You are on page 1of 11

‫نظرية الصراع االجتماعي من منطق كارل ماركس إلى منطق داهرندوف‬ ‫زيات فيصل – مخطار ديدوش محمد‬

‫نظرية الصراع االجتماعي‬


‫من منطق كارل ماركس إلى منطق رالف داهرندوف‬
‫‪The theory of social conflict‬‬
‫‪From the logic of Karl Marx to the logic of Ralph dahirndov‬‬
‫مخطار ديدوش محمد‬ ‫د‪ .‬زيات فيصل‬
‫طالب دكتوراه فلسفة‬ ‫أستاذ محاضر ب‬
‫جامعة أبو القاسم سعد هللا _ الجزائر ‪2‬‬ ‫جامعة العربي التبس ي تبسة‬

‫ملخص‪:‬‬
‫لقد شكل موضوع الصراع االجتماعي مجا اال خصبا للبحث والنقاش والجدال بين املفكرين والتيارات‬
‫واملذاهب الفكرية قديما وحديثا‪ .‬فقد تعددت التفسيرات والتحليالت حولا طبيعته وأسباب حدوثه‬
‫ومظاهره ونتائجه‪ .‬ا‬
‫ركز على البحث في األسباب‬
‫الفكر املاركس ي بداية الدراسة العلمية للصراع االجتماعي إذ ا‬
‫ا‬ ‫لقد شكل‬
‫والعوامل والعالقات التي تؤدي إلى حدوث الصراع بين الطبقتين البروليتارية والبرجوازية لكي يتسنى له‬
‫معرفة العالقات الجديدة الناشئة من جرائه‪ .‬هذا وقد عرفت نظرية الصراع مع ملحوظا إذ وسع مجال‬
‫بحثه من النطاق االقتصادي إلى املجال السياس ي ‪ .‬ا‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬الصراع االجتماعي‪ ،‬النظرية‪ ،‬كارلا ماكس‪ ،‬الصراع الطبقي‪ ،‬رالف داهرندوف‪ .‬ا‬
‫‪Summary :‬‬
‫‪The subject of the conflict has been shaped Social space is fertile ground for‬‬
‫‪research Debate and debate among thinkers Intellectual currents and doctrines Old and‬‬
‫‪modern. They have multiplied Explanations and analyzes about Nature and causes of‬‬
‫‪its occurrence and manifestations And its results Marxist thought was a beginning‬‬
‫‪Scientific study of conflict Focusing on research In causes and factors Relationships‬‬
‫‪that lead to The conflict between the two classes occurs Proletarian and bourgeoisie‬‬
‫‪He can know the relationships Emerging from its effects. This I have known the‬‬
‫‪theory of conflict with Ralph Daherndtvtura remarkable‬‬
‫‪Extend your search domain To the political sphere‬‬
‫‪Keywords : Conflict Social, theory, Carl Max, class struggle, Ralph Dahirindov‬‬

‫‪ISSN 2661-7331‬‬ ‫مجلة دراسات في علوم االنسان واملجتمع – جامعة جيجل‬


‫رقم العدد التسلسلي ‪02‬‬ ‫مجلد‪ 02 :‬عدد‪ 01 :‬مارس‪2019‬‬

‫‪382‬‬
‫نظرية الصراع االجتماعي من منطق كارل ماركس إلى منطق داهرندوف‬ ‫زيات فيصل – مخطار ديدوش محمد‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫يعتبر الحديث عن الصراع االجتماعي من املواضيع التي شكلت مجاال خصبا للبحث والنقاش‬
‫والجدال بين املفكرين والتيارات واملذاهب الفكرية قديما وحديثا‪ .‬فقد تعددت التفسيرات‬
‫والتحليالت حول طبيعته وأسباب حدوثه ومظاهره ونتائجه‪ .‬إن ظاهرة الصراع القائم في‬
‫املجتمعات قديم قدم املجتمع ذاته‪ ،‬فإذا استتبعنا ظهوره تاريخيا نجده موجود في شتى املراحل‬
‫التاريخية _ما عدا املرحلة البدائية_ التي مر بها املجتمع في تطوره‪ ،‬فقد كان الصراع موجود بين‬
‫السيد والعبد في املجتمع العبودي‪ ،‬وبين اإلقطاعي والفالح في املجتمع اإلقطاعي‪ ،‬وبين البرجوازي‬
‫والبروليتاري في املجتمع الرأسمالي‪ .‬هذا األخير (الصراع) ينتج نتيجة تعارض واختالف املصالح سواء‬
‫الشخصية أو الجماعية‪ ،‬وأيضا نتيجة للرغبة في االستغالل والسيطرة على اآلخرين‪ .‬ا‬

