You are on page 1of 112

‫اعترافات نفسية‬

‫ال يجوز نرش هذا الكتاب أو أي جزء منه بأي شكل من األشكال أو نسخ مادته بطريقة‬
‫االسرتجاع‪ ،‬أو نقله على أي نحو بطريقة إلكرتونية أو بالتصوير أو ترجمته إلى أية‬
‫مقدما‪.‬‬
‫ً‬ ‫لغة أخرى دون الحصول على موافقة النارش واملؤلف‬

‫‪All Rights Reserved. No part of this publication may be reproduced, stored in a‬‬
‫‪retrieval system, or transmitted, in any form or by any means, electronic, mechanical,‬‬
‫‪photocopying, recording, or otherwise, without the prior written permission of‬‬
‫‪Bibliomania Ltd.‬‬

‫الكتاب‪ :‬اعرتافات نفسية‬ ‫❖‬


‫املؤلف‪ :‬محمود عبد الستار‬ ‫❖‬
‫نوع العمل‪ :‬رواية‬ ‫❖‬
‫الطبعة األولى ‪ 1443‬هـ ‪ 2021 -‬م ‪ -‬القاهرة‬ ‫❖‬
‫النارش‪ :‬ببلومانيا للنرش والتوزيع – مص‬ ‫❖‬
‫رقم اإليداع‪2021 / 26571 :‬‬ ‫❖‬
‫الرتقيم الدولي ‪978 – 977 – 994 – 287-0 :ISBN‬‬ ‫❖‬
‫الرقم الكودي في ببلومانيا‪b21l20 :‬‬ ‫❖‬
‫مدير عام‪ :‬جمال سليمان ‪ -‬مدير إداري‪ :‬ديانا حمزة – مدير تنفيذي‪ :‬محمد جالل‬ ‫❖‬
‫العنوان‪ :‬عنوان (‪ 15 :)1‬شارع السباق – مول املرييالند – مرص الجديدة‬ ‫❖‬
‫‪ 29‬شارع الكمال – األمريية – القاهرة‬ ‫عنوان (‪:)2‬‬
‫تليفاكس‪002026064518 - 002026337855 :‬‬ ‫❖‬
‫محمول‪00201210826415 – 00201030504636 – 00201208868826 :‬‬ ‫❖‬
‫صفحة الدار على موقع فيسبوك‪https://www.facebook.com/bibliomania.eg/ :‬‬ ‫❖‬
‫املوقع اإللكرتوني‪www.bibliomaniapublishing.com :‬‬ ‫❖‬
‫اعترافات نفسية‬

‫رواية‬
www.bibliomaniapublishing.com

2021
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫إهداء‬

‫ْأهدي ر َ‬
‫وايت‪..‬‬ ‫ِ ِ‬
‫إىل َمن أحبهم؛ ألنهم ّ‬
‫عمروا األرض‪ ..‬إىل المنتجي‪ ،‬إىل ر‬
‫البش‬
‫فمن ال ينتج يموت ً‬
‫جوعا‪.‬‬ ‫جميعا؛ فليس هناك إنسان ال ينتج‪َ ،‬‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ون عائلي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫إىل كل َ‬
‫الب رش‪ ،‬وال أستثت َ‬
‫المعولي؛ فغدا سيصي‬

‫ْ‬
‫الم َي ِجب أن يقال‬ ‫َك ٌ‬
‫َ ٌ‬
‫ك ِل َمة ِل َم ْن َر َحلوا‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ُ‬
‫ل ْو ل ْم ت ْر َحلوا أل ْب َع َدك ْم َع ْن َح َي ِات َع ِامل النظافة‪.‬‬
‫***‬
‫كلمة إىل زوجت المستقبلية‪ ،‬وابت المستقبل‪:‬‬
‫يا حبيبت‪ ،‬ارفع من شأت؛ فزوجة األمي أمية‪.‬‬
‫فوقك فيى النجوم؛ بل أريد ْأن َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫تنظر‬ ‫يا بت‪ ،‬ال أريدك أن تنظر‬
‫َ‬
‫النجم‬ ‫تصي َن ً‬
‫جما؛ بل أريد‬ ‫َ‬ ‫النجوم فوقها فياك‪ .‬ال أريدك أن‬
‫كن ً‬
‫كريما ف كل رش ٍء باستثناء وقتك؛‬ ‫يتمت أن يكون أنت‪ْ .‬‬
‫حذرا؛ فعل هذا الكوكب‬ ‫ً‬ ‫فقيمة المرء ف قيمة وقته‪ْ .‬‬
‫كن‬ ‫ِ‬
‫المتحرك ال يوجد رشء ثابت‪ ،‬حت األشخاص والمشاعر‪.‬‬

‫||| ‪5‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫مقدمة‬

‫لغز ال يعنيت حله؛ إنت ِإن انتقدت المرأة وأنا ال أعرفها‬ ‫المرأة ٌ‬
‫لضحكوا مستهزئي‪ ،‬قائلي‪ :‬إنه ينتقد ما ال يعرفه‪ .‬ولو‬
‫ّ‬
‫انتقدتها وأنا أعرفها لقالوا‪ :‬ال شك ف أنه خدع من امرأة‪ .‬ولو‬
‫ُ َ‬
‫قلت لهم‪ :‬إت لم أخدع من امرأة‪ ،‬لقالوا‪ -‬مهاجمي‪ :-‬أتنتقد‬
‫َ‬
‫المرأة دون أن يحدث منها ما يست إليها؟! إن هذا جوهر‬
‫َ‬
‫االفياء‪ .‬عل كل حال‪ ،‬سواء حدث من المرأة ما يست إليها أو‬
‫أنت الخاس‪.‬‬ ‫يحدث ال تنتقد المرأة ألنك حينها َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫لم‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫تجميل حياة الرجل أو تقبيحها‪ ،‬ال‬ ‫إن المرأة ه َمن تستطيع‬
‫جمال حياة الشخص هو ذاته‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أنكر أن المسئول األول عن‬
‫ً‬ ‫لكن رس َيكه يساعده ويقويه‪ ،‬فيجعل حياته َ‬
‫أكي جمال‪ ،‬كما‬
‫ّ‬ ‫أيامه َ ً‬ ‫أنه قد يجعل َ‬
‫كانت الرواية تتحدث عن‬ ‫أكي قبحا‪ .‬ولما ِ‬
‫أشخاص غي سويي حيث تكلمت فيها عن الرجل غي‬
‫َ‬ ‫السوي‪ ،‬وكذلك المرأة غي ال ّ‬
‫سوية‪ ،‬فعندما تذكر المرأة بسوء‬
‫سويات‪ّ ،‬أما عن النساء‬ ‫غي ال ّ‬
‫ف روايت فأنا بكل تأكيد أقصد َ‬
‫فهن الجميالت المجمالت للحياة‪ ،‬لكن ليس كلهن؛ فالخيانة‬
‫ٌ‬
‫قبيحة للغاية‪ ،‬وبقدر فيضان الحب من الطرف الوف يفيض‬
‫القلب أ ًلما‪ ،‬وأما الخيانة فتحدث من الرجل والمرأة عل‬
‫َ‬
‫السواء‪ ،‬فالخيانة لن أصنفها بأنها طبيعة إنسانية؛ بل ه‬

‫||| ‪6‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫َ‬
‫طبيعة وجودية‪ .‬كما أن الوع ليس هو اللعنة الحقيقية؛ بل‬
‫الوجود‪ ،‬فكل الكائنات تتألم‪ّ .‬‬
‫ولما كان اإلنسان أنانيا بطبعه‬
‫فإننا نجده يلعن ما يخصه‪ ،‬عل كل حال كل األنوار لها ظل‪،‬‬
‫فالوع له ظل عل ذلك‪.‬‬

‫||| ‪7‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫بوح عقل‬

‫بصدري َ‬ ‫ْ‬
‫أمام التدوين بما كان فيه‪ ،‬ومازال‬ ‫احمت التفاصيل‬
‫تز ِ‬
‫عليه‪ ،‬من تفاصيل لنني الشتات‪ ،‬وعل هللا اإلنبات‪ .‬وبعد‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فصباح الخي أيها العالم‪ ،‬رفقا بأهلك‪ ..‬رفقا بالفقراء والجوع‬
‫بتلون‬‫والعطش والعاشقي؛ فجميعهم م ْ‬ ‫ر‬ ‫والحيى والمرض‬ ‫ْ‬
‫رغم الليل‪ -‬عل كل الحيارى‬ ‫َ‬ ‫بالحرمان‪ .‬صباح الخي‪-‬‬
‫والتائهي‪ ،‬المنكشة قلوب هم‪ ،‬هللا هو نوركم الحقيق عل‬
‫َ‬ ‫انطفائكم‪ .‬ر‬
‫تشق الشمس بأمر هللا فيعم النور‪ ،‬واآلن حان‬
‫وقت البوح‪ ..‬أعيف أنا الدكتور جالل بن محمد‪ ،‬المتخصص‬
‫ً‬
‫عن المرض الذين‬ ‫ف الطب النفش أنت ال أقل مرضا ِ‬
‫بنس ٍب متفاوتة‪ ،‬والمستشق النفش‬ ‫أعالجهم‪ ،‬فكلنا مرض َ‬
‫َ ْ‬
‫ومن ينج ِمن‬ ‫عالم كبي اسمه الحياة‪،‬‬ ‫من‬ ‫صغي‬ ‫ما هو ّإل ٌ‬
‫جزء‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫مرض ظاهر ال بد أنه ابتل بمرض خق‪ ،‬وحت المرض الذي‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫مرض خامل يمكن استثارته‪.‬‬ ‫نجا منه ما هو إل‬
‫ٌ‬
‫كما ال يوجد إنسان مهذب وإنسان غي مهذب بالمعت‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫صاحب مبدأ إل‬ ‫الحقيق‪ ،‬فاإلنسان بال مبدأ‪ ،‬أو إنه ال يصي‬
‫تحت ظروف معينة‪ ،‬فلو تغيت الظروف لتغي المبدأ‪ .‬ولو‬
‫ضغوط سيتقبل أشياء كان يرفضها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وضع اإلنسان تحت‬

‫||| ‪8‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ّ‬
‫وعنرصيون بطبعهم‪ ،‬حت َمن يقول‬ ‫ر‬
‫فالبش مرض بال مبادئ‪،‬‬
‫إنه ال فرق بي أبيض وأسود لي َ‬
‫ظهر أنه غي عنرصي‪ ،‬وأنه‬
‫البش إىل أبيض وأسود‪ ،‬ولو كان َ‬
‫غي‬ ‫نرص ر َ‬‫محايد‪ ،‬هو بذلك َع َ‬
‫َ‬
‫فرق بي ر‬
‫البش‪.‬‬ ‫عنرصي لقال ال‬
‫وف رأت أن الخالص من كل ذلك يكون ف معالجة الروح‪،‬‬
‫ورف الوع‪ ،‬فعندما نعالج الروح‪ -‬وه الجوهر‪ -‬سيختق‬
‫العرض وهو األثر المادي‪ .‬إن العقل ماض يلتهم المستقبل‬ ‫َ‬
‫حاضا‪ ،‬ومن ثم ال يجعلك تعيش اللحظة؛ فترصفاته‬ ‫ً‬ ‫فيجعله‬
‫والخيات السابقة‪ ،‬فالحاض يترصف فيه‬ ‫ر‬ ‫َم ْبنية عل الذاكرة‬
‫ً‬
‫ً‬
‫ماضيا‪،‬‬ ‫بترصف محكوم عليه م ْسبقا‪ ،‬ثم ال يلبث أن يصي‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫خية‪ ،‬لو أضاف جديدا فيحكم عل ما هو مثله أو ما‬ ‫ويصي ر‬
‫فنمرض‬ ‫َ‬ ‫شابهه‪ .‬هكذا يعيش العقل ف الماض المستمر‬
‫ْ‬
‫نفسيا؛ بسبب أن فكرة اإلحباط والكآبة صارت عل قواني‬
‫العقل الماض المستمر‪ ،‬والحل والخالص هو الخروج ِمن‬
‫َ‬
‫تختي الحدث‬ ‫هذه البوتقة‪ ،‬والرصد بدون حكم م ْسبق‪ ،‬فقط ر‬
‫كأنه جديد‪ ،‬فبالتاىل ستكتشف أن األشخاص أشياء جديدة‪،‬‬
‫وتتعلم أشياء جديدة‪ ،‬كما أن لكل رشء إيجابياته وسلبياته‪.‬‬
‫َ‬
‫الكون مبت عل االزدواجية‪ ،‬فالعقل أخذ ف حل المشاكل‬
‫حت صار هو َمن يبتكر المشاكل ويفيضها ليحلها‪ ،‬والطعام‬
‫الجسم ف أشياء ويرصه ف أشياء‪ ،‬بل الحياة نفسها بقاء‬ ‫َ‬ ‫يفيد‬

‫||| ‪9‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫النفس ف البناء‪ ،‬وتهدمها ف نفس‬ ‫َ‬ ‫وفناء‪ ،‬والذاكرة تفيد‬


‫ً‬
‫معلومات فتصل‪ ،‬وتكون‬
‫ٍ‬ ‫الوقت‪ ،‬فتكون أهدافا وتكون‬
‫ً‬
‫أحداثا سلبية وتشعر بنتائجها‪ ،‬وتستمر النتائج فتتوقف‬
‫عملية البناء‪ ،‬ويصاب اإلنسان باإلحباط والكآبة‪ ،‬والحل هو‬
‫تقبل هذه االزدواجية‪ ،‬وإدراك أن الخي فيما يحدث لنا‪ ،‬فلك‬
‫ا‬ ‫مشكلة يجب أن تعرف َ‬ ‫ً‬
‫سببها ك تستطيع حلها حًّل‬ ‫تحل‬
‫ً‬
‫صحيحا‪.‬‬
‫القي‪.‬‬ ‫َ‬
‫مزدوجة ه الحياة كالورد يزين طوق عروسة‪ ،‬ويكلل ر‬
‫ً‬
‫إن الظلم يولد الطاعة‪ ،‬لكنه أحيانا يولد الثورة‪ .‬الكفر‪،‬‬
‫السخط‪ ،‬الحنق‪ ،‬هذا بعض ما رباه ف الفقر والظلم واحتقار‬
‫الغي؛ فأنا ابن األب التعيس الفقي الديكتاتور‪ ،‬ابن األم‬
‫التعيسة المظلومة المضحية المقهورة‪.‬‬
‫توف أبوها‪ ،‬وتزوجت أمها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫لقد بدأت قصة حبهما عندما‬
‫فأخذتها عمتها ه وأخواتها البنات ليعاهن‪ ،‬وقد كانت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ماهرا ف لعب كرة القدم‪،‬‬ ‫ألت‪ ،‬حينها كان شابا‬
‫عمتها جارة ر‬
‫أمام ميله ف الشارع فياه أم‪ ،‬ومن هنا‬‫دائما ما يلعب َ‬
‫وكان ً‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫دعت‬ ‫عت هللا أن يكون من نصيبها‪ ،‬وليتها ما‬‫أعجبت به‪ ،‬ود ِ‬
‫َ‬
‫بأسباب هالكها؛ فاهلل يدعم عبده‪ ،‬ولعبده‬ ‫ِ‬ ‫وال أخذت‬
‫رص عل ر‬
‫الش ليفعله‪،‬‬ ‫للشير الم ّ‬
‫االختيار‪ ،‬فيعط الطاقة ر‬

‫||| ‪10‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫َ‬
‫ويعط الطاقة للخي المرص عل الخي ليفعله‪ ،‬ثم ف اآلخرة‬
‫سامحك هللا يا أم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫حساب‪..‬‬
‫تعرفت أم زينب عل دعاء‪ ،‬أخت محمد‪ ،‬الذي سيجعله‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫والعشين وأراد أن‬ ‫القدر رأت‪ .‬فعندما بلغ محمد سن السابعة‬
‫ّ‬
‫ييوج رشحت له عمت دعاء زينب؛ ألنها شعرت بحبها‬
‫غرفتي ومطبخ‬ ‫ْ‬ ‫تجاهه‪ ،‬وبالفعل تزوجها ف بيت مكون من‬
‫األكي خالد‪ ،‬وجالل الذي كان‬ ‫ودور خالء‪ ،‬وأنجبت زينب أخ ر َ‬
‫َ‬
‫ينقذ أسته من ْ‬
‫وحل الفقر‪ ،‬والذي كنت أتمت له‬ ‫يطمح بأن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صت‬ ‫أن ينجح وال يكون مثل خالد الذي عمل منذ صغره ر‬
‫َ‬
‫ميكانيك سيارات‪ ،‬وأخذ يعمل إىل أن بلغ الثالثي‪ .‬كما أخذ‬
‫َ‬
‫يساعدت حت وصلت لما أنا عليه‪ ،‬وضت أنادى بالدكتور‬
‫سعيدا ف ذات الوقت َ‬ ‫ً‬
‫رغم أنه يساعدت؛‬ ‫جالل‪ ،‬لكنه ليس‬
‫لدرجة‬ ‫متعلم وهو غي متعلم‪ ،‬وألنت وصلت‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حزين ألنت‬ ‫فهو‬
‫ٍ‬
‫عشين سنة ولم‬ ‫وهو ف الثالثي يعمل منذ ر‬ ‫علمية عالية َ‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫يستطع حت أن يزوج‬ ‫يستطع أن يصنع شيئا لنفسه‪ ،‬لم‬
‫نفسه‪.‬‬
‫يعتي‬ ‫نفسه الضحية؛ فاألب ر‬ ‫يعتي َ‬
‫مشكلة بيتنا أن كل واحد ر‬
‫نفسها ضحية الزوج‪ ،‬واألخ‬ ‫تعتي َ‬
‫نفسه ضحية أهله‪ ،‬واألم ر‬ ‫َ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫يعتي َ‬
‫نفسه ضحية أبيه وأخيه‪ ..‬فالمشكلة حلقة متصلة‬ ‫األكي ر‬ ‫ر‬
‫ألحد‪.‬‬
‫أعتي نفش ضحية ٍ‬
‫ببعضها‪ ،‬أما أنا فال ر‬

‫||| ‪11‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫يقولون إن العالم بشع؛ لذلك كان من الطبيع أن يكون نتاجه‬


‫بشعا‪،‬‬‫البشع لكت لست ً‬ ‫البشاعة‪ ،‬أما أنا فأعيش ف العالم َ‬
‫ألن طبيعت االبتهاج والشور‪ ،‬فأنا ىل عالم الخاص‪ ،‬وال أكره‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬
‫أحدا كما يكره أخ خالد الجميع‪ ،‬وخاصة رأت فهو بعيد عنه‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫مريض نفش‪ ،‬ما كان له أن‬ ‫ويكرهه كل الكره؛ ألنه ف نظره‬
‫ييوج؛ فالزواج مسئولية واإلنجاب مسئولية أخرى‪ ،‬وبعض‬
‫البش ال يستطيعون القيام بمهام المسئولية األوىل‪ -‬الزواج‪،-‬‬ ‫ر‬
‫البش ليسوا أكفاء للمسئولية الثانية‪ -‬اإلنجاب‪.-‬‬ ‫وأغلب ر‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫الحمد هلل الذي لم ْ‬
‫جوعا‪،‬‬ ‫يهب أم بنتا ألنها كانت ستموت‬
‫ٌ‬
‫ضنك العيش‪ ،‬فليس لها مكان ف بيتنا‬ ‫ِ‬ ‫أو تموت منتحرة من‬
‫الصغي الذي ال يمتلك فيه الفرد أدت حقوق الخصوصية‪،‬‬
‫ٌ‬
‫لدرجة أن الغرف ليس لها أبواب‪ ،‬فقط موضوع عل مدخل‬
‫ٌ‬
‫كل غرفة قطعة طويلة من القماش‪ ،‬ومالبسنا الت نرتديها من‬
‫التيعات‪ .‬أتذكر إحر َاج أصدقات ىل عندما كانوا يقولون ىل‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫لماذا ترتدي مالبس واسعة! وأتذكر قول األحمق عندما قاىل‬
‫ذات مرة وهو يضحك‪ ،‬ويشعر بخفة دمه‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫أنت لست من‬ ‫ِ‬ ‫ىل‬
‫ّ‬
‫مستوانا‪ .‬لم أشعر بنفش‪ -‬حينها‪ -‬إل بعد أن جعلت وجهه‬
‫حريصا عل مذاكرت‪ ،‬فليس من‬ ‫ً‬ ‫ييف ً‬
‫دما‪ ،‬لقد كنت‬
‫المعقول أن يجتمع الفقر وضعف المستوى الدراش؛ خيبة‬
‫ْ‬
‫لكن انتبه فنحن نعيش ف مجتمع متخلف‪،‬‬ ‫واحدة تكق‪ِ .‬‬
‫يغيظهم حبك للتعلم‪ ،‬يزعجهم اطالعك‪ ،‬تخيفهم ثقافتك‪،‬‬
‫||| ‪12‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ْ‬
‫تغضبهم الحقيقة‪ .‬سأقول لك الحقيقة ِ‬
‫لكن انتبه؛ الحقيقة‬
‫الوهم وتلتهمه‪ ،‬قول الحق ليس مرا فحسب؛ بل‬ ‫َ‬ ‫نار تحرق‬‫ٌ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫الناس ف الدنيا كما ترهبهم‬ ‫موج ٌع مخيف مفزع‪ ،‬نار ترهب‬
‫هو ِ‬
‫نار اآلخرة‪.‬‬
‫لقد كان أت يرصبت عندما يعلم أت رسحت ألصدقات ً‬
‫درسا ال‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫يفهمونه‪ ،‬بحجة أنه سيصي مستواهم أعل مت لو فعلت‬
‫مرض إنسات‪ ،‬كلنا مرض به لكن بطرق‬ ‫ٌ‬ ‫ذلك؛ فالحقد والغية‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫مختلفة‪ ،‬وكلنا نشيك ف نفس المشاعر لكن ألشخاص‬
‫منا المرض بشكل ر‬ ‫ّ‬
‫مباس‪ ،‬والمرض‬ ‫ٍ‬ ‫مختلفة‪ ،‬وكلنا مرض لكن‬
‫مريضا بشكل ر‬ ‫ً‬ ‫بشكل غي ر‬
‫مباس؛ وهو‬ ‫ٍ‬ ‫مباس‪ ..‬ولقد كان رأت‬ ‫ٍ‬
‫سبب انتحار أخ خالد‪ ،‬فقد اقيض أخ خالد لييوج بسبب‬
‫عدم مساعدة رأت له ف تكاليف الزواج‪ .‬تزوج حبيبته هاجر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫والت ال أعرف كيف أحبته وتزوجته! فقد كانت موظفة‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ومتعلمة وهو غي متعلم‪ ،‬لكن يبدو أنها شعرت بمعاناته منا‪،‬‬
‫قصتهما عل لسانه‪.‬‬ ‫َ‬
‫وحبه الصادق تجاهها‪ ،‬وسأحك لكم‬
‫يقول خالد‪ -‬وهو يروي قصته‪ :-‬لقد ِ‬
‫كانت النظرات كموج‬
‫ً‬
‫البحر العائد‪ ،‬تأخذت إىل األعماق بعيدا‪ ،‬ثم تدفعت بكل قوة‬
‫َ‬
‫تجاه هاجر‪ ،‬أنا الذي كان يتق الحب بكل ما أوت من حواجز‪،‬‬
‫نفسه بدافع الخوف منه‪ ،‬لكن هذا الشعور قد يكون‬ ‫ويمنع َ‬
‫ً‬
‫ترجمة لرغبة كبية َ‬
‫ونه ٍم للسالم والسكن‪ .‬الحب‬ ‫أو ال يكون‬

‫||| ‪13‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫لغة معقدة‪ ،‬وتساؤالت كثية ال تنته‪ .‬بالنهاية ال أدري مت‬


‫وال كيف كان األمر! لكنها ف القلب اآلن‪ ،‬وبقوة‪.‬‬
‫كثيا أخاطبها كأنها أمام وتسمعت أقول لها‪..‬‬ ‫أتخيل نفش ً‬
‫َ‬ ‫أنت يا هاجر آخر َمن تكوني بالخاطر َ‬ ‫َ‬
‫قبل النوم‪ ،‬وأوله عند‬
‫الصحو‪ ،‬وسائر اليوم بي تفاصيله‪ .‬تركتك بيت وبي َمن يعلم‬
‫تبيتي بضلوع‪ ،‬تستقي من روخ‬ ‫َ‬ ‫وبقيت سا‬ ‫الش وأخق‪،‬‬
‫ِ‬
‫وتسكني فكري‪ .‬ولعجز وصلك تملكت األرق‪ ،‬ما عدت‬ ‫َ‬
‫َ ّ‬
‫أستطيع النوم‪ ،‬ما عدت أرغب الحياة إل معك‪ ،‬ما عدت‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫أشته شيئا سواك‪ ،‬وما عدت أرغب الطعام اللهم إل شيئا‬
‫قلت يريدك‪..‬‬ ‫ً‬
‫رغبة فيه‪ ،‬ر‬ ‫يسيا يبقيت حيا‪ ،‬أتناوله عل غي ٍ‬
‫عقل يريدك‪ ..‬روخ تريدك‪ ..‬وجسدي يريدك فيما أحل هللا‪،‬‬
‫أهواك ال أدري ما أهوى بك‪ ،‬ولست أدري ما معت الهوى‬
‫قبل لقائك وهللا‪.‬‬ ‫َ‬
‫كامًّل يا هاجر‪ ،‬وأنت لست كاملة‪ ،‬لكن هللا ّ‬ ‫ً‬
‫كملك ف‬ ‫ِ‬ ‫أنا لست‬
‫وطاب قلبك يا هاجر‪ ،‬ولست أملك ِمن قلبك‬ ‫َ‬ ‫طبت‬ ‫عيت‪،‬‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ٌ َ‬ ‫ً‬
‫أبدا‪.‬‬ ‫رجاء بك يا هللا أل تحرمت منها‬ ‫شيئا‪ ..‬كل‬
‫العشق وحرمان الوصل‪ ،‬أظن أنهما المعت الحقيق واألقوى‬
‫َ‬
‫دخول ألحد‪ ،‬وال‬ ‫قلت عليك فال‬ ‫َ‬
‫بما أشعر‪ ،‬أغلقت أبواب ر‬
‫يوم من األيام بما‬ ‫ّ‬
‫لك‪ ،‬يرحم هللا المحبي‪ ،‬اإلفصاح ف ٍ‬
‫رحيل ِ‬
‫يكنه القلب لها أشبه برف عمل ٍة نقدية ف الهواء عل أحد‪،‬‬

‫||| ‪14‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫وجهها النعيم وما حوى‪ ..‬وعل الوجه اآلخر كل عذابات‬


‫العالم مجتمعة‪ .‬أتتبعها كل يوم‪ ،‬أسي خلفها‪ ،‬مطر‪ ..‬مطر‪..‬‬
‫ْ‬
‫مطر‪ .‬إنها تمطر اآلن بالخارج‪ ،‬وأنا أتيت للتو من الخارج وقد‬
‫ٌ‬ ‫تساقطت ّ‬
‫عل بعض قطرات المطر‪ ،‬رحمة من هللا بحق‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يهبط بأمره وحده‪ ،‬يأت بالسكينة منه‪ ،‬يهبط باردا حنانا من‬
‫قلت المحيق‪ ،‬وما باله الضباب باألجواء يكون‬ ‫هللا عل ر‬
‫بانطفاء الحرائق‪ ،‬والجمر بصدورنا‪ ،‬وارتفاع الدخان منها إىل‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫السماء فتكون ربما سحابا‪ ،‬أو تسيل ندى‪ ،‬أو تصي ً‬
‫قطرا‪ ،‬أو‬
‫َ‬
‫نبع ماء‪.‬‬
‫المشاكل ف سمات ملبدة‪ ،‬والهموم كسحب سوداء وكأنها‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫قلت المحيق شوقا‪ ،‬تتساقط قطرات من المطر الحائر‬ ‫ر‬
‫بدورهم هروباً‬ ‫َ‬
‫وجوه العابرين فيتحركون ْ‬ ‫ً‬
‫مداعبا‬ ‫يحركها الهواء‬
‫منها‪ ،‬بينما أنا ف اشتياق لها‪.‬‬
‫أتمطر في َحم؟ أم تمنعها الكآبة عل وجهها فال تمطر‪ ،‬لم‬
‫ّ‬
‫يعي خيط الشمس‬ ‫تمطر السماء إل قطرات حيى‪ ،‬ثم ر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الغيم مبددا الظلمة‪ ،‬وحامًّل معه األمل‪ ،‬مقس ًما به‬
‫َ‬ ‫الحريري‬
‫َ‬
‫الماء بعد‬ ‫ظلمة السماء إىل سبع ِة ألوان من الحسن‪ .‬تأملت‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫المطر‪ ،‬تكشف الشمس حينها كآبة الغيم‪ ،‬وتبدده تبدد‬
‫الكآبة عن وجه‪ ،‬وتبعث ً‬‫َ‬
‫نورا من‬ ‫الظلمة ف قل رت‪ ،‬وتكشف‬
‫األمل يتجدد ف صدري‪ .‬تتصاعد ذرات الياب الت‬

‫||| ‪15‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫شعر بالراحة والسكينة والسالم‪ ،‬يرحم هللا‬
‫النسجامها رائحة ت ِ‬
‫الغد سأعيف لها‬‫قلت السالم‪ ،‬وف ِ‬ ‫قلت لينام ليل‪ ،‬وليعم ر‬ ‫ر‬
‫بحت‪.‬‬
‫ر‬
‫نهارا‪ ،‬ورأيتها َ‬
‫اليوم عند تمام الثامنة‪ ،‬دقت‬ ‫ابيض الليل فصار ً‬
‫ّ‬
‫الساعة دقتي‪ ،‬ودق القلب ساعة‪ .‬كانت السماء والدنيا‬
‫َ‬ ‫مضاءة‪ ،‬لكن الليل ال يزال ً‬
‫قائما بصدري‪ ،‬كانت اللهفة قناع‬
‫رغم سعة داخل وما يحتويه‪،‬‬‫مت َ‬ ‫مالمح‪ ،‬والسعادة تفيض ّ‬
‫والشمس ترتفع كلما اقيبت منها فتضء صدري‪ .‬أغلق عيت‬
‫بجفوت‪ ،‬ال أعلم أهو من الخجل المعتاد‪ ،‬أم من نورها الصاف‬
‫كصت يفرح كلما اقيب؟!‬
‫كأنها العيد وأنا ر‬
‫ّ‬
‫واحمر وجه‪،‬‬ ‫بحت جف حلق‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ولما ذهبت ألعيف لها ر‬
‫عدم‬‫وجرى الدم ف عروف‪ .‬نظرت إليها فوجدتها تصنعت َ‬
‫رؤيت‪ ،‬ومرت دون أن تلتفت‪ ،‬كانت عل بعد أمتار بالقرب‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫مت‪ ،‬وظلت ر‬ ‫ّ‬
‫قدم من‬ ‫تمش مشيتها البطيئة‪ ،‬وظللت أرفع‬
‫يمش حت تجرأت وأوقفتها‪،‬‬ ‫األرض‪ ،‬وتحر َك جسدي خلفها ر‬
‫فكانت كشمس وليل ال يجتمعان ّإل ويلبث الليل أن ْ‬
‫يتبعي!‬
‫َ‬ ‫م َ‬
‫حظات جف اللعاب‪ ،‬وب ح الصوت‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫قلت‪ ..‬ولل‬
‫ح ليل ر‬
‫ووقفت كل األحاديث والحكايات ف حلق حت تغلبت عل‬
‫ً‬
‫نفش‪ ،‬فتلفظت قائًّل‪:‬‬
‫أود أن أتحدث معك‪.‬‬

‫||| ‪16‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫هاجر‪ :‬ألن تكف ِ‬


‫عن السي خلق؟‬
‫َ‬
‫طوال‬ ‫عنك‬ ‫خالد‪ :‬وددت لو كان السي بجوارك‪ ،‬إنت أبحث ِ‬
‫الوقت والساعات‪ ،‬وأنتظرك كل يوم عل رؤوس الطرقات‪،‬‬
‫ومن الليل حت الصباح‪ ،‬وتريدين أن أتركك عندما أراك؟ ٌ‬
‫هائم‬ ‫ِ‬
‫الشك‪ ،‬حت يسخط المجتمع‪ ،‬حت‬ ‫أنا بك‪ ،‬أحبك حد ر‬
‫ً‬
‫أحدا‪َ ،‬‬
‫أفت‬ ‫يغضب رجال الدين! أحبك لألبد‪ ،‬وال أساوي بك‬
‫فناء حلو كأنما حرب‬ ‫فيك‪ ،‬وأفت بدونك ّإل ّأن الفناء فيك ٌ‬
‫ِ‬
‫بي القذائف‪ ،‬وليس ىل ف هذه‬ ‫الكرة مشتعلة وأنا أعانقك َ‬
‫ُ‬ ‫رغبة غي ْ‬ ‫ٌ‬
‫أنت أوله وأنت‬ ‫طريق ِ‬‫ٍ‬ ‫السي بصحبتك‪ ،‬أنا ف‬ ‫الحياة‬
‫وقلت بذكرك يطيب‪ ،‬وكل مر بالحياة يصي‬ ‫آخره‪ ،‬وأنت ذاته‪ ،‬ر‬
‫ُ‬ ‫قلت َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫بك‪،‬‬ ‫وقلت يش بذكرك‪ ،‬فما بالك ِ‬ ‫ذكرك‪ ،‬ر‬ ‫حلوا لو ذاق ر‬
‫عالم أجعله يسعك‪ ،‬وبداخل كون ألم يسعك‬ ‫ٌ‬ ‫بداخل‬
‫َ‬
‫عالمك‪ .‬ف غيابك أسي ف الطرقات مطرق الرأس‪ ،‬أرفع رأش‬
‫ثقل ما يلم رت‪ ،‬أرفع عيت وال‬ ‫إىل السماء وال أتحدث من ِ‬
‫ً‬
‫تخي هللا بكل رشء‪ ،‬وكأنها تقول‪ ..‬بحقك‬ ‫أستطيع نطقا كأنها ر‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫يا هللا ال ت ِعدت إىل كشت وانكساري‪ ،‬بحقك يا َمن تعلم ما‬
‫ٌ‬
‫تنطقه العيون‪ ،‬وليس لها حديث‪ ..‬بحقك ال تحملت ما ال‬
‫مت‪ ،‬وه عندي‬ ‫طاقة ىل به‪ ،‬يا هللا هناك رش ٌء واحد أهم ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫أخفت‬ ‫أهم رشء‪ .‬اسأىل الوسادة عن اشتياف ودموع‪ ،‬كيف‬
‫َ‬ ‫حوت ً‬ ‫ْ‬
‫بحرا وال يبدو عليها إل ندى‬ ‫كل الدموع ووارتها‪ ،‬كيف‬

