You are on page 1of 13

‫كيف أثرت الحضارة الماد ّية على تهذي ِب ال ُروح في رمضان؟‬

‫كيف أثرت الحضارة الماد ّية على تهذي ِب ال ُروح في رمضان؟‬

‫بواسطة‪ :‬فاتن خالد إبراهيم‬

‫ال أربعاء ‪2021/05/12‬‬

‫مدة القراءة‪ 17 :‬دقائق‬

‫‪ 97‬مشاهدة منهم ‪ 0‬اليوم‬

‫في إطار فعاليات اليوم ال أول من الملتقى الفكري رمضان ال إسلام‪ ،‬استضاف عمران الحضارة الدكتور محمد سعيد حوا‬
‫من ال أردن والذي ق ّدم محاضرة عنوانها "كيف أثرت الحضارة الماد ّية على تهذي ِب ال ُروح في رمضان؟" وذلك يوم ‪08‬‬
‫أبريل ‪ .2021‬تقرؤون فيما يلي نص المداخلة كاملا‪.‬‬

‫الحضارة والروح‪ ..‬فيما تتجلى معاني المصطلحين ودلالاتهما؟‬

‫هناك ُمصطلحين من الضروري جد ًا أن ُنلقي الضوء عليهما قبل أن نبد أ في الموضوع وهما ُمصطلح الحضارة و ُمصطلح‬
‫الروح‪ ،‬حتى نستطيع أن ننطلق انطلاقة صحيحة في الفهم منضبط ًة إن شاء الله تعالى‪ ،‬الحضارة في أصلها من الحضر‬
‫ضد البداوة؛ ف إذا كانت البداوة قد تدل في أصلها على بدء أمر‪ ،‬ف إذا قلنا أن الحضارة ضد البداوة‪ ،‬ف إذ ًا الحضارة فيها‬
‫معنى الحضور‪ ،‬حضور علمي‪ ،‬حضور ثقافي‪ ،‬حضور مدني‪ ،‬تقدم مدني ولو على ال أقل فيما كان ذلك سابق ًا وبغض‬
‫النظر عن تطور أمور اليوم في القوانين وحضور ال إنسان في هذه الحياة وفاعلية ال إنسان في هذه الحياة فكله قد يدخل‬
‫في جانب الحضارة‪ ،‬وبناء على ذلك اختلف الناس المهتمون بهذا الجانب هل الحضارة هي الجانب المدني وحسب؟‬
‫أم هي الجانب المدني والثقافي؟ أم هي الجانب الثقافي وحسب؟ هذا هو الاختلاف الذي وقع فيه الناس ولعلي أميل‬
‫إلى أن الحضارة تدل على الجانبين مع ًا الجانب المدني والجانب الثقافي‪ ،‬وطبع ًا هنا الكلام عن الحضارة المادية‬
‫بشكل خاص لنا عودة له على وجه الخصوص‪.‬‬

‫إذ ًا الحضارة في النهاية هي اجتماع جانب المدنية وجانب الثقافة أي مدنية أمة ما وثقافتها والثقافة تعني كل العقائد‬
‫وكل القيم وكل ال أخلاق وكل السلوكيات التي ُتحدد هوية أمة ما و أهدافها وحركتها ووجهتها‪.‬‬

‫لن أتي إلى المصطلح الثاني إذ ًا وهو قضية الروح‪ ،‬ما هي الروح وهل ُته َذب وهل ُتزكى و ُتنقى‪ ،‬ف إذا بد أنا بما هي الروح‬
‫لن نصل إلى جواب حدي في تعريف الروح ل أنه مهما ُخضنا في ذلك فسيبقى ال أمر كما قال سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫( َو َي ْس َأ ُلو َن َك َع ِن ال ُّرو ِح ۖ ُق ِل ال ُّرو ُح ِم ْن َأ ْم ِر َر ِّبي َو َما ُأو ِتي ُتم ِّم َن ا ْل ِع ْل ِم ِإ َّلا َق ِلي ًلا)‪ ،‬ولكن ُيمكن أن نقول أن الروح هي ذاك‬
‫السر ال إلهي الذي به تكون الحياة وبه تكون القوى‪ ،‬قوة الحركة‪ ،‬قوة النماء‪ ،‬وقوة التفكير وغيرها من القوى‪ِ ،‬لنصل بعد‬
‫ذلك إلى السؤال الثاني؛ هل الروح ُته َذب؟ هل تقع تزكية في حق الروح؟ وهل تحتاج الروح إلى تزكية من حيث هي‬
‫روح؟ هل ُيقال زكي روحك وهل ُيوجد نص ي أمر بهذا ال أمر؟ لم يحصل أبد ًا أن جاء نص شرعي يقول هذب الروح أو‬
‫زكها أو نقها أبد ًا‪ ،‬إذ ًا لماذا؟ ِل أن الروح في أصل خلقتها صافية صفية نقية طيبة راقية عالية ونورانية غير محدودة لا‬
‫بالزمان ولا بالمكان ب أمر الله سبحانه وتعالى فهذه حقائق وخصائص الروح في ال أساس ومن هنا نجد أن جبريل قد‬
‫ُوصف بالروح كما قال تعالى‪َ ( :‬ن َز َل ِب ِه ال ُّرو ُح ا ْل َأ ِمي ُن) و أيض ًا ُو ِصف القر آن~ كذلك قال تعالى‪َ ( :‬و َك َٰذ ِل َك َأ ْو َح ْي َنا ِإ َل ْي َك‬
‫ُرو ًحا ِّم ْن َأ ْم ِر َنا ۚ َما ُكن َت َت ْد ِري َما ا ْل ِك َتا ُب َوَلا ا ْل ِإي َما ُن َو َٰل ِكن َج َع ْل َنا ُه ُنو ًرا َّن ْه ِدي ِب ِه َمن َّن َشا ُء ِم ْن ِع َبا ِد َنا ۚ َو ِإ َّن َك َل َت ْه ِدي‬
‫ِإ َل ٰى ِص َرا ٍط ُّم ْس َت ِقي ٍم)‪ ،‬إذ ًا فهي تدل على معا ٍن فيها السمو وفيها الرقي بطبيعتها والنقاء والصفاء‪ ،‬ف إذا كانت هذه طبيعة‬
‫الروح‪ .‬إذ ًا ما الذي يقع عليه التزكية؟ وما الذي يقع عليه التهذيب؟ وما الذي يقع عليه الت أثير السلبي أيض ًا؟ إذا كان‬
‫هنالك ت أثير سلبي ف إنه حقيقة يقع على النفس ولذلك جاء قوله تعالى‪َ ( :‬ق ْد َأ ْف َل َح َم ْن َز َّكا َها * َو َق ْد َخا َب َم ْن َد َّسا َها)‪،‬‬
‫عندما أقسم بها عز وجل حين قال‪َ ( :‬و َن ْف ٍس َو َما َس َّوا َها * َف َأ ْل َه َم َها ُف ُجو َر َها َو َت ْق َوا َها * َق ْد َأ ْف َل َح َمن ز َّكا َها َو َق ْد َخا َب َمن‬
‫َد َّسا َها) فكل التهذيب والتزكية والت أثير السلبي إنما يقع على النفس‪.‬‬

