You are on page 1of 155

1

‫شىاطئ الدم شىاطئ‬

‫امللح‬

‫الرواية الفائزة بالجائزة االولى‬


‫(( لمسابقة قادسية صدام للرواية ‪)) 0991‬‬
‫للشهيد ابراهيم حسن ناصر‬

‫‪2‬‬
‫االهداء ‪...‬‬
‫اىل أبطال الفىج الثالث – لىاء (‪ )101‬و شهدائه األبرار ‪....‬‬

‫‪3‬‬
‫شىاطئ الدم شىاطئ امللح‬

‫‪4‬‬
‫دمع فضي أو ‪ٙ‬نر ‪.‬فضي ال أدري ‪ -‬ما الفرؽ ‪ -‬كل شيء يوحي بأشياء‬
‫اخرى‪.‬حرب ٘نراء ‪،‬او سوداء ال فرؽ ‪ ،‬فاألوىل تولد الثانية ‪.‬اناس او كائنات ببل‬
‫قرار ىو غايتنا ‪ ...‬عندما تدفعنا اىواؤنا ‪٥‬نو قتل الفضيلة يف مهدىا‪ ..‬تكوف ا‪ٜ‬نرب‬
‫منارنا العايل يف ‪٣‬نلكة االنساف ‪٥.‬نن ضد الكائنات االخرى ‪،‬بل ضد انفسنا ‪.‬من‬
‫مات ؟ من عاش ؟‪ -‬فكر معي – تأمل ‪.‬من عظم شأنو ؟ انظر ؟ انو الذي ‪٬‬نبل‬
‫االرض انيناً انو جبلدىا‪ .‬أحبائي ال شيء ينقذنا سوى ا‪ٞ‬نوت ؟ وا‪ٞ‬نوت منا قريب‬
‫بل ابعدا من البلهناية ‪ ،‬وجلة ساعاتنا بل ثقيلة متماسكة اىواؤنا ‪ ،‬بل متبلشية‪ .‬أي‬
‫شيء يأتينا من الغيب و أي فرح ال ينتهي اال ّنأمت ‪ ،‬واي مأمت يدوـ ‪ ،‬ىي ىكذا‬
‫لعبة الصغار – الكبار – ىي ىكذا ‪ٜ‬نظة ا‪ٜ‬نرج ‪..‬ومضى ا‪ٛ‬نماؿ ‪.‬‬

‫ذاب قليب يف تراب ا‪ٞ‬نواضع ‪ ،‬عانقتين رائحة ا‪ٞ‬ننسيٌن الشرفاء من رجاؿ ىذا‬
‫الزمن‪..‬وجوه ‪١‬ندقة يف موتى‪..‬بل موتى ‪١‬ندقوف يف موتى‪..‬أدركت سر وجودنا‬
‫وفنائنا‪..‬يف امتداد ا‪ٞ‬ندى خندؽ يقي النار‪..‬بل يولد النار ‪ ،‬منها‪ .‬حيث النار ىو‬
‫مأمن منها ‪.‬لتحٍن وتبقى عليك اف ٓنرتؽ ‪ ،‬عليك اف تكوف نيازؾ أصحابك‪.‬ىذه‬
‫فلسفة البقاء لقرف التكامل والذروة‪ .‬عندما تكوف ا‪ٞ‬نصاحل فوؽ الشرؼ تسقط القيم‬
‫ويرتفع النفاؽ فوؽ ا‪ٛ‬نبٌن‪..‬‬

‫امتداد ا‪ٞ‬نواضع ح ى االف‪...‬تراب أزيل ‪..‬انو اصل كل شيء‪،‬وهناية كل شيء‪،‬قبب‬


‫من تراب ٔنفي ٓنتها أرواح وحديد وبارود‪..‬خندؽ مثل هنر ا‪ٝ‬نرائط ملت ٍو حسب‬
‫ساحة ا‪ٜ‬نرب‪ .‬ووجوه تسبح فيو أو ضايقها‪..‬ىنا تبدأ ‪ٜ‬نظة ا‪ٜ‬نسم والصدؽ‬
‫وا‪ٞ‬نصًن‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫البحًنة االصطناعية اليت أماـ السرية‪.‬باضطراهبا أرىقتها ا‪ٞ‬ندافع والصواريخ اليت‬
‫تنفجر فيها ‪ ،‬اهنا الفاصلة بٌن نارين يرتاوح عرضها كيلو مرت‪ .‬اقل أو اكثر يف بعض‬
‫ا‪ٞ‬نناط‪ .‬وعمقها ال يتجاوز ا‪ٞ‬نرت‪..‬ارى على ضوء الشمس من خبلؿ ملجئي قفزات‬
‫اال‪ٚ‬ناؾ الفزعة أو حركة زعانفها وىي تعيش يف ا‪ٞ‬ناء وتولد ا‪ٞ‬نوج ا‪ٝ‬نفيف‪.‬‬

‫بامتداد ا‪ٝ‬نندؽ ا‪ٞ‬نوازي للبحًنة تنغرس مبلجئ ا‪ٛ‬ننود‪،‬يتوزع ا‪ٝ‬نندؽ صف‬


‫الرشاشات والبنادؽ والقاذفات للفصيل ا‪ٜ‬نادي عشر من السرية الرابعة –الفوج‬
‫الثالث‪-‬لواء(ٔٓٔ) باْناه العدو‪.‬‬

‫وقفت يف ملجأ الرشاشة ا‪ٝ‬نفيفة‪ .‬افحصها وبرفقيت ا‪ٛ‬نندي عددىا بنظرات تأمل أو‬
‫ترقب يف اكتشاؼ شيء مين ‪..‬انو يريد اف يعرؼ ا‪ٞ‬نزيد عن آمره ا‪ٛ‬نديد‪ .‬عن‬
‫الضابط الذي امتدحو آمر السرية ‪ٟ..‬نم أمس قائبلً‪:‬‬

‫انو ا‪ٞ‬نبلزـ مراد‪٠-‬نند‪-‬كاف قبل أف يأيت اىل ىنا يف معسكر تدريب‬


‫((فايدة))‪..‬سيتوىل مهامو من اليوـ ‪،‬فسهلوا مهمتو‪..‬‬

‫انغرست نظرات ا‪ٛ‬نندي يف مبلمح وجهي ‪،‬يريد اف يقرأىا ‪.‬كاد اف يسألين لوال‬
‫مغادريت موضع الرشاشة‪..‬مشيت يف ا‪ٝ‬نندؽ أريد اف اعرؼ مواضع الفصيل كلها‬
‫‪..‬يتبعين عريف الفصيل‪.‬‬

‫دخلت موضع قاذفة اربعٌن مليم‪ ،‬فجأة ‪ٚ‬نعت أحد ا‪ٛ‬ننود يغين غناءً يوحي‬
‫بالشوؽ ‪..‬قطع غناءه و أستعد معتذراَ‪..‬ابتسمت‪..‬وقلت ‪ :‬اذا طابت النفوس‬
‫غنت‪..‬‬

‫‪6‬‬
‫وقلت يف نفسي انو مطمئن وىذا يعين انو على قد ٍر كبًن من ا‪ٞ‬نعنويات ‪،‬مل البث‬
‫ُ‬
‫كت مواضع القاذفة اىل ا‪ٞ‬نواضع االخرى ‪،‬استطعت اف أدخل‬ ‫ٍ‬
‫كثًنا بل ‪ٜ‬نظة وتر ٌ‬
‫مواضعهم ٗنيعها لكين مل إنكن من معرفة أ‪ٚ‬نائهم بسرعة ومل استطع أف اكمل‬
‫ترتيب مواضعي الدفاعية‪.‬لكين سأعرفها ال ‪١‬نالة يف االياـ القادمة‪.‬‬

‫اف مايشغلين ىو جبهة العدو‪..‬انين كجديد اريد اف اعرؼ عنو الكثًن ‪.‬ماقالو يل‬
‫آمر السرية ال يشفي غليل مث اين أتردد أف أسأؿ ا‪ٛ‬ننود‪،‬لكين بقرارة نفسي مرتاح‬
‫ومطمئن ألين سأعرؼ كل شيء‪.‬‬

‫جلست يف ملجأ الراحة ا‪ٞ‬نخصص يل‪..‬غرفة صغًنة‪،‬بل زنزانة عرضها مرتاف وطو‪ٟ‬نا‬
‫ُ‬
‫ثبلثة امتار‪،‬طن من الرتاب فوقها تنغرس يف االرض ح ى منتصفها ‪..‬الرطوبة الكثيفة‬
‫تكسو أرضها بفعل البحًنة و أرض البصرة السبخة‪..‬تغزوين اسراب من البعوض‬
‫ا‪ٞ‬نتوحش والذباب االىوج الذي ال يقطع االنٌن‪.‬كل شيء ىنا مفزع‪..‬جلست على‬
‫سريري وأمامي طبلة خشبية صنعها ا‪ٛ‬ننود يل من صنادي‪ .‬عتاد ا‪ٟ‬ناوف‪.‬ا‪ٚ‬نع اصوات‬
‫انفجار القذائف ا‪ٞ‬نعادية‪..‬لقد أستقبلين االعداء ‪،‬كعادهتم قصف مدفعي كثيف‬
‫على قطعاتنا‪..‬وقت الغروب والفجر‪..‬يقابل ذلك قصف مقابل من قطعاتنا ‪،‬‬
‫وىكذا اف توقف السبلح ا‪ٝ‬نفيف يبقى السبلح الثقيل سيد ا‪ٞ‬نوقف و ال ينقطع‬
‫اطبلقا‪..‬‬

‫اضطجعت على سرير ‪ ،‬متعب ‪..‬غريب على ا‪ٞ‬نكاف‪..‬ا‪ٜ‬نرب غاية أـ وسيلة؟ اف‬
‫ا‪ٜ‬نرب غاية للجنوف ووسيلة للموت ‪،‬ال شيء غًن ىذا ‪...‬اف يدفعك عدوؾ اال اف‬

‫‪7‬‬
‫ٓناربو ‪،‬اف ‪٩‬نربؾ على اف تسفك دمو فهذا ىو ا‪ٛ‬ننوف بعينو‪..‬اف ا‪ٜ‬نرب لعبة النار‬
‫اليت مل تنطفئ أبدا بل تطورت وسائل اتقادىا واستحاؿ ا‪ٙ‬نادىا‪،‬‬

‫شرؽ البصرة أو غرب ايراف الفرؽ‪،‬عدا ىو موقعي من خارطة العامل احملرتقة ‪،‬مشاؿ‬
‫النخيل الوارؼ الظل الذي أرقتو ا‪ٜ‬نرب وىجرتو الطيور‪..‬يف طريقي اىل ا‪ٛ‬نبهة عندما‬
‫مررت بغابة ‪٦‬نيل كثيفة‪..‬قاؿ يل زميلي الضابط الذي جاء معي‪:‬‬
‫عربنا ا‪ٛ‬نسر ُ‬
‫‪ -‬أتعرؼ اسم ىذه الغابة ؟‬

‫‪ -‬ال‪ ...‬مث اين من الشماؿ‬

‫‪ -‬أمل ٓنلم بزيارهتا يوماً‪ ...‬امل تقرأ عنها ؟‬

‫‪ -‬أىي جزيرة السندباد ؟‬

‫‪ -‬ىي كذلك‬

‫ساعتها ٕننيت اال اكوف قد رأيتها يف ىذه اللحظة‪ ،‬لقد أصبحت ‪٠‬نرد ىياكل لنخل‬
‫ىرـ وبساط يابس من اعشاب ا‪ٜ‬نلفاء‪ .‬أف ىذه ا‪ٛ‬نزيرة الفاتنة اليت كانت مرتعاً‬
‫لسفرات طلبة ا‪ٛ‬نامعة‪ ..‬تصبح ىكذا‪.‬مل ار فيها سوى أمراة تلبس السواد ْنمع‬
‫ا‪ٜ‬نطب‪..‬لقد ىجرىا الناس‪،‬ألف القصف ا‪ٞ‬ندفعي ال ير٘نها ‪..‬نظرت باْناه السقف‬
‫‪..‬جسور خشبية يتخللها آخر حديدي أكلو الصدأ ‪ ،‬قرأت على ا‪ٛ‬نسر ا‪ٜ‬نديدي‬
‫ِنط بسيط‪ :‬ذكرى ا‪ٞ‬نقاتل ٘نزة حسٌن –بغداد‪-‬الراشدية‬

‫‪8‬‬
‫قلت يف نفسي أين ىو االف ‪..‬أىو ميت أـ حي؟ ‪..‬أتوجد لئلنساف قدرة ‪ٞ‬نعرفة‬
‫مكاف االشخاص الذين يقرأ ا‪ٚ‬ناءىم يف الصحف و على ا‪ٛ‬ندراف أو يف‬
‫االعبلنات أو على شاىدات القبور ؟ ‪ٞ ..‬ناذا يهرب االسم من حاملو ؟‪.‬‬

‫اطلقت نظري ‪٥‬نو مصدر الضوء كفانوس ازرؽ وعليو عبلمة ا‪ٝ‬نفاش اليت جرتين‬
‫بعيداٌ كنا صغاراً أنا واخواين الثبلثة نتجمع حولو مثل حشرات نقلب أوراقا كتبنا‬
‫ا‪ٞ‬ندرسية ‪ ..‬ونبلل أوراؽ الرسم بزيتو لنطبع صور القراءة ا‪ٛ‬نميلة ‪ .‬أنا كنت شغوفا‬
‫برسم ا‪ٛ‬نباؿ‪ ..‬ال أعلم ‪ٞ‬ناذا ‪ ،‬رّنا الف جبل مكحوؿ أمامي كل ‪ٜ‬نظة‪.‬اما عبد‬
‫الذي مات بالسحايا فقد برع برسم عباد الشمس كاف ‪٬‬نتلك حساسية فنية ورىافة‬
‫عالية‪..‬اللعنة ‪ٟ‬نذا ا‪ٞ‬نرض‪..‬مات وعمره أربعة عشر عاماً‪،‬لقد اخذ نصف عمري‬
‫معو‪.‬انو ‪ٜ‬ند ىذه اللحظة ال يفارقين ‪ ،‬وكل مناسبة احرص على زيارة قربه يف طرؼ‬
‫قريتنا لقد غطى قربه العشب ‪ ،‬اما ا‪ٚ‬ناعيل فكاف ‪٩‬نيد رسم الزورؽ ‪ ،‬ير‪ٚ‬نو هتادى‬
‫يف النهر‪..‬كاف ايب يتأملنا‪.‬شيخ كبًن ْناوز عمره السبعٌن كأين اراه االف يداعب‬
‫صخر مسبحتو‪،‬و ‪٪‬نب اكل ا‪ٝ‬نبز ا‪ٜ‬نار الذي يدفئو على ٗنر ا‪ٞ‬نوقد ‪..‬كاف يرسلين‬
‫لكي أجلب لو رغيف ا‪ٝ‬نبز ويقوؿ وىو يعلس ا‪ٝ‬نبز ا‪ٜ‬نار ويقدـ قطعة منو لنا‪..‬اهلل‬
‫كم ىو طيب‪ ..‬تفضلوا‪ ..‬ناكل بنهم وُنرقة‪ .‬مات أيب بعد بداية ا‪ٜ‬نرب بسنة‪..‬‬
‫مرة‪،‬ما زلت اذكرىا ‪ ،‬كاف ايب يسقي حقل القطن الذي كنا نعوؿ عليو كثًنا ‪،‬‬
‫ذلك اليوـ ‪ٚ‬نعت األخبار‬ ‫وكعادهتا امي أعطتين غداء ايب أل٘نلو لو ‪ ..‬يف‬
‫الكثًنة عن حرب العرب واليهود‪ -‬حرب تشرين عاـ ثبلثة وسبعٌن – تناقلت‬
‫االخبار اف العرب اسقطوا مائو طائرة يهودية وتتقد ا‪ٛ‬نيوش العربية لتحرير فلسطٌن‪،‬‬
‫كانت الفرحة تغمرين واآلماؿ ٕنؤل قليب وانا ف ى ‪ ،‬كنت اْنمع مع القروين حوؿ‬
‫‪9‬‬
‫ا‪ٞ‬نذياع لنسمع انتصارات العرب على اليهود‪٘..‬نلت غداء ايب و انطلقت ‪٥‬نوه ‪،‬‬
‫كا‪ٜ‬نصاف ا‪ٛ‬نامح ‪ .‬ألبشره بنصر العرب ‪ ،‬وأستطيع‪،‬باف انط بٌن ا‪ٜ‬نقوؿ والسواقي‬
‫‪،‬قلت اليب والفرح يغمرين ‪:‬‬

‫أيب ‪..‬أيب لقد اسقطنا مائة طائرة يهودية و تتقدـ اآلف جيوش العرب الحتبلؿ‬
‫اسرائيل وٓنرير فلسطٌن ‪.‬مل ينتبو ايب يل واستمر يداور ا‪ٞ‬ناء يف ا‪ٜ‬نقل مث نظر ايل ببل‬
‫شعرت وكأف نصفي دخل االرض و اين بارد كالثلج‬
‫ُ‬ ‫مباالة و داوـ بعملو ‪..‬ساعتها‬
‫‪..‬أردت أف ابكي لكين مل أستطع ‪ ،‬كاف وجهي أ٘نر ‪١‬نتقناً ‪.‬غرس ايب مسحاتو يف‬
‫االرض و احتضنين وقاؿ‪:‬‬

‫‪ -‬لقد ‪ٚ‬نعت ىذا الكبلـ كثًنا‪.‬‬

‫‪ -‬العرب ٗنيعهم ىذه ا‪ٞ‬نرة يا أيب‬

‫‪ -‬وىذه ىي التجارب‪.‬يا بين اهنم يتقاتلوف با‪ٞ‬نذياع فقط ‪.‬‬

‫وقبلين ايب و أمرين أف ارجع ‪ ..‬رجعت للبيت متثاقل ا‪ٝ‬نطى وأساؿ نفسي ‪ٞ‬ناذا مل‬
‫يفرح أيب ومل يعر ا‪٨‬نية ‪ٞ‬نا قلت ‪..‬‬
‫تراكم السنوف ْنارب ‪ ..‬واألمل ْنربتو مرة من ا‪ٞ‬نستحيل نسياهنا‪.. .‬وا‪ٞ‬ناضي‬
‫مرتعش‪٨.‬نا كاف ألنو تراث مث ألف شره قد عُرؼ ووقع فعلو و انتهى تأثًنه‪ ...‬تكوف‬
‫حجاره صماء ‪ ..‬و ضمًن مرتعش ‪..‬أو الشيء‪...‬ال فرؽ‪ ..‬فالعامل مل يعد لو القدرة‬

‫‪11‬‬
‫على ٕنييز ا‪ٛ‬نيد ومل يعد قادرا على فهم ا‪ٜ‬نقيقة‪.. .‬أف ٕنوت يف العراء جائعاً او تقتل‬
‫يف ملهى للبغايا ‪..‬الفرؽ‪ ..‬اف تقاتل عن ح‪ .‬أو باطل سواسية ‪،‬اهنم دائما مع‬
‫مصا‪ٜ‬نهم و احيانا مع ا‪ٞ‬ننتصر و أف كاف على الباطل ‪ ..‬أحس اف جفوين قد تثاقل‬
‫فتحها وبدأ النعاس يغزو جسدي ‪..‬نظرت اىل ساعيت كانت الواحدة ليبل ‪ ..‬كاف‬
‫يوماً حافبل با‪ٛ‬نديد ‪ ..‬يوماً حقيقياً‪ ..‬أغمضت جفوين و‪٧‬نت‪.. .‬و تنشط أذين‬
‫اصوات ا‪ٞ‬ندفعية وىدير الرشاشات‪.‬‬
‫عرفت من ا‪ٛ‬ننود ىاشم النحيل ‪..‬لكنو نشيط ‪..‬وعبد ا‪ٜ‬نسٌن صاحب الصوت‬
‫ا‪ٛ‬نميل و‪١‬نمد الباقر و أ٘ند الصويلح و عريف الفصيل سلماف وغازي‪ ،‬ومل ٕنض‬
‫أياـ اال وعرفت ا‪ٚ‬ناءىم كلها ح ى عناوينهم ‪..‬وجهتهم ومن ا‪ٞ‬نتزوج ومن‬
‫أعزب‪..‬وقفت يف ا‪ٞ‬نلجأ وَنانيب العريف ىاشم‬

‫‪-‬سبلحك بندقيو فاز ؟‬

‫‪ -‬نعم سيدي‪.‬‬

‫‪ -‬كيف ىي يف حرب العدو‪.‬خذلين يف معارؾ بنجوين ‪..‬كانت دقيقة التهديف ‪..‬‬


‫حٌن صوبت على أحد افراد العدو ‪..‬أصبتو ووقع من أعلى ا‪ٛ‬نبل بأوؿ اطبلقة‪.‬‬

‫‪ -‬اتدخن ؟‬

‫‪ -‬ال ‪.‬‬

‫‪ -‬كيف تقضي فراغك‪ ..‬أف االياـ ىنا طويلة ؟‬

‫‪11‬‬
‫‪-‬اناـ اغلب النهار و أستيقظ ليبلً ‪..‬اهنم دائماً يهجموف ليبلً يستغلوف الظبلـ ‪.‬‬

‫التقطت الناظور‪ ..‬وصوبت نظري باْناه العدو ‪..‬بدا أف االشياء أكثر وضوحاً‬
‫‪..‬بعض ا‪ٞ‬نواضع ا‪ٞ‬نعادية لرشاشات وبنادؽ ‪..‬يف البحًنة ىناؾ ‪ٙ‬نس دبابات‬
‫معطوبة وشفل ‪١‬نطم ‪..‬اهنا ىذه البحًنة موجودة ‪...‬أجلت نظري باْناه مشاؿ‬
‫البحًنة توضحت هنايتها ‪ ،‬اهنا تبدأ بالضي‪ .‬كلما أْنهنا مشاالً ح ى تتبلشى عند‬
‫احد سرايانا اليت تبعد عن العدو مسافة مئيت مرت ‪..‬اطلقنا على ىذه السرية قاعدة‬
‫االبطاؿ ‪ ..‬الف ا‪ٜ‬نرب بينهم متقدة ليل هنار وال‪٬‬نر يوـ أال ويسقط فيو شهيد أو‬
‫جريح‪.‬‬

‫كاف ىناؾ يف وسط البحًنة ‪٠‬نموعة من طيور النورس البيضاء ‪..‬متكورة على‬
‫بعضها ‪ٞ..‬ناذا ىي ىنا؟ ‪..‬أجائت لتذكر االعداء بالسبلـ وبأف ا‪ٜ‬نياة مكن أف‬
‫تعاش ببل حرب ودـ ؟‬

‫‪-‬عريف ىاشم م ى اجازتك ؟‬

‫‪-‬االسبوع القادـ‪.‬‬

‫‪-‬ال تنس أف تأتينا بربتقاؿ دياىل‪.‬‬

‫‪-‬أف شاء اهلل ‪ ..‬اف الربتقاؿ أكثر حظا من النخيل فلم ٓنرقو مدافعهم‪.‬‬

‫‪ -‬ال تأس على النخيل انو يتحمل االعداء ‪ ،‬ليس مثل الربتقاؿ رقي‪ .‬و‪٬‬نوت‬
‫بسرعة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫كاف ىاشم أب الربع بنات أكربىن يف الثالث االبتدائي ‪ ،‬والصغًنة يف حضن امها‬
‫‪..‬حدثين عنو عريف الفصيل وقاؿ ‪:‬‬

‫انو يف معارؾ بنجوين أبلي ببلءاً حسناً ‪ .‬من وراء صخرة استطاع اف يقتل اكثر من‬
‫جندي ايراين ‪ ..‬وعند تداخل القطعات واشتداد ا‪ٞ‬نعارؾ فقد ‪ٞ‬ندة يومٌن وحسب يف‬
‫عداد ا‪ٞ‬نفقودين ولكنو عاد بعد ذلك ومعو اربع ىويات ‪ٛ‬ننود ايرانيٌن قتلهم ببندقيتو‬
‫‪.‬‬

‫نظرت بالعٌن اجملردة باْناه العدو‪ ..‬مث تاملت‬


‫ٌ‬ ‫رميت الناظور على دكة ا‪ٞ‬نلجأ ‪..‬‬
‫ىاشم أبيض البشرة خفيف الظل ‪..‬تذكرت –عالية‪ -‬اليعقوبية اليت كانت أشدنا‬
‫ذكاءً وحيوية يف ا‪ٛ‬نامعة ‪ٗ ..‬نيلة يتدىل شعرىا الذىيب ‪٥‬نو ردفها ‪..‬تعلقت بطالب‬
‫أردين اسو زيد ‪ ..‬كاف وسيماً‪ ،‬لقد احسنت اختيار ا‪ٞ‬نظهر‪ ..‬تظاىر بأنو ‪٪‬نبها‬
‫‪..‬لكنو يف النهاية تركها وعاد دوف أف يتزوج منها يف أحدى اجازايت شاىدهتا يف‬
‫كراج النهضة ‪..‬تبادلنا حديث الذكريات وا‪ٞ‬ناضي ‪ .‬سألتين ‪:‬‬

‫‪ -‬اين انت ؟‬

‫‪ -‬كما ترين يف العسكرية ‪.‬‬

‫‪ -‬و أنت ؟‬

‫‪ -‬موظفة يف ا‪ٝ‬نطوط ا‪ٛ‬نوية العراقية‪.‬‬

‫قلت ‪ٟ‬نا و ببل وعي مين ‪:‬‬

‫‪ -‬ىل سافرت اىل االردف ؟‬


‫‪13‬‬
‫‪ٜ‬نظتها تغًن لوف بشرهتا ‪ ..‬وقالت وىي مرْنفة الشفاه ‪:‬‬

‫‪ -‬أهبذه الصبلبة ٓندثين ‪ ..‬أجعلتك ا‪ٜ‬نرب تفقد هتذيبك ؟‬

‫‪ -‬آسف مل اكن اقصد ذلك ‪.‬‬

‫وودعتها و اظن اين لن القاىا اىل األبد‪..‬‬

‫قلت ‪ٟ‬ناشم ‪:‬‬

‫‪ -‬اتعرؼ عالية حساف ؟‬

‫من ىذه ؟ ( قا‪ٟ‬نا بتعجب )‬ ‫‪ -‬ماذا ‪..‬عالية حساف ؟‬

‫انو مل يتوقع اف أسأؿ ىذا السؤاؿ ‪.‬أسفت لتسرعي – مث مادخل عالية حساف هبذا‬
‫‪ ..‬ومن أتى هبا اىل ىذا ا‪ٞ‬نكاف ؟‪..‬‬

‫‪ -‬طبيبة نسائية مشهورة يف بعقوبة ‪ ،‬أهنا من أقربائي ‪.‬‬

‫‪ -‬ال ‪.....‬آسف‪.‬‬

‫استطعت اف اتبلىف تسرعي وزلة لساين ‪ .‬وتركتو يقطع البحًنة بنظراتو الثاقبة باْناه‬
‫العدو ‪ ..‬لكنو مل يعرؼ عالية حساف ‪..‬‬

‫تأيت الذكريات ا‪ٛ‬نميلة على الباؿ ‪ ...‬ومضات أمل ‪ ..‬اجرتار ٍ‬


‫‪ٞ‬ناض لن يعود و ال‬
‫أعرؼ كل ما ىنالك ‪ ..‬اف االياـ ٕنر وكل يوـ لك فيو معارؼ و أصدقاء ‪ ،‬تودع‬
‫بعضهم وتتعرؼ على أكثرىم ‪ ...‬سنلتقي هبم يف يوـ ما ومكاف ما وقد ال نلتقي‬
‫أبداً ‪ ..‬و األحسن اال نلتقي هبم النك عندما تودعهم من جديد ستتأمل ‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫الريح الغربية تدفع ماء البحًنة بأْناه العدو‪ ،‬تتوضح شبكات االسبلؾ الشائكة‬
‫الغائرة يف ا‪ٞ‬ناء ويف الطٌن اآلالؼ من االلغاـ ‪ ..‬و مبليٌن اال‪ٚ‬ناؾ ‪ ..‬انين انظر اليها‬
‫فقط ‪ ...‬ليس يل القدرة على صيدىا ‪ .‬اف من يهم بصيدىا ال بد أف يٌصاد من‬
‫قبل العدو أو من قبلنا ألنو سيكوف مكشوفاً وببل سرت ‪ .‬أعتقد اف اال‪ٚ‬ناؾ مثل‬
‫الدوؿ الكبًنة تستفيد من ا‪ٜ‬نرب ايضاً‪..‬‬

‫نظرت ‪٥‬نو ماجد البصري الذي انزوى يف موضع الرمي وحدؽ يف األف‪ .‬البعيد ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫كنت اعاملو‬
‫عمره تسعة عشر عاماً ال غًن وىو ف ى أكثر منو شاباً فيو براءة طفل‪ُ ..‬‬
‫يف الفصيل على ىذا االساس ‪...‬كثًناً ما ابتسم بوجهو‪..‬سبلحو قاذفة‪..‬‬

‫قلت ‪ٞ‬ناذا ‪٥‬نمل دائماً أكثر من طاقتنا؟‪ .‬ىل ىو شبل اذاً مثل االشباؿ اليت ‪ٚ‬نعت‬
‫عن قتا‪ٟ‬نم يف بًنوت ضد العدو الصهيوين ‪..‬‬

‫ماجد البصري يتأمل البحًنة ‪ ..‬وطيور النورس ا‪ٞ‬ننتشرة ‪ ..‬أتراه يف ىذه اللحظة‬
‫يتذكر امو أـ حبيبتو ‪..‬ماجد البصري‪..‬فيك يتجلى ا‪ٝ‬نجل البصري ‪ ..‬وابتسامة ىي‬
‫مفتاح اكتشاؼ احملبة ‪ ..‬ىي اوؿ باب من أبواب عش‪ .‬البصرة وأىلها ‪ ..‬ادركت‬
‫‪ٞ‬ناذا ‪ٚ‬نيت البصرة ثغر العراؽ الباسم ‪٥ .‬نن يف حلم أو واقع ونسأؿ عن زوارؽ مرت‬
‫من ىنا و عن سندباد توارى وراء طموحو نستجلي ذلك ا‪ٞ‬ناضي ونتيو يف دروب‬
‫العش‪ ..‬أ أمل نقلنا ‪٥‬نو باب ((النعيم )) ىي ىكذا بسمة القلب وسط النار ‪ .‬قاؿ‬
‫يل احد ا‪ٛ‬ننود اف ماجد احب البحر كثًناً و عندما ينغرس يف موضع الرمي يبقى‬
‫‪٪‬ندؽ يف البحًنة اليت أمامنا اىل اف ينتهي دوره‪..‬عرفت بعدىا أف اباه كاف ُناراً‬

‫‪15‬‬
‫‪٩‬نوب البحار وكثًناً ماكاف يأخذه معو وقد شاىدت لو صورة مع والده يف سفينة‬
‫صيد على شواطيء عُماف‪.‬‬

‫ويف احد صباحات تشرين قبل عشر سنوات ذىب ابوه يف رحلة صيد ومل يعد ‪،‬‬
‫كثرت الشائعات عن مصًنه ‪ ،‬منها ما يقوؿ اف عاصفة ىبت عليهم و أغرقتهم و‬
‫منهم من يقوؿ انو أسًن لدى أحد قراصنة البحر االيرانيٌن عندما استوىل على‬
‫السفينة وىناؾ رأي آخر يقوؿ انو يف ا‪ٟ‬نند وقد تزوج ىندية ألنو كاف على عبلقة‬
‫بأمرأة يف بومباي‪ ،‬ا‪ٞ‬نهم انو مل يرجع من رحلتو وقد ترؾ وراءه ماجد و امو وثبلث‬
‫بنات ‪..‬‬

‫ىل نساير اىواءنا ورغباتنا أـ ىو الطموح ‪ ..‬اـ ىي البلمباالة اـ الرغبة يف اكتشاؼ‬


‫شيء ‪ ..‬؟ بدأت أتسائل عندما دارت يف رأسي حكاية أيب ماجد وطريقة اختفائو‬
‫أخفيت حزين وقلت ‪ٞ‬ناجد ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫‪.‬‬

‫‪ -‬ستذىب اىل البصره اليوـ ‪.‬‬

‫ادار وجهو ‪٥‬نوي وقاؿ ‪:‬‬


‫‪ -‬أف موعد اجازيت مل ِ‬
‫يأت بعد ‪.‬‬

‫‪ -‬ببل اجازة ‪.‬‬

‫‪ -‬كيف ؟‬

‫‪ -‬ستذىب يف سيارة ا‪ٜ‬نانوت وتبقى ثبلثة أياـ وتعود بعدىا بالسيارة نفسها ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ -‬شكراً ‪ ...‬كم كنت إنىن أف اذىب اىل البصرة ىذا اليوـ‬

‫‪ -‬ستذىب لكن بشرط ‪.‬‬

‫‪ -‬باهلل ما ىو ؟‬

‫‪ -‬اف ْنلب لنا ‪ٚ‬نكة ‪١‬نشية بالطرشي والطماطة والبهارات ‪ ..‬ا‪ٞ‬نهم بالطريقة اليت‬
‫تطهوف هبا السمك ‪.‬‬

‫‪ -‬كما تشاء ‪.‬‬

‫‪ -‬كما يشاء ا‪ٛ‬ننود ‪ ..‬أف ىذا أقرتاحهم ‪..‬‬

‫وحٌن جاءت سيارة ا‪ٜ‬نانوت قفز فيها ماجد وعبلمات الرضا و البسمة واضحة‬
‫عليو‬

‫**********‬

‫يف ملجئي الذي فيو أماف العامل و واحة الراحة ا‪ٟ‬نادئة أجلس ‪ ..‬اجيل بنظرايت‬
‫على ما يشغلين ‪،‬ما‪٩‬نعل الوقت ينساب ‪ ،‬مايُبعد التفكًن با‪ٜ‬نرب ‪ ،‬وينسيين حياة‬

‫‪17‬‬
‫ا‪ٞ‬نبلجئ الرتيبة ‪ ،‬التقط ‪٠‬نلة ببل غبلؼ ‪ ..‬متسخة الصفحة االوىل ‪ ..‬اقلب االوراؽ‬
‫و أقرأ العناوين ‪ ..‬أتوقف عند صورة لفتاة ‪ ..‬ملونة ‪ ..‬أتأملها كثًناً‪ ..‬أُنث عن‬
‫ا‪ٚ‬نها كأين أعرفها ‪ ..‬ال أجد ‪ ..‬أغل‪ .‬اجمللة ‪ ،‬اصمت ‪ ..‬أرمي سهامي اليك فتقع‬
‫يف صدري ‪ .‬أقرتب منك فتبتعدين كالسراب ‪ .‬أكنت أحب جببلً أـ فاتنة العصور‬
‫العتيقة ؟ ‪ ..‬ا٘نل ظمأي باْناه شواطئك فتحرقين نارؾ ‪ ..‬يف البعد يتولد احساس‬
‫ا‪ٜ‬ننٌن و الغربة وتكونٌن طيف ا‪ٟ‬نوى ‪ ،‬جرتين األياـ ‪٥‬نو سواتر الدـ ‪ ..‬وا‪ٞ‬نصًن ‪٥‬نو‬
‫األرؽ االزيل وضريبة االوطاف بأْناه ا‪ٜ‬نب الكبًن ‪ ..‬أي شيء يأيت بك و اي عمل‬
‫يبعدؾ عن بايل ‪ ..‬ال ورد يف أرض البعوض والضباب ‪ ...‬أف شقائ‪ .‬النعماف ال‬
‫تنبت االّ يف االرض اليت تطأىا اقدامك ‪ ..‬من أتى بك اىل قرييت النائية لتعلمي‬
‫الصغار أَندية القراءة والكتابة ؟ ‪ ..‬أي اصرار ىذا الذي جعلك تقبلٌن التدريس يف‬
‫ريف بعيد عن ا‪ٞ‬ندينة اليت نشأت فيها ‪ ..‬اىو التحدي اـ رسالة ‪ ..‬أـ مصًن ‪ ..‬عن‬
‫‪..‬كنت‬
‫ُ‬ ‫البداية أـ الورطة ‪ ..‬اـ الفراؽ ‪ ..‬ا‪ٜ‬نلم او أي شيء ‪٬‬نر يف حياة ا‪ٞ‬نرء ؟‬
‫مدى اخضر ‪٬‬نتد ح ى األف‪.. .‬‬ ‫ىائماً يف حقوؿ قرييت ((أسديرة )) ‪..‬القمح ً‬
‫ومتسعمرات االقحواف تتخلل البقع غًن ا‪ٞ‬نزروعة بالقمح والشعًن ‪ ..‬البيوت الطينية‬
‫تغرؽ يف ُنر ا‪ٝ‬نضرة ‪ ..‬وا‪ٞ‬ناشية مضطجعة ‪ْ..‬نرت اكلها بتكاسل ‪ ..‬أ‪ٚ‬نع أنٌن‬
‫ا‪ٜ‬نشرات او غناءىا‪ ..‬الفرؽ ‪ٖ..‬نة غيوـ بيضاء متفرقة ‪..‬أشم رائحة الرشاد والفطر‬
‫‪ ..‬ارى بضع فتيات ‪٪‬نملن سبلؿ نبات ا‪ٝ‬نباز الذي يكوف وجبة الربيع اليومية ‪..‬‬
‫كنت أقرأ بكتاب (( اللزوميات )) للمعري ‪..‬‬
‫يف ذلك ا‪ٛ‬نو الذي ال ينسى ُ‬
‫رأيت ٗنعا من االطفاؿ الصغار صبية و بنات ينطّوف يف حقل القمح ‪ ..‬يرتاكضوف‬
‫وراء الفراشات ‪ ،‬عرفت أهنا سفرة مدرسية نظمتها ا‪ٞ‬نعلمة ا‪ٛ‬نديدة اليت جاءت اىل‬
‫‪18‬‬
‫بت منهم ‪ ،‬نادوين بصوت‬
‫القرية ‪ ..‬دفعين فضويل للذىاب اىل االطفاؿ ‪ ..‬أقرت ُ‬
‫مسموع ‪:‬‬

‫‪ -‬مراد ‪ ....‬مراد ‪ ....‬تعاؿ معنا ‪.‬‬

‫كنت إنناىا يف داخلي ‪ ..‬رغبت أف يناديين الصغار‪ ،‬أقرتبت منهم ‪..‬‬


‫مل اتردد بل ُ‬
‫سلمت عليهم ‪ ..‬وواصلت سًني ‪٥‬نو ا‪ٞ‬نعلمة ‪.‬‬

‫‪ -‬مساء ا‪ٝ‬نًن ‪..‬‬

‫‪ -‬مساء النور ‪..‬‬


‫‪ِ -‬‬
‫انك تقدمٌن خدمة كبًنة ‪ٟ‬نؤالء (( قلت ذلك و كأنين اعرفها منذ زمن ))‬

‫‪ -‬ىذا جزء من واجيب ‪ .‬مث أين أُرفو عن نفسي ‪.‬‬

‫‪ -‬القرية ٗنيلة ‪ ..‬اليس كذلك ؟ ‪.‬‬

‫‪ -‬بل وطيبة ‪ٜ‬ند ىذه اللحظة ‪...‬‬

‫‪ -‬ستكوف دائماً ‪..‬‬

‫‪ -‬إٔنىن ذلك ‪ ..‬ستكوف ىذه األياـ أٗنل ذكريايت رغم ما اعاين من غربة وصعوبة‬
‫يف توفًن ما أحتاج ‪.‬‬

‫كاف االطفاؿ يتقاذفوف الورد و العشب ويتصارعوف على البساط النبايت ‪ ..‬يف ىذه‬
‫اللحظة أردت اف ال اكوف ثقيبلً ‪..‬قلت‬

‫‪19‬‬
‫‪ -‬ا‪ٚ‬نحي يل بالذىاب ‪ ...‬وداعاً‬

‫‪ -‬وداعاً ‪ ..‬لكن ما ىو عنواف الكتاب الذي بيدؾ ؟‬

‫‪ -‬اللزوميات ‪.‬‬

‫‪ -‬أهبذا ا‪ٛ‬نو تقرأ ىذا الكتاب ‪ ..‬مث ماذا نقوؿ ‪٥‬نن أبناء ا‪ٞ‬ندينة ؟ أف عدوى‬
‫التشاؤـ أنتقلت اليكم أبناء القرى ‪.‬‬

‫‪ -‬صحيح ما تقولٌن‪ ..‬لكين ال أقرأ لنزار ‪.‬‬

‫‪ -‬مل تفهم قصدي ‪ ..‬فأنا ال أحب شعر نزار ‪ ..‬ليس كل الفتيات ٓنب شعر نزار‬
‫رغم مابو من حبلوة وشاعرية كبًنة ‪.‬‬

‫يف اللحظة ىذه وقفت ومل استطع أف اذىب عن من يناقشين أهنا تقف على ارضية‬
‫ثقافية أذاً‬

‫‪ -‬اال تعتقدين أف االصالة يف التشاؤـ ؟‬

‫‪ -‬ال ‪ ..‬أنك تغالط نفسك ‪ ..‬اف التشاؤـ جاء نتيجة سوء تصرؼ القائمٌن على‬
‫ىذا العامل ‪.‬‬

‫‪..‬قلت يف‬
‫ُ‬ ‫‪..‬وقفت امامها ‪ ،‬غسلتها بنظرايت ‪ ..‬اُنرت يف عينيها‬
‫ُ‬ ‫مثل مصعوؽ‬
‫نفسي ‪..‬االصالة يف عينيك‪..‬‬

‫‪21‬‬
‫منذ ذلك الوقت كانت أ‪٬‬ناف ملتقاي يف قرييت عند عوديت من ا‪ٛ‬نامعة ىي شيء‬
‫جاء ومل يتكرر ‪ ..‬كانت ومضة مضيئة أبعدتين عن وجودية وعبث ا‪ٞ‬نعري ‪،‬‬
‫التصقت بقرييت ألهنا فيها ‪ ..‬خرجنا اىل ا‪ٜ‬نقوؿ معاً ‪ ..‬وركضنا وراء صغار الطًن‬
‫وْنادلنا يف األدب العظيم للعامل وثوراتو االصيلة ‪ ..‬كانت ٕنتلك قناعات من‬
‫عدت من‬
‫الصعب التنازؿ عنها ‪ ..‬اهنا ا‪ٞ‬نرأة الوحيدة اليت ٕننيتها يف حيايت ‪ ..‬وحٌن ُ‬
‫ا‪ٛ‬نامعة يف مساء أحد االياـ اىل قرييت (( اسديرة )) سألت عنها ‪ ،‬قالوا اهنا نقلت‬
‫اىل مدينتها نينوى ومل الت‪ .‬هبا ‪ ..‬بعد سنوات ‪ٚ‬نعت اهنا رشحت ألنتخابات اجمللس‬
‫الوطين ومل تفز ‪ ..‬ال أعرؼ ‪ٞ‬ناذا ‪ ..‬وانقطعت أخبارىا عين ‪.‬‬

‫كل ما أعرفة أهنا رئيسة االٓناد النسوي يف نينوى اآلف ‪ ،‬قد ال تعرفين يف ىذه‬
‫اللحظة بعد كل السنوات لكنها لن تنسى ((اسديرة )) ا‪ٛ‬نميلة ‪ ..‬ىرب الليل بنا‬
‫و أطلقنا كلمات ا‪ٟ‬نوى اىل ما بعد ا‪ٞ‬ندى االخضر ‪ ،‬اسراب من االحبلـ تغمرنا يف‬
‫‪ٜ‬نظة التبلقي ‪ ..‬كل معايًن ا‪ٜ‬نب تراجعت عند ملحمتنا ‪ .‬كنت ٓنبٌن الوداع اىل‬
‫لقاء جديد و أنا اودع الزىر ا‪ٞ‬نعان‪ .‬للشفاه ‪.‬‬

‫دع طيور القلب ترحل أو ٓنط م ى تشاء ‪ ،‬فضيايت واسعة و مرتامية ٓنت ىذي‬
‫السماء ‪ ،‬أرضي آمنة فارحل م ى شئت أو حط بٌن ثنايا القلب أيها ا‪ٜ‬نبيب ‪ ،‬دع‬
‫مسافات ا‪ٝ‬نوؼ ٔنتصر اىل االماف ا‪ٞ‬نزدىر ‪ ،‬اشتاؽ ‪ٜ‬نلم الفراشات الصغًنة و‪٨‬نس‬
‫الريح بٌن اوراؽ العشب الندي ‪ ..‬أنا أوؿ العاشقٌن ببل أسى أو ندى و اكثرىم‬
‫تيهاً يف ُنر العيوف ‪ ..‬أُرتل آيات الغراـ على الوسائد ا‪ٝ‬نالية ‪ ،‬اوزع قليب على مفرتؽ‬

‫‪21‬‬
‫الطرؽ ‪ ،‬أرحل اىل أخر حدود العش‪ .. .‬أذوب بٌن ‪٨‬نس الكلمات و أرْناؼ‬
‫الشفاه الطرية ‪..‬‬

‫ِ‬
‫انت البداية ا‪ٜ‬نقة وهناية النهاية ‪ ..‬تزوجي أحبلمي فهذا أضعف اال‪٬‬ناف ‪ ..‬أذكري‬
‫رحلة ا‪ٜ‬نقوؿ ا‪ٞ‬نكتظة بالورد‪..‬أسأيل عن آخر احزاين وتيهي ‪ ..‬أعلمي أف أخر نداء‬
‫للقلب ىو ِ‬
‫أنت سأختصر ا‪ٞ‬نسافات اىل ظلك لتكوين واحة الظبلؿ الوارفة ‪ ،‬مدينة‬
‫ا‪ٜ‬نناف ا‪ٟ‬نادئة أنت ‪ ،‬وصخب الشوارع الضالة أنفاسك حٌن تعشقٌن و تعربين عن‬
‫ىواؾ ‪ .‬و انا آلػة الرتدد وا‪ٛ‬نموح وثورة الزمن الناعس ‪ ،‬نادراً مايفارقين ا‪ٜ‬نلم‬
‫‪..‬فأحلم بك من جديد ‪ِ ..‬ملَ كنت توزعٌن على القلب العواطف لتخنقيو وترحلي‬
‫قبل ا‪ٞ‬نساء األخًن ‪ ،‬قل رحيل النحل ا‪ٞ‬نعل‪ .‬بالزىور ‪ ..‬ا‪ٞ‬نطاؼ البعيد انت ‪ ،‬أي‬
‫ىوى ذلك الذي يأسرين بٌن أنفاسك وظلك ‪ ،‬يف البحًنات البعيدة أحلم باللقاء‬
‫‪ ..‬أحسب سػػاعات الوداع فيكوف زمن ثقيل ‪ ..‬من ‪٨‬نسايت لك أزداد عشقاً يا‬
‫كسرت حديت‬
‫ْ‬ ‫ملكة ا‪ٛ‬نماؿ ‪ ..‬انت آخر القديسات و أوؿ العاشقات ‪ ..‬من‬
‫وجربويت غًن أنت يا صلصاؿ القلب ‪ .‬أنت مدى ا‪ٜ‬نقل االخضر وقمح نينوى‬
‫الكثًن ‪.‬الفرح الكبًنة اىتزت اوتار قليب عن طيف ىواؾ أسرتين ذكريات الكلمات‬
‫ا‪ٟ‬نامسة و ادماين الفراؽ‬

‫تسرقنا االياـ عن احبتنا و تبعدنا االحداث عن ميثاقنا وىوانا آخر االياـ أف ال‬
‫وقت للحب ‪َّ ..‬‬
‫أف ال معىن للوجود ‪ ..‬يازمن ا‪ٞ‬نبلجىء الثقيل أسرع ا‪ٝ‬نطى ‪٥‬نو‬
‫ا‪ٞ‬ند ّمى‪...‬‬
‫هناية النف‪َ .‬‬

‫‪22‬‬
‫قصف معادي مركز ‪ٞ‬نبلجئنا ‪ ..‬أىتزاز يف ىذه ا‪ٛ‬نحور اليت ال تسكنها ح ى الثعالب‬
‫‪ ،‬غبار ‪ ،‬دخاف صعد اىل السماء ‪...‬‬

‫تسقط شظية عند باب ملجأي ‪ ..‬ا‪ٟ‬نوؿ ا‪ٟ‬نوؿ ‪ٞ‬نن بقي حياً ‪ ..‬يقوؿ االعداء منذ‬
‫سنوات ا‪ٞ‬نوت للسبلـ ‪..‬ا‪ٞ‬نوت للسبلـ ‪ ..‬يتفاخروف هبذا الشعار ‪.‬‬

‫يفتخروف بكثرة قتبلىم من أبناء ايراف ‪ ..‬أرأيتم مثل ىذا يف بطوف التاريخ و أمهات‬
‫الكتب ؟ ‪..‬‬

‫أصيح با‪ٛ‬ننود أف أدخلوا ا‪ٞ‬نبلجىء ‪ ..‬اف العدو يستغل ‪٠‬نيء سيارات االرزاؽ ‪.‬‬

‫ردت‬
‫يستمر القصف ا‪ٞ‬نعادي ‪..‬صاح أحد ا‪ٛ‬ننود من ملجئو ‪..‬لن يتوقفوا أال اذا ّ‬
‫عليهم مدفعيتنا ‪..‬اهنا ٔنيفهم كثًناً ‪ٜ ..‬نظات و يستجيب رجاؿ ا‪ٞ‬ندفعية لقوؿ‬
‫ا‪ٛ‬نندي ‪ ..‬وهتدر االصوات ونكوف أرض حراـ بٌن ا‪ٞ‬ندفعية الثقيلة ا‪ٞ‬نتقابلة اليت‬
‫تناطح بعضها بعضاً نصف الساعة ‪ ،‬تنجلي غمامة ا‪ٞ‬نوت ويتوقف القصف ا‪ٞ‬نعادي‬
‫‪ ..‬أخرج ‪٥‬نو ا‪ٛ‬ننود ‪ ،‬كانوا بسبلـ ومل يتعرض احد لسوء ‪ .‬اوقد خرب ا‪ٛ‬ننود‬
‫القصف و أخسنو ْننب النًناف ‪.‬‬

‫أدخل ملجأ ا‪ٞ‬نقاتل مناحي قنياف ‪..‬أسم بدوي يوحي بالبيئة اليت ىو فيها ‪ ..‬مبلمح‬
‫صيب ‪ ،‬وجو صقر جائع ‪ ،‬رجل شوكي من صحراء العراؽ الغربية ‪ ،‬تلك الصحراء‬
‫اليت اقرتنت بالذئاب ا‪ٞ‬نفرتسة والبدو االشداء ‪..‬ا‪ٜ‬نرب بدأت من الصحراء ‪..‬‬

‫‪23‬‬
‫وحسمت يف الصحراء ‪..‬مناحي قنياف ‪ ،‬تعابًن وجهو القاسية و شاربو الكث‬
‫يوحياف بالكثًن من التجارب ‪ ،‬سبلحو بندقية كبلشنكوؼ ‪..‬قلت يف نفسي من‬
‫روض مناحي وجعلو يقف يف ىذا الساتر افاؽ انتماء الوطن انتماء العشًنة والبعًن‬
‫‪ ..‬مث اذا ىو ‪٢‬نًن أعناف الصحراء الغربية ّنواشيو من لو القدرة على مبلحقتو ‪ ،‬بل‬
‫من يستطيع أف يراه ‪..‬صحت بو ‪:‬‬

‫‪ -‬مناحي ؟‬

‫‪ -‬نعم ‪(..‬قا‪ٟ‬نا ِنشونة )‬

‫‪ -‬أين اىلك ؟‬

‫‪ -‬بالغربية ‪.‬‬

‫‪ -‬أي غربية ؟ أنا لست بدوياً ألعرؼ الغربية ‪..‬‬

‫‪ -‬اذا أنت وصلت الرطبة ‪ ..‬جنوب الرطبة باْناه السعودية‪.‬‬

‫‪ -‬نعم ‪.‬نعم اآلف عرفت ‪.‬‬

‫الصحراء الهناية من الرماؿ وبعض أشواؾ كئيبة تنبت يف كنفها الواسع ‪،‬اهنار من‬
‫السراب االبيض الذي ‪٫‬ندع ا‪ٞ‬نرء الشيء غًن الفراغ الذي سكنو البدوي ‪ٖ ،‬نة‬
‫صدى القواـ مرت من ىنا ‪..‬‬

‫‪24‬‬
‫اف كل الشعوب لكي تتحضر عليها أف ٕنر هبا وليل يهيم تتؤلأل ‪٤‬نومة كمصابيح ال‬
‫شيء ‪٪‬نجبها ‪ ..‬أهنا ا‪ٞ‬نؤنس لؤلقواـ اليت ٕنر ‪ ،‬بل ىي بوصلة الرحلة ا‪ٞ‬نتواصلة ‪..‬‬
‫تبلؿ من رماؿ تنشأ اليوـ وتتبلشى غداً ‪..‬‬

‫خيم سوداء ىجعت ا‪ٞ‬نساء ىنا وجاء الصباح ‪ ..‬واختفت ‪.‬‬

‫انو الشيء يذكر البدوي با‪ٞ‬نوت ‪ .‬التوجد ‪ٟ‬نم مقابر ٗناعية عندما ‪٬‬نوت البدوي‬
‫يدفن مث يرحل ال ‪١‬نالة وراء ا‪ٝ‬نصب ‪ ..‬اهنم منفردوف ح ى القبور وحيدة يف‬
‫الصحراء ‪..‬‬

