You are on page 1of 71

‫كيف تضبط‬

‫شهوتك الجنسية‬
‫إعداد‪:‬‬

‫كمال الناجي أبو ضلع‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫قال تعالي‪( :‬يابني آدم ال يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما‬
‫سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث ال ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين ال يؤمنون)‬

‫األعراف (‪)27‬‬

‫‪1‬‬
‫إهداء‬
‫الي شباب األمة اإلسالمية ‪...‬‬

‫السائرين الي هللا قابضين على جمر حضارته الجوفاء‬

‫الي كل من سما بشهوته عن الدنايا والصغائر الي رحاب نور المجد‬

‫والي كل دنيء صغرته شهوته فعاث في ظلمات الفاحشة‬

‫الي من أراد الهدي فضل عنه ‪...‬‬

‫والي من أراد الباطل فبلغه‬

‫إليكم جميعا أهدي هذا البحث‬

‫‪2‬‬
‫المقدمة‬

‫المقدمة‬
‫لقد كان لالنفتاح الثقافي واإلعالمي والغربي األثر الخطير على المجتمعات اإلسالمية – وخاصة‬
‫الشباب – من إثارة للغرائز‪ ،‬وانتشارا للفاحشة‪ ،‬وتيسيراً لطرق الرزيلة‪ ،‬ورقص ومجون ‪ ،‬وعري‬
‫وسفور عبر الفضائيات المختلفة ‪ ،‬مما أدي الي ثورة من السعار الجنسي المجنون ‪ ،‬وما تبع ذلك‬
‫من إحصائيات مهولة ومتزايدة من نسبة األمراض المنقولة جنسيا – اإليدز – وما فرضه هذا‬
‫المناخ المتأزم من معاناة للشباب القابض على دينه من صراع نفسي ما بين نوازع الشهوة واللذة ‪،‬‬
‫وأشواق االرتفاع والتسامي ‪.‬‬

‫ولقد كنت كغيري من الشباب أقبض على جمر اإليمان في ظل عواصف وقواصف الشهوة الجنسية‬
‫مما دعاني منذ وقت مبكر من عمري ومنذ أن ولجت سن الرشد أن أعكف على قراءات كل مما يقع‬
‫على يدي في مجال ضبط الشهوة الجنسية ثم أعمد الي تطبيق ما فرأت غير أني أجد نفسي وكأنني‬
‫لم أبرح مكاني ثم أعود من جديد لمواصلة رحلة البحث عن سبيل لضبط الشهوة الجنسية‪ ،‬ولكن‬
‫كعادتي أعود من رحلتي من دون ثمار‪.‬‬

‫وعندما لم أجد ما يشفي نفسي ويعينني على ضبط شهوتي وليت وجهي الي هللا تعالي عساه أن‬
‫يصرف عني من السوء بدواء ناجع ينفعني به في ضبط شهوتي ‪ ،‬ولم أكف عن البحث الي أن‬
‫الحت لي بعض الخيوط التي كنت أتشبث بها تباعا وأعمد الي تطبيق كل خيط يبدو لي فيوفقني هللا‬
‫الي الذي بعده حتي تكاملت لي جميعها وأحسب أني وفقت الي جزء كبير من الدواء – إن لم يكن‬
‫جميعه – ثم بدت لي فكرة أن أكتب هذا الدواء مفصال عسي هللا أن ينفع به غيري فعرضت هذه‬
‫الفكرة على أخي عبد هللا الهادي فوافقني عليها ‪ ،‬ولقد صادفت موافقته هوي في نفسي الي ذلك‬
‫فعمدت الي االستخارة الي أن هداني هللا ووفقني الي الكتابة ‪.‬‬

‫ولعلمي بأن الناس قد تأتي أموراً مع العلم بحرمتها مسبقا ً وأن دليل الحرمة أصبح ال يفيد وحده عند‬
‫الكثيرين فإنني نأيت في هذا البحث عن استخدام أسلوب الحرام أو الترهيب واتجهت الي الغاية‬
‫والقصد من التحريم (طرق الوقاية الداخلية) ثم بيّنت المقاصد اإللهية مما أمر هللا به فيما يتماشى‬
‫مع هذا البحث ( طرق الوقاية الخارجية ) حتي يعلم القارئ الكريم أن اإلسالم هدف من أوامره‬
‫ونواهيه مصلحة اإلنسان في دنياه أوال ثم آخرته ‪.‬‬

‫وستجد أيها القارئ الكريم أن جميع خطوات العالج التي وصفتها في هذا البحث قد وضعتها في‬
‫قالب ميسر للتطبيق العملي وبينت خطوات التطبيق لكل ما وصفته من عالج حتى أيسر لك الطريق‬
‫لتكون شيئا مذكوراً‪ .‬ولم أجعل من الكبت واستقذار الشهوة الجنسية سبيال لمدافعتها – ألن هذا ليس‬

‫‪3‬‬
‫المقدمة‬

‫من سبل اإلسالم في مدافعة الفطرة – ولكنني أهدف الي إيجاد سياج واقي للشهوة الجنسية – من‬
‫داخل النفس وخارجها – لحمايتها من سبل اإلثارة المختلفة والمتاحة حتي وإن كان الشيطان رسوال‬
‫للجنس واالنحراف‪.‬‬

‫إنني ال أكتب هذا البحث على أساس إنك سيئ‪ ،‬أو غيرك سيئ – حتي وإن تراؤوا هم على مثل‬
‫ذلك‪ ،‬ولكننا جميعا وإن كنا كذلك فمن إحاطة السوء بنا عبر إرادة الشيطان وجنوده في كيدنا ‪،‬‬
‫فاألصل فينا إرادة الخير ال الشر والسوء عارض وليس أصل فينا وذلك من أن آدم وحواء كادهما‬
‫الشيطان فأكال من الشجرة دون أساس إلرادة العصيان من آدم وحواء عليهما السالم ‪ ،‬ولذا كان من‬
‫قول سيدنا يوسف عليه السالم ( وإال تصرف عني كيدهن ) فالعارض ال بد من زوال فضع في‬
‫نفسك وأنت تبدأ هذا البحث إزالة عارض مقدورا عليه طالما أنه ليس أصل فيك ‪.‬‬

‫وقد تتعثر من الوهلة االولي خطواتك في سبيل تطبيق ما ذكر في هذا البحث أو تنحرف خاصة‬
‫طرق الوقاية الداخلية فابدأ بما ألفته وأتقنه من طرق الوقاية الخارجية حتي تقوي جانب الحفظ‬
‫الخارجي فتاهلل ماعدا علينا العدو – سلطان الشهوة – إال بعد أن تولي عنا الحافظ – الصالة‬
‫واإلخالص – فال تظن أن الشيطان غلب ولكن الحافظ أعرض ‪ ،‬فليس هناك إتباع لشهوة إال‬
‫بتضييع للصالة ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصالة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا )‬
‫(‪)1‬‬
‫وأخيرا أقدم على قراءة هذا البحث بإرادة التطبيق واستشعار روح التعفف على أن تجعل‬ ‫مريم‬
‫لكل فصل تقرأه أمدا للتطبيق ثم تنتقل الي الفصل الذي يليه وهكذا حتي نهاية البحث وبهذا أضمن‬
‫لك الثمار الحقيقية للعفة – إن شاء هللا ‪.‬‬

‫فاهلل أسأله أن يجعل هذا البحث وقاية لكل مسلم من الوقوع في الفاحشة‪ ،‬وتنقذ به كل من ساخت‬
‫قوائم فرسه في أرض الفاحشة وتلوث بها‪ ،‬وأشهد هللا أن الخير واإلصالح هو ما أردت منه فإن‬
‫وفّقت إليه فمن هللا وحده توفيقي‪ ،‬وإن انحرفت فمن نفسي والشيطان ‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل ‪.‬‬

‫خطة البحث‪:‬‬

‫مشكلة البحث‪:‬‬

‫تكمن في األخطار الناجمة عن ثورة الجنس والعري التي تعددت وسائله وتطورت مكايده وتيسرت‬
‫مساربه ففشت الفاحشة وأمراضها – اإليدز على سبيال المثال – واستهدفت بذلك من األمة شبابها‬
‫الذين ابتلع تيار الهوس الجنسي طائفة منهم ليست بالقليلة‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة مريم اآلية (‪.)59‬‬

‫‪4‬‬
‫المقدمة‬

‫فروض البحث‪:‬‬

‫أوال‪ :‬هل لتفجير الطاقات الكامنة في اإلنسان عالقة بضبط الشهوة الجنسية؟‬

‫ثانيا‪ :‬هل يمكن مقاومة الشهوة الجنسية وضبطها في ظل المثيرات المختلفة والمتنوعة والمتطورة‬
‫يوما بعد يوم‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬هل هناك وقاية ربانية لإلنسان من الوقوع في الفاحشة والبعد عن طرقها المختلفة‪.‬‬

‫أهداف البحث‪:‬‬

‫‪ -1‬تفجير الطاقات التي أودعها هللا في اإلنسان حتى تعينه على ضبط شهوته الجنسية‪.‬‬
‫‪ -2‬الوقاية من الفاحشة وطرقها والبعد عن مصايدها‬
‫‪ -3‬محاربة األمراض المنقولة جنسيا عبر ضبط الشهوة الجنسية‬
‫‪ -4‬تزكية روح الشباب للتصدي لكل ما يراد به من كيد حتى يسمو بنفسه وبأمته‪.‬‬
‫‪ -5‬مجابهة ثورة الجني عبر بيان عوارها وكشف مخططاتها وكيدها باألمة اإلسالمية‪.‬‬

‫منهج البحث‪:‬‬

‫لغرض تحقيق الدراسة اعتمد لباحث على المنهج التحليلي واالستنباطي لآليات واألحاديث التي تم‬
‫تجميعها من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وإبراز المقاصد والغايات التي تهدف إليها‪.‬‬

‫أهمية البحث‪:‬‬

‫تكمن أهمية البحث في إنقاذ أهم شرائح المجتمع اإلسالمي – الشباب – من وحل الفاحشة ومحاربة‬
‫األمراض المنقولة جنسيا عبر بيان لوسائل ضبط الشهوة الجنسية‬

‫كمال الناجي أبو ضلع‬

‫‪2006‬‬

‫‪5‬‬
‫الباب الخامس‪ :‬الخاتمة‬

‫الباب األول‪ :‬من وهج الواقع‬


‫الفصل األول‪ :‬األخطار من عدم ضبط الشهوة الجنسية‬

‫الشهوة‪ :‬ما تدعوا النفس إليه والفعل منه اشتهي ويجمع باألف والتاء فيقال شهوات (‪ ،)2‬أي توقان‬

‫النفس الي الشيء (‪ )3‬وهي ما يغلب على النفس محبته وهواه (‪.)4‬‬

‫إن من أخطر الشهوات التي ركبت في اإلنسان هي الشهوة الجنسية لذا كان من قول هلل تعالي من‬
‫هذه الناحية (وخلق اإلنسان ضعيفا) (‪ ،)5‬قال مجاهد وطاووس ليس يكون اإلنسان أضعف منه في‬

‫أمر النساء‪ ،‬وقال الزمخشري‪ :‬ضعيفا – أي اإلنسان – ال يصبر على الشهوات (‪ ، )6‬وقال وكيع في‬

‫ذلك ‪ :‬يذهب – أي اإلنسان – عقله عندهن (‪. )7‬‬

‫إن الشهوة الجنسية ليست عقبة في طريق اإلنسان بل هي فطرة أوجدها هللا في اإلنسان لغاي ٍة أسمي‬
‫وأجل يقول األستاذ محمد قطب في كتابه ( اإلنسان ما بين المادية واإلسالم ) ‪ ...‬وحين يحس الفتي‬
‫في طور المراهقة بالرغبة الغريزية فإنه ال يحتاج أن يستعيذ من هذا اإلحساس المجرد ‪ ،‬ألن‬
‫اإلسالم يقرر في صراحة أن هذا أمر طبيعي ال خالف عليه وال نكران له ‪ ...‬وعلى ذلك ال يحتاج‬
‫أن يكبت الشعور باإلثم بهذه الرغبة لكي يتطهر في نظر الناس ونظر نفسه ‪ ...‬وال يحتاج كذلك أن‬
‫يشعر باإلثم من مجرد هذا اإلحساس ‪ ،‬ومن ثم تنتفي كل االضطرابات النفسية والعصبية التي تنشأ‬
‫من الشعور باإلثم والتي تؤدي الي الجريمة في حاالت الشذوذ ‪ ،‬ولكننا نعلم أن اإلسالم لم يبح للفرد‬
‫أن يطيع الهاتف حسبما اتفق – وإنما وضع لذلك الحدود الشرعية التي يكون مباحا ً في داخلها‬
‫محرما ً فيما وراءها هذا صحيح ‪ ،‬ولكن هذا شيء والكبت شيء آخر ‪ ...‬فهذا تقييد ينظم النشاط‬
‫(‪)8‬‬
‫ولكنه ال يبته من منبته وال يحرم اإلحساس به في أيه لحظة بين اإلنسان ونفسه )‬

‫ومن هنا فإن اإلسالم اعترف (بدوافع الفطرة وتنظيم االستجابة لها وتصريف طاقتها في المجال‬
‫الطيب المأمون المثمر‪ ،‬وفي الجو الطاهر النظيف الرفيع‪ ،‬دون أن يجعلهم كذلك ينحدرون في‬

‫‪ - 2‬البحر المحيط في التفسير – ص ‪ 42‬ج ‪2‬‬


‫‪ - 3‬األساس في التفسير – ص ‪713‬‬
‫‪- 4‬البحر المحيط في التفسير –ص ‪ – 605‬ج‪2‬‬
‫‪ - 5‬سورة النساء اآلية (‪)29‬‬
‫‪ - 6‬البحر المحيط في التفسير – ص ‪ -605‬ج‪2‬‬
‫‪ - 7‬االساس في التفسير – المجلد الثاني – ص‪1039‬‬
‫‪ - 8‬اإلنسان بين المادية واإلسالم –محمد قطب – ص ‪75‬‬
‫المقدمة‬

‫االستجابة لها بغير حدود وال قيد) (‪. )9‬‬

‫ولهذا فإن للشهوة الجنسية دائرة تحفظ توازنها وسقف يضمن سالمتها فإذا تخطت الشهوة الجنسية‬
‫دائرتها وتعدت سقفها كان االختالل الذي يعني العبث والفساد واالنحراف فيكون نتاج ذلك سيطرة‬
‫األهواء وقيادة الشيطان‪.‬‬

‫فالشهوة الجنسية بمثابة الشرارة التي توشك أن تهب عليها رياح المثيرات فتأججها فما تلبث أن‬
‫تحرق وتهتك وحينها تصبح عقبة في مسار المسلم يجب التعامل معها‪.‬‬

‫لقد كان لإلنذار اإللهي القرآني محذراً المسلمين من استخدام أعدائهم لسالح الشهوات حتى ال يكون‬
‫الميل واالنحراف (ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميال عظيما) (‪.)10‬‬

‫لقد اتبع الغرب ذات السالح – سالح الشهوات – فوضع السم في الدسم والحلوى من حيث يدري –‬
‫أو ال يدري – المسلمون فلوّث عقول وقلوب الشباب المسلم بتياره الشهواني الفاسد‪.‬‬

‫لقد استخدموا في حربهم غير المعلنة على اإلسالم سالح المرأة وما أخطره من سالح حينما‬
‫تستجيب المرأة لذلك – ما أدع فتنة بعدي أضر على الرجال من النساء (‪ – )11‬استخدموها كأداة‬
‫تذكي شرارة الشهوة في قلوب الشباب بالتبرج والعري واالنحالل وإشاعة الرذيلة ‪ ( ،‬وفي دراسة‬
‫عن صورة المرأة في إعالنات التلفزيون المصري أوضحت التركيز على الجمال والرشاقة كما‬
‫أثبتت أن التعامل مع المرأة كسلعة من حيث إبرازها وهي تغني وهي ترقص لإلعالن عن سلعة‬
‫معينه وما يرتبط بذلك من عوامل تبرزها بصورة مغايره لواقعها الفعلي داخل المجتمع وذلك من‬
‫خالل ما يلي‪:‬‬

‫تهتم اإلعالنات التلفزيونية بتوظيف الفتيات ألغراض التسويق المنتج وإبراز االهتمامات‬ ‫‪-1‬‬
‫المتعلقة باألنوثة على حساب األدوار األخرى للفتاة الجادة المهتمة بدراستها وثقافتها والمتمتعة‬
‫بالخلق الحسن واإلبداع الفكري والفني‪.‬‬
‫تقديم صورة المرأة والفتاة كجنس وأنثي وليس ككائن اجتماعي يرتبط ويؤثر في واقع المجتمع‬ ‫‪-2‬‬
‫اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا‪.‬‬

‫‪ - 9‬في ظالل القرآن – سيد قطب ‪ -‬المجلد الثاني – ص ‪632‬‬


‫‪ - 10‬سورة النساء اآلية (‪)27‬‬
‫‪ - 11‬سنن ابن ماجة – الجزء الثاني – حديث رقم ‪4046‬‬

‫‪7‬‬
‫المقدمة‬

‫استخدام العديد من الوسائط لشويه صورة المرأة وإبرازها كأنها موضوع للجنس فهي تهتم فقط‬ ‫‪-3‬‬
‫بجمالها وجسدها حيث إن هذا مرغوب من الرجل (‪.)12‬‬

‫وهكذا أرادوا للمرأة العربية المسلمة أن تكون مروجة للجنس في بالد اإلسالم الهيةً عابثةً ليس لها‬
‫ه ّم إال جسمها‪.‬‬

‫واآلن وما أدراك ما اآلن لقد ازدادت المسارب التي تفتح باب االنحراف وتهيئ األذهان له‪ ،‬ويزداد‬
‫بذلك األثر الذي تحدثه في مجتمعنا – األزياء – السينما – دور اللهو‪ ،‬الفضائيات‪ ،‬االختالط العابث‪،‬‬
‫إنها ثورة الهوس الجنسي الذي ال يدع سفينة الشباب المسلم ترسو على بر الفضيلة بل سيجعلها‬
‫تتأرجح وتضطرب أمام عصف رياح الشهوة الجنسية وهيجان موج القنوات الفضائية ومعاكسة‬
‫تيار العري والتحلل واالنحراف مما يعرضه ألخطار ال يعلم عواقبها إال هللا‪.‬‬

‫لقد ابتلع تيار الشهوة الجنسية طائفة كبيرة من الشباب المسلم – أهم شرائح المجتمع المسلم – فصار‬
‫ال هم له إال إشباع شهواتهم وتلبية رغباتهم فصالوا وجالوا في ميادين الشهوة الجنسية على اختالفها‬
‫من مشاهدة أفالم الجنس ‪ -‬التي أصبحت متداولة في وسطهم – وفي الغناء الماجن – فيديو كليب‬
‫كما يحلو تسميته – يقتلون أوقاتهم كما يزعمون وهم في الحقيقة يقتلون حياتهم‪.‬‬

‫يوشك أن يكون لها ضرام‬ ‫أري خلل الرماد وميض نار‬

‫يكون وقودها جثث وهام‬ ‫لئن لم يطفها عقالء قوم‬

‫وإن الحرب أولها كالم‬ ‫فإن النار بالعودين تذكي‬

‫‪- 12‬أخالقيات العولمة – د‪ .‬أحمد نور – ص ‪82‬‬

‫‪8‬‬
‫الباب الخامس‪ :‬الخاتمة‬

‫الفصل الثاني‪ :‬دوافع ومثيرات الشهوة الجنسية‬ ‫‪1.1‬‬

‫(إن اإلسالم يهدف الي إقامة مجتمع نظيف‪ ،‬ال تهاج فيه الشهوات في كل لحظة وال تستار فيه‬
‫دفعات اللحم والدم في كل حين‪ ،‬فعمليات االستثارة المستمرة تنتهي الي سعار شهواني ال ينطفئ وال‬
‫يرتوي‪ ،‬والنظر الخائنة ‪ ،‬والحركة المثيرة ‪ ،‬والزينة المتبرجة ‪ ،‬والجسم العاري ‪ ... ،‬كلها ال تصنع‬
‫شيئا إال أن تهيج ذلك السعار الحيواني المجنون !! وإال أن يفلت زمام األعصاب واإلرادة‪ ،‬فإما‬
‫اإلفضاء الفوضوي الذي ال يتقيّد بقيد‪ ،‬وإما األمراض العصبية والعقد النفسية الناشئة من الكبح بعد‬
‫اإلثارة!! وهي تكاد تكون عملية تعذيب) (‪.)13‬‬

‫لقد كثرت المسارب التي تفتح على المسلمين السعار الشهواني الذي ال ينطفئ وال يرتوي‪ ،‬وتعددت‬
‫المسالك التي تهيئ وتيسر مزالق الهوي والشيطان‪ ،‬وكان من أهمها االختالل في موازين التربية‬
‫داخل األسرة‪ ،‬والذي أدي الي حرية التصرف ألفرادها حتي وإن انحرف عن الحق فكانت الثمار‬
‫الحتمية ذلك تبرج النساء ‪.‬‬

‫لقد نهي اإلسالم عن التبرج قال هللا تعالي (وال تبرجن تبرج الجاهلية األولي) (‪ )14‬ولقد كانت المرأة‬
‫في الجاهلية تتبرج‪ ،‬ولكن جميع الصور لتبرج التي تروي عن تبرج الجاهلية االولي تبدو ساذجة أو‬
‫محتشمة حين تقاس الي تبرج أيامنا هذه في جاهليتنا الحاضرة !!‬

‫قال مجاهد‪ :‬كانت المرأة تمشي بين الرجال‪ ،‬فذلك تبرج الجاهلية !!‬

‫وقال قتادة‪ :‬وكانت لهن مشية تكسّر وتغنج‪ ،‬فنهي هللا تعالي عن ذلك !!‬

‫وقال مقاتل بن حيان‪ :‬والتبرج أنها تلقي الخمار على رأسها وال تش ّده فيداري قالئدها وقرطها‬
‫(‪)15‬‬
‫وعنقها‪ ،‬ويبدو ذلك كله منها ‪ ،‬وذلك التبرج !!‬

‫هذه هي صور التبرج في الجاهلية الماضية فأين نحن من ذلك في جاهلية القرن العشرين –‬
‫الجاهلية الحاضرة؟؟‬

‫إن لدينا من وسائل اإلعالم التي تري فيها من المرأة كل شيء بال استثناء!! إننا نعيش اآلن في فترة‬
‫جاهلية عمياء غليظة الحس‪ ،‬حيوانية التصور‪ ،‬هابطة في درك البشرية الي حضيض مهين‪.‬‬

‫‪ - 13‬في ظالل القرآن – سيد قطب – المجلد الرابع – ص‪2511‬‬


‫‪ - 14‬سورة األحزاب اآلية (‪)33‬‬
‫‪ - 15‬في ظالل القرآن – سيد قطب – المجلد الخامس – ص ‪2860‬‬
‫المقدمة‬

‫لقد شاع بيننا – ولألسف – أن مظاهر العري‪ ،‬واألزياء الفاضحة التي تبدي جسم المرأة وإتِّباع‬
‫المودة من مظاهر الحضارة والرقي! حتي امتألت الشوارع بخفاف العقول يعثن في األرض فساداً‬
‫(صنفان من أهل النار لم أرهما‪ :‬قوم معهم سياط يضربون بها الناس ‪ ،‬ونساء كاسيات عاريات‬
‫(‪)16‬‬
‫مميالت رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ال يدخلن الجنة وال يجدن ريحها )‬

‫(إن العري فطرة حيوانية‪ ،‬وال يميل اإلنسان إليه إال وهو يرتكس الي مرتبة أدني من مرتبة‬
‫اإلنسان‪ ،‬وإن رؤية العري جماالً هو انتكاس في الذوق البشري قطعا ً ‪ ،‬والمتخلفون في أواسط‬
‫إفريقية عراة ‪ ،‬واإلسالم حين يدخل بحضارته الي هذه المناطق يكون أول مظاهر الحضارة اكتساء‬
‫العراة ‪ ،‬فأما الجاهلية الحديثة ( التقدمية ) فهم يرتكسون الي الوهدة التي ينتشل اإلسالم المتخلفين‬
‫منها وينقلهم الي مستوي ( الحضارة ) بمفهومها اإلسالمي الذي يستهدف استنقاذ خصائص اإلنسان‬
‫(‪)17‬‬
‫وإبرازها وتقويتها‬

‫لقد كانت هذه الموجة من التبرج نتيجة لالنبهار بالحضارة الغربية الجوفاء من القيم األخالقية‪،‬‬
‫العمياء عن سبيل الرشد ‪ ،‬المنحرفة الي ِإتباع غريزة الجنس والتي تبث سمومها عبر أجهزة اإلعالم‬
‫المختلفة – القنوات الفضائية – والتي أصبحت تسعي إليك دون أن تسعي إليها أنت من حيث‬
‫توفرها وكثرتها وصدق رسول هللا صلي هللا عليه وسلم ( لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا‬
‫بذراع حتي لو دخلوا جحر ضب التبعتموهم ) (‪. )18‬‬

