You are on page 1of 22

‫»‪« 

Il diavolo sulle colline ‬‬

‫ترجم فصولها الخمسة األولى إلى العربية‪ ,‬الطالب‪ :‬سفيان الكداني‬


‫تحت إشراف األستاذ‪ :‬زكرياء بودحيم‬

‫شيطان التالل‬
‫كنا في عز الشباب‪ ,‬أعتقد أنني لم أنم قط تلك السنة و لكن كان لي صديق ينام أقل مني‪ ,‬أحيانا‬
‫كان يتجول أمام محطة القطار‪ ,‬ساعة ذهاب أولى القطارات‪ .‬كنا تركناه في الليل أمام الباب الكبير‬
‫‪.‬للمحطة‪ .‬بييريتو قام بجولة أخرى ليرى بزوغ الفجر‪ 3‬و يشرب قهوة الصباح‬

‫انه يدرس اآلن األوجه النائمة لعمال النظافة و أصحاب الدراجات‪ ,‬حتى هو لم يتذكر محادثتنا تلك‬
‫‪:‬الليلة‪ ,‬تفاداها و قال بهدوء‬

‫‪.‬لقد تأخرالوقت‪ ,‬سأخلد للنوم_‬

‫أحد ما كان يراقبنا‪ ,‬لم يفهم ماذا كنا نفعل تلك الساعة‪ ,‬لقد أغلقت السينما و المقاهي أبوابها‬
‫ونفذت النقود‪ .‬كان يجلس معنا نحن الثالثة على كراسي الحديقة ‪ ,‬كان يسمع جدالنا و سخريتنا‬
‫من كالم بعضنا‪ .‬كان ذلك الغريب يموت شوقا الى فكرة الذهاب إليقاظ‪ 3‬الفتيات أو لترقب ساعة‬
‫‪.‬الفجر‪ 3‬على السهول‪ .‬بعدها‪ ,‬عندما يتقلب مزاجنا‪ ,‬كان يتردد حتى يتشجع و يذهب اٍلى البيت‬

‫في الغذ كان ذلك الشخص يسألنا‪ _ :‬ماذا فعلتم باألمس؟ _ لم يكن سهال الجواب على سؤاله_‪ .‬كنا‬
‫سمعنا حديث رجل مخمور‪ ,‬ألصقنا اإلعالنات‪ ,‬تجولنا في األسواق و راقبنا النعاج و هي تمر‬
‫‪.‬بانتظام‬

‫‪.‬حينها قال بييريتو‪ :‬لقد تعرفنا اٍلى امرأة‬

‫لم يصدقنا و ظل منبهرا‬

‫‪.‬قال بييريتو‪ :‬يجب المثابرة‬

‫المشي مرات عديدة تحت شرفتها طوال الليل‪ ,‬هي تعرف ذلك و تدركه‪ .‬ال حاجة ألن تتعرف‬
‫عليها‪ ,‬هي تحس بذلك في مجرى دمها‪ .‬تأتي اللحظة حيث ال يمكنها أن تقاوم أكثر فتقفز من‬
‫‪...‬سريرها و ُتشرع لك المصاريع؛ تثبت أنت السلم على الحائط‬
‫لم نكن نتحدث عن النساء بطالقة و جدية فيما بيننا نحن الثالثة‪ .‬لم يكن بييريتو و ال حتى‬
‫أوريستي يخبرنوني كل شيء عن حياتهم الشخصية‪ ,‬لهذا كنت معجبا بهم‪ .‬النساء‪ ,‬أولئك اللواتي‬
‫يفرقن األصدقاء‪ ,‬قد يأتين في وقت ما‪ .‬أما اآلن فاٍننا نتحدث فقط عن هذا العالم‪ ,‬عن المطر‪ ,‬عن‬
‫‪.‬الشمس و كنا نفضل هذا كثيرا على الذهاب إلى النوم‪ ,‬الذي كنا نراه حقا مضيعة للوقت‬

‫في إحدى الليالي من تلك السنة كنا على ضفة نهر البو‪ ,‬بينما نحن جالسون على أحد كراسي‬
‫‪.‬المنتزه‪ ,‬همهم أوريستي‪ _:‬لنخلد إلى النوم‬

‫فأجبناه ‪_:‬ارقد هناك‪ ,‬لماذا تريد أن تهدر الصيف؟ أال يمكنك أن تنام و تغمض عينا واحدة؟‬

‫‪.‬متكئا على وجنته على جانب المقعد‪ ,‬كان أوريستي يرمقنا بنظرات خاطفة‬

‫كنت أخبره أنه ال ينبغي النوم أبدا في المدينة؛ هناك دائما ضوء‪ ,‬دائما نهار‪ .‬لذلك يجب فعل‬
‫‪.‬شيء ما كل ليلة‬

‫‪.‬من تكونوا يا أصدقاء؟_تساءل بييريتو_أنتم فتيان و جشعون _‬

‫أجبت قائال‪_ :‬من تكون أنت؟ أ عجوز أنت ؟‬


‫تدخل أوريستي بشكل مفاجيء‪_ :‬يقال أن العجزة‪ 3‬ال ينامون أبدا‪ .‬نحن نتسكع ليال‪ ,‬أريد أن أعرف‬
‫‪.‬من ينام إذا‬

‫ضحك بييريتو باستهزاء‬

‫‪.‬ماذا هناك؟ _قلت بحذر_‬

‫‪.‬قال بييريتو‪ _:‬يجب أن تكون بجانبك امرأة حتى تنام‪ ,‬لهذا أنتم و المسنون ال تنامون‬

‫‪.‬تمتم أوريستي‪ _:‬فليكن‪ ,‬مع ذلك فقد غلبني النعاس‬

‫رد بييريتو‪ _:‬أنت لست من المدينة‪ ,‬بالنسبة لألشخاص مثلك ال يزال لليل معنى كما في الماضي‪.‬‬
‫‪.‬أنت مثل كلب البيدر أو مثل الدجاج‪3‬‬

‫كانت الساعة تشير إلى الثانية صباحا‪ ,‬وراء نهر البو كانت التلة مضيئة و كان الجو معتدال‪ ,‬بارد‬
‫‪.‬تقريبا‬

‫نهضنا و اتجهنا نحو وسط المدينة‪ ,‬كنت أفكر مليا في ميزة بييريتو الغريبة‪ :‬ثقته المفرطة‪ 3‬في‬
‫نفسه و نعتنا دائما‪ ,‬أنا و أوريستي‪ ,‬بالسُّذج‪ .‬مثال ال أنا و ال أوريستي لم نكن نضيع علينا النوم‬
‫للتفكير في النساء‪ ,‬كنت أسأل نفسي عدة مرات‪ ,‬أي حياة كانت لبييريتو قبل أن يأتي‬
‫‪.‬إلى طورينو‬
‫على كراسي الحديقة الصغيرة لمحطة‪ 3‬القطار‪ 3,‬تحت الظل الخفيف لتلك الشجيرات كان يستلقي‬
‫‪.‬متسوالن مفتوحي الفاه‪ ,‬ثيابهما رثة‪ ,‬شعر و لحية كثيفة‪ ,‬يبدوان كغجريان‬

‫ُقرْ بُ المراحيض و رطوب ُة الليل حفزا على سيادة رائحة نثنة ناتجة عن يوم طويل‪ ,‬مشمس و‬
‫‪.‬مليء بالحركة‪ 3‬و الضوضاء‪ ,‬إضافة إلى العرق و رائحة الزفت المتآكل‬

‫أثناء المساء_ على تلك الكراسي قرب واحة صغيرة في قلب طورينو_ يجلس أشخاص وحيدون‪,‬‬
‫باعة متجولون‪ ,‬نساء و أناس بؤساء حتى يشيخوا من شدة الملل و االنتظار‪ .‬ال أعلم ماذا‬
‫‪...‬ينتظرون‪ .‬بييريتو كان يقول بأنهم ينتظرون شيئا عظيما‪ ,‬كانهيار المدينة أو نهاية العالم‬

‫ذلك الرجالن تلك الليلة كانا نائمين كأنهما ذبيحين‪ .‬في الساحة المقفرة‪ 3‬هناك إشارة ضوئية تغازل‬
‫‪.‬السماء الصافية و تعكس وميضها على جسدي الرجلين‬

‫‪.‬قال أوريستي‪ _:‬أناس على ما يرام‪ ,‬يعلموننا كيف نعيش‪ _.‬ثم انفصل عنا‪ ,‬عازما على الذهاب‬

‫‪.‬امكث معنا‪_,‬قال بييريتو_ ال أحد ينتظرك في المنزل _‬

‫‪.‬رد أوريستي‪ _:‬و ال حيث أنتم ذاهبون‬

‫‪.‬و بقي معنا‬

‫‪.‬ذلك االثنان‪ ,‬سيكون جميال االستيقاظ مع بزوغ الشمس في الساحة_ قلت بصوت خافت _‬

‫‪.‬بييريتو لم يعقب‬

‫‪.‬أين نحن ذاهبون؟ تساءلت و توقفت عن المشي_‬

‫‪.‬بعد أن سبقني ببضع خطوات‪ ,‬توقف بييريتو‬

‫أعلم أننا ذاهبون إلى مكان ما‪ ,‬لكن كل األماكن مغلقة‪ ,‬ال يوجد أحد‪ _.‬ثم تساءلت_لماذا تصلح_‬
‫كل هذه المصابيح؟‬
‫لم يقل بييريتو كعادته " وأنت أ تصلح لشيء ما؟ "لكنه تمتم‪ _:‬هل تريد أن نذهب إلى التلة؟‬

