Professional Documents
Culture Documents
مقدمة :
وقد عمل المغرب خلال السنوات الأخيرة على إدخال اصلاحات همت بالأساس
ترسيخ اللامركزية واللاتمركز الإداري ،وتدعيم أسس الديمقراطية المحلية وتكريس
العدالة المجالية من خلال توزيع الاختصاصات والمشاركة المحلية في صنع القرار.
ويمثل مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية أحد أهم مظاهر وتجليات الحكامة الترابية
المنصوص عليه دستوريا ،فضلا عن كونه يشكل منعطفا هاما في مسار تعزيز
اللامركزية الإدارية ،ويعتبر من أهم مقومات الجهوية المتقدمة ،وآلية فعالة لربح
الرهانات المطروحة فيما يتعلق بتنمية الجماعات الترابية وجعلها أقطابا حقيقية
للتنمية.
ورغم أن مبدأ التدبير الحر يعطي نوعا من الحرية للفاعل الترابي لممارسة
اختصاصاته من أجل النهوض بالتنمية المندمجة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتعز يز
سياسة القرب ،إلا أن مجموعة من الإكراهات والمعيقات تحول دون تطوير
الديمقراطية المحلية ،وتشكل عقبة أمام تجويد التدبير الاداري والمالي للجماعات
الترابية وتحد من نجاعة وفعالية مبدأ التدبير الحر.
يطرح موضوع مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية إشكالية رئيسية تتمحور حول
مدى إمكانية مبدأ التدبير الحر في تعزيز وتكريس الديمقراطية المحلية وتحقيق
تنمية اقتصادية واجتماعية تطبيقا للمقتضيات الدستورية والقانونية ،في ظل
إكراهات ومعيقات تحد من فعاليته ونجاعته.
للإجابة على الإشكالية الرئيسية والأسئلة المرتبطة بها نعتمد التصميم الآتي :
المطلب الأول :التأسيس الدستوري والتنظيمي لمبدأ التدبير الحر
المطلب الثاني :إكراهات ومعيقات مبدأ التدبير الحر
تميز الدستور المغربي لسنة 2011بالتوجه نحو إرساء اللامركزية حيث منح
الجماعات الترابية مركزا دستوريا وذلك لتمكينها من الضمانات اللازمة لممارسة
اختصاصاتها باستقلالية ( ، )1وتدبير شؤونها بشكل ديمقراطي وهكذا جاء في
الفصل " 136يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر وعلى
التضامن ،ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم والرفع من
مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة " (.)2
ويفيد مبدأ التدبير الحر حرية المجالس المنتخبة التداول وتنفيذ مقرراتها بكيفية
ديمقراطية طبقا لقواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر لشؤون
الجهة ( )3كما هو وارد في الفصل 135من الدستور الذي ينص على أن …
الجماعات الترابية أشخاص معنوية خاضعة للقانون العام ،وتسير شؤونها بكيفية
ديمقراطية ، )4( "..وفي نفس السياق تحدث الفصل 146على أن تحدد بقانون
تنظيمي بصفة خاصة قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر
…"...