‫ولكن يعود السؤال ثانية؛ ما هي النفس إذ ًا؟ أيض ًا من غير أن نخوض في كثير من بحار التعريفات في هذا الجانب‬
‫واختلافات العلماء لعلنا نختار الر أي الذي يقول أن النفس هي اجتماع الروح مع الجسد‪ ،‬بمعنى أنه عندما تدخل‬
‫الروح ب أمر الله تعالى و ُتنفخ في هذا الجسد ال إنساني ف إنه يتكون عنصر ثالث قائم بذاته له صفاته وخصائصه ألا وهو‬
‫النفس‪ ،‬وهو الذي ُيمكن أن تقع عليه التزكية والتهذيب وهو الذي يحتاج إلى هذه التزكية وهذا التهذيب‪.‬‬

‫عندما يكون هنالك اختلاط الروح بالجسد فالروح صفاتها ال ُرقي والنقاء والصفاء وغيرها من الصفات العالية التي مرت‬
‫معنا‪ ،‬بينما الجسد صفاته الصفات الدونية الترابية كما قال تعالى‪َ ( :‬و َل َق ْد َخ َل ْق َنا ا ْل ِإن َسا َن ِمن َص ْل َصا ٍل ِّم ْن َح َم ٍإ َّم ْس ُنو ٍن)‬
‫أي من طين أسود ُمن ِتن‪ ،‬إذ ًا اختلاط هذين العنصرين عالم الروح الذي ُيمكن أن نسميه عالم المعنى في النهاية وعالم‬
‫الجسد الذي ُيمكن أن نسميه عالم المادة من ناحية أخرى فيترتب على ذلك نشوء أمر آخر وهو النفس‪ ،‬هذه النفس‬
‫أمام اختلاط هذين العنصرين ستكون تحت ت أثير الجانب المادي ابتداء أكثر من كونها تحت ت أثير الجانب المعنوي‬
‫ِل أنه بطبيعة الحال الجوانب المادية الحسية والصورة والحركة والمجسدات تكون أدعى إلى الت أثير المباشر‪ ،‬إلا إذا كان‬
‫لهذه النفس ما ُيهذبها و ُيرقيها ومن هنا وجب تهذيب النفس وتزكيتها‪.‬‬

‫في موضوع تزكية النفس؛ ما هو في حقيقة ال أمر؟ وكيف نربط ال أمر بقضية مصطلح تهذيب الروح الذي شاع كثير ًا‬
‫وحتى وصلنا إلى مصطلح آخر وهو تربية الروح؟ ونرى من أين جاءت هذه المصطلحات في أصلها أو في حقيقتها في‬
‫الواقع‪ ،‬فنقول حيث أن هذه النفس في جسديتها كيف نعود بها لتتخلص من صفات الجسد الدونية لتتحقق هذه‬
‫النفس بصفات الروح العلوية؟‬

‫فالروح ستبقى صفاتها كما هي والجسد صفاته كما هي‪ ،‬إذ ًا فالذي يتغير هو النفس وهي أثر عن اختلاط الروح‬
‫بالجسد‪ .‬فالمطلوب منك أيها ال إنسان أن ترتقي بهذه النفس التي شاركت أو تكونت من هذين الخليطين مع ًا أن ترتقي‬
‫بهذه النفس مع كونها في جسديتها محبوسة ينبغي أن ترتقي بها إلى خصائص الروح في صفائها ونقائها‪ ،‬ولذلك عندما‬
‫ُيقال مثل ًا كيف تكون تربيتنا الروحية و أنت في عالم جسديتك متحقق ًا بصفات روحك وروحانيتك؟ وهذا حقيقته هو‬
‫تزكية النفس‪.‬‬