‫‪.‬أجبته قائال‪ _:‬إنها بعيدة‬

‫‪...‬قال بييريتو‪ _:‬بعيدة‪ ,‬لكنك تعرف ذلك النسيم‬

‫عبرنا الممر الكبير مرة أخرى‪ ,‬على القنطرة كنت أشعر بالبرد‪ ,‬بعدها شرعنا في الصعود‬
‫بخطوات مسرعة بغرض مغادرة الضواحي المألوفة‪ .‬كان الجو رطبا و مظلما‪ ,‬و اليراعات‬
‫‪.‬تتراقص‬
‫بعدها خففنا من سيرنا و نحن نتصبب عرقا‪ ,‬و في الوقت ذاته كنا نتكلم عن مغامراتنا‪ .‬كنا نتحدث‬
‫عن ذلك بفخر و أ ْش َركنا كذلك أوريستي في الحديث‪ .‬كنا قد عبرنا تلك الطرقات‪ 3‬مرات عدة‪,‬‬
‫منتشين بالخمر أو بحسن الرفقة‪ ,‬كل هذا لم يكن له تأثير‪ ,‬كان فقط مبررا للذهاب و التمكن من‬
‫الصعود إلى قمة التل‪ .‬مشينا وسط الحقول و أمام بوابات و سياجات منازل األثرياء‪ .‬كنا نشم‬
‫‪.‬رائحة تراب الغابة الصغيرة‬

‫‪.‬قال بييريتو‪ _ :‬بالنسبة لي‪ ,‬تلك الرائحة ال تفرق عن رائحة وردة في مزهرية‬

‫الغريب في األمر أنه لم يسبق لنا أن صعدنا قط ح ّتى القمة‪ ,‬على األقل عبر ذلك الطريق‪ُ .‬ي ْف َت َرضُ‬
‫أن تكون هناك نقطة ما أو مرتفع‪ ,‬حيث الطريق شديد االنحذار‪ .‬كنت أتصور قمة التلة كأنها آخر‬
‫‪.‬سياج من األغصان أو ك ُ‬
‫شرف ٍة مطل ٍة على العالم الخارجي للسهول‬ ‫ٍ‬
‫كنا قد وصلنا إلى قمة كل من تلة سوبرغا و بينو و نظرنا من هناك في عز النهار‪ .‬كان أوريستي‬
‫‪.‬هو من دلنا على أفق ذلك البحر من الظالل الشاسعة و الموحشة‪ ...‬إنه مسقط رأسه‬

‫ت مضى كان هذا المكان مليئا ً بالمتاجر و يعج بالحركة‬


‫_لقد تأخر الوقت_قال أوريستي_‪ ,‬في وق ٍ‬
‫‪.‬عقب بييريتو‪ _:‬يُغلقون في ساعة ما‪ ,‬لكن من يبقى في الداخل يستمر في السمر‬

‫تساءلت قائالً‪ _:‬هل كان من الضروري القُدوم إلى التلة صيفا ً لنستمتع بمنظر األبواب و النوافذ‬
‫الموصدة ؟‬
‫َ‬
‫‪.‬قال أوريستي‪ _:‬سيكون عندهم بستان و مراعي‪ ,‬إنهم ينامون في الحديقة‬

‫‪.‬أجب ُته‪ _:‬بعد قليل ح ّتى الحدائق ستنتهي و سنجد أمامنا الغابات الصغيرة و الداليات‬

‫توجه أوريستي إلى بييريتو و قال له‪ _:‬أنت ال تعرف البادية‪ .‬تظل تتسكع طوال الليل لكنك ال‬
‫‪.‬تعرف البادية‬

‫‪.‬بييريتو لم ُي ِجب‪ .‬بين الفينة و األخرى كان كلب ما ينبح من مكان مجهول‬

‫‪.‬استدار أوريستي نحونا و قال‪ _:‬فلنتوقف عن المشي‬

‫خرج‪ 3‬بييريتو من سرحانه و قال بسرعة‪ _:‬إن األرانب و الثعابين قد هرعت إلى جحورها تحت‬
‫‪.‬األرض خوفا ً من المارة ‪ .‬هنا تفوح رائحة البنزين‪ ,‬أين هي تلك البادية التي قد تعجبكم‬

‫ثم خاطبني بشراسة‪_:‬إذا ُذ ِبح أحد ما هنا‪ ,‬هل تعتقد حقا ً بأنه سيكون حدثا ً خرافياً؟ قد تصمت‬
‫‪.‬صراصير الليل حزنا ً على الميت ؟ بل إن ذلك الواد من دمائه سيكون ك ُن َخام ٍة ال قيمة لها‬

‫‪.‬بصق أوريستي في قرفٍ و قال لنا‪ _:‬انتبهوا‪ ,‬هناك عربة قادمة‬


‫الحت سيارة كبيرة و مكشوفة‪ ,‬لونها أخضر؛ توقفت دون أن ُتحدِث صوتاً‪ .‬كان نصفها في الظل‬
‫‪.‬تحت األشجار‪ ,‬نظرنا إليها في استغراب‬

‫‪.‬أضواءها مطفأة_‪ 3‬قال أوريستي _‬

‫ألتقي أحداً‪.‬‬
‫َ‬ ‫وددت أن أكون بعيداً‪ ,‬على الطريق الجبلي‪ ,‬أن ال‬
‫ُ‬ ‫اعت َق ُ‬
‫دت أن السيارة تقِ ُّل عشيقين‪,‬‬
‫لماذا ال يمتطون سيارتهم و يذهبوا إلى طورينو و يدعوننا في سالم في باديتنا؟‬
‫‪.‬اقترح أوريستي‪ ,‬مطئطئا ً رأسه‪ ,‬أن نتحرك‬

‫ت أو ح ّتى ضحكات‪ ,‬لكنني‬ ‫اقتربت أكثر من السيارة‪ ,‬كنت أنتظر أن أسمع وشوشاتٍ‪ ,‬همسا ٍ‬
‫مستلق على قفا رقبته و وجهه مقاب ٌل للسماء‬
‫ٍ‬ ‫‪.‬فوجئت برجل خلف المقود‪ ,‬شاب‬

‫‪.‬يبدو ميتاً‪_,‬قال بييريتو _‬

‫كان أوريستي بعيداً عن السيارة؛_ذهبنا تحت أصوات صراصير الليل_ بينما كنا نمشي تحت‬
‫‪.‬األشجار خطرت‪ 3‬في بالي أشياء كثيرة‪ .‬لم أستطع أن أستدير‪ ,‬بييريتو بجانبي كان صامتا ً‬

‫توقفت عن المشي و ُ‬
‫قلت‬ ‫ُ‬ ‫‪:‬كنا تحت ضغط رهيب‪.‬‬

‫‪.‬يستحيل أن يكون نائما ً _‬

‫تساءل بييريتو‪ _:‬من ماذا أنت خائف؟‬

‫هل رأيته؟ _‬

‫‪.‬لقد كان نائما ً ليس إال_‬

‫عقبت قائالً_‬
‫ُ‬ ‫‪.‬ال أحد ينام بتلك الطريقة و محرك السيارة مشتغل‪_,‬‬

‫ظلت كلمات بييريتو عالقة بذهني‪ _.‬مرَّ أح ٌد ما_‪ .‬استدرنا لنرا في اتجاه‪ 3‬المنحنى المعتم بكثرة‬
‫‪.‬األشجار؛ إنها يراعة مضيئة تعبر الطريق كأنها سيجارة‪ 3‬تحترق لوحدها‬

‫‪.‬قال بييريتو أنه من يملك مثل تلك السيارة يمكن أن يكون مستمتعا ً و هو ينظر إلى النجوم‬
‫‪.‬حاولت استراق السمع و قلت‪ _:‬ربما رآنا‬

‫هائج‬
‫ٍ‬ ‫‪.‬قال أوريستي فلننظر هل سيجيب و قام بإطالق صرخة مدوية‪ ,‬كأنها انفجا ٌ‪3‬ر أو خوا ُر ٍ‬
‫ثور‬
‫اإلصغاء جيداً‪ ,‬لكن لم نسمع سوى نباح كلب من بعيد‪ .‬فتح‬
‫َ‬ ‫قفز أوريستي متفاديا ً ركلتي؛ حاولنا‬
‫ُخ من جديد هذه المرة حتى بييريتو ينوي أن يصرخ و قال‪ _:‬مستعد‬ ‫‪...‬أوريستي فمه ليصر َ‬
‫هذه المرة صرخوا معا و لمدة أطول؛ اقشعرَّ بدني‪ ,‬تلك الصرخة كانت مثل ضوء السيارة القوي‬
‫في ليل بهيم‪ ,‬كأن ذلك الصوت يصل إلى كل مكان‪ :‬إلى سفوح الجبال‪ ,‬إلى قاع الفجاج‪ ,‬إلى‬
‫‪.‬الغيران‪ ...‬كل شيء كان يهتز‬

‫من جديد بدأ ذلك الكلب بالنباح‪ ,‬أمعنا النظر في المنحنى و نحن نستمع‪ .‬كنت بصدد القول‪ _ :‬قد‬
‫يكون مات من الخوف‪ .‬قبل أن ُي ْف َت َح أح ُد أبواب السيارة‪ .‬حينها همس أوريستي في أذني ‪ _:‬قد‬
‫تأتي الشرطة اآلن‪ _,‬ظللنا ننتظر و نحن نحذق في األشجار‪ ,‬لكن شيئا ً لم يحدث‪ .‬توقف الكلب عن‬
‫النباح‪ ,‬و عم صوت صراصير الليل كل المكان تحت ضوء النجوم‪ .‬كنا ننظر إلى ذلك الظل؛ ثم‬
‫‪.‬قلت‪ _ :‬هيا بنا فنحن ثالثة‬
‫كنا قد وجدناه مُلقى على ُدرج السيارة و وجهه بين يديه‪ ,‬لم يكن يتحرك‪ .‬مكثنا نراقبه عن كثب‬
‫‪.‬كأنه حيوان خطير‬