‫||| ‪17‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫قلت‪،‬‬ ‫ْ َ‬
‫رزق هللا األوسع‪ ،‬قد جمعه هللا ىل بحبك المكنون ف ر‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫فكأنك وحدك النعيم وما دونك جحيم‪ ،‬أليس ف العالم إل‬
‫ثوبك‬ ‫ر‬
‫ضت عالم؟ عيناك وبشتك البيضاء ف ِ‬ ‫ِ‬ ‫أنت؟ أم أنك‬
‫كزهرة‪ ،‬ضت‬
‫ٍ‬ ‫كثوب الليل‪ ،‬يظهر وجه القمر‬ ‫ِ‬ ‫يبدوان‬
‫ِ‬ ‫األسود‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أقطف ألمنح البسمة لثغر حسناء‪.‬‬ ‫أتمت أن‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ابتسمت هاجر‪ ،‬ثم سارت مشعة‪ ،‬وعاد هو اآلخر إىل عمله‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قائًّل‪ :‬لقد كان الطريق طويًّل وأنا أسي وراءها‪ ،‬فما باله عندما‬
‫بحت قد قرص!‬
‫اعيفت لها ر‬
‫ذهبت هاجر إىل بيتها‪ ،‬وكل فكرها معه‪ ،‬وقلبها معه‪ ،‬وروحها‬
‫حت‬ ‫معه‪ .‬قالت لنفسها ال أريد أن أعتاده‪ ،‬وال أريد أن يكون ر‬
‫له عاديا‪ ،‬لقد كاد الناظر يالحظ‪ ،‬وكاد هو اآلخر يرى انتفاضة‬
‫كورقة النسيم‪ .‬لقد كنت كالشجرة الثابتة‬‫ِ‬ ‫يدي‪ ،‬وارتعاشها‬
‫جذعها‪ ،‬لكن النسيم يحرك أطرافها يمنة ْ‬
‫ويشة‪ ،‬ال أريد لتلك‬
‫الرجفة أن تذهب‪ ،‬أحب تزلزىل ف حضوره‪ ،‬أحب تلعثم‬
‫َ‬
‫وانعقاد لسات أمامه‪ ،‬أحب ارتباك وأنا أنظر إليه بعيت‪ ،‬فال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تكاد عيت تستقر حت يأخذها االرتباك ويشيح بعيدا أحيانا‪،‬‬
‫أخاف من القرب‪ ،‬أخاف من تلك األشياء الحلوة الت قد‬
‫أمورا عادية فتتحول الفرحة إىل‬‫أعتادها‪ ،‬أخاف أن تصبح ً‬
‫رتابة الحياة الت أعتادها‪ ..‬رشء عادي يصي كأي رشء يصي‬

‫||| ‪18‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ْ‬ ‫قلت الذي كان يدق ف الثانية ر َ‬


‫ات أريده أن‬
‫عش مر ٍ‬ ‫ف يوم‪ .‬ر‬
‫يدق َ‬
‫أكي وأكي‪ ،‬أريد أن أحبه أكي وأكي‪.‬‬
‫َ‬
‫نفس المشاعر‪،‬‬ ‫تقدم خالد لخطبتها ّلما تأكد من أنها تبادله‬
‫أفصحت ابتسامتها ورعشة يدها ونظراتها عن حبها‪،‬‬
‫ِ‬ ‫فقد‬
‫كعربات القطار يريد أن ييكب أجزاؤه فيها‪ ،‬يشته أن يرتطم‬
‫َ‬
‫بها حت لوكانا سيتحطمان‪ ،‬فقط ليعانقها‪ .‬سارع إىل خطبتها؛‬
‫تجيها أحكام الطرق والقطارات بالتعلق بغيه‪،‬‬
‫يخش أن ر‬ ‫فهو ر‬
‫لكن لألسف ف مجتمعنا الحب رشء والزواج رشء آآلخر‪،‬‬
‫رغم أنه من المفيض أن يكون‬ ‫فالزواج عندنا هو نهاية الحب َ‬
‫َ‬
‫بداية الحب‪ ،‬فبعد أن تزوجها خالد صارت تخجل من‬
‫زوخ‬ ‫َ‬
‫تقول ر‬ ‫وظيفته وتتعب ف تنظيف مالبسه‪ ،‬وكرهت أن‬
‫َ‬
‫ميكانيك سيارات‪ ،‬فأشارت عليه بي ِك العمل‪ ،‬وأن مرتبها‬
‫ُ‬
‫سيكفيهما‪ ،‬ومن شدة حبه لها أطاعها؛ فكان ف ذلك هالكه‪،‬‬
‫ٌ‬
‫رغم أنه هناك فرق بي الحب والطاعة‪ ،‬لكن لألسف مجتمعنا‬
‫ً‬
‫أيضا ال يفرق‪ ،‬ومن المفيض أنها أخذته عل ذلك الوضع‬
‫تجيه عل تغييه‪ ،‬وهذا ال يمنع أنها‬ ‫فتقبله ً‬
‫دائما عليه‪ ،‬وال ر‬
‫ً‬
‫سندا له‪ ،‬لقد كان أخ يقول لها ً‬
‫دائما‪ :‬الناس مشغولون‬ ‫كانت‬
‫كساعد يشدت‪ ،‬وروح‬‫ٍ‬ ‫بالدنيا‪ ،‬وأنا شغل كله أنت‪ ،‬وجودك‬
‫تدعمت عل ما ابتليت به ف هذه الحياة‪ ،‬فكلما أشعر أت‬
‫أتهاوى أهم بإمساك ساعدك ألبق قويا َ‬
‫أمام هذه الحياة‪،‬‬ ‫ِ‬

‫||| ‪19‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫وحدك ستشعرين بضعف قواي من بينهم؛ ألت أستند بك‪،‬‬


‫ّأما أمامهم فال أبدو ّإل قويا َ‬
‫رغم الضعف الذي يبدو أمامك‪.‬‬
‫أعمال الميل‬
‫ِ‬ ‫وعل سبيل الضعف صار أخ يساعدها حبا ف‬
‫بما أنها تأت مرهقة وهو ال يعمل‪ ..‬ثم تدرج األمر إىل أن صار‬
‫ّ‬
‫بمفرده‪ ،‬ثم تتطور األمر إل أنها صارت‬ ‫ِ‬ ‫يقوم بعمل الميل‬
‫تتشاجر معه لو قرص ف عمل الميل!‬
‫نار الغضب‪ ،‬وصار ما يفعله عن‬ ‫بخ َر الشجار الحب‪ ،‬وأيقظ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫وذهبت‬ ‫ضاعت رجولت‪،‬‬ ‫حب يفعله عن كره‪ ،‬فقال لنفسه‬
‫ً‬
‫قوامت‪ ،‬ضت أنا المرأة وه الرجل‪ ،‬أنا لست رجًّل‪ ،‬لست‬
‫كلماتك عن س مخبأ رغم أنك ال‬ ‫ِ‬ ‫كباف الرجال‪ ،‬أبحث بي‬
‫ً‬
‫النظر إىل عين ْيك‬
‫َ‬ ‫تخفي شيئا‪ ،‬أبحث عن كلمات الحب كأن‬
‫ً‬ ‫كفعل ْ‬
‫موج البحر‪ ،‬أخذت إىل األعماق بعيدا‪ ،‬ثم نفضت بكل‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫قوة تجاهك حت ارتطمت‪ ،‬ما ظننتك صخرا هكذا‪.‬‬
‫البيت َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫غي منظم‪،‬‬ ‫فوجدت‬
‫ِ‬ ‫عادت هاجر من عملها كعادتها‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫واألطباق َ‬
‫غي مغسولة‪ ،‬فتشاجرت معه‪ ،‬فأخرج شحنة‬
‫الغضب الت بداخله وطلقها‪ .‬الصباحات ناقصة؛ فالصباح‬
‫ّ‬
‫كان ال يكتمل إل بك‪ ،‬هاجر‪ .‬تشبعت مالمحه بالحزن‪ ،‬فال‬
‫ً‬
‫قول‪ ،‬وال يعانق كالمعتاد ً‬
‫نوما‪ ،‬وال عاد يعرف‬ ‫ينطق كالمعتاد‬
‫طعم النوم وال المرقد‪ .‬يقول خالد‪ :‬دمرت ر‬
‫قلت بيدي‪ ،‬كلما‬
‫ً‬
‫ظننت أنت نجوت من الغرق أجد نفش أغرق مرة أخرى‪،‬‬

‫||| ‪20‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫قلت‪ ،‬وبعدها أظن‬ ‫وكلما تضيق رت الدنيا وينطبق صدري عل ر‬


‫ْ‬ ‫ْ‬
‫قلت لم يعد يعرفك؛ إذ رت أستيقظ‬ ‫أنك لست بداخل‪ ،‬وأن ر‬ ‫ِ‬
‫صوت شديد وكأت كنت صما ال أسمع‪ ،‬وكأنت كموج‬ ‫ٍ‬ ‫عل‬
‫يرتطم بالصخر‪ ،‬والصخر ال يباىل ر َ‬
‫غم اهتياج الموج‪ ،‬وشد ِة‬
‫ّ‬
‫اندفاعه إىل الصخر‪ ،‬إل أن الصخر ال يشعر وكأنه اعتاد‪.‬‬
‫لكت أحلم بأن يص َي الموج تر ًابا‪ ،‬حينها سيشعر بالموج‪ ،‬ومن‬
‫العجيب أت ف بعدك أجدك‪ ،‬وف قربك أخشك! أعانق بعنق‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫بعمق كل ما لمسته يداك ف بيتنا‪ ،‬تأخذت الذاكرة إليها‬
‫بغياب صوت‬ ‫ِ‬ ‫تعي مالمحها الهواء فتذكرت‬ ‫بشعتها‪ ،‬ر‬
‫أنفاسك‪ ،‬وعبق المكان المختلط بزفيك المختلط برائحتك‪.‬‬
‫ْ‬
‫حت الدنيا‪ ،‬أبحث بي كلماتك عندما‬ ‫أحبك بقدر حب م ر‬
‫ابتسامة‪ ،‬أفرح بكل رشء يتعلق بك‪ ،‬كل أعضات‬ ‫ٍ‬ ‫أتذكره عن‬
‫تضحك لضحكك‪ ،‬كل أنواري تنطق‪ ،‬وستائري تنسدل‬
‫ً‬
‫ِلفراقنا‪ ،‬العالم يظلم حزنا ف صدري من أجلك‪ ،‬وسالم عل‬
‫ْ‬
‫كالسيل لدمو ِع عينك‪..‬‬ ‫عيت اللت ْي أحدبتا لسنوات‪ ،‬وفاضت‬
‫ميول كبية لتعاط المخدرات‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫لست فيها‪.‬‬ ‫تبا لحياة أنت‬
‫ِ‬
‫ٌ‬
‫أكي لالنتحار‪ ..‬لكن هل المخدرات حل؟ ال‪ ،‬بل نوع‬ ‫وميول ر‬
‫من السالم المؤقت غي الحقيق‪ ،‬هل االنتحار حل؟ ال‪ ،‬بل‬
‫عذاب أبدي‪ ،‬وال يعرف السالم من أي طرق‪.‬‬‫ٌ‬

‫||| ‪21‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫مكان ما‪ ،‬هكذا يبدو السالم ف صورته المثل عند‬‫الهروب إىل ٍ‬


‫ٌ‬ ‫َ‬
‫لكت وجدت الهروب ما هو إال تغيي لما تراه األعي‬ ‫الكثيين‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫العالم الحل‪ ،‬هو‬ ‫حولنا‪ ،‬يظل القلب يتلون شقاء‪ ،‬وإن جاب‬
‫ْ‬
‫الزواج‪ ..‬سأنش أن تزوجت‪ ،‬فأنا مكتئب‪ ،‬ولو كان ما قبل‬
‫اكتئابا فما أصبحت عليه اليوم نزعات وسكرات!‬ ‫ً‬ ‫ذلك‬
‫يوم مر ف حيات السوداء‪،‬‬ ‫أصبحت األيام اآلن ّأسوأ من أسوأ ٍ‬
‫ِ‬
‫والليل ذاته‬ ‫كالفرق بي الليل الحالك‬ ‫ْ‬
‫وال فرق بي كليهما إل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حوت ف األطلنط‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بقلب‬
‫أتأمل الفراغ‪ ،‬مشهد بانورام كبي لفراغ‪ ،‬نعم‪ ..‬لفراغ ر‬
‫الالشء‪،‬‬
‫لفراغ من الذات‪ ،‬من األحالم‪ ،‬من النجاحات‪ ،‬من المشاعر‬
‫الدافئة‪ ،‬من األنس والصاحبة‪ ،‬من الزوجة‪ ،‬من الحياة كما‬
‫ً‬
‫فطرت! وكل ذلك يشعرت بالملل ليعاد المشهد مرة أخرى‪،‬‬
‫مشهد بانورام كبي‪ ..‬لماذا؟ لفراغ‪ ..‬فراغ كبي‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫اقي َ‬
‫ولكن ف هذه المرة كان زواجه‬ ‫ض مرة أخرى لييوج‪،‬‬
‫وبي هاجر ف نظافتها‬‫زواجا عن غي حب‪ ،‬فأخذ يقارن بينها َ‬ ‫ً‬
‫وجمالها‪ ،‬بل أخذ يقارن حبه لها بحبه لهاجر‪ .‬لم‬ ‫وأخالقها َ‬
‫َ‬
‫يستطع هذه المرة تسديد القرض‪ ،‬فق المرة األوىل كانت‬
‫ْ‬
‫ضاقت‬ ‫تساعده هاجر‪ّ ،‬أما ف هذه المرة لم يساعده أحد‪،‬‬
‫مقية َلمن يحبهم‪ ،‬كلهم‬ ‫َ‬
‫شعر أن قلبه صار ر‬ ‫عليه الدنيا‪،‬‬
‫قلبه سييف ً‬
‫ألما ال‬ ‫رحلوا‪ ..‬كلهم ماتوا بداخله‪ ،‬لو اعترصوا َ‬
‫ِ‬

‫||| ‪22‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬


‫متألما‬ ‫دما‪ ،‬فق كل ليلة يجمع المسكي شتات خيباته‪ ،‬يرصخ‬
‫ْ‬
‫بكالم غي مفهوم‪ ،‬كالم الوجع هو‪ ،‬اآله لم تعد كافية‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫بأحرف غيها‪ ،‬أو بمعت أدق بوجع أعمق‪ ،‬ثم‬‫ِ‬ ‫فاميجت‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ينخفض صوته ً‬
‫قهرا قائًّل‪ :‬ال قيمة لحبك عندهم أيها‬
‫التعيس‪ ،‬بل ال قيمة لك َ‬
‫أنت وحبك عل السواء‪.‬‬
‫الوقوف عل قدميه من جديد‪ ،‬يحاول أن يستمد‬‫َ‬ ‫يحاول‬
‫ْ‬
‫طاقته من ذاته‪ ،‬لكن من أي رشء يستمدها‪ ..‬من روحه‬
‫الهشة؟ أم ِمن قلبه المحطم؟ أم من جسده الذي سمن؟‬
‫َ‬ ‫عدت ً‬ ‫َ‬ ‫هش َ‬
‫قادرا عل أخذ نفس حب‬ ‫أنت أمام العالم‪ ،‬فال‬
‫َ‬
‫هواء لجسدك‪ ،‬تختنق‪ ..‬تتمزق‪ ..‬يختم‬‫ٍ‬ ‫لروحك‪ ،‬وال نفس‬
‫ً‬
‫طيانك بهبوط‪ ،‬يختم فرحك بحزن‪ .‬القلب ينبض موتا‪ ،‬فقط‬
‫ينتظر أن َ‬
‫يتلف روحه كليا فيموت‪ ،‬كأنما حرب الكرة مشتعلة‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وأحرقت َ‬
‫قلبه قذيفة من القذائف‪.‬‬
‫أين الحقيقة؟ الحقيقة ف ساعة تدرك فيها معت الحياة‬
‫فتحب بكل ما أوتيت من قوة‪ ،‬وساعة تدرك فيها َ‬
‫وهم المعت‬
‫َ‬
‫فتشمي من الحب‪ ،‬ساعة تدرك فيها قيمتك كإنسان خ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫وحجمك‬ ‫موضع نف ِسك‬ ‫فتفرح وتتفاءل‪ ،‬وساعة تبرص فيها‬
‫َ‬
‫الحقيق ف هذا‪ ،‬لن أقول الكون الكبي؛ بل ف هذا الكوكب‬
‫يدهس فيه الضعيف‪ .‬ساعة ترصخ فيها ف ْ‬‫َ‬
‫وجه‬ ‫الصغي الذي‬
‫ً‬ ‫قهرا‪ً ..‬‬ ‫ً‬
‫قائًّل‪ :‬أنا هنا‪ ،‬وساعة ترصخ فيها ً‬
‫وجعا‬ ‫ألما‪..‬‬ ‫العالم‬

‫||| ‪23‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬


‫واستيافا‪ .‬ثم صعد فوق سطح الميل فقال‪ :‬سبحانه أعز‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فالنا بحياة‪ ،‬وأذل فالنا بموت‪ ،‬وأذل فالنا بحياة‪ ،‬وأعز فالنا‬
‫بموت‪ .‬فاللهم أعزت بالموت فقد أذلتت الحياة‪ ،‬سأصنع‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫طرف من كل حب وهم‪ ،‬من كل صداقة زائفة‪ ،‬من‬ ‫ٍ‬ ‫إخالء‬
‫ً‬
‫مؤخرا‬ ‫الحياة تما ًما‪ ،‬سيول النور وتسود الظلمة‪ .‬اكتشفت‬
‫ّ‬
‫أت بالنسبة لهم أضحوكة‪ ،‬سأذهب إىل العدم حيث عدم‬
‫الفاقة‪ْ ،‬إذ أن الوجود مر ٌ‬
‫تبط بالحاجة‪ .‬قالها ثم ألق بنفسه من‬
‫فوق سطح الميل!‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫مرة أرى دموع هذا‬‫ماتت أم حزنا‪ ،‬وأخذ رأت ف البكاء‪ ،‬ألول ٍ‬
‫َ‬
‫الموقف وأكملت‬ ‫الجبار دموع الوحش‪ ،‬أما أنا فتخطيت‬
‫دراست‪ ،‬اجتهدت وتخصصت ف الطب النفش‪ ،‬وعاهدت‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫نفش أن أعالج المرض بكل إنسانية‪ ،‬أن أخفف عن كل َمن‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫كانت الحياة‬‫جعلته الحياة يكفر بها‪ٍ .‬آه يا من تقولون أن لو ِ‬
‫لكانت مملة‪ٍ ،‬آه من جهلكم وتناقضكم أنكم بذلك‬‫ْ‬ ‫كلها سعادة‬
‫َ‬
‫تنتقدون الجنة الت تتكبدون الحياة من أجلها‪ٍ ،‬آه منكم يا َمن‬
‫تعتقدون أن الحب ليس فيه منفعة‪ ،‬وأنه مجرد شعور‬
‫باالنجذاب والتعلق‪ٍ ،‬آه يا لجهلكم! يا لشهوتكم الت تسوقكم‬
‫أن الحب هو المصلحة‪ ،‬لكن مقياس خيية الحب هو‬
‫لطرف والرصر‬ ‫ٍ‬ ‫المنفعة للطرفي‪ ،‬ومقياس كذبة المنفعة‬
‫للطرف اآلخر‪ ،‬فالحب الحقيق هو الحب النافع‪ٍ ،‬آه يا َمن‬

‫||| ‪24‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫خلق رفيع‪ ،‬إنت إن تواضعت للوضيع‬ ‫ٌ‬ ‫تقولون إن التواضع‬


‫ْ‬
‫وض َع من شأت‪ ،‬وإن تواضعت للعظيم ضت أقل منه!‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫لتذهب خرافة التواضع‪ ،‬عل كل إنسان أن يأخذ حقه دون‬
‫َ‬ ‫اط وال تفريط‪ِ ،‬من المؤسف أننا ْ‬
‫نعتي أخذ حقوقنا‪-‬‬ ‫ضنا ر‬ ‫إفر ٍ‬
‫ً‬
‫تواضعا! يا أخ‪،‬‬ ‫الحسنة من الطرف اآلخر‪-‬‬ ‫وخاصة المعاملة َ‬
‫عت‪ ،‬من‬‫هذا حق‪ ،‬من حق أن ُأ َع َامل بتقدير من المسئولي ّ‬
‫ً‬
‫مت شأنا‪ ،‬آسف لست‬ ‫حق أن ُأ َع َامل بلطف ممن هم أعل ّ‬
‫ٍ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫يعتي أخذ حقوقه تواضعا‪.‬‬ ‫الوضيع الذي ر‬

‫‪،،،‬‬

‫||| ‪25‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫حكاية عقول‬

‫ً‬
‫"تحذر األرصاد الجوية المواطني الرتفاع درجة الحرارة غدا‪،‬‬
‫ووجود شبورة مائية عل معظم أنحاء الجمهورية"‪ .‬هذا ما‬
‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫غالق الراديو‪ ،‬سائًّل‪ :‬والشغل ماذا‬
‫سمعه حكيم وهو مقبل إل ِ‬
‫َ‬
‫وذهب ف نوم عميق‪.‬‬ ‫نفعل فيه يا سيادة األرصاد؟!‬
‫رجل ف العقد الثالث من عمره‪ ،‬مالمحه هادئة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫حكيم‬
‫يكسوها اللون الخمري والحس الفكاه‪ ،‬وطابع الحسن يزين‬
‫وجهه الهادئ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫صوت منبه هاتفه‬
‫ِ‬ ‫صباحا‪ ،‬أفاق حكيم عل‬ ‫ف تمام السادسة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مثل كل يوم وهو يغلقه‪ ،‬ويقاوم حالوة النوم‪ ،‬ثم ينهض‬
‫مالبسه األنيقة‪ ،‬وي هذب َش َ‬
‫عره ولحيته الخفيفة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫مرتديا‬
‫ات الحب عل عربته الصغية‬ ‫ويلمع حذاءه‪ ،‬ثم ينسال بعبار ِ‬
‫بصوت‬ ‫ٍ‬ ‫الت تنقذه ف كل األوقات ه ومذياعها الذي يغت‬
‫َ‬
‫بالكاد يسمعه‪ .‬أدار حكيم عربته وتحرك ف طريقه للعمل‪،‬‬
‫ابط بي طنطا وبركة‬ ‫وبينما وهو عل الطريق الشي ع الر ِ‬
‫َ‬ ‫السبع‪ ،‬وبالتحديد َ‬
‫قبل وصوله إىل العمل ببضع دقائق وجد‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫مشعا لك يساعد‬ ‫حادثة عل الطريق‪ ،‬فيل من سيارته‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫المصابي ويحملهم‪ ،‬وإذا أردت الدقة فقل ليحمل الموت‬
‫يفاجأ‬ ‫الغارقي ف دمائهم‪ ،‬وإذا به وهو يحمل إحدى الجثث َ‬

‫||| ‪26‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫َ‬
‫ويصدم بأن هذا الشخص الذي يحمله هو أخوه األصغر‪،‬‬
‫الطالب الجامع المفعم باألمل والحماس! يراه بي يديه‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫يدر‬
‫فلم يتمالك نفسه من قوه الصدمة‪ ،‬ولم ِ‬ ‫غارقا ف دمه‪،‬‬
‫ْ ّ‬
‫يفق إل هناك‪.‬‬ ‫بنفسه‪ ،‬ولم‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫رجل يرصخ بعلو صوته‪ ،‬وحوله أناس‬ ‫لقد فتح عينيه عل ٍ‬
‫الرجل يرصخ ويقول‪ :‬إىل مت سأظل هنا؟‬ ‫َ‬ ‫مجتمعون‪ .‬سمع‬
‫َ‬
‫إىل مت سأظل أقول مت؟ ووجد َمن حوله يضحكون‬
‫باستهز ٍاء وهستييا‪ ،‬وأردف الرجل بقوله‪ :‬سأظل أضخ ف‬
‫وجه الظلم‪ ،‬سأظل أدافع عن حق‪ ،‬سأظل أطالب بحق‪،‬‬ ‫ْ‬
‫عن اإلشارة‪ .‬فق دنيا‬ ‫حت إذا ما قطعوا لسات لن تكف يدي‬
‫َ ِ َ‬
‫المجاني يحكمون عليك‪ّ ،‬إما أن تصي مثلهم أو يدخلوك‬
‫َ‬
‫مستشق األمراض النفسية حت تصي مثلهم فتخرج‪ ،‬يعتقد‬
‫ْ‬
‫َمن ف الخارج أنكم قد مستكم الشياطي‪ ،‬واألمر كله نفسية‪،‬‬
‫اكتمل وعت فاكتمل جنوت‪ ،‬تعالوا‬ ‫َ‬ ‫فشياطينكم نفسية‪ .‬لقد‬
‫داخله امرأة‪،‬‬ ‫وعت‪ ،‬إن الرجل يجب أن يكون ف‬ ‫اغيفوا من ْ‬
‫ِ‬
‫يكون ف داخلها رجل؛ حت يكتمال‪.‬‬ ‫َ‬
‫والمرأة يجب أن‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ايلدوا أحبابكم‬ ‫سأعلمكم المحبة كما لم يعلمها لكم أحد قبل‪ِ ،‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ذكورا‪ ،‬فهو الحب األبق‪ ،‬الرجل يجب أن يلد‬ ‫حت لو كنتم‬
‫لحبيبها‪.‬‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫رحم قلبه‪ ،‬والمرأة يجب أن تكون وطنا‬ ‫حبيبته من ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫إن َمن قال خذوا الحكمة من أفواه المجاني كان مجنونا مثل‪،‬‬

‫||| ‪27‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫َ‬ ‫ً‬
‫إذ إن الحكمة تخرج أحيانا من أفواههم‪ ،‬أحبوا بعضكم وال‬
‫يحفر أحدكم ألخيه‬ ‫َ‬ ‫تباغضوا‪ ،‬تعاونوا وال تشاجروا‪ ،‬وبدل أن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ماء ريشب‬ ‫واحد منكم ألخيه قناة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ليحفر كل‬ ‫حفرة يقع فيها‪،‬‬
‫يقع فيها هو‬ ‫بدل أن َ‬ ‫هو منها إن عطش‪َ ،‬‬ ‫ويشب َ‬ ‫منها أخوه‪ ،‬ر‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫فردي‪ ،‬ال يوجد إال اإلنسان عراكه‬ ‫نفسه‪ .‬إن الطيور عراكها‬
‫أس من الحيوانات؛ حيث إن الحيوانات تستخدم‬ ‫زوخ‪ ،‬وهو ر ّ‬ ‫ر‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫القوة‪ ،‬أما اإلنسان يستخدم القوة والعقل‪ ،‬ابتكرنا قانونا‬
‫ً‬
‫يحجم من وحشيتنا‪ ،‬وابتكرنا حيًّل لخرق هذه القواني‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫عليكم بالنضج‪ ،‬وعليكم أن تعلموا أنه ليس ثمة نضج ف كل‬
‫َ ّ‬
‫منا ينضج معرفيا؟!‬ ‫رشء‪ ،‬فقد ينضج أحدنا اجتماعيا لكن من‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫عليكم بالوع؛ فالوع كالنهار يجعلكم تروا األشياء بوضوح‪.‬‬
‫ملعقة دواء لدائكم‪ ،‬إذا ألقيتم بها‬ ‫ِ‬ ‫ْاسمعوا نصح‪ ،‬فكالم آخر‬
‫الجمود عن‬ ‫تحرروا من‬ ‫وسيفت الدواء‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ستظلون عل دائكم‪،‬‬
‫ِ‬
‫طريق إعادة التفكي ف كل رش ٍء‪ ،‬وال تتعصبوا لفكرتكم‬ ‫ِ‬
‫الجديدة‪ ،‬فالتعصب هو الجمود بعينه‪ .‬صدقوت عندكم كي‪ٌ،‬‬
‫بعينها‪ ،‬فنوح َبت‬ ‫فما ف ظاهره الجنون قد يكون هو الحكمة ْ‬
‫فأغرقوا هم َ‬ ‫ُ‬
‫ونجا هو‪،‬‬ ‫سفينته ف الصحر ِاء واستهزأ به قومه‪،‬‬
‫ونجا َمن آمن‪.‬‬ ‫ُأغرق َمن استهزأ‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫أصبحت‬‫ِ‬ ‫ْاسمعوا نصح فإت أريد أن أعيد للخي بريقه‪ ،‬فقد‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫فصار لكل رش ٍء‬ ‫قد اميج الخي ر‬
‫بالش‬ ‫الحياة باهتة‪ ،‬ها ِ‬

‫||| ‪28‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫َ‬
‫وجهان‪ :‬وجه خي وآخر رسير‪ ،‬ها ه النار تضء وتحرق‪ ،‬ها‬ ‫ِ‬
‫ه األنهار تسق وتغرق‪ ،‬ها هو ذا اإلنسان يعمر ويخرب‪ ،‬يا‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫الهيا مرت ً‬
‫العبا ً‬ ‫ً‬
‫وبقيت آالمك‪ ،‬يا مجتهدا‬ ‫ذهبت لذاتك‬ ‫خيا‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وبقيت لذاتك‪ ،‬إذا دفنتكم الحياة‬ ‫ذهبت آالمك‬ ‫مثابرا متقدا‬
‫فانبتوا‪ْ ،‬‬ ‫ْ‬
‫واعلموا أن الحزن فيه داع للفرح‪ ،‬كما أن ف السلب‬
‫داعيا لإليجاب‪ .‬كل ضيق داع للفرج‪ ،‬كل نق داع لإلثبات‪،‬‬ ‫ً‬
‫شيئا فقد أثبت ضده‪.‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫نفيت‬ ‫فإذا‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫"قاربت الصواب‪ ،‬فأنا أتفق معك‬ ‫قاطع حكيم (بليغ)‪ ،‬قائًّل‪:‬‬
‫ف أشياء وأختلف معك ف أخرى‪ ،‬أتفق معك ف أننا عندما‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫العقل ف دنيا المجاني يتهموننا بالجنون‪ ،‬ويرسلوننا‬ ‫نمارس‬
‫َ‬
‫لغسل أدمغتنا لنكون مشابهي َلمن هم خارج‬ ‫إىل المستشق ْ‬
‫كهف ونحن أصحاب‬ ‫ليست مشق‪ ،‬هذا ٌ‬ ‫ْ‬ ‫المشق‪ ،‬لكن هذه‬
‫وتحت هذا الكهف سيوف الرجعة الت ستعيد لنا‬ ‫َ‬ ‫الكهف‪،‬‬
‫مت فأنا لست‬ ‫هيبتنا‪ ،‬تلك السيوف النارية الت ال َ‬
‫تقهر‪ْ .‬اسمع ّ‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫ثعبان والتهمته‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫إنسانا عاديا‪ ،‬فقد عضت أسد فتحولت إىل‬
‫قائدهم ف الخي ر‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫والش‪،‬‬ ‫وعضت قرد من بت إسائيل فرصت‬
‫سحر موش‪ْ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫قل ىل باهلل عليك هل‬ ‫ولدغت ثعبان فاكتسبت‬
‫منطق‬ ‫عقالء هم كذلك؟! قل ىل بأي‬ ‫َ‬ ‫َمن يسمون أنفسهم‬
‫ٍ‬
‫يوم االثني بيوم االثني‪ ،‬وهو ليس ثات أيام‬ ‫يسمون َ‬
‫بثالث أيام‬
‫ِ‬ ‫األسبوع؟! ويسمون الثالثاء بالثالثاء وهو ليس‬

‫||| ‪29‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ألمر عجيب‬ ‫األسبوع؟ كذلك األرب ع والخميس! إنه حقا ٌ‬