‫(إن بيوت األزياء ومصمميها ‪ ،‬وأساتذة التجميل ودكاكينها لهي األرباب التي تكمن وراء هذا الخبل‬
‫الذي ال تفيق منه نساء الجاهلية الحاضرة وال رجالها كذلك !! وإن هذه األرباب تصدر أوامرها‬
‫فتطيعها القطعان والبهائم العارية في أرجاء األرض طاعة مزرية!! وسواء كان الزي الجديد لهذا‬
‫العام يناسب قوام أية إمراه أو ال يناسبه ‪ ،‬وسواء كانت مراسم التجميل تصلح لها أو ال تصلح فهي‬
‫(‪)19‬‬
‫تطيع صاغرة ‪ ...‬تطيع تلك األرباب ‪ ...‬وإال ( ُعيِّرت ) من بقية البهائم المغلوبة على أمرها !!‬

‫لقد أصبح الغرب بحضارته الفاسدة قبلة توجه إلها فئات كثيرة من شبابنا‪ ،‬ومحراب عكف إليه‬
‫ضعفاء النفوس من شبابنا‪ ،‬وما تكاد تشاهد موضة جديدة من ملبس أو حالقة أو زي في القنوات‬
‫الفضائية إال وتجده واقعا ً بين أوساط ضعاف النفوس من الشباب حتى أصبحت شوارعنا فرنسية‬

‫‪ - 16‬مختصر صحيح مسلم – حديث رقم ‪1388‬‬


‫‪ - 17‬في ظالل القرآن – سيد قطب – المجلد الثالث – ص ‪1275‬‬
‫‪ - 18‬مختصر صحيح مسلم – حديث رقم ‪2002‬‬
‫‪ - 19‬في ظالل القرآن – سيد قطب – المجلد الثاني ‪1284 -‬‬

‫‪10‬‬
‫المقدمة‬

‫بأزيائها ‪ ،‬أمريكية بعاداتهم وتقاليدهم ‪ ،‬وغربية بما تحمله من أقيسه كاملة للغربيين في كل شيء‬
‫(‪)20‬‬
‫تماشي مع قيمنا أو انحرف !! (من تشبه بقوم فهو منهم )‬

‫وقد كان هذا التبرج نتيجة حتمية لهذا الوضع المزرى من التقليد األعمى فامتألت الشوارع بالنساء‬
‫الكاسيات العاريات وارتكست النساء الي مرتبة أدني من مرتبة اإلنسان حينما أصبحت رؤية العري‬
‫الجسدي جماالً باسم الزينة والحضارة والموضة!!‬

‫وبتبرج النساء كانت ثورة الغرائز وإطالق سعار الشهوة الجنسية بين أوساط الشباب ثم أثمر هذا‬
‫الواقع ثماره الحتمية من إشاعة الفاحشة والتنفيس الفوضوي للشهوة الجنسية‪.‬‬

‫(لقد كانت فوضي العالقات الجنسية هو المعول األول الذي حطّم الحضارات القديمة اإلغريقية ‪،‬‬
‫وحطّم الحضارة الرومانية ‪ ،‬وحطّم الحضارة الفارسية وهذه الفوضى ذاتها هي التي أخذت تحطّم‬
‫(‪)21‬‬
‫الحضارة الغربية الراهنة‬

‫وإن هذه األسباب التي أدت الي فوضي العالقات الجنسية انتشار ظاهرة امتالك االطباق الفضائية‬
‫حديثا – حتي بين أهل الريف – وأصبحت مشاهدة األفالم الخليعة واألغاني الماجنة والصور‬
‫العارية من األمور الطبيعية بالرغم من علم كثير من الناس باآلثار السالبة على الشباب من مشاهد‬
‫العري فأصبح ال وازع وال مانع للشباب من هذه المشاهد النصراف األسر الي جوانب المعيشة‬
‫وانشغالها بظواهر األمور فأغلقت هذا الجانب وغضّت الطرف عنه – عمد ودون عمد – فأصبح‬
‫الشباب بين مفترق الطرق بين نوازع الشهوة الجنسية – وهذا أمر طبيعي لنتيجة حرية المشاهدة‬
‫لمناظر العري – وخوف العار يتيهون دون مرشد ويسيرون من دون دليل ‪ ،‬فطغت عليهم نوازع‬
‫الشهوة الجنسية وتيارها القوي وابتلع كثير منهم ‪.‬‬

‫إنني ما زلت أذكر جيداً اليوم الذي دخلت فيه على أحد األسر التي تمتلك هذه األسلحة الفتاكة بأبنائها‬
‫– الفضائيات – والذي أدهشني أني وجدت هذه األسر بكل أفرادها – اآلباء واألبناء – يشاهدون‬
‫يعف قلمي عن وصفها واألسرة جميعا حضوراً!! ّ‬
‫إن مثل هذا له ثمار‬ ‫ّ‬ ‫بعض مشاهد العري التي‬
‫حتمية جهلها اآلباء أو علموها وهي التمهيد لألبناء باالنحراف وللبنات بالتبرج‪ ،‬وهذا ما قد كان‬
‫فعال!!‬

‫إن هذا يقودنا الي أمر في غاية األهمية وهو أن حظ األسرة في تربية األبناء جنسيا ً معدومة تماما ً‬
‫فال تكاد تجد له وجود‪ ،‬للجهل الكبير من اآلباء واألمهات والذي يبدو واضحا ً في االهتمام والتركيز‬
‫‪ - 20‬المرجع السابق – المجلد الثاني – ص ‪632‬‬
‫‪ - 21‬في ظالل القرآن – سيد قطب – المجلد الثاني – ص ‪632‬‬

‫‪11‬‬
‫المقدمة‬

‫بتوفير سبل األكل والشرب الجسدي دون الروحي ‪ ،‬فكما أن األكل والشرب – الطعام – يظهر في‬
‫بنية الجسم فإن الصور العارية تظهر كسلوك منحرف على األبناء من حيث ال يشعر اآلباء ‪.‬‬

‫أوقات الفراغ‪:‬‬

‫إن من أكبر العلل التي يعاني منها طائفة كبيرة من الناس – وأخص بذلك الشباب – هي داء الفراغ‬
‫الذي يسيطر عليهم من جراء عدم المقدرة والجهل بكيفية االستفادة من أوقاتهم واستثمارها فيما يعود‬
‫عليهم وعلى أمتهم بالخير‪.‬‬

‫فالشباب طاقات مختزنة تسعي أجهزة اإلعالم الفاسدة لتفجير أخطر طاقة منها وهي الطاقة الجنسية‬
‫التي لها من القوة ما يمكنها من السيطرة على بقية الطاقات والهيمنة عليها ثم إفسادها على غير‬
‫المنهج اإلسالمي الذي يرعي التوازن في تفجير الطاقات اإلنسانية حتي ال تطغي واحدة على أخري‬
‫وفق سلم األولويات لدي األمم واألفراد‪.‬‬

‫لقد بات لدي الكثير من الشباب من بعد التفجير العشوائي لطاقاتهم الجنسية والتي أفلحت وسائل‬
‫اإلعالم المنحرفة في ذلك‪ ،‬بات ه َّم الكثيرين منهم ساعات ينفقها جلوسا أمام شاشات الكمبيوتر‬
‫يجول عبر شبكة المعلومات الدولية ليشاهد أفالم الجنس أو مشاهدة الفضائيات أو امتالك جهاز‬
‫موبايل يتم فيه تخزين بعض أفالم الجنس‪ ،‬وهكذا أصبح مثلما يحلوا لهم القول بقتل الوقت والذي هو‬
‫قتل الحياة‪.‬‬

‫إن تيسير وسائل الفساد األخالقي – الذي أضحي في متناول الجميع – ساعد الكثير من ضعاف‬
‫النفوس على االنحراف عن منهج اإلسالم‪ ،‬فزاد بذلك نسبة الفساد ثم تبعه زيادة نسبة األمراض‬
‫المنقولة جنسيا ً‪.‬‬

‫إن الشباب هم زخر األمة ومخزونها في مستقبل أيامها‪ ،‬فإلن تفجر طاقاتهم فيما ينفعهم وينفع أمتهم‬
‫خير من أن نترك أمر تفجير طاقاتهم حكراً على أجهزة اإلعالم الفاسدة‪ ،‬فتفجير الطاقات مسئولية‬
‫مشتركة بين األمة وبين الشباب أنفسهم‬

‫داء الفقر والحاجة‪:‬‬

‫ما أتعس الحياة حينما تمتد يد الفقر الي قلوب الناس لتنزع عنهم لباس التقوي والعزة وتلبسهم ثوب‬
‫الضعف والوهن فيبيعوا أعراضهم بثمن بخس دراهم معدودة قلت أو كثرت !!‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫المقدمة‬

‫وما أتعس اإلنسان حينما يكون عبداً لشهوة المال يطلبه ولو كانت األعراض ثمنا ً له!! وما أشقي‬
‫ذلك اإلنسان الذي يبتغي تلبية رغباته المادية مسايراً الحضارة والموضة ولو امتطي في ذلك صهوة‬
‫جواد الشرف والعرض!‬

‫إنها حياة بائسة تلك التي يكون فيها سوق البغي رائجا ً وفق حسابات المال فيرفرف للبغايا رايات‪،‬‬
‫والفائز فيها من زاد عطاؤه ‪ ،‬أال أين نحن من زمان الجاهلية التي تجوع الحرة فيها وال تأكل‬
‫بثدييها!!‬

‫إنني أطلق تأوهاتي هذه لما نعايشه من واقع مزري من التغيير الذي طرأ على سلوكنا األخالقي‬
‫سلبا في ظل التنافس البغيض والتكالب المزرى على المال‪.‬‬

‫إن تيار الفقر بات وشيكا أن يزل الكثيرين من ضعاف النفوس فيستعبدهم للمال بيعا ألعراضهم في‬
‫سبيل الحصول على المال الكافي فحصنوا النفوس بالزهد والقناعة يا علماء اإلسالم!! فإن أمة ترفع‬
‫فيها للبغايا رايات حرية بها أن تجثو على ركبتيها لطاغوت الشهوات‪.‬‬

‫أيها األب الكريم إن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت ال تدري فالمصيبة أعظم‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الباب الخامس‪ :‬الخاتمة‬

‫الفصل الثالث‪ :‬اآلثار السالبة لالنفالت الجنسي‬ ‫‪1.2‬‬

‫نزع الحياء‪:‬‬ ‫‪1.2.1‬‬

‫للحياء أهمية عظيمة في اإلسالم فهو إحدى الشعاب التي يقوم عليها اإليمان ( ‪ ...‬والحياء شعبة من‬
‫شعب اإليمان ) (‪ )22‬فهو مفتاح للخير كله ومغالق للشر كله ‪ ،‬وفقده بداية لنهاية الخير‬
‫واضمحالله ‪،‬وإنما ًء لبذور الشر وانتشاره ‪.‬‬

‫فالحياء هو الفاصل بين الخير والصالح والطالح ‪ ،‬وهو الفاصل بين اإلنذار من خطر قادم وشر‬
‫(‪)23‬‬
‫وإن أول سلسلة‬ ‫سيستفحل ‪ ،‬وبشارة بالصالح والهداية ( إذا لم تستح فاصنع ما شئت )‬
‫للمعاصي هي نزع الحياء ( فالمرء حسبما يفقد حياءه يتدرج من سيئ الي أسوأ ‪ ،‬ويهبط من رزيلة‬
‫الي أرزل ‪ ،‬وال يزال يهوي حتي ينحدر الي الدرك األسفل ‪ ،‬وقد روي رسول هللا صلي هللا عليه‬
‫وسلم حديث يكشف عن مراحل السقوط الذي يبتدئ بضياع الحياء وينتهي بشر العواقب ( إن هللا‬
‫عز وجل إذا أراد أن يهلك عبد نزع منه الحياء ‪ ،‬فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إال مقيتا ممقتا ً –‬
‫مبغضا ً – فإذا لم تلقه إال مقيتا ممقّتا نزعت منه األمانة ‪ ،‬فإذا نزعت منه األمانة لم تلقه إال خائنا ً‬
‫مخونا ً ‪ ،‬فإذا لم تلقه إال خائنا مخونا ً نزعت منه الرحمة ‪ ،‬فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إال رجيما ً‬
‫(‪)24‬‬
‫ملعنا ً ‪ ،‬فإذا لم تلقه إال رجيما ً ملعنا نزعت منه ربقة اإلسالم )‬

‫وألهمية الحياء في اإلسالم وعند الفرد المسلم كان االستهداف الغربي اإلعالمي الموجه لنزع‬
‫الحياء من المسلمين – الشباب خاصة – وفق ما يعرضون من مناظر فاضحة وصور عارية وأفالم‬
‫خليعة عبر القنوات الفضائية المختلفة‪.‬‬

‫إننا قد نتساءل لماذا ترتدي الفتاة مالبس تبرز مفاتنها؟ ولماذا ترقص النساء وهن كاسيات عاريات‬
‫أما مراي الرجال؟ ولماذا يرتدي هؤالء الفتيات ما يستحي الرجل أن يرتديه ؟ ولماذا هذا التبرج‬
‫والسفور الذي أصبح سمة غالبة على طوائف كثيرة من الفتيات ؟ ولماذا ‪ .....‬ولماذا ‪....‬‬
‫ولماذا ‪......‬؟ إن كل هذا مرده الي نزع الحياء‪.‬‬

‫إن اإلحساس بالمرض بشارة خير إذ أنه بمثابة النداء بأن هذا العضو به داء يحتاج الي دواء‪ ،‬فهو‬
‫بمثابة اإلشعار والتنبيه ‪ ،‬واإلمراض الخطيرة تسري في أوصال اإلنسان دون أن يشعر بها الي‬

‫‪ - 22‬رواه مسلم في االيمان ‪ 0‬مناهج المسلم – ص ‪ -129‬رياض الصالحين – حديث رقم ‪683‬‬
‫‪ - 23‬رواه البخاري – بلوغ المرام من جمع ادلة األحكام – البن حجر العسقالني – حديث رقم ‪1554‬‬
‫‪ - 24‬خلق المسلم – محمد الغزالي – ص‪164‬‬
‫المقدمة‬

‫تورده المهالك ‪ ،‬فالخطر من نزع الحياء يكمن في أن اإلنسان ال يشعر بأن الحياء نزع منه ألن نزع‬
‫الحياء ال يتم دفعة واحدة بل يتم تدريجيا ً ‪.‬‬

‫فاإلنسان الذي يشاهد األفالم الخليعة والصور العارية يصبح بمرور الزمن هذا األمر عنده على‬
‫سبيل العادة ثم ال يستنكره في نفسه أو في أهله أو في الناس حتي يصبح سلوكا له في نفسه‪.‬‬

‫إنك قد تري فتاة عارية تستحي أن تعيد النظر إليها مرة أخري‪ ،‬وهي في الحقيقة ال تري أنها أتت‬
‫منكراً من اللباس بل األمر عندها يسير سيراً طبيعيا ً ‪ ،‬وإن هذه شارة من شارات نزع الحياء عندها‪،‬‬
‫وال تحسب بأنها ستقف عند هذا الحد بل إن هذه هي الخطوة األولي في درك الشقاء والفاحشة ‪ ،‬وإن‬
‫هذا نذير بالخطر القادم والمنتظر ال محالة ‪.‬‬

‫اال أيتها األسرة الي متي تتركين ابنتك تتقاذفها رياح الموضة واالنحراف لتقتلع من األسرة عفتها‬
‫وكرامتها؟ الي متي تتركين أيتها األسرة الحبل على القارب بدعوي أن الفتاة قد كبرت وهي على‬
‫معرفة بمصالحها؟ وهل اإلدراك بالمصلحة يعني التبرج ؟!! أم أن التبرج هو رسالة بالجهل‬
‫بالمصلح كلها بما في ذلك مصلحة األسرة؟!!‬

‫اآلثار السالبة لمشاهد العري‪:‬‬ ‫‪1.2.2‬‬

‫‪ -1‬تغيير الفطرة‬
‫إن الفطرة في الرجل أن يستجيب ألدني المثيرات من جانب المرأة فتتحرك الغريزة‬
‫الجنسية فيه – كذلك المرأة – بغض النظر أن تكون نتيجة هذه اإلثارة عمالً أو ال ‪ ،‬فإن‬
‫اإلحساس الغريزي يدفع به الي تحقيق آية من آيات هللا تعالي – الزواج – وذلك للحفاظ‬
‫على النسل وفق التكاثر على هذا النمط تحت ظل محصن آمن وهو األسرة ‪ ،‬لذا كان ضبط‬
‫اإلسالم للمجتمع اإلسالمي من جانب المرأة في أن يسود فيه العفة فالمرأة تتزين بحيائها‬
‫وتتزيّا بحجابها والغريزة الجنسية فيه آمنة من اإلثارة ‪ ،‬فيكون بذلك تحصيل اإلشباع‬
‫الكامل والمتعة عند الزواج وهذه هي غاية اإلسالم من فطرة الجنس ‪.‬أما حينما تسود الحياة‬
‫تروج‬
‫ثورة الجنس والعري المجنون وسعار من الشهوة في ظل الفضائيات الكثيرة التي ِّ‬
‫للعري والتفنن في إشعال نار الشهوة الجنسية عبر التفنن في إظهار المرأة لجسدها وتعريها‬
‫ورقصها تارة وغناء وتمثيالً تارة أخري ‪ ،‬فإن اإلدمان على مشاهدة مثل هذه المناظر‬
‫العارية يقود اإلنسان الي غير سبيل الفطرة فتصبح المرأة عند الرجل بصورتها العارية‬
‫باتت رتيبة غير مثيرة وحينها تكون الحاجة الي مثيرات أكبر – خاصة عند الزواج –‬

‫‪15‬‬
‫المقدمة‬

‫وهكذا تضعف عنده القوة على نجاح العملية الجنسية عند الزواج مما يؤدي غالبا ً الي وقوع‬
‫حاالت كثيرة من الطالق ‪.‬‬
‫أما من تقوده صور العاريات التي تعود على مشاهدتها عبر الفضائيات الي االستمرارية‬
‫في ممارسة الفاحشة تقل عنده الرغبة في الزواج بذلك ألن نظرته القاصرة التي تزيّن له‬
‫من أن الزواج جنسا ّ فقط وهو يقضي وطره خارج إطار الزواج تجعله يلملم أطرافه طالما‬
‫أن اإلشباع متوفر له خارج إطار الزواج وبهذا يكثر فينا ولد الزنا – نعوذ باهلل من ذلك –‬
‫إنني بحسب مرحلتي العمرية التي لم أبرح فيها سن الشباب أقول هذا ليس وهما ً توهمته وال‬
‫ضربا ً من الخيال ولكنها الحقيقة التي طالما سمعتها تتردد على أفواه الكثيرين من الشباب‬
‫الذين ضلت أقدامهم وانحرفت عن منهج اإلسالم الحنيف‪ .‬إن هذه هي السبيل الحتمي للذين‬
‫تعودوا مشاهدة مناظر العري فإما اإلفضاء الفوضوي خارج إطار الزواج – إن تعسرت‬
‫الخطوات نحو الزواج – وإما عند اإلكثار يكون البرود الجنسي الذي له آثاره السالبة بعد‬
‫الزواج ‪.‬‬
‫‪ -2‬تعطيل المصالح‪:‬‬

‫إن رأس مال النجاح هو الوقت الذي نسقي منه بماء واحد وفق ساعات معدودة ثم يتفاضل بعضنا‬
‫على بعض في األكل ما بين النجاح والفشل عن طريق االستثمار المفيد له في وسائل النجاح‬
‫والفشل‪ .‬فأعظم الخسائر التي تسحق من الوقت بركته هي النظرة الي مشاهد العري من الراقصات‬
‫وغيرهن ‪ ،‬وضرر النظرة هذه ينبع من أن النظرة الي مشاهد العري يسبقها تفكير في المشاهد ‪،‬‬
‫وهذا التفكير الذي يأتي إ ّما من خالل دوافع النفس أو من خالل نزغ الشيطان ‪ ،‬فيثير هذا التفكير فينا‬
‫دوافع الشهوة الجنسية ويلهب نارها لتقوي في نفوسنا الرغبة الي إتيانها فيصدق الفرج – بضعفنا‬
‫واستجابتنا لشهوتنا – أو يكذبه ‪ ،‬وفي كذبه يكون ضرر الكبت النفسي علينا وفي التنفيس‬
‫واالستجابة يكون ضرر األمراض الجسدية – األمراض المنقولة جنسيا – وقد تكون االستجابة‬
‫بذرة للعادة فيكون االنصراف الي المفاسد والشهوات التي ال شك في أنها تعطل مصالح كان يمكن‬
‫تحقيقها في هذا الوقت نفسه ‪ ،‬وأقرؤا إن شئتم ما كتبه الدكتور ( ألكسيس كارليل ) في كتابه‬
‫( اإلنسان ذلك المجهول ) قوله ( عندما تتحرك الغريزة الجنسية لدي اإلنسان تفرز غدده نوعا ً من‬
‫المادة التي تتسرب بالدم الي دماغه وتخدره فال يعود قادراً على التفكير الصافي ) (‪. )25‬‬

‫‪- 25‬تربية األوالد في اإلسالم – عبد هللا ناصح علوان – ج األول – ص ‪299‬‬

‫‪16‬‬
‫المقدمة‬

‫(إن الجنس يبدأ في الدماغ‪ ،‬وتتحول منبهات اإلثارة من الجسم والخيال والعالم الخارجي في‬
‫األعماق المظلمة من العقل الي ( جنس ) ويستجيب الجسم بموجة من التستوستيرون وال يزداد‬
‫(‪)26‬‬
‫التستوستيرون بالجنس فقط وإنما بتوقع الجنس كذلك‬

‫األمراض المنقولة جنسياً‪:‬‬ ‫‪1.2.3‬‬

‫إن كل تعد لحدود هللا تعالي وكل انزالق في وحل اإلثم والفاحشة إنذار بالبالء واألوجاع التي لم تكن‬
‫في سالف البشرية وماضيها‪.‬‬

‫لقد انتشرت الفاحشة وعم الزنا وتيسرت طرقه ‪ ،‬وتنوعت أساليبه ‪ ،‬وفتحت أبوابه ‪ ،‬واستتبع ذلك أن‬
‫ابتلينا باألمراض الخطيرة التي لم تكن في ماضينا وذلك بما كسبت أيدينا من فشو الفاحشة بيننا ‪،‬‬
‫ولقد بات في حكم المؤكد – طبياً‪ -‬إن الزنا يتسبب في كثير من األمراض واألوبئة الفتاكة والتي‬
‫تتفاوت خطورتها ومضاعفاتها يقول الدكتور جون بيستون ‪ ( :‬أن القرائن التي جمعت من دراسات‬
‫تقول أن األمراض الجنسية معظمها تنتج من العالقات الجنسية خارج نطاق الزوجية ) ويقول‬
‫الدكتور كلود نيكول ‪ ( :‬إن المشكلة التي تواجهنا اليوم هي تبدل قيمنا األخالقية التي شجعت وتشجع‬
‫إقامة العالقات الجنسية المحرمة ‪ ،‬وهذه بدورها سببت ازديادا حاداً في إصابات األمراض الناتجة‬
‫عن اإلباحة الجنسية ) (‪ ، )27‬وإليكم استعراض لبعض األمراض ‪:‬‬

‫‪ -1‬مرض السيالن (التعقيبة ) ‪:‬‬

‫تتم اإلصابة بهذا المرض عن طريق المجامعة المحرمة (الزنا) ومن أعراض هذا المرض حدوث‬
‫ألم وحرقة شديدة عند التبول ‪ ،‬تجمع مواد صفراء على الفرج داخل الحشفة يتولد عنها رائحة‬
‫كريهة باإلضافة الي التهابات أخري قد يتسبب بها هذا المرض (‪.)28‬‬

‫ومرض السيالن يؤدي الي العقم مما يحصل من ضيق في القناة الناقلة‪ ،‬كما تنشأ حالة التهاب‬
‫البربخ وهي حالة مؤلمة وأحيانا ً خطرة‪ ،‬وعند النساء تمتد العدوي من خالل الرحم وقناة المبيض‬
‫الي تجويفة البطن مسببة التهاب الصفاق ‪ ،‬وإذا لم تحدث اإلصابة بالتهاب الصفاق أو حدثت ولم‬
‫تسبب الوفاة او المرض الحاد ‪ ،‬فإن االلتهاب المزمن في قناة المبيضات قد يؤدي في النهاية الي‬
‫(‪)29‬‬
‫سدها مما يمنع وصول البويضات الي الرحم ويؤدي بالتالي الي العقم‬
‫‪ - 26‬طاقة الحياة – على بروان –ص ‪390‬‬
‫‪- 27‬اإلسالم والجنس – فتحي يكن – ص ‪43-42‬‬
‫‪ - 28‬المرجع السابق – ص‪44‬‬
‫‪ - 29‬المرشد الحديث في التوعية الصحية – ص‪609-608‬‬