‫أال تظن أنه سيتقيأ؟ قال بييريتو _‬

‫هذا أمر سهل_ أجاب أوريستي_ اقترب منه و وضع يده فوق جبينه كأنه يريد تشخيص حالة _‬
‫الحمى‪ .‬أدنى اآلخر جبينه من يد أوريستي كأنه كلب يلعب‪ .‬كان يبدو أنهم يضحكون في خفية‪.‬‬
‫‪:‬استدار أوريستي و قال‬

‫‪...‬إنه بولي‪ ,‬إنهم يملكون فيال _‬

‫‪.‬ظل اآلخر جالسا ً و ممسكا ً بيد أوريستي‪ ,‬كان يحرك رأسه كمن يخرج من الماء‬
‫إنه شابٌ جميل‪ ,‬يكبرنا ببضع سنوات‪ ,‬ذو عينين منهكتين و تائهتين‪ .‬متشبتا ً بيد أوريستي‪ ,‬كان‬
‫ُظه َر فعالً أنه يرانا‬
‫‪.‬ينظر إلينا دون أن ي ِ‬
‫حينها قال له أوريستي ‪ _:‬ألم تكن في ميالنو ؟‬
‫رد عليه اآلخر‪ _:‬و أنت هل أتيت لتصطاد السناجب ؟‬

‫‪:‬هل تعتقد أننا في الكوسطي؟_ أجاب أوريستي‪ ,‬محرراً‪ 3‬يده‪ .‬ثم قال و هو ينظر إلى السيارة _‬

‫هل بدلتموها ؟ _‬
‫ُ‬
‫يحادث شخصا ً ثمالً؟_سألت نفسي_لماذا ال يتركه في حفر ٍة ما ؟ "‬ ‫"لماذا‬

‫ذلك المُسمَّى بولي كان يرمقنا كأنه واحد من المرضى الذين ينظرون إليك من خلف السرير‪,‬‬
‫تائهون و حزينون‪ .‬لم يسبق ألحد أن تدهورت حالته بهذا الشكل‪ .‬رغم ذلك فقد كانت تبدو عليه‬
‫ً‬
‫الئقة به‬ ‫‪.‬آثار الثراء و كانت السيارة‬

‫قال‪ _:‬إن طورينو ُت َرى من هنا‪_ .‬ثم وقف على قدميه بكل نشاطٍ ‪ ,‬ناظراً حوله_ من المفترض أن‬
‫تظهر من هنا‪ .‬أال ترونها ؟‬

‫‪:‬قال ألوريستي‬

‫ليال‪ .‬هناك مكان حيث يمن رؤية طورينو‪ .‬أ ال تريدون الذهاب؟ إنه مكان _‬
‫أنا هنا منذ ثالث ٍ‬
‫‪.‬جميل‬
‫سأله أوريستي‪ _:‬هل فررت من البيت؟‬
‫إنهم ينتظرنوني في طورينو‪ُ ,‬أناس أغنياء‪ ,‬ثم نظر إلينا كأنه طفل صغير‪ .‬إنهم ُأناس مُقرفون‪,‬‬
‫يفعلون كل شيء بالقُفازات‪ ,‬حتى األطفال و الماليين‪ .‬إذا رأوني معك و مع أصدقائك سيسخرون‬
‫‪.‬مني‬

‫‪ :‬أحس كأنني إله هذه الليلة_ قال بصو ٍ‬


‫ت منخفض_ لم يضحك أحد‪ ,‬حينها قال أوريستي‬

‫‪.‬فلنذهب لمشاهدة طورينو _‬

‫نزلنا حتى سطح الهضبة حيث تلوح أضواء طورينو‪ ,‬وضع بولي ذراعه على كتف أوريستي ثم‬
‫‪.‬رمى السيجارة‪ 3‬و شرع يتأمل ذلك البحر من األضواء‬

‫إذاً ماذا سنفعل؟_ تساءل أوريستي _‬

‫إن اإلنسان ضعيف_ قال بولي_ طرقات و ممرات‪ .‬طورينو من هنا تبدو كأنها بحر من _‬
‫‪...‬النجوم‪ ,‬و مع ذلك حين يكون الشخص في خِضمه فإنه ال ينتبه‬

‫جلسنا فوق العشب و شرعنا نتحدث‪ ,‬لم يكن بولي يكترث لكلمات بييريتو الساخرة‪ ,‬و شرح لنا‬
‫السبب الذي دفعه إلى الفرار‪ 3‬من طورينو‪ ,‬ثم بدأ يتحدث عن فنادق فخمة و أشخاص ذو نفوذ‪.‬‬
‫‪:‬رويداً رويداً بدأ بييريتو يتقبل بولي‪ ,‬عكس السابق‪ .‬فجأة قلت معترضا ً‬
‫هل كان ينبغي أن نغادر طورينو حتى ال نكف عن الحديث عنها؟ _‬

‫‪.‬أجاب أوريستي ‪ _ :‬فلنذهب إلى المنزل‪ ,‬غذاً يوم عمل‬

‫‪.‬وقف بولي و بييريتو ثم طلبوا مني إذا ما كنت سأرافِقهم‬


‫أراض و فيال‬ ‫ٍ‬ ‫بينما ك َّنا نتجه نحو السيارة‪ ,‬سألت أوريستي عن بولي‪ .‬أخبرني أن والد بولي يملك‬
‫إضافة إلى ضيع ٍة فوق التلة‪ ,‬ثم أضاف قائالً‪ _:‬كان بولي يأتي إلى البادية عندما كان صبيا ً و ك ّنا‬
‫‪.‬نصطاد معاً‪ ,‬كان متهوراً لكنه لم يكن يحتسي الكحول بهذه الشراهة‬

‫‪:‬أنهى بولي محادثته مع بييريتو ثم استدار نحونا و قال‬

‫في السنة الماضية عاقبني والدي و فرض علي المكوث في البادية و حرمني من السيارة‪_ .‬‬
‫غريبٌ أمره‪ ,‬كان يريد أن يعزلني و لكن عن ماذا؟ ال أدري إن كنت سأعود إلى هناك؛ سيكون‬
‫‪.‬جميالً قضاء يوم هناك ال أكثر‬

‫فتحت باب السيارة‪ ,‬وددت أن ال أصعد ألنه ال يمكن أن نكون على سجيتنا و نحن بمعيته؛ كان‬
‫ينبغي علينا أن نتقبله و نتقبل عالمه الغريب‪ .‬ال أفهم كيف نجح أوريستي في أن يقضي معه أياما ً‬
‫‪.‬عدة‬
‫‪.‬بولي على المِقود استدار و قال‪ _:‬فلنذهب إذاً‬

‫إلى أين؟ _‬

‫إلى هضبة الغريبو _‬

‫هل ُجنِنت؟ أريد الذهاب ألخلد إلى النوم_ اعترض أوريستي_‬

‫‪.‬وافقت أوريستي في رأيه و قلت ‪ _ :‬أنا أيضا ً أريد أن أنام‪ ,‬إنها ساعة متأخرة‬

‫‪.‬أجاب بولي قائالً‪ _:‬لم تشرق الشمس بعد‪ .‬إنها الرابعة فجراً‪ ,‬سنعود عند الخامسة‬

‫‪.‬صرخنا معاً‪ _:‬ينتظروننا في البيت‬

‫‪ .‬أوصلنا إلى منازلنا‪َ ,‬س َتسْ َنح الفرصة مرة أخرى‪ _.‬أضاف أوريستي _‬

‫همست في أذن أوريستي‪ _ :‬هل يمكن الوثوق ب بولي ؟‬

‫‪.‬اعترض أوريستي و قال‪ _:‬أريد الخلود إلى النوم‪ ,‬أوصِ لنا إلى بورتا نوفا‬

‫اتجهنا نحو طورينو‪ ,‬بييريتو بجانب بولي ظل صامتا طول الطريق‪ .‬عبرنا األزقة‬
‫المضيئة و المقفِرة‪ ,‬نزل أوريستي في شارع نيس مودعا ً بولي‪ ,‬ثم بعد ذلك أوصلوني أنا‬
‫ت السيارة طريقها‬ ‫أيضا ً أمام باب منزلنا‪ ,‬ودعتهم و قلت ل بييريتو أن نلتقي في الغذ‪ .‬أك َم َل ِ‬
‫‪.‬و على متنها ذلك االثنان‬
‫كانت االمتحانات على األبواب‪ ,‬أوريستي كان يدرس الطب‪ ,‬في حين أنا و بييريتو كنا‬
‫ندرس القانون و قمنا بتأجيل االمتحانات التي تتطلب مجهوداً أكبر إلى غاية شهر أكتوبر‪.‬‬
‫من المعروف أن الدراسات القانونية ال تستوجب المكوث في المختبر‪ ,‬على عكس‬
‫أوريستي الذي لم يكن يتسكع معنا في المساء‪ .‬كنا نعلم أين يمكننا العثور عليه‪ ,‬خاصة‪ 3‬في‬
‫وقت الظهيرة‪ ,‬حيث كان يتناول وجباته في المقصف ألن منزل أهله يوجد في البادية‪ ,‬و‬
‫‪.‬كان يكتري غرفة في طورينو‬

