Professional Documents
Culture Documents
العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية
العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية
العل وم الطبيعي ة؛ وتس مى أيض ا العل وم "الص حيحة" أو "الدقيقة" أو جمرد "عل وم" ،وهي تل ك
العل وم ال يت تتخ ذ من اجملاالت الفيزيقي ة واحليوي ة موض وعا للدراس ة ،مبع ىن أن جماهلا اخلاص بالدراس ة
يتمحور حول الظواهر الطبيعية على اعتبار أن الطبيعة هي كل ما هو موجود أو منتج دون تدخل من
طرف اإلنسان (إال أن كلمة طبيعي تعترب من أكثر الكلمات إهباما والتباسا ،حبيث يتعذر الفصل بني
ما هو طبيعي وما هو غري طبيعي) ،تتفرع العلوم الطبيعية إىل عدة ختصصات مثل الفيزياء والكيمياء
والبيولوجي ا ،اجليولوجي ا الفيزي اء الفلكي ة ،وغريه ا من الف روع تط ورت والزالت يف تط ور دائم،
وأصبحت منوذجا حيتذى به.
تتعامل العلوم الطبيعية مع األشياء املادية ،وحتاول اكتشاف العالقات بني الظواهر أو األشياء
املادي ة ،تس تعني ب أدوات (تعت رب األدوات امت داد للح واس مث ل اجمله ر امت داد للعني ،األوديومي رت امت داد
لألذن) يساعد يف تبسيط معاين هذه األشياء ومكوناهتا وبالتايل إمكانية التجربة عليها ،حيث ميكن من
خالل التجرب ة إث ارة موض وع أو ظ اهرة هبدف دراس تها ب الرجوع إىل املخ رب ،ال ذي ميكنن ا من توف ري
شروط إعادة إنتاج هذه الظاهرة ومعاجلتها ،أي أن منوذج البحث يف العلوم الطبيعية يرتكز على ثالث
عناصر أساسية هي " املادة" ،األداة" و"التجربة".
أما جمال العلوم االجتماعية فمختلف ،إذ يطلق مصطلح" العلم االجتماعي" على أي نوع من
الدراسة هتتم باإلنسان واجملتمع ،إال أن املصطلح يشري مبعناه الدقيق أو الضيق إىل تطبيق املناهج العلمية
لدراس ة ش بكات العالق ات االجتماعي ة املعق دة وص ور التنظيم ال يت متكن األف راد من العيش مع ا يف
اجملتم ع ...إال أن ه أص بح من املع رتف ب ه يف ال وقت احلاض ر أن الدراس ة العلمي ة للعالق ات اإلنس انية
والتنظيم االجتماعي املعقد للمجتمع جيب أن ميثل اهتمام العلوم االجتماعية معا وليس علما اجتماعيا
بعينه .إن التطور السريع للمعرفة العلمية والتخصص الدقيق يف فروع العلوم املختلفة ،وتطوير بعض
دراسات جديدة مثل اإلدارة االجتماعية مث تطوير نظريات أكثر دقة ومناهج للبحث أكثر ختصصا يف
جمال اخلدم ة ق د غ ري يف الواق ع ويف ف رتة قص رية نس بيا من الزم ان ه ذه التص ورات القدمية للعلم
االجتماعي.
وب ذلك فق د أص بحت العل وم اإلنس انية واالجتماعي ة تطل ق على ك ل حق ل مع ريف جع ل من
اإلنسان واجملتمع موضوعا للدراسة ،حيث " عدت العلوم االجتماعية وعلم االجتماع خاصة علوما
تفسريية ،أي علوما تدرس املظهر العام واملنتظم واملتكرر للظواهر وتستطيع يف غياب تفسري القوانني
أن تعمم وأحيانا أن تتنبأ" ،واهلدف من مثل هذه الدراسات هو معرفة وفهم اإلنسان ومعىن أو داللة
أفعال ه ،ال يت جترى يف خمتل ف الف روع كعلم النفس(الظ واهر النفس ية) ،وعلم االجتم اع(الظ واهر
االجتماعية) ،التاريخ(دراسة األحداث والوقائع املاضية) وغريها.