‫قل ىل لماذا يتحايلون عل القانون‬ ‫يستحق التعقل‪ ،‬ثم ْ‬
‫ََ‬
‫والقانون ذكر؟ لو كان القانون يحبهم لما تركهم يتحايلون‬
‫ً‬ ‫ً ُ‬
‫عليه؛ ألنه كما قلت لك آنفا لفظ مذكر‪ ،‬ولو كان القانون مؤنثا‬
‫البش يفتقدون‬ ‫لعذرناه وقلنا إنه يتدلل‪ ،‬قل ىل ماذا لو كان ر‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫بعض‬ ‫حسا‪ ،‬هذا الحس ينقص إدراكهم كما يفقد بعض ر‬
‫البش‬
‫ً‬
‫جميعا؟! قالها وهو‬ ‫كانت المصيبة تخصنا‬‫الحواس‪ ،‬ماذا لو ِ‬
‫ٌ‬
‫ممسك سيجارته ف يده‪ ،‬ثم قال‪ :‬أترى هذه السيجارة! إنها‬
‫أكي من راليتقال الذي يأتون‬‫لدرجة أنها مفيدة َ‬
‫ِ‬ ‫مفيدة جدا‪،‬‬
‫ضعيف‬ ‫ٌ‬ ‫به لنا كل يوم‪ْ .‬اسمعت يا هذا‪َ ،‬‬
‫أنت تريد القانون ألنك‬
‫كالدول الضعيفة الت تلجأ لألمم المتحدة‪ّ ،‬أما الدول القوية‬
‫فمعها حق الفيتو! األمر يشبه العراك‪ ،‬يخضع الضعيف‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫للقوي‪ ،‬ويخضع األضعف لألقل ضعفا‪ ،‬وحينها سي َهيأ‬
‫رغم أنه هزم من غيه‪ ،‬أنت تريد القانون‪،‬‬ ‫للضعيف أنه أقوى َ‬
‫أنت كشخص مهذ ٍب القانون‬ ‫َ‬ ‫وغيك يريد المصلحة‪،‬‬
‫مصلحتك‪ ،‬وهو كشخص ست مصلحته قانونه‪ .‬إنت أعيض‬
‫عليك يا هذا ف وصفك لنا بأننا شياطي نفسية‪ ،‬فنحن‬
‫َ‬
‫ثوب شياطي‪ ،‬نحن أحفاد الخ ِرص‪ ،‬يظن الناس أننا‬ ‫مالئكة ف ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وقتل الغالم‪ ،‬فكان ظاهر‬ ‫رأس ٌار كالخ ِرص الذي خرق السفينة‬
‫الصالح‪ ،‬ال تتعجب من ثقافت‪ ،‬فأنا ف‬‫َ‬ ‫الش‪ ،‬وباطنها‬ ‫أفعاله ر‬
‫ِ‬
‫طبيب‪ ،‬وهذا معلم‪ ،‬وهذا مهندس‪ ،‬وهذا ال أعلم‬ ‫ٌ‬ ‫األصل‬
‫||| ‪30‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ّ‬
‫وظيفته‪ ،‬لكنه معنا ف المستشق‪ ،‬أو بمعت أصح ف الكهف‪،‬‬
‫أنفسنا نفسيا‪ ،‬وهذا ليس‬ ‫لقد دمرونا نفسيا وتركونا ندمر َ‬
‫َ‬
‫نصي‬ ‫بعجيب‪ ،‬فهم َمن دمرونا نفسيا‪ ،‬ثم أتوا بنا إىل هنا لك‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ارفض حدوث هذا‪ ،‬ويريدون أن يعمروا‬ ‫مثلهم‪ .‬يا أخ‪،‬‬
‫َ ْ‬
‫بدل أن يعمروا األرض الت أفسدوها! حقا إن فناء‬ ‫المري خ‬
‫لهو رحمة لكائنات أخرى‪ ،‬إذ إنه يلتهمهم‪ .‬تخيل مع‬ ‫كائن خ َ‬
‫ً‬ ‫ما سأقوله لك حت تفهم ً‬
‫معت عميقا‪ ،‬تخيل مع أن األرض‬
‫كائن خ‪ ،‬ونحن خالياه‪ ،‬والخاليا الت ه الكائنات لها خاليا‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫وما يؤكد ذلك دورة الحياة‪ ،‬تخيل مع أن اإلنسان عندما‬
‫يموت تتناسخ روحه إىل حيوانات مختلفة‪ ،‬ويظل ف دورة‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫طويلة حت يرجع إنسانا‪ ،‬حينها فقط ستدرك قيمة أن تكون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إنسانا‪ ،‬وستتمت‪ -‬وأنت حيوان‪ -‬أن تكون إنسانا حت لو‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫إنسان ر ّ‬
‫أعرفت قيمة نفسك؟ وقيمة كونك إنسانا؟‬ ‫غت‪،‬‬
‫ُ‬
‫أ ْعج َب (بليغ) بكالمه‪ ،‬ثم قال‪ :‬إنت أعاهد نفش عل التأقلم‬
‫رغم األش‪ .‬وتذكر (بليغ) مر َار حياته فقال‪ :‬لقد‬‫من اللحظة َ‬
‫ظلما‪ ،‬بل إن حيات كلها ظلم‪ ،‬أنا ِمن أسة فقية‪،‬‬ ‫دخلت هنا ً‬
‫مع‬ ‫خارج مرص‪ ،‬وبالفعل سافرت َ‬ ‫َ‬ ‫عمل‬
‫كافحت وبحثت عن ٍ‬
‫ْ‬
‫الكفيل إىل اإلمارات‪ ،‬وعملت ف مطعم‪ ،‬وقد تميت عن‬
‫أقرات بأمانت‪ ،‬أحبت صاحب المطعم‪ّ ،‬‬
‫ولما مرض لم يقف‬
‫ٌ‬
‫أحد غيي؛ ألنه لم ْ‬
‫يكن له أوالد‪ ،‬ولعل َ‬
‫عقمه هو‬ ‫بجانبه‬

‫||| ‪31‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫َ‬
‫سبب طالق زوجته منه‪ ،‬اعت رَ َي ِت ابنه‪ ،‬ووهب ىل المطعم‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومالبث أسابيع إل وقد توفاه هللا‪ .‬حزنت عليه حزنا شديدا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫صالحا‪ .‬أدرت المطعم وربحت منه أموال‬ ‫فلقد كان رجًّل‬
‫أغلب األرباح إىل أست‪ ،‬فاشيى رأت‬ ‫َ‬ ‫كثية‪ ،‬وكنت أرسل‬
‫إلتمام‬
‫ِ‬ ‫وبت فيها مشاري َع إلخوت‪ ،‬ودعمهم بماىل‬ ‫أراض َ‬
‫القديم وبت‬ ‫َ‬ ‫المشاري ع من مستلزمات وبضائع‪ ،‬وهدم بيتنا‬
‫عمارة جديدة‪ ،‬وعقارات جديدة محل نظر‪ .‬كل أهل قريتنا لماَ‬ ‫ً‬
‫َ‬
‫ثمان‬‫كان لها من أساس قوي وشكل جذاب‪ ،‬وبعد مرور ِ‬
‫كق غربة‪.‬‬ ‫َ‬
‫خي وفاة والدي‪ ،‬فقلت‬ ‫سنوات من الكفاح جاءت ر‬
‫رجل قد عرض عل رس َاء المطعم َلما رأى فيه‬ ‫وقد كان هناك ٌ‬
‫لكن بعد وفاة أت قررت َ‬
‫بيع‬ ‫من نجاح باهر‪ ،‬وقد كنت أرفض‪ْ ،‬‬
‫ر‬
‫وأقيم فيها‪ ،‬ويكون ىل مشاري ع‬ ‫َ‬ ‫المطعم وأعود إىل بالدي‪،‬‬
‫اسم‬‫هناك‪ .‬رجعت إىل مرص وبالتحديد إىل قريت‪ ،‬وحرصت مر َ‬
‫ولما جاء وقت توزي ع المياث‪ ،‬قال ىل إخوت‪:‬‬ ‫عزاء أت‪ّ ،‬‬
‫ر‬
‫أموالك من المياث ليس لك فيها حق‪ ،‬وكذلك العمارات‬
‫والمشاري ع الت بناها أبونا وجهزها لنا‪ .‬قلت لهم‪ :‬إن هذا من‬
‫ً‬
‫ماىل ونتاج جهدي‪ ،‬وأنتم تعلمون هذا جيدا! ولكنهم لم‬
‫يكتفوا بذلك؛ بل اتفقوا عل توزي ع المياث فيما بينهم‪،‬‬
‫بسبب خطأ ف اسم‪ ،‬فاسم مقيد عند‬ ‫ِ‬ ‫وأنكروا أت أخوهم‬
‫الحكومة (بليغ محمد توفيق)‪ ،‬و(توفيق) هذا هو لقب‬
‫جيدا أنه ف أيام الملكية لم ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫يكن هناك‬ ‫فأنت تعلم‬ ‫جدي‪،‬‬
‫||| ‪32‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ً‬ ‫ٌ‬
‫اهتمام بتقييد األسماء‪ ،‬فكان اسم جدي مختلفا بيت وبينهم‪،‬‬
‫فق بطاقة تعريق الشخصية اسم جدي (توفيق) وف‬
‫وحرموت من المياث‬ ‫بطاقتهم اسمه (عطية) فاستغلوا ذلك‪َ ،‬‬
‫فقيا! لم‬‫الذي هو ف الحقيقة ماىل ال مال أت‪ ،‬فوالدي كان ً‬
‫ر‬
‫نسب‬ ‫ٍ‬ ‫يقف الظلم عند ذلك‪ ،‬فعندما رفعت قضية إثبات‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫نست غية وحقدا‪ ،‬قلت‪ :‬عوض عل‬ ‫رفض أهل القرية إثبات ر‬
‫ْ‬
‫هللا‪ .‬وقررت أبدأ حيات من جديد بما مع من مال بيع‬
‫المطعم‪ ،‬وبما تبق مع من األموال القليلة الت كنت أدخرها‬
‫وال أرسلها‪ .‬أقمت عدة مشاري ع؛ محل مالبس جملة‪ ،‬ومحل‬
‫بيع أغذية جملة‪ ،‬ومحل بيع أدوات ميلية‪ ،‬ومقه‪ ،‬لكت‬
‫ّ‬
‫حوربت للمرة الثالثة ووقف أهل القرية ضدي‪ ،‬فكانوا يبيعون‬
‫فشل مشاريع‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بأقل من سعر الجملة‪ ،‬ويخشون ف سبيل‬
‫حت إذا ما فشلت باعوا بالسعر الذي يرغبون فيه‪ ،‬معو ِضي‬
‫من المكسب‪ ،‬فضاع كل ماىل‪ ،‬وخشت‬ ‫خسارتهم بأضعاف َ‬
‫ٍ‬
‫غي أمناء‪،‬‬‫كل ما أملك من محالت‪ ،‬حت المقه أوكلتها ألناس ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫أغلب األرباح حت نفد كل ماىل‪ ،‬فحزنت حزنا‬ ‫فكانوا يشقون‬
‫ً‬
‫شديدا عل ما ألم رت‪ ،‬فاستغل إخوت حزت وأدخلوت‬
‫مستشق النفسية والعصبية‪ ،‬ولألسف لم يمي الطبيب‬
‫المشخص بي الحزن واالكتئاب الشديد لما هول إخوت من‬
‫مت‪ ،‬وكان من المفيض أن يمي‬ ‫حالت‪ ،‬لكن الطبيب سمع ّ‬
‫مع األسف شخصت كحالة‬ ‫بي الحزن واالكتئاب‪ ،‬لكنه َ‬

‫||| ‪33‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫عني (أ)‬ ‫حرجة تحتاج إىل العناية ف المشق‪ّ ،‬‬


‫ولما حولوت إىل ر‬
‫مت حذات‪ ،‬قلت حت المجاني لم‬ ‫رجال ف أول يوم‪ ،‬س َق ّ‬
‫ِ‬ ‫ََ‬
‫أنج منهم! أأنا هذيل لهذه الدرجة!؟‬
‫َ‬
‫المجاني يستغلونت هم‬ ‫أأنا خائب لهذه الدرجة الت تجعل‬
‫اآلخرون‪ .‬ال أكذب عليك‪ ،‬فالوضع كان ف منته الصعوبة‪،‬‬
‫ّ‬
‫كنت أحس بالظلم‪ ،‬وأشعر أت ف سجن وف غابة‪ ،‬لقد كنت‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫أرى المرض يرصبون بعضهم البعض فأ ْر َعب‪ ،‬ويزداد خوف‬
‫عل نفش‪ ،‬أجزم بأن الحياة هنا أصعب من الخارج؛ فق‬
‫ْ‬
‫الخارج األسوياء قليلون‪ّ ،‬أما هنا فمعدومون‪ .‬انصحت ماذا‬
‫وسط الذئاب الماكرة‬ ‫البش‪َ ..‬‬ ‫وسط ر‬ ‫العيش َ‬ ‫َ‬ ‫أفعل ك أستطيع‬
‫المفيسة؟!‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حكيم‪ :‬لقد أشفقت عليك‪ ،‬إن قصتك مثية للشفقة؛ لذلك‬
‫َ‬
‫اصط ِن ْع‬ ‫بي الذئاب؛‬ ‫ذئبا َ‬ ‫سأنصحك بنصيحة تجعلك ً‬
‫ً‬
‫لنفسك عقدا‪ ،‬وتعلم من الجميع‪ ،‬وخاصة المخالفي لك ف‬
‫عن‬ ‫ا‬ ‫ليكن صمتك تأم ًًّل‪ ،‬وكالمك ً‬
‫بوح‬ ‫ْ‬ ‫ا‪،‬‬
‫ً‬
‫جيد‬ ‫الرأي‪ ،‬وأ ْص ِغ‬
‫ِ‬
‫قبل أن تتكلم‪ ،‬وتعلم آراء المخالفي‬ ‫التأمل‪ ،‬فكر فيما تقول َ‬
‫أفكارهم‪ ،‬تشبث‬ ‫وتي َ‬ ‫س معهم ر‬ ‫لك ْإن كانت ه آر َاء العامة‪ْ ،‬‬
‫بالغضب ال‬ ‫َ‬
‫األمور الصعبة‬ ‫وواج ِه‬ ‫بشاسة‬ ‫دافع عنها ر‬ ‫ْ‬ ‫بها‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضعف‪ ،‬والغضب قوة‪ ،‬والهزيمة تأت من‬ ‫ٌ‬ ‫بالحب‪ ،‬فالحب‬
‫نفسك ظانا بأنك‬ ‫تحتقر َ‬ ‫َ‬ ‫الضعف ال من القوة‪ ،‬وإياك أن‬ ‫ِ‬

‫||| ‪34‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫منافق‪ ،‬فالمنافق يخدع اآلخرين لينترص عليهم ويرصهم‪ّ ،‬أما‬


‫ذئبا بي الذئاب‬ ‫نفسك من رسهم‪ ،‬هكذا ستصي ً‬ ‫أنت فتحم َ‬
‫أنت مريض بمرض نادر؛ مريض بالنقاء‪.‬‬ ‫يا صديق‪َ ،‬‬
‫ْ‬ ‫قلب مريض باإلخالص يجب بيه حت ال ر‬ ‫لك ٌ‬
‫تنتش العدوى‪،‬‬
‫ْ‬
‫عالجك الخذالن واآلالم‪ ،‬لعلك لم تذق جرعة شديدة بعد‬
‫َ‬
‫حت تشق من مرضك‪ ،‬وحدي أفهمك وأفهم ما بداخلك‪،‬‬
‫وأشعر بما تشعر به‪ ،‬صدقت يا صديق الحياة تقتل كل جميل‬
‫قوة ر‬‫َ‬
‫الش‬ ‫تجينا أن نكون سيئي‪ ،‬إننا نحارب‬ ‫فينا‪ ،‬الحياة ر‬
‫ْ‬
‫قبل وجودنا‪ ،‬لو دام حالنا‪ ..‬لو دامت طيبتنا ستدوم‬ ‫المسيطرة َ‬
‫وجه السماء‪ ،‬ولنبصق ف وجه من عل‬ ‫خيبتنا‪ ،‬إذا لنبصق ف ْ‬
‫األرض‪ ،‬لكن لو بصقنا ف وجه السماء ستعود البصقة إىل‬
‫بصقنا ف ْ‬ ‫ْ‬
‫وجه َمن عل األرض سيتم دهسنا؛‬ ‫وجوهنا‪ ،‬ولو‬
‫َ‬
‫ِل َنم ْت ق ْه ًرا يا صديق‪.‬‬
‫نفسه‪ :‬عل أن أتعلم من المجاني‪ ،‬فق كل كلمتي‬ ‫بليغ محد ًثا َ‬
‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫يصحبهما الهذيان هناك كلمة تصحبها الحكمة‪ ،‬إنت أدعو‬
‫نفش لتعلم هذه الحكمة َ‬
‫وسط كل هذا الجنون‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫برجل يطوف ف المكان‪ ،‬قائًّل‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫التفت (بليغ) خلفه فإذا‬
‫َ‬
‫ليعرف‬ ‫"الداخل عاقل‪ ،‬والخارج مجنون"‪ .‬فأقبل عليه (بليغ)‬
‫َ‬
‫الرجل وقال له‪ :‬عرفت بنفسك‪.‬‬ ‫قصته‪ ،‬فأوقف‬
‫الرجل‪ :‬اسم إسماعيل‪.‬‬

‫||| ‪35‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫بليغ‪ :‬ما الذي جاء بك إىل هنا؟‬


‫ً‬
‫مريضا نفسيا‪ ،‬أنا مدمن‪.‬‬ ‫إسماعيل‪ :‬لست‬
‫ْ ُ َ‬ ‫ً‬
‫متعجبا‪ :‬كيف يد ِخلون المدمني مع المرض النفسيي‪،‬‬ ‫بليغ‬
‫إن هذا سييد من حدة اكتئابهم‪ ،‬ثم كيف للمدمني أن يدخلوا‬
‫مستشق نفسية وعصبية!‬
‫إسماعيل‪ :‬أنسيت أن اسم المستشق النفسية والعصبية‬
‫وعالج اإلدمان؟‬
‫بليغ‪ :‬وما الذي دفعك لإلدمان؟ أي عقل يختار أن يكون ً‬
‫أسيا‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫رلشء‪ ،‬وعبدا له؟! أل تعقل؟‬
‫إسماعيل‪ :‬لقد كنت ً‬
‫ذاهبا‪ ،‬فأعود إىل البيت ألجد أم تمارس‬
‫َ‬
‫الجنس وزوجت كذلك‪.‬‬
‫قالها والدموع ف عينيه‪ ،‬ثم بك‪ ..‬ثم ازداد بكاء ألنه بك‪،‬‬
‫فاسيسل ف البكاء‪ ،‬وقال وهو ينهنه‪ :‬لقد أشعروت أن اإلنسان‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫عضو جنش‪ ،‬أشعروت أن هذا ليس بيتا‪ ،‬وإنما هو‬ ‫ما هو إل‬
‫بيت دعارة‪ ،‬قصت مؤلمة‪ ،‬أليس كذلك؟! قل ىل أي عقل‬
‫َ‬
‫يتقبل ذلك أيها العاقل‪ ،‬لم أستطع مقاومة ذلك إل‬
‫بالمنشطات والمكيفات‪ .‬إن الدولة تخصص ميانية ضخمة‬
‫لمعالجة المدمني عل نفقتها‪ ،‬والسؤال لماذا تسجنهم إذا‬
‫َ‬
‫أمسكتهم وهم يتعاطون المخدرات‪ ،‬وال تسجنهم إذا دخلوا‬
‫المصحة النفسية؟"‪.‬‬
‫||| ‪36‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ببساطة لتعذر َمن يسلك هذا السلوك الست‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫بليغ‪:‬‬
‫ً‬
‫إسماعيل‪ :‬السؤال أيها الذك لماذا تلق ِبهم ف السجون بدل‬
‫ِمن أن تلق بهم ف المصحات النفسية؟‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مناد‪" :‬حان وقت‬
‫وما إن أنه إسماعيل كالمه حت نادى ٍ‬
‫ً‬
‫مكلفا ْ‬ ‫ً‬
‫للمرض النفسيي؛ ألن‬ ‫غذاء‬ ‫الغداء"‪ .‬تقدم الدولة‬
‫بشاهة‪ ،‬ومنهم َمن يجعله‬‫منهم َمن يجعله اكتئابه يأكل ر‬
‫عن الطعام‪ ،‬وهذا األمر يجعلت أتطرق إىل‬ ‫يحجم ِ‬‫اكتئابه ِ‬
‫حكاية ذل السجائر‪ ،‬هنا ف المستشق الوحيدة المسموح فيها‬
‫للمرض بالتدخي‪ ،‬هنا السجائر ه المعدن النفيس‪ ،‬وس‬
‫مريض اكتئابه‪ ،‬يجعله اكتئابه يأكل‬ ‫ٌ‬ ‫الحياة‪ ،‬فقد يستبدل‬
‫مقابل سيجارة‪ ،‬ممن يجعله اكتئابه يحجم‬ ‫َ‬ ‫اهة الطعام‬ ‫ر‬
‫بش ٍ‬
‫َ‬
‫وجبة‬
‫ٍ‬ ‫عن الطعام‪ ،‬ال يتوقف ذل السجائر عند استبدال‬
‫سيجارة‬ ‫نفسا من‬ ‫بسيجارة‪ ،‬فكان عندما يطلب أحدهم ً‬
‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫باطن كق‪ .‬فيقبل السيجارة‪،‬‬ ‫تعال قبل‬ ‫مريض آخر‪ ،‬يقول له‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫لسادية‪ ،‬فلو‬ ‫يكن المريض مريضا با‬ ‫ويأخذ النفس‪ ،‬هذا إن لم ِ‬
‫ّ‬
‫السادي‬ ‫تماما‪ ،‬فالمريض‬ ‫كان المريض ساديا فالوضع يختلف ً‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سيجارة يلق السيجارة‬ ‫ٍ‬ ‫إذا طلب أحد المرض منه نف ًسا من‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫تحت قدميه‪ ،‬وينتظر عندما يأت وينحت ليأخذ السيجارة‬
‫َ‬
‫فيرصبه عل قفاه‪ ،‬كل هذا من أجل نفس سيجارة!؟‬

‫||| ‪37‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫وجبته َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫خرج‬ ‫لنكمل حديثنا عن (بليغ)‪ ،‬وبعد أن تناول (بليغ)‬
‫ً‬
‫من (الميس) الذي يتناولون فيه الطعام‪ ،‬فوجد رجًّل تبدو‬
‫ً‬
‫عليه عالمات االكتئاب الحادة ممسكا بسيجارته‪ ،‬ويدخن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫نصف السيجارة ف نفس واحد‪،‬‬ ‫بشاهة لدرجة أنه أنه‬
‫فأقبل عليه (بليغ) ليسمع قصته‪ ،‬فسأل الرجل‪ :‬ما اسمك؟‬ ‫َ‬
‫الرجل‪ْ :‬اسم عزت السقا‪.‬‬
‫بليغ‪ :‬ما الذي جاء بك إىل هنا؟‬
‫منا بداخله ٌ‬ ‫ّ‬
‫لص‪ ،‬وأنا أمسكت هذا‬ ‫واحد‬
‫ٍ‬ ‫عزت السقا‪ :‬كل‬
‫اللص‪ ،‬لقد أصبت بلعنة الشك‪ ،‬أشك ف كل رشء‪ ،‬وأي رشء‪،‬‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫مريض بالشك‪ ،‬لكن نفوسهم أشد مرضا! فق كل‬ ‫صحيح أنا‬
‫جيت مرض فيها عل الشك كان شك ف محله‪ ،‬ال‬ ‫مرة أ ر‬
‫أستطيع مواجهتهم‪ ،‬وال أستطيع مواجهة نفش‪ ،‬إذ أت لم‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫اذهب إىل عزبة‬ ‫أجد نفش بعد حت أواجهها‪ ،‬أتريد مال‬
‫ً‬
‫السقا‪ ،‬وقل لهم عزت يقول لكم أعطوت مال سيعطونك عل‬
‫الفور‪.‬‬
‫بل من طريقة إلقائه للكلمات الت‬ ‫خاف (بليغ)‪ ،‬ال من كلماته؛ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫رجل فيداد‬
‫ٍ‬ ‫أشعرته بأن جنا يتكلم‪ ،‬ويسمع (بليغ) ضاخ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫أكي ّ‬‫َ‬
‫سمع من عزت‪ ،‬يرصخ الرجل قائًّل‪:‬‬ ‫مما‬ ‫خوفه‬
‫َ‬
‫"الممرضون قد ضبوت البارحة يا دكتور جالل‪ ،‬توقف من‬
‫فضلك‪ ،‬لقد ضبوت بدون أي سبب"‪ ..‬ويكشف الرجل عن‬

‫||| ‪38‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫َ‬
‫ض َب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫وط‬ ‫بالس‬ ‫د‬ ‫عالمات كأنه ج ِل‬
‫ٍ‬ ‫ظهره فيى الدكتور‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫أقسم الممرضون جميعا للطبيب أنه لم يمسه أحد‪ ،‬وأن هذه‬
‫دائما‪ ،‬راجع الطبيب الكاميات‪،‬‬ ‫الشكوى كيدية‪ ،‬وتتكرر منه ً‬
‫ٌ َ‬
‫فإذا بكالم الممرضي صحيح‪ ،‬لم يمسه أحد‪ ،‬ف ِم ْن أين أتت‬
‫تلك العالمات!؟‬
‫مع بعضهم‪ ،‬و(بليغ)‬ ‫يتحدث الممرضون والممرضات َ‬
‫بعد أن انرصف الطبيب‪:‬‬ ‫َ َ‬
‫منصت لهم‪ ،‬فإذا بالممرضات يقلن‬
‫َ‬
‫ضبه أحدكم؟"‪ ..‬قال الممرض معاذ‪" :‬لقد‬ ‫َ‬ ‫"بصدق هل‬
‫ٍ‬
‫َ‬
‫ضبت اثني البارحة‪ ،‬وعذرتهما ألنهما تشاجرا"‪ ..‬ثم قال‬
‫أمام الممرضات‪" :‬لقد سبت أحد المرض‬ ‫مفتخرا بنفسه َ‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫البارحة أيضا‪ ،‬فربطته ف الشير‪ ،‬وضبته ضًبا رمي ًحا‪ّ ،‬أما هذا‬
‫فلم أقي ْب منه"‪ ..‬قال الجميع‪" :‬وال أنا"‪ ..‬قالت سعاد‬
‫كعني‬
‫ر‬ ‫عني الرجال ليس‬ ‫"من حظك أن ر‬ ‫الممرضة لمعاذ‪ِ :‬‬
‫َ‬
‫عني الرجال عندما ترصب أحدهم يتفرق‬ ‫النساء‪ ،‬فق ر ِ‬
‫يجتمع َن‬
‫ْ‬ ‫عني النساء‪ ،‬عندما ترصب إحداهن‬ ‫عكس ر‬ ‫َ‬ ‫الجميع‪،‬‬
‫لرصبك"‪.‬‬
‫معاذ‪ :‬إن ر‬
‫عني النساء يفر منه الممرضون والممرضات‪ ،‬فتفر‬
‫حماية أنفسهن‪ ،‬ويفر‬
‫ِ‬ ‫الممرضات لعدم قدرتهن عل‬
‫الممرضون بسبب َم ْن عندهن هاجس اللمس أو وسواس‬
‫َ َ‬
‫ووضع يده عل قفاه‪ ،‬ثم‬ ‫اللمس‪ ،‬فقد جربت هذا بنفش‪،‬‬

‫||| ‪39‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫َ‬ ‫ً‬
‫مرة فرصخت مريضة‪ ،‬لقد‬ ‫ٍ‬ ‫ذات‬ ‫ا‬ ‫واقف‬ ‫قال‪" :‬لقد كنت‬
‫ْ‬
‫َلم َست‪ ..‬لقد َلم َست‪ ،‬إنه يعبث ف جسدي‪ ،‬وأف َحمتت ضًبا‪،‬‬
‫َ‬
‫وأكملن الرصب"‪.‬‬ ‫فاجتمعت كل النساء‬
‫َ‬
‫برجل‬
‫ٍ‬ ‫بأحد يضع يده عل كتفه‪ ،‬فالتفت‪ ،‬فإذا‬ ‫ٍ‬ ‫أحس (بليغ)‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫وسيم يقول له‪" :‬ما بك أراك واقفا مشدوها؟"‪.‬‬
‫بليغ‪ :‬ال رشء‪ ،‬فقد كنت أفكر ف أمر‪.‬‬
‫الرجل‪ :‬ما اسمك؟‬
‫ً‬
‫بليغ (معرفا نفسه)‪ :‬اسم (بليغ)‪ .‬وأنت ما اسمك؟‬
‫الرجل‪ :‬اسم عصام‪.‬‬
‫بليغ‪ :‬وما الذي َ‬
‫جاء بك إىل هنا يا عصام؟‬
‫عصام‪ :‬ال أحب أن أتذكر ما َ‬
‫جاء رت إىل هنا‪ ،‬ال تذكرت بخيبت‪،‬‬
‫بسبب‬
‫ِ‬ ‫لكن يبدو عليك أنك إنسان صالح؛ لذلك سأصارحك‬
‫مجيت إىل هنا‪.‬‬
‫ثم وضع َيده عل صدره‪ ،‬وقال‪ :‬هنا ٌ‬
‫ثقل‪ ،‬لقد كنت شابا‬
‫ً‬
‫كفرد أمن‪ ،‬وبينما‬
‫ِ‬ ‫أعمل‬ ‫فكنت‬ ‫‪،‬‬ ‫إىل‬ ‫الفتيات‬ ‫تنجذب‬ ‫جميًّل‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫واقف ذات مرة رأيت فتاة سمراء‪ ،‬لكنها شديدة الجمال‪،‬‬ ‫أنا‬
‫َ‬
‫كاشفة عن شعرها وساقيها ممن يدعون أنفسهن‬
‫ْ‬
‫فالحظت ذلك‪ ،‬والتفتت إىل‬ ‫بالمتحررات‪ ،‬ست وراءها‬
‫عالمات القبول‪ .‬دخلت‬
‫ِ‬ ‫فاعتيت ذلك من‬ ‫ر‬ ‫وابتسمت‪،‬‬

‫||| ‪40‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫المطعم وراءها وقد شجعتت ابتسامتها عل الحديث معها‪،‬‬


‫جلست عل نفس الطاولة الت جلست عليها‪ ،‬وقلت لها‪" :‬أنا‬
‫أنجذب لفتاة مثلما انجذبت‬ ‫ْ‬ ‫معجب بك‪ ،‬وصدقيت لم‬
‫إليك"‪ ..‬قالت وه مبتسمة‪" :‬وأنا أرى كل سمات الرجولة‬
‫طلب الزواج منها‪ ،‬فقالت‪" :‬أنا ال‬ ‫فيك"‪ .‬شجعت ذلك عل ِ‬
‫ّ‬
‫سطحيون‪ .‬اتسع‬ ‫حاليا‪ ،‬وخاصة أن الرجال‬‫أفكر ف ذلك األمر ً‬
‫صدري‪ ،‬وقلت لها‪" :‬سأتقبلك كما أنت"‪ ..‬وأنا أقدر تفكي‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫المرأة وعمقها‪ .‬لم أكن أعلم حينها أن عمق المرأة ف ِ‬
‫رحمها‪،‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫بل إن رحمها حت ليس عميقا‪ ،‬فهو بضعة سنتيميات‪ ،‬وبعد‬
‫مت‪ ،‬وكانت الكارثة‪.‬‬‫أن سمعت كالم‪ ،‬قبلت الزواج ّ‬
‫ِ‬
‫يوم لنا ف الزواج‪ ،‬دخلت عليها كأي عريس يدخل عل‬ ‫ف أول ٍ‬
‫ً‬
‫زوجته‪ ،‬فلم يكن لها بكارة‪ ،‬حزنت فاحتضنتت باكية‪ ،‬قائلة‬
‫قبل أن تخطبت‪،‬‬ ‫بكذبتهن المشهورة‪" :‬لقد كنت مخطوبة َ‬
‫خطيت جدا‪ ،‬ومارست معه الحب‪ ،‬أليس‬ ‫ر‬ ‫ولقد كنت أحب‬
‫من حق الحبيب أن يحتضن حبيبه‪ ..‬ويمارس معه الحب‪،‬‬
‫َ‬
‫الفؤاد وترويه؟ لكنه توف َ‬
‫إثر‬ ‫ويمارس عالقة كاملة معه تشبع‬
‫َْ‬
‫حادث بالسيارة‪ ،‬لقد وعدتت أن تتقبلت كما أنا‪ ،‬أرجوك ال‬
‫تكن سطحيا‪ ،‬لقد أحببت فيك عمقك الذي تنفرد به عن باف‬ ‫ْ‬
‫الرجال"‪.‬‬

‫||| ‪41‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫عل الحيلة‪ ،‬فتقبلتها كما ه‪ ،‬وأخذت أحنو عليها‪،‬‬ ‫ْ‬


‫انطلت ّ‬
‫وأضمها إىل صدري‪ ،‬وأربت عل كتفها‪ ،‬وأقول لها‪" :‬أحبك"‪..‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫لكن لم يكن جزاء اإلحسان اإلحسان؛ بل كان جزاؤه الخيانة‪،‬‬
‫الهاتف بصيغة المؤنث‪،‬‬
‫ِ‬ ‫فقد كانت تتحدث مع عشيقها ف‬
‫لكن من حظها الست أنه ذات مرة كان صوت الهاتف‬
‫َ‬ ‫المحمول ً‬
‫عاليا‪ ،‬فسمعت صوته‪ ،‬فقلت لها‪" :‬أتخونيت بعد‬
‫ألك‬‫إليك؟ ِ‬
‫كل ما فعلته من أجلك؟ هل هذا جزاء إحسات ِ‬
‫َ‬
‫بعد كل ما فعلته من أجلك؟"‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫وحبيب غيي‬ ‫عشيق‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫أنكرت بشدة‪ ،‬وقالت إنه ي َهيأ ىل ما قد سمعته‪ ،‬والمتت عل‬
‫تنطل عل الحيلة‪،‬‬‫ِ‬ ‫شك فيها‪ ،‬وبكت‪ ،‬لكن هذه المرة لم‬
‫ومن يومها وأنا مكتئب‪ ،‬ومعقد من‬ ‫فطلقتها عل الفور‪ِ ،‬‬
‫ّ‬
‫قلبا‪ ،‬لكت اآلن أصبحت‬ ‫النساء‪ ،‬حقا إن المرأة تمتلك ً‬
‫رحما ال ً‬
‫أتقبل النساء‪.‬‬
‫بليغ‪ :‬وما السبب؟ أعطت الش؟‬
‫عصام‪ :‬أصبحت أتقبل النساء؛ ألت باختصار ضت أتقبل‬
‫القذارة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫أعرفهن‪.‬‬ ‫بليغ (محدثا نفسه)‪ّ :‬أما أنا‪ ،‬فلم تخدعت امرأة؛ فأنا‬
‫أعرفهن وأعرف مدى حقارتهن‪ ،‬كل النساء الالت مررت بهن‬
‫َ‬
‫تجارب ألعرف منهن طبيعة المرأة‪ ،‬حت‬
‫ٍ‬ ‫ف حيات كن فيان‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫كي‬
‫أنت كنت أتعمد أن أضع نفش موضع الضعف أحيانا مع أ ِ‬
‫||| ‪42‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫من امرأة ألرى ردة أفعالهن‪ ،‬وأعرف عن المرأة أكي؛ فالمرأة‬