‫ذهبت للبحث عنه صباح تلك الليلة‪ ,‬وجدته في المقصف و هو يلتهم تفاحة و مرفقه‪ 3‬فوق‬
‫‪.‬حقيبته‪ .‬سألني‪ ,‬في ذلك الحر‪ ,‬عمَّا إذا كنت قد التقيت بييريتو‬

‫تحدثنا مرة أخرى عن برنامج العطلة الصيفية لتلك السنة‪ .‬الذهاب إلى البادية‪ ,‬نحن الثالثة‪,‬‬
‫حيث بيت (بلد) أوريستي الشاسع‪ ,‬قد نستمتع كثيراً‪ .‬في المقابل كانت فكرتنا أنا و بييريتو‬
‫أن نحمل حقائبنا على ظهورنا و نسافر إلى البادية مشيا على األقدام‪ .‬كان أوريستي يقول‬
‫‪.‬أنه ال فائدة من ذلك مضيفاً‪ _:‬حينما نصل سنكون قد اكتفينا من الحر و من مناظر البادية‬

‫ترى ماذا يفعل بييريتو اآلن ؟_‬


‫َأ تعتق ُد أنه خلد للنوم ليلة أمس؟ تساءل أوريستي _‬
‫ربما يدرس _‬
‫ال أظن_ عقب أوريستي_ مع بولي و سيارته‪ ,‬ألم ترى كيف انسجموا؟ _‬

‫شرعنا نتكلم عن ليلة أمس‪ ,‬عن بولي و عن كل تلك الحماقات‪ .‬أخبرني أوريستي أنه ال‬
‫مجال لالستغراب‪ ,‬ألنه يعرف بولي جيداً و متعودون على بعضهم‪ .‬حتى و إن كان والده‬
‫فاحش‪ 3‬الثراء و أحد الشخصيات النافذة في ميالنو‪ ,‬فإن بولي ترعرع في البادية‪ ,‬حيث كان‬
‫يأتي كل صيف مع عشرات المربيات و العربة و العديد من الخيول‪ .‬بل إنه لم يستطع أن‬
‫يخرج و يتعرف على أناس البلدة إاّل بعد أن أصبح راشداً‪ .‬زهاء ثالثة سنوات‪ ,‬أثناء موسم‬
‫هجرة طيور ديك الغاب‪ ,‬كان بولي يذهب للصيد مع اآلخرين؛ كان فتى بارعا ً و ذكياً‪ ,‬لكنه‬
‫‪.‬كان يفتقد إلى المثابرة حيث إنه كان كثيراً ما يبدل فكرته و يعدِل عنها‬

‫‪.‬هذه حياتهم_ قلت أنا_ إنهم كالنساء _‬


‫َ‬
‫سمعت ماذا يقول عن األغنياء مثله؟‬ ‫َ‬
‫فهمت و‬ ‫اعترض أوريستي قائالً ‪ _:‬و لكن هل‬
‫‪.‬كان يقول فقط‪ ,‬لقد كان ثمالً _‬
‫هنا طأطأ‪ 3‬أوريستي رأسه و قال ‪ _:‬لم يكن بولي ثمال‪ ,‬الثمالة شيء آخر‪ .‬قد يكون ثمال‬
‫لمدة ثالثة أيام و قد يقترف العديد من الحماقات‪ ,‬لكنه اآلن أكثر من مجرد سكير‪ .‬قد نشفق‬
‫‪.‬على شخص في حالة سكر‪ ,‬لكن ليس على بولي‬

‫‪.‬كانت ل أوريستي مثل هذه الخرجات المفاجئة‬

‫لم يهاجم أمثاله من األغنياء‪ ,‬بل كان يهجو من يملك الكثير من المال و ال يحسن العيش‪_.‬‬
‫‪.‬أنت صديقه‪ ,‬من المفروض أن تعرفه‬
‫أجاب أوريستي‪ _ :‬الذهاب إلى الصيد معا ً في البرية كان بمثابة الذهاب إلى المدرسة‪ ,‬بل‬
‫‪.‬إن أبي كان حريصا ً جداً على هذا‬

‫أنهى أوريستي كأسه و غادرنا المقصف‪ ,‬تكلمت عن بييريتو و عن طريقة حديثه التي قد‬
‫‪.‬تستفز من ال يعرفه جيداً‪ ,‬و عن ضحكته التي تبدو كأنها بصقة في الوجه‬
‫‪.‬من يعلم _ قال أوريستي_ لم أرى بولي غاضبا ً قط _‬
‫عند المساء لم يأت ال أوريستي و ال حتى بييريتو‪ ,‬في تلك السنة عندما كنت أبقى وحيداً‬
‫كان الوقت يمر ببطء‪ .‬الرجوع إلى المنزل من أجل الدراسة لم تكن فكرة محبذة عندي‪ .‬لقد‬
‫كنت معتاداً على التسكع مع بييريتو في طرقات طورينو‪ ,‬كان في الهواء‪ ,‬في الحركة و‬
‫في عُتمة األزقة أيضا ً أشياء كثيرة لم أستطع فهمها و االستمتاع بها‪ .‬كنت دائما ً قريبا ً من‬
‫أن أصاحب فتاة ما أو أن أل َِج إلى حانة مشبوهة‪ ,‬أو أن أقرر االتجاه نحو زقاق ما و‬
‫الذهاب الذهاب حتى يبزغ الصباح ألجد نفسي في مكان ما‪ .‬لكني كنت أتسكع في نفس‬
‫الطرقات‪ ,‬أشاهد نفس الوجوه‪ .‬في بعض األحيان كنت أمكث في ركن ما و أظل لساعات‬
‫‪.‬حانقاً‪ 3‬على نفسي‬

‫ذلك المساء كان استثناءاً‪ .‬فاللقاء مع بولي مؤخراً‪ ,‬حررني من مجموعة من القيود و‬
‫جعلني أعلم أن العالم مليء بأناس أغنياء و محظوظين ألنهم يستمتعون أكثر بهذه الحياة‪,‬‬
‫‪.‬أناس شرهون و يستمتعون أكثر مني‬
‫لك‬
‫هذا ما لقنني إياه والداي القرويان عن غير معرفة منهم‪ :‬بعضُ حماقات الفقراء مسموح َ‬
‫‪.‬بها‪ ,‬أما حماقات‪ 3‬األغنياء فال يُس َم ُح لك بها أبداً‬

