Professional Documents
Culture Documents
ملخص:
لقد شكل موضوع الصراع االجتماعي مجا اال خصبا للبحث والنقاش والجدال بين املفكرين والتيارات
واملذاهب الفكرية قديما وحديثا .فقد تعددت التفسيرات والتحليالت حولا طبيعته وأسباب حدوثه
ومظاهره ونتائجه .ا
ركز على البحث في األسباب
الفكر املاركس ي بداية الدراسة العلمية للصراع االجتماعي إذ ا
ا لقد شكل
والعوامل والعالقات التي تؤدي إلى حدوث الصراع بين الطبقتين البروليتارية والبرجوازية لكي يتسنى له
معرفة العالقات الجديدة الناشئة من جرائه .هذا وقد عرفت نظرية الصراع مع ملحوظا إذ وسع مجال
بحثه من النطاق االقتصادي إلى املجال السياس ي .ا
الكلمات املفتاحية :الصراع االجتماعي ،النظرية ،كارلا ماكس ،الصراع الطبقي ،رالف داهرندوف .ا
Summary :
The subject of the conflict has been shaped Social space is fertile ground for
research Debate and debate among thinkers Intellectual currents and doctrines Old and
modern. They have multiplied Explanations and analyzes about Nature and causes of
its occurrence and manifestations And its results Marxist thought was a beginning
Scientific study of conflict Focusing on research In causes and factors Relationships
that lead to The conflict between the two classes occurs Proletarian and bourgeoisie
He can know the relationships Emerging from its effects. This I have known the
theory of conflict with Ralph Daherndtvtura remarkable
Extend your search domain To the political sphere
Keywords : Conflict Social, theory, Carl Max, class struggle, Ralph Dahirindov
382
نظرية الصراع االجتماعي من منطق كارل ماركس إلى منطق داهرندوف زيات فيصل – مخطار ديدوش محمد
مقدمة:
يعتبر الحديث عن الصراع االجتماعي من املواضيع التي شكلت مجاال خصبا للبحث والنقاش
والجدال بين املفكرين والتيارات واملذاهب الفكرية قديما وحديثا .فقد تعددت التفسيرات
والتحليالت حول طبيعته وأسباب حدوثه ومظاهره ونتائجه .إن ظاهرة الصراع القائم في
املجتمعات قديم قدم املجتمع ذاته ،فإذا استتبعنا ظهوره تاريخيا نجده موجود في شتى املراحل
التاريخية _ما عدا املرحلة البدائية_ التي مر بها املجتمع في تطوره ،فقد كان الصراع موجود بين
السيد والعبد في املجتمع العبودي ،وبين اإلقطاعي والفالح في املجتمع اإلقطاعي ،وبين البرجوازي
والبروليتاري في املجتمع الرأسمالي .هذا األخير (الصراع) ينتج نتيجة تعارض واختالف املصالح سواء
الشخصية أو الجماعية ،وأيضا نتيجة للرغبة في االستغالل والسيطرة على اآلخرين .ا
لقد ظهرت نظرية الصراع االجتماعي كرد فعل على النظرية الوظيفية التي ركزت على البحث في
العوامل التي تضمن الثبات واالستقرار داخل املجتمع ،مهملة في املقابل من قيمة صراع املصالح
واألهداف الشخصية والجماعية داخل املجتمع .هناك من يربط ظهور هذه النظرية بالفكر
املاركس ي الذي ركز في تحليله للمجتمع على مفهوم الصراع الطبقي بين طبقة البروليتارية والطبقة
البرجوازية باعتباره محرك للتاريخ وعامل تغيير لألوضاع والظروف االجتماعية والسياسية والثقافية
داخل للمجتمع .هذا واستمرت نظرية الصراع بعد ماركس في التطور مع عديد املفكرين والباحثين،
