You are on page 1of 4

‫تأهيل الموارد البشرية للجماعات الترابية‬

‫يوسف التونسي‬

‫التدبير األمثل للموارد البشرية يعتبر من الخطوات األساسية لتطوير تدبير‬


‫الجماعات لشؤونها والرفع من جودة الخدمات التي كلفت بأدائها‪ ،‬بالتالي‬
‫وجب العمل على تحديث الوظيفة العمومية الجماعية وتجاوز ما يشوبها‬
‫من نقائص والتي من أبرزها‪]1[ :‬‬
‫تضخم تكلفة األجور التي وصلت إلى ‪ 9‬مليار درهم نتيجة العدد الهائل‬ ‫‪‬‬

‫للموظفين في مقابل عدم استجابة التوظيفات للحاجيات الحقيقية‪.‬‬


‫العجز في التنظيم و انعدام الكفاءة والمردودية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫سوء استخدام الكفاءات المتوفرة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الضعف الشديد في معدالت التاطير وعدم مالءمة التكوين للوظائف التي‬ ‫‪‬‬

‫يتم شغلها‪.‬‬
‫النقص في تأهيل الموظفين بالنظر إلى المهام المسندة إليهم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫بالتالي فان هذا الميدان يتطلب جهدا أكثر للنهوض به‪ ،‬األمر الذي‬
‫يقتضي اعتماد سياسة شمولية لتكوين الموظفين وتأهيلهم بما يمكنهم من‬
‫تأدية عملهم على الوجه المطلوب‪.‬‬
‫فسوء األداء في تقديم الخدمات العمومية غالبا ما يرجع إلى ضعف‬
‫التكوين لدى العاملين وعدم مالءمة معارفهم النظرية والتطبيقية مع تطور‬
‫حاجيات التدبير العمومي ومتطلبات المواطنين المتزايدة‪.‬‬
‫من هذا المنطلق‪ ،‬فإن هدف كل سياسة للتكوين هو ضمان توظيف‬
‫الموظفين لمعارفهم ومؤهالتهم العلمية والعملية‪ ،‬وتعريفهم بمهام األقسام‬
‫والمصالح المشتغلين بها أو المسؤولين عنها و التمكن من قدر معقول من‬
‫القدرات التي يتطلبها إنجاز العمل‪.‬‬
‫هذا إلى جانب تمكينهم من التكيف مع متغيرات الوظيفة ومستجداتها‬
‫خاصة مع تنامي االعتماد على التقنيات التكنولوجية الحديثة في اإلدارات‬
‫العمومية‪ ،‬وهو ما يستدعي تدريب الموظفين على طرق استخدامها‪]2[.‬‬
‫باإلضافة إلى تمكينهم من اكتساب القدرة على على تبني وتنفيذ و مواكبة‬
‫مختلف المشاريع والبرامج التنموية و تبادل الخبرات والتجارب‬
‫الناجحة‪]3[.‬‬
‫وتبرز أهمية التكوين كذلك في كونه يستهدف بصفة عامة رفع مستوى‬
‫الموظف وتامين قدرته المهنية من اجل ضمان تقديم الخدمات وأداء‬
‫األعمال اإلدارية بفعالية وكفاءة عالية‪ .‬فرغم المجهودات المبذولة في‬
‫اختيار األطر والعاملين فان هؤالء يظلون دائما في حاجة ماسة إلى صقل‬
‫وزيادة معارفهم وتطوير قدراتهم التدبيرية بما يستجد في مجال عملهم‪.‬‬
‫فالتكوين الحديث ال يقتصر فقط على الجوانب "الجوهرية" لعمل‬
‫وتخصص الموظفين بل يشمل كذلك تقنيات التواصل مع الجمهور‪،‬‬
‫وتمكينهم من اليات صياغة االستراتيجيات التنموية لمواكبة الحاجيات‬
‫المستجدة والمستقبلية للمواطنين‪ ،‬والمساهمة الفعلية في إعداد التصورات‬
‫التنموية الطموحة على المدى البعيد‪]4[.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬ينبغي أن تتم مواكبة التكوين األساسي والمستمر‬
‫للموظفين بموجب مخططات "للتدبير التوقعي" للموظفين تحدد بدقة‬
‫شروط وأهداف عمليات التوظيف ومحددات واضحة لتقييم األداء و الترقية‬
‫و تنفيذ برامج التكوين المستمر‪]5[.‬‬
‫هذا مع اعتماد تدبير توقعي للموارد البشرية وفق الحاجيات اآلنية‬
‫والمستقبلية على مستوى الكفاءات وذلك بشكل ينسجم مع مشاريع‬
‫الجماعات ومستلزمات تحقيق جودة الخدمات المقدمة‪]6[.‬‬