‫الشيء منفرد بعا‪ٞ‬نو وكل كائن فيهم مغامر كبًن ‪ .‬أف احد البدو قد أنقذ بطل‬
‫(أرض البشر ) ألنطواف ده اوكزوبري ‪.‬‬

‫أننا ‪٥‬نتاج اىل من ينقذنا‪ ،‬أف اوكزبري أراد أف نرجع للجذور ‪ ،‬لؤلصالة ‪ ،‬للصحراء‬
‫‪ ..‬وىذا صحيح ‪،‬‬

‫أدخل مناحي يده يف جيبة و أخرجها وقاؿ ‪:‬‬

‫‪ -‬خذ ىذا ‪.‬‬

‫‪ -‬انو ناب حيواف ‪.‬‬

‫‪-‬ناب ذئب شامي ‪.‬‬

‫‪ -‬كيف حصلت عليو ؟‬

‫‪ -‬ىجم الذئب على الغنم فقتلتو زوجيت ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ -‬زوجتك ؟‬

‫‪ -‬نعم ‪.‬‬

‫الصحراء ‪ .‬ا‪ٝ‬نشونة ‪ .‬الشجاعة ‪ .‬الصرب ‪ .‬امرأة تقتل الذئب الشامي الشرس ‪ ،‬أهنا‬
‫تدافع عن بيتها ‪ ،‬عن مواشيها ‪ ،،‬أف أباه رجل كبًن السن و أبناؤه صغار و ‪ٟ‬نذا‬
‫قامت زوجتو ّنا يقوـ بو أشجع الرجاؿ ‪.‬‬

‫تأملت ناب الذئب ‪،‬قلت يف نفسي كم من اللحم مزؽ ىذا الناب ؟ كم من‬
‫االرواح أزى‪ .. .‬كاف اللؤلؤ ناصع البياض املس ‪.‬‬

‫‪ -‬ما فائدتة ؟‬

‫‪ -‬انو يطرد االرواح ا‪ٝ‬نبيثو و‪٩‬نعلك صلب القلب قوي يف اشد ا‪ٞ‬نواقف خطورة ‪.‬‬

‫‪ -‬شكراً‬

‫وضعتو يف جييب ‪ ،‬ال تيمناً بو بل كذكرى و كمجاملة ‪ٞ‬نناحي ‪ ،‬اف زوجة مناحي‬
‫جعلتين أغًن نظريت عن ا‪ٞ‬نرأة البدوية اليت ر‪ٚ‬نتها يف خيايل ‪ ،‬تصرفاهتن عند عيادات‬
‫االطباء وْنو‪ٟ‬نن يف شارع نينوى ‪..‬تؤكد يل أف ىؤالء لسن بدويات بل من مزارعات‬
‫ا‪ٞ‬ندف اليت ٓنيط أكواخهن بنينوى ‪ .‬قلت أف امرأة مثل زوجة مناحي ال ٕنرض ‪ ..‬ال‬
‫يستطيع ا‪ٞ‬نرض أف يقرتب منها ‪.‬‬

‫يبدو أف العدو قد اكتشفنا يف ا‪ٞ‬نلجأ ‪ ..‬بدأت تتساقط قربنا رصاصات رشاشة ‪.‬‬
‫أحداىن وقعت باردة بٌن أقداـ مناحي ‪ ..‬أبتسم ومل يعر لؤلمر أية ا‪٨‬نية ‪ ..‬أف‬
‫موضع رشاشات العدو ‪٢‬نفية بشكل جيد على شاطيء البحًنة الثاين ‪ .‬أكثر من‬
‫‪26‬‬
‫)) ‪ )) s.p.j.9‬ا‪ٞ‬نضادة للدبابات و االبنية ‪ ،‬اهنم‬ ‫مرة دمرت بواسطة‬
‫يتعمدوف الرمي هناراً ويقللوف الرمي ليبلً الف الوميض سيكشفهم فيكونو عرضو‬
‫لصوارية حسن عناد صاحب اؿ ))‪ ((s.p.j.9‬الذي ‪٩‬نيد التهديف واالصابة ‪..‬‬
‫يف معارؾ بنجوين اليت استمرت ثبلثة أسابيع ‪..‬قالوا أف مناحي بقي يقاتل ‪ٞ‬ندة‬
‫أسبوع يف أعلى قمة ا‪ٛ‬نبل ‪ ،‬كاف معو يف الربية أحد الفرساف ا‪ٚ‬نو كاكو رشيد ‪ ..‬مل‬
‫ينسحب مناحي رغم شده القصف وتراجع ا‪ٛ‬ننود و أستشهاد آمر الفصيل ‪..‬بقي‬
‫ىناؾ يقاتل مع كاكو رشيد ‪١‬ناصرين ‪ ،‬وبعد اسبوع استعادت القوات العراقية ا‪ٛ‬نبل‬
‫و أستطاعت أف تطرد العدو ‪ . .‬وقد وجدوا كاكو رشيد ‪٠‬نروحاً بساقو ومناحي مل‬
‫يصب بشيء ‪..‬حب االرض فطرة وتأيت من البلوعي ‪ ،‬والشجاعة فطرة تولد مع‬
‫االنساف ‪ ،‬وكذلك ا‪ٞ‬نواقف ا‪ٞ‬نبدئية ‪..‬أف مناحي وكاكو رشيد أمياف مل يقرءا اي‬
‫كتاب يف حياهتما ومل يتثقفا ُنب الوطن ‪ .‬فهو حب ال يأيت عن طري‪ .‬القراءة ‪.‬‬

‫االنتماء والشعور ‪ ،‬بل الغًنة وا‪ٞ‬نسؤولية البسيطة ىي اليت جعلتهما يقاتبلف ‪ٞ‬ندة‬
‫اسبوع بأعلى قمة ا‪ٛ‬نبل ‪ٕ ..‬نلكين ىذا الشعور وىذه القناعة و انا أتذكر صديقي‬
‫ا‪ٛ‬نامعي أ٘ند سليماف الذي ىاجر اىل ا‪ٝ‬نارج بعد أنتهاء دراستو ا‪ٛ‬نامعية ‪ .‬عذره يف‬
‫ذلك انو ‪٫‬نتلف فكراً و أيديولوجياً عن فكر السلطة وا‪ٜ‬نزب الذي يقودىا ‪..‬كاف‬
‫‪٪‬نلم با‪ٜ‬نرية و اآلماؿ الكبًنة ‪..‬بعد سنوف من ىجرتو جاءتين رسالة منو ‪..‬قاؿ يل‬
‫فيها انو نادـ ‪..‬بل ‪١‬نتقر يف ا‪ٝ‬نارج ‪ ،‬أهنم يف ىذه الببلد يع ّدونو خائناً و جباناً وأالّ‬
‫‪ٞ‬ناذا ال يشارؾ يف الدفاع عن وطنو‪.‬‬

‫قلت ‪ٞ‬نناحي فجأة‬

‫‪27‬‬
‫‪ -‬اتعرؼ كاكو رشيد ؟‪.‬‬

‫‪ -‬كاكو رشيد أخي يوـ قل االخوة ‪.‬‬

‫‪ -‬أين ىو اآلف ؟ ‪.‬‬

‫‪ -‬أستشهد يف معارؾ ( سديكاف ) ‪.‬‬

‫‪ -‬أذىبت اىل أىلو ؟‬

‫‪ -‬نعم ذىبت ‪ ..‬وقد وجدت أبناءً ثبلثة و زوجتو و أبنتو ‪.‬أنك ال تعرؼ كم ىو‬
‫شجاع كاكو رشيد ‪ ،‬حراـ يأخذه ا‪ٞ‬نوت ‪ ،‬حٌن ‪ٚ‬نعت باستشهاده مل أذؽ الطعاـ‬
‫ثبلثة أياـ ‪.‬‬

‫فقدت انػساناً قاتل بصمت وأستشهد بصمت ‪ ،‬مل يقيمو‬


‫ُ‬ ‫انو مقاتل شرس ‪..‬لقد‬
‫احد ومل يعرؼ عنو أحد ‪ ،‬كل ما ىنالك أف كاكو رشيد قد أستشهد ‪..‬ال احد‬
‫يعرؼ تار‪٫‬نو ا‪ٜ‬نريب غًني ‪ ..‬أف لو مكانة كبًنة يف قليب ‪..‬تصور ‪..‬أف ابين الصغًن‬
‫أ‪ٚ‬نو رشيد ‪.‬‬

‫ت أف عينيو أغرورقتا بالدمع ‪ ..‬ا‪ٜ‬نرب ٔنل‪ .‬صداقات‬ ‫تغًن وجو مناحي ‪ ،‬الحظ ُ‬
‫تتجاوز ّنحبتها حب االخوة و االىل ‪ ..‬من أين اتى ىذا ا‪ٜ‬نب ‪ٞ‬نناحي ْناه كاكو‬
‫رشيد ؟ ‪ .‬أنو ا‪ٞ‬نوقف واالخبلص وا‪ٞ‬نصًن الواحد ‪ ،‬ندفع العمر دفعا ‪٥‬نو حافتو‬
‫‪٥،‬نبث عن بقعة صا‪ٜ‬نة للموت يف أعايل القمم كنا أعبلماً ويف الودياف سراجاً‬
‫يوقظ العامل من سكرة الصمت ‪ ..‬يف ظلمة الليايل ال نطلب من الريح السكوف ‪..‬‬
‫كنا طائر الفين‪ .. .‬أو ىياكل ثلج يف قمم حصاروست ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫ادخل يدي يف جييب ‪ ،‬تقع على ناب ذئب كاف يعوي يف صحراء العراؽ ويئن ‪..‬ال‬
‫يقتل الذئب اال الذئب ‪..‬اداعبو بأصابعي ‪ ،‬رماؿ الغربية ولياليها الباردة تؤرؽ‬
‫صاحب الناب ‪ ..‬أكاف فريسة ا‪ٛ‬نوع الذي دفعو ‪٥‬نو موتو أـ غرور جعلو يأيت اىل‬
‫ا‪ٞ‬نرأة اليت سلبت أيامو بأمر أختزلت خوفها من الفراش وعبأت شجاعتها يف البندقية‬

‫**********‬

‫من موضع الرشاشة ا‪ٞ‬نتوسطة رف جرس التلفوف ‪ ..‬رفع السماعة ا‪ٞ‬نخابر كرًن ‪.‬‬
‫أعطاين التلفوف قائبل‪:‬‬

‫‪ -‬اآلمر يطلبك ‪...‬‬

‫التقطت السماعة ‪ ..‬و هتادى كبلـ اآلمر متقطعاً يف أذين ‪..‬‬

‫قاؿ يل ‪:‬‬

‫‪ -‬أنت الحظت عمل ا‪ٟ‬نندسة العسكرية ‪ ،‬فقد فتحت لكم ثغرة يف ا‪ٞ‬ناء لتكوف‬
‫لكم طريقاً عند خروج الكمٌن ‪ ..‬وستكوف أنت آمر الكمٌن و تأخذ معك‬
‫جنديٌن و سأكوف على اتصاؿ بكم عن طري‪ .‬التلفوف الذي ستأخذونو معكم ‪..‬‬

‫مقدـ ىذاؿ أسم يوحي بالصراحة وا‪ٜ‬نزـ ‪ ..‬رجل أبيض البشرة أشقر الشارب تبدو‬
‫عليو بعض عبلئم التعب ‪ ،‬فقد كاف من اوائل الضباط الذين أنيطت هبم قيادة‬

‫‪29‬‬
‫ا‪ٞ‬نقاتلٌن يف ا‪ٜ‬نرب ‪..‬يف معارؾ الشماؿ ضد ا‪ٛ‬نيب العميل كاف مبلزـ أوؿ و يقود‬
‫سرية مغاوير يف منطقة سيد صادؽ يف السليمانية ‪ ،‬أما يف ىذه ا‪ٜ‬نرب فقد كانت‬
‫قواتو من بٌن القوات اليت دخلت احملمرة ‪ ،‬عرب هنر الكاروف وشهد معارؾ شرؽ‬
‫البصرة االوىل ‪ ..‬وميساف ‪ ..‬وبنجوين ‪ ..‬انو ‪٬‬نتلك خربة طويلة ‪ ،‬وىادىء ال يهتز‬
‫توازنو مهما صعبت الظروؼ ‪ ..‬مدة قصًنة من الوقت ويأيت رجاؿ ا‪ٟ‬نندسة‬
‫العسكرية ‪ ..‬يبدأ عملهم ا‪ٞ‬نتقن الدقي‪ . .‬أهنم الرجاؿ الذين ال ‪٫‬نطأوف مرتٌن ‪ ..‬يف‬
‫ظلمة الليل عملهم ويف زورؽ مطاطي يقتحموف االسبلؾ الشائكة‪ ..‬ويطهروف‬
‫الثغرة من االلغاـ الكبًنة ‪٬ ..‬نر وقت ليس بالكثًن ‪ ،‬يعود رجاؿ ا‪ٟ‬نندسة العسكرية‬
‫اىل الشاطيء ‪ ،‬ويرتكوف لنا الزورؽ لنقوـ ‪٥‬نن بعملنا ‪ ،،‬يف الزورؽ الذي سينقلنا اىل‬
‫مسافة مئيت مرت يف البحًنة كنا ثبلثة ‪ :‬أنا و‪١‬نمود سعيد وعلي جاسم ‪ .‬االثناف‬
‫جنود أحتياط و أنا ‪٠‬نند ‪ .‬اندفع الزورؽ هبدوء وريبة ‪٥‬نو مكانو يدفعو عمود خشيب‬
‫يثبت باالرض من هناية الزورؽ ‪ ،‬وبالفعل ورد الفعل يتقدـ الزورؽ ‪ .‬نقف يف مكاننا‬
‫احملدد ‪ ..‬ويركن الزورؽ بأحد أعمدة االسبلؾ الشائكة ‪٥ ..‬ندؽ فيما حولنا ‪..‬‬
‫أسبلؾ شائكة تتخللها ا‪ٞ‬نئات ‪ ،‬بل اآلالؼ من ا‪ٞ‬نفرقعات اللغمية ‪ ..‬أصوات ازيز‬
‫رشاشات العدو يعربنا بأْناه قطعاتنا بٌن ‪ٜ‬نظة و اخرى يتأجج تنوير ٍ‬
‫معاد فوقنا ‪،‬‬
‫نركن اىل ا‪ٛ‬نمود ‪،‬و االّ أصبحنا عدماً‪ ..‬حديثنا ‪٨‬نس فيما بيننا ‪٥ ،،‬ندؽ يف ظلمة‬
‫ا‪ٞ‬ناء باْناه العدو ‪ ..‬نصغي بآذاننا لنسرتؽ السمع ‪ ،‬لعلنا نظفر بشيء ‪ّ ..‬نعلومة‬
‫عن العدو ‪..‬نسمع صوت ‪١‬نركات ‪ ..‬وراء الساتر ا‪ٞ‬نعادي ‪..‬أهنا أرزاقهم و ما‬
‫‪٪‬نتاجوف ‪..‬حٌن ينقطع الرمي تسمع أصوات ارتطاـ ا‪ٞ‬نو‪٩‬نات الصغًنة بالزورؽ‪..‬برد‬
‫‪..‬أـ خوؼ يتوغل يف االجساد ‪..‬أحساس بتفاىة العامل و بساطة ا‪ٞ‬نهمات ‪..‬‬

‫‪31‬‬
‫تزعزع يف قناعات كانت ال تفارقنا يوـ كنا ‪٥‬نسب الدنيا ‪٠‬نرد حلم ٗنيل ‪ ..‬زورؽ‬
‫من مطاط يتوسط ناراً و يسبح يف جحيم ‪ ..‬اكتسى ىذا الزورؽ برحى العامل ومل‬
‫يعد ‪٢‬نصصاً للصيد و النزىة ‪ ..‬صار وسيلة من وسائل الدمار ‪ ..‬أف االنساف ‪٫‬نل‪.‬‬
‫مقومات ا‪ٞ‬نوت بيده ‪١ ..‬نمود سعيد يشتعل قلبو الجل سيكارة و لكن ال وقت ‪ٟ‬نا‬
‫‪ ،‬أراه يقرفص يف قاع الزورؽ ا‪ٟ‬نزاز ‪ ..‬مث يرنو باْناه الشاطىء ا‪ٞ‬نعادي و يهمس من‬
‫شرقنا يأيت ا‪ٝ‬نراب ‪ ..‬ومن صحراء لوط تأيت ا‪ٝ‬نرافة والشعوذة ‪..‬‬

‫صمت ماقبل العاصفة ‪ ..‬أو بعدىا ‪ ..‬خيم على ا‪ٞ‬نكاف ىدوء حذر او تعب‬
‫أجتاح اليد اليت تضغط على الزناد ‪ ..‬كلما أحدؽ يف البحًنة جنوباً ‪ ..‬أرى شعاعاً‬
‫ضوئياً ينتشر يف السماء ‪ ..‬أهنا جبهة الفرقة السابعة اليت ال هتدأ نارىا أال نادراً‪..‬‬

‫الليايل ا‪ٟ‬نادئة او رّنا ىي اسرتاحة ‪ ..‬مؤقتة ‪ ..‬يتوقف كل شيء أال موجات البحًنة‬
‫و اىتزاز الزورؽ‪..‬‬

‫أحدؽ يف مدى الرقية يف قاع البحًنة ا‪ٞ‬نظلم ‪ ..‬أسند ظهري على مقدمة الزورؽ ‪..‬‬
‫و أصمت ‪.‬‬

‫ىيفاء ‪ ..‬بتوؿ ‪ ..‬ايفوف ‪ ..‬أجساد مرمية ‪..‬و أرواح شاردة‪ ..‬هتادى الزورؽ ا‪ٛ‬نميل‬
‫يف ُنًنة الثرثار ‪ ..‬ا‪ٞ‬نوج ا‪ٞ‬نتبلطم ‪٪‬نطم الرماؿ ‪ ..‬أرى حلم السنٌن الضائعة ‪ ..‬يدفع‬
‫الزورؽ يف الثرثار ‪..‬ألقي بأيفوف بنت بًنوت يف ا‪ٞ‬ناء ‪ ..‬يطفو ا‪ٛ‬نسد ا‪ٜ‬ننطي يف‬
‫زرقة ‪ ،‬أنتشلها من عبثها ‪..‬تقهقو الباقيات و الزورؽ ‪٩‬نوب البحًنة ‪..‬أغرؼ ا‪ٞ‬ناء ‪،‬‬
‫القيو على وجو بتوؿ األ‪ٚ‬نر ا‪ٝ‬نجوؿ ‪ ،‬أقفز يف البحًنة ‪ٕ ،‬نتد االيادي ا‪ٛ‬نميلة و‬

‫‪31‬‬
‫أصعد ‪ ..‬تضغط ىيفاء على زر ا‪ٞ‬نسجل الذي بيدىا ‪ ،‬يصدح صوت وديع الصايف‬
‫‪..‬‬

‫عندؾ ‪ُ ..‬نرية ‪ ،،‬يا ريس‪ ،،‬تردد ا‪ٜ‬نناجر الناعمة مع االغنية يندفع الزورؽ يف‬
‫الثرثار بعيداً ‪ ..‬تبتعد عن الشاطىء الغاص بالطلبة ‪..‬‬

‫قالت ايفوف ‪ ..‬كأننا يف شواطىء بًنوت‪ .‬قلت كأننا يف حلم ‪ ..‬أشرقت يف وجهي‬
‫صفحة ا‪ٞ‬ناء و أغمضت ا‪ٛ‬نفوف ‪..‬‬

‫و اضطجعت يف قاع الزورؽ ‪ ..‬و رفعتين ايفوف من أقدامي ‪ ،‬قذفتين يف ا‪ٞ‬ناء ‪،‬‬
‫سحبتها معي وغدونا ‪ٚ‬نكتٌن ‪ ..‬ابتعد الزورؽ عنا ‪ ،،‬التصقت هبا ‪ ،،‬جسد حار‬
‫يف ماء بارد ‪ ،،‬يرتاقص جسدىا بفعل ا‪ٞ‬نوج ‪ ..‬خفيفة تبدو كريشة ‪ ،‬أغطس يف ا‪ٞ‬ناء‬
‫و أفاجؤىا من خلفها ‪ ..‬تغطس وتبتعتد ‪ ..‬أ‪ٜ‬نقها ‪ ..‬يعود الزورؽ و تصعد ‪..‬‬
‫ماض من الزماف و ِ‬
‫آت‬ ‫أ‪ٚ‬نع ا‪ٞ‬نسدؿ يصدح ‪ :‬ىذه ليليت و حلم حيايت ‪ ..‬بٌن ِ‬

‫هتادى بنا الزورؽ باْناه ٗنوع الطلبة ‪ٜ ..‬نظة ونكوف يف الشاطىء و نودع الزورؽ‬
‫جملموعة أخرى من الطلبة ‪ ..‬نضطجع على الرمل ‪..‬‬

‫يرف جرس التلفوف فجأة‪..‬‬

‫‪ -‬كمٌن ‪ .‬؟‬

‫‪ -‬نعم ‪ ..‬من ؟‬

‫‪ -‬مقدـ ىذاؿ‬

‫‪32‬‬
‫‪ -‬نعم سيدي‬

‫‪ -‬اهلل يساعدكم مبلزـ مراد ‪ ..‬ىل تبلحظوف شيئاً ؟‬

‫‪ -‬ال شيء جديد ‪ ..‬بل اهنم قد قللوا الرمي ‪..‬‬

‫‪ -‬ال تكثروا ا‪ٜ‬نركة و الحظوا جبهة العدو ‪ ،‬قد ٔنرج دورية معادية ‪ ..‬أنتبهوا جيداً‬

‫‪ -‬أمرؾ سيدي‪.‬‬

‫أجلنا نظرنا يف البحًنة ‪ ،‬ال أحد سوانا يف ىذا الليل الكثًن النجوـ ‪ ..‬علي جاسم‬
‫‪٪‬نتضن بندقيتو و يتكىء على كوعو االيسر ‪..‬صامت ال ينبس بكلمة ‪ .‬انو من‬
‫مدينة الناصرية ‪ ..‬كاف ‪٪‬نب الغجر ‪ .‬و يف كل إجازة يذىب اىل مضارهبم و ‪٪‬نضر‬
‫حفبلت رقصهم و طرهبم ‪ ..‬قالوا انو تعل‪ .‬بالراقصة وحيدة و كانت ْنلس اىل‬
‫جانبو بٌن كل وصلة رقص و أخرى وقد أىداىا الكثًن من مبلبس الرقص ‪ .‬لقد‬
‫أغاض ىذا التصرؼ زوجها القصًن القامة وحدا بو اىل ا‪ٟ‬نجرة هبا اىل مكاف ‪٠‬نهوؿ‬
‫‪ .‬ىذا التصرؼ أغضب علي و مل يذىب بعدىا اىل رقصات الغجر ‪..‬مرة ذىب‬
‫اىل أحدى حفبلهتم ومل ‪٩‬ند وحيدة وغضب و ثارت ثائرتو ‪ ،‬أطفأ ا‪ٞ‬نصابيح و‬
‫أفشل حفلهم و رجع دوف أف يتفوه بكبلـ‪ .‬أتراه يف ىذا ا‪ٞ‬نكاف يفكر بوحيدة ؟ ‪..‬‬

‫قد ابتعدنا عن زمن الرباءة و جرفتنا رياح الدـ النازؼ ‪ .‬ىذا يوـ أتقاد ا‪ٟ‬نواء يف‬
‫احشائنا ‪ ،،‬عيوف الصمت ال تأيب التخلي عن عشقها‪٥ ..‬نن ا‪ٞ‬نسافات اليت ال‬
‫توصل ‪ ..‬وهناية العصر الرىيبة و ا‪ٛ‬نبلد ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫ال مر ٍ‬
‫اس على الشطآف تستقبل سفننا ‪ ..‬وال ورد يف االحضاف ‪ ..‬كل ما ىنالك‬
‫طٌن معجوف بدماء ‪ ..‬و أسبلؾ حديد تشمر عن أسناهنا ‪ ،‬أرى عاشقات ببل‬
‫رجاؿ ‪ ..‬و انا يؤرقين ىوى النساء ا‪ٞ‬نكافح يف اف‪ .‬ا‪ٜ‬نرب‪ ..‬من باب ‪٨‬ننا الكبًن‬
‫اعلنا رسالتنا ‪ ..‬و من عويل أـ أعطت أبنها شهيداً جاء اصرارنا‪ ..‬يتبلشى الليل ‪..‬‬
‫عند مطلع الفجر ‪ ..‬وٓنمر السماء شفقاً وحزناً أـ فرحاً و ‪٫‬نتفي صفاء النجوـ ‪..‬‬
‫يزداد مدى الرؤية ‪ ..‬ينساب الزورؽ ‪٥‬نو شاطيء البحًنة ‪ ،‬لقد جاء الفجر فالبقاء‬
‫خطر ‪ ..‬سريعاً ما نصل الشاطيء ‪ ،‬ندخل ا‪ٞ‬نبلجيء ‪ ..‬و أبدأ بكتابة برقية اىل‬
‫الفوج عن عودة الكمٌن سا‪ٞ‬ناً و ببل خسائر ‪ ..‬مل أالحظ اي شيء يثًن التساؤؿ‬
‫والغرابة ‪ ..‬كانت بداية موفقة ‪ .‬نظرت اىل التقوًن الصغًن يف ملجأي ‪ ،‬كاف اليوـ‬
‫الثاين عشر من آذار‬

‫ابتسمت ‪ :‬بعد يومٌن سأذىب ‪٠‬نازاً‪....‬‬

‫***************‬

‫‪34‬‬
‫الندى اجراس لؤلؤ على العشب‪ ..‬و ا‪ٞ‬ندى أزرؽ‪ ..‬ومكحوؿ ‪٩‬نثم غرباً أسودا‬
‫داكناً ال شجر يغطيو ‪ ..‬أ‪ٚ‬نيو ا‪ٛ‬نبل ا‪ٜ‬نزين ‪ ..‬قرية أسديرة مفروشة يف جوؼ‬
‫حقوؿ القمح الواسعة ‪ ،‬أىيم يف أجوائها و دروهبا ‪ ..‬الزمن يضع بصماتو على‬
‫بيوت الطٌن خدشاً ‪ ..‬جرفاف السيوؿ يرتؾ أخاديد على أسقف و جدراف البيوت‬
‫تنغرس بٌن السقف و ا‪ٛ‬ندراف ‪ ..‬أعشاش العصافًن و الفئراف و يف داخلي البيوت‬
‫و على أعمدة السقوؼ ا‪ٞ‬نعوجة ‪..‬‬

‫‪35‬‬
‫يعشعش ا‪ٝ‬نفاش الذي يأيت مو‪ٚ‬نياً ‪ ..‬أبقار ْنوب االزقة بعبث ‪ ..‬ودجاج ينثر‬
‫ا‪ٞ‬نزابل بفوضى ‪ .‬قطعاف من االغناـ ا‪ٟ‬نائمة يف صمتها موجهة ‪٥‬نو الرباري احمليطة ‪..‬‬
‫أرى أ‪ٚ‬ناعيل العبد اهلل ‪ ..‬صدي‪ .‬الطفولة ‪ ..‬مقوس الظهر ‪٬ ..‬نتطي ٘ناره وينعت‬
‫غنمو ‪ ..‬كنا يف الصف االوؿ االبتدائي و على كرسي واحد ‪ ..‬أصابو ٔنلف عقلي‬
‫ومل يعد قادراً على مواصلة الدراسة ‪ ..‬فواصل رعي اغنامو ‪.‬‬

‫اقرتبت منو وقلت ‪ :‬أتعرفين ؟‬

‫سرت يف أزقة طوقتها‬


‫مل ‪٩‬نبين بل لكز ٘ناره و اندفع يسب‪ .‬الوقت اىل عملو ‪ُ ،‬‬
‫رائحة الرطوبة و مستعمرات الفطر الكبًنة ‪ .‬شخصت أمامي غرفة طينية تأخذ‬
‫شكل صومعة أو قلعة موغلة يف القدـ ‪ ..‬وقفت أمامها ‪ ..‬نبات ا‪ٝ‬نباز يتسل‪.‬‬
‫ا‪ٛ‬ندار البايل ‪ ..‬كاف سقفها ساقطاً من جهة الغرب ستندثر ال ‪١‬نالة ‪ ..‬ال أحد‬
‫فيها غًن انٌن بعوض وبركة ماء صدئة أهنا صومعة امرأة ىجرىا أبناؤىا بسبب‬
‫كنت أمر قرهبا يف طفوليت و أ‪ٚ‬نع كبلمها غًن ا‪ٞ‬نرتابط ‪ ..‬من أ‪ٚ‬نا‪ٟ‬نا البالية‬
‫ا‪ٛ‬ننوف ‪ُ .‬‬
‫كاف القمل يغزو االرض ‪ ،‬شاىدت االطفاؿ يرموهنا با‪ٜ‬نجارة ‪ ،‬وىم يطلقوف‬
‫االىازيج اليت تسخر منها ‪.‬‬

‫كانت تطردىم و تقوؿ ‪ :‬يا اوالد الزنا ‪..‬‬

‫أذكر أنين رأيتها تأكل الزرع مرة ‪ ..‬أمن ا‪ٛ‬نوع ‪...‬اـ من البلوعي ؟ جعلها ال‬
‫تعرؼ للطعاـ مذاقا و ال تفرؽ فيو ‪ ..‬اختفت فجأة و مل يعثروا عليها اال وىي جثة‬
‫متآكلة يف أحد ا‪ٜ‬نقوؿ ‪ ..‬سحبتين خطاي ‪٥‬نو مكاف من صباي أو حلمي الوردي‬
‫‪ ،‬وقفت عند الشجرة اليت تقع اىل الغرب من القرية يسموهنا ىناؾ (شوكة البحر )‬

‫‪36‬‬
‫شجرة كبًنة ملتوية االغصاف كثًنة ا‪ٛ‬نذوع قصًنة االوراؽ شوكية فيها أسناف كاالبر‬
‫تقع على مفرتؽ الطرؽ اليت تدخل القرية متفرعة يف الدروب ‪ ..‬سريعاً ما تنمو ىذه‬
‫الشجرة ‪ .‬أذكر أف أىل ( اسديرة ) قاموا بقصها الهنا قطعت الطري‪ .‬و مل يعودا‬
‫قادرين على السًن ‪ ..‬لكنها سريعاً ما تنمو ‪.‬‬

‫ىي شجريت ‪ ..‬يف الصغر أختيبء فيها الصطاد صغار العصافًن ‪ٔ ،‬ندشين أسناهنا‬
‫‪ ،‬و أجلب من جذعها حبات الصمغ وأصنع منها الصمغ ‪ ،‬أستعملو لدفاتري‬
‫مر من جانيب ذلك الشيخ‬ ‫وكتيب ا‪ٞ‬ندرسية ‪ ،‬على سيقاهنا الكثًنة بصمات مين ‪ّ .‬‬
‫الذي كاف يتضاي‪ .‬مين كثًناً عندما يراين فيها ‪ ..‬كاف ‪٪‬نمل أبريقو و يتغوط داخلها‬
‫كنت معلقا على أحد أغصاهنا ‪ ،‬مل ينبس بكلمة واحدة معي بل‬ ‫فيغضبو أف ُ‬
‫ٓناشاين بعد أف غسلتين نظراتو من العيوف الغائرة الضعيفة ‪ ..‬و اندفع يف داخلها‬
‫الحظت اف ظهره أزداد تقوساً وسًنه‬
‫ُ‬ ‫كعادتو اليومية ‪ ..‬أكلت منو االياـ قوتو و‬
‫أكثر اضطراباً كاف يف شبابو من أمهر العازفٌن على ( ا‪ٞ‬نطبك ) ولو صوالت‬
‫مشهودة يف الطرب و ا‪ٜ‬نفبلت و االعراس ‪ ،‬كاف ‪٩‬نوب القرى ‪ ..‬ليل هنار ‪..‬‬
‫وبيده (مطبكو ) يبحث عن فرح أو عرس ليعزؼ ‪ٟ‬نم ح ى قيل انو من ْنوالو الدائم‬
‫يقوـ ُنل‪ .‬ذقنو ماشياً ح ى ال يفوتو الوقت وقد ورث ابنو العزؼ منو ‪ .‬أختفى يف‬
‫الشجرة اليت كانت تفتح لو صدرىا يومياً دوف كلل‪.‬‬

‫كل ا‪ٞ‬نعامل تتآكل و تتبلشى ولكن االنساف أسرعها ‪ .‬و أكثرىا ضعفاً ‪ ..‬يف‬
‫داخلي ماذا بقى غًن كلمات و ىواجس و اضغاث ذكرى ألياـ تبلشت ‪١‬نسوبة‬
‫علينا ‪ ،‬ح ى ا‪ٛ‬نماؿ تآكل ويصبح كومة من ْناعيد حزف ‪ .‬قلت ذلك حٌن رأيت‬

‫‪37‬‬
‫مرًن وقد ترىلت وىي تنعت اطفا‪ٟ‬نا و لوهنا شاحب ‪ .‬لقد كانت أٗنل فتاة يف قرى‬
‫مكحوؿ ‪ ،‬وقد تغزؿ فيها كل الشعراء يف ا‪ٞ‬ننطقة وكاد أف ينشب قتاؿ بٌن أقربائها‬
‫و احد الذين تقدموا ‪ٝ‬نطبتها ‪ ..‬أهنا مثل غزاؿ صحراوي ‪ ،‬مل تعرفين ‪ .‬أو ىكذا‬
‫تصرفت و ىي تسحب وراءىا ثبلثة أطفاؿ و ُنضنها الرابع ‪ .‬لقد تزوجت باإلكراه‬
‫من أبن عمها الذي كاف متزوجاً ولو ‪ٙ‬نسة أبناء ‪ ..‬رمقتها وىي تندفع صامتة يف‬
‫الدرب ‪١‬نطمة أو غًن راضية ال أعرؼ ‪ ،‬كل ما أعرؼ اف ذلك ا‪ٛ‬نماؿ جلب ‪ٟ‬نا‬
‫اللعنة والنكد ‪ ..‬اختفت وىي تدخل احد البيوت متباطئة ا‪ٝ‬نطى ‪ ..‬آذار شهر ربيع‬
‫يطل‪ .‬خضرة ‪٥‬نو أف‪ .‬البلهناية ‪ ..‬دايفء مشمس ح ى النشوة و انا أوزع قليب يف‬
‫االزقة بٌن بيوت الطٌن الرطبة و على غبار الرفوؼ اودع اطيافاً و‪٨‬نسات الصغر‬
‫يف الزوايا ا‪ٞ‬نعتمة ‪ ..‬أختبأت من تأوه الكبلب يف ليايل الشتاء ‪ .‬طاردتين ا‪ٟ‬نواجس ‪.‬‬
‫ووجهة القلب ‪٥‬نو أوؿ الغرس ‪ ،‬أوؿ مولد ‪.‬‬

‫من الكآبة ‪٫‬نل‪ .‬الفرح ‪ ..‬ال شيء يبقى الواقع على حالو ‪ ..‬أف آالمي ُنجم حيب‬
‫‪ ..‬أغمر قليب ُنناف القرويات ‪ ،‬تلك الطيبة العامرة بالوفاء ‪ ..‬أي شيء أعظم من‬
‫ا‪ٛ‬نماؿ الطبيعي ‪ ..‬ثبلث فاتنات بأثواب استجابت للربيع ‪ ..‬مثل فراشات ٓنل‪.‬‬
‫فوؽ زىر يرسلن خطوهتن باْناه ا‪ٜ‬نقوؿ ‪ ..‬أفتح شهية ا‪ٜ‬نب ‪ ،‬و أحدؽ يف ٗناؿ‬
‫النساء ‪ ..‬يتلوى قليب الذي كاد أف ‪٬‬نوت نكداً ‪ ..‬قالت امرأة يل مرة ‪ ..‬أنك‬
‫صاحب ا‪ٞ‬نئة قلب ‪ ..‬قلت ىذا شأين مع كل ا‪ٛ‬نميبلت ‪ ..‬مع كل من أعطاىا اهلل‬
‫شيئاً منو ِ‬
‫‪..‬ملَ ال أمتلك ىذه النعم و ىذا البهاء ؟ ‪ ..‬تائو يف الطرؽ ‪ ..‬سائح يف‬
‫عامل ا‪ٟ‬نوى االصيل ‪ ..‬حنٌن االىل ‪٪‬نفر ا‪ٛ‬نوى فتسقط ا‪ٞ‬نواقف عند حد العش‪، .‬‬
‫من جراحي تنبت زىرات ىي كل ما أعطي لعامل الطفولة ‪ٞ ..‬نن تركين يف العراء‬
‫‪38‬‬
‫انتقاماً ألين عاش‪ .‬أزيل ‪ ..‬ألف سبلـ ‪ٞ‬نن أعطتين عهداً بالوفاء وتزوجت جرباً عسل‬
‫القلب ‪.‬‬

‫كثًنا ما ‪٫‬ندع الزمن ‪ ،‬القرى البعيدة هتجع ساكنة ‪ ..‬ال حراؾ لقاع احمليط أالّ بزلزاؿ‬
‫‪ ...‬مرؽ طائر أبيض ىارب من جحيم ا‪ٜ‬نرب ‪ ..‬ىوؿ النفاؽ ‪ ..‬ليغيب وراء‬
‫السحاب أو سراب العٌن ‪.‬‬

‫أشم رائحة االىل تنبعث من طٌن البيوت ‪ ..‬وسنابل القمح ىي آخر ا‪ٝ‬نًن ىنا ‪ .‬مل‬
‫تكل أقدامي عن لع‪ .‬تراب الدروب و عيوين عن مسح البيوت والناس ‪٥ ..‬نن يف‬
‫الصحب كثر وصاروا قلة بل تناثروا و غادروا‬
‫ُ‬ ‫عطش دائم اىل الذكريات ‪ ..‬كاف‬
‫أعشاش ىذه القرية ‪ ..‬مثل غربة ْنتاحين حٌن أغسل الوجوه ‪ ،‬اين انتم يف ز٘نة‬
‫ا‪ٞ‬نتغًنات ؟ ‪.‬‬

‫كلنا يتبع ىواه أو مدفوع اىل ما ال يرغب ‪ ..‬من منا ال ‪٪‬نب مسقط الرأس ويتمىن‬
‫البقاء فيو ؟ ‪.‬لكن ‪ٞ‬ناذا الرحيل ؟‪ ..‬وانا لقد نزفت من دـ الطفولة مايكفي ح ى‬
‫هنايات الرحيل ‪ ،‬كم أرقتين متقلبات ا‪ٟ‬نوى و أشواؽ البقاء ‪ ..‬سأمكث يف قالب‬
‫‪١‬نار ألين اللؤلؤ ا‪ٞ‬نفقود الذي غمرتو رماؿ الشواطىء الدافئة ‪(..‬اسديرة) بيوت‬
‫متداعية من طٌن وحنٌن ال يضاىي اىل الشمس ‪ ،‬وىجها ذىب وخيوطها حرير‬
‫‪ ..‬أقف عند بناء كونكرييت مطلي باالخضر الفاتح ‪ ..‬أهنا مدرسة (اسديرة )‬
‫تأسست يف العامل االخًن للملكية ‪ ..‬قالوا اف ا‪ٞ‬نلكية جاءت با‪ٞ‬ندرسة ألف أىل‬

‫‪39‬‬
‫القرية رفضوا أف يدخلوا أبناءىم ا‪ٝ‬ندمة العسكرية ‪ ..‬االّ عندما تبين ‪ٟ‬نم ا‪ٜ‬نكومة‬
‫مدرسة ‪.‬‬

‫شبح ا‪ٞ‬ندير ‪١‬نجوب يطاردين ‪ ..‬ىيكل كبًن بو بعض الرتىل ‪ ..‬ال أذكر انو ابتسم‬
‫يوماً ‪ .‬تنغرس يف يده عصا التأديب ‪ ..‬حٌن يدخل ا‪ٞ‬ندرسة تسمع صوت االبرة‬
‫عند سقوطها كعرين ال ‪٩‬نرؤ أحد على االقرتاب منو بأستثناء الفراش الذي ‪٪‬نمل لو‬
‫صينية الشاي ‪ .‬أجثم على ا‪ٞ‬نقعد كصخرة ‪ ..‬وحٌن ينتهي الدواـ أنطل‪ .‬اىل البيت ‪.‬‬
‫و يف الطري‪ .‬أخلع بنطلوين وأستمتع باتساع دشداشيت اليت أعبها داخل البنطلوف‬
‫صباحا ألذىب للمدرسة حيث ال قميص بل اين ال أعرؼ القميص يف كل مراحل‬
‫االبتدائية ‪ .‬الربد ‪٩‬نتاح الصفوؼ العالية من الشبابيك الصدئة و تتجمد اصابع‬
‫قدمي ‪ ..‬أحس اف حذاء ا‪ٞ‬نطاط يزداد ضيقاً ‪ ..‬يأيت ا‪ٞ‬نعلم ر‪٬‬نوف ‪ ،‬مسيحي من‬
‫قرقوش ‪٪..‬نب الرياضة كثًناً‪ ..‬يسحرنا ُنركاتو وكبلمو ‪ ،‬كنت أقف مذىوالً قرب‬
‫عرفت بعدىا‬
‫شباؾ غرفتو الطينية حٌن أ‪ٚ‬نعو يقرأ بلغة ال أعرفها من كتاب عتي‪ُ .. .‬‬
‫انو يقرأ اال‪٤‬نيل بالبلتينية ‪ْ ..‬نتاحين فوضى التبلميذ وىي مندفعة ‪٥‬نو ا‪ٝ‬نارج ‪..‬‬
‫أكاد أف أفقد توازين ‪ ،‬فا‪ٞ‬نوجة البشرية تغمرين أصبح بينهم ‪..‬طفل صغًن ‪ ..‬أشاىد‬
‫كثًناً من الفتيات ‪ ،‬بل نصف العدد او اكثر ‪ ،‬ينط التبلميذ مسرعٌن ‪٥‬نو بيوهتم‬
‫‪ٜ..‬نظة ؤنرج ا‪ٞ‬نعلمة رمزية ‪ ..‬وجو يوحي هبم كبًن ‪ ..‬ترتدي مبلبس سوداء‬
‫‪..‬اقرتبت مين ‪ ،‬قالت ‪:‬‬

‫‪ -‬مرحباً مراد ‪.‬‬

‫‪ -‬اىبلً‬

‫‪41‬‬
‫‪ -‬كيف حاؿ ا‪ٛ‬نبهة ‪ .‬أال تنتهي ىذه احملرقة ؟‬

‫‪ -‬تريد أف تأخذ ا‪ٞ‬نزيد من احبابنا ‪.‬‬

‫‪ -‬الزاؿ الوقت مبكراً ‪ ..‬عندي حديث معك قد يطوؿ فلنرجع اىل االدارة و‬
‫نتحدث فيو ‪.‬‬

‫‪ -‬كما تشائٌن ‪.‬‬

‫اجتاحتين أهنار األسى ‪ ..‬ورغب ى يف االنتقاـ لكل امرأة جعلتها ا‪ٜ‬نرب تلبس السواد‬
‫‪ .‬أي لعنة ‪ ،‬أي قدر يقتل الفرح لتحل الكآبة ‪١‬نلة ‪ ..‬من جعلين خزاف تأسي‬
‫وصدي‪ .‬من ىم موتى ؟ ‪ ..‬اف رحيلهم ‪٩‬نعلين مثل شجرة وحيدة ‪ ..‬كاظم ‪.‬‬

‫أي يوـ ذلك الذي أنبأوين فيو عن أستشهادؾ ‪ ..‬كاف الغبار ىو ا‪ٞ‬نسيطر على أياـ‬
‫الصيف وحٌن وصلت القرية نزلت من السيارة ‪ ..‬وقف أمامي ذلك ا‪ٞ‬نعتوه الذي‬
‫سألتو عن أحواؿ القرية ‪..‬قاؿ‪ :‬الشيء سوى ا‪ٜ‬ندث الكبًن ‪ .‬قلت ماذا ؟ قاؿ‬
‫أستشهد كاظم عندما أحرتقت بو الطائرة ‪.‬‬

‫أفقت من صعقة ا‪ٜ‬ندث ‪ ..‬أي يوـ كاف ذلك اليوـ ؟‪ ..‬ىل ‪٦‬نتار هنايات موتنا‬
‫ُ‬
‫بأيدينا ؟ ىل تكوف لنا القدرة على اكتشاؼ طريقة اجلنا ؟ يف عناف السماء ‪،‬‬
‫كانت طائرة (السيخوي ٕٕ) انفجرت فجأة وأصبحت ركاماً ‪ .‬اختفت واختفت‬
‫أحبلمك باجملد ‪ ..‬مل ٓنرتؽ طائرتك بنار االعداء ‪..‬بل با‪ٝ‬نلل الفين ‪ ..‬على اطراؼ‬
‫‪41‬‬
‫الغيوـ العالية نوزع دمنا وحلمنا ‪.‬يف أي ‪٣‬نلكة يكوف ا‪ٞ‬نوت نزىة و اكتشاؼ ‪.‬اننا يف‬
‫عامل ا‪ٞ‬نصادفة القاتلة انك تشن‪ .‬رغبيت وٕنحو بسميت ‪..‬أي ‪ٚ‬نر ذلك الذي يكوف‬
‫بعدؾ ‪ ..‬يف الليايل ا‪ٞ‬نقمرة أتأبطك و تتأبطين ‪٥‬نو أسرة الفاتنات وبساتٌن الرماف –‬
‫كاظم – ال مغامرة بدونك بعد اليوـ ‪..‬اختفت رغبات النفس ‪ ..‬وبدا موتا ‪ ..‬من‬
‫من يعرب دجلة معي بتاجاه‬ ‫‪٩‬نلس معي على النهر يرم‪ .‬اللوايت ‪٩‬نلنب ا‪ٞ‬ناء ؟‬
‫مكحوؿ ؟ ال أحد قادر على مصاحبيت غًنؾ و انت العدـ او ا‪ٝ‬نلود ‪ ..‬و انا‬
‫االضطراب والشلل ‪ .‬لقد كلّت أقدامنا من ركضنا باْناه الرغبة وا‪ٛ‬نديد ‪ ..‬أنك‬
‫سندباد القى النائمة كنا ‪٥‬نلم بالرحيل و‪٥‬نن راحلوف ‪ ،‬و نصعد سلم ا‪ٞ‬نآسي الطويل‬
‫طاغ ‪.‬‬
‫بفرٍح ٍ‬

‫‪ -‬مراد ‪.‬‬

‫‪ -‬نعم ‪.‬‬

‫أعز أصدقائو ‪..‬‬


‫‪-‬قاؿ يل ا‪ٞ‬نرحوـ أنك من ّ‬
‫‪-‬ىذا صحيح ‪.‬‬

‫‪ -‬أريد منك طلباً ‪.‬‬

‫‪ -‬قويل و اطليب أخت رمزية ‪.‬‬

‫‪ -‬اريد التاريخ السري لكاظم ‪.‬‬

‫‪ -‬التاريخ السري ؟ ماذا تقصدين ؟‬

‫‪42‬‬
‫‪ -‬أقصد رغباتو ‪ ،‬طفولتو ‪ ،‬أحبلمو ‪ ،‬أين كاف يقضي أيامو ‪ ،‬صوره ‪ ،‬مذكراتو ‪..‬‬
‫من عاشر من النساء قبلي ؟ ‪ ،‬ىل كاف ‪٪‬نب امرأة غًني ؟ ‪ ..‬أعداؤه ‪ ..‬اْناىاتو‬
‫السياسية ‪ ،‬كيف أختار الطًناف مهنتو ؟ كل شيء ‪ ..‬كل شيء ‪..‬‬

‫أغرورقت عيناىا بدمع جاء من حرقة قلبها ‪ ..‬أسبلت ا‪ٛ‬نفوف وساؿ على خدىا‬
‫دمعها منهمراً وتلقفتو ّننديلها ‪..‬‬

‫‪ٞ -‬ناذا كل ىذا ؟‪.‬‬

‫‪ -‬من احل أبنيت دنيا ‪ ..‬أف عمرىا ثبلث سنوات وعليها أف تعرؼ كل شيء عن‬
‫أبيها ‪..‬‬

‫‪ -‬عندما تكرب ‪ ..‬ستعرؼ كل شيء عن طريقي ‪.‬‬

‫‪ -‬قد ال نلتقي بعد اآلف ‪ ..‬أرجوؾ حدثين عن كل شيء ‪٫‬نص ا‪ٞ‬نرحوـ ‪.‬‬

‫‪ -‬كل أسراره عندي ‪ ..‬ولن أحدث هبا أبداً ‪.‬‬

‫‪ -‬ح ى انا ؟‪.‬‬


‫‪ -‬ح ى ِ‬
‫أنت ‪.‬‬

‫‪ -‬اىل م ى ستظل أسراره ‪١‬نفوظة يف قلبك ؟‬

‫‪ -‬اىل أف تكرب أبنتو دنيا و سأحدثها عن أبيها ‪ ..‬أنو سر والسر أذا ْناوز االثنٌن‬
‫مل يعد سراً‬

‫‪ -‬أنين زوجتو ومن حقي اف اعرؼ كل شيء عنو ‪.‬‬


‫‪43‬‬
‫‪ -‬لكين صدي‪ .‬طفولتو وشبابو فمن واجيب اف احفظ أسراره ‪.‬‬

‫‪ -‬من يضمن أف تبقى سا‪ٞ‬ناً و ا‪ٜ‬نرب مل تنتو بعد ‪.‬‬

‫‪ -‬الذين أستشهدوا ليسوا أسوأ مين و ال انا أحسن منهم ‪.‬‬

‫‪ -‬أنك تكابر ‪.‬‬

‫‪ -‬أهنا ا‪ٜ‬نقيقة ال يعرفها أالّ من أحرتؽ بنار ضياعها ‪.‬‬

‫‪ -‬سأقدـ طلب نقل اىل مدينيت كركوؾ فلم يعد يل مربر أف أبقى ىنا ‪.‬‬

‫‪ -‬ىذا شأنك ‪ ..‬أكتيب عنواين عندؾ أذ قد ٓنتاجينو ‪ ،‬فأنا ِندمتك ‪.‬‬

‫‪ -‬شكراً ‪ ..‬لكين غًن راضية على اصرارؾ ىذا ‪.‬‬

‫اعز شيء عندي ‪.‬‬


‫‪ -‬أنو موقف ال ‪٬‬نكن أف أتنازؿ عنو ‪ ..‬ثقي أف أسرار ا‪ٞ‬نرحوـ ّ‬

‫حٌن كتبت عنواين عندىا على مضض ‪..‬هنضت من مقعدي ‪ ..‬صافحتها مودعاً‬
‫ألسب‪ .‬الوقت و أستمتع باألياـ الباقية من اجازيت ‪.‬‬

‫***********‬

‫‪44‬‬
‫غيوـ بيضاء تزداد شفافية عندما ‪٫‬نرتقها ضوء القمر ‪٤ .‬نوـ قليلة أو ىكذا ىي دائماً‬
‫يف الليايل ا‪ٞ‬نقمرة ‪ ..‬يُزرع ا‪ٝ‬نندؽ با‪ٞ‬نقاتلٌن الذين تعودوا النظر باْناه الشرؽ ا‪ٞ‬نخيف‬
‫الغادر ‪..‬عرب ُنًنة ضحلة ا‪ٞ‬نياه ‪ٖ ..‬نة نسيم ىادىء يوحي بفصل الربيع وٗناؿ ليل‬
‫آذار ‪ .‬لكن ال ورد وال عشب يغطي االرض ‪٠ ..‬نرد طيات كثيفة من ملح كئيب‬
‫ا‪ٞ‬ننظر ‪ .‬ال ربيع وسط ا‪ٞ‬نلح والدـ ‪ ..‬كل ما ىنالك موت بالتكرار وقصف ال يهدأ‬
‫‪ ..‬اليوـ ا‪ٜ‬نادي والعشروف من بداية السنة الفارسية ا‪ٛ‬نديدة ‪..‬أي شيء ستقدـ‬
‫ببلد الطاووس للعامل برأس سنتها ؟‪..‬‬

‫زىور ‪..‬أـ سبلماً ينهي حربا طويلة بداؤىا ‪ ..‬أـ ماذا ؟ ‪..‬كل شيء حذر و‬
‫متأىب يف ا‪ٝ‬ننادؽ بعد أف أخربتنا مراصد االستخبارت بنية العدو يف ا‪ٟ‬نجوـ ‪.‬‬

‫تقرتب الساعة من العاشرة ليبلً ‪ ..‬ويزداد ٓنذير رجاؿ االستخبارات من تقرب‬


‫العدو ووصولو اىل شاطىء البحًنة الثاين استعدادا للهجوـ ‪ ..‬مطر من القذائف‬
‫ا‪ٞ‬نتنوعة أهنمر علينا لقد بدأ الغزو ا‪ٛ‬نديد ‪ ..‬ويبدأ الرد ‪ ..‬وتشتعل السماء بالنًناف‬
‫والقذائف اليت تشبو النيازؾ ‪ ..‬يصبح ا‪ٝ‬ندؽ مأوى ضد الشظايا اليت تتطاير با‪ٞ‬نئات‬
‫‪ ..‬الرشاشات والرباعيات تتقاطع سهامها النارية فوؽ البحًنة ‪٥ ..‬نو ا‪ٛ‬ننود ‪..‬‬