‫بناء على ذلك تولد مصطلح آخر وهو غذاء الروح‪ ،‬شيء طبيعي أن كل ُمتغ ٍذ يتغذى بما ُيناسبه وما دام هذا ال إنسان‬
‫من روح وجسد فلابد أن للروح غذاؤها ولابد أن يكون للجسد غذاؤه‪ ،‬فبالتالي لابد أن يكون غذاء الروح مما ُيناسب‬
‫طبيعتها و أن يكون غذاء الجسد مما ُيناسبه و ُيناسب طبيعته‪ ،‬وقبل أن أمضي أكثر سنجد في الحقيقة عندما نقول غذاء‬
‫الروح أنه غذاء القلب المعنوي الذي هو محل ال إيمان أو الكفر لا سمح الله‪ ،‬والذي هو محل الحب والكره والذي هو‬
‫محل النفاق أو الصدق وهو الذي محل الانقباض أو الانبساط والانشراح‪ ،‬وهو القلب القائم~ في الصدر أيض ًا‪ ،‬فعندما‬
‫نقول غذاء الروح هو في الحقيقة سيعود إلى غذاء القلب المعنوي لكن تجوز ًا في ذلك قلنا غذاء الروح بناء على ال أصل‬
‫الذي أصلناه أنه هو تزكية النفس‪ُ ،‬نخلص النفس من هذه الت أثرات المادية الجسدية إثر اختلاط الروح بالجسد لتسمو‬
‫هذه النفس فلا يكون فيها إلا صفاتها العلوية السامية الراقية النقية النورانية الشفافة ومن هنا جاز أن ُيقال أيض ًا غذاء‬
‫الروح‪.‬‬
‫إذا كانت الروح عالما يتصل بالمعنى والجسد عالما يتصل بالمادة إذ ًا شيء طبيعي أن يكون غذاء الجسد من جنس‬
‫هذا التراب وبالتالي مما يكون من نبات وحيوان ونحو ذلك‪ ،‬ولكن غذاء الروح لابد أن يكون أيض ًا ُمتسق ًا و ُمنسجم ًا‬

‫و ُمتصل ًا بطبيعته العلوية ف إذ ًا لابد أن يكون غذاء الروح من جنس القر آن الكريم وكل ما يتصل بالهداية الربانية ومن هنا‬
‫كان لابد أن نعطي لكل جانب حقه ومن هنا كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬أعط كل ذي ح ٍق‬
‫حقه"‪ ،‬فنجد بعض الناس باسم الزهد ربما جوع جسده ف أدى إلى خلل خطير فيه فتجاوز الحد في ذلك‪ ،‬إذ ًا سيحدث‬
‫خلل إذا لم ُيعطى هذا الجسد الحد ال أدنى من حقه الذي به قوامه‪ ،‬ومن هنا كان لفت النظر من ِقبل رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم "حسب ابن آدم لقيمات ُيقمن صلبه"‪ ،‬ولكن إذا زاد ال أمر عن حده ولو بالمباح سيصل إلى حالة‬
‫ال إسراف وحالة الترف والتخمة وسيقتل نفسه‪ ،‬وكلما زاد شيء عن حده انقلب ضد الذي ُيقابله‪ ،‬فكلما زاد إمدادنا‬
‫للجسد ولو في المباح سيؤثر سلب ًا على الجانب الروحي عندك أيها ال إنسان وبالتالي كان أهم شيء الاعتدال‪.‬‬

‫وفي المقابل لابد أن يكون غذاء الروح مما يناسبه أيض ًا وبما ُيكافئه‪ ،‬لكن إذا كان الازدياد من غذاء الجسد ضارا به‬
‫ف إن ال إزدياد من غذاء الروح ِل أنه يتصل بالعالم العلوي والروحي السامي ف إنه لا حد للتسامي ولا حد للارتقاء ولا حد‬
‫للازدياد فكان بمقدار ما تستطيع أن تزداد وتنال من غذاء الروح ف أنت تسمو بذلك سمو ًا قاطعا‪ ،‬إذ ًا ونحن نغذي هذه‬
‫الروح بما ُيناسبها كما قلنا إذا ت أملنا هذه الحقائق فنحن في حقيقة ال أمر إنما نغذي القلب المعنوي الذي هو محل‬
‫ال إيمان أو محل الكفر وهكذا‪.‬‬

‫كيف أفسدت الحضارة المادية على المسلم تزكيته لنفسه والارتقاء بها؟‬

‫ف إذا استطعنا أن نفقه هذه المصطلحات بدقة إن شاء الله تعالى ننتقل إلى مفهوم الحضارة المادية‪ ،‬ال آن عندما ُيطلق‬
‫مصطلح الحضارة المادية قد ُتطلق باتجاهين‪ ،‬اتجاه حيادي واتجاه سلبي ُمطلق‪ ،‬الاتجاه الحيادي هو المقصود‬
‫بالجانب المدني في هذه الحضارة الذي يستطيع كل إنسان أن يستخدمه إما بالاتجاه الصحيح و إما بال إتجاه الخاطئ‪،‬‬
‫لكن عندما نقول الحضارة المادية فك أنما نقول هنا أننا نتكلم فقط عن الجانب السلبي في هذه المعطيات المدنية‪،‬‬
‫ونتكلم عن ثقافة أيض ًا لها هويتها و أهدافها الخطيرة من جهة أخرى لذلك اخترنا من البداية أن يكون مفهوم الحضارة هو‬
‫مجموع مدنية أمة ما وثقافتها‪ ،‬المدنية من حيث ذاتها ال أصل فيها أنها حيادية قد تستعملها في الخير وقد تستعملها‬
‫في الشر‪ ،‬ولكن عندما تنظر للجانب الثقافي والجانب المعنوي في هذه الحضارة هو الذي إما أن يكون باتجاه الخير‬
‫فهو ال إيمان~ والهداية الربانية وما كان متصل ًا بالله~ سبحانه وتعالى‪ ،‬و إلا ف إن ذاك ال إنسان سينحرف إلى تلك الحضارة‬
‫المادية‪ ،‬إذا نظرنا إلى مفهوم الحضارة المادية ولم ننظر لها من حيث المدنية و إنما بهذا المصطلح الحضارة المادية‪.‬‬