‫أخش‬ ‫أخش َ‬
‫الفأر وال ر‬ ‫بالنسبة ىل فأرة تجارب إ ّل إنت قد ر‬
‫المرأة‪.‬‬
‫وإذ بولد يتدحرج َ‬ ‫ْ‬
‫جوار أقدامهم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫جاء بهذا الغالم إىل هنا؟ ما الذي َ‬
‫جاء به إىل‬ ‫بليغ‪ :‬ما الذي َ‬
‫عني الرجال؟!‬‫ر‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫البنية‪.‬‬ ‫عصام‪ :‬هذا ليس طفًّل‪ ،‬وإنما هو شاب ضعيف‬
‫بليغ للولد‪ :‬ما الذي َ‬
‫جاء بك إىل هنا؟‬
‫الولد‪َ :‬من تقصد؟ أتقصد حمو‪ ،‬أم الشبح‪ ،‬أم العفريت؟‬
‫ً‬
‫فصام‪ .‬ثم تكلم‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫بليغ (محدثا نفسه)‪ِ :‬من الواضح أنه مريض‬
‫ً‬
‫قائًّل‪ :‬وما الفرق بي حمو والشبح والعفريت؟‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫العيش ف‬ ‫الولد‪ :‬حمو طيب‪ ،‬والطيب يؤكل‪ ،‬حمو ال يستطيع‬
‫هذه الحياة‪ ،‬حمو مات‪ ،‬وأنا شبحه‪ ،‬أم َمن تكفلت برعايت‬
‫َ‬
‫وأنا صغي بعد وفاة رأت‪ ،‬وإخوة والدي الذين ال يستحقون‬
‫ّ‬
‫لقب أعمام‪ ،‬لم يساعدوا ّأم المسكينة‪ ،‬لقد كنا ننام ف‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫الطرقات‪ ،‬وقد تعرض البلطجية ألم واغتصبوها وأنا مكتوف‬
‫َ‬
‫اليدين ال أستطيع الدفاع عنها‪ ،‬وال أستطيع اإلنفاق عل‬
‫ِ‬
‫نفش‪ ،‬أنت ال ترات اآلن‪ ،‬أليس كذلك؟! ألت العفريت‪.‬‬

‫||| ‪43‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫هو شخصيته‬ ‫سببا‪ ،‬فحمو َ‬


‫شخصية ً‬ ‫فه َم (بليغ) حينها أن لكل‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ر‬
‫الحقيقية المهزومة الت دفنتها بشاعة الحياة وس الناس؛‬
‫شخص آخر وهو الشبح الذي سيعجهم‪ ،‬فال شك‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ليخرج لنا‬
‫اختار شخصية العفريت؛ ألن العفريت صغي الحجم‬ ‫َ‬ ‫أنه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫مثله‪ْ ،‬‬
‫ليدافع‬ ‫لكن فيه س القوة‪ ،،‬القوة الت طالما تمناها حمو‬
‫ضعفه‪ ،‬وه االختفاء حيث إن حينها سيرصب الخصم‬ ‫ِ‬ ‫عن‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫مهما كان ضعيفا فهو ال يراه‪.‬‬
‫ً‬
‫وأخذ ف التدحرج‪ ،‬ثم رأى (بليغ) رجًّل ر ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫افعا‬ ‫ترك الولد (بليغ)‬
‫أحدهم ضبه ً‬ ‫َ‬
‫ضبا رمي ًحا حت‬ ‫رأسه‪ ،‬ويده مكسورة‪ ،‬يبدو أن‬
‫ً‬
‫كش ذراعه‪ ،‬يرفع الرجل صوته وهو يسي‪ ،‬قائًّل‪" :‬جميع‬
‫السماوات واألرض‪ ،‬جميع السماوات واألرض"‪.‬‬
‫َ‬
‫بليغ‪ :‬ما بك يا رجل؟‬
‫الرجل‪ :‬جميع السماوات واألرض‪.‬‬
‫بليغ‪ :‬ما بها؟‬
‫الرجل‪ :‬أنا خالقها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فه َم (بليغ) حينها َلم كش ذراعه‪ ،‬إنه مدع األلوهية‪ ،‬وسبب‬
‫ِ‬
‫ٌ‬
‫ادعائه أنه مريض بجنون العظمة‪.‬‬
‫بليغ‪ :‬وكيف خلقتها؟‬
‫ظانا أن له فلسفة َ‬
‫كمن سبقوه من المرض‪.‬‬

‫||| ‪44‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫بدل أن أضبك‪.‬‬ ‫الرجل‪ :‬اذهب يا ولد َ‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫ذهب (بليغ) إىل سيره ك ينام‪ ،‬فنادى عليه رجل‪ ،‬سأله‬
‫ً‬
‫(بليغ)‪َ :‬من أنت؟ رد الرجل قائًّل‪ :‬أنا المهدي‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫بليغ (مازحا)‪ :‬لقد سألتك عل اسمك‪ ،‬ولم أسألك عن ِ‬
‫مهنتك‬
‫أيها المخلص‪.‬‬
‫الرجل‪ْ :‬اسم صابر‪.‬‬
‫بليغ‪ :‬حدثت عن دعوتك‪.‬‬
‫لنرصة الحق‪،‬‬ ‫َ‬
‫األرض رحمة‪ ،‬قد جئت‬ ‫صابر‪ :‬لقد أتيت ألمأل‬
‫ِ‬
‫نبع ماء أروي‬ ‫عذبا أو َ‬
‫بيا ً‬
‫وقطع شوكة اليهود‪ .‬أتيت ألكون ً‬
‫ِ‬
‫صدور العطا رش والتائهي ف صحاري الحياة‪ ،‬حياة غرور‬ ‫َ‬
‫كاذبة تغوي الذباب بالعسل‪ ،‬وتنش الموت الذي ينتظرها ف‬
‫باليكة‪،‬‬
‫قلب لذتها‪ ،‬حط قليل‪ ،‬لكنه كطعام الفقراء يمتل ر‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫هللا يوزع األرزاق ويقسمها‪ ،‬فال البحر يستطيع منع أسماكه‪،‬‬
‫منع طيه‪ ،‬وال السماء َ‬
‫منع قطرها‪ ،‬وما يرزق هللا به‬ ‫وال الهواء َ‬
‫ِ‬
‫هل البحر لو أن ألهل الصحراء ً‬
‫قسما فيه ألتاهم رزقهم‪ ،‬فال‬ ‫أ َ‬
‫نوره مصبح؛ فنور‬ ‫مما عند هللا‪ ،‬فليطق َمن يظن أن َ‬‫خوف ّ‬ ‫ٌ‬
‫قلت ال يعادله أي نور‪ ،‬الخي للجميع‪ ،‬والدمار كل‬ ‫هللا ف ر‬
‫الدمار لليهود‪ ،‬هذه رسالت‪.‬‬
‫بليغ‪ :‬وكيف ستحارب هم؟ هل بالسيوف أم باألسلحة‬
‫الحديثة؟‬
‫||| ‪45‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫َ‬
‫أفعل ذلك‬ ‫صابر‪ :‬بالطائرات‪ ،‬سأحارب هم بالطائرات‪ ،‬لكت لن‬
‫ْ‬
‫وحدي‪ ،‬يجب أن تعود األمة إىل رش ِدها‪ .‬إن أمة ت َحرم‬
‫َ‬
‫تعاليم‬ ‫ْ‬
‫خالفت‬ ‫الموسيق وال تحرم الكسل؛ ه أمة خاملة‪،‬‬
‫قل ورات‪ ..‬اللهم أعطت ً‬
‫يوما من أيام عم‬ ‫دينها الصحيح‪ْ ،‬‬
‫صابر‪.‬‬
‫ردد (بليغ) ما قاله صابر‪ ،‬ثم سأله‪ :‬لماذا يوم ال أيام؟‬
‫َ‬
‫خمسي سنة من‬ ‫صابر‪ّ :‬لما علم آدم بأت المهدي أعطات‬
‫عمره‪ ،‬ونش أنه بذلك يؤخرت عن مهمت‪ ،‬وأيام كلها حزينة‬
‫عن مهمت الحقيقية الت ستكون ف أواخر‬ ‫بسبب بعدي ْ‬
‫يوما ال ً‬‫مت ً‬ ‫َ‬
‫تأخذ ّ‬
‫أياما‪ ،‬فقد تعيش‬ ‫عمري‪ ،‬لذلك أريدك أن‬
‫أخذت أيام‪ ،‬وهذا ما ال أقبله‪ ،‬ألت أحب الجميع‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫تعيسا لو‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫رفرف رفرفة‬ ‫يا هللا‪ ..‬إت كطائر ذبح‪ ،‬وكلما حاول الطيان‬
‫ّ‬
‫الذبيح! يا هللا‪ ..‬إت أشعر أت ابتعدت عن غايت‪ ،‬وأن روخ‬
‫بحشجة الذبيحة‬ ‫مثقلة‪ ،‬وأرفرف رفرفة الميت‪ ،‬إ ّت أشعر ر‬
‫وغرغرة الميت‪.‬‬
‫آمن بك أحد؟‬ ‫بليغ‪ :‬وهل َ‬

‫صابر‪ :‬أخت صدقتت‪ ،‬وبعض الناس الذين معنا هنا‪ ،‬وكذلك‬


‫طالب كلية التمريض الذين يزوروننا‪.‬‬
‫ثم أشعل سيجارته‪.‬‬

‫||| ‪46‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫مخاطبا نفسه)‪ :‬ال شك ف أن كلهم يسايرونه كما أسايره‬ ‫ً‬ ‫بليغ (‬


‫َ‬ ‫ً‬
‫خوفا من أن يرصبت"‪ ..‬لكن سعان ما حث الفضول (بليغ)‬
‫عل الشجاعة‪ ،‬فقال له‪" :‬إذا كنت المهدي فلماذا ألقوا بك‬
‫قل ىل هل ينبع عل المهدي أن‬ ‫ف المستشق؟ جاوبت ثم ْ‬
‫يدخن!"‪.‬‬
‫صابر‪ :‬إن َمن يلق بالمخلص داخل مستشق األمراض‬
‫لهو ٌ‬
‫كافر بالرصورة‪.‬‬ ‫النفسية َ‬
‫َ‬
‫ثم أشعل سيجارة أخرى‪ ،‬وقال‪ :‬المدخنون صالحون‪ .‬أل‬
‫ً‬ ‫الش بعد إدخالها‪ ،‬أر َ‬ ‫تراهم ينفثون َ‬
‫روح ر‬
‫أيت مدخنا يبتلع‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دخان سيجارته؟ إنهم يلفظون ما يدخنون؛ إذا فهم سيعو‬
‫فطوت لهم‪.‬‬ ‫ر‬ ‫التوبة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫بليغ (محدثا نفسه)‪ :‬إن هؤالء المرض عقولهم طائرة‪ ،‬فه‬
‫َ‬
‫محلقة عنهم تارة‪ ،‬ومحلقة معهم تارة فوق العقول العادية‪،‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ينطقون بالفلسفة"‪ .‬ثم رفع (بليغ) صوته قائًّل‪:‬‬ ‫فتجدهم‬
‫"اسمح ىل باالنرصاف يا َمن تدع أنك المهدي‪ ،‬لكت أريد أن‬
‫بعينه‪ ،‬كل َمن‬
‫شخصا ْ‬ ‫ً‬ ‫أصحح لك معلومة‪ ،‬المهدي ليس‬
‫َ‬
‫والشفاء ليسوا هم من ينتسبون إىل‬ ‫مهدي‪ ،‬ر‬ ‫هداه هللا فهو ْ‬
‫األساف"‪.‬‬ ‫الرسول الكريم‪ ،‬فكل َمن رس َف قلبه بالنقاء فهو ِمن ر‬
‫ثم انرصف عنه‪ ،‬وذهب إىل الشير للنوم‪ .‬وف الصباح‪ ،‬نادى‬
‫ْ‬
‫مناد‪ :‬لقد وصل الحالق اجتمعوا للحالقة‪ .‬وبينما يسي (بليغ)‬
‫ٍ‬

‫||| ‪47‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ْ‬
‫للذهاب إىل الحالق‪ ،‬إذ برجل يقبل صدره ويقول‪" :‬أنا ال‬
‫َ‬
‫أقبلك أنت‪ ،‬بل أقبل قلبك النق‪ .‬سأله (بليغ) عن ِ‬
‫اسمه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬اسم أبو عائشة‪ ،‬وأنت ما اسمك؟‬
‫ً‬
‫بليغ معرفا نفسه‪ :‬اسم (بليغ)‪ .‬وسأل سؤاله الفضوىل‬
‫المعتاد‪ :‬ما الذي جاء بك إىل هنا؟‬
‫أبو عائشة‪ :‬ال أعلم ما الذي َ‬
‫جاء رت إىل هنا‪ ،‬كل ما أعلمه أنت‬
‫أتمت أن أرجع إىل البيت‪ ،‬وأرى أم عائشة‪ ،‬وأرسل عائشة‬
‫لتشيي لنا الفالفل‪ ،‬ثم أقلق عليها‪ ،‬وأذهب وراءها‪ ،‬لقد كانت‬
‫ً‬
‫حيات حياة ممتازة‪ ،‬لكنهم أتوا إىل الميل وأخذوت إىل هنا‪،‬‬
‫وقالوا ىل إن هذا المكان سيعالجت‪ ،‬فأنا أحب هذا المكان ألنه‬
‫سيعالجت‪ ،‬وأحب كل الناس‪ ،‬وأحبك‪ ،‬وأحب أمريكا ألنها‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫دولة قوية‪ ،‬وأحب إسائيل ألنها مذكورة ف القرآن‪ ،‬وأحب‬
‫السعودية ألن فيها بيت هللا‪ ،‬وأحب أبا لهب ألنه عم‬
‫الرسول‪ ..‬هذا عن حكايت الت أردت معرفتها‪ّ ،‬أما أنا فيغنيت‬
‫فهم حكايتك‪ ،‬تاهلل إنها‬ ‫فهم إحساسك وقلبك النق عن ْ‬ ‫ْ‬
‫مكتوبة لك‪.‬‬
‫بليغ‪ :‬ما ه الت تقسم عل أنها مكتوبة ىل؟‬
‫أبو عائشة‪ :‬عائشة ابنت سأزوجها لك‪ ،‬لكن يجب أن‬
‫أصارحك أن عينيها فيها حول‪ ،‬لكت أثق ف قلبك النق‪ ،‬أثق‬
‫أنه سيتقبلها كما ه‪.‬‬

‫||| ‪48‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫شخصا‬ ‫بليغ (محدثا نفسه)‪ :‬ما هذا الرجل العجيب! لم َأر‬
‫ً‬
‫مليئا بالحب مثله ف حيات‪ ،‬لكت أشك ف أنه يعيش ف‬
‫الوهم‪ ،‬لعله غي ميوج‪ ،‬ولم ينجب عائشة الت يتحدث‬
‫بكالم غي متوازن‪ ،‬ظاهره الحب‪ ،‬وباطنه‬ ‫ٍ‬ ‫عنها‪ ،‬إنه ينطق‬
‫االختالل‪ ،‬كيف يحب أبا لهب وهو قد لعنه هللا‪.‬‬
‫لكن ال بأس‪ ،‬سأكمل حديت معه ألتعلم منه‪ ،‬فأنا قد عاهدت‬ ‫ْ‬
‫ً‬
‫نفش عل ذلك‪ ،‬ثم تكلم قائًّل‪" :‬أعطت نصيحة يا أبا‬
‫عائشة"‪.‬‬
‫أبو عائشة‪ :‬أأعطيك سا تكسب به ود المرأة؟‬
‫بليغ‪ :‬أعطت‪.‬‬
‫تعامل المرأة كمالك‪ ،‬فقط عاملها كإنسانة‪ ،‬إنك‬
‫ِ‬ ‫أبو عائشة‪ :‬ال‬
‫ً‬ ‫إن عاملتها كمالك ستخش َ‬
‫أنت قبل خسارتك إياها‪ ،‬فمثًّل إذا‬
‫أخذت امرأة تحبك ف نزهة وذهبتما إىل مكان ال تعرفونه‪ ،‬إذا‬
‫كمالك ستأخذ (تاكش) ف كل حركة‪ ،‬عل عكس لو‬ ‫ٍ‬ ‫عاملتها‬
‫وستما سويا؛ ستفرح ه بهذه‬ ‫عاملتها كإنسانة‪ ،‬وغامرتما ً‬
‫معا ْ‬
‫المغامرة‪ ،‬وبسيكما الذي طال‪ ،‬وإرهاقكما طالما ه تحبك‪،‬‬
‫عن إرهاقك إذا عاملتها كمالك‪ّ ،‬أما ما أقصده بمعاملتها‬ ‫هذا ْ‬
‫َ‬
‫كإنسانة أن تعاملها بإنسانية ورحمة ولطف‪ ،‬وتتوقع منها‬
‫ً‬
‫الخطأ‪ ،‬وتسامحها عليه؛ ألنها ببساطة إنسانة وليست مالكا‪.‬‬
‫شكرا لك عل هذه النصيحة القيمة‪.‬‬ ‫بليغ‪ً :‬‬

‫||| ‪49‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫َ‬
‫داخل المكان وينطق بكلمات‬ ‫ثم رأى (بليغ) شابا يطوف‬
‫ٌ‬
‫غريبة‪ ،‬كأن له لغة خاصة به ال يفهمها أحد غيه‪ ،‬ثم فجأة‬
‫تحدث الشاب بكلمات مفهومة‪ ،‬فقال‪" :‬قوم نوح خواص‪،‬‬
‫ُ‬
‫ِفل َم أهلك العوام؟"‪.‬‬
‫اندهش (بليغ) ّ‬
‫مما قال‪ ،‬ثم سأله عن اسمه‪.‬‬
‫الشاب‪ :‬اسم حسام‪.‬‬
‫بليغ‪ :‬ما الذي جاء بك إىل هنا؟‬
‫حسام‪ :‬أعتذر فأنا مشغول اآلن‪ ،‬مع هاتف أكلم صديق‪.‬‬
‫ثم رجع فتكلم بكالمه غي المفهوم‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫عالم آخر‬
‫نظر (بليغ) إىل يديه‪ ،‬فلم يجد هاتفا‪ ،‬فعلم أنه ف ٍ‬
‫ٌ‬
‫مصاب بهالوس سمعية‬ ‫غي عالمنا‪ ،‬وأنه عل ما يبدو‬
‫وبرصية‪.‬‬
‫إن بليغ له معرفة باألمرض النفسية‪ ،‬فقد كانت دراساته ف‬
‫كلية اآلداب قسم علم النفس‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ذهب‬ ‫ولما وجد (بليغ) أنه ال فائدة من الحديث مع حسام‪،‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫لالستماع إىل التلفاز‪ ،‬وكان التلفاز حينها يعرض أغنية جديدة‬
‫لمغن مشهور‪ ،‬يقول أحد المرض المحبي لهذا المغت‪:‬‬
‫ونية‬
‫انظر إىل سحبة الوجه‪ ،‬ر‬ ‫"انظر انظر‪ ،‬إنت أشبهه ً‬
‫كثيا‪ْ ،‬‬
‫صوت‪ ،‬إنها تشبهه ً‬
‫تماما"‪ ..‬فقال له (بليغ)‪ :‬من أنت؟‬

‫||| ‪50‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫َ‬
‫قال له‪ :‬معك الرائد عبد السالم‪ ،‬أي خدمة يا باشا‪ ،‬أنهيها لك‬
‫عل الفور‪.‬‬
‫شخصيات لشعوره بالنقص‪،‬‬ ‫عرف (بليغ) أنه موهوم‪ ،‬ينتحل‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫َ‬
‫لكن ف هذه المرة لم يسأل (بليغ) سؤاله المعتاد‪ ،‬فهو‬
‫مشغول جدا بالكلمات الت قالها (حسام)‪.‬‬
‫عبد السالم‪ :‬ر‬
‫أأخيك بقص ٍة يا هذا؟‬
‫بليغ‪ :‬تفضل‪.‬‬
‫درسا ف التعاون‪ ،‬وأن‬‫حكيم أن يعط أوالده ً‬‫ٌ‬ ‫عبد السالم‪ :‬أراد‬
‫ً‬
‫االتحاد قوة‪ ،‬فنادى عل أحد أوالده‪ ،‬فرد عليه قائًّل‪" :‬نعم يا‬
‫َ‬
‫فداك رأت وأم"‪ ..‬وكان قويا‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫"هات حزمة من‬ ‫ِ‬ ‫رأت‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫وحاول أن تكشها بكل‬ ‫الحطب‪ ،‬وا ْم ِسك الحزمة جيدا‪،‬‬
‫قوتك"‪ ..‬فأمسك الولد الحزمة بقوة ثم َ‬
‫كشها‪.‬‬
‫بليغ‪ :‬ثم ماذا حدث؟‬
‫فسدت الحكمة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫عبد السالم‪ :‬ال رشء‪ .‬فقط‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫يضحك (بليغ) َ‬
‫منشغل بأمر أهم‪ ،‬ويقتله الفضول‬ ‫فهو‬ ‫لم‬
‫لمعرفة قصة (حسام)‪ ،‬فما قصة حسام؟‬

‫‪،،،‬‬
‫||| ‪51‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫حسام‬

‫ْ‬
‫شاب مكافح يعمل بجانب الدراسة‪ ،‬فقد تخل عنه والده‬
‫َ‬ ‫الذي ف حقيقة األمر يشبه وجوده َ‬
‫عدمه‪ ،‬فمنذ أن نجح ف‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫كيت وضت رجًّل‪ ،‬أنفق عل‬ ‫اإلعدادية قال له والده‪" :‬لقد ر‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫نفسك‪ ،‬وأنصحك بأن تدخل الدبلوم بدل من الثانوية‪ ،‬حيث‬ ‫ِ‬
‫إن الثانوية مكلفة ماديا‪ ،‬ولك مطلق الحرية‪ ..‬هل هناك أبٌ‬
‫ّ ُ‬
‫أجيك عل رشء‪.‬‬ ‫أفضل مت؟ أعطيك الحرية‪ ،‬وأخيك‪ ،‬وال ر‬
‫ويكمل دراسته ف‬ ‫َ‬ ‫فكر (حسام) ً‬
‫كثيا‪ ،‬ثم قرر أن يكافح‬
‫َ‬
‫ودخل كلية آداب‬ ‫الثانوية‪ ،‬وقد استطاع اجتياز مراحلها‪،‬‬
‫صارت األعباء عليه ثقيلة؛ حيث إن‬ ‫ِ‬ ‫فلسفة‪ّ ،‬‬
‫ولما دخل الكلية‬
‫إخوته البنات كما تخل عنه‪ ،‬فتكفل (حسام)‬
‫ِ‬ ‫أباه تخل عن‬
‫بجانب‬
‫ِ‬ ‫بالنفقة عليهن‪ ،‬وأصبح يعمل ف أكي من عمل‬
‫الدراسة‪ ،‬فكان ال يحرص إل َ‬
‫أول األسبوع ليعرف ما يدور برأس‬
‫كل دكتور‪ ،‬وعل أساس ذلك يجيب ف االمتحان بالطريقة‬
‫الت يرغب فيها أساتذة الكلية‪ ،‬وقد استطاع (حسام) اجتياز‬
‫ثالث سنوات ف الكلية‪ ،‬لكن المشكلة كانت ف السنة‬ ‫َ‬
‫أول‬
‫ِ‬
‫الرابعة الت تعرف فيها عل (سلم) وأحبها بصدق‪ ،‬فكان ف‬
‫حبها هالكه‪.‬‬
‫***‬

‫||| ‪52‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫سلمى‬

‫ٌ‬
‫روح ترقص َ‬
‫مع الشيطان‪ ،‬ال تكف عن الخطايا‬
‫الحرب‪ -‬الدمار– الخراب‪ -‬هزيمة الغي‬
‫كل هذه األشياء محببة إىل سلم‪ ،‬إن سلم تريد إفراغ‬
‫وتدمي القلوب؛ كما دمرت‪ ..‬ف (سلم) تعات منذ‬ ‫َ‬ ‫الجيوب‪،‬‬
‫َ‬
‫طفولتها من اإلهمال األسي‪ ،‬فكان من الطبيع أن يتدت‬
‫مستواها الدراش‪ .‬كانت تجلس ف المقعد األخي ألن‬
‫ْ‬ ‫ََ‬
‫للبًّلدة عدوى‪ ،‬كما لبعض الخرصاوات‬ ‫أصدقاءها يظنون أن‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫الذكور عنها‪ ،‬وكانت ه َمن‬ ‫عدوى‪ .‬وكان أبوها يفضل إخوتها‬
‫تقض أمور البيت ِمن حاجات‪ ،‬فتأخذ المال وتشيي لهم‬
‫كي ْت سلم كانت َ‬
‫تعامل‬ ‫اللوازم‪ ،‬أو ما يحتاج له البيت‪ّ .‬‬
‫ولما ر‬
‫إخوتها األوالد‪ ،‬وكانت تقوم بأعمال البيت‬
‫ِ‬ ‫معاملة سيئة من‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عل َمضض‪ ،‬فكانت تغسل جوارب هم النتنة وه تشعر‬
‫بالقرف‪ ،‬تخيل فتاة جميلة رقيقة مثل سلم تقوم بتنظيف‬
‫كل ما هو متسخ ومقرف ومقزز‪ ،‬فكانت تزيل خر َاء القطط‪،‬‬
‫وتطهر المكان‪ ،‬إن هذا األمر لمقرف ينهاها إخوتها عن فعل‬
‫الشء دون ذكر السبب‪ ،‬فتظن أنها السبب‪ ،‬وتظن أن ذلك‬ ‫ر‬
‫ً‬
‫الخروج للتيه‬
‫ِ‬ ‫وضع من مكانة المرأة‪ ،‬فمثًّل ينهاها إخوتها عن‬
‫ً‬
‫مثلهم خوفا عليها‪ ،‬وال يذكرون لها السبب‪ ،‬فتعتقد أنهم‬

‫||| ‪53‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫َ‬ ‫يمنعونها ْ‬
‫لكونها امرأة‪ ،‬وفوق كل ذلك نظرات المجتمع الت‬
‫تراها وكأنه ي ْن َظر إليها كقطعة ْ‬
‫لح ٍم يجب التهامها‪ .‬تنظر سلم‬
‫إىل فئة الشباب الممثلة ف الشارع‪ ،‬تنظر إىل سائق سيارات‬
‫َ‬
‫األجرة‪ ،‬يا لهم من متوحشي‪ ،‬وفوق كل ذلك تشعر سلم‬
‫زوج أمها الذي كان ينظر‬
‫بالذنب واألش كلما ذهبت إىل بيت ِ‬
‫ذهبت إىل أمها نظرات شهوانية‪ .‬تتذكر‬ ‫إليها هو اآلخر كلما َ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫سبب انتحار والدها‪ ،‬تتذكر عندما كان زوج أمها‬ ‫سلم جيدا‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫عشيقها‪ ،‬تتذكر عندما كان عشيقها قبل أن ييوجها‪ -‬أعت‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫عشيق األم ال عشيق سلم‪ ،-‬تتذكر جيدا عندما صعد عشيق‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ودخل من الشباك وزنا بها‪ ،‬وعندما طرق أبوها‬ ‫أمها البيت‬
‫باب الميل فتحت له سلم‪ ،‬حاول حينها عشيقها الهروب‪،‬‬
‫ذهب إىل المرحاض فرآه أبوها‪ ،‬ووقع‬‫َ‬ ‫ومن خوفه واضطرابه‬
‫َ‬
‫شكه ف محله‪ ،‬فقد كان يشك ف أن زوجته تخونه فرصخ ف‬
‫ً‬ ‫ْ‬
‫وجه زوجته قائًّل‪ :‬أتخونيت؟‬
‫قالت له سلم‪ :‬إنه عشيق يا رأت‪ ،‬وال عالقة ألم باألمر‪.‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫فه تعلم جيدا أن الرجل قد يفضح زوجته بعد أن يطلقها‪،‬‬
‫َ‬
‫ابنته ْ‬
‫مهما حدث‪ ،‬لم يصدق أبوها ما قالته‪،‬‬ ‫لكنه ال يفضح‬
‫قل أمرين‪،‬‬ ‫َ‬
‫ليهرب من همه وغمه‪ ،‬فهو بي نارين أو ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وانتحر‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫مر‪ .‬حز ْ‬
‫كالهما ّ‬
‫نت سلم عل أبيها حزنا شديدا‪ ،‬وشعرت أنها‬
‫السبب ال أمها‪ ،‬كما عانت سلم من ضنك العيش؛ ألن أباها‬

‫||| ‪54‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ً‬


‫كان موظفا‪ ،‬مات ولم ييك لهم شيئا؛ لذلك كانت سلم‬
‫الشباب إليها بهدف استغاللهم ماديا‪ .‬يساعد سلم‬ ‫َ‬ ‫تجذب‬
‫جذب الشباب الخمار الذي ترتديه‪ ،‬يظن كل َمن رآها أنها‬‫ِ‬ ‫ف‬
‫َ‬
‫السبب الحقيق‬ ‫متدينة لمجرد ارتدائها الخمار‪ ،‬وال يعلمون‬
‫وراء ارتدائها له‪ ،‬لقد ارتدت سلم الخمار ألن ثديها صغي‪،‬‬
‫وبرغم أن ثديها صغي إل أن شكلها جميل وجذاب؛ فشفتاها‬
‫مثل عض موش‪ ،‬إل أن مؤخرتها‬ ‫كخاتم سليمان‪ ،‬وساقاها َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الكثي من‬ ‫كفيل أبرهة‪ ،‬ووجهها أبيض ون ِرص‪ .‬جذبت سلم‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫شباب آداب فلسفة‪ ،‬وكانت تأخذ منهم األموال وتنجح ف‬
‫ٌ‬
‫عجيب أمر المرأة‪،‬‬ ‫االمتحان من خالل الغش عن طريقهم‪.‬‬
‫مؤخرتها سبب تقد ِمها!‬
‫عذر لها‪،‬‬‫قلوب كثي من الشباب‪ ،‬لكن ال َ‬‫َ‬ ‫لقد دمرت سلم‬
‫فهناك من ظلمه الناس فظلم الجميع‪ ،‬وهناك َمن ظلمه‬
‫الناس فتمسك َبمن أحسن إليه وشكره‪ .‬كانت سلم ال يعذبها‬
‫قلبا‪ ،‬فه تؤمن بأن وجودنا ما هو إل‬ ‫ضميها عندما تدمر ً‬
‫بويضة بحيوان منوي‪ ،‬وسلوكنا ما هو إل نتاج‬
‫ٍ‬ ‫نتاج تخصيب‬
‫ما زرعوه بداخلنا‪.‬‬

‫‪،،،‬‬
‫||| ‪55‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫فلسفة (سلمى)‬

‫ً‬
‫تقول سلم‪ :‬إنت أحيم ذات‪ ،‬لذلك أكذب كذبة محكمة‬
‫ْ‬
‫أل َجمل نفش‪ .‬ولم تنتبه المسكينة من أن ما يرفع من قدر‬
‫الذات هو الصدق وفعل الخي الناس‪ ،‬فهذه أشياء ال يوب خ‬
‫َ‬
‫احتقار ر‬ ‫ً‬
‫البش العاديي‪،‬‬ ‫عاقل عليها أحدا‪ .‬تقول سلم‪ :‬إن‬
‫قصار جهدهم لتحقيق النجاح هو ف‬ ‫َ‬ ‫أولئك الذين لم يبذلوا‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫الحقيقة رس ٌف لك‪ .‬إذا ألق عليك إنسان جاهل السالم ْ‬
‫ٌ‬
‫انظر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إليه وحملق‪ ،‬اجعل عينك تثقب عينه وال تبتسم‪ ،‬ثم مر من‬
‫ً‬
‫أمامه وال ترد السالم‪ ،‬فهو غي موجود وأنت لست مجنونا‬
‫ليد السالم عل شخص غي موجود‪ .‬إذا حدثك أحدهم ليكن‬
‫عدم‪ .‬إن َمن يقول إن المرأة‬‫شعارك‪ ..‬تكلم ولن أراك ألنك ٌ‬
‫تماما‪ّ ،‬أما َمن فهمها فقد فهمها‬
‫فهمها أو لم يفهمها ً‬ ‫ذكية ّإما َ‬
‫ومن لم يفهمها فقد‬ ‫إىل حد ناقص تنقصه النظرة الكلية‪َ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫وصفها بالذكاء المحض‪ ،‬بينما ذكاؤها ف الحقيقة كيد وخبث‬
‫ومكر‪ .‬إن الرجال سطحيون‪ ،‬والدليل عل ذلك تحتاج المرأة‬ ‫ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سني لتفهم حكمة الرجل‪ ،‬ويحتاج الرجل أن يكون‬ ‫إىل عدة‬
‫ً‬
‫امرأة ليفهم المرأة‪ ،‬والرجل الذي يظن أنه يخدع امرأة متوهم‪،‬‬
‫قبلة أو ما شابه‬ ‫باسم الحب من أجل ْ‬ ‫حت الذي يخدعها ْ‬
‫ليست م ْنخدعات‪ ،‬وال مانع أن تمثل َ‬
‫دور‬ ‫ْ‬ ‫ذلك‪ ،‬أقول له إنهن‬
‫َ‬
‫الضحية! إن النساء يظهرن الضعف وهن ف غاية القوة‪،‬‬
‫||| ‪56‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫خفي حقيقتها وه الشهوة‪ِ ،‬من الصعب‬ ‫ويظهرن العاطفة وي‬
‫اجتماع الجمال والوفاء ف امرأة‪ِ ،‬من الصعب اجتماع القوة‬
‫والخي ف رجل‪ ،‬إنه َلمن المضحك أن نساء هذا العرص لهن‬
‫عالقات مع الرجال َ‬ ‫ٌ‬
‫أكي من الرجال أنفسهم‪ ،‬فالحب كذبة‪،‬‬
‫ً‬
‫إن الحب احتالل‪ ،‬كل َمن يحب إنسانا يريد أن يتملكه‪ ،‬يريده‬
‫أن يحزن لحزنه‪ ،‬ويتألم أللمه‪ ،‬ولو كان يحبه حقا لما أراد له‬
‫ْ‬
‫أن يتألم أللمه‪ ،‬وال ألن يحزن لحزنه‪ ،‬ولكنهم يعدون ذلك من‬
‫رسوط الحب‪ ،‬والحب ف الطفولة يعت أن الحب ليس له‬
‫عالقة بالشهوة‪ ،‬وسخريتكم منه يعت أنكم ال تعرفون سوى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫الشهوة‪ ،‬إنت لم أجد إنسانا يحب إنسانا بال سبب‪ .‬أحبه ألنه‬
‫أنت ال تحبه‪ ،‬وإنما تحب ارتقاءه بنفسه‪ ،‬أحبها ألنها‬ ‫ناجح‪َ ،‬‬
‫أحببت شهوتك‪ ،‬حت َمن يقول‬ ‫َ‬ ‫أنت لم تحبها ه؛ بل‬ ‫جميلة‪َ ،‬‬
‫ً‬
‫أحب فالنا أو فالنة بال سبب‪ ،‬عندما ننظر إىل َمن أحب نجده‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫سبب وكان معاقا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫جميًّل‪ ،‬فلم نجد إنسانا أحب إنسانا بال‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫وذلك يرجع إىل أن عقله الالواع اختار‪ ،‬فأحيانا نختار دون‬
‫تلتفت المسكينة‬
‫ِ‬ ‫شعور منا‪ ،‬ونقرر بناء عل هذا التفكي‪ ،‬ولم‬
‫إىل أن حب الصفات من كمال الذات‪.‬‬
‫الكثي ينخدع وال يتعلم‪ّ ،‬أما أنا فلم أخدع‪ ،‬ومع‬ ‫َ‬ ‫تقول سلم إن‬
‫حكيما‪ .‬ذات مرٍة قالت لها‬ ‫ً‬ ‫ذلك تعلمت‪ ،‬فالحكمة ال تنفع إل‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫صديقتها سحر لدي سبع أرواح‪ ،‬لذلك ال أه َزم‪ .‬ردت عليها‬

