Professional Documents
Culture Documents
سـلـوك الـروح
موقع الصحوة
http://www.sahwah.net
اإلهداء
1
المقدمة
احلمد هلل رب العاملني ،والصالةـ والسالم على سيدنا حممد ..بعثه اهلل تعاىل هداية ورمحة للعاملني ،وعلى
آله وصحبه والتابعني الذين اهتدوا هبديه واستنواـ بسنته إىل يوم الدين ،أما بعد..
فلكل كتاب قصة ،وقصة هذا الكتاب بدأت بواقعةـ حدثت معي بدار النشر والصوتيات باإلسكندرية،ـ
حيث كنت أجلس يف حجرة املكتبـ أحتدث مع أحد األخوة من الشباب جاء لزياريت ،فدخل أخ
واستأذن أن يتحدث معي يف موضوع خاص فاستأذنتـ وخرجت معه إىل حجرة أخرى وطال احلديث
بعض الوقت فلما عدت وجدت األخ غاضبا ألين تأخرت عليه.
أخطأت يف حقك؟ قال :نعم ،قلت :دعين أوضح لك األمر لنعرف من ُ فجلست وقلت له :تظنين
املخطئ يف هذا املوقف .املفروض يا أخي أن هذه احلجرة مكتيب وكل من يريد مقابليت أقابله هبا فإذا
جاء أحد األخوة وطلب مقابليت مقابلة خاصة يكون من الواجب عليك أن تستأذن يف اخلروج حىت
ينتهي من حديثه.
فإذا كان عدد املوجودين أكثر من واحد فعليهم أن يستأذنواـ يف اخلروج أو أخرى أنا .
فليس من املعقول أن كل من يريد مقابليت أقوم فأخرج معه فما قيمة املكتب إذا ! هذا يا آخي احلبيب
هو املتعارف عليه واملعقول واملقبول شكال وموضوعا.
كانت هذه القصة هي اليت أوحت إىل أن أبادر إىل كتابة ما يقع بيننا من مثل هذه املواقف اليت تبدو
لصاحبها ال شبهة فيها ،بينما هي تكون جمافية للذوق أو العرف .والعرف كثرياـ ما خيتلف بالنسبة للزمان
واملكان،ـ وأحيانا كذلك تكون بعض الكلمات يف بلد ما هلا مدلول مضاد يف بلد آخر ،وهذا يسببـ
لقائلها حرجا شديدا.
وملا كانت مثل هذه التصرفات تتكرر بدون توجيه إىل خطئها فإهنا تظل عادة عند صاحبها ،بل رمبا
تصبح الزمة يصعب تغيريها ،وبعض االخوة يالحظون هذه التصرفات فيسكتون عنها خجال ظانني أهنا
تصرفات عابرة وال داعي أن يصنع منها مشكلة تعكر صفو القلوب ..بينما الواجب تربويا أن يتدارك
هذا األمر من أقرب طريق وبأدق وأرقى ما يغرس احلب وحيافظ على اإلحساس والشعور بني االخوة
الذين أوجه هلم هذه النصائح أو التلميحات ،ليتذكرها وينتفعـ هبا أخ يف اهلل يدفعين حبه إىل أن أجنبه ما
استطعت الوقوع يف أي خطأ يتجاىف مع الذوق السليم ،وال ريب أين أيضا معىن هبذه التوجيهات فقد
أكون أنا هذا اإلنسان " :كل ابن آدم خطاء وخري اخلطاءين التوابون " صدق رسول اهلل صلى اهلل عليه
2
وسلم .وقد نبهنا عليه الصالةـ والسالم إىل كيفيةـ النصيحة فال تكون يف مواجهة جارحة والرسول صلى
اهلل عليه وسلم وأفعاله مثال للذوق الرفيع فكان ال جيابه خمطئا وإمنا يصعد فوق املنرب ويقول يف مثل هذه
املواقف " ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا " .وىف توجيهات اإلمام الشهيد حسن البنا كذلك جنده يقول:
(يا آخي لتكن نصيحتك تلميحا ال تصرحيا وتصحيحا ال جترحيا) ..هلذا فقد استخرت اهلل تعاىل وعزمت
على أن أسجل يف هذه الرسالة مناذج واقعية من هذه الصورةـ اليت عايشتها ومسعتها ،ال أقصد هبا إنسانا
بعينه ألهنا ليست وقفا على أحد بذاته لكنها وقائع تتكرر يف حركة احلياة.
وهذه املالحظات أو تلك التصرفات اليت حتدث منا أحيانا واليت قصدت تسجيلها ال متس جوهر
األخالق بل هي كالطالب الذي ينجح بدرجة ممتاز وآخر بدرجة جيد وآخر بدرجة مقبول واجلميع
ناجحون واحلمد هلل .بيد أهنم يف درجات النجاح يتفاوتون ،فكلنا نشرتك يف األخالق ونتفاوتـ يف
درجاهتا ،واآليات واألحاديث توضح هذا حني نقرأ قول الرسول الكرمي صلى اهلل عليه وسلم " :إمنا
بعثت ألمتم مكارم األخالق " ،وقوله " :إن أقربكم مين جملسا يوم القيامة أحاسنكم أخالقا املوطأون
أكنافا الذين يألفون ويؤلفونـ " .
وأعتقد أن الذوق هو األخالق حني ترتدى أمجل ثياهبا وهو عطر األخالق ونفحاهتا ..والذوق هو قمة
األخالق حني تتألق يف إنسان وتتجلى يف أحاديثه وتعامالتهـ اليت تنطوي على أمجل املشاعر وأنبل
العواطف ،فالذوق حركة من لطائف الروح وصفاء القلب ..والذوق هو سلوك الروح املهذبة ذات
األخالق املرضية.
وختاما فالذوق هو اإلنسانـ يف أهبى صورة وأرقى حضارة ،وصدق اهلل الذي عظم شأنـ رسوله بالثناء
على أخالقه {وإنك لعلى خلق عظيم} .
التليفون نعمة من نعم اهلل تعاىل يف هذا العصر ،فلقد طوى مساحة األرض يف ملح البصر .ورحم اهلل
عهد البعري واحلمام الزاجل والسفر الشاق لتوصيل الرسائل واألخبار .واليوم اهلاتف قد يسر لنا كل هذا
فضال عن أنواعـ االتصاالت املذهلة .وقد ال حنسن يف أحيان كثرية االستفادة منها ونسيء استعماهلا،
وقد عانيت من هذه اآللة بعض املتاعبـ فيما حتدث من أمور وتصرفات:
3
فقد يزورك زائر وال يلبث إال قليال حىت متتد يده إىل التليفون قائال " :تسمح التليفونـ ؟! " ،فال مناص
من أن تقول له " تفضل ! " ،ويبدأ حديثه بالسؤال عن أفراد األسرة واألقارب ،مث ميضي يف تبادل
احلديث الطويل معهم ،وخيتتم احلديث املسهبـ بكلمات قليلة هي بيت القصيد ! وكان ميكن أن يكتفي
هبا فال يطيل املكاملة.
وذات مرة زارين اثنانـ من بلد عريب ،واستأذنـ أحدهم ليتصل بأهله يف مكاملة دولية ،وأدار التليفون
وكما هي العادة مع األهل واألحباب ،طال املكثـ وكثر العتاب .وأنا أخرج حينا لعله خيتصر ويوجز،
والذين يتحدث إليهم يظنون أنه يتحدث من حسابه اخلاص فيتبادلون معه احلديث يف شجون وإطالة.
وما يكاد خيتتم حديثه وأتنفسـ الصعداء ،حىت يستأذن الثاين يف مكاملةـ وتستمر الرواية بنفس األسلوب
وتتكرر القصة وأعيشـ يف ضيق ،ال حزنا على ما سوف أدفعه من مبالغ كبرية فحسب ولكن أملا من هذا
التصرف البعيد عن اللياقة.
وال أكون مبالغا إذا قلت إن أحدهم نزل ضيفا على أحد االخوة واستعمل تليفونه يف مكاملات شخصية
خارجية جتاوزت قيمتها راتبه الشهري ! فتصور -أخي الكرمي -كيف تكون عالقة القلوب وحالة
اجليوب!
( لو كان حبيبك عسل ما تلحسوش كله)
خرج األخ من منزله صباحا يف طريقه إىل عمله فوجد بعض االخوة قد حضروا لزيارة زميل هلم فلم
جيدوه ،فدعاهم األخ لينتظروه يف مسكنه بعض الوقت فاستجابوا ،وحال جلوسهم استأذن أحدهم
ليتحدث تليفونيا خارج املدينة ..وبعد أن أهنى حمادثته أخرج ورقة بيضاء وأخذ ينقل أرقام التليفونات
اخلاصة املوجودة على املكتبـ دون أن يستأذن يف ذلك!! يف هذا الوقت كان أهل البيتـ قد قدموا هلم
التحية الواجبة.ـ وبعد ذلك قال هلم األخ املضيف إنه مضطر ملغادرة املسكن ليلحق بعمله ولكنه فوجئ
مبن يقول له :أنت تذهب إىل عملك وحنن نبقىـ هنا حىت يصل الذي ننتظره !! ..يقول األخ :إنه كاد
ينفجر غيظا ألهنم قد الحظوا أن ذلك السكن تشغله األسرة فكيف يسمحون ألنفسهم بالبقاء باملنزل
بعد انصراف رب األسرة ؟ لقد اتسع مفهوم العشم واحلب يف اهلل تعاىل عند بعضهم حىت جتاوز العرف
والعقل واملنطق!
