
الصغار أَندية القراءة والكتابة ؟ ..أي اصرار ىذا الذي جعلك تقبلٌن التدريس يف
ريف بعيد عن اٞندينة اليت نشأت فيها ..اىو التحدي اـ رسالة ..أـ مصًن ..عن
..كنت
ُ البداية أـ الورطة ..اـ الفراؽ ..اٜنلم او أي شيء ٬نر يف حياة اٞنرء ؟
مدى اخضر ٬نتد ح ى األف.. . ىائماً يف حقوؿ قرييت ((أسديرة )) ..القمح ً
ومتسعمرات االقحواف تتخلل البقع غًن اٞنزروعة بالقمح والشعًن ..البيوت الطينية
تغرؽ يف ُنر اٝنضرة ..واٞناشية مضطجعة ْ..نرت اكلها بتكاسل ..أٚنع أنٌن
اٜنشرات او غناءىا ..الفرؽ ٖ..نة غيوـ بيضاء متفرقة ..أشم رائحة الرشاد والفطر
..ارى بضع فتيات ٪نملن سبلؿ نبات اٝنباز الذي يكوف وجبة الربيع اليومية ..
كنت أقرأ بكتاب (( اللزوميات )) للمعري ..
يف ذلك اٛنو الذي ال ينسى ُ
رأيت ٗنعا من االطفاؿ الصغار صبية و بنات ينطّوف يف حقل القمح ..يرتاكضوف
وراء الفراشات ،عرفت أهنا سفرة مدرسية نظمتها اٞنعلمة اٛنديدة اليت جاءت اىل
18
بت منهم ،نادوين بصوت
القرية ..دفعين فضويل للذىاب اىل االطفاؿ ..أقرت ُ
مسموع :
-إٔنىن ذلك ..ستكوف ىذه األياـ أٗنل ذكريايت رغم ما اعاين من غربة وصعوبة
يف توفًن ما أحتاج .
كاف االطفاؿ يتقاذفوف الورد و العشب ويتصارعوف على البساط النبايت ..يف ىذه
اللحظة أردت اف ال اكوف ثقيبلً ..قلت
19
-اٚنحي يل بالذىاب ...وداعاً
-اللزوميات .
-أهبذا اٛنو تقرأ ىذا الكتاب ..مث ماذا نقوؿ ٥نن أبناء اٞندينة ؟ أف عدوى
التشاؤـ أنتقلت اليكم أبناء القرى .
-مل تفهم قصدي ..فأنا ال أحب شعر نزار ..ليس كل الفتيات ٓنب شعر نزار
رغم مابو من حبلوة وشاعرية كبًنة .
يف اللحظة ىذه وقفت ومل استطع أف اذىب عن من يناقشين أهنا تقف على ارضية
ثقافية أذاً
-ال ..أنك تغالط نفسك ..اف التشاؤـ جاء نتيجة سوء تصرؼ القائمٌن على
ىذا العامل .
..قلت يف
ُ ..وقفت امامها ،غسلتها بنظرايت ..اُنرت يف عينيها
ُ مثل مصعوؽ
نفسي ..االصالة يف عينيك..
21
منذ ذلك الوقت كانت أ٬ناف ملتقاي يف قرييت عند عوديت من اٛنامعة ىي شيء
جاء ومل يتكرر ..كانت ومضة مضيئة أبعدتين عن وجودية وعبث اٞنعري ،
التصقت بقرييت ألهنا فيها ..خرجنا اىل اٜنقوؿ معاً ..وركضنا وراء صغار الطًن
وْنادلنا يف األدب العظيم للعامل وثوراتو االصيلة ..كانت ٕنتلك قناعات من
عدت من
الصعب التنازؿ عنها ..اهنا اٞنرأة الوحيدة اليت ٕننيتها يف حيايت ..وحٌن ُ
اٛنامعة يف مساء أحد االياـ اىل قرييت (( اسديرة )) سألت عنها ،قالوا اهنا نقلت
اىل مدينتها نينوى ومل الت .هبا ..بعد سنوات ٚنعت اهنا رشحت ألنتخابات اجمللس
الوطين ومل تفز ..ال أعرؼ ٞناذا ..وانقطعت أخبارىا عين .
كل ما أعرفة أهنا رئيسة االٓناد النسوي يف نينوى اآلف ،قد ال تعرفين يف ىذه
اللحظة بعد كل السنوات لكنها لن تنسى ((اسديرة )) اٛنميلة ..ىرب الليل بنا
و أطلقنا كلمات اٟنوى اىل ما بعد اٞندى االخضر ،اسراب من االحبلـ تغمرنا يف
ٜنظة التبلقي ..كل معايًن اٜنب تراجعت عند ملحمتنا .كنت ٓنبٌن الوداع اىل
لقاء جديد و أنا اودع الزىر اٞنعان .للشفاه .
دع طيور القلب ترحل أو ٓنط م ى تشاء ،فضيايت واسعة و مرتامية ٓنت ىذي
السماء ،أرضي آمنة فارحل م ى شئت أو حط بٌن ثنايا القلب أيها اٜنبيب ،دع
مسافات اٝنوؼ ٔنتصر اىل االماف اٞنزدىر ،اشتاؽ ٜنلم الفراشات الصغًنة و٨نس
الريح بٌن اوراؽ العشب الندي ..أنا أوؿ العاشقٌن ببل أسى أو ندى و اكثرىم
تيهاً يف ُنر العيوف ..أُرتل آيات الغراـ على الوسائد اٝنالية ،اوزع قليب على مفرتؽ
21
الطرؽ ،أرحل اىل أخر حدود العش .. .أذوب بٌن ٨نس الكلمات و أرْناؼ
الشفاه الطرية ..
ِ
انت البداية اٜنقة وهناية النهاية ..تزوجي أحبلمي فهذا أضعف اال٬ناف ..أذكري
رحلة اٜنقوؿ اٞنكتظة بالورد..أسأيل عن آخر احزاين وتيهي ..أعلمي أف أخر نداء
للقلب ىو ِ
أنت سأختصر اٞنسافات اىل ظلك لتكوين واحة الظبلؿ الوارفة ،مدينة
اٜنناف اٟنادئة أنت ،وصخب الشوارع الضالة أنفاسك حٌن تعشقٌن و تعربين عن
ىواؾ .و انا آلػة الرتدد واٛنموح وثورة الزمن الناعس ،نادراً مايفارقين اٜنلم
..فأحلم بك من جديد ِ ..ملَ كنت توزعٌن على القلب العواطف لتخنقيو وترحلي
قبل اٞنساء األخًن ،قل رحيل النحل اٞنعل .بالزىور ..اٞنطاؼ البعيد انت ،أي
ىوى ذلك الذي يأسرين بٌن أنفاسك وظلك ،يف البحًنات البعيدة أحلم باللقاء
..أحسب سػػاعات الوداع فيكوف زمن ثقيل ..من ٨نسايت لك أزداد عشقاً يا
كسرت حديت
ْ ملكة اٛنماؿ ..انت آخر القديسات و أوؿ العاشقات ..من
وجربويت غًن أنت يا صلصاؿ القلب .أنت مدى اٜنقل االخضر وقمح نينوى
الكثًن .الفرح الكبًنة اىتزت اوتار قليب عن طيف ىواؾ أسرتين ذكريات الكلمات
اٟنامسة و ادماين الفراؽ
تسرقنا االياـ عن احبتنا و تبعدنا االحداث عن ميثاقنا وىوانا آخر االياـ أف ال
وقت للحب َّ ..
أف ال معىن للوجود ..يازمن اٞنبلجىء الثقيل أسرع اٝنطى ٥نو
اٞند ّمى...
هناية النفَ .
22
قصف معادي مركز ٞنبلجئنا ..أىتزاز يف ىذه اٛنحور اليت ال تسكنها ح ى الثعالب
،غبار ،دخاف صعد اىل السماء ...
تسقط شظية عند باب ملجأي ..اٟنوؿ اٟنوؿ ٞنن بقي حياً ..يقوؿ االعداء منذ
سنوات اٞنوت للسبلـ ..اٞنوت للسبلـ ..يتفاخروف هبذا الشعار .
يفتخروف بكثرة قتبلىم من أبناء ايراف ..أرأيتم مثل ىذا يف بطوف التاريخ و أمهات
الكتب ؟ ..
أصيح باٛننود أف أدخلوا اٞنبلجىء ..اف العدو يستغل ٠نيء سيارات االرزاؽ .
ردت
يستمر القصف اٞنعادي ..صاح أحد اٛننود من ملجئو ..لن يتوقفوا أال اذا ّ
عليهم مدفعيتنا ..اهنا ٔنيفهم كثًناً ٜ ..نظات و يستجيب رجاؿ اٞندفعية لقوؿ
اٛنندي ..وهتدر االصوات ونكوف أرض حراـ بٌن اٞندفعية الثقيلة اٞنتقابلة اليت
تناطح بعضها بعضاً نصف الساعة ،تنجلي غمامة اٞنوت ويتوقف القصف اٞنعادي
..أخرج ٥نو اٛننود ،كانوا بسبلـ ومل يتعرض احد لسوء .اوقد خرب اٛننود
القصف و أخسنو ْننب النًناف .
أدخل ملجأ اٞنقاتل مناحي قنياف ..أسم بدوي يوحي بالبيئة اليت ىو فيها ..مبلمح
صيب ،وجو صقر جائع ،رجل شوكي من صحراء العراؽ الغربية ،تلك الصحراء
اليت اقرتنت بالذئاب اٞنفرتسة والبدو االشداء ..اٜنرب بدأت من الصحراء ..
23
وحسمت يف الصحراء ..مناحي قنياف ،تعابًن وجهو القاسية و شاربو الكث
يوحياف بالكثًن من التجارب ،سبلحو بندقية كبلشنكوؼ ..قلت يف نفسي من
روض مناحي وجعلو يقف يف ىذا الساتر افاؽ انتماء الوطن انتماء العشًنة والبعًن
..مث اذا ىو ٢نًن أعناف الصحراء الغربية ّنواشيو من لو القدرة على مبلحقتو ،بل
من يستطيع أف يراه ..صحت بو :
-مناحي ؟
-أين اىلك ؟
-بالغربية .
الصحراء الهناية من الرماؿ وبعض أشواؾ كئيبة تنبت يف كنفها الواسع ،اهنار من
السراب االبيض الذي ٫ندع اٞنرء الشيء غًن الفراغ الذي سكنو البدوي ٖ ،نة
صدى القواـ مرت من ىنا ..
24
اف كل الشعوب لكي تتحضر عليها أف ٕنر هبا وليل يهيم تتؤلأل ٤نومة كمصابيح ال
شيء ٪نجبها ..أهنا اٞنؤنس لؤلقواـ اليت ٕنر ،بل ىي بوصلة الرحلة اٞنتواصلة ..
تبلؿ من رماؿ تنشأ اليوـ وتتبلشى غداً ..
انو الشيء يذكر البدوي باٞنوت .التوجد ٟنم مقابر ٗناعية عندما ٬نوت البدوي
يدفن مث يرحل ال ١نالة وراء اٝنصب ..اهنم منفردوف ح ى القبور وحيدة يف
الصحراء ..
الشيء منفرد بعاٞنو وكل كائن فيهم مغامر كبًن .أف احد البدو قد أنقذ بطل
(أرض البشر ) ألنطواف ده اوكزوبري .
أننا ٥نتاج اىل من ينقذنا ،أف اوكزبري أراد أف نرجع للجذور ،لؤلصالة ،للصحراء
..وىذا صحيح ،
25
-زوجتك ؟
-نعم .
الصحراء .اٝنشونة .الشجاعة .الصرب .امرأة تقتل الذئب الشامي الشرس ،أهنا
تدافع عن بيتها ،عن مواشيها ،،أف أباه رجل كبًن السن و أبناؤه صغار و ٟنذا
قامت زوجتو ّنا يقوـ بو أشجع الرجاؿ .
تأملت ناب الذئب ،قلت يف نفسي كم من اللحم مزؽ ىذا الناب ؟ كم من
االرواح أزى .. .كاف اللؤلؤ ناصع البياض املس .
-ما فائدتة ؟
-انو يطرد االرواح اٝنبيثو و٩نعلك صلب القلب قوي يف اشد اٞنواقف خطورة .
-شكراً
وضعتو يف جييب ،ال تيمناً بو بل كذكرى و كمجاملة ٞنناحي ،اف زوجة مناحي
جعلتين أغًن نظريت عن اٞنرأة البدوية اليت رٚنتها يف خيايل ،تصرفاهتن عند عيادات
االطباء وْنوٟنن يف شارع نينوى ..تؤكد يل أف ىؤالء لسن بدويات بل من مزارعات
اٞندف اليت ٓنيط أكواخهن بنينوى .قلت أف امرأة مثل زوجة مناحي ال ٕنرض ..ال
يستطيع اٞنرض أف يقرتب منها .
يبدو أف العدو قد اكتشفنا يف اٞنلجأ ..بدأت تتساقط قربنا رصاصات رشاشة .
أحداىن وقعت باردة بٌن أقداـ مناحي ..أبتسم ومل يعر لؤلمر أية ا٨نية ..أف
موضع رشاشات العدو ٢نفية بشكل جيد على شاطيء البحًنة الثاين .أكثر من
26
)) )) s.p.j.9اٞنضادة للدبابات و االبنية ،اهنم مرة دمرت بواسطة
يتعمدوف الرمي هناراً ويقللوف الرمي ليبلً الف الوميض سيكشفهم فيكونو عرضو
لصوارية حسن عناد صاحب اؿ )) ((s.p.j.9الذي ٩نيد التهديف واالصابة ..
يف معارؾ بنجوين اليت استمرت ثبلثة أسابيع ..قالوا أف مناحي بقي يقاتل ٞندة
أسبوع يف أعلى قمة اٛنبل ،كاف معو يف الربية أحد الفرساف اٚنو كاكو رشيد ..مل
ينسحب مناحي رغم شده القصف وتراجع اٛننود و أستشهاد آمر الفصيل ..بقي
ىناؾ يقاتل مع كاكو رشيد ١ناصرين ،وبعد اسبوع استعادت القوات العراقية اٛنبل
و أستطاعت أف تطرد العدو . .وقد وجدوا كاكو رشيد ٠نروحاً بساقو ومناحي مل
يصب بشيء ..حب االرض فطرة وتأيت من البلوعي ،والشجاعة فطرة تولد مع
االنساف ،وكذلك اٞنواقف اٞنبدئية ..أف مناحي وكاكو رشيد أمياف مل يقرءا اي
كتاب يف حياهتما ومل يتثقفا ُنب الوطن .فهو حب ال يأيت عن طري .القراءة .
االنتماء والشعور ،بل الغًنة واٞنسؤولية البسيطة ىي اليت جعلتهما يقاتبلف ٞندة
اسبوع بأعلى قمة اٛنبل ٕ ..نلكين ىذا الشعور وىذه القناعة و انا أتذكر صديقي
اٛنامعي أ٘ند سليماف الذي ىاجر اىل اٝنارج بعد أنتهاء دراستو اٛنامعية .عذره يف
ذلك انو ٫نتلف فكراً و أيديولوجياً عن فكر السلطة واٜنزب الذي يقودىا ..كاف
٪نلم باٜنرية و اآلماؿ الكبًنة ..بعد سنوف من ىجرتو جاءتين رسالة منو ..قاؿ يل
فيها انو نادـ ..بل ١نتقر يف اٝنارج ،أهنم يف ىذه الببلد يع ّدونو خائناً و جباناً وأالّ
ٞناذا ال يشارؾ يف الدفاع عن وطنو.
27
-اتعرؼ كاكو رشيد ؟.
-نعم ذىبت ..وقد وجدت أبناءً ثبلثة و زوجتو و أبنتو .أنك ال تعرؼ كم ىو
شجاع كاكو رشيد ،حراـ يأخذه اٞنوت ،حٌن ٚنعت باستشهاده مل أذؽ الطعاـ
ثبلثة أياـ .
ت أف عينيو أغرورقتا بالدمع ..اٜنرب ٔنل .صداقات تغًن وجو مناحي ،الحظ ُ
تتجاوز ّنحبتها حب االخوة و االىل ..من أين اتى ىذا اٜنب ٞنناحي ْناه كاكو
رشيد ؟ .أنو اٞنوقف واالخبلص واٞنصًن الواحد ،ندفع العمر دفعا ٥نو حافتو
٥،نبث عن بقعة صاٜنة للموت يف أعايل القمم كنا أعبلماً ويف الودياف سراجاً
يوقظ العامل من سكرة الصمت ..يف ظلمة الليايل ال نطلب من الريح السكوف ..
كنا طائر الفين .. .أو ىياكل ثلج يف قمم حصاروست .
28
ادخل يدي يف جييب ،تقع على ناب ذئب كاف يعوي يف صحراء العراؽ ويئن ..ال
يقتل الذئب اال الذئب ..اداعبو بأصابعي ،رماؿ الغربية ولياليها الباردة تؤرؽ
صاحب الناب ..أكاف فريسة اٛنوع الذي دفعو ٥نو موتو أـ غرور جعلو يأيت اىل
اٞنرأة اليت سلبت أيامو بأمر أختزلت خوفها من الفراش وعبأت شجاعتها يف البندقية
**********
من موضع الرشاشة اٞنتوسطة رف جرس التلفوف ..رفع السماعة اٞنخابر كرًن .
أعطاين التلفوف قائبل:
قاؿ يل :
-أنت الحظت عمل اٟنندسة العسكرية ،فقد فتحت لكم ثغرة يف اٞناء لتكوف
لكم طريقاً عند خروج الكمٌن ..وستكوف أنت آمر الكمٌن و تأخذ معك
جنديٌن و سأكوف على اتصاؿ بكم عن طري .التلفوف الذي ستأخذونو معكم ..
مقدـ ىذاؿ أسم يوحي بالصراحة واٜنزـ ..رجل أبيض البشرة أشقر الشارب تبدو
عليو بعض عبلئم التعب ،فقد كاف من اوائل الضباط الذين أنيطت هبم قيادة
29
اٞنقاتلٌن يف اٜنرب ..يف معارؾ الشماؿ ضد اٛنيب العميل كاف مبلزـ أوؿ و يقود
سرية مغاوير يف منطقة سيد صادؽ يف السليمانية ،أما يف ىذه اٜنرب فقد كانت
قواتو من بٌن القوات اليت دخلت احملمرة ،عرب هنر الكاروف وشهد معارؾ شرؽ
البصرة االوىل ..وميساف ..وبنجوين ..انو ٬نتلك خربة طويلة ،وىادىء ال يهتز
توازنو مهما صعبت الظروؼ ..مدة قصًنة من الوقت ويأيت رجاؿ اٟنندسة
العسكرية ..يبدأ عملهم اٞنتقن الدقي . .أهنم الرجاؿ الذين ال ٫نطأوف مرتٌن ..يف
ظلمة الليل عملهم ويف زورؽ مطاطي يقتحموف االسبلؾ الشائكة ..ويطهروف
الثغرة من االلغاـ الكبًنة ٬ ..نر وقت ليس بالكثًن ،يعود رجاؿ اٟنندسة العسكرية
اىل الشاطيء ،ويرتكوف لنا الزورؽ لنقوـ ٥نن بعملنا ،،يف الزورؽ الذي سينقلنا اىل
مسافة مئيت مرت يف البحًنة كنا ثبلثة :أنا و١نمود سعيد وعلي جاسم .االثناف
جنود أحتياط و أنا ٠نند .اندفع الزورؽ هبدوء وريبة ٥نو مكانو يدفعو عمود خشيب
يثبت باالرض من هناية الزورؽ ،وبالفعل ورد الفعل يتقدـ الزورؽ .نقف يف مكاننا
احملدد ..ويركن الزورؽ بأحد أعمدة االسبلؾ الشائكة ٥ ..ندؽ فيما حولنا ..
أسبلؾ شائكة تتخللها اٞنئات ،بل اآلالؼ من اٞنفرقعات اللغمية ..أصوات ازيز
رشاشات العدو يعربنا بأْناه قطعاتنا بٌن ٜنظة و اخرى يتأجج تنوير ٍ
معاد فوقنا ،
نركن اىل اٛنمود ،و االّ أصبحنا عدماً ..حديثنا ٨نس فيما بيننا ٥ ،،ندؽ يف ظلمة
اٞناء باْناه العدو ..نصغي بآذاننا لنسرتؽ السمع ،لعلنا نظفر بشيء ّ ..نعلومة
عن العدو ..نسمع صوت ١نركات ..وراء الساتر اٞنعادي ..أهنا أرزاقهم و ما
٪نتاجوف ..حٌن ينقطع الرمي تسمع أصوات ارتطاـ اٞنو٩نات الصغًنة بالزورؽ..برد
..أـ خوؼ يتوغل يف االجساد ..أحساس بتفاىة العامل و بساطة اٞنهمات ..
31
تزعزع يف قناعات كانت ال تفارقنا يوـ كنا ٥نسب الدنيا ٠نرد حلم ٗنيل ..زورؽ
من مطاط يتوسط ناراً و يسبح يف جحيم ..اكتسى ىذا الزورؽ برحى العامل ومل
يعد ٢نصصاً للصيد و النزىة ..صار وسيلة من وسائل الدمار ..أف االنساف ٫نل.
مقومات اٞنوت بيده ١ ..نمود سعيد يشتعل قلبو الجل سيكارة و لكن ال وقت ٟنا
،أراه يقرفص يف قاع الزورؽ اٟنزاز ..مث يرنو باْناه الشاطىء اٞنعادي و يهمس من
شرقنا يأيت اٝنراب ..ومن صحراء لوط تأيت اٝنرافة والشعوذة ..
صمت ماقبل العاصفة ..أو بعدىا ..خيم على اٞنكاف ىدوء حذر او تعب
أجتاح اليد اليت تضغط على الزناد ..كلما أحدؽ يف البحًنة جنوباً ..أرى شعاعاً
ضوئياً ينتشر يف السماء ..أهنا جبهة الفرقة السابعة اليت ال هتدأ نارىا أال نادراً..
الليايل اٟنادئة او رّنا ىي اسرتاحة ..مؤقتة ..يتوقف كل شيء أال موجات البحًنة
و اىتزاز الزورؽ..
أحدؽ يف مدى الرقية يف قاع البحًنة اٞنظلم ..أسند ظهري على مقدمة الزورؽ ..
و أصمت .
ىيفاء ..بتوؿ ..ايفوف ..أجساد مرمية ..و أرواح شاردة ..هتادى الزورؽ اٛنميل
يف ُنًنة الثرثار ..اٞنوج اٞنتبلطم ٪نطم الرماؿ ..أرى حلم السنٌن الضائعة ..يدفع
الزورؽ يف الثرثار ..ألقي بأيفوف بنت بًنوت يف اٞناء ..يطفو اٛنسد اٜننطي يف
زرقة ،أنتشلها من عبثها ..تقهقو الباقيات و الزورؽ ٩نوب البحًنة ..أغرؼ اٞناء ،
القيو على وجو بتوؿ األٚنر اٝنجوؿ ،أقفز يف البحًنة ٕ ،نتد االيادي اٛنميلة و
31
أصعد ..تضغط ىيفاء على زر اٞنسجل الذي بيدىا ،يصدح صوت وديع الصايف
..
عندؾ ُ ..نرية ،،يا ريس ،،تردد اٜنناجر الناعمة مع االغنية يندفع الزورؽ يف
الثرثار بعيداً ..تبتعد عن الشاطىء الغاص بالطلبة ..
قالت ايفوف ..كأننا يف شواطىء بًنوت .قلت كأننا يف حلم ..أشرقت يف وجهي
صفحة اٞناء و أغمضت اٛنفوف ..
و اضطجعت يف قاع الزورؽ ..و رفعتين ايفوف من أقدامي ،قذفتين يف اٞناء ،
سحبتها معي وغدونا ٚنكتٌن ..ابتعد الزورؽ عنا ،،التصقت هبا ،،جسد حار
يف ماء بارد ،،يرتاقص جسدىا بفعل اٞنوج ..خفيفة تبدو كريشة ،أغطس يف اٞناء
و أفاجؤىا من خلفها ..تغطس وتبتعتد ..أٜنقها ..يعود الزورؽ و تصعد ..
ماض من الزماف و ِ
آت أٚنع اٞنسدؿ يصدح :ىذه ليليت و حلم حيايت ..بٌن ِ
هتادى بنا الزورؽ باْناه ٗنوع الطلبة ٜ ..نظة ونكوف يف الشاطىء و نودع الزورؽ
جملموعة أخرى من الطلبة ..نضطجع على الرمل ..
-كمٌن .؟
-نعم ..من ؟
-مقدـ ىذاؿ
32
-نعم سيدي
-ال تكثروا اٜنركة و الحظوا جبهة العدو ،قد ٔنرج دورية معادية ..أنتبهوا جيداً
-أمرؾ سيدي.
أجلنا نظرنا يف البحًنة ،ال أحد سوانا يف ىذا الليل الكثًن النجوـ ..علي جاسم
٪نتضن بندقيتو و يتكىء على كوعو االيسر ..صامت ال ينبس بكلمة .انو من
مدينة الناصرية ..كاف ٪نب الغجر .و يف كل إجازة يذىب اىل مضارهبم و ٪نضر
حفبلت رقصهم و طرهبم ..قالوا انو تعل .بالراقصة وحيدة و كانت ْنلس اىل
جانبو بٌن كل وصلة رقص و أخرى وقد أىداىا الكثًن من مبلبس الرقص .لقد
أغاض ىذا التصرؼ زوجها القصًن القامة وحدا بو اىل اٟنجرة هبا اىل مكاف ٠نهوؿ
.ىذا التصرؼ أغضب علي و مل يذىب بعدىا اىل رقصات الغجر ..مرة ذىب
اىل أحدى حفبلهتم ومل ٩ند وحيدة وغضب و ثارت ثائرتو ،أطفأ اٞنصابيح و
أفشل حفلهم و رجع دوف أف يتفوه بكبلـ .أتراه يف ىذا اٞنكاف يفكر بوحيدة ؟ ..
قد ابتعدنا عن زمن الرباءة و جرفتنا رياح الدـ النازؼ .ىذا يوـ أتقاد اٟنواء يف
احشائنا ،،عيوف الصمت ال تأيب التخلي عن عشقها٥ ..نن اٞنسافات اليت ال
توصل ..وهناية العصر الرىيبة و اٛنبلد .
33
ال مر ٍ
اس على الشطآف تستقبل سفننا ..وال ورد يف االحضاف ..كل ما ىنالك
طٌن معجوف بدماء ..و أسبلؾ حديد تشمر عن أسناهنا ،أرى عاشقات ببل
رجاؿ ..و انا يؤرقين ىوى النساء اٞنكافح يف اف .اٜنرب ..من باب ٨ننا الكبًن
اعلنا رسالتنا ..و من عويل أـ أعطت أبنها شهيداً جاء اصرارنا ..يتبلشى الليل ..
عند مطلع الفجر ..وٓنمر السماء شفقاً وحزناً أـ فرحاً و ٫نتفي صفاء النجوـ ..
يزداد مدى الرؤية ..ينساب الزورؽ ٥نو شاطيء البحًنة ،لقد جاء الفجر فالبقاء
خطر ..سريعاً ما نصل الشاطيء ،ندخل اٞنبلجيء ..و أبدأ بكتابة برقية اىل
الفوج عن عودة الكمٌن ساٞناً و ببل خسائر ..مل أالحظ اي شيء يثًن التساؤؿ
والغرابة ..كانت بداية موفقة .نظرت اىل التقوًن الصغًن يف ملجأي ،كاف اليوـ
الثاين عشر من آذار
***************
34
الندى اجراس لؤلؤ على العشب ..و اٞندى أزرؽ ..ومكحوؿ ٩نثم غرباً أسودا
داكناً ال شجر يغطيو ..أٚنيو اٛنبل اٜنزين ..قرية أسديرة مفروشة يف جوؼ
حقوؿ القمح الواسعة ،أىيم يف أجوائها و دروهبا ..الزمن يضع بصماتو على
بيوت الطٌن خدشاً ..جرفاف السيوؿ يرتؾ أخاديد على أسقف و جدراف البيوت
تنغرس بٌن السقف و اٛندراف ..أعشاش العصافًن و الفئراف و يف داخلي البيوت
و على أعمدة السقوؼ اٞنعوجة ..
35
يعشعش اٝنفاش الذي يأيت موٚنياً ..أبقار ْنوب االزقة بعبث ..ودجاج ينثر
اٞنزابل بفوضى .قطعاف من االغناـ اٟنائمة يف صمتها موجهة ٥نو الرباري احمليطة ..
أرى أٚناعيل العبد اهلل ..صدي .الطفولة ..مقوس الظهر ٬ ..نتطي ٘ناره وينعت
غنمو ..كنا يف الصف االوؿ االبتدائي و على كرسي واحد ..أصابو ٔنلف عقلي
ومل يعد قادراً على مواصلة الدراسة ..فواصل رعي اغنامو .
أذكر أنين رأيتها تأكل الزرع مرة ..أمن اٛنوع ...اـ من البلوعي ؟ جعلها ال
تعرؼ للطعاـ مذاقا و ال تفرؽ فيو ..اختفت فجأة و مل يعثروا عليها اال وىي جثة
متآكلة يف أحد اٜنقوؿ ..سحبتين خطاي ٥نو مكاف من صباي أو حلمي الوردي
،وقفت عند الشجرة اليت تقع اىل الغرب من القرية يسموهنا ىناؾ (شوكة البحر )
36
شجرة كبًنة ملتوية االغصاف كثًنة اٛنذوع قصًنة االوراؽ شوكية فيها أسناف كاالبر
تقع على مفرتؽ الطرؽ اليت تدخل القرية متفرعة يف الدروب ..سريعاً ما تنمو ىذه
الشجرة .أذكر أف أىل ( اسديرة ) قاموا بقصها الهنا قطعت الطري .و مل يعودا
قادرين على السًن ..لكنها سريعاً ما تنمو .
ىي شجريت ..يف الصغر أختيبء فيها الصطاد صغار العصافًن ٔ ،ندشين أسناهنا
،و أجلب من جذعها حبات الصمغ وأصنع منها الصمغ ،أستعملو لدفاتري
مر من جانيب ذلك الشيخ وكتيب اٞندرسية ،على سيقاهنا الكثًنة بصمات مين ّ .
الذي كاف يتضاي .مين كثًناً عندما يراين فيها ..كاف ٪نمل أبريقو و يتغوط داخلها
كنت معلقا على أحد أغصاهنا ،مل ينبس بكلمة واحدة معي بل فيغضبو أف ُ
ٓناشاين بعد أف غسلتين نظراتو من العيوف الغائرة الضعيفة ..و اندفع يف داخلها
الحظت اف ظهره أزداد تقوساً وسًنه
ُ كعادتو اليومية ..أكلت منو االياـ قوتو و
أكثر اضطراباً كاف يف شبابو من أمهر العازفٌن على ( اٞنطبك ) ولو صوالت
مشهودة يف الطرب و اٜنفبلت و االعراس ،كاف ٩نوب القرى ..ليل هنار ..