‫||| ‪57‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ُْ‬
‫سلم قائلة وأنا ليس لدي روح حت أه َزم‪ .‬ولم تنتبه المسكينة‬
‫عدم وجود روح لها ف حد ذاته انهز ٌام!‬ ‫إىل أن َ‬
‫ٌ‬
‫تقول سلم إنه ال توجد هناك امرأة أكي احي ًاما من أخرى‪،‬‬
‫التمثيل عن أخرى‪ .‬جدتنا شهرزاد‬ ‫َ‬ ‫بل هناك امرأة تجيد‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫اختلقت َ‬
‫يستطع َن أحفادها اختالق بعض‬ ‫ْ‬ ‫ألف حكاية أال‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫رجل قال‬ ‫قويت ركلت‪ .‬استعبد‬ ‫الحكايات؟! إن المرأة إذا‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫رجل قال المرأة يا ملكت! إن عدد‬ ‫المر ٍأة يا سيدت‪ ،‬وخنث‬
‫أكي بكثي من عدد الممثلي داخله‪ .‬إن‬ ‫َ‬
‫الممثلي خارج التلفاز ر‬
‫َ‬
‫الرجال ذئاب‪ ،‬واألنت تحب مراوغة الذئاب‪ ،‬غريزتهم‬
‫هجومية وغريزتنا استسالمية؛ لذلك يلي الرجل عند النظر‬
‫لجسد المرأة‪ ،‬وحقيقة اللي أن ذاك هجومية‪ ،‬ولكنها وسيلة‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫استسالم بدون‬ ‫وال تلي المرأة عند النظر إىل الرجل ألنه ال‬
‫البش لذلك أكرههم‪ ،‬فأنا أنتظر منهم الخي‬ ‫هجوم‪ .‬إنت أحب ر‬
‫الش؛ لذلك أصبحت ال أهتم‪ ،‬ال أهتم‪..‬‬ ‫والحب فيفعلون ر‬
‫هجر اآلخرين له ال يهتم‪ ،‬ال يهتم لذلك ضت‬ ‫فمن تعود عل‬‫َ‬
‫ِ‬
‫مثلهم؛ بل تفوقت عليهم‪ .‬إن مشاعر اإلنسان غي واعية للحد‬
‫شعور الحب‪ ،‬وللحد الذي‬ ‫َ‬ ‫الذي يجعلها تحب َمن ال يبادلها‬
‫َ‬
‫يجعلها تتحمس عند سماع إيقاع موسيق حماسية‪ ،‬أو تخمل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عند سماع إيقاع حزين‪ .‬يدافعون عن المرأة سواء أكانت‬
‫الرجل الضعيف ألنه‬‫ِ‬ ‫ضعيفة أم قوية‪ ،‬وال يدافعون عن‬

‫||| ‪58‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ضعيف حقا! إنها الشهوة‪ ،‬فغالب الرجال يحيمون النساء‬


‫عن طريق الال شعور‪ ،‬والدليل عل ذلك‪:‬‬ ‫لرغبتهم ف الجنس ْ‬
‫ِ‬
‫هل يعامل ذلك العاشق الولهان أخته كما يعامل حبيبته؟!‬
‫ْ‬
‫حقا إن الحب حقيقة ف المخيلة‪َ ،‬وهم ف الحقيقة؛ فالعالقة‬
‫ً‬
‫معقدة‪َ ،‬‬ ‫ْ‬
‫ومع ذلك فه فاشلة‪ .‬كل‬ ‫ليست‬ ‫بي الرجل والمرأة‬
‫ْ َ‬ ‫ما ف األمر أن الرجال يريدون نساء َ‬
‫أكي أنوثة‪ ،‬والنساء يردن‬
‫ً‬
‫رجال أكي رجولة‪.‬‬
‫َ‬
‫وتير ذلك بقولها إذا‬‫تفضل سلم مصلحتها عل الجميع‪ ،‬ر‬
‫قال ىل أحدهم أنت أنانية فال شك أنه أكي أنانية ألنه لو لم‬
‫مت أن أفضله عل نفش‪ .‬تشك سلم‬ ‫يكن أنانيا َلما طلب ّ‬‫ْ‬
‫ف كل الرجال‪ ،‬وتعتقد أن من سماتهم األساسية الخيانة‪ ،‬حت‬
‫لو تيقنت أن الذي أمامها بريء من الخيانة الت اتهمته بها؛‬
‫خيانات أخرى‪ .‬واإلنسان الذي‬ ‫ٍ‬ ‫فهذا ال يعت أنه بريء من‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫يدع أنه محيم هل هو فعًّل محيم أم أنه يريد أن يشعر‬
‫َ‬
‫بقيمة نفسه لدى اآلخرين فادع سلوك االحيام؟‬ ‫ِ‬

‫‪،،،‬‬

‫||| ‪59‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫خبث (سلمى)‬

‫حقيقتها ضعيفة؛ فالخبثاء ضعفاء‪ ،‬أال تراهم‬ ‫ِ‬ ‫إن سلم ف‬


‫َ‬
‫يستخدمون الخبث ألنه ليس ف أيديهم القوة! يساعد سلم‬
‫َ‬
‫عند ر‬
‫البش‪ ،‬فالمرأة تساعد المرأة‪،‬‬ ‫عل خبثها قانون المساعدة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ّأما الرجل فيساعد المرأة أيضا! كما يساعدها‪ -‬أيضا‪ -‬شهوانية‬
‫كوت‬ ‫الرجل العمياء الت توقعه ف الفخ‪ .‬تقول سلم إن ْ‬
‫دليل عل أت سأصي عظيمة‪ ،‬فأغلب‬ ‫أكي‬
‫لهو ر‬‫معقدة َ‬
‫ٍ‬
‫العظماء نفوسهم شيطانية‪ ،‬والتاري خ يحك لنا ذلك‪ ،‬فهتلر‬
‫البش‪ ،‬والحجاج بن‬ ‫هالك الكثي من ر‬ ‫سببا ف‬ ‫الرسام كان ً‬
‫ِ‬
‫ورم الكعبة‬ ‫كثيا من صحابة النت‪َ ،‬‬ ‫قتل ً‬ ‫يوسف الثقق َ‬
‫ر‬
‫َ‬
‫بالمنجنيق‪ ،‬وكان يبك بك َاء الخاشع عند ذكر هللا‪ ،‬وال يتهاون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ف حد من حدوده! كما نجد‪ -‬أيضا‪ -‬تنقاضا ف شخصيات‬
‫أمراء الدولة اإلسالمية‪ ،‬فكانوا يجاهدون ف الصباح‪ ،‬وينعمون‬
‫ً‬
‫بي أرجل النساء ليًّل‪.‬‬
‫ً‬
‫خي أحدا‪،‬‬ ‫تعتمد سلم ف خبثها عل أن الرجل إذا أحب ال ي ر‬
‫عل عكس المرأة‪ ،‬فكانت سلم ال تمانع ف االرتباط باثني‬
‫َ‬
‫من األصدقاء‪ ،‬فق مرة كانت سلم تلعب لعبة الرصاحة مع‬
‫ٌ‬
‫زمالئها الفتيات والشباب‪ ،‬وكان من الجلوس ثالثة مرتبطة‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫بهم‪ ،‬فسألتها زميلتها ابتهال‪ -‬وه تعلم جيدا خبث سلم‪-‬‬

‫||| ‪60‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫لذا أرادت أن توقعها ف الفخ‪ ،‬وذلك لطبيعة النساء الالت ال‬


‫ً‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫ْ َ‬
‫يكتفي بالكيد للرجال فهن يكدن لبعضهن البعض‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أنت مرتبطة يا‬
‫ِ‬ ‫هل‬ ‫‪:‬‬‫قائلة‬ ‫ا‪،‬‬ ‫خبيث‬ ‫سؤال‬ ‫سألت ابتهال (سلم)‬
‫سلم؟ وما اسم حبيبك؟ ردت سلم بذكاء‪ :‬نعم‪ ،‬مرتبطة‬
‫لكن ال يصح ْأن أذكر اسمه‪ ،‬لكنه جالس معنا اآلن‪.‬‬ ‫بواحد‪ْ ،‬‬
‫واحد من الثالثة أنه هو المقصود‪ ،‬فنجت سلم من‬ ‫ٍ‬ ‫فظن كل‬
‫الفخ‪ ،‬لكنها أرادت االنتقام‪.‬‬
‫وف اليوم التاىل عندما قابلت سلم (ابتهال) قالت لها‪ :‬لماذا‬
‫ال تردين السالم؟ فظنت ابتهال المسكينة أنها تسي نائمة‪،‬‬
‫ً‬
‫تكتف‬‫ِ‬ ‫تلق السالم من األساس‪ ،‬لم‬ ‫ِْ‬ ‫لم‬ ‫وسلم‬ ‫‪،‬‬ ‫لالنتباه‬ ‫فاقدة‬
‫ألحد‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سلم بذلك‪ ،‬بل قالت لها أنصحك عندما تعطي س ِك ٍ‬
‫(سوق) صديقتها‬ ‫ْأع ِطيه ألمي‪ ،‬فظنت ابتهال المسكينة أن ر‬
‫أفشت أسارها ل (سلم)‪ ،‬مع أن سلم ف األساس‬ ‫ْ‬ ‫المقربة قد‬
‫ادت اإليقاع بينهما‪ ،‬وهذا ما‬ ‫ليس لها عالقة بها‪ ،‬وإنما أر ِ‬
‫و(سوق) وتخاصم َتا‪.‬‬ ‫حدث‪ ،‬فقد تشاجر ْت كل من (ابتهال) ر‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫إن َ‬
‫اآلخرين ضحية‬ ‫ذكاء (سلم) ال يجعلها تكتق بأن تجعل‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫لها؛ بل ينجيها من مآزق كثية أيضا‪ ،‬فكانت ذات مرة تكلم‬
‫عي تطبيق من تطبيقات التواصل االجتماع‪ ،‬فرأى‬ ‫(عالء) ر َ‬
‫عالقة بشاب؟ قالت‬ ‫أأنت عل‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫أخوها اسم (عالء)‪ ،‬فقال لها ِ‬
‫له باكية بعد ْأن أغلقت هاتفها المحمول‪ً :‬‬
‫دائما ما تظلمونت‪،‬‬

‫||| ‪61‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫أنا أكلم صديقت آالء‪ ..‬ال عالء‪ .‬ثم تركته ودخلت غرفتها‬
‫وأكملت حديثها معه!‬
‫يقف عل هذا الحد‪ ،‬فقد كانت تسجل‬‫إن خبث (سلم) لم ْ‬
‫المكالمات الت تدور بينها وبي (عالء)‪ ،‬وف مرة أمسك عالء‬
‫غاضبا‪ :‬ما الهدف من‬‫ً‬ ‫وسمع التسجيالت‪ ،‬فقال لها‬‫َ‬ ‫هاتفها‬
‫وراء ذلك؟‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫أسمع صوتك‪ .‬بينما ه‬ ‫قالت له سلم‪ :‬ألت أحبك‪ ،‬وأريد أن‬
‫كانت تسجل المكالمات الت فيها إباحية لتسمعها لصديقتها‬
‫(سحر)!‬
‫َ‬ ‫أيضا‪ ،‬من ْ‬ ‫ً‬
‫ضمن خبث (سلم) أنها كانت تكسب ثقة الرجل‬
‫ً‬
‫حساب ثقته فيها‪ ،‬فمثًّل‬‫ِ‬ ‫ثقته ف نفسه عل‬‫بخطة‪ ،‬وه هز ِ‬
‫عندما يتصل بها أحدهم تغلق المكالمة ف وجهه‪ ،‬فإذا عاود‬
‫أغلقت المكالمة‪ ،‬وإن لم يتصل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫االتصال سألته متعجبة‪ :‬لماذا‬
‫وجه؟‬ ‫سألته بحزن‪ :‬لماذا تغلق المكالمة ف ْ‬

‫‪،،،‬‬

‫||| ‪62‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫تعرف (سلمى) على (حسام)‬

‫حرص حسام كعادته َ‬


‫أول‬ ‫َ‬ ‫ف قبالة السنة األخية من التخرج‪،‬‬
‫ِ‬
‫جانبه سلم‪ ،‬فلفتَ‬ ‫َ‬ ‫أول يوم له كانت تجلس‬‫أسبوع‪ ،‬وف ِ‬
‫نظرها نباهته وذكاؤه‪ ،‬وأحك لكم ما حدث ف هذا اليوم‪.‬‬ ‫َ‬
‫نفسه للطالب‪ ،‬ثم قال‬ ‫دخل الدكتور عبد الرحمن‪ ،‬فعرف َ‬
‫سأسح لكم ف هذه السنة مادة األخالق الفلسفية‪ ،‬وأريد‬‫لهم‪ :‬ر‬
‫خيت‬ ‫منكم التفاعل؛ فالمحاضة من المفاعلة فتفاعلوا‪َ .‬من ي ر‬
‫الفرق بي هذه الصفات (المجاملة– النفاق–‬ ‫ِ‬ ‫منكم عن‬
‫الش– الفشل)؟‬ ‫الخي– ر‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫داخل المحاضة‪ ،‬ولم يستطع أحد اإلجابة سوى‬ ‫عم السكون‬
‫ْ‬
‫حسام‪ ،‬الذي قام فقال‪ :‬المجاملة ه أن أقول لك أحبك ً‬
‫كثيا‬
‫ً‬
‫بينما أنا أحبك قليًّل‪ .‬والنفاق أن أقول لك أحبك وأنا أكرهك‪.‬‬
‫والش هو الفعل النافع‬‫والخي هو الفعل النافع للصالح العام‪ .‬ر‬
‫دائما‪ ،‬فقد‬‫غالبا‪ ،‬لكنه ضار بالصالح العام ً‬
‫للصالح الخاص ً‬
‫غي نافع للصالح الخاص‬ ‫الش َ‬
‫يؤذي أحدنا نفسه فيكون ر‬
‫والش غريزة‪ ،‬والنفس إذا‬ ‫غالبا‪ .‬والخي عقل‪ ،‬ر‬ ‫لذلك قلت ً‬
‫فهو رس‪ ،‬وإذا أضت نفسها فهو الفشل‪.‬‬ ‫أضت غيها َ‬

‫||| ‪63‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬
‫ُ‬
‫عجب الدكتور عبد الرحمن بالتعريفات الت قال بها حسام؛‬ ‫أ ِ‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫سابق بها‪،‬‬ ‫حيث إنها تعريفات جديدة غي معتادة‪ ،‬لم يسبقه‬
‫كما ْأع ِجبت سلم بذكاء (حسام)‪.‬‬
‫كتابا هدية لحسام‪ ،‬ثم تكلم‬‫أعط الدكتور عبد الرحمن ً‬
‫ً‬
‫الدكتور قائًّل‪ :‬ال إلز َام عل هللا ف إثابة المطيع وعقاب‬
‫َ‬
‫تعاقب المحسن‬ ‫العاض‪ .‬إرادة هللا المطلقة ال يمنع عليها أن‬
‫وتعفو عن المشء‪.‬‬
‫قام حسام وقال للدكتور‪ :‬وأين العدل؟ فاهلل عادل‪ ،‬وإن فعل‬ ‫َ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فعًّل مخالفا للعدل إذا فعدله متغي‪ ،‬إذا فصفات هللا حادثة‬
‫وليست قديمة‪.‬‬
‫ْ‬
‫الدكتور عبد الرحمن‪ :‬إن قلنا إن العدل هو َمن ر‬
‫أجي هللا عل‬
‫لفعل رشء معي‪ ،‬وهذا ال‬ ‫ألزمه وأخضعه‬‫فعل رشء فقد َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫يجوز عل هللا‪.‬‬
‫َ‬
‫العدل ال يدل عل أن‬
‫ِ‬ ‫حسام‪ :‬إن إجبار صفة العدل لك عل‬
‫العدل قهرك‪ ،‬فالعدل ليس بكائن خ‪ ،‬وإنما هو صفة‪ ،‬وإن‬
‫ٌ‬ ‫صفة رسيرة َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫فأنت رسير‪ ،‬وإن أخضعتك صفة خية‬ ‫أخضعتك‬
‫دليل عل َخ ْ ِيي ِتك‪.‬‬ ‫فهذا ٌ‬

‫أنت تتحدث عن جهل‪ ،‬إنك بذلك تخالف‬ ‫الدكتور لحسام‪َ :‬‬


‫َ‬
‫مذهب األشاعرة‪ ،‬وتذهب إىل ما ذهب إليه المعيلة‪.‬‬

‫||| ‪64‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫حسام‪ :‬ال يهمت َمن قال‪ ،‬ما يهمت هو القول الصحيح‪ ،‬فقد‬
‫ً‬
‫كالمها صواب‪ ،‬وال أتبع أخرى أغلب كالمها‬
‫أتبع فرقة أغلب ِ‬
‫بعض من‬‫ٌ‬ ‫خطأ‪ ،‬لكن ماذا لو توافق بعض الصواب الذي هو‬
‫َ‬
‫الخطأ عند الفرقة الت أعتنقها مع الفرقة األخرى‪ ،‬فعليه أنا‬
‫أتبع الصواب حينها‪.‬‬
‫للمرة الثانية يلفت ذكاء (حسام) (سلم)‪ ،‬فتقول سلم ف‬
‫طالبا عاديا‪ ،‬إنه فيلسوف المستقبل‪.‬‬ ‫نفسها إنه ليس ً‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ارتبك الدكتور قليًّل‪ ،‬ثم أخذ يكلم الطالب عن رحالته‬
‫َ‬ ‫وإنجازاته‪ .‬قام أحد الطالب واعيض ر ً‬
‫افعا صوته ف وجه‬
‫ً‬
‫قائًّل‪َ :‬‬
‫أنت يا دكتور تخرج عن المنهج الدراش‪ ،‬ما‬ ‫الدكتور‬
‫فائدة أن تخرج عن الكتاب؟ ال يعجبت رسحك‪.‬‬
‫ْ‬
‫األمن‬
‫ِ‬ ‫وما إن أنه الطالب كلماته حت نادى الدكتور عل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫غضبا شديدا‪ ،‬فقام‬ ‫خارج المدرج‪ ،‬وغضب الدكتور‬ ‫ليخرجوه‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫(حسام) وقال‪:‬‬
‫اعذره يا دكتور‪ ،‬فهو ال يعرف الفرق بي‬
‫وبي الدراسة الجامعية‪ ،‬فالدراسة ف‬ ‫الدراسة ف المدرسة َ‬
‫المدرسة ليس فيها أي إبداع‪ّ ،‬أما الدراسة ف الجامعة فه‬
‫ٌ‬
‫قائمة عل بناء الفكر‪ ،‬فأي معلومة خارجية أو نصيحة تقولها‬
‫ال شك أن حرصتك تريد بها َ‬
‫بناء فكرنا‪.‬‬
‫لكن دعت أقول‬ ‫بهذا التدخل نجح حسام ف تهدئة الدكتور‪ْ .‬‬
‫وأقسمت أن تأخذ َ‬
‫رقم‬ ‫ْ‬ ‫لك إن هذا الحوار أعجب سلم‪،‬‬

‫||| ‪65‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ْ‬ ‫(حسام) وتتواصل معه‪ ،‬وبالفعل أخذت َ‬


‫رقمه وأخذت معه‬
‫َ‬
‫قلبه‪ ،‬ولم ترده له إل وهو محطم‪ ،‬لكنها لم تستطع استغالله‬
‫ماديا؛ فحسام حريص عل كل جنيه يكتسبه ألنه يشعر بعبء‬
‫المسئولية‪.‬‬
‫***‬

‫||| ‪66‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫حديث عالء ف حب (سلم) عل الهاتف المحمول‪:‬‬


‫حالك؟‬
‫ِ‬ ‫عالء‪ :‬كيف‬
‫سلم‪ :‬بخي‪.‬‬
‫ً‬
‫موضوعا لنتحدث فيه‪.‬‬ ‫بعد سكوت َ‬ ‫َ‬
‫دام لثوان)‪ :‬افتح‬ ‫عالء (‬
‫َ‬
‫سلم‪ :‬هل علمت ر ِ‬
‫بخي انخفاض قيمة الجنيه؟‬
‫عالء‪ :‬ال الجنيه بيخص وال الجنيه بيفع‪ ،‬نحن من نرخص‬
‫ونحن من نرفع‪.‬‬
‫ضحكت (سلم)‪.‬‬
‫أضحكك ه كلمة بنيفع‪ ،‬أنا واثق؛ فأنا‬
‫ِ‬ ‫عالء‪ :‬ال شك ف أن ما‬
‫ً‬
‫جيدا‪.‬‬ ‫أفهم المرأة‬
‫سلم‪ :‬وماذا تعرف عن المرأة؟‬
‫ً‬
‫إيقاعا موسيقيا وه تسي ف‬ ‫عالء‪ :‬أعرف أنها عندما تسمع‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫الشارع تود أن ترقص‪ ،‬وأعرف أيضا أن المرأة خادمة وسيدة‪،‬‬
‫ْ‬
‫ويجب علينا نحن الرجال أن نش ِعرها بكال األمرين ك تين‬
‫العالقة‪.‬‬
‫ً‬
‫سلم‪ :‬وماذا أيضا؟‬
‫أيضا ما أعرفه ْ‬ ‫ً‬
‫عن عالقة الرجل‬ ‫عالء‪ :‬وأحبك يا سلم‪ ،‬هذا‬
‫بالمرأة‪ ،‬أعرف أن عالء يحب سلم‪ ،‬ويريد أن ييوجها‪.‬‬

‫||| ‪67‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫سلم‪ :‬صه‪ ،‬فلن أصدقك‪ ،‬فالمحرفون للكالم والكاذبون هم‬


‫ْ‬ ‫َ‬
‫الذين افتضح أمرهم فقد‬ ‫َمن يدعون الصدق‪ّ ،‬أما الكاذبون‬
‫فيمن يدعون الصدق‪.‬‬ ‫عرفوا المشكلة َ‬

‫عالء‪ :‬أعشقك يا سلم‪ ،‬صدقيت‪ ،‬وأريد أن أتزوجك وأن‬


‫رحمك‬ ‫داخل رحمك‪ ،‬ودعاء َ‬
‫بي‬ ‫َ‬ ‫أحتضنك‪ ،‬ارحميت‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫مستجاب؛ حيث إت أكون ف كامل نقات‪ ،‬وأنا بي أحضانك‬
‫ٌ ّ‬ ‫فقد أكرمنا الرحم ً‬ ‫ْ‬
‫كريم يغذي‬ ‫كثيا‪ ،‬فالرحم‬ ‫سأكرم رحمك‪،‬‬
‫الطفل ويري ح الشاب‪ ،‬ويلجأ إليه الرجل! أستطيع أن أتخيل‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫الصباح بجوارك‪ ،‬وعيناي اللتان ستفتحان عل عينيك لنعقد‬
‫ٌ‬
‫وعناق ال ينته‪ٌ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬
‫قليل‬ ‫ولك وردة وقبلة‬‫اتفاقا‪ ..‬اترك ىل عينيك ِ‬
‫نتهاء وال شبع! أخاف عل‬ ‫ْ‬
‫منك ال يكق‪ ،‬هل سقيتت بال ا ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫عناق تبع اشتياقا‪ ،‬يا وجه الورد‪ ..‬هًّل قبلت الورد‬‫ضلوعك من ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫رغبة‬‫عل وجنتيك‪ ،‬ومن يالم عل حب الورد! من يالم عل ِ‬
‫تقبيله‪ ..‬انطوي رت بال انتهاء‪.‬‬
‫احك ىل قصة جنسية‪.‬‬
‫أثار الكالم سلم فقالت‪ِ :‬‬
‫عالء‪ :‬ماذا ترتدين اآلن؟‬
‫احك ىل قصة عامة‪.‬‬
‫سلم‪ :‬بل ِ‬
‫بعنف‬
‫ٍ‬ ‫كان الثائر‪ ،‬وأنا‪ ..‬كالمحيط الهائج‪ ،‬جذبتها‬ ‫عالء‪ :‬ه ر‬
‫كالي ِ‬
‫َ‬
‫تصي‬ ‫ْ‬
‫حت اسيخت‪ ،‬داعبتها فثارت‪ ،‬ثم َس ِكرت‪ ،‬حاولت أن‬
‫ه الفارسة‪ ،‬فيكت لها العنان لتسبح ف عالم من اللذة‪،‬‬

‫||| ‪68‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫أشبع؛ تمدد شيطان الشهوة داخل حت‬ ‫ْ‬ ‫ارتوت ولكت لم‬
‫َ‬
‫ثوان معدودة‪ ،‬ألهبتت‬
‫خاء لم يمكث ٍ‬ ‫جعلت أثور بعد اسي ٍ‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫نشوة ما عشتها من قبل‪ ،‬فأخذت ترصخ وترصخ فأثارتت‬
‫أكي‪ ،‬حملتها كطفل ٍة‪ ..‬وعانقتها كعشيقة‪ ،‬ثم احتضنتها لبضع‬
‫فنامت‪ ،‬وهذا ما أنقذها مت وأرغمت عل التوقف‪.‬‬‫ْ‬ ‫دقائق‬
‫أريدك أن تكوت جا رنت يا سلم‪.‬‬
‫ً‬
‫شيئا إل بمقابل‪.‬‬ ‫سلم‪ :‬وما الثمن؟! لقد تعودت عل أل أفعل‬
‫َ‬
‫عالء‪ :‬يا عزيزت لست وحدك المادية‪ ،‬أتذكر عندما كنت‬
‫صغيا كنت أتمت أن أكون ضابط رسطة ألخدم وطت‪ّ ،‬‬
‫ولما‬ ‫ً‬
‫كيت وعلمت أن سلطة الجيش أقوى‪ ،‬ومرتباته أعل؛‬ ‫ر‬
‫قدمت ف الكلية الحربية ألخدم وطت‪ ،‬والسبب الكامل لو‬
‫فتشنا هو الحصول عل المكانة العالية والمال الكثي‪ ،‬لكت‬
‫سعيد الحظ بعدم قبوىل ف الكلية الحربية‪ ،‬فلو كنت ق ِبلت‬
‫لما قابلتك‪.‬‬

‫‪،،،‬‬

‫||| ‪69‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫(حسام) يف حب (سلمى)‬

‫ٌ‬
‫حسام‪ :‬هناك ضجيج يمأل حيات‪ ،‬يسكت هللا ضجيج‬
‫صخب القلب فيهدأ‪،‬‬‫ِ‬ ‫بيده الكريمة عل‬‫األصوات‪ ،‬يربت هللا ِ‬
‫يربت بحنان ورحمة‪ ،‬يرتب الفوض دون أن نشعر‪ ،‬تذهب‬
‫الحياة تجاه الموت فيسل هللا لنا الحب ليعيد لنا الحياة‪..‬‬
‫لك التاج‬
‫أنت ابنت‪ ،‬لكت لست أباك؛ وإنما أنا أمك‪ِ ،‬‬ ‫حبيبت‪ِ ،‬‬
‫قلت وروح جسدي وهوات الذي‬ ‫أنت أكسجي ر‬ ‫وىل أنت‪ِ ،‬‬ ‫َ‬
‫أنت الجميلة الرائعة الت حفر‬ ‫أنت غذاء روخ‪ِ ،‬‬ ‫أتنفسه‪ِ ،‬‬
‫أنت المهذبة المحبوبة الت‬ ‫أعماق القلب‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫أعماق‬
‫ِ‬ ‫اسمها ف‬
‫قلت وأنا أقول‬ ‫تنتعش بها الروح‪ْ ،‬‬
‫دقات ر‬
‫ِ‬ ‫لكم تمنيت أن تسمع‬
‫لك أحبك‪ ،‬أترقب القمر‪ ..‬فأتمت لقاءك ليغيب القمر‪ ،‬وليحل‬ ‫ِ‬
‫ضوء شمسك أيتها الجميلة الحسناء شديدة الضوء بالغة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بك‪ ،‬وبعد الزواج‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫متشبث‬ ‫طفًّل‬ ‫دمت ىل أما ودمت لك‬‫الياء‪ِ ،‬‬
‫أنت وال أستطيع الوصول‬ ‫ً‬
‫عليك‪ ،‬بداخل ِ‬ ‫ِ‬ ‫زوجا وفيا يحنو‬
‫قلت عنك‪ ،‬ما يفصلنا عن‬ ‫َ‬
‫إليك‪ ،‬صدقيت ال أستطيع فصل ر‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫النور ابتعاد رأش عن صدرك‪ ،‬لن أقول لك إنك مالك‪ ،‬لكنك‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بالنسبة ىل أفضل إنسانة‪ .‬إنت ال أؤ ِمن بالكمال‪ ،‬لكت أؤ ِمن‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫أنت‬
‫بالجمال‪ ،‬زيديت ف الحب حبا‪ ،‬وفوق الحب عشقا‪ِ ،‬‬
‫فيك‪ ،‬حيث تكوت تكون‬ ‫َ‬
‫مجتمع‪ ،‬وقد جمعت حوريات كلها ِ‬

‫||| ‪70‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫الحياة‪ ،‬أتساءل قائال‪َ ،‬لم لم يخصص َمن وضعوا قواعد اللغة‬


‫العربية حروف العطف باإلناث!؟‬
‫شمس يسحرت حديثها‪ ،‬ويبعث داخل‬ ‫ٌ‬ ‫سلم‪ :‬كأنما كالمك‬
‫الحب والبهجة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ْ‬
‫سحرا‬ ‫حسام‪ :‬وإن سألوك عن السحر فقوىل لهم إن ف عينيك‬
‫ال يبور‪ ،‬وإن سألوك عن السلطة فقوىل لهم عيت تسيطر عل‬
‫ً‬ ‫كيان ً‬
‫روحا وجسدا فتقلب كيانه‪ ،‬ولو كان بينهم أميال اشتياق‬ ‫ٍ‬
‫كقلب البحر يمتل بالعوالم والتفاصيل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫كموج البحر ال يهدأ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫كمسحور وف عينيك رقية‪ ،‬ال أرى نفش إل وحيدا بي آالف‬
‫نت‬ ‫ً‬
‫الناس‪ ،‬فقد أصبحوا جميعا عابري سبيل‪ ،‬وأصبحت أ ِ‬
‫جميعهم‪ ..‬أحتضنك بروخ فأشعر بالسالم‪ ،‬كيف لو عانقتك‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫خرجت آدم من الجنة تستطيع‬ ‫روحا وجسدا! إن حواء الت أ‬
‫بضمة‪ .‬عندما أراك ينتابت‬
‫ٍ‬ ‫أن ترده إليها بضم ٍة واحدة‪ ،‬فقط‬
‫شعور الغريق‪ ،‬ألف شعور ف لحظة‪ ،‬كيف لمثل أن يعانق أو‬
‫يحب؟ لو كان ىل أ ْن أقبل ما أحب لقبلت القهوة‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫يقبل ما‬
‫المحبي‪ ..‬لقبلت الحجر األسود‪ ..‬قبلت المريدين‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫قبلت‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫لقبلت لوازم الحبيب محمد قبلة المشتاقي‪ ..‬لقبلت كل ما‬
‫قبلة العاشقي‪ ..‬فاللهم كل هؤالء‪َ .‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ليت‬ ‫المس يد سلم‬
‫َ‬
‫قلب عينيك كل اليوم‪ ،‬ليتها كل األسبوع‪،‬‬ ‫الدقائق أقضيها ف ِ‬
‫كل الشهر‪ ،‬كل العام‪ ،‬كل العقد‪ ،‬كل العمر‪ ...‬ليتها!‬