‫إذ ًا نحن نتكلم عن أولئك الذين لا يرون الحياة إلا مادة ولا يرون ما بعد هذه الحياة حياة ولا يؤمنون بشيء اسمه‬
‫الغيب بل ربما أكثر من ذلك لا يؤمن بعضهم بالله سبحانه وتعالى ولو على سبيل الوجود ورفضوا بالتالي كل المعجزات‬
‫وكل المؤثرات المعنوية في هذا ال إنسان‪ ،‬بل وحرفوا القيم فالصدق عندهم هو بمقدار ما تستطيع أن ُتحقق مصالحك‬
‫في هذه الدنيا والقوة والشجاعة عندهم بمقدار ما تتغلب على خصمك ولو كان بالباطل فانحرفوا بكل المفاهيم والقيم‬
‫في هذا ال أمر‪.‬‬

‫وبالتالي المكاسب المادية هي التي ُتحدد مسار هذا ال إنسان فبمقدار ما يكسب هو بطل وقوي وهكذا‪ ،‬هذه الحضارة‬
‫المادية هي التي قد ُتترجم أفكارها~ و أفعالها و أهدافها وتصوراتها وهويتها من خلال الكثير والكثير من مسلسلات و أفلام‬
‫وبرامج وما ُيسمى ترفيه وما ُيسمى في واقع الحياة وفي رمضان بالذات خيمات رمضانية ومسابقات رمضانية باسم الترفيه‬
‫وباسم التسلية‪ ،‬هذا الجانب هو الذي طالما حذرنا القر آن منه عامة وليس فقط فيما يخص شهر رمضان‪ ،‬مثل ًا عندما‬
‫حذرنا ل ُيبصرنا ما حقيقة الدنيا إذا عاش ال إنسان لذات الدنيا ولذات الحياة ولذات المادة حين قال تعالى‪( :‬ا ْع َل ُموا َأ َّن َما‬
‫ا ْل َح َيا ُة ال ُّد ْن َيا َل ِع ٌب َو َل ْه ٌو َو ِزي َن ٌة َو َت َفا ُخ ٌر َب ْي َن ُك ْم َو َت َكا ُث ٌر ِفي ا ْل َأ ْم َوا ِل َوا ْل َأ ْوَلا ِد ۖ َك َم َث ِل َغ ْي ٍث َأ ْع َج َب ا ْل ُك َّفا َر َن َبا ُت ُه ُث َّم َي ِهي ُج َف َت َرا ُه‬
‫ُم ْص َف ًّرا ُث َّم َي ُكو ُن ُح َطا ًما ۖ َو ِفي ا ْل آ ِخ َر ِة َع َذا ٌب َش ِدي ٌد َو َم ْغ ِف َر ٌة ِّم َن ال َّل ِه َو ِر ْض َوا ٌن ۚ َو َما ا ْل َح َيا ُة ال ُّد ْن َيا ِإ َّلا َم َتا ُع ا ْل ُغ ُرو ِر) ومن ثم‬
‫صور حال هذا الذي ارتبط قلبه بالمادة والدنيا حتى في حالة الجهاد إذا ُدعي إليه تجعل هذا ال إنسان مشدود ًا إلى‬
‫الدون و إلى ال أض ومشدود ًا إلى متاع الغرور و إلى ما هو خداع في ذاته‪ ،‬هذه الحياة المادية وهذه النظرة المادية التي‬
‫ولدت طغيان الترف وطغيان الشهوة وطغيان المادة فولدت ال إستبداد وولدت الفساد بعد ذلك و أؤلئك الذين ينطبق‬
‫عليهم قوله تعالى‪َ ( :‬و ِإ َذا َأ َر ْد َنا~ َأن ُّن ْه ِل َك َق ْر َي ًة َأ َم ْر َنا ُم ْت َر ِفي َها َف َف َس ُقوا ِفي َها َف َح َّق َع َل ْي َها ا ْل َق ْو ُل َف َد َّم ْر َنا َها َت ْد ِمي ًرا) فلن تنال‬
‫الحضارة المادية بهذه المعاني إلا الدمار والسحق فسحقت ال إنسان وسحقت إنسانية ال إنسان فاستخدمت المر أة‬
‫كجسد ك أنها سلعة من السلع في الوقت الذي تدعي فيه أنها ُتحافظ على هذه المر أة أو ُتدافع عنها‪ ،‬وسحقت‬
‫ال إنسان فتجده مسحوق ًا في سوريا وتجده مسحوق ًا في بلاد المسلمين وفي فلسطين؛ هذا ال إنسان ُسحق ِل أنه يريد الحق‬
‫و ُيريد الحياة الكريمة ومن الذي يسحقه في الحقيقة؛ أؤلئك الذين يدعمون الباطل ويسكتون عن الباطل ويدعون أنهم‬
‫ُيمثلون حضارة ولكنهم يمثلون في الواقع حضارة مدنية هذه بعض صفاتها‪.‬‬