أحيانا تأتىـ مكاملة تليفونيةـ من أهل بيت صاحب املكتب،ـ ونراه يتحدث إليهم بصوت منخفض مبا
يوحي أن املكاملةـ خاصة ،وىف هذه احلالة يستحب أن ينسحب احلاضرون ،إال إذا أشار صاحب املكاملة
إليهم أن املوضوع ال حرج فيه.
4
يتصادف أن جيلس أحد االخوة الزوار قريبا من التليفون ،وحني تأتى مكاملة يسرع ويرفع السماعة
وأمسعه يقول (أنا فالن) ،واملفروض أن يذكر اسم صاحب املكتبـ أو صاحب املنزل حىت يتأكد
للمتحدث أن الرقم صحيح فيطمئن ،فال حيدث عنده بلبلة حني يسمع امسا غري مألوف فيظن أنه أخطأ
الرقم ويغلق اخلط وينهى املكاملة.ـ
أحيانا تتداخل اخلطوط وتسمع حديثا بني زوج وأسرته أو غري ذلك ،وجند بعض الناس حيلو هلم
االستماع والتصنت،ـ وهذا يتناىف مع األخالق الفاضلة والقرآن الكرمي حيذر من ذلك {وال جتسسوا} .
اسمه علي:
ال يفوتين أن أنوه أيضا إىل بعض الذين يتصلون تليفونيا وال يكونـ يل حظ الرد على مكاملتهم ،فإذا سئل
عن امسه يقول :أخربوه أن (علي) اتصل ! وحني عوديت يقولونـ يل إن واحدا امسه علي اتصل بك ومل
تكن موجودا ..فإذا قلت :امسه (علي) إيه ؟ قالوا :علي فقط !!
أما امسه (علي) فقط فهذا حيتاج إىل كتالوج صويت أو موسوعة صوتية وهيهات !
آسفين لإلزعاج:
كثريا ما تسمع من حمدثك كلمة تقليدية (آسفني لإلزعاج) ،فإذا كان صاحبنا يعلم أن هذا احلديث يف
وقت معني يسبب اإلزعاج فلماذا جتاوز الوقت املناسب؟ وهلذا تعود كثريون أن يعزلوا التليفون يف
أوقات راحتهم أو نومهما ..فقد تعود أحدهم أن يفتح اهلاتف بعد احلادية عشرة مساء ويقول :آسفني
لإلزعاج ،فلما أفهمته أن صوت اهلاتف يف هذا الوقت مزعج ومقلق ،تأسف ،ولكنه عاود سريته األوىل
يف احملادثة هبذه الكيفية ،فلما عاتبتهـ بشدة قال :إنه يعود إىل بيته متأخرا وهذا هو الوقت الذي يناسبه !
فقلت له :وما ذنيب إذا اسرتحت أنت وأتعبتين أنا ؟! وأحيانا تكون بعض املكاملات من هذا النوع غري
ملحة وال ضرورية .
مكالمة ألمريكا+:
اتصلت أسأل عن صحة أحد اإلخوان،ـ فقيل إنه ذهب إىل أمريكا للعالج ،فحصلت على رقم تليفون
املستشفىـ ورقم احلجرة وكانت الساعة وقتئذ السابعة مساء ،فأدرت قرص التليفون،ـ وجاءين صوته
يسأل من املتحدث فقلت :فالن .وسألته عن حالته وصحته ومتنيت له عاجل الشفاء .وقطع احلديث
وسألين :الساعة عندكم اآلن؟! وىف احلال أدركت أنين قد وقعت يف خطأ ،إذ أن الساعة اآلن يف أمريكا
5
الثانية عشرة مساء ! فلم أنتبه إىل فرق التوقيتـ بني أملانيا وأمريكا ،فضال عن أنين أخاطب مريضا يف
حاجة إىل الراحة وهدوء البال ،وهكذا وقعت يف احملظور دون أن أدرى.
بعض أصحاب األعمال تزدحم مكاتبهم بالرواد ،وتأتيهم مكاملات تليفونية ويظل يستمع إىل حمدثه الذي
يطيل ،وكلما اقرتب من النهاية فتح جماال للحديث ،والرجل يف حرج شديد يريد أن ينهىـ احلديث،
ولكن صاحبنا ال يرد وال يشاهد هؤالء الذين حضروا إلهناء مصاحلهم ويظن أن صاحب العمل قد تفرغ
له وحده .
فعلى الذين ينفردون باحلديث مع مثل هؤالء أن يعلموا أن هناكـ الكثريين مثلهم هلم نفس احلقوق
والواجبات .فعليهم أن خيتصروا رمحة بغريهم .
ولعل من متام الذوق على الذي يبدأ احلديث أن خيتتم حديثه بنفسه.
الضيافة والزيارة+
الضيافة مسة من مسات اجملتمع العريب واإلسالميـ وخصيصة من خصائصه الفريدة يف العامل ،وأسلوهبا
ينضبط بضوابط أخالقية وشرعية على مستوى الفرد واجلماعة ،وكلما توافقتـ الضيافة والزيارة مع
التقاليد واألصول الشرعية قويت العالقات وتوثقت الروابط .
تعود كثري من الناس أن يفاجئوا أقارهبم أو أصدقاءهم بالزيارة ،فحينا جيدوهنم وتكونـ زيارة غري متوقعة
وغري حمسوبة ،فرمبا يكونونـ على موعد ملغادرة املنزل أو تكونـ لديهم من الظروف ما حيول دون إعطاء
الزيارة حقها ،ومع كل هذه العواملـ فال بد من استقباهلم بالبشاشة والرتحاب ..واملثل الشائع ( :القيين
وال تغديين ) ،والقرآن الكرمي قد نبه إىل وجوب االستئذان قبل الزيارة ،قال تعاىل{ :يا أيها الذين آمنواـ
ال تدخلوا بيوتا غري بيوتكم حىت تستأنسوا وتسلموا على أهلها } النور . 27 :
وقد حيدث للمضيف احلرج لظروف أسرية أو مادية أو ضيق يف السكن ،وهلذا جعل اهلل ملثل ذلك خمرجا
ومندوحة يف قوله تعاىل{ :وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم} النور. 28 :
6
وعلى املضيفـ يف مثل هذه الظروف أن يتصرف حبكمة ولباقة حىت ال يفسد ود القلوب .وعلى الضيف
أن يتقبل الرجوع عن الزيارة بصدر رحب .ولعل بعض االخوة ال يسرتيح هلذا ،واألوىل أن يعاتب
نفسه ويلزمها بأدب اإلسالمـ واهلل يقول احلق وهو يهدى السبيل.
بعض االخوة يتوجهونـ لزيارة أحدهم فيطرقون الباب عدة مرات ،وقد حددت اآلداب اإلسالمية قواعد
االستئذانـ يف زيارة صديق أو جار وذلك بالطرق أو استعمال (اجلرس) ثالث مرات فقط ،األوىل إلعالم
صاحب الدار أن هناك من يود زيارته .والثانية الستعجاله إذا تأخر .والثالثةـ مبثابة اعتذار بأنه سوف
يغادر املكان .مث ال يزيد على ذلك احرتاما ملشاعر صاحب الدار ،فقد يكون غري متهيئ لالستقبال ،أو
أن يكونـ غري موجود أصال يف املنزل .
وبعض االخوة ينصرف مث يعود بعد فرتة ويعاود ما سبق دون جدوى .وأنصح الزائر قبل أن يتوجه
للزيارة أن جيهز بطاقة يكتب فيها أنه قد حضر للزيارة ويأسف لعدم اللقاء مث حيدد فيها ما يريد أو حيدد
موعدا آخر أو يرتك عنوانهـ ورقم تليفونه كي يتصل به عند العودة.
ومن احلكايات اليت تروى يف مثل هذا الباب ما قرأته عن الشيخ عبد العزيز البشرى الذي ينفرد بأسلوبه
يف معاجلة مشكلة الزيارات املفاجئة ،فكان من عادته أن يضع عمامته وجبته خلف باب الشقة اليت
يسكن فيها .فإذا طرق أحدهم الباب لبس جبته وعمامته وأمسك عصاه ،فإذا كان الضيف مرغوبا فيه
استقبله أحسن استقبال وقال له :احلمد هلل الذي جاء يب من اخلارج اآلن .وإذا كان الضيف ثقيل الظل
وغري مرغوب فيه قال :احلمد هلل الذي جاء بك قبل أن أخرج ألنين على موعد اآلن !!
وبعض األفراد ممن عندهم فراغ -أو متسع من الوقت -يقضون وقتهم عند من ال جيد متسعا من
الوقت إلهناء ما تراكم عليه من واجبات (فالوقت هو احلياة) (فعاون غريك على االنتفاعـ بوقته).