وبيده (مطبكو ) يبحث عن فرح أو عرس ليعزؼ ٟنم ح ى قيل انو من ْنوالو الدائم
يقوـ ُنل .ذقنو ماشياً ح ى ال يفوتو الوقت وقد ورث ابنو العزؼ منو .أختفى يف
الشجرة اليت كانت تفتح لو صدرىا يومياً دوف كلل.
كل اٞنعامل تتآكل و تتبلشى ولكن االنساف أسرعها .و أكثرىا ضعفاً ..يف
داخلي ماذا بقى غًن كلمات و ىواجس و اضغاث ذكرى ألياـ تبلشت ١نسوبة
علينا ،ح ى اٛنماؿ تآكل ويصبح كومة من ْناعيد حزف .قلت ذلك حٌن رأيت
37
مرًن وقد ترىلت وىي تنعت اطفاٟنا و لوهنا شاحب .لقد كانت أٗنل فتاة يف قرى
مكحوؿ ،وقد تغزؿ فيها كل الشعراء يف اٞننطقة وكاد أف ينشب قتاؿ بٌن أقربائها
و احد الذين تقدموا ٝنطبتها ..أهنا مثل غزاؿ صحراوي ،مل تعرفين .أو ىكذا
تصرفت و ىي تسحب وراءىا ثبلثة أطفاؿ و ُنضنها الرابع .لقد تزوجت باإلكراه
من أبن عمها الذي كاف متزوجاً ولو ٙنسة أبناء ..رمقتها وىي تندفع صامتة يف
الدرب ١نطمة أو غًن راضية ال أعرؼ ،كل ما أعرؼ اف ذلك اٛنماؿ جلب ٟنا
اللعنة والنكد ..اختفت وىي تدخل احد البيوت متباطئة اٝنطى ..آذار شهر ربيع
يطل .خضرة ٥نو أف .البلهناية ..دايفء مشمس ح ى النشوة و انا أوزع قليب يف
االزقة بٌن بيوت الطٌن الرطبة و على غبار الرفوؼ اودع اطيافاً و٨نسات الصغر
يف الزوايا اٞنعتمة ..أختبأت من تأوه الكبلب يف ليايل الشتاء .طاردتين اٟنواجس .
ووجهة القلب ٥نو أوؿ الغرس ،أوؿ مولد .
من الكآبة ٫نل .الفرح ..ال شيء يبقى الواقع على حالو ..أف آالمي ُنجم حيب
..أغمر قليب ُنناف القرويات ،تلك الطيبة العامرة بالوفاء ..أي شيء أعظم من
اٛنماؿ الطبيعي ..ثبلث فاتنات بأثواب استجابت للربيع ..مثل فراشات ٓنل.
فوؽ زىر يرسلن خطوهتن باْناه اٜنقوؿ ..أفتح شهية اٜنب ،و أحدؽ يف ٗناؿ
النساء ..يتلوى قليب الذي كاد أف ٬نوت نكداً ..قالت امرأة يل مرة ..أنك
صاحب اٞنئة قلب ..قلت ىذا شأين مع كل اٛنميبلت ..مع كل من أعطاىا اهلل
شيئاً منو ِ
..ملَ ال أمتلك ىذه النعم و ىذا البهاء ؟ ..تائو يف الطرؽ ..سائح يف
عامل اٟنوى االصيل ..حنٌن االىل ٪نفر اٛنوى فتسقط اٞنواقف عند حد العش، .
من جراحي تنبت زىرات ىي كل ما أعطي لعامل الطفولة ٞ ..نن تركين يف العراء
38
انتقاماً ألين عاش .أزيل ..ألف سبلـ ٞنن أعطتين عهداً بالوفاء وتزوجت جرباً عسل
القلب .
كثًنا ما ٫ندع الزمن ،القرى البعيدة هتجع ساكنة ..ال حراؾ لقاع احمليط أالّ بزلزاؿ
...مرؽ طائر أبيض ىارب من جحيم اٜنرب ..ىوؿ النفاؽ ..ليغيب وراء
السحاب أو سراب العٌن .
أشم رائحة االىل تنبعث من طٌن البيوت ..وسنابل القمح ىي آخر اٝنًن ىنا .مل
تكل أقدامي عن لع .تراب الدروب و عيوين عن مسح البيوت والناس ٥ ..نن يف
الصحب كثر وصاروا قلة بل تناثروا و غادروا
ُ عطش دائم اىل الذكريات ..كاف
أعشاش ىذه القرية ..مثل غربة ْنتاحين حٌن أغسل الوجوه ،اين انتم يف ز٘نة
اٞنتغًنات ؟ .
كلنا يتبع ىواه أو مدفوع اىل ما ال يرغب ..من منا ال ٪نب مسقط الرأس ويتمىن
البقاء فيو ؟ .لكن ٞناذا الرحيل ؟ ..وانا لقد نزفت من دـ الطفولة مايكفي ح ى
هنايات الرحيل ،كم أرقتين متقلبات اٟنوى و أشواؽ البقاء ..سأمكث يف قالب
١نار ألين اللؤلؤ اٞنفقود الذي غمرتو رماؿ الشواطىء الدافئة (..اسديرة) بيوت
متداعية من طٌن وحنٌن ال يضاىي اىل الشمس ،وىجها ذىب وخيوطها حرير
..أقف عند بناء كونكرييت مطلي باالخضر الفاتح ..أهنا مدرسة (اسديرة )
تأسست يف العامل االخًن للملكية ..قالوا اف اٞنلكية جاءت باٞندرسة ألف أىل
39
القرية رفضوا أف يدخلوا أبناءىم اٝندمة العسكرية ..االّ عندما تبين ٟنم اٜنكومة
مدرسة .
شبح اٞندير ١نجوب يطاردين ..ىيكل كبًن بو بعض الرتىل ..ال أذكر انو ابتسم
يوماً .تنغرس يف يده عصا التأديب ..حٌن يدخل اٞندرسة تسمع صوت االبرة
عند سقوطها كعرين ال ٩نرؤ أحد على االقرتاب منو بأستثناء الفراش الذي ٪نمل لو
صينية الشاي .أجثم على اٞنقعد كصخرة ..وحٌن ينتهي الدواـ أنطل .اىل البيت .
و يف الطري .أخلع بنطلوين وأستمتع باتساع دشداشيت اليت أعبها داخل البنطلوف
صباحا ألذىب للمدرسة حيث ال قميص بل اين ال أعرؼ القميص يف كل مراحل
االبتدائية .الربد ٩نتاح الصفوؼ العالية من الشبابيك الصدئة و تتجمد اصابع
قدمي ..أحس اف حذاء اٞنطاط يزداد ضيقاً ..يأيت اٞنعلم ر٬نوف ،مسيحي من
قرقوش ٪..نب الرياضة كثًناً ..يسحرنا ُنركاتو وكبلمو ،كنت أقف مذىوالً قرب
عرفت بعدىا
شباؾ غرفتو الطينية حٌن أٚنعو يقرأ بلغة ال أعرفها من كتاب عتيُ .. .
انو يقرأ اال٤نيل بالبلتينية ْ ..نتاحين فوضى التبلميذ وىي مندفعة ٥نو اٝنارج ..
أكاد أف أفقد توازين ،فاٞنوجة البشرية تغمرين أصبح بينهم ..طفل صغًن ..أشاىد
كثًناً من الفتيات ،بل نصف العدد او اكثر ،ينط التبلميذ مسرعٌن ٥نو بيوهتم
ٜ..نظة ؤنرج اٞنعلمة رمزية ..وجو يوحي هبم كبًن ..ترتدي مبلبس سوداء
..اقرتبت مين ،قالت :
-اىبلً
41
-كيف حاؿ اٛنبهة .أال تنتهي ىذه احملرقة ؟
-الزاؿ الوقت مبكراً ..عندي حديث معك قد يطوؿ فلنرجع اىل االدارة و
نتحدث فيو .
اجتاحتين أهنار األسى ..ورغب ى يف االنتقاـ لكل امرأة جعلتها اٜنرب تلبس السواد
.أي لعنة ،أي قدر يقتل الفرح لتحل الكآبة ١نلة ..من جعلين خزاف تأسي
وصدي .من ىم موتى ؟ ..اف رحيلهم ٩نعلين مثل شجرة وحيدة ..كاظم .
أي يوـ ذلك الذي أنبأوين فيو عن أستشهادؾ ..كاف الغبار ىو اٞنسيطر على أياـ
الصيف وحٌن وصلت القرية نزلت من السيارة ..وقف أمامي ذلك اٞنعتوه الذي
سألتو عن أحواؿ القرية ..قاؿ :الشيء سوى اٜندث الكبًن .قلت ماذا ؟ قاؿ
أستشهد كاظم عندما أحرتقت بو الطائرة .
أفقت من صعقة اٜندث ..أي يوـ كاف ذلك اليوـ ؟ ..ىل ٦نتار هنايات موتنا
ُ
بأيدينا ؟ ىل تكوف لنا القدرة على اكتشاؼ طريقة اجلنا ؟ يف عناف السماء ،
كانت طائرة (السيخوي ٕٕ) انفجرت فجأة وأصبحت ركاماً .اختفت واختفت
أحبلمك باجملد ..مل ٓنرتؽ طائرتك بنار االعداء ..بل باٝنلل الفين ..على اطراؼ
41
الغيوـ العالية نوزع دمنا وحلمنا .يف أي ٣نلكة يكوف اٞنوت نزىة و اكتشاؼ .اننا يف
عامل اٞنصادفة القاتلة انك تشن .رغبيت وٕنحو بسميت ..أي ٚنر ذلك الذي يكوف
بعدؾ ..يف الليايل اٞنقمرة أتأبطك و تتأبطين ٥نو أسرة الفاتنات وبساتٌن الرماف –
كاظم – ال مغامرة بدونك بعد اليوـ ..اختفت رغبات النفس ..وبدا موتا ..من
من يعرب دجلة معي بتاجاه ٩نلس معي على النهر يرم .اللوايت ٩نلنب اٞناء ؟
مكحوؿ ؟ ال أحد قادر على مصاحبيت غًنؾ و انت العدـ او اٝنلود ..و انا
االضطراب والشلل .لقد كلّت أقدامنا من ركضنا باْناه الرغبة واٛنديد ..أنك
سندباد القى النائمة كنا ٥نلم بالرحيل و٥نن راحلوف ،و نصعد سلم اٞنآسي الطويل
طاغ .
بفرٍح ٍ
-مراد .
-نعم .
42
-أقصد رغباتو ،طفولتو ،أحبلمو ،أين كاف يقضي أيامو ،صوره ،مذكراتو ..
من عاشر من النساء قبلي ؟ ،ىل كاف ٪نب امرأة غًني ؟ ..أعداؤه ..اْناىاتو
السياسية ،كيف أختار الطًناف مهنتو ؟ كل شيء ..كل شيء ..
أغرورقت عيناىا بدمع جاء من حرقة قلبها ..أسبلت اٛنفوف وساؿ على خدىا
دمعها منهمراً وتلقفتو ّننديلها ..
-من احل أبنيت دنيا ..أف عمرىا ثبلث سنوات وعليها أف تعرؼ كل شيء عن
أبيها ..
-قد ال نلتقي بعد اآلف ..أرجوؾ حدثين عن كل شيء ٫نص اٞنرحوـ .
-اىل أف تكرب أبنتو دنيا و سأحدثها عن أبيها ..أنو سر والسر أذا ْناوز االثنٌن
مل يعد سراً
-سأقدـ طلب نقل اىل مدينيت كركوؾ فلم يعد يل مربر أف أبقى ىنا .
حٌن كتبت عنواين عندىا على مضض ..هنضت من مقعدي ..صافحتها مودعاً
ألسب .الوقت و أستمتع باألياـ الباقية من اجازيت .
***********
44
غيوـ بيضاء تزداد شفافية عندما ٫نرتقها ضوء القمر ٤ .نوـ قليلة أو ىكذا ىي دائماً
يف الليايل اٞنقمرة ..يُزرع اٝنندؽ باٞنقاتلٌن الذين تعودوا النظر باْناه الشرؽ اٞنخيف
الغادر ..عرب ُنًنة ضحلة اٞنياه ٖ ..نة نسيم ىادىء يوحي بفصل الربيع وٗناؿ ليل
آذار .لكن ال ورد وال عشب يغطي االرض ٠ ..نرد طيات كثيفة من ملح كئيب
اٞننظر .ال ربيع وسط اٞنلح والدـ ..كل ما ىنالك موت بالتكرار وقصف ال يهدأ
..اليوـ اٜنادي والعشروف من بداية السنة الفارسية اٛنديدة ..أي شيء ستقدـ
ببلد الطاووس للعامل برأس سنتها ؟..
زىور ..أـ سبلماً ينهي حربا طويلة بداؤىا ..أـ ماذا ؟ ..كل شيء حذر و
متأىب يف اٝننادؽ بعد أف أخربتنا مراصد االستخبارت بنية العدو يف اٟنجوـ .
يتصل قائد الفرقة بالفصائل والسرايا األمامية ويشد على أيديهم مشجعا ..تزداد
ىجمة االعداء شراسة ..ونسمع لغوىم و ىراءىم ..وْنعل مدفعيتنا من الشاطىء
اٞنعادي ناراً ملتهبة ..الليل لباس اٜنرب .وغطاء اختفى ٓنتو العدو ليندفع مباغتاً
ويستمر الليل ماضياً ..ويستمر اٟنجوـ معو ..مرة يكوف ضارياً ..ومرة يقتل ..
اىل أف انبلج الفجر وتوضحت معامل الكوف ،كاف كل شيء قدـ ٙند وانطفأ
45
..لقد خسر العدو يف ىذا التعرض الكثًن من جنوده ..أما ٥نن فقد أصابنا كذلك
ضرر لكنو مل يكن ّنستوى خسائر الذي يهجم ألننا كنا ١نصنٌن يف مواضعنا .
لقد فقد فصيلي يف ىذا التعرض الواسع جر٪نٌن ..زيداف ٠نروح يف صدره ويده
اليمىن نتيجة شظايا ..وكرًن بساقو األيسر و أظن اف عظم الساؽ قد كسر .أما
ماجد البصري فقد أستشهد بعد أف اخرتقت صدره شظية ىاوف ثقيل ..وقعت
قنبلة اماـ موضع الرشاشة الذي كاف ٬نشط هبا سطح البحًنة.
أجلت نظرايت يف موضع رشاشة ماجد البصري :بركة دـ متجمدة ،عشرات من
ُ
الظروؼ الفارغة لطلقات رشاشة ..تركت منصوبة باْناه العدو بعد أف سقط
صاحبها ..أبدأ بتوزيع العتاد على اٛننود ..وأحصي مقدار صرفيات العتاد ..و
أدخل يف موضعي الذي ىزتو القنابل اٞنتساقطة ..
اٟنواجس تأيت من اٜنلم ،بل ىي حلم اٜنذر .يسكنين .ىاجس انتهاء اٜنرب ،
بداية لعهد التفاىم .ماذا يف حلمي غًن ىذا ..؟ وبأي شيء ٬نكن أف أشغل
افكاري ..ىل انا عائد اىل ظبلؿ النخيل ،وبساط عشب الرباري االمنة ؟ اـ اين
يف ٠نموعة تناقضات ،االوىل ضدي و االخرى
انساؽ ٥نو جحيم اٞنصًن ،كل ما ّ
علي وصارت حلفاً بغيضاً ،
معي ،و أنا لست ّنخًن االنتقاء ..أناخت اٜنوادث ّ
وأنا الوح بيد التساىل و اٜننٌن لسرب اٛنراد الذي داسين والتهم أشيائي ..كل
الطوائف االرض ضيقة التفكًن بليدة أالّ طوائف أفكاري ،فهمي ١نتوى الكوف ؟ .
46
أسى ..وأنا أفاجأ باٛنديد ..كلنا
على أطبليل ..أُرخ ماضي الصفاء ٫ ،نفً .
١نكوـ بشقاء النهاية ..أي عٌن تقر اآلف وأي فم يبتسم ..ىنالك أرمي تأمبليت
و أودع طيف األحبة .جعلتين تساؤاليت مثاراً للببلىة .أشتاؽ ٜننٌن االطفاؿ
وصفاء القلوب ..يا ىذا االرؽ ال تفارقين ..يا ىذا االضطراب تكاثف ..يا قليب
اطحن عواطفي اٞنتصلبة ..يا سبلـ األىل كن متتالياً أُنث عن بقاع االرض الندية
فيحرقين اللهيب ..أي صبلة ٬نكن أف تستجاب و أي نفاؽ يتأتى ..كانت اين
خزاف أمل ومنبع دمع فجر مأسايت ؟ ..أقسم بأصناـ العامل اٞنتحركة الناطقة
باٝنوؼ واٝنراب و بآلة الطعن من اٝنلف وَنربوت الباطل ألف اٜن .كسيح و قزـ
و١نتقر اآلف ىل تعود اٞنياه اىل ٠ناريها ؟ ...
وْنثم الرماؿ على الشواطىء من جديد ..اف النوارس ال ٓنط على النار اطبلقاً ..
لكن النار تطاردىا دوماً.
جرحت مشسنا يف كهف الظلمة الكثيفة ،ركبنا اٝنطب مرغمٌن ..أو مدفوعٌن ببل
معىن ،فقدنا أسرار قوتنا بٌن لغو الكبلـ .اندفعنا اىل احملرقة حفاة ،اال من و
اٝنوؼ الذي غطانا و ابتسم لوالئمو الغنية ..تفقدنا صوابنا بٌن وقع اٝنطى
اٞنضطربة وىدير القذائف اٞننهمر ..عادية ٜنظة النهاية مثلما ىي ١نزنة ؟ .
وزعنا دـ األحباب فوؽ اٞنلح و اخفينا التناقض يف يوـ الرحيل ..كانت اللحظة
اكتشافاً للرتدد اٞنوغل يف أعماقنا ..سرنا اىل النهاية كاٝنيوؿ اىل اٜنقوؿ ..اٜنرب
ىاجس اجملانٌن وقبلتهم ..أسراب اٜنماـ احرتقت حٌن حطت على صفحة اٞناء
اٞنخادع ٔ ..نرتؽ الطائرات مدى التأمل ٕ ،نطرنا باٞنوت اٛنماعي و الفردي ،
47
نسعى اىل فسحة األماف فنصاب باإلغماء ..تناثرت أشبلؤنا فوؽ اٞنماحل و
السهوب والسواحل اٞنخيفة ..كنا نطارد شبح الغزاة وزيفهم ،أسلمنا الشفقة
للعصور العتيقة .تلقينا الرماح اٞنسمومة باسم اهلل ؟ ...يا لذلك اٛنحيم اٞنتجدد
االلواف الساقط من السماء ..وفوىات اٞندافع أو من أشداؽ اٞنتهورين .خفف
الوطء عن أعناقنا اٟنزيلة ؟ ..اختفت لغة اٜنسم اىل االبد ..صرنا نراوح عند
أقداـ اٝنجل ..تكرب اآلىات يف اعماقنا فتخرج بكاءً ..نلوح بيد السبلـ ..
تفاجئنا السخرية ..مواؿ من الطلعات اٞنفزعة ْنتاز اٞندى وصوت احرتاقنا يسمع
من بعيد .ال صوت يل بٌن ضوضاء اٝنراب لكين أٚنع للروح اضغاثاً وللقلب أنيناً
،أمتلك اٜنواس البلهاء يف راحة اليد أبعثر صور األىل اٞنتآكلة يف ذاكريت اٝنربة ..
أشم عطر اٜننٌن اىل أياـ مرة ،البداية والنهاية ..اٗنع اآلىات يف قدـ اٞنوت
الصدئ للحياة تيار اىوج ٩نرفنا ببل شفقة ٥نو ىوة األزؿ ،ليس يف عمرنا غًن عبث
الصغار ..ومضات تتبلشى كالربؽ .أريد معىن للوجود و لذة ال ٕنل عند انتهائو
..وٞناذا يكوف االسى ١نطتنا األخًنة دائماً ؟ ..أكثر النعم على القلب أقلها ٠نيئاً
تنفجر الدموع مطراً على بقايا الروح اٞنهملة ..
الف شكر لفراغ اٚنو النسياف يلتهم اٜنوادث اٞننهكة و تبتعد لتصبح ذكرى ال
نتمىن تكرارىا .
يف مبلجىء أكياس الطٌن و السبلح الصدىء التعب ..يف طيات ِ
أسرة اٛننود
وبٌن ىؤالء ..توجد ٜنظات للسعادة او للسمو فوؽ أحزاف اٜنراب .تنشرح
الصدور على ىواىا ..ؤنرج الكلمات فرحاً وضيقاً ،باستطاعة االنساف أف ٫نل.
48
من الشيء ضده .ىكذا اعلمتنا اٜنوادث من أف التغيًن سيد اٞنوقف ،اٞنفاجئات
عرضية على اٜنياة او لنقل ىامشية ،،أي معىن يسكن اف توحي بو ىذه االكياس
اٞنتآكلة يف بقعة االرض اٞنهجورة اال من اٞنوت ..أي تاريخ يؤرخ االياـ اليت
تنساب يف النسياف ..رغم أف التاريخ يصنع ىنا ،أو لنصحح ..يبدأ من بٌن
يف الغثياف حٌن ال
اكياس الرمل واٞنلح ..ادفع اٝنطوات بٌن اٞنبلجىء اليت تثًن َّ
يكوف ىناؾ قصف ،أشم رائحة ىي مزيج من البارود ،ودخاف السكائر وتعرؽ
اٛننود وملح االرض .رائحة حامضة تثًن فيك تساؤؿ التائو ..يدخل يف مسمعي
صوت ربابة ..موسيقى االطبلؿ اٞنهدمة ىنا تصدح أو تتأوه اٞنهم اهنا تثًنين ..
قلت ىنا سومر القد٬نة أو اور
أقف قرب ملجأ اٞنوسيقى اٞننبعثة حناناً عميقاً ُ ..
البالية ..ال ،ىنا اٜنرب الطويلة ..ينضغط القوس على الوتر فينبعث األنٌن ..
تأوه ،زغردة صوت بل موسيقى تصل االعداء عرب سطح اٞناء ..أزرع نفسي أماـ
باب اٞنلجأ اٝنشيب أحدؽ يف داخلو ٖ ،نة فانوس ١نمر يقبع يف زاوية و يف الزاوية
االخرى يركن أ٘ند الصويلح يداعب الوتر الفريد ويسن القوس عليو فتخرج انغاـ
ْنعل القلب كائناً قاببلً للرتويض ..تنقل اٞنوسيقى أ٘ند الصويلح اىل أحبلمو
وودائع عمره ..أرى مبل١نة تذوب يف ىذا اللحن الذي يكسر الفؤاد و يقطع
أجنحتو ..يزداد اهنماكو ..جهد عضلي وحسي يتفاعل ىنا يف ملجأ نصف
مضاء ..يكوف اللحن اٝنارج أكثر صدى و شاعرية ..اف لبلٜناف اٛنميلة صفة
الديفء ،اهنا ْنعلك تفيض حرارة رغم الربد أو رّنا تنسيك الربودة ..ىي ىكذا :
حزف لكنو داىفء يأيت من اعماقنا اٞنهجورة ..
49
اننا نبين رغبة الدخوؿ اليو ،رغبة البقاء وراء الباب .أستمتع بعبث االصابع و
الوتر عندما ينضغط القوس عليو .يزداد أنٌن الربابة .يف اٞنلجأ ٖنة ريح ىادئة
تدغدغ أعضائي ،أراه ٬نسح وجهة ّننديلو ،يلح على عينيو ..اف اٞنوسيقى
أخرجت دمع العيوف ..ألقى القوس والربابة أمامو ،تنهد اىل آخر األسى ..حدؽ
يف السقف ..أخرج سيكارة من علبة سكائره .
طرقت الباب
-ادخل .
-لقد نقلتين اىل اجواء أخرى .ما احوجنا اليها ،اهنا تثًنين .
جسلت دوف أف يامرين باٛنلوس فقد أردت أف اشعره باىتمامي ورغبيت يف ٚناع
اٞنزيد ..قدـ يل سكارتو اليت ال زالت بٌن أصابعو ..
-يبدو من كبلمك أنك من عائلة ٕنتلك اٜنس اٞنوسيقي وْنيد العزؼ على ىذه
اآللة ؟
فصمت ومل ٩نب ،احس اف اختناقاً قد كسى حنجرتو و ا٘نرارا غمر وجهة ،،
جحظت عيناه بببلىة ..مث أسبل جفنيو .
-مل ْنبين ؟
-لكين مسؤولك اٞنباشر ومن حقي أف أعرؼ عنك اشياء كثًنة ..قد أستطيع
مساعدتك .
صمت ٫نيم ٜنظة صدؽ او حقيقة ..انفجر بركاف من أعماقة الرطبة الطيبة ..
-انا رجل يقاؿ لو أ٘ند الصويلح ..أسم يوحي باٝنفة أو السخرية ..اـ ماذا غًن
ىذا ..ىي أٚناء الدلع ٟ .نا داللتها الفلكلورية أكثر من معانيها اٞنعنوية ..يشاع
أين ولدت يف قرية أٚنها (اٜنكنة ) ،ال ادري يف أي زمن و أي فصل ويف أي
51
بيت ىذا ليس مهماً ..اٞنهم ىي االستمرار بعد الوالدة يقولوف أين ولدت عاـ
– ٜٔٗٚالشهر ٠نهوؿ طبعا –
طفوليت تاريخ ضائع ..أو حلم مبعثر ..ىكذا تأيت للحياة ،باٞنصادفة أو نتيجة
لشهوة الوالدين اليت ينميها الفراغ الواسع ..ال أتذكر طعم حليب أمي بل مل أذقو ،
لقد تكفلتين نساء كثًنات ،وقد يكوف اٜنليب الذي رضعتو ليس طاىراً – رغم
اين ضد ىذا –
ال ضًن أننا ١نكوموف بتقاليد ال أعرؼ مصدرىا ؟ ..يوـ جئت للدنيا ماتت أمي
اليت مل يكن ٟنا أقرباء ..يقاؿ اهنا أبنة احد الرعاة الذين ماتوا وىم حفاة وراء
اٞناشية ..أما أيب فلم أر وجهو أطبلقاً ،يعتقد انو تزوج فلسطينية وبقي ىناؾ
عندما كاف يف اٛنيش عاـ ٜٔٗٛويظُن انو قتل يف حيفا ..
امرأة عجوز قالت يل أنك بقيت بعد والدتك يوماً كامبل تصرخ من اٛنوع اىل اف
جاء الغجر فانتشلوؾ ،مل ترضعك امرأة واحدة بل كل الغجريات ،ومن ذلك
اٜنٌن أصبحت غجرياً باٜنليب .لقد علموين العزؼ على الربابة ..آه كم أحب
ىؤالء الذين يسموهنم الغجر .لكين أتوؽ ٞنعرفة أمي و أيب ..إنىن لو عشت يف
كنفهم ،ال أذكر اين كنت مكتسياً يف طفوليت ،كاف اٗنل أيامي حٌن يتعرى
االطفاؿ للسباحة يف النهر حينها تذىب الفوارؽ ..
يسمونين أحياناً أ٘ند الغجري ،انو اسم يفرحين ..عظيم أف انتمي ٟنؤالء القوـ
الذين حافظوا على تقاليدىم منذ آالؼ السنٌن ،فمهما كانت نظرة العامل عن ىذا
الرتاث ،ث .انو ٗنيل ،ال مكاف للحزف فيو ،،ىل رأيت غجرياً كسى وجو األسى
52
دب فيهم اآلف كل ما
يوماً ما ؟ .اهنم مصدر الفرح ..لكن الزيف واٝنراب َّ
اخشى أف يذوب الغجر يف اجملتمعات ،يف ىذه اٜنالة سيخسروف الكثًن ،،و٫نسر
من اندمج معهم ،أريدىم أف يبقوا غجراً ...
ما أقولو بقايا الذاكرة وفضبلت النسياف ..سأنبش ذاكريت وضمًني ألقوؿ أيامي .
لكين لن أقوؿ كل شيء ،أنين أٓناشى ظلم العامل .فليس كل ما يف الذاكرة
يسكب يف ٢نيليت ويبقى شاخصاً ،سفر الغجر الدائم بٌن القرى ،أٚناؿ من اٝنيم
.و٘نًن ىرمة عجفاء ..كبلب مسعورة ..شيوخ كبار ..ينزووف يف اٝنيم .ال شد
ما ٪نتقر الغجر الرجاؿ .فتيات يوزعن اٟنوى والفرح يف القرى اجملدبة اٞنقحطة ..
