You are on page 1of 4

‫"الجزائر‪ :‬صندوق النقد الدولي أم تحالف دول "بريكس‬

‫محجوب بن بال ‪ -‬الجزائر‬

‫* عمر بن درة‬

‫‪10/4/2013‬‬

‫انعقاد ق ّم ة دول «بريكس» الخمس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) في مدينة «دوربان» بتاريخ ‪ 26‬و‪ 27‬آذار‪/‬مارس‬
‫الماضي‪ ،‬حدث سياسي رئيسي‪ ،‬يحمل في طياته أمالً حقيقيا ً بإمكان وقوع تحوالت على النظام االقتصادي العالمي‪ ،‬عبر إرساء نظام بديل‬
‫عن ذلك التي تمسك به مؤسسات‪« I‬بريتن وودز»‪ .‬وقد القت القمة اهتماما ً كبيراً في الجزائر‪ .‬فالجزائريون‪ ،‬الذين يتذكرون بألم أزمة‬
‫المديونية التي ضربت بالدهم بعمق وعنف في نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي‪ ،‬تتملكهم حماسة كبيرة إزاء مثل تلك المشاريع‪.‬‬
‫وقد اس ُت قبل بإيجابية كبيرة اإلعالن الذي صدر من تلك المدينة األفريقية (والقارة السمراء عانت‪ ،‬مع أميركا الالتينية‪ ،‬أكبر معاناة‪ I‬من‬
‫االصالحات‪ I‬الهيكلية لصندوق النقد الدولي‪ ،‬ومن خيارات االستثمار التي فرضها البنك الدولي)‪ ،‬عن إنشاء مصرف لتنمية الجنوب برصيد‬
‫‪ 50.‬مليار دوالر‪ ،‬و«صندوق احتياط للطوارئ» بقيمة ‪ 100‬مليار دوالر‬

‫وأتاح عدد كبير من المقاالت الصحافية للرأي العام الجزائري متابعة وقائع القمة واالطالع على مقرراتها‪ ،‬خصوصا ً ا ّنها تلت ببضعة أيام‬
‫زيارة المديرة العامة لصندوق النقد الدولي‪ ،‬السيدة كريستين الغارد‪ ،‬إلى الجزائر العاصمة (في ‪ 13‬و‪ 14‬آذار‪/‬مارس الماضي)‪ ،‬وهي‬
‫‪.‬التي أتت لـ«تشكر الجزائر على القرض الذي قدمته إلى «صندوق النقد»‪ ،‬بحسب تعابيرها‬

‫مسخرة اقراض الجزائر صندوق النقد الدولي‬

‫أثار اإلعالن الذي صدر في تشرين األول‪/‬أكتوبر ‪ 2012‬عن قرض من الجزائر لصندوق النقد الدولي بقيمة ‪ 5‬مليارات دوالر‪ ،‬وبفائدة‬
‫أقل من ‪ 1‬في المئة‪ ،‬الحيرة لدى العديد من االقتصاديين الذين وجدوا في ذلك مثاالً آخر عن تبذير االحتياطيات النقدية المتراكمة بفضل‬
‫االستغالل المفرط للثروات األحفورية‪ .‬من ناحية الجدارة االئتمانية‪ ،‬فإنّ صندوق النقد الدولي هو مدين من الطراز الرفيع‪ ،‬لكن من جهة‬
‫الفاعلية بالنسبة للجزائر‪ ،‬كان األجدر من دون شك عدم استخراج النفط أو الغاز الذي وف ّر هذا االحتياط المالي البالغة قيمته خمسة‬
‫‪.‬مليارات دوالر‪ ،‬والذي تسعى السلطات الجزائرية إلى توظيفه بعائد رمزي‪ .‬فهذا أيضا تبذير‬
‫وبغض النظر عن تعبير الغارد عن االمتنان‪ ،‬تجدر االشارة إلى أن هذا القرض ال يع ّزز حقا ً مكانة الجزائر داخل صندوق النقد الدولي‬
‫يط را عليه من قبل الغربيين أكثر من أي وقت مضى‪ .‬ومكانة الجزائر داخل صندوق النقد الدولي ثانوية تماماً‪ ،‬بما أنّ حصّة‬ ‫الذي بات ُم َس َ‬
‫أو «حقوق السحب الخاصة»‪ DTS (،‬الكوتا الخاصة بهذا البلد انخفضت نسبيا ً منذ مضاعفة رأسمال صندوق النقد الدولي‪ ،‬من ‪ 238‬مليار‬
‫وهي وحدة قياس مالي تستند الى متوسط أربع عمالت عالمية‪ ،‬وهذا «اختراع» لصندوق النقد نفسه بغاية توفير استقرار سعر صرف‬
‫في كانون األول‪/‬ديسمبر ‪ .2010‬وكانت الجزائر تملك‪ ،‬منذ العام ‪ DTS‬إلى حوالى ‪ 477‬مليار )العمالت‪ I‬الوطنية للبلدان االعضاء فيه‬
‫التي يملكها صندوق النقد‪ .‬ومن خالل عدم ‪ DTS‬أي ‪ 0.53‬في المئة من مجموع ‪ ،2008 DTS،‬كوتا تبلغ قيمتها حوالى ‪ 1255‬مليون‬
‫أي بما ال يزيد عن ‪ 0.41‬من ‪ DTS،‬رفعها إال بمقدار ‪ 705‬مليون وحدة‪ ،‬فقد أوصلت الجزائر مساهمتها‪ I‬إلى حوالى ‪ 1.960‬مليون‬
‫‪.‬رأسمال صندوق النقد الدولي‬