وقد يتزايد الزوار وال يفكر الزائر األول يف االنصراف ألن (القعدةـ احلوت) وبعضهم وخاصة غري
املتزوجني ال حتلو هلم الزيارة إال يف وقت متأخر وغري مناسب ألهنم مل ميروا هبذه التجربة بعد ،واملثل
يقول ( :يا خبت من زار وخفف) ،وإذا أبديت بعض التلميحات تنبيهاـ جملافاة هذا السلوك للتقاليد
والعادات قيل لك (إننا حنبك يف اهلل تعاىل) !! وليس احلب يف اهلل تعاىل إال يف إظهار الذوق واألخالق
وضوابط العرف .وإذا نوهت إىل أن مثل هذه التصرفات ترهق وتضيع الوقت قيل لك( :اللي يعمل
مجل ال يبعبع من العمل) !! وهل أنا مجل؟ إمنا أنا…!
الضيف يشارك:
7
قال يل أحد االخوة أن ضيفا نزل عليه ومعه ابنه .وكان للمضيف ابن شاب قد غاب عن املنزل منذ
يومني ومل يتعرف على مكان تواجده مما سبب لألسرة قلقا بالغا .وقد عرف الضيف الكرمي ذلك
والحظ وشاهد مبلغ االضطراب الذي تعيش فيه األسرة ،ولكنه مل يبد أي شعور باملشاركة الوجدانية،ـ
ومل يشارك بأية كلمة مواساة،ـ وبعد أن قضى الوقتـ املناسب وقمنا حنوه بالواجب غادرنا ،ومل يتصل بنا
بعد ذلك ليسأل ويطمئن على غائبنا .وهكذا يقول املثل( :الذي حيب نفسه تكرهه الناس).
ضيافة األسرة+:
قد ينزل عليك ضيف ومعه أسرته ألكثر من يوم ،ولن تتحمل كثريا من املشاق إذا كان املنزل فيه متسع
مينع احلرج الشرعي من االختالط ،أما إذا كان األمر غري ذلك فإن عقبات كثرية حتول دون الوفاء براحة
اجلميع.
ولعل أكثر املتاعب تأتى من نوعيةـ الطعام الذي يقدم للضيوف يف هذه احلالة ،إذ أن البعضـ ال يرغب يف
نوع معني من الطعام ،واآلخر حيدد نوعا خاصا .واملضيفـ يف هذه احلالة ينفق بقدر ما تسمح به حالته
وليس بيته مطعما عموميا يلىب طلبات اجلميع ،ورسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول .." :فمن اشتهىـ
شيئا فليأكله ومن كره فليدع " .ودعا رجل من املسلمني رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إىل طعام من
اخلبز واخلل ،فما توقف رسول اهلل وما امتنع بل قال كلمة تليق بسماحة الضيف وحتافظ على شعور
املضيف …
فعن جابر رضى اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم سأل أهله اإلدام فقالوا :ما عندنا إال اخلل .فدعا
به فجعل يأكل ويقول" :نعم اإلدام اخلل ،نعم اإلدام اخلل" رواه مسلم .وقيل يف املثل( :بصلة احملب
خروف) .
كلمات البد أن نعيش مع مدلوهلا السامي يف الرتبية،ـ وعلى املضيف أن يقدم ما تيسر عنده من طعام وال
حرج عليه .وعلى الضيف أن يكون على مستوى االخوة فال يعترب ذلك انتقاضا من قدره .فإذا تكلف
املضيف فوق طاقته وظروفه املادية ورمبا الصحية كذلك عنده أو عند أهله ،فإن هذا التعامل سوف
يضيق أبوابـ اإلخوة وتصبح الزيارات أمحاال وأثقاال تقلل من مشاعر احلب واإليناس .ورسول اهلل صلى
اهلل عليه وسلم يقول لنا " :ال تكلفوا للضيف فتبغضوه " واملثل يتجاوب مع هذا املوقف حني تسمع:
(اللي يفتح بابنا يأكل لبابنا)( ،البري احللو دائما نازح).
وأحيانا يوجه أخ إىل إخوانه دعوة للغداء -أو العشاء -ويفاجأ صاحب الدعوة أن االخوة الكرام قد
اصطحبوا معهم بعض إخواهنم دون استئذانـ من صاحب الدعوة الذي يكون قد أعد مائدته على قدر
8
العدد الذي دعاه متجاوزا بعض الشيء ..فقد روى اإلمام أنس بن مالك أن قوما من أهل املدينة دعوا
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إىل طعام له وألصحابه وهم مخسة فأجاب دعوهتم ،فلما كان يف بعض
الطريق أدركهم سادس فماشاهم فلما دنوا من بيت القوم قال عليه الصالة والسالم للرجل السادس :إن
القوم مل يدعوك فاجلس حىت نذكر هلم مكانك ونستأذهنم! وىف رواية عن أىب مسعود البدري رضى اهلل
عنه أنه قال :دعا رجل النيب صلى اهلل عليه وسلم لطعام صنعه له خامس مخسة فتبعهم رجل ،فلما بلغ
الباب ،قال له النيب صلى اهلل عليه وسلم :إن هذا تبيعنا فإن شئت أن تأذن له وإن شئت رجع .قال:
بل آذن له يا رسول اهلل ،وهكذا يعلمنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم هذه اآلداب اليت حتمي اجملتمع
املسلم من التسيب وتضبط له قواعد السلوك.
وىف حالة الطعام يستحب أن ينتظر الضيوف حىت يبدأ املضيف بدعاء األكل (اللهم بارك لنا فيما رزقتنا
وقنا عذاب النار) فيدعوهم إىل تناول الطعام ،واإلشارة إىل هذا املعىن حني قال سيدنا إبراهيم عليه
السالم للقوم الذين هبطوا عليه{ :فقربه إليهم قال أال تأكلون} الذاريات .27 :
فهو الذي دعاهم إىل تناول الطعام.
الطعام عورة:
والطعام عورة لآلكل واملأكولـ على السواء ..فقد روى بأنه قد دعي أعرايب على مائدة أحد األمراء:
فقال له األمري وهو يرفع اللقمة إىل فمه :الشعرة يا أعرايب يف لقمتك ،وأراد األمري أن يسحبها من
لقمته ،فضرب األعرايب بيده قصعة الطعام وهو يقول :أتراقبين مراقبة من يرى الشعرة يف لقمة أخيه؟!
واهلل ما أكلت من طعامك قط ..فقال األمري :اسرتهاـ يا أعرايب مبائة من اإلبل ،فرضى األعرايب وهو
(معجلة) ؟!
يقولَّ :
وقيل إن أمريا دعا زائرا من الشباب إىل طعامه ،فقال الشاب لألمري إنه شبعان ،فدنا منه أحد حاشية
األمري وقال له :يا هذا ..إن الطعام مع األمري للشرف وليس للشبع !!
وقد حيدث حني تقدم شيئا ألحد من الزائرين أن تراه يسرع فيعتذر بأنه (لسه شارب قبل حضوره) ولو
أنه ارتشف قليال من هذا املشروب لكان يف ذلك جماملة للمضيف.
وقيل إنه من أدب املضيف أن حيدث أضيافه مبا متيل إليه نفوسهم ،وأال ينام قبلهم وال يشكو الزمان
حبضورهم ،وأن يبش عند قدومهم ويتأمل عند وداعهم وأال يتحدث مبا يروعهم وأال ينهر أحدا وال
يشتمه حبضرهتم.
9
دورة المياه (الحمام):
ومن التصرفات اليت تضايق الضيوف :دخول احلمام الوحيد يف السكن ..فبعضهم إذا دخل احلمام
ينسى أن هناكـ غريه يرتقب خروجه ليقضيـ حاجته ،وبعضهم يدخل احلمام ومعه كوب من الشاي
وآخر يدخل ومعه جريدة أو جملة والذي ينتظر يعيش مع املثل القائل (الصياد بيتقلى والعصفور بيتفلى).
10
عرفت زوجيت األمر قالت :واهلل إن األقارب ال يفعلون ذلك فإن أول أيام العيد يكون خاصا باألسرة ،و
زيارة هذا الرجل يف مثل هذا اليوم حتتمل تأويالت شىت ! ولكن كان ال بد من الصرب ،وجيب أن نتعلم
الصرب.
دعوة للغداء:
11
حدثين أخ يل فقال :أنه تعرف على شاب منذ شهرين ،وكان يقابلين يف املسجد وجيلس معي بعد الصالةـ
بعضا من الوقتـ مث ينصرف كل منا لشأنه ..ذات يوم فاجأين بقوله( :يا أخي أنا عازم نفسي عندك
على طعام الغداء) واألخ الكرمي ال يعلم عن حيايت الشخصية أي شيء ،فأنا أعيش مع أفراد أسريت
اخلمسة يف مسكن ضيق متواضع ،ومل يكن ذلك بالشيء الذي آملين ،بقدر خجلي وحرجي الشديد يف
كيفية االعتذار عن تلبية طلبه حيث مل يسبق يل أن تعرضت ملثل هذا املوقف..
فاملألوف إذا كان يريد توثيقا للعالقة أن يقوم هو بتوجيه دعوة الغداء فهو أعلم بقدراته وشئونه اخلاصة،
ولكنه كما أظن يريد أن يزيل الكلفة وخيتصر الوقت يف تدعيم الصلة هبذه الطريقة اليت رمبا تقضىـ على
الصلة ،وكما يقول املثل ( :جاء يكحلها عماها ) .