‫‪17‬‬
‫المقدمة‬

‫(‪)30‬‬
‫‪ -2‬مرض السفلس (داء الزهري)‬

‫تنتقل اإلصابة بالسفلس عادة خالل الجماع (الزنا ) ويكون ثالث مراحل وتحصل المرحلة الثالثة‬
‫من السفلس بعد مرور ثالثة سنوات الي عشرون سنة من ظهور اآلفة األولي ‪ ،‬فتظهر كتل متورمة‬
‫قاسية تدعي بالورم الصمفي في أنحاء مختلفة من الجسم وقد تنشأ قروح صعبة على الجلد وتغطي‬
‫جزءاً كبيراً من الجسم ‪.‬‬

‫وتنشأ أعراض المرض األكثر إيالما ً في طوره المتأخر‪ ،‬فالمصاب حتي ولو كان في ربيع عمره قد‬
‫يشعر باأللم في البطن تزداد مدتها‪ ،‬وتنتشر اآلالم المبرحة جداً في الساقين والجسم فيتبين للمصاب‬
‫أنه ال يستطيع السير جيداً في الظالم ‪،‬ويفقد السيطرة على ساقيه ‪ ،‬وال في وسعه التحكم في تبوله‬
‫وتبرزه ‪ ،‬ويصير مقعداً عاجزاً طيلة حياته !! ألن السفلس يحطم جهازه العصبي‪ ،‬ولكنه قد يعيش‬
‫طوال سنوات في حالة يرثي لها إذ قلما يقتل السفلس ضحيته بسرعة‪.‬‬

‫وقد ينتج منه أيضا ً العته (اختالل العقل الشيخي ) وداء السكتة الدماغية والصرع والجنون والشلل‬
‫والعمي ‪ ،‬وتنجم كذلك حاالت مميتة عدة من أمراض القلب عن السفلس الذي عادة ما يهاجم أوال‬
‫ذلك الجزء من الشريان األورطي القريب من القلب فيلتف صمامه ويفقده تماسكه ويلقي تسرب الدم‬
‫المفرط الناتج حمالً ثقيال على القلب فيتضخم أوالً ثم يتوقف تماما ً عن العمل ‪.‬‬

‫‪ -3‬متالزمة العوز المناعي المكتسب (اإليدز )(‪: )31‬‬

‫يسبب مرض متالزمة العوز المناعي المكتسب عدوي بفيروس العوز المناعي البشري ‪Human‬‬
‫‪ ،Immunodeficiency Virus‬وال يوجد عالج شاف لمرض اإليدز حتي اآلن وال لقاح أيضا ً ‪.‬‬

‫ومن أهم وأكثر الطرق الناقلة لمرض االتصال الجنسي غير المحمي مع شخص حامل لعدوي‬
‫الفيروس‪ ،‬أما أعراضه فقد ال تظهر على المصابين بالعدوي لفترة طويلة ولكن الجدير بالذكر أنه ال‬
‫يوجد أعراض خاصة لمرض اإليدز‪ ،‬ويمكن تلخيص مراحل اإليدز باآلتي ‪:‬‬

‫المرحلة األولي‪ :‬خالل فترة ‪ 4-3‬أسابيع من التقاط العدوي قد تظهر أعراض مثل الرشح والحرارة‬
‫وقد تختفي تلقائيا‪.‬‬

‫‪ - 30‬المرشد الحديث في التوعية الصحية – ص ‪617 -616‬‬


‫ً‬
‫‪ - 31‬اإلدارة العامة للطب الوقائي – دليل األمراض المنقولة جنسيا لسنة ‪ -2002‬ص ‪35‬‬

‫‪18‬‬
‫المقدمة‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬قد تمتد سنوات طويلة‪ ،‬وتظهر خاللها أعراض مختلفة مثل انخفاض في الوزن ‪،‬‬
‫نزالت صدرية ‪ ،‬إسهامات حادة ‪ .....‬وقد ال تظهر أعراض مرضية أبداً‪ ،‬خالل هذه الفترة يتدنى‬
‫مستوي المناعة عند المصاب تدريجيا ً ‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة‪ :‬وهي مرحلة اإلصابة بمرض اإليدز‪ ،‬ويعاني خاللها المصاب من أمراض انتهازية‬
‫وأمراض سرطانية قد تطول هذه سنة أو أكثر ‪.‬‬

‫تغريب الشباب عن دينهم‪:‬‬ ‫‪1.2.4‬‬

‫إن أول األمور التي تقوم بها الدول الغازية حينما تعزم على غزو دولة معينة هي التأكد من‬
‫اهتمامات شباب تلك الدول المراد غزوها وضمان أن اهتماماتهم ال ترتبط بأهداف أمتهم‬
‫ومصيرها‪ ،‬وإذا لم يتسنى لهم ذلك عمدوا أوالً الي غزو عقول وقلوب الشباب بأمور يلهوا بها‬
‫ويسموا عن أهدافهم العليا حتي يتسنى لها النجاح وغيرها‪.‬‬

‫إن هذا هو الذي تم عمله حينما أرادت تلك الدول الغازية غزوا اإلسالم وأهله فبدوءا غزوهم‬
‫بالشباب عبر ثقافة الجنس والعري والرقص والغناء وعمدوا الي بث سمومهم هذه عبر أجهزة‬
‫اإلعالم المرئية – على االخص – وغيرها ‪ ،‬ثم قاموا بتيسير كل السبل إلتاحة الرؤية وسهولتها‬
‫عبر الوسائل المختلفة من الشبكة الدولية لالتصاالت والفضائيات وأجهزة الهاتف المحمول وقد‬
‫كانت غايتهم من هذه الحملة إطالق سعار الشهوة الجنسية وسط شباب األمة حتي يصبح الهدف‬
‫االسمى إشباع غريزة الجنس عبر المشاهدة ثم الرقص والمجون ثم االنحالل واالنحراف ‪.‬‬

‫وبهذه الخطة كانت استجابة كثير من شباب االمة فأهمتهم أنفسهم فمالوا رقصا ً وطربا ومادوا عن‬
‫طريق الحق وتبرجوا عن قيم اإلسالم وفق تبرج جاهلية الغرب وأصبحوا يقولون هل لنا من األمر‬
‫شيء واألمر كله في أيديهم !!‬

‫‪19‬‬
‫الباب الخامس‪ :‬الخاتمة‬

‫الباب الثاني‪ :‬طرق الوقاية الداخلية‬


‫الفصل األول‪ :‬المبصرات‬ ‫‪1.3‬‬

‫وصفة نبوية عظيمة لها من الدالالت البعيدة واآلثار العميقة في كبح جماح الشهوة الجنسية (اصرف‬
‫بصرك)(‪ )32‬إن الختيار كلمة البصر معني أعمق وأد َّ‬
‫ق عن غيره من الكلمات ذات المعني المرادف‬
‫أو القريب ‪ ،‬ولهذا جاء الهدي النبوي بصرف البصر وليس النظر وذلك حينما سأل جرير رضي هللا‬
‫عنه الرسول صلي هللا عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال (اصرف بصرك )‬

‫إن البصر يرتبط بالعقل تأمالً أما النظر فهو منقطع عن العقل – غالبا ً ويأتي عبر شرود الذهن‬
‫ويتضح ذلك من خالل قوله تعالي ( وتراهم ينظرون إليك وهم ال يبصرون ) (‪ ، )33‬فالقرآن الكريم‬
‫يثبت إبصارهم له ‪ ،‬لذا فمن ينظر دون أن يبصر يغشي على بصره وليس على نظره قال تعالي‬
‫( فأغشيناهم فهم ال يبصرون) (‪)34‬وقال تعالي ( ختم هللا على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم‬

‫غشاوة )(‪ ، )35‬ولهذا كان األمر اإللهي للمؤمنين والمؤمنات بغض البصر ( قل للمؤمنين يغضوا من‬

‫أبصارهم )(‪ ، )36‬إذن يمكن أن نقول ‪:‬‬

‫ما الغاية من أمر اإلسالم للمؤمنين والمؤمنات بغض البصر طالما أن البصر ال يعني الزني؟‬

‫‪ -1‬لقد ربط القرآن الكريم ضمان حفظ الفرج كما هو في قوله تعالي (قل للمؤمنين يغضوا من‬
‫أبصارهم ويحفظوا فروجهم) فمن هنا يترتب على ضمان حفظ الفرج غض البصر ألن‬
‫البصر بريد الزني‪( .‬والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب اإلنسان‪ ،‬فالنظر تولّد خطرة‬
‫ثم تولّد الخطرة فكرة‪ ،‬ثم تولّد الفكرة شهوة‪ ،‬ثم تولّد الشهوة إرادة‪ ،‬ثم تقوي فتصير عزيمة‬
‫جازمة ‪،‬فيقع الفعل والبد ‪ ،‬ما لم يمنع منه مانع وفي هذا قيل ( الصبر على غص البصر‬
‫أيسر من الصبر على ألم ما بعده )‬

‫قال الشاعر‪:‬‬

‫ومعـظم النار من مستصغر الشرر‬ ‫كل الحوادث مبدأها من الـنظر‬

‫‪ - 32‬رواه مسلم – رياض الصالحين – النووي – حدبت رقم ‪1625‬‬


‫‪ - 33‬سورة األعراف اآلية (‪)198‬‬
‫‪ - 34‬سورة يس اآلية (‪)9‬‬
‫‪ - 35‬سورة البقرة – اآلية (‪)7‬‬
‫‪ - 36‬سورة النور اآلية (‪)30‬‬
‫المقدمة‬

‫في أعين الغير موقوف عن الخطر‬ ‫والعبد ما دام ذا طــرف يقلبه‬

‫فعل السـهام بال قـوس وال وتـر‬ ‫كم نظرة فعلت في قلب صاحبها‬

‫(‪)37‬‬
‫ال مرحبا بســـرور عاد بالضرر‬ ‫يسر مقلته مـا ضـر مهجـته‬

‫إن إرسال البصر الي الصور الخليعة واألفالم العارية يكون بمثابة إدخال سيئ يستقر في النفس‬
‫ليك ِّون بذرة خبيثة تنبت شجرة خبيثة تسمي الزنا ‪ ...‬إن هذه البذرة الخبيثة هي ذات الشررة التي‬
‫تهب عليها رياح الشيطان لتؤجّجها حتى تشعل وتحرق كل األعرض‪.‬‬

‫وحتى يتبين لك ما قلته آنفا ً أقول‪ :‬أغمض عينيك ثم ارسم صورة للشيطان أما عينيك؟ هل تستطيع؟‬
‫من المؤكد أنك تعجز عن تخيل صورة للشيطان؟ ولكن لماذا؟ ألن الفرصة لم تسنح لك لرؤية‬
‫الشيطان من قبل‪.‬‬

‫من هنا دعنا نقول أننا لن نستطيع أن نستعيد صورة مشهد من المشاهد إال إذا توفرت لنا الفرصة في‬
‫رؤيته من قبل ‪ ،‬فحينئ ٍذ‪ -‬فقط – نستطيع استعادة ذلك المشهد‪ ،‬ولهذا فان الصور العارية واألفالم‬
‫الخليعة حينما تستقر في النفس وتجد طريقها الي الذاكرة يكون من السهل على الشيطان أن يخرج‬
‫هذه الصور ويزينها لإلنسان فيثير بذلك الغريزة وتضطرم الشهوة ويصدق الفرج ذلك أو يكذبه‬
‫على حسب القوة والضعف اإليماني ‪ ،‬من هنا جاء البيان النبوي بأن ( العين تزني وزناها النظر )‬
‫(‪ )38‬بما تدخله على النفس من مناظر عارية ‪.‬وإننا بهذه الصور العارية واألفالم الخليعة التي‬
‫استقرت في نفوسنا نكون قد جعلنا للشيطان أغالالً في أعناقنا وقيوداً على أرجلنا يقودنا حيث شاء ال‬
‫يحث شئنا إزالالً لنا بما كسبت نفوسنا – عن عمد ودن عمد – من صور عارية ( إنما استزلهم‬
‫الشيطان ببعض ما كسبوا )(‪ ، )39‬وإن نزغ الشيطان ووسوسته ال تتم إال بما ندخله على النفس من‬
‫مناظر فاضحة وصور عارية لتمثل للشيطان بذرة خبيثة وشرارة يوشك أن يؤججها ‪ ،‬وإال فمن‬
‫العبث أن يختلق الشيطان صور من عنده ليعرضها على اإلنسان ‪ ،‬وإنه وإن فعل ذلك – بأن اختلق‬
‫صور من عنده – يكون قد عرض صور يحبها الشيطان ال اإلنسان الموسوس له ‪ ،‬وأنّي للشهوة أن‬
‫تستثار دون رغبة من اإلنسان نفسه ‪ ،‬ومن كان كيد الشيطان ضعيفا ً ( إن كيد الشيطان كان ضعيفا )‬
‫(‪ )40‬ألن كيده ال يتم إال عبر تمهيد مسبق من اإلنسان بما يدخله على نفسه من أمر السوء ‪.‬‬

‫‪ - 37‬الداء والدواء – البن قيم الجوزية – ص ‪187‬‬


‫‪ - 38‬مختصر صحيح مسلم – حديث رقم ‪1850‬‬
‫‪ - 39‬سورة آل عمران اآلية (‪)155‬‬
‫‪ - 40‬سورة النساء – اآلية (‪)76‬‬

‫‪21‬‬
‫المقدمة‬

‫‪ -2‬والغاية األخرى لإلسالم من األمر بغض البصر ما يريده اإلسالم لإلنسان بأن يكون (شيئا‬
‫مذكوراً)‪ .‬هل وقفت ذات مرة في سورة اإلنسان متأمالً فيما حوته هذه السورة من أهداف‬
‫عظيمة تريدها لإلنسان حتى يصبح شيئا ً مذكوراً‪ ،‬فدعني أقف معك في هذه السورة وفق‬
‫هذا الشكل الذي تصورته لها‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫المقدمة‬

‫إنا خلقنا اإلنسان من نطفة أمشاج نبتليه‬


‫فجعلناه سميعا ً بصيراً‬

‫صور من مشـــــاهد الجنة فقط‬


‫العري من مشاهد‬
‫مشاهد صور‬
‫الماجنوماشابهها‬
‫والغناء الجنة‬

‫به يكون شيئا‬


‫يدخل من‬ ‫والظالين‬
‫مذكوراً‬ ‫يشاء في‬
‫أعد لهم‬
‫رحمته‬ ‫به يكون نسيا ً منسيا ً‬
‫عذابا ً أليما‬

‫األهداف التي أرادت أن تصل‬ ‫األهداف التي أرادت أن تبعد عنها‬


‫إليها السورة‬ ‫اإلنسان‬

‫‪23‬‬
‫المقدمة‬

‫من هذا الشكل المبسط نقول أن هللا سبحانه وتعالي جعل في اإلنسان بذرة أن يكون سميعا ً بصيراً ثم‬
‫ابتاله في تغذية هذه البذرة بأن ترك له الخيار في ( إما شاكراً وإما كفوراً ) (‪ ، )41‬فإن هو ّ‬
‫غذي هذه‬
‫البذرة بماء مشاهد الجنة التي حوتها السورة وما شاكلها تمت له نعمة السمع والبصر وأصبح فيمن‬
‫شاء هللا لهم رحمته ( يدخل من يشاء في رحمته ) (‪ )42‬ويكون بذلك شيئا مذكوراً ‪ ،‬وإن هو ارتكس‬
‫الي مشاهد العري والغناء الماجن ّ‬
‫فغذي بها السمع والبصر كان نتاج طمس سمعه وبصره وأصبح‬
‫من الظالمين الذين (أع ّد لهم عذابا ً أليما ً ) ويكون بذلك نسيا منسيا‬

‫فيا أيها اإلنسان إنه قد أتي عليك حين من الدهر لم تكن فيه شيئا مذكوراً وذلك قبل أن تبذر فيك بذرة‬
‫السمع والبصر فال تكن بهما كما كنت قبلهما – لم يكن شيئا مذكورا‪ ،‬فكل منا – أنا وأنت – يود أن‬
‫يكون شيئا مذكوراً وهللا يريد لنا أن نكون كذلك فحدد لنا معالم الطريق وأعاننا عليه‪ ،‬فإذا أردت ان‬
‫تكون شيئا مذكوراً فال تفرط في سمعك وبصرك فإن بهما فقط تكون شيئا مذكورا (إن هذه تذكرة‬
‫(‪)43‬‬
‫فمن شاء اتخذ الي ربه سبيال)‬

‫إن هذه بعض عوائق الطريق قد بيّنتها لك فخذ حذرك من عواقب بصرك الي الحرام فإنه ينأى بك‬
‫على أن تكون شيئا مذكورا والتكن كاألنعام – بل أضل – تأكل وتشرب ثم تموت وال يذكرها أحد‪،‬‬
‫فبنجاحك في الدنيا وفوزك في اآلخرة معقود بأن تكون سميعا ً بصيراً‪.‬‬

‫إذن كيف يمكن أن أصرف بصري عن الحرام حتى أمنع نزغ الشيطان ووسوسته؟ وكيف يمكن أن‬
‫أمحو عن نفسي المناظر الفاضحة التي تراكمت عليها من قبل حتى ال تصبح بذرة للشيطان؟‬

‫أوالً‪ :‬دعنا نجيب عن السؤال االول‪ ،‬وكيف أصرف بصري عن الحرام؟؟‬

‫‪ -1‬إن أصل المشكلة يأتي من خالل النظر الذي يتبعه التفكير – البصر – فحينما يكون األمر‬
‫النبوي – بإصرف بصرك – فهذا يعني صرف التفكير أوالً ألن صرف التفكير يتبعه‬
‫صرف النظر‪ .‬واآلن جرب معي هذه التجربة البسيطة حتى تتحقق من صدق ما قلته‪ ،‬أنظر‬
‫الي أي شيء أمامك اآلن وفي نفس الوقت ف ِّكر في أي أمر آخر بخالف الشيء الذي تنظر‬
‫إليه‪ ،‬سوف تجد أن نظرك اختفي عما تشاهده تماما ً وهذا ما نتعارف عليه بظاهرة الشرود‬
‫الذهني‪ .‬فتذكر من هذا اليوم حينما يثير انتباهك منظر فاضح أو صورة عارية أن تشغل‬
‫تفكيرك بأي أمر آخر‪ ،‬وال تشغل تفكيرك إالّ بأمر هو موضوع اهتمامك في ذات الوقت‪،‬‬

‫‪ - 41‬سورة اإلنسان – اآلية (‪)3‬‬


‫‪ - 42‬سورة اإلنسان – اآلية (‪)31‬‬
‫‪ - 43‬سورة اإلنسان – اآلية (‪)29‬‬

‫‪24‬‬
‫المقدمة‬

‫وهذا يأتي من مبدأ أن العقل ال يمكن أن يفكر في أمرين في وقت واحد انطالقا من قوله‬
‫(‪)44‬‬
‫تعالي (ما جعل هللا لرجل من قلبين في جوفه)‬

‫‪ -2‬ال تجعل حياتك تصير من العبث الي العبث‪ ،‬بل أجعل تصرفاتك كلها وأعمالك جميعها تصب‬
‫في قالب المصلحة العامة لك في دينك ودنياك‪ ،‬واسأل نفسك دائما أين المصلحة والمنفعة‬
‫لك من وراء نظرة الي صورة عارية؟ بل قد يكون من هذه النظرة الخطوة االولي الي درك‬
‫الشقاء!! فلماذا ال تعجل بالرجوع ‪ ...‬أتري أن من المصلحة أن نظرة الي الحرام تصبح‬
‫مشغوالً بها ليلك ونهارك!! لماذا تحكم على نفسك بالشقاء والتعاسة والفشل؟؟!! وهل تظن‬
‫أن النجاح والسعادة في الحياة حليف من يقضي ليله ونهاره متقلبا ً بين صورة فنانة عارية‬
‫وفلم فاضح؟؟ إن مثل هذا ال ينتظره إال البؤس والشقاء‪ ،‬فاربأ بنفسك أن تكون من أمثاله‪،‬‬
‫وأخيراً دعني أهمس في ُأذنك وأقول إياك إياك أن تشعل ناراً أنت عاجزاً عن إخمادها!!‬
‫‪ -3‬لو حاولنا أن نتبين من مدي طاعتنا الي هللا تعالي لرأينا أن طاعتنا الي هللا تعالي دائما ً ما‬
‫تكون فيما نُ ِحب أن نفعله أو فيما ال تكون فيه مشقّة‪ ،‬أما فيما نكره فعله أو فيه مشقّة على‬
‫النفس فمعدالت الطاعة فيه تكون في أدني مستوي لها‪ ،‬بمعني آخر متي تركت أمراً نهي‬
‫هللا عن فعله بالرغم من أن نفسك تحب أن تفعله‪ .‬إن هللا أنعم علينا بنعمة النظر – وقد حرم‬
‫منها آخرين – وحرّم علينا أن ننظر بها الي الحرام فلماذا نبارز هللا بالمعصية وهو مطلع‬
‫علينا؟ إننا لو تذوقّنا حالوة الطاعة لشغلتنا عن مرارة المعصية‪ ،‬فقل لنفسك‪ -‬من اليوم – ال‬
‫أنظر الي الحرام لتتذوق الحالوة التي تجدها في قلبك‪ ،‬يقول هللا تعالي في الحديث القدسي‬
‫(‪)45‬‬
‫(النظرة سهم من سهام إبليس من تركها مخافتي أبدلته إيمان يجد حالوته في قلبه)‬

‫ثانيا‪ :‬كيف يمكن أن أمحو عن نفسي المناظر الفاضحة التي تراكمت فيها من قبل؟‬

‫في الحقيقة أنا ال أعلم طريقة تمحو بها هذه المناظر من النفس وتقتلع جذورها الي األبد‪ ،‬غير أنه‬
‫باإلمكان أن تظل موجودة بالنفس دون أن يكون لبقائها أثر سلبي على النفس ومن هنا ال يكون‬
‫خوف من بقائها‪ ،‬وهذا يتأتى باآلتي‪:‬‬

‫‪ -1‬أجعل من النسيان خطوة إيجابية لمحو ماران على النفس من مناظر فاضحة وصور عارية‪.‬‬
‫ولكن ما هو النسيان؟ وكيف ومتي يكون النسيان؟ النسيان هو أال يجد االمر المعين سبيالً‬
‫الي الذاكرة ويكون في حالتين‪:‬‬

‫‪ - 44‬سورة األحزاب – اآلية (‪)4‬‬


‫‪ - 45‬الزواج اإلسالمي المبكر – للشيخ محمد علي الصابوني – ص (‪)39‬‬

‫‪25‬‬
‫المقدمة‬

‫أ‪ -‬قد يكون الشيطان سببا ً رئيسيا ً في النسيان من قوله تعالي (فأنساه الشيطان ذكر ربه‪،)46( )..‬‬

‫(وما أنسانيه إال الشيطان أن أذكره) (‪ ،)47‬وإنساء الشيطان لإلنسان يتم غالبا ً في فترات‬
‫الضعف اإليماني أو االستحواذ الشيطاني على النفس ( استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم‬
‫ذكر هللا ) (‪، )48‬ألن الشيطان ( ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ‪ ،‬إنما‬
‫(‪)49‬‬
‫سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون )‬

‫إن النسيان لألمر المعين بحسب زيادة أو انخفاض معدالت االهتمام منا لهذا األمر‪ ،‬فكلما‬ ‫ب‪-‬‬
‫ازدادت أهمية األمر عندنا صعب علينا نسيانه‪.‬‬

‫أتري من السهل عليك أن تنسي موعداً ضربته بيني وبينك ألمنحك فيه رطالً من الذهب؟؟ إن‬
‫المؤكد – والحالة هذه – أن يكون حضورك قبلي بساعات من الزمن المضروب!!‬

‫من هنا فمن المؤكد أن تتفق معي في أن النسيان ال يعتري اإلنسان إال إذا كان األمر عنده دون‬
‫مستوي االهمية؟؟‬

‫ولكن كيف اجعل أمراً مهما ً يصير الي دون مستوي االهمية؟؟‬

‫‪ -1‬هذا يكون وفق حسابات المنفعة والمفسدة والربح والخسارة وذلك بان تسائل نفسك – ومن‬
‫األفضل أن يكون التساؤل كتابة ‪-‬‬
‫‪ -‬ماهي المنافع التي أجنيها من مشاهدة الصور العارية والمناظر الفاضحة؟‬
‫‪ -‬ما هي المفاسد التي تجنيها منها؟‬

‫وبالمقارنة البسيطة سوف تجد أن من التفاهة أن تفكر في أمر ال فائدة منه؟‬

‫وسيصير أمر استعادة ما تركم من صور عارية بعد ذلك في سلة المهمالت – إن شاء هللا‪.‬‬

‫وإليك بعض النماذج للفوائد والمفاسد التي يمكن أن تكسبها من استعادة ما تراكم من صور عارية –‬
‫أو مشاهدتها ‪...‬‬