‫لقد ظهرت نظرية الصراع االجتماعي كرد فعل على النظرية الوظيفية التي ركزت على البحث في‬
‫العوامل التي تضمن الثبات واالستقرار داخل املجتمع‪ ،‬مهملة في املقابل من قيمة صراع املصالح‬
‫واألهداف الشخصية والجماعية داخل املجتمع‪ .‬هناك من يربط ظهور هذه النظرية بالفكر‬
‫املاركس ي الذي ركز في تحليله للمجتمع على مفهوم الصراع الطبقي بين طبقة البروليتارية والطبقة‬
‫البرجوازية باعتباره محرك للتاريخ وعامل تغيير لألوضاع والظروف االجتماعية والسياسية والثقافية‬
‫داخل للمجتمع‪ .‬هذا واستمرت نظرية الصراع بعد ماركس في التطور مع عديد املفكرين والباحثين‪،‬‬
‫من بينهم املفكر األملاني رالف داهرندوف الذي يرى أن الصراع يتخذ أشكال وأنواع مختلفة‪ ،‬وأن‬
‫طبيعته تختلف من مجتمع آلخر‪ ،‬كما أنه يحدث نتيجة لعدم االتفاق حول طريقة تقسيم املوارد‬
‫املادية التي يتوفر عليها املجتمع‪ .‬ا‬

‫اانطالقا من ذلك ما املقصود بنظرية الصراع االجتماعي؟ كيف نظر وحلل كارل ماركس‬
‫فكرة الصراع الطبقي؟ هل نظرية الصراع عند رالف داهرندوف استمرار لنظرية الصراع الطبقي‬
‫عند ماركس أم تجاوز لها؟ ا‬

‫ا‬
‫‪ISSN 2661-7331‬‬ ‫مجلة دراسات في علوم االنسان واملجتمع – جامعة جيجل‬
‫رقم العدد التسلسلي ‪02‬‬ ‫مجلد‪ 02 :‬عدد‪ 01 :‬مارس‪2019‬‬

‫‪383‬‬
‫نظرية الصراع االجتماعي من منطق كارل ماركس إلى منطق داهرندوف‬ ‫زيات فيصل – مخطار ديدوش محمد‬

‫‪ _1‬مفهوم الصراع االجتماعي‪:‬‬

‫ال يكاد يخلوا أي مجتمع اليوم أو فيما مض ى من وجود صراع بداخله‪ ،‬مهما كان نوع وطبيعة‬
‫وحجم ذلك الصراع‪ .‬فالصراع أصبح صفة مالزمة للحياة االجتماعية والسياسية واالقتصادية‪ .‬هذا‬
‫األخير "يشبر إلى العملية االجتماعية التي تنشأ بين طرفين يوجد بينهما تعارض في املصالح‬
‫واالهداف‪ ،‬ويسعى كل منهم لتحقيق مصالحه وأهدافه مستخدما كافة الوسائل واألساليب سواء‬
‫أكانت مشروعة أو غير مشروعة أو يعترف بها أحد األطراف أو عدمه‪(".‬عبد هللا‪ ،1999 ،‬ص ‪)211‬‬
‫فه او في الغالب يأخذ صور األزمة والتوتر والكفاح العدائي‪ .‬والهدف منه التحكم في سلطة القرار‬
‫والتسيير‪ ،‬وبالتالي تحقيق السيطرة على الطرف اآلخر واستغالله‪ .‬ا‬

‫إن الحديث عن فكرة الصراع في غالب األحيان تقودنا إلى الحديث عن الصراع السياس ي‪ ،‬باعتباره‬
‫النطاق العام الذي يشمل جل أشكال الصراع‪ .‬وما دمنا نتحدث عن الصراع في املجال السياس ي‬
‫فإنه يأتي مرافقا ملفهوم القوة‪ ،‬فنظرية الصراع االجتماعي تعتبر "من أكثر النظريات‬
‫السوسيولوجية‪ ،‬اقترابا من مفهوم القوة‪ .‬بحثا وتحليال ونقطة انطالق‪ ،‬فالصراع كعملة اجتماعية‬
‫تجري حتما بين قوى مختلفة‪ ،‬متساوية أو متباينة في حجمها وقدرتها بل إن املوضوعات االجتماعية‬
‫التي يناضل الناس من أجلها ويكافحون (كالثروة واملال والجاه ‪ )...‬هي أساسا مصادر للقوة‪.‬‬
‫ومرتكزات أساسية الكتسابها‪ ،‬ولذلك فإن صراع القوة كما تظهره نظرية الصراع‪ ،‬يعتبر جوهر‬
‫الدينامية في الحياة االجتماعية‪ ،‬وأساس التغيرات فيها‪(".‬الحوراني‪ ،2008 ،‬ص ‪ )87‬وعليه فتفاوت‬
‫السيطرة على مصادر القوة داخل املجتمع هو سبب نشوب الصراعات بين أطرافه‪ .‬ا‬

