Professional Documents
Culture Documents
نقد نظرية الصراع و اسقاطها على الواقع العربي
نقد نظرية الصراع و اسقاطها على الواقع العربي
تاريخ استقبال المقال 4702/70/42 :تاريخ قبول نشر المقال 4702/70/40:تاريخ نشر المقال4702/04/70 :
ملخص:
تعد عملية التنظير اإلجتماعي عنص ار هاما للبحث العلمي في مجال العلوم اإلجتماعية وذلك
لما لها من أهمية في تقديم التصورات والتفسيرات للظواهر المختلفة ،وقد شهد العالم الغربي ظهور العديد
من تلك النظريات...فلكل رائد نظرية مجموعة من األفكار يعتقد بصحتها ويدافع عن وجودها .وان من بين
أهم تلك النظريات التي شهدت انتشا ار واسعا نظرية الصراع ،حيث يرى الكثير من المفكرين أن الصراع
ظاهرة طبيعية في حياة اإلنسان والمؤسسات اإلجتماعية ككل ،يحدث نتيجة لغياب االنسجام والتوازن وعدم
الرضا .وأما عن التنظيراإلجتماعي في العالم العربي فهو يعاني قصو ار مجحفا ،فقد فشل المفكرون العرب
في وضع نظرية إجتماعية تتماشى وثقافة وخصائص شعوبهم واكتفوا بتبني تلك النظريات الغربية كنظرية
الصراع التي سبقت اإلشارة إليها،وهذه النظرية كغيرها من النظريات اإلجتماعية تتميز بمجموعة من
اإليجابيات ،غير أن ذلك ال يمنع من وجود العديد من الثغرات ومواطن الضعف بها .فما هي نظرية
الصراع وماهو مضمونها؟ ما هي ابرز اسقاطات هذه النظرية على العالم العربي؟ وما هي أهم النقاط التي
تتنقد عليها هذه النظرية ؟
الكلمات المفتاحية :نظرية الصراع ،اسقاط نظرية الصراع على العالم العربي ،نقد نظرية الصراع.
Conflict theory review and its projection on the Arab word
Abstract:
Sociological theorizing is considered as an important element to the scientific
research in the field of the social sciences. Among those theories, the Conflict
theory has seen widespread. It happens as a result of the absence of harmony,
balance and satisfaction in a particular social setting. The Arab sociologists have
failed in founding a theory and contented themselves with the imported western
theories such as the conflict theory. This latter, like any other sociological theory
consequently features a range of advantages, but that does not prevent the
existence of many of gaps and weaknesses within it. We will work to answer
those following questions: What is the essence of the Conflict theory? What are
the most prominent projections of this theory on the Arab world? What are the
?criticisms that can be given to this theory
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية–جامعة الشهيد حمة لخض-الوادي العدد ،02ديسمبر .0202ص ص()092-011
188
د .األزهر ضيف ،أ .جميلة زيدان نقد نظرية الصراع و اسقاطها على الواقع العربي
Keywords: Conflict theory, its projection on the Arab word ، conflict theory
review
مقدمة:
عرف التنظير اإلجتماعي عبر الزمن ظهور العديد من النظريات المختلفة في مضمونها والمتنوعة في
أفكارها ،فبعد أن كانت النظرية الوظيفية هي المسيطرة إال أن قيام الثورة في فرنسا وقيام الثورة الصناعية في
انجلت ار وظهور الطبقية ،ساهم في بروز اتجاه فكري وفلسفي جديد يعرف بمنظور الصراع اإلجتماعي أو
الصراع الطبقي.