‫تكوين وتطوير أداء العنصر البشري بالجماعات ينبغي أن يشمل المنتخبين‬


‫الجماعيين كذلك‪ ،‬باعتبارهم الجهة "المسؤولة" عن اتخاذ القرار و تحديد‬
‫االختيارات التنموية لجماعاتهم من خالل إعداد وتنفيذ مخططات التنمية‪.‬‬
‫األمر الذي يتطلب توفرهم على مستوى تعليمي مقبول يؤهلهم لتأدية‬
‫واجباتهم على النحو المطلوب‪.‬‬
‫وحسب اإلحصائيات فان ‪ 23‬في المائة فقط من المنتخبين يتوفرون على‬
‫مستوى تعليم عالي‪ ،‬في حين أن أكثر من ‪ 80‬في المائة منهم يتوفرن على‬
‫شهادة التعليم االبتدائي أو حتى بدون‪]7[.‬‬
‫األمر الذي يؤكد أن غالبية مدبري الشأن المحلي من المنتخبين وبالنظر‬
‫إلى مستواهم التعليمي‪ ،‬يفتقدون ألساسيات التعامل مع قضايا التدبير‬
‫اليومي للجماعات مالية كانت أو بشرية أو تقنية‪ ،‬مما يجعلهم بعيدين عن‬
‫الوفاء بالتزاماتهم التنموية وتلبية احتياجات المواطنين من التجهيزات‬
‫والخدمات األساسية‪.‬‬
‫وان كان التدبير الترابي اليوم يتطلب معارف أكثر عمقا تهم مجاال التدبير‬
‫االستراتيجي والمقاوالتي وغيرها من المفاهيم المرتبطة بالتدبير العمومي‬
‫الحديث‪ ،‬بالتالي فان مهمة تكوين المنتخبين المحليين ينبغي ان ال تكتفي‬
‫بالمعارف االساسية بل ان تجاوزها الى تلقينهم أدوات وأساليب التدبير‬
‫العصرية في مختلف المجاالت التقنية والمالية‪.‬‬
‫وهو ما يقتضي بذل جهود كبيرة من الدولة بتنسيق مع الجماعات الترابية‬
‫للعمل على النهوض بمستوى المنتخبين عبر الرفع من عدد الدورات‬
‫والندوات التكوينية سواء على المستوى الوطني أو الجهوي و ذلك وفق‬
‫برامج تكوين حديثة وعلى مدار السنة لجعل المنتخب مواكبا للمستجدات‬
‫القانونية والتدبيرية‪.‬‬

‫وفي هذا السياق نص القانون التنظيمي للجهة في المادة ‪ 82‬منه على دور‬
‫مجلس الجهة في "االشراف على التكوين المستمر لفائدة اعضاء‬
‫المجالس و موظفي الجماعات الترابية‪".‬‬
‫وفي المقابل ينبغي أن تعمل األحزاب السياسية بجهد اكبر لتطوير وتأهيل‬
‫المستوى المعرفي والعملي لمنتسبيها المدبرين لشؤون الجماعات‪ ،‬بالشكل‬
‫الذي يجعل المنتخبين أكثر قابلية للتعامل مع متطلبات التنمية و أساليب‬
‫التدبير الحديثة وتقنيات التواصل بما يواكب حاجيات وانتظارات‬
‫المواطنين‪.‬‬
‫و تبقى مساهمة األحزاب إلى اآلن محدودة للغاية في تأطير و تأهيل‬
‫المنتخبين التابعين لهم وهو دور ينبغي أن يكون أكثر بروزا لكون تكوين‬
‫وتأهيل النخب المحلية هو في الواقع شأن عام ال يهم الدولة أو الجماعات‬
‫الترابية فقط‪ ،‬حيث يمكن للمساهمة االيجابية لألحزاب أن تشكل إضافة‬
‫نوعية في هذا الشأن‪]8[.‬‬

‫المراجع المعتمدة‪:‬‬

‫[‪ ]1‬التقرير السنوي للمجلس األعلى للحسابات ‪2012‬‬

‫[‪Sekion Blondin. Gestion des ressources humaines. ]2‬‬


‫‪LARCIER. 2 Edition. 2001 . p. 337‬‬
‫[‪ ]3‬يوم دراسي بعنوان‪ :‬ترسيخ الالمركزية ومواكبة الجماعات المحلية‬
‫من خالل التكوين ودعم القدرات‪ ،‬مديرية تأهيل األطر اإلدارية والتقنية‪،‬‬
‫وزارة الداخلية‪ ،‬الرباط ‪ 14‬دجنبر ‪2014‬‬

‫[‪]4‬إبراهيم كوغمار المرافق العامة الكبرى على نهج التحديث‪ ،‬مطبعة‬


‫النجاح الجديدة‪ ،‬الدارالبيضاء‪ 2009، ،‬ص ‪293‬‬

‫‪Fadoua lghazaoui, Audit interne vecteur de‬‬ ‫[ ‪]5‬‬


‫‪changement des pratiques managériales locales ,‬‬
‫‪Revue marocaine d’audit et de développement, N 22 ,‬‬
‫‪2006, p. 166‬‬

‫[‪ ]6‬تقرير المجلس األعلى للحسابات ‪2012،‬‬

‫[‪ ]7‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪35‬‬

‫[‪ ]8‬تدبير وتنمية الكفاءات البشرية رافعة أساس لنجاح الجهوية‬


‫المتقدمة‪ ،‬تقرير للمجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ ،2013 ،‬ص ‪73‬‬

You might also like