‫يرى راندال كولنز أن نظرية الصراع تقوم على أربع قواعد رئيسية‪(:‬الحوراني‪ ،2008 ،‬ص ‪ )87،86‬ا‬

‫‪ )1‬إن الخاصية املركزية للتنظيم االجتماعي هي التدرج‪ ،‬الذي يعكس درجة من الالمساواة بين‬
‫ا األفراد والجماعات وهيمنة إحداها على األخرى‪ )2 .‬إن مصالح األفراد والجماعات داخل املجتمع‬
‫تقف وراء نضاالتهم‪ ،‬وهي إما تبقي علة مواقعهم املهيمنة‪ ،‬أو تخلصهم من هيمنة اآلخرين‪ )3 .‬إن‬
‫الذي يربح هذه النضاالت يعتمد على املصادر التي يسيطر عليها‪ ،‬وتتضمن املصادر املادية للعنف‪،‬‬
‫‪ISSN 2661-7331‬‬ ‫مجلة دراسات في علوم االنسان واملجتمع – جامعة جيجل‬
‫رقم العدد التسلسلي ‪02‬‬ ‫مجلد‪ 02 :‬عدد‪ 01 :‬مارس‪2019‬‬

‫‪384‬‬
‫نظرية الصراع االجتماعي من منطق كارل ماركس إلى منطق داهرندوف‬ ‫زيات فيصل – مخطار ديدوش محمد‬

‫وللتبادل االقتصادي‪ ،‬واملصادر الالزمة للتنظيم االجتماعي‪ ،‬وتشكيل العواطف واألفكار‪ )4 .‬التغير‬
‫االجتماعي ينبثق عن الصراع ومن هنا‪ ،‬فإن الفترات الزمنية الطويلة من السيطرة الثابتة نسبيا‪،‬‬
‫توثق سلسلة أحداث درامية مؤثرة‪ ،‬ومكثفة لحراك الجماعة‪.‬‬

‫‪ _2‬الصراع الطبقي عند كارل ماركس‪:‬‬

‫تعتبر نظرية ماركس حول الصراع الطبقي من بين أكثر النظريات التي حظيت باهتمام كبير من قبل‬
‫املفكرين والعلماء‪ ،‬نظرا للتفسيرات والتحليالت العلمية التي قدمتها حول ظاهرة الصراع والتناقض‬
‫الحاصل داخل املجتمع الرأسمالي نتيجة التعارض في املصالح واألهداف بين الطبقة العمالية‬
‫والطبقة البرجوازية‪ .‬ا‬

‫لقد تبنى كارل ماركس في نظريته املادية‪ ،‬املنهج الجدلي الذي اشتهر به هيجل‪ .‬إال أن تبنيه لهذا‬
‫املنهج لم يكن مطابقا ملا وضعه هيجل‪ ،‬بل أخذ منه نواته الجدلية وعدل فيه وحول موضوعه من‬
‫جدل األفكار والتصورات العقلية إلى جدل الطبيعة واملجتمع‪ ،‬أي التحول واالنتقال من صراع‬
‫األفكار إلى صراع الطبقات االجتماعية‪ .‬هذا األخير في حقيقته هو صراع بين من يملكون ومن ال‬
‫يملكون‪ ،‬بين من يملكون وسائل اإلنتاج‪ ،‬وبين من ال يملكونها‪" .‬فموقع األفراد والجماعات من‬
‫ملكية وسائل اإلنتاج يحدد وضعهم االجتماعي في بناء القوة داخل املجتمع‪ ،‬فإما ينتمون إلى‬
‫الطبقة املسيطرة أ او الطبقة الخاضعة‪(".‬الحوراني‪ ،2008 ،‬ص ‪ )88‬فنظام امللكية حسب ماركس‬
‫هو مصدر جميع الشرور االجتماعية‪ ،‬لذا يجب الغاؤه وتعويضه بنظام امللكية الجماعية لوسائل‬
‫اإلنتاج حتى يسود العدل واملساواة داخل املجتمع‪ .‬ا‬