من بينهم املفكر األملاني رالف داهرندوف الذي يرى أن الصراع يتخذ أشكال وأنواع مختلفة ،وأن
طبيعته تختلف من مجتمع آلخر ،كما أنه يحدث نتيجة لعدم االتفاق حول طريقة تقسيم املوارد
املادية التي يتوفر عليها املجتمع .ا
اانطالقا من ذلك ما املقصود بنظرية الصراع االجتماعي؟ كيف نظر وحلل كارل ماركس
فكرة الصراع الطبقي؟ هل نظرية الصراع عند رالف داهرندوف استمرار لنظرية الصراع الطبقي
عند ماركس أم تجاوز لها؟ ا
ا
ISSN 2661-7331 مجلة دراسات في علوم االنسان واملجتمع – جامعة جيجل
رقم العدد التسلسلي 02 مجلد 02 :عدد 01 :مارس2019
383
نظرية الصراع االجتماعي من منطق كارل ماركس إلى منطق داهرندوف زيات فيصل – مخطار ديدوش محمد
ال يكاد يخلوا أي مجتمع اليوم أو فيما مض ى من وجود صراع بداخله ،مهما كان نوع وطبيعة
وحجم ذلك الصراع .فالصراع أصبح صفة مالزمة للحياة االجتماعية والسياسية واالقتصادية .هذا
األخير "يشبر إلى العملية االجتماعية التي تنشأ بين طرفين يوجد بينهما تعارض في املصالح
واالهداف ،ويسعى كل منهم لتحقيق مصالحه وأهدافه مستخدما كافة الوسائل واألساليب سواء
أكانت مشروعة أو غير مشروعة أو يعترف بها أحد األطراف أو عدمه(".عبد هللا ،1999 ،ص )211
فه او في الغالب يأخذ صور األزمة والتوتر والكفاح العدائي .والهدف منه التحكم في سلطة القرار
والتسيير ،وبالتالي تحقيق السيطرة على الطرف اآلخر واستغالله .ا
إن الحديث عن فكرة الصراع في غالب األحيان تقودنا إلى الحديث عن الصراع السياس ي ،باعتباره
النطاق العام الذي يشمل جل أشكال الصراع .وما دمنا نتحدث عن الصراع في املجال السياس ي
فإنه يأتي مرافقا ملفهوم القوة ،فنظرية الصراع االجتماعي تعتبر "من أكثر النظريات
السوسيولوجية ،اقترابا من مفهوم القوة .بحثا وتحليال ونقطة انطالق ،فالصراع كعملة اجتماعية
تجري حتما بين قوى مختلفة ،متساوية أو متباينة في حجمها وقدرتها بل إن املوضوعات االجتماعية
التي يناضل الناس من أجلها ويكافحون (كالثروة واملال والجاه )...هي أساسا مصادر للقوة.
ومرتكزات أساسية الكتسابها ،ولذلك فإن صراع القوة كما تظهره نظرية الصراع ،يعتبر جوهر
الدينامية في الحياة االجتماعية ،وأساس التغيرات فيها(".الحوراني ،2008 ،ص )87وعليه فتفاوت
السيطرة على مصادر القوة داخل املجتمع هو سبب نشوب الصراعات بين أطرافه .ا
يرى راندال كولنز أن نظرية الصراع تقوم على أربع قواعد رئيسية(:الحوراني ،2008 ،ص )87،86ا
)1إن الخاصية املركزية للتنظيم االجتماعي هي التدرج ،الذي يعكس درجة من الالمساواة بين
ا األفراد والجماعات وهيمنة إحداها على األخرى )2 .إن مصالح األفراد والجماعات داخل املجتمع
تقف وراء نضاالتهم ،وهي إما تبقي علة مواقعهم املهيمنة ،أو تخلصهم من هيمنة اآلخرين )3 .إن
الذي يربح هذه النضاالت يعتمد على املصادر التي يسيطر عليها ،وتتضمن املصادر املادية للعنف،
ISSN 2661-7331 مجلة دراسات في علوم االنسان واملجتمع – جامعة جيجل
رقم العدد التسلسلي 02 مجلد 02 :عدد 01 :مارس2019
384
نظرية الصراع االجتماعي من منطق كارل ماركس إلى منطق داهرندوف زيات فيصل – مخطار ديدوش محمد
وللتبادل االقتصادي ،واملصادر الالزمة للتنظيم االجتماعي ،وتشكيل العواطف واألفكار )4 .التغير
االجتماعي ينبثق عن الصراع ومن هنا ،فإن الفترات الزمنية الطويلة من السيطرة الثابتة نسبيا،
توثق سلسلة أحداث درامية مؤثرة ،ومكثفة لحراك الجماعة.