إن المقتضيات الدستورية المتعلقة بمبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية تسعى إلى
ابراز العناصر المهيكلة لتفعيل أجرأة هذا المبدأ الذي يظهر من خلال المكون
المؤسساتي ،أي سلطة التداول بكيفية ديمقراطية من طرف المجالس المنتخبة
وهو مستوى يرتبط بحرية هذه الأخيرة في اختيار هياكلها وفي اتخاذ قراراتها وفي
التعبير عن إرادتها ،أما المكون الثاني فيرتبط بالمستوى التدبيري الوظيفي المقابل
لسلطة تنفيذ المداولات والمقررات من قبل المجالس المنتخبة ( ، )5وهو مستوى
يجد أساسه في تمتيع الجماعات الترابية بممارسة السلطة التنظيمية المحلية والتي
تنصب على اتخاذ القرارات والقيام بالإجراءات التي يتطلبها حسن سير المرافق
العمومية بكيفية منتظمة ومضطردة ،من أجل الحفاظ على النظام العام
بمدلولاته الثلاث ،الأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة من طرف رؤساء
المجالس المنتخبة (. )6
فالنص الدستوري يضع مبدأ التدبير الحر بين المبادئ التي يرتكز عليها التنظيم
الترابي للمملكة ،مما يكرس الجماعات الترابية كوحدات حرة ومستقلة في علاقتها
بمصالح الدولة ويعزز من احتفاظ الأجهزة التنفيذية اللامركزية بسلطة تنفيذ
مداولات مجالس الجماعات الترابية تنفيذا لمقتضيات الفصل 138من الدستور
الذي يحدد على أنه " يقوم رؤساء مجالس الجهات ،ورؤساء مجالس الجماعات
الترابية الأخرى ،بتنفيذ مداولات هذه المجالس ومقرراتها " (.)7
إن تضمين مبدأ التدبير الحرفي الوثيقة الدستورية يعتبر مكسبا هاما للجماعات
الترابية قصد جعل الفاعل الترابي قريبا من اهتمامات وانشغالات المواطنين ،
ومشاركتهم في التدبير الإداري والمالي وإطلاعهم على كل ما يرتبط بالشؤون
المحلية.
فدسترة هذا المبدأ ما هو إلا ترجمة للمقاربة الجديدة للعلاقات التي تتأسس بين
الدولة والجماعات الترابية المبنية على أساس احترام الاختصاصات الذاتية.
" قواعدالحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدا التدبير الحر :يراد في مدلول هذا
القانون التنظيمي بقواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر العمل
على الخصوص على احترام المبادئ العامة التالية :
لقد حملت القوانين التنظيمية قواعد الحكامة المتعلقة بمبدأ الحر ،لتعزيز استقلالية
الجماعات الترابية في تدبير شؤونها الإدارية والمالية عبر اشراك مختلف الفاعلين
الأساسيين بناء على مبدأ التدبير التشاركي وتكريس قواعد اللامركزية الإدارية
وضمان مشاركة فعالة للمواطنين والمواطنات بصفتهم المباشرة في القرارات
العامة التي تهم الشؤون العامة وتعزيز أسس الحكامة الجيدة والقطع مع أسلوب
المركزية في اتخاذ القرار وإرساء جو من التعاون والتضامن والتشارك والمساهمة
الجماعية في صنع القرار الترابي .
خول المشرع للجماعات الترابية في اطار تفعيل مبدآ التدبير الحر ،صلاحيات واسعة
بغية تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية ،إلا أن ممارسة تلك الصلاحيات من
طرف الفاعل الترابي تحد من فعاليتها مجموعة من الإكرهات التي تحول دون
نجاعتها وتؤثر سلبا على مردودية التدبير الحر وتجعل مشاركة الفاعل الترابي في
تحقيق السياسات العمومية مجرد مشاركة رمزية ،وتشكل الرقابة الإدارية التي
تمارسها السلطة المركزية وممثليها على المستوى الترابي ،من بين الإكراهات أو
المعيقات التي تحول دون ممارسة الفاعلين الترابيين لصلاحياتهم بكل حرية
وديمقراطية ،في ظل هيمنة الفاعل المركزي حيث أصبح هو الفاعل الحقيقي
والمتحكم في مسارات التدبير المحلي ( ، )10ويشكل تدخل السلطة المركزية –
الذي يحمل أشكالا مختلفة – الخاصية الأساسية التي تتميز بها الرقابة الإدارية سواء
تعلق الأمر بتلك الرقابة التي تمارسها وزارة الداخلية أو التي تمارسها الوزارة
المكلفة بالمالية حيث تمثل التمظهرات والتجليات الرقابية انحرافا وتعديا واضحا
على فلسفة وسياسة اللامركزية الإدارية الترابية ،كما تشكل اعتداءا صارخا على
مبدأ التدبير الحر الذي منح للجماعات الترابية استقلاليتها والحفاظ على ماهية
وكينونة اللامركزية الترابية (. )11
أما فيما يتعلق بالإكراهات المالية أو ضعف التمويل الذاتي للجماعات الترابية
فتعود بالأساس إلى طبيعة المقتضيات التشريعية والقانونية التي لا تركز على
التدبير المالي وعلى حرية برمجة مشاريع التنمية الترابية وتنفيذها ،وإن كانت
الضمانات القانونية والمالية المتعلقة بتعزيز الاستقلال المالي من أهم قواعد
ومبادئ تمكين الجماعات الترابية من تدبير الشؤون الترابية ،فعدم قدرة الفاعل
الترابي على تمويل تكاليف ونفقات التدبير العادي يؤدي بالضرورة الى إضعاف
قدرتها التدبيرية مما يفرض التدخل المركزي لفرض الموازنة بين التكاليف مع
الموارد ويصاحبه نوع من التوجيه المؤثر في النشاط المالي الترابي وبرمجة
مضامين الميزانية الترابية (. )13
يتضح من خلال ما سبق ذكره ،أن مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية المنصوص
عليه في الوثيقة الدستورية و القوانين التنظيمية ،إن كان يمثل ضمانة أساسية
لتطوير الديمقراطية على المستوى الترابي وتعزيز الحكامة الجيدة.