ىي رحبلت ُنث عن طعاـ أو عرض لبضاعة يقشعر ٟنا اٛنلد لكنها قيم نسبية و
متغًنة بٌن كل الناس و٢نتلفة يف مقاييسها يف كل اجملتمعات ..ىنالك من يقيم لنا
الوالئم من شيوخ القرى ،الزلت أذكر طو اٞنسمار ذلك الشيخ الذي كنا نعسكر
عنده أياماً ..كاف يطعمنا ويكسينا ويشرؼ على وصبلت فرحنا ،وٟنذا يتغىن بو
الغجر و فتياهنم ،انو رجل كرًن حقاً وىناؾ من يطاردنا بكبلبو و متهوريو من
الشباب ..كاف يل ٘نار اسود صغًن امتطيو حٌن يشد الغجر الرحاؿ ،أنا واحدى
الفتيات اليت كانت تكربين بعاـ ،لكنها سريعاً ما توجت من احد شباهبم ،صدقين
كنت أعبدىا ..أنين ٜند ىذه اللحظة عندما أتذكرىا يرْنف لذكراىا قليب ،ال
ُ
اعرؼ مصدر ىذا اٜنب ..وىذه العاطفة اليت ولدت من عدـ .أفنيت اياماً وعمراً
و جوعاً و مرحاً يباع يف خيم الغجر ..انين انتمي لعامل الفرح لكين أقع يف وىم
االحتقار ..كل احاسيسي تقوؿ يل ىكذا لكين اقع يف وىم االحتقار ،،كل
أحاسيسي تقوؿ يل ىكذا لكين أرتد احيانا اىل أرذؿ التصرؼ ..ابرة توخز الضمًن
53
يف قمة الفرح فرتجعين اىل قعر اليأس .ىذا انا كتلة من التناقض والرتدد إٔنىن بل
أرغب أف اذوب يف عاٞنهم و لكن على أبسط خطأ مين أوبخ و أذكر بأين لست
منهم ،وبأين من احدى القرى و ببل أىل ..من ىم االىل ؟ أهنم االنتماء واحمليط
الذي ال يتأوه من عيين ..التص .هبم ..انشد اىل ٟنوىم ،أرتاد مضارهبم يف كل
أصقاع العراؽ ..ىم تربيت اليت ترعرعت فيها .يندفع يب العمر الضائع و أكوف يف
يف رغبة
ريعاف الشباب ،تأتيين اٟنواجس و تلسعين وخزات االلسن الطويلة ،يثًنوف َ
البحث عن األىل ..عن اٛنذور ..عن أىل أمي وبقايا قرييت .ادخل يف خصاـ
مع فتايت الغجرية اليت أعطتين قلبها ..تتمايل مع أنغاـ الربابة كالعشب يف الريح
(..ي ػػاه) على ٜنظات ىي العمر وغًنىا سدى .ال أدري ماذا حدث يل حٌن
أدميت رأسها نتيجة لتهوري عندما رأيتها تكلم احدىم ،ال أظن الذي بيها وبينو
كاف حباً ،رّنا ٠نرد كبلـ ،صاحت فزعة .بعد ىذا اجتمع حويل الغجر وكاف مين
أف ىربت و كاف منهم أف رحلوا اىل جبهة أخرى ؟
أ٘ند الصويلح أنك تضيع االىل واٞنأوى بعد األـ اٜنقيقية .أىيم ىجرة يف القرى
..اٛنوع يدفعين اىل بيوت تبص .يف وجهي ..وليس للربد الذي يلسعين أٚناؿ
تبعده عين ..انين ادفع ٖنن غلطيت فأمسح بأقدامي كل أزقة البيوت و عتبات الدور
اليت تقيم الوالئم .على اي ذنب ٬نكن أف يثرد اٞنرء ؟ وعلى أي أرض يصوب
فوقها أسواقو ؟ .ال ٬نكن أف أسقط يف اٝننوع ولكين أستفيد وبقوة من درس التهور
..ماذا خسر الغجر ؟ وماذا رُنت انا ؟ وماذا جنت فتايت ؟ وأي ذنب ٘نلت
حٌن بادلتين اٞنشاعر اليت اجتاحتها بعنف ؟ .ماذا بقي غًن جسد منهك وربابة
ىي جواز السفر واداة االنتباه والرزؽ ؟ كنت اجلس بٌن القرى وانوح بآالمي حٌن
54
أداعب وترىا بقوسي ..أهنا متنفس اٟنموـ اليت تتجمع سريعاً ..أنستين اٞنقابل
وألفتين .فحٌن ٪نط يب الرحاؿ الطويل وينهكين سفر البل ىدؼ أسقط جسدي
ّنحاذاة احد القبور واترؾ أحبلمي وتيهي و ال أصحو االّ بعد أف ارتوي من النسياف
واٝندر . .اٗنل االياـ حٌن يصادؼ ْنوايل يف القرى عرس او فرح ما ..فأنتقل بٌن
احملتفلٌن ،سريعاً ما أجلب االنظار حويل ألين سيد الربابة اٞنفقود ..كنت ابقى
اياماً يف بيوت االفراح والعرس ،ويزداد احتفاؿ الناس و تشد سعادهتم الربيئة ،و
تشارؾ القرية بأٗنعها و أحصل جراء عزيف الربابة على اٞنبلبس والطعاـ الدسم ،و
االعجاب من الفتيات وزوجات الشيوخ واالرامل ..على فكرة ..أف يف االرامل
أسى كبًناً ،
شوؽ كبًن ،وشهوة ال ترد ،،رغم شوقي وسعاديت كاف يف نفسي ً
حٌن أداعب ربابيت يزداد كبدي احرتاقاً ..لقد عرفت أنواع االمل .لكين أشعر
أحياناً بلذة و أنا أعاين من لوعتو ألف ما أقوـ بو يلقي االستحساف و االعجاب .
سنوات واٜناؿ ىكذا .لقد خلقت تقاليداً جعلتين أضاىي حفبلت الغجر اليت
تقاـ ..أتراين نسيتهم ؟ كبل ..أهنم يف دمي ويف وتر ربابيت ،يف أحاسيسي ،ويف
دموعي اليت تنساب ..عندما ينفض احملتفلوف عين ..أهنم أيامي الوردية ،وْنربة
الصبا ..كيف انسى من ادميت حبيبتها سهواً ؟ .حٌن يكوف اٞنرء غجرياً يكوف
احساس الرحيل ىاجسو .واالرض مداه والواسع ..ال شيء غًن التنقل .أي ىم
٬نكن اف ينهي رحلة العيش ؟ ىي أ٧ناط وسلوؾ نبتت بينهم وطوقتهم بفكرهتا و
اال ما ىذه التضحية الكربى ؟ تأمل ماذا قدـ الغجر للناس وماذا يأخذوف ؟ ال
يأخذوا اكثر من طعامهم وكسائهم يف الوقت الذي ىو ح .كل كائن على االرض
.أ٪نارب اٞنرء بقوتو و٩نرب على اف يدفع فرحو وقيمو ألجل لقمة العيش ؟ ىذا من
55
ىوؿ الزمن ...و أخطاء اٞناضي اليت تنامت يف غفلة الثورة و االصبلح ٩ ..نب اف
يعطي الناس من أجل السعادة من اجل العطاء نفسو ،ال من اجل االخذ و
االستحواذ على اٞنشاعر واالحاسيس ىذه .دنيانا وعيشتنا أف ٥نطم عدونا اىل
ابعد اٜندود ،أف ْنعلو ال يقدر على الوقوؼ اطبلقاً ،اف ٓنولو من انساف اىل ٠نرد
آيل لبيع اٟنوى و استجداء الطعاـ ..ىذا تصرؼ مألوؼ أـ ظاىرة ال تلبث أف
تزوؿ ..اٞنهم اجتثاثها و قربىا اىل االبد ..اننا يف زمن التناقض والعدواف اىل أبعد
اٞنسافات ببل قيود ..ىذا عهد التغًن سلباً أـ ٩ناباً ،باإلرادة أو بدوهنا .من
اٞنستحيل أف تبقى انت ،أنت ..ستكوف ما ٩نب اف تكوف و اال صرت ماضياً
مهمبلً .أين ىم اآلف ،يف أي السهوب وعلى طرؼ أي مدينة ؟ الشوؽ تيار
يتدف .من القلب باْناه من ٓنبو ،ىكذا علمتنا دنيا اللحظة ،أف ال مسؤولية
ترقى اىل البحث عن الفرح عندما يعقد ..أترانا اآلف ىكذا ؟ من أين يأيت االنتماء
ٞنن جاء اىل التناقض وغادر عنو ..عن أسياد الزمن الذي ىوى يف ركاـ الواقع
حديثي ..تناجت صرخة القلب و اجتازت اٞندى ٥ ،ناسب النسياف ،رغم
جروحها ..أسهر على ذكرى أو طيف ،أٔنيل أنو هنر االمل الذي لن ٩نف ،ماذا
عندي غًن ىذا ..وىذا ىو اعز االشياء و إنين انو حلمي و أمنيايت ،ال ٬نكن
ألحد االستحواذ عليها ،
أسلمت العيوف لتأمل حقل القمح الذي ٪نصد بأنامل ومناجل الفتيات ،حٌن
مررت بقرهبم نادتين أكربىن ،فأتيت .قالت يل أٚنعنا أيها الساري ،،فبدأت
انغماً ٕناوجت مع السنابل الغنية بالثمر وبدأت ىي غناءً اجتازت اٜنقوؿ اٞنصفرة
اىل البيوت الضائعة بٌن النباتات الكثًنة .مل تتوقف ملحمتنا اال بعد الغروب .
56
رأيتها ٕنسح بعض دموعها ،عرفت اهنا عاشقة ،وحٌن رفعت بصري عن ربابيت ،
رأيت عشرات اٜناصدات قد اجتمعن يسمعن بتلهف ،يصنعن حويل دائرة من
اٛنميبلت الصامتات ،ث .اين مل االحظهن طواؿ مدة العزؼ ،وحٌن توقف عزيف
وغناؤىا اهنمر التصفي .والزغردة و شققت طريقي من خبلٟنم بقوة ،منعين من
السًن ،،قلت أنين على رحيل أبدي وتركتهن ىكذا ،،اهنا ٜنظة فرح ال غًن ،،
أال ترى أهنا اٗنل من ٗنع النمامات ؟ ..
ىكذا ٦نل .السعادة الربيئة ..وىذا ٩نب أف نعيش ٩ ،نب أف نكوف ببساطة
العشب ووداعتو وخفة الريح ..لكننا نعيش العكس ،لقد احتوانا األمل يف النهاية ،
انو وحش ىذا الزمن ،،اىل آخر اٞنسافات أسًن ال أجد ما يف القلب ،ألعيش كما
الطًن أو ألموت وأسرتيح ببل جدوى ،،كاف عهدي باٞنسؤولية عدـ .الشيء غًن
ربابة ووتر ..تأسرين انغاـ تأيت من وراء األف ، .وراء الرؤية و انا يف األسر جريح
ح ى النخاع ،من يتبعين يف ضياعي يتيو و يكل ،اذا مل ٩نن من كثرة الفوارؽ .
سرت اىل أخطر االمكنة فوجدهتا أكثر امناً ..اف اٟنوى لعب ٗنيل ،،بل ىو
مسؤولية كل انساف ،،أسألين ُن .الرب ٞناذا نعيش بدونو ؟ وكم ىو العمر ؟ أال
٩نب أف يكوف صاخباً اىل أقصاه ؟ باهلل عليك أنضيع الشباب الذي ىو زىرة أيامنا
اليت ٩نب ارتشافها ح ى الثمالة ٞ ..ناذا ىذا السيل اٟنادر من األوامر واٞنمنوعات
وىذا االنقطاع اٞنروع عن اٜنقيقة اليت نبتعد عنها رغم اهنا يف انفسنا ؟..
٩نب ْنريد اٜنياة من قيودىا ٩ ..نب اف تنساب أيامها كاٞنوجة اٟنادئة ىي ىكذا
لكنهم لوثوىا بفزعهم و هتورىم االجوؼ ..
57
ارى اف اٞنوسيقى عندما تعزؼ بصدؽ تستطيع اف تغًن العامل ،أف تقرب بٌن
القلوب اليت ابتعدت منذ زمن ،بل قادرة على وقف اٜنرب و اطعاـ اٛنياع ،أف
وقت اٞنشاحنات والنزاعات ٩نب اف يذىب ببل رجعة ..اننا على عتبة عهد الفرح
و االنسجاـ واٜننٌن ..أنين اتساءؿ من وراء ربابيت :ما جدوى ىذه اٜنرب ومن
ىو اٞننتصر ؟ .اف أكثر اٞننتصرين ىو الذي يوقفها و٪نقن دمائها ..اللعنة ٟنا ،
لقد اوقفت انغاـ ربابيت .ما إٔنناه اف تكوف اٜنرب غمامة عابرة ..اهنا سرطاف
يأكل ىيكل السبلـ و التيو اٛنميل ..ما اٗنل التجواؿ بٌن القرى اٞنتناثرة ،ليس
ىناؾ من يسألين عن ىوييت ،عن مطليب و مبتغاي و سبب ٠نيئي ،ما ابتغيو الفرح
،أف نشيع ظاىرة الضحك و الرباءة ،اريد االمساؾ بقراريت اٝنطرة اللذيذة ،
فخطوايت اٞنتسارعة يف االزقة ُنثا عن ىوى ،عن ٠نمع للغبطة ،عن أي مربر
ألطبلؽ انغامي يف اٞندى اٞنتجاوب ..حٌن أسًن تسبقين االٜناف ..وال اشعر
باٛنوع اال عندما ينتابين اليأس وحٌن أختلي بنفسي ..تسقط شهوة اٟنوى ..
ىكذا انا سيد االٜناف و اماـ االحبة حٌن ْنتمع القرية عن بكرة أبيها حويل ،
أحس أين قد وصلت اىل اىدايف واين اطفو فوؽ هنر الورد والر٪ناف وأناـ يف حضن
أمي وعلى صوت ترتيلها ..أين أيب ؟ .حناف الرجولة الذي ال أعرؼ طعمو ..
ىل قتلو اليهود ..أـ سرقتو عاشقة فلسطينية ،،إنىن االفرتاض الثاين .اف العش.
اقوى من اٞنوت يف النهاية ..أيب :لقد ظهرت كل اٜنقائ .و أستقر اٞنوقف و
انكشف الزيف فهل ستعود ؟ امي :اف طعم اٜنليب الذي ذقتو فقد الرباءة و
اٜنناف ٞ ..ناذا اٞنوت يستعبدكم ؟ ٞناذا اولد يف الفراغ ..يف العراء ؟..
58
ال ،اف الغجر اىلي يف الرضاعة ..وىذا نسب شريف .اهنم كما قلت اكثر خل.
اهلل انتماءً لتقاليدىم ..و أكثرىم شرفاً من الذين ألفتهم ح ى االرض ،أتدروف أف
اٜنقيقة ال ٕنوت بل ٔنتلفي ٞندة ،،يا أنا ٞنا ىذا اٛنموح ..ىذا القرار والتساؤؿ ؟
ومل ىذا الضعف اماـ اللحن ،أماـ الفرح ؟ اف ال وقت لؤلنغاـ ىنا ،أنك يا أمد
ُٓنرج البيئة وتعمل عكسها ..من أين تأيت السعادة ...انو زمن بعيد .
ال أنين أريده و اف كاف حلماً ..انو ٗنيل ..انو رائع ..ح ى و اف كاف العوز
مسلطا علينا ..لكنين كنت أقوى منو ..ال تقتلوا يفَّ ىذا التوؽ الكبًن اىل الطًناف
ُ
فوؽ اٞنآسي و االبتعاد عنها اىل األبد ،.اريد حرية البداية ..البداية ..اريد ىجرة
الغجر ..اليت ببل حدود ..ىي ّأـ ماتت يف اٞنخاض ..و أب ضاع يف درب
الكفاح اٞنطعوف ..ىل تراين أبايل باٞنوت العادي ،ما يقلقين أف يقتلين االعداء ببل
سبب ..أتساءؿ بكل جوارحي ٞناذا يتوقوف اىل اٛنر٬نة ..اىل القتل ببل حدود ؟
أحياناً ينتابين شعور :أقرر اف أقف على الساتر و أغين للسبلـ و اٜنَّن للتآلف
والتفاىم ،للمحبة ..ترى ىل سيتجاوبوف ؟ ىذا ١ناؿ ،فمن البداية يكوف اٝنطأ
ويكوف التلقٌن ..اهنم ٬نتلكوف قناعة اٞنوت ورغبة الدمار ..يا للخطأ الفادح ..
من يدفع ىؤالء ؟ أين ذىبت أنغامك يا .........أين ىي أشعارؾ اٛنميلة ؟ أمل
تقع يف نفوس ىؤالء ؟ انك تنبت يف أرض جرداء ،انك جئت باٝنطأ اليهم ،،أين
فاتنات فارس ؟ وكل جزٟنن ،،ال ٩نعلهم يفكروف باٜنب ،و لو مرة واحدة ؟ ..
يا للفضيحة ،لقد داس ىذا الوحش اٞندمى على ٓنف البلد يف أقدامو ..لقد قلب
اٞنوازين ،،يقولوف أنو ٪نتفل باٞنوت ٚ ،نعت انو احتفل بافتتاح نافورة الدـ ِ ،ملَ ال
59
تكوف نافورة العسل ..اٝنمر ..الورد .انا ال أٔنيل شعباً انتزعت أفراحو هبذا
الشكل اٞنروع ..ىذا فأؿ سيء ينىبء بنهاية العامل وبؤس حضارة .
كل اٞنستحيبلت موت الوتر ،والغريب اف تأيت بالربابة ىنا .اترؾ للقلب البكاء
ببل قيود ..سأرحل اىل اٜنلم ،اىل الرغبة ،يشدين ذلك اٞننتهى ٞ ،،ناذا يصًن
اٞناضي حلماً بعيداً ىذا سؤايل ،تنتابين رغبة البحث عن مشوار السعادة ،،ياه او
كلما ذىب اٞنساء انتابين شهور القل .. .يف ُنثي عن مسقط الراس عن اىل
تركوين أرتوي من حليب الغجر ،سأقسم بالعدـ ُ ،نليب امي الذي ال طعم لو اين
سأعود اىل ماكنت قبل انقبلب اٞنوازين ....بٌن الدروب متكسرة بالودياف ،وقطاع
الطرؽ ،يف سفري اٞنستمر صادفتين ملهميت حٌن جلست ٓنت شجرة التفاح كاف
اٞنساء قد أقرتب والنهر يعرب أطياؼ الظلمة ،خيم صمت اوؿ الليل ..جاءت
ٓنمل بيدىا اناء ٛنلب اٞناء من النهر .ىي ال تراين و انا أبصرىا بدقو ..عند
صفحة اٞناء الساكنة مشرت عن ساقيها ،بيضاء كاٜنليب ،تشع بالنور ..اغتسلت
أقدامها الرقيقة الناعمة بالشاطئ ،القت االناء جانباً وجلست على حافة النهر
كنت ابصرىا بدقو
ترقب االف .والشف .اٞنتبلشي ببطء ،هتت يف تصور الكوف ُ ..
..كائن ٗنيل جاء من اوؿ اٞنساء ،شجرة التفاح ىيكل من اٝنضرة ٖ ..نة رائحة
لبقايا الثمر ..نسيت االىل والغجر معاً ،ىنا سأحط ،ليس مهما أف اجد
االىل أو أفقد الغجر ما داـ يف الكوف من يعوض عنهم ،،من يشغلين ..ىذا
مكاف رحب فيو من اٛنماؿ ما يغري و يؤنس ،،تأجج يف داخلي احساس الفرح
..أسكرين ،أمسكت بالقوس وضغطت على الوتر ،،فانبعثت اٞنوسيقى ..يف ىذا
اٞنكاف انتصبت نظراهتا اىل شجرة التفاح ..اكتشفتين ،وببل مباالة واصلت
61
تأمبلهتا للنهر يف ىذا الغروب ،استمر عزيف على انغاـ قليب ِنجل و لكن بإصرار
.انٌن الربابة ٩نتاز العامل ،،يعرب النهر ..يتوغل يف أحراش االشجار ،وىي ٓندؽ
يف اٞندى اال٘نر .نضبت أطياؼ مشاعري ،،القيت الربابة جانبا و بدأت أغسلها
بنظرايت الثاقبة اٞنندىشة ،،يفاجأين تعادي زورؽ وىو يقطع النهر ٥نوىا ،،اجتاز
اٞناء العمي .و رسى قرهبا ..يرتجل منو شاب وىو يبتسم ملء فمو ..وسيم
..قامت من جلستها ..اشتبكا بعناؽ ،،التهم بعضهما البعض .ريح ىادئة ،،هتز
الزورؽ بتأ ٍف ،استمرت ٚنفونية اٜنب .افرتشا عشب الشاطىء ،أخرج ٟنا من
جيبو أشياء مل إٔنكن من معرفتها ،ابتسمت ،مث غابا يف عناؽ طويل ،،القيت
ربابيت على كتفي وسرت ،،قلت أىكذا يفعل اٜنب ؟ أكانت تراين ؟ ،أتسمع
ماذا أعزؼ ؟ ال اعتقد ذلك ..اف كل احبلمها وخياالهتا و تصوراهتا منصبة على
انتظار فارس احبلمها .اف ىذا أٚنى شيء يف العامل ..االنتظار اٞنثمر
أي قانوف ٪نكم االىواء ؟ و أي امرأة تقاٚنين شهويت بالعدؿ ؟ يالبؤس من حويل ،
يدي
فقد أفرغت اٞنشاعر يف الفراغ ..اكوف سيد اٝنسارة اٞنطلقة و ارباح الدنيا بٌن ّ
..ىذا انا أوزع اللحن اٞننعش على اٞنؤل ألسرتيح من رغبة التملك واٟنبة ..كاف
السراب مداي الواسع الغامض ،أش .أسرار الوىم ألعود من حيث جئت و البس
61
العامل معطف الفرحة :حيث داستنا االياـ الشرسة ،القي آخر اآلماؿ على الزمن
ومصادفاتو ،و احتماؿ اٜنب الضعيف ،أنا سيد يف العراء وحر اىل آخر اٞنطاؼ .
ليس أمامي سوى وقت أفرغ فيو ما يؤخر رحليت ،صراع الذات كبًن ،وحب البقاء
أقوى ال يا انا ،ال وقت للرتدد فاالنتظار ىز٬نة ..ياه ...م ى صار الرحيل رغبة
وىدفاً حٌن تضي .االرض بناسها ..لكن مل اُنث عنهم ما داموا سدى ،لكين
أريد االنتماء ..اف انتمائي للنغم ..يدفعين للبحث عنهم .يف النهاية انتهى ُنثي
اىل ىديف ومبتغاي .كاف الوقت صباحاً وأشعة الشمس تنساب بوداعة يف اٜنقوؿ
الواسعة ..أشجار الكروـ تداعب أوراقها الريح هبدوء ..أرى اٜنركة الوادعة ..
انواع من الطور تسكن يف كنف االشجار العتيقة ..رأيت امرأة ترعى بقرين خارج
قلت اىذه قرية (اٜنكنة ) فأجابت بنعم ..أنش .قليب فرحاً و أراد الطًناف القرية ُ
فوؽ اجوائها ..عدوف يف أزقتها وبٌن بيوهتا اٞنتآكلة ..لسعتين كبلهبا بنباح فزع ..
غسلين أىلها بنظرات الشك والريبة ،القيت ربابيت ٓنت ابطي وسرت يف ٜنظة ىي
التحوؿ واٞنصًن ..و جلست يف ظل أحد البيوت ،امسكت بربابيت ،أطلقت
عناهنا ،عزفت اجود ما عندي .هتت يف انغامها ،دقائ .و ساعات ..رفعت
بصري ..مل َأر أحداً وكأنين يف مقربة .أوقفت اجرتار اللحن الذي مل يُسمع ،
بكيت يف داخلي من صدمة نفسي ..اختصرت اٞنسافات الطويلة ألصل منبع
األىل و مثواىم .قلت اف اٞنراىفء ستستقبل عاشقها ..واكن العكس حدث .
كانت الببلىة سيدة اٞنوقف .اف كل القيم قد تغًنت و األحاسيس لوثت يف ىذا
العامل .كانوا يقولوف أف اىل قرية (اٜننكة ) ال يقيموف أفراحهم ودبكاهتم االّ يف
اٞنقابر فرتى الراقصٌن والراقصات يرت٥نوف على أنغاـ اٞنطبك بٌن القبور ..و أآلف
62
اٞنر .لقد فقدت القرى أفراحها .
كل شيء ساكن .كل ما فيو يوحي بالبكاء ّ
قمت من مكاين النفض عن نفسي آخر اآلماؿ الضائعة ومشس النهار ترتنح يف اف.
بعيد .اٛنحيم سكن القرية وثبت أقدامو ..الغربة تيار غمرين ح ى النهاية .يكسر
القلب اعصار االحباط و يسلم لؤلقداـ درب الرحيل ،تكوف اٟنجرة قدر أعمى و
مشيت مطأطىء الرأس ،تدلت من يدي اليمىن ربابيت .
ُ الضياع كابوس ال ينزاح .
اجتزت فناء القرية ،نظرت ٥نوىا ..كانت بيوهتا رمادية تغوص يف اٝنضرة اٛنامدة
سرت اىل العامل الواسع مذبوح القلب أنتمي للدروب اٝنالية .
ُ ،
يف خدميت العسكرية الطويلة مل تفارقين ربابيت أبداً ،كانت يف حوزيت دائماً ومن
حسن حظي أف آمر اللواء كاف من عشاؽ ىذه اآللة فكاف يف كل مناسبة ٩نمع
اللواء ويأمرين أف أعزؼ أٜناين للجنود وكجزء من الرتفيو عنهم ..لشدة ما يسعدين
علي كثًناً .يف أحدى اٞنرات طلبين للقاء بو ..وعندما
تصرفو ىذا ..كاف يعطف ّ
اتيت فاجأين بانو يعرؼ كل شيء عين ..قاؿ يل انو مستعد أف يدفع كل نفقات
زواجي ووعدين بأف يكوف أحد الرجاؿ الذين يطلبوف يد اليت اخطبها .كاف يعرؼ
أحب واحدة من تأوىات وتر ربابيت ..لكين رفضت وهتربت بأعذار كثًنة ..
أنين ّ
آخر مرة عزفت لو و للجنود عند معارؾ بنجوين بعد رجوع جحفل اللواء ،عند
شاطئ (الزاب ) بدأنا حفلنا ،أنا أعزؼ على ربابيت ،وجندي آخر على (اٞنطبك
) والبقية يرقصوف ويستحموف ّناء النهر ،وحٌن جئنا اىل شرؽ البصرة ُ ..رقي اىل
رتبة أعلى مث نقل على أثرىا .لقد كاف رجبلً عظيماً وقائداً انسانياً .بعد كل ىذا .
أفكر بالزواج ..ألين اعتقد أين مل أعد قادراً على السفر الدائم ..احتاج اىل بعض
63
االستقرار وقد وجدت اٞنرأة اليت اُنث عنها ،و سوؼ أتزوجها بعد أف تنتهي
غمامة اٞنعارؾ احملتدمة اآلف ..
-ىذا افرتاض مث اهنا حرب شرسة ليس ىناؾ من مربر اف يستثىن أحد من اٞنشاركة
هبا .
-يف أي مكاف آمن .اف االفراح ال تضي .هبا األمكنة مهما كربت ألهنا تنبع من
القلوب .
-ىذا يتوقف على مشاعري يف تلك اللحظة ،لكين سأكوف سعيداً حتماً .
قصف مدفعي مفاجئ يزداد ضراوة ..أردت أف اعود اىل ملجأي و اترؾ أ٘ند
الصويلح و٨نومو الصغًنة – الكبًنة .
قلت:
64
-أٚنح يل باٝنروج ..أرجو اف ال أكوف قد أزعجتك .
يل .
-ال بالعكس لقد آنستين باستماعك ا ّ
-وداع ػ ػاً
-وداعػ ػاً
**********
معركة الفاو الشرسة مل تتوقف ومل هتدأ .أهنا معركة ال ٬نكن اف تستوعبها ساعات
فمنذ أكثر من شهر ولغة النهار وليس لنارىا أف ٔنمد بأياـ و أسابيع ،يا ٟنوٟنا
اٜنديد والنار تنطل .والبيانات العسكرية ٓنكي قصة القتاؿ اٞنريع .ىي ١نرقة بكل
ما فيها .من اٞننطقي اف ٓنتاج اىل الكثًن من الرجاؿ ..لقد جاء دور لوائنا حٌن
صدرت االوامر لو بالتجحفل قرب ساحة اٞنعركة ليدخلها عندما ٓنٌن الفرصة ،أو
حٌن ٓندث اٞنفاجآت أو أي موقف يستوجب اقحامو يف معركو ىي من أشرس
معاركنا مع العدو ..و أكثرىا حدة ..ينفتح اللواء بأفواجو الثبلثة يف أرض الفاو
السبخة ،يف منطقة تقع ضمن مدة القصف اٞندفعي البعيد ،لكن اٞنوقف وخطورة
اٞنعركة يستوجباف أف يكوف اللواء قريباً .
صدرت االوامر اٞنبكرة للضباط و آمري السرايا و االفواج باالستطبلع على ١ناور
القتاؿ الثبلثة :احملور الشمايل ..احملور االوسط و الساحلي :اي اٛننويب ..
65
السرايا والفصائل تلقي بطشها يف ىذه االرض الواسعة .الوجوه تقرأ الوجوه ،
فساعة االصطداـ قادمة ال ١نالة ..اٞندفعية البعيدة اٞندى هتلهل أـ تصرخ ،
قذائفها تش .الفضاء باْناه العدو .اٞنئات من صنادي .العتاد الفارغة حوٟنا نتيجة
االستهبلؾ ..تقع اىل يسارنا كتيبة مدفعية بعيدة اٞندى يسموهنا ( كتيبة مدفعية ٖٙ
) .يقوؿ تار٫نها اهنا لعبت دوراً كبًناً يف معارؾ شرؽ البصرة االوىل وىي اآلف تقدـ
االسناد الناري لقواتنا وٓنطم ىجمات العدو يف ىذه االرض العجيبة ..ما يعي.
التقدـ واالنفتاح طبيعة الرتبة اٞنلحية .الطينية اليت تنز ماءً بسبب قرهبا من البحر ..
الشمس ٓنرؽ الوجوه ُنرارهتا .لقد قدـ الصيف مبكراً .ىنا ال مكاف للربيع .اف
الصيف سيد الفصوؿ يف ىذه االصقاع ..االرض عبارة عن سطح ملحي ّنستوى
النظر ال يصدـ بصرؾ اال َنباؿ السراب اليت تظهر يف النهاية .مل أ َر أي عشب أو
أي نبات .ح ى الشوؾ فهو يكابر اف ينمو ىنا على عكس ما أرى يف اٝنرائط
الصماء حيث أرى أرض اٛننوب عبارة عن مدى أخضر ٗنيل ٓنسد عليو .
وقف اٞنقدـ ىذاؿ اماـ اللوحة اٝنشبية السوداء يؤشر بالعصا اْناه اٛنبهة على
خريطة وضعت فوقها ..وبيده اليمىن قالب طباشًن يستعٌن بو لتوضيح أي التباس
يعرتض ضباط فوجو على اٝنارطة ،ظهرت مدينة الفاو اليت صارت بيد العدو ..و
ظهر شط العرب واٝنليج وجزء من جزيرة بوبياف و رأس البيشة واٞنملحة ..كل
اٞنعامل ظهرت على الرتبيعات .ىناؾ ثبلثة أسهم ٕنثل االرتاؿ الثبلثة وبعض
التقاطعات على اٞنياه و االىوار اليت ىي جسور عائمة .أرتكز رأس العصا على
نقطة تقع اىل الشماؿ ،من الفاو ،قاؿ عنها اٞنقدـ ىذه عقدة ( )ٔٚويدىا
مفتاح الفاو و٬نكن ٓنريرىا عن طري .الرتل االوسط .مث اخذ يؤشر على العقد
66
األخرى و ا٨نيتها السوقية التعبوية .بعد اف اهنى اٞنقدـ ايضاحو على اٝنريطة أراد
االستماع اىل استفسارت الضباط ..حدث بعض التساؤؿ من الضباط و اجاب
عنو اٞنقدـ .
خبلصة قولو أعلن سنعرؼ كل شيء عن طري .االستطبلع اٞنباشر .قاـ بتقسيمنا
اىل ثبلث ٠ناميع .كل ٠نموعة على رتل وكل ٠نموعة تتوزع على احد االلوية
اٞنوجودة يف قاطع عمليات الفاو .
-ىذا حسن ..مث اين سعيد بك ألنك بصري تعرؼ أرض مدينتك جيداً
ابتسم حيناىا وصمت ..كاف علينا أف نصطحب معنا جنديٌن و نتهيأ عند حلوؿ
الغروب ..برؾ ماء ١ناطة ّنلح أبيض كالثلج لوهنا أزرؽ ٬نيل اىل االخضرار .ىناؾ
برؾ ٘نراء صدئة .ىذه بداية اٝنليج ،ساحل تغوص مياىو يف ْناويف اٞنلح .أرى
يف امتداد االف .بٌن الساحل وجزيرة (وربو) الكويتية ..سفينو حربية كبًنة ١نطمة ..
قالوا اهنا منذ أوؿ اٜنرب ( ،إيرانية ) ،أرادت اف تقرتب من ميناء أـ قصر ..مث
ٓنطمت بنًناف زورؽ عراقي ..تبدو كهيكل حديدي يتحدى اٞنوج ..ريح جنوبية
١نملة بالبخار تتوغل يف أعماقنا اٛنافة أبداً ّ ..نحاذاة الساحل ٬نتد الشارع الذي
يربط الفاو بالبصرة أطلقوا عليو :الطري .الساحلي ،كائن يئن بصمت ٓنت ضغط
العجبلت واٞنسرفات اليت تزار ،راحلة باْناه اٛننوب الشرقي الذي ٪نرتؽ ناراً ..