تعتبر نظرية ماركس حول الصراع الطبقي من بين أكثر النظريات التي حظيت باهتمام كبير من قبل
املفكرين والعلماء ،نظرا للتفسيرات والتحليالت العلمية التي قدمتها حول ظاهرة الصراع والتناقض
الحاصل داخل املجتمع الرأسمالي نتيجة التعارض في املصالح واألهداف بين الطبقة العمالية
والطبقة البرجوازية .ا
لقد تبنى كارل ماركس في نظريته املادية ،املنهج الجدلي الذي اشتهر به هيجل .إال أن تبنيه لهذا
املنهج لم يكن مطابقا ملا وضعه هيجل ،بل أخذ منه نواته الجدلية وعدل فيه وحول موضوعه من
جدل األفكار والتصورات العقلية إلى جدل الطبيعة واملجتمع ،أي التحول واالنتقال من صراع
األفكار إلى صراع الطبقات االجتماعية .هذا األخير في حقيقته هو صراع بين من يملكون ومن ال
يملكون ،بين من يملكون وسائل اإلنتاج ،وبين من ال يملكونها" .فموقع األفراد والجماعات من
ملكية وسائل اإلنتاج يحدد وضعهم االجتماعي في بناء القوة داخل املجتمع ،فإما ينتمون إلى
الطبقة املسيطرة أ او الطبقة الخاضعة(".الحوراني ،2008 ،ص )88فنظام امللكية حسب ماركس
هو مصدر جميع الشرور االجتماعية ،لذا يجب الغاؤه وتعويضه بنظام امللكية الجماعية لوسائل
اإلنتاج حتى يسود العدل واملساواة داخل املجتمع .ا
ايعترف ماركس بحقيقة أنه لم يكتشف وجود الطبقات وال الصراع الطبقي ،كما أنه يقر
بأسبقية بعض املفكرين البرجوازيين الذين أشاروا لهذه املفاهيم في تطرقهم لبعض القضايا
املفكر ويدماير :1852ا«أما فيما يتعلق بي اآلن ،فليس
ا االجتماعية .يقول ماركس في رسالة أرسلها إلى
إلى الفضل في اكتشاف وجود الطبقات في املجتمع الحديث ،وال الفضل في اكتشاف الصراع فيما
385
نظرية الصراع االجتماعي من منطق كارل ماركس إلى منطق داهرندوف زيات فيصل – مخطار ديدوش محمد
بينها .فقد سبقني بوقت طويل مؤرخون بورجوازيون إلى عرض التطور التاريخي لصراع الطبقات
هذا ،واقتصاديون بورجوازيون إلى تشريحه اقتصاديا».ا(مراسالت ماركس_ إنجلز ،1973 ،ص )22ا
رغم أسبقية غيره في هذا التحديد ،إال أن هذا لم يمنع ماركس من إضافة بعض اللمحات الجديدة
في هذا املوضوع .يقول في ذلك« :أما الجديد الذي أتيت به فهو _1 :إقامة البرهان على أن وجود
الطبقات ال يرتبط إال بمراحل تاريخية محددة من تطور اإلنتاج _2 ،على أن صراع الطبقات يفض ي
بالضرورة الدكتاتورية البروليتاريا _3 ،على أن هذه الدكتاتورية ال تمثل هي نفسها سوى انتقال
نحو الغاء الطبقات كافة ونحو مجتمع بال طبقات».ا(مراسالت ماركس_ إنجلز ،1973 ،ص )22ا
إن الحياة االجتماعية مليئة بالتناقضات واالختالفات التي تكون أحيانا بين مجتمعات مختلفة
تسعى كل منها لتحقيق أهداف ومصالح معينة .وأحيانا أخرى نجدها بين أفراد املجتمع الواحد.