يعود الفكر الصراعي إلى العالم العربي عبد الرحمان ابن خلدون ( )0022-0330من خالل أفكاره
اإلجتماعية والسياسية واالقتصادية التي طرحها في رؤيته للمجتمع اإلنساني وتحليله لموضوع العصبية
1
والسلطة السياسية
كم ا نجد أن هذه النظرية قد استمدت أساسها المعرفي من الفلسفة المثالية لهيجل المؤكد لوجود صراع
األفكار إلى أن جاء ماركس الذي حول تلك الصورة العقلية المعرفية إلى صورة مادية تاريخية تشير إلى
صراع الطبقات اإلجتماعية بالمفهوم المادي اإلقتصادي اإلجتماعي.
ونظرية الص راع التي أيدها العديد من الرواد ( ماركس ،باريتو ،لويس كوزر ،رالف داهرندوف )...تقوم على
جملة من التصورات مفادها أن الحياة اإلجتماعية تولد بطبيعتها الصراع لكونها تتكون من جماعات ذات
مصالح مختلفة ومتداخلة ،فالنظم اإلجتماعية ليست متحدة ومنسجمة فهي تتضمن أشكاال متباينة من القوة
وتميل إلى التغيير سعيا لتأكيد ذاتها وضمان حقوقها والتخلص من الطبقة المسيطرة عليها ،كل ذلك لن
يتأتى إال عن طريق الصراع.
ونظرية الصراع التي يمكن اسقاطها على العديد من الوقائع التي يشهدها عالمنا ،تعرضت لجملة من
االنتقادات المفندة ألفكارها وتصورتاها ،وهذا ما سنعمل على إيضاحه من خالل هذه المداخلة.
)0مفهوم الصراع :يعد مفهوم الصراع من المفاهيم المحورية التي تتعدد فيها اآلراء بتعدد
التخصصات في ميدان العلوم اإلجتماعية ،وبصفة عامة يمكن اإلشارة إلى أن:
مصطلح الصراع عادة ما يشير إلى حالة أو وضع تقوم فيه جماعة من البشر باإلشتباك في نوع من
المعارضة الواعية مع جماعة أخرى أو أكثر من جماعة ،على أساس أن الجماعات المناوئة تبدو أنها
تسعى إلى أهداف ال تقبلها الجماعة األخرى ،فالصراع هو نوع من التعامل حول قيم ودعاوى بشأن موارد
وسلطة ،أي ان الصراع conflictينطبق على التفاعل الذي يحدث بين البشر وبعضهم البعض ،فهو أكثر
من التنافس ،الذي هو أبسط صور الصراع ،ومن صور الصراع المعقدة :األزمة والتوتر والنزاع .الصراع
هو تنازع اإلرادات الوطنية والقومية ،وهو ناتج عن االختالفات والتناقضات بين أهداف الدول وامكانياتها
والصراع ال يتخذ شكل المواجهة المسلحة ،وان كانت اشكاله ومظاهره تتعدد ،كأن يكون سياسيا أو اقتصاديا
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية–جامعة الشهيد حمة لخض-الوادي العدد ،02ديسمبر .0202ص ص()092-011
189
د .األزهر ضيف ،أ .جميلة زيدان نقد نظرية الصراع و اسقاطها على الواقع العربي
أوعالميا اوتكنولوجيا ،والصراع تتعد وسائله كأن تكون حصا ار أوتهديدا أوتحالفا أوتحريضا ،وتتعدد أسبابه
0
كان تكون سياسية أو اقتصادية أو استراتيجية أو اجتماعية...
المحور األول :ويتعلق بالموقف الصراعى ذاته :ويشير إلى أن مفهوم الصراع يعبر عن موقف له سماته أو
شروطه المحددة :فهو بداية يفترض تناقض المصالح أو القيم بين طرفين أو أكثر ،وهو ثانياً يشترك إدراك
أطراف الموقف ووعيها بهذا التناقض ،ثم هو ثالثاً يتطلب توافر أو تحقق الرغبة من جانب طرف (أو
األطراف) فى تبنى موقف ال يتفق بالضرورة مع رغبات الطرف اآلخر ،أو (األطراف األخرى) ،بل إن هذا
الموقف قد يتصادم مع باقى هذه المواقف.
