You are on page 1of 2

‫الحضارة البابلية‬

‫لعب نهري دجلة والفرات دوراً كبيراً في نشؤ وتطوير الحضارة البابلية والتي أمتد تأثيرها إلى مناطق كثيرة ‪ ,‬وقد ساعد على ظهور هذه الحضارة‬
‫عدة عوامل هي ‪-:‬‬

‫العامل التاريخي ‪-:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫سكنت في بالد الرافدين عدة شعوب في فترات متعاقبة مما أدى ذلك إلى تنوع العمارة من خالل تنوع أساليب التخطيط والتصميم واألنشاء ‪.‬‬

‫العامل الجيولوجي و المناخي ‪-:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫يلعب العامل الجيولوجي و المناخي دوراً بارزاً في التكوين المعماري ‪ ,‬فالمناخ الحار فرض اللجوء إلى المباني المغلقة ‪ ,‬والتي تنفتح على فناء داخلي‬
‫مكشوف يأخذ المبنى عن طريقة الهواء والنور ‪.‬‬

‫كما أن برودة الشتاء وكثرة األمطار نسبيا ً في بعضالمناطق فرضت استخدام الجدران السميكة التي تأمن العزل الحراري ‪ .‬وقد بنيت األسقف على‬
‫شكل قبوات ومنحنيات ساعد على بنائها استخدام الطين والقرميد واللبن المصنوع من التراب والممزوج بالتبن بنسب معينة ‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫العامل الديني ‪-:‬‬ ‫‪-3‬‬

‫على الرغم من تعدد اآللهة إال أن الملك يمثل للشعوب في بالد الرافدين السلطة الدينية والدنيوية ‪ ,‬كذلك أن اآللهة ال تعمل شر وهي خالدة سامية ال‬
‫يمكن تصورها لذلك حرصوا على تحقيق فكرة سمو األلة ببناء المعابد في أعلى الزيقورات الضخمة والعالية ‪.‬‬

‫فن العمارة في الحضارة البابليه‬


‫ليس في وسعنا اآلن أن نحكم حكما ً عادالً على فن العمارة البابلي ألننا ال نكاد نجد شيئا ً من مخلفات هذا الفن يرتفع فوق الرمال أكثر من بضع أقدام‪،‬‬
‫وليس بين آثارهم صور لعمائرهم منحوتة أو مرسومة‪ ،‬يستدل منها بوضوح على أشكال القصور والهياكل وهندسة بنائها‪ .‬وكانت البيوت تبنى من‬
‫الطين‪ ،‬أو من اآلجر إن كانت لألغنياء منهم‪ ،‬وقلما كانت لها نوافذ‪ ،‬ولم تكن أبوا‪‬ا تفتح على الشوارع الضيقة بل كانت تفتح على فناء داخلي مظلل‬
‫من الشمس‪.‬‬

‫وتصف األخبار المتواترة بيوت الطبقات الراقية مكونة من ثالث طبقات أو أربع( ‪.) 146‬‬

‫أما الهياكل فكانت‪ u‬تقوم على قواعد في مستوى سقف البيوت التي كانت تلك الهياكل تسيطر على حياة أهلها‪ .‬وكان الهيكل في الغالب بناء ضخما ً من‬
‫القرميد مشيداً كالبيوت حول فناء تقام فيه معظم الحفالت الدينية‪ .‬ويقوم إلى جوار المعبد في أغلب الحاالت برج عال يسمى بلغتهم زاجورات (ومعناها‬
‫"مكان عال") يتكون من طبقات مكعبة الشكل بعضها فوق بعض‪ ،‬وتتناقص كلما علت‪ ،‬ويحيط سلم من خارجها‪ .‬وكانت تستخدم إما في األغراض‬
‫الدينية‪ -‬فقد كان مزاراً عاليا ً لإلله صاحب الهيكل‪ -‬وإما في أغراض فلكية بأن تكون مرصداً يرقب منه الكهنة الكواكب التي تكشف عن كل شيء في‬
‫حياة الناس‪.‬‬