67
وبامتداد الشارع ترتكز كتائب اٞندفعية وبطريات مقاومة الطائرات اليت تأيت
بارتفاعات منخفضة فوؽ اٝنليج ..أرادوا أف تكوف مياه اٝنليج الشمالية البوابة اليت
ٕنر من فوقها الطائرات .لكن ذلك مل ٪ندث .يف ىذه اٞننقطة أسقطت كثًناً من
طائرت (اؼ ٘) و ( الفانتوـ ) ..كل شيء حديث العهد باستثناء اٞنيناء والشارع
.كل اٞنوجودات بنات اٜنرب وأداة استمرارىا ..يف السماء طائرات ٚنتية ٕنارس
عملها اليومي و تبحث عن االىداؼ اٞنعادية ..الدخاف غماـ أسود يصعد يف
الفضاء ىو العنصر الوحيد الذي يعلو فوؽ فعل اٜنرب ..الشمس تودع النهار
اٞنتأجج بغروب ١نمر حزين ..دخاف قامت ٪نط على صفحة اٝنليج الوردي ..ال
شيء ٬ننع الطبيعة من ٣نارسة طقوسها وتكرار نفسها يومياً .اهنا ٕنؤل الزمن ظواىر
ْنعلنا ٥نس بو ونألفو رغم قتامتو .االنساف يعيش ّنقدرات نفسو ليس االّ ..ليس
للبحر أو للشمس أي أسى أو تأثر ٜ ،نظات وتغيب وراء مياه اٝنليج ..
من ىنا دخل ( مود) العراؽ غازياً ،ومن ىنا جاء الغزاة اٛندد بعد سبعة عقود ال
غًنىا ٬ ،نتزج رصاص األعداء و تغوص شظايا مدافعهم يف ىذه اٞنياه ،وترسو
زوراؽ الغزو يف الشواطىء نفسها من جديد ،بعثت االحقاد و لكن بعنف اكرب ،
مكتوب على ىذه السواحل أف تشهد بداية الغزو ..وبداية االنتصار ايضاً ..حٌن
دخل مود الفاو قاؿ :جئت فآناً رافعاً راية االسبلـ ،و ىؤالء يكرروف ما قالو
ذلك اٛننراؿ االنكليزي اهنم يريدوف تصدير الفوضى ٓنت غطاء االسبلـ ..يا ٟنذا
اٝنداع الكبًن ..يا ٝنبث الغزاة اٛندد ..أنظر باْناه كتائب اٞندفعية تصب جاـ
غضبها باْناه العدو ٢نلفة وراءىا اٞنئات من االسطوانات النحاسية الصفراء ..
68
أحسست أين وحيد
ُ اهنا اٞنرة االوىل اليت أري فيها الشمس و كأهنا تغوص يف اٞناء .
يف احدى اٛنزر الصغًنة ويف اعماؽ البحار والتاريخ أيضاً ..ىنا يتولد اٜننٌن الذي
٪نبس الدموع ويغرقك يف غربة الروح ويذيبك بالكوف الذي حولك .
اىل م ى نبقى نبحث عن صدؽ اٞنشاعر وتوازف اٜن .مع خصمو ،ىي موجات
ح .تأيت ٓنت جزيئات اٞناء مث ٔنرج للسطح ،التاريخ يلسعين لكي ال اغفل ،اناـ
ويدي يف جرح القدر العمي . .ىنا تتولد الظلمات القإنة ،ىنا يف زوايا النفوس
اليت تتنفس الزوايا اٞننسية .أخرج من زمين ألدخل جوؼ االسبلؼ اف نكوف
قادرين على ٘نل عبئهم الثقيل ..سكوف ىائل ٩نتاح التنفس .موج غاضب يغمر
االقداـ ،كائنات العامل السفلي تصرخ يف الرأس ..اٜنرب ىوية الزماف االزلية ..
رويداً ،رويداً ٫نتفي النور ..رويداً يظهر الظبلـ ،تنسحب الشمس ببل بقايا ،
٫نيم ليل اٜنرب الطويل ،يفرمل سائ .سيارة (الواز ) عجبلت سيارة تقف أمامي
كأهنا فرس َّ
شد ٛنامها بعنف .انتبو اليها ..أنظر يف داخلها ،ارى مبلزـ ضياء
وجنديٌن معو ..
اصعد اىل داخلي السيارة ..كاف يف جييب قلم ودفرت مبلحظات صغًن .مل يكن
معي أي سبلح غًن مسدسي الشخصي .لكين مطمئن للجندي الذي سيكوف
معي فبحوزتو بندقو ١نشوة بالعتاد و االحتياطي الذي عنده .مث أف مهمتنا
استطبلعية تستوجب علينا أف نتحاشى العدو االّ للضرورة .يف السيارة اليت تقلنا
69
تكاثف الظبلـ .بعد ٜنظات مل أعد أرى غًن ٗنرة سكارة مبلزـ ضياء وبعض
االضوية اٝنافتة قرب مقود السيارة .عليك اف تسيًن ببل ضوء وتسرع أيضا .ىذه
بديهيات السًن ليبلً مث اف الشارع مستهدؼ من قبل العدو و٩نب أف تسرع كثًناً
لتتجنب اهنمار القذائف والراٗنات ..يف الطري .الساحلي الذي ٥نن ٧نخره ُنذر
وترقب .تتماوج السيارة ،وفجأة تنخفض سرعتها جراء اٜنفر اليت خلفتها قذائف
االعداء .يف الليل تبدو اٜنرب أكثر حدة ..أكثر قرباً وقلقاً وأثارة للنفوس .
شعبلت ٘نر ٔنرتؽ السماء وباْناىات متقاطعة ،أصوات رعد و انفجارات .نار
وضوء على سطح االرض ..حذر و انكماش يف النفس ،ثورة يف أحاسيس القل.
و الريبة ..سيارات نقل العتاد واٛننود و االرزاؽ والقادة ..كل ىذه تتخذ من
الليل غطاءً لسًنىا من أجل اف يستمر زخم القتاؿ والصمود يف السواتر االمامية
ارى من جهة البحر صواريخ الراٗنات وىي تطل٥ .نو العدو ،عبارة عن شهب
٘نر وضوء ا٘نر ٍ
قاف يش .ظلمة الليل ٜ .نظة مث ٫نتفي نكوف قد أدخلنا البحر يف
دائرة اٜنرب فلتتحمل كائناتو بعضا من الوزر .لنعلم السمك القل .والسهر .
ونقذؼ يف وجو القرش شهب اٞنوت اليت جادت هبا قر٪نة االنساف من البحر ..من
مياه اٝنليج قدمت القوات البحرية ُنمم نًناهنا وقدمت اروع االسناد لرجاؿ اٞنشاة
وساعدت كثًناً يف وقف تقدـ العدو يف أراضينا ..عند جسر حديدي عائم
يعرتضنا جندي بيده مصباح خافت الضوء ،يقرتب من السائ . .نعرؼ أف علينا
اف نرتجل بعد عبورنا اٛنسر ّنسافو قصًنة يهتز اٛنسر العائم بسيارتنا صعوداً ونزوالً
وىي تعربه .اطلقوا عليو جسر ( التحدي) يف بداية اٟنجوـ اٞنعادي وصلت قواتو
اىل اٛنسر بل اجتازتو ..لكن بساعات ١ندوده استطاع لواء ( ) ٙٙقوات خاصة
71
من تطهًنه وبدأ بازاحتهم و اخذ يسجر االرض ..مل ٬نض على اجتيازنا اٛنسر
أكثر من عشر دقائ .. .ح ى اعرتضتنا سيطرة عسكرية ،شاىدت بعض اٛننود
يرتجلوف من السيارات العسكرية .أيقنا أف ىذه هناية حركة العجبلت ..نزلنا
بسرعة من السيارة و غادرنا السائ .مسرعاً بعد اف اتفقنا على أف ٩ندنا يف ىذا
اٞنكاف بعد أربع وعشرين ساعة بعد هناية االستطبلع .عبل وميض اٞندفعية وضوء
انفجارات قنابل العدو ،تظهر عشرات السيارات احملطمة على جانيب الشارع
وبأشكاؿ ٢نتلفة ٖ ..نة نار ىادئة ٔنرج من ١نرقة احدى السيارات ،وبعض
اٛنرحى الذين يتشبثوف بالسيارات العائدة ّ .نحاذاة الشارع على جهة اليمٌن بٌن
اٝنليج والشارع ..ىناؾ خندؽ شقي قليل العم .امرنا احد اٛننود أف نسلكو اذا
اردنا الوصوؿ اىل لواء ( ) ٜٜالذي كلفنا باالستطبلع عن قاطعو .أرض اٝنندؽ
الشقي طينية تتماوج فوقها كأننا ٧نشي على أرض الصابوف ..أزيز الرصاص ٬نر من
فوؽ الرؤوس اليت تنحين وىي تعدو بتعب وٟناث ...الشظايا تتساقط يف الش .و
على اٛنوانب تثًن يف القلب االضطراب ،للقذائف اليت ْنتازنا صوت يوقف النبض
وحٌن تنفجر ما عليك اال أف تضطجع يف عم .الش .تنتظر هناية تساقط الشظايا
..
يضي .اٝنندؽ بنا عندما يصادفنا العائدوف من اٛنرحى وجنود نقل العتاد و االرزاؽ
.التقانا بعض اٛننود وىم يناخوف و٪نملوف أحد اٛنرحى ..ما قالو اٛنريح وسط
االنٌن ..آه ..يا أماه ..
71
لؤلمهات دين على اٞنرء وحناف يأيت من البلوعي .اهنا أصل الفرح واٜنزف معاً ..
اهنا العامل بتناقضاتو ٧ ..نشي اىل اٝنوؼ لنزداد امناً ٥ .نن كائنات الليل اٞندفوعة اىل
اٞنوت ،اٞنسلوبة االحاسيس اليت ال تنظر وراءىا .بل ال ٪نٟ .نا أف ٔنتلس ح ى
نظرة ..يسبقو مبلزـ ضياء بالسًن يف الش .. .مل أكن أتصور انو هبذا التحمل
وىذا االصرار ..رغم انو مدخن من الطراز االوؿ ينحين كالقوس ويسًن كالقط ..
انو اكثر البصرة حباً ٟنا وأشدىم ضراوة يف الدفاع عنها ..مرة قاؿ يل ٩نب أف
ندافع عن البصرة كما دافع الروس عن لينغراد ..قلت لو ٩نب أف ندافع عنها وىي
مفتوحة االبواب وليست ١ناصرة كما ىي لينغراد ..قاؿ نعم نعم ٩ ..نب أف ال
٪ناصر االعداء البصرة أبداً مهما أعطينا و ضحينا ..نندفع يف الش .ويتبعنا
جنودنا ..رأيس عرفاء ستار وعريف غازي ..يزداد صوت الطلقات قربا و ازيزىا
شدة ..يتقدمنا مبلزـ ضياء وكأنو يعرؼ االرض مسبقاً ..يلتقينا جندي ٠نروح يف
ذراعو األيسر .نسألو عن اللواء فيقوؿ بعد قليل ستصلوف مقره ..اٜنمد هلل
سنكوف يف اٞنقر ..عبارة عن أكياس من الرمل على أرض سبخة طينية ..أرى
بعض اٛننود يتوسطهم ضابط برتبة عقيد يستعٌن بعصا ..قاؿ لو احد اٛننود أهنم
ضباط استطبلع من لواء (ٔٓٔ)
رحب بنا ،تقدـ منا احد اٛننود وقدـ لنا قنينة ماء عليها عبلمة ( فرات ) شربنا ،
توقفنا عند العقيد مدة من الوقت ،بدأ عليو تعب كبًن و ارىاؽ ٍ
عاؿ جعلو ٩نلس
على أحد االكياس عند باب اٞنلجأ دوف أي اكرتاث للقنابل اٞنتساقطة بكثافة .أمر
أحد اٛننود بأف يدلنا على الفوج الثاين الذي ستكوف وجهتنا اليو ..انطلقنا باْناه
72
الفوج ،تفتح القانبل حفراً عميقة يف االرض ..يتناثر الطٌن واٞناء والبارود
والشظايا مث تسقط ٗنيعا يف ىذا الفناء الواسع -الضي..
يتسع القل .فيها و تضي .اماكن االماف ..بٌن موضع قذيفة و اخرى مرت من
االرض أو أقل .ىكذا نزؿ السخط والغضب على أرض الفاو ..ينتهي الش .اىل
برؾ ماء صغًنة و آثار أقداـ متسارعة اٝنطى يف الطٌن ..فوضى الرتقب واٝنوؼ
ىنا ..نسًن اىل الفوج ..ونصلو فبل نتوقف أالّ لفرتة ..أحظروا فيها الدليل الذي
سيوصلنا اىل السرية الرابعة يف ىذا القاطع من جبهة اٜنرب الطويلة مع العدو ..
يقرتب مقر اللواء كثًناً من الساتر األمامي بسبب ضي .مساحة االرض و ألجل
السيطرة على أحداث معركة مستمرة منذ اكثر من شهر ..أننا نقرتب .ىكذا
تبدو معامل االرض ،تقل اٜنركة ويصبح للمكاف وحشة عالية ..دليلنا جندي ىزيل
يسًن بنا يف ظلمات تضاء كل فرتة ٥ ..نو مكاف سنرى منو العدو وجبهة القتاؿ .
ما قالو الدليل أف السرية الرابعة تبعد عن العدو ثبلٖنائة مرت موضعها عبارة عن
جحور صغًنة ..ال تدخلها االّ وأنت ٣نتد مع االرض ..ليس لك أف ترفع رأسك
يف النهار االّ للرد على ىجوـ العدو ..ليس ىناؾ أي ساتر ٬نكن أف ٓنتمي بو ،
كل ما ىنالك أكياس مليئة بالرتاب مث أضاؼ اٛنندي الدليل ،ستجدوف مواضع
كثًنة خالية تستطيعوف فيها أف تروا اٛنبهة جيداً .قلت يف نفسي ..مواضع كثًنة
خالية البد أف أصحاهبا قد استشهدوا هبذه السرعة ..سريعاً ما ٪نفر اٞنقاتل مواضع
قتالو وراحتو و سريعاً ما ٬نوت ؟ ...
73
يؤشر دليلنا بيده على مواضع السرية الرابعة ويعود مسرعاً يف درب الطٌن اٞنتعرج
كأف العدو قد أحس بنا .اهنمرت علينا قذائف اٞندفعية وقنابل اٟناونات بكثافة
عالية .بسرعة تدفعنا خطواتنا باْناه اٞنبلجئ ..أ٥نين عن باب أحدىا .أحدؽ يف
داخلو ال أرى غًن ظلمة متكاثفة و رائحة الرطوبة والطٌن الذي كسى اصابعي اليت
تكزت عليها ألدخل ..أكاد أف أفقد مبلزـ ضياء ورأس عرفاء ستار وعريف ار ُ
غازي ،ال بد أهنم دخلوا يف اٞنواضع أيضاً ٜنٌن انتهاء القصف اٞنركز ..أحبو يف
جوؼ اٞنلجأ الذي ال يتجاوز ارتفاعو مرتاً ..عبارة عن نصف انبوب مقوس
ويسمونو يف العسكرية (االرامكو) اندفع فيو اتلمس بأصابعي بطانية ..أفرح يف
داخلي .قلت يف نفسي سأضعها ٓنيت ألْننب الرطوبة العالية ..تنضغط ٓنت
ركبيت قناين ماء (الفرات) الفارغة .أندفع اكثر .احس أين أالمس جسداً بشرياً .
قلت انو جندي قد سبقين اىل ىنا ..أردت اٝنروج اىل ملجأ آخر مل استطع
فالقصف يزداد قوة ،حركتو بيدي ليفسح يل بعض اٞنكاف ..امتدت يدي يف
الظلمة ،وقعت على وجهو ..رفعت يده و تركتها فوقعت حرة على صدره
..صحت بو ..ال ٠نيب .قلت انو شهيد اذاً .رفعتو من ظهره باْناه اٛندار
ليتسع اٞنكاف ،وضعت البطانية بيين وبينو مث قرفصت ..اٚنع ارتطاـ القنابل
باألرض و انفجارىا اٞنخيف .صوهتا عندما يتجاوزين يأخذ صوايب ،يهتز اٞنكاف
..يأتيين طٌن قذفتو احدى القنابل اليت انفجرت قريب ،يكوف ىذا اٛنحر أوسع
مكاف يف الدنيا عندما تضي .اٜنياة و٫نيم شبح اٞنوت ..يكوف احساسك بالعامل
سدى ..تصبح ببل بصًنة ،تفقد العامل الذي حولك ،تكوف انت فقط بل
روحك ال غًن ،ال أعًن اىتماماً للذي قريب ،اتكور على نفسي ويأخذين دعاء
74
السبلمة ..اعرتؼ أف االنساف ذايت ح ى العظم ..تسقط القنابل أماـ فتحة اٞنلجأ
،أحتمي بالشهيد ،أمدد اٛنسد ّنحاذايت .من غرس فينا ىذا الشعور ؟ .ىذا
االحساس بقيمة الروح وضرورة احملافظة عليها ٞ ،ناذا ىي تسب .كل شيء يف اال٨نية
؟
ٔنف حدة القصف وتذىب غمامة السوء ..يبقى الرصاص اٝنفيف وتأخذ اٞندافع
بعض الراحة ..اتنفس الصعداء ..أمدد األطراؼ على ىواىا ..أحدؽ يف سقف
اٜنديد اٞنقوس ،أسرؽ النظرات على اٞنسجى بامتدادي ..اٞنكاف ملجأ يف الطٌن
اللزج ،ليل ثقيل ،اطرد اآلىات ..تأيت أشباح اٞنوتى ،اندـ على قناعات كانت
خطأ فادحاً ٔ ،نتصر اٞنسافة بٌن اٞنوت واٜنياة اىل الصفر ،أشد على وتر القلب
اٟنزيل ..
ىنا ا٥ندرت يب اٞنصادفات ،وىنا أصوب الرصاصة االخًنة عنوة ،العامل بالنسبة يل
روح مضطربة وجثة مهملة وعيوف ٓندؽ و ال ترى يف الفراغ اٞنظلم ..يضيء التنوير
السماء فينسكب الضوء يف اٞنلجأ أرى اصفرار وجو الشهيد وصور متداخلة من
ْناعيد البطانية و خوذة وضوء و ظبلـ ،انين يف التناقض أو يف ٜنظة خطف بقايا
العقل ..أو ضياع االياـ اٟنادئة وسط الز٘نة الغبية اٞنيتة بأحاسيس وكراىية البقاء
ببل خوؼ .
حٌن يهدأ القصف ويتوقف ازيز الرصاص اخرج رأسي متطلعاً أرض اٞنعركة ،على
ضوء التنوير أرى معامل كثًنة و أشباح كلها تثًن التساؤؿ ..أستطيع اف أميز اْناه
جبهة العدو ومصادر نًناف أسلحتو .يف الليل .سريعاً ما نعرؼ ونستدؿ على عقد
75
النار اٞنعادية بسبب ومضها العامل ..أنادي على مبلزـ ضياء يف ىدأة الليل الضيقة
.أعتقد انو بعيد عين ..جاءين رأس عرفاء ستار وقاؿ ..اف مبلزـ ضياء عند آمر
السرية ليشرح لو طبيعة االرض و اٞنوقف وقوة العدو ..قلت حسناً سيوضحها يل
مبلزـ ضياء أكثر ..اهنم ال يريدوف اف ٩نتمع اكثر من ضابطٌن يف مكاف واحد
٢نافة اف يقعوا ضحية قنبلة واحدة ،وقد حدث مثل ىذا كثًناً يف قواطع العمليات
.مرة سقطت قنبلة على موضع كاف فيو أربعة ضباط فاستشهدوا ٗنيعاً ...
عندما يتقدـ الليل تتعب اٛنفوف وتناـ العيوف ،يقل القصف االّ من بعض
االطبلقات الطائشة اليت تأيت ٢نافة اف يهجم أحد الطرفٌن على األخر ..سكن
الليل على اٞنوتى واٛنرحى وآلة اٜنرب ..على انفاس اهنكتها حرب طويلة ٣نلة
..نناـ على االرض موتى و احياء ..أي حناف واسع ٓنوي يف طياهتا .و أي عيش
تصنع ..ىي الواحة ..ىي السماء اليت نفرتشها و نلمسها باليد ،احدؽ يف
اٛنسد الصامت الذي قريب من أي أرض ىو ؟ يف اي االماكن من جسده اُصيب
؟ ما آخر الكلمات اليت نطقها وآخر االٚناء اليت أطلقها ؟ ..ىكذا تأيت اىل حتفنا
،لقد ٘نلتنا االوطاف ما ال نطي .و دفعنا الكثًن من أجلها ..للمرء غاية يف اٜنياة
عليو أف يدركها مهما كانت النتائج ،علينا أف نعيش بعض اٛننوف الذي ىو
الصفاء .
خيوط الفجر تأيت على االجساد اليت تسبح يف نسائم باردة ،تسمع لبلمعاء
تقلصاهتا ٩ ،نف اٜنل ، .ترٔني أجفاننا اىل النهاية ،يتعاىل الضياء السماوي
ويتضح الكوف الواسع .أرى األشياء اٛنامدة سيدة ىنا ..أتضح الذي قريب ..
76
وجو أٚنر لو شارب مغرب ،أرتسمت على الوجو التجاعيد ،،اعتقد أنو متطوع
جعل خبزهُ اٞنوت ،لقد امتهن العسكرية ح ى النهاية ..حٌن تضي .باٞنرء السبل
يسلك أخطر الطرؽ للنجاة ،وقد يكوف اختياره ٟنا حباً و اشباع الرغبة ،أتفحص
اٛنسد ،أرى بقايا الدـ اٛناؼ على سرتتو من االماـ فوؽ صدره ،إنعنو جيداً يا
للهوؿ ثبلثة اماكن يف الصدر ينزؼ منها الدـ اىل النهاية ..اليد اليمىن ملطخة بدـ
كثًن ،لقد أمسك بالنزؼ دوف جدوى انو أثر ثبلث رصاصات استقرت يف القلب
..لقد أصيب يف العراء و حٌن أُهنك جاء اىل داخل اٞنلجأ ..أنظر اىل االرضية دـ
متسرب يف مساحات االرض اٞناٜنة ..أطرد الذباب الذي يأيت سريعاً ..أغطيو
جيداً يف البطانية ..مث ألقي بظهري على اٛندار الرطب ..و أقدامي ٕنتد باستقامة
٥نو اٝنارج ..
حٌن تكوف قريباً من العدو عليك اف ال تتحرؾ من اٞنكاف الذي أنت فيو أطبلقاً و
االَ كشف موضعك و أصبحت عرضة لنًنانو ..عليك أف تكوف جزءاً من االرض
اٛنامدة ٕ ..نر األنفاس اٟنادئة هناراً و تتطلع على جبهة العدو ُنذر من الفتحات
الصغًنة دوف أف ٔنرج رأسك ..وعندما ٓناصرؾ اٞنثانة بامتبلئها فعليك أف تفرغها
يف أحدى قناين اٞناء الفارغة ..فهكذا عليك أف تتصرؼ من أجل اف ٓنافظ على
روحك ٕ ..نر ساعات النهار و ٥نسب لدقاهتا ألف حساب و انا ١ناصر ..
الرصاص واٞنلل .
-كيف أتيت ؟
77
-اٚنح يل بالدخوؿ اوالً (قاٟنا وىو يلهث ) لقد وصلت زحفاً
-لقد استفدت من السراب ..أنظر ،اال ترى ىذا اٛنبل االبيض العايل ؟ ..انو
سراب ،فمن الصعب اف يروننا من خبللو .
-اف ألرض الفاو ميزة جيدة ..عندما ترتفع الشمس يرتفع السراب ايضاً .
رفع البطانية ُنذر عن وجو الشهيد ٜ .نظة صمت ،نظر ٥نوي ..ىز رأسو وقاؿ
-ال .لقد نسيت .كيف فاتين ذلك ؟ .حٌن حاولت اف أضع يدي يف جيبو
سحبها وقاؿ :
-اتركو .
ٞ -ناذا ؟
-اخربين آمر السرية بو وقاؿ اف يف احد اٞنبلجىء شهدي لنا وقد أستشهد بثبلث
رصاصات يف صدره وىم يتحينوف الفرصة ألخبلئو ..
78
-ماداـ ىكذا فبل داعي اذاً .
بعد صمت قصًن ونظرات ثاقبة يف اٞندى الواسع من خبلؿ فتحة اٞنلجأ قاؿ ضياء
:
-قاـ آمر السرية بواجب الضيافة ..لقد قدـ يل اٝنبز واٛننب واٞناء معتذراً وقلت
لو ..قد٬ناً قالت العرب ( اٛنود من اٞنوجود ) ىذا الذي عندؾ .
-مبلزـ مراد أف العدو معروؼ و كذلك االرض ..اهنا أرضنا وىو ٪نتلها و
مستوية ٕناماً مع البحر .
-ماقالو آمر السرية أف العدو سيكرر ىجماتو طاٞنا أنو يف خان .الفاو ،و ٥نن ال
بد اف ٥نررىا .
79
-سأعود اىل ملجأي .
تتحطم اآلماؿ حٌن تصطدـ بواقع االحباط ..ىذه أياـ ٟنا وقع اٜنوافر يف االرض
،بنهار الزمن الثقيل عند دماء الشهيد ،أسكن صومعة الصمت ،تتبلشى
متاىات الزيف عند حد اٜنقائ .اٞنرة ،قلما ٥نق .ما نريد ،نتجنب ما نكره ،أي
قوة تدفعنا اىل السأـ بعده الشدة ،للحياة أف .ترتضيو ببل رفض .
نتوارى خلف اضطراب االحداث وننسى اف لنا آىات ستايت حتماً ،أحدؽ يف
ىذا اٟنيكل الصامت الناط .بكل لغات العامل .أين اختفت خفقات قلب ٕنزؽ
بالرصاص و أىداؼ ٍ
نفس أزىقت ،و ذكريات سنٌن متناقضة االياـ ،يف يده
اليسرى اٞنتصلبة يطوؽ أصبعو ُنلقة الزواج .سريعاً ما نأسر النساء بأقفاصنا ،
و٥نملهن أمل النهايات اٞنفجعة و االنعطافات اٜنادة ..يأيت الذباب اىل دماء
القلب اٛنافة ..يا ترى أي اٞنشاعر جاشت يف داخلو ..أين مشاعر الذباب ؟ .
أي اٞنعاين انسابت خبلؿ ىذا الصوت الذي يراف .صمت االماكن الفائرة آتية يف
غابات اٝنوؼ اٞنرتامية ال أشواؽ أالّ للنجاة من معرتؾ ..اٞنهم أرى عيوناً ذابلة ..
و أجفانا مبعثرة تكسوىا االتربة ٔ ،نفي وراءىا صور اٜنلم و اآلماؿ ،صور اٜنياة
االخًنة وتراكم النهارات اٞنتطاولة يف الرأس ،حزين ألىداؼ العمر ألحبلـ ما بعد
الشدائد ..يدخل التبلشي فيها ،تصبح ببل جدوى ..ببل وجود ..أرغب يف
تنقيب ذاكرة اٞنيت ..يف حل رموزىا ..أف أستجلي آخر أيعازات اٞنخ و تأوىات
الضمًن ..ارىاؽ حياتو ،ليت يل القدرة على االحتفاظ هبذا الكبًن ..ىذا السر
81
؟ ..أقلب صفحة الرغبات و أتوارى خلف يدي التأمل .يف ا٥ندار الشمس
لينتهي يوـ آخر ولينقص العمر اٟنزيل .يتقاطع يف أذين صوت ىدير اٝنليج
وحفيف اٞنوج على شواطىء اٞنلح ..شواطىء الدـ ،امتزجت االمواج بدماء
جاءت من كل ا٥ناء الوطن لترتؾ يف السواحل آثار اصرارىا و معاناهتا اليت فاقت
التصور ..اٟندير أبن الريح وحبيبها ..اٟندير تعبًن عن غضب البحر وسخطو .
أٚنع صوت مبلزـ ضياء يناديين :
مثل ٕنساح اخرج من ملجأي ..زاحفاً باْناىو وبأقصى سرعة ،كاف االعداء
يرصدوننا ..ينهمر علينا سيل القذائف الكبًنة ،أمتار قليلة عن موضعنا ،يهتز
اٞنلجأ ،أنظر يف وجو مبلزـ ضياء األٚنر ..نظرات ترقب وحذر ،أٚنع للشظايا
طنيناً وىي ١نلقة يف اٛنو ..للطٌن وقع ٍ
عاؿ عندما يسقط بعد ارتفاعو أثر االنفجار
..ىل رأونا ؟ ..أسأؿ نفسي ..ال اعتقد ،لكن ماىذا الرتكيز ..اف القذائف
تغمرنا بدخاهنا .وسط ىذا القصف أخرج مبلزـ ضياء سكارة .أشعلها وقاؿ :
-أذكر يف طفوليت اين كنت أسافر مع أمي من البصرة اىل الفاو ..ألف سلع الفاو
أقل سعراً .كانت تشرتي اٜنناء وتزين هبا شعري وشعر أشقائي يف االعياد ،و
مناسبات زيارة مراقد األئمة .
81
-إنين ذلك ..رغم استحالة بقائها يف ىذا اٛنحيم الذي أٚنو اٜنرب ،اف احملتل
ال يبقي على شيء .
-مل أكن أتصور ..أين سأكرب هبذه السرعة ،وسأكوف ىنا أستعيد أياـ الطفولة
باضطراب وسط اٜنصار .
علي ؟.
-اذا ٞناذا ندىت ّ
-أشعر باليأس واٜنزف .
ٞ -ناذا ؟
82
-أنين أسأؿ نفسي ٞناذا ٪ناربوننا دائماً ٞ ..ناذا ٪نتقروننا اىل ىذا اٜند ؟..
بلحظة اقرتب من ملجأي الذي فيو أمين و استقراري ،أشعر أين ال أراه .أفقده ،
ازحف يساراً ٬ ..نيناً ،االرض مشوشة ح ى آخرىا .أتوقف ،أنظر باْناه العدو
القريب .سراب كثيف ،أطمئن أحدؽ يف اٞندى اجيل النظرات ..أُنث عن
مكاين .
عجيب أين أختفى ؟ أأشعر باألغماء وال أجده ؟ ..ال أين يف كامل انتباىي ،
ازحف قليبلً لؤلماـ ..
،اٞنلجأ يتغًن وحفرة بعم .مرت مكانو ..أرى بقايا لقدـ الشهيد يف يا للهوؿ
اٜنذاء ..وقطع ٜنم مسودة ..النار تلتهم آخر البطانية .أنظر بأسى ،ال وجود
للشهيد ٕ ..نة امعاء يف القاع ،رماد البطانية االسود ٩نثم بصمت وخيط رفيع من
الدخاف يصعد ٥نو األعلى ..اعصار من العواطف ٩نتاحين ،برد .حزف ،حقد
على اٜنرب ،على القتلة ..تنطب .السماء على رائحة الشواء البشري ..أرى
ارتفاع السراب اىل الفضاء القاحلة ٕ ،نيل األرض ،يزحف اٝنليج ٥نو اٞنبلجىء ،
يضي .الكوف بأسراب البعوض ..و أسقط ،أتقيأ ما تبقى يف االمعاء اٝناوية .