إلا أن ذلك لم يرق إلى مستوى تحقيق السياسات العمومية من خلال ربط
المسؤولية بالمحاسبة حتى تتمكن الجماعات الترابية من تدبير الشأن العام وفق
مقاربة تتأسس على خدمة المواطن ،وتحسين أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية
وانتاج سياسات فعالة وذات جودة ،و العمل على تخفيف التدخلات الرقابية الإدارية
وتغيير وتجديد فلسفتها وممارستها بشكل شامل والحد من الممارسات الرقابية
المعرقلة لحرية المبادرة مع التركيز على الرفع من القدرات المعرفية والعلمية
للمنتخبين ،وتدعيم الجماعات الترابية بأطر وموارد بشرية ذات اختصاصات متنوعة،
وتوفير الموارد المالية لتمكين الوحدات الترابية من المساهمة بشكل فعال في
التنمية الاقتصادية و الاجتماعية.
الهوامش :
نور الدين السعداني الجماعات الترابية بالمغرب بين توسيع الاختصاصات – 1.
↑ التدبيرية واكراهات الاستقلالية المالي – الطبعة الاولى 2015ص 17
↑ الفصل 136من الدستور المغربي لسنة 2. – 2011
رضوان زهرو :التدبير الحر للشأن الترابي مجلة مسالك العدد 3. – 2015- 34/33
↑ ص 8:
↑ الفصل 135من دستور المملكة المغربية لسنة 4. – 2011
مولاي رشيد جاز الجماعات الترابية ومبدا التدبير الحر مجلة منارة للدراسات – 5.
↑ القانونية والادارية عدد خاص 2017ص158
القوانين التنظيمية ومبدأ التدبير الحر – مجلة مسالك العدد 6. – 2015 – 34/33
↑ ص 43
↑ الفصل 138من دستور 7. – 2011
↑ جمال الدين ىيت الطاهر :مجلة مسالك العدد 2017 – 48/47ص 8. 45:
أنظر المادة 243من القانون التنظيمي للجهات 111.14والمادة 213من – 9.
القانون التنظيمي للعمالات والأقاليم والمادة 269من القانون التنظيمي
↑ للجماعات رقم 113.14
10. رشيدة بدق :الفاعل الترابي وتحقيق السياسات العمومية على ضوء –
↑ القانون التنظيمي رقم – 113.14مجلة المنارة عدد خاص 2017ص 194 :
11. عماد ابركان :نظام الرقابية على الجماعات الترابية ومتطلبات الملائمة –
↑ منشورات مجلة العلوم القانونية مطبعة الأمنية الرباط 2016ص 255 :
12. ↑ رشيدة بيدق :مرجع سابق ص – 196
13. عبد اللطيف بروحو :مالية الجماعات الترابية بين واقع الرقابة ومتطلبات –
↑ التنمية – المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية العدد 2016ص331-330