‫يتصل قائد الفرقة بالفصائل والسرايا األمامية ويشد على أيديهم مشجعا ‪ ..‬تزداد‬
‫ىجمة االعداء شراسة ‪ ..‬ونسمع لغوىم و ىراءىم ‪ ..‬وْنعل مدفعيتنا من الشاطىء‬
‫ا‪ٞ‬نعادي ناراً ملتهبة ‪ ..‬الليل لباس ا‪ٜ‬نرب ‪ .‬وغطاء اختفى ٓنتو العدو ليندفع مباغتاً‬
‫ويستمر الليل ماضياً ‪ ..‬ويستمر ا‪ٟ‬نجوـ معو ‪ ..‬مرة يكوف ضارياً ‪ ..‬ومرة يقتل ‪..‬‬
‫اىل أف انبلج الفجر وتوضحت معامل الكوف ‪ ،‬كاف كل شيء قدـ ‪ٙ‬ند وانطفأ‬

‫‪45‬‬
‫‪..‬لقد خسر العدو يف ىذا التعرض الكثًن من جنوده ‪ ..‬أما ‪٥‬نن فقد أصابنا كذلك‬
‫ضرر لكنو مل يكن ّنستوى خسائر الذي يهجم ألننا كنا ‪١‬نصنٌن يف مواضعنا ‪.‬‬

‫لقد فقد فصيلي يف ىذا التعرض الواسع جر‪٪‬نٌن ‪ ..‬زيداف ‪٠‬نروح يف صدره ويده‬
‫اليمىن نتيجة شظايا ‪ ..‬وكرًن بساقو األيسر و أظن اف عظم الساؽ قد كسر ‪ .‬أما‬
‫ماجد البصري فقد أستشهد بعد أف اخرتقت صدره شظية ىاوف ثقيل ‪ ..‬وقعت‬
‫قنبلة اماـ موضع الرشاشة الذي كاف ‪٬‬نشط هبا سطح البحًنة‪.‬‬

‫أجلت نظرايت يف موضع رشاشة ماجد البصري ‪ :‬بركة دـ متجمدة ‪ ،‬عشرات من‬
‫ُ‬
‫الظروؼ الفارغة لطلقات رشاشة ‪ ..‬تركت منصوبة باْناه العدو بعد أف سقط‬
‫صاحبها ‪ ..‬أبدأ بتوزيع العتاد على ا‪ٛ‬ننود ‪ ..‬وأحصي مقدار صرفيات العتاد ‪ ..‬و‬
‫أدخل يف موضعي الذي ىزتو القنابل ا‪ٞ‬نتساقطة ‪..‬‬

‫مر كالقرف ‪١‬نرتقاً بنار ىي ا‪ٛ‬نحيم االراضي ‪.‬‬


‫أضطجع على سريري منهكاً من ليل ّ‬
‫مثل شيء متصلب كاف جسدي على الفراش ‪...‬‬

‫ا‪ٟ‬نواجس تأيت من ا‪ٜ‬نلم ‪ ،‬بل ىي حلم ا‪ٜ‬نذر ‪.‬يسكنين ‪.‬ىاجس انتهاء ا‪ٜ‬نرب ‪،‬‬
‫بداية لعهد التفاىم ‪ .‬ماذا يف حلمي غًن ىذا ‪ ..‬؟ وبأي شيء ‪٬‬نكن أف أشغل‬
‫افكاري ‪ ..‬ىل انا عائد اىل ظبلؿ النخيل ‪ ،‬وبساط عشب الرباري االمنة ؟ اـ اين‬
‫يف ‪٠‬نموعة تناقضات ‪ ،‬االوىل ضدي و االخرى‬
‫انساؽ ‪٥‬نو جحيم ا‪ٞ‬نصًن ‪ ،‬كل ما ّ‬
‫علي وصارت حلفاً بغيضاً ‪،‬‬
‫معي ‪ ،‬و أنا لست ّنخًن االنتقاء ‪ ..‬أناخت ا‪ٜ‬نوادث ّ‬
‫وأنا الوح بيد التساىل و ا‪ٜ‬ننٌن لسرب ا‪ٛ‬نراد الذي داسين والتهم أشيائي ‪ ..‬كل‬
‫الطوائف االرض ضيقة التفكًن بليدة أالّ طوائف أفكاري ‪ ،‬فهمي ‪١‬نتوى الكوف ؟ ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫أسى ‪ ..‬وأنا أفاجأ با‪ٛ‬نديد ‪ ..‬كلنا‬
‫على أطبليل ‪ ..‬أُرخ ماضي الصفاء ‪٫ ،‬نف‪ً .‬‬
‫‪١‬نكوـ بشقاء النهاية ‪ ..‬أي عٌن تقر اآلف وأي فم يبتسم ‪ ..‬ىنالك أرمي تأمبليت‬
‫و أودع طيف األحبة ‪ .‬جعلتين تساؤاليت مثاراً للببلىة ‪ .‬أشتاؽ ‪ٜ‬ننٌن االطفاؿ‬
‫وصفاء القلوب ‪ ..‬يا ىذا االرؽ ال تفارقين ‪ ..‬يا ىذا االضطراب تكاثف ‪ ..‬يا قليب‬
‫اطحن عواطفي ا‪ٞ‬نتصلبة ‪ ..‬يا سبلـ األىل كن متتالياً أُنث عن بقاع االرض الندية‬
‫فيحرقين اللهيب ‪ ..‬أي صبلة ‪٬‬نكن أف تستجاب و أي نفاؽ يتأتى ‪ ..‬كانت اين‬
‫خزاف أمل ومنبع دمع فجر مأسايت ؟ ‪ ..‬أقسم بأصناـ العامل ا‪ٞ‬نتحركة الناطقة‬
‫با‪ٝ‬نوؼ وا‪ٝ‬نراب و بآلة الطعن من ا‪ٝ‬نلف وَنربوت الباطل ألف ا‪ٜ‬ن‪ .‬كسيح و قزـ‬
‫و‪١‬نتقر اآلف ىل تعود ا‪ٞ‬نياه اىل ‪٠‬ناريها ؟ ‪...‬‬

‫وْنثم الرماؿ على الشواطىء من جديد ‪ ..‬اف النوارس ال ٓنط على النار اطبلقاً ‪..‬‬
‫لكن النار تطاردىا دوماً‪.‬‬

‫جرحت مشسنا يف كهف الظلمة الكثيفة ‪ ،‬ركبنا ا‪ٝ‬نطب مرغمٌن ‪ ..‬أو مدفوعٌن ببل‬
‫معىن ‪ ،‬فقدنا أسرار قوتنا بٌن لغو الكبلـ ‪ .‬اندفعنا اىل احملرقة حفاة ‪ ،‬اال من و‬
‫ا‪ٝ‬نوؼ الذي غطانا و ابتسم لوالئمو الغنية ‪..‬تفقدنا صوابنا بٌن وقع ا‪ٝ‬نطى‬
‫ا‪ٞ‬نضطربة وىدير القذائف ا‪ٞ‬ننهمر ‪ ..‬عادية ‪ٜ‬نظة النهاية مثلما ىي ‪١‬نزنة ؟ ‪.‬‬

‫وزعنا دـ األحباب فوؽ ا‪ٞ‬نلح و اخفينا التناقض يف يوـ الرحيل ‪ ..‬كانت اللحظة‬
‫اكتشافاً للرتدد ا‪ٞ‬نوغل يف أعماقنا ‪ ..‬سرنا اىل النهاية كا‪ٝ‬نيوؿ اىل ا‪ٜ‬نقوؿ ‪ ..‬ا‪ٜ‬نرب‬
‫ىاجس اجملانٌن وقبلتهم ‪ ..‬أسراب ا‪ٜ‬نماـ احرتقت حٌن حطت على صفحة ا‪ٞ‬ناء‬
‫ا‪ٞ‬نخادع ‪ٔ ..‬نرتؽ الطائرات مدى التأمل ‪ٕ ،‬نطرنا با‪ٞ‬نوت ا‪ٛ‬نماعي و الفردي ‪،‬‬

‫‪47‬‬
‫نسعى اىل فسحة األماف فنصاب باإلغماء ‪ ..‬تناثرت أشبلؤنا فوؽ ا‪ٞ‬نماحل و‬
‫السهوب والسواحل ا‪ٞ‬نخيفة ‪ ..‬كنا نطارد شبح الغزاة وزيفهم ‪ ،‬أسلمنا الشفقة‬
‫للعصور العتيقة ‪ .‬تلقينا الرماح ا‪ٞ‬نسمومة باسم اهلل ؟ ‪...‬يا لذلك ا‪ٛ‬نحيم ا‪ٞ‬نتجدد‬
‫االلواف الساقط من السماء ‪ ..‬وفوىات ا‪ٞ‬ندافع أو من أشداؽ ا‪ٞ‬نتهورين ‪ .‬خفف‬
‫الوطء عن أعناقنا ا‪ٟ‬نزيلة ؟ ‪ ..‬اختفت لغة ا‪ٜ‬نسم اىل االبد ‪ ..‬صرنا نراوح عند‬
‫أقداـ ا‪ٝ‬نجل ‪ ..‬تكرب اآلىات يف اعماقنا فتخرج بكاءً ‪ ..‬نلوح بيد السبلـ ‪..‬‬
‫تفاجئنا السخرية ‪ ..‬مواؿ من الطلعات ا‪ٞ‬نفزعة ْنتاز ا‪ٞ‬ندى وصوت احرتاقنا يسمع‬
‫من بعيد ‪ .‬ال صوت يل بٌن ضوضاء ا‪ٝ‬نراب لكين أ‪ٚ‬نع للروح اضغاثاً وللقلب أنيناً‬
‫‪ ،‬أمتلك ا‪ٜ‬نواس البلهاء يف راحة اليد أبعثر صور األىل ا‪ٞ‬نتآكلة يف ذاكريت ا‪ٝ‬نربة ‪..‬‬
‫أشم عطر ا‪ٜ‬ننٌن اىل أياـ مرة ‪ ،‬البداية والنهاية ‪ ..‬اٗنع اآلىات يف قدـ ا‪ٞ‬نوت‬
‫الصدئ للحياة تيار اىوج ‪٩‬نرفنا ببل شفقة ‪٥‬نو ىوة األزؿ ‪،‬ليس يف عمرنا غًن عبث‬
‫الصغار ‪ ..‬ومضات تتبلشى كالربؽ ‪ .‬أريد معىن للوجود و لذة ال ٕنل عند انتهائو‬
‫‪ ..‬و‪ٞ‬ناذا يكوف االسى ‪١‬نطتنا األخًنة دائماً ؟ ‪ ..‬أكثر النعم على القلب أقلها ‪٠‬نيئاً‬
‫تنفجر الدموع مطراً على بقايا الروح ا‪ٞ‬نهملة ‪..‬‬

‫الف شكر لفراغ ا‪ٚ‬نو النسياف يلتهم ا‪ٜ‬نوادث ا‪ٞ‬ننهكة و تبتعد لتصبح ذكرى ال‬
‫نتمىن تكرارىا ‪.‬‬
‫يف مبلجىء أكياس الطٌن و السبلح الصدىء التعب ‪ ..‬يف طيات ِ‬
‫أسرة ا‪ٛ‬ننود‬
‫وبٌن ىؤالء ‪ ..‬توجد ‪ٜ‬نظات للسعادة او للسمو فوؽ أحزاف ا‪ٜ‬نراب ‪ .‬تنشرح‬
‫الصدور على ىواىا ‪ ..‬ؤنرج الكلمات فرحاً وضيقاً ‪ ،‬باستطاعة االنساف أف ‪٫‬نل‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫من الشيء ضده ‪ .‬ىكذا اعلمتنا ا‪ٜ‬نوادث من أف التغيًن سيد ا‪ٞ‬نوقف ‪ ،‬ا‪ٞ‬نفاجئات‬
‫عرضية على ا‪ٜ‬نياة او لنقل ىامشية ‪ ،،‬أي معىن يسكن اف توحي بو ىذه االكياس‬
‫ا‪ٞ‬نتآكلة يف بقعة االرض ا‪ٞ‬نهجورة اال من ا‪ٞ‬نوت ‪ ..‬أي تاريخ يؤرخ االياـ اليت‬
‫تنساب يف النسياف ‪ ..‬رغم أف التاريخ يصنع ىنا ‪ ،‬أو لنصحح ‪..‬يبدأ من بٌن‬
‫يف الغثياف حٌن ال‬
‫اكياس الرمل وا‪ٞ‬نلح ‪ ..‬ادفع ا‪ٝ‬نطوات بٌن ا‪ٞ‬نبلجىء اليت تثًن َّ‬
‫يكوف ىناؾ قصف ‪ ،‬أشم رائحة ىي مزيج من البارود ‪ ،‬ودخاف السكائر وتعرؽ‬
‫ا‪ٛ‬ننود وملح االرض ‪ .‬رائحة حامضة تثًن فيك تساؤؿ التائو ‪ ..‬يدخل يف مسمعي‬
‫صوت ربابة ‪ ..‬موسيقى االطبلؿ ا‪ٞ‬نهدمة ىنا تصدح أو تتأوه ا‪ٞ‬نهم اهنا تثًنين ‪..‬‬
‫قلت ىنا سومر القد‪٬‬نة أو اور‬
‫أقف قرب ملجأ ا‪ٞ‬نوسيقى ا‪ٞ‬ننبعثة حناناً عميقاً ‪ُ ..‬‬
‫البالية ‪ ..‬ال ‪ ،‬ىنا ا‪ٜ‬نرب الطويلة ‪ ..‬ينضغط القوس على الوتر فينبعث األنٌن ‪..‬‬
‫تأوه ‪ ،‬زغردة صوت بل موسيقى تصل االعداء عرب سطح ا‪ٞ‬ناء ‪ ..‬أزرع نفسي أماـ‬
‫باب ا‪ٞ‬نلجأ ا‪ٝ‬نشيب أحدؽ يف داخلو ‪ٖ ،‬نة فانوس ‪١‬نمر يقبع يف زاوية و يف الزاوية‬
‫االخرى يركن أ٘ند الصويلح يداعب الوتر الفريد ويسن القوس عليو فتخرج انغاـ‬
‫ْنعل القلب كائناً قاببلً للرتويض ‪ ..‬تنقل ا‪ٞ‬نوسيقى أ٘ند الصويلح اىل أحبلمو‬
‫وودائع عمره ‪ ..‬أرى مبل‪١‬نة تذوب يف ىذا اللحن الذي يكسر الفؤاد و يقطع‬
‫أجنحتو ‪ ..‬يزداد اهنماكو ‪ ..‬جهد عضلي وحسي يتفاعل ىنا يف ملجأ نصف‬
‫مضاء ‪ ..‬يكوف اللحن ا‪ٝ‬نارج أكثر صدى و شاعرية ‪ ..‬اف لبل‪ٜ‬ناف ا‪ٛ‬نميلة صفة‬
‫الديفء ‪ ،‬اهنا ْنعلك تفيض حرارة رغم الربد أو رّنا تنسيك الربودة ‪ ..‬ىي ىكذا ‪:‬‬
‫حزف لكنو داىفء يأيت من اعماقنا ا‪ٞ‬نهجورة ‪..‬‬

‫‪49‬‬
‫اننا نبين رغبة الدخوؿ اليو ‪ ،‬رغبة البقاء وراء الباب ‪ .‬أستمتع بعبث االصابع و‬
‫الوتر عندما ينضغط القوس عليو ‪ .‬يزداد أنٌن الربابة ‪ .‬يف ا‪ٞ‬نلجأ ٖنة ريح ىادئة‬
‫تدغدغ أعضائي ‪ ،‬أراه ‪٬‬نسح وجهة ّننديلو ‪ ،‬يلح على عينيو ‪ ..‬اف ا‪ٞ‬نوسيقى‬
‫أخرجت دمع العيوف ‪ ..‬ألقى القوس والربابة أمامو ‪ ،‬تنهد اىل آخر األسى ‪ ..‬حدؽ‬
‫يف السقف ‪ ..‬أخرج سيكارة من علبة سكائره ‪.‬‬

‫طرقت الباب‬

‫‪ -‬ادخل ‪.‬‬

‫‪ -‬مساء ا‪ٝ‬نًن ‪ ..‬قلت ذلك بعد أف دخلت ا‪ٞ‬نلجأ‪.‬‬

‫هنض من مكانو غًن مصدؽ تأخذه ا‪ٞ‬نفاجاة ‪..‬‬

‫‪ -‬اىبل سيدي لقد فاجأتين ‪..‬‬

‫‪ -‬اتت يب آىات ىذه التحفة ‪..‬‬

‫‪ -‬ارجو اف يكوف صوهتا قد أعجبك ‪..‬‬

‫‪ -‬لقد نقلتين اىل اجواء أخرى ‪ .‬ما احوجنا اليها ‪ ،‬اهنا تثًنين ‪.‬‬

‫جسلت دوف أف يامرين با‪ٛ‬نلوس فقد أردت أف اشعره باىتمامي ورغبيت يف ‪ٚ‬ناع‬
‫ا‪ٞ‬نزيد ‪ ..‬قدـ يل سكارتو اليت ال زالت بٌن أصابعو ‪..‬‬

‫‪ -‬شكرا ال أدخن ‪.‬‬

‫‪ -‬آنب صوت الربابة ؟‬


‫‪51‬‬
‫‪ -‬اذا كاف العازؼ ماىراً مثلك ‪.‬‬

‫‪ -‬ىذا اطراء قد ال أستحقو ‪..‬‬

‫‪ -‬بالعكس انت رائع يف انغامك ‪..‬‬

‫‪-‬روعيت جانب من تدريب شاؽ و طويل ‪ ،‬ورغبة جارفة أكتسبتها من ‪١‬نيطي‬


‫الذي شجعين ورعاين ‪.‬‬

‫‪ -‬يبدو من كبلمك أنك من عائلة ٕنتلك ا‪ٜ‬نس ا‪ٞ‬نوسيقي وْنيد العزؼ على ىذه‬
‫اآللة ؟‬

‫فصمت ومل ‪٩‬نب ‪ ،‬احس اف اختناقاً قد كسى حنجرتو و ا٘نرارا غمر وجهة ‪،،‬‬
‫جحظت عيناه بببلىة ‪ ..‬مث أسبل جفنيو ‪.‬‬

‫‪ -‬مل ْنبين ؟‬

‫‪ -‬ال فائدة من جوايب ‪ ،‬مث اين ال اريد اف اشرؾ أحداً يف ‪٨‬نومي‬

‫‪ -‬لكين مسؤولك ا‪ٞ‬نباشر ومن حقي أف أعرؼ عنك اشياء كثًنة ‪ ..‬قد أستطيع‬
‫مساعدتك ‪.‬‬

‫صمت ‪٫‬نيم ‪ٜ‬نظة صدؽ او حقيقة ‪ ..‬انفجر بركاف من أعماقة الرطبة الطيبة ‪..‬‬

‫‪ -‬انا رجل يقاؿ لو أ٘ند الصويلح ‪ ..‬أسم يوحي با‪ٝ‬نفة أو السخرية ‪ ..‬اـ ماذا غًن‬
‫ىذا ‪ ..‬ىي أ‪ٚ‬ناء الدلع ‪ٟ .‬نا داللتها الفلكلورية أكثر من معانيها ا‪ٞ‬نعنوية ‪ ..‬يشاع‬
‫أين ولدت يف قرية أ‪ٚ‬نها (ا‪ٜ‬نكنة ) ‪ ،‬ال ادري يف أي زمن و أي فصل ويف أي‬

‫‪51‬‬
‫بيت ىذا ليس مهماً ‪ ..‬ا‪ٞ‬نهم ىي االستمرار بعد الوالدة يقولوف أين ولدت عاـ‬
‫‪ – ٜٔٗٚ‬الشهر ‪٠‬نهوؿ طبعا –‬

‫طفوليت تاريخ ضائع ‪ ..‬أو حلم مبعثر ‪ ..‬ىكذا تأيت للحياة ‪ ،‬با‪ٞ‬نصادفة أو نتيجة‬
‫لشهوة الوالدين اليت ينميها الفراغ الواسع ‪ ..‬ال أتذكر طعم حليب أمي بل مل أذقو ‪،‬‬
‫لقد تكفلتين نساء كثًنات ‪ ،‬وقد يكوف ا‪ٜ‬نليب الذي رضعتو ليس طاىراً – رغم‬
‫اين ضد ىذا –‬

‫ال ضًن أننا ‪١‬نكوموف بتقاليد ال أعرؼ مصدرىا ؟‪ ..‬يوـ جئت للدنيا ماتت أمي‬
‫اليت مل يكن ‪ٟ‬نا أقرباء ‪ ..‬يقاؿ اهنا أبنة احد الرعاة الذين ماتوا وىم حفاة وراء‬
‫ا‪ٞ‬ناشية ‪ ..‬أما أيب فلم أر وجهو أطبلقاً ‪ ،‬يعتقد انو تزوج فلسطينية وبقي ىناؾ‬
‫عندما كاف يف ا‪ٛ‬نيش عاـ ‪ ٜٔٗٛ‬ويظُن انو قتل يف حيفا ‪..‬‬

‫امرأة عجوز قالت يل أنك بقيت بعد والدتك يوماً كامبل تصرخ من ا‪ٛ‬نوع اىل اف‬
‫جاء الغجر فانتشلوؾ ‪ ،‬مل ترضعك امرأة واحدة بل كل الغجريات ‪ ،‬ومن ذلك‬
‫ا‪ٜ‬نٌن أصبحت غجرياً با‪ٜ‬نليب ‪ .‬لقد علموين العزؼ على الربابة ‪..‬آه كم أحب‬
‫ىؤالء الذين يسموهنم الغجر ‪ .‬لكين أتوؽ ‪ٞ‬نعرفة أمي و أيب ‪ ..‬إنىن لو عشت يف‬
‫كنفهم ‪ ،‬ال أذكر اين كنت مكتسياً يف طفوليت ‪ ،‬كاف اٗنل أيامي حٌن يتعرى‬
‫االطفاؿ للسباحة يف النهر حينها تذىب الفوارؽ ‪..‬‬

‫يسمونين أحياناً أ٘ند الغجري ‪ ،‬انو اسم يفرحين ‪ ..‬عظيم أف انتمي ‪ٟ‬نؤالء القوـ‬
‫الذين حافظوا على تقاليدىم منذ آالؼ السنٌن ‪ ،‬فمهما كانت نظرة العامل عن ىذا‬
‫الرتاث ‪ ،‬ث‪ .‬انو ٗنيل ‪ ،‬ال مكاف للحزف فيو ‪ ،،‬ىل رأيت غجرياً كسى وجو األسى‬

‫‪52‬‬
‫دب فيهم اآلف كل ما‬
‫يوماً ما ؟ ‪ .‬اهنم مصدر الفرح ‪ ..‬لكن الزيف وا‪ٝ‬نراب َّ‬
‫اخشى أف يذوب الغجر يف اجملتمعات ‪ ،‬يف ىذه ا‪ٜ‬نالة سيخسروف الكثًن ‪ ،،‬و‪٫‬نسر‬
‫من اندمج معهم ‪ ،‬أريدىم أف يبقوا غجراً ‪...‬‬

‫ما أقولو بقايا الذاكرة وفضبلت النسياف ‪ ..‬سأنبش ذاكريت وضمًني ألقوؿ أيامي ‪.‬‬
‫لكين لن أقوؿ كل شيء ‪ ،‬أنين أٓناشى ظلم العامل ‪ .‬فليس كل ما يف الذاكرة‬
‫يسكب يف ‪٢‬نيليت ويبقى شاخصاً ‪ ،‬سفر الغجر الدائم بٌن القرى ‪ ،‬أ‪ٚ‬ناؿ من ا‪ٝ‬نيم‬
‫‪ .‬و٘نًن ىرمة عجفاء ‪ ..‬كبلب مسعورة ‪ ..‬شيوخ كبار ‪ ..‬ينزووف يف ا‪ٝ‬نيم ‪ .‬ال شد‬
‫ما ‪٪‬نتقر الغجر الرجاؿ ‪ .‬فتيات يوزعن ا‪ٟ‬نوى والفرح يف القرى اجملدبة ا‪ٞ‬نقحطة ‪..‬‬
‫ىي رحبلت ُنث عن طعاـ أو عرض لبضاعة يقشعر ‪ٟ‬نا ا‪ٛ‬نلد لكنها قيم نسبية و‬
‫متغًنة بٌن كل الناس و‪٢‬نتلفة يف مقاييسها يف كل اجملتمعات ‪ ..‬ىنالك من يقيم لنا‬
‫الوالئم من شيوخ القرى ‪ ،‬الزلت أذكر طو ا‪ٞ‬نسمار ذلك الشيخ الذي كنا نعسكر‬
‫عنده أياماً ‪ ..‬كاف يطعمنا ويكسينا ويشرؼ على وصبلت فرحنا ‪ ،‬و‪ٟ‬نذا يتغىن بو‬
‫الغجر و فتياهنم ‪ ،‬انو رجل كرًن حقاً وىناؾ من يطاردنا بكبلبو و متهوريو من‬
‫الشباب ‪ ..‬كاف يل ٘نار اسود صغًن امتطيو حٌن يشد الغجر الرحاؿ ‪ ،‬أنا واحدى‬
‫الفتيات اليت كانت تكربين بعاـ ‪ ،‬لكنها سريعاً ما توجت من احد شباهبم ‪ ،‬صدقين‬
‫كنت أعبدىا ‪ ..‬أنين ‪ٜ‬ند ىذه اللحظة عندما أتذكرىا يرْنف لذكراىا قليب ‪ ،‬ال‬
‫ُ‬
‫اعرؼ مصدر ىذا ا‪ٜ‬نب ‪ ..‬وىذه العاطفة اليت ولدت من عدـ ‪ .‬أفنيت اياماً وعمراً‬
‫و جوعاً و مرحاً يباع يف خيم الغجر ‪ ..‬انين انتمي لعامل الفرح لكين أقع يف وىم‬
‫االحتقار ‪ ..‬كل احاسيسي تقوؿ يل ىكذا لكين اقع يف وىم االحتقار ‪ ،،‬كل‬
‫أحاسيسي تقوؿ يل ىكذا لكين أرتد احيانا اىل أرذؿ التصرؼ ‪ ..‬ابرة توخز الضمًن‬
‫‪53‬‬
‫يف قمة الفرح فرتجعين اىل قعر اليأس ‪ .‬ىذا انا كتلة من التناقض والرتدد إٔنىن بل‬
‫أرغب أف اذوب يف عا‪ٞ‬نهم و لكن على أبسط خطأ مين أوبخ و أذكر بأين لست‬
‫منهم ‪ ،‬وبأين من احدى القرى و ببل أىل ‪ ..‬من ىم االىل ؟ أهنم االنتماء واحمليط‬
‫الذي ال يتأوه من عيين ‪ ..‬التص‪ .‬هبم ‪ ..‬انشد اىل ‪ٟ‬نوىم ‪ ،‬أرتاد مضارهبم يف كل‬
‫أصقاع العراؽ ‪ ..‬ىم تربيت اليت ترعرعت فيها ‪ .‬يندفع يب العمر الضائع و أكوف يف‬
‫يف رغبة‬
‫ريعاف الشباب ‪ ،‬تأتيين ا‪ٟ‬نواجس و تلسعين وخزات االلسن الطويلة ‪ ،‬يثًنوف َ‬
‫البحث عن األىل ‪ ..‬عن ا‪ٛ‬نذور ‪ ..‬عن أىل أمي وبقايا قرييت ‪ .‬ادخل يف خصاـ‬
‫مع فتايت الغجرية اليت أعطتين قلبها ‪ ..‬تتمايل مع أنغاـ الربابة كالعشب يف الريح‬
‫‪(..‬ي ػػاه) على ‪ٜ‬نظات ىي العمر وغًنىا سدى ‪ .‬ال أدري ماذا حدث يل حٌن‬
‫أدميت رأسها نتيجة لتهوري عندما رأيتها تكلم احدىم ‪ ،‬ال أظن الذي بيها وبينو‬
‫كاف حباً ‪ ،‬رّنا ‪٠‬نرد كبلـ ‪ ،‬صاحت فزعة ‪.‬بعد ىذا اجتمع حويل الغجر وكاف مين‬
‫أف ىربت و كاف منهم أف رحلوا اىل جبهة أخرى ؟‬

‫أ٘ند الصويلح أنك تضيع االىل وا‪ٞ‬نأوى بعد األـ ا‪ٜ‬نقيقية ‪ .‬أىيم ىجرة يف القرى‬
‫‪ ..‬ا‪ٛ‬نوع يدفعين اىل بيوت تبص‪ .‬يف وجهي ‪ ..‬وليس للربد الذي يلسعين أ‪ٚ‬ناؿ‬
‫تبعده عين ‪ ..‬انين ادفع ٖنن غلطيت فأمسح بأقدامي كل أزقة البيوت و عتبات الدور‬
‫اليت تقيم الوالئم ‪ .‬على اي ذنب ‪٬‬نكن أف يثرد ا‪ٞ‬نرء ؟ وعلى أي أرض يصوب‬
‫فوقها أسواقو ؟ ‪ .‬ال ‪٬‬نكن أف أسقط يف ا‪ٝ‬ننوع ولكين أستفيد وبقوة من درس التهور‬
‫‪ ..‬ماذا خسر الغجر ؟ وماذا رُنت انا ؟ وماذا جنت فتايت ؟ وأي ذنب ٘نلت‬
‫حٌن بادلتين ا‪ٞ‬نشاعر اليت اجتاحتها بعنف ؟ ‪ .‬ماذا بقي غًن جسد منهك وربابة‬
‫ىي جواز السفر واداة االنتباه والرزؽ ؟ كنت اجلس بٌن القرى وانوح بآالمي حٌن‬
‫‪54‬‬
‫أداعب وترىا بقوسي ‪ ..‬أهنا متنفس ا‪ٟ‬نموـ اليت تتجمع سريعاً ‪ ..‬أنستين ا‪ٞ‬نقابل‬
‫وألفتين ‪ .‬فحٌن ‪٪‬نط يب الرحاؿ الطويل وينهكين سفر البل ىدؼ أسقط جسدي‬
‫ّنحاذاة احد القبور واترؾ أحبلمي وتيهي و ال أصحو االّ بعد أف ارتوي من النسياف‬
‫وا‪ٝ‬ندر ‪. .‬اٗنل االياـ حٌن يصادؼ ْنوايل يف القرى عرس او فرح ما ‪ ..‬فأنتقل بٌن‬
‫احملتفلٌن ‪ ،‬سريعاً ما أجلب االنظار حويل ألين سيد الربابة ا‪ٞ‬نفقود ‪ ..‬كنت ابقى‬
‫اياماً يف بيوت االفراح والعرس ‪ ،‬ويزداد احتفاؿ الناس و تشد سعادهتم الربيئة ‪ ،‬و‬
‫تشارؾ القرية بأٗنعها و أحصل جراء عزيف الربابة على ا‪ٞ‬نبلبس والطعاـ الدسم ‪ ،‬و‬
‫االعجاب من الفتيات وزوجات الشيوخ واالرامل ‪ ..‬على فكرة ‪ ..‬أف يف االرامل‬
‫أسى كبًناً ‪،‬‬
‫شوؽ كبًن ‪ ،‬وشهوة ال ترد ‪ ،،‬رغم شوقي وسعاديت كاف يف نفسي ً‬
‫حٌن أداعب ربابيت يزداد كبدي احرتاقاً ‪ ..‬لقد عرفت أنواع االمل ‪ .‬لكين أشعر‬
‫أحياناً بلذة و أنا أعاين من لوعتو ألف ما أقوـ بو يلقي االستحساف و االعجاب ‪.‬‬
‫سنوات وا‪ٜ‬ناؿ ىكذا ‪ .‬لقد خلقت تقاليداً جعلتين أضاىي حفبلت الغجر اليت‬
‫تقاـ ‪ ..‬أتراين نسيتهم ؟ كبل ‪ ..‬أهنم يف دمي ويف وتر ربابيت ‪ ،‬يف أحاسيسي ‪ ،‬ويف‬
‫دموعي اليت تنساب ‪ ..‬عندما ينفض احملتفلوف عين ‪ ..‬أهنم أيامي الوردية ‪ ،‬وْنربة‬
‫الصبا ‪ ..‬كيف انسى من ادميت حبيبتها سهواً ؟ ‪ .‬حٌن يكوف ا‪ٞ‬نرء غجرياً يكوف‬
‫احساس الرحيل ىاجسو ‪ .‬واالرض مداه والواسع ‪ ..‬ال شيء غًن التنقل ‪ .‬أي ىم‬
‫‪٬‬نكن اف ينهي رحلة العيش ؟ ىي أ‪٧‬ناط وسلوؾ نبتت بينهم وطوقتهم بفكرهتا و‬
‫اال ما ىذه التضحية الكربى ؟ تأمل ماذا قدـ الغجر للناس وماذا يأخذوف ؟ ال‬
‫يأخذوا اكثر من طعامهم وكسائهم يف الوقت الذي ىو ح‪ .‬كل كائن على االرض‬
‫‪ .‬أ‪٪‬نارب ا‪ٞ‬نرء بقوتو و‪٩‬نرب على اف يدفع فرحو وقيمو ألجل لقمة العيش ؟ ىذا من‬

‫‪55‬‬
‫ىوؿ الزمن ‪ ...‬و أخطاء ا‪ٞ‬ناضي اليت تنامت يف غفلة الثورة و االصبلح ‪٩ ..‬نب اف‬
‫يعطي الناس من أجل السعادة من اجل العطاء نفسو ‪ ،‬ال من اجل االخذ و‬
‫االستحواذ على ا‪ٞ‬نشاعر واالحاسيس ىذه ‪ .‬دنيانا وعيشتنا أف ‪٥‬نطم عدونا اىل‬
‫ابعد ا‪ٜ‬ندود ‪ ،‬أف ْنعلو ال يقدر على الوقوؼ اطبلقاً ‪ ،‬اف ٓنولو من انساف اىل ‪٠‬نرد‬
‫آيل لبيع ا‪ٟ‬نوى و استجداء الطعاـ ‪ ..‬ىذا تصرؼ مألوؼ أـ ظاىرة ال تلبث أف‬
‫تزوؿ ‪ ..‬ا‪ٞ‬نهم اجتثاثها و قربىا اىل االبد ‪ ..‬اننا يف زمن التناقض والعدواف اىل أبعد‬
‫ا‪ٞ‬نسافات ببل قيود ‪ ..‬ىذا عهد التغًن سلباً أـ ‪٩‬ناباً ‪ ،‬باإلرادة أو بدوهنا ‪ .‬من‬
‫ا‪ٞ‬نستحيل أف تبقى انت ‪ ،‬أنت ‪ ..‬ستكوف ما ‪٩‬نب اف تكوف و اال صرت ماضياً‬
‫مهمبلً ‪ .‬أين ىم اآلف ‪ ،‬يف أي السهوب وعلى طرؼ أي مدينة ؟ الشوؽ تيار‬
‫يتدف‪ .‬من القلب باْناه من ٓنبو ‪ ،‬ىكذا علمتنا دنيا اللحظة ‪ ،‬أف ال مسؤولية‬
‫ترقى اىل البحث عن الفرح عندما يعقد ‪ ..‬أترانا اآلف ىكذا ؟ من أين يأيت االنتماء‬
‫‪ٞ‬نن جاء اىل التناقض وغادر عنو ‪ ..‬عن أسياد الزمن الذي ىوى يف ركاـ الواقع‬
‫حديثي ‪ ..‬تناجت صرخة القلب و اجتازت ا‪ٞ‬ندى ‪٥ ،‬ناسب النسياف ‪ ،‬رغم‬
‫جروحها ‪ ..‬أسهر على ذكرى أو طيف ‪ ،‬أٔنيل أنو هنر االمل الذي لن ‪٩‬نف ‪ ،‬ماذا‬
‫عندي غًن ىذا ‪ ..‬وىذا ىو اعز االشياء و إنين انو حلمي و أمنيايت ‪ ،‬ال ‪٬‬نكن‬
‫ألحد االستحواذ عليها ‪،‬‬

‫أسلمت العيوف لتأمل حقل القمح الذي ‪٪‬نصد بأنامل ومناجل الفتيات ‪ ،‬حٌن‬
‫مررت بقرهبم نادتين أكربىن ‪ ،‬فأتيت ‪ .‬قالت يل أ‪ٚ‬نعنا أيها الساري ‪ ،،‬فبدأت‬
‫انغماً ٕناوجت مع السنابل الغنية بالثمر وبدأت ىي غناءً اجتازت ا‪ٜ‬نقوؿ ا‪ٞ‬نصفرة‬
‫اىل البيوت الضائعة بٌن النباتات الكثًنة ‪ .‬مل تتوقف ملحمتنا اال بعد الغروب ‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫رأيتها ٕنسح بعض دموعها ‪ ،‬عرفت اهنا عاشقة ‪ ،‬وحٌن رفعت بصري عن ربابيت ‪،‬‬
‫رأيت عشرات ا‪ٜ‬ناصدات قد اجتمعن يسمعن بتلهف ‪ ،‬يصنعن حويل دائرة من‬
‫ا‪ٛ‬نميبلت الصامتات ‪ ،‬ث‪ .‬اين مل االحظهن طواؿ مدة العزؼ ‪ ،‬وحٌن توقف عزيف‬
‫وغناؤىا اهنمر التصفي‪ .‬والزغردة و شققت طريقي من خبل‪ٟ‬نم بقوة ‪ ،‬منعين من‬
‫السًن ‪ ،،‬قلت أنين على رحيل أبدي وتركتهن ىكذا ‪ ،،‬اهنا ‪ٜ‬نظة فرح ال غًن ‪،،‬‬
‫أال ترى أهنا اٗنل من ٗنع النمامات ؟ ‪..‬‬

‫ىكذا ‪٦‬نل‪ .‬السعادة الربيئة ‪ ..‬وىذا ‪٩‬نب أف نعيش ‪٩ ،‬نب أف نكوف ببساطة‬
‫العشب ووداعتو وخفة الريح ‪ ..‬لكننا نعيش العكس ‪ ،‬لقد احتوانا األمل يف النهاية ‪،‬‬
‫انو وحش ىذا الزمن ‪ ،،‬اىل آخر ا‪ٞ‬نسافات أسًن ال أجد ما يف القلب ‪ ،‬ألعيش كما‬
‫الطًن أو ألموت وأسرتيح ببل جدوى ‪ ،،‬كاف عهدي با‪ٞ‬نسؤولية عدـ‪ .‬الشيء غًن‬
‫ربابة ووتر ‪ ..‬تأسرين انغاـ تأيت من وراء األف‪ ، .‬وراء الرؤية و انا يف األسر جريح‬
‫ح ى النخاع ‪ ،‬من يتبعين يف ضياعي يتيو و يكل ‪ ،‬اذا مل ‪٩‬نن من كثرة الفوارؽ ‪.‬‬
‫سرت اىل أخطر االمكنة فوجدهتا أكثر امناً ‪ ..‬اف ا‪ٟ‬نوى لعب ٗنيل ‪ ،،‬بل ىو‬
‫مسؤولية كل انساف ‪ ،،‬أسألين ُن‪ .‬الرب ‪ٞ‬ناذا نعيش بدونو ؟ وكم ىو العمر ؟ أال‬
‫‪٩‬نب أف يكوف صاخباً اىل أقصاه ؟ باهلل عليك أنضيع الشباب الذي ىو زىرة أيامنا‬
‫اليت ‪٩‬نب ارتشافها ح ى الثمالة ‪ٞ ..‬ناذا ىذا السيل ا‪ٟ‬نادر من األوامر وا‪ٞ‬نمنوعات‬
‫وىذا االنقطاع ا‪ٞ‬نروع عن ا‪ٜ‬نقيقة اليت نبتعد عنها رغم اهنا يف انفسنا ؟‪..‬‬

‫‪٩‬نب ْنريد ا‪ٜ‬نياة من قيودىا ‪٩ ..‬نب اف تنساب أيامها كا‪ٞ‬نوجة ا‪ٟ‬نادئة ىي ىكذا‬
‫لكنهم لوثوىا بفزعهم و هتورىم االجوؼ ‪..‬‬

‫‪57‬‬
‫ارى اف ا‪ٞ‬نوسيقى عندما تعزؼ بصدؽ تستطيع اف تغًن العامل ‪ ،‬أف تقرب بٌن‬
‫القلوب اليت ابتعدت منذ زمن ‪ ،‬بل قادرة على وقف ا‪ٜ‬نرب و اطعاـ ا‪ٛ‬نياع ‪ ،‬أف‬
‫وقت ا‪ٞ‬نشاحنات والنزاعات ‪٩‬نب اف يذىب ببل رجعة ‪ ..‬اننا على عتبة عهد الفرح‬
‫و االنسجاـ وا‪ٜ‬ننٌن ‪ ..‬أنين اتساءؿ من وراء ربابيت ‪ :‬ما جدوى ىذه ا‪ٜ‬نرب ومن‬
‫ىو ا‪ٞ‬ننتصر ؟ ‪ .‬اف أكثر ا‪ٞ‬ننتصرين ىو الذي يوقفها و‪٪‬نقن دمائها ‪ ..‬اللعنة ‪ٟ‬نا ‪،‬‬
‫لقد اوقفت انغاـ ربابيت ‪ .‬ما إٔنناه اف تكوف ا‪ٜ‬نرب غمامة عابرة ‪ ..‬اهنا سرطاف‬
‫يأكل ىيكل السبلـ و التيو ا‪ٛ‬نميل ‪ ..‬ما اٗنل التجواؿ بٌن القرى ا‪ٞ‬نتناثرة ‪ ،‬ليس‬
‫ىناؾ من يسألين عن ىوييت ‪ ،‬عن مطليب و مبتغاي و سبب ‪٠‬نيئي ‪ ،‬ما ابتغيو الفرح‬
‫‪ ،‬أف نشيع ظاىرة الضحك و الرباءة ‪ ،‬اريد االمساؾ بقراريت ا‪ٝ‬نطرة اللذيذة ‪،‬‬
‫فخطوايت ا‪ٞ‬نتسارعة يف االزقة ُنثا عن ىوى ‪ ،‬عن ‪٠‬نمع للغبطة ‪ ،‬عن أي مربر‬
‫ألطبلؽ انغامي يف ا‪ٞ‬ندى ا‪ٞ‬نتجاوب ‪ ..‬حٌن أسًن تسبقين اال‪ٜ‬ناف ‪ ..‬وال اشعر‬
‫با‪ٛ‬نوع اال عندما ينتابين اليأس وحٌن أختلي بنفسي ‪ ..‬تسقط شهوة ا‪ٟ‬نوى ‪..‬‬
‫ىكذا انا سيد اال‪ٜ‬ناف و اماـ االحبة حٌن ْنتمع القرية عن بكرة أبيها حويل ‪،‬‬
‫أحس أين قد وصلت اىل اىدايف واين اطفو فوؽ هنر الورد والر‪٪‬ناف وأناـ يف حضن‬
‫أمي وعلى صوت ترتيلها ‪ ..‬أين أيب ؟ ‪ .‬حناف الرجولة الذي ال أعرؼ طعمو ‪..‬‬
‫ىل قتلو اليهود ‪ ..‬أـ سرقتو عاشقة فلسطينية ‪ ،،‬إنىن االفرتاض الثاين ‪ .‬اف العش‪.‬‬
‫اقوى من ا‪ٞ‬نوت يف النهاية ‪ ..‬أيب ‪ :‬لقد ظهرت كل ا‪ٜ‬نقائ‪ .‬و أستقر ا‪ٞ‬نوقف و‬
‫انكشف الزيف فهل ستعود ؟ امي ‪ :‬اف طعم ا‪ٜ‬نليب الذي ذقتو فقد الرباءة و‬
‫ا‪ٜ‬نناف ‪ٞ ..‬ناذا ا‪ٞ‬نوت يستعبدكم ؟ ‪ٞ‬ناذا اولد يف الفراغ ‪ ..‬يف العراء ؟‪..‬‬

‫‪58‬‬
‫ال ‪ ،‬اف الغجر اىلي يف الرضاعة ‪ ..‬وىذا نسب شريف ‪ .‬اهنم كما قلت اكثر خل‪.‬‬
‫اهلل انتماءً لتقاليدىم ‪ ..‬و أكثرىم شرفاً من الذين ألفتهم ح ى االرض ‪ ،‬أتدروف أف‬
‫ا‪ٜ‬نقيقة ال ٕنوت بل ٔنتلفي ‪ٞ‬ندة ‪ ،،‬يا أنا ‪ٞ‬نا ىذا ا‪ٛ‬نموح ‪ ..‬ىذا القرار والتساؤؿ ؟‬
‫ومل ىذا الضعف اماـ اللحن ‪ ،‬أماـ الفرح ؟ اف ال وقت لؤلنغاـ ىنا ‪ ،‬أنك يا أمد‬
‫ُٓنرج البيئة وتعمل عكسها ‪ ..‬من أين تأيت السعادة ‪ ...‬انو زمن بعيد ‪.‬‬

‫ال أنين أريده و اف كاف حلماً ‪ ..‬انو ٗنيل ‪ ..‬انو رائع ‪ ..‬ح ى و اف كاف العوز‬
‫مسلطا علينا ‪ ..‬لكنين كنت أقوى منو ‪ ..‬ال تقتلوا يفَّ ىذا التوؽ الكبًن اىل الطًناف‬
‫ُ‬
‫فوؽ ا‪ٞ‬نآسي و االبتعاد عنها اىل األبد ‪ ،.‬اريد حرية البداية ‪ ..‬البداية ‪ ..‬اريد ىجرة‬
‫الغجر ‪..‬اليت ببل حدود ‪ ..‬ىي ّأـ ماتت يف ا‪ٞ‬نخاض ‪ ..‬و أب ضاع يف درب‬
‫الكفاح ا‪ٞ‬نطعوف ‪ ..‬ىل تراين أبايل با‪ٞ‬نوت العادي ‪ ،‬ما يقلقين أف يقتلين االعداء ببل‬
‫سبب ‪ ..‬أتساءؿ بكل جوارحي ‪ٞ‬ناذا يتوقوف اىل ا‪ٛ‬نر‪٬‬نة ‪..‬اىل القتل ببل حدود ؟‬
‫أحياناً ينتابين شعور ‪ :‬أقرر اف أقف على الساتر و أغين للسبلـ و ا‪ٜ‬نَّن للتآلف‬
‫والتفاىم ‪ ،‬للمحبة ‪ ..‬ترى ىل سيتجاوبوف ؟ ىذا ‪١‬ناؿ ‪ ،‬فمن البداية يكوف ا‪ٝ‬نطأ‬
‫ويكوف التلقٌن ‪ ..‬اهنم ‪٬‬نتلكوف قناعة ا‪ٞ‬نوت ورغبة الدمار ‪ ..‬يا للخطأ الفادح ‪..‬‬
‫من يدفع ىؤالء ؟ أين ذىبت أنغامك يا ‪ .........‬أين ىي أشعارؾ ا‪ٛ‬نميلة ؟ أمل‬
‫تقع يف نفوس ىؤالء ؟ انك تنبت يف أرض جرداء ‪ ،‬انك جئت با‪ٝ‬نطأ اليهم ‪ ،،‬أين‬
‫فاتنات فارس ؟ وكل جز‪ٟ‬نن ‪ ،،‬ال ‪٩‬نعلهم يفكروف با‪ٜ‬نب ‪ ،‬و لو مرة واحدة ؟ ‪..‬‬

‫يا للفضيحة ‪ ،‬لقد داس ىذا الوحش ا‪ٞ‬ندمى على ٓنف البلد يف أقدامو ‪ ..‬لقد قلب‬
‫ا‪ٞ‬نوازين ‪ ،،‬يقولوف أنو ‪٪‬نتفل با‪ٞ‬نوت ‪ٚ ،‬نعت انو احتفل بافتتاح نافورة الدـ ‪ِ ،‬ملَ ال‬

‫‪59‬‬
‫تكوف نافورة العسل ‪ ..‬ا‪ٝ‬نمر ‪ ..‬الورد ‪ .‬انا ال أٔنيل شعباً انتزعت أفراحو هبذا‬
‫الشكل ا‪ٞ‬نروع ‪ ..‬ىذا فأؿ سيء ينىبء بنهاية العامل وبؤس حضارة ‪.‬‬

‫كل ا‪ٞ‬نستحيبلت موت الوتر ‪ ،‬والغريب اف تأيت بالربابة ىنا ‪ .‬اترؾ للقلب البكاء‬
‫ببل قيود ‪ ..‬سأرحل اىل ا‪ٜ‬نلم ‪ ،‬اىل الرغبة ‪ ،‬يشدين ذلك ا‪ٞ‬ننتهى ‪ٞ ،،‬ناذا يصًن‬
‫ا‪ٞ‬ناضي حلماً بعيداً ىذا سؤايل ‪ ،‬تنتابين رغبة البحث عن مشوار السعادة ‪ ،،‬ياه او‬
‫كلما ذىب ا‪ٞ‬نساء انتابين شهور القل‪ .. .‬يف ُنثي عن مسقط الراس عن اىل‬
‫تركوين أرتوي من حليب الغجر ‪ ،‬سأقسم بالعدـ ‪ُ ،‬نليب امي الذي ال طعم لو اين‬
‫سأعود اىل ماكنت قبل انقبلب ا‪ٞ‬نوازين ‪....‬بٌن الدروب متكسرة بالودياف ‪ ،‬وقطاع‬
‫الطرؽ ‪ ،‬يف سفري ا‪ٞ‬نستمر صادفتين ملهميت حٌن جلست ٓنت شجرة التفاح كاف‬
‫ا‪ٞ‬نساء قد أقرتب والنهر يعرب أطياؼ الظلمة ‪ ،‬خيم صمت اوؿ الليل ‪ ..‬جاءت‬
‫ٓنمل بيدىا اناء ‪ٛ‬نلب ا‪ٞ‬ناء من النهر ‪ .‬ىي ال تراين و انا أبصرىا بدقو ‪ ..‬عند‬
‫صفحة ا‪ٞ‬ناء الساكنة مشرت عن ساقيها ‪ ،‬بيضاء كا‪ٜ‬نليب ‪ ،‬تشع بالنور‪ ..‬اغتسلت‬
‫أقدامها الرقيقة الناعمة بالشاطئ ‪ ،‬القت االناء جانباً وجلست على حافة النهر‬
‫كنت ابصرىا بدقو‬
‫ترقب االف‪ .‬والشف‪ .‬ا‪ٞ‬نتبلشي ببطء ‪ ،‬هتت يف تصور الكوف ‪ُ ..‬‬
‫‪ ..‬كائن ٗنيل جاء من اوؿ ا‪ٞ‬نساء ‪ ،‬شجرة التفاح ىيكل من ا‪ٝ‬نضرة ‪ٖ ..‬نة رائحة‬
‫لبقايا الثمر ‪ ..‬نسيت االىل والغجر معاً ‪ ،‬ىنا سأحط ‪ ،‬ليس مهما أف اجد‬
‫االىل أو أفقد الغجر ما داـ يف الكوف من يعوض عنهم ‪ ،،‬من يشغلين ‪ ..‬ىذا‬
‫مكاف رحب فيو من ا‪ٛ‬نماؿ ما يغري و يؤنس ‪ ،،‬تأجج يف داخلي احساس الفرح‬
‫‪ ..‬أسكرين ‪ ،‬أمسكت بالقوس وضغطت على الوتر ‪ ،،‬فانبعثت ا‪ٞ‬نوسيقى ‪..‬يف ىذا‬
‫ا‪ٞ‬نكاف انتصبت نظراهتا اىل شجرة التفاح ‪ ..‬اكتشفتين ‪ ،‬وببل مباالة واصلت‬
‫‪61‬‬
‫تأمبلهتا للنهر يف ىذا الغروب ‪ ،‬استمر عزيف على انغاـ قليب ِنجل و لكن بإصرار‬
‫‪ .‬انٌن الربابة ‪٩‬نتاز العامل ‪ ،،‬يعرب النهر ‪ ..‬يتوغل يف أحراش االشجار ‪ ،‬وىي ٓندؽ‬
‫يف ا‪ٞ‬ندى اال٘نر ‪.‬نضبت أطياؼ مشاعري ‪ ،،‬القيت الربابة جانبا و بدأت أغسلها‬
‫بنظرايت الثاقبة ا‪ٞ‬نندىشة ‪ ،،‬يفاجأين تعادي زورؽ وىو يقطع النهر ‪٥‬نوىا ‪ ،،‬اجتاز‬
‫ا‪ٞ‬ناء العمي‪ .‬و رسى قرهبا ‪ ..‬يرتجل منو شاب وىو يبتسم ملء فمو ‪ ..‬وسيم‬
‫‪..‬قامت من جلستها ‪ ..‬اشتبكا بعناؽ ‪ ،،‬التهم بعضهما البعض ‪.‬ريح ىادئة ‪ ،،‬هتز‬
‫الزورؽ بتأ ٍف ‪ ،‬استمرت ‪ٚ‬نفونية ا‪ٜ‬نب ‪ .‬افرتشا عشب الشاطىء ‪ ،‬أخرج ‪ٟ‬نا من‬
‫جيبو أشياء مل إٔنكن من معرفتها ‪ ،‬ابتسمت ‪ ،‬مث غابا يف عناؽ طويل ‪ ،،‬القيت‬
‫ربابيت على كتفي وسرت ‪ ،،‬قلت أىكذا يفعل ا‪ٜ‬نب ؟ أكانت تراين ؟ ‪ ،‬أتسمع‬
‫ماذا أعزؼ ؟ ال اعتقد ذلك ‪ ..‬اف كل احبلمها وخياالهتا و تصوراهتا منصبة على‬
‫انتظار فارس احبلمها ‪ .‬اف ىذا أ‪ٚ‬نى شيء يف العامل ‪ ..‬االنتظار ا‪ٞ‬نثمر‬