أما المحور الثاني :ويختص بأطراف الموقف الصراعى :بوجه عام ،فيمكن التمييز فى الموقف الصراعى
من حيث أطرافه بين مستويات ثالثة :المستوى األول يتعلق بالصراعات الفردية :أى التى يكون أطراف
الصراع فيها أفراداً ،ومن ثم فإن دائرة مثل هذا الصراع وموضوعه يتجهان إلى أن يكونا محدودين
بطبيعتهما .وفى المستوى الثانى يكون الصراع بين جماعات :وتتعدد أنواع هذا الصراع بتنوع أطرافه ،كما
أن دائرته ومجاالته تكون عادة أكثر اتساعاً وتنوعاً عن نظيرتها فى دائرة الصراع الفردى .أما المستوى
الثالث فإن يختص بالصراع بين الدول ،والذى عادة ما يعرف أيضاً بالصراع الدولى ،وتكون دائرة (أو
دوائر) الصراع فيه أكثر تعقيداً واتساعاً عن المستويين السابقين من الصراعات.
المحور الثالث :ويهتم بالصراع الدولى :وهنا تجدر اإلشارة إلى أن اتساع دائرة المستوى الثالث من
الصراعات ،عبر المراحل التاريخية المتعاقبة للعالقات الدولية ،كان من شأنه توجيه وتكتيل قدر متزايد ال
يستهان به من الجهود العلمية واألكاديمية لدراسة وتأصيل الظاهرة الصراعية ،وذلك بهدف تطوير التفسيرات
والنظريات العلمية التى تيسر فهم أسبابه ومحدداته ،ومن ثم تقدم البدائل المختلفة التى يمكن من خاللها
التحكم فى الظاهرة الصراعية ،أو على األقل التقليل من المخاطر المرتبطة بها والمترتبة عليها ،وتحديد
أساليب التعامل معها .وفى هذا المجال ،فإن هذه الجهود العلمية قد أسفرت عن تراث غنى وأصيل من
النظريات والتفسيرات ،ولعل من بينها نظريات المعرفة العقالنية ،النظرية الساللية ،نظريات القوة ،نظريات
صنع القرار ،واالتصاالت ،والنظم ،وغيرها كثير من النظريات المفسرة للصراع فى أبعاده المختلفة :النفسية،
3
البيولوجية ،الثقافية واالجتماعية ،االقتصادية والسياسية ،ومؤخ اًر البيئية والحضارية ..الخ
)0نظرية الصراع : Conflict Theoryتأخذ نظرية الصراع اإلجتماعي أشكاال مختلفة في
الفكر السياسي اإلجتماعي ،ويتمحور معناها حول اإلجتماع والغموض الذي يكتنف القيم
اإلجتماعية التي ينهض عليها النظام السياسي ،ويشكك بعض المفكرين في وجود إجماع حول
هذه القيم ،ويذهبون إلى ان هذه القيم ال تعكس كل المصالح العامة ،وانما تعكس مصالح معينة أو
خاصة الشيء الذي ينجم عنه صراع اجتماعي ،وبالمقابل يقول البعض بوجود قيم مشتركة،
ويغض الطرف عن الصراع ووسائل تطويقه بالقوة .ويجسد مفهوم العقد اإلجتماعي خالف
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية–جامعة الشهيد حمة لخض-الوادي العدد ،02ديسمبر .0202ص ص()092-011
190
د .األزهر ضيف ،أ .جميلة زيدان نقد نظرية الصراع و اسقاطها على الواقع العربي
المفكرين في أروبا الغربية ،وقد احتدم هذا الخالف في القرن التاسع ،ويعتبر ماركس أشهر القائلين
بنظرية الصراع اإلجتماعي بسبب تناقض المصالح اإلقتصادية في المجتمع ،وظهرت نظرية
الصراع سنوات 0992و 0922كحركة فكرية نقدية ضد النظرية الوظيفية Functionalism
