:مقاربة سوسيوتاريخية لجذور السلم الخماسي في الموسيقى األمازيغية
مناقشة مس ألة البنية المقامية للموس يقى األمازيغية عموما و موس يقى منطقة س وس خصوص ا ،و تاريخه ا ،و هل هي دخيلة على موسيقى أمازيغ سوس من الشرق األقصى و األدنى هذه المرة( الص ين -اليمن -الس ودان ،)..كما ذهب الى ذلم بعض الباحثين في تاريخ الموسيقى المغربية ،أم أنّ السّلم الخماسي أصيل في موسيقى المنطقة ،أي لم َي ِرد عليها من أي شعب ك ان، .في الشرق األقصى(الصين) أو الشرق األدنى(اليمن -السودان) مقاربة ه ذه القض ية تقتضي األخذ بعين اإلعتب ار بعض الحق ائق ال تي تؤك دها العل وم اإلجتماعي ة ،و خاصة ت اريخ األدوات و السوس يولوجيا التاريخية على وجه ) (Ethnomusicologieواإلثنوموس يقولوجيا ) (Ethno-organologieالموس يقية الخص وص ،على اعتب ار أن البنية المقامية ألية موس يقى لها عالقة وطي دة ب التطوّ ر الت اريخي لألدوات الموس يقية ،ال تي ُتستعم ُل فيها ،و األداوات الموسقية بدورها هي نِت اج للش روط اإلقتص ادية و اإلجتماعية و الثقافية و السياس ية للمجتمع ال ذي .اخترعها للس لم الخماسي بص فة عامة هي ولي دة موس يقى المجتمع ات ،ذات التقاليد الثقافية الش فوية ،و ذات البنية فالبنية المقامية مثال ّ السياسية القبيلة المنغلقة ،لما قبل المدينة و ما قبل الدولة ،و التي يهمن فيها اقتصاديا نمط اإلنتاج الزراعي الكفائي ،مجتمع ات ك ّل أفرادها يشتغلون في حرفة واحدة( الزراعة) ،و ال يتجاوز فيها التقسيم اإلجتماعي للعمل المس توى الب دائي الجنس ي ،بين الذكور و اإلناث ،أما الغناء و الموس يقى ،فال يخرج ان على وظيفتهما العملية في أداء أدوار أساس ية في األنش طة اإلنتاجية و االجتماعية لإلنسان ،و ليس لهما أي دور ت رفيهي أو جم الي" ،فالحق ائق السوس يولوجية ،تؤ ّكد أن الموس يقى البدائية في قسم كب ير منها و في مرحلة مبك رة من تطورها أدارت ظهرها للمتعة الجمالية و وض عت نفس ها في خدمة األه داف العملي ة .و كانت أهداف السحر في المقدمة ،ثم جاءت األهداف التعبدي ة ،و من ثم العالجية مثل اس تدعاء الش ياطين أو طرده ا .ه ذا كلّه أدى إلى أن تسقط في ذلك التط ور ال ذي ف رض عليها النمطي ة"( ) .و األداوات الموس يقية ال تخ رج عن ص نفي النقري ات و النفخيات ،و التي ال يسمح مستوى تطورها التقني البدائي ،بأن ُتعزف عليها ألحان ذات بنية مقامية تتجاوز في تطوّ رها الس لم الخماسي الخ الي من نصف الص وت .و ه ذه المرحلة من ت اريخ اإلنس ان قد م رّت منها كل المجتمع ات البش رية ،و من المجتمعات الحديثة من ورثت عن تلك المرحلة خصائصها الثقافية و الفني ة ،و لم تتخلّص منه ا ،و خاصة في ج انب األلح ان .الموسيقية و بنيتها المقامية و عليه فإنّ مختلف المجتمعات البشرية التي توجد في نفس المستوى الحضاري و تت و ّفر على نفس المس توى التق ني ألدواتها ُج البنية المقامية أللحانها الموس يقية عن الموسيقية الذي يوجد عليه المجتمع المغربي األمازيغي في العصور القديمة ،لن تخ ر َ السّلم الخماسي .دون أن يكون ذلك بسبب من التأثير الثقافي و الفني لبعضها على بعض ،اختالطا و احتكاكا لبعض ها ببعض، و من ثمة فالتشابه بين البنية المقامية للموسيقى األمازيغية في منطقة سوس ،و بالبنية المقامية لموسيقى الس ودان و الص ين و اليمن ،دليل على أن هذه المجتمعات كانت متوازية في مستوى تطورها الحضاري في ف ترة تاريخية معين ة ،أو أ ّنها قطعت أو وص لت إلى نفس المرحلة من التط ور الحض اري في ف ترات مختلف ة ،و س اهمت عوامل ذاتية أو موض وعية في أن تبقى .