‫!أعطوا تونس بدال من صندوق النقد الدولي‬

‫وهذه المليارات الخمسة‪ I‬من الدوالرات التي ٌأقرضتها الجزائر للمؤسسة التي ترئسها كريستين الغارد‪( ،‬الرئيسة السابقة لمكتب المحاماة‪I‬‬
‫العالمي الضخم «بيكرـ ماكنزي»‪ ،‬الذي يتخذ من شيكاغو مقراً له‪ ،‬ووزيرة المالية الفرنسية في زمن ساركوزي)‪ ،‬يجب وضعها بموازاة‬
‫المئة مليون دوالر التي ُأعطِ َي ت من صندوق النقد كقرض لتونس بعد مماطلة كبيرة‪ .‬وتونس دولة جارة للجزائر‪ ،‬وهي تعاني صعوبات‬
‫مالية كبيرة‪ .‬وهناك فارق كبير بين موجبات الحد األدنى من التضامن مع بلد شقيق وجار‪ ،‬يمرّ بمرحلة ديموقراطية انتقالية من جهة‪،‬‬
‫نظر عام ‪ 1989‬لكيفية إدارة أوضاع‬ ‫وبين االعراب عن دعم سياسات‪ I‬غير اجتماعية مستندة إلى مبادئ «توافق واشنطن» العشرة‪ ،‬الذي ّ‬
‫البلدان المأزومة اقتصاديا‪ ،‬موصيا بفرض «تدابير تقشفية» صارمة عليها‪ .‬و«توافق واشنطن» هذا هو بمثابة انجيل صندوق النقد والبنك‬
‫‪.‬الدوليين اللذين يطبّقانه بال رحمة‪ .‬لكن هذا الخيار يترجم التوجهات غير المعلنة‪ ،‬لكن الفعليّة للنظام الجزائري‬