‫يف من التناقض اشده ‪ ،‬ومن االحباط أقساه ‪ .‬اتيو يف دروب‬


‫سرت ببل جدوى ‪َّ ،‬‬
‫ُ‬
‫الشوؾ و سواقي ا‪ٟ‬نرب ‪ .‬أعض على لساين من ندمي الكبًن ‪ ،‬ال انساؽ اال‬
‫ألوامر القلب ا‪ٜ‬نارة ‪ ،،‬ىذه صورة الفشل ‪ ..‬اكوف آخر القديسٌن و اكرب الزنادقة‬
‫ال فرؽ اف ذايت ‪١‬نط لقاذورات العامل ومنبع لطهره ايضاً‪.‬‬

‫أي قانوف ‪٪‬نكم االىواء ؟ و أي امرأة تقا‪ٚ‬نين شهويت بالعدؿ ؟ يالبؤس من حويل ‪،‬‬
‫يدي‬
‫فقد أفرغت ا‪ٞ‬نشاعر يف الفراغ ‪ ..‬اكوف سيد ا‪ٝ‬نسارة ا‪ٞ‬نطلقة و ارباح الدنيا بٌن ّ‬
‫‪..‬ىذا انا أوزع اللحن ا‪ٞ‬ننعش على ا‪ٞ‬نؤل ألسرتيح من رغبة التملك وا‪ٟ‬نبة ‪ ..‬كاف‬
‫السراب مداي الواسع الغامض ‪ ،‬أش‪ .‬أسرار الوىم ألعود من حيث جئت و البس‬

‫‪61‬‬
‫العامل معطف الفرحة ‪ :‬حيث داستنا االياـ الشرسة ‪ ،‬القي آخر اآلماؿ على الزمن‬
‫ومصادفاتو ‪ ،‬و احتماؿ ا‪ٜ‬نب الضعيف ‪ ،‬أنا سيد يف العراء وحر اىل آخر ا‪ٞ‬نطاؼ ‪.‬‬
‫ليس أمامي سوى وقت أفرغ فيو ما يؤخر رحليت ‪ ،‬صراع الذات كبًن ‪ ،‬وحب البقاء‬
‫أقوى ال يا انا ‪ ،‬ال وقت للرتدد فاالنتظار ىز‪٬‬نة ‪ ..‬ياه ‪ ...‬م ى صار الرحيل رغبة‬
‫وىدفاً حٌن تضي‪ .‬االرض بناسها ‪ ..‬لكن مل اُنث عنهم ما داموا سدى ‪ ،‬لكين‬
‫أريد االنتماء ‪ ..‬اف انتمائي للنغم ‪ ..‬يدفعين للبحث عنهم ‪ .‬يف النهاية انتهى ُنثي‬
‫اىل ىديف ومبتغاي ‪ .‬كاف الوقت صباحاً وأشعة الشمس تنساب بوداعة يف ا‪ٜ‬نقوؿ‬
‫الواسعة ‪ ..‬أشجار الكروـ تداعب أوراقها الريح هبدوء ‪ ..‬أرى ا‪ٜ‬نركة الوادعة ‪..‬‬
‫انواع من الطور تسكن يف كنف االشجار العتيقة ‪ ..‬رأيت امرأة ترعى بقرين خارج‬
‫قلت اىذه قرية (ا‪ٜ‬نكنة ) فأجابت بنعم ‪ ..‬أنش‪ .‬قليب فرحاً و أراد الطًناف‬ ‫القرية ُ‬
‫فوؽ اجوائها ‪ ..‬عدوف يف أزقتها وبٌن بيوهتا ا‪ٞ‬نتآكلة ‪ ..‬لسعتين كبلهبا بنباح فزع ‪..‬‬
‫غسلين أىلها بنظرات الشك والريبة ‪ ،‬القيت ربابيت ٓنت ابطي وسرت يف ‪ٜ‬نظة ىي‬
‫التحوؿ وا‪ٞ‬نصًن‪ ..‬و جلست يف ظل أحد البيوت ‪ ،‬امسكت بربابيت ‪ ،‬أطلقت‬
‫عناهنا ‪ ،‬عزفت اجود ما عندي ‪ .‬هتت يف انغامها ‪ ،‬دقائ‪ .‬و ساعات ‪ ..‬رفعت‬
‫بصري ‪ ..‬مل َأر أحداً وكأنين يف مقربة ‪.‬أوقفت اجرتار اللحن الذي مل يُسمع ‪،‬‬
‫بكيت يف داخلي من صدمة نفسي ‪ ..‬اختصرت ا‪ٞ‬نسافات الطويلة ألصل منبع‬
‫األىل و مثواىم ‪ .‬قلت اف ا‪ٞ‬نراىفء ستستقبل عاشقها ‪ ..‬واكن العكس حدث ‪.‬‬
‫كانت الببلىة سيدة ا‪ٞ‬نوقف ‪ .‬اف كل القيم قد تغًنت و األحاسيس لوثت يف ىذا‬
‫العامل ‪ .‬كانوا يقولوف أف اىل قرية (ا‪ٜ‬ننكة ) ال يقيموف أفراحهم ودبكاهتم االّ يف‬
‫ا‪ٞ‬نقابر فرتى الراقصٌن والراقصات يرت‪٥‬نوف على أنغاـ ا‪ٞ‬نطبك بٌن القبور ‪ ..‬و أآلف‬

‫‪62‬‬
‫ا‪ٞ‬نر ‪ .‬لقد فقدت القرى أفراحها ‪.‬‬
‫كل شيء ساكن ‪ .‬كل ما فيو يوحي بالبكاء ّ‬
‫قمت من مكاين النفض عن نفسي آخر اآلماؿ الضائعة ومشس النهار ترتنح يف اف‪.‬‬
‫بعيد ‪ .‬ا‪ٛ‬نحيم سكن القرية وثبت أقدامو ‪ ..‬الغربة تيار غمرين ح ى النهاية ‪ .‬يكسر‬
‫القلب اعصار االحباط و يسلم لؤلقداـ درب الرحيل ‪ ،‬تكوف ا‪ٟ‬نجرة قدر أعمى و‬
‫مشيت مطأطىء الرأس ‪ ،‬تدلت من يدي اليمىن ربابيت ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الضياع كابوس ال ينزاح ‪.‬‬
‫اجتزت فناء القرية ‪ ،‬نظرت ‪٥‬نوىا ‪ ..‬كانت بيوهتا رمادية تغوص يف ا‪ٝ‬نضرة ا‪ٛ‬نامدة‬
‫سرت اىل العامل الواسع مذبوح القلب أنتمي للدروب ا‪ٝ‬نالية ‪.‬‬
‫‪ُ ،‬‬
‫يف خدميت العسكرية الطويلة مل تفارقين ربابيت أبداً ‪ ،‬كانت يف حوزيت دائماً ومن‬
‫حسن حظي أف آمر اللواء كاف من عشاؽ ىذه اآللة فكاف يف كل مناسبة ‪٩‬نمع‬
‫اللواء ويأمرين أف أعزؼ أ‪ٜ‬ناين للجنود وكجزء من الرتفيو عنهم ‪ ..‬لشدة ما يسعدين‬
‫علي كثًناً ‪ .‬يف أحدى ا‪ٞ‬نرات طلبين للقاء بو ‪ ..‬وعندما‬
‫تصرفو ىذا ‪ ..‬كاف يعطف ّ‬
‫اتيت فاجأين بانو يعرؼ كل شيء عين ‪ ..‬قاؿ يل انو مستعد أف يدفع كل نفقات‬
‫زواجي ووعدين بأف يكوف أحد الرجاؿ الذين يطلبوف يد اليت اخطبها ‪ .‬كاف يعرؼ‬
‫أحب واحدة من تأوىات وتر ربابيت ‪ ..‬لكين رفضت وهتربت بأعذار كثًنة ‪..‬‬
‫أنين ّ‬
‫آخر مرة عزفت لو و للجنود عند معارؾ بنجوين بعد رجوع جحفل اللواء ‪ ،‬عند‬
‫شاطئ (الزاب ) بدأنا حفلنا ‪ ،‬أنا أعزؼ على ربابيت ‪ ،‬وجندي آخر على (ا‪ٞ‬نطبك‬
‫) والبقية يرقصوف ويستحموف ّناء النهر ‪ ،‬وحٌن جئنا اىل شرؽ البصرة ‪ُ ..‬رقي اىل‬
‫رتبة أعلى مث نقل على أثرىا ‪ .‬لقد كاف رجبلً عظيماً وقائداً انسانياً ‪ .‬بعد كل ىذا ‪.‬‬
‫أفكر بالزواج ‪ ..‬ألين اعتقد أين مل أعد قادراً على السفر الدائم ‪ ..‬احتاج اىل بعض‬

‫‪63‬‬
‫االستقرار وقد وجدت ا‪ٞ‬نرأة اليت اُنث عنها ‪ ،‬و سوؼ أتزوجها بعد أف تنتهي‬
‫غمامة ا‪ٞ‬نعارؾ احملتدمة اآلف ‪..‬‬

‫قلت أل٘ند الصويلح ‪:‬‬

‫‪٩ -‬نب أف ال تكوف ىنا اآلف ‪.‬‬

‫‪ -‬ىذا افرتاض مث اهنا حرب شرسة ليس ىناؾ من مربر اف يستثىن أحد من ا‪ٞ‬نشاركة‬
‫هبا ‪.‬‬

‫‪ -‬أتدعونا اىل حفلة عرسك ؟‪.‬‬

‫‪ -‬الدعوة موجهة لكل من يعرفين ‪.‬‬

‫‪ -‬و أين سيكوف العرس ؟‬

‫‪ -‬يف أي مكاف آمن ‪ .‬اف االفراح ال تضي‪ .‬هبا األمكنة مهما كربت ألهنا تنبع من‬
‫القلوب ‪.‬‬

‫‪ -‬ستعزؼ اجود ما عندؾ ‪ ..‬اليس كذلك ؟‬

‫‪ -‬ىذا يتوقف على مشاعري يف تلك اللحظة ‪ ،‬لكين سأكوف سعيداً حتماً ‪.‬‬

‫قصف مدفعي مفاجئ يزداد ضراوة ‪ ..‬أردت أف اعود اىل ملجأي و اترؾ أ٘ند‬
‫الصويلح و‪٨‬نومو الصغًنة – الكبًنة ‪.‬‬

‫قلت‪:‬‬

‫‪64‬‬
‫‪ -‬أ‪ٚ‬نح يل با‪ٝ‬نروج ‪ ..‬أرجو اف ال أكوف قد أزعجتك ‪.‬‬

‫يل ‪.‬‬
‫‪ -‬ال بالعكس لقد آنستين باستماعك ا ّ‬
‫‪ -‬وداع ػ ػاً‬

‫‪ -‬وداعػ ػاً‬

‫**********‬

‫معركة الفاو الشرسة مل تتوقف ومل هتدأ ‪ .‬أهنا معركة ال ‪٬‬نكن اف تستوعبها ساعات‬
‫فمنذ أكثر من شهر ولغة‬ ‫النهار وليس لنارىا أف ٔنمد بأياـ و أسابيع ‪ ،‬يا ‪ٟ‬نو‪ٟ‬نا‬
‫ا‪ٜ‬نديد والنار تنطل‪ .‬والبيانات العسكرية ٓنكي قصة القتاؿ ا‪ٞ‬نريع ‪ .‬ىي ‪١‬نرقة بكل‬
‫ما فيها ‪ .‬من ا‪ٞ‬ننطقي اف ٓنتاج اىل الكثًن من الرجاؿ ‪ ..‬لقد جاء دور لوائنا حٌن‬
‫صدرت االوامر لو بالتجحفل قرب ساحة ا‪ٞ‬نعركة ليدخلها عندما ٓنٌن الفرصة ‪ ،‬أو‬
‫حٌن ٓندث ا‪ٞ‬نفاجآت أو أي موقف يستوجب اقحامو يف معركو ىي من أشرس‬
‫معاركنا مع العدو ‪ ..‬و أكثرىا حدة ‪ ..‬ينفتح اللواء بأفواجو الثبلثة يف أرض الفاو‬
‫السبخة ‪ ،‬يف منطقة تقع ضمن مدة القصف ا‪ٞ‬ندفعي البعيد ‪ ،‬لكن ا‪ٞ‬نوقف وخطورة‬
‫ا‪ٞ‬نعركة يستوجباف أف يكوف اللواء قريباً ‪.‬‬

‫صدرت االوامر ا‪ٞ‬نبكرة للضباط و آمري السرايا و االفواج باالستطبلع على ‪١‬ناور‬
‫القتاؿ الثبلثة ‪ :‬احملور الشمايل ‪ ..‬احملور االوسط و الساحلي ‪ :‬اي ا‪ٛ‬ننويب ‪..‬‬
‫‪65‬‬
‫السرايا والفصائل تلقي بطشها يف ىذه االرض الواسعة ‪ .‬الوجوه تقرأ الوجوه ‪،‬‬
‫فساعة االصطداـ قادمة ال ‪١‬نالة ‪ ..‬ا‪ٞ‬ندفعية البعيدة ا‪ٞ‬ندى هتلهل أـ تصرخ ‪،‬‬
‫قذائفها تش‪ .‬الفضاء باْناه العدو ‪ .‬ا‪ٞ‬نئات من صنادي‪ .‬العتاد الفارغة حو‪ٟ‬نا نتيجة‬
‫االستهبلؾ ‪..‬تقع اىل يسارنا كتيبة مدفعية بعيدة ا‪ٞ‬ندى يسموهنا ( كتيبة مدفعية ‪ٖٙ‬‬
‫) ‪ .‬يقوؿ تار‪٫‬نها اهنا لعبت دوراً كبًناً يف معارؾ شرؽ البصرة االوىل وىي اآلف تقدـ‬
‫االسناد الناري لقواتنا وٓنطم ىجمات العدو يف ىذه االرض العجيبة ‪ ..‬ما يعي‪.‬‬
‫التقدـ واالنفتاح طبيعة الرتبة ا‪ٞ‬نلحية ‪ .‬الطينية اليت تنز ماءً بسبب قرهبا من البحر ‪..‬‬
‫الشمس ٓنرؽ الوجوه ُنرارهتا ‪ .‬لقد قدـ الصيف مبكراً ‪ .‬ىنا ال مكاف للربيع ‪ .‬اف‬
‫الصيف سيد الفصوؿ يف ىذه االصقاع ‪ ..‬االرض عبارة عن سطح ملحي ّنستوى‬
‫النظر ال يصدـ بصرؾ اال َنباؿ السراب اليت تظهر يف النهاية ‪ .‬مل أ َر أي عشب أو‬
‫أي نبات ‪ .‬ح ى الشوؾ فهو يكابر اف ينمو ىنا على عكس ما أرى يف ا‪ٝ‬نرائط‬
‫الصماء حيث أرى أرض ا‪ٛ‬ننوب عبارة عن مدى أخضر ٗنيل ٓنسد عليو ‪.‬‬

‫وقف ا‪ٞ‬نقدـ ىذاؿ اماـ اللوحة ا‪ٝ‬نشبية السوداء يؤشر بالعصا اْناه ا‪ٛ‬نبهة على‬
‫خريطة وضعت فوقها ‪ ..‬وبيده اليمىن قالب طباشًن يستعٌن بو لتوضيح أي التباس‬
‫يعرتض ضباط فوجو على ا‪ٝ‬نارطة ‪ ،‬ظهرت مدينة الفاو اليت صارت بيد العدو ‪..‬و‬
‫ظهر شط العرب وا‪ٝ‬نليج وجزء من جزيرة بوبياف و رأس البيشة وا‪ٞ‬نملحة ‪ ..‬كل‬
‫ا‪ٞ‬نعامل ظهرت على الرتبيعات ‪ .‬ىناؾ ثبلثة أسهم ٕنثل االرتاؿ الثبلثة وبعض‬
‫التقاطعات على ا‪ٞ‬نياه و االىوار اليت ىي جسور عائمة ‪ .‬أرتكز رأس العصا على‬
‫نقطة تقع اىل الشماؿ ‪ ،‬من الفاو ‪ ،‬قاؿ عنها ا‪ٞ‬نقدـ ىذه عقدة (‪ )ٔٚ‬ويدىا‬
‫مفتاح الفاو و‪٬‬نكن ٓنريرىا عن طري‪ .‬الرتل االوسط ‪ .‬مث اخذ يؤشر على العقد‬
‫‪66‬‬
‫األخرى و ا‪٨‬نيتها السوقية التعبوية ‪.‬بعد اف اهنى ا‪ٞ‬نقدـ ايضاحو على ا‪ٝ‬نريطة أراد‬
‫االستماع اىل استفسارت الضباط ‪ ..‬حدث بعض التساؤؿ من الضباط و اجاب‬
‫عنو ا‪ٞ‬نقدـ ‪.‬‬

‫خبلصة قولو أعلن سنعرؼ كل شيء عن طري‪ .‬االستطبلع ا‪ٞ‬نباشر ‪ .‬قاـ بتقسيمنا‬
‫اىل ثبلث ‪٠‬ناميع ‪ .‬كل ‪٠‬نموعة على رتل وكل ‪٠‬نموعة تتوزع على احد االلوية‬
‫ا‪ٞ‬نوجودة يف قاطع عمليات الفاو ‪.‬‬

‫ناداين مبلزـ ضياء ‪:‬‬

‫‪ -‬مبلزـ مراد سيكوف استطبلعنا على الرتل الساحلي ‪.‬‬

‫‪ -‬ىذا حسن ‪ ..‬مث اين سعيد بك ألنك بصري تعرؼ أرض مدينتك جيداً‬

‫ابتسم حيناىا وصمت ‪ ..‬كاف علينا أف نصطحب معنا جنديٌن و نتهيأ عند حلوؿ‬
‫الغروب ‪ ..‬برؾ ماء ‪١‬ناطة ّنلح أبيض كالثلج لوهنا أزرؽ ‪٬‬نيل اىل االخضرار ‪ .‬ىناؾ‬
‫برؾ ٘نراء صدئة ‪ .‬ىذه بداية ا‪ٝ‬نليج ‪ ،‬ساحل تغوص مياىو يف ْناويف ا‪ٞ‬نلح ‪ .‬أرى‬
‫يف امتداد االف‪ .‬بٌن الساحل وجزيرة (وربو) الكويتية ‪..‬سفينو حربية كبًنة ‪١‬نطمة ‪..‬‬
‫قالوا اهنا منذ أوؿ ا‪ٜ‬نرب ‪( ،‬إيرانية ) ‪ ،‬أرادت اف تقرتب من ميناء أـ قصر ‪ ..‬مث‬
‫ٓنطمت بنًناف زورؽ عراقي ‪ ..‬تبدو كهيكل حديدي يتحدى ا‪ٞ‬نوج ‪ ..‬ريح جنوبية‬
‫‪١‬نملة بالبخار تتوغل يف أعماقنا ا‪ٛ‬نافة أبداً ‪ّ ..‬نحاذاة الساحل ‪٬‬نتد الشارع الذي‬
‫يربط الفاو بالبصرة أطلقوا عليو ‪ :‬الطري‪ .‬الساحلي ‪ ،‬كائن يئن بصمت ٓنت ضغط‬
‫العجبلت وا‪ٞ‬نسرفات اليت تزار ‪ ،‬راحلة باْناه ا‪ٛ‬ننوب الشرقي الذي ‪٪‬نرتؽ ناراً ‪..‬‬

‫‪67‬‬
‫وبامتداد الشارع ترتكز كتائب ا‪ٞ‬ندفعية وبطريات مقاومة الطائرات اليت تأيت‬
‫بارتفاعات منخفضة فوؽ ا‪ٝ‬نليج ‪ ..‬أرادوا أف تكوف مياه ا‪ٝ‬نليج الشمالية البوابة اليت‬
‫ٕنر من فوقها الطائرات ‪ .‬لكن ذلك مل ‪٪‬ندث ‪ .‬يف ىذه ا‪ٞ‬ننقطة أسقطت كثًناً من‬
‫طائرت (اؼ ٘) و ( الفانتوـ ) ‪ ..‬كل شيء حديث العهد باستثناء ا‪ٞ‬نيناء والشارع‬
‫‪ .‬كل ا‪ٞ‬نوجودات بنات ا‪ٜ‬نرب وأداة استمرارىا ‪ ..‬يف السماء طائرات ‪ٚ‬نتية ٕنارس‬
‫عملها اليومي و تبحث عن االىداؼ ا‪ٞ‬نعادية ‪ ..‬الدخاف غماـ أسود يصعد يف‬
‫الفضاء ىو العنصر الوحيد الذي يعلو فوؽ فعل ا‪ٜ‬نرب ‪ ..‬الشمس تودع النهار‬
‫ا‪ٞ‬نتأجج بغروب ‪١‬نمر حزين ‪ ..‬دخاف قامت ‪٪‬نط على صفحة ا‪ٝ‬نليج الوردي ‪ ..‬ال‬
‫شيء ‪٬‬ننع الطبيعة من ‪٣‬نارسة طقوسها وتكرار نفسها يومياً‪ .‬اهنا ٕنؤل الزمن ظواىر‬
‫ْنعلنا ‪٥‬نس بو ونألفو رغم قتامتو ‪ .‬االنساف يعيش ّنقدرات نفسو ليس االّ ‪ ..‬ليس‬
‫للبحر أو للشمس أي أسى أو تأثر ‪ٜ ،‬نظات وتغيب وراء مياه ا‪ٝ‬نليج ‪..‬‬

‫من ىنا دخل ( مود) العراؽ غازياً ‪ ،‬ومن ىنا جاء الغزاة ا‪ٛ‬ندد بعد سبعة عقود ال‬
‫غًنىا ‪٬ ،‬نتزج رصاص األعداء و تغوص شظايا مدافعهم يف ىذه ا‪ٞ‬نياه ‪ ،‬وترسو‬
‫زوراؽ الغزو يف الشواطىء نفسها من جديد ‪ ،‬بعثت االحقاد و لكن بعنف اكرب ‪،‬‬
‫مكتوب على ىذه السواحل أف تشهد بداية الغزو ‪ ..‬وبداية االنتصار ايضاً ‪ ..‬حٌن‬
‫دخل مود الفاو قاؿ ‪ :‬جئت فآناً رافعاً راية االسبلـ ‪ ،‬و ىؤالء يكرروف ما قالو‬
‫ذلك ا‪ٛ‬ننراؿ االنكليزي اهنم يريدوف تصدير الفوضى ٓنت غطاء االسبلـ ‪ ..‬يا ‪ٟ‬نذا‬
‫ا‪ٝ‬نداع الكبًن ‪ ..‬يا ‪ٝ‬نبث الغزاة ا‪ٛ‬ندد ‪ ..‬أنظر باْناه كتائب ا‪ٞ‬ندفعية تصب جاـ‬
‫غضبها باْناه العدو ‪٢‬نلفة وراءىا ا‪ٞ‬نئات من االسطوانات النحاسية الصفراء ‪..‬‬

‫‪68‬‬
‫أحسست أين وحيد‬
‫ُ‬ ‫اهنا ا‪ٞ‬نرة االوىل اليت أري فيها الشمس و كأهنا تغوص يف ا‪ٞ‬ناء ‪.‬‬
‫يف احدى ا‪ٛ‬نزر الصغًنة ويف اعماؽ البحار والتاريخ أيضاً ‪ ..‬ىنا يتولد ا‪ٜ‬ننٌن الذي‬
‫‪٪‬نبس الدموع ويغرقك يف غربة الروح ويذيبك بالكوف الذي حولك ‪.‬‬

‫اىل م ى نبقى نبحث عن صدؽ ا‪ٞ‬نشاعر وتوازف ا‪ٜ‬ن‪ .‬مع خصمو ‪ ،‬ىي موجات‬
‫ح‪ .‬تأيت ٓنت جزيئات ا‪ٞ‬ناء مث ٔنرج للسطح ‪ ،‬التاريخ يلسعين لكي ال اغفل ‪ ،‬اناـ‬
‫ويدي يف جرح القدر العمي‪ . .‬ىنا تتولد الظلمات القإنة ‪ ،‬ىنا يف زوايا النفوس‬
‫اليت تتنفس الزوايا ا‪ٞ‬ننسية ‪ .‬أخرج من زمين ألدخل جوؼ االسبلؼ اف نكوف‬
‫قادرين على ٘نل عبئهم الثقيل ‪ ..‬سكوف ىائل ‪٩‬نتاح التنفس ‪ .‬موج غاضب يغمر‬
‫االقداـ ‪ ،‬كائنات العامل السفلي تصرخ يف الرأس ‪ ..‬ا‪ٜ‬نرب ىوية الزماف االزلية ‪..‬‬
‫رويداً ‪ ،‬رويداً ‪٫‬نتفي النور ‪ ..‬رويداً يظهر الظبلـ ‪ ،‬تنسحب الشمس ببل بقايا ‪،‬‬
‫‪٫‬نيم ليل ا‪ٜ‬نرب الطويل ‪ ،‬يفرمل سائ‪ .‬سيارة (الواز ) عجبلت سيارة تقف أمامي‬
‫كأهنا فرس َّ‬
‫شد ‪ٛ‬نامها بعنف ‪ .‬انتبو اليها ‪ ..‬أنظر يف داخلها ‪ ،‬ارى مبلزـ ضياء‬
‫وجنديٌن معو ‪..‬‬

‫‪ -‬اصعد يا مبلزـ مراد قبل اف يدركنا الوقت ‪.‬‬

‫‪٥ -‬نن يف أوؿ الليل و الوقت مبكر ‪.‬‬

‫اصعد اىل داخلي السيارة ‪ ..‬كاف يف جييب قلم ودفرت مبلحظات صغًن ‪ .‬مل يكن‬
‫معي أي سبلح غًن مسدسي الشخصي ‪ .‬لكين مطمئن للجندي الذي سيكوف‬
‫معي فبحوزتو بندقو ‪١‬نشوة بالعتاد و االحتياطي الذي عنده ‪ .‬مث أف مهمتنا‬
‫استطبلعية تستوجب علينا أف نتحاشى العدو االّ للضرورة ‪ .‬يف السيارة اليت تقلنا‬

‫‪69‬‬
‫تكاثف الظبلـ ‪ .‬بعد ‪ٜ‬نظات مل أعد أرى غًن ٗنرة سكارة مبلزـ ضياء وبعض‬
‫االضوية ا‪ٝ‬نافتة قرب مقود السيارة ‪ .‬عليك اف تسيًن ببل ضوء وتسرع أيضا ‪ .‬ىذه‬
‫بديهيات السًن ليبلً مث اف الشارع مستهدؼ من قبل العدو و‪٩‬نب أف تسرع كثًناً‬
‫لتتجنب اهنمار القذائف والراٗنات ‪ ..‬يف الطري‪ .‬الساحلي الذي ‪٥‬نن ‪٧‬نخره ُنذر‬
‫وترقب ‪ .‬تتماوج السيارة ‪ ،‬وفجأة تنخفض سرعتها جراء ا‪ٜ‬نفر اليت خلفتها قذائف‬
‫االعداء ‪ .‬يف الليل تبدو ا‪ٜ‬نرب أكثر حدة ‪ ..‬أكثر قرباً وقلقاً وأثارة للنفوس ‪.‬‬
‫شعبلت ٘نر ٔنرتؽ السماء وباْناىات متقاطعة ‪ ،‬أصوات رعد و انفجارات ‪ .‬نار‬
‫وضوء على سطح االرض ‪ ..‬حذر و انكماش يف النفس ‪ ،‬ثورة يف أحاسيس القل‪.‬‬
‫و الريبة ‪ ..‬سيارات نقل العتاد وا‪ٛ‬ننود و االرزاؽ والقادة ‪ ..‬كل ىذه تتخذ من‬
‫الليل غطاءً لسًنىا من أجل اف يستمر زخم القتاؿ والصمود يف السواتر االمامية‬
‫ارى من جهة البحر صواريخ الراٗنات وىي تطل‪٥ .‬نو العدو ‪ ،‬عبارة عن شهب‬
‫٘نر وضوء ا٘نر ٍ‬
‫قاف يش‪ .‬ظلمة الليل ‪ٜ .‬نظة مث ‪٫‬نتفي نكوف قد أدخلنا البحر يف‬
‫دائرة ا‪ٜ‬نرب فلتتحمل كائناتو بعضا من الوزر ‪ .‬لنعلم السمك القل‪ .‬والسهر ‪.‬‬
‫ونقذؼ يف وجو القرش شهب ا‪ٞ‬نوت اليت جادت هبا قر‪٪‬نة االنساف من البحر ‪..‬من‬
‫مياه ا‪ٝ‬نليج قدمت القوات البحرية ُنمم نًناهنا وقدمت اروع االسناد لرجاؿ ا‪ٞ‬نشاة‬
‫وساعدت كثًناً يف وقف تقدـ العدو يف أراضينا ‪ ..‬عند جسر حديدي عائم‬
‫يعرتضنا جندي بيده مصباح خافت الضوء ‪ ،‬يقرتب من السائ‪ . .‬نعرؼ أف علينا‬
‫اف نرتجل بعد عبورنا ا‪ٛ‬نسر ّنسافو قصًنة يهتز ا‪ٛ‬نسر العائم بسيارتنا صعوداً ونزوالً‬
‫وىي تعربه ‪ .‬اطلقوا عليو جسر ( التحدي) يف بداية ا‪ٟ‬نجوـ ا‪ٞ‬نعادي وصلت قواتو‬
‫اىل ا‪ٛ‬نسر بل اجتازتو ‪ ..‬لكن بساعات ‪١‬ندوده استطاع لواء (‪ ) ٙٙ‬قوات خاصة‬

‫‪71‬‬
‫من تطهًنه وبدأ بازاحتهم و اخذ يسجر االرض ‪ ..‬مل ‪٬‬نض على اجتيازنا ا‪ٛ‬نسر‬
‫أكثر من عشر دقائ‪ .. .‬ح ى اعرتضتنا سيطرة عسكرية ‪ ،‬شاىدت بعض ا‪ٛ‬ننود‬
‫يرتجلوف من السيارات العسكرية ‪ .‬أيقنا أف ىذه هناية حركة العجبلت ‪ ..‬نزلنا‬
‫بسرعة من السيارة و غادرنا السائ‪ .‬مسرعاً بعد اف اتفقنا على أف ‪٩‬ندنا يف ىذا‬
‫ا‪ٞ‬نكاف بعد أربع وعشرين ساعة بعد هناية االستطبلع ‪ .‬عبل وميض ا‪ٞ‬ندفعية وضوء‬
‫انفجارات قنابل العدو ‪ ،‬تظهر عشرات السيارات احملطمة على جانيب الشارع‬
‫وبأشكاؿ ‪٢‬نتلفة ‪ٖ ..‬نة نار ىادئة ٔنرج من ‪١‬نرقة احدى السيارات ‪ ،‬وبعض‬
‫ا‪ٛ‬نرحى الذين يتشبثوف بالسيارات العائدة ‪ّ .‬نحاذاة الشارع على جهة اليمٌن بٌن‬
‫ا‪ٝ‬نليج والشارع ‪ ..‬ىناؾ خندؽ شقي قليل العم‪ .‬امرنا احد ا‪ٛ‬ننود أف نسلكو اذا‬
‫اردنا الوصوؿ اىل لواء (‪ ) ٜٜ‬الذي كلفنا باالستطبلع عن قاطعو ‪ .‬أرض ا‪ٝ‬نندؽ‬
‫الشقي طينية تتماوج فوقها كأننا ‪٧‬نشي على أرض الصابوف ‪ ..‬أزيز الرصاص ‪٬‬نر من‬
‫فوؽ الرؤوس اليت تنحين وىي تعدو بتعب و‪ٟ‬ناث ‪ ...‬الشظايا تتساقط يف الش‪ .‬و‬
‫على ا‪ٛ‬نوانب تثًن يف القلب االضطراب ‪ ،‬للقذائف اليت ْنتازنا صوت يوقف النبض‬
‫وحٌن تنفجر ما عليك اال أف تضطجع يف عم‪ .‬الش‪ .‬تنتظر هناية تساقط الشظايا‬
‫‪..‬‬

‫يضي‪ .‬ا‪ٝ‬نندؽ بنا عندما يصادفنا العائدوف من ا‪ٛ‬نرحى وجنود نقل العتاد و االرزاؽ‬
‫‪ .‬التقانا بعض ا‪ٛ‬ننود وىم يناخوف و‪٪‬نملوف أحد ا‪ٛ‬نرحى ‪ ..‬ما قالو ا‪ٛ‬نريح وسط‬
‫االنٌن ‪ ..‬آه ‪ ..‬يا أماه ‪..‬‬

‫‪71‬‬
‫لؤلمهات دين على ا‪ٞ‬نرء وحناف يأيت من البلوعي ‪ .‬اهنا أصل الفرح وا‪ٜ‬نزف معاً ‪..‬‬
‫اهنا العامل بتناقضاتو ‪٧ ..‬نشي اىل ا‪ٝ‬نوؼ لنزداد امناً ‪٥ .‬نن كائنات الليل ا‪ٞ‬ندفوعة اىل‬
‫ا‪ٞ‬نوت ‪ ،‬ا‪ٞ‬نسلوبة االحاسيس اليت ال تنظر وراءىا ‪ .‬بل ال ‪٪‬ن‪ٟ .‬نا أف ٔنتلس ح ى‬
‫نظرة ‪ ..‬يسبقو مبلزـ ضياء بالسًن يف الش‪ .. .‬مل أكن أتصور انو هبذا التحمل‬
‫وىذا االصرار ‪ ..‬رغم انو مدخن من الطراز االوؿ ينحين كالقوس ويسًن كالقط ‪..‬‬
‫انو اكثر البصرة حباً ‪ٟ‬نا وأشدىم ضراوة يف الدفاع عنها ‪ ..‬مرة قاؿ يل ‪٩‬نب أف‬
‫ندافع عن البصرة كما دافع الروس عن لينغراد ‪..‬قلت لو ‪٩‬نب أف ندافع عنها وىي‬
‫مفتوحة االبواب وليست ‪١‬ناصرة كما ىي لينغراد ‪ ..‬قاؿ نعم نعم ‪٩ ..‬نب أف ال‬
‫‪٪‬ناصر االعداء البصرة أبداً مهما أعطينا و ضحينا ‪ ..‬نندفع يف الش‪ .‬ويتبعنا‬
‫جنودنا ‪ ..‬رأيس عرفاء ستار وعريف غازي ‪ ..‬يزداد صوت الطلقات قربا و ازيزىا‬
‫شدة ‪ ..‬يتقدمنا مبلزـ ضياء وكأنو يعرؼ االرض مسبقاً ‪ ..‬يلتقينا جندي ‪٠‬نروح يف‬
‫ذراعو األيسر ‪ .‬نسألو عن اللواء فيقوؿ بعد قليل ستصلوف مقره ‪ ..‬ا‪ٜ‬نمد هلل‬
‫سنكوف يف ا‪ٞ‬نقر ‪ ..‬عبارة عن أكياس من الرمل على أرض سبخة طينية ‪ ..‬أرى‬
‫بعض ا‪ٛ‬ننود يتوسطهم ضابط برتبة عقيد يستعٌن بعصا ‪ ..‬قاؿ لو احد ا‪ٛ‬ننود أهنم‬
‫ضباط استطبلع من لواء (ٔٓٔ)‬

‫رحب بنا ‪ ،‬تقدـ منا احد ا‪ٛ‬ننود وقدـ لنا قنينة ماء عليها عبلمة ( فرات ) شربنا ‪،‬‬
‫توقفنا عند العقيد مدة من الوقت ‪ ،‬بدأ عليو تعب كبًن و ارىاؽ ٍ‬
‫عاؿ جعلو ‪٩‬نلس‬
‫على أحد االكياس عند باب ا‪ٞ‬نلجأ دوف أي اكرتاث للقنابل ا‪ٞ‬نتساقطة بكثافة ‪ .‬أمر‬
‫أحد ا‪ٛ‬ننود بأف يدلنا على الفوج الثاين الذي ستكوف وجهتنا اليو ‪ ..‬انطلقنا باْناه‬

‫‪72‬‬
‫الفوج ‪ ،‬تفتح القانبل حفراً عميقة يف االرض ‪ ..‬يتناثر الطٌن وا‪ٞ‬ناء والبارود‬
‫والشظايا مث تسقط ٗنيعا يف ىذا الفناء الواسع‪ -‬الضي‪..‬‬

‫يتسع القل‪ .‬فيها و تضي‪ .‬اماكن االماف ‪ ..‬بٌن موضع قذيفة و اخرى مرت من‬
‫االرض أو أقل ‪ .‬ىكذا نزؿ السخط والغضب على أرض الفاو ‪ ..‬ينتهي الش‪ .‬اىل‬
‫برؾ ماء صغًنة و آثار أقداـ متسارعة ا‪ٝ‬نطى يف الطٌن ‪ ..‬فوضى الرتقب وا‪ٝ‬نوؼ‬
‫ىنا ‪ ..‬نسًن اىل الفوج ‪ ..‬ونصلو فبل نتوقف أالّ لفرتة ‪ ..‬أحظروا فيها الدليل الذي‬
‫سيوصلنا اىل السرية الرابعة يف ىذا القاطع من جبهة ا‪ٜ‬نرب الطويلة مع العدو ‪..‬‬
‫يقرتب مقر اللواء كثًناً من الساتر األمامي بسبب ضي‪ .‬مساحة االرض و ألجل‬
‫السيطرة على أحداث معركة مستمرة منذ اكثر من شهر ‪ ..‬أننا نقرتب ‪ .‬ىكذا‬
‫تبدو معامل االرض ‪ ،‬تقل ا‪ٜ‬نركة ويصبح للمكاف وحشة عالية ‪ ..‬دليلنا جندي ىزيل‬
‫يسًن بنا يف ظلمات تضاء كل فرتة ‪٥ ..‬نو مكاف سنرى منو العدو وجبهة القتاؿ ‪.‬‬
‫ما قالو الدليل أف السرية الرابعة تبعد عن العدو ثبلٖنائة مرت موضعها عبارة عن‬
‫جحور صغًنة ‪ ..‬ال تدخلها االّ وأنت ‪٣‬نتد مع االرض ‪ ..‬ليس لك أف ترفع رأسك‬
‫يف النهار االّ للرد على ىجوـ العدو ‪ ..‬ليس ىناؾ أي ساتر ‪٬‬نكن أف ٓنتمي بو ‪،‬‬
‫كل ما ىنالك أكياس مليئة بالرتاب مث أضاؼ ا‪ٛ‬نندي الدليل ‪ ،‬ستجدوف مواضع‬
‫كثًنة خالية تستطيعوف فيها أف تروا ا‪ٛ‬نبهة جيداً ‪ .‬قلت يف نفسي ‪ ..‬مواضع كثًنة‬
‫خالية البد أف أصحاهبا قد استشهدوا هبذه السرعة ‪ ..‬سريعاً ما ‪٪‬نفر ا‪ٞ‬نقاتل مواضع‬
‫قتالو وراحتو و سريعاً ما ‪٬‬نوت ؟ ‪...‬‬

‫‪73‬‬
‫يؤشر دليلنا بيده على مواضع السرية الرابعة ويعود مسرعاً يف درب الطٌن ا‪ٞ‬نتعرج‬
‫كأف العدو قد أحس بنا ‪ .‬اهنمرت علينا قذائف ا‪ٞ‬ندفعية وقنابل ا‪ٟ‬ناونات بكثافة‬
‫عالية ‪ .‬بسرعة تدفعنا خطواتنا باْناه ا‪ٞ‬نبلجئ ‪ ..‬أ‪٥‬نين عن باب أحدىا ‪ .‬أحدؽ يف‬
‫داخلو ال أرى غًن ظلمة متكاثفة و رائحة الرطوبة والطٌن الذي كسى اصابعي اليت‬
‫تكزت عليها ألدخل ‪ ..‬أكاد أف أفقد مبلزـ ضياء ورأس عرفاء ستار وعريف‬ ‫ار ُ‬
‫غازي ‪ ،‬ال بد أهنم دخلوا يف ا‪ٞ‬نواضع أيضاً ‪ٜ‬نٌن انتهاء القصف ا‪ٞ‬نركز ‪ ..‬أحبو يف‬
‫جوؼ ا‪ٞ‬نلجأ الذي ال يتجاوز ارتفاعو مرتاً ‪ ..‬عبارة عن نصف انبوب مقوس‬
‫ويسمونو يف العسكرية (االرامكو) اندفع فيو اتلمس بأصابعي بطانية ‪ ..‬أفرح يف‬
‫داخلي ‪ .‬قلت يف نفسي سأضعها ٓنيت ألْننب الرطوبة العالية ‪ ..‬تنضغط ٓنت‬
‫ركبيت قناين ماء (الفرات) الفارغة ‪.‬أندفع اكثر ‪.‬احس أين أالمس جسداً بشرياً ‪.‬‬
‫قلت انو جندي قد سبقين اىل ىنا ‪ ..‬أردت ا‪ٝ‬نروج اىل ملجأ آخر مل استطع‬
‫فالقصف يزداد قوة ‪ ،‬حركتو بيدي ليفسح يل بعض ا‪ٞ‬نكاف ‪ ..‬امتدت يدي يف‬
‫الظلمة ‪ ،‬وقعت على وجهو ‪ ..‬رفعت يده و تركتها فوقعت حرة على صدره‬
‫‪..‬صحت بو ‪ ..‬ال ‪٠‬نيب ‪ .‬قلت انو شهيد اذاً ‪ .‬رفعتو من ظهره باْناه ا‪ٛ‬ندار‬
‫ليتسع ا‪ٞ‬نكاف ‪ ،‬وضعت البطانية بيين وبينو مث قرفصت ‪ ..‬ا‪ٚ‬نع ارتطاـ القنابل‬
‫باألرض و انفجارىا ا‪ٞ‬نخيف ‪ .‬صوهتا عندما يتجاوزين يأخذ صوايب ‪ ،‬يهتز ا‪ٞ‬نكاف‬
‫‪ ..‬يأتيين طٌن قذفتو احدى القنابل اليت انفجرت قريب ‪ ،‬يكوف ىذا ا‪ٛ‬نحر أوسع‬
‫مكاف يف الدنيا عندما تضي‪ .‬ا‪ٜ‬نياة و‪٫‬نيم شبح ا‪ٞ‬نوت ‪ ..‬يكوف احساسك بالعامل‬
‫سدى ‪ ..‬تصبح ببل بصًنة ‪ ،‬تفقد العامل الذي حولك ‪ ،‬تكوف انت فقط بل‬
‫روحك ال غًن ‪ ،‬ال أعًن اىتماماً للذي قريب ‪ ،‬اتكور على نفسي ويأخذين دعاء‬

‫‪74‬‬
‫السبلمة ‪ ..‬اعرتؼ أف االنساف ذايت ح ى العظم ‪ ..‬تسقط القنابل أماـ فتحة ا‪ٞ‬نلجأ‬
‫‪ ،‬أحتمي بالشهيد ‪ ،‬أمدد ا‪ٛ‬نسد ّنحاذايت ‪ .‬من غرس فينا ىذا الشعور ؟ ‪.‬ىذا‬
‫االحساس بقيمة الروح وضرورة احملافظة عليها ‪ٞ ،‬ناذا ىي تسب‪ .‬كل شيء يف اال‪٨‬نية‬
‫؟‬

‫ٔنف حدة القصف وتذىب غمامة السوء ‪ ..‬يبقى الرصاص ا‪ٝ‬نفيف وتأخذ ا‪ٞ‬ندافع‬
‫بعض الراحة ‪ ..‬اتنفس الصعداء ‪ ..‬أمدد األطراؼ على ىواىا ‪ ..‬أحدؽ يف سقف‬
‫ا‪ٜ‬نديد ا‪ٞ‬نقوس ‪ ،‬أسرؽ النظرات على ا‪ٞ‬نسجى بامتدادي ‪ ..‬ا‪ٞ‬نكاف ملجأ يف الطٌن‬
‫اللزج ‪ ،‬ليل ثقيل ‪ ،‬اطرد اآلىات ‪ ..‬تأيت أشباح ا‪ٞ‬نوتى ‪ ،‬اندـ على قناعات كانت‬
‫خطأ فادحاً ‪ٔ ،‬نتصر ا‪ٞ‬نسافة بٌن ا‪ٞ‬نوت وا‪ٜ‬نياة اىل الصفر ‪ ،‬أشد على وتر القلب‬
‫ا‪ٟ‬نزيل ‪..‬‬

‫ىنا ا‪٥‬ندرت يب ا‪ٞ‬نصادفات ‪ ،‬وىنا أصوب الرصاصة االخًنة عنوة ‪ ،‬العامل بالنسبة يل‬
‫روح مضطربة وجثة مهملة وعيوف ٓندؽ و ال ترى يف الفراغ ا‪ٞ‬نظلم ‪ ..‬يضيء التنوير‬
‫السماء فينسكب الضوء يف ا‪ٞ‬نلجأ أرى اصفرار وجو الشهيد وصور متداخلة من‬
‫ْناعيد البطانية و خوذة وضوء و ظبلـ ‪ ،‬انين يف التناقض أو يف ‪ٜ‬نظة خطف بقايا‬
‫العقل ‪ ..‬أو ضياع االياـ ا‪ٟ‬نادئة وسط الز٘نة الغبية ا‪ٞ‬نيتة بأحاسيس وكراىية البقاء‬
‫ببل خوؼ ‪.‬‬

‫حٌن يهدأ القصف ويتوقف ازيز الرصاص اخرج رأسي متطلعاً أرض ا‪ٞ‬نعركة ‪ ،‬على‬
‫ضوء التنوير أرى معامل كثًنة و أشباح كلها تثًن التساؤؿ ‪ ..‬أستطيع اف أميز اْناه‬
‫جبهة العدو ومصادر نًناف أسلحتو ‪ .‬يف الليل ‪ .‬سريعاً ما نعرؼ ونستدؿ على عقد‬

‫‪75‬‬
‫النار ا‪ٞ‬نعادية بسبب ومضها العامل ‪ ..‬أنادي على مبلزـ ضياء يف ىدأة الليل الضيقة‬
‫‪ .‬أعتقد انو بعيد عين ‪ ..‬جاءين رأس عرفاء ستار وقاؿ ‪ ..‬اف مبلزـ ضياء عند آمر‬
‫السرية ليشرح لو طبيعة االرض و ا‪ٞ‬نوقف وقوة العدو ‪ ..‬قلت حسناً سيوضحها يل‬
‫مبلزـ ضياء أكثر ‪ ..‬اهنم ال يريدوف اف ‪٩‬نتمع اكثر من ضابطٌن يف مكاف واحد‬
‫‪٢‬نافة اف يقعوا ضحية قنبلة واحدة ‪ ،‬وقد حدث مثل ىذا كثًناً يف قواطع العمليات‬
‫‪ .‬مرة سقطت قنبلة على موضع كاف فيو أربعة ضباط فاستشهدوا ٗنيعاً ‪...‬‬

‫عندما يتقدـ الليل تتعب ا‪ٛ‬نفوف وتناـ العيوف ‪ ،‬يقل القصف االّ من بعض‬
‫االطبلقات الطائشة اليت تأيت ‪٢‬نافة اف يهجم أحد الطرفٌن على األخر ‪ ..‬سكن‬
‫الليل على ا‪ٞ‬نوتى وا‪ٛ‬نرحى وآلة ا‪ٜ‬نرب ‪ ..‬على انفاس اهنكتها حرب طويلة ‪٣‬نلة‬
‫‪..‬نناـ على االرض موتى و احياء ‪ ..‬أي حناف واسع ٓنوي يف طياهتا ‪ .‬و أي عيش‬
‫تصنع ‪ ..‬ىي الواحة ‪..‬ىي السماء اليت نفرتشها و نلمسها باليد ‪ ،‬احدؽ يف‬
‫ا‪ٛ‬نسد الصامت الذي قريب من أي أرض ىو ؟ يف اي االماكن من جسده اُصيب‬
‫؟ ما آخر الكلمات اليت نطقها وآخر اال‪ٚ‬ناء اليت أطلقها ؟ ‪..‬ىكذا تأيت اىل حتفنا‬
‫‪ ،‬لقد ٘نلتنا االوطاف ما ال نطي‪ .‬و دفعنا الكثًن من أجلها ‪ ..‬للمرء غاية يف ا‪ٜ‬نياة‬
‫عليو أف يدركها مهما كانت النتائج ‪ ،‬علينا أف نعيش بعض ا‪ٛ‬ننوف الذي ىو‬
‫الصفاء ‪.‬‬

‫خيوط الفجر تأيت على االجساد اليت تسبح يف نسائم باردة ‪ ،‬تسمع لبلمعاء‬
‫تقلصاهتا ‪٩ ،‬نف ا‪ٜ‬نل‪ ، .‬ترٔني أجفاننا اىل النهاية ‪ ،‬يتعاىل الضياء السماوي‬
‫ويتضح الكوف الواسع ‪ .‬أرى األشياء ا‪ٛ‬نامدة سيدة ىنا ‪ ..‬أتضح الذي قريب ‪..‬‬

‫‪76‬‬
‫وجو أ‪ٚ‬نر لو شارب مغرب ‪ ،‬أرتسمت على الوجو التجاعيد ‪ ،،‬اعتقد أنو متطوع‬
‫جعل خبزهُ ا‪ٞ‬نوت ‪ ،‬لقد امتهن العسكرية ح ى النهاية ‪ ..‬حٌن تضي‪ .‬با‪ٞ‬نرء السبل‬
‫يسلك أخطر الطرؽ للنجاة ‪ ،‬وقد يكوف اختياره ‪ٟ‬نا حباً و اشباع الرغبة ‪ ،‬أتفحص‬
‫ا‪ٛ‬نسد ‪ ،‬أرى بقايا الدـ ا‪ٛ‬ناؼ على سرتتو من االماـ فوؽ صدره ‪ ،‬إنعنو جيداً يا‬
‫للهوؿ ثبلثة اماكن يف الصدر ينزؼ منها الدـ اىل النهاية ‪ ..‬اليد اليمىن ملطخة بدـ‬
‫كثًن ‪ ،‬لقد أمسك بالنزؼ دوف جدوى انو أثر ثبلث رصاصات استقرت يف القلب‬
‫‪..‬لقد أصيب يف العراء و حٌن أُهنك جاء اىل داخل ا‪ٞ‬نلجأ ‪ ..‬أنظر اىل االرضية دـ‬
‫متسرب يف مساحات االرض ا‪ٞ‬نا‪ٜ‬نة ‪ ..‬أطرد الذباب الذي يأيت سريعاً ‪ ..‬أغطيو‬
‫جيداً يف البطانية ‪ ..‬مث ألقي بظهري على ا‪ٛ‬ندار الرطب ‪ ..‬و أقدامي ٕنتد باستقامة‬
‫‪٥‬نو ا‪ٝ‬نارج ‪..‬‬

‫حٌن تكوف قريباً من العدو عليك اف ال تتحرؾ من ا‪ٞ‬نكاف الذي أنت فيو أطبلقاً و‬
‫االَ كشف موضعك و أصبحت عرضة لنًنانو ‪ ..‬عليك أف تكوف جزءاً من االرض‬
‫ا‪ٛ‬نامدة ‪ٕ ..‬نر األنفاس ا‪ٟ‬نادئة هناراً و تتطلع على جبهة العدو ُنذر من الفتحات‬
‫الصغًنة دوف أف ٔنرج رأسك ‪ ..‬وعندما ٓناصرؾ ا‪ٞ‬نثانة بامتبلئها فعليك أف تفرغها‬
‫يف أحدى قناين ا‪ٞ‬ناء الفارغة ‪ ..‬فهكذا عليك أف تتصرؼ من أجل اف ٓنافظ على‬
‫روحك ‪ٕ ..‬نر ساعات النهار و ‪٥‬نسب لدقاهتا ألف حساب و انا ‪١‬ناصر ‪..‬‬
‫الرصاص وا‪ٞ‬نلل ‪.‬‬

‫يفاجئين مبلزـ ضياء عند باب ا‪ٞ‬نلجأ ‪:‬‬

‫‪ -‬كيف أتيت ؟‬

‫‪77‬‬
‫‪ -‬ا‪ٚ‬نح يل بالدخوؿ اوالً (قا‪ٟ‬نا وىو يلهث ) لقد وصلت زحفاً‬

‫‪ -‬كم يبعد ا‪ٞ‬نلجأ ؟‬

‫‪ٙ -‬نسة عشر مرتاً‪.‬‬

‫‪ -‬انك ْنازؼ ‪ ،‬حراـ اف ٔنرج ببل مربر ‪.‬‬

‫‪ -‬لقد استفدت من السراب ‪ ..‬أنظر ‪ ،‬اال ترى ىذا ا‪ٛ‬نبل االبيض العايل ؟ ‪ ..‬انو‬
‫سراب ‪ ،‬فمن الصعب اف يروننا من خبللو ‪.‬‬

‫‪ -‬اف ألرض الفاو ميزة جيدة ‪ ..‬عندما ترتفع الشمس يرتفع السراب ايضاً ‪.‬‬

‫‪ -‬ا‪ٜ‬نمد هلل على كل شيء ‪.‬‬

‫رفع البطانية ُنذر عن وجو الشهيد ‪ٜ .‬نظة صمت ‪ ،‬نظر ‪٥‬نوي ‪ ..‬ىز رأسو وقاؿ‬

‫‪ -‬ر٘نة اهلل عليو ‪ ..‬أعرفت أ‪ٚ‬نو ؟‬

‫‪ -‬ال ‪ .‬لقد نسيت ‪ .‬كيف فاتين ذلك ؟ ‪ .‬حٌن حاولت اف أضع يدي يف جيبو‬
‫سحبها وقاؿ ‪:‬‬