‫قضيت تلك األمسية في إحدى قاعات السينما‪ ,‬مستمتعا ً و مستحضراً بولي مرة أخرى‪.‬‬
‫عندما خرجت من السينما لم أكن أرغب في النوم و ذهبت أتسكع في األزقة المقفرة‪ 3‬تحت‬
‫ِدت و ترعرعت في طورينو‪ ,‬و لكن في ذلك المساء‬ ‫ضوء النجوم و الهواء المنعش‪ .‬لقد وُ ل ُ‬
‫كنت أفكر في شعاب بلدة والديَّ المنفتحة على حقول البادية الشاسعة‪ .‬في مثل ذلك المكان‬
‫ترعرع أوريستي‪ ,‬حيث قد يرجع قريباً‪ .‬سيرجع ليعيش هناك‪ ,‬كان هذا طموحه‪ ,‬في حين‬
‫كان يمكنه البقاء في المدينة لو أراد ذلك‪ .‬و لكن هل هناك ٌ‬
‫فرق بين القرية و المدينة ؟‬
‫سمعت المنادي أمام باب المنزل‪ ,‬إنه بييريتو‪ .‬مبتعداً عن ظل الجدار‪ ,‬عبَ َر الطريق و اتجه نحوي‪.‬‬
‫ُ‬
‫كان يريد البقاء معي و مسامرتي‪ ,‬لم يكن يرغب في النوم‪ .‬كان غائبا ً في أول المساء ألنه كان‬
‫طول النهار مع بولي‪ ,‬حيث أنهم قضوا الليلة الماضية يجوبون الحقول بالسيارة‪ .‬في الصباح كانوا‬
‫بجانب الوادي تحت أشعة الشمس‪ ,‬حينها تعرض بولي لوعكة صحية و سقط عند نزوله من‬
‫السيارة كأنه كيس كبير‪ :‬ربما بسبب انعكاس أشعة الشمس المبهرة و تأثيرها عليه و كانت رئتاه‬
‫مليئتان بالكوكايين‪ .‬لقد تعرض بولي لحالة تسمم‪ .‬عندها اتصل بييريتو بالفندق في طورينو حيث‬
‫‪.‬كان يقيم بولي‪ ,‬أجابه أحد ما و أخبره بأن يتصل بميالنو‬
‫‪.‬ال أملك نقوداً كافية_ صرخ بييريتو _‬
‫آنذاك جاء راهبٌ يُحسِ نُ القيادة‪ ,‬استقل السيارة و نقلوا بولي إلى مدينة نوفارا‪ ,‬هناك قام طبيب‬
‫بإرجاع بولي إلى وعيه بعد أن ساعده على التقيؤ‪ .‬بعد هذا تجادلوا مع الراهب الذي اتهم بييريتو‬
‫بكونه الملهم السيء لصديقه (رفيق السوء)‪ .‬في النهاية أصلح بولي كل شيء‪ :‬دفع مستحقات‬
‫‪.‬الطبيب و قام بإيصال الراهب إلى ديره‪ ,‬موجها ً أليه خطابات طويلة حول الخطايا و العذاب‬
‫‪Inferno‬‬
‫كان بييريتو سعيداً جداً‪ ,‬لقد استمتع بحماقات بولي‪ ,‬بالنزهة و بقسمات وجه الراهب العابسة‪ .‬أما‬
‫بولي فقد ذهب ليستحم و يغير مالبسه‪ ,‬هناك امرأة ما في الموضوع‪ ,‬ظلت تالحقه من ميالنو‬
‫‪.‬إلى طورينو و تحاصره في الفندق‪ .‬كانت تريد موعداً و كانت ترسل له الورود‬
‫‪.‬قد يكون أحمقاً_ قال بييريتو_ لكنه يُحسنُ السخرية من األخرين‪ .‬إنه يتسلى بما يُنفِقُه من مال _‬
‫‪.‬إنه يتجاوز الحدود_ قلت أنا_ إنه متهور _‬
‫اعترض بييريتو على ما قُلته و أخبرني بأن بولي ال يفعل شيئا ً أسوأ مما نفعل نحن‪ .‬نحن‬
‫البورجوازيون المفلسون إما نقضي الليالي على المقاعد في الساحة نتجادل‪ ,‬أو نمارس العادة‬
‫ٌ‬
‫طرق أخرى للتسلية‪ :‬حرية‪ ,‬مخدرات و نسا ٌء راقيات‪.‬‬ ‫السرية أو نحتسي النبيذ؛ بينما هو لديه‬
‫‪.‬الثراء قوة‪ ,‬هذا كل ما في األمر‬
‫خاطبته قائالً‪ _:‬هل ُجنِنت؟ نحن على األقل نفكر بعقالنية‪ .‬أنا أريد أن أعرف ما الفائدة من التجول‬
‫بدون هدف‪ .‬مثالً أنت تبحث عن طورينو و أنا أحب الصعود إلى التلة و ُتعجبني رائحة األرض‪.‬‬
‫واع‪ ,‬حتى أوريستي يقول هذا‬ ‫‪.‬إن بولي ال تهمه هذه األشياء‪ ,‬إنه غير ٍ‬
‫يا لكم من أغبياء_ قال بييريتو معترضاً_ و شرع يشرح لي أن هناك حاجة لعيش تجربة ما‪_ ,‬‬
‫لخطر ما و أن المحيط الذي نعيش فيه هو من يرسم حدودنا التي ال ينبغي أن نتجاوزها ثم‬
‫ٍ‬
‫‪:‬أضاف‬
‫من الممكن أن يكون بولي قد قال و ارتكب حماقا ٍ‬
‫ت عدة‪ ,‬بل قد يؤدي به ذلك إلى المخاطرة_‬
‫‪.‬بحياته‪ .‬لكن سيكون من المحزن أن يعيش مثلنا‬
‫بينما كنا نتمشى و نتجادل‪ ,‬كالعادة‪ ,‬ظل بييريتو يؤيد فكرة أن بولي يُحسن صُنعا ً بمعرفته للحياة‬
‫‪.‬عب َْر وسائله الخاصة‬
‫عقبت قائالً _‬
‫ُ‬ ‫و لكن إذا كان يتفوه بالحماقات؟_‬
‫ال يهم هذا‪ ,‬إنه اجتهد بطرقيته الخاصة و المس أشياء لم تكونوا تحلموا بها حتى_ أجاب _‬
‫بييريتو‬
‫هل عرض عليك تعاطي الكوكايين معه ؟ _‬
‫استشاط بييريتو غضبا ً ثم قال أن بولي ال يعرض الكوكايين كسلعة‪ ,‬و ال يتحدث عنه كثيراً‪ .‬لكن‬
‫أثناء حديثه مع ذلك الراهب قال أشياء عن الخطيئة ت ِن ُّم عن نظرة عميقة و عن تجربة حقيقية في‬
‫ب من جديد ثم قال لي‬ ‫ُ‬
‫ضحكت في وجه ِه فغضِ َ‬ ‫‪:‬الحياة‪ .‬حينها‬
‫تستهزؤ إذا تكلم عن الخطيئة؟ _‬
‫ِ‬ ‫تمتعِضُ ممن يتعاطى الكوكايين و‬
‫توقف عند باب أحد المقاهي‪ .‬أخبرني أنه ذاهبٌ إلجراء مكالمة ما‪ .‬بعدها بقليل خرج‪ 3‬من المخدع‪,‬‬
‫‪:‬كان يريد معرفة ما إذا كان أوريستي سيأتي أم ال‪ .‬قُلت له‬
‫‪.‬إنه منتصف الليل‪ ,‬سيكون أوريستي نائماً‪ .‬ظروفه تحتم عليه ذلك_‬
‫‪:‬عاد بييريتو إلى المخدع‪ ,‬مكث هناك لِ َلحظاتٍ‪ ,‬يتحدث و االبتسامة تعلو وجهه‪ .‬عندما خرج‪ 3‬قال‬
‫‪.‬فلنذهب عند بولي _‬
‫كانت فكرة قضاء ليلة أخرى بيضاء تستهويني‪ .‬أمي و أبي قد ال يبديان أي اعتراض‪ :‬كلمتان‬
‫حول الوقت‪ ,‬نظرة من على الطبق و أسئلة حول االمتحانات‪ .‬ال أعلم كيف يسوي بييريتو هذا‬
‫األمر مع والديه‪ .‬كنت أثشفق على ذلك الوجهين البائسين‪ ,‬و كنت أتساءل كيف كان أبي عندما‬
‫كان في العشرين و أي فتاة كانت والدتي‪ ,‬و هل سأكون أبا ً يوما ً ما ألوال ٍد غريبي األطوار‪ .‬من‬
‫المرجح أن والدي يفكرون في السجاد األخضر لطاولة القمار‪ ,‬في قاعة االنتظار للسجن‪ ,‬في‬
‫النساء‪ُ .‬ترى أي فكرة لديهم حول حماقاتنا الليلية؟ قد يكونوا على صواب‪ :‬هذا كله يتعلق بعادات‬
‫‪.‬شبابية سيئة و من هنا يبدأ كل شيء‬
‫عندما كنا أمام النزل رُفقة السيدة روزألبا‪ ,‬التي كانت تتحرك نحو األعلى و األسفل‪ ,‬كان بولي‬
‫‪..........‬يُعد السيارة لكي نستقلها‪ .‬همست إلى بييريتو‪ _:‬لنتفق‬
‫كان يبدو جليا ً أن بولي كان يريدنا معه لكي يحد من نفوذ روزألبا‪ ,‬بل و قدمنا لها على أننا أحسن‬
‫‪.‬شباب طورينو‬
‫صعدت السيدة روزألبا السيارة و جلست بجانب بولي‪ .‬كانت نحيفة_ مسكينة_ عيناها حمراوتان‪,‬‬
‫مع زهرة في شعرها‪ .‬لم تكن تستطع أن تبقى في مكانها‪ ,‬قبل ذلك و بينما كنا ننتظر بولي كانت‬
‫ترمُقنا بنظرات حادة‪ ,‬تبدو كأنها والدة بولي‪ ,‬الذي كان مرحا ً و كان يقول العديد من األشياء‪ .‬كان‬
‫ينظر إلى المرأة بأعين المعة و يقود مبتسماً‪ .‬في لحظة كنا خارج‪ 3‬طورينو‪ .‬انحنى بييريتو إلى‬
‫‪.‬األمام و قال له شيئا ً ما‬
‫أوقف بولي السيارة فجأة‪ ,‬كنا على مستوى الحقول السوداء ( الخصبة) أمام الجبال‪ ,‬روزألبا كانت‬
‫‪.‬تضحك متحمسة‬
‫‪.‬إلى أين نحن ذاهبون؟ قلت بحزم أنني ال أنوي المكوث خارجا ً طوال الليل _‬
‫‪.‬استدار بولي و قال لي‪ _ :‬أود أن تبقى برفقتنا‪ ,‬ثق بنا سوف لن نتأخر‬
‫قالت المرأة متأسفة‪ _ :‬فلتتوقف يا بولي‪ ,‬لماذا تريد أن تقود بسرعة طوال الليل؟ لماذا أنت دائما ً‬
‫متهور هكذا ؟‬
‫بعد أن أعاد تشغيل السيارة‪ ,‬تابع بولي طريقه متجها ً نحو طورينو ماراً بالتالل و نهر البو‪ ,‬ثم‬
‫تجاوز حي صاسي‪ .‬كان جليا ً أن بولي و روزألبا قد زارا هذه األماكن من قبل‪ .‬ماذا يجد‬
‫( يُعجب) بييريتو في هذين االثنين؟ أردت أن أسأل نفسي عما إذا كانت روزألبا على علم‬
‫بالمخدرات التي يتعاطاها بولي‪ ,‬أن أتخيلهما معا منتشين و أن أكرههما‪ ,‬لكنني لم أستطع؛ مياه‬
‫‪.‬النهر السوداء و التلة العالية المُظلمة لم يتركوا لي مجاالً للتفكير في أشياء أخرى‬
‫ها هي ذي‪ ,‬ها هي ذي‪ _.‬صرخت روزألبا_‪ .‬حينها قام بولي بالتخفيف من سرعة السيارة‪ ,‬كنا _‬
‫أمام فيال مضيئة تقابل النهر المظلم‪ .‬كان هناك في العتمة فضاء به طاوالت و مصابيح‪ ,‬حيث‬
‫‪.‬يمكن رؤية السترات البيضاء للنادلين‬
‫بعض انتهاء االضطراب و االرتباك في الجلوس و طلب المشروبات‪ ,‬بدلت روزألبا رأيها مرات‬
‫ت قوي‪ .‬وضع بييريتو‬ ‫عدة‪ ,‬و كانت ُتبدي عدم رضاها عبر تقطيب شفتيها و متحدثة بصو ٍ‬
‫ُ‬
‫قررت أن أتركهم يتجادلون و قات في نفسي‬ ‫‪:‬مرفقيه على الطاولة و شبك أصابع يديه‪ ,‬في حين‬
‫بعد كل هذا فإنه يبقى مقهى كباقي المقاهي"‪ ,‬ثم انعزلت خلف الكرسي و استرقت السمع لعلي " _‬
‫‪.‬أسمع صوت خرير المياه‬
‫في الحقيقة‪ 3‬لم يكن كباقي المقاهي‪ .‬كان هناك جوق موسيقي يعزف بصخب‪ ,‬ثم بعد ذلك خففوا من‬
‫اإليقاع‪ .‬في وسط تلك الدائرة من الطاوالت كانت امرأة تغني‪ .‬تلك المرأة كانت ترتدي فستانا و‬
‫تضع وردة في جانب شعرها‪ .‬بعيد لحظات بدأت تبرُز مجموعة من العشاق و شرعوا في الرقص‬
‫ضامين بعضهم البعض‪ .‬كان صوت المرأة يهز األزواج و يعبر بالنيابة عنهم بل و كانت تنحني‬
‫لتقفز معهم‪ .‬تلك الحفلة كانت تبدو كأنها طقس مقدس بين النهر و التلة‪ ,‬حيث تتناغم حركات‬
‫العُشاق و صوت المرأة‪ .‬ذلك ألن المرأة التي تشبه لح ٍّد ما روزألبا‪ ,‬كانت تغني بصوت ٍ‬
‫عال‪,‬‬
‫‪.‬متمايلة و يديها على ثدييها‪ ,‬ربما كانت توحي إلى شيء ما‬
‫في هذه األثناء تمسك روزألبا يد بولي و هي في سعادة عارمة‪ ,‬بينما هو كان يُحادث بييريتو‬
‫‪:‬الذي كان يقول‬
‫‪.‬من المفروض أن كل شخص يغني لنفسه‪ ,‬هناك أمور يجب أن نفعلها نحن‪ ,‬فقط نحن _‬
‫‪.‬أجاب بولي في ابتسامة‪ _:‬كل من يرقص فهو مرتبط‪ ,‬لذلك يجب أن نلتمس له العذر‬