‫المفارقة الجزائرية‪ :‬مال متكدس وفقر كثير‬

‫تسير الجزائر من دون سياسة‪ I‬اقتصادية واضحة فعالً منذ تخلّي سلطاتها عن االصالحات االقتصادية التي طبّقتها حكومة مولود حمروش‪.‬‬
‫وهي تكتفي بإدارة الموقف يوما بيوم‪ ،‬وفقا ً لمصالح ص ّن اع القرار الفعلي فيها‪ ،‬أي قادة االستخبارات والمجموعة الضيقة الممسكة‪ I‬بالحكم‬
‫(األوليغارشية)‪ .‬وبتأثير مباشر من صندوق النقد الدولي‪ ،‬وافقت الجزائر في العام ‪ 1994‬على تطبيق برنامج تصحيح هيكلي نفذ أصال‬
‫تحت وصاية صندوق النقد‪ .‬وبذلك‪ ،‬فقدت البالد خصائص الدولة االجتماعية‪ ،‬من دون أن تكسب شيئا ً في المقابل على صعيد الفعالية‬
‫االقتصادية‪ ،‬وخصوصا ً في ظل تعميق تبعيتها تجاه الموارد النفطية‪ .‬والصورة العامة القتصاد الجزائر توضح خضوعه لهيمنة االستيراد‬
‫المكثف الذي ينمو بشكل ال يمكن كبته‪ ،‬إضافة إلى البطالة العالية‪ .‬وهذه كلها تكشف بوضوح أن الرابحين الكبار من سياسة التصحيح‬
‫الهيكلي هم الشركات متعددة الجنسيات من جهة‪ ،‬وأصحاب المصالح المحلية‪ ،‬مدنيين وعسكريين‪ ،‬الذين يسيطرون على التجارة الخارجية‬
‫والتعامالت بالمواد النفطية‪ .‬بالطبع‪ ،‬لم يشكل االنفتاح القسري لالقتصاد الجزائري‪ ،‬الذي فرضه صندوق النقد الدولي‪ ،‬نجاحاً‪ ،‬بدليل أن‬
‫الجزائر تقع في ذيل جميع التصنيفات االقتصادية واالجتماعية العالمية‪ ،‬حتى وإنْ كان االرتفاع الكبير والمستديم ألسعار النفط والغاز منذ‬
‫نهاية التسعينيات يق ِّن ع ويموه هذا الفشل‪ ،‬الذي يشعر به بشدة المواطنون‪ ،‬حيث هم يعانون من سوء حال القطاع الصحي ومن سوء حال‬
‫‪.‬قطاع السكن ومن البطالة‬

‫!تسقط الصناعة‪ ،‬يعيش السوق‬


‫ك ان الدولة التدخلية البيروقراطية قد غيرت خطابها االيديولوجي‪ ،‬لكن أداءها لم يتح ّسن‪ .‬ففي الواقع‪ ،‬انهار االنتاج الداخلي لدرجة‬
‫ال ش ّ‬
‫ّ‬
‫أن القطاع الصناعي‪ ،‬الذي كان يُعتبر فخر البالد‪ ،‬واالرث الحقيقي الوحيد لحقبة هواري بومدين‪ ،‬لم يعد يمثل إال بضع نقاط مئوية من‬
‫ُّ‬
‫بالتضخم الكبير للموازنة‪ ،‬الذي تتسبب به نفقات هائلة وغير‬ ‫الناتج المحلي اإلجمالي‪ .‬بات غياب السياسة االقتصادية الجزائرية يٌقاس‬
‫فعالة‪ ،‬ويتسبب به هدر األموال في تمويل دعم اسعار السلع بهدف تهدئة االستياء االجتماعي واحتوائه وضبطه‪ .‬أمّا برامج االستثمار في‬
‫البنى التحتية‪ ،‬ذات الكلفة الهائلة‪ ،‬كمشروع شق الطريق السريع الذي يربط شرق البالد بغربها الذي أنجزته بشكل أساسي األيدي العاملة‬
‫‪.‬األجنبية‪ ،‬فآثارها التحفيزية ضئيلة‪ ،‬خصوصا ً على صعيد توليد نشاطات ملحقة بالمشروع الرئيسي‪ ،‬وأعمال إعادة تكليف وتلزيم‬

‫لم تعد الجزائر إال سوقا ً ُتلقى فيه منتجات استهالكية مص ّنعة في الخارج‪ ،‬مثلما تظهره بقسوة‪ ،‬وعاما ً تلو اآلخر‪ ،‬إحصاءات التجارة‬
‫الخارجية‪ .‬كل ذلك لم يمنع صندوق النقد من دعوة السلطات الجزائرية إلى رفع العوائق من أمام قروض االستهالك‪ ،‬وذلك لمناسبة زيارة‬
‫‪.‬الغارد‪ ،‬وهي نصيحة قُدّمت‪ I‬إلى جانب نصائح «كريمة» أخرى‬