‫المفاسد‬ ‫الرقم‬ ‫الرقم المنافع‬

‫إشعال نار الشهوة الجنسية‬

‫‪ - 46‬سورة يوسف – اآلية (‪)42‬‬


‫‪ - 47‬سورة الكهف – اآلية (‪)63‬‬
‫‪- 48‬سورة المجادلة – اآلية (‪)19‬‬
‫‪ - 49‬سورة النحل – اآلية (‪)100 -99‬‬

‫‪26‬‬
‫المقدمة‬

‫التنفيس عبر الحرام أو الكبت وكالهما مضر باإلنسان‬

‫عند اشتعال نار الشهوة يكون االستحواذ الشيطاني بإتباع‬


‫خطوات الشيطان الي أن ينتهي بك الي درك الشقاء‬

‫انصراف التفكير فيما يهمك الي ما يغمك‬

‫التعطيل عن القيام بالواجبات واالعمال‬

‫البحث إليجاد متنفس للشهوة عن طريق الحرام‬

‫حينها يكون من المؤكد النتيجة هي البحث عن الزنا‬

‫وقد يكون الزني – ولو ألول مرة – سببا ً في اإلصابة‬


‫بمرض اإليدز‬

‫وعند اإلصابة باإليدز فالموت هو المصير الحتمي‬

‫أو يقلل الحياء في نفسك الي أن يؤدى الي نزعه تماما ً –‬


‫ونزع الحياء بداية االنحراف – كما تقدم‬

‫عند نزع الحياء تصبح األمور الجنسية عندك تجري على‬


‫سبيل العادة فال تغير على أخواتك حينما يتبرجن أما عينيك‬
‫وتصبح بذلك ديوث ملعون – نعوذ باهلل من ذلك‬

‫يقعد بك إدمان النظر الي صور العاريات عن مقام‬


‫الخاشعين في صالتهم‬

‫والن االمر عندك أصبح على سبيل العادة تصبح من الذين‬


‫يقرون بالمنكر وينهون عن المعروف ‪ ...‬وهكذا فإن المفاسد‬
‫ال حصر لها ويمكنك أن تزيد عليها ما شئت‬

‫‪ -‬أما المنافع فال أعلم منفعة تعود عليك من استعادة صور عارية أو مشاهدة ما تموج به‬
‫الفضائيات من األفالم الخليعة واستعراض لألجساد العارية‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫المقدمة‬

‫من هذه المقارنة ال تجد ثمة جدوى تقودك الي االنشغال بأمور ليس لها منفعة في حياتك – الدنيوية‬
‫(‪)50‬‬
‫واالخروية – ويصبح النسيان هو السبيل الوحيد لكل صورة عارية علقت بذاكرتك‬

‫إن أستاذ فن الشهوة الجنسية – سيدنا يوسف عليه السالم – هو الذي علمنا هذا الطريق حينما قارن‬
‫بين أحوال السجن وبين حاله بين امرأة العزيز ورفيقاتها ثم فضَّل حياة السجن عن غيرها وهذا ما‬
‫(‪)51‬‬
‫بينه لنا القرآن الكريم مجمالً في قوله تعالي (رب السجن أحب الي مما يدعونني إليه ‪)...‬‬

‫‪ -2‬إن الذنوب والمعاصي واآلثام التي نرتكبها غالبا ً ما تمر بمراحل حتي تصبح سلوكا ً وعمالً‬
‫يعمله اإلنسان‪ ،‬أول هذه المراحل نظرة ثم خاطرة تخطر على البال ثم تتكون لتصبح فكرة‬
‫توشك أن تنفّذ ثم تصبح سلوكا ً وعمالً ثم تكون عادة (‪ ،)52‬وأفضل األساليب لمحاربة الذنوب‬
‫والمعاصي أن نحاربها وهي في طور التكوين واإلنشاء‪ ،‬فالنظرة تكوين لصور عارية‬
‫والخاطرة منشأ لها بعد التكوين‪ ،‬وقد تحدثنا عن كيفية عالج النظر الي الحرام أما ما نريده‬
‫هنا فهو محاربة الخواطر السيئة حتي ال يقوي أمرها ويشتد غرمها وتصبح ذنبا ً يقترف‪.‬‬

‫االنسان‬

‫عادة‬

‫سلوك‬
‫وعمل‬

‫فكرة‬

‫خاطر‬
‫نظرة‬
‫ة‬

‫فحينما تخطر ببالك خاطرة سيئة ما عليك إال أن تستبدلها بخاطرة حسنة بشرط أن تفوقها في‬
‫مستوي األهمية عندك‪ ،‬وقد جعل هللا لنا القدرة على السيطرة على الخواطر واألوهام السيئة التي‬
‫تعيث في نفوسنا فساداً فقط كما قلنا استبدل بخواطر حسنة وال تتمادي في تفاصيل الخواطر السيئة‪.‬‬

‫‪ - 50‬راجع الفوائد – البن قسم الجوزية – ص ‪210‬‬


‫‪ - 51‬سورة يوسف – اآلية (‪)33‬‬
‫‪ - 52‬راجع الفوائد – البن قيم الجوزية – ص ‪190-189‬‬

‫‪28‬‬
‫المقدمة‬

‫إن هذه الخواطر الخبيثة بمثابة الحشائش الضارة التي إن لم تقتلع من جذورها عند بداية نم ِّوها‬
‫سوف تنمو وتتكاثر حتى تترك األرض بوراً للسباع وهوام األرض‪.‬‬

‫قل لنفسك لن أدع الخواطر السيئة تسيطر عليك بعد اليوم‪ ،‬وقم بعمل ما قلناه آنفا ً وهي كما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬ال تتمادي في الخوض في تفاصيل الخواطر السيئة‪.‬‬


‫‪ -2‬استبدل الخواطر السيئة بخواطر حسنة تفوقها في مستوي األهمية‪.‬‬
‫‪ -3‬بادر الي عمل مادي فإن التفكير ينصرف الي ما تقوم به من عمل‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫الباب الخامس‪ :‬الخاتمة‬

‫الفصل الثاني‪ :‬اإلنــكار‬ ‫‪1.4‬‬

‫ال نريد أن نناقش قضية أخري في هذا الفصل‪ ،‬بل نريد أن نناقش ذات القضية التي طرحناها في‬
‫الفصل األول – قضية غضّ البصر – والجديد في هذا الفصل أننا نريد أن نتناول تلك القضية من‬
‫وجهة أخري غير التي ذهبنا إلها في الفصل األول وهنا نريد أن ننطلق من افتراضين‪:‬‬

‫األول‪ :‬افتراض أن كل الذي ذهبنا إليه في الفصل األول لم يؤت ثماره المطلوبة منه تماماً‪ ،‬بل‬
‫مازال في إرسال البصر بقية‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬أن الصور العارية واألفالم الخليعة والمناظر الفاضحة صارت في متناول يد وعين كل‬
‫إنسان‪ ،‬وال تكاد تخلو قناة فضائية أو مجلة منها‪ ،‬حتي الشوارع أصبحت تع ّج بالنساء الكاسيات‬
‫العاريات فأصبح من العسير على اإلنسان غضّ بصره تماما ً فما المخرج والحالة هذه؟ وما الحل؟‬

‫إن ُج ّل األعمال التي نُقبل على عملها وفعلها باختيارنا يكون الدافع األساسي من ورائها هو رغبتنا‬
‫َّ‬
‫في أدائها‪ ،‬ولذا فإن الرضا هو األساس الذي يترتب عليه جميع تصرفاتنا االختيارية وهو الدرجة‬
‫األولي في سلَّم األعمال واالفعال اإلنسانية‪.‬‬

‫إن نظرات الرضي التي تنطلق منّا الي اآلخرين تزيّن في أعيننا أعمال اآلخرين جميعاً‪ ،‬بينما نظرة‬
‫ّ‬
‫السخط الي اآلخرين تسوّد كل ما هو أبيض من أعمال اآلخرين (أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسنا‬
‫(‪)53‬‬
‫فإن هللا يضل من يشاء)‬

‫وعين السخط تبدي المساويا‬ ‫وعين الرضا عن كل عيب كليلة‬

‫وخروجا ّ من هذه الدائرة فإن المقياس الحقيق ألعمال اآلخرين وأفعالهم هو مقياس الدين اإلسالمي‬
‫الحنيف‪ .‬إن مع هذا السيل الجارف من المناظر الفاضحة التي تموج بها القنوات الفضائية المختلفة‬
‫َّ‬
‫الزينن لهم في األرض‬ ‫والمجالت المتنوعة يكون التحدي الشيطاني األكبر (قال ربي بما أغويتني‬
‫(‪)54‬‬
‫وألغوينهم أجمعين)‬

‫لقد حرَّم اإلسالم الرضي القلبي للمنكر ومنع منه فقد قال رسول هللا صلي هللا عليه وسلم (من رأي‬
‫(‪)55‬‬
‫منكم منكراً فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه ‪)....‬‬

‫‪ - 53‬سورة فاطر – اآلية (‪)8‬‬


‫‪ - 54‬سورة الحجر – اآلية (‪)39‬‬
‫‪ - 55‬سنن ابن ماجه – الجزء الثاني – حديث رقم ‪4062‬‬
‫المقدمة‬

‫فاإلنكار بالقلب يعني عدم الرضي والقبول فماذا فعلنا تجاه ما نشاهده من مناظر فاضحة وأغاني‬
‫ماجنة؟‬

‫لماذا ننظر الي النساء الكاسيات العاريات الملعونات نظرة رضا وقبول ونجعل للشيطان أساسا ً‬
‫تربعن على قّمة الرقي والتح ّ‬
‫ضر والسعادة؟ إنّها‬ ‫ّ‬ ‫لتزيين المنكر؟ لماذا ننظر إليهن من زاوية ّ‬
‫أنهن‬
‫سعادة جوفاء وتم ّدن مش ّوه منحرف عن الهدي اإللهي (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة‬
‫(‪)56‬‬
‫ضنكا)‬

‫ّ‬
‫إن أقل ما يمكن أن تفعله هو إنكار القلب وعدم الرضي ويعنى هذا نظرة السخط والمقت ألولئك‬
‫المنحرفين الضالّين ليس تكلّفا ً ولكن حقيقة لقوله صلي هللا عليه وسلم (صنفان من أهل النار لم‬
‫أرهما ‪ ...‬قوما ً معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس‪ ،‬ونساء كاسيات عاريات مائالت‬
‫مميالت رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ال يدخلن الجنة وال يجدن ريحها) (‪.)57‬‬

‫يجب أن نعلم أن ما نشاهده في القنوات الفضائية والمجالت المتنوعة لم يأتي عبثا ً أو عن طريق‬
‫الصدفة إنّما جاء نتيجة هجمة مرتبة ومنظمة من قبل أعداء اإلسالم هدفها إقصاء أهم شريحة من‬
‫المجتمع اإلسالمي عن اإلسالم‪ ،‬وأن تسود الفاحشة والرزيلة في ديار اإلسالم‪ ،‬وهذا ما أخبرنا هللا‬
‫به منذ أربعة عشرة قرنا ً من الزمان وجاء نصه في القرآن الكريم بمثابة رسالة تحذير للمسلمين من‬
‫كيد عدوهم (ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميالً عظيماً) (‪.)58‬‬

‫فلماذا نكون عجينة في يد أعدائنا يش ِّكلوننا كيف شاءوا؟ لماذا تستضعفنا شهواتنا ونقف أمامها‬
‫عاجزين على أن نقول هذا منكر – فقط بالقلب؟‬

‫إنني كثيراً ما أقف متعجبا ً من موقف الصحابة رضوان هللا عليهم من الثالثة الذين خلِّفوا عن غزوة‬
‫تبوك‪.‬‬

‫لقد قاطعوا هؤالء الثالثة الذين تخلفوا عن الغزوة بمجرد أن علموا عدم رضا هللا ورسوله عنهم‪،‬‬
‫( حتي إذا ضاقت عليهم األرض بما‬ ‫ولم يجد هؤالء الثالثة الرضا والقبول من أقرب الناس إليهم‬
‫رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن ال ملجأ من هللا إال إليه )(‪ )59‬رضي هللا عنهم ورسوله ‪،‬‬
‫وتبدلت عين السخط من الصحابة رضوان هللا عليهم الي عين رضي وقبول ‪.‬‬

‫‪ - 56‬سنن النسائي – حديث رقم ‪5018‬‬


‫‪ - 57‬مختصر صحيح مسلم – حديث رقم ‪1388‬‬
‫‪ - 58‬سورة النساء – اآلية (‪)27‬‬
‫‪ - 59‬سورة التوبة – اآلية (‪)118‬‬

‫‪31‬‬
‫المقدمة‬

‫ولهذا فإن عين الرضا يمكن أن تنقلب الي عين سخط بمجرد تقليب المساوي الي المحاسن‪ ،‬من هنا‬
‫ال أحسب أن مما تبثه الفضائيات من مناظر فاضحة وتطالعنا به المجالت والصحف من صور‬
‫عارية به شيء من المحاسن ولو ذهبنا بقليل من الجهد لنحصي المساوي نكاد أن نعجز عن‬
‫إحصائها هذا من غير الذي أشرنا إليه في هذا المقام‪.‬‬

‫إننا نهدف في هذا الفصل إليجاد وقاية ذاتية وخلق إرادة قوية لمنع أي تأثير سلبي وفق هذه‬
‫الخطوات‪:‬‬

‫‪ -1‬تعوّد أن تنكر شفاهةً كل منظر مثير للشهوة وذلك بأن تقول (اللهم هذا منكراً أنكرناه)‪.‬‬
‫‪ -2‬استعن بإحصاء جميع المساوي التي يمكن أن تجنيها من نظرك الي مشهد محرك للغريزة‬
‫الجنسية – وال بأس إن كان كتابة‪.‬‬
‫‪ -3‬ارجع بذاكرتك الي كل المساوي التي دوّنتها سابقا ًكلما أثارك مشهد من المشاهد المثيرة‪.‬‬
‫‪ -4‬تف ّوه بكلمات سب ولعن في كل مرة ترغم فيها على النظر وذلك الن اإلحساس والفعل‬
‫يسيران في خط واحد‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الباب الخامس‪ :‬الخاتمة‬

‫الفصل الثالث‪ :‬االماني‬ ‫‪1.5‬‬

‫هناك خط رفيع فاصل بين األماني والرجاء‪ ،‬فاألماني هي الخطوة غير العملية السابقة للرجاء وهما‬
‫خطوتان مكملتان لبعضهما البعض فاألماني بذرة الرجاء‪.‬‬

‫(فلو ان رجالً كانت له أرضا فاهملها ولم يبذرها ولم يحرثها وتمني أن تعود عليه بالخير الوفير‬
‫واإلنتاج الكثير لعده الناس من أسفه السفهاء‪ ،‬ولكنه حينما يكمل أمانيه بإصالح أرضه حقيقة وبذرها‬
‫وحرثها وتعهدها ورجي شيئا ً استلزم رجاؤه ثالثة أمور‪:‬‬

‫‪ -1‬محبته ما يرجوه‪.‬‬
‫‪ -2‬خوفه من فواته‪.‬‬
‫‪ -3‬سعيه في تحصيله بحسب اإلمكان (‪.)60‬‬

‫قال تعالي (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل هللا أولئك يرجون رحمت هللا وهللا‬
‫غفور رحيم) (‪ )61‬إننا بهذا نريد أن نحاول أن نقلل من األماني عن النفس – ال الرجاء – وذلك الن‬
‫األماني ال فائدة ينتظر أن تعود منها إال أن يصاحبها عمل‪ ،‬وليس من أهدافنا – في هذا الفصل – أن‬
‫نمنع بذرة األماني من النمو ألننا أعجز ما نكون لتحقيق ذلك ‪ ،‬فضالً على أن األماني من الفطرة‬
‫التي فطر عليها اإلنسان وإنما غايتنا ان نستعذب كل ما يصب على بذرة األماني حتي تؤتي ثماراً‬
‫طيبة االكل‪.‬‬

‫إن التمني ليس شراً كله ولكن الشر منه حينما يكون خارج دائرة الحق وإتباعا ً لهوي النفس‬
‫والشيطان (والعاجز من اتبع هوي نفسه وتمني على هللا األماني) (‪.)62‬‬

‫ولكن السؤال الذي يبدو هو متي تنشأ االماني في النفس؟‬

‫إن الشعور بالنقص والحاجة هو األساس لمنشأ األماني ولهذا كانت أماني قوم فرعون حينما خرج‬
‫إليهم قارون في زينته فكان من قولهم (يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم) (‪.)63‬‬

‫‪ - 60‬الداء والدواء – البن قيم الجوزية – ص ‪55‬‬


‫‪ - 61‬سورة البقرة (‪)218‬‬
‫‪ - 62‬سنن الترمذي ح ‪– 2459‬وابن ماجه ح ‪2260‬‬
‫‪ - 63‬سورة القصص – اآلية (‪)79‬‬
‫المقدمة‬

‫وحتى الشعور بالنقص والحاجة ينحصر فيما يتعلق باإلدراك اإلنساني ولهذا كانت أماني قوم‬
‫فرعون حينما رأوا بأعينهم قارون في زينته‪.‬‬

‫ومن هنا كان من المستحيل على اإلنسان أن يتمني شيئا ً لم يره أو يتمني شيئا ً لم يسمعه أو يتمني‬
‫طعاما ً لم يتذوقه من قبل‪ ،‬فما خرج عن دائرة اإلدراك اإلنساني خرج عن دائرة األماني واستحال‬
‫على النفس أن تتمناه‪ .‬ولهذا فإن كل شيء نبصره ونسمعه من الخير والشر يظل حبيسا ً في الذاكرة‬
‫ليكون الخطوة االولي الي الخير أو الي الشر على حسب ما أبصرنا وما سمعنا‪ ،‬ثم تتابع الخطوات‬
‫إما الي الخير أو ليكون العون فيها من هللا تعالي (وأن هللا يهدي من يريد) (‪ ، )64‬او تتابع الي الشر‬

‫ويكون الشيطان معينا ً عليها (وأضلنهم وألمنينهم وآلمرنهم فليبتكن آذان األنعام )(‪ .)65‬وآمراً بها‬
‫الستحكام االماني في النفس‪.‬‬

‫وألن السرقة ما تكون إال عند استحكام األماني في النفس بمعني تمنِّي شيئا ً ال أملكه فيكون عندئذ‬
‫أخذ الشيء بغير وجه حق‪ ،‬تكون االماني السيئة الخطوة االولي في طريق الزنا ليكون انتهاك‬
‫عرض بغير وجه حق‪.‬‬

‫إن سقيا بذرة األماني بماء طيب أو خبيث تتوقف علينا وفق إرادتنا الحرة في ذلك لتؤتي ثماراً طيبة‬
‫أو ثماراً خبيثة وفقا ً لما يتم سقايته بها من ماء طيب أو خبيث وهذا يعتمد على التعامل الصحيح‬
‫الناجح مع المعطيات الخارجية لإلنسان‪.‬‬

‫إن الذي تستهويه االماني واالحالم بعد رؤية الصور الفاضحة واألفالم الخليعة لينسج لنفسه من‬
‫الخيال بيتا ً وزوجة ثم يغرق في التفاصيل واألحالم الي أبعد من ذلك ال شك أن األماني تملك زمامه‬
‫ويكون بذلك قد أجج نار ال يملك لها ماء في الواقع إال عبر الطريق الحرام والممنوع‪.‬‬

‫وهكذا فإن االماني إذا عظم أمرها في النفس تؤ ّدي الي االغترار بها وتكون الفتنة للنفس (ولكنكم‬
‫فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم األماني) (‪ ،)66‬ثم تتحول من بعد ذلك الي حلم يراود اإلنسان‬

‫الي تحقيقه ( أم تأمرهم احالمهم بهذا ام هم قوم طاغون )(‪. )67‬‬

‫‪ - 64‬سورة الحج – اآلية (‪)16‬‬


‫‪ - 65‬سورة النساء – اآلية (‪)119‬‬
‫‪ - 66‬سورة الحديد – اآلية (‪)14‬‬
‫‪ - 67‬سورة الطور – اآلية (‪)32‬‬

‫‪34‬‬
‫المقدمة‬

‫من هنا فإننا ال نريد أن نكبت النفس عن االماني ألن هذا االمر صعب إن لم يكن مستحيل – كما قلنا‬
‫آنفا ً – إننا نريد أن نتمنى‪ ،‬ولكن وفق ضوابط وقيود وشروط يجب أن تراعي حتي ال تكون العاقبة‬
‫خزي وندامة‪ ،‬وهذه الضوابط التي نري االلتزام بها هي‪:‬‬

‫‪ -1‬إن االغترار بالشيء هو الخطوة االولي الي األماني ألن هذا ما جعل الطائفة من قوم فرعون‬
‫حينما رأوا قارون في زينته واغتروا بما رأوا كانت أمانيهم (يا ليت لنا مثل ما اوتي‬
‫قارون) (‪ ،)68‬وهذه الطائفة مع ذلك كانت إرادتهم للحياة وتمسكهم بها أقوي ( قال الذين‬
‫يريدون الحياة الدنيا ) ‪ ،‬وما أدل على ذلك من أن الطائفة األخرى من المؤمنين رأوا ما‬
‫رأوا ولم يغتروا بذلك بل كان من قولهم (ويلكم ثواب هللا خيراً لمن آمن وعمل صالحا ً )(‪.)69‬‬
‫إن الذي يغتر بمشاهد الراقصات العاريات عبر الفضائيات المختلفة ال شك أن األماني‬
‫تتملكه حتى تنسج له في الخيال أنه أصبح معهم راقصا ً وبينهم سامراً ثم ما نلبث أن تتأجج‬
‫نار الشهوة الجنسية ليهبط من أرض الخيال الي أرض الواقع ليجد نفسه عنهم بعيد‪ ،‬ولقد‬
‫عدت منهم بشهوة متأججة ال تملك لها ما ًء إال بغير وجه حق!! ودفعا ً لهذا فإن أولي‬
‫خطوات األوبة تبدأ من دفع خواطر االغترار عن النفس فإن االغترار ذم ال مدح وال تجعل‬
‫مقياسك بالمظاهر بل يجب التركيز على جوهر األشياء‪ ،‬وال تحقر نفسك فإنك أطيب وأكرم‬
‫وأع ّز من أولئك العابثين والعابثات والراقصين والراقصات (وهلل العزة ولرسوله وللمؤمنين‬
‫(‪)70‬‬
‫ولكن المنافقين ال يعلمون)‬

‫‪ -2‬إن أفضل األحوال التي يخرج منها الشيطان منتصراً – في الغالب – وتثمر بذرة الوسوسة‬
‫ثمارها السيئة ‪ ،‬حينما يكن اإلنسان مختليا ً بنفسه عابثا ً بخياله ‪ ،‬فالشيطان بوسوسته ٌأقرب‬
‫الي الواحد منه الي اإلثنين لذا كانت الجماعة وقاية وحصن من كيد الشيطان وغوايته ‪ ،‬وما‬
‫أكل آدم وحواء من الشجرة التي ُمنِعا منها إال حينما وسوس الشيطان لكل واحد منهما على‬
‫حده ( فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك ال يبلي ) (‪ )71‬ومن‬
‫هنا كان تحريم الرسول صلي هللا عليه وسلم للخلوة – بين الرجل والمرأة – والتي هي محل‬
‫خصب لوسوسة الشيطان وكيده ‪ .‬وضبطا ً لألماني السيئة وقطعها نقول أحرص على أال‬
‫تختلي بنفسك إال إذا دعت الحاجة لذلك مثل محاسبة النفس‪ ،‬والتفكر في ملكوت هللا ‪...‬‬
‫وغيرها فإن الشيطان في مثل هذه األحوال يكون أبعد وأضعف من أن يكيد بك‪ ،‬فإذا خلوت‬

‫‪ - 68‬سورة القصص – اآلية (‪)79‬‬


‫‪ - 69‬سورة القصص – اآلية (‪)80‬‬
‫‪ - 70‬سورة المنافقون – اآلية (‪)8‬‬
‫‪ - 71‬سورة طه – اآلية (‪)120‬‬