‫ايعترف ماركس بحقيقة أنه لم يكتشف وجود الطبقات وال الصراع الطبقي‪ ،‬كما أنه يقر‬
‫بأسبقية بعض املفكرين البرجوازيين الذين أشاروا لهذه املفاهيم في تطرقهم لبعض القضايا‬
‫املفكر ويدماير ‪:1852‬ا«أما فيما يتعلق بي اآلن‪ ،‬فليس‬
‫ا‬ ‫االجتماعية‪ .‬يقول ماركس في رسالة أرسلها إلى‬
‫إلى الفضل في اكتشاف وجود الطبقات في املجتمع الحديث‪ ،‬وال الفضل في اكتشاف الصراع فيما‬

‫‪ISSN 2661-7331‬‬ ‫مجلة دراسات في علوم االنسان واملجتمع – جامعة جيجل‬


‫رقم العدد التسلسلي ‪02‬‬ ‫مجلد‪ 02 :‬عدد‪ 01 :‬مارس‪2019‬‬

‫‪385‬‬
‫نظرية الصراع االجتماعي من منطق كارل ماركس إلى منطق داهرندوف‬ ‫زيات فيصل – مخطار ديدوش محمد‬

‫بينها‪ .‬فقد سبقني بوقت طويل مؤرخون بورجوازيون إلى عرض التطور التاريخي لصراع الطبقات‬
‫هذا‪ ،‬واقتصاديون بورجوازيون إلى تشريحه اقتصاديا‪».‬ا(مراسالت ماركس_ إنجلز‪ ،1973 ،‬ص ‪ )22‬ا‬

‫رغم أسبقية غيره في هذا التحديد‪ ،‬إال أن هذا لم يمنع ماركس من إضافة بعض اللمحات الجديدة‬
‫في هذا املوضوع‪ .‬يقول في ذلك‪« :‬أما الجديد الذي أتيت به فهو‪ _1 :‬إقامة البرهان على أن وجود‬
‫الطبقات ال يرتبط إال بمراحل تاريخية محددة من تطور اإلنتاج‪ _2 ،‬على أن صراع الطبقات يفض ي‬
‫بالضرورة الدكتاتورية البروليتاريا‪ _3 ،‬على أن هذه الدكتاتورية ال تمثل هي نفسها سوى انتقال‬
‫نحو الغاء الطبقات كافة ونحو مجتمع بال طبقات‪».‬ا(مراسالت ماركس_ إنجلز‪ ،1973 ،‬ص ‪ )22‬ا‬

‫إن الحياة االجتماعية مليئة بالتناقضات واالختالفات التي تكون أحيانا بين مجتمعات مختلفة‬
‫تسعى كل منها لتحقيق أهداف ومصالح معينة‪ .‬وأحيانا أخرى نجدها بين أفراد املجتمع الواحد‪.‬‬
‫وكنتيجة لهذه التناقضات فهي تؤدي في كثير من األحيان إلى نشوب صراعات وحروب تعيد تشكيل‬
‫خارطة العالقات االجتماعية‪ .‬يقول ماركس‪« :‬إن تاريخ أي مجتمع حتى اآلن‪ ،‬ليس سوى تاريخ‬
‫صراعات طبقية‪ .‬حر وعبد‪ ،‬نبيل وعامي‪ ،‬بارون وقن‪ ،‬معلم وصانع‪ ،‬وبكلمة ظاملون ومظلومون‪ ،‬في‬
‫تعارض دائم‪ ،‬خاضوا حربا متواصلة‪ ،‬تارة معلنة وطورا مستترة‪ ،‬حربا كانت تنتهي في كل مرة إما‬
‫بتحول ثوري للمجتمع كله‪ ،‬إما بهالك كلتا الطبقتين املتصارعتين‪(».‬ماركس‪ ،1987 ،‬ص ‪ )15‬لذا‬
‫نجد املاركسية تعمل على اكتشاف البنى والقوانين التي تتحكم في هذا الصراع من أجل تحديد‬
‫النتيجة التي سيؤول إليها‪ .‬ا‬

‫يرى ماركس أن املجتمع يتألف من بنيتين اثنتين‪ :‬بنية فوقية (‪ )SUPERSTRUCTURE‬وبنية تحية‬
‫(‪ ،)INFRASTRUCTURE‬األولى تتمثل في مجموع االفكار والقيم الروحية والسياسية والقانونية‬
‫واألخالقية والدينية السائدة في املجتمع‪ .‬أما البنية التحتية فتطلق على مجمل الظروف املادية‬
‫االقتصادية واالجتماعية الحاصلة في املجتمع‪ .‬كما أنها هي التي تتحكم وتحدد البنية الفوقية‪ ،‬فهذه‬
‫األخيرة حسب ماركس مجرد انعكاس للظروف االقتصادية للمجتمع‪ ،‬وعليه فأي تغير أو تطور‬
‫يحدث في البناء التحتي يواكبه تغيير وتحول في البناء الفوقي‪ .‬ومادام األمر كذلك فإن معرفة‬