‫ولكن في الوقت نفسه نستطيع أن نقول إن هذه الحضارة لا في شقها المدني وليس في شقها الثقافي هنالك ما هو‬
‫ت أثير سلبي وهنالك ما هو ت أثير إيجابي‪ ،‬في الشق المدني منها كل إفرازات المدنية هذه من وسائل ال إعلام ومن وسائل‬
‫الاتصال ومن وسائل ترفيه وتخفيف عن هذا ال إنسان وخدمة لهذا ال إنسان‪ ،‬كلها ُيمكن لنا أن نستثمرها في ال إتجاه‬
‫ال إيجابي بما ُيعمق غذاء الروح وبما ُيكثف حضور ال إنسان المؤمن في هذه الحياة ل ُيبلغ رسالة الله~ سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫ومن هنا كان التحدي كبير ًا وكان التحدي خطيرا‪ .‬هل نستطيع أن ن أتي إلى هذه الحضارة في شقها المدني وقد أفرزتها‬
‫في جوانب كثيرة منها الحضارة في شقها الثقافي‪ ،‬و إن كنا نحن المسلمون أول من بد أ بالتقدم العلمي ولكننا نتكلم‬
‫عن واقع ال آن من ساهم أكثر في الجانب المدني ال آن هو تلك الحضارة المادية بشقها الثقافي‪ ،‬هل نستطيع أن ن أتي‬
‫إلى هذا ال إفراز المدني؟ هل نستطيع أن نحوله إلى جانب إيجابي في حياتنا فننتصر في هذا الصراع الخطير؟ هذا‬
‫السؤال الكبير الذي نحتاج أن نجيب عنه وكيف نواجه ذلك الهجوم الخطير من ِقبل الحضارة المادية ليسرقوا أوقاتنا‬
‫وعقولنا وثقافتنا وهويتنا و أوقاتنا وعباداتنا و أن يحرفونا عن مناهج هذا الدين بل أخطر ما كان من مفرزات الحضارة المادية‬
‫أنه في الحقيقة‪ :‬كيف استطاع بعضهم أن ي أتي إلى أناس ُيسمي بعضهم نفسه مسلما وبل ربما يدعي انتماءه إلى‬
‫علماء ال إسلام وحاشا لعلماء ال إسلام أن يكونوا كذلك‪ ،‬في أتي ليعرض لنا من خلال حضارته المادية وباسم ال إسلام‬
‫ُأناس ُشوهت صورتهم وهويتهم و أفكارهم وعقولهم فينسبون لل إسلام أمور ًا هي من الزور والبهتان بمكان‪.‬‬

‫ال آن عندما نربط بين الشق المدني والشق الثقافي فالحضارة المادية في شقها الثقافي تستغل الجانب المدني أعظم‬
‫و أخطر استغلال في ال إتجاه السلبي ل أنها في الغالب تقوم على الصورة الغاوية الخادعة وعلى الحركة السريعة وعلى‬
‫الصوت والضوضاء وال إنسان من ش أنه أن يت أثر بهذه الحركة السريعة والصورة الخادعة وال أضواء الخاطفة ف إذ ًا هذه‬
‫الحضارة قامت على هذا الجانب‪ ،‬كيف تجعل جانب ال إعلام وجانب مفرزاته الحضارة المدنية مستغل ًا لها في الصورة‬
‫والصوت والضوضاء إلى غير ذلك‪ ،‬لذلك حذر بعضهم إن هذه الحضارة الغربية في شقها الثقافي الذي هو أقرب إلى‬
‫المادي بشكل من ال أشكال يقوم على مبد أ استغلال الفراغ ليكون من وراء ذلك الانبهار والانصهار وال إنهيار‪ ،‬فهذه هي‬
‫التحديات الخطرة التي نواجهها اليوم‪.‬‬

‫حضارة هويتها ال إيمان بالله~ واليوم ال آخر‪ ..‬حصن المسلم المنيع أما الغواية وطغيان المادية‬

‫القر آن حذرنا من ذلك كله ورسم لنا كل التفاصيل الدقيقة في منهجهم وكيف يؤثرون وكيف تتدحرج ال أمور في حقنا‪،‬‬
‫عندما قال سبحانه وتعالى‪َ ( :‬و َك َٰذ ِل َك َج َع ْل َنا ِل ُك ِّل َن ِب ٍّي َع ُد ًّوا َش َيا ِطي َن ا ْل ِإن ِس َوا ْل ِج ِّن ُيو ِحي َب ْع ُض ُه ْم ِإ َل ٰى َب ْع ٍض ُز ْخ ُر َف‬
‫ا ْل َق ْو ِل ُغ ُرو ًرا ۚ َو َل ْو َشا َء َر ُّب َك َما َف َع ُلو ُه ۖ َف َذ ْر ُه ْم َو َما َي ْف َت ُرو َن * َو ِل َت ْص َغ ٰى ِإ َل ْي ِه َأ ْف ِئ َد ُة ا َّل ِذي َن َلا ُي ْؤ ِم ُنو َن ِبا ْل آ ِخ َر ِة َو ِل َي ْر َض ْو ُه َو ِل َي ْق َت ِر ُفوا‬
‫َما ُه ْم ُم ْق َت ِر ُفو َن)‪ ،‬حقيقة نحن بحاجة إلى أن نت أمل كثير ًا في هذه ال آية الكريمة من سورة ال أنعام‪ ،‬أول ال أمر عندما ي أتي‬
‫لفظ ُيوحي والوحي في حقيقته إعلام لكنه إعلام بخفاء أو سرعة أو على وجه خاص‪ ،‬إذ ًا ك أن وسيلتهم ال إعلامية التي‬
‫تقوم ابتداء على التواصل المطلق ومن أنواعه الصورة والصوت والضوء والضوضاء إلى غير ذلك‪ ،‬وفي ُيحي لفت نظر إلى‬
‫هذا المصدر المادي الخطير جد ًا في الت أثيرات المادية من الحضارة المادية في شقها المادي الثقافي في ال آخرين‪ ،‬ثم‬
‫عندما يقول زخرف القول ويصفه ب أنه غرور ويصفهم ب أنهم يفترون إذ ًا فهو الكذب وهو الخداع والاستكبار وهو التزيين‬
‫للباطل‪ ،‬فتلك وسائلهم التي يستخدمونها‪ ،‬ما الذي يحصل؟ يحصل أنه هنالك من يتلقى فكيف يتلقى هذا ال ُمتلقي إن‬
‫لم يكن ُمحصنا؟ فمن هذا الذي يتلقى؟‬