‫‪35‬‬
‫المقدمة‬

‫بنفسك ووجد الشيطان إليك سبيالً فما عليك إال أن تسرع الي مخالطة الجماعة – أي كانت‬
‫الجماعة ‪ ،‬أسرة ‪ ،‬أصدقاء وغيرها ‪،،،،‬‬
‫‪ -3‬الخيال واحد من سبيل الخواطر السيئة واالماني الباطلة أن جنح به اإلنسان الي غير المفيد‬
‫من األمور كأن يتخيل ما استقرت في نفسه من مناظر فاضحة وصور عارية‪ ،‬وهو بهذا‬
‫مفتاح لنار الشهوة الجنسية‪ .‬ولما كانت غايتنا من هذا البحث استقرار الشهوة الجنسية‬
‫وهدوئها كان ال بد من إغالق لهذا الباب الذي يؤ ِذن باشتعال شرارة الشهوة الجنسية‪.‬‬
‫وألن الخيال هو استعادة ما تراكم في النفس من صور عارية – على سبيل المثال – دون‬
‫تمنيها وهي عملية طبيعية للذاكرة في استعادة المدخرات فإن مدافعة مثل هذا الخيال السيئ‬
‫بإحصاء النتائج السالبة من هذا الخيال بمعني أنني حينما أتخيل في الوقت نفسه عاقبة‬ ‫أ‪-‬‬
‫هذا العري في الدنيا – بتأخير بعض المصالح – واآلخرة بالخسران المبين وُأعظِّم هذا‬
‫اإلحساس وهذه العاقبة في نفسي‪.‬‬
‫وهناك سبيل آخر لمدافعة خيال الصور العارية وذلك بأن تتخيل بجانب ما سبق أختك‬ ‫ب‪-‬‬
‫أو أمك أو ابنتك أو ‪ ...‬بهذا المنظر‪.‬‬
‫إن الرسول صلي هللا عليه وسلم حينما استأذنه ذلك الغالم في الزنا ما كان من الرسول‬
‫صلي هللا عليه وسلم إال أن يدفع عنه أماني الزني بخيال أن يزني بأمه أو أخته أو ابنته‬
‫بالرغم من أن الواقع على غير ذلك بمعني أن أمه أو أخته ال يزني بها في هذا الوقت‪،‬‬
‫فما كان من ذلك الغالم إال أن ينفر من ذلك الخيال الذي يصوّر له الزني بأمة وأخته‬
‫وابنته بقوله ( كال جعلني هللا فداك ) ثم انصرفت عنه أمانيه الي الزني تبعا ً لذلك ‪ .‬إنك‬
‫إن استغنيت بهذا العالج وحدة لخيال الصور العارية لكفاك عن غيره فال تبطئ في أن‬
‫تجرب‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫الباب الخامس‪ :‬الخاتمة‬

‫الفصل الرابع‪ :‬ملء أوقات الفراغ‬ ‫‪1.6‬‬

‫أن تستثمر مكاسبك فهذا أمر يسع الجميع فعله‪ ،‬أما أن تحيل خسائرك الي مكاسب فهذا ما يعجز عن‬
‫فعله الكثيرون‪.‬‬

‫إن أوقات الفراغ بمثابة األرض الخصبة التي تؤتي ثمارها – خيراً وشراً – وفقا ً لما تمت زراعته‬
‫بها‪ ،‬وثمارها تكون سلوكا ً طيبا ً أو وباالً على صاحبها‪.‬‬

‫إن الوقت هو الحياة‪ ،‬فإذا لم نستثمره فيما يحقق لنا السعادة والفوز والنجاح‪ ،‬كان هو نفسه السبيل‬
‫الي النكد والشقاوة والتعاسة‪ ،‬فالوقت الذي يضيع من بين أيدينا على حين غرة منا هو ذاته الدرجات‬
‫التي يسمو بها آخرين الي ذري المجد والفالح‪.‬‬

‫فالساعة التي أنفقها في مشاهدة فيلم أو أغنية ماجنة هي ذات الساعة التي يحوّلها الناجحون الي‬
‫مكاسب – عاجلة أو آجلة – فما بين الناجحين والفاشلين هو استثمار الوقت فيما يعود على اإلنسان‬
‫بالخير – عاجالً أو آجالً – لذا فإن غبن األلوف من الناس يأتي حينما يروا أن الناجحين قد تربعوا‬
‫على قمم المجد وفقا ً لالستثمار المفيد والناجح ألوقاتهم (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس –‬
‫(‪)72‬‬
‫الصحة والفراغ)‬

‫إن األرض إذا لم تزرع وتركت بوراً طالتها هوام األرض وما ض ّر وفسد من الحشائش كالنفس‬
‫تماما ً إذا لم تزرع بالخير فالشر ثمار حتمية لها ومن هنا كان قول اإلمام الشافعي (إذا لم تشغل‬
‫نفسك بالحق شغلتك بالباطل) فالنفس ال تهدأ أبداً‪.‬‬

‫ولقد حضَّ اإلسالم المسلم على المبادرة والمسارعة الي كسب نعمة الصحة والفراغ حتي ال تنقلب‬
‫على صاحبها وباالً ونغمة (بادروا باألعمال سبعاً‪ :‬هل تنظرون إال فقراً منسياً‪ ،‬أو غني مطغيا ً ‪ ،‬أو‬
‫مرضا ً مفسداً ‪ ،‬أو هرما مفنداً ‪ ،‬أو موتا ً مجهزاً ‪ ،‬أو الدجال فشر غائب ينتظر غائب ينتظر أو‬
‫( ‪)73‬‬
‫والساعة والساعة أدهي وأمر )‬

‫والناس في أوقات فراغهم ليسوا على نسق واحد‪ ،‬ولكن التباين هو السمة الغالبة بينهم وأفضل الناس‬
‫في استثمار وقت فراغهم هم الذين يستخدموا طاقتهم الفكرية والروحية والبدنية فيما يعود عليهم‬
‫بالمنفعة في دينهم ودنياهم‪ ،‬وأفضل األعمال هي التي يتوفر فيها بجانب المنفعة الرغبة في أدائها‪.‬‬

‫‪ - 72‬مختصر صحيح البخاري – حديث رقم ‪2091‬‬


‫‪ - 73‬رياض الصالحين – النووي – حديث رقم ‪93/578‬‬
‫المقدمة‬

‫لذا فإننا نقول إن من أساسيات العمل الناجح أن تتكامل فيه ثالث طاقات أساسية‪:‬‬

‫‪ -1‬الطاقة الروحية‪ :‬وتعمل على ضمان استمرارية العمل وبث الرغبة والنشاط فيه والشوق‬
‫إليه‪.‬‬
‫‪ -2‬الطاقة الفكرية‪ :‬وتعمل على ضمان التطور والتقدم والتميز في العمل إذ بدونها يصبح العمل‬
‫روتينيا ً وما يلبث اإلنسان أن يجمد إليه وتنقطع رغبته فيه وينحسر اندفاعه إليه‪.‬‬
‫‪ -3‬الطاقة الجسدية‪ :‬هي األساس للطاقة الروحية والعقلية وما ذلك إالّ ألن الطاقة الجسدية تبرز‬
‫األثر المادي الظاهر للعمل‪ ،‬وتنبع أهمية الطاقة الجسدية من أن الجسد اإلنساني حينما‬
‫يصاب بأي أذى وألم ما تلبث أن تتفاعل كل الطاقات اإلنسانية مع هذا األلم واألذى ومن‬
‫هنا كانت العبارة القائلة (الجسم السليم في العقل السليم)‪.‬‬

‫قد يقول كل منا أريد أن أعمل‪ ،‬ولكن ‪ !!...‬الشهوات ‪ ...‬الظروف ‪ ...‬العقبات‪ ..‬الواقع ‪ ...‬من أين‬
‫البداية ‪ ...‬وهكذا‬

‫قلبوا معي صفحات عظماء ومشاهير جميع األمم – السابقة والحديثة – فسوف تجدوا أن هؤالء‬
‫العظماء لم يتبوؤوا هذا الشرف ويسموا الي هذا المقام إال عبر ما قدموه ألممهم من أعمال‬
‫وتضحيات وبطوالت في مختلف المجاالت حازوا بها على شرف العظمة والشهرة وسطروا أنفسهم‬
‫في صفحات مشرقة فعاشوا وهم أموات‪.‬‬

‫وفي تاريخنا اإلسالمي نجد أن أكثر الصحابة رضوان هللا عليهم عظمةً وشهرةً هم الذين تعاظم‬
‫عطائهم وعظمت أعمالهم وكثرت تضحياتهم لإلسالم عن غيرهم من بقية الصحابة‪ ،‬وخذ على‬
‫سبيل المثال الخلفاء األربعة‪ .‬إنني أريد لك أن تكون شيئا ً مذكوراً فدعني أقبل عليك لتفصح لي عما‬
‫ستقدمه بعزم صادق وهمة عالية ألمتك حتى تكون مذكورا وتحفر السمك بين عظماء ومشاهير‬
‫األمة‪ ،‬لذا‪:‬‬

‫‪ ‬فاختر لنفسك‪ ،‬واعلم أنه بقدر عطائك تكن عظمتك‪.‬‬


‫‪ ‬إياك أن تكون من ضعفاء الهمة ومخنثي العزم‪.‬‬
‫‪ ‬إياك أن تكون كاألنعام تأكل لتعيش ثم تموت فتكن من رعاع الناس‪.‬‬
‫‪ ‬احذر من التسويف فإن المستقبل أمامك والوقت عندك وما ينقصك عن العظماء هو صدق‬
‫(‪)74‬‬
‫اإلرادة‪ ،‬وقوة العزيمة‪ ،‬وعلو الهمة (فإذا عزم األمر فلو صدقوا هللا لكان خيراً لهم )‬

‫فحتي تكن شيئا ً مذكورا دعني أبيّن لك معالم الطريق والتي تتمثل في‪:‬‬
‫‪ - 74‬سورة محمد – اآلية (‪)21‬‬

‫‪38‬‬
‫المقدمة‬

‫‪ -1‬اجعل لنفسك هدفا ً ساميا ً يرتبط بك وبأمتك‪:‬‬


‫إن الغاية من خلق اإلنسان هو إعمار االرض بالعبادة هلل وحده (هو أنشاكم من األرض‬
‫واستعمركم فيها) (‪ ، )75‬وعمارة األرض في رضوان هللا هي أسمي االهداف التي يسعي‬
‫لتحقيقها المسلم ‪ ،‬وعمارة األرض معني شامل لجميع الوسائل التي ترقي باإلنسان المسلم‬
‫نفسيا ً وفكريا ً وروحيا ً وجسديا ً ‪ ،‬فتحديد الهدف ينبع من اهتمامك وأشواقك وطموحاتك ثم‬
‫المنفعة التي تعود على أمتك منه ‪ .‬وارتباط الهدف بك يعني إنك حينما تضعف همتك‬
‫وتضطرب يكن دافع (األنا) حاضراً‪ ،‬فتطمئن نفسك الي ما يعود إليك من تحقيق هدفك‪ ،‬وال‬
‫تجعل هدفك مستحيل التحقيق ‪.‬‬

‫‪ - 75‬سورة هود – اآلية (‪)61‬‬

‫‪39‬‬
‫المقدمة‬

‫عبادة هللا‬

‫وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون‬

‫عمارة االرض‬

‫هو أنشأكم من األرض واستعمركم‬

‫إعالء قيمة االنسان‬

‫ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر‬

‫سنن التسخير‬
‫وسخر لكم‬

‫سلسلة األهداف الكلية‬

‫‪40‬‬
‫المقدمة‬

‫‪ -2‬أمأل روحك شوقا ً الي بلوغ هدفك‪:‬‬

‫إن الهدف وحده ال يكفي فهو يحتاج الي المناصرة الدائمة طيلة السعي الي تحقيقه وتأتي هذه‬
‫المناصرة من قبل ربط أشواقك بهدفك والذي يعني الطموح‪ ،‬وما نصبوا إليه هو أن يكون هدفك‬
‫أمام عينيك دائما ً وال يكن كذلك إال باستدامة الطموح‪ ،‬فالهدف ال يكون هدفا ً حقيقيا ً إذا كان على‬
‫سبيال الخاطرة التي تخطر على البال ثم ما تلبث أن تغيب عنه الن الهدف الحقيقي هو الذي‬
‫يكون عالقا ً بك وهذا تأتي ب‪.‬‬

‫‪ -3‬أبدأ والنهاية في خيالك‪:‬‬

‫وال يكون هدفك عالقا ً بك إال إذا كنت تتصوره في خيالك‪ ،‬فاألعمال – على اختالفها – بالنيات‬
‫على صغرها (إنما األعمال بالنيات) (‪ )76‬والنية هي تصور اإلقبال على عمل ما ‪ ،‬فاألعمال‬
‫العظيمة تبدأ بالنية ‪ ،‬والنية ليست عمالً بل خياالً لصورة العمل ‪ ،‬فتصور النهاية لهدفك يجعل‬
‫من البداية أمراً ميسوراً ‪.‬‬

‫‪ -4‬الثقة في الوصول‪:‬‬

‫اشحذ نفسك ثقة في الوصول الي هدفك طالما أنك لم تطرق للمستحيل باباً‪ ،‬وطالما أن باإلمكانية‬
‫تحقيق ما تريد‪ ،‬فإذا تم لك العزم بالبداية فثق في النهاية التي لن تكون فيها وحدك (فإذا عزمت‬
‫فتوكل على هللا إن هللا يحب المتوكلين) (‪ ،)77‬فالخطوة االولي عليك وحدك وفي البقية هللا سندك‬
‫(‪)78‬‬
‫(والذين اهتدوا زادهم هدي آتاهم تقواهم )‬

‫‪ -5‬الزاد‪...‬عقلك وتفكيرك‪:‬‬

‫إن كل رحلة تحتاج فيها الي زاد‪ ،‬وال زاد في هذه الرحلة الي تحقيق هدفك إال عقلك وتفكيرك‪ ،‬فإن‬
‫حاجة العقل والتفكير هنا تكون بتذليل كل العوائق والعالئق (‪ )79‬في طريق الوصول‪.‬‬

‫إننا تعودنا بحكم التربية أال نستخدم طاقتنا العقلية إال في جزء يسير جداً من حياتنا بالرغم من أن‬
‫طاقة الفكر والعقل هي مصنع المعجزات إن سخرناها في أهدافنا‪ ،‬فال تجعل عقلك وتفكيرك يتخلف‬
‫عنك في هذه الرحلة‪ ،‬لذا فأدخل أهدافك مصنع المعجزات وأجعل نفسك مديراً ومشرفا ً عليه‪،‬‬
‫ووظّف جسمك ومن حولك عماالً فيه ‪ ،‬واستجلب من ( وسخ ّر لكم ) مواداً خاما ً له ‪ ،‬وأجعل من‬
‫‪ - 76‬مختصر صحيح البخاري – حديث رقم (‪)1‬‬
‫‪ - 77‬سورة آل عمران – اآلية (‪)159‬‬
‫‪ - 78‬سورة محمد – اآلية (‪)17‬‬
‫‪ - 79‬العالئق‪ :‬ما تعلق بالقلب من شهوات الدنيا – راجع الفوائد – ابن قيم الجوزية – ص ‪168‬‬

‫‪41‬‬
‫المقدمة‬

‫روحك مديراً للترويج واإلعالن إليه ‪ ،‬ثم أجعل من عظماء ومشاهير االمم معياراً للجودة له يكن‬
‫بذلك المنتج أكمل وأجمل وأفضل ما يصل إليه خيالك ‪.‬‬

‫‪ -6‬استثمر مكاسبك المتاحة‪:‬‬

‫ال تحسب أن إمكانياتك القليلة – في نظرك – المتاحة لك ال تستطيع بها فعل شيء‪ ،‬ألن هذا‬
‫اإلحساس سلوك بك الي طريق اليأس ويكون من عوائق من عوائق الرحلة ‪ ،‬فإن ما كسبته من‬
‫إمكانياتك القليلة والمتاحة مرهون لهدفك ( كل نفس بما كسبت رهينة )(‪ ،)80‬فما عليك إال النظرة‬
‫بإيجابية لما حولك ثم تسخيره كله في تحقيق هدفك حتي ال يكون ما رُهن لك من مكاسب سببا ً في‬
‫شقائك وتعاشتك ‪.‬‬

‫‪ -7‬اليأس أولي خطوات الفشل‪:‬‬

‫إن النظرة لألمور بسلبية هو اليأس‪ ،‬وما نريده منك هو تغيير هذه النظرة الي اإليجابية‪ ،‬ابحث دائما ً‬
‫عن اإليجابيات وغض طرفك عن السلبيات فإن فيها دائك وأعلم أن معية هللا سترافقك وتكون سببا ً‬

‫في نجاحك ( ال تحزن إن هللا معنا)(‪. )81‬‬

‫‪ -8‬الفشل حالوة النجاح‪:‬‬

‫ما يولّده الفشل من إبداع ال يولده النجاح‪ ،‬ألن الفشل يقودك الي التفكير اما النجاح فيقعدك عنه ‪،‬‬
‫والفشل ليس هو نهاية الرحلة بل هو محطة يتزود فيها اإلنسان بأفكار جديدة أي أنه هو محطة‬
‫تجديد وترتيب األفكار ‪ ،‬فألن أوقف عند محطة الفشل ألتزود بتجديد وترتيب األفكار خير من أن‬
‫أواصل الرحلة ألفكار توشك ان تصيبها الرتابة ‪ ،‬لذا فإن ما نتعلمه من الفشل أضعاف ما نتعلمه من‬
‫النجاح ‪...‬‬

‫إن هذا ال يعني أن يكون الفشل غاية تضرب إليها أعناق اإلبل‪ ،‬ولكن يعني االستبشار للفشل إن ح ّل‬
‫بنا‪ ،‬وأعلم أن أفضل شيء لكسر الفشل فأس علو الهمة فاحتفظ به دائماً‪.‬‬

‫وهذا مقتبس من تعامل اإلسالم مع المصيبة والبالء التي (ال ينبغي ألحد أن يتمني البالء ويطلبه من‬
‫هللا عزوجل بل يطلب العفو والعافية في الدنيا واآلخرة أما بعد حلول البالء فساحة الصبر أوسع‬
‫الساحات لقوله صلي هللا عليه وسلم (من يرد هللا به خيراً يصب منه) ‪ ،‬أي يصيبه ببالء (‪. )82‬‬

‫‪ - 80‬سورة المدثر – اآلية (‪)38‬‬


‫‪ - 81‬سورة التوبة – اآلية (‪)40‬‬
‫‪ - 82‬البحر الرائق في الزهد والرقائق – الجزء الثاني – جمع وترتيب – أحمد فريد – ص ‪76 ،77‬‬

‫‪42‬‬
‫المقدمة‬

‫‪ -9‬أوسمة وشهادات المثبطين والساخرين‪:‬‬

‫ال تأبه بالنداءات المتكررة بالنقد من المثبطين والساخرين فإنما نداءاتهم شهادات بكمالك وعلو‬
‫همتك فألن أسير خلف ركاب العظماء بعلو همة خير من أن أكفكف أدمعي حسرة وضعفا ً‬

‫مؤمالً كشف ما القيـت من عوج‬ ‫أسير خلف ركاب النجب ذا عرج‬

‫فكم لرب الوري في ذاك من فرج‬ ‫فإن لحـقت بهم من بعدما سبقوا‬

‫فما على عرج في ذاك من حرج‬ ‫وإن بقيت بظهر األرض منقطعا ً‬

‫(فتذكر أن النقد الظالم إنما هو اعتراف ضمني بقدراتك وأنه بقدر النقد أهميتك وقيمتك يكون النقد‬
‫الموجة إليك‪ ،‬ثم ركز جهودك في العمل الذي تشعر من أعماقك أنه صواب وصم أذنيك بعد ذلك‬
‫عن كل ما يصيبك من لوم الالئمين) (‪. )83‬‬

‫وآخرا إليك مجمل ما فصلّناه من معالم الطريق‪:‬‬

‫‪ -1‬أجعل لنفسك هدفا ً ساميا ً يرتبط بك وبأمتك (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ً وأنكم إلينا ال ترجعون)‬
‫(‪)84‬‬

‫(‪)85‬‬
‫‪ -2‬أمأل روحك شوقا ً الي بلوغ هدفك (فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به)‬

‫(‪)86‬‬
‫‪ -3‬أبدأ والنهاية في خيالك (وما يلقاها إال الذين صبروا وما يلقاها إال ذو حظ عظيم)‬

‫‪ -4‬أمأل قلبك يقينا ً وثقة في الوصول الي غايتك (فإذا عزمت فتوكل على هللا أن هللا يحب‬
‫(‪)87‬‬
‫المتوكلين)‬

‫‪ -5‬أجعل عقلك وفكرك زاداً في مسيرتك نحو هدفك (وتلك األمثال نضربها للناس لعلهم‬
‫(‪)88‬‬
‫يتفكرون)‬

‫(‪)89‬‬
‫‪ -6‬استثمر ما أتيح لك من مكاسب (كل نفس بما كسبت رهينة)‬

‫‪ - 83‬دع القلق وأبدأ الحياة – ديل كارينيجي – ص ‪242-238‬‬


‫‪ - 84‬سورة المؤمنين – اآلية (‪)115‬‬
‫‪ - 85‬سورة التوبة – اآلية (‪)111‬‬
‫‪ - 86‬سورة فصلت – اآلية (‪)35‬‬
‫‪ - 87‬سورة آل عمران – اآلية (‪)159‬‬
‫‪ - 88‬سورة الحشر – اآلية (‪)21‬‬
‫‪ - 89‬سورة المدثر – اآلية (‪)38‬‬

‫‪43‬‬
‫المقدمة‬

‫‪ -7‬احذر اليأس فإنه أولي خطوات الفشل (وال تيأسوا من روح هللا إنه ال ييأس من روح هللا إال‬
‫(‪)90‬‬
‫القوم الكافرون)‬

‫(‪)91‬‬
‫‪ -8‬أجعل من الفشل خطوة الي طريق النجاح (إن هذا لهو الفوز العظيم)‬

‫‪ -9‬صم أذنيك عن النقد والسخرية الموجة إليك وركز جهودك في عملك ( وكلما مر عليه مأل‬
‫(‪)92‬‬
‫من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون )‬

‫‪ - 90‬سورة يوسف – اآلية (‪)87‬‬


‫‪ - 91‬سورة الصافات – اآلية (‪)60‬‬
‫‪ - 92‬سورة هود – اآلية (‪)38‬‬

‫‪44‬‬
‫المقدمة‬

‫الفصل الخامس‪ :‬بناء اإلرادة‬ ‫‪1.7‬‬

‫قد ال تحتاج الي أي بديل عالجي ووقائي آخر لمغالبة تيار الشهوة الجنسية المنبعث من النفس إذا ما‬
‫خطونا خطوات جادة ووضعنا لبنات قوية في سبيل بناء إرادة قوية وهذا ينبع من أهمية اإلرادة في‬
‫مدافعة السلوك المنحرف والفعل النشاز الذي يطرأ على اإلنسان‪.‬‬

‫قد يقف اإلنسان حائراً أمام الحركات الروتينية ألعضاء جسمه المختلفة من حيث المصدر داخل‬
‫جسم اإلنسان الذي تصدر عنه أوامر الحركات المختلفة؟‬

‫حينما أرفع يدي أو أخفضها وحينما أحرك قدمي لألمام أو الي الخلف‪ ..‬من الذي أصدر لها االمر‬
‫بهذه الحركة؟ هل اليد أو الرجل هي مصدر هذه الحركة؟ بمعني أنها هي التي أمرت بالحركة وهي‬
‫التي ّ‬
‫نفذتها؟ وإذا كان هذا حقا ً فقم من فورك وأضرب وجه أخيك أو أختك !! أتراك فاعل هذا‬
‫ولماذا؟‬

‫إن اليد والرجل ال تدرك عواقب األفعال لذا فإنها تنفذ وال تصدر أمراً ‪ ،‬إذن هناك قوة داخلية في‬
‫اإلنسان هي التي تتولي أمر إصدار األوامر المختلفة وعلى جميع أعضاء جسم اإلنسان االستجابة‬
‫والتنفيذ لهذه القوة ‪ ،‬إنها اإلرادة التي نحن بصدد الحديث عنها ‪ ،‬إننا ال نريد أن نصطحب معنا في‬
‫بناء اإلرادة طائفة من أشباه المالئكة والرسل ‪ ،‬وال نريد أن نفترض شروطا ً من المستحيل أن تتوفر‬
‫في دنيا الواقع لبناء اإلرادة ‪ ،‬بل نريد أن نقول إن كل إنسان يسعه أن يبني إرادته بإمكانياته المتاحة‬
‫له فقط الن كل إنسان يسعه أن يصرف يده عن النار الملتهبة الحارقة !!‬

‫هل جربت الصوم عن الطعام والشراب ليوم واحد؟ إذا جربت سوف تكن من الناجحين في بناء‬
‫إرادتهم – إن شاء هللا – فالصوم هو تدريب عملي لبناء اإلرادة في اإلنسان‪.‬‬

‫إن كل الذي نريد أن نصل إليه لبناء اإلرادة هو تقوية جانب اإلقبال أو المنع على الفعل المعين‪ ،‬فإذا‬
‫نجحنا في ذلك نكن قد نجحنا في بناء اإلرادة في نفسك‪.‬‬

‫إن الطعام والشراب يكون ميسوراً وفي متناول يد الصائم – إن أراد ذلك – ولكن تغليب إرادة المنع‬
‫يجعله يمتنع أشد االمتناع عن تناول أحدهما أو كالهما‪ ،‬لذا فإننا نريد أن نقوي إرادة االمتناع عن‬
‫السلوك المنحرف حتى وإن كان الطريق إليهما ممهداً وميسر اًو ليس هذا باألمر العسير فعله على‬
‫صاحب اإلرادة القوية وال اخالني أطرق للمستحيل بابا ً إن طلبت هذا األمر منك!!‬