وكنتيجة لهذه التناقضات فهي تؤدي في كثير من األحيان إلى نشوب صراعات وحروب تعيد تشكيل
خارطة العالقات االجتماعية .يقول ماركس« :إن تاريخ أي مجتمع حتى اآلن ،ليس سوى تاريخ
صراعات طبقية .حر وعبد ،نبيل وعامي ،بارون وقن ،معلم وصانع ،وبكلمة ظاملون ومظلومون ،في
تعارض دائم ،خاضوا حربا متواصلة ،تارة معلنة وطورا مستترة ،حربا كانت تنتهي في كل مرة إما
بتحول ثوري للمجتمع كله ،إما بهالك كلتا الطبقتين املتصارعتين(».ماركس ،1987 ،ص )15لذا
نجد املاركسية تعمل على اكتشاف البنى والقوانين التي تتحكم في هذا الصراع من أجل تحديد
النتيجة التي سيؤول إليها .ا
يرى ماركس أن املجتمع يتألف من بنيتين اثنتين :بنية فوقية ( )SUPERSTRUCTUREوبنية تحية
( ،)INFRASTRUCTUREاألولى تتمثل في مجموع االفكار والقيم الروحية والسياسية والقانونية
واألخالقية والدينية السائدة في املجتمع .أما البنية التحتية فتطلق على مجمل الظروف املادية
االقتصادية واالجتماعية الحاصلة في املجتمع .كما أنها هي التي تتحكم وتحدد البنية الفوقية ،فهذه
األخيرة حسب ماركس مجرد انعكاس للظروف االقتصادية للمجتمع ،وعليه فأي تغير أو تطور
يحدث في البناء التحتي يواكبه تغيير وتحول في البناء الفوقي .ومادام األمر كذلك فإن معرفة
386
نظرية الصراع االجتماعي من منطق كارل ماركس إلى منطق داهرندوف زيات فيصل – مخطار ديدوش محمد
القوانين واألسس التي تتحكم في تطور البنية التحية كفيل ملعرفة كيفية تغير التاريخ وتطوره.هذا
القول ال يعني عدم وجود تفاعل بين هاتين البنيتين وأن كل منهما له صيغته املستقلة عن اآلخر،
بل على العكس هناك تفاعل وتبادل حاصل ،فالعالقة بينهما عالقة تأثير وتأثر .ولوال وجود هذا
التفاعل ملا كانت مادية ماركس مادية ديالكتيكية ،ألن غياب هذا التفاعل يجعل من ماديته مادية
ال تختلف كثيرا عن املادية امليكانيكية التي تميز بها املفكرين املاديين الفرنسيين في القرن الثامن .ا
يرى ماركس أن املجتمع الحديث يتألف من طبقتين رئيسيتين هما :طبقتي البرجوازية والبروليتارية.
العالقة بينهما عالقة صراع وتصادم واستغالل ،البرجوازية تحاول الحفاظ على العالقات السائدة
في املجتمع من منطلق أنها تخدم مصالحها االجتماعية واالقتصادية والسياسية .اوالبروليتارية تعمل
على إحداث الثورة التي تؤدي إلى تغيير املوازين االجتماعية واالقتصادية والتي من شأنها تحسين
ظروف معيشة العمال الكادحين والطبقة الفقيرة بصفة عامة .ا
الجدول التالي يوضح هذه العالقة كاآلتي (:الحوراني ،2008 ،ص )94ا
ا
387
نظرية الصراع االجتماعي من منطق كارل ماركس إلى منطق داهرندوف زيات فيصل – مخطار ديدوش محمد
ال يختلف اثنان في أن الطبقة البرجوازية تستغل بشتى الطرق الطبقة البروليتارية ،بحيث أنه كلما
زاد العمل زاد االستغالل بشكل أوسع ويتحول معه العامل إلى مجرد آلة .هذا من جهة ،ومن جهة
أخرى إن العمال ال يأخذون حقهم الكامل من جراء العمل الذي يقومون به ،بل يأخذون ما
يحتاجونه للعيش وفقط ،أما الباقي فيأخذه صاحب العمل ،وهذا الذي يسمى فائض قيمة عمل
العمال الذي من خالله يتراكم رأس املال في املجتمع الرأسمالي .هذا النهب واالستغالل املقنن الذي
يمارسه املالك على العمال املضطهدين هو الذي دفع بطبقة البروليتاريا إلى املطالبة بتحطيم
الرأسمالية( ،صيام ،2009 ،ص )126وإعالن الثورة عليها ،وهذا من أجل "القضاء على املجتمع
الطبقي ،وتالش ي الدولة وتنظيماتها املختلفة ،وإحالل امللكية العامة مكان امللكية الخاصة والدعوة
إلى الحرية الفردية املستندة إلى إدارة ديمقراطية قائمة على امللكية العامة لوسائل
اإلنتاج(".صديق ،2011 ،ص )330ا
لقد تأثر رالف داهرندوف كثيرا باألفكار واملبادئ التي جاء بها كارل ماركس سواء االجتماعية منها أو
االقتصادية ،وبالخصوص تلك التي تتحدث عن الطبقات والصراع الطبقي .ومع ذلك فتأثره لم
يكن كليا وإنما بدرجة نسبية ،ويظهر ذلك في عدم اتفاقه معه على أن الصراع ليس محصورا بين
العمال ومالكي وسائل اإلنتاج فقط ،وإنما هناك أنواع أخرى من الصراع من بينها الذي يحدث بين
(التمييز العنصري) ،وأيضا بين اآلباء واألبناء داخل األسرة،
ا ذوي البشرة البيضاء والبشرة السوداء
وبين املدرسين والطالب في املدارس والجامعات ...وغيره( .طلعت ،الزيات ،ص )100كما يرى أن
بعض أفكاره لم تعد تتالءم مع طبيعة املجتمعات الحديثة التي عرفت تطورا كبيرا مقارنة بالوقت
الذي كتب فيه ماركس أفكاره .فعلى سبيل املثال لم يعد ذلك املفهوم العام عن الطبقة العاملة
ذات التوجه الواحد واألهداف الواحدة ،بل أصبحت هناك مصالح مختلفة ومكانات متعددة
ألفراد الطبقة الواحدة .كما أن نظام امللكية لم يعد كما كان في السابق ،بل أصبح هناك انفصال
ُ
للملكية عن اإلدارة ،وأخرج املالك من عملية االنتاج وبالتالي القضاء على سلطتهم االستغاللية.