التي تزعم بوجود نسق اجتماعي ثقافي يعمل على حفظ توازن المجتمع .وقد اتهمت نظرية الصراع
الوظيفية بالتغاضي عن صراع المصالح في المجتمع البشري ،أو على األقل النظر إليها كظواهر
ثانوية .وتدعو نظرية الصراع إلى األخذ بعين اإلعتبار دور عامل القوة ،والمصالح اإلقتصادية
والسياسية المتعارضة التي تؤدي إلى الصراع اإلجتماعي ،فالتحليل الوظيفي للمجتمع يشوه هذا
األخير .ويتفق القائلون بوجود صراع اجتماعي مع نظرية ماركس ،ولكن يختلف بعضهم معه
حول أسباب الصراع .وقد تعرضت وظيفية بارسونز وأتباعه إلى نقد الذع ومرير من طرف رايت
0
ميلز ،رالف دارندورف ،الفن جولدنر ،توم بوتمور ،جون ركس ،دافيد لوكود ،وآخرون
وينظر علماء اإلجتماع – على العكس من تشديد الوظيفيين على االستقرار واإلجماع – إلى العالم
الغجتماعي على أنه في حالة صراع متواصل .ويفترض منظور الصراع ان السلوك اإلجتماعي يحسن فهمه
في سياق الصراع أو التوتر بين الجماعات المتنافسة .وليس من الضروري أن يكون هذا الصراع عنيفا ،إذ
يمكنه أن يأخذ شكل المفاوضات العمالية ،والسياسات الحزبية ،والتنافس بين الجماعات الدينية على
األعضاء ،أو النزاع على الميزانية الفيدرالية.
وقد هيمن المنظور الوظيفي على علم اإلجتماع في الواليات المتحدة حتى اواخر الستينات عندما أصبح
مدخل الصراع أكثر قدرة على اإلقناع ،فمع انتشار القالقل اإلجتماعية الناجمة عن النزاع عن الحقوق
المدنية ،واالنقسام المرير على الحرب في فيتنام ،وظهور حركات التحرير النسائية ،وأحداث الشغب
الحضرية...كل ذلك كان مؤيدا لمدخل الصراع ،أي أن عالمنا اإلجتماعي يتميز بالنضال المتواصل بين
الجماعات المتنافسة .ويقبل علم اإلجتماع حاليا نظرية الصراع كإحدى الطرق الصحيحة للنظر في
9
المجتمع.
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية–جامعة الشهيد حمة لخض-الوادي العدد ،02ديسمبر .0202ص ص()092-011
191
د .األزهر ضيف ،أ .جميلة زيدان نقد نظرية الصراع و اسقاطها على الواقع العربي
العامل الديني :هو عامل توحيد ألبناء المجتمع الواحد فهو يخلق بينهم نوعا من الهوية
الدينية إال أن جهل بعض التفسيرات الدينية بالثقافات السائدة يدفعهم إلى التنافس ،إذ يحاول
كل فريق فرض معتقداته الدينية على اآلخرين ،هذا التعصب يدفع باألفراد إلى الدخول في
حروب مع اآلخرين.
العامل اللغوي :عادة ما يميل األفراد إلى التعامل مع األفراد الذين يتحدثون اللغة نفسها،
واالختالف في اللسان يؤدي إلى ضعف العالقات اإلجتماعية بين أبناء هذا المجتمع.
العامل اإلقتصادي :اختالف المصالح اإلقتصادية بين الدول يؤدي إلى التنافس والصراع بين
المجتمعات وتظهر االنقسامات بين الدول الغنية والدول الفقيرة.
العامل السياسي :هناك أفراد يملكون القوة ولديهم القدرة على اتخاذ الق اررات الهامة ،وعادة ما
يكون هناك تنافس بين صناع القرار المهيمنين على السلطة وبين أفراد المجتمع الذين ليس
2
لهم سلطة حقيقية في النظام السياسي.