‫‪45‬‬
‫المقدمة‬

‫إن الطريق للهداية والصالح ال تقطعه وحدك بل معية هللا سترافقك بعد أولي الخطوات والتي تكون‬
‫ثمرة لإلرادة القوية الصادقة‪ ،‬لذا فإن الخطوة األولي هي التي ستخطوها وحدك‪ ،‬ولن تستطيع ذلك‬
‫( وأن هللا يهدي من يريد )(‪ ، )93‬وألن ثواب الدنيا لمن يريد‬ ‫إن كنت صاحب إرادة ضعيفة واهنة‬

‫( ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها )(‪ )94‬وثواب اآلخرة لمن يريد ( ومن يرد ثواب اآلخرة نؤته منها )‬

‫وإن العفَّة تعتمد على من يريد ( ‪ ...‬من يستعفف يعفه هللا )(‪. )95‬‬

‫إن كل أفعالنا التي نأتيها على سبيل العادة كان منشؤها التكلف – أي حمل النفس على الفعل المعين‬
‫– ثم يتدرج الفعل حتي يصير عادة‪ ،‬وحمل النفس على العفة – التعفف – يؤدي في نهايته الي‬
‫العفة‪ ،‬وألن أتشبه تكلفا ً بأهل الصالح والتقي خير من أن أتشبه بأهل الفسق والضاللة ‪.‬‬

‫مؤمالً كشـف ما القيت من عوج‬ ‫أسير خلف ركاب النجب ذا عرج‬

‫فكم لرب الوري في ذاك من فرج‬ ‫فإن لحـقت بهم من بعدما سبقوا‬

‫فما على عرج في ذاك من حرج‬ ‫وإن بقيت بظهر األرض منقطعا ً‬

‫إن غايتنا من الحديث عن بناء اإلرادة كما أسلفنا تنتهي بنا للكيفية التي يمكن بها مغالبة كل سلوك‬
‫منحرف‪ ،‬فإذا قلت لك قم اآلن وضع أصبعك الوسطي على النار حتي تتساوي مع بقية أصابع اليد؟؟‬
‫أتراك فاعل هذا؟ من المحقق أال تستجيب لهذا األمر حتي وإن صدر من إرادتك ‪ ،‬وليس ألنك تحس‬
‫باأللم من حرق إصبعك اآلن !! ولكن من التوقع باإلحساس باأللم إن أحرقت إصبعك‪ ،‬وكذلك إن‬
‫قلت لك قم اآلن وخذ حجراً وحطم به جهاز التلفاز الذي في منزلك!! إنك لن تفعل هذا أيضا ً ولو‬
‫صدر من إرادتك لتوقع العاقبة من هذا الفعل والذي قد يثير غضب أهل البيت عليك وقد يؤدي الي‬
‫وصفك بالجنون و‪....‬و‪....‬و‪ ....‬إلخ‬

‫من هنا دعنا نقول إن إرادتنا ال تستجيب ألي فعل إال إذا اتسم هذا الفعل باإليجابية والقبول والرضا‬
‫في أعين اآلخرين بمعني أال يعود هذا الفعل عليك باألذى – الفعلي أو القولي – من جراء فعله‪.‬‬

‫إذن دعنا نستشعر ما تعود به علينا االستجابة الي نوازع الشهوة الجنسية من مخاطر‪.‬‬

‫إن كل منا يحب المكانة والصيت في قومه ‪ ،‬كل منا يحب أن يكون عند اآلخرين حسنا ً مقبوالً ‪،‬‬
‫فعل لك يفتضح أمرك ‪ّ ،‬‬
‫إن هذا‬ ‫فكيف بك لو افتضح أمرك بين قومك ‪ ،‬ومن يدري فلع ّل عند أول ٍ‬

‫‪ - 93‬سورة الحج – اآلية (‪)16‬‬


‫‪ - 94‬سورة آل عمران – اآلية (‪)145‬‬
‫‪ - 95‬الداء والدواء البن قيم الجوزية – ص ‪18‬‬

‫‪46‬‬
‫المقدمة‬

‫يعني أن تسوّد سمعتك أمام قومك فال تجد أحداً يأتمنك على عرضه وأهله وتصير بين الناس خائنا ً ‪،‬‬
‫وهب أن أمرك لم يفتضح من أول فعل جنسي تقوم به ‪ ،‬فكيف تضمن نفسك أنك لن تصاب‬
‫باألمراض الجنسية المستشرية حاليا ً – اإليدز مثالً – وهل هناك عدد محدد من المرات تضمن‬
‫بفعله سالمة الممارسة من هذه األمراض أم أن الوقعة األولي قد تكون هي اإلصابة المحققة لك ؟!‬
‫فربّ لذة ذائلة تفقدك سمعة وصحة دائمة‪ ،‬فكم من مشاهير – تعرفهم أنت وأنا – طوتهم صفحات‬
‫األيام ونسيهم الناس من جراء شهوة وقفوا أمامها عاجزين وأصبحوا أحقر في أعين الناس من الذر‪.‬‬

‫إننا حينما نضع هذه المخاطر أمام أعيننا ونستشعرها حقا ً ما تلبث إرادتنا أن توهن وتضعف وتصبح‬
‫درجة اإلقبال على الفعل أقل بكثير من درجة االمتناع عنه‪ ،‬وما هي لحظات حتي تنقلب إرادتنا الي‬
‫االمتناع عن هذا الفعل للمخاطر التي تعود من جراء اقترافه ‪ ،‬لذا فإن إرادتنا ال تندفع الي فعل شيء‬
‫نوقن مسبقا ً بما يعود على فعله من أضرار ‪ ،‬وما علينا فعله هو تعظيم المخاطر والمضا ّر التي تعود‬
‫من اقتراف الفعل المعين ‪.‬‬

‫واآلن دعنا نعود بك مرة أخري الي المثال الذي ضربته لك سابقا ً بحرق إصبعك لنقودك الي نتائج‬
‫هذه المقارنة البسيطة‪:‬‬

‫أحرق صحتك وسمعتك‬ ‫أحرق إصبعك‬

‫شعور باأللم المتوقع‬ ‫شعور باأللم المتوقع‬

‫أنت المتأذي‬ ‫أنت المتأذي‬

‫أكبر خطراً (اإليدز واألمراض الجنسية‬ ‫أقل خطراً (ساعات ويزول األلم)‬
‫األخرى)‬

‫اجتماعيا تخسر سمعتك ومكانتك في‬ ‫اجتماعيا ً ال أثر له‬


‫قومك‬

‫غير ممتنع عن الفعل‬ ‫ممتنع عن الفعل‬ ‫النتيجة‬

‫من هذه المقارنة البسيطة لماذا تري أن الكثير منا يمتنع عن أحراق أصبعه مع األثار السالبة القليلة‬
‫لهذا الفعل ويقبل على إحراق صحته وسمعته مع اآلثار السالبة التي ال حصر لها‪ ،‬ليس لهذا إال‬
‫تعليل واحد وهو أننا نستهين بالمخاطر الناجمة عن إحراق الصحة والسمعة مقابل تعظيمنا للمخاطر‬

‫‪47‬‬
‫المقدمة‬

‫الناجمة من إحراق إصبعنا!! من هنا فليس أمامنا إال أن نُ ِعظِّم اآلثار حتى تنحسر إرادتنا عن فعل ما‬
‫ساء من أفعال جنسية‪.‬‬

‫وإن مع المقابل المادي الذي نجده من جراء امتناعنا عن تلبية رغباتنا الجنسية ّ‬
‫فإن هناك مقابل‬ ‫ّ‬
‫‪...‬إن هناك لذة أقوي وأج َّل من اللذة الجنسية العابرة‪ ،‬إنّها ّ‬
‫لذة روحية ال أجد لها وصفا ً‬ ‫ّ‬ ‫أسمي ّ‬
‫وألذ‬
‫وال مثيالً‪ ،‬إنها لذة روحية إيمانية يقذفها هللا في قلب من يسمو بنفسه فوق كل شهوة جنسية‬
‫عارضة ‪ ،‬فإذا كان صرف النظر عن الحرام يورث حالوة إيمانية يجدها اإلنسان في قلبه ( النظر‬
‫سهم من سهام إبليس من تركه مخافتي أبدلته إيمان يجد حالوته في قبه )(‪. )96‬‬

‫فإن االبتعاد عن مقارفة الزني وما قرب إليه يورث حالوة روحية إيمانية أل َّذ وأجمل‪ ،‬وإن لم تصدق‬
‫ما اقول فما عليك إال أن تجرب بنفسك لتتذوق الحالوة الروحية اإليمانية التي يعجز كل إنسان عن‬
‫وصفها ‪.‬‬

‫‪ - 96‬الزواج اإلسالمي المبكر – للشيخ محمد علي الصابوني – ص ‪39‬‬

‫‪48‬‬
‫الباب الخامس‪ :‬الخاتمة‬

‫الباب الثالث‪ :‬طرق الوقاية الخارجية‬


‫الفصل األول‪ :‬الصالة عاصم من الفاحشة‬ ‫‪1.8‬‬

‫لقد سعينا في الفصول السابقة في التركيز على إيجاد وقاية ذاتية وتحصين نفسي لمجابهة التحديات‬
‫الشهوانية التي من الممكن أن تقرب اإلنسان الي طريق الفاحشة‪.‬‬

‫ورغم ذلك قد تتعثر الخطي في الطريق الي تطبيق تلك المبادئ التي تعرضنا لها في الفصول‬
‫السابقة ويكون نتيجة ذلك ثماراً أقل نضوجا ً مما يجب أن تكون عليه وهذا يعني قابلية الشهوة‬
‫لالشتعال‪ ،‬لهذا كان ال بد من وجود حماية خارجية حينما تضعف الوقاية الداخلية الذاتية عن مدافعة‬
‫الشهوة الجنسية أو تضطرم نارها لتصبح الوقاية الذاتية النفسية – مع قوتها – عاجزة عن إخماد‬
‫نارها ‪.‬‬

‫(‪)97‬‬
‫إن سيدنا يوسف عليه السالم حينما ه ّمت به امرأة العزيز وه ّم بها ( ولقد ه ّمت به وه ّم بها )‬
‫وتعالت نار الشهوة لتخرج عن دائرة القيد النفسي والحماية الذاتية كان التدخل اإللهي والحماية‬
‫الخارجية اإللهية من البرهان الرباني الذي رآه سيدنا يوسف عليه السالم ( لوال أن رأى برهان ربه‬
‫كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنّه من عبادنا المخلصين )(‪ ،)98‬وإن سورة يوسف لم تتحدث‬
‫عن يوسف النبي أو الرسول ولكنها تحدثت عن يوسف اإلنسان الورع – فقط ‪ ، -‬إنه تميّز في‬
‫عبادته هلل تعالي حتي أصبح من المخلصين ( إنه من عبادنا المخلصين )(‪ ،)99‬وهذا يعني أن الحماية‬
‫اإللهية الخارجية والبرهان الرباني ليس من خصوصية فيه ليوسف عليه السالم أو ألحد من الناس‬
‫ولكن متاح لمن يريد ( وإن هللا يهدي من يريد ) (‪.)100‬‬

‫ولقد جُعلت الحماية اإللهية الخارجية والبرهان الرباني في الصالة فهي عاصم من الفاحشة والمنكر‬
‫(إن الصالة تنهي عن الفحشاء والمنكر)(‪ ، )101‬وإن بلغت الشهوة الجنسية أعلى مستوياتها ّ‬
‫فإن‬ ‫ّ‬

‫الخطوات نحوها ستتعسر ‪ ،‬والفرص أمامها تقفل ‪ ،‬وقد يكون مع ذلك غبن في النفس على تضييع‬
‫ما فات من فرصة ‪ ،‬ألن النفس قد تهوي ذلك وتميل إليه إال أنه ( فعسي أن تكرهوا شيئا ً ويجعل هللا‬
‫فيه خيراً كثيراً )(‪.)102‬‬

‫‪ - 97‬سورة يوسف – اآلية (‪)24‬‬


‫‪ - 98‬سورة يوسف – اآلية (‪)24‬‬
‫‪ - 99‬سورة يوسف – اآلية (‪)24‬‬
‫‪ - 100‬سورة الحج – اآلية (‪)16‬‬
‫‪ - 101‬سورة العنكبوت – اآلية (‪)45‬‬
‫‪ - 102‬سورة النساء – اآلية (‪)19‬‬
‫المقدمة‬

‫قد يعترض الكثير من الناس على هذا القول بزعمهم أنهم يؤدون الصالة ورغم ذلك تتسارع‬
‫خطواتهم الي الفحشاء والمنكر!!‬

‫إن اإلنسان الذي عنده إثنين هي ناتج ضرب العدد (‪ )1×1‬ال يغيّر من القانون الحسابي شيئا ً لفساد‬
‫عقله وليس لفساد القانون‪ ،‬وإذا كان االمر اإللهي بأن الصالة تنهي عن الفحشاء والمنكر فهذه حقيقة‬
‫ال يصل إليها من يتغافل عن صالته ويتالعب بها وال يتم ركوعها وخشوعها ومثل هذا ال ضير إن‬
‫بدر منه اعتراض ألنه قد يكون عنده إثنين هي ناتج ضرب العدد واحد في واحد‪.‬‬

‫أما المقيمين الصالة في خشوع وسكينة ووقار فهم في كنف إلهي وحفظ رباني وهم أبعد الناس عن‬
‫الفاحشة حتى وإن اشتهت أنفسهم وتمنت إتيانها فإن العقبات اإللهية تكون بمثابة الحماية اإللهية‬
‫الخارجية لهم (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر هللا )(‪. )103‬‬

‫إن طريقنا الذي نريد أن نصل إليه‪ ،‬وقولنا الذي نريد أن نبرهن عليه هو أن الفاحشة عن الخاشع في‬
‫صالته أبعد‪ ،‬وما نريده منك أن تبدأ معنا هذا الطريق – طريق الخشوع في الصالة – بإرادة صادقة‬
‫وخطوات جادة وذلك ألهمية الخشوع الوقائية من الوقوع في الفاحشة ‪.‬‬

‫فمصادر الخشوع األساسية هي‪:‬‬

‫(‪)104‬‬
‫‪ -1‬الصوت‪( :‬وخشعت األصوات للرحمن فال تسمع إال همساً)‬

‫(‪)105‬‬
‫‪ -2‬البصر‪( :‬خاشعة أبصارهم)‬

‫(‪)106‬‬
‫‪ -3‬القلب‪( :‬ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر هللا)‬

‫فتخشع األصوات في الصالة ثم تهمس لتسمع – والسمع هنا روحي – فيهمس المصلي (الحمد هلل‬
‫رب العالمين ) فيسمع النداء اإللهي ( حمدني عبدي ) ثم يناجى المصلي ( الرحمن الرحيم ) فيجيبه‬
‫هللا تعالي ( مجدني عبدي ) فيتذلل المصلي ويهمس ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ليسمع هللا تعالي‬
‫مجيبا ً ( هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل )(‪ )107‬وهكذا يناجى العبد في صالته ربه حقيقة (إذا‬

‫قام أحدكم الي الصالة فإنه يناجى ربه )(‪ )108‬فيستريح قلبه وتسكن جوارحه ‪.‬‬

‫‪ - 103‬سورة الرعد – اآلية (‪)11‬‬


‫‪ - 104‬سورة طه – اآلية (‪)108‬‬
‫‪ - 105‬سورة القلم – اآلية (‪)43‬‬
‫‪ - 106‬سورة الحديد – اآلية (‪)16‬‬
‫‪ - 107‬األحاديث القدسية – حديث رقم ‪123‬‬
‫‪ - 108‬بلوغ المرام من جمع األدلة واالحكام – ابن حجر العسقالني – حديث رقم ‪257‬‬

‫‪50‬‬
‫المقدمة‬

‫أما البصر فهو تابع لقلب ومرتبط به (قلوب يومئذ واجفة‪ ،‬أبصارها خاشعة)(‪ ، )109‬وقد يبعد البصر‬
‫المصلي عن الخشوع في صالته عبر ما يتراءي له في الصالة فينشغل قلبه لذا قيّد البصر بموقع‬
‫السجود في الصالة ( ما بال أقوام يرفعون أبصارهم الي السماء في صالتهم ‪ ،‬لينتهين عن ذلك أو‬
‫لتخطفن أبصارهم )(‪. )110‬‬

‫أما القلب فهو أصل الخشوع وغيره تابع‪ ،‬فهو يخشع بالرغبة والرهبة (ويدعوننا رغبا ً ورهبا ً وكانوا‬
‫لنا خاشعين)(‪ ، )111‬ورغبته في ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ) ورهبته في‬
‫( غير المغضوب عليهم وال الضّالين ) ‪.‬‬

‫وقد يصرف الشيطان القلب عن الخشوع بأن يبدي له أموراً فينشغل القلب في الصالة‪ ،‬لذا فمحاربة‬
‫الشيطان أمراً ضروري حتي ال يتسنى له صرفنا عن الخشوع في الصالة ومحاربته تكون من‬
‫خالل المعرفة التامة باألمور التي يصرفنا بها الشيطان عن الخشوع في الصالة فمداخل وسوسة‬
‫الشيطان هي ‪:‬‬

‫‪ -1‬إن الشيطان ال يبدي لك أمراً من عنده‪ ،‬بل يبدي لك أمراً يخصك‪.‬‬


‫‪ -2‬إن ما يبديه الشيطان لك من أمر يكون محور اهتمامك في ذات الوقت‪ ،‬فخصائص األمر‬
‫الذي يوسوس إليك الشيطان به‪:‬‬
‫أن يكون االمر ذو أهمية عندك‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫أن يكون االمر ذو تأثير عليك‪.‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫‪ -3‬إن عمل الشيطان ينحصر بعد ذلك في نزغ هذا األمر بمواصفاته السابقة والتذكير به‪ ،‬فيقبل‬
‫اإلنسان على التفكير فيه وينصرف عن الخشوع في الصالة بعد الخاطرة األولي التي‬
‫يكون الشيطان سببا ً رئيسا ً فيها‪.‬‬

‫والعالج لكل ذلك يكمن في اآلتي‪:‬‬

‫‪ -1‬قد تالحظ معي أن العبادات يمهد لها دائما ً بسابق قبلها ثم يكون الدخول في العبادة‪ ،‬وقد يكون‬
‫هذا السابق الممهد به من السنة غالبا ً فالزكاة يمهد لها بالصدقة والصوم يمهد له بصوم‬
‫بعض أيام من رجب وشعبان‪ ،‬والحج يمهد له بالتلبية ‪ ،‬والصالة يمهد لها بالطهارة‬
‫والوضوء واألذان واإلقامة ‪ ،‬هذا التمهيد هدفه تعظيم أمر العبادة في نفسك حتي تصب‬

‫‪- 109‬سورة النازعات – اآليات (‪)9-8‬‬


‫‪ - 110‬رياض الصالحين – النووي – حديث رقم (‪)1754‬‬
‫‪ - 111‬سورة األنبياء – اآلية رقم (‪)90‬‬

‫‪51‬‬
‫المقدمة‬

‫درجات االهتمام به في أعلى مستوياتها ‪ ،‬وما يريده اإلسالم هو ربط جميع هذه األعمال‬
‫التي به تمهد للصالة بروحك وعقلك فتتطهر وتتوضأ وأنت تسائل نفسك لماذا أتتطهر ؟‬
‫لماذا أتوضأ؟ لتجيب عن نفسك ألنني مقبل على مناجاة ربي‪ ،‬أو تربط هذا االمر بأمر‬
‫دنيوي مثل أن تقول ‪ :‬ألني أريد أن أستعين باهلل في قضاء أمر كذا وكذا فقد كان الرسول‬
‫صلي هللا عليه وسلم كلما يهمه أمر فزع الي الصالة ‪.‬‬
‫‪ -2‬أعمد الي محاربة الخواطر الشيطانية التي تصرفك عن الخشوع من الوهلة االولي حتي ال‬
‫تقوي‪ ،‬واستبدلها باآلتي ‪:‬‬
‫التفكير فيما تقرأ فيه في الصالة‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫(‪)112‬‬
‫التفكير في فقرك وحاجتك الي هللا (يا أيها الناس أنتم الفقراء الي هللا)‬ ‫ب‪-‬‬

‫‪ -4‬أقطع عن نفسك كل أمر يمكن أن يشغلك في الصالة مثل الطعام والشراب واالخبثان حتي ال‬
‫(‪)113‬‬
‫يكون للشيطان بذرة يوسوس لك بها (ال صالة بحضرة طعام وال هو يدافعه االخبثان)‬
‫‪.‬‬

‫‪ - 112‬سورة فاطر – اآلية (‪)15‬‬


‫‪ - 113‬رياض الصالحين – النووي – حديث رقم ‪1753‬‬

‫‪52‬‬
‫المقدمة‬

‫الفصل الثاني‪ :‬اإلخالص‬ ‫‪1.9‬‬

‫اإلخالص من المعاني الشاملة التي تشمل أعمال العباد جميعها وتكون أساسا ً لقبول األعمال وسبيل‬
‫الفالح في الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫(إن اإلخالص هو التجرد الكامل (هلل) ‪ ،‬وبكل خالجة في القلب وبكل حركة في الحياة الواقعية ‪،‬‬
‫وبالممات وما وراءه ‪ ،‬إنها تسبيحة ( التوحيد ) المطلق والعبودية الكاملة التي تجمع الصالة‬
‫واالعتكاف والمحيا والممات ‪ ،‬وتخلّصها (هلل ) وحده هلل ( ربّ العالمين ) وفي ( إسالم ) كامل ال‬
‫يستبقي في النفس وال في الحياة بقية ال يعبّدها هلل وال يحتجز دونه شيئا ً في الضمير وال في الواقع )‬
‫(‪)114‬‬

‫ونحن هنا ال نريد أن نتناول اإلخالص بمعناه الواسع الشامل‪ ،‬ولكن نتناول من ثمرات اإلخالص ما‬
‫يتناغم مع موضوع بحثنا نظراً لألهمية الواقعية والوقائية لإلخالص في حياة المسلم والتي انحصر‬
‫فيها اإلخالص في إطار ضيق وأصبح الهوي والشيطان سيفا ً مسلطا ً على جميع األعمال األخرى‬
‫وكان نتاج ذلك العبث والفجور االجتماعي‪.‬‬

‫إن أولي الثمرات التي نريد قطفها والتي تأتي في مقام الوقاية للمسلم من الوقوع في الفاحشة هي‬
‫االستثناء الشيطاني للمخلصين من الغواية والتزيين (قال ربّ بما أغويتني ألزينن لهم في االرض‬
‫وألغوينهم أجمعين‪ ،‬إال عبادك منهم المخلصين ) (‪ ( ، )115‬قال فبعزتك ألغوينهم أجمعين إال عبادك‬

‫منهم المخلصين )(‪. )116‬‬

‫إنّهم – أي المخلصين – عن الشيطان لمحجوبين والي ربهم مقبلين‪ ،‬فأنى للشيطان أن يجد مالذاً الي‬
‫ب امتأل باهلل حبا ً وإخالصا ً وصار ليس للهوي وللشيطان فيه نصيب ‪.‬‬
‫قل ٍ‬

‫( ّ‬
‫إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) لقد كان النداء اإللهي ( إن عبادي ) المخلصين لي ليس لك‬
‫عليهم سلطان ‪ ،‬وال لك فيهم تأثير ‪ ،‬وال تملك أن تزين لهم ألنك عنهم محصور ‪ ،‬وألنهم منك في‬
‫ّ‬
‫والن مداخلك الي نفوسهم مغلقة ‪ ،‬وهم يعلقون أبصارهم باهلل ‪ ،‬ويدركون ناموسه ‪ ،‬بفطرتهم‬ ‫حمى ‪،‬‬
‫الواصلة الي هللا ‪ ،‬إنما سلطانك على من اتبعك من الغاوين الضالين ‪ ،‬فهو استثناء مقطوع ألن‬
‫الغاوين ليسوا جزءاً من عباد هللا المخلصين ‪ ،‬إن الشيطان ال يلتقف إال الشاردين كما يتلقف الذئب‬
‫‪ - 114‬في ظالل القرآن –سيد قطب – المجلد الثاني – ‪1241 -1240‬‬
‫‪- 115‬سورة الحجر اآليات (‪)40-39‬‬
‫‪ 116‬سورة ص – اآليات (‪) 83-82‬‬

‫‪53‬‬
‫المقدمة‬

‫الشارد من القطيع ‪ ،‬فأما من يخلصون أنفسهم هلل ‪ ،‬فاهلل ال يتركهم للضياع ‪ ،‬ورحمة هللا أوسع ولو‬
‫تخلفوا فإنهم يتوبون من قريب ! (‪. )117‬‬