محافظة على البنية اإليقاعية لموسيقها( السلم الخماسي) إلى اليوم في حين يعتبر السلّم السباعي المكتمل نِت اج موس يقى المجتمع ات ذات التقاليد الكتابي ة ،ال تي ط وّ رت الص نائع و ال ِح َرف ،و عرفت تقسيما متطورا للعمل و توزيعا مع ّقدا لألدوار اإلجتماعية ،و حققت فائضا في اإلنتاج اإلقتصادي ،فائض أفرز تراكمه في يد فئات اجتماعية معينة تفاوتا طبقيا ملحوظا و فئات اجتماعية متعددة المهام و الوظائف( سياسية – إدارية -عس كرية – دينية – تجارية – حِرفية -فالحية ،)..كما دفع بها هذا الفائض في المنتوجات لدى بعض الفئ ات ال ُم ْنتِجة الى مبادلتها بالس لع التي ال تنتجها ،فظهرت األسواق و التجارة ،كما ساهم الفائض في إالنتاج إلى تكاثر الناس و تزايد أعدادهم ،فتش ّكلت الم دن، نشأت الدّول ،فشرعت في ال ّتوسع على حساب غيرها من المجتمعات و الدوّ ل بحثا عن مزيد من الم وارد المادي ة ،فأسّست ْ ثم اإلمبراطوريات ،و بالموازاة لذلك دفعت التجارة بهذه المجتمعات إلى تطوير الكتابة ،و االنتقال بها من رموز دينية و سحرية خاصة بالعبادة إلى أبجدية لتدوين األصوات اللغوية(الحروف) قصد تسهيل التواصل و العملي ات التجاري ة ،ث ّم إلى جعلها لغة أدبية لتدوين إالب داعات الش عرية و القصص األس طورية ،كما ارتفعت ديموغرافيته ا ،فش ّكلت الم دن و األمص ار و ال دّول، فش رعت ال دّول في ال ّتوسع على حس اب غيرها من ال دوّ ل و المجتمع ات ،بحثا عن مزيد من الم وارد المادي ة ،فأسست األمبراطوريات ،و هذا ما و ّفر الشروط االقتصادية و االجتماعية و السياسية و الثقافية لتطور الغن اء و الموس يقى ،و المتمثلة في حياة الرفاه و الترف( ) ،حيث ظهر المغنون و الموسيقيون في بالطات الح ّكام و قصور الملوك ،و إلى جانب الرهبان في معابد اآللهة ،فطوّ روا اآلالت الموسيقية النقرية و النفخية التي ورثوها عن مجتمعات العص ور الحجري ة ،و اخ ترعوا اآلالت الوترية ،التي سمحت لهم بعزف ألحان موس يقية أك ثر تط ورا و كم اال في س لّم أنغامها من الس لّم الخماس ي ،فاكتش فوا الس لّم السباعي ،و ساهم تطور الكتابة عموما ،و التدوين الموسيقي (النوطة) خصوصا ،في دراسة الموس يقى و أص واتها و ألحانها و في بناء نظري ات موس يقية ،و تط وير الس الليم الموس يقية(الس باعي -الخماسي بنصف الص وت .)..و ك ان ه ذا هو وضع الشعوب و المجتمع ات ذات التقاليد الكتابي ة ،ال تي أش رنا إليها س لفا( الس ومريون -مصر القديمة – الفي نيقيون – اإلغريق – القرطاجيون – الرومان – العرب).. و في الوقت الذي استطاعت فيه هذه المجتمعات و الشعوب اإلنتقال تدريجيا ومب ّك را (منتصف األلفية الخامسة قبل الميالد) و بشكل ذاتي ،من مجتمعات ذات تقاليد شفوية( بدائية) إلى مجتمعات ذات تقاليد كتابية( حض ارية) ،أو من االنتق ال من مرحلة ما قبل الت اريخ(قبل اكتش اف الكتاب ة) إلى المرحلة التاريخي ة( بعد اكتش اف الكتاب ة) ،ف إنّ مجتمع ات و ش عوب أخ رى ،مثل األمازيغ بشمال إفريقيا عموما و بالمغرب على وجه الخصوص ،لظروف جغرافية خاص ة ،لم تس تطع تحقيق ذلك التح ول و اإلنتقال بشكل ذاتي ،و إ ّنما تأ ّخرت إلى نهاية األلفية الثانية قبل الميالد ،أي حتى وص لتها الطالئع األولى من ت ّج ار و عس اكر فالمجتمعات و الشعوب السابقة( الفينيقيون) ،كي ُتخرجها مما قبل التاريخ و ُت ْدخِلها إلى الت اريخ ،و في نفس ال وقت كي تو ّق َ نموها الطبيعي و تحول دون تطورها الذاتي ،بأن فرضت عليها تمدينا قسريا ،غ ير مالئم لظروفها اإلقتص ادية و االجتماعية و الثقافية ،فكان ذلك وراء ظهور ازدواجية ثقافية و ثنائية حضارية في تاريخه اّ ، تتمثل في ش به رك ود ثقافتها المحلية القديمة في مختلف جوانبها و مظاهره ا ،كالكتابة ال تي ك انت في مرحلتها الجنيني ة ،و الفن ون و الموس يقى ال تي ك انت في بداية انطالقها ،و العقائد و العبادات التي كانت مرحلتها الس حرية ،و الدولة ال تي ك انت في مرحلتها القبلي ة .و ل ذلك ظلت ش عوب ش مال إفريقيا محتفظة بأنماطها الموس يقية ال تي ورثتها عن ه ذه المرحل ة ،ال تي تعكس مس توى التط ور ال ذي بلغته في تلك .الفترة )منقول(