You are on page 1of 4

‫‪.

‬مدخل الى الطقوس الجنائزية بالمغرب القديم‬

‫سمحت الحفريات التي اجريت في العديد من المدافن القديمة بالمغرب القديم( الحوانت ‪ ،‬المصاطب ‪،‬‬
‫الجثوات ‪ ،‬البازينات ‪ ،‬الشوشات و االضرحة الكبرى) ‪ ،‬بالتعرف على انواع وضعيات و طرق دفن‬
‫مختلفة ‪:‬‬
‫‪-1‬انواع المدافن ‪:‬‬

‫*في المدافن القديمة ‪ :‬يوجد فيها ‪ 3‬انواع رئيسية من الدفن هي ‪:‬‬

‫• قبر ذو غرفة واحدة مخصصة للدفن الفردي كما في الجثوة ذات المدفن الواحد‪.‬‬
‫• قبر يحتوي على غرفة واحدة او عدة غرف تستقبل عدة افراد ‪ ،‬و في هذا النوع‬
‫يكون الدفن جماعي في ان واحد ‪ ،‬بحيث يغلق القبر نهائيا وال يجهز بمدخل ‪.‬‬
‫• مدفن ذو غرفة واحدة او عدة غرف موجه للدفن الجماعي على مراحل و يخصص‬
‫عادة القبور المهيئة للفتح من جديد‪.‬‬
‫*في االضرحة الكبرى ‪ :‬يصعب تحديد ذلك نضرا لخلو معظمها من االثاث الجنائزي ‪ ،‬الهياكل العظمية‬
‫‪ ،‬المرمدات و الرماد ‪ ،‬و مع ذلك يمكننا ان نتصور ‪ 3‬انواع من الدفن‪:‬‬
‫قبر ذو غرفة جنائزية واحدة موجه لدفن جماعي على مراحل مثل ‪ :‬فبر الرومية ‪ ،‬المدغاسن و بالد‬
‫قيطون ‪.‬‬
‫قبر ذو غرفة ارضية واحدة موجه للدفن الفردي مثل‪ :‬لجدار ‪ ،‬قبر تين هينان باباليسة ‪ ،‬بازينة سوق‬
‫الغور و ضريح هونشير بورغو‪.‬‬
‫• قبر يضم اكثر من غرفة موجه للدفن الجماعي على مراحل مثل‪ :‬و ضريح سيغا ‪.‬‬
‫• قبر ذو غرفة ارضية واحدة موجه لدفن جماعي في آن واحد مثل ‪ :‬صومعة الخروب ‪.‬‬
‫• معالم برجية لديها قاعات مهيئة على مستوى الطابق االول و الثاني ‪ ،‬غير اننا نجهل ان كانت‬
‫تمثل غرف جنائزية ام ال مثل ‪ :‬أضرحة ‪ ،‬دوقة ‪ ،‬صبراتة و مكثر ‪.‬‬
‫‪-2‬وضعيات الدفن ‪:‬‬