السكينة في الزيارة:
يروي األخ الكرمي أنه عاد إىل منزله مساء ،وحني دخل وجد زوجته مهمومة مغمومة ،وفتحت معه
احلديث فقالت :إهنا قد زارهتا اليوم سيدة ومعها ثالثة من أطفاهلا.
بدأ األطفال يف أول وقت الزيارة هادئني ملتزمني باألدب ،مث اشرتكوا مع ابنها الوحيد يف أدوات اللعب
اليت ختصه .مث اشتبكواـ يف عراك .مث ارتفعتـ األصواتـ واجلري وامتدت أيديهم إىل بعض أدوات الزينة
فكسروا بعضها وهم يتصاحيون فرحا وسرورا ..والسيدة والدهتم مل حتاول أن متنعهم أو تزجرهم بل
بدت متفرجة معجبة مبا يفعلون !! يف الوقت الذي بدت على وجهي عالمات الغضبـ ولكىن خشيت
أن أقول كالما قد خيرج عن اللياقة يف معاملة الضيف وأشد ما آملين قوهلا ( دول عيال صغريين ِ
وأنت
عارفة إن شقتنا ضيقة ودي فرصة علشان األوالد يلعبوا ) ،واستمرت الزيارة أكثر من ساعة وأنا أحتكم
يف أعصايب حىت مرت بسالم.
يقول األخ الكرمي :الواقع أن الشقة جعلت "للسكن" يعين للهدوء والراحة والسكينة .فضال عن واجبنا
يف أن تراعي ظروف اجلريان أسفل الشقة ،فقد يكونـ منهم الشيخ الكبري أو املريض أو من يستذكر
دروسه أو غري ذلك من ظروف احلياة.
وأقول إن الضيفة هي اليت خرجت عن حدود اللياقة وجتاوزت حدها وحقها وخرقت القانون الشرعي
يف مثل هذا املوقف ،فإن للزيارات قانونا وعرفا وأخالقا ! وإن بعض السيدات يقمن بفتح الدواليبـ
واألدراج حىت أدوات املطبخ!!
فهل هذا جيوز أو يليق؟!
12
أصول الضيافة:
طلب أحدهم من صديقه أن يستضيفه يف (شقته) على الشاطئـ فرتة من إجازة الصيف واستجاب
الصديق وأعطاه مفتاح الشقة اليت تركها نظيفة ومرتبة .وجاء الضيف ومكث بالشقة عدة أيام يف راحة
واستمتاع باجلو واملاء واهلواء ،واستخدم التليفون والبوتاجاز والتليفزيون.ـ
وملا انتهىـ من سياحته هو وأسرته املكونةـ من ستة أفراد توجه إىل صديقه ليقدم له عبارات الشكر
واالمتنانـ ويسلمه مفتاح الشقة .وبعد أن توجه صاحب الشقة ليقضى إجازته اليت تأخر عنها هذا
الوقت تكرميا لصديقه العزيز ..وما أن فتح باب الشقة حىت هبت عليه رائحة كريهة امشأز منها حىت إذا
دخل فوجئ بالزبالة املرتاكمة ..وأكثر املفروشات مبعثرة وبعض الكاسات والصحون حمطمة .ودورة
املياه قذرة وقد فعل األطفال ما حيلو هلم .صدم صاحبنا وأصابه الوجوم ..ومسع من زوجته وأوالده
نقدا ولوما شديدا على موافقتهـ على مثل هذه الضيافة.
وىف احلال تغريت صورة صديقه الضيف إىل صورة غري حمببة إىل نفسه ،وأدرك أن املظاهر اخلارجية شيء
والرتبية والسلوك شيء آخر ،وأول ما دار يف ذهنه ( توبة من دي النوبةـ ) وعزم على أن ال يعود ملثلها
أبدا.
والواقع أن بعض الناس يعيشون يف جاهلية اجتماعية وال يقدرون قيمة ما يقدم هلم من خدمات ،وكانوا
يستطيعون لو أحسنوا أن تقوى هبا الروابط وتدوم هبا العالقات وتزداد هبا اإلخوة ،ولكن هكذا يفقد
بعض الناس األصدقاء مبثل هذا التصرف الرديء.
بعد الغداء:
دعينا للعشاء عند أحد االخوة الكرامـ وكان كرميا للغاية ،فأنواعـ الطعام مت إنضاجها بالفرن .ومن عادة
االخوة يف هذا البلد العريب أهنم ال يقدمون الطعام مجلة واحدة ،ولكنهم يقدمون أنواع الطعام على
دفعات .والنوعـ األول يكونـ خفيفا والثاين والثالثـ حمشوا باجلوز واللوز واملكسرات،ـ فالذين ال يعرفون
هذا التقليد فإهنم يشبعون من الدور األول ويضيع عليهم ما يدخر من أطايب الطعام يف األدوار القادمة.
املهم يف هناية الطعام يستحضر املضيف لضيوفه قامسى (طشت وإبريق وصابون) وميسك بنفسه اإلبريق
ومعه فوطة ويقوم بصب املاء ليغسل كل منا يديه.
صاحب البيت مع علو قدره ومكانته يصر على أن يقوم هبذا الواجب..
وقد راعين أن بعضا منا مل يكتف باملضمضة اخلفيفة ولكن أخذ يف املضمضةـ الثقيلةـ والبصقـ يف اإلناء يف
مواجهة املضيفـ الكرمي !
13
يف مثل هذه احلالة ميكن لإلنسان أن يستغين عن املضمضة حلني عودته إىل منزله ويكتفي بالصورية
احرتاما لصاحب الدعوة.
14
يصلي .فضحك واضطررت أن أخفف وقلت يف نفسي ( :أهل السماح مالح) ،وقلت لألخ الكرمي:
(إذا كنت تريد أن تصاحلين تغديين غداء إسالميا)ـ وذهبنا إىل مطعم أخ جزائري قدم لنا طعاما شرقيا
شهيا .وتوجهنا إىل املركز اإلسالمي الذي وجدته يف حالة ترميم وإصالح على قدم وساق وأدخلين
األخ حجرة صغرية فيها مكتب وتليفون ومنضدةـ تصلح أن تكون سريرا ودعاين للمبيت فيها -وكانت
درجة احلرارة حتت الصفر -فاعتذرت فليس يف الدار عوامل تدفئة ..ونزلت يف أحد الفنادق اجملاورة
اجملهزة بكل وسائل الراحة .وهكذا كثريا ما يتعامل االخوة الشباب مع االخوة الشيوخ بأسلوب
الشباب غافلني عوامل السن والصحة ظانني أن شيوخ اإلخوان وقد حتملوا احملن والشدائد فهم على
استعداد دائم هلذه احلالة يف أي وقت وعلى كل وجه ..وهذا ليس من سنة اهلل يف خلقه ،ودوام احلال
من احملال .
زائر من الكويت:
اتصل يب أحد االخوة املصريني وهو يعمل موظفا بدولة الكويت ،وقال يل إن أحد إخوانه له ابن طالب
يف اجلامعة يريد أن يقوم برحلة سياحية يف أملانيا وملا كان ال يعرف أحدا هناك ليستقبله ويساعده فقد
طلب مين أن أستقبله عند وصوله بالطائرة على مطار فرانكفورت وهو مطار هائل حيتاج إىل دليل .
وفعال توجهت إىل املطار ومعي األخ صالح اجلعفراوي يف سيارة خاصة ،ويف املوعد هبطت الطائرة
وترقبنا خروجه من البوابةـ وقد أعطوين أوصافه -حيث مل يسبق يل به معرفة -وخرج شخص تنطبق
عليه هذه األوصاف .فلما أقبلت عليه إذا به يتجه إىل األخ صالح يعانقه بأشواق حارة ،إذ كان يعرفه
من قبل ومل يكن األخ صالح يتوقع ذلك ،واستغرقـ يف عواطفهـ ونسي أن هناك من جاء له خاصة
الستقباله ،حىت نبهه األخ صالح إىل امسي ،فمد يده يصافحين بدون حرارة .ووجدت نفسي يف موقف
غري الئق ..وتركت هذا الضيف لصاحبه يقوم بواجباتهـ وذكرت قول اهلل تعاىل {أن رآه استغىن} واملثل
الذي يقول ( :اللي موش يف القلب عنايتهـ صعب ) .
قال أبو يزيد ( : )1()1قم بنا حىت ننظر إىل هذا الرجل الذي قد شهر نفسه بالوالية،ـ وكان رجال
مقصودا مشهورا بالزهد ،فمضينا إليه فلما خرج من بيته ودخل املسجد رمى ببصاقه جتاه القبلة .
فانصرف أبو يزيد ومل يسلم عليه .وقال :هذا غري مأمونـ على آداب رسول اهلل غري فكيف يكون مأمونا
على ما يدعيه .
( )1( )1()1من كتاب يف منازل الصديقني :صفحة ( )10لألستاذ سعيد حوى .