وألهنا تتخذ من اإلنسان موضوعا للدراسة ،فاألمر خيتلف كليا عن مواد العلوم الطبيعية ،إذ
يتطلب عناي ة وح ذر كب ريين ،ذل ك أن اإلنس ان يتح دث ،يتج اوب ،يتفاع ل م ع غ ريه وميتل ك وعي ا
بأفعال ه ومق درة على التعلم والفهم واإلب داع والتغي ري والتحكم يف س لوكاته ،وهبذا يص عب مالحظت ه
واستجوابه ويتعذر يف كثري من الظواهر التجريب عليه ،وهلذا يستوجب طرقا خاصة للبحث تتماشى
وهذه اخلصائص.
يتعامل الباحث يف العلوم الطبيعية مع متغريات قليلة ،ويسهل إخضاعها للقياسات املوضوعية،
أما العلوم االجتماعية فاملتغريات مركبة وعديدة يصعب تقديرها.
ص عوبة التعميم (فردي ة احلدث) ف األفراد ال يتش اهبون يف خلفي اهتم وتك وينهم بينم ا تتش ابه
اإللكرتونات مثال يف سلوكها إذا وجدت نفس الظروف.
ليس من املمكن دائم ا مالحظ ة املالمح الب ارزة ال يت ت ؤثر ت أثريا مباش را يف املواق ف اإلنس انية،
فمثال يصعب مالحظة التاريخ السابق للطفل قبل التحاقه باملدرسة.
تعق د موض وع الدراس ة يف جمال العل وم االجتماعي ة ،حيث تتحكم يف الدراس ة العدي د من
املتغريات ،فالسلوك اإلنساين يتأثر بعوامل عدة يصعب مالحظتها ومراقبتها ،فمثال ال يستطيع
الباحث يف التاريخ أن يرى ،يراقب الظواهر املاضية ،عكس املواد اجلامدة كاحلجارة واملعادن،
أو تتبع فصيلة حيوان ما يف جمال العلوم الطبيعية ،ألن العامل املادي يبدو أكثر بساطة من العامل
اإلنساين.
صعوبة تكرار األحداث هبدف الدراسة يف العلوم االجتماعية ،مثال ظاهرة االنتحار ،الطالق،
القتل ،وبذلك يصعب إعادهتا خمربيا ويصعب التجريب عليها.
التحيز وعدم املوضوعية لصعوبة فصل الباحث عن احلدث فقد يكون عنصرا من عناصره يف
العل وم االجتماعي ة ،أم ا يف العل وم الطبيعي ة ف ذات اإلنس ان يف غ الب األحي ان خارج ة عن
الظاهرة املدروسة.
نس بية احلقيق ة أو احلدث وارتباطه ا بأوض اع وظ روف متباين ة (خمتلف ة) بني األف راد أو
اجملتمعات ،كما قد ال تتوفر للباحث كل املعلومات الكفيلة باإلحاطة بالظاهرة وفهمها من
ك ل جوانبه ا ،لت داخل أس باهبا وس ياقها م ع عوام ل سياس ية ،اجتماعي ة ،ثقافي ة ،تارخيي ة،
اقتصادية.
إذا ك انت العل وم اإلنس انية واالجتماعي ة متي ل إىل التفس ري ،فإهنا كم ا س بق يف كث ري من
األحيان ،ال تسمح بالدراسة الدقيقة للعليات أو املسببات ،األمر الذي ميكن أن يتوفر للعلوم
الطبيعية بسبب التجربة من خالل التحكم يف إثارة ومراقبة الوضعيات اليت تسمح لنا بدراسة
اآلث ار ال يت حتدثها ظ اهرة م ا يف ظ اهرة أخ رى ،مما يع ين بالض رورة اختالف منوذج ومنط
التحلي ل ،ال ذي يرتك ز يف العل وم االجتماعي ة على منط التحلي ل الفهي للظ واهر يتم بواس طته
أخ ذ بعني االعتب ار املع ىن ال ذي تعطي ه الكائن ات البش رية لس لوكاهتا ض من جمموع ة من
التأويالت ،ويعد فيلسوف التاريخ األملاين اجلنسية " دراوزن" ،أول عامل غريب أدخل الثنائية
املنهجية ،حيث ميز بني " التفسري" و"الفهم" وذهب إىل أن هدف العلوم الطبيعية هو التفسري،
وأما هدف التاريخ فهو فهم الظواهر اليت تقع داخل حدود اختصاصه ،واجلدول التايل يوجز
أهم النقاط السابقة.