‫كانت روزألبا تصفق بفرح جامح كأنها طفلة‪ ,‬كان ذلك يُرى في عينيها المتقدتين‪ .‬في تلك اللحظة‬
‫‪.‬جاء النادل بالقهوة‪ ‬و المشروبات الكحولية المحالة‪ ,‬و ابتعدت روزألبا عن بولي‬
‫استأنف الجوق العزف ‪ ,‬لكن هذه المرة دون غناء‪ ,‬صمتت باقي األصوات و لم تبقى سوى نغمات‬
‫البيانو تعزف بعض المقطوعات‪ ,‬مع تصفيقات الحضور‪ ,‬فتجد نفسك ُتصغي حتى لو لم تكن تريد‪.‬‬
‫بعد ذلك قام الجوق بتغطية البيانو و إخفائه‪ .‬كانت ألوان األضواء التي تضيء المغروسات تتبدل‬
‫‪.‬بشكل سحري من خضراء إلى حمراء ثم إلى صفراء‬
‫‪.‬إنه مكان جميل_ قال بولي_ و هو ينظر من حوله _‬
‫‪ُ.‬أناس هائمون_ عقب بييريتو_ قد يحتاجون لصرخة أوريستي حتى يستيقظوا _‬
‫رفع بولي ذقنه‪ ,‬عيناه متفاجئتان و قال‪ _:‬هل ذهب صديقنا إلى النوم؟ وددت لو أنه كان هنا‬
‫‪.‬برفقتنا‬
‫‪.‬إنه لم يستسِ غ ما حدث ليلة أمس‪ ,‬لألسف فإنه ال يستحمل بعض األمور‪ .‬أجاب بييريتو _‬
‫كنت أنظر إلى روزألبا كأنها عارية مع تلك الحركات التي كانت تقوم بها‪ .‬ثم قالت فجأة _ أريد‬
‫‪.‬أن أرقص_ مخاطبة بولي بحزم‬
‫عزيزتي روزي_ قال بولي_ من غير الالئق أن أترك أصدقائي يضجرون‪ ,‬ال يمكنني فعل ذلك‪_.‬‬
‫‪.‬إننا في طورينو مدينة اللباقة‬
‫اِحمر وجه روزألبا كأنه شعلة من نار ‪ .‬حينها اكتشفت أنها حمقاء و غير سوية‪ .‬من يعلم‪ ,‬قد‬
‫تكون أما ألوال ٍد في ميالنو‪ .‬حضرتني قصة الورود التي كانت تبعث إلى بولي فأبعدت نظري‬
‫‪ :‬عنها‪ .‬سمعت بييريتو يقول‬
‫سأكون مسروراً بالرقص معك روزألبا ‪ ,‬لكنني ال يمكنني أن أتمنى هذا‪ ,‬فأنا لست بولي لسوء _‬
‫‪.‬الحظ‬
‫بينما يواصل الجوق العزف‪ ,‬همهمت أنا أيضا ً ببعض الكلمات و قلت أنني ال أجيد الرقص‪ .‬كان‬
‫‪:‬بولي هادئا ً تماما ً و كان ينتظر أن أنهي كالمي ثم قال‬
‫أود أن أخبركم بأن هذه األيام مهمة جداً بالنسبة لي‪ .‬باألمس فهمت عدة أشياء‪ .‬صيحة تلك الليلة _‬
‫أيقظتني‪ ,‬كأنها الصرخة التي توقظ المسرنم‪ .‬كانت إشارة قوية‪ ,‬إنها األزمة الصعبة التي تشفي‬
‫‪.‬سقما ً ما‬
‫‪.‬هل كنت مريضاً؟ تساءلت روزألبا _‬
‫بل كنت أكثر من ذلك_ أجاب بولي_ كنت كعجوز يعتقد أنه شاب‪ .‬أما اآلن فأعلم أنني رجل‪_ ,‬‬
‫‪.‬رجل منحرف‪ ,‬رجل ضعيف‪ ,‬لكن رجل‪ .‬تلك الصرخة عرَّ ف ْتني ب ُكنهي‪ ,‬فأنا ال أتوهم‬
‫‪.‬يا لقوة تلك الصرخة‪ 3_.‬قال بييريتو _‬
‫وجد ُتني أراقب عيني بولي إذا لم يكونا حمراوتان من أثر المخدرات‬ ‫‪.‬دون أن أشعر‪َ ,‬‬
‫أرى حياتي_ تابع قائالً_ كأنها حياة شخص آخر‪ .‬اآلن أعلم من أكون‪ ,‬من أين أتيت‪ ,‬ماذا_‬
‫‪...‬أفعل‬
‫سمعت تلك الصرخة من قبل؟ _‬ ‫َ‬ ‫ولكن_ قاطعت حديثه_ هل سبق لك أن‬
‫أنت قوي‪ _.‬قال بييريتو _‬
‫‪.‬لقد كانت الصرخة التي ُتستعمل في رحالت الصيد_ قال بولي مبتسما ً _‬
‫هل ذهبتم للقنص ؟ تساءلت روزألبا _‬
‫‪.‬بل كنا فوق التلة _‬
‫عم صمت مطبق‪ ,‬حينها كان كل واحد منا ينظر إلى أظافره‪ 3‬عدا بولي‪ .‬من جديد شرعت تلك‬
‫‪:‬المرأة في الغناء وسط الطاوالت‪ .‬كانت روزألبا متحمسة جداً للرقص و قالت مخاطبة بولي‬
‫ماذا إذاً‪ ,‬هل انتهيت من قِصصك؟ أ تريد أن تراقصني اآلن؟_‬
‫‪ :‬لم يحرك بولي ساكناً‪ ,‬كان يفكر في صرخة تلك الليلة‪ .‬ثم قال مبتسما ً‬
‫جميل أن تستيقظ دون أوهام‪ ,‬تحس أنك حر و مسؤول‪ .‬فالحرية‪ 3‬تمنحنا قوة هائلة و تمكننا من_‬
‫‪.‬مالمسة البراءة‪ ,‬لهذا فإننا مستعدون أن نعاني من أجلها‬
‫قامت روزألبا بإطفاء سيجارتها في مرمدة‪ C‬السجائر‪ .‬المسكينة كانت مُرهقة و نحيفة‪ ,‬كان يمكن‬
‫تحمُلها‪ ,‬على األقل بالنسبة لنا‪ ,‬فنحن في تلك السنين لم نكن نعرف بعد معنى إشباع رغباتنا‬
‫‪.‬الجنسية‪ .‬كانت نبرة صوت بولي المَؤ دَ بة تجعلها أليفة و تستحوذ عليها‬
‫‪.‬في األخير قالت له‪ _:‬قل لنا بوضوح فيما تفكر‪ ,‬هل تريد الفرار‪ 3‬من طورينو‬
‫رفع بولي حاجبيه ثم ربت على كتفها و قام بشدها من تحت إبطها كمن يريد أن يساعد شخصا ً ِ‬
‫يهم‬
‫عال و عيناها شبه مغمضتين‬ ‫ت ٍ‬ ‫‪.‬بالسقوط‪ .‬شهقت روزألبا بصو ٍ‬
‫هل ُأسعِدها؟_‪ 3‬خاطبنا بولي في ريبة من أمره_ هل ُأراقِصها ؟ _‬
‫عندما بقينا لوحدنا حول الطاولة‪ ,‬كان بييريتو يالحظ نظراتي و يضحك بسخرية‪ .‬كان صوت‬
‫قلت‪ _:‬سحقا ً‬
‫‪.‬المرأة يمأل فراغ الليل‪ .‬قطبت وجهي و ُ‬
‫‪:‬كان بييريتو منتشياً‪ ,‬سكب لنفسه بعض الشراب و سقاني أنا أيضا ً بعضا ً منه‪ ,‬ثم قال لي‬
‫لكل بلد عاداته‪ ,‬أ ال يُعجبانك ؟ _‬
‫‪.‬قلت سحقا ً _‬
‫‪.‬لكن الفتى ليس ماكراً كفاية_ قال بييريتو_ يمكن فعل الكثير مع تلك المرأة _‬
‫‪.‬إنها بلهاء‪ .‬قلت أنا _‬
‫‪.‬المرأة المُغرمة دائما ما تكون غبية _ عقب بييريتو _‬
‫كنت أسمع بعض الكلمات مما كانت تغني تلك المرأة‪ .‬كانت تدعوا جمهورها لحب الحياة ‪ ,‬و‬
‫‪.‬األزواج يتراقصون على نغمات الجوق‪ .‬كنت أتساءل هل يمكن سماع هذا الغناء من على التلة‬
‫‪.‬قال بييريتو‪ _:‬هذه الليالي العصرية قديمة قِدم الزمان‪ ‬‬
‫غيض بولي‪ .‬ال أعلم كم من‬
‫َ‬ ‫في تلك الليلة حتى بييريتو راقص روزألبا‪ ,‬ألنها كانت تريد أن ُت‬
‫ب تلك الليلة‪ ,‬كان يبدو أن الليل لن ينتهي ‪ ,‬لكن الجوق كان قد كف عن العزف منذ‬ ‫الكحول ُ‬
‫ش ِر َ‬
‫مدة‪ .‬نادت روزألبا على النادل‪ ,‬كانت تريد من بولي أن يدفع ثمن المشروبات و أن يصطحبنا‬
‫لإلفطار‪ 3‬في منتزه فالينتينو‪ .‬بما أن بولي كان مصرّ اً علي التمادي في محادثته مع بييريتو و‬
‫النادل‪ ,‬هرعت روزألبا إلى السيارة و شرعت في استخدام المنبه بشدة‪ .‬وقتها خرج‪ 3‬مالك‬
‫المقهى‪ ,‬النادلون و حتى الزبناء الذين كانوا يحتسون الكأس األخيرة على المنضدة‪ .‬ارتمت‬
‫‪.‬روزألبا على األرض و هي تصيح بولي بولي‬
‫في طريق العودة كان بولي يقود و هو يحضن روزألبا بذراعه‪ ,‬كانت مغتبطة و فرحة‪ .‬من حين‬
‫آلخر كانت تلفت نحونا و تبتسم‪ ,‬كأنها تحاول أن تغيظنا كما لو كنا منافسين لها‪ .‬لم ينبس بييريتو‬
‫بكلمة‪ ,‬لم تتجه السيارة نحو طورينو‪ ,‬كان جليا أننا نسير دون وجهة محددة‪ ,‬كنت ثمالً و أغمضت‬
‫‪.‬جفوني‬
‫أيقظني ضوء بارد مائل إلى الحُمرة‪ ,‬إنه الفجر‪ .‬كان الجميع يغط في النوم‪ ,‬وحده بولي كان‬
‫‪.‬مستيقظا و يقود السيارة بهدوء في طريق مقفر‬
‫توقف عند بزوغ الشمس على مستوى إحدى التالل‪ .‬كان بييريتو فرحاً‪ ,‬روزألبا تفرك عيناها‬
‫مرتدية ذلك الفستان الوردي‪ ,‬كانت تبدو طاعنة في السن‪ .‬كنت أحس بغضب و شفقة تجاههم‬
‫‪:‬جميعاً‪ .‬استدار بولي مبتهجا ً و تمنى لنا صباحاً‪ 3‬سعيداً‪ .‬حينها قلت‬
‫إنها غلطتي‪ ,‬أين نحن؟ _‬
‫‪.‬ا َّتصِ ل بالهاتف_ قال بييريتو_ قل إنك لم تكن على ما يُرام _‬
‫كان روزألبا و بولي يداعبان بعضهما بعضاً‪ ,‬نزعت روزألبا تلك الزهرة من شعرها و أهدتها لي‪,‬‬
‫‪.‬قائلة بصوت أجش‪ _:‬ال ُتفسد علينا هذه للحظات الجميلة‬
‫شممت عبق تلك الزهرة و تساءلت في حيرة من أمري‪ ,‬إنها أول زهرة تهديني إياها امرأة ما‬
‫‪.‬ف ُتهدى إلي من طرف امرأة كروزألبا‬
‫بدا في األفق ناقوس كنيسة بلدة أخرى‪ .‬وصلنا إلى ساحة البلدة عبر زقاق كأنه رواق‪ ,‬تحت ظل‬
‫شمس الصباح كانت فتاة ترش الزقاق‪ 3‬بالماء‪ .‬دخلنا إلى المقهى و جلسنا قرب نافذة عكس أشعة‬
‫‪.‬الشمس‪ ,‬ثم طلبت مباشرة هل هناك هاتف‪ .‬كانت اإلجابة بالنفي‬
‫‪.‬إنها غلط ُتكِ _ قال بولي لروزألبا_ لو لم تطلبي مني أن أراقصك _‬
‫لو أنك لم تفرط في الشرب_ أجابت روزألبا_ لم تكن واعيا بما تقول‪َ ,‬‬
‫كنت تتصبب كونياك _‬
‫‪.‬عوض العرق‬
‫أنت تبالغين_ اعترض بولي_‬
‫‪.‬اسأل أصدقائك ما الذي فعلت_ صرخت في غضب_ لماذا ال تسألهم‪ ,‬لقد سمعوا كل شيء _‬
‫كالم بالغ األهمية حول البراءة و حرية االختيار_ تدخل بييريتو _‬
‫أخبرتنا المرأة التي كانت تأخذ طلباتنا و تحذق في روزألبا أن مكتب البريد يتوفر على هاتف‪.‬‬
‫حينها هممت بالوقوف و طلبت محفظة‪ 3‬النقود من بييريتو‪ .‬نهضت روزألبا و قالت لي‪ _:‬سآتي‬
‫‪.‬معك حتى أصحوا‪ ,‬هنا تفوح رائحة مستشفى المجانين‬
‫خرجنا‪ 3‬نحن االثنين إلى الساحة‪ ,‬روزألبا في فستانها الوردي‪ ,‬طويلة و نحيلة‪ .‬رأيت الرؤوس تطل‬
‫‪.‬من النوافذ لكن الزقاق‪ 3‬كان ال يزال خاويا‬
‫‪...‬الجميع في الحقول في هذه االثناء_ قلت فقط ألقول _‬
‫طلبت مني روزألبا سيجارة‪ .‬توقفت ثم أشعلت السيجارة‪ ,‬بينما هي متكئة على الجدار‪ ,‬قالت‬
‫‪.‬مبتسمة و بصوت خافت‪ _:‬تبدو أصغر من بولي‬
‫رميت ما تبقى من من عود الثقاب الذي أحرق‪ 3‬اصبعي‪ ,‬تابعت روزألبا اطراءها‪ _:‬و أكثر صدقا ً‬
‫‪.‬من بولي‬
‫كانت تريد أن تعرف ماذا فعلنا خالل تلك األيام مع بولي‪ .‬عندما شرعت في التحدث عن أول لقاء‬
‫مع بولي‪ ,‬قاطعتني متسائلة‪ _:‬هل كان لوحده؟ إذاً لماذا كان في منتصف الليل عل التلة تحديداً؟‬
‫‪.‬كان لوحده لكنها كانت الثالثة فجراً _‬
‫و ما الذي جعلكم تتوقفون عنده؟ _‬
‫أخبر ُتها أن أوريستي و بييريتو كانا يعرفان بولي أكثر مني‪ .‬تلك الليلة ذهبت إلى النوم‪ ,‬لكن‬
‫‪.‬بييريتو ظل معه حتى الصباح‪ ,‬كان بولي ثمالً قليالً‪ .‬اسألي بييريتو لقد تحدثوا كثيراً‬