15
بسيف الحياء:
شكا يل أحد االخوة الطالب أنه كلما ذهب مع إخوانه يف طريقهم إىل الكلية قدموه ليدفع تذاكر
املواصالت على أن يتبادلوا ذلك يف املرات القادمة ،ويتكرر هذا األسلوب ويتحمل وحده مثن التذاكر
ويتهربون ! ويتمادون أكثر حني يدخلون يف حجرته وهو غائب ويأخذون بعض ما يرد إليه من أهله من
مأكوالت ويفتحون حقائبه ،كل ذلك دون استئذانـ أو اعتذار وإذا غضب ووجه إليهم عتابا اختذوا من
ذلك فرصة للضحك وتغطية املوقف.
مثل هذه التصرفات غري الئقة وغري كرمية وإن ما يأخذون بسيف احلياء يورث الكراهية ،وال تستمر مع
هذه التصرفات زمالة أو صداقة ..فقد قيل ( :شرط املوافقةـ قبل املرافقة) .
16
من آداب الزيارة:
من لذلك الذي جاء يطرق باب أخيه يف الواحدة صباحا فيزجره بأنه روع أخاه ؟ بل وروع معه زوجة
أخيه وأبناءمها مجيعا ؟؟!
لقد أمر األخ املروع -حني مسع الطرقات على الباب -زوجته املروعة بدورها أن تعد له حقيبته على
عجل إذ أن زوار الفجر على الباب ..وانتابت الزوجة نوبة شديدة من الفزع كادت معها أن تسقط
املروع أن فوجئ به يعتذر له بأنـ الوقت متأخر
مغشيا عليها ،مث مل يلبث األخ حيث فتح الباب للضيف ِّ
وأن أمرا عاجال هو الذي دفعه للمجيء يف هذا اهلزيع األخري من الليل ..وإذا باألمر تافه وباخلطب ليس
جبلل ..وإمنا هو فساد الذوق ..بل انعدامه ،وافتقاد لألدب اإلسالمي الرفيع ذلك الذي يأمر
باالستئناس ..أي ختري الوقت املناسب واستشعار الضيف أنه سيكون مرغوبا فيه حني الزيارة .
حساسية +مفرطة:
تعود أن يزور صديقه التاجر يف حمل جتارته وكثريا ما جتئ جلسته جبوار درج املكتبـ (اخلزنة) الذي يضع
التاجر فيه أوراقه املاليةـ يف البيع والشراء ،وحيدث أن يطلب من صاحب احملل أن يرتك املكتب لشئون
17
العمل فيقوم بإغالق الدرج ويأخذ املفتاح معه ،حىت إذا رجع عاود عمله بفتح الدرج مرة ثانية وثالثة
حاسب ظروف العمل .والحظ صاحب احملل أن صديقه مل يعد يزوره كاملعتاد ،وحني استفسر عن
ظروفه من صديق هلما قال له :أن صديقنا يقول إنه كلما زارك يف احملل ،وحني تقوم تغلق درج املكتبـ
اخلاص بالنقدية مرارا وهو جالس إىل جواره فشعر أنه غري مؤمتن وأخذ على خاطره من هذا التصرف.
فقال له صاحب احملل :إن صديقنا هذا حيمل املوضوع أكثر من الواقع ،فالعمل التجاري له أصول ال
جتامل األصدقاء ،ولن أترك الدرج مفتوحا عند مغادريت املكتب ،وسوف يكونـ فيه قلق بالنسبة
للطرفني ،وإذا حدث أي خطأ يف احلسابات فالظن رمبا يفسد املودة ..هلذا كان من الواجبـ أن نقطع
الشك باليقني حمافظة على سالمة القلوب .
18
يتميز توجيه القرآن الكرمي باألدب العايل والذوق الرفيع الذي يتحرك به املسلم يف كل املواقف وكل
احلاالت .
وقد أرشدنا اهلل تعاىل إىل هذا كمنهج سلوك حضاري يتميز به اجملتمع املسلم ،وأرسى هذه القواعد
حىت يلتزم هبا كل مسلم يف سلوكه وأخالقه .
واآلية الكرمية تضع هذه القواعد اليت ترشد األبناء أال يدخلوا على آبائهم وأمهاهتم يف خمادعهم قبل
االستئذانـ .حددت اآلية الكرمية ثالث مواقيت حيظر فيها على االبن الدخول على أمه أو أبيه يف
فراشهما إال إذا أذنا له وهى الفرتة اليت تقع قبل صالة الفجر ،والفرتةـ اليت خنلد فيها إىل الراحة بعد
الظهرية ،والفرتة اليت تلي صالة العشاء وتستمر طوال الليل .وقد دهش أحد الصحابة عندما نزلت هذه
اآلية الكرمية فقال للرسول عليه الصالة والسالم:ـ هل أستأذن على أمي يا رسول اهلل؟ فقال :نعم ..فقال
الصحايب :ولكنها أمي فكيف أستأذن عليها ؟ فقال له صلى اهلل عليه وسلم يف مساحة :هل حتب أن
ترى أمك عارية ؟ فأجاب :ال .فقال :إذن جيب أن تستأذن قبل الدخول عليها يف هذه األوقات.
زيارة المريض:
كانوا معا يف رحلة سعدوا واستمتعوا هبا .عاشواـ يف نزهة ورياضة ،وفيما هم الهونـ يلعبونـ أصيب
أحدهم بشرخ يف ساقه فنقلوه إىل املستشفى وأبلغوا أهله بذلك .وتوالت عليه الزيارات باملستشفى مث
بدأت تقل حىت كادت تتالشى ..وظن كل واحد من إخوانه أنه هو الوحيد املقصر يف حق أخيه وما
درى أن اجلميع يظنونـ ذلك .وبقى املريض املسكني يتنسم من بعيد عبري تلك املشاعر اليت كان ينعم هبا
بني إخوانه ولكن مل يعد لذلك سبيل.
فليس من كرامة اإلنسان أن يستجدى زيارة من إخوانه ،ومتضى األيام ويعيش هذا اإلنسان يف غربة
وكربة تزيد من مرضه وآالمه .وكثريا ما قرأ ومسع ما ورد يف احلديث القدسيـ عن رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم " ..يا عبدي مرضت فلم تعدين ،قال :يا رب كيف أعودك وأنت رب العاملني ..قال :إن
عبدي فالنا قد مرض فلم تعده ،أال إن عدته لوجدتين عنده ".
وأحيانا يزامل أحدنا اآلخر وحتدث ألحدهم مشكلة حتتاج إىل تعاون من صاحبه ومشاركته ظروفه
الطارئة ومالزمته يف حمنته ..ولكن يف غمرة هذه الظروف ال تعرف كيف انسلخ صديقه من املوقف كما
يفلت السهم من الرمية وكأن مل تكن بينهما سابقة مودة.
ورسولنا صلى اهلل عليه وسلم يقول يف حديث معناه " :من حسن مماشاة املرء ألخيه املسلم أن يقف له
إذا انقطع شسع نعله ".
19
موعد زيارة المريض :
مرض األخ أمحد حيدر بالقلب ودخل قسم اإلنعاش يف مستشفى التأمني الصحي باإلسكندرية.ـ وجاء
أحدهم لزيارته ألكثر من مرة وقيل له :إن الطبيب املعاجل أمر بعدم الزيارة والتحدث معه .فقال :إنين
أحبه يف اهلل وأريد أن أراه ولن أجعله يتكلم ،سوف أكلمه أنا وأعفيه من احلديث .قالوا له :إن احلاج
أمحد ال يريد أن يقابل أحدا .قال :ال بد أن أمسع ذلك منه بنفسي ،فاضطر املرافق أن مينعه.
والعجيب أن هذا اإلنسان اعتاد أن يزور إخوانه يف وقت متأخر ويعتذر أن ظروفه ال تسمح إال بذلك
وهو يعلم أن أكثرهم متزوج ومواعيد أعماهلم مبكرة ،فرتاه جيلس ويتحدث عن نفسه ومشروعاته ما
وسعه اجلهد من احلديث ،والذي يستمع له يصيبه اإلعياءـ .وقد تقول له يف سياق احلديث :إنك على
موعد للسفر صباح الغد ،أو إنك كنت عند الطبيبـ للعالج ،كل هذا ال يدعوه إىل الرحيل إال إذا
صارحته بأنك على موعد مع النوم.
20
التخلف عن الحضور في المواعيد
إن من أخطر األمراض االجتماعية اليت أصيب هبا اجملتمع هو مرض (التخلف يف املواعيد املقررة) مما
يسبب للذين ينتظرون اضطرابا نفسيا ،مثلما حيدث إذا غاب االبن أو االبنة عن موعد عودهتما من
املدرسة .كما يسبب التخلف يف ضياع كثري من الوقت يف غري فائدة أو إنتاج ،ويضعف الثقةـ بني
اإلخوان واألصدقاء ويتسببـ يف صعوبة ضبط احللقات وربط بعضها ببعض مثلما حيدث إذا تأخر قطار
عن موعده فيرتتب على ذلك خلخلة يف كل املواعيد .وانتظام شئون احلياة ال يكونـ إال بضبط الوقت
كما هو احلال يف دقة ضبط مواقيت الصالة.ـ
وجتربيت يف هذا الشأنـ طويلة ومريرة ،فعدم احلضور يف امليعاد املتفق عليه يسبب يل القلق والتوتر وقد
أتوقف عن املنهج اليومي،ـ اللهم إال إذا تعارفنا على أنه إذا تأخر أحدنا عن املوعد من مخس إىل عشر
دقائق يكونـ األخ املنتظر يف حل من املوعد ،أما احلالة اليت مل يكن فيها مثل هذا االتفاق فإين يف املوعد
احملدد أكون يف قمة السعادة واالنشراح ،فإذا حترك عقرب الساعة بعد ذلك يأخذ شعوري يف اهلبوط
حىت يتالشى ،فإذا جاء صاحيب بعد ذلك كانت املقابلة جافة وحتولت إىل عتاب ولست أنا السبب يف
ذلك.