‫وقريب من هذا يحكي القرآن من نماذج األنقياء األتقياء ما كان من أمر سيدنا يوسف عليه السالم‬
‫مع امرأة العزيز ‪ ،‬إن الشيطان إذا عجز عن المخلصين لم يعجز عن غيرهم ‪ ،‬لقد لعب الشيطان‬
‫دوره وأكمله ‪ ،‬وأت ّم ما عليه وأنجزه مع صاحبة يوسف عليه السالم – امرأة العزيز – فكانت هي‬
‫التي راودته ‪ ،‬وهي التي غلّقت االبواب ‪ ،‬وهي التي دعته الي نفسها وكل هذا تم في بيتها ( وراودته‬
‫التي هو بيتها عن نفسه وغلقت األبواب وقالت هيت لك ) (‪ ، )118‬ورغم كل تلك اإلغراءات كانت‬
‫إرادة اإلخالص هي الغالبة والمنتصرة فكان ما كان من صرف السوء والفحشاء عن سيدنا يوسف‬
‫عليه السالم وليس ذلك إال ألنه من عباد هللا المخلصين ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه‬
‫من عبادنا المخلصين )(‪. )119‬‬

‫إن اإلخالص هو وقاية خارجية لك حينما تكتمل كل فصول الفاحشة ويحيك الشيطان كل خيوطها‬
‫بدقة من خارج اإلطار النفسي حينها تكون المعية اإللهية حاضرة والنصر اإللهي فائزاً في مسرح‬
‫الفاحشة وتكون أنت المنتصر – فقط – بإخالصك لربك‪.‬‬

‫من هنا دعونا نقول كيف يسني لي أن أصل الي اإلخالص؟ أو ما هو الشيء الذي أفتقده حتي أصبح‬
‫من المخلصين؟‬

‫إن لفظ اإلخالص يدور في اللغة العربية على (التنقية) و(التهذيب ) فما هو الشيء الذي نريد تنقيته‬
‫وتهذيبه في اإلنسان ؟ ومن أي شيء ينقّي؟ بمعني آخر ما هو محل اإلخالص في القلب الذي نريد‬
‫تنقيته وتهذيبه من الشوائب ؟‬

‫إن القلب هو محل اإلخالص ومحط نظر هللا تعالي كما في الحديث (إن هللا ال ينظر الي صوركم‬
‫وال أموالكم ولكن ينظر الي قلوبكم وأعمالكم)(‪ ، )120‬وتنقيته تكون من كل شائبة ال تتصل باهلل‬
‫اتصاال ال يكون ألح ٍد فيه نصيب ‪.‬‬

‫فمن دواعي اإلخالص اإلحساس بالخوف عند إحاطة أقدار هللا باإلنسان وتسوّر المصائب به والتي‬
‫ليس عنده المقدرة على دفعها حينها يكون االلتجاء الخالص إليه وحده سبحانه وتعالي لكشف ما‬

‫‪ -117‬في ظالل القرآن ‪ -‬سيد قطب – المجلد الرابع ص ‪2142‬‬


‫‪ -118‬سورة يوسف – اآلية (‪)23‬‬
‫‪ -119‬سورة يوسف – اآلية (‪)24‬‬
‫‪ - 120‬مختصر صحيح مسلم – حديث رقم ‪1776‬‬

‫‪54‬‬
‫المقدمة‬

‫أحاط به (حتي إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة فرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجائهم‬
‫الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا هللا مخلصين له الدين إلن أنجيتنا من هذه لنكونن‬
‫من الشاكرين )(‪ ( ، )121‬وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا هللا مخلصين له الدين ) (‪. )122‬‬

‫فإذا كانت المصائب دعوة لاللتجاء الخالص هلل تعالي فهل يدري أحد سالمة ما نستقبله من أيام من‬
‫المصائب والفتن؟ ولماذا ال يكون االلتجاء الخالص المستمر الي هللا تعالى طالما أنه هو وحده –‬
‫سبحانه وتعالي – المستعان على كشف كل مصيبة وفتنة؟‬

‫إن الخيار الذي أمامنا لنجعل من اإلخالص هلل تعالي سلوكا ً لنا‪ ،‬أن نعظّم جانب الفقر الي هللا تعالى‬
‫والحاجة إليه (يا أيها الناس أنتم الفقراء الي هللا وهللا هو الغني الحميد) (‪ ، )123‬وسبيلنا الي تعظيم أمر‬
‫معين في نفوسنا هو الخيال الدائم والتفكير المستمر فيما افتقرنا وانتقصنا إليه من حاجتنا الي هللا‬
‫تعالي وربطها به – سبحانه وتعالي – مما يجعل تعلق القلب به وانشغاله به عن غيره ‪.‬‬

‫أما قولنا بأن اإلخالص هو التنقية والتزكية لقلوبنا من الشوائب فهذا يعني بصورة حتمية ضرورة‬
‫إزالة ما شاب إخالصنا من شوائب‪ ،‬وإذا كان اإلخالص هو إرادة هللا تعالي وحده بأعمالنا وأفعالنا‬
‫جميعها وإن إزالة ما شاب يعني التحقير والتقليل من نظر الغير إلينا والى األمور التي تصرفنا عن‬
‫غاية أعمالنا المقصود بها هللا تعالي وحده ‪.‬‬

‫اإلخالص الي مجتمعك‪:‬‬ ‫‪1.9.1‬‬

‫كثير منا يجهل دوره تجاه مجتمعه‪ ،‬ويظل يحصر نفسه في إطار ضيق ال يتعدى نفسه وقليل من‬
‫ذلك أسرته ‪.‬‬

‫ولما كان اإلخالص موسوعة أخالقية‪ ،‬فإن الصدق والبر واألمانة والعفّة تنبع كلها من اإلخالص ‪،‬‬
‫بل إن سائر مكارم األخالق تتصل باإلخالص اتصاال وثيقا ً ‪ ،‬وترتبط به ارتباطا عميقا ً (‪ ، )124‬وتع ُّد‬
‫االخالق جميعها من أدوات البناء االجتماعي السليم ‪.‬‬

‫(إننا عندما نعيش لذواتنا فحسب‪ ،‬تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة ‪ ،‬تبدأ من حيث بدأنا نعي ‪ ،‬تنتهي‬
‫بانتهاء عمرنا المحدود ! أما عندما نعيش لغيرنا‪ :‬أي عندما نعيش لفكرة‪ ،‬فإن الحياة تبدو طويلة‬
‫عميقة ‪ ،‬تبدأ من حيث بدأت اإلنسانية ‪ ،‬وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه األرض !! إننا نربح إضعاف‬

‫‪ - 121‬سورة يونس – اآلية (‪)22‬‬


‫‪ - 122‬سورة لقمان اآلية (‪)32‬‬
‫‪ -123‬سورة فاطر – اآلية (‪)15‬‬
‫‪ -124‬نحن بين المظاهر والجواهر – قراءة معاصرة في فقه اإلخالص – محمد عمر دولة ص ‪18‬‬

‫‪55‬‬
‫المقدمة‬

‫عمرنا الفردي في هذه الحالة‪ ،‬نربحها حقيقة ال وهماً‪ ،‬فتصور الحياة على هذا النحو يضاعف‬
‫شعورنا بأيامنا وساعاتنا ولحظاتنا ‪ ،‬فليست الحياة بعد السنين ‪ ،‬ولكنها بعداد المشاعر ‪ ...‬إننا نعيش‬
‫ألنفسنا حياة مضاعفة حينما نعيش لآلخرين ‪ ،‬وبقدر ما نضاعف إحساسنا باآلخرين ‪ ،‬ونضاعف‬
‫(‪)125‬‬
‫إحساسنا بحياتنا ‪ ،‬نضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية )‬

‫لقد حرص اإلسالم على أن تسود أجواء العفة المجتمع اإلسالمي فيصبح الفرد فيه مؤتمنا ً على‬
‫أعراض اآلخرين ‪ ،‬غيور على عرضه وعرض اآلخرين ‪ ،‬وينظر الي اآلخرين بمنظار األم‬
‫واالخت فال يرضي بانتهاك أعراض اآلخرين مثلما ال يرضي انتهاك عرض أمه وأخته وزوجته ‪،‬‬
‫ولهذا كانت تربية الرسول صلي هللا عليه وسلم للغالم الذي جاء يستأذنه في الزنا ما رواه الطبراني‬
‫عن أبي أمامة قال جاء شاب الي النبي صلي هللا عليه وسلم فقال له ‪ :‬يا رسول هللا ‪:‬إئذن لي في الزنا‬
‫‪ ،‬فتصايح الناس وأنكروا قوله ‪ ،‬ولكن رسول هللا صلي هللا عليه وسلم أدناه منه ودار بينهما هذا‬
‫الحوار ‪:‬‬

‫‪ -‬هل ترضاه ألمك؟‬


‫‪ -‬ال‪.‬‬
‫‪ -‬كذلك الناس ال يرضونه ألمهاتهم‪.‬‬
‫‪ -‬هل ترضاه ألختك؟‬
‫‪ -‬ال‬
‫‪ -‬كذلك الناس ال يرضونه ألخواتهم‪.‬‬
‫‪ -‬هل ترضاه البنتك؟‬
‫‪ -‬ال‪.‬‬
‫‪ -‬كذلك الناس ال يرضونه لبناتهم‪.‬‬

‫وهكذا وضع الرسول صلي هللا عليه وسلم يد الفتي على الحقيقة‪ ،‬ولفت نظره الي حكمة المنع‬
‫والخطر‪ ،‬و أيقظ في نفسه الشعور االجتماعي وكف عنه حدة االنانية التي تتبع الهوي ‪ ،‬وتغفل عن‬
‫عالقة الضرر بالمجتمع ‪ ،‬وعن العقد االجتماعي الذي ارتقت به الحياة (‪. )126‬‬

‫‪ -125‬الوقت عمار أو دمار – جاسم محمد بدر – ص ‪31‬‬


‫‪ - 126‬اإلسالم والمشكلة الجنسية – د‪ .‬مصطفي عبد الواحد – ص ‪81‬‬

‫‪56‬‬
‫المقدمة‬

‫إن الذي يبغي العفاف عليه أن ينظر الي النساء بمنظار االم واالخت واالبنة ويستشعر ذلك جيداً‬
‫ويرسم صورةً ألخته أو البنته أو لزوجته وهي يفعل بها ذلك‪ ،‬فإنه وإن فعل هذا فال شك من أنه‬
‫سيئوب الي رشده وتنطفي شهوته وتستبطئ خطوته ‪.‬‬

‫وإال فاعلم أن الدين ال بد أن ينتهي أجله فيسترد‪ ،‬ومحكمة العدل اإللهية ستنصب ‪ ،‬والديان ال‬
‫يموت‪ ،‬وحينها يصبح الظلم ظلمين والعقوبة عقوبتين والجرم جرمين ‪ ،‬ظلم لهتك عرض اآلخرين ‪،‬‬
‫وظلم لهتك عرض أهلك الذي تسببت فيه أنت بنفسك ‪ ،‬فأربأ بنفسك من هذا !!!‬

‫‪57‬‬
‫الباب الخامس‪ :‬الخاتمة‬

‫الباب الرابع‪ :‬المهام والمسئوليات‬


‫الفصل األول‪ :‬على من تقع المسئولية‬ ‫‪1.10‬‬

‫إننا ال نصاب بمصيبة إال ومسئولية تركت وأدوار أهملت ومهام أجلت (فمن تبع هداي فال خوف‬
‫عليهم وال هم يحزنون) (‪ ( ، )127‬فمن اتبع هداي فال يضل وال يشقي )(‪ ، )128‬فالشقاء والضالل‬
‫والخوف والحزن ال يصيب إال المنحرفين عن المنهج اإللهي وهذا يعني التخلي والعجز عن القيام‬
‫ببعض المسئوليات والواجبات‬

‫فاألمراض – جميعها – ال تصيبنا إال حينما يتخلى جهاز المناعة الداخلية في اإلنسان عن واجبه‬
‫ومسئوليات في الدفاع عن هذا المرض‪.‬‬

‫فأمام كل مسئولية تضيع مصيبة تحل‪ ،‬وعندها تكون المصيبة بما كسبت أيدينا من التقصير والعجز‬
‫عن القيام بالمهام والمسئوليات الواجبة علينا (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) (‪ . )129‬إن‬
‫ما حل بنا من هوس جنسي وانحراف ثقافي وانقالب في موازين الحضارة والرقي مرده الي عجزنا‬
‫وتقصيرنا في التصدي لتيار الفساد االخالقي ومجابهة الثقافات المستوردة والمنحرفة عن المنهج‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وقد يدعي م ّد ٍ‬
‫ع أنه قام بمسئولياته وأكملها؟!‬

‫فإننا نقول‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬إنه ليس هناك سقف محدد تنتهي عنده المسئوليات إال الموت‪ ،‬فالبالغ والبيان مسئولية ال تنفك‬
‫إال بالموت (وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البالغ) (‪.)130‬‬

‫ثانياً‪ :‬ال شك أن من يغرس ينتظر ثمار غرسه‪ ،‬فأين ثمار ما غرست إذا كنا نري الهوس الجنسي‬
‫واالنفالت األخالقي الذي يقبع فيه فئة كبيرة من شباب االمة اإلسالمية ويتزايد خطره يوما ً بعد‬
‫يوم!!‬

‫ثالثا ً‪ :‬إن المسئوليات ال تؤ َّدي على سبيل التبرئة للنفس فقط ولكن تكون الغاية دفع ما قامت من أجله‬
‫المسئولية حتي يستأصل عن آخره‪.‬‬

‫‪ - 127‬سورة البقرة – اآلية (‪)38‬‬


‫‪- 128‬سورة طه – اآلية (‪)123‬‬
‫‪- 129‬سورة الشوري – اآلية (‪)30‬‬
‫‪- 130‬سورة الرعد – اآلية (‪)40‬‬
‫المقدمة‬

‫رابعاً‪ :‬إننا إذا قمنا بمسئولياتنا على سبيل التبرئة للنفس فقط‪ ،‬قد يفقد هذا األمر ويقلل من أدوات‬
‫حسن العرض ويكون بمثابة من يبغي بيع ما عنده من بضاعة دون أن يقدم لها اإلعالن والترويج‬
‫الكافي ‪.‬‬

‫خامسا ً‪ :‬إن األحجار مع صغرها التي تقف أما التيار مع قوته وشدته ال يلبث أن يبتلعها التيار‬
‫ويغطي عليها‪ ،‬فتغيير مجري التيار أمر مطلوب ‪ ،‬وتكثير األحجار والصخور أمر مرغوب حتي‬
‫تتوازن القوي ويكون حينها زهوق الباطل بقذف قوة الحق ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه‬
‫فإذا هو زاهق )(‪. )131‬‬

‫بهذه القواعد تكون المسئولية قد استوفت حقها ويكون الضمان من ثمارها الطيبة‪ ،‬وإال فالمسئولية‬
‫الربانية ال تستثني أحد حتي الصادقين ( ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما )‬
‫(‪. )132‬‬

‫إن المسئوليات والمهام تتوزع في جسم اإلنسان فكل عضو له مسئولية ومهمة يقوم بها‪ ،‬فاليدين لهما‬
‫مسئوليتهما وكذلك األرجل ‪ ،‬والعينين لهما مسئوليتهما وكذلك االذنين ‪ ،‬وهكذا في بقية األعضاء ‪،‬‬
‫وجميع هذه المسئوليات والمهام تصب في قالب واحد لتحفظ التوازن في حركة السير السليم لإلنسان‬
‫‪.‬‬

‫من هنا فإن المسئولية عن الهوس الجنسي واالنفالت االخالقي في الوسط الشبابي لم تنحصر على‬
‫طائفة دون أخري‪ ،‬أو شريحة من المجتمع دون غيرها ‪ ،‬ولكن للجميع دور ومسئولية ومهمة تجاه‬
‫تيار الفساد االخالقي الذي أوشك أن يعم أثره – سوي استطعنا أن نحصر هذه المسئوليات جميعها‬
‫او لم نحصرها – ونحن هنا نشير الي أهم مسئوليات المجتمع التي تقع على عاتق هل التصدي لهذا‬
‫التيار الفاسد ولنبدأ من ‪:‬‬

‫األسـرة‪:‬‬ ‫‪1.10.1‬‬

‫إن هللا خلق اإلنسان وفطره على الخير ال الشر ‪ ،‬وعلى الصالح ال الطالح ‪ ،‬وعلى االنتماء لحزب‬
‫هللا ال لحزب الشيطان ‪ ،‬وجعل هذه بذرة للخير – كله – في اإلنسان ‪ ،‬إما أن تن ّمي فيكون ثمار ذلك‬
‫خيراً كله وإما أن تطمس وتنسي ويكون الشر ثماراً حتمية لذلك ( فطرت هللا التي فطر الناس‬
‫عليها )(‪ ،)133‬وهذه هي الفطرة التي يولد عليها اإلنسان كما في قوله صلي هللا عليه وسلم ( ما من‬
‫‪ - 131‬سورة األنبياء – اآلية (‪)18‬‬
‫‪ - 132‬سورة األحزاب – اآلية (‪)8‬‬
‫‪- 133‬سورة الروم – اآلية (‪)30‬‬

‫‪59‬‬
‫المقدمة‬

‫مولود إال يواد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه )(‪ ، )134‬ولهذا كان هديه صلي هللا‬
‫عليه وسلم أن من قبض يده الي طفل مناديا ً له وزعم له كذبا ً أن بها شيئا ً ‪ ،‬يعد ذلك من الكذب الذي‬
‫سيحاسب عليه ‪ ...‬لماذا؟‬

‫الن هذا السلوك هو طمسا ً للصدق الذي فطر عليه‪ ،‬وما أد ّل على ذلك من أن الطفل ال يتشكك في‬
‫صدقك إليه‪ ،‬ألنه ال يعرف الكذب وهذه الفعلة تعريف له بالكذب وتعويد عليه ‪.‬‬

‫إن األسرة هي المحضن اآلمن والمنبت الواقي لبذرة الخير التي فطر هللا عليها اإلنسان بشرط أن‬
‫يكون ماء هذه البذرة عذبا ً فراتا ً ال تشوب عذوبته شائبة‪.‬‬

‫إن هللا تعالي حينما جعل الزواج آية من آيات عظمته ‪ ،‬جعل له غاية وهدف تنتهي إليه األسرة‬
‫وتتجه صوبه في خطوات ثابتة ال خبطات طائشة ‪ ،‬فكانت الغاية من وراء الزواج وتكوين األسرة‬
‫في اإلسالم هي التنشئة والتربية ال المكاثرة التي تكون نهايتها الغثاء الذي يذهب جفاء ‪ ،‬ونلحظ هذا‬
‫من خالل قوله صلي هللا عليه وسلم ( تناكحوا تكاثروا فإني أباهي بكم األمم يوم القيامة )(‪، )135‬‬
‫فالرسول صلي هللا عليه وسلم ال يكاثر بناء األمم وال يباهي بنا األمم إذا كنا غثاء كغثاء السيل زبداً‬
‫رابيا ً ال فائدة منه ‪ ،‬إنه صلي هللا عليه وسلم والحالة هذه يقال له يوم القيامة ( إنهم ارتدوا بعدك على‬
‫أدبارهم القهقري )(‪. )136‬‬

‫فالكثرة ليست غاية في ذاتها إذا كانت من غير تربية رشيدة أساسها اإليمان الحق باهلل تعالي‪ ،‬فإن‬
‫الغثاء مهما عال والزبد مهما ربا ال يلبث أن يذهب جفاء ويصبح ال فائدة ترجي منه‪.‬‬

‫ماذا تنتظر من أسرة تقلب القنوات الفضائية على عريّها وفسادها أمام أبنائها ًّ‬
‫كأن شيئا ً لم يحدث!!‬
‫بل ماذا تنتظر من أسرة أن يباهي بها الرسول صلي هللا عليه وسلم األمم يوم القيامة حتى وإن بلغ‬
‫عدد أفرادها األلف؟! ّ‬
‫إن مثال هؤالء األسر ال شك في القول الي الرسول صلي هللا صلي هللا عليه‬
‫وسلم ب (إنهم ارتدوا بعدك على أدباهم القهقري) (‪.)137‬‬

‫ّ‬
‫إن الذي يتناغم وينسجم مع موضوع بحثنا ونسعى الي التركيز عليه من خالل مناقشة عوائق‬
‫التربية نظراً لإلهمال المقصود – حيا ًء – والغير مقصود جهالً هو مسئولية التربية الجنسية مع‬

‫‪ - 134‬مختصر صحيح البخاري – حديث رقم ‪680‬‬


‫‪- 135‬أخرجه أبو نعيم في الحلية – الزواج اإلسالمي المبكر – ص ‪38‬‬
‫‪ - 136‬مختصر صحيح البخاري – حديث رقم ‪2135‬‬
‫‪ - 137‬المرجع السابق‬

‫‪60‬‬
‫المقدمة‬

‫األبناء حتى يصبح هذا المجال خاليا ً تعبث فيه القنوات الفضائية ووسائل اإلعالم المختلفة لتربي لنا‬
‫أبنائنا تربية جنسية منحرفة‪.‬‬

‫إن مسئولية التربية الجنسية مسئولية مشتركة بين اآلباء واألمهات لهذا يجب أن تعرف األسرة‬
‫المسلمة دورها ومسئوليتها جيداً تجاه أفرادها‪ ،‬فالتركيز على المظهر ال الجوهر ليس هو دورها‪،‬‬
‫واالهتمام باألكل والشرب وتسمين البدن دون الروح ليس هو واجبها – فقط – ولكن االهتمام‬
‫بالجوهر هو األساس الذي ينبغي التركيز عليه دون غيره من المظاهر التي عكفنا عليها عصوراً‬
‫من الزمان حتي صرنا عبّاداً لبيوت األزياء والموضة!!!‬

‫إن ثمار التربية والتنشئة حينما تكون طيبة يكون مر ّد النفع أوالً الي األسرة صالحا ً في الدنيا وقربةً‬
‫يوم القيامة‪ ،‬فاألبناء بصالحهم هم الصدقة الجارية التي تبقي للمؤمن بعد موته (إذا مات اإلنسان‬
‫انقطع عمله إال من ثالث ‪ ........‬وولد صالح يدعو له) (‪ ،)138‬فلماذا ال نستعذب الماء لنسقي بذرة‬
‫الخير والفطرة التي فطر هللا عليها اإلنسان؟ لماذا نضيّع فرصة السقي والرعاية ليشاركنا فيها‬
‫اآلخرون وتشاركنا فيها الفضائيات التي نعلم مسبقا ً نتائج مشاركتها؟‬

‫إن الدور المفقود في األسرة يكمن في المقدرة على تحريك بواعث الفطرة الكامنة في النفس‪ ،‬فإننا‬
‫متي أفلحنا في ذلك كانت االستجابة اإلنسانية لهذا التغيير والصحوة المنبعثة من النفس (إن هللا ال‬
‫(‪)139‬‬
‫يغيّر ما بقوم حتي يغيّروا ما بأنفسهم )‬

‫إن الطفل ينشأ وهو صفحة بيضاء نقية طاهرة ولآلباء حرية التوقيع عليها بما شاءوا‪ ،‬فمهال أيها‬
‫اآلباء ‪ ...‬انتقوا من الكلمات أحسنها ومن العبارات أرقّها ّ‬
‫فإن ما يكتب على هذه الصفحة البيضاء‬
‫من الصعب أن يمحي وإن ما يكتب ستكونون أول من يجني ثماره إن خيراً فخير‪ ،‬وإن شراً فشر !!‬

‫كالعود يسقي الماء في غرسه‬ ‫وإن من أدبتـه في الصبا‬

‫(‪)140‬‬
‫بـعد الذي أبصرت من يبسه‬ ‫حتى تراه مؤنقا ناضـراً‬

‫المؤسسات التعليمية‪:‬‬ ‫‪1.10.2‬‬

‫إن مسئولية المؤسسات التعليمية المختلفة تتكامل وتتناغم مع المشوار التربوي الذي كانت بدايته من‬
‫داخل محيط األسرة ال تختلف عنه وال تحيد الن الغاية من هذه المؤسسات التربية والتنشئة قبل‬

‫‪- 138‬مختصر صحيح مسلم – حديث رقم ‪1001‬‬


‫‪ - 139‬سورة الرعد – اآلية (‪)11‬‬
‫‪ - 140‬اإليضاح في علوم البالغة – للخطيب القزويني – ص ‪173‬‬

‫‪61‬‬
‫المقدمة‬

‫التعليم وما ذلك إال ّ‬


‫ألن التعليم من غير تربية يصبح معول هدم ال بناء‪ ،‬الن القرآن بدون إيمان ال‬
‫يقوّم سلوك وال ّ‬
‫يهذب أخالق ‪ ،‬ويكون نقمة بدالً من أن نعمة ‪.‬‬