‫حينها فهمت أن روزألبا لم تضع الوقت و استفسرت بييريتو عندما راقصها‪ .‬كانت تحذق بي بتلك‬
‫‪.‬العينين الحادتين‪ ,‬تجنبت نظراتها المزعجة‪ 3‬و تابعنا سيرنا في ذلك الطريق المُحصَّى‬
‫‪:‬بينما أنتطر دوري في مكتب البريد‪ ,‬قلت ل روزألبا التي كانت تدخن أمام المدخل‬
‫‪.‬أوريستي يعرف بولي منذ الصغر‪ ...‬لقد كان معنا تلك الليلة _‬
‫‪.‬لم تجبني و ظلت تنظر إلى الزقاق‪ ,‬التحقت بها و بدأت أدقق النظر في السماء‬
‫بعد أن أنهيت المحادثة و الجدال مع أمي في المقصف الصغير‪ ,‬رجعت ألى الباب؛ لم تبرح‬
‫‪.‬روزألبا مكانها‪ .‬قلت بمرح‪ _:‬فلنذهب‬
‫صديقك شخص ماكر_ استأنفت حديثها فجأة_‪ 3‬ألم يخبرك هل أخبره بولي بشيء ما؟ _‬
‫‪.‬لقد ذهبوا إلى البحيرات _‬
‫‪.‬أعلم ذلك _‬
‫‪.‬كان ثمالً و أحس بمغص _‬
‫‪.‬ال قبل ذلك_ قالت روزألبا في عدم صبر و صوتها يرجف _‬
‫‪.‬ال أعلم‪ ,‬لقد وجدناه على التلة يتأمل النجوم _‬
‫حينذاك و في غفلة مني‪ ,‬تعلقت روزألبا بذراعي‪ .‬كانت هناك فالحتان تمران بنا‪ ,‬فاستدارتا‬
‫‪.‬لينظروا إلينا‬
‫ت كيف يعاملني بولي‪_ .‬‬ ‫ْ‬
‫الحظ َ‬ ‫أنت تفهمني‪ ,‬أليس كذلك؟_ قالت روزألبا و هي تتنفس بصعوبة_‬
‫باألمس ظننت أنني سأموت‪ ,‬منذ ثالثة أيام و أنا لوحدي في ال ُن ُزل‪ .‬ال يمكنني حتى أن أخرج‬
‫للنزهة ألن الجميع يعرفني‪ .‬أنا هنا تحت رحمته‪ .‬في ميالنو يظنون أنني في البحر‪ ,‬لكن بولي‬
‫‪.‬يتجاهلني‪ ,‬لقد تعب مني‪ ,‬بل إنه ال يريد حتى أن يُراقصني‬
‫‪.‬كنت أنظر إلى الحصى في الزقاق و أرمق الرؤوس المطلة من الشرفات‬
‫حقا‪ 3‬البارحة‪ 3‬رأي َت ُه فرحاً‪ .‬عندما يكون ثمالً يمكنه تحملي‪ ,‬لكن حين يفرط في الشرب فإنه ‪_ ...‬‬
‫يفعل أشياء بشعة ليتجاهلني‪ .‬على كل حال‪ _...‬هنا بدأ صوتها يتقطع_فنحن نعيش هذه العالقة‬
‫‪.‬دون هدف معين‬
‫لم تترك ذراعي حتى و نحن داخلون إلى المقهى‪ .‬في مكان معتم من المقهى كان بولي و بييريتو‬
‫يتجادالن ثم صرخ بييريتو‪ _:‬ماذا سنأكل؟‬
‫قدموا لنا بيضا ً مقليا ً و بعضا من الكرز‪ .‬حاولت عدم النظر إلى روزألبا‪ .‬بولي كسر الخبز و تابع‬
‫‪:‬حديثه مع بييريتو قائالً‬
‫فقط حينما نسقط و نالمس القعر حينها يمكننا أن نقرر‪ .‬عندما نفقد كل شيء حينذاك نجد _‬
‫‪.‬جوهرنا‬
‫ضحك بييريتو و قال‪ _:‬السكير يبقى سكيراً‪ ,‬ال يختار المخدرات و ال حتى الخمر‪ ,‬بل إنه اختار‬
‫‪".‬أول مرة فقط‪ ,‬قبل ماليين السنين‪ ,‬حينما صرخ أول " مرحى‪3‬‬
‫‪.‬ثمة براءة_ عقب بولي_ هنالك وضوح يأتي من العمق _‬
‫‪.‬ظلت روزألبا صامتة‪ ,‬لم أجرؤ على النظر إليها‬
‫دعني أخبرك_ قاطع بييريتو كالم بولي_ إذا كنت قد نسيت الساعة ليلة أمس‪ ,‬فذلك ألنك فقدت _‬
‫‪.‬االختيار‬
‫قال بولي في تلعثم‪ _:‬لكنني أبحث عن هذه البراءة‪ ,‬كلما عرفتها‪ ,‬زاد اقتناعي بكوني رجالً كامل‬
‫الفحولة‪ .‬هل أنت مقتنع بأن أصل اإلنسان ضُعفٌ أم ال؟ كيف يمكنك النهوض إذا لم يسبق لك‬
‫السقوط؟‬
‫‪ :‬روزألبا كانت تمضغ الكرز دون أن تتكلم و بييريتو كان يحرك رأسه مرات عديدة و يقول‬
‫‪.‬ال _‬
‫بينما كنت أفكر في الحديث الذي دار بيني و بين روزألبا‪ ,‬لم أهتم بالكلمات بل بنبرة صوتها و‬
‫تمسكها بذراعي‪ .‬كانت عيناي تؤلمانني من شدة العياء‪ .‬عندما هممنا بالذهاب‪ ,‬ألقيت نظرة عليها‪,‬‬
‫‪.‬بدت لي هادئة و مُتعبة‬
La storia racconta la vita estiva dei tre giovani protagonisti – l’io narrante che resterà anonimo,
Pieretto e Oreste. I giovani vivono a pieno la vita notturna con le chiacchierate fino all’alba, i
momenti trascorsi a bere e scherzare e l’esplorazione della campagna, mossi dalla curiosità o
semplicemente in cerca di qualcuno che è rimasto fuori fino a tardi.