جاءين أحد اإلخوة الكرام ودعاين لزيارته يف بيته وحدد لذلك الثامنة،ـ ويف املوعد كنت مستعدا للخروج
معه ولكن الساعة بلغت العاشرة ومل حيضر ولكنين راجعت نفسي فرمبا يكون املوعد هو الثامنة مساء،
وأسرعت إىل املنزل قبل الثامنة مرتقبا حضوره ولكنه مل حيضر حىت الصباح .ومل يصلين منه بعد ذلك أي
اعتذار .وسألت عنه رمبا يكون له عذر ال أعرفه فلم أجد له عذرا ..إن هذا املوقف أليم شديد الوقع
على النفس فقد ضاع الوقت يف مشغلة نفسية دون مربر .
وأدهى من ذلك وأمر أن بعض اإلخوة يطلبون منك أن تدعوهم إىل الغداء ويتحدد املوعد حبضورهم
ويوافقونـ عليه ،وآخذ األمر بقوة وأجهز املائدةـ هلذا العدد وأكثر من باب االحتياط ..ويقرتب الوقت
وال حيضر إال نصف العدد ..فإذا سألت واحدا من الذين ختلفوا عن احلضور ،فإنه يقول لك ببساطة :
"دا أنا كنت فاكر إن كالمنا معك كان ه ْذ ًرا " أي هذر هذا الذي يكلف اإلنسانـ وأهل بيته هذه
الصدمات بعد أن أرهقوا أنفسهم يف االستعداد هلذه الزيارة والتجهيز هلا ؟!
21
وأذكر أنين وبعض اإلخوة دعينا للطعام بعد يومني يف الساعة الثانية ووصلنا يف املوعد ،وجلسنا ندخل يف
حديث ونصله حبديث آخر قتال للوقت وبعد حوايل ساعتني دعينا للطعام .وال شك أن هذا الوقت
الضائع قد أوجد شعورا بالضجر ،حيث كان لنا ارتباطات أخرى .حىت لو أن الطعام جاء يف املوعد
احملدد فإنه ما كان علينا أن نطيل اجللسة حىت يتفرغ أصحاب الدعوة لشؤوهنم اخلاصة.
وقد عافانا القرآن الكرمي من احلرج فقد أوضح لنا أميا إيضاح هذه األمور اليت ختتص باملعامالتـ النفسية
واإلنسانيةـ حني يصعب على اإلنسانـ املصارحة هبا ،حيث جاء يف سورة األحزاب {يا أيها الذين آمنواـ
ال تدخلوا بيوت النيب إال أن يؤذن لكم إىل طعام غري ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم
فانتشروا وال مستئنسني حلديث إن ذلكم كان يؤذي النيب فيستحيي منكم واهلل ال يستحيي من احلق }
[األحزاب ، ]53 :وهكذا كانت اآلية الكرمية دستورا أخالقيا يهذب طبائع اجملتمع املسلم ويوفر معاناةـ
تقدمي األعذار ومينع اإلحراج .
وكثريا ما تضطرب املواعيد وختتل الزيارات حني يعتمد الزائر على الذاكرة يف معرفة العنوان املتوجه إليه،
فقد يتحمل أعباء السفر الطويل معتمدا على ذاكرته وحني يصل يضل الطريق ،وعبثا حياول أن يصل
فيعود أدراجه دون أن يؤدى أي واجب ،واحتياطا ملثل هذا املوقف البد من أن يتأكد من العنوان ولو
برسم كروكي ،ويأخذ رقم التليفونـ إن وجد .وأحدهم يأيت للزيارة معتمدا على عنوان فقط ،فإذا وجد
صاحبه قد غادر هذا العنوان فال مناص من العودة .وكم يكون مؤملا لو أن هذا اإلنسان ليس معه ما
يكفيه وال يعرف أحد غري الذي جاء لزيارته.
التعارف
موقف في التعارف:
تعرف إىل من تلقاه وإن مل يطلب منك ذلك .هكذا تعلم اإلخوان من وسائلهم يف نشر الدعوة ،ولكن
ليس هكذا بدون مناسبة مع مالحظة الوقتـ والصحبة .فقد حدث أىن كنت أسري مع ضيف من إخوان
القاهرة وتقابلنا يف الطريق مع أحد اإلخوة الذي فاجأين بقوله :أحب أن تعرفين باألخ الكرمي ،ومع أىن
22
أحفظ اسم األخ الضيف جيدا إال أىن نسيت امسه يف احلال ،وارتج علي وتصببتـ عرقا واستلهمت اهلل
أن يذكرين ،ودخلت مع األخ يف حديث جانيب حىت يلهمين اهلل االسم ووفقين اهلل أخريا وخرجت من
احلرج وتعلمت أنه يف مثل تلك الواقعةـ أن أقول له ( :هي فرصة طيبة أن تتعارفا معا ) وأرى أنه من
املستحسن أن يكون التعارف يف مثل هذه احلالة مرتوكا لألخ املضيفـ إذا رغب يف ذلك.
ومن املواقف احملرجة يف التعارف أن تسأل أحدهم :أأنت طالب يف اجلامعة؟ فيقول لك :بل طالب يف
الثانوي! وتسأل آخر :هل أنت طالب يف الثانوي؟ فيقول :بل طالب يف اجلامعة أو موظف فتقع يف
التناقض .هلذا تعلمت أن أجعل السؤال على الدوام (األخ يف أي مرحلة اآلنـ ؟) وهكذا أخرج من احلرج
وكما يقولون اخلسارة تعلم (الشطارة) املهارة.
أنت مش عارفني؟
ال يشك من يعرفين من إخواين أين أحتفظ بذاكريت بأمساء الكثريين منهم .وعلى األقل ال أنسى أشكاهلم
ورمبا أصواهتم وبعض العادات اليت تالزمهم.
ومع حسن ظن إخواين األحبة ،فإن التغيري يف احلياة من سنن اهلل تعاىل يف خلقه.
فأحيانا أرفع مساعة اهلاتف فأعرف حمدثي من أول لفظ ينطقه وكذلك أعرف شخصية طارق الباب من
إحدى عاداته اليت تالزمه .وأحيانا يقابلين أحد اإلخوة باألشواق واألحضان فيحس باالستغراب ..
ويقول يل " :أنت مش عارفين " فأنساه يف احلال مث يتابع ويقول " :إزاى تنساين " ،فأستغرق يف
التوهانـ وال أتذكر شيئا!! ويصر على موقفه ،مع أن واجبه يف هذه احلالة أن يرق حلايل وخيرجين من هذا
املأزق ،مث يقول " :يا أخي احنا تقابلنا منذ مخس سنوات عند األخ فالن! " وأيضا ال يذكر امسه كأنين
ال أذكر اسم هذا الفالن ظنا منه أنين لو تذكرت األخ فالن يكون هذا كافيا.
فأقول له :احلمد هلل إن ذاكرتك متأخرة مخس سنوات ! وأنا يف احلقيقة ال أعرف أكلت إيه امبارح .
تصلين أحيانا بعض الرسائل ويكتب املرسل امسه يف هناية اخلطاب "توقيعا" فقط ،وكذلك ال يكتب
عنوانه ورمبا ال يكتب تاريخ الرسالة أيضا.
وأحاول أن أستنبطـ من كلمات اخلطاب كلمة أو عبارة مألوفة عنه تدلين عليه فال أجد .وأراجع خطه
لعلى أحتفظ بصورته يف ذهين فال أتوصل (كأنـ عندي سجل توقيعات األصدقاء) فاملعروف أن التوقيع
23
يقتصر على الشيكات والعقود واألوراق الرمسية باإلضافة إىل كتابة االسم بوضوح جبوار التوقيع ،أما
اخلطاب فالواجب أن يكون االسم مكتوبا بوضوح ليسهل التعرف عليه والرد على رسالته.
مما يدفعين أخريا إىل االحتفاظ بالرسالة عساي أهتدي إليه.
قيادة السيارات+
يقولون إن قيادة السيارات فن وذوق ،وأضيف أيضا :وتواضع ،ألن كثريا من أصحاب السيارات
الفارهة يلبسهم شعور األنانيةـ واالستعالء ،وعلى قدر قيمة السيارة املادية وعالمتهاـ التجارية العامليةـ بقدر
ما يتصور أن ما دون ذلك جيب أن يفسح له الطريق ،حىت أن أصحاب ورش إصالح السيارات يقدرون
أتعاهبم تبعا لقيمة السيارة وليس تبعا للجهد الذي يبذلونه!