)0الماركسية المحدثة ونظرية الصراع اإلجتماعي :هناك من يربط بين الماركسية
الكالسيكسة أو المحدثة والصراع الغجتماعي او نظريات الصراع الغجتماعي ،وتعد هذه النظريات
من أهمخ الموضوعات المعروفة في علم الغجتماع نظ ار لكون الصراع يخيم على عالقات البشر
والجماعات والمجتمعات( )...وال توجد نظرية صراع واحدة ،بل توجد عدة نظريات للصراع()...
واختالف النظريات الصراعية ال تكون بطبيعة الطرح النظري فحسب ،بل تكون أيضا بأطراف أو
جهات الصراع ،والعامل األساسي المسؤول عن الصراع بين األطراف أوالجهات المتصارعة.
إن نظرية الصراع متواجدة في فكر العديد من علماء اإلجتماع الكالسكيين والمعاصرين ،نذكر
منهم ابن خلدون ،كارل ماركس ،فلفريدو باريتو ،كارل مانهايم ،رالف داراندورف ،لويس كوزر،
رايت ميلز ...وغيرهم...،ونسجل اتفاق علماء اإلجتماع الصراعيين على جملة مبادئ وأفكار
صراعية مشتركة هي أن الحياة اإلجتماعية التي نعيشها هي حياة يتفاعل خاللها األفراد
والجماعات والمجتمعات ،وأثناء التفاعل يحدث الصراع بين األطراف المتفاعلة.
وسبب الصراع بين األطراف المتفاعلة يكون للتمتع بالقوة وكسب النفوذ أو السيطرة على الملكية
المنقولة وغير المنقولة أو إشغال المناصب والمواقع اإلدارية والتنفيذية أو امتالك الجاه والشرف
والسمعة والشهرة والمنزلة العائلية ،علما بأن األشياء التي يتنافس األشخاص عليها تكون قليلة
ونادرة ومحدودة ،وليس من السهولة بمكان السيطرة عليها والتحكم فيها ،لذا يوجد دائما تنافس
وصراع واقتتال بين الناس لالستحواذ علة الثروة والنفوذ والمواقع اإلجتماعية والسياسية القليلة
7
والمحدودة والنادرة.
)9اسقاطات نظرية الصراع على الواقع العربي :إن نظرية الصراع القائمة على فكرة غياب
االنسجام والتوازن أو وجود حاالت من عدم الرضى حول الموارد المادية مثل السلطة والدخل
والملكية في وسط اجتماعي معين سواء بين الجماعات الصغيرة أو الكبيرة كالعشاثر والقبائل
والعائالت وحتى الشعوب واألمم ،لها العديد من االسقاطات على واقعنا العربي ويتجسد ذلك من
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية–جامعة الشهيد حمة لخض-الوادي العدد ،02ديسمبر .0202ص ص()092-011
192
د .األزهر ضيف ،أ .جميلة زيدان نقد نظرية الصراع و اسقاطها على الواقع العربي
خالل العديد من الحاالت التي تعيشها مختلف األمم سواء كان من خالل مختلف المشاكل التي
تعيشها الدول على مستوى سلطاتها واداراتها أو فيما بين الشعوب ،فما حدث في تونس ومصر
وليبيا والعراق وسوريا وفلسطين...خير دليل على ذلك.