اٞنرارة سكٌن يف اٜنل ، .الدموع أبر يف اعماقي ..أستعيد وعيي ،أزحف باْناه
مبلزـ ضياء ..أقرتب منو .
83
.. -ماذا بك ؟ ما ىذا العرؽ اٞنتفصد على جبينك ؟ أنك مصفر الوجو
-ما السبب ؟
٬نددين يف اٞنلجأ ويرخي احزمة مبلبسي ٪ ،نرؾ اٟنواء بورقة عن وجهي ،ينظر ٥نو
الشمس اليت تتباطأ وىي تغادر ٥نو اٛنهة الثانية من االرض ..القي برأسي على
كيس الرتاب اٞنتصلب اٞناحل ..أبصر السماء ..يقرتب اٞنساء ..و أىٍنء القلب
للعودة .ىي ٓنوالت خارجية تفرض فعلها عليك ،تكوف عبدا ٟنا نسميها
االحداث وقد ال ٓنس بثقلها ..وقد تفرح هبا رغم اهنا تدفعك للهاويو .أشعر اف
اٝنليج قد أستجاب لنهاية النهار ،فقد ىدأ ىديره .حدقت من فتحة اٞنلجأ
الصغًنة باْناه الغروب .باْناه الشمس اليت تاىت يف ا٘نرار االف ،. .يف ٢نيليت اف
النوارس تتصارع على أشعتها وتكوف غمامة بيضاء لكين ال أرى أي طًن ،لقد
ىاجرت اىل أف .بعيد .اىل شطآف اكثر أمنا .الغموض يكتنف الغروب ،والغربة
..تأيت بالتأمل يف ٗناليات الطبيعة اليت لوثها االنساف ٩ ..نتاح السواحل ِنار ثقيل
،ىو جزء من غضب اٝنليج ..تربز اٞنبلجىء يف األف .مثل عجوؿ البحر على
الشطآف البعيدة ٔ ،نتلس فرصة األماف لرتى انتهاء النهار اىل البحر ،اىل اٜنلم ..
الضياء االخًن تبلشى ٕ ،نلمل اٛننود يف اٞنبلجىء السئمة ..مثل النمل عندما
84
يتقيأه جحره ،تظهر الرؤوس فوؽ اٞنبلجىء تتطلع اىل آخر النهار و أوؿ الليل ،
اىل بقايا الذكريات ..ىي ٜنظة الشف .وعناؽ التناقضات ،يفقد اٞنرء أحساس
االنتباه اىل نفسو ،يرتكها و ىواىا ..أٚنع مواالً من بعيد باْناه احد اٞنبلجيء اليت
قرب الشاطىء يفرغ السأـ اٞنرتاكم حوؿ القلب ..يتقطع الغناء ببل موسيقى يف
اٞندى الواسع .أنو اٜنناف اىل اٜنرية و ٟنو الفؤاد .يبلح .الغناء آخر النور اٞنتبقي
..يتوغل يف مسمع االحياء و االموات ليعلن اف الغلبة للفرح دوما ..انفجار
يدوي باْناه الصوت ..ينقط الغناء فجأة ..ترتد انفاسنا الينا ،فقد جاءت
متقدمة كثًنا على وقتها ،و ال احد يستسيغها ..اننا نعطي ،مث نعطي دوف
جدوى ،وىذا مستحيل ،يستفي .البحر غضبا ألجل الدموع اليت اهنمرت ..
للقلوب اليت احرتقت بقايا رحي .و آثار رماد ..ىل يسكرنا التعب والسهر
اٞنخيف ،ويستمر موتنا أشبلء ببل كفن ..نلقي الزىور على اٝنصم فتتصلب
وتصحب جحراً يف جبيننا ..اٟني أي االعداء ٥نارب ؟ ..أي أناس ٦ناصم ؟
نستقيم كاالشعة فيوقعوننا يف الكهوؼ اٞنظلمة و ٫نرجوف غرائز من حقد وتبجح .
يغرؽ الليل أالرض بظلمة ،أىٍنء نفسي للعودة من االستطبلع ..يقذؼ مبلزـ
ضياء بقايا سيكارتو األخًنة ويقوؿ :
85
************
دؽ بوؽ اٜنرب يف فناء األرض اليت أفرتشها جنود الفوج الثالث ..الصدى
والصوت توأماف يف أف .اٞنلح ْ ..نمعاف عندما ٫نرجاف يف اٞندى ..من جوؼ
البوؽ الذي ينفخ بو بتكاسل العريف ٘نيد ..يتعود العسكر على ٕنييز صوت
البوؽ على نغماتو ،ىناؾ أٜناف ٔنص الطعاـ ..و اخرى لئلنذار والطوارئ ،
وتلك انغاـ اٜنرب والقتاؿ ،و أخرى خاصة بالنوـ وبالتعداد الصباحي واٞنسائي
.تطب .نظريتو كل يوـ يف معسكرات اٛنيش يف كل ا٥ناء العامل ..العريف ٘نيد
يتوسط الساحة اٞنرتبة ويبعث اٜناف الرحيل اىل القتاؿ ..الشمس ترسل أشعتها
ببشرتو السمراء وبيده اليمىن ٬نسك بالبوؽ النحاسي االصفر ..يده اليسرى تنفل
يف جيبو ..يرتاكض اٛننود بتثاقل ٥نو اماكن ْنمعهم كل حسب سريتو ..
يتقاطروف على االمكنة اٞنخصصة ويف مبل١نهم عبلمات اٞنقاتل الكبًنة ..اٟنجوـ
..يف أي القواطع ..وم ى ..من معنا ..وأي السواتر ستطهر ..أينا سًنحل عن
ىذه الدنيا ؟ ..وأينا يعود ؟
لتكن تلك اللحظة عبلمة خطر ..وفرتة اىتزت هبا مشاعره ..وسار فيها ٥نو
القتاؿ ضد االعداء ..من قفزت يف خيالو وىو صامت بوجو الشمس اٜنارقة ..
صور أطفالو ،و أمهم اليت جعلتهم اٜنرب غرباء ..وضيوفاً ..من ترؾ وراءه
مشروع اٜنياة ليعود لو بعد انتهاء العاصفة ،بعد ا٤نبلء اٞنوقف ..وظهور اٜنقائ.
86
اليت تؤمل كثًناً ..من منهم وىم يرتاصفوف يتغلغل يف نفسو اٝنوؼ والرتدد ،و
احيانا يأس النهاية القريبة ..كلهم خربوا اٜنرب ،وكلهم صارت ٟنم قدراً من سنٌن
..وصارت حديثاً بل هناية كبلـ تسرؽ الشفاه وسخافة تافهة يتشبث هبا االعداء
..تنهض اآلف قيم الرجولة ..و تتبلشى قيم اخرى ..يظهر اٞنعدف ..ويغيب
معدف آخر ..ىنا االمتحاف الذي يعري اٜنقيقة و يوقف اٞنرء ببل حاجز ..أماـ
اٞنوت ،أماـ القدر ..فيهم من يوزع النظرات يف األرض السبخة ويرتؾ انفاس
القل .يف فضاء اضي .من خرـ االبرة و أمر صغًن بالعودة ..
تسعوف مقاتبل أمامي ىم رجاؿ السرية الرابعة ،ىم قوهتا اليت ستدخل معركة الفاو
من اوسع االبواب ويف وضح النهار .
يظهر مساعد الفوج النقيب فاي .طايس يف وسط السرايا الصامتة وبيده مكرب
صوت ..يتكلم ،مناديا للجميع ..حسب السرايا ..اٝنواء ١نمل بذرات رمل و
ِنار ملح ..الفوضى والضجيج تسوداف اٞنكاف ..األصوات تتعاىل ببل معىن ،
وجوه تسبح يف تساؤالهتا ووجلها ..ينادي النقيب فاي .بصوت يرتدد ح ى امتداد
اٝنليج ويأمر منتسيب الفوج بارتداء كافة ْنهيزاهتم اٜنربية والتهيء للحركة فوراً
..يأمرىم بالتفرؽ و ارتداء ْنهيزاهتم بسرعة مث العودة اىل اماكن ْنمعهم كل حسب
سريتو ..فجأة يتفرؽ الفوج ..ويبدأ اٛننود ارتداء عدد اٜنرب اٜنديثة ..اليت
ٕنكنهم هبا أف يدخلوا معركة ..
بعد كبلـ النقيب فاي .عرؼ اٛننود والضباط أف اللحظة اليت جاؤوا من اجلها قد
أتت ،سيدخل الفوج الثالث معركة الفاو بعد انتظار .
87
بعد معايشة ألجوائها الصعبة وشحن اٟنمم ،وهتيئة اٛننود ٜنالة أٚنها اٜنرب ،
أٚنها القتاؿ ..يبدأ ْنمع جنود السرايا بعد اف أرتدوا عدة اٜنرب ..أقف أماـ
السرية مسافة عشرة أمتار وَنانيب آمر السرية مبلزـ أوؿ علي حسٌن .قاؿ يل :
-تأكد من اهنم ارتدوا كافة التجهيزات وخاصة االقنعة الكيمياوية الف العدو
أستخدـ االسلحة الكيمياوية يف معركة الفاو كما تعلم .
ينادي النقيب فاي .على آمري السرايا للمثوؿ أمامو .يتجمع آمرو السرايا حوؿ
اٞنساعد النقيب .أراه يقرأ بورقة صغًنة ..وىم حولو يكونوف حلقة صغًنة ،مث
يعود مبلزـ أوؿ علي بسرعة اىل سريتو و بوجهو عبلمات اٛند ..
-صدرت األوامر لنا بالتحرؾ اىل الرتل االوسط اٞنسمى (رتل الرشيد) السرتجاع
مواضع أحتلها العدو من لواءي ( ٗٛو .)ٜٙ
-لنخرب اٞنقاتلٌن اذاً ..ح ى نزيل عنهم ىذا التساؤؿ ونضعهم على اٜنقيقة .
مث قرأ مبلزـ اوؿ علي بإ٩ناز الربقية الفورية اليت تامر لواءنا باٟنجوـ اٞنقابل على
العدو ..
88
بسرعة تقف سيارات الػ ( ايفا ) برتل ويبدأ اٛننود بالركوب فيها ،لكل سرية
سيارتٌن .كانت االوامر تؤكد على ضرورة عدـ جعل العدو يستفيد من الوقت
ومنعو من اف يقوـ بتحكيم مواضعو ويستفيد من موطىء القدـ الذي حصل عليو .
قالت اٞنعلومات أف العدو ىجم على ىذين اللواءين بعد منتصف الليل ،بقوة
تقدر بفرقتٌن ،باإلضافة اىل قوات اٜنرس ،و استطاع ىذاف اللواءاف القتاؿ ح ى
منتصف النهار الثاين حٌن نفذ ما عندىم من عتاد ..وبعدىا ٕنكن العدو من
احتبلؿ مواضعهما ..لقد وقعت خسائر كبًنة جداً بٌن الطرفٌن وخاصة الطرؼ
اٞنهاجم .
قاؿ يل مبلزـ اوؿ علي ..سيتجحفل مع لوائنا كتيبة دبابات وسرايا مغاوير
..ستكوف على اٛنناح اال٬نن ..وعلى اٛنناح االيسر لواءي (ٗٓ٘ و ٕٔٗ).ما قالو
مبلزـ أوؿ علي يستند على تقارير االستخبارات اليت قالت أف العدو قد أُهنك
و٩نب أف ال يتأخر اٟنجوـ اٞنقابل ،وٟنذا يؤكد القادة اٞنيدانيوف على السرعة ..
أنظر اىل ساعيت ،كانت تشًن اىل الواحدة ظهراً ..الشمس معلقة يف اعايل السماء
ترسل اشعتها احملرقة على الكائنات اٞنتصارعة يف وضح النهار .اٜنرب الطويلة ْنعل
عملية اٞنباغتة مستحيلة ..وتوقيتات اٞنفاجأة ليست ١نكومة بالليل ..مث أف
اٟنجوـ اٞنقابل ال يقبل التأخًن اطبلقاً ..وٟنذا تقدمت اٛنموع يف منتصف النهار .
أستقبل مبلزـ أوؿ علي السيارة االوىل ،وأنا ركبت يف الثانية وقاؿ اتبعين .يف
الشارع اٞنزدحم بالسيارات واٞنصفحات و الدبابات اليت تذىب وتعود من و اىل
جبهة اٜنرب علينا أف نسرع وأف ٦نتار اٞنكاف اٞنبلئم والفرصة السا٥نة لرتجلنا السريع
..ترتفع بنادؽ اٛننود لؤلعلى وعلى ظهورىم عدة اٜنرب اٞنليئة بالعتاد ويتجندوف
89
اقنعة الوقاية من الغازات السامة ..تتماوج السيارة بٌن اٜنفر اليت ولدهتا الصواريخ
والقذائف اٞننهمرة ..تبدو االرض راكظة عكسنا .قاؿ يل السائ:.
-منذ م ى ؟
يسقط صاروخ معاد َنانب السيارة لكنها ال تتوقف ..ارى السيارة اليت فيها مبلزـ
أوؿ علي ونصف جنود السرية قد توقفت فرتة من زمن عصيب ىي ٜنظة االقرتاب
من النار ..نقرتب منهم ..
بسرعة يرتجل اٛننود ويدير السائ .مقود سيارتو عائداً متبلفياً القصف الكثيف ..
انظر يف اٞندى ،فاألرض أمامي على بعد امتار .
أربع سيارات ١نطمة يف الشارع وشفل ١نرتؽ ال يزاؿ الدخاف يتعاىل منو .أقرتب
من مبلزـ اوؿ علي الذي جلس ّنحاذاة الشارع ْننباً للقصف ،قاؿ يل :
-مبلزـ مراد سأقود انا ٙنسة وأربعٌن جندياً وأنت تتبعين بعد عشر دقائ .بالبقية .
-حاضر .
91
أنطل .مبلزـ أوؿ علي ّنجموعتو حيث قسمت السرية اىل قسمٌن متساويٌن ..
الدخاف يتصاعد يف كل االماكن وصوت االنفجارات يتزاحم يف الرأس .يلتص.
اٛننود باألرض اليت تصعقها القذائف دوف وعي .تشاكس سطحها الريح الثقيلة ،
تتوزع ٠نموعيت ّنحاذاة الشارع وىم ٪نتموف باٜنفر من الرصاص والقنابل ..تعربين
فجأة سيارات (واز)صغًنة ٣نتلئة ح ى آخرىا بالشهداء واٛنرحى ،تتخالف اٛنثث
والرؤوس بوضع فوضوي يف داخلها ،أرى االرجل تبلمس اسفلت الشارع تفتح
أبواهبا من كثرة ما ٘نلت ..االنٌن يتعاىل فوؽ صوت ١نركاهتا ،السائ .ىو الكائن
اٜني الوحيد الذي ٬نتلك االرادة ويقودىا وسط اٛنحيم ..تسقط امامها قذيفة
ىاوف ثقيل ..تقفز السيارة يف اٟنواء ،يسقط أثناف من الشهداء على الشارع ،
يتناثر مخ أحدىم وتدىسو السيارات اليت اندفعت بالعشرات لتدًن زخم اٟنجوـ
اٞنقابل .
من اٞنستحيل اف ٔنرج السيارات عن ىذا الشارع ألهنا ستغوص يف االرض الطينية
وبالتايل تتحطم من كثرة القصف ..وٟنذا كاف الشارع اٞنؤدي اىل ساحة اٞنعركة عبارة
عن حفر وأشبلء ودماء وبقايا مبلبس و احذية ومعلنات طعاـ وبنادؽ ١نطمة ،
رمانات يدوية ..أنو درب يؤدي اىل نار ١ناصرة ..أنو الفوضى والصخب اٞنخيف
ببل حدود .
تتوغل يف االرض اىل االماـ باْناه العدو ..أرى يف السماء الطائرات السمتية تنزؿ
٘نمها على الساتر الذي أمامي وصوت ىدير اٞندفعية ٩نتازين ٜ ،نظات ويتجاوز
االنساف الرعب ،بعد الدخوؿ يف اٞنعركة احملتدمة ٬نر بو قليل من الوقت وىو ٫نادع
91
انفاسو ومشاعره ،تصرعو االضطرابات واٟنواجس اٞنخيفة ،مث يذوب يف أتوف
اٞنأساة ..ويصبح جزء من ىذه اٞنطحنة اليت اٚنها اٜنرب .يقرتب مين قاسم ،أراه
يهمهم بكلمات ال أفهمها و يؤشر بيده ..عرفت انو قد رأى ٠نموعة معادية .
قاؿ :وراء ذلك اٞنرتفع الصغًن ارى ٠نموعة معادية .أثناء الكبلـ ينسحب أفراد
اجملموعة اٞنعادية ،يطل .عليهم النًناف من بندقيتو ،أرى اثنٌن قد سقطا ،وواصل
البقية انسحاهبم اٞنضطرب ..تسقط قربنا القذائف وتنطل .اعناؽ بنادقنا ..أرى
األرض غباراً وضباباً ،سراباً ٣نزوجاً بدخاف ،يف ىذا التداخل الغريب من عناصر
الطبيعة ،أشاىد العشرات بل اٞنئات من جنودنا وجنود العدو .الصراع يأخذ شكل
التحدي واٞنوت ٬نسك باليد والزمن يتأرجح على صوت الرصاص .التاريخ يدوف
بالبنادؽ الصدئة والدماء اٜنارة اليت انسكبت فوؽ اٞنلح ..أمواج من البشر تصطدـ
فيما بينها ٓ ،ناوؿ اف ٕنسك باألرض ،أف تفرض ارادهتا .الرصاص اٞنادة الوحيدة
اليت ٬نتلكوهنا و اجادوا استعماٟنا بكل تأثًن ،يزحف ٥نونا اٞنئات من االعداء
..نصدىم بأعجوبة مث يرتدوف بعد أف يرتكوا االرض ٠نللة بالقتلى ،يتساقط
الشهداء واٛنرحى كفراشات شاردة ..يصادفين سيل من اٛننود الذين ينزفوف دماً
وعرقاً من الرؤوس وااليدي واالرجل والصدور ،يرتاكضوف با٥نناء ليخرجوا من أرض
اٛنحيم ،ارض االحرتاؽ العايل ،يف اٞنبلجىء اٞنهدمة انٌن اٛنرحى غًن القادرين
على اخبلء انفسهم .أتوغل يف االرض اٜنارة اٞنخيفة ،أصل جسر ٚنوه (جسر
اٞنوت) ألنو صار مقربة لقوات العدو ..احتلو العدو ٙنس مرات مث أعادتو قواتنا
منهم ..عبارة عن خرسانة حديدية توصل بٌن ساترين .يرتاوح طوؿ اٛنسر ٙنسة
عشر مرتاً ..علينا أف ٧نر من ٓنتو ألننا غًن قادرين أف نعربه ،فالقنابل تتساقط فوقو
92
كاٞنطر ..يسبقين بعض جنود وتأخر عين بعضهم ،مررت ٓنت اٛنسر ..يأخذين
ذىوؿ ..خليط عجيب من األشبلء ،الرؤوس احملرتقة ،االجساد اليت فقدت
أطرافها ،أطراؼ ٣نزقة بعبث .كتل ٜنم ببل شكل ،مبلبس مصبوغة بالدـ ،شعر
يتخللو دود أبيض ..أناس بلحى مغربة ..رجاؿ ببل رتب ورتب ببل ناس ..مبلبس
شتوية وصيفية ،أقنعة وقاية ،غمامة من ذباب ورائحة اٝنليط العجيب ٖ ،نة أنٌن
لبقايا انفاس ،أخشاب وحديد صدىء ..تساقط كثيف للقذائف..
اجتاز اٛنسر الذي احتشدت ٓنتو بقايا االرواح اليت احتمت بو دوف مبلذ .تتقدـ
٠نموعتنا وىي تطل .الرصاص بكثافة .االرض مليئة باألجساد اٞنيتة واٜنية ،يقرتب
منا ٙنسة جنود ايرانيٌن بقاذفاهتم ْ،نتثهم نًناف ٠نموعتنا ويسقطوف صرعىْ .نتاز
ىذه البقعة من االرض الرخوة ..يلتقينا جندي ينزؼ دماً من ساقة ،قاؿ :
يصادفنا ملجأ مفرزة طبية فيها جندي جريح وَننابو ٩نلس ثبلثة جنود أعياىم
التعب واهنكهم نزؼ الدماء من اٛنروح الكبًنة .مل تندفع من دوف توقف ٥نو االماـ
.اٞنبلجىء ١نطمة بعنف ،فقد أسقط عليها العدو أطناناً من القذائف ..كلما
نندفع كثًناً نرى االرض قد افرتشت باألجساد اٞنتنوعة .كانت االرض سوداء ،
سوداء مثل العامل ،والدخاف ٫نرج منها مثل الرباكٌن .
يزداد العدو تشبتاً باٞنواضع اليت احتلها وتزداد مقاومتو وقوة نًنانو .يصبح الصراع
قوياً ،الكل يأيت بذروة جربوتو ،واٛنانباف يطلقاف النار بغزارة اٞنطر ..ويتساقط
الشهداء دوف توقف ويواصل االحياء القتاؿ بضراوة.
93
أرى مبلزـ اوؿ علي من وراء كيس ٣نزؽ يقذؼ الرماف على العدو الذي احتمى
باٞنبلجىء احملطمة ..وىو ينزؼ دماً.
واصل قذؼ الرمانات على العدو وتقدـ جنودنا بعد مقاومة عنيفة استطاعوا ازاحة
اٞنقاومة ،بعدىا قاؿ يل والتعب ٍ
باد يف وجهو :
ِ -
أخل نفسك فقد نزفت كل دمك ..
مث فارقتو وواصلت تقدمي أنا والسرية وىو يريد اف يواصل قتالو ،نظرت وراء ظهري
،شاىدتو قد سقط مث حلمو جندياف .ليس لؤلقداـ أف تطأ االرض االّ فوؽ
االجساد اليت تناثرت أشبلؤىا ..يتقدـ رجاؿ السرية بقوة مل اعهدىا هبم .اهنم
يتفاعلوف مع اٜندث ويصارعوف اٞنوت ُندة وعنف .
يستمر اندفاعهم وأنا أتوسطهم ..أرى أ٘ند الصويلح يف مقدمتهم وىو يز٠نر
غضباً مث يطل .النار يف صدورىم ..أراه ينزع اٞنخزف بعنف مث يركب الثاين مكانو
94
و٪نصد الرؤوس وىو واقف ..صحت بو اف ٩نلس ..أف ٪نتمي وراء أي سرت .مل
ينتبو يل ،أو مل يسمعين .اٞنهم انو واصل الرمي بكثافة ٜ..نظة مث يتقدـ أ٘ند
الصويلح بأْناىهم قافزاً من ملجأ اىل آخر .
أٚنع انيناً يسب .صوت القنابل والرصاص ..أرى عشرات بل مئات القتلى .
االشياء مبعثرة ،أنظر لؤلماـ ..أحس بأننا بدأنا باالقرتاب من ىدفنا ..أننا اآلف
قرب هناية الساتر الطويل .أوشكنا على ٓنريره ،أحس أف ورائي كل اٞنقاتلٌن
..أحس أين وحدي أيضاً ..ىذا الشعور ينتابين وسط اٞنوتى او أنصاؼ اٞنوتى ،
نصل اىل هناية اٟندؼ الذي رسم لنا ..مث أجد آمر الفوج اٞنقدـ ىذاؿ ..أُنث يف
اٞنبلجىء عن أيهما يصلح للدخوؿ بو ..واالحتماء بو ..يتبعين ا٘ند الصويلح
وقاسم ..أقرتب من باب أحد اٞنبلجىء ..أصع٣ .نا رأيت ..ياٟنوؿ اٜنرب ؟ .
أيراين بيده القاذفة وبوضع الرمي والصاروخ معد لبلطبلؽ..أغمص عيين ،أفتحها ،
ماذا ارى ؟ ..اٟني أنو ببل رأس ..كيف حدث ىذا ..لقد قطع رأسو بشكل
عجيب ..جسد ببل رأس يتأىب لبلطبلؽ ،وىذا الذي رأتو عيناي ،يصوب
باْناىنا وبشكل صحيح وَنانبو كدس من صواريخ القاذفة ..وقفت ..نظرت
بوجو أ٘ند الصويلح فوضع البطانية اليت مزقها الرصاص فوقو مث تقدمنا دوف اف
صمت ..مث قلت :
ُ يكلم بعضنا بعضاً..
95
-علينا أف ٦نلي شهداءنا وندفع القتلى ..يا ا٘ند الصويلح .
-ىذا وقت مبكر ..اف اٞنعركة مل تنتو وال ٩نب أف نلقي هبم .
-ىذا صحيح لكن بقاءىم ىكذا يؤثر على معنويات اٛننود .
-الذي يتوسط ىذا اٛنحيم يتجاوز احاسيس وخلجات تتعل .باٞنعنويات .اننا يف
مكاف اما أف تَػ ْقتُل لتحٍن أو أف تُقتَل ليحٍن غًنؾ ،ىذا مصًن سيدي .
اٞنعركة كانت طاحنة ..شديدة وملتحمة ..الطرفاف اقرتبا كثًناً يف صراعهما من
اجل النصر على اآلخر ،ح ى أف جنود السرية نزلوا اىل اٞنبلجىء اليت ٔنندؽ هبا
االيرانيوف ،القوا فوقهم الرمانات اليت انفجرت يف داخلها .أحدؽ يف وجوه اٛننود ،
االهناؾ والتعب تركا آثاراً يف الوجوه ..البعض جلس يتنفس الصعداء ..وراء
أكياس الرتاب اٞنتهرئة ،واالخر يستفسر عن مصًن زمبلئو ..الشمس هترب من
ىذا النهار الوحشي اىل آفاؽ أكثر رحبة وىدوءً ..الوقت ماقبل الغروب ،تطل.
الشمس آخر أشعتها الذىبية على االجساد احملرتقة اٞنيتة باٞنئات .قلت اهنا جاءت
من كل أ٥ناء ايراف الواسعة ..لتموت ىنا قتبلً برصاصنا وفوؽ أرضنا ..كيف يفكر
أىلهم اآلف ؟ ماذا يعرفوف عن مصًنىم االسود ؟.
يبدأ اٛننود َنمع العتاد الذي تركو العدو ..وأي شيء ٬نكن أف يستفيدوا منو ..
الساتر الذي بيد سريتنا مستطيل الشكل ٬نتد طولياً ٥نو العدو كالسهم ..أي انو
ساتر يربز يف خاصرة جبهة العدو ..هبذه اٜنالة يتحتم علينا أف نراقب اٛنبهة من
96
ثبلث جهات ..اف نوزع أسلحتنا ُنيث نطل .نًناهنا على ثبلث جهات ..النًناف
من جهة الشرؽ والشماؿ واٛننوب ..ىذا التوغل الضي .يف عم .العدو وبٌن
قطعاتو جعلنا يف مكاف حساس ٩نربنا أف نراقب اٛنبهة ُنذر واتقاف عاليٌن .خلفنا
مباشرة السرية الثالثة ..على الساتر نفسو ..أي اهنا ظهًن لنا ويأيت بعدىا مقر الفوج
.الغروب خيم بسرعة والوحشة تأيت قبل اٝنوؼ والرتقب.
تأتينا االوامر من الفوج باليقظة التامة والتأىب لصد تعرض العدو الذي من احملتمل
أف يكوف ليبلً ..أمر على اٛننود وأشد على أيديهم ،تأكد يل اهنم استفادوا من
حفر اٞندفعية العميقة كأستار ٟنم ..وبقايا اٞنبلجىء اليت مل تصبها القذائف ..
كاف عم .الش .الذي نسًن فيو ال يتجاوز اٝنمسٌن سنتمرتاً .وٟنذا يتوجب علينا
أف نزحف او ننحين بشدة يف مشيتنا ..الليل ظلمة كربى ..وىواجس تتبلطم ،
أضواء التنوير اٞنعادية والصديقة تضيء وحشتو ..وتفتح امامنا آفاؽ بعيدة للنظر
ٞنعرفة أي ٓنرؾ للعدو ..فرتة صمت ىادئة ْنتاح اٞننطقة ،يسكن الفؤاد اىل
نسمات ىواء باردة اكتسبت برودهتا من سطح ماء اٝنليج ..ما ىذا الصمت
اٞنفاجىء ؟ ىذا العادي ،،غًن العادي ،،اهنا ٜنظة للرتقب واالنقضاض .أ٩نوز أف
يسكن الليل اٜنريب ىكذا ..اف وراء اٟندوء عواصف ..ىكذا مرت اوىل ساعات
الليل عادية حذرة ..الرتقب يطرد النعاس عن العيوف ومعرفة نوايا العدو وخدعو
جعلت اٛنميع يف أىبة دائمية للرد عليو بقوة ..
97
فجأة يتكسر الصمت اىل أصوات تتعاىل ونًناف يعلوىا دخاف يضيع يف الظلمة
ووميض اٟناونات واٞندفعية ٩نعل الليل هناراً.
لقد بدأ قصف العدو اٞنركز على مواضعنا ..يزداد عنفاً ..االرض على اٝنريطة
تربيعات يتحكم هبا وينزؿ قنابلو يف أي مكاف يشاء ..أٚنع ارتطاـ القنابل قريب ،
وصوهتا حٌن تعربين ،يهز أوتار قليب ..سكوف الليل اضطراب و موج متبلطم وز٘نة
للنهار ..يهتز اٞنلجأ الذي انا فيو كأنو زورؽ صغًن .يا لقوة القذائف اهنا هتز االرض
ىزاً ..يقرتب مين ٢نابري العريف طو .أٚنع صوت اٞنقدـ ىذاؿ يف اٛنهاز
البلسلكي ينادي باالنتباه والتهيؤ لصد تقدـ العدو ،فقد سب .مقدمو بقصف
مدفعي كثيف ومركز ..يستمر القصف مدة ساعتٌن ،تتوغل يف رئيت رائحة البارود
الثقيلة اٝنانقة ..ينقطع القصف اٞنعادي فجأة وأٚنع ضوضاء العدو ،لقد بدأت
صولتهم ٬.نتطي اٞنقاتلوف مبلجىء قتاٟنم ويطلقوف عناف االسلحة اليت بيدىم ،
ويبدأ قتاٟنم ..لؤلسلحة حرية الرمي الكثيف ..يقرتب العدو ويشتد القتاؿ اٞنروع
..أرى على ضوء التنوير عشرات منهم يرتاكضوف باْناىنا ،البعض يتساقط
والبعض يرتد واآلخر يواصل تقدمو ..تلتهم النًناف بقايا الغزاة .أرى)(R.B.K
نائب ضابط جويد مهاوي ،هتلهل وسط الليل وشعلة من نار تسكن فوىتها من
شدة الرمي واستمرارية ،وىو ٣نسك بعتلة الرمي منشراً ذات اليمٌن وذات الشماؿ
٣نعناً ُنصاد الرؤوس ..يطل .العريف عيداف فضيل صواريخ قاذفتو اٞنضادة
لؤلشخاص فتنفل .فوقهم ناراً وشظايا ..يتسمر الصداـ الكبًن وأستمر بتلقي
اٞنكاٞنات من اٞنقدـ ىذاؿ بالصمود واالستمرار باٞنقاومة ح ى يرتاجع العدو ..