‫‪ -‬اتركو ‪.‬‬

‫‪ٞ -‬ناذا ؟‬

‫‪ -‬اخربين آمر السرية بو وقاؿ اف يف احد ا‪ٞ‬نبلجىء شهدي لنا وقد أستشهد بثبلث‬
‫رصاصات يف صدره وىم يتحينوف الفرصة ألخبلئو ‪..‬‬

‫‪78‬‬
‫‪ -‬ماداـ ىكذا فبل داعي اذاً ‪.‬‬

‫بعد صمت قصًن ونظرات ثاقبة يف ا‪ٞ‬ندى الواسع من خبلؿ فتحة ا‪ٞ‬نلجأ قاؿ ضياء‬
‫‪:‬‬

‫‪ -‬أٓنرؽ اىل قدح شاي‬

‫‪ -‬انا اعاين من عطش لكنو ليس قوياً ‪.‬‬

‫‪ -‬قاـ آمر السرية بواجب الضيافة ‪ ..‬لقد قدـ يل ا‪ٝ‬نبز وا‪ٛ‬ننب وا‪ٞ‬ناء معتذراً وقلت‬
‫لو ‪ ..‬قد‪٬‬ناً قالت العرب ( ا‪ٛ‬نود من ا‪ٞ‬نوجود ) ىذا الذي عندؾ ‪.‬‬

‫‪ -‬على ذكر آمر السرية ‪ .‬ىل عرفت كل شيء ؟‬

‫‪ -‬مبلزـ مراد أف العدو معروؼ و كذلك االرض ‪ ..‬اهنا أرضنا وىو ‪٪‬نتلها و‬
‫مستوية ٕناماً مع البحر ‪.‬‬

‫‪ -‬أعين قوتو ‪ ،‬حقوؿ االلغاـ ‪ْ ،‬نهيزاتو ‪ ،‬نواياه ‪.‬‬

‫‪ -‬ماقالو آمر السرية أف العدو سيكرر ىجماتو طا‪ٞ‬نا أنو يف خان‪ .‬الفاو ‪ ،‬و ‪٥‬نن ال‬
‫بد اف ‪٥‬نررىا ‪.‬‬

‫‪ -‬ىذا صحيح ‪ ،‬وسيتم عاجبلً اـ آجبل ‪.‬‬

‫‪ -‬سننسحب هناية الضياء االخًن ‪،‬‬

‫‪ -‬اف شاء اهلل ‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫‪ -‬سأعود اىل ملجأي ‪.‬‬

‫احذر وبسرعة ‪.‬‬

‫تتحطم اآلماؿ حٌن تصطدـ بواقع االحباط ‪ ..‬ىذه أياـ ‪ٟ‬نا وقع ا‪ٜ‬نوافر يف االرض‬
‫‪ ،‬بنهار الزمن الثقيل عند دماء الشهيد ‪ ،‬أسكن صومعة الصمت ‪ ،‬تتبلشى‬
‫متاىات الزيف عند حد ا‪ٜ‬نقائ‪ .‬ا‪ٞ‬نرة ‪ ،‬قلما ‪٥‬نق‪ .‬ما نريد ‪ ،‬نتجنب ما نكره ‪ ،‬أي‬
‫قوة تدفعنا اىل السأـ بعده الشدة ‪ ،‬للحياة أف‪ .‬ترتضيو ببل رفض ‪.‬‬

‫نتوارى خلف اضطراب االحداث وننسى اف لنا آىات ستايت حتماً ‪ ،‬أحدؽ يف‬
‫ىذا ا‪ٟ‬نيكل الصامت الناط‪ .‬بكل لغات العامل ‪ .‬أين اختفت خفقات قلب ٕنزؽ‬
‫بالرصاص و أىداؼ ٍ‬
‫نفس أزىقت ‪ ،‬و ذكريات سنٌن متناقضة االياـ ‪ ،‬يف يده‬
‫اليسرى ا‪ٞ‬نتصلبة يطوؽ أصبعو ُنلقة الزواج ‪ .‬سريعاً ما نأسر النساء بأقفاصنا ‪،‬‬
‫و‪٥‬نملهن أمل النهايات ا‪ٞ‬نفجعة و االنعطافات ا‪ٜ‬نادة ‪ ..‬يأيت الذباب اىل دماء‬
‫القلب ا‪ٛ‬نافة ‪ ..‬يا ترى أي ا‪ٞ‬نشاعر جاشت يف داخلو ‪ ..‬أين مشاعر الذباب ؟ ‪.‬‬
‫أي ا‪ٞ‬نعاين انسابت خبلؿ ىذا الصوت الذي يراف‪ .‬صمت االماكن الفائرة آتية يف‬
‫غابات ا‪ٝ‬نوؼ ا‪ٞ‬نرتامية ال أشواؽ أالّ للنجاة من معرتؾ ‪ ..‬ا‪ٞ‬نهم أرى عيوناً ذابلة ‪..‬‬
‫و أجفانا مبعثرة تكسوىا االتربة ‪ٔ ،‬نفي وراءىا صور ا‪ٜ‬نلم و اآلماؿ ‪ ،‬صور ا‪ٜ‬نياة‬
‫االخًنة وتراكم النهارات ا‪ٞ‬نتطاولة يف الرأس ‪ ،‬حزين ألىداؼ العمر ألحبلـ ما بعد‬
‫الشدائد ‪ ..‬يدخل التبلشي فيها ‪ ،‬تصبح ببل جدوى ‪ ..‬ببل وجود ‪ ..‬أرغب يف‬
‫تنقيب ذاكرة ا‪ٞ‬نيت ‪ ..‬يف حل رموزىا ‪ ..‬أف أستجلي آخر أيعازات ا‪ٞ‬نخ و تأوىات‬
‫الضمًن ‪ ..‬ارىاؽ حياتو ‪ ،‬ليت يل القدرة على االحتفاظ هبذا الكبًن ‪..‬ىذا السر‬

‫‪81‬‬
‫؟ ‪ ..‬أقلب صفحة الرغبات و أتوارى خلف يدي التأمل ‪ .‬يف ا‪٥‬ندار الشمس‬
‫لينتهي يوـ آخر ولينقص العمر ا‪ٟ‬نزيل ‪ .‬يتقاطع يف أذين صوت ىدير ا‪ٝ‬نليج‬
‫وحفيف ا‪ٞ‬نوج على شواطىء ا‪ٞ‬نلح ‪ ..‬شواطىء الدـ ‪ ،‬امتزجت االمواج بدماء‬
‫جاءت من كل ا‪٥‬ناء الوطن لترتؾ يف السواحل آثار اصرارىا و معاناهتا اليت فاقت‬
‫التصور ‪ ..‬ا‪ٟ‬ندير أبن الريح وحبيبها ‪ ..‬ا‪ٟ‬ندير تعبًن عن غضب البحر وسخطو ‪.‬‬
‫أ‪ٚ‬نع صوت مبلزـ ضياء يناديين ‪:‬‬

‫‪ -‬مبلزـ مراد تعاؿ اىل ىنا ألبٌن لك مستجدات األمور ‪.‬‬

‫مثل ٕنساح اخرج من ملجأي ‪ ..‬زاحفاً باْناىو وبأقصى سرعة ‪ ،‬كاف االعداء‬
‫يرصدوننا ‪ ..‬ينهمر علينا سيل القذائف الكبًنة ‪ ،‬أمتار قليلة عن موضعنا ‪ ،‬يهتز‬
‫ا‪ٞ‬نلجأ ‪ ،‬أنظر يف وجو مبلزـ ضياء األ‪ٚ‬نر ‪ ..‬نظرات ترقب وحذر ‪ ،‬أ‪ٚ‬نع للشظايا‬
‫طنيناً وىي ‪١‬نلقة يف ا‪ٛ‬نو ‪ ..‬للطٌن وقع ٍ‬
‫عاؿ عندما يسقط بعد ارتفاعو أثر االنفجار‬
‫‪ ..‬ىل رأونا ؟ ‪ ..‬أسأؿ نفسي ‪ ..‬ال اعتقد ‪ ،‬لكن ماىذا الرتكيز ‪ ..‬اف القذائف‬
‫تغمرنا بدخاهنا ‪ .‬وسط ىذا القصف أخرج مبلزـ ضياء سكارة ‪ .‬أشعلها وقاؿ ‪:‬‬

‫‪ -‬أذكر يف طفوليت اين كنت أسافر مع أمي من البصرة اىل الفاو ‪ ..‬ألف سلع الفاو‬
‫أقل سعراً ‪ .‬كانت تشرتي ا‪ٜ‬نناء وتزين هبا شعري وشعر أشقائي يف االعياد ‪ ،‬و‬
‫مناسبات زيارة مراقد األئمة ‪.‬‬

‫‪ -‬اتعتقد اف أشجار ا‪ٜ‬نناء ال زالت ثابتة ؟‬

‫‪81‬‬
‫‪ -‬إنين ذلك ‪ ..‬رغم استحالة بقائها يف ىذا ا‪ٛ‬نحيم الذي أ‪ٚ‬نو ا‪ٜ‬نرب ‪ ،‬اف احملتل‬
‫ال يبقي على شيء ‪.‬‬

‫‪ -‬قد ‪٩‬نتثوا أشجارىا‬

‫‪ -‬مل أكن أتصور ‪ ..‬أين سأكرب هبذه السرعة ‪ ،‬وسأكوف ىنا أستعيد أياـ الطفولة‬
‫باضطراب وسط ا‪ٜ‬نصار ‪.‬‬

‫‪ -‬ذكرتين ‪ .‬مل توضح يل ما قالو آمر السرية وما ا‪ٞ‬نستجدات ‪.‬‬

‫‪ -‬اخي مراد ‪ .‬ال مستجدات وال غًنىا ‪.‬‬

‫علي ؟‪.‬‬
‫‪ -‬اذا ‪ٞ‬ناذا ندىت ّ‬
‫‪ -‬أشعر باليأس وا‪ٜ‬نزف ‪.‬‬

‫‪ٞ -‬ناذا ؟‬

‫‪ -‬ال ادري ‪.‬‬

‫‪ -‬أنت خائف ؟‪.‬‬

‫‪ -‬كيف تراين أنت ؟‬

‫‪ -‬مل أعهد ا‪ٝ‬نوؼ منك ‪.‬‬

‫‪ِ -‬ملَ السؤاؿ اذاً ؟‬

‫يف التساؤؿ ‪.‬‬


‫‪٠ -‬نرد سؤاؿ ‪ ..‬أنك تثًن ًّ‬

‫‪82‬‬
‫‪ -‬أنين أسأؿ نفسي ‪ٞ‬ناذا ‪٪‬ناربوننا دائماً ‪ٞ ..‬ناذا ‪٪‬نتقروننا اىل ىذا ا‪ٜ‬ند ؟‪..‬‬

‫‪ -‬سأعود اىل ملجأي ‪ ،‬اىل الشهيد الذي يرقد فيو ‪.‬‬

‫‪ -‬كما تشاء ‪.‬‬

‫بلحظة اقرتب من ملجأي الذي فيو أمين و استقراري ‪ ،‬أشعر أين ال أراه ‪ .‬أفقده ‪،‬‬
‫ازحف يساراً ‪٬ ..‬نيناً ‪ ،‬االرض مشوشة ح ى آخرىا ‪ .‬أتوقف ‪ ،‬أنظر باْناه العدو‬
‫القريب ‪ .‬سراب كثيف ‪ ،‬أطمئن أحدؽ يف ا‪ٞ‬ندى اجيل النظرات ‪ ..‬أُنث عن‬
‫مكاين ‪.‬‬

‫عجيب أين أختفى ؟ أأشعر باألغماء وال أجده ؟ ‪ ..‬ال أين يف كامل انتباىي ‪،‬‬
‫ازحف قليبلً لؤلماـ ‪..‬‬

‫‪ ،‬ا‪ٞ‬نلجأ يتغًن وحفرة بعم‪ .‬مرت مكانو ‪ ..‬أرى بقايا لقدـ الشهيد يف‬ ‫يا للهوؿ‬
‫ا‪ٜ‬نذاء ‪ ..‬وقطع ‪ٜ‬نم مسودة ‪ ..‬النار تلتهم آخر البطانية ‪ .‬أنظر بأسى ‪ ،‬ال وجود‬
‫للشهيد ‪ٕ ..‬نة امعاء يف القاع ‪ ،‬رماد البطانية االسود ‪٩‬نثم بصمت وخيط رفيع من‬
‫الدخاف يصعد ‪٥‬نو األعلى ‪ ..‬اعصار من العواطف ‪٩‬نتاحين ‪ ،‬برد ‪ .‬حزف ‪ ،‬حقد‬
‫على ا‪ٜ‬نرب ‪ ،‬على القتلة ‪ ..‬تنطب‪ .‬السماء على رائحة الشواء البشري ‪ ..‬أرى‬
‫ارتفاع السراب اىل الفضاء القاحلة ‪ٕ ،‬نيل األرض ‪ ،‬يزحف ا‪ٝ‬نليج ‪٥‬نو ا‪ٞ‬نبلجىء ‪،‬‬
‫يضي‪ .‬الكوف بأسراب البعوض ‪ ..‬و أسقط ‪ ،‬أتقيأ ما تبقى يف االمعاء ا‪ٝ‬ناوية ‪.‬‬
‫ا‪ٞ‬نرارة سكٌن يف ا‪ٜ‬نل‪ ، .‬الدموع أبر يف اعماقي ‪ ..‬أستعيد وعيي ‪ ،‬أزحف باْناه‬
‫مبلزـ ضياء ‪ ..‬أقرتب منو ‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫‪..‬‬ ‫‪ -‬ماذا بك ؟ ما ىذا العرؽ ا‪ٞ‬نتفصد على جبينك ؟ أنك مصفر الوجو‬

‫الشيء ‪ ..‬اين أشعر باألغماء ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬ما السبب ؟‬

‫‪ -‬السبب قائم منذ سنٌن ‪.‬‬

‫‪ -‬ال أفهمك ‪ .‬انك هتذي ‪.‬‬

‫‪٬‬نددين يف ا‪ٞ‬نلجأ ويرخي احزمة مبلبسي ‪٪ ،‬نرؾ ا‪ٟ‬نواء بورقة عن وجهي ‪ ،‬ينظر ‪٥‬نو‬
‫الشمس اليت تتباطأ وىي تغادر ‪٥‬نو ا‪ٛ‬نهة الثانية من االرض ‪ ..‬القي برأسي على‬
‫كيس الرتاب ا‪ٞ‬نتصلب ا‪ٞ‬ناحل ‪ ..‬أبصر السماء ‪ ..‬يقرتب ا‪ٞ‬نساء ‪ ..‬و أىٍنء القلب‬
‫للعودة ‪ .‬ىي ٓنوالت خارجية تفرض فعلها عليك ‪ ،‬تكوف عبدا ‪ٟ‬نا نسميها‬
‫االحداث وقد ال ٓنس بثقلها ‪ ..‬وقد تفرح هبا رغم اهنا تدفعك للهاويو ‪ .‬أشعر اف‬
‫ا‪ٝ‬نليج قد أستجاب لنهاية النهار ‪ ،‬فقد ىدأ ىديره ‪ .‬حدقت من فتحة ا‪ٞ‬نلجأ‬
‫الصغًنة باْناه الغروب ‪ .‬باْناه الشمس اليت تاىت يف ا٘نرار االف‪ ،. .‬يف ‪٢‬نيليت اف‬
‫النوارس تتصارع على أشعتها وتكوف غمامة بيضاء لكين ال أرى أي طًن ‪ ،‬لقد‬
‫ىاجرت اىل أف‪ .‬بعيد ‪ .‬اىل شطآف اكثر أمنا ‪ .‬الغموض يكتنف الغروب ‪ ،‬والغربة‬
‫‪ ..‬تأيت بالتأمل يف ٗناليات الطبيعة اليت لوثها االنساف ‪٩ ..‬نتاح السواحل ِنار ثقيل‬
‫‪ ،‬ىو جزء من غضب ا‪ٝ‬نليج ‪ ..‬تربز ا‪ٞ‬نبلجىء يف األف‪ .‬مثل عجوؿ البحر على‬
‫الشطآف البعيدة ‪ٔ ،‬نتلس فرصة األماف لرتى انتهاء النهار اىل البحر ‪ ،‬اىل ا‪ٜ‬نلم ‪..‬‬
‫الضياء االخًن تبلشى ‪ٕ ،‬نلمل ا‪ٛ‬ننود يف ا‪ٞ‬نبلجىء السئمة ‪ ..‬مثل النمل عندما‬

‫‪84‬‬
‫يتقيأه جحره ‪ ،‬تظهر الرؤوس فوؽ ا‪ٞ‬نبلجىء تتطلع اىل آخر النهار و أوؿ الليل ‪،‬‬
‫اىل بقايا الذكريات ‪ ..‬ىي ‪ٜ‬نظة الشف‪ .‬وعناؽ التناقضات ‪ ،‬يفقد ا‪ٞ‬نرء أحساس‬
‫االنتباه اىل نفسو ‪ ،‬يرتكها و ىواىا ‪ ..‬أ‪ٚ‬نع مواالً من بعيد باْناه احد ا‪ٞ‬نبلجيء اليت‬
‫قرب الشاطىء يفرغ السأـ ا‪ٞ‬نرتاكم حوؿ القلب ‪ ..‬يتقطع الغناء ببل موسيقى يف‬
‫ا‪ٞ‬ندى الواسع ‪ .‬أنو ا‪ٜ‬نناف اىل ا‪ٜ‬نرية و ‪ٟ‬نو الفؤاد ‪ .‬يبلح‪ .‬الغناء آخر النور ا‪ٞ‬نتبقي‬
‫‪ ..‬يتوغل يف مسمع االحياء و االموات ليعلن اف الغلبة للفرح دوما ‪ ..‬انفجار‬
‫يدوي باْناه الصوت ‪ ..‬ينقط الغناء فجأة ‪ ..‬ترتد انفاسنا الينا ‪ ،‬فقد جاءت‬
‫متقدمة كثًنا على وقتها ‪ ،‬و ال احد يستسيغها ‪ ..‬اننا نعطي ‪ ،‬مث نعطي دوف‬
‫جدوى ‪ ،‬وىذا مستحيل ‪ ،‬يستفي‪ .‬البحر غضبا ألجل الدموع اليت اهنمرت ‪..‬‬
‫للقلوب اليت احرتقت بقايا رحي‪ .‬و آثار رماد ‪ ..‬ىل يسكرنا التعب والسهر‬
‫ا‪ٞ‬نخيف ‪ ،‬ويستمر موتنا أشبلء ببل كفن ‪ ..‬نلقي الزىور على ا‪ٝ‬نصم فتتصلب‬
‫وتصحب جحراً يف جبيننا ‪ ..‬ا‪ٟ‬ني أي االعداء ‪٥‬نارب ؟ ‪ ..‬أي أناس ‪٦‬ناصم ؟‬
‫نستقيم كاالشعة فيوقعوننا يف الكهوؼ ا‪ٞ‬نظلمة و ‪٫‬نرجوف غرائز من حقد وتبجح ‪.‬‬

‫يغرؽ الليل أالرض بظلمة ‪ ،‬أىٍنء نفسي للعودة من االستطبلع ‪ ..‬يقذؼ مبلزـ‬
‫ضياء بقايا سيكارتو األخًنة ويقوؿ ‪:‬‬

‫‪ -‬سنعود اآلف ‪..‬‬

‫مث ينادي على ا‪ٛ‬ننديٌن ‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫************‬

‫دؽ بوؽ ا‪ٜ‬نرب يف فناء األرض اليت أفرتشها جنود الفوج الثالث ‪ ..‬الصدى‬
‫والصوت توأماف يف أف‪ .‬ا‪ٞ‬نلح ‪ْ ..‬نمعاف عندما ‪٫‬نرجاف يف ا‪ٞ‬ندى ‪ ..‬من جوؼ‬
‫البوؽ الذي ينفخ بو بتكاسل العريف ٘نيد ‪ ..‬يتعود العسكر على ٕنييز صوت‬
‫البوؽ على نغماتو ‪ ،‬ىناؾ أ‪ٜ‬ناف ٔنص الطعاـ ‪ ..‬و اخرى لئلنذار والطوارئ ‪،‬‬
‫وتلك انغاـ ا‪ٜ‬نرب والقتاؿ ‪ ،‬و أخرى خاصة بالنوـ وبالتعداد الصباحي وا‪ٞ‬نسائي‬
‫‪.‬تطب‪ .‬نظريتو كل يوـ يف معسكرات ا‪ٛ‬نيش يف كل ا‪٥‬ناء العامل ‪ ..‬العريف ٘نيد‬
‫يتوسط الساحة ا‪ٞ‬نرتبة ويبعث ا‪ٜ‬ناف الرحيل اىل القتاؿ ‪ ..‬الشمس ترسل أشعتها‬
‫ببشرتو السمراء وبيده اليمىن ‪٬‬نسك بالبوؽ النحاسي االصفر ‪ ..‬يده اليسرى تنفل‬
‫يف جيبو ‪ ..‬يرتاكض ا‪ٛ‬ننود بتثاقل ‪٥‬نو اماكن ْنمعهم كل حسب سريتو ‪..‬‬
‫يتقاطروف على االمكنة ا‪ٞ‬نخصصة ويف مبل‪١‬نهم عبلمات ا‪ٞ‬نقاتل الكبًنة ‪ ..‬ا‪ٟ‬نجوـ‬
‫‪ ..‬يف أي القواطع ‪ ..‬وم ى ‪ ..‬من معنا ‪ ..‬وأي السواتر ستطهر ‪ ..‬أينا سًنحل عن‬
‫ىذه الدنيا ؟ ‪ ..‬وأينا يعود ؟‬

‫لتكن تلك اللحظة عبلمة خطر ‪ ..‬وفرتة اىتزت هبا مشاعره ‪ ..‬وسار فيها ‪٥‬نو‬
‫القتاؿ ضد االعداء ‪ ..‬من قفزت يف خيالو وىو صامت بوجو الشمس ا‪ٜ‬نارقة ‪..‬‬
‫صور أطفالو ‪ ،‬و أمهم اليت جعلتهم ا‪ٜ‬نرب غرباء ‪ ..‬وضيوفاً ‪ ..‬من ترؾ وراءه‬
‫مشروع ا‪ٜ‬نياة ليعود لو بعد انتهاء العاصفة ‪ ،‬بعد ا‪٤‬نبلء ا‪ٞ‬نوقف ‪ ..‬وظهور ا‪ٜ‬نقائ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫اليت تؤمل كثًناً ‪ ..‬من منهم وىم يرتاصفوف يتغلغل يف نفسو ا‪ٝ‬نوؼ والرتدد ‪ ،‬و‬
‫احيانا يأس النهاية القريبة ‪ ..‬كلهم خربوا ا‪ٜ‬نرب ‪ ،‬وكلهم صارت ‪ٟ‬نم قدراً من سنٌن‬
‫‪ ..‬وصارت حديثاً بل هناية كبلـ تسرؽ الشفاه وسخافة تافهة يتشبث هبا االعداء‬
‫‪ ..‬تنهض اآلف قيم الرجولة ‪ ..‬و تتبلشى قيم اخرى ‪ ..‬يظهر ا‪ٞ‬نعدف ‪ ..‬ويغيب‬
‫معدف آخر ‪ ..‬ىنا االمتحاف الذي يعري ا‪ٜ‬نقيقة و يوقف ا‪ٞ‬نرء ببل حاجز ‪ ..‬أماـ‬
‫ا‪ٞ‬نوت ‪ ،‬أماـ القدر ‪ ..‬فيهم من يوزع النظرات يف األرض السبخة ويرتؾ انفاس‬
‫القل‪ .‬يف فضاء اضي‪ .‬من خرـ االبرة و أمر صغًن بالعودة ‪..‬‬

‫تسعوف مقاتبل أمامي ىم رجاؿ السرية الرابعة ‪ ،‬ىم قوهتا اليت ستدخل معركة الفاو‬
‫من اوسع االبواب ويف وضح النهار ‪.‬‬

‫يظهر مساعد الفوج النقيب فاي‪ .‬طايس يف وسط السرايا الصامتة وبيده مكرب‬
‫صوت ‪ ..‬يتكلم ‪ ،‬مناديا للجميع ‪..‬حسب السرايا ‪..‬ا‪ٝ‬نواء ‪١‬نمل بذرات رمل و‬
‫ِنار ملح ‪ ..‬الفوضى والضجيج تسوداف ا‪ٞ‬نكاف ‪ ..‬األصوات تتعاىل ببل معىن ‪،‬‬
‫وجوه تسبح يف تساؤالهتا ووجلها ‪ ..‬ينادي النقيب فاي‪ .‬بصوت يرتدد ح ى امتداد‬
‫ا‪ٝ‬نليج ويأمر منتسيب الفوج بارتداء كافة ْنهيزاهتم ا‪ٜ‬نربية والتهيء للحركة فوراً‬
‫‪..‬يأمرىم بالتفرؽ و ارتداء ْنهيزاهتم بسرعة مث العودة اىل اماكن ْنمعهم كل حسب‬
‫سريتو ‪ ..‬فجأة يتفرؽ الفوج ‪ ..‬ويبدأ ا‪ٛ‬ننود ارتداء عدد ا‪ٜ‬نرب ا‪ٜ‬نديثة ‪ ..‬اليت‬
‫ٕنكنهم هبا أف يدخلوا معركة ‪..‬‬

‫بعد كبلـ النقيب فاي‪ .‬عرؼ ا‪ٛ‬ننود والضباط أف اللحظة اليت جاؤوا من اجلها قد‬
‫أتت ‪ ،‬سيدخل الفوج الثالث معركة الفاو بعد انتظار ‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫بعد معايشة ألجوائها الصعبة وشحن ا‪ٟ‬نمم ‪ ،‬وهتيئة ا‪ٛ‬ننود ‪ٜ‬نالة أ‪ٚ‬نها ا‪ٜ‬نرب ‪،‬‬
‫أ‪ٚ‬نها القتاؿ ‪ ..‬يبدأ ْنمع جنود السرايا بعد اف أرتدوا عدة ا‪ٜ‬نرب ‪ ..‬أقف أماـ‬
‫السرية مسافة عشرة أمتار وَنانيب آمر السرية مبلزـ أوؿ علي حسٌن ‪ .‬قاؿ يل ‪:‬‬

‫‪ -‬تأكد من اهنم ارتدوا كافة التجهيزات وخاصة االقنعة الكيمياوية الف العدو‬
‫أستخدـ االسلحة الكيمياوية يف معركة الفاو كما تعلم ‪.‬‬

‫‪ -‬سأفتشهم بنفسي ‪.‬‬

‫ينادي النقيب فاي‪ .‬على آمري السرايا للمثوؿ أمامو ‪ .‬يتجمع آمرو السرايا حوؿ‬
‫ا‪ٞ‬نساعد النقيب ‪ .‬أراه يقرأ بورقة صغًنة ‪ ..‬وىم حولو يكونوف حلقة صغًنة ‪ ،‬مث‬
‫يعود مبلزـ أوؿ علي بسرعة اىل سريتو و بوجهو عبلمات ا‪ٛ‬ند ‪..‬‬

‫قاؿ يل بصوت واطىء ‪:‬‬

‫‪ -‬صدرت األوامر لنا بالتحرؾ اىل الرتل االوسط ا‪ٞ‬نسمى (رتل الرشيد) السرتجاع‬
‫مواضع أحتلها العدو من لواءي (‪ ٗٛ‬و ‪.)ٜٙ‬‬

‫‪ -‬لنخرب ا‪ٞ‬نقاتلٌن اذاً ‪..‬ح ى نزيل عنهم ىذا التساؤؿ ونضعهم على ا‪ٜ‬نقيقة ‪.‬‬

‫‪ -‬ىذا صحيح ‪.‬‬

‫مث قرأ مبلزـ اوؿ علي بإ‪٩‬ناز الربقية الفورية اليت تامر لواءنا با‪ٟ‬نجوـ ا‪ٞ‬نقابل على‬
‫العدو ‪..‬‬

‫‪88‬‬
‫بسرعة تقف سيارات الػ ( ايفا ) برتل ويبدأ ا‪ٛ‬ننود بالركوب فيها ‪ ،‬لكل سرية‬
‫سيارتٌن ‪ .‬كانت االوامر تؤكد على ضرورة عدـ جعل العدو يستفيد من الوقت‬
‫ومنعو من اف يقوـ بتحكيم مواضعو ويستفيد من موطىء القدـ الذي حصل عليو ‪.‬‬
‫قالت ا‪ٞ‬نعلومات أف العدو ىجم على ىذين اللواءين بعد منتصف الليل ‪ ،‬بقوة‬
‫تقدر بفرقتٌن ‪ ،‬باإلضافة اىل قوات ا‪ٜ‬نرس ‪ ،‬و استطاع ىذاف اللواءاف القتاؿ ح ى‬
‫منتصف النهار الثاين حٌن نفذ ما عندىم من عتاد ‪ ..‬وبعدىا ٕنكن العدو من‬
‫احتبلؿ مواضعهما ‪ ..‬لقد وقعت خسائر كبًنة جداً بٌن الطرفٌن وخاصة الطرؼ‬
‫ا‪ٞ‬نهاجم ‪.‬‬

‫قاؿ يل مبلزـ اوؿ علي ‪..‬سيتجحفل مع لوائنا كتيبة دبابات وسرايا مغاوير‬
‫‪..‬ستكوف على ا‪ٛ‬نناح اال‪٬‬نن ‪..‬وعلى ا‪ٛ‬نناح االيسر لواءي (ٗٓ٘ و ٕٔٗ)‪.‬ما قالو‬
‫مبلزـ أوؿ علي يستند على تقارير االستخبارات اليت قالت أف العدو قد أُهنك‬
‫و‪٩‬نب أف ال يتأخر ا‪ٟ‬نجوـ ا‪ٞ‬نقابل ‪ ،‬و‪ٟ‬نذا يؤكد القادة ا‪ٞ‬نيدانيوف على السرعة ‪..‬‬
‫أنظر اىل ساعيت ‪ ،‬كانت تشًن اىل الواحدة ظهراً ‪ ..‬الشمس معلقة يف اعايل السماء‬
‫ترسل اشعتها احملرقة على الكائنات ا‪ٞ‬نتصارعة يف وضح النهار ‪ .‬ا‪ٜ‬نرب الطويلة ْنعل‬
‫عملية ا‪ٞ‬نباغتة مستحيلة ‪ ..‬وتوقيتات ا‪ٞ‬نفاجأة ليست ‪١‬نكومة بالليل ‪ ..‬مث أف‬
‫ا‪ٟ‬نجوـ ا‪ٞ‬نقابل ال يقبل التأخًن اطبلقاً ‪ ..‬و‪ٟ‬نذا تقدمت ا‪ٛ‬نموع يف منتصف النهار ‪.‬‬
‫أستقبل مبلزـ أوؿ علي السيارة االوىل ‪ ،‬وأنا ركبت يف الثانية وقاؿ اتبعين ‪ .‬يف‬
‫الشارع ا‪ٞ‬نزدحم بالسيارات وا‪ٞ‬نصفحات و الدبابات اليت تذىب وتعود من و اىل‬
‫جبهة ا‪ٜ‬نرب علينا أف نسرع وأف ‪٦‬نتار ا‪ٞ‬نكاف ا‪ٞ‬نبلئم والفرصة السا‪٥‬نة لرتجلنا السريع‬
‫‪ ..‬ترتفع بنادؽ ا‪ٛ‬ننود لؤلعلى وعلى ظهورىم عدة ا‪ٜ‬نرب ا‪ٞ‬نليئة بالعتاد ويتجندوف‬
‫‪89‬‬
‫اقنعة الوقاية من الغازات السامة ‪ ..‬تتماوج السيارة بٌن ا‪ٜ‬نفر اليت ولدهتا الصواريخ‬
‫والقذائف ا‪ٞ‬ننهمرة ‪..‬تبدو االرض راكظة عكسنا ‪.‬قاؿ يل السائ‪:.‬‬

‫‪ -‬قبلكم دخل ا‪ٞ‬نعركة الفوج الثاين ‪.‬‬

‫‪ -‬منذ م ى ؟‬

‫‪ -‬الساعة ا‪ٜ‬نادية عشرة صباحاً ‪.‬‬

‫يسقط صاروخ معاد َنانب السيارة لكنها ال تتوقف ‪..‬ارى السيارة اليت فيها مبلزـ‬
‫أوؿ علي ونصف جنود السرية قد توقفت فرتة من زمن عصيب ىي ‪ٜ‬نظة االقرتاب‬
‫من النار ‪..‬نقرتب منهم ‪..‬‬

‫قاؿ السائ‪: .‬‬

‫‪ -‬ىنا الرتجل سيدي ‪.‬‬

‫بسرعة يرتجل ا‪ٛ‬ننود ويدير السائ‪ .‬مقود سيارتو عائداً متبلفياً القصف الكثيف ‪..‬‬
‫انظر يف ا‪ٞ‬ندى ‪ ،‬فاألرض أمامي على بعد امتار ‪.‬‬

‫أربع سيارات ‪١‬نطمة يف الشارع وشفل ‪١‬نرتؽ ال يزاؿ الدخاف يتعاىل منو ‪ .‬أقرتب‬
‫من مبلزـ اوؿ علي الذي جلس ّنحاذاة الشارع ْننباً للقصف ‪ ،‬قاؿ يل ‪:‬‬

‫‪ -‬مبلزـ مراد سأقود انا ‪ٙ‬نسة وأربعٌن جندياً وأنت تتبعين بعد عشر دقائ‪ .‬بالبقية ‪.‬‬

‫‪ -‬حاضر ‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫أنطل‪ .‬مبلزـ أوؿ علي ّنجموعتو حيث قسمت السرية اىل قسمٌن متساويٌن ‪..‬‬
‫الدخاف يتصاعد يف كل االماكن وصوت االنفجارات يتزاحم يف الرأس ‪ .‬يلتص‪.‬‬
‫ا‪ٛ‬ننود باألرض اليت تصعقها القذائف دوف وعي ‪.‬تشاكس سطحها الريح الثقيلة ‪،‬‬
‫تتوزع ‪٠‬نموعيت ّنحاذاة الشارع وىم ‪٪‬نتموف با‪ٜ‬نفر من الرصاص والقنابل ‪ ..‬تعربين‬
‫فجأة سيارات (واز)صغًنة ‪٣‬نتلئة ح ى آخرىا بالشهداء وا‪ٛ‬نرحى ‪ ،‬تتخالف ا‪ٛ‬نثث‬
‫والرؤوس بوضع فوضوي يف داخلها ‪ ،‬أرى االرجل تبلمس اسفلت الشارع تفتح‬
‫أبواهبا من كثرة ما ٘نلت ‪..‬االنٌن يتعاىل فوؽ صوت ‪١‬نركاهتا ‪ ،‬السائ‪ .‬ىو الكائن‬
‫ا‪ٜ‬ني الوحيد الذي ‪٬‬نتلك االرادة ويقودىا وسط ا‪ٛ‬نحيم ‪..‬تسقط امامها قذيفة‬
‫ىاوف ثقيل ‪..‬تقفز السيارة يف ا‪ٟ‬نواء ‪ ،‬يسقط أثناف من الشهداء على الشارع ‪،‬‬
‫يتناثر مخ أحدىم وتدىسو السيارات اليت اندفعت بالعشرات لتدًن زخم ا‪ٟ‬نجوـ‬
‫ا‪ٞ‬نقابل ‪.‬‬

‫من ا‪ٞ‬نستحيل اف ٔنرج السيارات عن ىذا الشارع ألهنا ستغوص يف االرض الطينية‬
‫وبالتايل تتحطم من كثرة القصف‪ ..‬و‪ٟ‬نذا كاف الشارع ا‪ٞ‬نؤدي اىل ساحة ا‪ٞ‬نعركة عبارة‬
‫عن حفر وأشبلء ودماء وبقايا مبلبس و احذية ومعلنات طعاـ وبنادؽ ‪١‬نطمة ‪،‬‬
‫رمانات يدوية ‪..‬أنو درب يؤدي اىل نار ‪١‬ناصرة ‪ ..‬أنو الفوضى والصخب ا‪ٞ‬نخيف‬
‫ببل حدود ‪.‬‬

‫تتوغل يف االرض اىل االماـ باْناه العدو ‪ ..‬أرى يف السماء الطائرات السمتية تنزؿ‬
‫٘نمها على الساتر الذي أمامي وصوت ىدير ا‪ٞ‬ندفعية ‪٩‬نتازين ‪ٜ ،‬نظات ويتجاوز‬
‫االنساف الرعب ‪ ،‬بعد الدخوؿ يف ا‪ٞ‬نعركة احملتدمة ‪٬‬نر بو قليل من الوقت وىو ‪٫‬نادع‬

‫‪91‬‬
‫انفاسو ومشاعره ‪ ،‬تصرعو االضطرابات وا‪ٟ‬نواجس ا‪ٞ‬نخيفة ‪ ،‬مث يذوب يف أتوف‬
‫ا‪ٞ‬نأساة ‪ ..‬ويصبح جزء من ىذه ا‪ٞ‬نطحنة اليت ا‪ٚ‬نها ا‪ٜ‬نرب ‪ .‬يقرتب مين قاسم ‪ ،‬أراه‬
‫يهمهم بكلمات ال أفهمها و يؤشر بيده ‪..‬عرفت انو قد رأى ‪٠‬نموعة معادية ‪.‬‬
‫قاؿ‪ :‬وراء ذلك ا‪ٞ‬نرتفع الصغًن ارى ‪٠‬نموعة معادية ‪ .‬أثناء الكبلـ ينسحب أفراد‬
‫اجملموعة ا‪ٞ‬نعادية ‪ ،‬يطل‪ .‬عليهم النًناف من بندقيتو ‪ ،‬أرى اثنٌن قد سقطا ‪ ،‬وواصل‬
‫البقية انسحاهبم ا‪ٞ‬نضطرب ‪..‬تسقط قربنا القذائف وتنطل‪ .‬اعناؽ بنادقنا ‪..‬أرى‬
‫األرض غباراً وضباباً ‪ ،‬سراباً ‪٣‬نزوجاً بدخاف ‪ ،‬يف ىذا التداخل الغريب من عناصر‬
‫الطبيعة ‪ ،‬أشاىد العشرات بل ا‪ٞ‬نئات من جنودنا وجنود العدو ‪.‬الصراع يأخذ شكل‬
‫التحدي وا‪ٞ‬نوت ‪٬‬نسك باليد والزمن يتأرجح على صوت الرصاص ‪ .‬التاريخ يدوف‬
‫بالبنادؽ الصدئة والدماء ا‪ٜ‬نارة اليت انسكبت فوؽ ا‪ٞ‬نلح ‪ ..‬أمواج من البشر تصطدـ‬
‫فيما بينها ‪ٓ ،‬ناوؿ اف ٕنسك باألرض ‪،‬أف تفرض ارادهتا ‪ .‬الرصاص ا‪ٞ‬نادة الوحيدة‬
‫اليت ‪٬‬نتلكوهنا و اجادوا استعما‪ٟ‬نا بكل تأثًن ‪ ،‬يزحف ‪٥‬نونا ا‪ٞ‬نئات من االعداء‬
‫‪..‬نصدىم بأعجوبة مث يرتدوف بعد أف يرتكوا االرض ‪٠‬نللة بالقتلى ‪ ،‬يتساقط‬
‫الشهداء وا‪ٛ‬نرحى كفراشات شاردة ‪ ..‬يصادفين سيل من ا‪ٛ‬ننود الذين ينزفوف دماً‬
‫وعرقاً من الرؤوس وااليدي واالرجل والصدور ‪ ،‬يرتاكضوف با‪٥‬نناء ليخرجوا من أرض‬
‫ا‪ٛ‬نحيم ‪ ،‬ارض االحرتاؽ العايل ‪ ،‬يف ا‪ٞ‬نبلجىء ا‪ٞ‬نهدمة انٌن ا‪ٛ‬نرحى غًن القادرين‬
‫على اخبلء انفسهم ‪.‬أتوغل يف االرض ا‪ٜ‬نارة ا‪ٞ‬نخيفة ‪ ،‬أصل جسر ‪ٚ‬نوه (جسر‬
‫ا‪ٞ‬نوت) ألنو صار مقربة لقوات العدو ‪..‬احتلو العدو ‪ٙ‬نس مرات مث أعادتو قواتنا‬
‫منهم ‪..‬عبارة عن خرسانة حديدية توصل بٌن ساترين ‪ .‬يرتاوح طوؿ ا‪ٛ‬نسر ‪ٙ‬نسة‬
‫عشر مرتاً ‪..‬علينا أف ‪٧‬نر من ٓنتو ألننا غًن قادرين أف نعربه ‪ ،‬فالقنابل تتساقط فوقو‬

‫‪92‬‬
‫كا‪ٞ‬نطر ‪..‬يسبقين بعض جنود وتأخر عين بعضهم ‪ ،‬مررت ٓنت ا‪ٛ‬نسر ‪..‬يأخذين‬
‫ذىوؿ ‪..‬خليط عجيب من األشبلء ‪ ،‬الرؤوس احملرتقة ‪ ،‬االجساد اليت فقدت‬
‫أطرافها ‪ ،‬أطراؼ ‪٣‬نزقة بعبث‪ .‬كتل ‪ٜ‬نم ببل شكل ‪ ،‬مبلبس مصبوغة بالدـ ‪ ،‬شعر‬
‫يتخللو دود أبيض ‪..‬أناس بلحى مغربة ‪..‬رجاؿ ببل رتب ورتب ببل ناس ‪ ..‬مبلبس‬
‫شتوية وصيفية ‪،‬أقنعة وقاية ‪ ،‬غمامة من ذباب ورائحة ا‪ٝ‬نليط العجيب ‪ٖ ،‬نة أنٌن‬
‫لبقايا انفاس ‪ ،‬أخشاب وحديد صدىء ‪..‬تساقط كثيف للقذائف‪..‬‬

‫اجتاز ا‪ٛ‬نسر الذي احتشدت ٓنتو بقايا االرواح اليت احتمت بو دوف مبلذ ‪ .‬تتقدـ‬
‫‪٠‬نموعتنا وىي تطل‪ .‬الرصاص بكثافة ‪.‬االرض مليئة باألجساد ا‪ٞ‬نيتة وا‪ٜ‬نية ‪ ،‬يقرتب‬
‫منا ‪ٙ‬نسة جنود ايرانيٌن بقاذفاهتم ‪ْ،‬نتثهم نًناف ‪٠‬نموعتنا ويسقطوف صرعى‪ْ .‬نتاز‬
‫ىذه البقعة من االرض الرخوة ‪..‬يلتقينا جندي ينزؼ دماً من ساقة ‪ ،‬قاؿ ‪:‬‬

‫‪ -‬اف العدو يتقهقر و‪٥‬نن نقاتلو منذ البارحة ‪.‬‬

‫يصادفنا ملجأ مفرزة طبية فيها جندي جريح وَننابو ‪٩‬نلس ثبلثة جنود أعياىم‬
‫التعب واهنكهم نزؼ الدماء من ا‪ٛ‬نروح الكبًنة ‪.‬مل تندفع من دوف توقف ‪٥‬نو االماـ‬
‫‪ .‬ا‪ٞ‬نبلجىء ‪١‬نطمة بعنف ‪ ،‬فقد أسقط عليها العدو أطناناً من القذائف ‪ ..‬كلما‬
‫نندفع كثًناً نرى االرض قد افرتشت باألجساد ا‪ٞ‬نتنوعة ‪.‬كانت االرض سوداء ‪،‬‬
‫سوداء مثل العامل ‪ ،‬والدخاف ‪٫‬نرج منها مثل الرباكٌن ‪.‬‬

‫يزداد العدو تشبتاً با‪ٞ‬نواضع اليت احتلها وتزداد مقاومتو وقوة نًنانو ‪.‬يصبح الصراع‬
‫قوياً ‪ ،‬الكل يأيت بذروة جربوتو ‪ ،‬وا‪ٛ‬نانباف يطلقاف النار بغزارة ا‪ٞ‬نطر ‪ ..‬ويتساقط‬
‫الشهداء دوف توقف ويواصل االحياء القتاؿ بضراوة‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫أرى مبلزـ اوؿ علي من وراء كيس ‪٣‬نزؽ يقذؼ الرماف على العدو الذي احتمى‬
‫با‪ٞ‬نبلجىء احملطمة ‪ ..‬وىو ينزؼ دماً‪.‬‬

‫حسبت أنو ال يعلم ‪ ،‬وصحت بو‪:‬‬

‫‪ -‬انك جريح ‪.‬‬

‫‪ -‬أعلم ذلك ‪.‬‬

‫واصل قذؼ الرمانات على العدو وتقدـ جنودنا بعد مقاومة عنيفة استطاعوا ازاحة‬
‫ا‪ٞ‬نقاومة ‪ ،‬بعدىا قاؿ يل والتعب ٍ‬
‫باد يف وجهو ‪:‬‬

‫‪ -‬لقد كسرت شوكتهم ‪.‬‬

‫‪ِ -‬‬
‫أخل نفسك فقد نزفت كل دمك ‪..‬‬

‫‪ -‬ليس بعد يامراد ‪.‬‬

‫‪ -‬انك ْنازؼ و‪٥‬نن سنتغلب عليهم ‪.‬‬

‫مث فارقتو وواصلت تقدمي أنا والسرية وىو يريد اف يواصل قتالو ‪ ،‬نظرت وراء ظهري‬
‫‪ ،‬شاىدتو قد سقط مث حلمو جندياف ‪.‬ليس لؤلقداـ أف تطأ االرض االّ فوؽ‬
‫االجساد اليت تناثرت أشبلؤىا ‪..‬يتقدـ رجاؿ السرية بقوة مل اعهدىا هبم ‪ .‬اهنم‬
‫يتفاعلوف مع ا‪ٜ‬ندث ويصارعوف ا‪ٞ‬نوت ُندة وعنف ‪.‬‬

‫يستمر اندفاعهم وأنا أتوسطهم ‪ ..‬أرى أ٘ند الصويلح يف مقدمتهم وىو يز‪٠‬نر‬
‫غضباً مث يطل‪ .‬النار يف صدورىم ‪..‬أراه ينزع ا‪ٞ‬نخزف بعنف مث يركب الثاين مكانو‬

‫‪94‬‬
‫و‪٪‬نصد الرؤوس وىو واقف ‪..‬صحت بو اف ‪٩‬نلس ‪..‬أف ‪٪‬نتمي وراء أي سرت ‪ .‬مل‬
‫ينتبو يل ‪ ،‬أو مل يسمعين ‪.‬ا‪ٞ‬نهم انو واصل الرمي بكثافة ‪ٜ..‬نظة مث يتقدـ أ٘ند‬
‫الصويلح بأْناىهم قافزاً من ملجأ اىل آخر ‪.‬‬

‫اقرتب منو و أصيح بو ‪:‬‬

‫‪ -‬ا٘ند الصويلح ‪ ..‬سلمت يدؾ ‪.‬‬

‫‪ -‬وأنت سامل ‪..‬أهنم يتشبثوف باالرض كا‪ٛ‬نراد ‪.‬‬

‫أ‪ٚ‬نع انيناً يسب‪ .‬صوت القنابل والرصاص ‪ ..‬أرى عشرات بل مئات القتلى ‪.‬‬
‫االشياء مبعثرة ‪ ،‬أنظر لؤلماـ ‪ ..‬أحس بأننا بدأنا باالقرتاب من ىدفنا ‪ ..‬أننا اآلف‬
‫قرب هناية الساتر الطويل ‪.‬أوشكنا على ٓنريره ‪ ،‬أحس أف ورائي كل ا‪ٞ‬نقاتلٌن‬
‫‪..‬أحس أين وحدي أيضاً ‪ ..‬ىذا الشعور ينتابين وسط ا‪ٞ‬نوتى او أنصاؼ ا‪ٞ‬نوتى ‪،‬‬
‫نصل اىل هناية ا‪ٟ‬ندؼ الذي رسم لنا ‪..‬مث أجد آمر الفوج ا‪ٞ‬نقدـ ىذاؿ ‪ ..‬أُنث يف‬
‫ا‪ٞ‬نبلجىء عن أيهما يصلح للدخوؿ بو ‪..‬واالحتماء بو ‪..‬يتبعين ا٘ند الصويلح‬
‫وقاسم ‪..‬أقرتب من باب أحد ا‪ٞ‬نبلجىء ‪..‬أصع‪٣ .‬نا رأيت ‪ ..‬يا‪ٟ‬نوؿ ا‪ٜ‬نرب ؟ ‪.‬‬
‫أيراين بيده القاذفة وبوضع الرمي والصاروخ معد لبلطبلؽ‪..‬أغمص عيين ‪ ،‬أفتحها ‪،‬‬
‫ماذا ارى ؟ ‪..‬ا‪ٟ‬ني أنو ببل رأس ‪..‬كيف حدث ىذا ‪..‬لقد قطع رأسو بشكل‬
‫عجيب ‪..‬جسد ببل رأس يتأىب لبلطبلؽ ‪ ،‬وىذا الذي رأتو عيناي ‪ ،‬يصوب‬
‫باْناىنا وبشكل صحيح وَنانبو كدس من صواريخ القاذفة ‪ ..‬وقفت ‪ ..‬نظرت‬
‫بوجو أ٘ند الصويلح فوضع البطانية اليت مزقها الرصاص فوقو مث تقدمنا دوف اف‬
‫صمت ‪..‬مث قلت ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫يكلم بعضنا بعضاً‪..‬‬

‫‪95‬‬
‫‪ -‬علينا أف ‪٦‬نلي شهداءنا وندفع القتلى ‪ ..‬يا ا٘ند الصويلح ‪.‬‬

‫‪ -‬ىذا وقت مبكر ‪ ..‬اف ا‪ٞ‬نعركة مل تنتو وال ‪٩‬نب أف نلقي هبم ‪.‬‬

‫‪ -‬ىذا صحيح لكن بقاءىم ىكذا يؤثر على معنويات ا‪ٛ‬ننود ‪.‬‬

‫‪ -‬الذي يتوسط ىذا ا‪ٛ‬نحيم يتجاوز احاسيس وخلجات تتعل‪ .‬با‪ٞ‬نعنويات ‪ .‬اننا يف‬
‫مكاف اما أف تَػ ْقتُل لتحٍن أو أف تُقتَل ليحٍن غًنؾ ‪ ،‬ىذا مصًن سيدي ‪.‬‬

‫‪ -‬سنرى بعد ساعات التطورات مث أننا نتلقى االوامر من الفوج ‪.‬‬

‫ا‪ٞ‬نعركة كانت طاحنة ‪..‬شديدة وملتحمة ‪ ..‬الطرفاف اقرتبا كثًناً يف صراعهما من‬
‫اجل النصر على اآلخر ‪،‬ح ى أف جنود السرية نزلوا اىل ا‪ٞ‬نبلجىء اليت ٔنندؽ هبا‬
‫االيرانيوف ‪ ،‬القوا فوقهم الرمانات اليت انفجرت يف داخلها ‪.‬أحدؽ يف وجوه ا‪ٛ‬ننود ‪،‬‬
‫االهناؾ والتعب تركا آثاراً يف الوجوه ‪ ..‬البعض جلس يتنفس الصعداء ‪ ..‬وراء‬
‫أكياس الرتاب ا‪ٞ‬نتهرئة ‪ ،‬واالخر يستفسر عن مصًن زمبلئو ‪ ..‬الشمس هترب من‬
‫ىذا النهار الوحشي اىل آفاؽ أكثر رحبة وىدوءً ‪ ..‬الوقت ماقبل الغروب ‪ ،‬تطل‪.‬‬
‫الشمس آخر أشعتها الذىبية على االجساد احملرتقة ا‪ٞ‬نيتة با‪ٞ‬نئات ‪ .‬قلت اهنا جاءت‬
‫من كل أ‪٥‬ناء ايراف الواسعة ‪..‬لتموت ىنا قتبلً برصاصنا وفوؽ أرضنا ‪..‬كيف يفكر‬
‫أىلهم اآلف ؟ ماذا يعرفوف عن مصًنىم االسود ؟‪.‬‬

‫يبدأ ا‪ٛ‬ننود َنمع العتاد الذي تركو العدو ‪ ..‬وأي شيء ‪٬‬نكن أف يستفيدوا منو ‪..‬‬
‫الساتر الذي بيد سريتنا مستطيل الشكل ‪٬‬نتد طولياً ‪٥‬نو العدو كالسهم ‪ ..‬أي انو‬
‫ساتر يربز يف خاصرة جبهة العدو ‪ ..‬هبذه ا‪ٜ‬نالة يتحتم علينا أف نراقب ا‪ٛ‬نبهة من‬

‫‪96‬‬
‫ثبلث جهات ‪ ..‬اف نوزع أسلحتنا ُنيث نطل‪ .‬نًناهنا على ثبلث جهات ‪ ..‬النًناف‬
‫من جهة الشرؽ والشماؿ وا‪ٛ‬ننوب ‪ ..‬ىذا التوغل الضي‪ .‬يف عم‪ .‬العدو وبٌن‬
‫قطعاتو جعلنا يف مكاف حساس ‪٩‬نربنا أف نراقب ا‪ٛ‬نبهة ُنذر واتقاف عاليٌن ‪.‬خلفنا‬
‫مباشرة السرية الثالثة ‪..‬على الساتر نفسو ‪..‬أي اهنا ظهًن لنا ويأيت بعدىا مقر الفوج‬
‫‪ .‬الغروب خيم بسرعة والوحشة تأيت قبل ا‪ٝ‬نوؼ والرتقب‪.‬‬