فالسيارة اليت تطل من طريق جانيب على شارع رئيسي يظل صاحبها يرتقب من يتكرم فيوسع له الطريق،
غري أن السيارات تسرع دون مباالة .فالذوق والتعاونـ اإلنساين يوجب إعطاءه فرصة فكلنا ذلك الرجل،
وما أمجل وأمتع حني تراه وتسمعه يبتسم لك بإشارة أو كلمة شكر ،وما أمجل أن تسمع كلمة سيدنا
عمر بن اخلطاب حني يقول( :ثالث يصفني لك ود أخيك :أن تبدأه بالسالم وأن تناديه بأحب األمساء
إليه وأن تفسح له يف اجمللس) كما تفسح له يف الطريق.
فقد تتعطل سيارة أو يصاب صاحبها يف حادث فتكون هذه السوابقـ األخالقية مما يدفع الناس إىل
املشاركة الوجدانيةـ والعملية بصدق وإخالص (اللى يقدم السبت يالقى األحد قدامه) ورسول اهلل صلى
اهلل عليه وسلم يقول لنا" :من حسن مماشاة املرء ألخيه املسلم أن يقف له إذا انقطع شسع نعله ".
ومن حسن أدب من يدعى لريكب سيارة أن يركب إىل جوار صاحبها إذا كان وحده ،فإذا ركبت يف
هذه احلالة خلفه فإن هذا غري الئق إذ تصبح أنت يف هذه احلالة صاحب السيارة ويعترب هو سائقها !!
24
ومن حسن اخللق أال تسابق من أمامك وأال تضيق عليه الطريق ،فإن ذلك تتسبب عنه حوادث ووفيات
وجنايات .وبعض السيارات تتعطل يف الطريق وال تضع إشارات ضوئية ،وبعضها يتعطل ويرتك على
الطريق خملفات من الزيوت والشحوم مما يسبب انزالق السيارات وخباصة املوتوسيكالت.ـ
وبعضهم يقذف بالبصاق بصورة بغيضة ،وآخرون يلقون بأعقاب السجائر وقشر املوز والربتقال
واملعلبات الفارغة وغري ذلك ،ويذكر أن عساكر املرور يف إحدى الدول يلتقطون مثل هذه األشياء مع
أرقام هذه السيارات ويرسلوهنا يف طرود بريدية إىل أصحاهبا مع حكم الغرامة.
وبعضهم يقوم بتشغيل سيارته يف أوقات غري مناسبة بعد الفجر حيث يقوم بتسخني السيارة فيكون
صوهتا مزعجا يقلق النائمني واألطفال ،وبعضهم يستعمل آلة التنبيه لتنبيه أحد زمالئه يف إحدى
العمارات ليذهب إىل العمل ويستمر يف ذلك بصورة مزعجة ،دون مراعاة لشعور املرضى أو النائمني.
فعن املقداد -رضي اهلل عنه -يف حديثه الطويل قال( :كنا نرفع للنيب صلى اهلل عليه وسلم نصيبه من
اللنب جييء من الليل فيسلم تسليما ال يوقظ نائما ويسمع اليقظان)ـ رواه مسلم.
وكثريا ما حيدث أن يصدم أحدهم سيارة واقفة خالية من صاحبها فيوسوس له الشيطان أن يتابع سريه
قبل أن يتعرف عليه أحد! وال أدرى كيف يكونـ موقفه وشعوره إن حلق به أحد؟ ويكون مجيال لو أنك
انتظرت قليال فإن مل تتعرف على صاحب السيارة اليت أصيبت بالتلفيات ،فعليك أن تكتب له رسالة
برقم تليفونك وعنوانكـ ليتصل بك حىت تسوي معه هذا الذي حدث ،واعتقدـ أنك حني تفعل ذلك
يكون رد الفعل املصاحلة والتسامح وذلك أفضل.
ومن واجب صاحب السيارة أن يقف إذا الحظ أن بعض املارة ينتظرون عبور الشارع ولو مل يكن عند
نقطة العبور الرمسية ،فإن الوقوف للمارة حىت يعربواـ الطريق هو مبثابة شكر هلل تعاىل أن أنعم عليك
بسيارة تركبها وغريك ميشى ،وإذا كان عندك فضل متسع يف السيارة ووجدت من حيتاج إىل ذلك
وعاونته فإن ذلك مما يؤلف بني القلوب.
25
الخطابات +والصحف والمجالت
كتابة اخلطاب باحلرب األمحر أو القلم الرصاص يفقد اخلطاب احرتامه. -1
أن يكونـ للخطاب هوامش منظمة يزيده قيمة. -2
اخلطاب الذي تكون حوافه مشرشرة غري مستقيمة يرمز إىل شخصية املرسل. -3
إذا أرسلت خطابا باليد مع رسول ثقة فسلمه اخلطاب مفتوحا كدليل على ثقتك فيه ،وعليه -4
أن يقوم بإغالقه أمامك زيادة يف الثقة .أما إذا كان مسافرا إىل خارج البالد فاطلب منه أن
يقرأ اخلطاب كي يطمئن على ما فيه !
وصول اخلطاب إىل صاحبه دون أن يتكسر له هبجة. -5
ال جيوز أن تطلع على رسائل الغري ولو بنظرة جانبية. -6
أن ترد على اخلطاب يف وقته أروح لك وتقدير واحرتام لصاحبه. -7
أن ترد على الرسالة بأحسن منها هو تعبري عن شخصيتك فالرسالة شهادة لك أو عليك. -8
ال تكتب الرسالة وأنت غاضب فقد خرجت من سلطانك إىل سلطان الغضب.ـ -9
إذا استعرت جريدة فالرجاء أن تردها لصاحبها مرقمة الصفحات وعلى صورهتا الطبيعية.ـ -10
إذا استعرت كتابا فاملأمول أن ترده نظيفا كما كان. -11
26
المغادرة:
اعتاد بعض اإلخوة املغادرون من قطر إىل آخر يف زيارة أن حيملوا معهم يف الذهاب واإلياب بعض
طلبات وهدايا لزمالئهم من أهليهم هنا وهناك ،وحني يعلم األصدقاء مبوعد سفره تنهال عليه األمانات
من نقود وخطابات ومشاالت متنوعة،ـ وفضال عن اإلرهاق الذي يصيبه فإنه قد يتورط يف أن يدفع من
ماله قيمة فرق الوزن وكذلك قيمة ما قد يكونـ من مجارك ،وما أن يصل إىل داره حىت يبدأ يف السفر إىل
عدة أماكن كي يسلم ما معه من أمانات ومشاالت .وكثريا ما يتأخر الفرد يف تسليم ما معه من أمانات
إىل ذويها وما ذاك إال كي يسرتيح ويأنسـ بأهله بعد هذا الغياب الطويل ،ومع ذلك فغالبا ما يناله الكثري
من عتاب إخوانه على هذا التأخري.
من أجل هذا احلرج فكر كثري من املسافرين يف عدم اإلعالنـ عن موعد املغادرة وموعد العودة حىت ال
تنهال عليهم أمثال هذه املعوقات والغرامات ،ولو علم كل شخص أنه ليس وحده الذي يكلف أخاه
مبثل ذلك هلان األمر وصدق اهلل { ال يكلف اهلل نفسا إال وسعها } [البقرة ،]286 :واملثل العامي
املشهور (خفف تشيل).
27
في العزاء:
توىف إىل رمحة اهلل تعاىل أحد الزمالء ..وذهبنا إىل سرادق العزاء ننتظر حلني تشييع اجلثمان ،ودخل أحد
املعزين فوجد له صديقا قدميا فأخذه باألحضان وجلس إىل جواره يروى له تارخيه بصوت مرتفع لفت
إليه األنظار واألمساع ،بينما كان اجلميع جيلسون ىف صمت وخشوع ،ومل يراعواـ شعور الوافدين فضال
عن مشاعر وظروف أهل امليت.ـ
وبعد فرتة خرج الناس حيملون على أكتافهم جثمان الفقيد املسجاة يف نعشها ،والصديقانـ على حاهلم
من دون الناس ،فلم تأخذهم العربة من هذا املشهد املوحى بالصمت والرهبة واخلشوع والدعاء.
وحقا ( ليست الثكلىـ كالنائحة) وقد علمنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حني قال" :إن اهلل حيب
الصمت يف ثالث :عند الزحف وعند قراءة القرآن وتشييع اجلنازة ".
وكم رأيت أناسا يأتونـ للعزاء فيستقبلونـ باألحضان والقبالتـ واملوقف ال حيتمل هذه الصورة اليت كثريا
ما تكون يف األفراح وليست يف األتراح.
أسرار المهنة:
حني كنت صاحب شركة لصناعة األلبان (جبنة بأنواع خمتلفة) جاءين زميل صاحب شركة ألبان يف
زيارة فرحبت به أحسن ترحيب ،مث بدأ يسألين عن كيفية صناعة (سائل املنفحة) وهو سائل أساسي يف
صناعة اجلنب ،وكنت أقوم بتصنيعهاـ يف الشركة وختزينها ،وتصنع من منافح العجول الصغرية بعد ذحبها
وتضاف إليه املادة احلافظة ،ومهمة هذا السائل هو جتميد األلبان يف درجة حرارة معينة.