‫*في المدافن العادية ‪ :‬تم التعرف غلى ‪ 3‬وضعيات رئيسية لدفن الميت ‪:‬‬

‫االولى و الثانية تعود جذورهما الى ما قبل التاريخ ‪ ،‬و هي الوضعية المنطوية و المنكمشة ‪ ،‬و الثالثة‬
‫استعملت في فترة متاخرة و هي الوضعية الممددة ‪.‬‬
‫‪-‬الوضعية المنطوية ‪ :‬تتمثل في وضع جثة الميت على االرض على الجانب االيمن او االيسر ‪ ،‬بحيث‬
‫تكون االطراف السفلى منثنية باتجاه البطن ‪ ،‬و االطراف العليا ملتصقة بالصدر و متجهة نحو الوجه‪.‬‬
‫تشكل هده الوضعية اولى و اقدم وضعيات الدفن ‪ ،‬استعملت منذ الباليوليتي في بعض المالجئ تحت‬
‫الصخور في غرب الجزائر ‪ ،‬و عند االنسان القابسي في عين الدكارة ‪ ،‬كما مارستها العديد من الشعوب‬
‫االخرى‪.‬‬
‫استعملها البربر الى فترة متاخرة ‪ ،‬يشهد على ذلك كل من ‪ :‬الهياكل العظمية المكتشفة في القبور المتاخرة‬
‫المجاورة لضريح اباليسة ‪،‬و مدافن الريف التونسي و فزان ‪.‬‬
‫ان الرغبة في وضع الميت في راحة او نوم ابدي ‪ ،‬كانت وراء اختيار البربر لهذه الوضعية السيما و ان‬
‫شكلها يقلد الى حد كبير االنسان النائم ‪.‬‬
‫‪-‬الوضعية المنكمشة ‪ :‬في هذه الحالة تنكمش الجثة كلها في حفرة ضيقة لتاخذ شكل الجنين في بطن امه‬
‫‪ ،‬بحيث تالمس الركبتان و اليدين الوجه و يتصل العقبين بعظم الحوض ‪ ،‬اما االطراف االمامية فتلتصق‬
‫مع الصدر ‪ ،‬في هذه الوضعية غالبا ما يتم تقييد الميت ‪ ،‬و في بعض االحيان تلف جثته في جلد حيوان ‪،‬‬
‫كما ان العمود الفقري يتعرض في فالب االحيان للكسر بفعل االنثناء الشديد ‪.‬‬
‫اثبتت الحفريات بان هذه العادة قديمة الستعمالها في العديد من القبور في بالد البربر و مناطق اخرى من‬
‫العالم ‪ .‬لقد اعطى الباحثون عدة تفسيرات لهذه الوضعية ‪ ،‬فبعضهم يرى انها استخدمت قصد االقتصاد في‬
‫بناء القبر و االكتفاء بحفرة ضيقة و ركام صغير ‪ ،‬و البعض االخر يعتقد ان الخوف من رجوع الميت‬
‫الفساد حياة االحياء هو السبب رئيسي الختيار البربر لهذه الوضعية ‪ ،‬و يعللون رايهم بالقيد الذي‬
‫يخضع له الميت حتى ال يقوى على الحراك و القيام ‪.‬‬
‫لكن هناك راي اخر اقرب للمنطق ‪ ،‬و يفسر ذلك برغبة االحياء في التعبير عن الجنين في بطن امه اي‬
‫انها ترمز الى عودة االنسان الى اصله و منشاه ‪.‬‬
‫‪-‬الوضعية الممددة ‪ :‬في هذه الحالة يدفن الميت ممددا ‪ ،‬سواء على جانبه االيمن او االيسر او على ظهره‬
‫‪ ،‬الحظ بعض الباحثين ندرة ممارستها في مدافن فجر التاريخ ‪،‬فاستنتجوا بذلك انها عادة متاخرة في بالد‬
‫البربر اقتبسها االهالي عن الفينيقيين او االغريق او الرومان ‪ ،‬و يدعم هذه الفكرة هيرودوت الذي اشار‬
‫الى ممارستها عند الليبيين المتجولين في القرن الخامس ق‪.‬م ‪ ،‬و العثور في كثير من المدافن التي‬
‫مورست فيها هذه الشعيرة على نقود فينيقية نوميدية و رومانية ‪.‬‬
‫و يشير بعض الباحثين ايضا الى ان هذه العادة شهدت انتشارا واسعا في المناطق الشرقية (تونس و شرق‬
‫الجزائر) التي خضعت طويال للهيمنة القرطاجية و الرومانية ‪ ،‬بينما بقت تستعمل الوضعيات المنطوية و‬
‫المنكمشة في بعض المناطق الغربية ‪.‬‬
‫و في الواقع لم يتسع نطاق استعمال الوضعية الممدة اال بانتشار المسيحية و االسالم‪.‬‬
‫اض افة الى هذه الوضعيات الثالثة ‪ ،‬عرف البربر القدامى شكل اخر من الدفن يجهل مغزاه ‪ ،‬يتمثل في‬
‫وضع رفاة االموات رأسا على عقب بعد حرقها او تجريدها من اللحم ‪ ،‬مورست هذه العادة ايضا في‬
‫اسبانيا منذ النيوليتي و مصر في االلف الرابعة ‪.‬‬
‫*في االضرحة الكبرى ‪:‬‬
‫يتعسر معرفة اشكال الدفن المتبقية ‪ ،‬فاذا كان شعار الحرق قد مورس في صومعة الخروب ‪ ،‬و من‬
‫المحتمل في المدغاسن ‪ ،‬قبر الرومية و سيغا ‪ ،‬فال توجد اية ادلة على نوعية الدفن المستعملة في كل من ‪:‬‬
‫صبراتة ‪ ،‬مكثر‪ ،‬بالد قيطون ‪ ،‬الغور ولجدار ‪.‬‬
‫بالرغم من انتشار المسيحية في بالد البربر ابتداء من القرن الرابع اال ان الوضعية المنطوية استعملت في‬
‫كل من لجدار و ضريح تين هينان باباليسة ‪ ،‬و هو ما يصعب من امكانية معرفة نوع الوضعية المستعملة‬
‫في ضريحي الغور و بالد قيطون و لجدار المتبقية رغم تشيدهما في فترة متاخرة ‪.‬‬
‫‪-3‬طرق الدفن ‪:‬‬