تعددت المسميات التي استخدمت لوصف األحداث والتطورات الجارية في العالم العربي بين من
وصفها بالثورات والحركات االحتجاجية والمظاهرات المطالبة بالديمقراطية ،وبين من أطلق عليها الربيع
العربي والتمرد وحركة 09يناير في الحالة المصرية ،ولكن ال واحدة من تلك المسميات تنطبق بنفس
الدقة على جميع االنتفاضات العربية بالنظر إلى تباينها واختالف طبيعتها من بلد إلى آخر ومن ثم
صعوبة إدراجها تحت يافطة واحدة ،وذلك رغم الحقيقة التي ال مراء فيها وهي أن الثورات العربية
تشترك في أسباب عميقة مؤدية الندالعها ومتمثلة في إحباط بعض الشعوب من غياب الديمقراطية
وحرمانها من حقوقها األساسية ومن حرياتها الفردية ،باإلضافة إلى تدهور الظروف المعيشية وتنامي
االجتماعي. العدل وانعدام الفساد
ولو أخذنا المعنى االصطالحي للثورة بما هي من اقتالع لنظام راسخ وتقويض لبنيات حكم قائمة ومحو
لرموز المرحلة البائدة فإننا سنكتشف أن هذا التوصيف ينطبق فقط على الحالة المصرية دون أن
ينسحب على حالة ليبيا التي تبدو للبعض أقرب إلى الحرب األهلية .وفيما تنطبق الحركة المطالبة
بالديمقراطية على تونس فقد ال تسعفنا أيضاً في فهم ما يجري من أحداث في سوريا ،التي يمكن
إدراجهما في خانة التمرد الشعبي والعصيان المدني .ولتفادي هذه االنقسامات والتباينات في توصيف ما
شخصياً استخدام وصف الربيع العربي لما
ّ يعتمل في العالم العربي من تطورات جسام فإني أفضل
ينطوي عليه من شاعرية خاصة تغري بإسقاطها على الحالة العربية الراهنة .وربما أيضاً ألن المصطلح
يتبنى شيئاً من الحياد في توصيف األحداث فال هي ثورة وال تمرد وال مجرد حركة تطالب بالديمقراطية،
بل تظل عبارة "الربيع العربي" فضفاضة في معانيها لتنضوي تحتها جميع المسميات المشتركة جميعاً
في رغبة أكيدة تحدو الشعوب العربية نحو التغيير.
ولكن تعبير الربيع العربي وعلى رغم حياده الظاهر في وصف التطورات على الساحة العربية إال أنه ينطوي
ٍ
معان ودالالت تتعين اإلشارة إليها ،فأوًال يحمل الربيع في ثناياه معنى الشباب والتجدد وهو فعالً أيضاً على
ما ينطبق على الثورات العربية التي ساهمت في تحريكها شريحة الشباب أكثر من غيرها ،هذا باإلضافة إلى
ما يرمز له الربيع عادة من تفاؤل وأمل لينطبق أيضاً على الثورات العربية وانتظاراتها ،بحيث تطمح
الشعوب العربية إلى فتح صفحة جديدة في تاريخها السياسي تبتعد فيها عن األنظمة الديكتاتورية التي فشلت
1
في تحقيق التنمية .
)2نقد نظرية الصراع :لقد تعرضت النظرية الماركسية في مضمونها للعديد من االنتقادات ،إذ
يتسم الميراث الماركسي بغموض حاد .فقد ترك ماركس ميراثا بوصيتين دون أن يكون هذا في
مقصده ،أوالهما تقوم على اإلعتقاد بأن الصراع الطبقي والثورة االشتراكية حتميان من الناحية
التاريخية ،وثانيهما تنهض على وجهة النظر القائلة بأن تحقيق الثورة اإلجتماعية يستوجب العمل
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية–جامعة الشهيد حمة لخض-الوادي العدد ،02ديسمبر .0202ص ص()092-011
193
د .األزهر ضيف ،أ .جميلة زيدان نقد نظرية الصراع و اسقاطها على الواقع العربي
على تغيير وعي الطبقة العاملة ( عندما تدرك هذه الطبقة طبيعة االستغالل الرأسمالي ،فمن
المؤكد انها سوف تنظم نفسها للتخلص منه) .وقد وجهت سهام نقد حاد لوجهة النظر االولى،
ونعرض فيما يلي بعض االنتقادات الموجهة للماركسية:
اإلعتقاد في أألن ثورة البروليتاريا حتمية :وجهت انتقادات متتالية إلى اإلعتقاد في أن ثورة
البروليتاريا حتمية نتيجة لتناقضات إقتصادية معينة في النظام الرأسمالي .فهذا ضرب من ضروب
التفكير الحتمي الفج ،ألنه يعني أن مناصري ذلك اإلعتقاد يرون أننا نعرف المستقبل من
الماضي ،وأن أحداثا مستقبلية سوف تحدث بسبب قوانين التاريخ( )...ويتم االستشهاد احيانا
بتطبيق ماركس للنظرية الجدلية على التغير اإلجتماعي على أنها محاولة لكشف النقاب عن
قوانين التاريخ.