Conosciamo i protagonisti,  in una Torino addormentata nel fresco della notte, poco prima
dell’alba, mentre i tre passeggiano senza meta, incapaci di dormire.

Tutti studenti universitari, Pieretto è il portavoce dello spirito cittadino, irriguardoso e mistificatore,
Oreste studente di medicina, è il rappresentante della naturalezza propria della campagna,
laborioso ed a tratti ingenuo. Poi c’è il narratore anonimo, cittadino di educazione, ma
profondamente affascinato dal lato selvaggio della natura, della quale si mette alla scoperta,
imparando mano a mano a sentire il palpitare stesso della terra sotto il sole.

Li seguiamo poi durante il loro rito di iniziazione all’età adulta.

“Partivamo di casa sul mezzogiorno, e poi passavamo laggiù un’ ora o due, nudi come bisce, a
bagnarsi e voltolarsi nel sole dentro la terra screpolata. Lo scopo era arrostirsi anche l’ inguine e
le natiche, cancellare l’ infamia, annerir tutto…”
È proprio così che s’imbattono in Poli, cocainomane e anticonformista, figlio del proprietario del
Greppo, una grossa tenuta in collina.

Affascinati dai suoi racconti di vita e dai cordiali modi di fare gli terranno compagnia nei suoi giri
in macchina e inizieranno a frequentarlo assiduamente, in una confusa giostra tra night e paesini
appisolati in compagnia della sua matura amante. Il rapporto tra i due virerà in tragedia: 
Rosalba, tenterà di uccidere Poli e poi dopo l’intervento del padre, ricco borghese che le eviterà il
carcere, si suiciderà in una clinica.

Per i ragazzi pare tornare tutto alla normalità, incluso il ritorno in campagna di Oreste, con una
felice descrizione della vita famigliare del giovane.

Tuttavia le loro strade si incrociano di nuovo, Poli inviterà i tre giovani a trascorrere l’estate alla
sua tenuta sulla collina, dove vive insieme alla moglie Gabriella. Le giornate saranno all’insegna
del divertimento, delle bevute notturne, delle dissertazioni su temi universali, ma di sottofondo si
percepisce la dicotomia città/campagna. La stessa villa del Greppo, dimora dei due coniugi, è un’
opera cittadina che dissacra la natura circostante e mentre per l’io narrante la natura è un
richiamo, un tremito di piacere, uno spogliarsi stesso della sua umanità per tornare a ciò che si
era, un desiderio del primitivo:

“Quel brivido di starcene nudi e saperlo, di nasconderci a tutti gli sguardi, e bagnarci, annerirci
come dei tronchi, era qualcosa di sinistro,più bestiale che umano.”
Per Poli e Gabriella la campagna è la reclusione, l’esclusione stesse del contesto sociale che
sentono loro più congeniale. Con poche pennellate implacabili, il romanzo muta direzione: i tre
giovani di fatto subiscono il fascino di Gabriella, di cui Oreste si innamora con la convinzione di
essere ricambiato dalla giovane donna. Un sentimento assoluto che (forse) gli segnerà la vita per
sempre.

Pagina dopo pagina si avverte una tensione che, nonostante sia sempre stata in sottofondo,
bilanciata da rasserenanti descrizioni paesaggistiche, diventa sempre più forte con l’avvicinarsi
dell’epilogo. Il rapporto tra i tre studenti, ingenui che non conoscono ancora la vita, e la coppia,
avvezza ad ogni cosa ed adusa ad una vita di vizi e raffinatezze, corre sempre sul filo del baratro,
un passo falso e la loro amicizia, il loro sodalizio, questo castello di carte potrebbe crollare e
distruggerli con le sue macerie.

Il finale è quasi sospeso, il cerchio della trama non si chiude, lascia spazio all’immaginazione del
lettore e all’imprevedibilità della vita.

Poli dopo una festa si sentirà male, sputa sangue e si viene a sapere che è tisico. Gabriella
innamoratissima del marito e stabilmente fedele,  preoccupata, lo accudirà come un bambino e lo
porterà a Milano per cure. I tre giovani salirono sull’auto di Poli per un ultimo passaggio al paese:

“Scambiammo parole, scherzammo, la faccia dura di Gabriella  sorrise un attimo. Poli agitò la
mano.
Poi partirono e noi andammo a bere al Mulino.”

https://www.nuovatlantide.org/pavese-il-diavolo-e-la-nuda-collina/

You might also like