‫فضيحة‪ ،‬فضائح‬

‫لكن االعتبارات التقنية أو الحاكمية‪ I‬السيئة‪ ،‬ال تكفي لشرح االنعدام المزمن للفعالية في اإلدارة االقتصادية‪ ،‬والمناخ المتداعي لقطاع‬
‫األعمال‪ .‬وقد كشفت فضائح الفساد األخيرة حول «سوناتراك» (شركة النفط الوطنية في الجزائر)‪ ،‬أن غياب المؤسسات الديموقراطية‬
‫يسمح لمنطق القنص والنهب المتأسس على استقطاب الريع النفطي من قبل المجموعات الممسكة‪ I‬بالسلطة‪ ،‬بأن يسمو على المصلحة‬
‫‪.‬العامة‬

‫إنّ تزامن زيارة وفد صندوق النقد الدولي وقمة دوربان‪ ،‬يزيد من التناقض الفاضح بين تو ّجهات مجموعة «البريكس»‪ ،‬التي ُتعتبر‬
‫المجموعة المحرِّ كة للدول الناشئة‪ ،‬ودولة الجزائر التي باتت بال صوت‪ ،‬وتعيش ركوداً اقتصادياً‪ .‬والسلطات الجزائرية العاجزة عن بلورة‬
‫سياسة أفريقية‪ ،‬تفرض الوضعية السائدة على حدودها الجنوبية بلورتها‪ ،‬مرغمة بالمقابل على االمتثال لنداء صندوق النقد الدولي الهادف‬
‫إلى تعزيز نظام ليبرالي متطرّ ف مسؤول عن أزمة عالمية ذات تداعيات اجتماعية دراماتيكية‪ ...‬وكل ذلك من أجل تأمين الدعم الغربي‬
‫‪.‬للنظام الحاكم‬

‫ذلك أنّ القرض الذي قدمته الجزائر ـ والذي يماثل ما قدمته تركيا‪ ،‬ويبلغ ضعف القرض الذي أمّنته تشيكيا المزدهرة ـ ال يؤمّن أي تأثير‬
‫توجُّ هات صندوق النقد الدولي‪ ،‬وهم مؤمنون بسطوة اإلله‪ (G7) /‬إضافي للجزائر على الساحة‪ I‬الدولية‪ ،‬اذ تحتكر مجموعة الدول السبع‬
‫السوق‪ .‬وبالنسبة للنظام الجزائري الحاكم‪ ،‬يتعلق األمر قبل أي شيء آخر بتملّق الدول الغربية تلك ونيل رضاها‪ ،‬في زمن يتسم‬
‫باضطراب التحالفات واحتمال انقالبها‪ .‬بينما يفترض بأن يت ّم التخطيط الستكمال تلك «الديبلوماسية المالية» الهادفة إلى تأمين الدعم‬
‫الدولي للنظام‪ ،‬بالتزامات تو ّفر للجزائر بدائل إنقاذ إذا ما ساءت‪ I‬االمور‪ ،‬وهذا احتمال ال يستند الى مخاوف وهمية بل الى مالحظة‬
‫‪.‬السرعة الكبيرة التي تتطور فيها أسواق الطاقة‪ ،‬بينما‪ ،‬وبالمقابل‪ ،‬تسجل الجزائر انخفاضا في انتاجها للمحروقات وفي حجم تصديرها لها‬

‫ويفترض باألشهر المقبلة‪ ،‬الفاصلة عن موعد انعقاد قمة مجموعة «البريكس» في ‪ 2014‬بالبرازيل‪ ،‬وصدور اإلعالن الرسمي عن‬
‫إطالق «بنك التنمية» و«صندوق االحتياط»‪ ،‬أن تتيح توضيح موقف الجزائر‪ ،‬وتقييم صالحية إدارتها االقتصادية لفوائضها المالية‪ .‬فإن‬
‫لم تنخرط بفعالية في المؤسسات‪ I‬الناشئة تلك‪ ،‬فسيكون واضحا ً أنّ الجزائر ذات التوجه االجتماعي التي حلم بها كت َبة إعالن التحرير في‬
‫‪.‬األول من تشرين الثاني‪/‬نوفمبر ‪ ،1954‬والتي كانت ركنا ً في مجموعة دول عدم االنحياز‪ ...‬باتت تنتمي إلى حقبة ولّت نهائيا ً‬
‫اقتصادي من الجزائر *‬

You might also like