ويظهر مبدأ الجدل على أن العناصر المتضادة (الموضوع ونقيض الموضوع) تتحد لتنتج ظاهرة جديدة
(مركب الموضوع) .وهذا المفهوم مأخوذ من العلوم الطبيعية ،إال أن تطبيق ماركس له على التاريخ
الحديث يعني أن صدام الطبقة الرأسمالية مع الطبقة البروليتارية سوف يفضي إلى مركب جديد:
المجتمع الالطبقي ومن المشكوك فيه أن يكون في نية ماركس قبول هذا النموذج قبوال حتميا ،ولكن إذا
كان كذلك ،فهذا يهد مثاال صارخا على الحتمية الفجة.
وربما يكون ماركس قد عانى كثي ار من أفكار بعض تالميذه ،مثلما عانى من االنتقادات والتي وجهت
إليه في حياته ،ولذل فال عجب في قوله ذات مرة أنا لست ماركسيا .ويوافق الماركسيون المعاصرون
على التفنيدات األساسية للحتمية ،ويرون أن الناس – في سياق الواقع البنائي المعاصر – يصنعون
تاريخهم ،ولهذا السبب ال يمكن التنبؤ بالمستقبل.
تشديد التأكيد عل الصراع :االنتقاد الثاني الموجه للماركسية هو عكس االنتقاد الموجه ضد
الوظيفية ،أي أن الماركسية بالغت في تشديدها على الصراع وتقليلها من دور اإلجماع في
المجتمع .ويحتاج هذا النقد إلى قدر من التوضيح ،فمفهوم الوعي الزائف عند ماركس يعني أنع
يعترف اعترافا كليا بأن ما يراه إجماعا زائفا – False Consensusوهو ما يكشف النقاب عن
حقيقة الصراع الطبقي – وارد الحدوث .وهناك إمكانية ألن يسعى كثير من الناس بوعي وذكاء
نحو اإلجماع واالتفاق عبر الجماعات الطبقية ،وهذا ما يتعارض مع النموذج النظري عند
ماركس .وتذهب االنتقادات بشأن هذه النقطة إلى أن كثي ار من الناس يتصرفون على هذا النحو
بشكل عادي وعقالني .واذا كان ذلك صحيحا ،فإنه يهدم أساس نموذج ماركس عن المجتمع
والتغير اإلجتماعي.
الفجوة بين المثاليات والواقع :االنتقاد الثالث الموجه إلى الماركسية أنها مثالية من الناحية النظرية،
و لكنها يمكن ان تكون محبطة وقاسية من الناحية الواقعية ،وعندما يذكر هذا االنتقاد نسترجع
مثال النظام الشمولي واالمبريالي السوفييتي ،ويزعم موجهو هذا النقد أن السجل السوفييتي بشأن
حقوق اإلنسان و السياسة الخارجية ال يعزى ببساطة إلى فظاعة السوفييت ،ولكنه يشكل ملمحا
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية–جامعة الشهيد حمة لخض-الوادي العدد ،02ديسمبر .0202ص ص()092-011
194
د .األزهر ضيف ،أ .جميلة زيدان نقد نظرية الصراع و اسقاطها على الواقع العربي
أصيال من مالمح العقيدة الماركسية ،ويضيف هؤالء النقاد أنه ال يمكن الجمع في العالم الواقعي
بين المساواة المادية ومستوى مرتفع من الحرية والتعبير الفرديين ،وعندما تحكم الدولة جماعة غير
ممثلة ،فإنها تستخدم قوتها في قمع المعارضة السياسية وتنظيم طائفة عريضة من األنشطة
9
االخرى والسيطرة عليها وكبحها ،بما في ذلك االنشطة الثقافية.