‫تأتينا االوامر من الفوج باليقظة التامة والتأىب لصد تعرض العدو الذي من احملتمل‬
‫أف يكوف ليبلً ‪..‬أمر على ا‪ٛ‬ننود وأشد على أيديهم ‪ ،‬تأكد يل اهنم استفادوا من‬
‫حفر ا‪ٞ‬ندفعية العميقة كأستار ‪ٟ‬نم ‪ ..‬وبقايا ا‪ٞ‬نبلجىء اليت مل تصبها القذائف ‪..‬‬
‫كاف عم‪ .‬الش‪ .‬الذي نسًن فيو ال يتجاوز ا‪ٝ‬نمسٌن سنتمرتاً ‪ .‬و‪ٟ‬نذا يتوجب علينا‬
‫أف نزحف او ننحين بشدة يف مشيتنا ‪ ..‬الليل ظلمة كربى ‪ ..‬وىواجس تتبلطم ‪،‬‬
‫أضواء التنوير ا‪ٞ‬نعادية والصديقة تضيء وحشتو ‪ ..‬وتفتح امامنا آفاؽ بعيدة للنظر‬
‫‪ٞ‬نعرفة أي ٓنرؾ للعدو ‪ ..‬فرتة صمت ىادئة ْنتاح ا‪ٞ‬ننطقة ‪ ،‬يسكن الفؤاد اىل‬
‫نسمات ىواء باردة اكتسبت برودهتا من سطح ماء ا‪ٝ‬نليج ‪..‬ما ىذا الصمت‬
‫ا‪ٞ‬نفاجىء ؟ ىذا العادي ‪ ،،‬غًن العادي ‪ ،،‬اهنا ‪ٜ‬نظة للرتقب واالنقضاض ‪.‬أ‪٩‬نوز أف‬
‫يسكن الليل ا‪ٜ‬نريب ىكذا ‪ ..‬اف وراء ا‪ٟ‬ندوء عواصف ‪ ..‬ىكذا مرت اوىل ساعات‬
‫الليل عادية حذرة ‪ ..‬الرتقب يطرد النعاس عن العيوف ومعرفة نوايا العدو وخدعو‬
‫جعلت ا‪ٛ‬نميع يف أىبة دائمية للرد عليو بقوة ‪..‬‬

‫‪97‬‬
‫فجأة يتكسر الصمت اىل أصوات تتعاىل ونًناف يعلوىا دخاف يضيع يف الظلمة‬
‫ووميض ا‪ٟ‬ناونات وا‪ٞ‬ندفعية ‪٩‬نعل الليل هناراً‪.‬‬

‫لقد بدأ قصف العدو ا‪ٞ‬نركز على مواضعنا ‪ ..‬يزداد عنفاً‪ ..‬االرض على ا‪ٝ‬نريطة‬
‫تربيعات يتحكم هبا وينزؿ قنابلو يف أي مكاف يشاء ‪..‬أ‪ٚ‬نع ارتطاـ القنابل قريب ‪،‬‬
‫وصوهتا حٌن تعربين ‪ ،‬يهز أوتار قليب ‪..‬سكوف الليل اضطراب و موج متبلطم وز٘نة‬
‫للنهار ‪..‬يهتز ا‪ٞ‬نلجأ الذي انا فيو كأنو زورؽ صغًن ‪.‬يا لقوة القذائف اهنا هتز االرض‬
‫ىزاً ‪ ..‬يقرتب مين ‪٢‬نابري العريف طو ‪ .‬أ‪ٚ‬نع صوت ا‪ٞ‬نقدـ ىذاؿ يف ا‪ٛ‬نهاز‬
‫البلسلكي ينادي باالنتباه والتهيؤ لصد تقدـ العدو ‪ ،‬فقد سب‪ .‬مقدمو بقصف‬
‫مدفعي كثيف ومركز ‪ ..‬يستمر القصف مدة ساعتٌن ‪ ،‬تتوغل يف رئيت رائحة البارود‬
‫الثقيلة ا‪ٝ‬نانقة ‪..‬ينقطع القصف ا‪ٞ‬نعادي فجأة وأ‪ٚ‬نع ضوضاء العدو ‪ ،‬لقد بدأت‬
‫صولتهم ‪٬.‬نتطي ا‪ٞ‬نقاتلوف مبلجىء قتا‪ٟ‬نم ويطلقوف عناف االسلحة اليت بيدىم ‪،‬‬
‫ويبدأ قتا‪ٟ‬نم ‪..‬لؤلسلحة حرية الرمي الكثيف ‪..‬يقرتب العدو ويشتد القتاؿ ا‪ٞ‬نروع‬
‫‪..‬أرى على ضوء التنوير عشرات منهم يرتاكضوف باْناىنا ‪ ،‬البعض يتساقط‬
‫والبعض يرتد واآلخر يواصل تقدمو ‪..‬تلتهم النًناف بقايا الغزاة ‪ .‬أرى)‪(R.B.K‬‬
‫نائب ضابط جويد مهاوي ‪ ،‬هتلهل وسط الليل وشعلة من نار تسكن فوىتها من‬
‫شدة الرمي واستمرارية ‪ ،‬وىو ‪٣‬نسك بعتلة الرمي منشراً ذات اليمٌن وذات الشماؿ‬
‫‪٣‬نعناً ُنصاد الرؤوس ‪ ..‬يطل‪ .‬العريف عيداف فضيل صواريخ قاذفتو ا‪ٞ‬نضادة‬
‫لؤلشخاص فتنفل‪ .‬فوقهم ناراً وشظايا ‪..‬يتسمر الصداـ الكبًن وأستمر بتلقي‬
‫ا‪ٞ‬نكا‪ٞ‬نات من ا‪ٞ‬نقدـ ىذاؿ بالصمود واالستمرار با‪ٞ‬نقاومة ح ى يرتاجع العدو ‪..‬‬

‫‪98‬‬
‫يصبح العدو قريبا منا ‪ ،‬أمتاراً ‪ ..‬بل تصل طبلئعو االوىل اىل مبلجئنا مث تسقط‬
‫بالرمانات اليدوية اليت نطلقها ‪..‬‬

‫مر زمن ىو العمر ‪..‬بل أخطر ‪ٜ‬نظاتو ‪..‬ىو اشتعاؿ االحاسيس ‪ ،‬وتبخر ا‪ٞ‬نشاعر‬
‫وفقداف النفس واالندماج مع السبلح وحدث أ‪ٚ‬نو ا‪ٜ‬نرب ‪ .‬ىكذا ننسى انفسنا يف‬
‫وقت الش ّدة الكبًنة ‪..‬‬

‫يفشل تعرض العدو ‪..‬نأسر جنوداً ايرانيٌن وصلوا اىل مواضعنا وكانوا معنا اىل اف‬
‫اقتدناىم ‪..‬‬

‫يتعاىل صوت جندي من امامنا ‪ ،‬بعد اف يرتاجع العدو تاركاً وراءه الكثًن من القتلى‬
‫‪ ،‬يتكرر الصوت من أرض ا‪ٜ‬نراـ منادياً‪:‬‬

‫‪ -‬أنا عراقي ‪ ...‬أنا عراقي من لواء (‪..... )ٗٛ‬يصمت فرتة ‪.‬يتكر النداء ‪:‬‬

‫‪ -‬أنا عراقي أريد األماف ‪.‬أنين قادـ ‪٥‬نوكم ‪.‬ال تطلقوا النار رجاءً‪.‬‬

‫أأمر ا‪ٞ‬نقاتلٌن بإيقاؼ اطبلؽ النار والرتقب وانتظار النتيجة ‪٫ .‬نرج من بٌن ا‪ٛ‬نثث‬
‫وا‪ٜ‬نفر ‪..‬شبح ىزيل ‪..‬يف الظلمة تراه ‪..‬أكثر بعداً ‪ ،‬يرفع يديو لؤلعلى وبيده منديل‬
‫أبيض يظهر على ضوء التنوير ‪..‬يعدو ‪٥‬نونا بذعر ‪٬..‬نسكو ا‪ٛ‬ننود ‪ ،‬يقتادونو ‪٥‬نوي‬
‫‪..‬بعد اف فتشوه جيداً ‪ ..‬قاؿ وىو متعب وأنفاسو تقطع كلماتو ‪:‬‬

‫‪ -‬انين عراقي من لواء (‪، )ٗٛ‬ا‪ٚ‬ني سلماف حسن ‪،‬سبلحي قاذفة ‪.‬‬

‫‪ -‬ما أسم آمر اللواء ؟‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫‪ -‬عقيد ٗنيل‪.‬‬

‫‪ -‬ىذا صحيح ‪.‬‬

‫‪ -‬انا من السرية االوىل الفوج الثاين ‪.‬‬

‫‪ -‬أين أىلك ؟‪.‬‬

‫‪ -‬يف االنبار ‪.‬‬

‫أين يف االنبار ؟‪.‬‬

‫‪ -‬يف ىيت ‪.‬‬

‫من كبلمة وعبلمات االطمئناف اليت اجتاحتو تيقنت انو عراقي ومن اللواء الذي‬
‫ذكره‪.‬‬

‫‪ -‬كيف أتيت وماذا وراءؾ ؟‬

‫‪ -‬حٌن تعرض العدو علينا قبل يومٌن ‪..‬كاف ليبلً ‪ ،‬أستطاع أف ‪٫‬نرؽ بعض ا‪ٞ‬نواضع‬
‫ويفاجئنا لكننا قاومنا ح ى نفذ عتادنا ‪ ،‬بعدىا ٕنكن العدو أف يندفع اىل االماـ‬
‫‪.‬لقد فقد الكثًن من جنوده رغم انو يتقدـ لؤلماـ‪ .‬أما فصيلنا فقد بقي يقاوـ ح ى‬
‫النهاية ‪ ،‬كنا يف ا‪ٛ‬نناح االيسر للسرية ‪ ،‬يقود فصيلنا مبلزـ ناصر ‪ .‬أطلقنا كل‬
‫الرصاص والقاذفات وعتاد ا‪ٟ‬ناوف و صورايخ الغاز على العدو ‪ ،‬ح ى تكدس اماـ‬
‫فصيلنا عشرات من قتلى العدو ‪ ،‬ولكن يا لؤلسف ‪،‬نفذ العتاد وراينا أنفسنا‬
‫‪١‬ناصرين ‪ ..‬يف النهاية اخرج مبلزـ ناصر مسدسو الشخص ورمى بو العدو ح ى‬

‫‪111‬‬
‫نفذ مث قذفو بعيداً وعبلمات الغضب واضحة يف وجهة ‪ ..‬لقد وقعنا يف األسر‬
‫‪..‬كنت انا يف ا‪ٛ‬نناح البعيد عن السرية ومل يرين العدو ‪ ..‬رأيتهم يقتادوف مبلزـ‬
‫ناصر مع بقية ا‪ٛ‬ننود ‪ .‬مث وثقوىم با‪ٜ‬نباؿ وأوقفوىم عند هناية الساتر ‪ ..‬وبدأوا‬
‫بإطبلؽ الرصاص عليهم ‪ ..‬رأيت نفسي وحيداً ‪ ،‬أشاىد ىذا ا‪ٞ‬ننظر البائس‪..‬‬
‫اطلقوا النًناف على العيوف اوالً ‪ .‬بدأوا ّنبلزـ ناصر ‪..‬مث بعده جاء دور ا‪ٛ‬ننود ‪..‬مث‬
‫أخذوا يبصقوف على ا‪ٛ‬نثث اليت غرقت يف دمائها ويتبولوف عليها ‪.‬أجتاحتين‬
‫خلجات ا‪ٝ‬نوؼ والوحدة واألسى العايل وانا اضيع يف حفرة االحباط واالحظ ا‪ٞ‬ننظر‬
‫ا‪ٞ‬نبكي ‪..‬بكيت يف وحديت على حايل ‪ٕ..‬ننيت اف اموت معهم ‪ ..‬أقرتب مين الغزاة‬
‫وتظاىرت با‪ٞ‬نوت وسط ا‪ٛ‬نثث ‪..‬سرقوا ساعيت ‪..‬وحٌن واصلوا تقدمهم قررت أف‬
‫أسًن ّنحاذاهتم لعلي أجد قطعاتنا وىا انا ذا ىنا ‪...‬‬

‫‪ -‬لقد وصلت ‪ ،‬وسوؼ نرسلك اىل ا‪ٝ‬نلف بأسرع وقت ‪.‬‬

‫‪ -‬شكراً ‪ ..‬انين سعيد اآلف ‪ ،‬لقد ‪٤‬نوت بأعجوبة ‪ ،‬لكين لن أنسى ذلك ا‪ٞ‬ننظر‬
‫البشع ‪ ..‬وخاصة سقوط مبلزـ ناصر وتكوره على بطنو بعد أف أهنمر الدـ من‬
‫العٌن اليت فقأىا الرصاص‪.‬‬

‫‪ -‬ىوف عليك ‪..‬اال ترى االرض اليت أمامك ‪ ..‬أال تكفي تلك ا‪ٛ‬نثث كثأر ؟‬

‫‪ -‬لقد كاف غدراً ‪ ..‬وليس قتاالً شريفا ‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫مل ‪٪‬نصد العدو من تعرضو غًن الفشل ‪ ..‬ونبقى يف أماكننا ال تناـ ا‪ٛ‬نفوف كل ىذا‬
‫لليل ‪ ..‬وتبقى الزنود على البنادؽ ‪..‬عيوننا تطل‪ .‬النظرات باْناه االرض ا‪ٜ‬نراـ ‪..‬‬
‫اليت تكدست فوقها ا‪ٛ‬نثث اليت ال ٓنصى‬

‫***********************‬

‫هنار جديد ‪٪‬نل على االرض ‪ ،‬يكوف تار‪٫‬ناً حٌن ينتهي اىل الليل‪ ..‬ويكوف أثقل‬
‫ا٘ناؿ العامل حٌن ‪٪‬ناصرين بآالمو‪ ..‬ترحل الصباحات بسرعة ؤنتفي النسائم‬
‫الصحراوية حٌن تضحك الشمس يف وسط النهار ‪..‬يهدأ صمت القيظ ‪..‬صمت‬
‫الظهًنة ا‪ٞ‬نلتهب ‪..‬أعيد اىل نفسي ىدوء ا‪ٞ‬ناضي والقي التأمل يف ا‪ٞ‬ندى احملروؽ ح ى‬
‫النهاية ‪..‬اخرج الشهي‪ .‬زفًناً فاسداً ‪..‬أنظر ‪٥‬نو جسدي ‪..‬طٌن ‪ ،‬دـ ‪ ،‬اصفرار‬
‫؟‪.‬أرى عنفواف النهار سراباً ‪..‬الرصاص ا‪ٝ‬نفيف يرمي باجملاف ليشيع ا‪ٞ‬نوت ‪ٞ‬نن تبقى‬
‫‪.‬‬

‫يف زاوية العراؽ ا‪ٛ‬ننوبية ‪ ،‬بٌن ا‪ٝ‬نليج والشط ‪ ،‬يف ىذا ا‪ٞ‬نثلث ‪ ،‬يف كل شرب من ىذه‬
‫االرض سقط غا ٍز ٍ‬
‫معاد وانساف مدافع‪.‬‬

‫الكل يفرتش االرض ببل حركة بتآلف عجيب ‪ ،‬تكاد أف تفقد صواب العقوؿ ‪،‬‬
‫فالرتاكم كثًن ىنا ‪ ..‬واالرض تضي‪ .‬وتطفح ناراً ودخاناً ‪ ،‬وأجساداً وذباباً وبقايا‬
‫أحياء على حافة النهاية ‪..‬التعب سيد ا‪ٞ‬نوقف ‪ ،‬الفراغ ‪٩‬نتاح الكوف بعد عاصفة‬
‫الليلتٌن ا‪ٞ‬ناضيتٌن ‪ ،‬للطبيعة احكامها وقوانينها ‪ ،‬من ا‪ٞ‬نستحيل على االنساف أف‬
‫يتبلعب هبا ‪..‬ال بد للهدوء أف يسود من جديد مهما هتور الشر ‪..‬أنظر للسماء‬
‫ٖنة غيمة بيضاء ِنارية فوؽ ا‪ٝ‬نليج تنتهي بنهايات شفافة ‪..‬قلت أف حياتنا بلهاء‬

‫‪112‬‬
‫مثل ىذه الغيمة ‪ .‬تنتهي دائماً ىكذا ببل معىن ؟‪..‬أحدؽ جيداً ‪ :‬ليس ىناؾ من‬
‫طًن ‪٪‬نط على تلك االجساد اليت بدأت ترتفع عن سطح االرض سريعاً بفعل‬
‫ا‪ٜ‬نرارة والرطوبة اليت تفسخ االجساد ‪..‬تضي‪ .‬ا‪ٞ‬نبلبس باألجساـ ا‪ٞ‬ننتفخة ‪ ..‬يظهر‬
‫ا‪ٞ‬نيت املساً مرعباً يكاد اف ينفجر ‪ ..‬الذباب يأيت للوالئم الغنية ببل صعوبة وببل‬
‫دعوة ‪..‬يتغذى ‪ ،‬يعصر الدماء اللزجة اليت أسودت ٓنت ا‪ٛ‬نثث ‪..‬ا‪ٞ‬نبلبس متشققة‬
‫بفعل ا‪ٞ‬نلح والرطوبة أو متصلبة كالسكاكٌن ‪.‬‬

‫ترتفع الشمس عالياً يف الفراغ الذي ‪ٚ‬نوه ‪ٚ‬ناءً ‪..‬أنراىا حقاً كما ىي ؟ ‪ .‬آنرؽ كتل‬
‫اللحم العارية ‪..‬أـ تتفرج دوف التفات او أحساس ‪.‬يتوزع ا‪ٛ‬ننود يف الشقوؽ‬
‫وا‪ٞ‬نبلجىء الباقية وا‪ٜ‬نفر اليت قاعها ملح ودماء ‪.‬أجلس اجرت معركة االمس ‪ ،‬اعود‬
‫هبا اىل النسياف ‪ ،‬وأبص‪ .‬فيما تبقى من سائل يف ا‪ٜ‬نل‪ .‬باْناه الشرؽ ‪.‬قلت ما طعم‬
‫النصر الذي يتحدث عنو العدو ؟‪..‬ماذا حق‪ .‬وىو اآلف يف ىذا ا‪ٝ‬نان‪ .‬الضي‪ .‬من‬
‫أرض العراؽ ؟‪..‬أتساوي ىذه ا‪ٞ‬نلحمة كل تلك االجساد اليت فوقها ‪..‬كيف ‪ٟ‬نم أف‬
‫يستثمروا ىذا النصر الذي يدعوف اهنم حققوه يف أرضنا ؟‪.‬ال ينقطع الرتاش‪.‬‬
‫ا‪ٝ‬نفيف بيننا ‪..‬فا‪ٞ‬نسافة بيننا قريبة ‪..‬وليس لنا ش‪ .‬عمي‪٬ .‬نكن اف ‪٦‬نتفي بو‬
‫ونواصل ٓنكيماتنا ـ من خبللو ‪..‬علينا اف نتقيد بالسكوف وعدـ ا‪ٜ‬نركة يف النهار‬
‫اال يف ا‪ٜ‬ناالت القصوى ‪..‬يقرتب مين رأس عرفاء السرية عكموش ‪١‬نمد وىو يلهث‬
‫زحفاً ‪..‬قاؿ‪:‬‬

‫‪ -‬لقد سقط شهيد بفعل القنص ‪.‬‬

‫‪ -‬من ىو ‪..‬‬

‫‪113‬‬
‫‪ -‬سلماف حسن الذي جاءنا من لواء (‪)ٗٛ‬‬

‫‪ -‬ال ‪..‬اللعنة للحرب‪.‬‬

‫‪ -‬لقد أصابو القناص يف رأسو ‪.‬‬

‫‪ -‬يا لؤلسف ‪..‬ياللمفارقة ‪..‬كاف الوحيد الذي شاىد اجملزرة اليت أرتكبها العدو‬
‫ضد فصيلو ‪..‬لكنو مات أيضاً‪.‬‬

‫نأيت اىل ا‪ٞ‬نوت أـ هنرب منو ‪ ،‬يقف امامنا ‪ .‬يبتعد عنا حٌن يصبح مثل حبل الوريد‬
‫‪.‬يلتص‪ .‬بنا حٌن يكوف وراء الصحارى ‪..‬أننا ‪١‬نكوموف بنهايات مشرتكة ‪..‬ومصائر‬
‫متساوية ‪..‬انو الشيء الوحيد الذي نقع فيو دائماً اف ا‪ٞ‬نوت ىو ا‪ٞ‬نارد الذي ال‬
‫يستثين أحداً ‪ ..‬ىكذا يستهزىء بنا ويرتؾ الشعرة اليت بيننا تطوؿ اىل آخر عمرنا‬
‫ويعود أكثر ا‪ٞ‬ناً واشد قوةً ‪ ،‬وكاف سلماف حسن رقماً جديداً يف قائمة الذين اجتازوا‬
‫حاجز النهاية اىل اجملهوؿ أو ا‪ٜ‬نلم أو البلمعىن ‪..‬ال ادري كل ما ىنالك انو صار‬
‫جزءاً من االرض اليت ال ٕنوت ‪...‬‬

‫****************‬

‫آفاقي الكربى ‪..‬ىنا تاريخ الوالدة وا‪ٞ‬نوت ‪ ،‬ا‪ٜ‬نزف‬


‫أش‪ .‬ىوى النفس ألٓنرر اىل ّ‬
‫العايل الذي ‪٩‬نتاح االرض والسماء ويغور يف الشجر ‪..‬ىنا تتولد أحاسيس الرىبة‬
‫ا‪ٞ‬نرثية أو الببلىة الفارغة ‪..‬تدفعنا أيامنا او ٘ناقاتنا اىل ىذا ا‪ٞ‬نعرتؾ فنكوف كا‪ٛ‬نرذاف‬
‫احملاصرة با‪ٞ‬ناء ‪..‬أو بالنار ‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫يا سنٌن الرتاخي عودي ‪..‬او دوري من جديد ‪..‬اللهم اننا ‪٧‬نوت عرايا ‪٧..‬نوت‬
‫جياعاً وببل معىن ‪ ،‬ببل دموع ‪..‬اللهم ىذا جحيم مل ٓندثنا عنو ‪ ،‬مل ٓنذرنا منو‬
‫‪..‬كيف يل اف أكوف ببل فراغ يف ىذا الصمت ‪..‬يف ىذا الصخب ‪.‬أنو صمت‬
‫ا‪ٞ‬نوت وصخب النار وا‪ٜ‬نديد ‪..‬أرسم ْناعيد ا‪ٜ‬نماقات العالية لعلهم يدركوف معىن‬
‫أف ‪٧‬نوت ببل معىن ‪ ،‬اف نساؽ اىل التلذذ للتهلكة ‪ٞ‬ناذا ىذا ا‪ٜ‬نزف العايل ‪..‬ىذا‬
‫االصرار على ا‪ٛ‬ننوف ‪..‬على الرعونة ؟‪ .‬أيها ا‪ٛ‬نار ا‪ٞ‬نشاكس ا‪ٝ‬نرؼ األجرد األجوؼ‬
‫ا‪ٞ‬نروع ‪..‬تنتابنا ‪٨‬نسات النهاية دائماً و‪٥‬نلم يف االمل ‪ ،‬أ‪٩‬نوز اف نكوف وقود األماين‬
‫وتاريخ الضياع ا‪ٞ‬نر ؟‪..‬‬

‫امتدت أياـ ا‪ٜ‬نرب اىل القلب فأشعلتو ببل شفقة ‪ ،‬انو ا‪ٜ‬نصن األخًن الذي مل‬
‫تطرقو ا‪ٜ‬نرب ح ى ىذه اللحظة ‪ ..‬سيدنا ا‪ٞ‬نوت والنسياف ‪..‬‬

‫ال وقت لتأمل اللحظة ا‪ٟ‬ناربة لئلمساؾ بأطياؼ األحبة لتناوؿ العشاء األخًن ‪ ،‬ال‬
‫مكاف لؤلقداـ أف تطأه ببل وخز ‪ ،‬ىو ا‪ٞ‬نوت ‪..‬ىو ‪.‬منذ بداية ا‪ٞ‬نوج‬

‫اب من الصقور ‪..‬شرود‬


‫منذ أتقاد النار ‪..‬زيتوف على ظهر خنزير و٘ناـ يتقيأ و أسر ٌ‬
‫النساء يف الرماؿ الواسعة زماننا ‪..‬عصرنا ‪..‬تار‪٫‬ننا ‪.‬‬

‫أف تراين يف ا‪ٞ‬نكاف وليس فيو اننا اماكن فارغو ‪..‬فراغ االمكنة اجساد صامتة ‪..‬لغو‬
‫ببل أجساد ‪..‬تناقض التناقض ‪ ..‬وخراب ا‪ٝ‬نراب ‪..‬عصر الثورات ا‪ٞ‬نلونة الغريبة اليت‬
‫يسيل من بٌن فخذيها دـ شعبها ‪.‬حاربوؾ من اجل اف ‪٪‬نرقوؾ ُنجة اعطائك النور‬
‫‪٫..‬ندعونك ألجل اف تكوف انساناً بسيطاً‪ .‬أهنم يف عصر البلطبقات كما يقولوف‬

‫‪115‬‬
‫‪.‬عصر البلشرؽ ‪ ،‬والبلغرب ‪ ،‬عصر ا‪ٞ‬ننتصف ‪ ،‬منتصف الفوضى والدمار ‪..‬ا‪ٛ‬ننوف‬
‫‪..‬ا‪ٞ‬نوت ‪..‬السم ‪..‬ا‪ٜ‬نري‪.. .‬الزيف‪ :‬ىذا عدوي يا متفرج ‪.‬‬

‫حًنة ‪..‬حًنة ‪ٞ..‬ناذا ‪٪‬ناربوننا كل ىذه ا‪ٞ‬ندة ؟‪.‬اذا أردت أف تفهمهم فعليك اف‬
‫تعرؼ العد التنازيل للزمن ‪ ،‬اف تعلن للمؤل أنك أنت قاتل نفسك ‪ ،‬أف ْنرح‬
‫الضحية اليت أسقطوىا وتعلن توبتها ‪ .‬أف هتب دمك لقاتلك ‪..‬ىذا منطقهم ‪ ،‬ىذا‬
‫حقهم ‪.‬أهنم يستحوذوف على ا‪ٞ‬نوتى أوالً و‪ٟ‬نذا يستمر عامل ا‪ٞ‬نوت ؟‪...‬‬

‫أين منتصف األشياء اآلف ؟ انين أتساءؿ ‪ :‬أروين منتصف ا‪ٜ‬نب وا‪ٞ‬نوت ‪ ،‬منتصف‬
‫ا‪ٜ‬نب ‪ ،‬سأجد الكراىية الكربى‪ .‬والبلحب ‪..‬يا حرب ‪..‬يا موت م ى هناية القاعدة‬
‫؟ م ى سقوط االستثناء ؟ ‪.‬‬

‫ينش‪ .‬القلب نصفٌن ‪ ،‬االوؿ إلغماء الروح والثاين لتيار ا‪ٜ‬نزف ‪ٞ ..‬ناذا تعود االماين‬
‫ىكذا ‪..‬أشم يف وضح النهار رائحة عم‪ .‬الليل ‪..‬‬

‫لتشرؽ الروح أو لتنتهي اىل جحيم الظبلـ ‪..‬عليك أف ْند نفسك أشبلء يف‬
‫الشظايا ‪..‬أف ترى نفسك ندى يف النار‪ ..‬ىذا ىو ا‪ٞ‬نستحيل ‪ ..‬أنا عا ٍر يف العراء‬
‫أيل يعود ‪ ،‬التسألين عمن حويل فاهنم أصناـ؟ آلكل ما أشتهي‬
‫‪..‬التيو يبدأ مين و ّ‬
‫أجين وحٌن أموت ٔنرج العشًنة يف جنازيت فزعة وتعود أدراجها ضاحكة؟ عامر‬
‫قليب بلذات العامل ‪ ..‬نتائج ا‪ٜ‬نم‪ .‬الكبًن تنصب فوؽ رأسي ىكذا ‪ ..‬ينسكب‬
‫ا‪ٞ‬نوتى على االرض ألجل الببلىة ماذا ورائي ‪ ،‬أشباه ظلي وقمر يبكي ‪..‬سيد ىو‬
‫ا‪ٞ‬نوت مثل البحر والغابات ؟ ‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫‪ٞ‬نا أرفع الرايات والصوت يف ىذا ا‪ٛ‬نو ا‪ٞ‬نشحوف با‪ٞ‬نوت الوحدة ؟‪..‬أكسر القلب‬
‫أسى يف التمين ندماً على ضياع ا‪ٜ‬نلم الذي أختفى كالربؽ ‪..‬يا سهاـ ا‪ٜ‬نرب كفى‬
‫ً‬
‫واتركينا نعرؼ طعم النوـ ا‪ٟ‬ناديء مع نسائنا يف ز٘نة الشظايا وا‪ٜ‬نفر ‪..‬تذىب‬
‫األرواح وتشرد ‪ ..‬فتبقى كتل اللحم واكداس اال‪ٚ‬ناؿ ا‪ٞ‬ندمية ‪..‬وتظل االوامر حرباً‬
‫على ورؽ ‪..‬وتبقى أمنياتنا فراشات الرحيل ‪..‬يا أ‪ٟ‬ني ‪..‬كيف اجتمعن ىكذا ‪،‬‬
‫عطش الروح وا‪ٛ‬نسد مث ال أحد يهجو القتلة ولو بالقلب ‪.‬نقع صرعى التضادات‬
‫وحصار الطبيعة الرتيب ‪ .‬ىي معتوىة لكي هتب ا‪ٞ‬نلح وتأخذ ا‪ٞ‬ناء ‪..‬‬

‫ىرب الفرات بعيداً عن ا‪ٜ‬نرب ‪ ..‬واختفت دجلة يف كهف اعجاز النخيل ‪ .‬رغوة‬
‫بيضاء لزجة بصاقي ‪ ،‬الشفاه قشرة ملح‪ ..‬ذبنا ح ى النهاية ‪ ،‬وٓنجرت العيوف‬
‫واحيطت بالسواد الكاحل ‪ .‬يف الش‪ .‬الكريو يضطجع جندياف وأيديهم لؤلعلى ‪ٖ .‬نة‬
‫انٌن خافت طلباً للماء‪.‬‬

‫‪ -‬سوؼ ‪٧‬نوت‪ ...‬سوؼ ‪٧‬نوت ‪ ،‬نريد ماءً ‪ ..‬نريد ماءً ‪.‬‬

‫الشيء غًن القنابل والسموـ العالية ‪.‬أطل‪ .‬الكلمات والنداءات يف ا‪ٛ‬نهاز‬


‫البلسلكي‪:‬‬

‫‪ -‬أأتوين ّناء الفرات ‪ّ...‬ناء السماء ‪..‬بدمع الغيوـ ‪..‬نفتش عن بقايا القناين يف‬
‫الرتاب‪ ،‬بٌن ا‪ٞ‬نبلجىء ا‪ٞ‬نهدمة ‪ ،‬عن الزميزميات يف أحزمة الشهداء والقتلى ‪..‬نرفعها‬
‫اىل األعلى ‪ ،‬نضغطها لتسقط النقط العالقة يف جوفها ا‪ٝ‬نايل ‪ ..‬أنناـ عطشى ‪..‬‬
‫ىلع يف النفوس ‪..‬سقوط الروح ‪ ..‬وحش ىي الروح أذا رأت ا‪ٞ‬ناء ‪ ،‬أذا حاصرهتا‬
‫با‪ٞ‬نستحيل‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫‪-‬سيأتيكم‪ ،‬انو يف الطري‪ ،.‬قليبلص من الصرب (ناداين مقر الفوج)‪.‬‬

‫لقد اختفت لغة الشفرة ‪ ..‬يامشس مايس ا‪ٜ‬نارقة اتركينا نصارع ا‪ٞ‬نلح والظمأ ‪٤.‬نرت‬
‫بقايا العمر يف عطش األجساد ا‪ٞ‬ننهكة تلتهب البطوف تعوي فيها ذئاب الظمأ‬
‫ا‪ٞ‬نسعورة ‪ٕ ..‬نتد األلسن الذابلة ‪٥‬نو االرض‪ .‬والرقاب تتكور يف البطوف ‪ ،‬نكوف فرتة‬
‫العذاب العايل‪.‬‬

‫ناداين رئيس عرفاء السرية عكموش ‪١‬نمد قائبلً‪:‬‬

‫‪ -‬عريف قاسم يلفظ أنفاسو االخًنة‪.‬‬

‫‪ -‬صرباً سيجيئكم ا‪ٞ‬ناء ‪..‬أخربوين انو يف الطري‪.. .‬‬

‫انظر يف الوجوه تستجدي العزيز وتطلب الغايل ‪.‬‬

‫أيها الفرات أقفز اىل ا‪ٞ‬نماحل‪ ،‬كن مارداً ‪ ،‬واجتح ىذا الصراع البشري ‪ ،‬اطعن ىذا‬
‫الظمأ الكبًن ‪ ..‬أفقد أعصايب وأقوـ غًن ٍ‬
‫مباؿ بالقنص‪..‬‬

‫العطش يهدد الروح وا‪ٛ‬نسد ‪ ،‬سنروى من عرؽ ا‪ٛ‬نبٌن ا‪ٟ‬نزيل ‪ ،‬أجلس عند رأس‬
‫قاسم ‪ :‬أنٌن ‪..‬انٌن يضيع بٌن الفوضى والسراب ‪ ..‬البندقية اليت كانت هتلهل‬
‫أمست ملقية على ا‪ٞ‬نلح ببل اكرتاث ‪..‬أنادي بو ‪ ،‬ال يسمع ‪ ،‬ال يقوؿ غًن كلمة‬
‫‪..‬ماء ‪..‬ماء ‪.‬يرددىا ببل وعي ‪ .‬ا‪ٜ‬نرب ْنعلنا ‪٧‬نوت عطشى ‪..‬ياه ‪..‬ال أصدؽ ‪،‬‬
‫أيهزمنا الظمأ ؟ ‪.‬أقفز اىل حفرة ماء ‪..‬أغرؽ‪ ..‬ملح يسيل مع االصابع ‪ ..‬أتذوقو‬
‫‪..‬تيزاب ‪ ..‬زرنيخ ‪ ،‬ملح ‪ ،‬حامض‪..‬‬

‫يا أ‪ٟ‬ني ىذا ىو أصل العطش ‪ ،‬من ىنا يتولد حري‪ .‬البطوف‪.‬‬
‫‪118‬‬
‫ارتد اىل جنودي أتكلم با‪ٛ‬نهاز‪:‬‬

‫‪ -‬أين ا‪ٞ‬ناء ؟‪.‬‬

‫‪ -‬يف الطري‪ .‬اليكم ‪.‬‬

‫‪ -‬أهنم ‪٬‬نوتوف ‪ .‬لقد طردنا الغزاة وىزمناىم فيجب اف ال‪٧‬نوت عطشاً‪ .‬نريد اف‬
‫نتذوؽ طعم النصر ‪ .‬أسرعوا قبل أف نفقد ا‪ٞ‬نبادىة ‪ ،‬قبل أف يعودوا و‪٥‬نن هنلك‬
‫عطشاً‪ ..‬أصمت فرتة من زمن ‪..‬انظر يف الوجوه اليت عيوهنا وخزات يف وجهي‪.‬‬

‫‪ -‬أقرتب الفرج‪ ..‬أقرتب ا‪ٞ‬ناء‪.‬‬

‫يأسرنا قدح ماء ‪ ،‬يغرينا بأف نلقي السبلح‪ ..‬بأف نبيع كل شيء‪ ..‬أف نرتؾ‬
‫مواضعنا‪ ..‬لكن الرجوع مستحيل ‪ ،‬والبقاء انتظاراً للموت‪ ..‬احدؽ يف وجو قاسم ‪،‬‬
‫ال صوت ‪ ،‬ال أنٌن ‪ ..‬جسد ملقى وشفاه مقلوبة ‪..‬أسحب بطانية ‪٣‬نزقة و اغطيو ‪،‬‬
‫مث أبكي يف داخلي ‪،‬ا طل‪ .‬النظرات البائسة واألنٌن يتعاىل و‪٪‬نرجين بعد ساعة ىي‬
‫خبلصة لعذا العمر‪٪ ..‬نرقين صياح ومزاح عفوي‪:‬‬

‫‪ -‬جاء ا‪ٞ‬ناء ‪..‬جاء ا‪ٞ‬ناء ‪.‬‬

‫يأتيين رأس عرفاء عكموش بكيسٌن فيها عشر قناين من ا‪ٞ‬ناء‪..‬‬

‫‪ -‬ىذا ما استطاعو ايصالو ‪ ،‬فالقصف شديد حولنا‪.‬‬

‫‪ -‬ا‪ٜ‬نمد هلل‪.‬وزعو عليهم بالتساوي ‪ ،‬وأحتفظ بأحتياطي‪.‬‬

‫‪ -‬احتياطي؟ ‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫‪ -‬نعم ‪...‬نعم ثبلث ٍ‬
‫قناف ‪.‬‬
‫‪ -‬يقولوف انو كثًن من ٍ‬
‫قناف معبأة صناعياً وراء جسر ا‪ٞ‬نوت ‪.‬‬

‫‪ -‬سنرسل أذاً ‪ٛ‬نلب ا‪ٞ‬ناء بعض ا‪ٛ‬ننود النشطٌن ‪.‬‬

‫يتكور ا‪ٛ‬ننود حوؿ عكموش مثل قطط ىزيلة ترضع صغارىا ‪ ،‬كل يصيح انو ‪٬‬نوت‬
‫عطشاً ‪ ،‬انو مل يشرب منذ زمن ‪ ..‬أسرؽ نظرة باْناه قاسم ٕننيت اف ينهض ىو‬
‫أيضاً ‪ ،‬لكنو قد أسرع ّنوتو واسرتاح ‪ ..‬انو األوؿ الذي وصل ا‪ٟ‬ندؼ وكاف ‪٪‬نمل‬
‫‪ٙ‬نس مئة طلقة بندقية وقناع وقاية وزمزمية ماء لكن القدر كاف أقوى اذ أصابت‬
‫شظية زمزميتو فاندل‪ .‬ماؤىا ‪ .‬يف قرارة نفسة كاف مطمئناً ألنو مل ‪٪‬نس بثقبها‬
‫واهنمار ا‪ٞ‬ناء منها ‪ ،‬وحٌن وصل ا‪ٟ‬ندؼ وقتل اثنٌن من االيرانيٌن ‪ -‬أرى جثتيهما‬
‫بقريب اآلف ‪ -‬أراد االسرتاحة ‪ ..‬اخرج الزمزمية لًنتوي ‪ ،‬فوجدىا فارغة‪ .‬قذفها‬
‫بشدة يف االرض ‪..‬بقينا على عطشنا ‪،‬كل ىذه ا‪ٞ‬ندة ‪ ،‬مل تصلنا االمدادات بفعل‬
‫القصف الكثيف ا‪ٞ‬نميت‪..‬‬

‫حٌن ٓندؽ يف االرض ينكمش قلبك فزعاً‪ ،‬أهنا مقلوبة أهنا منفوشة و‪١‬نروقة ‪،‬‬
‫مسودة ‪ ..‬من كثرة ما وقع عليها من قنابل ‪ .‬مل يتوقف القصف ال ليل وال هنار‪.‬‬
‫كانت ا‪ٞ‬نسافة من خط صولتنا اىل العدو طويلة‪ ..‬وا‪ٜ‬نرارة عالية ‪ ،‬والتعب واالهناؾ‬
‫العايل جعلنا نفقد سوائل أجسامنا بسرعة ‪ ،‬واالّ كيف مات قاسم هبذه السهولة‪..‬‬
‫أهنا ا‪ٛ‬نحيم ا‪ٞ‬ناحل ‪ ..‬لو تأخر ا‪ٞ‬ناء ساعات أخرى ‪ٞ‬نات كل ا‪ٛ‬ننود عطشاً ولكنت‬
‫أنا أو‪ٟ‬نم‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫ياتيين عكموش بقنينة ماء فيها أقل من الربع ‪..‬جلس قريب وقاؿ‪:‬‬

‫‪ -‬استطعت اف أحجز لك ىذا ‪..‬‬

‫‪ -‬شكراً ‪.‬‬

‫مث القيتها يف جويف دوف أف أحس هبا وبطعمها ‪ .‬مل يرتو ا‪ٛ‬ننود ‪ ،‬ولكن ىذا‬
‫اىوف‪ ..‬قمت بتوزيع االقواس النارية بسرعة وأعطيت لكل جندي ا‪ٞ‬نكاف ا‪ٞ‬نناسب‬
‫وىيأهتم ألي طارىء ‪ٞ‬نعركة التبلقي واالحتكاؾ اليومي مع العدو الذي كاف ّنرمى‬
‫البصر‪..‬‬

‫قاؿ عكموش فجأة‬

‫‪ -‬اف ىاشم يريد الذىاب ‪ٛ‬نلب ا‪ٞ‬ناء فلنرسو الننا مازلنا عطاشى مث أف ا‪ٞ‬نعركة‬
‫مستمرة ‪..‬‬

‫‪ -‬لينتظر ح ى يهدأ القصف‪.‬‬

‫‪ -‬أتعتقد أنو يهدأ ؟ ؟‬

‫‪ -‬البد من ذلك ‪ ،‬فلينتظر قليبلً‪.‬‬

‫‪ -‬كما ترى ‪.‬‬

‫‪ -‬اذا ىدأ القصف أرسل جندياً آخر معو ٓنسباً ألي طارىء ‪٪‬ندث ‪ ،‬ح ى نعرؼ‬
‫اخبارىم ويساعده يف ٘نل ا‪ٞ‬ناء ‪.‬رددت مع نفسي ىذا االسم (عكموش) اكثر من‬
‫مرة ‪ ،‬أتراه بابلي أـ آشوري أف ىذا الرجل من سبللة االوائل الذي قاتلوا قبل االؼ‬

‫‪111‬‬
‫السنٌن العدو نفسو ‪ .‬تأملت االسم جيدا ًً‪ ،‬غًن قابل للصرؼ ‪ُ .‬نثت عن معناه‬
‫يف ‪٢‬نيليت‪ ..‬ألـ اجد ‪..‬لعل والده الفبلح يف ريف بابل وجد أ‪ٚ‬نو منقوشاً على احد‬
‫ايل انو من أبناء نبوخذ نصر اف مل نقل سرجوف األكدي او‬
‫االلواح الطينية ‪٫ ،‬نيل َّ‬
‫سنحاريب ‪ .‬قلت لو‬

‫‪ -‬كم ىو موجود السرية الكلي اآلف ؟‬

‫‪ٖ -‬نانوف ‪.‬‬

‫‪ -‬انت متأكد ؟‪.‬‬

‫‪ -‬نعم ‪.‬‬

‫‪ -‬ىذا جيد ‪ ..‬لكين أريد أ‪ٚ‬ناء العشرة الباقيٌن ‪..‬‬

‫‪ -‬قاسم ىذا الذي قربك عبد الر٘نن ورياض وسامي استشهدوا يف التقدـ على‬
‫العدو ‪ ،‬علواف مازاؿ مفقوداً ‪ ،‬وا‪ٝ‬نمسة الذين تبقوا أخلوا انفسهم‪.‬‬

‫‪-‬نسيت مبلزـ اوؿ علي‪.‬‬

‫‪ -‬نعم رأيتو حٌن جرح يف صدره ويده‪ .‬لقد شاىدت الدـ يغطي بدلتو ‪ ،‬إٔنىن اف‬
‫اليكوف جرحو خطراً‪.‬‬

‫‪ -‬عكموش يلزمنا االنتباه والتهيؤ لردع أي تعرض قد يقوـ بو العدو ‪٩ .‬نب اخبلء‬
‫الشهداء مهما كاف الثمن ‪..‬‬

‫‪112‬‬
‫يف ‪ٜ‬نظة حديثي لعكموش وىو مص ٍغ يدخل علينا ىاشم مبتسماً كعادتو ‪ ،‬رغم‬
‫التعب الذي يكسو وجهة ‪..‬قاؿ‪:‬‬

‫سأذىب ‪ٛ‬نلب ا‪ٞ‬ناء ‪.‬‬

‫‪ -‬مل ٔنربين ‪ ،‬أقتلت احداً يف فازؾ الصدئة ىذه ؟‪.‬‬

‫‪ -‬أحدىم رأيتو ‪٪‬ناوؿ اف يطل‪ .‬عليك الرصاص فسبقتو ‪ ،‬فسقط قتيبلً‪..‬‬

‫‪ -‬رائع ‪..‬أنك تلح يف جلب ا‪ٞ‬ناء ‪..‬‬

‫‪ -‬انين ضمآف جداً وكذلك أصحايب‪.‬‬

‫‪ -‬من سيذىب معك؟‪.‬‬

‫‪ -‬كرًن ‪.‬‬

‫حسن فلتسرعا أذاً ‪.‬‬


‫‪ٌ -‬‬
‫يبعد عنا جسر ا‪ٞ‬نوت بألفي مرت وىذا يعين انو صار وراء ظهورنا ‪ .‬ا‪ٞ‬نسافة من جسر‬
‫ا‪ٞ‬نوت ح ى ا‪ٞ‬نساعد نقيب فاي‪ .‬تقدر ِنمس مئة مرت وىو ا‪ٞ‬نسؤوؿ عن توصيل‬
‫االرزاؽ ‪ :‬ا‪ٞ‬ناء والعتاد لنا‪..‬مث اف ىاونات االسناد بإمرتو ‪.‬لقد كانت أعمالو كثًنة‬
‫ومتشعبة لكنو كاف شعلة نشاط متقدة ‪ ..‬ال يناـ عده أياـ ‪.‬اف ناـ فساعتٌن ال‬
‫أكثر ‪ ..‬من ا‪ٞ‬نستحيل اف نستمر و‪٥‬نن يف ىذا ا‪ٞ‬نكاف بإيصاؿ ا‪ٞ‬نكا‪ٞ‬نات البلسلكية‬
‫من كثرة الرمي وتركيز العدو ألنو قد يستمكنها أو يسرؽ الشفرة اليت نتحدث هبا‬
‫ويقوـ ِنداعنا ‪ ،‬و‪ٟ‬نذا صدرت االوامر بسرعة للمخربين ‪ٞ‬ند االسبلؾ بٌن السرايا‬

‫‪113‬‬
‫ومقر الفوج وربطها بالبدالة الرئيسية ‪.‬لقد عاىن ا‪ٞ‬نخابروف الكثًن من االرىاؽ لسرعة‬
‫تقطع االسبلؾ من كثرة القصف ‪ ،‬لكن ىذا اجراء البد منو ‪ٞ‬ننع استعداد العدو‬
‫وتفويت الفرصة عليو ‪ .‬كاف الش‪ .‬الذي يربطنا ّنقر الفوج وا‪ٞ‬نساعد ال يتجاوز‬
‫عمقو نصف مرت ‪ ..‬و‪ٟ‬نذا كاف جنودنا عرضة لقنص كثيف من العدو الذي كاف‬
‫يأتينا من ثبلث جهات ‪ ،‬مث اف العدو نصب رباعيتو امامنا فكانت ترمي مع طوؿ‬
‫الش‪٠ .‬نتازة سريتنا باْناه السرايا االخرى ح ى مقر ا‪ٞ‬نساعد ‪ .‬و كثًناً ما أصابت‬
‫طلقة واحدة اكثر من جدين ‪ ..‬ىذا ا‪ٞ‬نوقف حتم علينا أف نبين مصدات من‬
‫االكياس الرتابية لدرء الرصاص الكثيف الذي امطرنا بو عدونا وقد ‪٤‬نحت العملية‪.‬‬
‫مث بدأت ٓنكيماتنا االخرى ا‪ٞ‬نتعلقة بزيادة عم‪ .‬الش‪ .‬وٓنصٌن ا‪ٞ‬نبلجىء ‪ ،‬ومواضع‬
‫القتاؿ الذي سيكوف يومياً ‪ ..‬يف ملجأي الضي‪ .‬الذي كاف يشغلو مقاتل ما قبلي‬
‫جلست ‪ ،‬كاف نصف أنبوب كبًن‪ .‬انظر ‪٥‬نو سقفة حديد صدىء ‪ ..‬يتخللو‬
‫اخضرار عتي‪ .‬وَنانيب ا‪ٛ‬ندراف اليت ىي جوانب ا‪ٞ‬نلجأ عبارة عن ملح يكوف‬
‫مسانداً‪..‬‬

‫أتأمل قرص الشمس الذي أوشك اف يتوارى خلف ا‪ٞ‬ندى البحري ‪..‬‬

‫االرض اخضرار كبًن‪ ..‬ا‪ٞ‬ندى قمح وعشب وورد باأللواف كلها الربيع سيدنا ىنا ‪..‬‬
‫التبلؿ ا‪ٞ‬نتموجة ‪..‬بساط ا‪ٝ‬نضرة والزىر ‪ ..‬ال شيء سوى زرقة السماء و اخضرار‬
‫االرض لوناف ىادئاف يبعثاف يف النفس االرتياح ‪..‬‬

‫ايل‬
‫ترتكين مسافة أمتار ‪..‬تأتيين عدواً كالغزاؿ ‪ ..‬ما ىذا ‪..‬انو حلم ‪ ..‬أتأتٌن ّ‬
‫ىكذا ؟‪ .‬أيقرتب ا‪ٞ‬نستحيل من ا‪ٞ‬نمكن ؟‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫ألثمها ‪ ..‬وأغيب ‪ ..‬اجعل القمح بساطاً يل ‪..‬تغمرنا السنابل ‪ ،‬وىي ترتاقص ‪..‬‬
‫أنظر باْناه مكحوؿ ‪ ..‬جبل كحلي اللوف ‪ ..‬أستمد ا‪ٚ‬نو من لونو ‪.‬ال شجر غًن‬
‫العشبيات اليت تنبت بٌن الصخور ‪ ..‬تنهض معي اىل أف‪ .‬النظر ‪ ..‬يكوف مكحوؿ‬
‫سداً امامنا ‪..‬ىذا ا‪ٞ‬ندى كبًن ‪ ،‬كبًن‪ ..‬ا‪٬‬ناف تعانقين اىل آخر الشوؽ ‪..‬ترٕني على‬
‫صدري وأ‪ٚ‬نع نبضات القلب ‪ ،‬تعود اىل التجواؿ يف أف‪ .‬الربية الواسع ونعود ‪..‬‬

‫‪ -‬أين ‪٥‬نن اآلف يا مراد ؟‪.‬‬

‫‪ -‬يف مثلث ا‪ٞ‬ندف ‪.‬‬

‫‪ -‬أية مدف ؟‬

‫‪ -‬اننا يف بقة تقع أطراؼ ‪١‬نافظات نينوى وكركوؾ وصبلح الدين ‪.‬‬

‫‪ -‬اهنا خالية من الناس ٕناماً‪.‬‬

‫‪ -‬لكنها مليئة با‪ٝ‬نضرة ‪ ..‬و‪٥‬نن االثنٌن ‪.‬‬

‫‪ -‬كم تبعد أقرب قرية عنا ؟‪.‬‬

‫‪ -‬ثبلثوف كيلومرتاً‪.‬‬

‫‪ -‬انين خائفة ‪.‬‬

‫‪ٞ-‬ناذا ؟ ‪ ...‬اف ىذا احمليط ا‪ٛ‬نميل يبعث على ا‪ٟ‬ندوء وعلى االمن فلماذا ا‪ٝ‬نوؼ ؟‪.‬‬

‫‪ -‬اننا وحيداف ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫‪ -‬وىذا ما ابتغي ‪٥ ..‬نن لسنا وحيدين ‪..‬انظري اىل حقل القمح الكبًن ‪ ،‬اىل‬
‫مبليٌن الورود‪ ..‬اىل مكحوؿ ‪ ..‬واىل كل كائنات السهوؿ ا‪ٞ‬نرتامية ‪.‬‬

‫‪ -‬كيف ٔنتار ىذه االماكن ‪ ..‬كيف تعرفها ؟‪.‬‬

‫‪ -‬انين ذئب البادية ‪..‬‬

‫‪ -‬الوديع طبعاً‬

‫‪ -‬ىذا ما أريد ‪.‬‬

‫الفضاء الكبًن يطب‪ .‬على بساط ا‪ٝ‬نضرة ‪..‬مكحوؿ عالياً ‪ ،‬يصعد بصمت ‪ٖ .‬نة‬
‫نسر ‪٪‬نل‪ .‬يف األعايل يؤنس وحدتو ‪ ..‬قد يغين مواالً للربيع ‪..‬اضطجع على القمح‬
‫عيين ‪ ..‬ارى وجهها صورة يف السماء‬
‫‪..‬و اغمض ا‪ٛ‬نفوف ‪ ..‬تداعب شعري ‪..‬تقبل ّ‬
‫وشعرىا يتدىل فوؽ صدري ويديها تنغرزاف يف االرض ‪..‬كانت صامتو‪ ..‬امرأة يف‬
‫مرآة زرقاء ‪..‬تبدو كذلك ‪ ،‬وانا اتأمل تبلشيها يف اليم االزرؽ السماوي ‪ ،‬ىكذا‬
‫بدت يل ‪ ..‬أقعد وتكوف امامي ‪ٔ..‬نتفي يف حقل اقمح الذي غطى رؤوسنا ونسمع‬
‫وشوشة السنابل والسيقاف عندما تداعبها الريح ا‪ٟ‬نادئة‪..‬قالت فجاة‪:‬‬