‫إذ ًا طالما أن الفرد ُمحصن بحضارة ثقافتها وهويتها ال إيمان بالله واليوم ال آخر وقيم ال إسلام العظيمة و أخلاق ال إسلام‬
‫العظيمة وعادات وتقاليد ال إسلام ال أصيلة و أعرافنا السليمة فطالما نحن ُمحصنون لن يؤثر فينا هذا ال إغواء ولن يؤثر فينا‬
‫هذا ال إغراء أو هذا ال إنبهار وهذا الانصهار‪ ،‬ولكن أولئك الذين غلبتهم مادياتهم وشهواتهم ف إذا كان التلقي منهم‬
‫سينتقلون إلى المرحلة~ الثانية فسيكون منهم القبول و إذا كان منهم ذلك فسينتقلون إلى المرحلة~ الثالثة وهو التنفيذ‬
‫والاستسلام والانهيار‪.‬‬

‫ف إذ ًا نحن ال آن لو نظرنا في معظم وسائل ال إعلام فضل ًا عما يكون في واقعنا المادي المباشر غير وسائل ال إعلام من‬
‫خيمات رمضانية وبرامج و أسواق استهلاكية وعروض تجارية هائلة جد ًا ليتحول ال إنسان إلى مجرد إنسان ي أكل ويشرب‬
‫وينام وهم ُيريدوننا كذلك‪ ،‬فكيف ننجو من هذا الفخ الخطير جد ًا جد ًا؟ الذي ُيراد منه ليس فقط إلغاء رمضان من‬
‫وجود المسلمين أو من الوجود أصل ًا لكن إلغاء المسلمين نفسهم و إلغاء وجود حضارتنا وهويتنا وثقافتنا في الواقع فهي‬
‫حرب شاملة في الحقيقة‪.‬‬
‫عندما ن أتي هنا إلى ال إفراز المدني لهذه الحضارة المادية في جانبه الثقافي نجد أنفسنا أمام سيل من ال إفراز الخطير‪،‬‬
‫ليس عندي إحصائيات ال آن ولكن لو قلت أنا أمام ساعة ربما قد تكون مفيدة ب أي نوع من أنواع الفائدة مقابلها إذا‬
‫افترضنا ‪ 100‬ساعة سموم ومن الخطر ومن التهديم لل أخلاق و إذا ما قلنا أخطر من ذلك بكثير‪ ،‬فضل ًا عن أن ت أثر‬
‫ال إنسان من جانب الحركة والصورة أكثر من ت أثره لمجرد أن إنسان ًا ُيعطي محاضرة ما‪ ،‬لو قارنا كم ُأنتج من ال أفلام‬
‫والمسلسلات ال إيجابية التي على سبيل المثال السلطان عبدالحميد إلى آخره بجانب ما ُيلقى لهذه ال أمة كل يوم من‬
‫ال أفلام التي تقوم على الفواحش ب أنواعها~ وغيرها من ال أمور الخطيرة والداعية إلى شيء من ال إلحاد ونحو ذلك‪ ،‬إذ ًا نحن‬
‫كما قال تعالى أمام شياطين ُيوحي بعضهم إلى بعض‪ .‬ف إذا كان الشيطان الذي هو من جنس الجن قد ُص ِفد في‬
‫رمضان ولكن شياطين ال إنس سنة كاملة وهم يخططون ويعملون ومن اليوم ال أول في رمضان يبد أون التخطيط لرمضان‬
‫ال ُمقبل والعياذ بالله~ و أحيان ًا ب أسماء براقة كالترفيه والتسلية أو المسابقات ونحو ذلك‪ ،‬من هنا يجب أن نس أل أنفسنا هذا‬
‫السؤال‪ :‬كيف نحصن أنفسنا ونحصن ال أمة ونغتنم هذا الشهر وننجح في هذا الامتحان الخطير في مواجهة الحضارة‬
‫المادية في شقها الثقافي؟ لا شك أن المفتاح في ذلك كله هو قضية مجاهدة النفس لذلك كان التوجيه الرباني دائم ًا‬

‫عند قوله تعالى‪َ ( :‬وا َّل ِذي َن َجا َه ُدوا ِفي َنا َل َن ْه ِد َي َّن ُه ْم ُس ُب َل َنا ۚ َو ِإ َّن ال َّل َه َل َم َع ا ْل ُم ْح ِس ِني َن)‪.‬‬