كما رأى البعض أن نظرية الصراع هي دعوة للعنف واراقة الدماء من أجل الوصول إلى العدالة
اإلجتماعية وتحقيق الذات ،ولذلك فقد رفضت هذه النظرية شكال وموضوعا واعتبرت دعوة إيديولوجية
وسياسية لسيطرة العمال على تقاليد المجتمع بالعنف والدم ،وفي هذا تفويض للبناء اإلجتماعي وحتى
على فرض سيطرة العمال على المجتمع ،فماذا عن حق الفئات والطبقات اإلجتماعية األخرى في
المجتمع ،فهي إذن أحادية وقاصرة ،وال يمكن ان يلتف حولها جميع الناس وجميع القوى اإلجتماعية في
المجتمع ،وهي بذلك ليست نظرية علمية موضوعية ،ولعل ما حدث في االتحاد السوفييتي سابقا وشرق
02
أروبا اكبر دليل على قصور نظرية الصراع وخاصة في شكلها الماركسي المادي.
خاتمة:
على ضوء ما سبق تقديمه حول نظرية الصراع المؤكدة لوجود عدم االنسجام وعدم الرضا بين
مختلف األفراد والفئات اإلجتماعية واسقاطاتها على الواقع العربي والنقد الموجه إليها،إال أنه ورغم ذلك
فعالمنا العربي لم يتمكن بعد من إيجاد ووضع نظرية إجتماعية عربية محضة وانما اكتفى بتبني تلك
النظريات الغربية التي تختلف في مبادئها وأفكارها عن أصولنا ومعتقداتنا ،وذلك لجملة من األسباب التي
حالت دون ذلك.
الهوامش:
0مصطفى بوجالل ( .)0209علم اإلجتماع المعاصر بين االتجاهات والنظريات ،ديوان المطبوعات الجامعية.
الجزائر.ص093
0إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي.إدارة الصراعات واألزمات الدولية – نظرة مقارنة إلدارة الصراع
العربي اإلسرائيلي في مراحله المختلفة .ص02-09
3منير محمد بدوي ( .)0997مفهوم الصراع " دراسة في األصول النظرية لألسباب واألنواع" .مجلة
دراسات مستقبلية.العدد الثالث .جامعة أسيوط .ص 02-39
0عبد المجيد لبصير .موسوعة علم اإلجتماع ومفاهيم في السياسة واإلقتصاد والثقافة العامة .دار
الهدى ،الجزائر.ص 092-009
9مصطفى خلف عبد الجواد ( .)0229نظرية علم االجتماع المعاصر .دار المسيرة للنشر
والتوزيع.ط ،0األردن .ص010-012
2مصطفى بوجالل :مرجع سابق.ص023-020
7نذير زريبي ( .)0200الوجيز في علم اإلجتماع (نظريات اجتماعية) .منشورات ليجوند .ص009
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية–جامعة الشهيد حمة لخض-الوادي العدد ،02ديسمبر .0202ص ص()092-011
195
د .األزهر ضيف ،أ .جميلة زيدان نقد نظرية الصراع و اسقاطها على الواقع العربي
http://www.alarabiya.net/views/2011/08/05/160884.html
مجلة الدراسات والبحوث االجتماعية–جامعة الشهيد حمة لخض-الوادي العدد ،02ديسمبر .0202ص ص()092-011
196