‫‪ISSN 2661-7331‬‬ ‫مجلة دراسات في علوم االنسان واملجتمع – جامعة جيجل‬


‫رقم العدد التسلسلي ‪02‬‬ ‫مجلد‪ 02 :‬عدد‪ 01 :‬مارس‪2019‬‬

‫‪386‬‬
‫نظرية الصراع االجتماعي من منطق كارل ماركس إلى منطق داهرندوف‬ ‫زيات فيصل – مخطار ديدوش محمد‬

‫القوانين واألسس التي تتحكم في تطور البنية التحية كفيل ملعرفة كيفية تغير التاريخ وتطوره‪.‬هذا‬
‫القول ال يعني عدم وجود تفاعل بين هاتين البنيتين وأن كل منهما له صيغته املستقلة عن اآلخر‪،‬‬
‫بل على العكس هناك تفاعل وتبادل حاصل‪ ،‬فالعالقة بينهما عالقة تأثير وتأثر‪ .‬ولوال وجود هذا‬
‫التفاعل ملا كانت مادية ماركس مادية ديالكتيكية‪ ،‬ألن غياب هذا التفاعل يجعل من ماديته مادية‬
‫ال تختلف كثيرا عن املادية امليكانيكية التي تميز بها املفكرين املاديين الفرنسيين في القرن الثامن‪ .‬ا‬

‫يرى ماركس أن املجتمع الحديث يتألف من طبقتين رئيسيتين هما‪ :‬طبقتي البرجوازية والبروليتارية‪.‬‬
‫العالقة بينهما عالقة صراع وتصادم واستغالل‪ ،‬البرجوازية تحاول الحفاظ على العالقات السائدة‬
‫في املجتمع من منطلق أنها تخدم مصالحها االجتماعية واالقتصادية والسياسية‪ .‬اوالبروليتارية تعمل‬
‫على إحداث الثورة التي تؤدي إلى تغيير املوازين االجتماعية واالقتصادية والتي من شأنها تحسين‬
‫ظروف معيشة العمال الكادحين والطبقة الفقيرة بصفة عامة‪ .‬ا‬

‫الجدول التالي يوضح هذه العالقة كاآلتي‪ (:‬الحوراني‪ ،2008 ،‬ص ‪ )94‬ا‬

‫ا‬

‫‪ISSN 2661-7331‬‬ ‫مجلة دراسات في علوم االنسان واملجتمع – جامعة جيجل‬


‫رقم العدد التسلسلي ‪02‬‬ ‫مجلد‪ 02 :‬عدد‪ 01 :‬مارس‪2019‬‬

‫‪387‬‬
‫نظرية الصراع االجتماعي من منطق كارل ماركس إلى منطق داهرندوف‬ ‫زيات فيصل – مخطار ديدوش محمد‬

‫ال يختلف اثنان في أن الطبقة البرجوازية تستغل بشتى الطرق الطبقة البروليتارية‪ ،‬بحيث أنه كلما‬
‫زاد العمل زاد االستغالل بشكل أوسع ويتحول معه العامل إلى مجرد آلة‪ .‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة‬
‫أخرى إن العمال ال يأخذون حقهم الكامل من جراء العمل الذي يقومون به‪ ،‬بل يأخذون ما‬
‫يحتاجونه للعيش وفقط‪ ،‬أما الباقي فيأخذه صاحب العمل‪ ،‬وهذا الذي يسمى فائض قيمة عمل‬
‫العمال الذي من خالله يتراكم رأس املال في املجتمع الرأسمالي‪ .‬هذا النهب واالستغالل املقنن الذي‬
‫يمارسه املالك على العمال املضطهدين هو الذي دفع بطبقة البروليتاريا إلى املطالبة بتحطيم‬
‫الرأسمالية‪( ،‬صيام‪ ،2009 ،‬ص ‪ )126‬وإعالن الثورة عليها‪ ،‬وهذا من أجل "القضاء على املجتمع‬
‫الطبقي‪ ،‬وتالش ي الدولة وتنظيماتها املختلفة‪ ،‬وإحالل امللكية العامة مكان امللكية الخاصة والدعوة‬
‫إلى الحرية الفردية املستندة إلى إدارة ديمقراطية قائمة على امللكية العامة لوسائل‬
‫اإلنتاج‪(".‬صديق‪ ،2011 ،‬ص ‪ )330‬ا‬