الموضوع في العلوم اإلنسانية وفي العلوم الطبيعية
الزال السؤال مطروحا منذ نشأة العلوم االجتماعية ورغم التطورات اليت أحرزهتا ،حول
علمية العلوم االجتماعية ،حيث عارض فريق من العلماء والفالسفة مبدأ تطبيق املنهج العلمي يف
دراسة الظواهر االجتماعية ،ويركزون حول عدد من املسائل أمهها:
حركة اجملتمع قد تسبق حركة البحث االجتماعي ،بشكل حيول دون الوصول إىل نتائج
وقوانني ثابتة ،كما يؤدي إىل قدم املعلومات يف ظل التحوالت االجتماعية السريعة.
ميكن اس تخدام من اهج البحث العلمي فق ط يف جمال الظ واهر الطبيع ة حبكم ثب ات انتظامه ا،
ووج ود ق وانني حتكمه ا ،ب دليل أن الق انون العلمي يف الظ واهر الطبيعي ة س وف يتحق ق بش كل
تلقائي ،كلما توفرت نفس الشروط الضرورية ،والكافية لتحققه(املاء يغلي عند مئة درجة مئوية)،
أما على مستوى الظواهر االجتماعية فإنه ال ميكن الوصول إىل مثل هذا القانون ،وذلك لتدخل
عناصر كثري قد تؤدي إىل حتقق القانون أو عدم حتققه ،ولعل من أبرز هذه العناصر عنصر اإلرادة
اإلنس انية ،مث ال :ق د ي ذهب بعض املختص ني يف علم االجتم اع إىل أن التن اقض االجتم اعي
وأشكال القهر االجتماعي املختلفة ،سوف تؤدي إىل الثورة االجتماعية ،إال أنه بإمكان توفر كل
ش روط الث ورة ،إال أهنا ال حتدث ،ألن األف راد ال يري دون ذل ك ،أي أن اإلرادة اإلنس انية ،ق د
تت دخل لتحقي ق الق انون االجتم اعي أو ع دم حتقق ه وبالت ايل يس تحيل التنب ؤ مبجري ات الظ واهر
االجتماعية ،بنفس دقة وصرامة الظواهر الطبيعية.
استحالة إجراء التجارب يف الدراسات االجتماعية ،فلن يستطيع أحد أن يدفع أسرة للتفكك
أو لالنفص ال ح ىت يع رف ت أثري االنفص ال على االحنراف ات ،أي أن املنهج العلمي أساس ا يع ين
التجربة املعملية املضبوطة (التجربة املخربية) ،وذلك ال يتوفر ولن يتوفر يف اجملال االجتماعي.
يرى بعض هؤالء املعرتضني؛ أن الباحث االجتماعي جيد نفسه جزءا من الظاهرة االجتماعية
اليت يدرسها ،واليت قد جيد نفسه مهتما هبا اهتماما شخصيا مما جيعل دراسة الظواهر االجتماعية
تت أثر بقيم الب احث ،اجتاهات ه ،أو العقائ د الس ائدة يف جمتمع ه ،وبالت ايل فه و علم يفتق ر إىل
املوضوعية.
ومن اجلدير بال ذكر أن ه ذه احلجج ال تنطب ق على علم االجتم اع فق ط ،ب ل متس كاف ة العل وم
االجتماعية ،اليت تتخذ من اجملتمع اإلنساين جماال لدراستها من زوايا متعددة ،ويف مقابل هؤالء العلماء
الذين يشككون يف إمكانية الدراسة العلمية للظواهر االجتماعية ،جند فريقا آخر من العلماء ،يرى أن
علم االجتم اع على غ رار ب اقي العل وم االجتماعي ة علي ه أن حيذوا (ينتهج) ،منط العل وم الطبيعي ة ب ل
وأكثر من هذا يطور مناهجه يف الدراسة ،وميكننا عرض مناذج ملناقشتهم على النحو التايل:
فيم ا خيص اس تحالة دراس ة الظ واهر االجتماعي ة ،حبكم التغ ري ال ذي يط رأ على الظ اهرة
االجتماعية ،ال ينفي فقط إمكان إقامة علم اجتماعي بل ينفي كذلك إمكانية العلم يف حد ذاته،
الن التغري ليس مسة اجملتمع اإلنساين فقط بل هي سنة الكون وقانونه احلتمي سواء جوانبه املادية
أو جوانبه االجتماعية والثقافية.