98
يصبح العدو قريبا منا ،أمتاراً ..بل تصل طبلئعو االوىل اىل مبلجئنا مث تسقط
بالرمانات اليدوية اليت نطلقها ..
مر زمن ىو العمر ..بل أخطر ٜنظاتو ..ىو اشتعاؿ االحاسيس ،وتبخر اٞنشاعر
وفقداف النفس واالندماج مع السبلح وحدث أٚنو اٜنرب .ىكذا ننسى انفسنا يف
وقت الش ّدة الكبًنة ..
يفشل تعرض العدو ..نأسر جنوداً ايرانيٌن وصلوا اىل مواضعنا وكانوا معنا اىل اف
اقتدناىم ..
يتعاىل صوت جندي من امامنا ،بعد اف يرتاجع العدو تاركاً وراءه الكثًن من القتلى
،يتكرر الصوت من أرض اٜنراـ منادياً:
-أنا عراقي ...أنا عراقي من لواء (..... )ٗٛيصمت فرتة .يتكر النداء :
-أنا عراقي أريد األماف .أنين قادـ ٥نوكم .ال تطلقوا النار رجاءً.
أأمر اٞنقاتلٌن بإيقاؼ اطبلؽ النار والرتقب وانتظار النتيجة ٫ .نرج من بٌن اٛنثث
واٜنفر ..شبح ىزيل ..يف الظلمة تراه ..أكثر بعداً ،يرفع يديو لؤلعلى وبيده منديل
أبيض يظهر على ضوء التنوير ..يعدو ٥نونا بذعر ٬..نسكو اٛننود ،يقتادونو ٥نوي
..بعد اف فتشوه جيداً ..قاؿ وىو متعب وأنفاسو تقطع كلماتو :
-انين عراقي من لواء (، )ٗٛاٚني سلماف حسن ،سبلحي قاذفة .
99
-عقيد ٗنيل.
من كبلمة وعبلمات االطمئناف اليت اجتاحتو تيقنت انو عراقي ومن اللواء الذي
ذكره.
-حٌن تعرض العدو علينا قبل يومٌن ..كاف ليبلً ،أستطاع أف ٫نرؽ بعض اٞنواضع
ويفاجئنا لكننا قاومنا ح ى نفذ عتادنا ،بعدىا ٕنكن العدو أف يندفع اىل االماـ
.لقد فقد الكثًن من جنوده رغم انو يتقدـ لؤلماـ .أما فصيلنا فقد بقي يقاوـ ح ى
النهاية ،كنا يف اٛنناح االيسر للسرية ،يقود فصيلنا مبلزـ ناصر .أطلقنا كل
الرصاص والقاذفات وعتاد اٟناوف و صورايخ الغاز على العدو ،ح ى تكدس اماـ
فصيلنا عشرات من قتلى العدو ،ولكن يا لؤلسف ،نفذ العتاد وراينا أنفسنا
١ناصرين ..يف النهاية اخرج مبلزـ ناصر مسدسو الشخص ورمى بو العدو ح ى
111
نفذ مث قذفو بعيداً وعبلمات الغضب واضحة يف وجهة ..لقد وقعنا يف األسر
..كنت انا يف اٛنناح البعيد عن السرية ومل يرين العدو ..رأيتهم يقتادوف مبلزـ
ناصر مع بقية اٛننود .مث وثقوىم باٜنباؿ وأوقفوىم عند هناية الساتر ..وبدأوا
بإطبلؽ الرصاص عليهم ..رأيت نفسي وحيداً ،أشاىد ىذا اٞننظر البائس..
اطلقوا النًناف على العيوف اوالً .بدأوا ّنبلزـ ناصر ..مث بعده جاء دور اٛننود ..مث
أخذوا يبصقوف على اٛنثث اليت غرقت يف دمائها ويتبولوف عليها .أجتاحتين
خلجات اٝنوؼ والوحدة واألسى العايل وانا اضيع يف حفرة االحباط واالحظ اٞننظر
اٞنبكي ..بكيت يف وحديت على حايل ٕ..ننيت اف اموت معهم ..أقرتب مين الغزاة
وتظاىرت باٞنوت وسط اٛنثث ..سرقوا ساعيت ..وحٌن واصلوا تقدمهم قررت أف
أسًن ّنحاذاهتم لعلي أجد قطعاتنا وىا انا ذا ىنا ...
-شكراً ..انين سعيد اآلف ،لقد ٤نوت بأعجوبة ،لكين لن أنسى ذلك اٞننظر
البشع ..وخاصة سقوط مبلزـ ناصر وتكوره على بطنو بعد أف أهنمر الدـ من
العٌن اليت فقأىا الرصاص.
-ىوف عليك ..اال ترى االرض اليت أمامك ..أال تكفي تلك اٛنثث كثأر ؟
111
مل ٪نصد العدو من تعرضو غًن الفشل ..ونبقى يف أماكننا ال تناـ اٛنفوف كل ىذا
لليل ..وتبقى الزنود على البنادؽ ..عيوننا تطل .النظرات باْناه االرض اٜنراـ ..
اليت تكدست فوقها اٛنثث اليت ال ٓنصى
***********************
هنار جديد ٪نل على االرض ،يكوف تار٫ناً حٌن ينتهي اىل الليل ..ويكوف أثقل
ا٘ناؿ العامل حٌن ٪ناصرين بآالمو ..ترحل الصباحات بسرعة ؤنتفي النسائم
الصحراوية حٌن تضحك الشمس يف وسط النهار ..يهدأ صمت القيظ ..صمت
الظهًنة اٞنلتهب ..أعيد اىل نفسي ىدوء اٞناضي والقي التأمل يف اٞندى احملروؽ ح ى
النهاية ..اخرج الشهي .زفًناً فاسداً ..أنظر ٥نو جسدي ..طٌن ،دـ ،اصفرار
؟.أرى عنفواف النهار سراباً ..الرصاص اٝنفيف يرمي باجملاف ليشيع اٞنوت ٞنن تبقى
.
يف زاوية العراؽ اٛننوبية ،بٌن اٝنليج والشط ،يف ىذا اٞنثلث ،يف كل شرب من ىذه
االرض سقط غا ٍز ٍ
معاد وانساف مدافع.
الكل يفرتش االرض ببل حركة بتآلف عجيب ،تكاد أف تفقد صواب العقوؿ ،
فالرتاكم كثًن ىنا ..واالرض تضي .وتطفح ناراً ودخاناً ،وأجساداً وذباباً وبقايا
أحياء على حافة النهاية ..التعب سيد اٞنوقف ،الفراغ ٩نتاح الكوف بعد عاصفة
الليلتٌن اٞناضيتٌن ،للطبيعة احكامها وقوانينها ،من اٞنستحيل على االنساف أف
يتبلعب هبا ..ال بد للهدوء أف يسود من جديد مهما هتور الشر ..أنظر للسماء
ٖنة غيمة بيضاء ِنارية فوؽ اٝنليج تنتهي بنهايات شفافة ..قلت أف حياتنا بلهاء
112
مثل ىذه الغيمة .تنتهي دائماً ىكذا ببل معىن ؟..أحدؽ جيداً :ليس ىناؾ من
طًن ٪نط على تلك االجساد اليت بدأت ترتفع عن سطح االرض سريعاً بفعل
اٜنرارة والرطوبة اليت تفسخ االجساد ..تضي .اٞنبلبس باألجساـ اٞننتفخة ..يظهر
اٞنيت املساً مرعباً يكاد اف ينفجر ..الذباب يأيت للوالئم الغنية ببل صعوبة وببل
دعوة ..يتغذى ،يعصر الدماء اللزجة اليت أسودت ٓنت اٛنثث ..اٞنبلبس متشققة
بفعل اٞنلح والرطوبة أو متصلبة كالسكاكٌن .
ترتفع الشمس عالياً يف الفراغ الذي ٚنوه ٚناءً ..أنراىا حقاً كما ىي ؟ .آنرؽ كتل
اللحم العارية ..أـ تتفرج دوف التفات او أحساس .يتوزع اٛننود يف الشقوؽ
واٞنبلجىء الباقية واٜنفر اليت قاعها ملح ودماء .أجلس اجرت معركة االمس ،اعود
هبا اىل النسياف ،وأبص .فيما تبقى من سائل يف اٜنل .باْناه الشرؽ .قلت ما طعم
النصر الذي يتحدث عنو العدو ؟..ماذا حق .وىو اآلف يف ىذا اٝنان .الضي .من
أرض العراؽ ؟..أتساوي ىذه اٞنلحمة كل تلك االجساد اليت فوقها ..كيف ٟنم أف
يستثمروا ىذا النصر الذي يدعوف اهنم حققوه يف أرضنا ؟.ال ينقطع الرتاش.
اٝنفيف بيننا ..فاٞنسافة بيننا قريبة ..وليس لنا ش .عمي٬ .نكن اف ٦نتفي بو
ونواصل ٓنكيماتنا ـ من خبللو ..علينا اف نتقيد بالسكوف وعدـ اٜنركة يف النهار
اال يف اٜناالت القصوى ..يقرتب مين رأس عرفاء السرية عكموش ١نمد وىو يلهث
زحفاً ..قاؿ:
-من ىو ..
113
-سلماف حسن الذي جاءنا من لواء ()ٗٛ
-يا لؤلسف ..ياللمفارقة ..كاف الوحيد الذي شاىد اجملزرة اليت أرتكبها العدو
ضد فصيلو ..لكنو مات أيضاً.
نأيت اىل اٞنوت أـ هنرب منو ،يقف امامنا .يبتعد عنا حٌن يصبح مثل حبل الوريد
.يلتص .بنا حٌن يكوف وراء الصحارى ..أننا ١نكوموف بنهايات مشرتكة ..ومصائر
متساوية ..انو الشيء الوحيد الذي نقع فيو دائماً اف اٞنوت ىو اٞنارد الذي ال
يستثين أحداً ..ىكذا يستهزىء بنا ويرتؾ الشعرة اليت بيننا تطوؿ اىل آخر عمرنا
ويعود أكثر اٞناً واشد قوةً ،وكاف سلماف حسن رقماً جديداً يف قائمة الذين اجتازوا
حاجز النهاية اىل اجملهوؿ أو اٜنلم أو البلمعىن ..ال ادري كل ما ىنالك انو صار
جزءاً من االرض اليت ال ٕنوت ...
****************
114
يا سنٌن الرتاخي عودي ..او دوري من جديد ..اللهم اننا ٧نوت عرايا ٧..نوت
جياعاً وببل معىن ،ببل دموع ..اللهم ىذا جحيم مل ٓندثنا عنو ،مل ٓنذرنا منو
..كيف يل اف أكوف ببل فراغ يف ىذا الصمت ..يف ىذا الصخب .أنو صمت
اٞنوت وصخب النار واٜنديد ..أرسم ْناعيد اٜنماقات العالية لعلهم يدركوف معىن
أف ٧نوت ببل معىن ،اف نساؽ اىل التلذذ للتهلكة ٞناذا ىذا اٜنزف العايل ..ىذا
االصرار على اٛننوف ..على الرعونة ؟ .أيها اٛنار اٞنشاكس اٝنرؼ األجرد األجوؼ
اٞنروع ..تنتابنا ٨نسات النهاية دائماً و٥نلم يف االمل ،أ٩نوز اف نكوف وقود األماين
وتاريخ الضياع اٞنر ؟..
امتدت أياـ اٜنرب اىل القلب فأشعلتو ببل شفقة ،انو اٜنصن األخًن الذي مل
تطرقو اٜنرب ح ى ىذه اللحظة ..سيدنا اٞنوت والنسياف ..
ال وقت لتأمل اللحظة اٟناربة لئلمساؾ بأطياؼ األحبة لتناوؿ العشاء األخًن ،ال
مكاف لؤلقداـ أف تطأه ببل وخز ،ىو اٞنوت ..ىو .منذ بداية اٞنوج
أف تراين يف اٞنكاف وليس فيو اننا اماكن فارغو ..فراغ االمكنة اجساد صامتة ..لغو
ببل أجساد ..تناقض التناقض ..وخراب اٝنراب ..عصر الثورات اٞنلونة الغريبة اليت
يسيل من بٌن فخذيها دـ شعبها .حاربوؾ من اجل اف ٪نرقوؾ ُنجة اعطائك النور
٫..ندعونك ألجل اف تكوف انساناً بسيطاً .أهنم يف عصر البلطبقات كما يقولوف
115
.عصر البلشرؽ ،والبلغرب ،عصر اٞننتصف ،منتصف الفوضى والدمار ..اٛننوف
..اٞنوت ..السم ..اٜنري.. .الزيف :ىذا عدوي يا متفرج .
حًنة ..حًنة ٞ..ناذا ٪ناربوننا كل ىذه اٞندة ؟.اذا أردت أف تفهمهم فعليك اف
تعرؼ العد التنازيل للزمن ،اف تعلن للمؤل أنك أنت قاتل نفسك ،أف ْنرح
الضحية اليت أسقطوىا وتعلن توبتها .أف هتب دمك لقاتلك ..ىذا منطقهم ،ىذا
حقهم .أهنم يستحوذوف على اٞنوتى أوالً وٟنذا يستمر عامل اٞنوت ؟...
أين منتصف األشياء اآلف ؟ انين أتساءؿ :أروين منتصف اٜنب واٞنوت ،منتصف
اٜنب ،سأجد الكراىية الكربى .والبلحب ..يا حرب ..يا موت م ى هناية القاعدة
؟ م ى سقوط االستثناء ؟ .
ينش .القلب نصفٌن ،االوؿ إلغماء الروح والثاين لتيار اٜنزف ٞ ..ناذا تعود االماين
ىكذا ..أشم يف وضح النهار رائحة عم .الليل ..
لتشرؽ الروح أو لتنتهي اىل جحيم الظبلـ ..عليك أف ْند نفسك أشبلء يف
الشظايا ..أف ترى نفسك ندى يف النار ..ىذا ىو اٞنستحيل ..أنا عا ٍر يف العراء
أيل يعود ،التسألين عمن حويل فاهنم أصناـ؟ آلكل ما أشتهي
..التيو يبدأ مين و ّ
أجين وحٌن أموت ٔنرج العشًنة يف جنازيت فزعة وتعود أدراجها ضاحكة؟ عامر
قليب بلذات العامل ..نتائج اٜنم .الكبًن تنصب فوؽ رأسي ىكذا ..ينسكب
اٞنوتى على االرض ألجل الببلىة ماذا ورائي ،أشباه ظلي وقمر يبكي ..سيد ىو
اٞنوت مثل البحر والغابات ؟ .
116
ٞنا أرفع الرايات والصوت يف ىذا اٛنو اٞنشحوف باٞنوت الوحدة ؟..أكسر القلب
أسى يف التمين ندماً على ضياع اٜنلم الذي أختفى كالربؽ ..يا سهاـ اٜنرب كفى
ً
واتركينا نعرؼ طعم النوـ اٟناديء مع نسائنا يف ز٘نة الشظايا واٜنفر ..تذىب
األرواح وتشرد ..فتبقى كتل اللحم واكداس االٚناؿ اٞندمية ..وتظل االوامر حرباً
على ورؽ ..وتبقى أمنياتنا فراشات الرحيل ..يا أٟني ..كيف اجتمعن ىكذا ،
عطش الروح واٛنسد مث ال أحد يهجو القتلة ولو بالقلب .نقع صرعى التضادات
وحصار الطبيعة الرتيب .ىي معتوىة لكي هتب اٞنلح وتأخذ اٞناء ..
ىرب الفرات بعيداً عن اٜنرب ..واختفت دجلة يف كهف اعجاز النخيل .رغوة
بيضاء لزجة بصاقي ،الشفاه قشرة ملح ..ذبنا ح ى النهاية ،وٓنجرت العيوف
واحيطت بالسواد الكاحل .يف الش .الكريو يضطجع جندياف وأيديهم لؤلعلى ٖ .نة
انٌن خافت طلباً للماء.
-أأتوين ّناء الفرات ّ...ناء السماء ..بدمع الغيوـ ..نفتش عن بقايا القناين يف
الرتاب ،بٌن اٞنبلجىء اٞنهدمة ،عن الزميزميات يف أحزمة الشهداء والقتلى ..نرفعها
اىل األعلى ،نضغطها لتسقط النقط العالقة يف جوفها اٝنايل ..أنناـ عطشى ..
ىلع يف النفوس ..سقوط الروح ..وحش ىي الروح أذا رأت اٞناء ،أذا حاصرهتا
باٞنستحيل.
117
-سيأتيكم ،انو يف الطري ،.قليبلص من الصرب (ناداين مقر الفوج).
لقد اختفت لغة الشفرة ..يامشس مايس اٜنارقة اتركينا نصارع اٞنلح والظمأ ٤.نرت
بقايا العمر يف عطش األجساد اٞننهكة تلتهب البطوف تعوي فيها ذئاب الظمأ
اٞنسعورة ٕ ..نتد األلسن الذابلة ٥نو االرض .والرقاب تتكور يف البطوف ،نكوف فرتة
العذاب العايل.
أيها الفرات أقفز اىل اٞنماحل ،كن مارداً ،واجتح ىذا الصراع البشري ،اطعن ىذا
الظمأ الكبًن ..أفقد أعصايب وأقوـ غًن ٍ
مباؿ بالقنص..
العطش يهدد الروح واٛنسد ،سنروى من عرؽ اٛنبٌن اٟنزيل ،أجلس عند رأس
قاسم :أنٌن ..انٌن يضيع بٌن الفوضى والسراب ..البندقية اليت كانت هتلهل
أمست ملقية على اٞنلح ببل اكرتاث ..أنادي بو ،ال يسمع ،ال يقوؿ غًن كلمة
..ماء ..ماء .يرددىا ببل وعي .اٜنرب ْنعلنا ٧نوت عطشى ..ياه ..ال أصدؽ ،
أيهزمنا الظمأ ؟ .أقفز اىل حفرة ماء ..أغرؽ ..ملح يسيل مع االصابع ..أتذوقو
..تيزاب ..زرنيخ ،ملح ،حامض..
يا أٟني ىذا ىو أصل العطش ،من ىنا يتولد حري .البطوف.
118
ارتد اىل جنودي أتكلم باٛنهاز:
-أهنم ٬نوتوف .لقد طردنا الغزاة وىزمناىم فيجب اف ال٧نوت عطشاً .نريد اف
نتذوؽ طعم النصر .أسرعوا قبل أف نفقد اٞنبادىة ،قبل أف يعودوا و٥نن هنلك
عطشاً ..أصمت فرتة من زمن ..انظر يف الوجوه اليت عيوهنا وخزات يف وجهي.
يأسرنا قدح ماء ،يغرينا بأف نلقي السبلح ..بأف نبيع كل شيء ..أف نرتؾ
مواضعنا ..لكن الرجوع مستحيل ،والبقاء انتظاراً للموت ..احدؽ يف وجو قاسم ،
ال صوت ،ال أنٌن ..جسد ملقى وشفاه مقلوبة ..أسحب بطانية ٣نزقة و اغطيو ،
مث أبكي يف داخلي ،ا طل .النظرات البائسة واألنٌن يتعاىل و٪نرجين بعد ساعة ىي
خبلصة لعذا العمر٪ ..نرقين صياح ومزاح عفوي:
-احتياطي؟ .
119
-نعم ...نعم ثبلث ٍ
قناف .
-يقولوف انو كثًن من ٍ
قناف معبأة صناعياً وراء جسر اٞنوت .
يتكور اٛننود حوؿ عكموش مثل قطط ىزيلة ترضع صغارىا ،كل يصيح انو ٬نوت
عطشاً ،انو مل يشرب منذ زمن ..أسرؽ نظرة باْناه قاسم ٕننيت اف ينهض ىو
أيضاً ،لكنو قد أسرع ّنوتو واسرتاح ..انو األوؿ الذي وصل اٟندؼ وكاف ٪نمل
ٙنس مئة طلقة بندقية وقناع وقاية وزمزمية ماء لكن القدر كاف أقوى اذ أصابت
شظية زمزميتو فاندل .ماؤىا .يف قرارة نفسة كاف مطمئناً ألنو مل ٪نس بثقبها
واهنمار اٞناء منها ،وحٌن وصل اٟندؼ وقتل اثنٌن من االيرانيٌن -أرى جثتيهما
بقريب اآلف -أراد االسرتاحة ..اخرج الزمزمية لًنتوي ،فوجدىا فارغة .قذفها
بشدة يف االرض ..بقينا على عطشنا ،كل ىذه اٞندة ،مل تصلنا االمدادات بفعل
القصف الكثيف اٞنميت..
حٌن ٓندؽ يف االرض ينكمش قلبك فزعاً ،أهنا مقلوبة أهنا منفوشة و١نروقة ،
مسودة ..من كثرة ما وقع عليها من قنابل .مل يتوقف القصف ال ليل وال هنار.
كانت اٞنسافة من خط صولتنا اىل العدو طويلة ..واٜنرارة عالية ،والتعب واالهناؾ
العايل جعلنا نفقد سوائل أجسامنا بسرعة ،واالّ كيف مات قاسم هبذه السهولة..
أهنا اٛنحيم اٞناحل ..لو تأخر اٞناء ساعات أخرى ٞنات كل اٛننود عطشاً ولكنت
أنا أوٟنم.
111
ياتيين عكموش بقنينة ماء فيها أقل من الربع ..جلس قريب وقاؿ:
-شكراً .
مث القيتها يف جويف دوف أف أحس هبا وبطعمها .مل يرتو اٛننود ،ولكن ىذا
اىوف ..قمت بتوزيع االقواس النارية بسرعة وأعطيت لكل جندي اٞنكاف اٞنناسب
وىيأهتم ألي طارىء ٞنعركة التبلقي واالحتكاؾ اليومي مع العدو الذي كاف ّنرمى
البصر..
-اف ىاشم يريد الذىاب ٛنلب اٞناء فلنرسو الننا مازلنا عطاشى مث أف اٞنعركة
مستمرة ..
-اذا ىدأ القصف أرسل جندياً آخر معو ٓنسباً ألي طارىء ٪ندث ،ح ى نعرؼ
اخبارىم ويساعده يف ٘نل اٞناء .رددت مع نفسي ىذا االسم (عكموش) اكثر من
مرة ،أتراه بابلي أـ آشوري أف ىذا الرجل من سبللة االوائل الذي قاتلوا قبل االؼ
111
السنٌن العدو نفسو .تأملت االسم جيدا ًً ،غًن قابل للصرؼ ُ .نثت عن معناه
يف ٢نيليت ..ألـ اجد ..لعل والده الفبلح يف ريف بابل وجد أٚنو منقوشاً على احد
ايل انو من أبناء نبوخذ نصر اف مل نقل سرجوف األكدي او
االلواح الطينية ٫ ،نيل َّ
سنحاريب .قلت لو
-نعم .
-قاسم ىذا الذي قربك عبد الر٘نن ورياض وسامي استشهدوا يف التقدـ على
العدو ،علواف مازاؿ مفقوداً ،واٝنمسة الذين تبقوا أخلوا انفسهم.
-نعم رأيتو حٌن جرح يف صدره ويده .لقد شاىدت الدـ يغطي بدلتو ،إٔنىن اف
اليكوف جرحو خطراً.
-عكموش يلزمنا االنتباه والتهيؤ لردع أي تعرض قد يقوـ بو العدو ٩ .نب اخبلء
الشهداء مهما كاف الثمن ..
112
يف ٜنظة حديثي لعكموش وىو مص ٍغ يدخل علينا ىاشم مبتسماً كعادتو ،رغم
التعب الذي يكسو وجهة ..قاؿ:
-كرًن .
113
ومقر الفوج وربطها بالبدالة الرئيسية .لقد عاىن اٞنخابروف الكثًن من االرىاؽ لسرعة
تقطع االسبلؾ من كثرة القصف ،لكن ىذا اجراء البد منو ٞننع استعداد العدو
وتفويت الفرصة عليو .كاف الش .الذي يربطنا ّنقر الفوج واٞنساعد ال يتجاوز
عمقو نصف مرت ..وٟنذا كاف جنودنا عرضة لقنص كثيف من العدو الذي كاف
يأتينا من ثبلث جهات ،مث اف العدو نصب رباعيتو امامنا فكانت ترمي مع طوؿ
الش٠ .نتازة سريتنا باْناه السرايا االخرى ح ى مقر اٞنساعد .و كثًناً ما أصابت
طلقة واحدة اكثر من جدين ..ىذا اٞنوقف حتم علينا أف نبين مصدات من
االكياس الرتابية لدرء الرصاص الكثيف الذي امطرنا بو عدونا وقد ٤نحت العملية.
مث بدأت ٓنكيماتنا االخرى اٞنتعلقة بزيادة عم .الش .وٓنصٌن اٞنبلجىء ،ومواضع
القتاؿ الذي سيكوف يومياً ..يف ملجأي الضي .الذي كاف يشغلو مقاتل ما قبلي
جلست ،كاف نصف أنبوب كبًن .انظر ٥نو سقفة حديد صدىء ..يتخللو
اخضرار عتي .وَنانيب اٛندراف اليت ىي جوانب اٞنلجأ عبارة عن ملح يكوف
مسانداً..
أتأمل قرص الشمس الذي أوشك اف يتوارى خلف اٞندى البحري ..
االرض اخضرار كبًن ..اٞندى قمح وعشب وورد باأللواف كلها الربيع سيدنا ىنا ..
التبلؿ اٞنتموجة ..بساط اٝنضرة والزىر ..ال شيء سوى زرقة السماء و اخضرار
االرض لوناف ىادئاف يبعثاف يف النفس االرتياح ..
ايل
ترتكين مسافة أمتار ..تأتيين عدواً كالغزاؿ ..ما ىذا ..انو حلم ..أتأتٌن ّ
ىكذا ؟ .أيقرتب اٞنستحيل من اٞنمكن ؟.
114
ألثمها ..وأغيب ..اجعل القمح بساطاً يل ..تغمرنا السنابل ،وىي ترتاقص ..
أنظر باْناه مكحوؿ ..جبل كحلي اللوف ..أستمد اٚنو من لونو .ال شجر غًن
العشبيات اليت تنبت بٌن الصخور ..تنهض معي اىل أف .النظر ..يكوف مكحوؿ
سداً امامنا ..ىذا اٞندى كبًن ،كبًن ..ا٬ناف تعانقين اىل آخر الشوؽ ..ترٕني على
صدري وأٚنع نبضات القلب ،تعود اىل التجواؿ يف أف .الربية الواسع ونعود ..
-أية مدف ؟
-اننا يف بقة تقع أطراؼ ١نافظات نينوى وكركوؾ وصبلح الدين .
-ثبلثوف كيلومرتاً.
ٞ-ناذا ؟ ...اف ىذا احمليط اٛنميل يبعث على اٟندوء وعلى االمن فلماذا اٝنوؼ ؟.
115
-وىذا ما ابتغي ٥ ..نن لسنا وحيدين ..انظري اىل حقل القمح الكبًن ،اىل
مبليٌن الورود ..اىل مكحوؿ ..واىل كل كائنات السهوؿ اٞنرتامية .
-الوديع طبعاً
الفضاء الكبًن يطب .على بساط اٝنضرة ..مكحوؿ عالياً ،يصعد بصمت ٖ .نة
نسر ٪نل .يف األعايل يؤنس وحدتو ..قد يغين مواالً للربيع ..اضطجع على القمح
عيين ..ارى وجهها صورة يف السماء
..و اغمض اٛنفوف ..تداعب شعري ..تقبل ّ
وشعرىا يتدىل فوؽ صدري ويديها تنغرزاف يف االرض ..كانت صامتو ..امرأة يف
مرآة زرقاء ..تبدو كذلك ،وانا اتأمل تبلشيها يف اليم االزرؽ السماوي ،ىكذا
بدت يل ..أقعد وتكوف امامي ٔ..نتفي يف حقل اقمح الذي غطى رؤوسنا ونسمع
وشوشة السنابل والسيقاف عندما تداعبها الريح اٟنادئة..قالت فجاة:
-نعم.
116
-اال ٕنل ذلك ؟.
-سيحدث حتماً.
حسن و االّ مل اكن قد تعرفت عليك .حتماً ستطلبٌن اٞندينة اليت ولدت
-ىذا ٌ
هبا..
-اف الشمس توشك اف تغيب ..آف لنا أف نعود فقريتنا بعيدة ..أنين اخشى
الظلمة ..فكيف اذا كانت يف اٜنقوؿ الواسعة ..ىيا يا مراد ..ىيا لنرحل ..قبل
الظبلـ ،قبل العتمة ،فالشمس تسرع لبلختفاء وراء مكحوؿ..
117
ملحية يلفها الرتاب والذرات الصغًنة اٞنلساء .اٞنلجأ ال يتسع االّ يل ..لكنو يف أثناء
القصف يكوف ُنجم القصور وبدفئها اٛنميل ..كاف طولو مرتاف وعرضو أقل من
مرت٩ .نلس أمامي ووجهة باْناىي اٞنخابر طو ..ووراء ظهره جهاز البلسلكي وبيده
جهاز التلفوف الذي بدأنا استخدامو اآلف ولكننا ال نستغين عن اٛنهاز البلسلكي ،
نستخدمو عندما تنقطع االسبلؾ وال يكوف لنا الوقت الكايف إلصبلحها ..
طو مقاتل أٚنر من مدينة بغداد ٪ ،نب شرب الشاي ..قاؿ يل:
-سيدي انك متعب .مل تنم منذ اتينا اىل ىنا .فاسرتح قليبلً ،سأرد على
اٞنكاٞنات غًن اٞنهمة ،وسأوقظك اذا استوجب األمر.
اٞنلجأ الصغًن يغص بأنفاسنا اٜنارة ،البخار الثقيل ّنحاذاة سطح االرض .
أجسادنا تنز عرقاً كأنو السيل ٖ .نة رائحة عفنة لزوايا اجسادنا والتقاء االطراؼ .
من أسناننا اليت مل ٕنر عليها الفرشاة منذ مدة ٔنرج رائحة غريبة .الصمت يقطعو
انفجار القنابل حولنا ..يصعد الدخاف عصراً .ما قبل الغروب يكوف اٞننظر رائعاً
حٌن ال تقع القذائف فوؽ أحد ٪ .نجب الدخاف ضوء الشمس مث ينتهي اىل
األعلى ،أمسك الناظور بيدي وأحدؽ باْناه مدينة الفاو اليت بيد العدو .أرى
معمل االسفلت قد ٓنطمت خزاناتو ووقعت بناياتو ٖ ،نة ساتر حديث يفصلنا عن
118
معمل األسفلت أراه يزداد أرتفاعاً بفعل السراب الذي ٫نرج منو مرتاقصاً كأنو ٟنب
نار فضية ..بٌن ساترنا الواطىء وساتر العدو اٞنرتفع ويف ارض اٜنراـ اجساد االعداء
..أرى قريب قتيبلً ايرانياً لو ٜنية مغربة وَنسمو انتفاخ كبًن ..رائحة تفسخ بدأت
غل يده يف جيبو وقاؿ:
تنبعث منو ..تقدـ منو طو زاحفاً ًّ
ىناؾ صور لزىور وكتابات باالنكليزية ..كل ىذا جعلين أظن انو على قدر كبًن من
الثقافة أو ألقل أنو فناف .أقلب الصفحات ،أقف عند لوحة ال أستطيع اف أفسرىا
لكنها ذات بعد فلسفي .من اللوحة عرفت اهنا تعبًن عن حياة ،عن وجوده ،عن
ما يدور يف نفسو وما يتوقع ..مل تكن اللوحة االّ عبارة عن ٔنطيط بارع لصورتو
الشخصية بلحيتو اليت أمامي تتجلى من عنقو سلسة متصلة بتابوت اماـ صدره ..