‫‪ _2‬الصراع االجتماعي عند رالف داهرندوف‪:‬‬

‫لقد تأثر رالف داهرندوف كثيرا باألفكار واملبادئ التي جاء بها كارل ماركس سواء االجتماعية منها أو‬
‫االقتصادية‪ ،‬وبالخصوص تلك التي تتحدث عن الطبقات والصراع الطبقي‪ .‬ومع ذلك فتأثره لم‬
‫يكن كليا وإنما بدرجة نسبية‪ ،‬ويظهر ذلك في عدم اتفاقه معه على أن الصراع ليس محصورا بين‬
‫العمال ومالكي وسائل اإلنتاج فقط‪ ،‬وإنما هناك أنواع أخرى من الصراع من بينها الذي يحدث بين‬
‫(التمييز العنصري)‪ ،‬وأيضا بين اآلباء واألبناء داخل األسرة‪،‬‬
‫ا‬ ‫ذوي البشرة البيضاء والبشرة السوداء‬
‫وبين املدرسين والطالب في املدارس والجامعات ‪ ...‬وغيره‪( .‬طلعت‪ ،‬الزيات‪ ،‬ص ‪ )100‬كما يرى أن‬
‫بعض أفكاره لم تعد تتالءم مع طبيعة املجتمعات الحديثة التي عرفت تطورا كبيرا مقارنة بالوقت‬
‫الذي كتب فيه ماركس أفكاره‪ .‬فعلى سبيل املثال لم يعد ذلك املفهوم العام عن الطبقة العاملة‬
‫ذات التوجه الواحد واألهداف الواحدة‪ ،‬بل أصبحت هناك مصالح مختلفة ومكانات متعددة‬
‫ألفراد الطبقة الواحدة‪ .‬كما أن نظام امللكية لم يعد كما كان في السابق‪ ،‬بل أصبح هناك انفصال‬
‫ُ‬
‫للملكية عن اإلدارة‪ ،‬وأخرج املالك من عملية االنتاج وبالتالي القضاء على سلطتهم االستغاللية‪.‬‬
‫(زايد‪ ،‬ص ‪ )182،181‬وهذا ما سمح بتحسن ظروف الطبقة العاملة االقتصادية وارتفاع مكانتهم‬
‫‪ISSN 2661-7331‬‬ ‫مجلة دراسات في علوم االنسان واملجتمع – جامعة جيجل‬
‫رقم العدد التسلسلي ‪02‬‬ ‫مجلد‪ 02 :‬عدد‪ 01 :‬مارس‪2019‬‬

‫‪388‬‬
‫نظرية الصراع االجتماعي من منطق كارل ماركس إلى منطق داهرندوف‬ ‫زيات فيصل – مخطار ديدوش محمد‬

‫االجتماعية‪ .‬إال أن هذا ليس معناه أن الصراع لم يعد موجود أو ليس له قيمة‪ ،‬بل بالعكس‬
‫فالواقع يثبت أن الصراع لم يغب يوما عن الحياة االجتماعية والسياسية والثقافية واالقتصادية‪ .‬ا‬

‫هذا ويشير داهرند اوف إلى أنه بالرغم من التغيرات والتحديثات التي طرأت على النظام الرأسمالي‪،‬‬
‫والطبقة الرأسمالية‪ ،‬وظهور املجتمع ما بعد الرأسمالي‪ ،‬ونمو الطبقة الوسطى‪ .‬إال أنه كنظام بقي‬
‫محافظ على قوته ومحكما لسيطرته على مصادر الثروة والقوة وأمور الحكم في املجتمع‪،‬‬
‫(الحوراني‪ ،2008 ،‬ص ‪ )96‬ويظهر ذلك في وجود حاكم ومحكوم وآمر ومأمور داخل املجتمع‪ ،‬فكما‬
‫هو معروف أينما وجدت القوة والسيطرة ُوجد الخضوع واالستغالل‪ .‬إن هذه السيطرة والقهر هو ما‬
‫يجعل من التنظيمات االجتماعية متسقة‪ ،‬كما أنه هو أيضا الذي يدفع للتمرد والتغيير واالجتماعي‬
‫إلعادة تقسيم القوة وتمركز السلطة‪ ،‬فالصراع دائما ما ينشأ بين مواقع السيطرة ومواقع الخضوع‪.‬‬
‫وعليه فالصراع في املجتمع الصناعي يتولد من عالقات السلطة‪ ،‬ال من عالقات اإلنتاج كما قال‬
‫ماركس‪ .‬فإذا كان الصراع عند ماركس اقتصاديا ماديا‪ ،‬فإنه عند داهرندوف سياس ي بدرجة أكثر‪ .‬ا‬