(زايد ،ص )182،181وهذا ما سمح بتحسن ظروف الطبقة العاملة االقتصادية وارتفاع مكانتهم
ISSN 2661-7331 مجلة دراسات في علوم االنسان واملجتمع – جامعة جيجل
رقم العدد التسلسلي 02 مجلد 02 :عدد 01 :مارس2019
388
نظرية الصراع االجتماعي من منطق كارل ماركس إلى منطق داهرندوف زيات فيصل – مخطار ديدوش محمد
االجتماعية .إال أن هذا ليس معناه أن الصراع لم يعد موجود أو ليس له قيمة ،بل بالعكس
فالواقع يثبت أن الصراع لم يغب يوما عن الحياة االجتماعية والسياسية والثقافية واالقتصادية .ا
هذا ويشير داهرند اوف إلى أنه بالرغم من التغيرات والتحديثات التي طرأت على النظام الرأسمالي،
والطبقة الرأسمالية ،وظهور املجتمع ما بعد الرأسمالي ،ونمو الطبقة الوسطى .إال أنه كنظام بقي
محافظ على قوته ومحكما لسيطرته على مصادر الثروة والقوة وأمور الحكم في املجتمع،
(الحوراني ،2008 ،ص )96ويظهر ذلك في وجود حاكم ومحكوم وآمر ومأمور داخل املجتمع ،فكما
هو معروف أينما وجدت القوة والسيطرة ُوجد الخضوع واالستغالل .إن هذه السيطرة والقهر هو ما
يجعل من التنظيمات االجتماعية متسقة ،كما أنه هو أيضا الذي يدفع للتمرد والتغيير واالجتماعي
إلعادة تقسيم القوة وتمركز السلطة ،فالصراع دائما ما ينشأ بين مواقع السيطرة ومواقع الخضوع.
وعليه فالصراع في املجتمع الصناعي يتولد من عالقات السلطة ،ال من عالقات اإلنتاج كما قال
ماركس .فإذا كان الصراع عند ماركس اقتصاديا ماديا ،فإنه عند داهرندوف سياس ي بدرجة أكثر .ا
انطالقا من مفهوم السلطة الذي يعني "احتمال طاعة أشخاص معينين لقائد جماعة
معينة(".زايد ،ص )184يبني داهرندوف نظريته االجتماعية ،فشير إلى أن املجتمع في الغالب يتألف
من جماعتين متضادتين :إحداها مسيطرة ،وأخرى خاضعة .يحدث عادة صراع بينهما نتيجة لوجود
حاالت من عدم الرض ى حول كيفية تقسيم املوارد املادية مثل :السلطة والدخل وامللكية .وأيضا
لوجود "ما يسمى بـ "الرموز الثقافية" وهو نوع من األسباب التي تؤدي إلى انسجام بين البشر أو إلى
خصام .والخصام في هذا السياق قد يتجلى في االختالف على مفهوم السلطة املادية .فمن له الحق
في السلطة وتملكها؟ وملاذا؟ هو سؤال يسمح بنشوب صراع .أما من وجهة نظر ماركسية فإن قضية
العدالة االجتماعية تعد متغيرا بنيويا في إثارة الصراعات االجتماعية طاملا أن هناك توزيع غير عادل
للثروة( ".حجازي ،ص )47
اتتجلى مالمح نظرية الصراع عند داهرندوف بوضوح أكثر في النقاط التالية(:الحوراني،
،2008ص )95ا
389
نظرية الصراع االجتماعي من منطق كارل ماركس إلى منطق داهرندوف زيات فيصل – مخطار ديدوش محمد
_ كل عنصر يسهم في عدم التكامل داخل النسق ويؤدي إلى التغيير .ا
هذا املخطط يعبر باختصار عن نظرية الصراع عند داهرندوف وعن العالقة القائمة بين الجماعات
املسيطرة على السلطة ،والجماعات الخاضعة لها ،كاآلتي(:الحوراني ،2008 ،ص )101ا