‫||| ‪71‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫وقلت وتر!‬
‫سلم‪ :‬كأنما كالمك يدان‪ ،‬ر‬
‫قيلت‪ ،‬كل‬‫ْ‬ ‫حسام‪ :‬كل الكلمات المهموسة‪ ،‬كل الكلمات الت‬
‫الكلمات الت عجزت عن اإلفصاح عنها‪ ،‬كل رشء‪ ..‬كله لك‬
‫َ‬
‫للورد‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫واعجبا‬ ‫سلم‪ .‬البارحة‪ ،‬رأيت طوق الورد يزين ر َأسك‪،‬‬
‫ْ‬
‫غبت ف نفس‬ ‫قت ثم ِ‬ ‫يطوق الشمس ويبق عل حالته! أ رس ِ‬
‫َ‬ ‫قربا ً‬ ‫الصباح‪ً ،‬‬
‫دائما يا هللا‪ ،‬أال إن هللا جعل صوتك بهجة‬
‫حلوها‬‫الروح‪ ،‬أ ّما عنك فإن هللا قدر‪ ،‬أرسلك إىل الحياة لتكوت َ‬
‫سجت ف قنديل‪،‬‬ ‫ْ‬
‫كنت كشمس أ ِ‬ ‫ف ليلة شتاء مظلمة وباردة‪ِ ،‬‬
‫وسط القلب‪ ،‬لم أ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كن أخاف الظالم‪ ،‬عشت فيه‬ ‫وعلقت‬
‫ْ َ‬ ‫ومعه ً‬
‫لكن بعد ضوئك بت أخاف العودة‪،‬‬ ‫كثيا حت اعتدته‪،‬‬
‫َ‬ ‫ولم أعد أطيقه‪ ،‬صار موح ًشا‪ْ ،‬‬
‫لكن َمن يألف الوحشة يعتادها‬ ‫ِ‬
‫سبعة‬ ‫فقسم القلب إىل‬ ‫َ‬ ‫ضوء بدد الكآبة وشق األفق‬ ‫كشعاع‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫نجمات السماء‪ ،‬صلوات هلل من أجلك فيداد‬ ‫ِ‬ ‫ألوان تسيق‬
‫بريقها‪ ،‬أشته عناقك‪ ..‬أشته ق ْبلتك‪ ..‬أشته أن أكون‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫بداخلك‪ ..‬أريد أن أكون جنينا أل كون بداخلك كليا‪ ،‬ليتت جني‬
‫رحمك ال أنمو‪ ،‬وأعيش بداخلك إىل األبد!‬ ‫ف ِ‬
‫حساس يجعلها تهتاج ألقل إثارة؛ مما جعلها‬ ‫لسلم حس ّ‬
‫َ‬
‫سماع كلمات الحب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫عند‬ ‫الشية‬ ‫العادة‬ ‫تدمن ممارسة‬
‫وعندما يسألها حسام عن سبب تأو ِهها‪ ،‬تقول له ضش‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫استلطفت سلم (حسام) لكنها‬ ‫يؤلمت‪ .‬صدقا أقول لكم لقد‬

‫||| ‪72‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬
‫ً‬
‫لم تحبه حبا كامًّل؛ ألن كمال الحب عندها ناقص‪ ،‬لذلك‬
‫أناسا يريدون خطبت‪ ،‬وهذا ف حقيقة‬ ‫كانت تقول له إن هناك ً‬
‫األمر غي صحيح‪ ،‬لكن هذه حيلة تستخدمها الفتيات ْ‬
‫لصيد‬
‫ْ‬
‫العريس‪ ،‬فإن كان يحبها تقدم لخطبتها‪ ،‬لكن حسام كان‬
‫أعباء ثقيلة عل عاتقه؛ لذلك قال لها ْارفضيه‪ ،‬لكت‬ ‫ً‬ ‫يحمل‬
‫لن أستطيع أن أتقدم لخطبتك بسبب ظروف المادية‪ ،‬لكنه‬ ‫ْ‬
‫ف واقع األمر لن يتقدم لها نهائيا‪ ،‬والسبب سحر صديقة‬
‫بسبب ما كانت تسمعه عنه‬ ‫ِ‬ ‫سلم الت أحبت حسام بصدق‪،‬‬
‫موقع التواصل‬ ‫عي‬ ‫له‬ ‫وأرسلت‬ ‫‪،‬‬ ‫معه‬ ‫ْ‬
‫وتعاطفت‬ ‫من سلم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫التسجيالت الت بي سلم وعالء‪ ،‬والت كانت‬ ‫ِ‬ ‫االجتماع‬
‫سلم ترسلها لها‪ ،‬وصارحت حسام بحبها‪ ،‬فقال لها‪ :‬ابتعدي‬
‫بعدم‬ ‫أحميك من كره‬ ‫مت الال حب والال كره‪،‬‬ ‫عت‪ ،‬ولك ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قلت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫قلت عن طريقها الحب ه من عرف ر‬ ‫حت‪ ،‬إن من عرف ر‬ ‫ر‬
‫عن طريقها الكره‪.‬‬
‫َ‬
‫لم يرحب حسام بحب جديد؛ ألنه ال بديل عند األوفياء‪،‬‬
‫وقال‪:‬‬
‫ىل الخديعة ولها المخادعة‪..‬‬
‫ىل اآلالم ولها المرح‪..‬‬
‫ىل المذلة ولها العزة‪..‬‬
‫ىل السبع العجاف ولها الفرج‪..‬‬

‫||| ‪73‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫رجل من‬ ‫آه‪ ،‬لقد خدعت‪ ..‬لقد قهرت‪ ..‬لقد هزمت‪ ،‬لقد هزم ٌ‬
‫ٍ‬
‫الكيى‬ ‫امرأة‪ ،‬إن هذا يغيظت‪ ،‬كره‪ ..‬كره‪ ..‬كره‪ ..‬الدناسة ر‬
‫أعيش ف هذه‬‫َ‬ ‫أكره الجميع حت‬ ‫دناسة األدناس‪ ،‬يجب أن َ‬
‫الحياة‪ ،‬أخذتت لدنيا األحالم ولقد حلقت معها وحلقت‪،‬‬
‫وفجأة هويت‪ ،‬إنها كانت تريد رفع من أجل سقوط أقوى‬
‫ْ‬
‫األشجار المثمرة يعري ها الخريف‪ ،‬تهددها الصواعق جافة‬
‫اب‬ ‫ويابسة‪ ،‬ضعيفة األطراف‪ ،‬ويأت الهواء إ ّل أ ْن يني الي َ‬
‫ر‬
‫عليها! هكذا هو التعامل مع الناس‪ ،‬وكأن ف صدري حبلَ‬
‫ومخلوقات‬ ‫وطيورا فزعة‪،‬‬‫ً‬ ‫حطب مشتعل‪ ،‬وغابات تحيق‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تهرب ف كل اتجاه‪ .‬رائحة الموت أشمها لتذب كل األمات‬
‫يأت الجسد إال‬ ‫واألحالم كالرياح‪ ،‬ال قيمة لهم عندي‪ ،‬بدونها ر‬
‫يرتاح قلت‪ ،‬يأت قلت إ ّل أ ْن يوجعت حت أصلَ‬ ‫أ ْن يعذبت حت َ‬
‫ر ر‬ ‫ر‬
‫عن‬ ‫َ‬
‫يأت العقل أن يهدأ ِ‬ ‫تأت عيناي أن تناما ّبسالم‪ ،‬ر‬ ‫إليها‪ ،‬ر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫تطول‪..‬‬ ‫ْ‬
‫وتطول وه ف‬ ‫تأت الطرقات إل أن‬ ‫التفكي بها‪ ،‬ر‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫باهت يشته ألوانا تزين حليته‪ ،‬وله الحق‬ ‫ٍ‬ ‫الخاطر كميل‬
‫َ‬
‫كعابر سبيل يشته‬ ‫كطريق موحل يشته التعبيد‪ ،‬وله الحق ً ِ‬ ‫ٍ‬
‫بيت شح‬ ‫َ‬
‫نسان حل ضيفا عل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫السالم والسكن‪ ،‬وله الحق كإ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫فلم يحصل عل أي حق! أنا ضيف عند الحياة‪ ..‬إل أن الحياة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حسان إليهم!‬ ‫ال تحسن معاملة الضيوف‪ ،‬وال اإل‬

‫||| ‪74‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ثم كيف تفعل ه مع هكذا وأنا الذي أحمل لها كل ما ف‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مرغما عل‬ ‫والهجر حنظًّل‪ .‬وأجدت‬ ‫صدري‪ ،‬رسبت البعد مرا‪،‬‬
‫الصي‪ ،‬ما يؤلمت أت اكتشفت أنت كنت سلعة‪ ،‬وما‬ ‫ر‬ ‫تجرع‬
‫اشيى هو َمن باع! نعم تجارة‪ْ ..‬‬
‫لكن‬ ‫يزيد من ألم أن َمن َ‬
‫ٌ‬
‫تجارة بقلوب ر‬
‫البش‪.‬‬

‫‪،،،‬‬

‫||| ‪75‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ضجيج عقل‬

‫وتار الصمت‪،‬‬ ‫َ‬


‫غرفة مظلمة يراقب العالم‪ ،‬يعزف عل أ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِمن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يظن أنه قوي ألنه وحده‪ ،‬بينما ال أحد يقف بجانبه‪ ..‬ال أحد‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫هنا‪ ،‬زنزانة ف صدره‪ ،‬وغرفة انفرادية لها أربعة جدران سوداء‪،‬‬
‫وباب حديد‬‫ٌ‬ ‫سكنها الليل‪ ،‬وسقفها مظلم‪ ،‬وحوائط باردة‪،‬‬
‫َ‬
‫محكم اإلغالق‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫يحدث َ‬
‫نفسه قائًّل‪ :‬ال أعرف ما الذي أنا فيه‪ ،‬غارق بال انتهاء‪،‬‬
‫صار طعمه مرا‪ ،‬والوقت ال يمر‪ ،‬تتباطأ العقارب‪ ..‬تمر‬ ‫والواقع َ‬
‫الساعة وكأنها ساعات‪ ،‬وتمر الدقيقة وكأنها دقائق! من‬
‫المفيض أن تدق الساعة عل رأس كل ساعة وهذا ما ال‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫يحدث‪ ،‬فقد صارت تدق عند رأس كل دقيقة‪ ،‬وتدق عل‬
‫رأس الحقيقة! لقد افيقنا‪ .‬يمر الوقت عل وكأنه يمر فوف‪،‬‬
‫أحاول أن أتجاهل حزت ألعيش الحياة‪ ،‬فتتجاهلت الحياة‬
‫أل َ‬
‫عيش بداخل مرة أخرى‪.‬‬
‫نفسه بالرجوع إىل سلم‪ ،‬وتقبل‬‫ف البداية‪ ،‬حدث حسام َ‬
‫خيانتها؛ لشدة حبه لها‪ ،‬وقال اللهم إن كان النق للنق‬
‫فاجعلها نقية‪ ،‬أو ْاج َعلت َ‬
‫غي ّ‬
‫نق‪.‬‬
‫َ‬
‫دون َ‬
‫وجل‪ ،‬فيستسلم لذراعها‪،‬‬ ‫يتمدد طيفها بجواره‪ ،‬يعانقه‬
‫نحها أ َ‬
‫نفاس‬ ‫يستيف بال رغبة منها‪ ..‬وال طلب‪ ،‬مستعد أن يم َ‬
‫ٍ‬

‫||| ‪76‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫دمه فيصاب بالهزال‪،‬‬ ‫صدره فيصاب باالختناق‪ ،‬يمنحها َ‬


‫ولو سيفارق الحياة‪.‬‬ ‫يمنحها دقات قلبه ْ‬
‫ِ‬
‫عي الصمت‪..‬‬ ‫تعي الطرقات ر َ‬ ‫كانت‪ -‬ومازالت‪ -‬األصوات ر‬
‫َ‬
‫الليل؛ ليسمع صوتها الوهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ال يزال الليل ً‬
‫قائما بصدر حسام‪ ،‬وال يزال شاردا منه فيه‪،‬‬
‫كمن يجوب الشوارع‬ ‫كلت أطرافه َ‬ ‫وينشق صدره بالصدوع‪ ،‬وتآ ْ‬
‫ً‬
‫صدره‪ ،‬وصوتها ال يزال ييدد بصدره إىل‬ ‫ِ‬ ‫مستندا عل ضلوع‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫اآلن! هكذا يكون صدى الصوت ف األماكن المهجورة‪ ،‬مزيد‬
‫رغم‬‫من الضعف‪ ..‬مزيد من شعور االستياف غي المنته‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫وجودها ال يستطيع فكاكه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫غيابها ظل الفؤاد معها كما كان ف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أنا َلم أ ْ‬
‫كحطب‬‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫هجرك‬ ‫وف‬ ‫‪،‬‬‫اء‬
‫ر‬ ‫كصح‬ ‫ل‬ ‫ض ف بعدك إ‬
‫َ‬
‫يحيق‪ ،‬وصبار يوخز شوكه‪ ،‬وجفاف ف حلق‪ ،‬وجدب ف‬
‫أرض‪ ،‬ووحدة تخترص المشاعر‪..‬‬
‫حنينه إليها‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫نفسه باالنتحار بسبب‬ ‫ثم أفاق فحدث َ‬
‫ِ‬
‫ٌ‬
‫أعلم أت أريد أن أنتحر‪ ،‬وأعلم أت ىل رغبة ف عناقك‪ ،‬وأعلم‬
‫أن َمن يقبل عل االنتحار ال يكون عنده رغبة‪ ،‬وأعلم أت لو‬
‫عانقتك َلما انتحرت!‬
‫أفاق من وهمه ومذلته وقال‪ :‬ال َ‬ ‫َ‬
‫قرب ممن لم‬ ‫ثم سعان ما‬
‫َ‬
‫يقف بجانبنا وقت الكرب‪.‬‬ ‫ْ‬

‫||| ‪77‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬


‫وصارت لحسام عادة‪ ،‬وه أنه كلما عاد من العمل صعد فوق‬
‫عرفت النجوم الت تسكن‬ ‫ِ‬ ‫سطح الميل وفكر ف حاله‪ ،‬حت‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مالمحه‪ ،‬ويحرص كوب قهوة‪ ،‬نعم‪ ..‬قهوة‬ ‫فوق سطح بيته‬
‫كأعماق المحيط‪ ،‬هادئة كقاع البحر‪ ،‬رائحتها‬ ‫ِ‬ ‫راكدة عميقة‬
‫ٌ‬
‫هموم‬ ‫ائحة الليلة الصعبة‪ ،‬ولونها كظلمة قلبه منذ رحيلها‪،‬‬ ‫كر ِ‬
‫طويلة بالليل يطوي ها بزوغ الصباح‪ ،‬ويفتحها الغروب‪ .‬األيام‬
‫طعم لها؛ ِمن العمل إىل‬ ‫كلها تشابهت؛ كلها عديمة القيمة‪ ،‬ال َ‬
‫ست هو اجتماع اإلجهاد‬ ‫ٌ‬
‫عمل آخر ّ‬ ‫غفاء يتلوه‬‫األرق إىل إ ٍ‬
‫كنصف‬ ‫ِ‬ ‫بجوار المتاعب‪ .‬ينام كالموت‪ ،‬ويستيقظ‬ ‫ِ‬ ‫الجسدي‬
‫حياة‪ ،‬اليوم‪ -‬وكل األيام‪ -‬تمر بال معت‪ ..‬بال قيمة‪ ،‬وتنعدم‬
‫ّ‬
‫الالشء صار كل رشء‪.‬‬ ‫اللذات‪ ،‬كبيها وصغيها‪ ،‬وشعور ر‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫خلل ف‬ ‫لقد عات حسام من تشتت األفكار‪ ،‬كما حدث له‬
‫عصت ف المخ هو الدوبامي؛ حيث‬ ‫ر‬ ‫تركيات ناقل كيميات‬
‫ازدادت نسبة تركيه ونشاطه ف مناطق معينة تسببت ف‬
‫َ‬
‫نظر َمن‬ ‫ضالالت‪ ،‬فكان َ يعات من فكرة االضطهاد‪ ،‬وأنه محل ِ‬
‫العلب الفارغة‬ ‫َ‬ ‫حوله‪ ،‬وأنه مراقب بكاميات‪ ،‬كما صار يجمع‬
‫خارج دورة المياه‪ ،‬كل هذا بسبب اإلهمال األسي‬ ‫َ‬ ‫ويتيز‬
‫ر‬
‫ولما خانت سلم (حسام) قرر أن يتكلم مع‬ ‫ْ‬ ‫وب ْعد األصدقاء‪ّ .‬‬
‫ْ‬
‫أصدقائه ليخرجوه من الحالة الت صار فيها‪ ،‬وكان قد صنع‬
‫وسماها "أصدقاء إىل األبد"‪ّ ،‬‬ ‫ً‬
‫مجموعة ّ‬
‫فلما أراد االستعانة بهم‬

‫||| ‪78‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ً‬ ‫َ‬
‫دخل المجموعة فلم يجد منهم أحدا‪ ،‬كلهم خرجوا من‬
‫وبسبب سلم‪ ،‬الت‬ ‫ِ‬ ‫المجموعة‪ ،‬فخيم الحزن عليه بسببهم‬
‫َ‬
‫تواجه بشاعة الحياة‬ ‫تدمي القلوب‪ ،‬فلك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال أرى م ري ًرا لها ف‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫تكون ذكيا‪.‬‬ ‫ال تحتاج ألن تكون رس ًيرا‪ ،‬يكق أن‬
‫ً‬ ‫ْ‬
‫لم يجد حسام له صديقا سوى حازم‪ ،‬تلك الشخصية‬
‫ً‬ ‫اختلقها عقله ً‬ ‫َ‬
‫لزوما وفرضا عليه‪ ،‬والت ه عل‬ ‫الوهمية الت‬
‫كثي البكاء بسبب ما يحدث له‪،‬‬ ‫تماما‪ .‬وقد كان حسام َ‬ ‫نقيضه ً‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫نظرة مؤلمة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تلك الدمعات الحارقة ال أستطيع وصفها‪ ،‬كل‬
‫بسبب األسة‬ ‫ِ‬ ‫همسة مؤلمة‪ ،‬كل دمعة حارقة‪ ..‬كل هذا‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬
‫ً‬
‫سلم ْت ول ِعنت لعنا ً‬ ‫ُ‬ ‫واألصدقاء وسلم‪ ،‬فال َ‬
‫كثيا‪ ،‬كالنش‬
‫ً‬ ‫ْ‬
‫أخذت قلبه وحلقت‪ ..‬حلقت بعيدا‪ ،‬وقلبه بي براثنها‪،‬‬
‫وذاكرته ال تنش ما معها‪ ،‬فكيف بها؟‬
‫َ‬
‫أفضل الناس‬ ‫عات حسام ِمن الشعور بالعظمة‪ ،‬فكان يقول إن‬
‫ِقمته قاع‪ ،‬فقمت السماء وقاع قمتهم‪ ،‬بجانب ذلك كان‬
‫ً‬
‫حسام يسمع صوتا يحثه عل االكتئاب واالنتحار وكراهية‬
‫وسط ضجيج عقله‪:‬‬ ‫متألما ف‬ ‫ً‬ ‫المرأة واإللحاد! يقول حسام‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫وجعا‪ .‬يا أم‪ ،‬لماذا‬ ‫كلما سمحت لهم باقتحام قلت أفحموه ً‬
‫ر‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫عالم ال يعيف باألخالق؟ إن‬ ‫ربيتت عل أن أكون خلوقا ف ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫واأللم هو الحياة‪ ،‬ال أجد شيئا جديدا ف هذه‬ ‫الحياة ه األلم‪،‬‬
‫ً‬
‫الحياة سوى تنوع أساليب األلم‪ ،‬إنت أعات منذ والدت‪ ،‬لطفا‬

‫||| ‪79‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫رت أيها اإلله القاهر‪ ،‬األوجاع متعددة مصطفة‪ ،‬ما إن ينته‬
‫أحدها حت تأت األخرى‪ ،‬فإذا ما أوشكت عل االنتهاء‬
‫اختفت األوجاع‪ ،‬حت إذا ما أقبلت عل المعافاة‬
‫ِ‬ ‫والموت ً‬
‫قهرا‬
‫َ‬
‫جاءتك مشعة‪ ،‬فه ال تريد موتك وال تريد شفاءك؛ ه تريد‬
‫ألمك‪ .‬سكران إىل الحد الذي يجعلت رأسب الخمر وال يزداد‬
‫سكري‪ ،‬إن كية األوجاع والحشات تجعلك تتجرع السم دون‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫أن تشعر بتمغص البطن‪ ،‬إنت أود إسكات العالم‪ ،‬وأول ما أود‬
‫ً‬
‫قلت‪ ،‬أتساءل قائًّل‪َ :‬لم ْلم تمت عندما تمزقت‬
‫إسكاته دقات ر‬
‫من الداخل؟!‬
‫الهدوء‪ ..‬أريد الهدوء‪.‬‬
‫ً‬
‫فيا َمن تطالبون بحقوق المثليي‪ ،‬أنتم عظماء‪ ..‬اصمتوا قليًّل‪.‬‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫ويا َمن تهاجمونهم‪ ،‬أنتم عظماء‪ ..‬اصمتوا قليًّل‪.‬‬
‫ً‬
‫يا َمن تهاجمون الدولة‪ ،‬أنتم عظماء‪ ..‬اصمتوا قليًّل‪.‬‬
‫ً‬
‫ويا َمن تدافعون عن الدولة‪ ،‬أنتم عظماء‪ ..‬اصمتوا قليًّل‪.‬‬
‫ً‬
‫يا َمن تهاجمون األديان‪ ،‬أنتم عظماء‪ ..‬اصمتوا قليًّل‪.‬‬
‫ً‬
‫يا َمن تدافعون عن األديان‪ ،‬أنتم عظماء‪ ..‬اصمتوا قليًّل‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫مثيل لكم‪ ،‬لكن ِمن فضلكم‪ ..‬اصمتوا قليًّل‪.‬‬ ‫كلكم عظماء‪ ،‬وال‬
‫إنهم يكذبون ويرصون عل كذبتهم‪ -‬حت مع أنفسهم‪ -‬لك‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫يتذكروا كذبتهم‪ ،‬سيعو البديهة‪ ،‬يمتلكون ذاكرة قوية وخيال‬

‫||| ‪80‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬


‫التمثيل عل أنفسهم وعل غيهم‪ ،‬متشبثون‬ ‫واسعا‪ ،‬يجيدون‬
‫عند افتضاح أمرهم‪ ،‬مجيدو الكذب هم‪.‬‬ ‫َ‬
‫بكذبتهم‬
‫ّ‬
‫واحد منا عدة بكارات؛ بكارة القلب يمزقها الحب األول‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫لكل‬
‫وبكارة العقل يمزقها التبعية‪ ،‬وبكارة النجاح يمزقها الفشل‪،‬‬
‫أمرا عاديا َ‬
‫مرة صار الفشل ً‬ ‫َ ً‬
‫وغي مؤلم‪ .‬إن البكارة‬ ‫فإذا فشلت‬
‫والوطء ليس للمرأة‪ ،‬فالحياة قد وطئتنا‬ ‫َ‬ ‫ليست للرحم وفقط‪،‬‬
‫جميعا! أشعر أن جوف بحاجة إىل أن ي ْر َوى‪ ،‬هناك َثمة رشءٌ‬ ‫ً‬
‫ٍ‬
‫بحاجة إىل‬
‫ٍ‬ ‫ما ينقصت‪ ،‬رش ٌء غي الماء‪ ،‬إنه ينقصت جدا وأنا‬
‫أخش ألت أردت الفوز‪ْ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫لن أفشل‬ ‫هذا السائل‪ ،‬لطالما قلت لن‬
‫َ‬ ‫ألت أردت النجاح‪ ،‬لن أتر َ‬
‫اجع ألت أردت اإلقدام‪ ..‬واآلن أقول‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫أعيش ألت أريد الموت‪ ،‬حت ما يسمونه بالشهوة لم أعد‬ ‫لن‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫أشتهيها‪ ،‬ف داخل وجع لو انتقل إىل غيي لم يتأوه ألنه‬
‫ّ‬ ‫مباسة‪ّ ،‬‬ ‫سيموت ر‬
‫بصمت وأل أزعجهم‬ ‫ٍ‬ ‫عل أن أتجرع آالم‬
‫َ‬ ‫بصوت ّ‬
‫تأوه‪ .‬إن كية اإلحساس تميت اإلحساس‪ ،‬وكية‬ ‫ِ‬
‫التفكي تشل العقل عن التفكي‪ .‬إن الحياة معركة‪ ،‬الهروب‬
‫منها موت‪ ،‬والبقاء فيها ينته بالموت! عندما تشيخ الروح‬
‫ٌ‬
‫تصبح الحياة باهتة‪ ،‬باهتة ه الحياة‪ ،‬حينها أدركت مؤخ ًرا‬
‫مؤخرا أت بالنسبة لهم‬ ‫ً‬ ‫مهزوم‪ ،‬أيقنت‬ ‫ٌ‬ ‫أن الطفل الذي بداخل‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫أضحوكة‪ ،‬لقد طعنوا الحوت المحب‪ ،‬وأقنعوه أنه لو تم‬
‫ُ‬
‫اصطياده وتحويله إىل تونة سيكون أفضل‪ ،‬فتقبل الطعنات‬

‫||| ‪81‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ْ‬
‫ورحب بها‪ ،‬ولم يدرك حينها أنهم سيأكلون التونة‪ ،‬وإنه بمجرد‬
‫ً‬
‫تحويله إىل تونة سيصي ميتا‪ .‬لطالما ظننت فيهم السوء‪،‬‬
‫سن ظن‪ ،‬حت صديق الذي‬ ‫ظت فيهم ح َ‬ ‫ولطالما كان سوء ّ‬
‫كثيا تركت‪ ،‬وبينما أنا أساعده قال للناس إت خادمه‪،‬‬ ‫ساعدته ً‬
‫سوء الظن‬‫َ‬ ‫كلما أحسنت الظن جاءت النهايات لتثبت أن‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وقاية ومنجاة من كل ضر‪ ،‬وكلما أسأت الظن رمات الجميع‬
‫ً‬
‫بتهمة الشك‪ ،‬إذا ليبق سوء الظن الذي يقيت من الرص ِر‬
‫ْ‬ ‫وليحي َق الجميع‪ .‬أنا شكاك‪ ،‬والشك ف ر‬
‫البش حسن ظن؛ إذ‬
‫إنه يجب اليقي ف سوئهم‪ .‬أنا ناقم عل كل رشء‪ ،‬وال أرى ف‬
‫الزهد إل الرجعية والتخلف‪ ،‬وال ف‬ ‫ِ‬ ‫العابد إل النفاق‪ ،‬وال ف‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫المكر والخداع‪ ،‬وال أرى ف الصديق إل الغدر‪،‬‬ ‫رجل الدين إل‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫وال أرى ف الحبيب سوى الخيانة‪ ،‬وال أرى المغرور إل تافها‪،‬‬
‫ً‬
‫وال أرى الحب إل كرها‪ ،‬لكنه متنكر‪ .‬يقرؤون من أجل قتال‬
‫فك ِر ّي‪ ،‬ويمارسون الرياضة من أجل قتال عضل‪ ،‬أال ينبع‬
‫َ‬
‫عليهم أن يقرؤوا من أجل أن يرتقوا‪ ،‬ويمارسون الرياضة من‬
‫الش الميجمة ف عدة غرائز‪،‬‬ ‫أجل أنفسهم‪ ،‬لكنها غريزة ر‬
‫بعالم سالحه الحقيق العلم وليس القتل‬ ‫ٍ‬ ‫لطالما حلمت‬
‫لكن‬‫والفتك‪ ،‬لطالما حلمت بإزالة الحدود ونسيان الخالف‪ْ ،‬‬
‫ّ ِ‬
‫البشع إل المزيد من اآلالم!‬ ‫التمت ف هذا الواقع َ‬ ‫ّ‬ ‫ماذا يفعل‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫س‪َ ،‬م ْن ِىل َوق َت ح ْز ِت؟ َم ْن ِىل َوق َت ألم؟‬ ‫أريد أن أكون رأس َ‬

‫||| ‪82‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ال أرى إل َمن ينتظر سقوط‪ ،‬ما الفرق بي الحب والكره؟ ما‬
‫غدا يتسخ األبيض فيصي أسود‪.‬‬ ‫ً‬
‫الفرق بي القرب والبعد؟‬
‫ً‬ ‫َ ً‬
‫كقطر المطر وقد تخل السحاب عنه‬ ‫ِ‬ ‫كرها أسقط مكرها‪،‬‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ً ! ْ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫متأرجحا ومينحا تنهرت الرياح ألجد نفش‬ ‫فه َوى سقوطا‬
‫ً‬
‫غارقا ف جدبها أو ْ‬ ‫ً‬
‫وح ِلها‪ ،‬أو أرتطم بسطح‬ ‫مرتطما باألرض‪،‬‬
‫ر ٌ‬
‫متشد وتعلقت بثوبه‬ ‫بناء أو عل جبي عابر‪ ،‬ينفضت وكأنت‬
‫األنيق أود أن أسقط ف بحر يحركت كالموج أو يركدت ف‬
‫سقط ف نهر فأجري‬ ‫بخار ماء‪ ،‬أو أ َ‬ ‫القاع‪ ،‬أو ينته ت األمر َ‬
‫ر‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫طوعا أو كرها أو أصي محيطا فأصنع األمواج وأقلب‬ ‫جريانه‬
‫األجواء ف داخل أو ف ساحل‪ ،‬أصنع األعاصي ف جوف‪،‬‬
‫َ‬
‫وأهدد كيان أي رشء‪ .‬النجاح ليس له سقف‪ ،‬والهاوية ليس‬
‫ً‬
‫سقوطا ال ينفد‪ ..‬ال ينته!‬ ‫ً‬
‫سقوطا بال نهاية‪،‬‬ ‫لها قاع‪ ،‬أسقط‬
‫ّ‬
‫اللعنة عل هذا المجتمع الذي ال ينجب إل ً‬
‫بؤسا‪ ،‬وال يحصد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يأسا! غدا العيد‪ ..‬وأنا لست سعيدا‪ ،‬غدا العيد‪ ..‬ال أريد‬
‫ً‬ ‫إ ّل ً‬
‫ً‬
‫حزنا‪ ،‬ال أريد هما‪ ،‬ال أريد بكاء‪ ،‬وسيحدث كل ما أريد‪ .‬عندما‬
‫كمن يحمل العالم عل كتفيه‪،‬‬ ‫أمش ف الطريق أجر قدم َ‬ ‫ر‬
‫فوق جفنيه ال كتفيه!‬ ‫َ‬ ‫وجفت ينغلق َ‬
‫كمن يحمل العالم‬
‫النرص حليف ر‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫الش‪ ،‬والحق‬ ‫سمع حسام صوتا يقول له إن‬
‫والخي والفضيلة قضايا خاسة‪ ،‬إن الطيبي مجرد شواذ‪،‬‬

‫||| ‪83‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫َ‬
‫نواكب رس العالم‬ ‫مطحنة الحياة‪ ،‬يجب أن‬ ‫سيتم طحنهم ف‬
‫ِ‬
‫بما هو أشد فظاعة‪ ،‬وأكي رسا‪.‬‬
‫ً‬
‫صاحب الصوت‪َ :‬من أنت؟‬
‫َ‬ ‫حسام سائًّل‬
‫صاحب الصوت‪ :‬اسم حازم؟ لقد استغلك ر‬
‫البش األنانيون‪،‬‬
‫عليك أن تكون رس ًيرا مثلهم‪.‬‬
‫ٌ‬
‫جانب خي‪،‬‬ ‫حسام‪ :‬كل رشء فيه خي‪ ،‬حت األنانية فيها‬
‫فالطبيب الذي يعمل من أجل جمع المال والشهرة هو بذلك‬
‫َ‬
‫أفاد بأنه كان ً‬ ‫َ‬
‫سببا ف شفاء مريض‪ ،‬واستفاد‬ ‫أفاد واستفاد‪،‬‬
‫َ‬
‫تغضب من‬ ‫بالمال والشهرة‪ّ ،‬أما عن أنانية الحب فعليك أل‬
‫َ‬
‫طلبت منه أن‬ ‫أنانية أحدهم‪ ،‬فلو لم ْ‬
‫تكن أنت أنانيا‪ ،‬لما‬
‫يفضلك عن نفسه‪ ،‬ما يزعجت هو الخيانة‪.‬‬
‫أنت أمام العالم‪ ،‬ال شك ف أنها أخذتك إىل قمة‬‫حازم‪ :‬هش َ‬
‫ْ‬
‫وألقت بك إىل قاع الحزن‪ ،‬مشكلتك يا صديق أنك‬ ‫السعادة‪،‬‬
‫تريد النجاح وال تفعل كما يفعل َمن وصلوا‪ ،‬فال أنتَ‬
‫بالمستسلم وال بالواصل!‪.‬‬
‫حسام‪ :‬إن عدم سعت للنجاح ف حد ذاته استسالم‪ ،‬عل أن‬
‫أجتهد فتلك اللحظة تستحق‪ ،‬إنها تلك اللحظة الت أقرر فيها‬
‫أن أرتق‪ ،‬إنها تلك اللحظة الت تعلو فيها همت‪ ،‬إنها تلك‬
‫فرط شغق عل النجاح‪ ،‬إنها‬ ‫اللحظة الت أكاد ُأ َجن فيها من ْ‬
‫ً‬
‫تلك اللحظة الت أضخ فيها بوجه العالم قائًّل‪ ..‬أنا هنا‪.‬‬