ىناؾ يف الزاوية اليسرى من الورقة مرآة على شكل قلب وفيها ٔنطيط لفتاة ٗنيلة
يتدىل شعرىا فوؽ كتفها وعلى صدرىا وىي تذرؼ الدموع ونظرهتا باْناه صورتو
..؟
119
أتأمل اللوحة جيداً .اهنا اٜنياة كلها بآالمها وآماٟنا ..بأحبلمها ودوافعها .
أغلقت الدفرت واعطيتو لطو ليعيده اىل جيب اٛنثة ..ويف نفسي قرار بأين سوؼ لن
أترؾ ىذا الدفرت ببل صاحب ..سأضعو يف جيبو لكي ال يذكرين دائما ّنأساة اٚنها
اٜنرب ..
الساعة يف يدي قالت الرابعة ..الزمن ..ىل ىو متاىة أريد اف أصل أولو .اعرؼ
بدايتو ،اختصر آخره الثقيل ادفعو ٥نو ٘نلو ،فاذا على يدي عقارب داخل قرص
حديدي وغطاء زجاجي تؤشر اىل الرابعة ..رابعة ماذا ؟ ىل يف يدي الرابعة أـ أنا
الرابعة ..أىو الرابعة ؟ اـ ىذه الشمس العجيبة ؟ اـ ذلك اليوـ اٞنرتب الكاحل ..يا
للضياع والتيو .من قسم الزمن ليتخلص من ثقلو ؟ أهبذا التقسيم نلهو ونضحك
على ذقوننا و٥نسب العمر القصًن..
ماذا يعين عمر رجل مات ولو من السنٌن اٞنئة آخر لو ساعة واحدة ؟ ما قدـ األوؿ
وما اخذ الثاين ؟
ماذا ٥نصل ٥نن الذين نتشبث هبذه االياـ اليت ال تتوقف اطبلقاً ؟ .ىل ىي الرغبة
يف التمتع بلذات أياـ ٠نهولة ستأيت ..أـ ىو التفرج على مهزلة الساعات القادمة أـ
يف النفس احساس ٍ
عاؿ ليس لنا القدرة على معرفتو والسيطرة عليو ؟ ٞناذا نعمر
االرض ماداـ ىذا فعلنا ؟ بل ألصدؽ القوؿ ٞناذا ٦نرهبا بعد أف أفسدنا نفوسنا ؟
أيف ىذا اٞنراس ٟنونا ؟ ..أيف ىذا اللعب االىوج حياتنا ؟ ماذا يعين لو أبقى ىنا اىل
آخر االياـ البالية أو اعود اىل شواطىء اٜنناف البعيدة ؟ أيف اختبلؼ االمكنة لذة
للنفس ؟.
121
أيف ٓنطم اٞنشاعر ٕنزؽ للروح الشاردة أبداً ؟ ..ماذا ىنا غًن حصارىا وسط
؟..مرت عقارب الساعة ..ألٚنيها عقارب
اجساد معلقة يف اٟنواء ومدفونو يف اٞنلح ّ
يك فوؽ يدي لتقسمي ساعات عمري عك لي ِلق ِ
الروح .هتتز بسذاجة من صنَ ِ
ُ َ
..ألكوف عبداً لك .اقوؿ ..ماذا أقوؿ ؟ سقط الكبلـ على اٛنثث كالذباب.
أبكي ؟ ما نفع بكاء العاىرات ؟ اموت ؟ ما قيمة اٞنوت اذا صار مشاعاً للجميع
؟..أحلم ؟ ما ىو اٜنلم ؟ ..من أين تأيت صوره ؟ اذاً ألناـ أو ألغيب عن اٞنكاف
اىل اٞنكاف ،ولتسكن روحي يف الوردة الشاردة او النجمة الساقطة ،ألسافر اىل
اقاصي اٞنياه الراكدة ،ولكن ىذا انا وسط التئاـ اٛنوع على اٛنرح ،على اٛنثث
.....
منذ يوـ دخولنا معركة الفاو الطويلة ..ح ى ىذه اللحظة ..ح ى ىذا اليوـ الذي
مثل سابقاتو .مرت أياـ انتهت اىل اجملهوؿ ..اهنا ليست كثًنة لكنها عظيمة بفعلها
ٞ ،نا هبا من احداث سوؼ لن تتكرر أبداً ..اخذت معها كثًناً من الصمت كثًناً
من اٞنقاتلٌن الذي أري .دمهم بصمت وماتوا بصمت ايضاً ،مل نستطع أف نعرؼ
خلجاهتم ،آخر كبلمهم وآخر امانيهم .ماذا جنوا من حياة حسبت عليهم ؟..
االنساف يدفع دمو دوف وعي و٬نوت بوعي كامل ..أياـ مرت الصراع مازاؿ أزلياً
يف النفوس ،مازاؿ الكبلـ للنار ،للرصاص .ىنا ألقينا أيامنا وراء ظهورنا ُنذر
وترقب ٢نافة أف تأخذنا معها .سريعاً ما يتكيف اٞنرء للظروؼ ويُسخر ما حولو
121
ٝندمتو ألجل بقائو ليجعلو يواكب احتياجاتو ..فبسرعة تعم .اٝنندؽ وأصبح
أكثر أمناً ،لقد صار عمقو أكثر من مرت ،مث احيط باألكياس اٞنليئة بالرمل ليزيد
اٜنماية ويصلح للسًن ،ليقينا من الرصاص اٞنعادي ..اٞنبلجىء اٞنهدمة أعدنا
بناءىا واجرينا ٓنسينات عليها ُنيث تقينا بعض القنابل اٞنتساقطة وليست كلها ،
مل يعد اٞناء مشكلة ومل نعد نعاين من شحتو .فقد مؤلنا كثًناً من قناين اٞناء
وخاصة يف الليل حيث قمنا بأرساؿ اٛننود ٛنلبو ..لقد صار الش .مسلوكاً ..كل
ىذه االعماؿ ٕنت يف الليل عندما يقل القصف ويتعب العدو .ىذا ال يعين أف
االمور صارت طبيعية وبسيطة ،بالعكس اهنا حالة حرب .لكنها أفضل مئة مرة
من قبل.
خرجت يف وقت الظهًنة ماشياً يف اٝنندؽ .أتطلع اىل اماكن االسلحة وأعدادىا .
يف وسط السرية ترتكز ثبلثة ىاونات عيار ستٌن ملم .أمس أمرين آمر اللواء أف
أوجو ضربة للعدو باٟناونات بوصفي أقود السرية اٞنتقدمة ،لًنى رد فعل العدو..
أطلقت اٟناونات ستة قنابر مهداد ضد العدو مل يرد ..جنودنا ىؤالء اتعبتهم اٜنرب
وتعبت القنابر ،لكنهم يزدادوف اصراراً يف الدفاع عن أرضهم.
دخلت موضعاً قتاليا قريباً ..أستقبلين مناحي .ذلك البدوي الوحيد يف السرية .
قفز اىل ٢نيليت سن الذئب ٓ ..نسستو بيدي ..الزاؿ يف جيب قميصي كل ىذه
اٞندة ،قلت مع نفسي اىو الذي حفظين كل ىذا الوقت أـ تراىا اٞنصادفة اليت
جعلت الصاروخ الذي وقع مسافة مرت عين ال ينفجر ..لعلها األرض الطينية ،مث
122
تلك القذيفة اليت وقفت فوؽ ملجأي ومل تنفذ ٥نوي .ال أعلم ذلك لكين اعتقد
اف يل أياماً يتحتم علي اف اعيشها ولو كنت يف فوىة مدفع ..
-اىبل سيدي.
-كيف حالك؟.
ضحك مث نظر باْناه العدو وٓنجر كأنو صنم ،غسلتو بنظرايت ..رأيت يده
مضمدة بلفاؼ طيب وملطخة بدـ جاؼ..
-ماىذا ؟
-جرح بسيط.
123
-اٛنرح بسيط ال يستوجب ذلك ..انو يتماثل للشفاء.
حينها وقفت .قلت يف نفسي انو بدوي ،يعرؼ اٜنقائ .اليت ٩نهلها العامل ،أو
يتجاىلها ..فعبلً اهنا اعظم االماين ..اتركو باْناه مفرزة (اليب كي سي) ثبلثة جنود
٪نيطوف هبذا السبلح الذي قتل الكثًن من أفراد العدو ،كاف بينهم (جويد مهاوي)،
رجل ضخم اٛنثة حٌن يضغط على الزناد ال ٬نكن زحزحتو ،يظهر كانو صخرة ..
انو من اىايل النجف .يطل .جويد عناف سبلحو بعد أف اعطيو الضوء االخضر
باْناه اىداؼ معادية ىو يعرفها .بعض اٞنقاتلٌن اٛنيدين قد جرحوا والبعض اآلخر
استشهد وٟنذا شعرت ببعض النقص وقلة الكثافة النارية اليت أسلطها على العدو..
خبلصة ..اهنا مل تكن بتأثًن االياـ االوىل..
سريعاً ما يرد العدو على ضرباتنا لو و٬نطرنا بوابل من رصاصو .مع نفسي أحصيت
عشرة شهداء وسبعة عشر جر٪ناً ..أغلب الشهداء كانوا نتيجة القنص .مل يفارقين
منظر سقوط ثامر شهيداً ..كاف جالساً َنانيب يتحدث يل عن تعل .امو بو ألنو
الوحيد ٟنا ولو سبع أخوات ،قاؿ اهنا يف كل اجازة ٕنؤل جيوب مبلبسي باألدعية
وقطع خضراء تأيت هبا عند زيارهتا ٞنراقد األئمة .قاؿ :كنت أضحك يف نفسي من
تصرفها ىذا ولكين اعطيها اٜن ، .انو ٠نرد عامل نفسي يساعد على اطمئناهنا.
124
وىو َنانيب جاءتو رصاصة قناص اخرتقت رأسو من ٓنت أذنو اليسرى وخرجت من
وجهو ،مل ينط .بكلمة ..غًن اين شاىدت لسانو يتدىل مث سقط على وجهو..
رفعتو واذا بلسانو قطعة من طٌن طري ..ثامر نايف سقط ىكذا ورحل دوف أف
يكمل حديثو معي ..أمشي يف الش .أتطلع للمبلجىء اليت اتسعت وصارت شبو
فارغة ..امامي مواضع الرشاشات والبنادؽ لكنها مصوبة باْناه العدو ..استخدمنا
بعض االشياء لغشها وعدـ كشفها من قبل العدو .لكن طوؿ مدة بقائنا وكثرة رمينا
جعلت العدو يعرؼ بأمكنة أسلحتنا..
امشي يف الش .وعيناي يف وجوه اٛننود ..ارىاؽ ..تعب ..احرتاؽ األعصاب ،
تناقص يف عددىم ،انتظار النهاية ىذه ىي حاؿ من ٓنرقو اٜنرب بتيارىا..
-ىبل سيدي.
-م ى تتزوج؟.
-وىل ستنتهي؟.
125
-لن نتمكن من العزؼ عليها ىنا .اف انغاـ الرصاص تعلو ..وتعلو.
-حٌن هتدا األمور ..ويتحسن وضع اٛنبهة اجلبها اىل ىنا ،اهنا تزيل احزاننا ،
نريد اف ننقي قلوبنا ،نزيل تراكم اٜنزف والدمع يف اٞنآقي.
-يف اٞنشجب ؟
-نعم.
يرمينا العدو بأسلحتو اٞنختلفة ..بالرصاص اٝنفيف ..نرد عليو ..أرى ىامشاً يطل.
عناف سبلحو ٥نوه مسنداً ظهره للش ..عاصفة من نار صار اٞنكاف ..الرتاش..
صوت يعلو يذكر االحياء باألموات ،يوصل بينهم ..أأمر اٛننود بزيادة الرمي على
العدو ح ى ال يتمكن من رفع رأسو ويستمر قصفو لنا ..يصبح القتاؿ ضارياً ،
يتقاطع الرصاص بٌن اٛنانبٌن ..تتشق .االكياس الرملية من كثرة ما أصيبت ..ينخر
الرمل فيها وتكوف أٚناالً ..ىي ٜنظة التفاعل ونسياف النفس .يسقط ىاشم يف
الش ...أركض ٥نوه ..يتبعين ا٘ند الصويلح ..أرفعو من االرض ،الدماء نبع حار
ٔنرج منو ،تصبغ مبلبسو ،احاوؿ أف أوقف نزؼ الدماء اٜناد دوف جدوى..
يصفر وجهو ،يشحب ،يشه .خشخشة ويسلم الروح ..دوف اي كبلـ غًن
126
نظرات كاف يصوهبا باْناه السماء اليت أغربت من الرماد ..يفز ا٘ند الصويلح وبيده
البندقية فوؽ الساتر ،بدأ يطل .بعنف ....بعنف وسرعة أناديو:
-ا٘ند ..أ٘ند ..انزؿ انك مكشوؼ ح ى قدمك ..ال ينتبو يل ،يقذؼ اٞنخزف
الفارغ بعيداً ويركب اٞنآلف كأنو انساف آيل وىو فوؽ الساتر متصلباً مطلقاً النار
بكثافة باْناه العدو وعليو مبلمح الغضب الكبًن ..أصيح عليو:
ال يأبو لكبلمي ،لندائي ،او ال يسمعين من شدة الرمي ،انو يطل .الرصاص وىو
يف العراء ببل سرت قاطعاً خط االف...
ينتزع اٞنخازف من احزمتو ويركبها يف بندقيتو اليت تلتهم العتاد ..وتطل .الرصاص
باْناه العدو ..باْناه اٞنوضع اٞنعادي الذي جاءت منو طلقة القناص اليت قتلت
ىاشم ..أفقد اعصايب .اركض ٥نوه النزلو عن الساتر ،تسقط قذيفة معادية بٌن
اقدامو .ويغمره الرتاب والبارود والدـ .أقلبو ..دـ ينزؼ من بٌن فخذيو ومن اماكن
اخرى ..قاؿ يل وىو ينظر يف دمو النازؼ:
يرتاكض اٛننود ٥نوه ..وبيدىم النقالة٪ ..ناولوف اخبلءه ..يرفض .يريد البقاء .أجربه
على االخبلء ..فبل زاؿ جرحو حاراً ال يؤٞنو ..بسرعة شعرت انو بدأ يعاين من
127
اآلالـ والدوار ..يضعو اٛننود يف النقالة وينطلقوف بو ٥نو اٞنفرزة الطبية يف مقر
الفوج ..اما ىاشم فبل زاؿ راقداً يف أحد اٞنبلجىء ينتظر الليل الخبلئو طاٞنا انو قد
فارؽ اٜنياه..
اٞنوت عادي ىنا ،مثل الطعاـ ،مثل الكبلـ ،مثل توايل األياـ .طاٞنا اهنمر
الرصاص ،اٞنوت ٩نري دوف توقف ..ىذا الفعل يكوف االخًن ..هناية اٞنطاؼ ،
القتاؿ وحتمية البد منها ..انو النهاية اٞنشرتكة لكل شيء ح ى االحاسيس ٕنوت او
تتبلشى ببطء ..اٜنرب اعصار من نار وحديد ٩نتاح االرض لكنو يبدأ من عقوؿ
القادة ..وينتهي يف اجساد اٛننود .يف قلوب االمهات ويف دموع االرامل..
أسحب اٝنطى اٟنزيلة باْناه ملجأي ،أجر الكلمات :الوداع اٞنؤمل ..أرٕني يف
حضن التمين ،اآلالـ صفة فينا ..وجذر من جذورنا اليت ال تنقطع ..رائحة الدـ
تدخل رأسي ..والبارود اعصار اٝنوؼ يرتسخ يف الرأس اٞنؤمل.
من باب النار اىل باب اٛنحيم يأخذنا ىذا العامل ويرحل بنا دوف سؤاؿ منا او
٣نانعة .رائحة اٞنوتى من قريب وبعيد ،يف السماء ٟنيب عاؿ وصمت مطب، .
انظر يف ما ترى العٌن من فضاء قحل من ارض جرباء ..ال شيء يتحرؾ ..شيء
يثًن يف النفس االرتياح ،كل ما حويل بضعة جنود ..واجساد تذوب يف االرض .
او موت الشفقة ..ىذه بقعة من ٍ
أرض على كوكب مهجور..
احث اٝنطى اٞنعوجة بفعل تعرج الش .ألصل ملجأي ،الوحدة تيار العامل اٛنارؼ
الذي سكنين وألقاين ىنا ..وجعلين كل ٜنظة أرى اٞنوت ..ارى هناية االصحاب
واودعهم بيدي..
128
ٓنط الطيور على آثار الذاكرة ،على سلم االرتقاء ٥نو نعشها ..تعود حالة الرحيل
ببل قيد اىل ٢نيليت ..أرسم هناية وردية للحرب ،اعود اىل قرى منسية يف حقوؿ
بعيدة ،الهنا ٍر ذات ماء زالؿ ومنظرىا يأخذ شكل األماين ،شكل اٜنناف ..ىذه
أشواقي احملاصرة مثلي ،ىذه صور فارقتين من دوف وعي وعادت وسط احملرقة..
ألكن صنم اٞنقابر اٞنندرسة ..حارسها الوحيد ودرب اٟنضاب اٞنتعرج ..ىنا ٩نب
اف ابكي ،لكن الدمع ٬نانع ٩ ،نب اف اتوارى .اف ال اكوف ،اف اسًن عكس
النهاية..
ادخل ملجأي ،بييت ،مكاف اٛنسد اٞنرتامي ،اٜنجرة الوحيدة اليت ٓنويين دوف كلل
،دوف كبلـ ،ألقي باألحداث خلف ظهري ..اغل .وراءىا باب الزمن ،باب
اٞنسًن بالتوقف .يتسع اٞنلجأ الكتظاظ االنفاس واالقداـ .لقناين اٞناء الثمٌن الذي
كاف يساوي عسبلً اياـ اٞنعركة االوىل ..الذباب يطًن و٪نط يف اٛنحور الصغًنة..
ىناؾ دفرت صغًن قريب أسجل بو أٚناء الشهداء واٛنرحى يف السرية ..وأية
مستجدات وتعليمات ،بيدي قلم عتي .رخيص الثمن ىزيل اٝنط ..أفرتش أكياساً
توجد مشعة ىي مصدر النور ليبلً اىل حٌن ..اقرتب مين ىاجس النوـ والنعاس واٞنلل
الذي فاؽ التحمل ..اٝندر بٌن اشياء تافهة لكنها ضرورية ىنا ليس لك اف ترتفع
فوؽ السقف فالقنص مستمر ببل هناية لتجلس الساعات ،االياـ لكي تبقى.
الوقت ظهراً ..اذاً ٥نن مازلنا نعرؼ الوقت واٛنوع يتغلغل يف احشائنا ،اقرتب
موعد الغداء ..أو فات ،ىذا متوقف على ٠نيئو من عند اٞنساعد الذي ال يتواىن
عن ارسالو بسرعة لكن القصف يؤخر اٛنندي الذي ٪نملو ساعات ..احياناً ال
129
يصل اال عندما تغيب الشمس ..اٝنطوات الثقيلة اٞنتسارعة اليت يولدىا اٞنقاتل
يل تفتح الشهية ،رغم انو رز وٜنم مستورد ليس
ناصر ىارؼ وىو ٪نمل طعامي ا ّ
بو أي لذة ..يقرتب من باب اٞنلجأ والعرؽ يتفصد من جبينو ..يسبقو ظلو حٌن
٪نبو على الباب ليدخل ..يصيح قائبلً:
-خذىا..
أخذت الصندوؽ الكارتوين اٞنبقع بالسمن .قرأت من خبلؿ بقع السمن ،ىدية
ماذا ؟ آناد آناد نساء نينوى ..مع ٕننياتنا بالنصر التوقيع :رئيسة االٓناد ..
نساء نينوى ؟ ا٬ناف ..ما ىذا؟ ىذه آخر الوسائل اليت تذكرين بك .آخر
الذكريات اىل ىوى القلب ..ىناؾ آخر االراضي اليت ٓنويين دوف خوؼ ،ببلد
متسعة للعشاؽ ..أزىارىا ّندى النظر هتتز طرباً على انغاـ النسيم ..االشواؽ..
انفجارات الروح وطموحها اىل العبث ..اٜنناف ١نطة يقف عندىا القمر اٞننهك..
131
قومي نطارد طًن اٞنساء الوحيد كما كنا ،قومي نشاكس موج الغدراف الصغًنة
احملاطة بالعش ..ونفرتش القمح االخضر ،قومي لنختفي خلف سراب القلب
ودخاف االنفاس ..لنرحل اىل الثلج ،اىل ىدوء االماكن ..ىذي براري قليب تقفز
٥نوؾ ،تستبشر بالقادـ ،باٞنطر اٟنادىء الذي يأيت باٝنضرة ..ىذا عاٞني رغم واقع
اٞنأساة لن أنساه ..ىذا طري .النجاة رغم نار اٝنداع ..أال يكفي ىذا التباعد ..ىذا
التشرد ..ىذا االنتظار الذي يذيب قليب بٌن اٛنحور ..سأسلم النهاية للغد الذي ال
يرحم واخفي أحبلمي يف الذاكرة اليت ىي ما تبقى من رحيل شعاع أضيء فضاءات
علي أف احضر كفين كي أرى مويت ،كي أرى ٠ندي ،كي أرى
العامل الداكنة ّ ..
منبع الدود من جسدي.
وانت اهنمار اٞنطر على مقربة منسية ،بقايا غابة من ثلج ،أنت عش .اٞنستحيل
وتيار البحار حٌن يدخل العم ...يدخل القلب ..عودي اىل ما ٩نعل األياـ عادية
٣نلة ،كوين كالنساء متقلبة ،فانت يف زمن التناقض ..أنت دفرت الزمن اٞنمزؽ
ومفكرة االياـ الباقية ..كوين سهبلً ببل أشواؾ ببل ملح أو شوؾ وحشي مل ٕنسسو
يد أحد ،كل ىذا عائد لك ،لقرار اليأس ،لقرار االنتحار الذي تتخذه ٜنظة
السقوط الكبًن ،حٌن نستيقظ من حلم الشباب ،من اماين الطفولة..
ىذا ظلي ببل قلب ..وىذا كياين ببل شعور ،اليك أرحل ،اليك ارجع ،وانت قمر
تداعبو االطياؼ ،وىوى الربيع اىل اٜنقوؿ ..ىذي جراحي ،دناف الدـ اليت
131
انفجرت ..وىذا قليب اٞنكتئب أبداً ..أرسم يف ِ
مداؾ انطبلقي ..اىل معشوقيت وىنا
ألقي األياـ بأسى ..سأبكي لعلي أغسل حزين ،وألقيو على اٞنلح ..كوين البداية..
البداية ..كوين كقليب الذي يتبعك كما ىو عباد الشمس حٌن يبلح .أشعتها..
آه ٟنذا الفراؽٟ ..نذا البعد الذي ال ينتهيٟ ..نذا اٜنزف الذي يش .اٛنوى ،اىل
عينيك اصوب نظرات الضياع ..وأُنر اىل حنانك البلمتناىي ..يا ٟنذه الشاردة يف
تأملي ،يا أنا الضائع يف وصفها ..م ى نلتقي ..م ى نتحد ..وعلى اي االراضي
سيكوف ا٥ندار الدموع احملصورة وانا ىنا يف كنف اٞنلح والدـ ..أسوؽ االفكار
واألمل الذي ال يغيب أبداً ..ال أعود اىل الصواب ..اىل اٛننوف ..سأحصر التأمل
يف الشفاه الوردية والعيوف الزرؽ ..وأجرت كلمات انسابت اىل اقصى زوايا القلب..
ماذا أحب ،وكيف اجتاحين اعصار اٜنياة الوحيد ،وىنا بالتحديد يف غابات
اٝنراب اٞنخيفة.
يا سيدة البداية اٜنقة ..يا حب االهنار االبدي للنهايةِ ..
أنك ال تفارقيين أبداً..
اليك ،ألسع فوؽ ىذا احقاً أنا ذلك العاش ، .ذلك احملاصر هبذا اٝنوؼ ..ألخرج ِ
السراب وليكن اٞنأمت فرحاً طاغياً واٜنصار انطبلؽ اٜنرية الكربى ..أرسم الكلمات
اليت أوقفتين ردحاً من الزمن الجرتىا ىنا ..ألبكي يف صمت النفوس اٞنكبلة بالواقع
والنار..
تقولٌن احبك ببل ندـ ..ببل توقف ..واىل آخر االياـ وأنا اقوؿ ٞناذا ىذا اٜنب ،
وأنا سدي الفشل واٝنوؼ واٞنأساة؟ .وأنا ١ناصر بٌن الذاكرة اٞنهووسة واٞنوت
القريب ..وأنا ُنر اٝنراب اٞنر ،وحزف الثكاىل ..وانا اجمليء اٞنبكر والقدوـ الذي
132
٩نب أف ال يأيت اآلف وال ىنا ..تقولٌن ال أفسر حيب لك ،وال افهمو ..انو يدفعين
٥نوؾ كاٞنوجو اىل شاطىء الصخر ،كالنهر اىل البحر ..وانا اقوؿ ٞناذا أجرفك معي
ىكذا ..انين سيل ٢نيف ال يتواىن عن جرؼ االشجار اليت ىي ِ
أنت ،انين اجرفك
معي ىكذا دوف وعي فيك ..اىل ُنر مظلم ٥ ،نو ضياع دائم ..احاوؿ أف أبعد
االفكار عنك ..فتكونٌن فكراً معقداً ..من مشس قليب اليت غربت وىي هتلل الدمع
االخًن ..ومن عبث األياـ السكرى ىذا البقاء على األثر ..خذيين اىل النهايات
الفارغة اٞنليئة اىل البدايات العاصفة ،اىل بقايا القلوب احملشوة باإلحباط؟ ،ىذا
فصل حري .اٜنب ..ىذا أواف انتشار اٞنشاعر الزائفة وشيوعها والتهامنا ٟنا
واستسبلمنا ٟنا دوف سؤاؿ من أين تأيت منقذيت اآلف يف ىذا التناقض الوحشي؟..
ا٬ناف حروؼ البداية واٝنل ...ساعات الزمن اٞنزىر ..عاـ الفرح الفريد ،بداية ؟،
اشراؽ الشمس وهناية الليل ،انطفاء اٞنشاعر يف جوى القلب ..ا٬ناف سبلـ
العصافًن يف الفجر الضبايب االبيضٓ .نطم وردة السهل الوحيدة يف يدي .ىوى
الكربياء الوحيد .صفاء الذىن اٛنامح ..ا٬ناف نسيم اٜنياة اٞننعشة ،مرسى التبلؿ
اليت تعدو يف الغروب ببل خوؼ ،ببل تعب ،صحراء الثلج الناصع وخضرة الغابات
الغامقة ،زرقة البحر الكبًن ..ا٥نناء السنابل اٞنمتلئة ،حناف الربتقاؿ اىل يد
العشاؽ ..ا٬ناف حلمي الذي أمسكو يف اليد اىل االبد ..وافكار ىي عمري ،ىي
اٞنسافة بٌن احمليط والصحراء ..بٌن الوردة والفراشة .بٌن اٞننجل والقمح اٞنوصلي
االصفر ..ىي فرح الصغار صباح العيد واهنمار اٞنطر اٛنليل يف سهولنا اٞنرتامية..
ا٬ناف دمع لؤلؤي اهنمر يف ظلمة الليل فأضاء ليل النساء الفاتنات ..ىي معبوديت
اليت أعبدىا ببل خوؼ ..ببل شك ..ببل اضطراب ،حبيبيت رغم ىذا البعد ،ىذا
133
الذي حدث ،ال زاؿ يف يدي مفتاح البقاء يف العلى و٠ناذيف الرحيل اىل النجاة ،
وعند عدوي رصاصات الفناء..
اآلف ...اآلف يغزوين كل أسى العشاؽ ..اآلف ..اآلف أخزف االفكار اٜنارقة يف
اٛنبٌن وأنتهي هناية النهار واٞنطر ..صوري ْنتاز حصاري ..وآمايل تبتسم سخرية
من جسدي الذي يضايقو ملجأ اٞنلح الرطب ..جسد ثقيل احتوتو االرض حياً
رغم النقص ،موجود رغم العدـ .ما زلت أُنث عن اصويل يف اٛنذور الساقطة،
مازت آمل يف الفروع الواعدة ..واخرج حٌن أصعد ٥نو تيهي ألرى بقايا الشاىدة..
والثلوج الباردة..
زحاـ النار ٩نلجل يف االراضي اٟنامدة ..فوؽ االرض السبخة سقطت حلويات
نينوى ..ىنا اكلت ،ىنا اعطت اللذة والقوة ،أقلب صندوؽ اٜنلويات ،بقع
السمن والزيت تُغرؽ كلمات االىداء الذي جادت بو أيادي آناد نينوى..
اٞنوصليات ١نافظات يعشقن الرجل اٛناد٢ ..نلصات للمحب ..ىكذا عرفت..
ىكذا ىي ا٬ناف ..كما ىي أرض نينوى اليت تنتج اٞنبليٌن من اطناف القمح ..يغزوين
الذباب٪ ..نط فوؽ الصندوؽ ..الذي جاء باٞنن والسلوى ،جاء يغسل الروح
بالذكريات اليت اعادت ٜنظة اٝنصب.
يف اٜنصار هترب اىل االطياؼ .كما الغرقى لوسائل النجاة ،ىذه أشواؽ مستحيلة
ورغبات تأيت من العم ...أو كلما نرتدي اٜنب تُعرينا اٜنقائ .واٞنصائب ،أو كلما
نضحك ملء أشداقنا تسوقنا الدموع ٥نو االحباط العايل ،ىذه أطرايف اٟنزيلة..
يف غضباً ..وانا أرقم االياـ يف جدار
وىذه مداعبات اٟنواء ٟنا ،وىذا حصاين ٩نثم ّ
134
اٞنلح ،اٚنيها اياماً وىي عجلة تدور حوؿ نفسها برتابة ،من يسلب لب عواطفي
انت ؟ .من يأتيين باٛندوى غًن طيفك ؟ .وىل ألقي بكياين خلف أحاسيس غًن ِ
اٜنب؟ .ال انين ال أملك نفسي ح ى باب ملجأي ،ح ى آخر اٜنقوؿ اٞننسية..