‫‪ -‬كم تود البقاء ىنا ؟‪.‬‬

‫‪ -‬وانت معي ؟‪.‬‬

‫‪ -‬نعم‪.‬‬

‫‪ -‬اىل آخر العمر‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫‪ -‬اال ٕنل ذلك ؟‪.‬‬

‫‪ -‬ال أعتقد ‪.‬‬

‫‪ -‬و أذا ىاجرت أنت أو انتقلت أنا ؟‪.‬‬

‫‪ -‬أرجو اف ال يكوف ذلك‪.‬‬

‫‪ -‬سيحدث حتماً‪.‬‬

‫‪ -‬أتفكرين بالنقل ؟ أال يعجبك ىذا الفضاء الواسع ا‪ٞ‬نخضر ؟‪.‬‬

‫‪ -‬اننا ال ‪٦‬نتار أماكن عملنا بأيدينا و االّ مل أكن ىنا ‪.‬‬

‫حسن و االّ مل اكن قد تعرفت عليك ‪ .‬حتماً ستطلبٌن ا‪ٞ‬ندينة اليت ولدت‬
‫‪ -‬ىذا ٌ‬
‫هبا‪..‬‬

‫‪ -‬مل أكن أعرؼ اف الريف هبذا البهاء وىذا ا‪ٛ‬نماؿ ‪.‬‬

‫‪ -‬أفتحي صدرؾ للهواء الطل‪ ، .‬لنور الشمس ببل حواجز ‪..‬‬

‫‪ -‬اف الشمس توشك اف تغيب‪ ..‬آف لنا أف نعود فقريتنا بعيدة ‪ ..‬أنين اخشى‬
‫الظلمة ‪ ..‬فكيف اذا كانت يف ا‪ٜ‬نقوؿ الواسعة ‪ ..‬ىيا يا مراد ‪ ..‬ىيا لنرحل ‪ ..‬قبل‬
‫الظبلـ ‪ ،‬قبل العتمة ‪ ،‬فالشمس تسرع لبلختفاء وراء مكحوؿ‪..‬‬

‫‪-‬ىيا ‪..‬ىيا ‪..‬رغم اين يف أوج سعاديت‪.‬‬

‫‪ -‬لقد ابتعدنا كثًناً والغروب قد أقرتب‪..‬‬

‫‪117‬‬
‫ملحية يلفها الرتاب والذرات الصغًنة ا‪ٞ‬نلساء‪ .‬ا‪ٞ‬نلجأ ال يتسع االّ يل ‪..‬لكنو يف أثناء‬
‫القصف يكوف ُنجم القصور وبدفئها ا‪ٛ‬نميل ‪..‬كاف طولو مرتاف وعرضو أقل من‬
‫مرت‪٩ .‬نلس أمامي ووجهة باْناىي ا‪ٞ‬نخابر طو ‪..‬ووراء ظهره جهاز البلسلكي وبيده‬
‫جهاز التلفوف الذي بدأنا استخدامو اآلف ولكننا ال نستغين عن ا‪ٛ‬نهاز البلسلكي ‪،‬‬
‫نستخدمو عندما تنقطع االسبلؾ وال يكوف لنا الوقت الكايف إلصبلحها ‪..‬‬

‫طو مقاتل أ‪ٚ‬نر من مدينة بغداد ‪٪ ،‬نب شرب الشاي ‪ ..‬قاؿ يل‪:‬‬

‫‪-‬سيدي انك متعب ‪.‬مل تنم منذ اتينا اىل ىنا ‪ .‬فاسرتح قليبلً ‪ ،‬سأرد على‬
‫ا‪ٞ‬نكا‪ٞ‬نات غًن ا‪ٞ‬نهمة ‪ ،‬وسأوقظك اذا استوجب األمر‪.‬‬

‫‪-‬عيناي ال تأخذاف النوـ‪.‬‬

‫‪ -‬ىذا صحيح لكن جفونك متقدة ‪ ..‬وكأهنا ٗنرة ملتهبة‪.‬‬

‫‪ -‬انين ال أفهم لقد غدروا بنا كثًناً‪..‬‬

‫ا‪ٞ‬نلجأ الصغًن يغص بأنفاسنا ا‪ٜ‬نارة ‪ ،‬البخار الثقيل ّنحاذاة سطح االرض ‪.‬‬
‫أجسادنا تنز عرقاً كأنو السيل ‪ٖ .‬نة رائحة عفنة لزوايا اجسادنا والتقاء االطراؼ ‪.‬‬
‫من أسناننا اليت مل ٕنر عليها الفرشاة منذ مدة ٔنرج رائحة غريبة ‪ .‬الصمت يقطعو‬
‫انفجار القنابل حولنا ‪ ..‬يصعد الدخاف عصراً ‪ .‬ما قبل الغروب يكوف ا‪ٞ‬ننظر رائعاً‬
‫حٌن ال تقع القذائف فوؽ أحد ‪٪ .‬نجب الدخاف ضوء الشمس مث ينتهي اىل‬
‫األعلى ‪ ،‬أمسك الناظور بيدي وأحدؽ باْناه مدينة الفاو اليت بيد العدو‪ .‬أرى‬
‫معمل االسفلت قد ٓنطمت خزاناتو ووقعت بناياتو ‪ٖ ،‬نة ساتر حديث يفصلنا عن‬

‫‪118‬‬
‫معمل األسفلت أراه يزداد أرتفاعاً بفعل السراب الذي ‪٫‬نرج منو مرتاقصاً كأنو ‪ٟ‬نب‬
‫نار فضية ‪..‬بٌن ساترنا الواطىء وساتر العدو ا‪ٞ‬نرتفع ويف ارض ا‪ٜ‬نراـ اجساد االعداء‬
‫‪ ..‬أرى قريب قتيبلً ايرانياً لو ‪ٜ‬نية مغربة وَنسمو انتفاخ كبًن ‪ ..‬رائحة تفسخ بدأت‬
‫غل يده يف جيبو وقاؿ‪:‬‬
‫تنبعث منو ‪ ..‬تقدـ منو طو زاحفاً ًّ‬

‫ايل ويف يده‬


‫‪ -‬سنأخذ ىويتو كعبلمة انو قتل ‪.‬مث ندفن جثتو اليت تفسخت‪ ..‬عاد ّ‬
‫دفرت صغًن ال غًن ‪ ،‬أخذنا نتصفحو سوية يف الصفحة االوىل قرأنا ا‪ٚ‬نو (حسٌن‬
‫خسروي) ‪ ،‬قلبنا االوراؽ ا‪ٞ‬نكتوبة بلغة فارسية‪ ..‬أشعار ال نفهمها لكن خطها ٗنيل‬
‫‪..‬مل نستطع حل رموزىا ‪ ..‬ىنا بٌن احد القصائد بيت شعر ‪١‬نصور بٌن قوسٌن‬
‫‪..‬نقلب االوراؽ بشغف ‪ ،‬ارى منظراً لقرية ٗنيلة وسط ا‪ٛ‬نباؿ قلت‪ :‬انو من‬
‫أذربيجاف ‪..‬‬

‫ىناؾ صور لزىور وكتابات باالنكليزية ‪..‬كل ىذا جعلين أظن انو على قدر كبًن من‬
‫الثقافة أو ألقل أنو فناف ‪ .‬أقلب الصفحات ‪ ،‬أقف عند لوحة ال أستطيع اف أفسرىا‬
‫لكنها ذات بعد فلسفي‪ .‬من اللوحة عرفت اهنا تعبًن عن حياة ‪ ،‬عن وجوده ‪ ،‬عن‬
‫ما يدور يف نفسو وما يتوقع ‪..‬مل تكن اللوحة االّ عبارة عن ٔنطيط بارع لصورتو‬
‫الشخصية بلحيتو اليت أمامي تتجلى من عنقو سلسة متصلة بتابوت اماـ صدره ‪..‬‬
‫ىناؾ يف الزاوية اليسرى من الورقة مرآة على شكل قلب وفيها ٔنطيط لفتاة ٗنيلة‬
‫يتدىل شعرىا فوؽ كتفها وعلى صدرىا وىي تذرؼ الدموع ونظرهتا باْناه صورتو‬
‫‪..‬؟‬

‫‪119‬‬
‫أتأمل اللوحة جيداً ‪ .‬اهنا ا‪ٜ‬نياة كلها بآالمها وآما‪ٟ‬نا ‪ ..‬بأحبلمها ودوافعها ‪.‬‬
‫أغلقت الدفرت واعطيتو لطو ليعيده اىل جيب ا‪ٛ‬نثة‪ ..‬ويف نفسي قرار بأين سوؼ لن‬
‫أترؾ ىذا الدفرت ببل صاحب ‪ ..‬سأضعو يف جيبو لكي ال يذكرين دائما ّنأساة ا‪ٚ‬نها‬
‫ا‪ٜ‬نرب ‪..‬‬

‫الساعة يف يدي قالت الرابعة ‪..‬الزمن‪ ..‬ىل ىو متاىة أريد اف أصل أولو ‪.‬اعرؼ‬
‫بدايتو ‪ ،‬اختصر آخره الثقيل ادفعو ‪٥‬نو ٘نلو ‪ ،‬فاذا على يدي عقارب داخل قرص‬
‫حديدي وغطاء زجاجي تؤشر اىل الرابعة ‪ ..‬رابعة ماذا ؟ ىل يف يدي الرابعة أـ أنا‬
‫الرابعة ‪..‬أىو الرابعة ؟ اـ ىذه الشمس العجيبة ؟ اـ ذلك اليوـ ا‪ٞ‬نرتب الكاحل‪ ..‬يا‬
‫للضياع والتيو ‪ .‬من قسم الزمن ليتخلص من ثقلو ؟ أهبذا التقسيم نلهو ونضحك‬
‫على ذقوننا و‪٥‬نسب العمر القصًن‪..‬‬

‫ماذا يعين عمر رجل مات ولو من السنٌن ا‪ٞ‬نئة آخر لو ساعة واحدة ؟ ما قدـ األوؿ‬
‫وما اخذ الثاين ؟‬

‫ماذا ‪٥‬نصل ‪٥‬نن الذين نتشبث هبذه االياـ اليت ال تتوقف اطبلقاً ؟ ‪ .‬ىل ىي الرغبة‬
‫يف التمتع بلذات أياـ ‪٠‬نهولة ستأيت‪ ..‬أـ ىو التفرج على مهزلة الساعات القادمة أـ‬
‫يف النفس احساس ٍ‬
‫عاؿ ليس لنا القدرة على معرفتو والسيطرة عليو ؟ ‪ٞ‬ناذا نعمر‬
‫االرض ماداـ ىذا فعلنا ؟ بل ألصدؽ القوؿ ‪ٞ‬ناذا ‪٦‬نرهبا بعد أف أفسدنا نفوسنا ؟‬
‫أيف ىذا ا‪ٞ‬نراس ‪ٟ‬نونا ؟ ‪ ..‬أيف ىذا اللعب االىوج حياتنا ؟ ماذا يعين لو أبقى ىنا اىل‬
‫آخر االياـ البالية أو اعود اىل شواطىء ا‪ٜ‬نناف البعيدة ؟ أيف اختبلؼ االمكنة لذة‬
‫للنفس ؟‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫أيف ٓنطم ا‪ٞ‬نشاعر ٕنزؽ للروح الشاردة أبداً ؟ ‪ ..‬ماذا ىنا غًن حصارىا وسط‬
‫؟‪..‬مرت عقارب الساعة ‪..‬أل‪ٚ‬نيها عقارب‬
‫اجساد معلقة يف ا‪ٟ‬نواء ومدفونو يف ا‪ٞ‬نلح ّ‬
‫يك فوؽ يدي لتقسمي ساعات عمري‬ ‫عك لي ِلق ِ‬
‫الروح ‪ .‬هتتز بسذاجة من صنَ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪..‬ألكوف عبداً لك ‪ .‬اقوؿ ‪..‬ماذا أقوؿ ؟ سقط الكبلـ على ا‪ٛ‬نثث كالذباب‪.‬‬
‫أبكي ؟ ما نفع بكاء العاىرات ؟ اموت ؟ ما قيمة ا‪ٞ‬نوت اذا صار مشاعاً للجميع‬
‫؟‪..‬أحلم ؟ ما ىو ا‪ٜ‬نلم ؟ ‪..‬من أين تأيت صوره ؟ اذاً ألناـ أو ألغيب عن ا‪ٞ‬نكاف‬
‫اىل ا‪ٞ‬نكاف ‪ ،‬ولتسكن روحي يف الوردة الشاردة او النجمة الساقطة ‪ ،‬ألسافر اىل‬
‫اقاصي ا‪ٞ‬نياه الراكدة ‪ ،‬ولكن ىذا انا وسط التئاـ ا‪ٛ‬نوع على ا‪ٛ‬نرح ‪ ،‬على ا‪ٛ‬نثث‬
‫‪.....‬‬

‫منذ يوـ دخولنا معركة الفاو الطويلة‪ ..‬ح ى ىذه اللحظة ‪ ..‬ح ى ىذا اليوـ الذي‬
‫مثل سابقاتو‪ .‬مرت أياـ انتهت اىل اجملهوؿ‪ ..‬اهنا ليست كثًنة لكنها عظيمة بفعلها‬
‫‪ٞ ،‬نا هبا من احداث سوؼ لن تتكرر أبداً‪ ..‬اخذت معها كثًناً من الصمت كثًناً‬
‫من ا‪ٞ‬نقاتلٌن الذي أري‪ .‬دمهم بصمت وماتوا بصمت ايضاً ‪ ،‬مل نستطع أف نعرؼ‬
‫خلجاهتم ‪ ،‬آخر كبلمهم وآخر امانيهم‪ .‬ماذا جنوا من حياة حسبت عليهم ؟‪..‬‬
‫االنساف يدفع دمو دوف وعي و‪٬‬نوت بوعي كامل ‪ ..‬أياـ مرت الصراع مازاؿ أزلياً‬
‫يف النفوس ‪ ،‬مازاؿ الكبلـ للنار ‪ ،‬للرصاص‪ .‬ىنا ألقينا أيامنا وراء ظهورنا ُنذر‬
‫وترقب ‪٢‬نافة أف تأخذنا معها ‪ .‬سريعاً ما يتكيف ا‪ٞ‬نرء للظروؼ ويُسخر ما حولو‬

‫‪121‬‬
‫‪ٝ‬ندمتو ألجل بقائو ليجعلو يواكب احتياجاتو ‪ ..‬فبسرعة تعم‪ .‬ا‪ٝ‬نندؽ وأصبح‬
‫أكثر أمناً ‪ ،‬لقد صار عمقو أكثر من مرت ‪ ،‬مث احيط باألكياس ا‪ٞ‬نليئة بالرمل ليزيد‬
‫ا‪ٜ‬نماية ويصلح للسًن ‪ ،‬ليقينا من الرصاص ا‪ٞ‬نعادي ‪ ..‬ا‪ٞ‬نبلجىء ا‪ٞ‬نهدمة أعدنا‬
‫بناءىا واجرينا ٓنسينات عليها ُنيث تقينا بعض القنابل ا‪ٞ‬نتساقطة وليست كلها ‪،‬‬
‫مل يعد ا‪ٞ‬ناء مشكلة ومل نعد نعاين من شحتو ‪ .‬فقد مؤلنا كثًناً من قناين ا‪ٞ‬ناء‬
‫وخاصة يف الليل حيث قمنا بأرساؿ ا‪ٛ‬ننود ‪ٛ‬نلبو ‪ ..‬لقد صار الش‪ .‬مسلوكاً ‪ ..‬كل‬
‫ىذه االعماؿ ٕنت يف الليل عندما يقل القصف ويتعب العدو ‪ .‬ىذا ال يعين أف‬
‫االمور صارت طبيعية وبسيطة ‪ ،‬بالعكس اهنا حالة حرب ‪ .‬لكنها أفضل مئة مرة‬
‫من قبل‪.‬‬

‫خرجت يف وقت الظهًنة ماشياً يف ا‪ٝ‬نندؽ‪ .‬أتطلع اىل اماكن االسلحة وأعدادىا ‪.‬‬
‫يف وسط السرية ترتكز ثبلثة ىاونات عيار ستٌن ملم ‪ .‬أمس أمرين آمر اللواء أف‬
‫أوجو ضربة للعدو با‪ٟ‬ناونات بوصفي أقود السرية ا‪ٞ‬نتقدمة ‪ ،‬لًنى رد فعل العدو‪..‬‬
‫أطلقت ا‪ٟ‬ناونات ستة قنابر مهداد ضد العدو مل يرد‪ ..‬جنودنا ىؤالء اتعبتهم ا‪ٜ‬نرب‬
‫وتعبت القنابر ‪ ،‬لكنهم يزدادوف اصراراً يف الدفاع عن أرضهم‪.‬‬

‫دخلت موضعاً قتاليا قريباً‪ ..‬أستقبلين مناحي ‪ .‬ذلك البدوي الوحيد يف السرية ‪.‬‬
‫قفز اىل ‪٢‬نيليت سن الذئب ‪ٓ ..‬نسستو بيدي‪ ..‬الزاؿ يف جيب قميصي كل ىذه‬
‫ا‪ٞ‬ندة ‪ ،‬قلت مع نفسي اىو الذي حفظين كل ىذا الوقت أـ تراىا ا‪ٞ‬نصادفة اليت‬
‫جعلت الصاروخ الذي وقع مسافة مرت عين ال ينفجر ‪ ..‬لعلها األرض الطينية ‪ ،‬مث‬

‫‪122‬‬
‫تلك القذيفة اليت وقفت فوؽ ملجأي ومل تنفذ ‪٥‬نوي ‪ .‬ال أعلم ذلك لكين اعتقد‬
‫اف يل أياماً يتحتم علي اف اعيشها ولو كنت يف فوىة مدفع ‪..‬‬

‫‪ -‬مرحباً مناحي ‪..‬‬

‫‪ -‬اىبل سيدي‪.‬‬

‫‪ -‬كيف حالك؟‪.‬‬

‫‪-‬كما ترى‪ ..‬ا‪ٜ‬نمد هلل‬

‫‪ -‬م ى اجازتك؟‪ ..‬فاإلجازات قد فتحت‬

‫‪ -‬االسبوع القادـً اذاً‪.‬‬

‫‪ -‬بلغ سبلمي على كاكو رشيد الصغًن‪.‬‬

‫‪ -‬شكراً ‪ ..‬اين يف شوؽ اليو‪.‬‬

‫‪ -‬ال تنس اف ْنلب يل سن ذئب آخر‪.‬‬

‫ضحك مث نظر باْناه العدو وٓنجر كأنو صنم ‪ ،‬غسلتو بنظرايت ‪ ..‬رأيت يده‬
‫مضمدة بلفاؼ طيب وملطخة بدـ جاؼ‪..‬‬

‫‪ -‬ماىذا ؟‬

‫‪ -‬جرح بسيط‪.‬‬

‫‪ -‬م ى جرحت؟ ِملَ مل ٔنربين لنرسلك للطبابة؟‬

‫‪123‬‬
‫‪ -‬ا‪ٛ‬نرح بسيط ال يستوجب ذلك‪ ..‬انو يتماثل للشفاء‪.‬‬

‫‪ -‬مناحي ‪ ،‬و‪٥‬نن يف ىذا ا‪ٞ‬نكاف ماذا تتمىن ؟‪.‬‬

‫‪ -‬اتقصد هناية ا‪ٜ‬نرب ؟‪.‬‬

‫‪ -‬هناية ا‪ٜ‬نرب وهناية العدو ألهنا مقرونة بنهايتو‪..‬‬

‫حينها وقفت‪ .‬قلت يف نفسي انو بدوي ‪ ،‬يعرؼ ا‪ٜ‬نقائ‪ .‬اليت ‪٩‬نهلها العامل ‪ ،‬أو‬
‫يتجاىلها‪ ..‬فعبلً اهنا اعظم االماين‪ ..‬اتركو باْناه مفرزة (اليب كي سي) ثبلثة جنود‬
‫‪٪‬نيطوف هبذا السبلح الذي قتل الكثًن من أفراد العدو‪ ،‬كاف بينهم (جويد مهاوي)‪،‬‬
‫رجل ضخم ا‪ٛ‬نثة حٌن يضغط على الزناد ال ‪٬‬نكن زحزحتو‪ ،‬يظهر كانو صخرة ‪..‬‬
‫انو من اىايل النجف ‪ .‬يطل‪ .‬جويد عناف سبلحو بعد أف اعطيو الضوء االخضر‬
‫باْناه اىداؼ معادية ىو يعرفها ‪ .‬بعض ا‪ٞ‬نقاتلٌن ا‪ٛ‬نيدين قد جرحوا والبعض اآلخر‬
‫استشهد و‪ٟ‬نذا شعرت ببعض النقص وقلة الكثافة النارية اليت أسلطها على العدو‪..‬‬
‫خبلصة‪ ..‬اهنا مل تكن بتأثًن االياـ االوىل‪..‬‬

‫سريعاً ما يرد العدو على ضرباتنا لو و‪٬‬نطرنا بوابل من رصاصو ‪ .‬مع نفسي أحصيت‬
‫عشرة شهداء وسبعة عشر جر‪٪‬ناً‪ ..‬أغلب الشهداء كانوا نتيجة القنص ‪ .‬مل يفارقين‬
‫منظر سقوط ثامر شهيداً ‪ ..‬كاف جالساً َنانيب يتحدث يل عن تعل‪ .‬امو بو ألنو‬
‫الوحيد ‪ٟ‬نا ولو سبع أخوات ‪ ،‬قاؿ اهنا يف كل اجازة ٕنؤل جيوب مبلبسي باألدعية‬
‫وقطع خضراء تأيت هبا عند زيارهتا ‪ٞ‬نراقد األئمة ‪ .‬قاؿ ‪:‬كنت أضحك يف نفسي من‬
‫تصرفها ىذا ولكين اعطيها ا‪ٜ‬ن‪ ، .‬انو ‪٠‬نرد عامل نفسي يساعد على اطمئناهنا‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫وىو َنانيب جاءتو رصاصة قناص اخرتقت رأسو من ٓنت أذنو اليسرى وخرجت من‬
‫وجهو ‪ ،‬مل ينط‪ .‬بكلمة‪ ..‬غًن اين شاىدت لسانو يتدىل مث سقط على وجهو‪..‬‬
‫رفعتو واذا بلسانو قطعة من طٌن طري‪ ..‬ثامر نايف سقط ىكذا ورحل دوف أف‬
‫يكمل حديثو معي‪ ..‬أمشي يف الش‪ .‬أتطلع للمبلجىء اليت اتسعت وصارت شبو‬
‫فارغة‪ ..‬امامي مواضع الرشاشات والبنادؽ لكنها مصوبة باْناه العدو‪ ..‬استخدمنا‬
‫بعض االشياء لغشها وعدـ كشفها من قبل العدو‪ .‬لكن طوؿ مدة بقائنا وكثرة رمينا‬
‫جعلت العدو يعرؼ بأمكنة أسلحتنا‪..‬‬

‫امشي يف الش‪ .‬وعيناي يف وجوه ا‪ٛ‬ننود‪ ..‬ارىاؽ‪ ..‬تعب‪ ..‬احرتاؽ األعصاب ‪،‬‬
‫تناقص يف عددىم ‪ ،‬انتظار النهاية ىذه ىي حاؿ من ٓنرقو ا‪ٜ‬نرب بتيارىا‪..‬‬

‫ا٘ند الصويلح يظهر امامي‪ .‬يبتسم يل‪.‬‬

‫‪ -‬اهلل يساعدؾ ا٘ند‪..‬‬

‫‪ -‬ىبل سيدي‪.‬‬

‫‪ -‬م ى تتزوج؟‪.‬‬

‫‪ -‬بعد انتهاء معركة الفاو‪.‬‬

‫‪ -‬وىل ستنتهي؟‪.‬‬

‫‪ -‬حتماً البد من هنايتها‪.‬‬


‫‪ٞ -‬ناذا مل تأ ِ‬
‫ت بالربابة ىنا؟‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫‪ -‬لن نتمكن من العزؼ عليها ىنا‪ .‬اف انغاـ الرصاص تعلو‪ ..‬وتعلو‪.‬‬

‫‪ -‬حٌن هتدا األمور‪ ..‬ويتحسن وضع ا‪ٛ‬نبهة اجلبها اىل ىنا ‪ ،‬اهنا تزيل احزاننا ‪،‬‬
‫نريد اف ننقي قلوبنا ‪ ،‬نزيل تراكم ا‪ٜ‬نزف والدمع يف ا‪ٞ‬نآقي‪.‬‬

‫‪ -‬اف شاء اهلل‪ ..‬اهنا يف ا‪ٝ‬نلفي‪ ..‬عند عريف ا‪ٞ‬نشجب‪.‬‬

‫‪ -‬يف ا‪ٞ‬نشجب ؟‬

‫‪ -‬نعم‪.‬‬

‫ضحكت من كبلمو ىذا وتصرفو الغريب ‪ ،‬آلة موسيقية يف ا‪ٞ‬نشجب بٌن‬


‫االسلحة‪ ..‬أ‪٩‬نوز اف تتوسط آلة الفرح أدوات ا‪ٞ‬نوت والدمار؟‪..‬‬

‫يرمينا العدو بأسلحتو ا‪ٞ‬نختلفة‪ ..‬بالرصاص ا‪ٝ‬نفيف‪ ..‬نرد عليو‪ ..‬أرى ىامشاً يطل‪.‬‬
‫عناف سبلحو ‪٥‬نوه مسنداً ظهره للش‪ ..‬عاصفة من نار صار ا‪ٞ‬نكاف‪ ..‬الرتاش‪..‬‬
‫صوت يعلو يذكر االحياء باألموات ‪ ،‬يوصل بينهم‪ ..‬أأمر ا‪ٛ‬ننود بزيادة الرمي على‬
‫العدو ح ى ال يتمكن من رفع رأسو ويستمر قصفو لنا‪ ..‬يصبح القتاؿ ضارياً ‪،‬‬
‫يتقاطع الرصاص بٌن ا‪ٛ‬نانبٌن‪ ..‬تتشق‪ .‬االكياس الرملية من كثرة ما أصيبت‪ ..‬ينخر‬
‫الرمل فيها وتكوف أ‪ٚ‬ناالً‪ ..‬ىي ‪ٜ‬نظة التفاعل ونسياف النفس‪ .‬يسقط ىاشم يف‬
‫الش‪ ...‬أركض ‪٥‬نوه‪ ..‬يتبعين ا٘ند الصويلح‪ ..‬أرفعو من االرض ‪ ،‬الدماء نبع حار‬
‫ٔنرج منو ‪ ،‬تصبغ مبلبسو ‪ ،‬احاوؿ أف أوقف نزؼ الدماء ا‪ٜ‬ناد دوف جدوى‪..‬‬
‫يصفر وجهو ‪ ،‬يشحب ‪ ،‬يشه‪ .‬خشخشة ويسلم الروح‪ ..‬دوف اي كبلـ غًن‬

‫‪126‬‬
‫نظرات كاف يصوهبا باْناه السماء اليت أغربت من الرماد‪ ..‬يفز ا٘ند الصويلح وبيده‬
‫البندقية فوؽ الساتر ‪ ،‬بدأ يطل‪ .‬بعنف‪ ....‬بعنف وسرعة أناديو‪:‬‬

‫‪ -‬ا٘ند‪ ..‬أ٘ند‪ ..‬انزؿ انك مكشوؼ ح ى قدمك‪ ..‬ال ينتبو يل ‪ ،‬يقذؼ ا‪ٞ‬نخزف‬
‫الفارغ بعيداً ويركب ا‪ٞ‬نآلف كأنو انساف آيل وىو فوؽ الساتر متصلباً مطلقاً النار‬
‫بكثافة باْناه العدو وعليو مبلمح الغضب الكبًن‪ ..‬أصيح عليو‪:‬‬

‫‪ -‬انزؿ‪ ..‬انزؿ‪ ..‬اف العدو يرد عليك‪ ..‬يركز باْناىك‪.‬‬

‫ال يأبو لكبلمي ‪ ،‬لندائي ‪ ،‬او ال يسمعين من شدة الرمي ‪ ،‬انو يطل‪ .‬الرصاص وىو‬
‫يف العراء ببل سرت قاطعاً خط االف‪...‬‬

‫ينتزع ا‪ٞ‬نخازف من احزمتو ويركبها يف بندقيتو اليت تلتهم العتاد‪ ..‬وتطل‪ .‬الرصاص‬
‫باْناه العدو‪ ..‬باْناه ا‪ٞ‬نوضع ا‪ٞ‬نعادي الذي جاءت منو طلقة القناص اليت قتلت‬
‫ىاشم‪ ..‬أفقد اعصايب ‪ .‬اركض ‪٥‬نوه النزلو عن الساتر ‪ ،‬تسقط قذيفة معادية بٌن‬
‫اقدامو ‪ .‬ويغمره الرتاب والبارود والدـ ‪ .‬أقلبو‪ ..‬دـ ينزؼ من بٌن فخذيو ومن اماكن‬
‫اخرى‪ ..‬قاؿ يل وىو ينظر يف دمو النازؼ‪:‬‬

‫‪ -‬اآلف ارٓنت‪ .‬أظن اين قتلت ذلك اللعٌن‪.‬‬

‫‪ -‬انك جريح ‪ ..‬انك تنزؼ‬

‫‪ -‬اعلم ذلك‪ ..‬اظنها بسيطة‪.‬‬

‫يرتاكض ا‪ٛ‬ننود ‪٥‬نوه‪ ..‬وبيدىم النقالة‪٪ ..‬ناولوف اخبلءه‪ ..‬يرفض‪ .‬يريد البقاء‪ .‬أجربه‬
‫على االخبلء‪ ..‬فبل زاؿ جرحو حاراً ال يؤ‪ٞ‬نو‪ ..‬بسرعة شعرت انو بدأ يعاين من‬
‫‪127‬‬
‫اآلالـ والدوار‪ ..‬يضعو ا‪ٛ‬ننود يف النقالة وينطلقوف بو ‪٥‬نو ا‪ٞ‬نفرزة الطبية يف مقر‬
‫الفوج‪ ..‬اما ىاشم فبل زاؿ راقداً يف أحد ا‪ٞ‬نبلجىء ينتظر الليل الخبلئو طا‪ٞ‬نا انو قد‬
‫فارؽ ا‪ٜ‬نياه‪..‬‬

‫ا‪ٞ‬نوت عادي ىنا ‪ ،‬مثل الطعاـ ‪ ،‬مثل الكبلـ ‪ ،‬مثل توايل األياـ‪ .‬طا‪ٞ‬نا اهنمر‬
‫الرصاص ‪ ،‬ا‪ٞ‬نوت ‪٩‬نري دوف توقف‪ ..‬ىذا الفعل يكوف االخًن‪ ..‬هناية ا‪ٞ‬نطاؼ ‪،‬‬
‫القتاؿ وحتمية البد منها‪ ..‬انو النهاية ا‪ٞ‬نشرتكة لكل شيء ح ى االحاسيس ٕنوت او‬
‫تتبلشى ببطء‪ ..‬ا‪ٜ‬نرب اعصار من نار وحديد ‪٩‬نتاح االرض لكنو يبدأ من عقوؿ‬
‫القادة ‪ ..‬وينتهي يف اجساد ا‪ٛ‬ننود‪ .‬يف قلوب االمهات ويف دموع االرامل‪..‬‬

‫أسحب ا‪ٝ‬نطى ا‪ٟ‬نزيلة باْناه ملجأي ‪ ،‬أجر الكلمات‪ :‬الوداع ا‪ٞ‬نؤمل‪ ..‬أرٕني يف‬
‫حضن التمين ‪،‬اآلالـ صفة فينا‪ ..‬وجذر من جذورنا اليت ال تنقطع‪ ..‬رائحة الدـ‬
‫تدخل رأسي‪ ..‬والبارود اعصار ا‪ٝ‬نوؼ يرتسخ يف الرأس ا‪ٞ‬نؤمل‪.‬‬

‫من باب النار اىل باب ا‪ٛ‬نحيم يأخذنا ىذا العامل ويرحل بنا دوف سؤاؿ منا او‬
‫‪٣‬نانعة ‪ .‬رائحة ا‪ٞ‬نوتى من قريب وبعيد ‪ ،‬يف السماء ‪ٟ‬نيب عاؿ وصمت مطب‪، .‬‬
‫انظر يف ما ترى العٌن من فضاء قحل من ارض جرباء ‪ ..‬ال شيء يتحرؾ ‪ ..‬شيء‬
‫يثًن يف النفس االرتياح ‪ ،‬كل ما حويل بضعة جنود‪ ..‬واجساد تذوب يف االرض ‪.‬‬
‫او موت الشفقة‪ ..‬ىذه بقعة من ٍ‬
‫أرض على كوكب مهجور‪..‬‬

‫احث ا‪ٝ‬نطى ا‪ٞ‬نعوجة بفعل تعرج الش‪ .‬ألصل ملجأي ‪ ،‬الوحدة تيار العامل ا‪ٛ‬نارؼ‬
‫الذي سكنين وألقاين ىنا‪ ..‬وجعلين كل ‪ٜ‬نظة أرى ا‪ٞ‬نوت ‪ ..‬ارى هناية االصحاب‬
‫واودعهم بيدي‪..‬‬

‫‪128‬‬
‫ٓنط الطيور على آثار الذاكرة ‪ ،‬على سلم االرتقاء ‪٥‬نو نعشها ‪ ..‬تعود حالة الرحيل‬
‫ببل قيد اىل ‪٢‬نيليت ‪ ..‬أرسم هناية وردية للحرب ‪ ،‬اعود اىل قرى منسية يف حقوؿ‬
‫بعيدة ‪ ،‬الهنا ٍر ذات ماء زالؿ ومنظرىا يأخذ شكل األماين ‪ ،‬شكل ا‪ٜ‬نناف‪ ..‬ىذه‬
‫أشواقي احملاصرة مثلي ‪ ،‬ىذه صور فارقتين من دوف وعي وعادت وسط احملرقة‪..‬‬
‫ألكن صنم ا‪ٞ‬نقابر ا‪ٞ‬نندرسة ‪ ..‬حارسها الوحيد ودرب ا‪ٟ‬نضاب ا‪ٞ‬نتعرج‪ ..‬ىنا ‪٩‬نب‬
‫اف ابكي ‪ ،‬لكن الدمع ‪٬‬نانع ‪٩ ،‬نب اف اتوارى ‪ .‬اف ال اكوف ‪ ،‬اف اسًن عكس‬
‫النهاية‪..‬‬

‫ادخل ملجأي‪ ،‬بييت ‪ ،‬مكاف ا‪ٛ‬نسد ا‪ٞ‬نرتامي ‪ ،‬ا‪ٜ‬نجرة الوحيدة اليت ٓنويين دوف كلل‬
‫‪ ،‬دوف كبلـ ‪ ،‬ألقي باألحداث خلف ظهري ‪ ..‬اغل‪ .‬وراءىا باب الزمن ‪ ،‬باب‬
‫ا‪ٞ‬نسًن بالتوقف ‪ .‬يتسع ا‪ٞ‬نلجأ الكتظاظ االنفاس واالقداـ ‪ .‬لقناين ا‪ٞ‬ناء الثمٌن الذي‬
‫كاف يساوي عسبلً اياـ ا‪ٞ‬نعركة االوىل‪ ..‬الذباب يطًن و‪٪‬نط يف ا‪ٛ‬نحور الصغًنة‪..‬‬
‫ىناؾ دفرت صغًن قريب أسجل بو أ‪ٚ‬ناء الشهداء وا‪ٛ‬نرحى يف السرية‪ ..‬وأية‬
‫مستجدات وتعليمات ‪ ،‬بيدي قلم عتي‪ .‬رخيص الثمن ىزيل ا‪ٝ‬نط‪ ..‬أفرتش أكياساً‬
‫توجد مشعة ىي مصدر النور ليبلً اىل حٌن‪ ..‬اقرتب مين ىاجس النوـ والنعاس وا‪ٞ‬نلل‬
‫الذي فاؽ التحمل‪ ..‬ا‪ٝ‬ندر بٌن اشياء تافهة لكنها ضرورية ىنا ليس لك اف ترتفع‬
‫فوؽ السقف فالقنص مستمر ببل هناية لتجلس الساعات ‪ ،‬االياـ لكي تبقى‪.‬‬

‫الوقت ظهراً‪ ..‬اذاً ‪٥‬نن مازلنا نعرؼ الوقت وا‪ٛ‬نوع يتغلغل يف احشائنا ‪ ،‬اقرتب‬
‫موعد الغداء‪ ..‬أو فات ‪ ،‬ىذا متوقف على ‪٠‬نيئو من عند ا‪ٞ‬نساعد الذي ال يتواىن‬
‫عن ارسالو بسرعة لكن القصف يؤخر ا‪ٛ‬نندي الذي ‪٪‬نملو ساعات‪ ..‬احياناً ال‬

‫‪129‬‬
‫يصل اال عندما تغيب الشمس‪ ..‬ا‪ٝ‬نطوات الثقيلة ا‪ٞ‬نتسارعة اليت يولدىا ا‪ٞ‬نقاتل‬
‫يل تفتح الشهية ‪ ،‬رغم انو رز و‪ٜ‬نم مستورد ليس‬
‫ناصر ىارؼ وىو ‪٪‬نمل طعامي ا ّ‬
‫بو أي لذة‪ ..‬يقرتب من باب ا‪ٞ‬نلجأ والعرؽ يتفصد من جبينو‪ ..‬يسبقو ظلو حٌن‬
‫‪٪‬نبو على الباب ليدخل‪ ..‬يصيح قائبلً‪:‬‬

‫‪ -‬اليوـ جاءتنا حلوى ىدية‪.‬‬

‫‪ٗ -‬نيل‪ ..‬اننا ُناجة اىل طاقة ‪ .‬اىل لذة‪.‬‬

‫‪ -‬اهنا ىدية آناد النساء‪.‬‬

‫‪ -‬يا نساء ؟‪ ..‬ليس للنساء مكاناً ىنا ‪.‬‬

‫‪ -‬من كل آنادات احملافظات ‪ ،‬حلويات ‪ ،‬خبز ‪ ،‬فاكهة ‪ٕ ،‬نر ‪ ،‬طرشي أشياء‬


‫اخرى نصيبنا كاف ا‪ٜ‬نلوى‪.‬‬

‫‪ -‬اعطين اياىا ألرى ‪.‬‬

‫‪ -‬خذىا‪..‬‬

‫أخذت الصندوؽ الكارتوين ا‪ٞ‬نبقع بالسمن‪ .‬قرأت من خبلؿ بقع السمن ‪ ،‬ىدية‬
‫ماذا ؟ آناد‬ ‫آناد نساء نينوى ‪ ..‬مع ٕننياتنا بالنصر التوقيع‪ :‬رئيسة االٓناد ‪..‬‬
‫نساء نينوى ؟ ا‪٬‬ناف‪ ..‬ما ىذا؟ ىذه آخر الوسائل اليت تذكرين بك‪ .‬آخر‬
‫الذكريات اىل ىوى القلب ‪ ..‬ىناؾ آخر االراضي اليت ٓنويين دوف خوؼ ‪ ،‬ببلد‬
‫متسعة للعشاؽ‪ ..‬أزىارىا ّندى النظر هتتز طرباً على انغاـ النسيم‪ ..‬االشواؽ‪..‬‬
‫انفجارات الروح وطموحها اىل العبث‪ ..‬ا‪ٜ‬نناف ‪١‬نطة يقف عندىا القمر ا‪ٞ‬ننهك‪..‬‬
‫‪131‬‬
‫قومي نطارد طًن ا‪ٞ‬نساء الوحيد كما كنا ‪ ،‬قومي نشاكس موج الغدراف الصغًنة‬
‫احملاطة بالعش‪ ..‬ونفرتش القمح االخضر ‪ ،‬قومي لنختفي خلف سراب القلب‬
‫ودخاف االنفاس‪ ..‬لنرحل اىل الثلج ‪ ،‬اىل ىدوء االماكن‪ ..‬ىذي براري قليب تقفز‬
‫‪٥‬نوؾ ‪ ،‬تستبشر بالقادـ ‪ ،‬با‪ٞ‬نطر ا‪ٟ‬نادىء الذي يأيت با‪ٝ‬نضرة‪ ..‬ىذا عا‪ٞ‬ني رغم واقع‬
‫ا‪ٞ‬نأساة لن أنساه‪ ..‬ىذا طري‪ .‬النجاة رغم نار ا‪ٝ‬نداع‪ ..‬أال يكفي ىذا التباعد‪ ..‬ىذا‬
‫التشرد‪ ..‬ىذا االنتظار الذي يذيب قليب بٌن ا‪ٛ‬نحور‪ ..‬سأسلم النهاية للغد الذي ال‬
‫يرحم واخفي أحبلمي يف الذاكرة اليت ىي ما تبقى من رحيل شعاع أضيء فضاءات‬
‫علي أف احضر كفين كي أرى مويت ‪ ،‬كي أرى ‪٠‬ندي ‪ ،‬كي أرى‬
‫العامل الداكنة ‪ّ ..‬‬
‫منبع الدود من جسدي‪.‬‬

‫وانت اهنمار ا‪ٞ‬نطر على مقربة منسية ‪ ،‬بقايا غابة من ثلج ‪ ،‬أنت عش‪ .‬ا‪ٞ‬نستحيل‬
‫وتيار البحار حٌن يدخل العم‪ ...‬يدخل القلب‪ ..‬عودي اىل ما ‪٩‬نعل األياـ عادية‬
‫‪٣‬نلة ‪ ،‬كوين كالنساء متقلبة ‪ ،‬فانت يف زمن التناقض ‪ ..‬أنت دفرت الزمن ا‪ٞ‬نمزؽ‬
‫ومفكرة االياـ الباقية ‪ ..‬كوين سهبلً ببل أشواؾ ببل ملح أو شوؾ وحشي مل ٕنسسو‬
‫يد أحد ‪ ،‬كل ىذا عائد لك ‪ ،‬لقرار اليأس ‪ ،‬لقرار االنتحار الذي تتخذه ‪ٜ‬نظة‬
‫السقوط الكبًن ‪ ،‬حٌن نستيقظ من حلم الشباب ‪ ،‬من اماين الطفولة‪..‬‬

‫اآلف توخز ذاكريت لغة الفراش والوسائد الوثًنة‪.‬‬

‫اليك أصبو‪ ..‬ارحل يا حلم ا‪ٞ‬نسافات ا‪ٞ‬نختصرة‪.‬‬

‫ىذا ظلي ببل قلب‪ ..‬وىذا كياين ببل شعور ‪ ،‬اليك أرحل ‪ ،‬اليك ارجع ‪ ،‬وانت قمر‬
‫تداعبو االطياؼ ‪ ،‬وىوى الربيع اىل ا‪ٜ‬نقوؿ ‪ ..‬ىذي جراحي ‪ ،‬دناف الدـ اليت‬

‫‪131‬‬
‫انفجرت‪ ..‬وىذا قليب ا‪ٞ‬نكتئب أبداً ‪ ..‬أرسم يف ِ‬
‫مداؾ انطبلقي‪ ..‬اىل معشوقيت وىنا‬
‫ألقي األياـ بأسى‪ ..‬سأبكي لعلي أغسل حزين ‪ ،‬وألقيو على ا‪ٞ‬نلح ‪..‬كوين البداية‪..‬‬
‫البداية‪ ..‬كوين كقليب الذي يتبعك كما ىو عباد الشمس حٌن يبلح‪ .‬أشعتها‪..‬‬

‫آه ‪ٟ‬نذا الفراؽ‪ٟ ..‬نذا البعد الذي ال ينتهي‪ٟ ..‬نذا ا‪ٜ‬نزف الذي يش‪ .‬ا‪ٛ‬نوى ‪ ،‬اىل‬
‫عينيك اصوب نظرات الضياع‪ ..‬وأُنر اىل حنانك البلمتناىي‪ ..‬يا ‪ٟ‬نذه الشاردة يف‬
‫تأملي ‪ ،‬يا أنا الضائع يف وصفها‪ ..‬م ى نلتقي‪ ..‬م ى نتحد‪ ..‬وعلى اي االراضي‬
‫سيكوف ا‪٥‬ندار الدموع احملصورة وانا ىنا يف كنف ا‪ٞ‬نلح والدـ‪ ..‬أسوؽ االفكار‬
‫واألمل الذي ال يغيب أبداً‪ ..‬ال أعود اىل الصواب‪ ..‬اىل ا‪ٛ‬ننوف‪ ..‬سأحصر التأمل‬
‫يف الشفاه الوردية والعيوف الزرؽ‪ ..‬وأجرت كلمات انسابت اىل اقصى زوايا القلب‪..‬‬
‫ماذا أحب ‪ ،‬وكيف اجتاحين اعصار ا‪ٜ‬نياة الوحيد ‪ ،‬وىنا بالتحديد يف غابات‬
‫ا‪ٝ‬نراب ا‪ٞ‬نخيفة‪.‬‬
‫يا سيدة البداية ا‪ٜ‬نقة‪ ..‬يا حب االهنار االبدي للنهاية‪ِ ..‬‬
‫أنك ال تفارقيين أبداً‪..‬‬
‫اليك ‪ ،‬ألسع فوؽ ىذا‬ ‫احقاً أنا ذلك العاش‪ ، .‬ذلك احملاصر هبذا ا‪ٝ‬نوؼ‪ ..‬ألخرج ِ‬
‫السراب وليكن ا‪ٞ‬نأمت فرحاً طاغياً وا‪ٜ‬نصار انطبلؽ ا‪ٜ‬نرية الكربى‪ ..‬أرسم الكلمات‬
‫اليت أوقفتين ردحاً من الزمن الجرتىا ىنا‪ ..‬ألبكي يف صمت النفوس ا‪ٞ‬نكبلة بالواقع‬
‫والنار‪..‬‬

‫تقولٌن احبك ببل ندـ‪ ..‬ببل توقف‪ ..‬واىل آخر االياـ وأنا اقوؿ ‪ٞ‬ناذا ىذا ا‪ٜ‬نب ‪،‬‬
‫وأنا سدي الفشل وا‪ٝ‬نوؼ وا‪ٞ‬نأساة؟‪ .‬وأنا ‪١‬ناصر بٌن الذاكرة ا‪ٞ‬نهووسة وا‪ٞ‬نوت‬
‫القريب‪ ..‬وأنا ُنر ا‪ٝ‬نراب ا‪ٞ‬نر ‪ ،‬وحزف الثكاىل‪ ..‬وانا اجمليء ا‪ٞ‬نبكر والقدوـ الذي‬

‫‪132‬‬
‫‪٩‬نب أف ال يأيت اآلف وال ىنا‪ ..‬تقولٌن ال أفسر حيب لك ‪ ،‬وال افهمو‪ ..‬انو يدفعين‬
‫‪٥‬نوؾ كا‪ٞ‬نوجو اىل شاطىء الصخر ‪ ،‬كالنهر اىل البحر‪ ..‬وانا اقوؿ ‪ٞ‬ناذا أجرفك معي‬
‫ىكذا‪ ..‬انين سيل ‪٢‬نيف ال يتواىن عن جرؼ االشجار اليت ىي ِ‬
‫أنت ‪ ،‬انين اجرفك‬
‫معي ىكذا دوف وعي فيك‪ ..‬اىل ُنر مظلم ‪٥ ،‬نو ضياع دائم‪ ..‬احاوؿ أف أبعد‬
‫االفكار عنك‪ ..‬فتكونٌن فكراً معقداً‪ ..‬من مشس قليب اليت غربت وىي هتلل الدمع‬
‫االخًن‪ ..‬ومن عبث األياـ السكرى ىذا البقاء على األثر‪ ..‬خذيين اىل النهايات‬
‫الفارغة ا‪ٞ‬نليئة اىل البدايات العاصفة ‪ ،‬اىل بقايا القلوب احملشوة باإلحباط؟‪ ،‬ىذا‬
‫فصل حري‪ .‬ا‪ٜ‬نب‪ ..‬ىذا أواف انتشار ا‪ٞ‬نشاعر الزائفة وشيوعها والتهامنا ‪ٟ‬نا‬
‫واستسبلمنا ‪ٟ‬نا دوف سؤاؿ من أين تأيت منقذيت اآلف يف ىذا التناقض الوحشي؟‪..‬‬

‫ا‪٬‬ناف حروؼ البداية وا‪ٝ‬نل‪ ...‬ساعات الزمن ا‪ٞ‬نزىر‪ ..‬عاـ الفرح الفريد ‪ ،‬بداية ؟‪،‬‬
‫اشراؽ الشمس وهناية الليل ‪ ،‬انطفاء ا‪ٞ‬نشاعر يف جوى القلب‪ ..‬ا‪٬‬ناف سبلـ‬
‫العصافًن يف الفجر الضبايب االبيض‪ٓ .‬نطم وردة السهل الوحيدة يف يدي ‪ .‬ىوى‬
‫الكربياء الوحيد‪ .‬صفاء الذىن ا‪ٛ‬نامح‪ ..‬ا‪٬‬ناف نسيم ا‪ٜ‬نياة ا‪ٞ‬ننعشة‪ ،‬مرسى التبلؿ‬
‫اليت تعدو يف الغروب ببل خوؼ ‪ ،‬ببل تعب ‪ ،‬صحراء الثلج الناصع وخضرة الغابات‬
‫الغامقة ‪ ،‬زرقة البحر الكبًن‪ ..‬ا‪٥‬نناء السنابل ا‪ٞ‬نمتلئة ‪ ،‬حناف الربتقاؿ اىل يد‬
‫العشاؽ‪ ..‬ا‪٬‬ناف حلمي الذي أمسكو يف اليد اىل االبد‪ ..‬وافكار ىي عمري ‪ ،‬ىي‬
‫ا‪ٞ‬نسافة بٌن احمليط والصحراء‪ ..‬بٌن الوردة والفراشة ‪.‬بٌن ا‪ٞ‬ننجل والقمح ا‪ٞ‬نوصلي‬
‫االصفر‪ ..‬ىي فرح الصغار صباح العيد واهنمار ا‪ٞ‬نطر ا‪ٛ‬نليل يف سهولنا ا‪ٞ‬نرتامية‪..‬‬
‫ا‪٬‬ناف دمع لؤلؤي اهنمر يف ظلمة الليل فأضاء ليل النساء الفاتنات‪ ..‬ىي معبوديت‬
‫اليت أعبدىا ببل خوؼ ‪ ..‬ببل شك ‪ ..‬ببل اضطراب ‪ ،‬حبيبيت رغم ىذا البعد ‪ ،‬ىذا‬
‫‪133‬‬
‫الذي حدث ‪ ،‬ال زاؿ يف يدي مفتاح البقاء يف العلى و‪٠‬ناذيف الرحيل اىل النجاة ‪،‬‬
‫وعند عدوي رصاصات الفناء‪..‬‬

‫اآلف‪ ...‬اآلف يغزوين كل أسى العشاؽ‪ ..‬اآلف ‪..‬اآلف أخزف االفكار ا‪ٜ‬نارقة يف‬
‫ا‪ٛ‬نبٌن وأنتهي هناية النهار وا‪ٞ‬نطر‪ ..‬صوري ْنتاز حصاري‪ ..‬وآمايل تبتسم سخرية‬
‫من جسدي الذي يضايقو ملجأ ا‪ٞ‬نلح الرطب‪ ..‬جسد ثقيل احتوتو االرض حياً‬
‫رغم النقص ‪ ،‬موجود رغم العدـ‪ .‬ما زلت أُنث عن اصويل يف ا‪ٛ‬نذور الساقطة‪،‬‬
‫مازت آمل يف الفروع الواعدة‪ ..‬واخرج حٌن أصعد ‪٥‬نو تيهي ألرى بقايا الشاىدة‪..‬‬
‫والثلوج الباردة‪..‬‬

‫زحاـ النار ‪٩‬نلجل يف االراضي ا‪ٟ‬نامدة‪ ..‬فوؽ االرض السبخة سقطت حلويات‬
‫نينوى‪ ..‬ىنا اكلت ‪ ،‬ىنا اعطت اللذة والقوة ‪ ،‬أقلب صندوؽ ا‪ٜ‬نلويات ‪ ،‬بقع‬
‫السمن والزيت تُغرؽ كلمات االىداء الذي جادت بو أيادي آناد نينوى‪..‬‬
‫ا‪ٞ‬نوصليات ‪١‬نافظات يعشقن الرجل ا‪ٛ‬ناد‪٢ ..‬نلصات للمحب‪ ..‬ىكذا عرفت‪..‬‬
‫ىكذا ىي ا‪٬‬ناف‪ ..‬كما ىي أرض نينوى اليت تنتج ا‪ٞ‬نبليٌن من اطناف القمح‪ ..‬يغزوين‬
‫الذباب‪٪ ..‬نط فوؽ الصندوؽ‪ ..‬الذي جاء با‪ٞ‬نن والسلوى ‪ ،‬جاء يغسل الروح‬
‫بالذكريات اليت اعادت ‪ٜ‬نظة ا‪ٝ‬نصب‪.‬‬