‫||| ‪84‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ٌ‬
‫حازم‪ :‬غش‪ ..‬خداع‪ ..‬كذب‪ ،‬هذا العفن ف الحياة‪ ،‬أمازلت‬
‫تريد أن تجتهد؟! أمازلت تريد أن تستمر ف هذا المستنقع؟!‬
‫وتنتقم منهم‪ ،‬ثم تنتحر‪ .‬ال تكن‬ ‫َ‬ ‫جميعا‪،‬‬‫ً‬ ‫عليك أن تكرههم‬
‫ً ً‬
‫مثل‪ ،‬إذا أردت سقاء باردا فال تيل إىل قاع بي أحدهم‪ ،‬فالبي‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫الذي تظن أنه أنقذك من الموت عطشا سيقتلك وحيدا‬
‫ً‬
‫منعزل ف قاعه‪.‬‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬
‫كون‬ ‫فاعدل؛ إن‬ ‫حسام‪ :‬للكراهية طاقة‪ ،‬وللحب راحة‪،‬‬
‫ً‬
‫غشهم يغضبت يجعلت ال أكون غشاشا‪ ،‬كما أن النجاح الكبي‬
‫نت ال تعرف‬ ‫ما هو إل ردة فعل لفشل كبي كان سيحدث‪ ،‬أ َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ولن تعرف ماذا فعل الحب رت! كيف غيت‪ ..‬وكيف أدخلت‬
‫دام‬‫شعور باليأس لو َ‬ ‫ٌ‬ ‫ف اكتئاب‪ ،‬ودفعت دفعة قاسية‪،‬‬
‫ً‬
‫الطقس عل حاىل سيموت الناس بردا‪ ،‬أحسست بآالم العالم‬
‫ْ‬
‫حت تلك الت لم أذقها‪ ،‬لن تعرف الكم الهائل من الحزن الذي‬
‫يغمرت‪ ،‬كيف تغيت مشاعري وأحاسيش تجاه المخلوقات‬
‫حوىل‪ ،‬لن تعرف كيف‪ ..‬وماذا أصبحت!‬
‫البش‪ ،‬أو‬‫تهرب من ر‬ ‫َ‬ ‫حازم‪ :‬اسمعت‪ ،‬أمامك خياران ّإما أن‬
‫َ‬
‫يجيك عل البقاء‬ ‫تقاتلهم‪ .‬لكن لو هربت منهم فما الذي ر‬
‫ٌ‬
‫بدون هدف‪ ..‬بدون مشاعر! إنسان وحيد مكتئب‪ ،‬ولو‬
‫حياة كلها قتال واضطرابات‬ ‫ٍ‬ ‫يجيك عل‬ ‫قاتلتهم فما الذي ر‬
‫ٌ‬
‫البقاء‬
‫ِ‬ ‫وتوتر؟! ستقول ىل ضاع من أجل البقاء‪ ،‬وما فائدة‬

‫||| ‪85‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫مغموما حزينا‬ ‫طالما سأعيش ف حالة اضطراب! أراك‬
‫ّ‬
‫فأعطيك الحل رغم أت ال أعرف قصتك‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫لك‪ ،‬افعل‬ ‫حسام‪ :‬قصت تتلخص ف أت قلت لها ر‬
‫قلت ملك ِ‬
‫تحطيمه‪ ،‬تمسكت بها فيكتت‪،‬‬ ‫به ما تشائي‪ ،‬وقد شاءت ْ‬
‫عاهدتها عل الحب فخانت‪ ،‬وعاهدت نفش عل الحزن‬
‫لكن شاء هللا ما لم‬ ‫عليها فوف ْيت‪ ،‬شئت أن أحبها وتحبت‪ْ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫وسهم تلقيته بعي فؤادي فف ِقئت؛ ك ال‬ ‫أشأ‪ ،‬فنفذت إرادته‪،‬‬
‫َ‬
‫يصيب حبنا فيموت‪ ،‬فمات الفؤاد من أجل حب ما هو إل‬
‫أكذوبة‪ ،‬ه خائنة وأراها ف كل النساء‪ ،‬لذلك كل النساء ف‬
‫نظري خائنات‪ ،‬إننا لم نقيب حت نفيق‪ ،‬لم تقيب ه ِمن‬
‫قلت حت أقول إنها فارقتت‪ ،‬ما الفرق بي حب المرأة وحب‬ ‫ر‬
‫ً‬
‫الجوكر؟ ف الحقيقة ال أجد فارقا سوى أننا نحب الجوكر‬
‫لرصاحته‪ ،‬ونحب المرأة من أجل شهوتنا‪.‬‬
‫الش ف العالم شيئان‪ ،‬وهما؛ األنانية‬ ‫َ‬
‫سبب ر‬ ‫حازم‪ :‬أيقنت أن‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫بنظرة‬
‫ٍ‬ ‫وقاتل رس المرأة‬ ‫قاتل األنانية بحب الغي‪،‬‬ ‫والمرأة‪ِ ،‬‬
‫ٌ‬
‫واهن‪ ،‬ال‬ ‫واحدة مجردة من الشهوة‪ ،‬حينها ستجد أن كيدهن‬
‫ْ‬
‫أكي من وصفها‬ ‫شته‪ ،‬ال أجد إهانة للمرأة َ‬ ‫يعظم إل عل م ٍ‬
‫َ‬ ‫فخرا للذكر َ‬
‫بامرأة‪ ،‬وال أجد ً‬
‫نعته بأنه رجل‪ ،‬أل‬ ‫أكي من ِ‬
‫وقل‬‫قل للمرأة يا رجل‪ْ ،‬‬ ‫َ‬
‫الوضع؛ ْ‬ ‫تصدقت‪ ..‬جر ِب ْاعكس‬
‫للرجل يا امرأة؛ ستفرح المرأة ويغضب الرجل‪.‬‬

‫||| ‪86‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫مجهود لفهم المرأة‪ ،‬كل ما عليه‬


‫ٍ‬ ‫حسام‪ :‬أصبحت ال أحتاج إىل‬
‫يرصخن قائالت العالم ست وهن بكل‬ ‫َ‬ ‫هو أت أسأت الظن‪،‬‬ ‫َ‬
‫أخيوت ما معت السوء؟ لعل أن‬ ‫هذا السوء‪ .‬باهلل عليكم ر‬
‫اختلط عل األمر! عديمات الشخصية مصطنعات‬ ‫َ‬ ‫يكون‬
‫يأمن َ‬
‫مكر‬ ‫الشف والفضيلة هن‪ .‬حقا إن َمن َ‬ ‫القوة مدعيات ر‬
‫ً‬
‫تقاربا‬ ‫صار الحب ف وجهة نظري‬ ‫المرأة يقع ف الفخ‪ ،‬كما َ‬
‫الثني بعينهما‪ ،‬فقد يحب‬ ‫عقليا ال قلبيا‪ ،‬فالحب لم يخلق ْ‬
‫َ‬
‫معذبته‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أحدنا َمن يذبحه!‬
‫وغالبا ما يحب الرجل‬
‫حازم‪ :‬إن المرأة أرق من المالك‪ ،‬وأحط من الشيطان‪ ،‬تطور‬
‫صدرها ليلجأ إليه الرجل‪ ،‬حقا ما أطهرها وما أقذرها! رش ٌء‬
‫أنت‬‫آخر أريد أن أقوله لك يا صديق‪ ،‬أنت ال تكره المرأة؛ َ‬
‫تتكلم عن غضب‪.‬‬
‫حسام‪ :‬بل أكرهها‪.‬‬
‫حازم‪ :‬وهل تكره أمك؟‬
‫حسام‪ :‬بل أحبها‪.‬‬
‫ً‬
‫حازم‪ :‬إذا‪ ،‬فأنت تحب المرأة‪ ،‬وكالمك ما هو إل غضب‪.‬‬
‫ْ‬
‫حسام‪ :‬وكيف ىل أن أكرهها وه أكرمتت؟‬
‫ً‬ ‫ْ‬
‫لنتيجة إجرامية‪ ،‬فحبيبتك‬
‫ٍ‬ ‫حازم‪ :‬ألن تكون امرأة له مقدمة‬
‫الت خدعتك وحطمتك عندما ستصي أما ستكرم أبناءها‪،‬‬

‫||| ‪87‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫وسيحبونها‪ ،‬ال تتعجب؛ فإنهن يغين وجوههن الظاهرة‬


‫ً‬
‫لكذب المرأة بريقا‪،‬‬
‫ِ‬ ‫بالمكياج‪ ،‬ووجوههن الباطنة بالنفاق‪ ،‬إن‬
‫ْ َ ْ‬
‫فال تخدع‪ ،‬وبريقه شهوتك وحبكتهن القوية للكذبة عندما‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫انتصار لها عل الرجل بالقوة؛ كادت‬ ‫تيقنت المرأة أنه ال‬
‫وتدللت‪.‬‬
‫حسام‪ :‬أعيف أن المرأة فيلسوفة‪ ،‬لكن فلسفتها فارغة‪،‬‬
‫وأعيف أنها متفوقة عل الرجل‪ ،‬لكن ف أمر واحد؛ وهو َح ْبك‬
‫الكذبة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫حازم‪ :‬إن المرأة متفوقة عل الرجل فعًّل‪ ،‬فإن أنكرت فماذا‬
‫تقول ف النساء المتفوقات عل الرجال؟‬
‫َ‬
‫أفضل‬ ‫حسام‪ :‬إننا ً‬
‫دائما ما نقع ف مغالطة التشبيه‪ ،‬فنقارن‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫امر ٍأة بأسوأ رجل‪ ،‬ولو قارنا األفضل هنا باألفضل هنا لوجدنا‬
‫َ‬
‫أن األفضلية للرجال‪ ،‬وأن لهم الغلبة‪ .‬أتعلم يا صديق أن‬
‫العنرصية ليست سيئة‪ ،‬وإنما الست هو نوع العنرصية؟!‬
‫فالبش ف األصل م َعنرصان إىل ناجح وفاشل‪.‬‬
‫ر‬
‫َ‬
‫األصل غي الواقع‪ ،‬فاألصل قد تم‬ ‫حازم‪ :‬أتعلم يا صديق أن‬
‫تشوي هه ليظهر لنا هذا الواقع‪ ،‬فاألصل ف الرجل الشجاعة‬
‫ومع ذلك إن ضخت المرأة ف وجهه ْ َ‬
‫أربكته!؟‬ ‫والهيبة والقوة‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫ْ‬
‫آه‪ ،‬لقد نسيت أنها الشهوة الال واعية الت تجعلها تركع‪ ،‬أو‬
‫شجاعة الرجل‪،‬‬ ‫َ‬
‫الواقع خطأ‪ ،‬فحكوا لنا عن‬ ‫لعلهم أفهمونا‬
‫ِ‬

‫||| ‪88‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫عن شجاعة المرأة‪ ،‬حكوا لنا أن الفضيلة ه‬ ‫ولم يحكوا لنا ْ‬


‫وقلبا ً‬
‫أصله الغلظة‪ً ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫األصل‪ ،‬والواقع يقول إن ً‬
‫طيبا‬ ‫قاسيا‬ ‫قلبا‬
‫ْ ْ‬ ‫ُ‬
‫عن‬ ‫أصله الرقة‪ ،‬لكن قل ىل يا صديق عندما يمتنع أحدهم ِ‬
‫الش‪ ،‬هل هذا كان لحبه للخي أم ألنه ليس له نصيب من‬ ‫ر‬
‫القسمة؟‬
‫تضحية وراءها خسارة‪ ،‬فه ٌ‬ ‫َ‬
‫خي من‬ ‫ٍ‬ ‫كل خي وراءه رس‪ ،‬كل‬
‫ٌ‬
‫جهة وخسارة من جهة أخرى‪ ،‬أقسم أنت غي راغب ف الحياة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫َ‬
‫رفض‬ ‫أخش الموت‪ ،‬حاولت أن أعانق الموت ً‬
‫كثيا‪ ،‬لكنه‬ ‫وال ر‬
‫أبوابها ف وجه‪ ،‬لكنها سعان ما‬ ‫َ‬ ‫معانقت‪ ،‬الحياة تغلق‬
‫ْ‬
‫تمسك رت وتفتح أبوابها حقا‪ .‬إن الحياة تدعو إىل الموت‪،‬‬
‫ً‬
‫والموت يدعو إىل الحياة‪ ،‬أعرف نهايت؛ ستكون نهاية لذيذة‬
‫بجرعة سم شهية‪ ،‬أو لعلها تكون نهاية رومانسية أسقط من‬
‫َ ْ‬
‫أعل فأحتضن األرض‪ ،‬لك ِم اشتهيت هذا العناق‪ ،‬أو لعله‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫بسبب الوفاء واإلخالص‪ ،‬أحتفظ بأنفاش‬ ‫ِ‬ ‫انتحارا‬ ‫يكون‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫وأخلص لها‪ ،‬فال أد ِخل نف ًسا وال أخ ِرج نف ًسا؛ فأموت مختنقا‪،‬‬
‫أسميه بانتحار الوفاء‪.‬‬ ‫وهذا ما ّ‬
‫َ‬
‫خدعونا فقالوا إن الحياة رائعة‪ ،‬خدعونا فقالوا لوال الحزن ما‬
‫ً‬
‫واحدا من اثني‪:‬‬ ‫عرفنا السعادة‪ ،‬إن َمن قال هذه الجملة كان‬
‫الشء ال تنق وجوده‪ ،‬لو‬ ‫عدم تسمية ر‬ ‫أحمق أو محتال؛ ْإذ إن َ‬
‫أمرا طبيعيا ال يحمل‬ ‫لكانت السعادة ً‬ ‫سعداء عل الدوام‬ ‫َ‬ ‫كنا‬
‫ِ‬

‫||| ‪89‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫والشء رييز بضده‪ ،‬لكن الخي ليس ف الضد؛ فضد‬ ‫اسما‪ ،‬ر‬ ‫ً‬
‫الش‪ ،‬وضد السعادة الحزن‪.‬‬ ‫الجمال القبح‪ ،‬وضد الخي ر‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫تعلم يا صديق أن العقبات َس َتهب لك قوة‬ ‫حسام‪ :‬عليك أن َ‬
‫ً‬
‫وسعادة‪ ،‬إذا تجاوزتها عليك أن تع جيدا أن الحياة ال تستحق‬
‫الحزن وال الفرح‪ ،‬لكن ذاتك تستحق السعادة والفرح‪ْ ،‬‬ ‫َ‬
‫اعلم‬
‫كوك وتركوت‪ ،‬ولم َ‬ ‫َ‬
‫يبق معنا سوى قداستنا‪ .‬علينا‬ ‫أنهم كلهم تر‬
‫ً‬
‫أن نضمد جروحنا‪ ،‬ونعالج أجنحتنا‪ ،‬ثم نحلق‪ ..‬نحلق بعيدا‬
‫عنهم‪ ،‬نحلق دونهم‪ ،‬فتلك ه القداسة األخية‪ ،‬الطهارة من‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أغيار القلوب‪ ،‬ومن َو َسخ الحياة‪َ .‬‬
‫الروح‬ ‫انس جسدك ود ِع‬ ‫ِ‬
‫تحلق‪ ،‬ورد ْد كلماتك واسبح وانسجم‪.‬‬
‫ْ‬
‫ٌ‬ ‫حازم‪ :‬أخاف وأنت تردد كلمات الحب أن تجرح َ‬
‫روحك امرأة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫حدث‬ ‫ٍ‬ ‫ال تأمنهن؛ فلو كانت ىل حيوات سابقة فأنا ال أتذكر أي‬
‫لحقت رت األذى؛ لذلك ولدت‬ ‫ْ‬ ‫منها‪ ،‬لكن ال شك أن امرأة أ‬
‫أكرههن‪.‬‬
‫شاغل إل المرأة؟!‬‫ٌ‬ ‫حسام‪ :‬أليس لك‬
‫دائما ما أسب النساء الفاسدات‪،‬‬ ‫حازم‪َ :‬ل َك ْم أنا عنرصي‪ً ،‬‬
‫حسنا لن أسب النساء‪ ،‬وسأسب الرجال َ‬ ‫ً‬
‫أبناء الفاسدات‪،‬‬
‫َ‬ ‫اسمع ّ‬
‫ْ‬
‫مت‪ ..‬ال فرق بي المرأة والبقرة سوى أن البقرة تسمن‬
‫لذبحها‪ ،‬والمرأة تسمن لوطئها‪ .‬إن المعوج يقوم بالشدة‪،‬‬
‫أرفق بالقوارير‪ ،‬فه معوجة‪ ،‬أتكلم عن المعوج‬ ‫َ‬ ‫لذلك لن‬

‫||| ‪90‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫قطعة خشبية‪ ،‬يجب علينا نحن الرجال‬ ‫ٍ‬ ‫أخالقيا‪ ،‬وليس عل‬
‫أن نؤدب النساء‪ ،‬وال يعت هذا التعاىل‪ ،‬إنت ال أعيب عل‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫المرأة ألنها امرأة فه لم تخي‪ ،‬لكت أقول الحقيقة أن‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫األفضلية للرجل‪ ،‬أنا ال أعيب عل َمن ِولد معاقا ألنه ِولد‬
‫ً‬
‫لسليم البنية مهما تعاطفنا مع‬
‫ِ‬ ‫معاقا‪ ،‬لكن األفضلية ستظل‬
‫المعاق‪.‬‬
‫ً‬
‫حسام‪ :‬قلبت عل المواجع‪ ،‬فأنا لم َأر المرأة عطوفة سوى ف‬
‫غرائزها‪ ،‬لكن هناك أشياء للنتيجة فيها درجات‪ ،‬وإن كان‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫سببها سلبيا‪ ،‬فمثًّل الطالب الذي نجح بالغش هو فعليا‬
‫درسه ف نفس الوقت‪ ،‬وف‬ ‫ناجح‪ ،‬لكنه غي محصل َلما َ‬
‫نفسه هو أفضل من الطالب الذي كان يحاول الغش‬ ‫الوقت ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ولم يستطع َ‬
‫مقومات النجاح‪،‬‬
‫ِ‬ ‫فرسب‪ ،‬فالذي نجح ال بد أن له‬
‫ً‬
‫بطريقة سلبية‪ ،‬إذا فهو‬
‫ٍ‬ ‫لكنه وجهها خطأ‪ ،‬فهو ناجح ف رشء‬
‫تحقيق النجاح مبدئيا‪ ،‬فالمرأة تستطيع تحويل‬ ‫َ‬ ‫يستطيع‬
‫عطف‬ ‫َ‬
‫تحويل الشهوة إىل‬ ‫السلب إىل إيجاب‪ ،‬وتستطيع‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫اسمع مت أنا‪ ،‬إن ف المر ِأة سلبيات‬ ‫ْ‬ ‫ولي؛ إذا كانت مهذبة‪.‬‬
‫َ‬
‫االستغناء عن إيجابيا ِتها القليلة‪،‬‬ ‫كثية‪ ،‬لكننا ال نستطيع‬
‫َ‬
‫قدر نفسه‪ ،‬وال تهزم امرأة‬ ‫َ‬
‫رجل عرف َ‬ ‫ٌ‬ ‫واعلم أنه ال ي ْه َزم‬
‫ْ‬
‫احيمت ذاتها‪.‬‬

‫||| ‪91‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫حازم‪ :‬أي أدب وأي براءة وأي رحمة تتحدث عنها!؟ إن المرأة‬
‫ٌ َ‬ ‫ٌ‬
‫طفلة خبيثة‪ ،‬امرأة لم ْ‬
‫تخن ه امرأة لم ت ِحض‪.‬‬
‫ازدادت األزمة عل حسام؛ فقد طرد من عمله بسبب أنه لم‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ترصفاته الغريبة‬
‫ِ‬ ‫القيام به‪ ،‬كما الحظ أهله‬ ‫يعد يستطيع‬
‫خارج دورة المياه‪ ،‬لكنهم لم يذهبوا به‬ ‫َ‬ ‫والتيز‬ ‫ْ‬
‫كجمع الورق ر‬
‫إىل دجال‪ ،‬بل ذ ِه َب به إىل مستشق النفسية الحكومية‪،‬‬
‫أموال لمستشق خاصة‪ ،‬وأول ما‬ ‫ٍ‬ ‫فأبوه غي مستعد لدفع‬
‫َ‬ ‫حكوا للطبيب ْ‬
‫عن أفعاله الغريبة استنتج أنه مريض ِفصام‪،‬‬
‫أحد مريض ف العائلة؟ ردت أمه قائلة‪:‬‬ ‫ٌ‬
‫وسألهم‪ :‬هل عندكم‬
‫مازحا‪ ،‬عمه وخاله! من‬ ‫عمه وخاله‪ .‬قال الطبيب ف نفسه ً‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫الجيد أنه وِلد برأس أصًّل‪ ،‬فجيناته كانت مستعدة لهذا‬
‫العني‬
‫داخل ر‬ ‫عني (أ) رجال‪ ،‬وف‬‫أمر بإيداعه ف ر‬ ‫المرض‪ ،‬ثم َ‬
‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫دار بي حسام وحازم مناقشة حادة ف الدين‪.‬‬ ‫َ‬

‫فهو يدعو إىل الفشل‪ ،‬والدليل عل‬ ‫أمر باطل‪َ ،‬‬ ‫حازم‪ :‬الدين ٌ‬
‫ذلك أن الدول العلمانية ه نفسها الدول المتقدمة‪ ،‬وأنا‬
‫أحكم عل ر‬
‫الشء من خالل مت ِب ِعيه‪ ،‬فالفاسد سيتبع الفساد‪،‬‬
‫والصالح سيتبع الصالح‪ ،‬كذلك الناجح والفاشل‪.‬‬
‫جعل ما ليس‬‫وقعت ف مغالطة منطقية‪ ،‬وه ْ‬ ‫َ‬ ‫حسام‪ :‬لقد‬
‫ً‬
‫وفشل‬
‫ِ‬ ‫بعل ٍة علة‪ ،‬فالسبب الحقيق لنجاح الدول الملحدة‬

‫||| ‪92‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫الدول المتدينة هو أن هؤالء أخذوا بأسباب النجاح وهؤالء‬


‫لم يأخذوا بأسباب النجاح‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫علومنا وأنسونا تاريخنا وأعطونا عوضا‬ ‫حازم‪ :‬العرب أخذوا‬
‫عنه َ‬
‫علم اللغة العربية‪.‬‬
‫حسام‪ :‬لقد كان العرب المسلمون منهم العلماء والفصحاء‬
‫وكانوا فطناء‪.‬‬
‫َ‬
‫معرفتهم بلغتهم ً‬
‫ذكاء؟!‬ ‫حازم‪ :‬أتعد‬
‫حسام‪ :‬بل أعد حكمتهم الت تتجل ف فصاحتهم ً‬
‫ذكاء‪ ،‬هذا‬
‫وقد كان العرب فيهم علماء وفالسفة‪ ،‬والكتب تشهد عل‬
‫َ‬
‫عن العرب بعد اإلسالم‪ ،‬أما قبل اإلسالم فكانوا‬
‫ذلك‪ ،‬هذا ِ‬
‫ّ ََ‬ ‫ً‬
‫جهال‪ ،‬فلو لم يك ِن العرب أميي لًّلحظوا أن عبادة اإلله‬
‫ّ َ‬
‫(ه َبل) ما ه إل (ه َبل)؛ فجاء اإلسالم وعلمهم‪ ،‬وأحل لهم‬
‫الطيبات وحرم عليهم الخبائث‪.‬‬
‫حازم‪ :‬إن الحرام والحالل يختلفان عن األخالق والال أخالق‪،‬‬
‫ً‬
‫فمثًّل شارب السجائر ال يرص َ‬
‫غيه ومع ذلك ه محرمة!‬
‫لكن‪ ،‬فيها ض ٌر للنفس؛ لذلك ه فعل ال أخالف‪.‬‬‫حسام‪ْ :‬‬

‫البش مدخنون‪،‬‬ ‫َ‬


‫ونسيت أن أغلب ر‬ ‫َ‬
‫وقعت ف الفخ‪،‬‬ ‫حازم‪ :‬لقد‬
‫وأن الواقع العمل أثبت أن هناك مدخني أخالقيي‪.‬‬

‫||| ‪93‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ٌ‬
‫حسام‪ :‬ف األخالق القياس للغالب‪ ،‬فخطأ واحد ال يلزم أن‬
‫َ‬
‫كل اإلنسان أخطاء‪ ،‬إنك ال تدرك القواعد األساسية للفكر‪،‬‬
‫مع ذلك تعارض!‬ ‫متفهما لعلم الدين‪ ،‬و َ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ولست‬
‫َ‬
‫الدين ً‬
‫علما؟‬ ‫حازم‪ :‬وهل ّ‬
‫تسم‬
‫فأنت بالتأكيد تجهله‪ً ،‬إذا ْ‬
‫فلو علمته‬ ‫كنت ال تعلمه َ‬‫حسام‪ :‬لو َ‬
‫ضت ً‬
‫عالما به‪.‬‬ ‫َ‬
‫ً‬ ‫حازم‪ :‬ف زماننا َ‬
‫صار الحق باطًّل‪ ،‬والباطل حقا‪ ،‬والخطأ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫صوابا‪ ،‬والصواب خطأ‪ ،‬وأصبح للدين الغلبة‪ .‬نريد أن نمي‬
‫بي الحقيقة وتصو ِرنا عن الحقيقة والحقيقة نفسها‪ .‬قد‬
‫غي دقيقة لمعرفة الحقيقة‪ ،‬فقد‬ ‫يكون العقل ف حد ذاته أدا ًة َ‬
‫َ‬
‫كشف‬ ‫يكون هناك ما هو أعل من العقل وهو ما يستطيع‬
‫الحقيقة‪ ،‬كما أن الحيوانات بالنسبة لنا غي عاقلة‪ ،‬قد يكون‬
‫ولو وجد ٌ‬
‫كائن‬ ‫غي مصيب بالنسبة للحقيقة‪ْ ،‬‬ ‫قياس عقلنا َ‬
‫ّ‬
‫منا الت َه َمنا بأننا بعيدون عن الصواب‪.‬‬ ‫أعقل‬
‫َ‬
‫حسام‪ :‬صحح قولك‪ ،‬فلو كان الخطأ هو الصواب َلما جاز‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫وصفه بالخطأ؛ بل باألحرى أن نصفه بالصواب‪ .‬ولو كان‬
‫ً‬
‫الصواب خطأ َلما جاز وصفه بالصواب؛ بل باألحرى أن‬
‫جدل ما تقول فنحن ر‬‫ً‬ ‫ْ‬
‫البش‬ ‫نصفه بالالصواب‪ .‬و ِلو افيضنا‬
‫مقياسنا العقل‪ ،‬والصواب عندنا هو صواب العقل‪ ،‬ونتألم‬
‫مما يراه العقل‬ ‫ً‬
‫مصدرا لأللم‪ ،‬ونتوجع ّ‬ ‫فعليا َلما يراه العقل‬

‫||| ‪94‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫مصدرا للوجع‪ ،‬وكذلك نسعد ونفرح‪ ،‬فبالتاىل األخالق ه‬ ‫ً‬


‫ً‬ ‫ٌ‬
‫أخالق بالنسبة لنا‪ ،‬وه نافعة بالنسبة لنا‪ .‬إذا ال مفر من‬
‫ٌ‬
‫األخالق‪ ،‬أو ال داع إلنكارها؛ فه صالحة بالنسبة لنا‪ ،‬ولو لم‬
‫داة َ‬‫ً‬ ‫َ‬ ‫نفيض للجدل َ‬
‫غي عادلة‬ ‫العقل يعد أ‬ ‫فمن قال لك إن‬
‫العاقل عل حيوانات ال عقل لها‪ ،‬بينما‬ ‫َ‬ ‫للقياس! أنت تقيس‬
‫َ ّ‬
‫عقل منا تقيس عل‬ ‫المفيض عندما تقول إن هناك كائنات أ‬
‫الزك واألذك‪ .‬لألسف يعتقد البعض أن الحق ما هم عليه‪،‬‬
‫وليس ما الصواب عليه‪.‬‬
‫َ‬
‫الظهر‬ ‫وجلست أمام سيى‬ ‫َ‬ ‫حازم‪ :‬لو أمسكنا بهاتف ّ‬
‫جوال‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬
‫وسأرى الوجه‪ ،‬هكذا الحقيقة‪ .‬كل منا يراها من زاوية‪.‬‬
‫بوجه وظهر‪.‬‬ ‫هاتف جوال‬ ‫َ‬ ‫حسام‪ :‬ال‪ ،‬بل الحقيقة أن هناك‬
‫ٍ‬
‫الحقيقة ف كمال الصورتي‪ ،‬ثم االستنباط‪ ،‬نستنبط من‬
‫وجود الوجه والظهر أن هذا هاتف جوال‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫حازم‪ :‬دعت أقول لك يا صديق إن األنبياء أردوا العال‪ ،‬وأرادوا‬
‫ً‬
‫مصلحتهم‪ ،‬فادعوا شيئا وهم ليسوا مؤهلي له‪ ،‬وما يثبت‬
‫سنا َ‬ ‫فشلنا ف الوقت الحاىل عندما ْ‬‫ُ‬
‫وفق منهجهم‪.‬‬ ‫ذلك هو‬
‫حسام‪ :‬األنبياء عظماء‪ .‬المشكلة ف طريقة اتباع أتباعهم لهم‪،‬‬
‫النت المفكر‪ ،‬فلو‬
‫مثال لنا هو الخليل إبراهيم؛ ذلك ر‬ ‫وأقرب ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫والتفكر ف‬ ‫التحرر العقل‬ ‫أرادوا أتباعهم بحق ات َباعهم لت ِبعوا‬
‫كل رشء‪.‬‬

‫||| ‪95‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫حازم‪ :‬إنت ال أطعن ف الدين وفقط‪ ،‬بل أطعن ف أصل الدين‪،‬‬


‫َ‬ ‫البشية تيف ْ‬
‫ر‬
‫لكن أين اإلله؟ يبدو أن يسوع أبانا تركنا كما تركه‬
‫َ‬ ‫قل ىل َ‬
‫أبوه‪ ،‬ثم ْ‬
‫أين الشيطان؟ إن َمن ابتكر فكرة الشيطان‬
‫َ‬
‫التفكي‬ ‫السلت كما ينتج‬ ‫َ‬
‫التفكي‬ ‫كان ال يعلم أن العقل ينتج‬
‫ر‬
‫اإليجات‪.‬‬
‫ر‬
‫ٌ‬
‫تفكي‬ ‫حسام‪ّ :‬أما عن الشيطان‪ ،‬فما المانع من أن يكون هناك‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫وسواس شيطات!؟ أل تؤمن بتعدد العوامل؟‬ ‫سلت‪ ،‬وهناك‬‫ر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ّأما عن هللا‪ ،‬فقد رأيت هللا ف كل رشء‪ ،‬هل مازلت ترص عل‬
‫العناد؟‬
‫منا خرافاته‪َ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫دع َك ّ‬
‫حازم‪ْ :‬‬
‫أنت عندك خرافة‬ ‫واحد‬
‫ٍ‬ ‫مت‪ ،‬فلكل‬
‫الدين‪ ،‬وأنا عندي خرافة العظمة‪ ،‬أشعر أن األرض لم ْ‬
‫ولن‬
‫تنجب مثل‪ ،‬أشعر أت األفضل ف كل رشء حت لو سبقت‬ ‫َ‬
‫أحدهم أشعر أت تركته شفقة‪.‬‬
‫حسام‪ :‬وأنا أشعر أت األقل ف كل رشء‪ ،‬أشعر أت غي موفق‬
‫رغم المجهودات الت أبذلها‪.‬‬ ‫وغي مرغوب ف َ‬
‫ٍ‬
‫حازم‪ :‬ألنك عبد‪ ،‬وترص عل عبوديتك‪ ،‬لقد مض زمن‬
‫ْ‬
‫وبقيت عبادة اإلنسان لإلله‪.‬‬ ‫عبودية اإلنسان لإلنسان‪،‬‬
‫َ‬
‫الكفر يعتق رقابنا؟‬ ‫حسام‪ :‬فهل ترى‬
‫حازم‪ :‬نعم‪ ،‬سيعتق الكفر َ‬
‫رقابنا من الوهم‪ ،‬فأنا ال أرى اإلله‪،‬‬
‫فإىل مت ستظل تنظر للغالف الجوي ظانا بأن هناك ً‬
‫إلها؟‬
‫||| ‪96‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫قل إن الرسالة صاعدة نازلة‪ ،‬وليست‬ ‫قل ما شئت يا حسام‪ْ ،‬‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫لت الرسالة‪ ،‬واألنبياء هم علماء‬ ‫نازلة‪ ،‬فقد صعد وعيهم في ِ‬
‫قل ما شئت؛ فالجو بارد‪ ،‬والنار لم تعد حارقة‪.‬‬ ‫ْنفس زمانهم‪ْ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ال ْ‬
‫تقل ىل كما قال علماء الكالم‪ ،‬إنه معنوي؛ فأنا ال أؤ ِمن إل‬
‫ََ‬ ‫ٌ‬ ‫بالمادة‪ ،‬ولو َ‬
‫قلت ىل إنه إله مادي لل ِزم الحي‪ ،‬وبذلك يكون‬
‫َ‬
‫واحتاج إليه‪.‬‬ ‫قد َ‬
‫قهره‬
‫الشء؛ أي‬ ‫خلق ر‬‫َ‬ ‫حسام‪ :‬بل هللا ليس كمثله رشء‪ ،‬وقد‬
‫الشء إىل الال‬ ‫لحاجة ر‬
‫ِ‬ ‫الكائنات الحية‪ ،‬والال رشء أي الفراغ‬
‫محيط ال يحاط‪ ،‬وقولنا‬ ‫ٌ‬ ‫لحاجته تعاىل إليه‪ ،‬فاهلل‬ ‫َ‬
‫وليس‬ ‫رشء‪،‬‬
‫ِ‬
‫كوننا نقيس عل أنفسنا‪،‬‬ ‫حي ٌ‬
‫نابع من ْ‬ ‫ٌ‬
‫محتاج إىل ّ‬ ‫بأنه سبحانه‬
‫ٌ‬
‫فالحي مخلوق من مخلوقات هللا‪ ،‬فما نظنه ال رشء هو ف‬
‫فلوال الفراغ الصطدمنا بعدم الفراغ‪.‬‬ ‫الحقيقة رشء‪ْ ،‬‬

‫ليس بدليلك‪ ،‬لكن‬ ‫حازم‪ :‬أتعلم‪ ،‬لقد اقتنعت بوجود هللا‪ ،‬لكن َ‬
‫الكون أشياء معنوية‪،‬‬
‫ِ‬ ‫دليلك هو الذي ألهمت‪ ،‬ودليل هو ف‬
‫نابع من رشء‪ ،‬كالحزن نابع‬‫والمعنوي ال يكون لذاته‪ ،‬وإنما هو ٌ‬
‫َ‬
‫أقول إن الجاذبية‬ ‫تفاعالت كيميائية‪ ،‬لذلك أستطيع أن‬ ‫من‬
‫ٍ‬
‫ٌ‬
‫أمر معنوي نابع من مادي‪ ،‬وهو هللا‪ ،‬والدليل قوله ف القرآن‪:‬‬ ‫ٌ‬
‫َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َْ‬ ‫َ ْ‬
‫ض‪ }..‬فاإلمساك هنا معنوي‬ ‫{ويم ِسك السماء أن تقع عل األر ِ‬
‫ّ‬
‫والحي‬ ‫حي‪َ ،‬‬
‫فهو‬ ‫نابع من مادي‪ ،‬وهللا ليس بحاجة إىل ّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫متساوقان زمانيا‪ ،‬فبوجوده نشأ الحي‪ ،‬فالحي غي مخلوق‪،‬‬