‫إن التعليم من غير تربية قد يكو سببا ً في الفتن وفي الجريمة وتطورها كما قال الرئيس األمريكي‬
‫األسبق ( إن الرجل الذي ال ينال حظه من التعليم قد يسرق عربة قطار أما الذي استوفي حظة من‬
‫التعليم فقد يسرق القطار كله ) فالتربية أساس للتعليم حتي نضمن الثمار المرجّوة من التعليم وإال‬
‫فإننا نقول كما قال الرئيس األمريكي األسبق الذي ال ينال حظه من التعليم يكتفي بالقليل في إشباع‬
‫شهوته وقضاء لذته أما الذي يستوفي حظه من التعليم فقد يتطور ويتوسع في الجريمة وهتك‬
‫أعراض النساء ودليالً على ذلك فإن تطور وسائل الجريمة وتفشيها نجده في أكثر البلدان تحضّراً‬
‫وتم ّدنا ً وبين أوساط أكثر شرائح المجتمع تعليما ً ‪.‬‬

‫لقد ُوجد من يستخدم آخر مستحدثات المدنية – كاميرا‪ - digital‬ويس ّخرها في هتك أعراض الفتيات‬
‫‪ ،‬وقد كنت أقلب في سجالت الهاتف المحمول – الموبايل – ألحد الذين وصلوا المرحلة الجامعية‬
‫في التعليم ولقد وجدت أن ذاكرة الهاتف تعج بأفالم الجنس !! ويكفي هذه ثمرة من ثمرات التعليم‬
‫من غير تربية‪.‬‬

‫إن مناهجنا الدراسية التي تدرس حاليا ً بالمدارس متخلفة عن التطور الثقافي المنجرف الي الفاحشة‪،‬‬
‫فهي ال تعالج هذه القضايا – الثقافية واالجتماعية – التي يعايشها مجتمعنا اإلسالمي اليوم وال‬
‫تواكب سيل التيار الجنسي الذي أوشك أن يعم فساده األسر المسلمة‪.‬‬

‫لقد اطلعت على المناهج – وغيرها من ذات االختصاص – في المرحلة الثانوية ومرحلة األساس ‪،‬‬
‫فلم أجد منهجا ً يعالج قضية ضبط الشهوة الجنسية تق ّر به العين وينشرح له الصدر ويهدأ به‬
‫الخاطر ‪ ،‬لم أجد ما يشفي العليل ويريح الصدور ويزيل الغيوم التي تراكمت – وستتراكم – في‬
‫قلوب طالب هذه المرحلة ‪.‬‬

‫إن أول الخطوات التي يبدأ بها الطبيب في عالج مريضه هو تشخيص المرض ثم بعد ذلك يصف له‬
‫الدواء الذي به يزال المرض‪ ،‬ثم ال يكتفي بذلك بل يبيّن للمريض كيفية استعمال الدواء‪.‬‬

‫فمشكلتنا تكمن في أن وسيلتنا في عالج قضايانا االجتماعية – وغيرها – غالبا ً ما تتوقف عند‬
‫التشخيص للمشكلة ونظل ندور حول خطرها وتأثيرها السلبي وأضرارها وغيرها‪ ،‬أما أن نعطي‬
‫الدواء والعالج لها فهذا نادراً وأما أن نصف كيفية استعمال الدواء فهذا ما ال وجود له في األصل ‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫المقدمة‬

‫إن الطالب في هذه المراحل الدراسية يكون مفترق الطرق التي يحتاج الي من يبين له بصدق‬
‫الطريق الواقي واآلمن‪ ،‬ويأخذ بيده إليه في حكمة واقتدار وما ذلك إال للواقع المختلف الذي يعايشه‬
‫عما يجده مسطوراً عنده في الكتب ‪.‬‬

‫ومع ذلك فإن إيجاد المنهج الواقي الكافي يمثل نصف المشوار أما النصف اآلخر فيمثله من يقوم‬
‫بعرض وتقديم المنهج ومحتواه وقد يكون المنهج سليما ً وواقيا ً ووافيا ً وتكون الرتابة والملل وسوء‬
‫العرض للطالب هو السمة الغالبة‪ ،‬فحينئذ تكون الخسارة الكاملة وذلك للفشل في الغرس الجيد‬
‫للبذور‪.‬‬

‫لذا فإن فشل النصف الثاني أمر حتمي لفشل النصف األول‪ ،‬ويمثل ضمان نجاح النصف الثاني –‬
‫سالمة عرض وتقديم المنهج – باإليمان بمحتوي المنهج‪ ،‬وذلك ألننا حينما يقل إيماننا بقضية معينة‬
‫– أو ينعدم – يصبح عرضنا إليها باهتا ً ورتيبا ً ال يمس شغاف قلوب من نتحدث إليهم ‪.‬‬

‫من هنا فإننا نقول‪ :‬أن يواكب المنهج الدراسي قضايا ومشكالت الواقع أمر واجب‪ ،‬وأوجب منه أن‬
‫نوجد من يحسن فن العرض والتقديم لهذا المنهج للطالب وإال فقدنا الواجب وما أوجبه‪.‬‬

‫المسجد‪:‬‬ ‫‪1.10.3‬‬

‫ال شك أن للمسجد رسالة عظمي ودور كبير في البناء العقدي واالجتماعي السليم في حياة المسلم‬
‫عبر ما يقوم به من تربية وتزكية ألفراد المجتمع المسلم من خالل الخطب والدروس المواعظ‬
‫المستمرة التي تعمل على إزكاء روح اإلسالم في قلب المسلم‪ ،‬وخلق التواصل الرسالي بما يقوم به‬
‫من رب ٍط ألفراد المجتمع المسلم بعضهم بعضا ً وهذا يحتم علينا جعل المسجد أكثر جاذبية لهم من‬
‫خالل ما يتبناه من قضايا المجتمع المسلم واإلسهام الفاعل في إيجاد الحلول لها حتي يتحقق البناء‬
‫االجتماعي السليم على أساس من تقوي هللا تعالي ورضوانه ‪.‬‬

‫وقد كان مسجد الرسول صلي هللا عليه وسلم بؤرة تشع منها قضايا الدعوة واالجتماع والسياسة‪،‬‬
‫ويتم فيه تجييش الجيوش ومناقشة أمور السلم والحرب ‪ ،‬وينصّب فيه الخليفة وأخذ البيعة له ويأوي‬
‫إليه من ال مأوي لهم من أهل الصفة ‪.‬‬

‫إن مساجدنا اليوم قد تقاصرت دون هذا الدور المنوط بها فباتت تعني فقط بأمور العقيدة في إطارها‬
‫الضيق وحسب ولم تبرح معظم القضايا التي يتم تناولها على المنابر فروع اإلسالم التي تنصب‬
‫حولها المعارك وتركت القضايا األهم واألخطر ذات التأثير السلبي العميق على المجتمع للهوي‬

‫‪63‬‬
‫المقدمة‬

‫والشيطان ولدعاة الحرية والفوضى ليقولوا قولهم ويح ّكموا فينا رأيهم مع العلم بحكمهم (ويريد الذين‬
‫يتبعون الشهوات أن تميلوا ميال عظيما )(‪. )141‬‬

‫وها أنا ذا في العقد الثالث من عمري لم تتاح لي الفرصة يوما ً أن استمع الي خطيب أو داعية تحدث‬
‫عن تهذيب اإلسالم للشهوة الجنسية عبر المنابر أو ضبطها‪ ،‬وال أدري هل لعدم أهمية هذا االمر‬
‫عند اإلخوة الدعاة واألئمة ؟ لتجاهلهم – دون قصد – لهذه القضية؟ أم بدعوي عدم خطورتها على‬
‫المجتمع ؟ أم لعدم اإلحساس الحقيقي بها ؟؟ أم ‪ ...... /‬أم ‪ .......‬أم ‪........‬‬

‫اإلعالم‪:‬‬ ‫‪1.10.4‬‬

‫لقد أصبح دور اإلعالم أهم وأعظم من أي وقت مضى لما نعايشه من ثورة اإلعالم – وعلى رأسها‬
‫الفضائيات – التي اقتحمت علينا دارنا ‪ ،‬وتنبع هذه األهمية من خالل أن اإلعالم أشد األسلحة فتكا ً‬
‫باألمة وأمضاه إن استخدم للترويج لألفكار السيئة واألخالق المنحرفة خاصة عبر أجهزة اإلعالم‬
‫المرئية وذلك للتأثير السلبي المباشر والسريع من خالل مشاهد العرى التي تعمد على بثّها هذه‬
‫الفضائيات خاصة وإن العالم يشهد صراع للحضارات التي باتت كل حضارة ترى لنفسها العلو عن‬
‫غيرها فتبث سمومها عبر الفضائيات وغيرها والتي أصبح من السهولة مشاهدتها ثم إن لإلعالم‬
‫الدور الكبير في تشكيل وصياغة األمم واألفراد عبر ما يبثه من قيم ومعانى وأخالق لألمم ‪.‬‬

‫إن الدور المنوط بأجهزة اإلعالم في هذه االمة على اختالفها – المرئية والمسموعة والمقروءة –‬
‫هو التفنن في عرض اإلسالم على اآلخرين ممن ساءت صورة اإلسالم في أنظارهم – عن عمد أو‬
‫دون عمد – وإبرازه في ثوبه األصيل وصورته الجميلة التي تدعو اآلخرين على اإلقبال عليه فإن‬
‫ينشر في بعض البلدان إال بعرض خاّل ب جاذب من التجار المسلمين‪.‬‬

‫(ولو أحسن عرض اإلسالم على الناس ألمكن به حل كافة المشكالت وألمكن تلبية الحاجات‬
‫االجتماعية والروحية والسياسية للذين يعيشون في ظل الرأسمالية والشيوعية على السواء‪ ،‬فقد فشل‬
‫هذان النظامان في حل مشكالت اإلنسان ‪ ،‬أما اإلسالم فسوف يقدم السالم لألشقياء واألمل والهدي‬
‫للحياري والضالين ‪ ،‬وهكذا فاإلسالم لديه أعظم اإلمكانات لتحدي هذا العالم وتعبئة طاقات اإلنسان‬
‫( ‪)142‬‬
‫لتحقيق أعلى مستوي من اإلنتاج والكفاية )‬

‫السلطات التشريعية‪:‬‬ ‫‪1.10.5‬‬

‫‪ - 141‬سورة النساء – اآلية (‪)27‬‬


‫‪ - 142‬قالوا عن اإلسالم – إعداد الدكتور عماد الدين خليل – ص‪443‬‬

‫‪64‬‬
‫المقدمة‬

‫إن اإلسالم يهدف الي إقامة مجتمع نظيف‪ ،‬ال تهاج فيه الشهوات وال مجال فيه لتلبية ما ساء من‬
‫الرغبات‪ ،‬مجتمع يعلو فيه صوت الحق وتسود فيه أجواء الفضيلة ‪ ،‬وتفيض فيه ينابيع الصالح ‪،‬‬
‫وتنمو فيه بذور الخير ‪.‬‬

‫إن وسيلة اإلسالم لبلوغ هذا المناخ االجتماعي هو النفس البشرية عبر التربية والزكية التي تع ّمق‬
‫فيها المراقبة اإللهية والخوف الرباني قبل مراقبة القانون وخوف السلطات‪ ،‬وتسمو بالضمير‬
‫اإلنساني عن لوثات المعاصي ومزالق األماني الباطلة ومسالك الشيطان الطائشة‪.‬‬

‫ولكن من المؤكد ان بعض الخطوات قد تتعثر وتتباطأ في هذا الطريق من بعض من ّ‬


‫شذ من‬
‫المجتمع الذين يتعمدون الرعي حول الحمي‪ ،‬وغيرهم منال‪1‬ين يضلون عن هذا الطريق ويخطئون‬
‫في الوصول إليه ثم يتوبون من قريب‪ ،‬إن منهج اإلسالم في الحفاظ على سالمة المجتمع اإلسالمي‬
‫من أن تشوب صفائه طائفة من أمثال هؤالء هي الحدود والقوانين التي تشرّع وتسن حتي تقبع‬
‫المنحرفين وتكسر شوكة الضالين عن الطريق – عن عمد ودون عمد – ليثوبوا الي رشدهم ‪ ،‬فإنه‬
‫من لم يكن وازعه ضميره ونفسه يكن السلطان له وازع وضمير ‪.‬‬

‫من هنا كانت مسئولية السلطات المختصة في ّ‬


‫سن القوانين – المجالس التشريعية – التي لم يكن‬
‫للقرآن والسنّة فيها قوالً وتُ ِرك فيها – عمداً – لجهات االختصاص حتى تتماشي مع الجريمة تطوراً‬
‫وتوازنا ً وذلك ألن الغاية من القوانين والحدود هي ردع المجرم نفسيا ً وبدنيا ً حتي ال تكن قابلية‬
‫االقتراف مرة أخري‪.‬‬

‫لقد تطورت الجرائم المتعلقة بالشهوة الجنسية وفقا ً للتطور الملحوظ في وسائلها ودليالً على ذلك‬
‫فمن شواهد الواقع نحكي حقيقةً ال وهماً‪ ،‬أن أحدهم كان يخبّئ الكاميرا الرقمية في مكان يعلمه هو‬
‫وال تعلمه فريسته ‪ ،‬ثم يستدرج فريسته الي موقع الكاميرا وبعدما يفعل فعلته النكراء يصبح ما تم‬
‫تسجيله عبر الكاميرا استغالال وإزالالً لها لضمان مواصلة ارتكاب فعلته واستخدامها في تجارة‬
‫بعض األعمال الممنوعة وذلك مقابل الدليل والبرهان الذى يملكه عليها والذى يزعم لها بأنه سيقدمه‬
‫ألهلها إن هي رفضت معه تكملة المشوار !!!‬

‫إن الذي نو ُّد أن نشير إليه ونتمنى أن يراعي عند وضع التشريعات التي تح ُّد من الجريمة هو أن‬
‫الل ِّذة حينما تصبح أكبر من العقوبة ال يبالي المعاقب بعقوبته ويصبح عنده هوان العقوبة وحقارتها‬
‫تشجيعا ً القتراف ما عظم من اللذة‪ ،‬ألن العقوبة شرطا ً فيها المثلية أي تكون بمثل ما تم اقترافه من‬

‫‪65‬‬
‫المقدمة‬

‫تع ٍّد على حقوق اآلخرين (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به )(‪ )143‬وإال كان االستخفاف بالعقوبة‬
‫سببا ً قي االعتداء على اآلخرين ‪.‬‬

‫‪ - 143‬سورة النحل – اآلية (‪)26‬‬

‫‪66‬‬
‫الباب الخامس‪ :‬الخاتمة‬

‫الفصل الثاني‪ :‬التوصيات‬ ‫‪1.11‬‬

‫العلماء‪:‬‬ ‫‪1.11.1‬‬

‫‪ -1‬التحديث والتجديد في أساليب الخطاب الدعوي وعرض اإلسالم على اآلخرين في صورة‬
‫جذابة حتى يواكب حاجات العصر‪.‬‬
‫‪ -2‬توحيد الجهود لالهتمام بأمر الدعوة من خالل التركيز على القضايا الجوهرية التي يعاني‬
‫منها المجتمع المسلم‪.‬‬
‫‪ -3‬السعي إلعطاء الحلول العلمية من يعد تشخيص العلل وعدم االكتفاء بالوعظ فقط‪.‬‬
‫‪ -4‬التأكد من توصيل رسالة اإلسالم وفق عرضها الصحيح لجميع أفراد المجتمع المسلم وتيسير‬
‫وسائط التوصيل‪.‬‬

‫الدولة‪:‬‬

‫‪ -1‬تطوير المناهج الدراسية حتي تواكب القضايا االجتماعية وخاصة قضايا ثورة الجنس‪.‬‬
‫‪ -2‬تطوير األحكام التشريعية حتى تتماشي مع الجريمة وتطورها‪ ،‬وإيجاد وسائل الرقابة الكافية‬
‫مع تطبيقها‪.‬‬
‫‪ -3‬االهتمام بالشباب من خالل تفجير طاقاتهم فيما يعود عليهم وعلى أمتهم بالحير والنماء‪.‬‬
‫‪ -4‬العمل على فرض مناخ العفّة من خالل ضبط الشارع العام‪.‬‬
‫‪ -5‬إيجاد الوسائل العلمية العاجلة لمحاربة انتشار أفالم الجنس‬
‫الباب الخامس‪ :‬الخاتمة‬

‫الباب الخامس‪ :‬الخاتمة‬


‫إن الشهوة الجنسية فطرة فطرها هللا فينا وأراد لها أن تكون مستقرة هادئة غير مستثارة – الي أجل‬
‫معلوم – لضمان االستقرار النفسي والعقلي ولسالمة الطاقات اإلنسانية األخرى من االختالل‪،‬‬
‫ولضمان المتعة واللذة االكبر عند الزواج لتحقيق مستوي أكبر من المودة والسكن في اإلطار الذي‬
‫خلقه هللا لها بالزواج ‪.‬‬

‫أما أن تستثار من قبل إحدى المثيرات او يقودنا احد لتلبية رغبتنا الجنسية بطريقة منحرفة أو يعمل‬
‫على إثارتها فكل ذلك إرادة للشر لنا ال الخير‪.‬‬

‫فإذا كانت الغاية من اإلثارة بطرقها المختلفة الشر ال الخير توجّب علينا أن نع ّمق في نفوسنا هذا‬
‫الشر الذي يراد بنا حتي تتبدل نظرتنا إليه وتعاملنا معه على سبيل الكره والبغض له ال الحب‬
‫واالغترار به‪ ،‬وحينها من المحقق أن تنحو أقدامنا عن سبيله ويصرف تفكيرنا عن طريقه ويغدو في‬
‫نظرنا أسفه ما يكون شكالً وأغتم ما يكون منظراً وبذلك ال ينجح أحد في إثارة شهوتنا ألن الكره‬
‫والبغض محطة تنحسر عندها األعمال وتنعدم ‪.‬‬

‫وآخر االمر – وأوله – يجب أن تجعل هللا لك عونا ً في صرف السوء عن وذلك بااللتجاء إليه‬
‫تضرعا ً وشكوى (وإاّل تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين) (‪ ،)144‬فإنه سبحانه‬
‫وتعالي وحده المستعان وإليه الملتجئ ( فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم )‬
‫(‪ ، )145‬فإنه إن فاتك تأييد هللا لك فاتك كل شيء فبه المبتدأ وإليه المنتهي وال حول وال قوة إال به ‪.‬‬

‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‬

‫‪ - 144‬سورة يوسف – اآلية (‪)33‬‬


‫‪- 145‬سورة يوسف اآلية (‪)34‬‬
‫المقدمة‬

‫المراجع‪:‬‬
‫القرآن وعلومه‪:‬‬

‫‪ -1‬األساس في التفسير – سعيد حوي – دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع – الطبعة األولي‬
‫‪ – 1985 -1405‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -2‬البحر المحيط في التفسير – لمحمد بن يوسف الشهير بأبي حبان األندلسي القرناطي – دار‬
‫الفكر للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت – لبنان – ‪1412‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬في ظالل القرآن – سيد قطب – الطبعة الشرعية الرابعة والعشرون – ‪1995 – 1415‬م –‬
‫دار الشروق – بيروت‪.‬‬

‫كتب الحديث‪:‬‬

‫‪ -1‬مختصر صحيح البخاري – المسمى التجريد الصريح ألحكام الجامع الصحيح – تأليف اإلمام‬
‫زين الدين أحمد بن عبد اللطيف الزبيدي – دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان – الطبعة‬
‫األولي ‪1415‬هـ ‪1994 -‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬مختصر صحيح مسلم – للحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري – تحيق محمد ناصر الدين‬
‫األلباني – مكتبة المعارف للنصر والتوزيع – الطبعة الثالثة للطبعة الجديدة ‪1416‬هـ ‪-‬‬
‫‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬سنن ابن ماجه – طبع في شركة الطباعة العربية السعودية (المحدودة ) – الطبعة الثانية –‬
‫‪1404‬هـ ‪1984 -‬م ‪.‬‬
‫‪ -4‬سنن النسائي – لإلمام أبي عبد الرحمن ابن شعيب النسائي – تخريج وترقيم وضبط صدقي‬
‫جميل العطار – دار الفكر – بيروت لبنان – الطبعة الثانية – ‪1421‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫‪ -5‬بلوغ المرام من جمع أدلة األحكام – للحافظ ابن حجر العسقالني – مكتبة الصفا – الطبعة‬
‫األولي – ‪1425‬هـ ‪2005 -‬م‪.‬‬
‫‪ -6‬الداء والدواء – البن قيم الجوزية – مكتبة الصفا – الطبعة األولي – ‪1422‬هـ ‪2002 -‬م‪.‬‬
‫‪ -7‬الفوائد – لشمس الدين أبي عبد هللا محمد ابن قيم الجوزية – تحقيق خالد بن محمد بن عثمان‬
‫– مكتبة الصفا – الطبعة األولي ‪1423‬هـ ‪2002 -‬م‬
‫‪ -8‬رياض الصالحين من كالم سيد المرسلين – تأليف اإلمام أبي زكريا يحي ابن شرف النووي‬
‫الدمشقي – تحقيق محي الدين مستو – دار ابن كثير – دمشق بيروت – الطبعة الرابعة –‬
‫‪1412‬هـ ‪1991 -‬م‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫المقدمة‬

‫‪ -9‬منهاج المسلم – فضيلة السيخ أبوبكر جابر الجزائري – الناشر – مكتبة العلوم والحكم‪،‬‬
‫توزيع مكتبة الصفا – الطبعة األولي ‪1423‬هـ ‪2002 -‬م ‪.‬‬
‫‪ -10‬إحياء علوم الدين – تصنيف اإلمام أبي حامد بن محمد بن محمد الغزالي – تحقيق سيد‬
‫إبراهيم بن صادق بن عمران – دار الحديث – القاهرة ‪1414‬هـ ‪1994 -‬م‪.‬‬

‫كتب متفرقة‪:‬‬

‫‪ -1‬اإلنسان بين المادية واإلسالم – محمد قطب – دار الشروق – القاهرة ‪1415‬ه – ‪1995‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬اإلسالم والمشكلة الجنسية – دكتور مصطفي عبد الواحد – دار االعتصام‬
‫‪ -3‬سلوك اإلنسان بين الجريمة ‪ /‬العدوان ‪ /‬اإلرهاب – أ‪ .‬د‪ .‬عبد المجيد سيد أحمد منصور –‬
‫أ‪.‬د‪ .‬زكريا أحمد الشربيني _دار الفكر العربي – الطبعة األولي ‪1423‬هـ‪2003 -‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬أخالقيات العولمة – دراسة في آليات التشيؤ وسلعنة اإلنسان – د ‪ /‬محمد أنور – مركز‬
‫المحروسة للنشر والخدمات الصحفية والمعلومات – الطبعة األولي ‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ -5‬الوقت عمار أو دمار –إعداد جاسم محمد بدر المطوع – تقديم جاسم بن محمد مهلهل – دار‬
‫الدعوة للنشر والتوزيع – الكويت –الطبعة السابعة – ‪1991‬م‪.‬‬
‫‪ -6‬تربية األوالد في اإلسالم – عبد هللا ناصح علوان – دار السالم للطباعة والنشر والترجمة –‬
‫الطبعة الحادية عشر ‪1412‬هـ ‪1992‬م – الجزء األول‪.‬‬
‫‪ -7‬اإليضاح في علوم البالغة – للخطيب القرويني – دار الكتاب العربي – بيروت لبنان –‬
‫الطبعة األولي ‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ -8‬منهج التريبة اإلسالمية – الجزء الثاني – محمد قطب – دار الشروق – ‪1415‬هـ ‪1995-‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬خلق المسلم – محمد الغزالي – الطبعة األولي – ‪1987‬م – جميع الحقوق محفوظة لدار‬
‫الريان للتراث – القاهرة‪.‬‬
‫‪ -10‬اإلسالم والجنس – فتحي يكن – مؤسسة الرسالة – الشركة المتحدة للتوزيع – بيروت‪.‬‬
‫‪ -11‬المرشد الحديث في التوعية الصحية – الدكتور ماهر بشاي‪ ،‬والدكتور‪ :‬هارولد شرايوك‬
‫باالشتراك مع لجنة األطباء االختصاصيين – دار الشروق األوسط للطبع والنشر –‬
‫بيروت لبنان – الطبعة األولي ‪1986‬م ‪.‬‬
‫‪ -12‬طاقة الحياة – عالي براون – تعريب ‪ /‬أحمد العمري – مكتبة العبيكان – ‪1424‬هـ ‪2003 -‬م‬
‫– الطبعة العربية األولي‪.‬‬
‫‪ -13‬قالوا عن اإلسالم – إعداد الدكتور – عماد الدين خليل – الندوة العالمية للشباب اإلسالمي –‬
‫المملكة العربية السعدية – الطبعة األولي – ‪1410‬هـ ‪1990 -‬م‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫المقدمة‬

‫البحر الرائق في الزهد والرقائق الجزء الثاني – جمع وترتيب أحمد فريد – لجنة مسلمي أفريقيا –‬
‫الكويت – من دون طبعة‬

‫‪71‬‬

You might also like