أم ا ال رأي الث اين فإن ه ينط وي على بع دين ،أم ا األول فه و إنك ار وج ود انتظام ات أو ق وانني
ختضع هلا احلياة االجتماعية يف استقرارها النسيب وحركتها ،يفنده( ينكره) ويعتربونه ال يستند
إىل أساس علمي متني ،ألن اجملتمع اإلنساين ،ظاهرة موجودة يف الطبيعة وهي جزء متكامل مع
الطبيع ة يف الك ون ،وبالت ايل كي ف نس تثنيه من كاف ة الق وانني واالنتظامي ات ال يت حتكم الظ واهر
الطبيعي ة األخ رى .ويتمث ل البع د الث اين يف االع رتاف بوج ود ق وانني نوعي ة أو انتظام ات خاص ة
باحلي اة االجتماعي ة ،لكنه ا التص ل إىل الدق ة وص رامة العل وم الطبيعي ة الرتباطه ا الوثي ق ب اإلرادة
اإلنسانية ،يرى العلماء أن حل هذه املشكلة يكمن يف اعتبار اإلرادة اإلنسانية جزء من القانون
اإلنس اين ،أو هي ش رط من ش روط حتق ق الق انون ،ف إذا أض فنا ش رط اإلرادة اإلنس انية إىل املث ال
الس ابق (الث ورة) ،ف إن ذل ك يتض من ش رط ت وفر إرادة الث ورة إىل املدى ال ذي يس تطيع الن اس أن
يصفوا تارخيهم ،وعليه فالقانون االجتماعي خيتلف عن القانون الطبيعي إىل املدى الذي ينطوي
فيه عنصر اإلرادة ،حبيث تصبح جزء ال يتجزأ من القانون وبالتايل يتالشى االختالف بني ما هو
طبيعي وما هو اجتماعي.
أما النقطة الثالثة واملتعلقة باستحالة تطبيق املنهج العلمي على الظواهر االجتماعية ،الستحالة
إقام ة التجرب ة عليه ا ،فيعت ربه العلم اء تش ويه للحق ائق ،إذ أن املنهج العلمي أساس ا ه و طريق ة يف
التفك ري والبحث تس تند إىل خط ة منطقي ة معين ة ،أم ا التجرب ة املعملي ة فهي جمرد إج راء من بني
اإلجراءات العلمية العديدة واملتنوعة ،شأهنا شأن املالحظة ،كما أن هناك من العلوم واليت حترز
تقدما باهرا ليس بإمكاهنا إجراء التجارب على حبوثهم وخري دليل على ذلك علم الفلك والذي
يستند إىل طرق علمية مالئمة ملوضوعه كاملالحظة والوسائل اإلحصائية والرياضية ،فالتاريخ يعد
مبثاب ة أك رب معم ل لتج ارب علم االجتم اع وعلم النفس ،فال داعي الفتع ال ظ اهرة اجتماعي ة أو
نفسية أو اقتصادية معينة ،فاالجتاه التارخيي واملقارن واإلحصائي واإلجراءات املتنوعة اليت متكن
الباحث أن يطورها جتعل فرصة الدراسة العلمية للمجتمع متاحة ومهيأة بشكل ال يقبل عن أي
ظاهرة طبيعية أخرى.
أما فيما خيص اجلدل الذي يثار حول املوضوعية يف العلوم االجتماعية ،بوصفها علوما قيمية
أو مش حونة بأحك ام قيمي ة ،فمن العلم اء من ي رى أن حتدي د االنتم اء الفك ري للب احث بش كل
واضح هو املوضوعية بعينها ،ألنه ينظر للظاهرة املدروسة مبنظار فكري معني.