ا ُيبرز هذا املخطط بوضوح أن التنظيمات االجتماعية تتألف من جماعتين واحدة مسيطرة
واألخرى خاضعة ،وهذا الوضع املرهون بالقوة والسيطرة سيدفع بالجماعة الخاضعة إلى التمرد،
ويتم ذلك بأن يتبلوروا في جماعات على شكل أحزاب أو نقابات تحدد أهدافها وتعلن عن مصالحها
استعدادا للدخول في تمرد اجتماعي ضد الجماعة املسيطرة ،يفض ي إلى تنظيم اجتماعي جديد
يكون أرضية لصراع الحق ،وهكذا يتم األمر بطريقة جدلية .ا
390
نظرية الصراع االجتماعي من منطق كارل ماركس إلى منطق داهرندوف زيات فيصل – مخطار ديدوش محمد
خاتمة:
في ختام بحثنا هذا نرىا أن الصراع سمة مميزة للحياة االجتماعية ،يحدث نتيجة تعارض املصالح
بين طرفين أو أكثر ،كما أنه يتخذ أشكاال مختلفة ،بحيث أننا نجد الصراع الطبقي عند كارل
ماركس الذي يعتبر في جوهره صراع بين من يملكون وسائل اإلنتاج وبين من ال يملكونها .وملعرفة
النتائج واالتجاه الذي سينتهي إليه والعالقات الجديدة التي ستنشأ من جرائه ،يكفي اكتشاف
العالقات والقوانين التي تتحكم فيه ،وهذا ما تسعى املاركسية للوصول إليه .ا
لقد ركز رالف داهرندوف في نظريته على الصراع باعتباره حالة مستمرة ومتواصلة بين الطبقات
واألفراد التي ستؤدي ال محالة إلى حالة دائمة من التغيير االجتماعي ،إال أن هذا ال يمنع وجود
فترات يسود فيها نوع من الوئام والوفاق التي تضمن بعض االستقرار االجتماعي .فإذا سلمنا بوجود
مجتمع دائم الثبات واالستقرار ،فإننا نقع في اليوتوبيا .وأيضا وجود مجتمع دائم الصراع والتغير
معناه مجتمع متهالك ومحطم وفاقد للقيم .ا
قائمة املراجع:
_ الحوراني .محمد عبد الكريم .)2008( .النظرية املعاصرة في علم االجتماع .ط .1دار )1
مجدالوي .عمان .األردن .ا
_ حجازي .أكرم .النظرية االجتماعية .الجمهورية اليمنية .ا )2
االجتماع .دار الكتب املصرية .مصر .ا
_ زايد .أحمد .علم ا )3
_ صيام .شحاتة .)2009( .النظرية االجتماعية من املرحلة الكالسيكية إلى ما بعد الحداثة. )4
ط .1مصر العربية للنشر والتوزيع .مصر .ا
_ طلعت .ابراهيم لطفي ،الزيات .كمال عبد الحميد .النظرية املعاصرة في علم االجتماع. )5
دار غريب للطباعة .مصر .ا
_ عبد هللا .محمد عبد الرحمن .)1999( .علم االجتماع النشأة والتطورا .دار املعرفة )6
الجامعية .االسكندرية .مصر .ا
ISSN 2661-7331 مجلة دراسات في علوم االنسان واملجتمع – جامعة جيجل
رقم العدد التسلسلي 02 مجلد 02 :عدد 01 :مارس2019
391
نظرية الصراع االجتماعي من منطق كارل ماركس إلى منطق داهرندوف زيات فيصل – مخطار ديدوش محمد
_ ماركس .كار ال .إنجلز .فريدريك .)1987( .بيان الحزب الشيوعي .ترجمة :عصام أمين. )7
ط.1املصدر العربي .ا
_ مراسالت ماركس _ إنجلز .)1973( .ترجمة :جورج طرابيش ي .ط .1دار الطليعة للطباعة )8
والنشر .بيروت .لبنان .ا
املجالت:
392