‫انطالقا من مفهوم السلطة الذي يعني "احتمال طاعة أشخاص معينين لقائد جماعة‬
‫معينة‪(".‬زايد‪ ،‬ص ‪ )184‬يبني داهرندوف نظريته االجتماعية‪ ،‬فشير إلى أن املجتمع في الغالب يتألف‬
‫من جماعتين متضادتين‪ :‬إحداها مسيطرة‪ ،‬وأخرى خاضعة‪ .‬يحدث عادة صراع بينهما نتيجة لوجود‬
‫حاالت من عدم الرض ى حول كيفية تقسيم املوارد املادية مثل‪ :‬السلطة والدخل وامللكية‪ .‬وأيضا‬
‫لوجود "ما يسمى بـ "الرموز الثقافية" وهو نوع من األسباب التي تؤدي إلى انسجام بين البشر أو إلى‬
‫خصام‪ .‬والخصام في هذا السياق قد يتجلى في االختالف على مفهوم السلطة املادية‪ .‬فمن له الحق‬
‫في السلطة وتملكها؟ وملاذا؟ هو سؤال يسمح بنشوب صراع‪ .‬أما من وجهة نظر ماركسية فإن قضية‬
‫العدالة االجتماعية تعد متغيرا بنيويا في إثارة الصراعات االجتماعية طاملا أن هناك توزيع غير عادل‬
‫للثروة‪( ".‬حجازي‪ ،‬ص ‪)47‬‬

‫اتتجلى مالمح نظرية الصراع عند داهرندوف بوضوح أكثر في النقاط التالية‪(:‬الحوراني‪،‬‬
‫‪ ،2008‬ص ‪ )95‬ا‬

‫‪ISSN 2661-7331‬‬ ‫مجلة دراسات في علوم االنسان واملجتمع – جامعة جيجل‬


‫رقم العدد التسلسلي ‪02‬‬ ‫مجلد‪ 02 :‬عدد‪ 01 :‬مارس‪2019‬‬

‫‪389‬‬
‫نظرية الصراع االجتماعي من منطق كارل ماركس إلى منطق داهرندوف‬ ‫زيات فيصل – مخطار ديدوش محمد‬

‫_ كل مجتمع عرضة لعمليات التغيير‪ .‬ا‬

‫_ كل مجتمع يتضمن الصراع والالاتفاق وهي عملية شمولية‪ .‬ا‬

‫_ كل عنصر يسهم في عدم التكامل داخل النسق ويؤدي إلى التغيير‪ .‬ا‬

‫_ كل مجتمع يرتكز على قهر بعض أعضائه للبعض اآلخر‪ .‬ا‬

‫هذا املخطط يعبر باختصار عن نظرية الصراع عند داهرندوف وعن العالقة القائمة بين الجماعات‬
‫املسيطرة على السلطة‪ ،‬والجماعات الخاضعة لها‪ ،‬كاآلتي‪(:‬الحوراني‪ ،2008 ،‬ص ‪ )101‬ا‬

‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬

‫ا ُيبرز هذا املخطط بوضوح أن التنظيمات االجتماعية تتألف من جماعتين واحدة مسيطرة‬
‫واألخرى خاضعة‪ ،‬وهذا الوضع املرهون بالقوة والسيطرة سيدفع بالجماعة الخاضعة إلى التمرد‪،‬‬
‫ويتم ذلك بأن يتبلوروا في جماعات على شكل أحزاب أو نقابات تحدد أهدافها وتعلن عن مصالحها‬
‫استعدادا للدخول في تمرد اجتماعي ضد الجماعة املسيطرة‪ ،‬يفض ي إلى تنظيم اجتماعي جديد‬
‫يكون أرضية لصراع الحق‪ ،‬وهكذا يتم األمر بطريقة جدلية‪ .‬ا‬

‫‪ISSN 2661-7331‬‬ ‫مجلة دراسات في علوم االنسان واملجتمع – جامعة جيجل‬


‫رقم العدد التسلسلي ‪02‬‬ ‫مجلد‪ 02 :‬عدد‪ 01 :‬مارس‪2019‬‬

‫‪390‬‬
‫نظرية الصراع االجتماعي من منطق كارل ماركس إلى منطق داهرندوف‬ ‫زيات فيصل – مخطار ديدوش محمد‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫في ختام بحثنا هذا نرىا أن الصراع سمة مميزة للحياة االجتماعية‪ ،‬يحدث نتيجة تعارض املصالح‬
‫بين طرفين أو أكثر‪ ،‬كما أنه يتخذ أشكاال مختلفة‪ ،‬بحيث أننا نجد الصراع الطبقي عند كارل‬
‫ماركس الذي يعتبر في جوهره صراع بين من يملكون وسائل اإلنتاج وبين من ال يملكونها‪ .‬وملعرفة‬
‫النتائج واالتجاه الذي سينتهي إليه والعالقات الجديدة التي ستنشأ من جرائه‪ ،‬يكفي اكتشاف‬
‫العالقات والقوانين التي تتحكم فيه‪ ،‬وهذا ما تسعى املاركسية للوصول إليه‪ .‬ا‬