‫يف ا‪ٜ‬نصار هترب اىل االطياؼ‪ .‬كما الغرقى لوسائل النجاة ‪ ،‬ىذه أشواؽ مستحيلة‬
‫ورغبات تأيت من العم‪ ...‬أو كلما نرتدي ا‪ٜ‬نب تُعرينا ا‪ٜ‬نقائ‪ .‬وا‪ٞ‬نصائب ‪ ،‬أو كلما‬
‫نضحك ملء أشداقنا تسوقنا الدموع ‪٥‬نو االحباط العايل ‪ ،‬ىذه أطرايف ا‪ٟ‬نزيلة‪..‬‬
‫يف غضباً‪ ..‬وانا أرقم االياـ يف جدار‬
‫وىذه مداعبات ا‪ٟ‬نواء ‪ٟ‬نا ‪ ،‬وىذا حصاين ‪٩‬نثم ّ‬

‫‪134‬‬
‫ا‪ٞ‬نلح ‪ ،‬ا‪ٚ‬نيها اياماً وىي عجلة تدور حوؿ نفسها برتابة ‪ ،‬من يسلب لب عواطفي‬
‫انت ؟‪ .‬من يأتيين با‪ٛ‬ندوى غًن طيفك ؟‪ .‬وىل ألقي بكياين خلف أحاسيس‬ ‫غًن ِ‬
‫ا‪ٜ‬نب؟‪ .‬ال انين ال أملك نفسي ح ى باب ملجأي ‪ ،‬ح ى آخر ا‪ٜ‬نقوؿ ا‪ٞ‬ننسية‪..‬‬

‫نكرب‪ ،‬نكرب كا‪ٞ‬نآسي‪ ..‬نرحل‪ ..‬نرحل كاألهنار‪٥ ..‬ناصر ‪٥ ،‬ناصر كالدموع يف‬
‫القلوب ا‪ٛ‬نافة‪ ..‬تتبلشى كآخر السحاب يف صيف ملتهب ا‪ٜ‬نر تسقط يف انتظار‬
‫النهاية كالقبور يا ‪ٝ‬نساريت الكربى‪ ..‬يا روحي انفجري فوؽ ا‪ٛ‬نثث ‪ .‬او عودي اىل‬
‫دؼء االمكنة البعيدة‪ ..‬سبلمي نار واحتبليل أثر‪ .‬جفوين خشب ‪ ،‬عيوين حجر‪..‬‬
‫أتصلب كالزماف العايت ‪ ،‬وأرٕني يف حضن السأـ‪.‬‬

‫ما زلت ارحل يف سنة ا‪ٜ‬نب اليت ستطرد سنة ا‪ٞ‬نوت أو تأيت على أثرىا ‪ ،‬اضيع يف‬
‫متاىات ا‪ٜ‬نياة ‪ ..‬يف عبث فارغ وأترؾ األحداث ْنري كما تشاء‪ ..‬أىرب منها‬
‫اليها ‪ ،‬اتوارى بدخاهنا ‪ ،‬من جاء باألطياؼ ىذه ؟ من اطل‪ .‬الذاكرة احملاصرة ىكذا‬
‫ببل توقف ؟‪ .‬من سلم زماـ ا‪ٜ‬نب للتأمل ا‪ٜ‬نزين ؟‪ِ .‬‬
‫أنت يا قمر تكامل فوؽ الثلج‬
‫‪ ،‬يا وردة اىتزت يف الفجر مداعبة الفراشة الوحيدة ‪ِ ،‬‬
‫انت يا فرس الروح ا‪ٛ‬نا‪١‬نة ‪،‬‬
‫وسبلـ ا‪ٞ‬نتعبٌن وصمت الغابات يف الظلمة ‪ ،‬عطاء الشمس ببل مقابل ‪ ،‬جنة ا‪ٜ‬نلم‬
‫‪ ،‬واحبلـ الربيع ‪ ،‬ىنا ا‪ٞ‬نلح‪ ..‬ىنا الشظايا ‪ ،‬ا‪ٞ‬نوت ‪ ،‬ا‪ٜ‬نصار‪ ..‬أنا الذكريات ‪،‬‬
‫دموع متحجرة ‪ ،‬اجساد ببل كفن ‪ ،‬طوؽ يف االعناؽ ‪ ،‬سجن ا‪ٜ‬نياة الدائم ‪،‬‬
‫اجرتار االياـ الثقيلة‪ .‬ىنا نزؼ أبدي‪.‬‬

‫لغة النار ‪ ،‬فضاءات ا‪ٞ‬نوت الواطئة ‪ ،‬التبلشي ‪ ،‬الذوباف يف االرض ‪ ،‬الرتسبات ‪،‬‬
‫هنايات الفصوؿ‪ ،‬ملح ا‪ٛ‬ننوب ‪ ،‬أرضو‪ ،‬شطو ‪ ،‬غرينو‪ ...‬بائعات ا‪ٟ‬نوى‪..‬‬

‫‪135‬‬
‫ا‪ٞ‬نتفرجوف‪ ،‬الكبلب اليت تنبح من وراء ظهورنا‪ .‬ال ليس ىذا‪ ..‬أننا آخر االحياء‪،‬‬
‫آخر االمم الشريفة ‪ ،‬أسياد فوؽ ا‪ٞ‬نوت‪...‬‬

‫***************‬

‫يرف جرس التلفوف‪ ..‬يف القلب‪ ..‬يف الروح‪ ..‬يف الرأس عفوياً ال ارادياً ‪ ،‬تلتقط‬
‫ا‪ٜ‬ناكية يد ا‪ٞ‬نخابر طو‪.‬‬

‫‪ -‬نعم‪ ...‬تفضل‬

‫‪........................ -‬‬

‫‪ -‬بلغ ‪ ...‬بلغ ‪...‬‬

‫يدير وجهو ‪٥‬نوي بعد اف وضع ا‪ٜ‬ناكية مكاهنا‪...‬قاؿ ستقصف طائرتنا ا‪ٞ‬نواضع اليت‬
‫أمامنا‪ ..‬ىذا ما قالوه يف التلفوف‪ ..‬ا‪ٞ‬نوضع الذي امامنا مزروع با‪ٞ‬نقاومات االرضية‪..‬‬

‫‪136‬‬
‫بالرباعيات اليت تستخدـ ضد الطائرات وا‪ٞ‬نشاة‪ ..‬ما أكثر تأوه العدو من ضربات‬
‫طائراتنا‪ ..‬لقد أصابتو يف الصميم ‪ ..‬كم من ىجوـ ٍ‬
‫معاد فشل قبل أف يبدأ ؟‪ .‬كاف‬
‫يعد لو العدة بفضل الطائرات ‪ ...‬ويف اثناء ا‪ٞ‬نعارؾ كاف للطائرات دوراً كبًناً يف‬
‫حسم ا‪ٞ‬نعارؾ ‪ .‬فجأة تنقض ثبلث طائرات ‪٥‬نو اىدافها كالكواسر‪ ..‬سيل من‬
‫القذائف يدؾ االرض ناراً تتقد يف ا‪ٞ‬نواضع ‪ ،‬دخاف يتعاىل من الرتاب ‪ ..‬ترد‬
‫ا‪ٞ‬نقاومات االرضية ا‪ٞ‬نعادية‪ ..‬ترتفع الطائرات يف عناف السماء ؤنتفي عن االنظار‪..‬‬
‫‪ٜ‬نظة وتعاود الكرة بشكل سريع ‪ .‬االنفجارات تتواىل يف اكداس العتاد ومعدات‬
‫العدو‪ ..‬تعود الطائرات أدراجها‪ ..‬أحدؽ فيها وىي تغادر ساحة ا‪ٞ‬نعركة باْناه‬
‫الغرب ‪٥‬نو قواعدىا اليت أنطلقت منها‪ ( ..‬سيخوي ٕٕ) جاءت لتدؾ العدو‪،‬‬
‫الطائرة اليت لعبت دوراً كبًناً يف تدمًن ا‪ٞ‬نوجات البشرية ‪ ،‬سيخوي أخذت أسم‬
‫ا‪ٞ‬نخرتع الروسي الذي صنعها‪ ..‬لقد مات يف منتصف السبعينيات‪ .‬أنا اجثم يف‬
‫حجر ا‪ٞ‬نلح‪ .‬احدؽ يف بقايا السحاب الذي تركتو‪ ..‬أرحل ‪٥‬نو تيهي ‪٥ ،‬نو آماؿ‬
‫الطفولة والعنفواف اىل تلك الطائرة اليت احرتقت يف صيف ٕنوز وانت فيها‪ ..‬كاظم‬
‫لقد صرت جزءاً من دخاف تبلشى يف أف‪ .‬ا‪ٜ‬نر‪ ..‬يف ‪ٚ‬ناء ملتهبة‪ ..‬أي قرار‬
‫سأقرر؟‪ .‬أي قوؿ سأقوؿ يف ىذا ا‪ٞ‬نكاف ا‪ٞ‬نروع يا صديقي‪ .‬يارحلة االياـ ا‪ٛ‬نميلة ‪.‬‬
‫ِملَ ىذا الرحيل ا‪ٞ‬نبكر؟‪ .‬مل ىذا االخيتار؟‪ .‬مل ىذا ا‪ٞ‬نوت بٌن السماء واالرض؟‪.‬‬
‫وسقطت أُنث عن دموعي ‪ ،‬عن نصفي‬ ‫ُ‬ ‫فوؽ غيم أبيض سقطت بقاياؾ الصغًنة‬
‫الذي اختفى ‪ .‬ىيا يف ىذا السراب ‪ِ ،‬ملَ تأتيين دائماً كلما جاءتنا الطائرات ؟‪ .‬كلما‬
‫يتقطع ازيزىا يف رأسي ‪ ،‬انك تسبقها اىل ذاكريت‪ ..‬سأعرتؼ‪ ...‬وسأعرتؼ‬
‫علي أف‬
‫االعرتاؼ االخًن يا صديقي‪ ..‬من قاؿ اين سأبقى بعد ىذا ا‪ٛ‬نحيم ؟‪َّ .‬‬

‫‪137‬‬
‫أعي ا‪ٜ‬نقيقة اآلف‪ ..‬أف اقوؿ كل االسرار‪ .‬أعطي لزوجتك ما أرادت‪ .‬لقد كانت‬
‫‪١‬نقة حٌن طلبت مين أسرارؾ ‪ ،‬أفكارؾ ‪ ،‬مغامراتك ‪ ،‬قيمك ‪ ،‬تطلعاتك ‪ ،‬أ‪ٚ‬ناء‬
‫عشيقاتك ‪ ،‬كل ما يتعل‪ .‬بك بعد ا‪ٝ‬نروج من ىذه النار ‪ ،‬بل يف أقرب اجازة‪ ..‬اين‬
‫اخاؼ اف تذىب ادراج النسياف‪ ..‬علينا أف نزرع يف صغارنا شيئاً منا‪ .‬علينا أف هنب‬
‫أبناءنا ذكرياتنا ا‪ٛ‬نميلة ‪ ،‬طموحاتنا ‪ ،‬احباطاتنا ‪ ،‬مغامراتنا ‪ ،‬و‪ٟ‬نذا سأودع كنز‬
‫ىم اآلباء وأحبلمهم اليت تناثرت يف‬
‫عمرؾ القصًن البنتك الصغًنة (دنيا) سا٘نلها ّ‬
‫العلى‪ ،‬ألهنا تشبهك ٕناماً وخاصة حٌن تضحك ملء شدقيها‪ ...‬ماذا سأخسر اذا‬
‫عرفت زوجتك ا‪ٞ‬نسكينة كل شيء عنك؟‪ .‬اهنا ‪٩‬نب أف تعرؼ ‪ ،‬اعتقد اف ىذه‬
‫كنت مرتدداً قبل ىذا الوقت ‪ ،‬قبل أف ارى‬
‫ارادتك ورغبتك لو كنت حياً‪ ..‬لكين ُ‬
‫كنت‬
‫كنت أريد اف أفاجىء هبا دنيا الصغًنة عندما تكرب ‪ُ ،‬‬
‫سيل ا‪ٞ‬نوت حوؿ ي‪ُ ،‬‬
‫إنىن أف ابوح ‪ٟ‬نا بأسرار تكشف ‪ٟ‬نا اف والدىا رجل لو أحبلـ الدنيا ولو طموح‬
‫بقدر ما با‪ٜ‬نياة من احباط‪..‬‬

‫اعرتؼ يف وسط غابة ا‪ٛ‬نحيم انين جرحت كربياء زوجتك عندما رفضت اف أعطيها‬
‫علي واقع الصداقة‬
‫كل اوراقك ‪ ،‬كل ‪٢‬نلفات حياتك‪ ..‬لكين تصرفت وف‪ .‬ما ‪٬‬نليو َّ‬
‫اليت ٗنعتنا واألسرار اليت بيننا وا‪ٞ‬نواثي‪ .‬اليت اذا أبيحت ستغًن الكثًن وستخرج الكثًن‬
‫من ٓنت االرض ويسقط الكثًن اىل العم‪ ...‬ال أدري م ى كاف لقاءنا االوؿ ‪ ،‬م ى‬
‫كانت صداقتنا ؟‪ .‬كل ما اتذكره اِنا ولدنا أصدقاء تسكننا روح واحدة‪ ..‬لكنك‬
‫أسرعت بالرحيل و اخرتت طريقة النهاية ‪ .‬أو رّنا النهاية أرادتك ىكذا يف ذلك‬
‫ا‪ٞ‬نكاف‪ ..‬سأقص عليها كل ا‪ٞ‬نغامرت اليت قمنا هبا ‪ ،‬كل ا‪ٞ‬نخاطر اليت صادفتنا أو‬
‫اقتحمناىا‪ ...‬اهنا تستح‪ .‬ذلك ألهنا زوجتك اليت احتضنتك يوـ طاردوؾ ‪ ،‬يوـ‬
‫‪138‬‬
‫نبذوؾ ‪ ،‬يوـ صرت على لساف الوشاة كاللعاب ‪ ،‬حٌن طردؾ ابوؾ غاضباً متجهماً‬
‫يف وجهك يرفض مصافحتك ‪ٞ‬ناذا ؟‪ .‬لسبب يعتربه يف قناعتو عيباً‪ ..‬يا ‪ٟ‬نذا العناد‬
‫األىوج‪ ..‬ىذا الظلم الذي أصابكما ‪ ،‬سأعطيها ما تريد ‪ ،‬وما ترغب ألهنا كانت‬
‫لك مأوى وأماناً يف الليايل اليت كنت فيها بأمس ا‪ٜ‬ناجة للمأوى ‪ ،‬للحب‪.‬‬
‫سأحدثها اىل آخر العمر عن كل شيء‪ ..‬عن أي شيء ألهنا تستح‪ .‬ذلك أقسم‪..‬‬
‫أقسم سأعطيها كل ما تريد‪ ..‬يا صديقي‪ ..‬حٌن اعود من ىذا ا‪ٞ‬نكاف ألهنا اح‪.‬‬
‫بأسرارؾ مين و‪ٟ‬نذا سأتصرؼ وف‪ .‬ذلك‪..‬‬

‫‪ -‬سيدي‪...‬سيدي‪.‬‬

‫‪ -‬نعم‪ ..‬نعم‪ ..‬طو ماذا بك؟‪.‬‬

‫‪ -‬ال شيء‪ ...‬أنك ٓندث نفسك‪ ...‬انك هتذي‪.‬‬

‫‪ -‬اهنا ا‪ٜ‬نرب اتعبتين ‪ ،‬شتت أفكاري ‪ ،‬كنت أحلم ال غًن‪.‬‬

‫‪ -‬سأذىب ألناـ قليبلً يف ا‪ٞ‬نلجأ الذي قربنا انو ٍ‬


‫خاؿ‪.‬‬

‫‪ -‬كما تريد‬

‫طو كثًن النوـ ال يأبو بالقصف ‪ ،‬ح ى وسط النار ‪٬‬نكن اف يناـ‪ .‬لو ىدوء عجيب‬
‫واطمئناف ٍ‬
‫عاؿ‪ ..‬حٌن يأخذه النعاس يناـ مهما كانت الظروؼ وكاف ا‪ٞ‬نوقف ‪ ،‬لكنو‬
‫يستيقظ سريعاً عندما يرف جرس التلفوف ويتحدث كانو مل ينم اطبلقاً ‪ ،‬شديد الولع‬
‫با‪ٝ‬نمر والنساء ‪٪ ،‬نبها َننوف ‪ ،‬ال يتواىن عن ا‪ٜ‬نديث عن ‪١‬ناسنهن مهما كاف‬
‫الوقت ومهما كانت ا‪ٞ‬نواقف‪ ..‬حكمتو اليت يرددىا دائماً ‪:‬‬

‫‪139‬‬
‫( أسقين ا‪ٝ‬نمر و متعين مساءً واذُنين غداً)‬

‫علي متوسبلً يريد النزوؿ اىل البصرة‪..‬‬


‫حٌن دخلنا معركة الفاو ‪ ،‬بعد اسبوع دخل ّ‬
‫قلت لو ‪ٞ‬ناذا ىذا االصرار؟‪ ..‬اف اىلك مل يشتاقوا لك بعد لكي ٔنابرىم‪ ..‬أبتسم‬
‫ُ‬
‫حينا وقاؿ انين آنرؽ للخمر والنساء ‪ .‬ابتسمت وقلت ‪ :‬أيف ىذا ا‪ٞ‬نكاف؟ ‪..‬‬

‫قاؿ اف ىذا يف دمي ‪ ،‬مث ىذه ا‪ٜ‬نياة بنظري فقط‪ ..‬أرسلتو اىل البصرة‪ ..‬وحٌن جاء‬
‫يف اليوـ الثاين كانت البسمة على شفتيو وفوؽ شاربو الكثيف الشعر‪ ..‬قاؿ يل انو‬
‫ضاجع امرأة قبل اف يشرب ا‪ٝ‬نمر يف الفندؽ ح ى ىربت مذعورة يف منتصف‬
‫الليل‪ ..‬يا ‪ٟ‬نا من امرأة ‪ ..‬مل تستطع البقاء معي ح ى الصباح‪.‬‬

‫ا‪ٜ‬نر ‪٩‬نعلين إنلمل وأضجر فالساعة قاربت الثالثة عصراً‪ ..‬بضع قنابل سقطت قرب‬
‫مواضعنا‪ ..‬أو فوقها ‪ ،‬فالعدو ال يوقف قصفو لنا بعد أف أستمكننا جيداً ‪ ،‬لقد‬
‫صمدنا كثًناً يف وجهو و اوقعنا خسائر كبًنة و‪ٟ‬نذا فهو ال يتواىن عن قصفنا‬
‫باستمرار‪.‬‬

‫ثبلثوف يوماً ىنا‪ ..‬وسط اللهيب ‪ ،‬وسط ا‪ٞ‬نوت العادي ‪ ،‬الغريب‪ .‬ثبلثوف يوماً‬
‫وسريتنا تقف بوجو العدو صامدة رغم ما أصابنا من خسائر‪ ..‬ثبلثوف يوماً من‬
‫ا‪ٞ‬نوت البطيء ‪ ..‬من النار اليت ال هتدأ‪ .‬من ا‪ٜ‬نرب الضارية الشرسة‪ ..‬ثبلثوف يوماً‬
‫من السهر ‪ ،‬العطش ‪ ،‬ا‪ٛ‬نوع ‪ ،‬ا‪ٝ‬نوؼ ‪ ،‬القل‪ ، .‬السأـ‪...‬‬

‫أتطلع يف أشيائي اليت معي يف ا‪ٞ‬نلجأ‪ ..‬لكنها ‪ٝ‬ندمو ا‪ٜ‬نرب ‪ ،‬إلدامة ز‪ٙ‬نها‪ .‬حشد‬
‫ىائل من االشياء‪ .‬كيف احتواىا ملجاي؟‪ .‬أمسك بيدي دفرت ا‪ٞ‬نبلحظات‪ ..‬أقرأ‬

‫‪141‬‬
‫أ‪ٚ‬ناء الشهداء ‪ ،‬ا‪ٛ‬نرحى‪ ..‬أتوقف عند أ٘ند الصويلح‪ ..‬انو اآلف يرقد يف مستشفى‬
‫البصرة العسكري‪ ..‬قررت أف أزوره يف اجازيت يف أقرب فرصة ‪ ..‬ا٘ند الصويلح ‪،‬‬
‫ىذا الرجل الذي علمين الكثًن‪ ..‬لقد كاف يغين وسط النار ‪ ،،‬كاف يقاتل يف‬
‫العراء‪ ..‬مثل ما غىن يف العراء‪ ..‬ىكذا تكوف أيامنا دائماً ويبدأ عمرنا من ا‪ٝ‬نريف‬
‫وينتهي بو وليس غًن ذلك ‪٥ ..‬نصد التعب فقط رغم ركضنا وراء الثمر‪ ..‬نسقي‬
‫زىورنا ّناء الروح فيقطفها الغًن بعنف‪ ..‬شوؽ ‪ ،‬شوؽ للمجهوؿ‪ .‬خوؼ ‪ ،‬خوؼ‬
‫منو ‪ ،‬ىروب اليو‪ .‬ىكذا دائماً ‪٥‬نن نسأـ من ذراع الواقع ا‪ٞ‬نلتهب اىل ا‪ٜ‬نري‪ .‬الشامل‬
‫‪ ..‬دعونا نتنفس ببل خوؼ ‪ ،‬دعونا نعيش قناعاتنا ‪ ،‬مبادئنا ‪ ،‬نرسم األماين فوؽ‬
‫منصات ا‪ٝ‬نطابة وعلى سرؼ الدبابات ا‪ٞ‬ندافعة عن الوردة الرائعة ‪ ..‬ىذا عامل‬
‫‪٢‬نتلف عما نريد ‪ ،‬نريد صبلة ببل زيف‪ ..‬نريد ‪٠‬ند االوائل وصدقهم‪ ..‬اهنم يتفقوف‬
‫على قتلي ‪ ،‬على تركي وحيداً يف الضباب ألين الوحيد الذي اعرفهم على حقيقتهم‬
‫‪ ..‬اهنم أعدائي منذ االزؿ ‪ .‬منذ شقت االرض فكيف ‪٪‬نبونين ‪ ..‬اال تثقوف بذلك‪.‬‬
‫اال يكفيكم لوماً يل ‪ ..‬اهنم اعدائي‪ .‬أعدائي ‪ ،‬ايها االخوة الصم الضعفاء‪...‬‬

‫يرف جرس التلفوف‪ ..‬التقط ا‪ٜ‬ناكية‪.‬‬

‫‪-‬نعم‪ ..‬مقدـ ىذاؿ‪ ...‬اىبلً سيدي‪.‬‬

‫‪ -‬ىيء نفسك وٗناعتك لبلنسحاب‪.‬‬

‫‪ -‬االنسحاب؟ ‪.‬‬

‫‪ -‬نعم هناية الضياء االخًن سيبدلنا الفوج الثالث من لواء (ٗٓ‪.)ٚ‬‬

‫‪141‬‬
‫‪ -‬امرؾ سيدي‪.‬‬
‫أنادي على رأس عرفاء السرية عكموش ‪١‬نمد ‪ ،‬يأتيين والتعب ٍ‬
‫باد يف مبل‪١‬نو‪ .‬اوجزه‬
‫ّنا قاؿ ا‪ٞ‬نقدـ آمر الفوج بأمر االنسحاب وهتيئة ا‪ٞ‬نكاف للسرية اليت ستحل مكاننا‪..‬‬
‫ينصرؼ ليهيء ا‪ٛ‬ننود لبلنسحاب‪..‬‬

‫أقلب دفرت ا‪ٞ‬نبلحظات‪ ..‬انو شاىد على احداث شهر من القتاؿ الضاري ‪ ،‬من‬
‫ا‪ٞ‬نعاناة ‪ ،‬من الصراع‪ ..‬أقرأ يف صفحة‬

‫ا‪ٞ‬نوجود الكلي‪ :‬تسعوف‬

‫ا‪ٛ‬نرحى والشهداء‪ :‬ثبلثة وسبعوف‬

‫ا‪ٜ‬ناضر سبعة عشر‬


‫سبعة عشر؟ ما تبقى من جنود السرية بعد شهر ‪ ،‬لكننا مل ِ‬
‫نعط شرباً واحداً من‬
‫االرض اليت وطأناىا ‪ ..‬لقد أوقعنا يف العدو أضعاؼ ىذا العدد‪.‬‬

‫ا‪ٞ‬نساء االخًن ىنا‪ ..‬يأيت متثاقبلً متباطئاً‪ ..‬الشمس ىادئة حٌن ترحل ‪٥‬نو ا‪ٞ‬نغيب ‪،‬‬
‫والسماء صافية فيها بعض الشف‪ .‬الذي كثفو الغيم ا‪ٝ‬نفيف‪ ..‬تصلنا الطبلئع االوىل‬
‫من جنود السرية اليت ستحل ‪١‬نلنا وجوه يف تردد وترقب ورىبة من ا‪ٞ‬نكاف الغريب‬
‫احملشو باألجساد ا‪ٞ‬نيتة وا‪ٜ‬نية‪ ..‬يستقبلهم جنودنا‪ ..‬يدلوىم على ا‪ٞ‬نواضع ‪ ،‬على‬
‫اماكن تواجد العدو وطرؽ تقربو ومصادر نًنانو‪.‬‬

‫أصافح آمر السرية مبلزـ أوؿ عماد‪ ..‬أعطيو ما ‪٪‬نتاج و اشرح لو جبهة ا‪ٞ‬نعركة‪..‬‬
‫واوجز لو ّنا ‪٩‬نب اف يعمل وما ال يعمل ‪ ،‬يستمع اىل حديثي بصمت ‪ .‬أشد على‬
‫‪142‬‬
‫يده‪ .‬اعطي ‪٤‬ناح خرب التسليم آلمر الفوج ا‪ٞ‬نقدـ ىذاؿ‪ ..‬وأسحب السبعة عشر‬
‫باْناه ا‪ٞ‬نساعد ‪٥‬نو ا‪ٞ‬ننطقة االمنية ‪ ..‬الظلمة سقطت فجأة ‪ ،‬أشعر اف أرجلي غًن‬
‫قادرة على ا‪ٞ‬نسًن من كثرة ا‪ٛ‬نلوس يف ا‪ٞ‬نلجأ ‪ ..‬يف الش‪ .‬الضي‪ .‬حديث الذكريات‬
‫يتفوه بو االحياء من جنودي ‪ ،‬بعضهم يتأسف على رفاؽ جاؤوا معهم ومل يعودوا‪.‬‬
‫اهنا ا‪ٜ‬نرب‪ .‬ا‪ٜ‬نرب‪ ...‬آخر الطرؽ للتفاىم ‪ ،،‬آخر الوسائل للدفاع عن ا‪ٞ‬نبادىء‪..‬‬
‫نصل ا‪ٞ‬ننطقة اآلمنة اليت تقع عرب جسر ا‪ٞ‬نوت ّنسافة كيلومرت ‪٤ ،‬ند السيارات امامنا‬
‫ونصعد فيها لتنقلنا اىل معسكر (الدريهمية) إلعادة التنظيم واالسرتاحة‪ ..‬لنكمل‬
‫بعض األياـ بأماف ونناـ ملء جفوننا دوف خوؼ ‪ ،‬كل ىذا اىل حٌن‪ ..‬اىل معركة‬
‫اخرى‪...‬‬

‫***************‬

‫‪143‬‬
‫خرجت من الفندؽ ّنبلبسي ا‪ٞ‬ندنية ‪ ..‬تعودت اف أخلع مبلبسي العسكرية عند‬
‫صاحب الفندؽ الذي ألفين وأخذ ‪٪‬نجر يل أحسن غرؼ فندقو ‪ ،‬اودع عنده‬
‫مبلبسي العسكرية اذا كنت ‪٠‬نازاً ‪ٜ‬نٌن عوديت من االجازة ‪ ..‬يف الفندؽ انطل‪ .‬بعد‬
‫اف ‪٧‬نت البارحة مبكراً ‪ ،‬كاف الوقت العاشرة والنصف صباحاً‪ ..‬استقليت أوؿ‬
‫تكسي وأنطلقت باْناه مستشفى البصرة العسكري ‪ ..‬نصف الساعة واكوف اماـ‬
‫الباب الرئيس لو ‪ ،‬أدخل الفناء الطويل الذي يشرؼ على غابات النخيل و٘نرة‬
‫ورود ناعسة تداعب أشعة الشمس‪ ..‬ا‪ٞ‬نستشفى بناء قدًن أبيض اللوف بو مبلمح‬
‫العهد الذي قضى ست سنوات وىو يقدـ خدماتو ‪ٛ‬نرحى ا‪ٜ‬نرب ‪ ،‬ست سنوات‬
‫وىو يغص بالقادمٌن من جبهة ا‪ٜ‬نرب ضد ست سنوات ومن بو يواصلوف السهر‬
‫والتعب والعمل ا‪ٞ‬نتواصل‪ ..‬من اجل الذين سقطوا دفاعاً عن االرض‪ ..‬الكل ىنا‬
‫يعمل بصمت دوف كبلـ‪ ..‬من ماسح االرضية ح ى آمر ا‪ٞ‬نستشفى‪ ..‬انظر يف‬
‫الوجوه‪ ،‬تستوقفين النساء ا‪ٞ‬نمرضات‪ٗ ،‬نيبلت‪ ،‬فيهن خفة الدـ البصري واللطافة‬
‫وىن يرتدين ا‪ٞ‬نبلبس البيضاء يظهرف أكثر براءة‪ ..‬اكثر اناقة‪ ،‬وجوه ا‪ٞ‬نرضي ٓندؽ يف‬
‫صمت باْناه السقف او يف وجوه ا‪ٞ‬نراجعٌن من الناس الذين دأبوا اجمليء لزيارة‬
‫ذويهم‪ ..‬االمهات والزوجات وا‪ٜ‬نبيبات واالطفاؿ يتقاطروف وبأيديهم ما اعتادوا اف‬
‫‪٩‬نلبوه رغم ٓنذير و‪٣‬نانعة ا‪ٞ‬نستشفى‪ ..‬حٌن دخلت ا‪ٞ‬نستشفى مل أسأؿ‬
‫االستعبلمات عن عنواف ا٘ند الصويلح يف أي مكاف يرقد‪ ،‬حيث اخربين عريف‬
‫ا‪ٞ‬نشجب ٘نزة‪ ،‬الذي زاره بأنو يف الطاب‪ .‬االوؿ غرفة تسعة وقاؿ انو يتماثل للشفاء‬
‫بسرعة وانو قد جلب لو ربابتو‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫ا‪ٜ‬نركة دؤوبة للمارة وانسياب ٗنيل ‪٩‬نري بصمت لكل من يف ىذا ا‪ٞ‬نرف‪ .‬الصحي‬
‫الذي ‪٪‬نتضن ا‪ٛ‬نرحى القادمٌن من السواتر ا‪ٞ‬نشتعلة ناراً‪ ..‬ادخل غرفة رقم تسعة‪،‬‬
‫ثبلثة أسرة فارغة ال احد هبا‪ ،‬فوؽ السرير الذي قرب الشباؾ ا‪ٞ‬نطل على النخيل‬
‫ْنثم ربابة مع قوسها‪ ،‬اهنا بعينها تلك الربابة اليت انساب منها ‪ٜ‬نن يف ملجأ اثار‬
‫انتباىي يف ذلك الليل بشرؽ البصرة‪ ،‬ملقية دوف اكرتاث‪..‬السرير مبعثر بصورة‬
‫فوضوية‪ ..‬األدوية وا‪ٜ‬نبوب تتوزع بعبث فوؽ االرضية والسرير وٓنت الوسادة‪.‬‬
‫أجلس فوؽ السرير الذي عليو الربابة‪ ،‬اداعب وترىا بأطراؼ أصابعي مث أتركها‪..‬‬
‫احدؽ يف ا‪ٛ‬ندراف ا‪ٞ‬نطلية بلوف ازرؽ فاتح نظيفة رغم قدمها‪ ..‬ماذا يعين االزرؽ‬
‫الفاتح؟‪ .‬انو مصدر االمل انو لوف يهدئ النفس ا‪ٞ‬نضطربة‪ ..‬قلت لنفسي سأبقى‬
‫ىنا ح ى يعود ا٘ند الصويلح‪ .‬من احملتمل انو يف دورة ا‪ٞ‬نياه أو خرج للفسح يف ىذا‬
‫الصباح ا‪ٞ‬نشرؽ الذي تنساب نسائمو الشمالية‪ ،‬بعذوبة ْنعل ورد حديقة ا‪ٞ‬نستشفي‬
‫مرتاقصاً‪.‬‬

‫رّنا ىو يف غرفة العمليات‪..‬انو يف مكاف ما من ا‪ٞ‬نستشفى وسيعود‪ ..‬ا٘ندالصويلح‬


‫ستتزوج بعد شفائك‪ ..‬ستزؼ أحلى ا‪ٜ‬نانك‪ ،‬سيغين لك يف العرس كل أىل قريتك‬
‫الذين مل يعرفوؾ ح ى ىذه اللحظة‪ ..‬كل الغجر الذين خاصموؾ‪ ..‬كل من‬
‫‪٪‬نضر‪ ..‬ح ى ا‪ٜ‬نقوؿ‪ ..‬والدروب ا‪ٞ‬ننسية يف الغابات وحقوؿ القمح الواسعة‪..‬‬
‫سيغين لك كل من ‪٪‬نضر‪ .‬من ىي صاحبة ا‪ٜ‬نظ اليت ستكوف لك وتكوف ‪ٟ‬نا؟‪..‬‬
‫من ستغين ‪ٟ‬نا أحلى ا‪ٜ‬نانك؟‪ ،‬من ملهمتك ح ى النهاية؟‪ ،‬من اليت ستعطيها‬
‫حنانك الذي ُنث عن أرض‪ ،‬عن صدر تذرؼ دموع ا‪ٜ‬نرماف فوقو؟‪..‬اهنا حقاً‬
‫سعيدة ‪...‬بل أسعد امرأة يف االرض‪ ..‬اجيل نظرايت يف السريرين ا‪ٝ‬ناليٌن الذين‬
‫‪145‬‬
‫امامي ا‪٩‬نوز اف تكوف الغرفة ال٘ند الصويلح وحده أـ اهنم خرجوا سوية؟‪ ..‬اف‬
‫ذىب ىؤالء الثبلثة ال ألومهم‪ ..‬اف أياـ الستشفى ال تطاؽ‪٣ ..‬نلة ورتيبة‪ .‬اذاً‬
‫ألنتظر بعض الوقت سيعود حتماً‪ ..‬أساؿ نفسي م ى سنرجع اىل ا‪ٞ‬ندينة‪ ..‬اىل‬
‫واقعنا‪ ،‬اىل بيوتنا‪ ،‬اىل نسائنا‪،‬اىل نومنا العمي‪ ...‬حٌن يلقي العدو السبلح‬
‫ويصافحنا بطيب النية وسبلمتها؟‪ .‬م ى نطوؼ احراراً يف مدننا دوف خوؼ من‬
‫القصف ا‪ٞ‬نعادي؟‪ .‬م ى نسهر ح ى الفجر‪ ..‬ح ى الثمالة‪ ..‬ح ى ا٘نرار ا‪ٛ‬نفوف‬
‫وانتفاخها؟ م ى نتزوج ونبقى شهر عسل كامل مع زوجاتنا دوف أف نسمع للحرب‬
‫حديثاً وللموت صدى؟‪ ..‬كل ىذا حٌن نودع ا‪ٜ‬نرب‪ ..‬حٌن تندثر اطماع‬
‫االعداء‪...‬‬

‫فجأة تدخل ا‪ٞ‬نمرضة اىل الغرفة وبيدىا ‪٠‬نموعة أوراؽ تتوقف عند الباب مث تدخل‪.‬‬
‫اغسلها بنظرايت السريعة‪..‬‬

‫علي‪:‬‬
‫تسلم َّ‬
‫‪ -‬صباح ا‪ٝ‬نًن‪.‬‬

‫‪ -‬اىبل صباح النور‪.‬‬

‫‪ -‬منذ م ى أنت ىنا؟‪.‬‬

‫‪ -‬منذ نصف الساعة‪.‬‬

‫‪ -‬جيد‪ ..‬انك نشيط‪.‬‬

‫‪ -‬أين صاحب الربابة؟‪.‬‬


‫‪146‬‬
‫‪ -‬ماذا يعين لك؟‪.‬‬

‫‪ -‬صدي‪ ...‬انو احد جنودي الشجعاف‪.‬‬

‫‪ -‬أيهمك امره ؟‪.‬‬

‫‪ -‬ارجوؾ ال تفاجئينين‪ ..‬قالوا انو يتماثل للشفاء‪.‬‬

‫‪ -‬ىو كذلك‪ ..‬قد شفي ولكن‪.....‬‬

‫‪ -‬لكن ماذا؟‪.‬‬

‫‪ -‬آسفة اذا أقوؿ ‪...‬لقد انتحر‪.‬‬

‫‪ -‬انتحر ‪..‬ماذا؟ ‪ .‬ماذا ا‪ٚ‬نع‪ .. ..‬ىل أصدؽ ما تقولٌن؟ ‪.‬‬

‫‪ -‬كما قلت لك‪.‬‬

‫‪ -‬كيف؟‪.‬‬

‫‪ -‬انتحر با‪ٜ‬نبوب ا‪ٞ‬ننومة‪ ...‬لقد تناوؿ عشرين قرصاً الساعة الواحدة ليبلً فوجدناه‬
‫ميتاً يف الصباح وىو اآلف يف التشريح‪.‬‬

‫‪ٞ -‬ناذا انتحر؟‪ .‬ال أصدؽ انو مقبل على الزواج ‪.‬‬

‫‪ -‬ىذا ىو السبب باعتقادي‪.‬‬

‫‪ -‬ماذا تقولٌن‪ ..‬ىذا ىو السبب‪ ..‬ال أفهم؟‪ .‬ال أفهم وضحي بربك‪ ..‬م ى‬
‫شاىدتيو آخر مرة ؟‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫‪ -‬البارحة ليبلً كانت ا‪ٞ‬نرة االخًنة اليت اشاىده فيها‪ ..‬لقد رايتو يعزؼ على الربابة‬
‫وىو يذوب يف أ‪ٜ‬نانو ويغين غناءً أبكاين ومن معي‪ ..‬لقد ْنمع حولو كل ا‪ٞ‬نرضي‬
‫ومنتسيب ا‪ٞ‬نستشفى‪ ..‬طيلة عمري مل أستمتع بأي عزؼ مثلما أستمتعت البارحة‪.‬‬
‫لقد سالت الدموع مدراراً من العيوف كاف يغين والعرؽ يتفصد من جبينو ‪٣‬نزوجاً‬
‫بالدموع اليت اهنمرت فوؽ ا‪ٝ‬ندود دوف توقف‪ ..‬قاؿ اآلف التهب ا‪ٜ‬نل‪ .‬من حر‬
‫القيظ و‪١‬نلو‪ ،‬صار ا‪ٛ‬نبٌن مرآة الشمس اليت ٓنرتؽ منذ أوؿ االياـ دوف أف تطفئها‬
‫الريح‪ ..‬ىذا ىديف وسيبقى‪ ،‬ألغين لعلي امسك بزماـ ا‪ٜ‬نب الذي ىرب‪ ..‬االهنار‬
‫دمي البارد وثلج ا‪ٛ‬نباؿ أفكاري اليت ٗندوىا‪...‬سيربيا‪...‬سيربيا‪ ..‬ابتعدي‪٤...‬ند‪...‬‬
‫َّ‬
‫‪٤‬ند‪ ...‬التهميين أحضنيي قبل مويت‪ ..‬احرقيين ألعيش من جديد‪ .‬انا مبلح الرماؿ‬
‫ا‪ٞ‬نتحركة واالكفار ا‪ٞ‬نتجددة‪ .‬أنا عيوف ْنحظ بانتباه باْناه الظبلـ القادـ من الشرؽ‬
‫الذي أرقين ‪ ..‬وأخذ عزيت‪ ..‬مثل ما أرؽ من قبلي اآلباء االوائل‪..‬بعدىا قاؿ كلمتو‬
‫االخًنة (أرجوكم غادروا الغرفة‪ .‬اهنا الليلة االخًنة) انصرؼ من يف الغرفة كلهم‬
‫وبقيت انا آخرىم‪..‬أردت أف اعطيو العبلج‪ ..‬لكنو رفض‪ ..‬وقاؿ ال فائدة بعد‬
‫اآلف‪ ..‬وبقي يطرؽ نظراتو باْناه الشباؾ الذي تداعبو سعفات النخيل‪ ،‬يتأمل‬
‫الضوء الساقط عليها قلك لو وداعاً‪ ...‬انصرفت‪.‬‬

‫‪ -‬اتعلمٌن ‪ٞ‬نا انتحر؟‪.‬‬

‫‪ -‬اعتقد انو قرأ التقرير الذي كاف ‪٩‬نب أف ال يقرأه وىو يف ىذه ا‪ٜ‬نالة‪..‬‬

‫مث ناولتين أياه‪..‬‬

‫‪148‬‬
‫قرأت االصابة (كانت االصابة يف مكاف حساس‪ ،‬لقد أصيب بشظية حادة قطعت‬
‫خصيتو)‪.‬‬

‫انصرفت ا‪ٞ‬نمرضة بعدىا وتركتين وسط الغرفة وحيداً‪ ..‬سالت دموعي ُنرارة‪ .‬نظرت‬
‫باْناه الربابة‪ ..‬ملقاه يف طرؼ السرير‪ ..‬أستجلي بقايا الذكريات‪ ..‬آخر االنغاـ اليت‬
‫أنسابت من وترىا الوحيد‪ٞ ،‬ناذا اختارىا بالذات‪ ،‬رّنا ألف هبا وتراً واحدا منفرداً مثل‬
‫حياتو ا‪ٞ‬ننفردة الشاردة‪ ..‬أرفعا من فوؽ السرير‪ ..‬أحدؽ فيها لعلي أجد آثاراً ألنامل‬
‫و أشواقاً فوقها‪..‬ماذا ترؾ غًنؾ؟‪ .‬االثار اليت عليها‪ ..‬غًن البصمات‪ ..‬ىذه الربابة‬
‫شاىد كبًن وعامل يتحدث عن صاحبو‪ ،‬عن فارسو الذي ٘نلو اىل ىنا‪ ..‬مث رحل‬
‫بعد اف غىن أغنية الوداع‪ ..‬لقد كاف النغم هناية لعمره‪...‬اللحظات اليت يفارؽ هبا‬
‫وجوده‪..‬‬

‫تدخل ا‪ٞ‬نمرضة ثانية‪ ..‬تعطيين ورقة وتقوؿ‪.‬‬

‫‪ -‬السيارة تنتظرؾ يف باب ا‪ٞ‬نستشفى‪..‬‬

‫‪ -‬السيارة‪ ..‬سيارة من ؟‬

‫‪ -‬اليت هبا الشهيد لتأخذه اىل أىلو‪..‬‬

‫اصمت كأين ميت منذ عصور بعيدة‪ ..‬ماذا؟‪..‬اىلو؟ ‪..‬‬

‫اتصلب‪ ..‬اطل‪ .‬البصر باْناه الشباؾ الذي قريب‪ ...‬أغيب‪..‬‬

‫تناديين‪:‬‬

‫‪149‬‬
‫‪ -‬ال تتاخر‪ .‬ليس من ا‪ٞ‬نفيد اف يبقى ىنا ىكذا‪ ،‬اوصلو اىل اىلو‪ ..‬اىل زوجتو‪.‬اىل‬
‫أطفالو‪ ،‬فكل شيء انتهى‪..‬‬

‫التقط الربابة وانطل‪ .‬مذعوراص باْناه السيارة اليت تنتظرين يف الباب‪ .‬ودوف كبلـ‬
‫أفتح الباب وأجلس َننب السائ‪ .‬الصامت‪ .‬انطلقت السيارة يف شوارع البصرة‬
‫ا‪ٞ‬نزد٘نو با‪ٞ‬نارة والسيارات‪ ..‬يف الشوارع اليت مزقتها قنابل القصف ا‪ٞ‬ندفعي البعيد‬
‫ا‪ٞ‬ندى‪ ..‬بسرعة ‪٩‬نتاز السائ‪ .‬ا‪ٞ‬ندينة ويقودىا باْناه الشماؿ‪ .‬كاف الوقت عصراً‬
‫و‪٥‬نن نودع غابات النخيل الكا‪ٜ‬نة اليت ىجرىا أصحاهبا من شدة القصف‪ ..‬أرى‬
‫البيوت ا‪ٝ‬نالية‪ ..‬تآكلت وصارت آثاراً للزمن ا‪ٜ‬ناضر‪ .‬الصمت سيدنا ىنا يف ىذا‬
‫السفر‪ ...‬السائ‪ .‬االصلع‪ ..‬وأنا والربابة اليت على ا‪ٞ‬نقعد ا‪ٝ‬نلفي‪ ..‬ا٘ند الصويلح‬
‫بتابوتو الذي ‪٩‬نثم فوقنا على احملامل الذي خصصت لنقل الشهداء يلفو علم‬
‫الوطن‪...‬الريح تداعبو بعنف‪ ..‬كلما التهمت السيارة شارع االسفلت‪٧ ..‬نضي اىل‬
‫أين‪ ،‬و‪٥‬نن دائماً ىكذا يف ا‪ٜ‬نياة ورّنا بعدىا‪ ..‬نسافر اىل ا‪ٜ‬نلم‪ ،‬اىل اآلماؿ فنقع يف‬
‫وحل ىزائمنا‪ ..‬ا٘ند الصويلح النسياف بذاتو‪ ..‬الصراع يف أشده‪ ..‬ا‪ٜ‬نياة اليت أراد اف‬
‫تكوف فكانت العكس‪ ..‬أمنيات با‪ٟ‬ندوء‪ ،‬بالفرح الذي اليباع وال يفقد فيصاب‬
‫بربكاف ا‪ٞ‬نآسي‪ ،‬بالصمت ‪ ،‬بالطعن ‪ ،‬سيد ىذا الزماف ‪ ،‬ا‪ٞ‬نوت وىو ‪٩‬نتثنا من‬
‫جذورنا‪ ،‬من احبابنا‪٢ ،‬نيف ىذا الوقت الذي نلقي بٌن يديو على ىوانا أو باالكراه‪،‬‬
‫نرٕني فبل ننهض ىكذا اىل االبد‪ ،‬ألف طريقتنا يف ا‪ٜ‬نياة ليس ‪ٟ‬نا مثيل واف اشتعالنا‬
‫من االعماؽ ح ى النهاية‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫تسافر ا‪ٞ‬نعاين والكلمات امامي‪ ،‬تسبقين اىل الفراغ‪ ،‬اىل التيو‪ ،‬أين سأتوجو ومعي‬
‫جثو أ٘ند الصويلح؟‪ ..‬يف اي ارض سيكوف مثواه َننب مضارب الغجر؟‪ .‬اـ يف‬
‫مقربة قريتو اليت مل تعرفو حياً فكيف اذا كاف ميتاً؟‪ .‬انين سأترؾ ا‪ٛ‬نثة ٔنتار مكاهنا‬
‫حيثما شاءت‪ ،‬الغمرىا يف الثلوج اليت فوؽ ا‪ٛ‬نباؿ‪ ،‬سأغطيها برماؿ صحرائنا‬
‫الغربية‪ ،‬سأدفنها يف غابات الربدي‪ ،‬يف طرؽ حقوؿ القمح الواسعة ‪ِ ..،‬ملَ كل ىذه‬
‫ا‪ٜ‬نًنة؟‪ .‬سأحتفظ با‪ٛ‬نثة عندي‪ ،‬يف مكاف بعيداً عن العامل لتكوف جزءاً من‬
‫أسراري‪ ،‬أ٘ند الصويلح ىكذا أنت دائماً حًنة كبًنة ورحيل يف ا‪ٜ‬نياة وا‪ٞ‬نمات‪..‬‬

‫تلتهم السيارة الشارع الطويل‪ ..‬تعرب مدينة العمارة ّنسافة ال أعرفها‪ ،‬الشمس‬
‫ا‪٥‬ندرت ‪٥‬نو الغروب‪ ..‬صمت السائ‪ .‬يطوؿ‪ ..‬أىو أخرس‪ ..‬أنتابين ىذا التصور‪..‬‬
‫ىذا االعتقاد رّنا أنو يفكر ّنشاكلو مثلي‪ ..‬الغبار يعرب الشارع‪ ،‬الرماؿ تدحرجها‬
‫الريح‪ ،‬كثيفة وىي ْنتاز الشارع‪ ..‬ىذه منطقة رماؿ متحركة‪ ..‬قالت القطعة اليت‬
‫امامنا‪ ...‬أصيح يف السائ‪:.‬‬

‫‪ -‬خذ ‪٬‬نيناً‪.‬‬

‫‪ -‬اىل أين؟‪..‬‬

‫‪ -‬يف عم‪ .‬الرماؿ ا‪ٞ‬نتحركة‪.‬‬

‫‪ -‬أين أىلك؟‪،‬‬

‫‪ -‬خلف تبلؿ الرماؿ ىذه‪..‬‬

‫‪151‬‬
‫ينظر يف وجهي وا‪ٜ‬نًنة واضحة عليو‪ ،‬يدير مقود سيارتو دوف كبلـ وينحدر من‬
‫الشارع باْناه االرض ذات الرماؿ ا‪ٞ‬نتحركة‪..‬أشعر أف السيارة بدأت تبلقي صعوبة‬
‫يف اجتياز طيات الرمل‪ ..‬أنظر ورائي‪ ،‬اختفى الشارع الرئيس عن االنظار‪ ،‬لقد‬
‫توغلت السيارة مسافة كبًنة يف الرماؿ‪ ..‬أأمره اف يتوقف‪ ..‬يغسلين بنظراتو‪ ..‬أفتح‬
‫باب السيارة وأترجل وبيدي الربابة ويرتجل ىو أيضاً‪..‬‬

‫‪ -‬ىنا انزلو‪.‬‬

‫‪ -‬ىنا؟‬

‫‪ -‬سيأيت اىلي اهنم وراء ىذه التبلؿ الرملية مث اف سيارتك ال تتقدـ اىل االماـ اكثر‬
‫من ذلك‪ ،‬ستغوص حتماً‪.‬‬

‫‪ -‬ىذا صحيح‪..‬‬

‫نتقابل وننزؿ التابوت‪ ..‬ويصعد ىو بسيارتو‪ ..‬مث يعود باْناه الشارع الرملي‪ .‬الريح‬
‫تكوف تبلؿ الرماؿ ا‪ٞ‬نتحركة يف ىذه ا‪ٞ‬ننقطة من االرض‪ ..‬تيار من ا‪ٟ‬نواء ا‪ٞ‬نتجو شرقاً‬
‫يذري حبات الرماؿ و‪٩‬نمعها ويفرقها‪ .‬تتوغل يف العيوف‪ ،‬يف االنف‪،‬بٌن طيات‬
‫الشعر‪ ،،‬أنظر يف ا‪ٞ‬ندى‪ ،‬ال شيء سوى قرص الشمس الذي ماؿ ‪٥‬نو الغروب‬
‫واصفرار األف‪ .‬وانعكاس الضوء يف الرماؿ الزجاجية مكونة صفحة ذىبية‪ ..‬وحيد انا‬
‫وأ٘ند الصويلح والربابة‪ ..‬ماذا يعين ا‪ٞ‬نكاف؟‪ .‬ىنا سيتوارى شهيد‪ ،‬التبلؿ الرملية‬
‫تزحف ببطء‪ ،‬تتآكل‪ ،‬تكرب‪ ،‬تتبلشى‪،‬كل ىذا بفعل اعصار الريح‪ ،‬اجلس قرب‬
‫التابوت‪ ،‬علم الوطن ‪٪‬نتضن الرمل‪،‬الربابة كتلة صامتة‪ ..‬امسك بالقوس واداعب‬

‫‪152‬‬
‫الوتر مث ال أعرؼ‪ ،‬ال اجيد العزؼ‪ ،‬لكين أريد أف افرغ سأمي يف ىذا اللحن و ال‬
‫إنكن‪٫ ،‬ننقين الدمع‪ .‬وحرارة اللحظة ا‪ٞ‬نوحشة‪ ..‬احطم الوتر والقوس‪ ..‬أفتح ْنويف‬
‫الربابة‪ ،‬احفر يف خاصرة التل الرملية بالربابة اليت صارت جوفاً ‪٪‬نتضن الرمل‪ ..‬سريعا‬
‫ما تنزاح الرماؿ ووتتسع ا‪ٜ‬نفرة‪ ..‬سريعاً ما ‪٤‬ند اماكن هنايتنا‪ٜ ..‬نظة قصًنة ويكوف‬
‫ا‪ٜ‬نفر عميقاً‪ ..‬أسحب التابوت يف داخل ا‪ٜ‬نفره مث أىيل ذرات الرماؿ فوقو‬
‫بنشاط‪ ..‬شيئاً فشيئاً ‪٫‬نتفي التابوت‪ ،‬رويداً‪ ...‬رويداً يكوف الشيء‪ ..‬تبلشى‪،‬‬
‫غاص يف الرمل‪ ،‬يف خاصرة التلة‪ ..‬أ٘ند الصويلح جزء من تبلؿ متحركة يف االرض‬
‫اليت ال ٕنوت‪.‬‬

‫اعدؿ قاميت‪ ..‬واجيل بنظري باْناه الشمس‪ ،‬باْناه الغروب‪ ،‬كانت الشمس قد‬
‫تبلشت وراء تبلؿ الرمل وغابت‪.‬‬

‫مساء السبت ٕ٘\ٓٔ\‪ٜٔٛٙ‬‬

‫‪153‬‬
‫انتهت‬

‫‪154‬‬

You might also like