‫وحقيقة الصوم أنه يقوم على قضية مجاهدة النفس‪ ،‬أعظم طريقة لمجاهدة النفس ومقاومة رغباتك و إغراءاتك هو الصوم‪،‬‬
‫ِل أن الطعام في أصله مباح و أنت تمتنع ولا يراك إلا الله و إتيان ال أهل في ال أصل ُمباح ولكنه يمتنع ولا يراه إلا الله ف إذا‬
‫امتنع عن المباحات زمن ًا ِل أنه لا يراه إلا الله فتحقق معنى المجاهدة وتحقق معنى المراقبة وتحقق معنى ال إنضباط‬
‫وتحقق معنى الصبر وتحقق معنى ال إرادة‪.‬‬
‫عجب ًا لك أيها النسان تستطيع أن تنجح في ذلك كله عن طريق المجاهدة ثم لا تجاهد نفسك في مقاومة إغراءات‬
‫الحضارة المادية في شقها الثقافي ال إغوائي ال إغرائي‪ ،‬إذ ًا قضية مجاهدة النفس أول ًا وقضية كيف نغتنم الوقت؟ وكيف‬
‫نبرمج الوقت؟ وكيف نعرف أن لنا أهداف ًا ُنريد أن نصل إليها؟ وكيف ُنخطط لهذه ال أهداف؟ ف أنا قبل أن يدخل شهر‬
‫رمضان ُأخطط ماذا ُأريد من هذا الشهر؟ وما هو التغيير ال إيجابي الذي ينبغي أن ُأحدثه في نفسي وفي مجتمعي في‬
‫هذا الشهر على جانب ال أخلاق وعلى جانب الثقافة وعلى جانب ال إحسان وعلى جانب العطاء وعلى جانب هموم‬
‫ال أمة وعلى جانب قضايا ال أمة؟ إذ ًا لن يبقى وقت للسفاسف ول أؤلئك الذين ُيحاولون أن يسرقوا أوقاتنا أغلى شيء في‬
‫الوجود‪ ،‬ف إن هذا الزمن الذي أقسم الله فيه هو أغلى شيء في الوجود لا من حيث هو بل من حيث ما يكون فيه وفي‬
‫رمضان أغلى ما يكون‪ .‬فكيف يشعر المؤمن أن عليه أن يغتنم كل دقيقة في هذا الشهر حتى لا ُيهزم أمام هذه المعركة~‬
‫الخطيرة في الواقع‪ ،‬و أيض ًا أن يكون دائم ًا الوعي والحذر حاضرين في ذهن وعقل وقلب المؤمن حتى يعلم فعل ًا أنهم‬
‫ُيخططون كيف يسرقون وقتك ودينك وقلبك وعقلك وبالنهاية أمتنا ومقدساتنا جميع ًا‪ ،‬وهذا لن يكون إلا من خلال فهم‬
‫دقيق وصحيح‪ ،‬لذلك نجد كيف أنهم يعقدون حوارات دينية يستضيفون فيها أؤلئك الذين هم في حقيقتهم لا يمتون‬
‫إلى ال إسلام بصلة ولذلك مسؤولية كبرى لكل من قدره الله مالي ًا أو عقلي ًا أو فكري ًا أو إعلامي ًا‪ ،‬كيف نستطيع أن ُنقدم‬
‫البرامج الفعالة والهدافة التي تمل أ الفراغ‪ ،‬ف إن هذا الفراغ لا ُبد أن ُيمل أ ف إن لم تمل أه أنت فمن يمل أه‪ ،‬وكيف نزيح من‬
‫قلبنا هذه التعلقات المادية وهذه التعلقات الشهوانية‪.‬‬