‫لقد ركز رالف داهرندوف في نظريته على الصراع باعتباره حالة مستمرة ومتواصلة بين الطبقات‬
‫واألفراد التي ستؤدي ال محالة إلى حالة دائمة من التغيير االجتماعي‪ ،‬إال أن هذا ال يمنع وجود‬
‫فترات يسود فيها نوع من الوئام والوفاق التي تضمن بعض االستقرار االجتماعي‪ .‬فإذا سلمنا بوجود‬
‫مجتمع دائم الثبات واالستقرار‪ ،‬فإننا نقع في اليوتوبيا‪ .‬وأيضا وجود مجتمع دائم الصراع والتغير‬
‫معناه مجتمع متهالك ومحطم وفاقد للقيم‪ .‬ا‬

‫قائمة املراجع‪:‬‬

‫_ الحوراني‪ .‬محمد عبد الكريم‪ .)2008( .‬النظرية املعاصرة في علم االجتماع‪ .‬ط ‪ .1‬دار‬ ‫‪)1‬‬
‫مجدالوي‪ .‬عمان‪ .‬األردن‪ .‬ا‬
‫_ حجازي‪ .‬أكرم‪ .‬النظرية االجتماعية‪ .‬الجمهورية اليمنية‪ .‬ا‬ ‫‪)2‬‬
‫االجتماع‪ .‬دار الكتب املصرية‪ .‬مصر‪ .‬ا‬
‫_ زايد‪ .‬أحمد‪ .‬علم ا‬ ‫‪)3‬‬
‫_ صيام‪ .‬شحاتة‪ .)2009( .‬النظرية االجتماعية من املرحلة الكالسيكية إلى ما بعد الحداثة‪.‬‬ ‫‪)4‬‬
‫ط ‪ .1‬مصر العربية للنشر والتوزيع‪ .‬مصر‪ .‬ا‬
‫_ طلعت‪ .‬ابراهيم لطفي‪ ،‬الزيات‪ .‬كمال عبد الحميد‪ .‬النظرية املعاصرة في علم االجتماع‪.‬‬ ‫‪)5‬‬
‫دار غريب للطباعة‪ .‬مصر‪ .‬ا‬
‫_ عبد هللا‪ .‬محمد عبد الرحمن‪ .)1999( .‬علم االجتماع النشأة والتطورا‪ .‬دار املعرفة‬ ‫‪)6‬‬
‫الجامعية‪ .‬االسكندرية‪ .‬مصر‪ .‬ا‬
‫‪ISSN 2661-7331‬‬ ‫مجلة دراسات في علوم االنسان واملجتمع – جامعة جيجل‬
‫رقم العدد التسلسلي ‪02‬‬ ‫مجلد‪ 02 :‬عدد‪ 01 :‬مارس‪2019‬‬

‫‪391‬‬
‫نظرية الصراع االجتماعي من منطق كارل ماركس إلى منطق داهرندوف‬ ‫زيات فيصل – مخطار ديدوش محمد‬

‫_ ماركس‪ .‬كار ال‪ .‬إنجلز‪ .‬فريدريك‪ .)1987( .‬بيان الحزب الشيوعي‪ .‬ترجمة‪ :‬عصام أمين‪.‬‬ ‫‪)7‬‬
‫ط‪.1‬املصدر العربي‪ .‬ا‬
‫_ مراسالت ماركس _ إنجلز‪ .)1973( .‬ترجمة‪ :‬جورج طرابيش ي‪ .‬ط ‪ .1‬دار الطليعة للطباعة‬ ‫‪)8‬‬
‫والنشر‪ .‬بيروت‪ .‬لبنان‪ .‬ا‬
‫املجالت‪:‬‬

‫_ صديق‪ .‬حسين‪".)2011( .‬االتجاهات النظرية التقليدية لدراسة التنظيمات االجتماعية عرض‬


‫وتقويم"‪ .‬مجلة جامعة دمشق‪ .‬املجلد ‪.27‬العدد الثالث‪ +‬الرابع‪.‬‬

‫‪ISSN 2661-7331‬‬ ‫مجلة دراسات في علوم االنسان واملجتمع – جامعة جيجل‬


‫رقم العدد التسلسلي ‪02‬‬ ‫مجلد‪ 02 :‬عدد‪ 01 :‬مارس‪2019‬‬

‫‪392‬‬

You might also like