نكرب ،نكرب كاٞنآسي ..نرحل ..نرحل كاألهنار٥ ..ناصر ٥ ،ناصر كالدموع يف
القلوب اٛنافة ..تتبلشى كآخر السحاب يف صيف ملتهب اٜنر تسقط يف انتظار
النهاية كالقبور يا ٝنساريت الكربى ..يا روحي انفجري فوؽ اٛنثث .او عودي اىل
دؼء االمكنة البعيدة ..سبلمي نار واحتبليل أثر .جفوين خشب ،عيوين حجر..
أتصلب كالزماف العايت ،وأرٕني يف حضن السأـ.
ما زلت ارحل يف سنة اٜنب اليت ستطرد سنة اٞنوت أو تأيت على أثرىا ،اضيع يف
متاىات اٜنياة ..يف عبث فارغ وأترؾ األحداث ْنري كما تشاء ..أىرب منها
اليها ،اتوارى بدخاهنا ،من جاء باألطياؼ ىذه ؟ من اطل .الذاكرة احملاصرة ىكذا
ببل توقف ؟ .من سلم زماـ اٜنب للتأمل اٜنزين ؟ِ .
أنت يا قمر تكامل فوؽ الثلج
،يا وردة اىتزت يف الفجر مداعبة الفراشة الوحيدة ِ ،
انت يا فرس الروح اٛنا١نة ،
وسبلـ اٞنتعبٌن وصمت الغابات يف الظلمة ،عطاء الشمس ببل مقابل ،جنة اٜنلم
،واحبلـ الربيع ،ىنا اٞنلح ..ىنا الشظايا ،اٞنوت ،اٜنصار ..أنا الذكريات ،
دموع متحجرة ،اجساد ببل كفن ،طوؽ يف االعناؽ ،سجن اٜنياة الدائم ،
اجرتار االياـ الثقيلة .ىنا نزؼ أبدي.
لغة النار ،فضاءات اٞنوت الواطئة ،التبلشي ،الذوباف يف االرض ،الرتسبات ،
هنايات الفصوؿ ،ملح اٛننوب ،أرضو ،شطو ،غرينو ...بائعات اٟنوى..
135
اٞنتفرجوف ،الكبلب اليت تنبح من وراء ظهورنا .ال ليس ىذا ..أننا آخر االحياء،
آخر االمم الشريفة ،أسياد فوؽ اٞنوت...
***************
يرف جرس التلفوف ..يف القلب ..يف الروح ..يف الرأس عفوياً ال ارادياً ،تلتقط
اٜناكية يد اٞنخابر طو.
-نعم ...تفضل
........................ -
يدير وجهو ٥نوي بعد اف وضع اٜناكية مكاهنا...قاؿ ستقصف طائرتنا اٞنواضع اليت
أمامنا ..ىذا ما قالوه يف التلفوف ..اٞنوضع الذي امامنا مزروع باٞنقاومات االرضية..
136
بالرباعيات اليت تستخدـ ضد الطائرات واٞنشاة ..ما أكثر تأوه العدو من ضربات
طائراتنا ..لقد أصابتو يف الصميم ..كم من ىجوـ ٍ
معاد فشل قبل أف يبدأ ؟ .كاف
يعد لو العدة بفضل الطائرات ...ويف اثناء اٞنعارؾ كاف للطائرات دوراً كبًناً يف
حسم اٞنعارؾ .فجأة تنقض ثبلث طائرات ٥نو اىدافها كالكواسر ..سيل من
القذائف يدؾ االرض ناراً تتقد يف اٞنواضع ،دخاف يتعاىل من الرتاب ..ترد
اٞنقاومات االرضية اٞنعادية ..ترتفع الطائرات يف عناف السماء ؤنتفي عن االنظار..
ٜنظة وتعاود الكرة بشكل سريع .االنفجارات تتواىل يف اكداس العتاد ومعدات
العدو ..تعود الطائرات أدراجها ..أحدؽ فيها وىي تغادر ساحة اٞنعركة باْناه
الغرب ٥نو قواعدىا اليت أنطلقت منها ( ..سيخوي ٕٕ) جاءت لتدؾ العدو،
الطائرة اليت لعبت دوراً كبًناً يف تدمًن اٞنوجات البشرية ،سيخوي أخذت أسم
اٞنخرتع الروسي الذي صنعها ..لقد مات يف منتصف السبعينيات .أنا اجثم يف
حجر اٞنلح .احدؽ يف بقايا السحاب الذي تركتو ..أرحل ٥نو تيهي ٥ ،نو آماؿ
الطفولة والعنفواف اىل تلك الطائرة اليت احرتقت يف صيف ٕنوز وانت فيها ..كاظم
لقد صرت جزءاً من دخاف تبلشى يف أف .اٜنر ..يف ٚناء ملتهبة ..أي قرار
سأقرر؟ .أي قوؿ سأقوؿ يف ىذا اٞنكاف اٞنروع يا صديقي .يارحلة االياـ اٛنميلة .
ِملَ ىذا الرحيل اٞنبكر؟ .مل ىذا االخيتار؟ .مل ىذا اٞنوت بٌن السماء واالرض؟.
وسقطت أُنث عن دموعي ،عن نصفي ُ فوؽ غيم أبيض سقطت بقاياؾ الصغًنة
الذي اختفى .ىيا يف ىذا السراب ِ ،ملَ تأتيين دائماً كلما جاءتنا الطائرات ؟ .كلما
يتقطع ازيزىا يف رأسي ،انك تسبقها اىل ذاكريت ..سأعرتؼ ...وسأعرتؼ
علي أف
االعرتاؼ االخًن يا صديقي ..من قاؿ اين سأبقى بعد ىذا اٛنحيم ؟َّ .
137
أعي اٜنقيقة اآلف ..أف اقوؿ كل االسرار .أعطي لزوجتك ما أرادت .لقد كانت
١نقة حٌن طلبت مين أسرارؾ ،أفكارؾ ،مغامراتك ،قيمك ،تطلعاتك ،أٚناء
عشيقاتك ،كل ما يتعل .بك بعد اٝنروج من ىذه النار ،بل يف أقرب اجازة ..اين
اخاؼ اف تذىب ادراج النسياف ..علينا أف نزرع يف صغارنا شيئاً منا .علينا أف هنب
أبناءنا ذكرياتنا اٛنميلة ،طموحاتنا ،احباطاتنا ،مغامراتنا ،وٟنذا سأودع كنز
ىم اآلباء وأحبلمهم اليت تناثرت يف
عمرؾ القصًن البنتك الصغًنة (دنيا) سا٘نلها ّ
العلى ،ألهنا تشبهك ٕناماً وخاصة حٌن تضحك ملء شدقيها ...ماذا سأخسر اذا
عرفت زوجتك اٞنسكينة كل شيء عنك؟ .اهنا ٩نب أف تعرؼ ،اعتقد اف ىذه
كنت مرتدداً قبل ىذا الوقت ،قبل أف ارى
ارادتك ورغبتك لو كنت حياً ..لكين ُ
كنت
كنت أريد اف أفاجىء هبا دنيا الصغًنة عندما تكرب ُ ،
سيل اٞنوت حوؿ يُ ،
إنىن أف ابوح ٟنا بأسرار تكشف ٟنا اف والدىا رجل لو أحبلـ الدنيا ولو طموح
بقدر ما باٜنياة من احباط..
اعرتؼ يف وسط غابة اٛنحيم انين جرحت كربياء زوجتك عندما رفضت اف أعطيها
علي واقع الصداقة
كل اوراقك ،كل ٢نلفات حياتك ..لكين تصرفت وف .ما ٬نليو َّ
اليت ٗنعتنا واألسرار اليت بيننا واٞنواثي .اليت اذا أبيحت ستغًن الكثًن وستخرج الكثًن
من ٓنت االرض ويسقط الكثًن اىل العم ...ال أدري م ى كاف لقاءنا االوؿ ،م ى
كانت صداقتنا ؟ .كل ما اتذكره اِنا ولدنا أصدقاء تسكننا روح واحدة ..لكنك
أسرعت بالرحيل و اخرتت طريقة النهاية .أو رّنا النهاية أرادتك ىكذا يف ذلك
اٞنكاف ..سأقص عليها كل اٞنغامرت اليت قمنا هبا ،كل اٞنخاطر اليت صادفتنا أو
اقتحمناىا ...اهنا تستح .ذلك ألهنا زوجتك اليت احتضنتك يوـ طاردوؾ ،يوـ
138
نبذوؾ ،يوـ صرت على لساف الوشاة كاللعاب ،حٌن طردؾ ابوؾ غاضباً متجهماً
يف وجهك يرفض مصافحتك ٞناذا ؟ .لسبب يعتربه يف قناعتو عيباً ..يا ٟنذا العناد
األىوج ..ىذا الظلم الذي أصابكما ،سأعطيها ما تريد ،وما ترغب ألهنا كانت
لك مأوى وأماناً يف الليايل اليت كنت فيها بأمس اٜناجة للمأوى ،للحب.
سأحدثها اىل آخر العمر عن كل شيء ..عن أي شيء ألهنا تستح .ذلك أقسم..
أقسم سأعطيها كل ما تريد ..يا صديقي ..حٌن اعود من ىذا اٞنكاف ألهنا اح.
بأسرارؾ مين وٟنذا سأتصرؼ وف .ذلك..
-سيدي...سيدي.
-كما تريد
طو كثًن النوـ ال يأبو بالقصف ،ح ى وسط النار ٬نكن اف يناـ .لو ىدوء عجيب
واطمئناف ٍ
عاؿ ..حٌن يأخذه النعاس يناـ مهما كانت الظروؼ وكاف اٞنوقف ،لكنو
يستيقظ سريعاً عندما يرف جرس التلفوف ويتحدث كانو مل ينم اطبلقاً ،شديد الولع
باٝنمر والنساء ٪ ،نبها َننوف ،ال يتواىن عن اٜنديث عن ١ناسنهن مهما كاف
الوقت ومهما كانت اٞنواقف ..حكمتو اليت يرددىا دائماً :
139
( أسقين اٝنمر و متعين مساءً واذُنين غداً)
قاؿ اف ىذا يف دمي ،مث ىذه اٜنياة بنظري فقط ..أرسلتو اىل البصرة ..وحٌن جاء
يف اليوـ الثاين كانت البسمة على شفتيو وفوؽ شاربو الكثيف الشعر ..قاؿ يل انو
ضاجع امرأة قبل اف يشرب اٝنمر يف الفندؽ ح ى ىربت مذعورة يف منتصف
الليل ..يا ٟنا من امرأة ..مل تستطع البقاء معي ح ى الصباح.
اٜنر ٩نعلين إنلمل وأضجر فالساعة قاربت الثالثة عصراً ..بضع قنابل سقطت قرب
مواضعنا ..أو فوقها ،فالعدو ال يوقف قصفو لنا بعد أف أستمكننا جيداً ،لقد
صمدنا كثًناً يف وجهو و اوقعنا خسائر كبًنة وٟنذا فهو ال يتواىن عن قصفنا
باستمرار.
ثبلثوف يوماً ىنا ..وسط اللهيب ،وسط اٞنوت العادي ،الغريب .ثبلثوف يوماً
وسريتنا تقف بوجو العدو صامدة رغم ما أصابنا من خسائر ..ثبلثوف يوماً من
اٞنوت البطيء ..من النار اليت ال هتدأ .من اٜنرب الضارية الشرسة ..ثبلثوف يوماً
من السهر ،العطش ،اٛنوع ،اٝنوؼ ،القل ، .السأـ...
أتطلع يف أشيائي اليت معي يف اٞنلجأ ..لكنها ٝندمو اٜنرب ،إلدامة زٙنها .حشد
ىائل من االشياء .كيف احتواىا ملجاي؟ .أمسك بيدي دفرت اٞنبلحظات ..أقرأ
141
أٚناء الشهداء ،اٛنرحى ..أتوقف عند أ٘ند الصويلح ..انو اآلف يرقد يف مستشفى
البصرة العسكري ..قررت أف أزوره يف اجازيت يف أقرب فرصة ..ا٘ند الصويلح ،
ىذا الرجل الذي علمين الكثًن ..لقد كاف يغين وسط النار ،،كاف يقاتل يف
العراء ..مثل ما غىن يف العراء ..ىكذا تكوف أيامنا دائماً ويبدأ عمرنا من اٝنريف
وينتهي بو وليس غًن ذلك ٥ ..نصد التعب فقط رغم ركضنا وراء الثمر ..نسقي
زىورنا ّناء الروح فيقطفها الغًن بعنف ..شوؽ ،شوؽ للمجهوؿ .خوؼ ،خوؼ
منو ،ىروب اليو .ىكذا دائماً ٥نن نسأـ من ذراع الواقع اٞنلتهب اىل اٜنري .الشامل
..دعونا نتنفس ببل خوؼ ،دعونا نعيش قناعاتنا ،مبادئنا ،نرسم األماين فوؽ
منصات اٝنطابة وعلى سرؼ الدبابات اٞندافعة عن الوردة الرائعة ..ىذا عامل
٢نتلف عما نريد ،نريد صبلة ببل زيف ..نريد ٠ند االوائل وصدقهم ..اهنم يتفقوف
على قتلي ،على تركي وحيداً يف الضباب ألين الوحيد الذي اعرفهم على حقيقتهم
..اهنم أعدائي منذ االزؿ .منذ شقت االرض فكيف ٪نبونين ..اال تثقوف بذلك.
اال يكفيكم لوماً يل ..اهنم اعدائي .أعدائي ،ايها االخوة الصم الضعفاء...
-االنسحاب؟ .
141
-امرؾ سيدي.
أنادي على رأس عرفاء السرية عكموش ١نمد ،يأتيين والتعب ٍ
باد يف مبل١نو .اوجزه
ّنا قاؿ اٞنقدـ آمر الفوج بأمر االنسحاب وهتيئة اٞنكاف للسرية اليت ستحل مكاننا..
ينصرؼ ليهيء اٛننود لبلنسحاب..
أقلب دفرت اٞنبلحظات ..انو شاىد على احداث شهر من القتاؿ الضاري ،من
اٞنعاناة ،من الصراع ..أقرأ يف صفحة
اٞنساء االخًن ىنا ..يأيت متثاقبلً متباطئاً ..الشمس ىادئة حٌن ترحل ٥نو اٞنغيب ،
والسماء صافية فيها بعض الشف .الذي كثفو الغيم اٝنفيف ..تصلنا الطبلئع االوىل
من جنود السرية اليت ستحل ١نلنا وجوه يف تردد وترقب ورىبة من اٞنكاف الغريب
احملشو باألجساد اٞنيتة واٜنية ..يستقبلهم جنودنا ..يدلوىم على اٞنواضع ،على
اماكن تواجد العدو وطرؽ تقربو ومصادر نًنانو.
أصافح آمر السرية مبلزـ أوؿ عماد ..أعطيو ما ٪نتاج و اشرح لو جبهة اٞنعركة..
واوجز لو ّنا ٩نب اف يعمل وما ال يعمل ،يستمع اىل حديثي بصمت .أشد على
142
يده .اعطي ٤ناح خرب التسليم آلمر الفوج اٞنقدـ ىذاؿ ..وأسحب السبعة عشر
باْناه اٞنساعد ٥نو اٞننطقة االمنية ..الظلمة سقطت فجأة ،أشعر اف أرجلي غًن
قادرة على اٞنسًن من كثرة اٛنلوس يف اٞنلجأ ..يف الش .الضي .حديث الذكريات
يتفوه بو االحياء من جنودي ،بعضهم يتأسف على رفاؽ جاؤوا معهم ومل يعودوا.
اهنا اٜنرب .اٜنرب ...آخر الطرؽ للتفاىم ،،آخر الوسائل للدفاع عن اٞنبادىء..
نصل اٞننطقة اآلمنة اليت تقع عرب جسر اٞنوت ّنسافة كيلومرت ٤ ،ند السيارات امامنا
ونصعد فيها لتنقلنا اىل معسكر (الدريهمية) إلعادة التنظيم واالسرتاحة ..لنكمل
بعض األياـ بأماف ونناـ ملء جفوننا دوف خوؼ ،كل ىذا اىل حٌن ..اىل معركة
اخرى...
***************
143
خرجت من الفندؽ ّنبلبسي اٞندنية ..تعودت اف أخلع مبلبسي العسكرية عند
صاحب الفندؽ الذي ألفين وأخذ ٪نجر يل أحسن غرؼ فندقو ،اودع عنده
مبلبسي العسكرية اذا كنت ٠نازاً ٜنٌن عوديت من االجازة ..يف الفندؽ انطل .بعد
اف ٧نت البارحة مبكراً ،كاف الوقت العاشرة والنصف صباحاً ..استقليت أوؿ
تكسي وأنطلقت باْناه مستشفى البصرة العسكري ..نصف الساعة واكوف اماـ
الباب الرئيس لو ،أدخل الفناء الطويل الذي يشرؼ على غابات النخيل و٘نرة
ورود ناعسة تداعب أشعة الشمس ..اٞنستشفى بناء قدًن أبيض اللوف بو مبلمح
العهد الذي قضى ست سنوات وىو يقدـ خدماتو ٛنرحى اٜنرب ،ست سنوات
وىو يغص بالقادمٌن من جبهة اٜنرب ضد ست سنوات ومن بو يواصلوف السهر
والتعب والعمل اٞنتواصل ..من اجل الذين سقطوا دفاعاً عن االرض ..الكل ىنا
يعمل بصمت دوف كبلـ ..من ماسح االرضية ح ى آمر اٞنستشفى ..انظر يف
الوجوه ،تستوقفين النساء اٞنمرضاتٗ ،نيبلت ،فيهن خفة الدـ البصري واللطافة
وىن يرتدين اٞنبلبس البيضاء يظهرف أكثر براءة ..اكثر اناقة ،وجوه اٞنرضي ٓندؽ يف
صمت باْناه السقف او يف وجوه اٞنراجعٌن من الناس الذين دأبوا اجمليء لزيارة
ذويهم ..االمهات والزوجات واٜنبيبات واالطفاؿ يتقاطروف وبأيديهم ما اعتادوا اف
٩نلبوه رغم ٓنذير و٣نانعة اٞنستشفى ..حٌن دخلت اٞنستشفى مل أسأؿ
االستعبلمات عن عنواف ا٘ند الصويلح يف أي مكاف يرقد ،حيث اخربين عريف
اٞنشجب ٘نزة ،الذي زاره بأنو يف الطاب .االوؿ غرفة تسعة وقاؿ انو يتماثل للشفاء
بسرعة وانو قد جلب لو ربابتو.
144
اٜنركة دؤوبة للمارة وانسياب ٗنيل ٩نري بصمت لكل من يف ىذا اٞنرف .الصحي
الذي ٪نتضن اٛنرحى القادمٌن من السواتر اٞنشتعلة ناراً ..ادخل غرفة رقم تسعة،
ثبلثة أسرة فارغة ال احد هبا ،فوؽ السرير الذي قرب الشباؾ اٞنطل على النخيل
ْنثم ربابة مع قوسها ،اهنا بعينها تلك الربابة اليت انساب منها ٜنن يف ملجأ اثار
انتباىي يف ذلك الليل بشرؽ البصرة ،ملقية دوف اكرتاث..السرير مبعثر بصورة
فوضوية ..األدوية واٜنبوب تتوزع بعبث فوؽ االرضية والسرير وٓنت الوسادة.
أجلس فوؽ السرير الذي عليو الربابة ،اداعب وترىا بأطراؼ أصابعي مث أتركها..
احدؽ يف اٛندراف اٞنطلية بلوف ازرؽ فاتح نظيفة رغم قدمها ..ماذا يعين االزرؽ
الفاتح؟ .انو مصدر االمل انو لوف يهدئ النفس اٞنضطربة ..قلت لنفسي سأبقى
ىنا ح ى يعود ا٘ند الصويلح .من احملتمل انو يف دورة اٞنياه أو خرج للفسح يف ىذا
الصباح اٞنشرؽ الذي تنساب نسائمو الشمالية ،بعذوبة ْنعل ورد حديقة اٞنستشفي
مرتاقصاً.
فجأة تدخل اٞنمرضة اىل الغرفة وبيدىا ٠نموعة أوراؽ تتوقف عند الباب مث تدخل.
اغسلها بنظرايت السريعة..
علي:
تسلم َّ
-صباح اٝنًن.
-لكن ماذا؟.
-كيف؟.
-انتحر باٜنبوب اٞننومة ...لقد تناوؿ عشرين قرصاً الساعة الواحدة ليبلً فوجدناه
ميتاً يف الصباح وىو اآلف يف التشريح.
ٞ -ناذا انتحر؟ .ال أصدؽ انو مقبل على الزواج .
-ماذا تقولٌن ..ىذا ىو السبب ..ال أفهم؟ .ال أفهم وضحي بربك ..م ى
شاىدتيو آخر مرة ؟.
147
-البارحة ليبلً كانت اٞنرة االخًنة اليت اشاىده فيها ..لقد رايتو يعزؼ على الربابة
وىو يذوب يف أٜنانو ويغين غناءً أبكاين ومن معي ..لقد ْنمع حولو كل اٞنرضي
ومنتسيب اٞنستشفى ..طيلة عمري مل أستمتع بأي عزؼ مثلما أستمتعت البارحة.
لقد سالت الدموع مدراراً من العيوف كاف يغين والعرؽ يتفصد من جبينو ٣نزوجاً
بالدموع اليت اهنمرت فوؽ اٝندود دوف توقف ..قاؿ اآلف التهب اٜنل .من حر
القيظ و١نلو ،صار اٛنبٌن مرآة الشمس اليت ٓنرتؽ منذ أوؿ االياـ دوف أف تطفئها
الريح ..ىذا ىديف وسيبقى ،ألغين لعلي امسك بزماـ اٜنب الذي ىرب ..االهنار
دمي البارد وثلج اٛنباؿ أفكاري اليت ٗندوىا...سيربيا...سيربيا ..ابتعدي٤...ند...
َّ
٤ند ...التهميين أحضنيي قبل مويت ..احرقيين ألعيش من جديد .انا مبلح الرماؿ
اٞنتحركة واالكفار اٞنتجددة .أنا عيوف ْنحظ بانتباه باْناه الظبلـ القادـ من الشرؽ
الذي أرقين ..وأخذ عزيت ..مثل ما أرؽ من قبلي اآلباء االوائل..بعدىا قاؿ كلمتو
االخًنة (أرجوكم غادروا الغرفة .اهنا الليلة االخًنة) انصرؼ من يف الغرفة كلهم
وبقيت انا آخرىم..أردت أف اعطيو العبلج ..لكنو رفض ..وقاؿ ال فائدة بعد
اآلف ..وبقي يطرؽ نظراتو باْناه الشباؾ الذي تداعبو سعفات النخيل ،يتأمل
الضوء الساقط عليها قلك لو وداعاً ...انصرفت.
-اعتقد انو قرأ التقرير الذي كاف ٩نب أف ال يقرأه وىو يف ىذه اٜنالة..
148
قرأت االصابة (كانت االصابة يف مكاف حساس ،لقد أصيب بشظية حادة قطعت
خصيتو).
انصرفت اٞنمرضة بعدىا وتركتين وسط الغرفة وحيداً ..سالت دموعي ُنرارة .نظرت
باْناه الربابة ..ملقاه يف طرؼ السرير ..أستجلي بقايا الذكريات ..آخر االنغاـ اليت
أنسابت من وترىا الوحيدٞ ،ناذا اختارىا بالذات ،رّنا ألف هبا وتراً واحدا منفرداً مثل
حياتو اٞننفردة الشاردة ..أرفعا من فوؽ السرير ..أحدؽ فيها لعلي أجد آثاراً ألنامل
و أشواقاً فوقها..ماذا ترؾ غًنؾ؟ .االثار اليت عليها ..غًن البصمات ..ىذه الربابة
شاىد كبًن وعامل يتحدث عن صاحبو ،عن فارسو الذي ٘نلو اىل ىنا ..مث رحل
بعد اف غىن أغنية الوداع ..لقد كاف النغم هناية لعمره...اللحظات اليت يفارؽ هبا
وجوده..
-السيارة ..سيارة من ؟
تناديين:
149
-ال تتاخر .ليس من اٞنفيد اف يبقى ىنا ىكذا ،اوصلو اىل اىلو ..اىل زوجتو.اىل
أطفالو ،فكل شيء انتهى..
التقط الربابة وانطل .مذعوراص باْناه السيارة اليت تنتظرين يف الباب .ودوف كبلـ
أفتح الباب وأجلس َننب السائ .الصامت .انطلقت السيارة يف شوارع البصرة
اٞنزد٘نو باٞنارة والسيارات ..يف الشوارع اليت مزقتها قنابل القصف اٞندفعي البعيد
اٞندى ..بسرعة ٩نتاز السائ .اٞندينة ويقودىا باْناه الشماؿ .كاف الوقت عصراً
و٥نن نودع غابات النخيل الكاٜنة اليت ىجرىا أصحاهبا من شدة القصف ..أرى
البيوت اٝنالية ..تآكلت وصارت آثاراً للزمن اٜناضر .الصمت سيدنا ىنا يف ىذا
السفر ...السائ .االصلع ..وأنا والربابة اليت على اٞنقعد اٝنلفي ..ا٘ند الصويلح
بتابوتو الذي ٩نثم فوقنا على احملامل الذي خصصت لنقل الشهداء يلفو علم
الوطن...الريح تداعبو بعنف ..كلما التهمت السيارة شارع االسفلت٧ ..نضي اىل
أين ،و٥نن دائماً ىكذا يف اٜنياة ورّنا بعدىا ..نسافر اىل اٜنلم ،اىل اآلماؿ فنقع يف
وحل ىزائمنا ..ا٘ند الصويلح النسياف بذاتو ..الصراع يف أشده ..اٜنياة اليت أراد اف
تكوف فكانت العكس ..أمنيات باٟندوء ،بالفرح الذي اليباع وال يفقد فيصاب
بربكاف اٞنآسي ،بالصمت ،بالطعن ،سيد ىذا الزماف ،اٞنوت وىو ٩نتثنا من
جذورنا ،من احبابنا٢ ،نيف ىذا الوقت الذي نلقي بٌن يديو على ىوانا أو باالكراه،
نرٕني فبل ننهض ىكذا اىل االبد ،ألف طريقتنا يف اٜنياة ليس ٟنا مثيل واف اشتعالنا
من االعماؽ ح ى النهاية.
151
تسافر اٞنعاين والكلمات امامي ،تسبقين اىل الفراغ ،اىل التيو ،أين سأتوجو ومعي
جثو أ٘ند الصويلح؟ ..يف اي ارض سيكوف مثواه َننب مضارب الغجر؟ .اـ يف
مقربة قريتو اليت مل تعرفو حياً فكيف اذا كاف ميتاً؟ .انين سأترؾ اٛنثة ٔنتار مكاهنا
حيثما شاءت ،الغمرىا يف الثلوج اليت فوؽ اٛنباؿ ،سأغطيها برماؿ صحرائنا
الغربية ،سأدفنها يف غابات الربدي ،يف طرؽ حقوؿ القمح الواسعة ِ ..،ملَ كل ىذه
اٜنًنة؟ .سأحتفظ باٛنثة عندي ،يف مكاف بعيداً عن العامل لتكوف جزءاً من
أسراري ،أ٘ند الصويلح ىكذا أنت دائماً حًنة كبًنة ورحيل يف اٜنياة واٞنمات..
تلتهم السيارة الشارع الطويل ..تعرب مدينة العمارة ّنسافة ال أعرفها ،الشمس
ا٥ندرت ٥نو الغروب ..صمت السائ .يطوؿ ..أىو أخرس ..أنتابين ىذا التصور..
ىذا االعتقاد رّنا أنو يفكر ّنشاكلو مثلي ..الغبار يعرب الشارع ،الرماؿ تدحرجها
الريح ،كثيفة وىي ْنتاز الشارع ..ىذه منطقة رماؿ متحركة ..قالت القطعة اليت
امامنا ...أصيح يف السائ:.
-خذ ٬نيناً.
-اىل أين؟..
-أين أىلك؟،
151
ينظر يف وجهي واٜنًنة واضحة عليو ،يدير مقود سيارتو دوف كبلـ وينحدر من
الشارع باْناه االرض ذات الرماؿ اٞنتحركة..أشعر أف السيارة بدأت تبلقي صعوبة
يف اجتياز طيات الرمل ..أنظر ورائي ،اختفى الشارع الرئيس عن االنظار ،لقد
توغلت السيارة مسافة كبًنة يف الرماؿ ..أأمره اف يتوقف ..يغسلين بنظراتو ..أفتح
باب السيارة وأترجل وبيدي الربابة ويرتجل ىو أيضاً..
-ىنا انزلو.
-ىنا؟
-سيأيت اىلي اهنم وراء ىذه التبلؿ الرملية مث اف سيارتك ال تتقدـ اىل االماـ اكثر
من ذلك ،ستغوص حتماً.
-ىذا صحيح..
نتقابل وننزؿ التابوت ..ويصعد ىو بسيارتو ..مث يعود باْناه الشارع الرملي .الريح
تكوف تبلؿ الرماؿ اٞنتحركة يف ىذه اٞننقطة من االرض ..تيار من اٟنواء اٞنتجو شرقاً
يذري حبات الرماؿ و٩نمعها ويفرقها .تتوغل يف العيوف ،يف االنف،بٌن طيات
الشعر ،،أنظر يف اٞندى ،ال شيء سوى قرص الشمس الذي ماؿ ٥نو الغروب
واصفرار األف .وانعكاس الضوء يف الرماؿ الزجاجية مكونة صفحة ذىبية ..وحيد انا
وأ٘ند الصويلح والربابة ..ماذا يعين اٞنكاف؟ .ىنا سيتوارى شهيد ،التبلؿ الرملية
تزحف ببطء ،تتآكل ،تكرب ،تتبلشى،كل ىذا بفعل اعصار الريح ،اجلس قرب
التابوت ،علم الوطن ٪نتضن الرمل،الربابة كتلة صامتة ..امسك بالقوس واداعب
152
الوتر مث ال أعرؼ ،ال اجيد العزؼ ،لكين أريد أف افرغ سأمي يف ىذا اللحن و ال
إنكن٫ ،ننقين الدمع .وحرارة اللحظة اٞنوحشة ..احطم الوتر والقوس ..أفتح ْنويف
الربابة ،احفر يف خاصرة التل الرملية بالربابة اليت صارت جوفاً ٪نتضن الرمل ..سريعا
ما تنزاح الرماؿ ووتتسع اٜنفرة ..سريعاً ما ٤ند اماكن هنايتناٜ ..نظة قصًنة ويكوف
اٜنفر عميقاً ..أسحب التابوت يف داخل اٜنفره مث أىيل ذرات الرماؿ فوقو
بنشاط ..شيئاً فشيئاً ٫نتفي التابوت ،رويداً ...رويداً يكوف الشيء ..تبلشى،
غاص يف الرمل ،يف خاصرة التلة ..أ٘ند الصويلح جزء من تبلؿ متحركة يف االرض
اليت ال ٕنوت.
اعدؿ قاميت ..واجيل بنظري باْناه الشمس ،باْناه الغروب ،كانت الشمس قد
تبلشت وراء تبلؿ الرمل وغابت.
153
انتهت
154