‫||| ‪97‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ً‬ ‫وذلك ألنه ببساطة غي مكون من ذرات‪ْ ،‬‬


‫وكونه مساوقا هلل ال‬
‫قادر عليم؟!‬‫يعت أنه إله مثله‪ ،‬فاهلل قادر عليم‪ ،‬فهل الحي ٌ‬
‫ٌ‬
‫حسام‪ :‬وما المانع من أن يكون له ذرات ال نعرفها‪ ،‬أو ال‬
‫الكشف عنها ف الوقت الحاىل‪ ،‬ويكون بذلك دليل‬ ‫َ‬ ‫نستطيع‬
‫ٌ‬
‫هو األصح؛ ألن دليل فيه تييه هلل‪ ،‬أما دليلك فيجعلنا نقول‬
‫العالم أكي من هللا‪ ،‬ألنه قد تحي ف مكان‪ ،‬حت لو لم ْ‬
‫يكن‬ ‫َ ر‬ ‫بأن‬
‫ٌ‬
‫هناك حاجة للحي فهناك إشكالية‪ ،‬ونحن نقول ف صالتنا كل‬
‫أكي‪.‬‬ ‫يوم هللا ر‬
‫أمر معقول ألنه لو‬ ‫حازم‪ :‬هللا مادي لكنه غي متجزئ‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫الحتاج لكل جزء‪ ،‬وهذا غي مقبول‪ ،‬وبذلك نكون‬ ‫متجزئ ْ‬
‫س‬ ‫أثبتنا المعقول‪ ،‬وهذا هو المقصد من قول القرآن‪(َ :‬ل ْي َ‬ ‫ْ‬
‫ً‬
‫ش ٌء) أي أنه ليس مكونا من ذرات‪ ،‬أما عن كون العالم‬ ‫َك ِم ْث ِل ِه رَ ْ‬
‫أكي منه‬ ‫أكي منه فما المشكلة؟ فاإلنسان صنع اآلالت وه ر‬ ‫رَ‬
‫أكي من‬ ‫حجما‪ ،‬لكنه أذك منها‪ ،‬كذلك هللا أقوى وأقدر‪ ،‬وهو ر‬ ‫ً‬
‫أكي منه؛ ألن عقل‬ ‫ْ‬
‫أي جرم فردي‪ ،‬لكن إذا اجتمع العالم فهو ر‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫أكي من العالم‪ ،‬فكيف لكبي أن يكون‬ ‫ببساطة ال يتصور إلها ر‬
‫ف صغي؟!‬
‫حسام‪ :‬يبدو أن معرفة هللا تكون عن طريق القلب ال العقل‪.‬‬
‫َ‬
‫ورغم تأليق لهذا الدليل‪ ،‬فمازال بداخل شك ف وجود‬ ‫حازم‪:‬‬
‫اإلله‪ ،‬فالكون ف غاية العشوائية‪.‬‬

‫||| ‪98‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫حسام‪ :‬بل الكون ف غاية النظام‪ ،‬وال بد له من صانع‪.‬‬


‫حازم‪ :‬إن العشوات إذا َ‬
‫ثبت عل أمر قالوا عنه نظام‪.‬‬
‫حسام‪ :‬وهل العشوات يستقر؟‬
‫سموه ْ‬
‫باسم‪ ،‬وإذا استقر‬ ‫حازم‪ :‬نعم‪ ،‬إنه إذا استقر عل رشء ّ‬
‫كاليتقال واليوسق؛‬ ‫سموه ْ‬
‫باس ٍم مختلف‪ ،‬ر‬ ‫عل رشء آخر ّ‬
‫فالذرات عشوائية من الداخل مستقرة ف الخارج‪.‬‬
‫ً‬
‫حسام‪َ :‬أوليس استقرارها عل نظام معي دون تغي دليًّل عل‬
‫النظام؟‬
‫حازم‪ّ :‬‬
‫لكت مازال عندي بعض المشاكل مع ر‬
‫الشع‪.‬‬
‫حسام‪ :‬مثل ماذا؟‬
‫حازم‪ :‬اإلسالم أهان المرأة؟‬
‫حسام‪ :‬أأنت َمن يتحدث عن إهانة المرأة؟!‬
‫ُ‬
‫حازم‪ :‬عندما أ ِهي المرأة فأنا أنتقد أفعالها‪ ،‬لكن المشكلة ف‬
‫أن َ‬
‫يهي المرأة َم ْن خلقها‪.‬‬
‫ً‬
‫حسام‪ :‬حسنا‪ ،‬دعت أقارن بي فكر اإللحاد وفكر اإلسالم من‬
‫كملحد تعتقد أن السيدة مريم‪َ -‬‬
‫رض‬ ‫حيث تكريم المرأة‪َ .‬‬
‫أنت‬
‫ٍ‬
‫ً‬ ‫ْ‬
‫إلقاء روح هللا فيها‪ ،‬إذا فأنت‬
‫هللا عنها‪ -‬لم تنجب عن طريق ِ‬
‫َ‬
‫أغلب‬ ‫جريمة الزنا‪ ،‬وأنت نفسك ترى‬ ‫تعتقد أنها قد وقعت ف‬
‫ِ‬
‫خدعت العالم‪ ،‬فهل‬ ‫ّ‬
‫مسيحيون‪ ،‬أي أن امرأة‬ ‫سكان العالم‬
‫ِ‬

‫||| ‪99‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫َ‬ ‫تأمن َ‬
‫مكر المرأة أو تحبها بعد كل هذا؟ ثم انظر إىل الدين‬
‫َ‬
‫وييئها‪.‬‬
‫اإلسالم الذي يكرم السيدة مريم ف آياته وأحاديثه‪ ،‬ر‬
‫َ‬
‫ارتبك حازم‪ ،‬ثم قال‪ :‬يقولون إن الحمار ينهق عندما يكون‬
‫هناك شيطان‪ ،‬لو كان األمر كذلك َلم كف الحمار عن النهيق‪،‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫واحد منا قرينا‪ ،‬ولو قلت ىل إنه ال ينهق إل عند رؤية‬ ‫ٍ‬ ‫ألن لكل‬
‫مقام العظمة‪ ،‬حيث إن هناك َ‬ ‫ْ‬
‫إبليس‪ ،‬فقد أثبت إلبليس َ‬
‫أكي‬
‫ً‬
‫ِمن حمار ينهق ف نفس الوقت ف أماكن مختلفة‪ ،‬إذا فإبليس‬
‫عادة الملحدين كلما هجموا ف معركة‬ ‫ف كل مكان‪ ،‬فهذا من ِ‬
‫ً‬
‫واقيبت الخسارة منهم ابتكروا معركة أخرى وتركوا األوىل‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أصل‬ ‫جئت بمثل هذا الكالم؟ هذا الكالم ال‬ ‫ومن أين‬‫حسام‪ِ :‬‬
‫له ف الدين‪ ،‬فقد يكون عادة‪.‬‬
‫حازم‪ :‬بل هو ف الدين‪.‬‬
‫حديثا ّ‬‫ً‬ ‫ً‬
‫نص‬ ‫حسام‪ :‬لو افيضنا جدل أنه ف الدين‪ ،‬وأن هناك‬
‫ً‬
‫صحيحا حت لو رواه أحد‬ ‫عليه‪ ،‬فالحديث ال يشيط أن يكون‬
‫الصالحي‪ ،‬فرفض للحديث ال يشيط فيه فسوق َمن قاله‪،‬‬
‫وقع ف مغالطة االحتكام إىل عامة‬ ‫صالحا‪ ،‬لكنه َ‬
‫ً‬ ‫فقد يكون‬
‫ٌ‬
‫الناس‪ ،‬وصدق ما يقوله األغلبية‪ ،‬وبالتاىل نقله صالح عن‬
‫صالح‪ ،‬أال ترى أن هناك علماء يؤمنون بخرافات ألنها سائدة!‬
‫َ‬
‫فمن أين ستعرف‬ ‫حازم‪ :‬إذا كانت األحاديث غي صحيحة‪ِ ،‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫أشياء أساسية ف الدين كالصالة مثًّل؟‬

‫||| ‪100‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫خيي‪ ،‬والفعل متوارث؛ أي القول قد يصدق‬ ‫حسام‪ :‬القول ر‬


‫ً‬
‫كاالحتكام للعامة الذي ذكرناها آنفا‪ ،‬أما الفعل‬
‫ِ‬ ‫وقد يكذب‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫النت؛ ألنه عماد من أعمدة الدين‪ ،‬فال مجال‬ ‫فهو متوارث عن ر‬
‫لإلشاعة فيه‪.‬‬
‫دعك من األحاديث‪ ،‬أنا أرى أن القرآن غي معجز‪ ،‬فلو‬ ‫حازم‪ْ :‬‬
‫ً‬
‫افيضنا جدل أن فصاحته فاقت الفصحاء‪ ،‬فهذا يدل عل أن‬
‫مؤل َفه هو أفصح الفصحاء‪ ،‬وال يلزم من ذلك ْ‬
‫كونه اإلله؛‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫الفئات المتحدثة‬
‫ِ‬ ‫لغة وييك‬
‫فاإلله ال يتحدى فئة صاحبة ٍ‬
‫بلغات مختلفة‪ ،‬ثم يأمرهم باإليمان بإعجازه‪.‬‬
‫ومن قال لك إنه متحد به بالنسبة لهم ف كالمه‪،‬‬ ‫حسام‪َ :‬‬
‫كالم هللا اإلعجاز‪ ،‬فهو‬ ‫عجز ف تشاريعه‪ ،‬ويلزم عن ِ‬ ‫فالقرآن م ِ‬
‫نزل بالتشاري ع المعجزة للجميع‪ ،‬لكن ف الشد الذي حك‬ ‫قد َ‬
‫فيى؛ َ‬
‫طالبهم هللا‬ ‫المشكون إنه م َ ً‬ ‫ولما قال ر‬ ‫ً‬
‫إعجازا‪ّ ،‬‬ ‫وسع‬ ‫به‪ ،‬ر‬
‫يسبق قولهم باالفياء‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫البش لم‬‫أن يأتوا بمثله‪ ،‬فتحدي ر‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫آيات القرآن توضح ر‬
‫بشيته‪ ،‬فمثًّل قوله يا أيها‬ ‫حازم‪ :‬لكن ِ‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫قم ر‬ ‫قال ْ‬ ‫المدثر قم فأنذر‪ ،‬أما لو َ‬
‫لكانت أفضل‪ ،‬أيضا‬ ‫فبش‪،‬‬
‫ُْ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫عندك آيات ف القرآن تنص عل أن األرض أغ ِرق ْت ف عهد‬
‫للبش عامة‪.‬‬ ‫وليس ر‬ ‫َ‬ ‫رسول لقومه خاصة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫نوح وهو‬
‫قم فأنذر‪ ،‬ولم‬ ‫حسام‪ :‬بالنسبة لقولك لماذا قال هللا تعاىل ْ‬
‫اإلنذار يخافه العقل‪ ،‬والتبشي‬ ‫َ‬ ‫فبش‪ ،‬هذا يرجع إىل أن‬ ‫قم ر‬ ‫ْ‬
‫يقل ْ‬

‫||| ‪101‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫اإلنذار؛ فليست كل العقول‬ ‫َ‬ ‫يرغب العقل‪ ،‬لكن المقام يقتض‬


‫ً‬
‫تستجيب للتبشي‪ ،‬والتبشي بدون تنذير ال يعد ترغيبا قويا‪،‬‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫وإنذارهم إنقاذ لهم من جهنم؛ ألنهم كانوا عل ضالل‪ ،‬فق‬
‫لعدم دخول النار‪ ،‬وبالتاىل‬ ‫ِ‬ ‫اإلنذار حث عل ْترك الضالل‬
‫دخول الجنة فق إنذاره لهم تبشي‪ .‬أما عن قولك قوم نوح‬
‫َ‬
‫خواص؛ ِفل َم أهلك العوام؟ فالقصة عندنا‪ -‬نحن المسلمي‪-‬‬ ‫ّ‬
‫البش حينها‪ ،‬وال نعلم‬ ‫ليست تفصيلية‪ ،‬فنحن ال نعلم ما حال ر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مغالطة منطقية وه‬ ‫ٍ‬ ‫وقعت ف‬ ‫عددهم‪ ،‬وبذلك تكون‬
‫وثبت خطأ إشكاليتك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فبطل ما َ‬
‫قلت‬ ‫َ‬ ‫االحتكام إىل الجهل‪،‬‬
‫ً‬ ‫حازم‪ :‬عندي ٌ‬
‫دليل آخر لبطالن النبوة؛ أن من يفعل شيئا من‬
‫ٌ‬
‫أجل عظمته‪ ،‬يتمت أن ال يسبقه أحد ف هذه العظمة‪ ،‬هذا‬
‫خاتم المرسلي‪ ،‬أليس من حقنا ف العرص‬ ‫َ‬ ‫يظهر ف ْ‬
‫كونه‬
‫الحديث ْأن يكون لنا رنت يرشدنا؟!‬
‫للب رش حرفوها‪،‬‬ ‫حسام‪ّ :‬لما أوكلت الكتب السماوية السابقة َ‬
‫ِ‬
‫ٌ‬
‫البش رسول نذير‬ ‫ر‬ ‫فتعهد هللا بحفظ القرآن‪ ،‬وبالتاىل مع‬
‫ِ‬
‫وبشي آلخر الزمان؛ وهو القرآن‪ ،‬فما فائدة رنت جديد والقرآن‬ ‫ٌ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ً ً‬
‫وثبت الضد‪.‬‬ ‫فبطل قولك‬ ‫موجود؟ وهللا ال يفعل شيئا عبثا‪،‬‬
‫ً‬
‫مستقيما والطريق‬ ‫قل ىل كيف أسي‬ ‫حازم‪ :‬بدأت أقتنع‪ْ ،‬‬
‫لكن ْ‬
‫معو ٌج؟!‬

‫||| ‪102‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫طريق اإللحاد يا حازم‪ ،‬ثم أثت‬ ‫َ‬ ‫حسام‪ :‬غي طريقك‪ ،‬غي‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫فاجعل‬ ‫حسام عل هللا قائًّل‪ ..‬اللهم إن حبك يني ر‬
‫قلت‪،‬‬
‫فقد أنعمت ّ‬ ‫ْ‬
‫عل بالوجود‪،‬‬ ‫فؤادي يني بصيت‪ ،‬أشكرك‬
‫َ َ‬ ‫وأهابك ألنك ّ‬
‫وآمنك ألنك رحيم‪ ،‬وأحب نفش ألنك‬ ‫قوي‪،‬‬
‫موجده‪ ،‬عندما أنظر إىل أعل‬ ‫خالقها‪ ،‬وأحب العالم ألنك ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أتذكرك يا أعل‪ ،‬وعندما أنظر إىل األسفل أتذكر َخ َ‬
‫األرض‬
‫ِ‬ ‫الق‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َ‬
‫الكره بداخلنا‪ ،‬أراك‬ ‫األ ْعل‪ ،‬أراك ف كل حي‪ ،‬أراك محبة تطق‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نورا تطق الظلمة‪ ،‬أراك طاقة إيجابية‪ ،‬تجعلنا ننهض‪ ،‬ضت‬
‫فاللهم ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫أعت وساعدت ف‬ ‫معك يا هللا فحاربت الشيطان‪،‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أتمت أن أكون شيخا وقسا‬ ‫هداية الضالي‪ ،‬فأنا ضت‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫وحاخاما‪ ،‬حت أكون خي ناصح لكل الطوائف‪.‬‬ ‫ً‬

‫‪،،،‬‬

‫||| ‪103‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫مناقشة وتحليل‬

‫َ‬
‫مرور أسابيع من دخول (بليغ) المستشق‪ ،‬أجرى‬ ‫ِ‬ ‫وبعد‬
‫فلما تابعت‬‫األطباء للمرض إجر ًاء طبيا يعرف بالمتابعة‪ّ ،‬‬
‫َ‬
‫الدكتورة وفاء حالة (بليغ) اكتشفت أنه ليس بمريض‪ ،‬فأمرت‬
‫بخروجه ك ال يؤثر وجوده عل نفسيته‪ ،‬وألن هذا ليس‬
‫خرج (بليغ) من المشق‪ ،‬ورفع عل الدكتور وإخوته‬ ‫مكانه‪َ ،‬‬
‫حكمت القضية لصالحه‪ .‬أدخل حسام‬ ‫ِ‬ ‫قضية‪ ،‬وقد‬
‫المستشق امرأة‪ ،‬وأخرج (بليغ) من المستشق امرأة‪ ،‬وأدخل‬
‫(بليغ) المستشق رجال‪ ،‬وأدخل أغلب المرض المستشق‬
‫ٌ‬
‫نساء‪ ،‬فاألمر ليس له عالقة بالنوع‪ ،‬المشكلة فينا نحن الجنس‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫عدة شهور خرج ِمن‬ ‫ِ‬ ‫البشي‪ .‬أما عن حسام‪ ،‬فبعد‬
‫ً‬
‫المستشق‪ ،‬وقد شق‪ ،‬لكن شفاءه لم يكن شفاء كامًّل‪ ،‬فهذا‬
‫ً ً‬
‫شفاء كامًّل‪ ،‬أما بالنسبة لسلم‬ ‫المرض ال يشق منه المريض‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ورجعت عن أفكارها ر‬ ‫ْ‬
‫الشيرة بعد أن‬ ‫تابت إىل هللا‪،‬‬ ‫فقد‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫أرهقها ً‬ ‫تزوجت عالء‪ْ ،‬‬
‫منحرف‪ ،‬ومازال‬ ‫كثيا ألنه‬ ‫لكن عالء‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫مراهقا‪ ،‬وفوق كل ذلك تنقصه الحكمة ألنه صغي السن‪،‬‬
‫الكيى أن أباه كان يساعده ف اإلنفاق عل سلم؛‬ ‫والمصيبة ر‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫صغيا‪ ،‬فكان يتحكم ف قراراتهم‪ ،‬وهذا كان يزعج‬ ‫ألنه مازال‬

‫||| ‪104‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫الزواج من شاب منحرف كعالء‬ ‫َ‬ ‫سلم‪ ،‬فهل تستحق سلم‬


‫َ‬
‫بعد توبتها؟!‬
‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫تصي؟ وهل توبة‬ ‫ابتالء لها‪ ،‬والمطلوب منها أن ر‬ ‫ّإما أن عالء‬
‫فتابت؟ وهل‬ ‫سلم صادقة؟ أم أنها شبعت من الشهوات َ‬
‫ً‬
‫فعًّل ِمن الممكن تغيي الخلق‪ ،‬أم أن الخلق ثابت‪ ،‬واإلنسان‬
‫ْ َ‬ ‫هو َمن يتلون؟ وما ذنب حسام ف ْ‬
‫تابت بعد أن دمرت‬ ‫كونها‬
‫قلبه؟ وما ذنب حكيم‪ ..‬هل اإلنسانية لعنة؟ وما الحكمة ّ‬
‫مما‬
‫حدث إلسماعيل وعصام؟‬
‫التفكي َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ف الحقيقة احيت ً‬
‫وبي أن‬ ‫كثيا بي أن أترك للقارئ‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫أجيب‪ ،‬فهدات هللا إىل الثانية خوفا من أن يضل أحد عن‬
‫الصواب‪ ،‬واإلجابة ه أن سلم تستحق الزواج من عالء؛ ألنه‬
‫ذنوب ها‬ ‫لتكفي‬ ‫ٌ‬
‫ابتالء‬ ‫وهو‬ ‫ا؛‬ ‫ه‬ ‫َل ي َكلف اَّلل َن ْف ًسا إل و ْس َع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫السابقة‪ ،‬فإذا غفر هللا لها كل ذنوب ها ألهم حينها عالء بالتوبة‪،‬‬
‫ألهمها بالتوبة‪ .‬وتوبة سلم صادقة‪ ،‬والقرينة أنها رجعت‬ ‫كما َ‬
‫شبعت من الشهوة؛‬ ‫ْ‬ ‫وليس ألنها‬ ‫َ‬ ‫الشيرة‪،‬‬ ‫عن أفكارها ر‬
‫ْ‬
‫فالشهوات ال يش َبع منها ألنها غريزة‪ ،‬وإنما تقاوم‪ .‬وأخالق‬
‫مريد‪ّ ،‬أما بالنسبة للسؤال األخي َ‬ ‫ٌ‬
‫وهو ما‬ ‫اإلنسان تتغي ألنه‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫واقع األمر‪ ،‬هذا‬‫ِ‬ ‫ف‬ ‫قلبه؟‬ ‫رت‬ ‫دم‬ ‫أن‬ ‫بعد‬ ‫تابت‬ ‫أن‬ ‫ذنب حسام‬
‫تفضل ِمن هللا عليه؛ ألنه مستعد جينيا للمرض‪ ،‬ولو لم تكن‬
‫لكان غيها ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫سببا ف‬ ‫بداية عمره‪،‬‬‫ِ‬ ‫مرضه ف‬ ‫سلم سببا ف ِ‬

‫||| ‪105‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫مرضه ف نهاية عمره‪ ،‬وهذا أصعب حيث إنها دمرت أسة‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬
‫عندما كان صغيا‪ ،‬لكن وهو كبي ستتدمر أستان‪ ،‬ومرضه‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫يرجع لحياته‬ ‫َ‬ ‫الفت لنظر الناس‪ ،‬فيستطيع أن‬ ‫ٌ‬
‫صغي غي ٍ‬ ‫وهو‬
‫مرض وهو ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ر َ‬
‫كبي سيكون‬ ‫ويعاس الناس‪ ،‬أما إن‬ ‫الطبيعية‪،‬‬
‫عمره‬ ‫َ‬
‫الناس‪ ،‬وسيبتعد عنه الناس طوال ِ‬ ‫ِ‬ ‫نظر‬ ‫لفت ِ‬ ‫محط ِ‬
‫ً‬
‫وجب عليه‬ ‫َ‬ ‫خوفا منه‪ ،‬وسيفتضح أمره وتسوء سمعته؛ لذلك‬
‫يحمد هللا‪ ،‬وما ْ‬ ‫َ‬
‫عن حكيم فقد شق بعد مرض ليتعلم‬ ‫أن‬
‫ْ‬
‫درسا؛ وهو عدم المبالغة ف الحزن مهما حدث‪ ،‬فطالما هناك‬ ‫ً‬
‫أمل؛ فالحياة ال تتوقف عل أحد‪ ،‬وأ ّما عن عصام‬ ‫س فهناك ٌ‬ ‫َنف ٌ‬
‫ً‬ ‫وهب لها حبا‪ ،‬وو ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً ْ‬
‫نضجا‪،‬‬ ‫هبت له‬ ‫فعليه أيضا أن يرض فقد‬
‫وبالنسبة إلسماعيل؛ فالحياة ليست سيئة بهذا القدر ليت‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫مريض وعنده ضالالت‪ ،‬ما يزعجت‬ ‫أمه وزوجته‪ ،‬فإسماعيل‬
‫عقليون‪ ،‬إن‬ ‫ّ‬ ‫قول الناس عل المرض النفسيي أنهم مرض‬
‫عقل‪ ،‬والجنون ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫خي من‬ ‫نفش ال‬ ‫مريض‬ ‫المريض النفش لهو‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫الجهل‪ ،‬فالمجنون قد تخرج منه فلتات فيها ِحك ٌم‪ّ ،‬أما‬
‫ً‬
‫الجاهل فال ينطق إل جهًّل‪ ،‬المجنون يعرفه الناس‬
‫َ‬
‫ويحيسون منه‪ّ ،‬أما الجاهل فكل كالمه َجهل‪ .‬وقد يتصور‬
‫البعض أن ما قاله علم‪ ،‬فهم جاهلون بجهله‪ ،‬المريض النفش‬
‫عالجه أقراص‪ّ ،‬أما الجاهل فعالجه التعلم‪ ،‬وأغلب الناس‬
‫بحاجة للتعلم ال لألقراص‪َ ،‬من يخرج عن القطيع سيسي ف‬ ‫ٍ‬
‫ْ‬
‫مختلفة عنهم‪ ،‬سييك الراحة‪ ،‬ولن يكف عن التفكي‪،‬‬ ‫طرق‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫||| ‪106‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫احل الوع سيكتشف أن السعادة‬ ‫وعندما يصل إىل أقض مر‬


‫ََِ ُ‬ ‫ٌ‬
‫نتيجة وليست مقدمة‪ ،‬وسيفاجأ بأن الطريق الذي كان يسي‬
‫طريق آخر‪ ،‬وعندما يسي إىل الطريق اآلخر‬ ‫ٍ‬ ‫فيه يخرجه إىل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫نفسه قد سبق القطيع‪ ،‬وهم يسيون خلفه‪ .‬إن َمن‬ ‫سيجد َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫يتخلفون عن القطيع لهم القادة‪ ،‬عل اإلنسان أن يكف عن‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫جابة‬
‫االتباع‪ ،‬أن يكف عن الخمول‪ ،‬أن يكف عن انتظار إ ِ‬
‫كافيا‬ ‫وهو جالس‪ ،‬أريد أن أقول لكم إن الدعاء ليس ً‬ ‫الدعاء َ‬
‫النرص قال لهم هللا‪:‬‬ ‫َ‬ ‫لنجاحكم‪ ،‬فعندما تمت المسلمون‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ{ق ِات ُلوه ْم ي َعذ ْبهم اَّلل بأ ْي ِد ُيك ْم َويخز ِه ْم َو َي ْ‬
‫نرصك ْم عل ْي ِه ْم‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َو َيش ِف صد َور ق ْو ٍم مؤ ِم ِني} فاستجابة الدعاء بأيديكم‪ ،‬قاتلوا‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫متألمي‪ ،‬ساعدوا أنفسكم‪ ،‬وال‬ ‫قوم‬
‫اليأس ك تشق صدور ٍ‬
‫أنفسكم وال تنتظروا‬ ‫تنتظروا المساعدة من أحد‪ ،‬أصلحوا َ‬
‫ْ‬ ‫أصلح َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫نفسك وفقط‪ ،‬بل أصلح‬ ‫اإلصالح من أحد‪ ،‬ال أقول لك‬
‫نفسه؛ ألنك إن تركته‬ ‫نفسك وساعد َ‬ ‫َ‬
‫غيك عل إصالح ِ‬
‫َ‬
‫دفن‬ ‫إصالحك لنفسك‪ .‬يحاول البعض‬ ‫َ‬ ‫سيفسد عليك‬
‫جسدي ف األسفل وينش أن وعت ف األعل‪ ،‬ضعوا هذه‬
‫نصب أعينكم‪ ،‬كل تكرار يولد األحزان‪ ،‬باستثناء تكر ِار‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الكالم‬
‫السلبيي‪ ،‬وأصدقاء المصلحة؛‬ ‫ّ‬ ‫النجاح‪ ،‬ابتعدوا عن األصدقاء‬
‫االبتعاد عنكم‪ ،‬إل أنكم ً‬ ‫َ‬ ‫هم ً‬
‫دائما ما تقيبون‬ ‫دائما يحاولون‬
‫ت لكم أنهم يقيبون منكم‪ ،‬وأنكم مقربون إليهم‬ ‫منهم‪ ،‬لذلك ه َ‬
‫َ‬
‫بالقرب منهم‪ ،‬أنتم تستحقون مرافقة أنفسكم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫لمجرد أنكم‬
‫||| ‪107‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ر‬ ‫ْ‬
‫فالبش غادرون‪ ،‬فال يأت البعد إل‬ ‫وه متعة إن أحببتموها‪،‬‬
‫َ‬
‫مؤتمن‪ ،‬وال يأت الغدر إل‬ ‫من قريب‪ ،‬وال تأت الخيانة إل ِمن‬
‫ِمن حبيب‪ .‬سعان ما يتحول الحب إىل كره‪ ،‬سعان ما‬
‫سعان ما يتحول الصديق إىل عدو‪.‬‬ ‫َ‬
‫يتحول الحلو إىل مر‪،‬‬
‫والحكمة قرار‪ ،‬والقوة لحفظ النفس واألخالق توظيف حسن‬
‫للعقل‪ ،‬وإعمال العقل فريضة إنسانية‪ ،‬والشهوة فريضة‬
‫ّ‬ ‫حيوانية‪ ،‬ونحن ر‬
‫واحد منا حيوان‪ ،‬فافعلوا‬ ‫ٍ‬ ‫بش‪ ٌ،‬بداخل كل‬
‫الشهوة بعقل ووظفوها بحكمة‪.‬‬
‫فلنفسه‪ّ ،‬أما الخاملون الذين لم‬
‫ِ‬ ‫فمن ارتق‬ ‫أقول لكم‪ ..‬ارتقوا‪َ ،‬‬
‫عناء التطور فستدهسهم عجلة التطور‪.‬‬ ‫َ‬ ‫يكلفوا أنفسهم‬
‫طاقتان ال تفرطوا‬
‫ِ‬ ‫الرصاخ بحماسة‪ ،‬وإشعال الطاقة باإلرادة؛‬
‫بطعم‬‫فيهما‪ .‬عل َمن يريد النجاح ْأن يع أن طريق النجاح ْ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫النجاح‪ ،‬لكن الطريق َو ِعر‪ ،‬كما أنه عل اإلنسان أل يبالغ ف‬
‫َ‬ ‫مثاليته ألنه سيبق ر ً‬
‫بشا ف كل األحوال‪ ،‬وال يدع رفعة طينه؛‬ ‫ِ‬
‫فهو بالنهاية طي‪ ،‬منه وإليه‪ ،‬وال يدع العصمة عل كل حال‪،‬‬
‫َ‬ ‫فلو أنه أ َ‬
‫ثبت عصمته‪ -‬وهذا لن يكون‪ -‬لصليت عليه بعد كل‬
‫تشهد‪ ،‬وسلمت‪ .‬أريد أن أقول ألمة نائمة إن الوسط ليس هو‬
‫دائما؛ فالتوسط والوع والذكاء والمستوى الدراش‬ ‫الخي ً‬
‫ليس هو الخي‪ ،‬فال أتفق مع َمن عمم الوسطية‪ ،‬فلو توسطت‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫معارف‪،‬‬ ‫ف كل رشء َلما وصلت لقمة أي رشء‪ .‬أكسبنا الوع‬

‫||| ‪108‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫وخشنا ِمن الجهل معات‪ .‬لقد ضت أنزعج من الخي‬


‫الش لكنه ف ذات‬ ‫خي من ر‬ ‫الش إ ْذ أن الخي ٌ‬ ‫زعاخ من ر‬ ‫ْ‬
‫كان ر‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫الوقت ليس ً‬
‫خالصا‪ .‬تحركنا الدوافع والمصالح واألهواء‬ ‫خيا‬
‫نوفمي‬
‫ر‬ ‫ف كل مرة أمزق أوراف لسوء الخط‪ ،‬أو للتكتم؛ فق‬
‫الماض قمت بتمزيق دفي اعيافات‪ ،‬وأحرقت أوراف‪،‬‬
‫َ‬
‫واكتشفت بعدها أن روخ ف الكتابة والتدوين‪ ،‬ثم عاودت‬
‫َ‬
‫الكتابة من جديد بعد كل ما أحرقته من ذكريات الطفولة لعل‬
‫كومة من الخيبات‪ ،‬ر‬ ‫ٌ‬
‫عشات األقالم‬ ‫أعيد كتابته مرة أخرى‪.‬‬
‫ً‬
‫جفت أحبارها من أجل الخروج من الظلمة‪ ،‬أفرغت كومة من‬
‫َ‬ ‫األوراق تعدت أ ْ‬
‫ورقة ه حصيلة الخيبات‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫لق ورقة‪ .‬ألفا‬
‫وتراكمات الظلمة الت عشتها‪ ،‬وألت وجدت الراحة والسالم‬
‫َ‬ ‫ف التدوين‪ ،‬ثم َ‬
‫غياهب الظلمة وجدت سعادة العالم‬ ‫ِ‬ ‫بي‬
‫بدت كشاب‪ ،‬كل الظلمة تبددت‪.‬‬ ‫ْ‬
‫لوهلة كل األحز ِان‬ ‫ٍ‬ ‫تغمرت‪،‬‬
‫كضوء فيه‬ ‫ًٍ‬ ‫أحرق كل أوراف ودفاتري القديمة‪ ،‬كانت نيانها‬
‫دام ف صدري طويًّل‪ .‬أ ّما‬ ‫ونور لدرب جديد بعد برد َ‬ ‫دفء ٌ‬
‫ٍ‬
‫البوح‪ ،‬أروحنا ّتواقة إىل الفرح واالبتهاج‬ ‫َ‬ ‫هذه المرة فقررت‬
‫ورحمتك‪ ،‬يا هللا إنك‬ ‫وجودك‬ ‫ْ‬
‫والسالم يا هللا‪ ،‬فأرحنا بكرمك‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫تغضب‪ 1‬من خطاياي أ َما آن األوان أن تحزن لحزت! لماذا‬
‫عندما أفعل خطيئة تغضب ويكون من حقك الغضب؟‬

‫‪ - 1‬الله ال يغضب وال يحزن بهذه الكيفية‪ ،‬ولكن اللفظ هنا للمجاز‪.‬‬

‫||| ‪109‬‬
‫‪ .........................‬اعرتافات نفسية‬

‫ّ‬
‫لماذا؟ ولماذا عندما أحزن ال تحزن ِمن أجل؟! أهذا ألت رشء‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫غضبت ّ‬ ‫َ‬
‫مت وأنا رشء ال يذكر؟! آسف‪..‬‬ ‫ال يذكر! إذا لماذا‬
‫لعل أمزق ما كتبت بسبب السطور األخية‪.‬‬

‫||| ‪110‬‬

You might also like