‫دعونا نبد أ بقوله تعالى‪َ ( :‬أ َل ْم َن ْش َر ْح َل َك َص ْد َر َك (‪َ )1‬و َو َض ْع َنا َع ْن َك ِو ْز َر َك (‪ )2‬ا َّل ِذي َأ ْن َق َض َظ ْه َر َك (‪َ )3‬و َر َف ْع َنا َل َك ِذ ْك َر َك (‬
‫‪َ )4‬ف ِإ َّن َم َع ا ْل ُع ْس ِر ُي ْس ًرا (‪ِ )5‬إ َّن َم َع ا ْل ُع ْس ِر ُي ْس ًرا (‪َ )6‬ف ِإ َذا َف َر ْغ َت َفا ْن َص ْب (‪َ )7‬و ِإ َلى َر ِّب َك َفا ْر َغ ْب (‪ ))8‬فكيف يكون هذا‬
‫الانشراح؟ وكيف تكون هذه الهداية؟ فالانشراح كمال هداية وسكينة وطم أنينة فكانت البداية ووضعنا عنك وزرك‪،‬‬
‫و أيض ًا عندما نعود إلى سورة النور وهي تحدثنا عن هذا القلب ال إيماني كيف يكون‪ ،‬لابد أن أوجد البيئة الروحية‬
‫ال إيمانية الصحيحة في بيوت أذن الله أن ُترفع و ُيذكر فيها اسمه وحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه‬
‫التعلقات المادية والشهوانية التي تغرس في القلب فتدميه فتقتله عندما يقول‪ " :‬إذا أذنب العبد ُنكت في قلبه نكتة‬
‫سوداء ف إن هو نزع واستغفر وتاب ُصقل قلبه و إن هو عاد ِزيد فيها حتى يعلو قلبه الران وقر أ قوله تعالى‪( :‬كلا بل ران على‬
‫قلوبهم ما كانوا يكسبون)"‪ ،‬وفي الحديث ال آخر " ُت ْع َر ُض ال ِف َت ُن ع َلى ال ُق ُلو ِب كا ْل َح ِصي ِر ُعو ًدا ُعو ًدا‪ ،‬ف أ ُّي َق ْل ٍب ُأ ْش ِرَبها‪،‬‬
‫ُن ِك َت فيه ُن ْك َت ٌة َس ْودا ُء‪ ،‬و َأ ُّي َق ْل ٍب أ ْن َك َرها‪ُ ،‬ن ِك َت فيه ُن ْك َت ٌة َب ْيضا ُء‪ ،‬ح َّتى َت ِصي َر ع َلى َق ْل َب ْي ِن‪ ،‬ع َلى أ ْب َي َض ِم ْث ِل ال َّصفا فلا‬
‫َت ُض ُّر ُه ِف ْت َن ٌة ما دا َم ِت ال َّس َموا ُت وال أ ْر ُض‪ ،‬وال آ َخ ُر أ ْس َو ُد ُم ْربا ًّدا كا ْل ُكو ِز‪ُ ،‬م َج ِّخ ًيا لا َي ْع ِر ُف َم ْع ُرو ًفا‪ ،‬ولا ُي ْن ِك ُر ُم ْن َك ًرا‪ ،‬إ َّلا ما‬
‫ُأ ْش ِر َب ِمن َهوا ُه‪ ".‬إذ ًا هنا تحذيرات شديدة من الرسول صلى الله عليه وسلم من التعلقات المادية وخاصة الشهوانية التي‬
‫ُتفضي بنا إلى الذنوب وال آثام ل أنها ستقتل هذه الروح‪ ،‬لذلك ف إن ال إنسان عندما ُيكثر من الطعام يقتل نفسه في‬
‫الحقيقة ويقتل إمكانية المجاهدة فيه فتسيطر عليه الت أثيرات الغضبية والنفسية والشهوانية ونحو ذلك‪ ،‬لذلك عندما ي أتي‬
‫إلى الصوم ُيطهر نفسه جزئي ًا ويغذي الروح بالامتناع ابتداء لكن يكفي غذاء الروح ال إمتناعي هنا فلابد أن يكون معه‬
‫غذاء الروح المعنوي ولذلك كان ال إكثار من قراءة القر آن وكان قيام الليل وكان ال إحسان وهكذا ُتبنى هذه الروح من‬
‫جديد بغذائها الروحي المناسب‪.‬‬

‫وفي الختام أقول إن علماء ال أمة ال ُمربين السابقين قد لفتوا النظر إلى خطورة الت أثيرات المادية حتى لو كانت مباحة‬
‫فكيف إذا كانت محرمة على جانب التهذيب الروحي في ال إنسان‪ ،‬ومثال ذلك عندما قال بن عطاء السكندري وهو‬
‫ُيحذرنا من القضايا المادية وت أثيراتها‪" :‬كيف ُيشرق قلب صور ال أكوان منطبعة في مر آته‪ ،‬أم كيف يرحل إلى الله وهو‬
‫ُمكبل بشهواته‪ ،‬أم كيف يطمع أن يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته‪ ،‬أم كيف يرجو أن يفهم دقائق‬
‫ال أسرار وهو لم يتب من هفواته"‪ ،‬وحري بنا أن نقف مع هذه الكلمات الطيبة ولكن أقف فقط مع الجملة ال أولى‬
‫فالقلب في ال أصل فيه نوع في من الفراغ~ ماذا يملؤه؟ ف إذا ازدحمت فيه المادة وازدحمت فيه الشهوة وازدحمت فيه‬
‫الرغبات ال أرضية ماذا سيبقى إذ ًا؟ وهذا الذي عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم تعبير ًا مادي ًا حسي ًا لنكون أشد حذر ًا ألا‬
‫وهو الصد أ و إنه الران الذي يعلو القلوب~ فبالتالي ُتصبح هذه المر آة قد علاها الصد أ‪ ،‬فالقلب كالمر آة يتعرض ل أنوار ال إله‬
‫ويتعرض للقر آن~ وللنفحات الربانية ولكن إذا كانت كل القلوب ت أتيها هذه النفحات و إذا كان هذا القلب قد علاه الران‬
‫بما كسبت أنفسهم وباستسلامهم فكيف للنور بعد ذلك أن يصل للقلب؟ فلابد من جلاء هذا القلب لتصل ال أنوار‬
‫إليه‪ ،‬فبدايتها قرار و إرادة ومجاهدة وصبر ومصابرة وهذا رمضان و ُيحقق لنا ذلك كله إذا نحن أحسنا وضع خططنا‬
‫و أهدافنا ورؤيتنا وعلمنا ماذا يعني بالنسبة لنا رمضان؟ وكيف نستثمر رمضان؟ وكيف لا نسمح أن ُنهزم في هذه المعركة‬
‫الخطيرة معركة المادية من جهة والحق من جهة والنور من جهة والظلام والضلال من جهة أخرى؟ لنستطيع أن ننتصر‬
‫بعد ذلك في معارك ال أمة كلها في معركة تحرير القدس أو تحرير ال إنسان‪ ،‬فال إنسان الحقيقة اليوم بحاجة إلى أن ُيحرر‬
‫من هذه الحضارة المادية التي سحقت إنسانيته وسحقت روحه وروحانيته‪ ،‬نس أل الله أن ُيفقهنا و إياكم في الدين‬
‫وجزاكم الله خير ًا‪.‬‬

‫هذا المقال يعبر عن ر أي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن عمران‬

You might also like