‫وكان الزاجورات العظيم الذي في برسبا يسمى "مراحل األفالك السبع"‪ ،‬وكانت كل طبقة من طبقاته مخصصة لكوكب من الكواكب السبعة المعروفة‬
‫عند البابليين‪ ،‬وملونة بلون يرمز إلى هذا الكوكب‪ .‬فكانت‪ u‬الطبقة السفلى سوداء اللون كلون زحل‪ ،‬والتي تليها بيضاء كلون الزهرة‪ ،‬والتي فوقها‬
‫أرجوانية للمشتري؛ والرابعة زرقاء لعطارد؛ والخامسة قرمزية للمريخ؛ والسادسة فضية للقمر؛ والسابعة ذهبية للشمس‪ .‬وكانت هذه األفالك‬
‫والكواكب تشير إلى أيام األسبوع السبعة مبتدئة من أعالها( ‪ .) 147‬ولم يكن في هذه المباني‪ -‬على قدر ما نستطيع أن نتبين من منظرها‪ -‬شيء كثير‬
‫من الذوق الفني‪ ،‬فقد كانت كلها كتالً ضخمة من خطوط مستقيمة ال تتطاول إلى شيء أكثر من مجد الضخامة‪ u،‬وقد نجد في بقاع متفرقة بين الخرائب‬
‫القديمة عقوداً وأقواساً‪ ،‬وهي أشكال أخذت عن سومر واستخدمت في غير عناية ومن غير علم بمصيرها‪.‬‬

‫وكان ما في المباني من زينات في داخلها وخارجها يكاد يقتصر على طالء بعض أوجه اآلجر‪ ،‬بعد صقلها‪ ،‬باأللوان الصفراء‪ ،‬والزرقاء‪ ،‬والبيضاء‪،‬‬
‫والحمراء‪ ،‬وإقامة صور من القرميد للحيوان والنبات في مواضع قليلة من الجدران‪.‬‬

‫وهذا "التزجيج" ‪ ،‬الذي لم يكن يقصد به تجميل البناء فحسب‪ u‬بل كان يقصد به أيضا ً وقاية المباني من الشمس والمطر‪ ،‬قديم يرجع على األقل إلى عهد‬
‫نارام‪ِ -‬سن‪ ،‬وقد ظل شائعا ً في أرض النهرين إلى أيام الفتح اإلسالمي‪ .‬ولهذا السبب أضحت صناعة الخزف أخص فنون الشرق األدنى القديم‪ ،‬وإن‬
‫لم تنتج من األواني الخزفية ما هو جدير بالذكر‪.‬‬

‫لكن فن العمارة البابلي ظل على الرغم من هذا العون فنا ً ثقيالً خاليا ً من الجمال واألناقة‪ ،‬قضت عليه المواد التي استخدمت فيه أال يرقى إلى ما فوق‬
‫الدرجة الوسطى‪ .‬وما أسرع ما كانت الهياكل تقوم من الطين الذي حو‪‬له العمال المسخرون إلى لبنات ومالط‪ ،‬ولم تكن ثمة حاجة إلى قرون طوال‬
‫كل تمتلئ ‪‬ا البالد كما اجتاحت المباني الكبيرة الباقية في مصر وفي أوربا العصور الوسطى‪ ،‬ولكنها ‪‬دمت بنفس السرعة التي شيدت ‪‬ا أو‬
‫بما يقرب منها‪ ،‬ولم يمض عليها إال خمسون عاما ً حتى عادت كما بدأت ترابا( ‪.) 148‬‬

‫وكان رخص اللبن واآلجر في حد ذاته سببا ً في فساد الهندسة البابلية‪ .‬لقد كان يسهل أن تقام من هذه المواد المباني الضخمة‪ ،‬أما الجمال فكان من‬
‫الصعب أن ينال باستخدامها‪ .u‬ذلك أن اآلجر ال يعين على السمو والجالل‪ ،‬والسمو والجالل هما روح العمارة‪.‬‬

‫وبينما استمد فن العمارة اليونانية أشكاله وإلهامه من مصر وكريت‪ ،‬فان العمارة البابلية هي التي أوحت عن طريق الزاجورات بقباب المساجد‪u‬‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وبالمنارات واألبراج في العصر الوسيط‪ ،‬وبطراز المباني المرتدة في أمريكا في هذه األيام‪.‬‬

You might also like