‫الى جانب الدفن العادي ‪ ،‬تبنى المغاربة مثل الشعوب االخرى طرق اخرى لدفن الميت ‪ ،‬تمثلت في‬
‫الحرق و تجريد الجثة من اللحم ‪.‬‬
‫*الحرق‪ :‬عادة الحرق نادرة االستعمال و متاخرة في مدافن المناطق الشرقية ‪ ،‬قد مورست بشكل اوسع و‬
‫منذ القدم في الجهات الغربية ‪ ،‬عثر على اثار حرق في مغارة تيفريت التي سكنت من طرف النيوليتيين‬
‫‪ ،‬و استعملت في جزيرة رشقون في القرنين الخامس و السادس ق‪.‬م ‪ ،‬و في مواقع عديدة من الغرب‬
‫الجزائري و شرق المغرب االقصى ايضا‪.‬‬
‫يرى بعض الباحثين ‪ ،‬ان البربر الشرقيون نقلوها عن الفينيقيين حوالي القرن الثالث ق‪.‬م ‪ ،‬اقتبسوها عن‬
‫االغريق في القرن الخامس ق‪.‬م ‪.‬‬
‫يظهر ان هذا الراي يتنافى مع المعطيات االثرية التي دلت على قدم هذه العادة في غرب المغرب ‪ ،‬و‬
‫الراي الصائب النومديين الشرقيين نقلوها في اول االمر عن النوميديين الغربيين و الموريطانيين ‪ ،‬ثم‬
‫ازدادت انتشارا في الشرق تحت تاثير الفينيقيين ‪.‬‬
‫و اثبتت الحفريات ان هناك نوعان من الحرق ‪ ،‬االول ‪ :‬جزئي يدخل عادة ضمن شعيرة تجريد الجثة من‬
‫اللحم ‪ ،‬و الثاني‪ :‬كامل يتم من خالله تحويل الميت الى رماد ‪.‬‬
‫استعمل هذان ال نوعان في ضريح الخروب و احتمال في سيغا ‪ ،‬و مورس الحرق الكامل في الجثوة‬
‫القريبة من المدغاسن ‪ ،‬اما ضريحي المدغاسن و قبر الرومية ‪ ،‬فال يعرف بالضبط ان كان استعمل نوع‬
‫واحد و ايهما ؟او كال النوعين؟‬
‫*تجريد الجثة من اللحم ‪ :‬عثر في كثير من القبور القديمة على عظام مكسورة و مخلوطة يستحيل اعادة‬
‫تشكيلها ‪ ،‬و احيانا غير كاملة ‪ ،‬هذا دليل على استعمال البربر القدامى لهذه الشعيرة ‪ ،‬و مورست هذه‬
‫العادة عند كثير من الشعوب ‪ :‬في امريكا الشمالية و الجنوبية‪ ،‬افريقيا ‪ ،‬اقيانوسيا ‪ ،‬اندلوسيا بشبه جزيرة‬
‫ايبريا و ايران ‪.‬‬
‫عملية تجريد الجثة من اللحم تتم بطريقتين ‪:‬‬
‫تجريد طبيعي بوضع الجثة مدة من الزمن في قبر اولي ‪ ،‬او تركها في الهواء الطلق عرضة للطيور و‬
‫الحيوانات الضارية‪.‬‬
‫تحريق نصفي للجثة الغرض منه التخلص من االجزاء الرخوية‬
‫حاول بعض الباحثين تفسير هذه الشعيرة ‪ ،‬فغزال يرى ان عملية التجريد و ما تبعها من خلط العظام في‬
‫القبر‪ ،‬تعد مظهرا من مظاهر عقيدة الخوف من رجوع الميت لتعكير صفو الحياة على االحياء ‪ ،‬بينما‬
‫يعتقد لوجيار ان هذا الطقس جاء استجابة لرغبة االشخاص في الحفاظ على متانة العالقة بين افراد‬
‫العائلة ‪ ،‬اما كامبس فيرى فيه شعار مؤقت و محطة هامة ينتقل فيها الميت من عالم االحياء الى العالم‬
‫االخر ‪.‬‬

You might also like