وبعد أن شرحت له العملية ..سألين عن قيمة تكلفة كمية 100كيلو من املنفحة ،فذكرت له ذلك
بصدق .مث طلب أن يشرتى مىن مخس عبوات كبرية مبا يعادل مائة كيلو منفحة.
وىف احلال شعرت بتجهم وامتعاض،ـ فلو أنه طلب مين هذا الطلب قبل هذه األسئلة لكان الطلب مقبوال،
أما بعد أن عرف طريقة الصناعةـ وسعر اإلنتاج فإن املوقف فيه كثري من احلرج وقلت له بأسف :إن
البضاعة املوجودة عندي ال تكفىـ استهالك املعمل وحاول بإحلاح ولكين رفضت بإصرار!!
ذلك ألن أسلوبه خمالف لألصول التجارية ،فلو أن كل مشرت طلب أن يعرف سعر التكلفة قبل الشراء ما
قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " :البيعان باخليار ما مل يتفرقا " فكان أسلوب زائري الكرمي غري
معهود وال مألوف ،هلذا اعتذرت وتعلمت أن أحتفظ بأسرار عملي إال ملن أعتقد أنه على مستوى الئق
وكرمي.
28
مثال هذا كصديق يزورك ويرتدد عليك كثريا يف عملك التجاري أو الصناعي ،وحبكم هذه الصداقة يطلع
على شئون العمل كما يتعرف على مصادر التمويل والتموين وكذا يتعرف على العمالء.
وبعد مدة من الوقت كافية الستيعاب املراحل تفاجأ بأنهـ قد افتتح حمال جتاريا من نفس الصنف -أو
مصنعا مشاهبا كما اتصل بنفس مصادر التموين والعمالء!!
قد تقول :إن كثرياـ من العمال واملوظفني الذين يعملون يف املصانع والشركات حني يتوفر ألحدهم رأس
مال ميكنهم من االستقالليةـ يعملون مثل ذلك فما هو الفرق؟
إن ما حيدث من مثل هؤالء أمر معهود ومألوف وإن كان فيها بعض احلرج فالعالقة بينهم وبني أصحاب
األعمال عالقة مادية صرفة.
أما يف األمر األول فإن الذي حدث من الصديق املأمون هو خروج عن روح األلفة والصداقة إىل عكس
ذلك .فإن األصل يف الصديق هو للعون واإلغاثة فإذا انقلب إىل مثل ذلك فإهنا ()....
29
فأسكت على مضض .وذات يوم زارين طبيبـ كبري وتكرر املوقف ولكن الطبيب رد على السائل وقال
له( :إن إمكانية الكشف الطيب على أي مريض ال توجد إال يف العيادة اليت تتوفر فيها أدوات الكشفي)ـ
وهبذا وضع هناية هلذه الصورة اليت تتكرر دون فقه أو تقدير.
رؤيا منامية:
اتصل يب أحد املعارف تليفونيا وقال إنه قد رأى يل رؤيا منامية ويريد أن حيدثين عنها .فقلت له :أنا يف
انتظارك .وبعد فرتة استقبلته يف منزيل .مث بدأ يقص علي رؤياه فقال :أنه قد رأى يف نومه أن مجاعة من
الناس يسريونـ يف الشارع قبيل الفجر وهم يهللون ال إله إال اهلل حممد رسول اهلل ويكرروهنا باستمرار
فقام من نومه وفتح النافذة وسأل عن سر هذا التجمع فقالوا له( :البقية يف حياتكم احلاج عباس السيسي
توىف إىل رمحة اهلل) ونظر إىل يستوحى وقع هذه الرؤيا على أعصايب .ونظرت إليه يف دهشة وقلت له :إن
الشائع عند عامة الناس أن املوت يف الرؤيا املناميةـ يبشر بطول العمر ..وشكرته وانصرف!!
30
األزهر الشريف أو أساتذة اجلامعات ليلقى حماضرة ،فأنت تسمع األخ الذي يقدمه على املنصة وهو
يقول أقدم لكم (األخ فالن) دون أن يسبق ذلك أو يشفعه باأللقاب العلمية اليت حصل عليها واليت بوأته
هذا املقام ،وهو حيث يقدمه هبا ال ينسبها إليه من باب اجملاملة فهي حق من حقوقه فضال عن أنه حني
يذكرها فإهنا تعطى جلمهور املستمعني فكرة عن احملاضر ودرجاته العلمية .وقد أمرنا أن نكرم العلم
والعلماء وأن ننزل الناس منازهلم .والعجيب أن غرينا يف مثل هذه املواقف يضفون على خطبائهم
وحماضريهم بعض الصفات واأللقاب اليت ال يستحقوهنا ليجذبوا هبا املستمع ..أما حنن فنجردهم من
حقوقهم إمعانا يف التجرد والبعد عن حب الظهور بينما جيب أن نعطى كل ذي حق حقه ونكرم الدعوة
والداعية.
وبعض اإلخوة الدعاة يدعون إللقاء حماضرة يف اجتماع عام سواء يف مسجد أو غريه وحيدد له وقت
حمدد إلفساح اجملال لغريه من اخلطباء ويالحظ أنه ال يتقيد بذلك ويستطرد يف احلديث دون مراعاة
للوقت ،وال يتوقف حىت تأتيه على املنصة ورقة تعلمه بانتهاء الوقت احملدد .وأعتقدـ أن احملاضر الذي
تفاجئه هذه الورقة ال خيتم حديثه بصورة ترحيه نفسيا .وبعض اخلطباء حني يشعر بأنه قد أطال احلديث
يقول يف سياق حديثه للمستمعني " :أنا ال أريد أن أطيل عليكم " ومع هذا فإنه يستمر وقد يكررها مرة
ومرات حىت يرى بنفسه أن مجهور املستمعني بدأ يتسرب مث يضطر إلهناء كلمته يف موقف غري مريح.
وىف إحدى حماضرات حديث الثالثاء كان احملاضر عاملا جليال من علماء األزهر الشريف ،وبعد أن أهنى
حماضرته يف وقتها أسرع إليه أحد الشباب وانفرد بفضيلتهـ يف حديث خاص يف مكان قصي ،واضطر
الشيخ أن يستمع إليه والشاب يطيل احلديث ،الذي حجبه عن باقي الشباب الذين يريدون أن يرحبوا به
بصفته ضيفا .فذهبت إليهما وقلت هلذا الشاب :يا أخي دع الشيخ ليتعرف على إخوانه وأحبابه فليس
الوقت مناسبا ملثل هذه احلكايات ،فقال فضيلة الشيخ وهو خياطبين مبتسما :يا حاج عباس دا مش
خمضرم زيك!
تصرفات في المساجد+:
حيدث يف املساجد القريبة من حمطات السكك احلديدية أن يتوجه أحدهم وهو على موعد مع القطار
ليؤدى صالة املغرب أو العشاء .فيصادفه إمام يقرأ بطوال السور القرآنية ويركع ويسجد ىف تأن شديد.
مما جيعل هذا املأموم ىف قلق شديد خوفا من أن يفوته القطار وال أظن أن مثل هذا كان يعيش حقيقة مع
التالوة ،حىت إذا سلم اإلمام انطلق كالريح .وأحيانا خيرج بعض املأمومني من الصالة حني يأيت وقت
القطار.
31
وقد حدث أن سافرنا إىل مدينة بعيدة حلضور عقد زواج أحد إخواننا .وحانت صالة املغرب فقدمنا
أحدنا إماما للصالة وذكرناه بأننا سوف نصلى املغرب والعشاء مجع تقدمي .وبعد أن أدينا صالة املغرب
أقمنا لصالة العشاء ،واستمر أخونا يسرتسل يف التالوة وقد نسي أننا على موعد مع القطار األخري حىت
غادر القطار احملطة! وختلف عدد من اإلخوة وأجهدنا العريس وأهله يف استضافتنا وعمل ترتيبات إضافية
مل تكن يف احلسبان وتأخر بعضنا يف الصباح عن عمله الذي مل يستطع أن ينضبطـ مع موعده.
وحيدث أنه بعد األذان وقبل إقامة الصالة بلحظات يدخل أحدهم ويقف يف الصفوف األوىل يؤدي
ركعيت السنة أو حتية املسجد فيتسبب يف تأخري الصالة..ـ وحيدث أن يدخل املسجد بعض الشباب
املتحابني وجيلسون متجاورين فيأيت من يفرق بينهم يف الوقت الذي يكونـ يف املسجد متسع للكثري
والرسول صلى اهلل عليه وسلم يقول " :ال حيل لرجل أن يفرق بني اثنني إال بإذهنما " 1فضال عن ختطى
بعض املصلني الرقاب الذي هنينا عنه.
وتعجب أن ترى بعض الشباب يسندون ظهورهم إىل أعمدة املسجد فيعطل خروج املصلني.
وىف احملاضرات ترى بعض الشباب يسندون ظهورهم إىل أعمدة املسجد بينما يكون بعض الشيوخ من
كبار السن جيلسون إىل جوارهم بدون مسند ،فال خيطر ببال هذا الشاب أن يتزحزح عن مكانه إيثارا
هلذا الشيخ املسن واحرتاما لشيخوخته .وبعض الشباب حيب أن يستأثر باإلمامة يف الصالة دون أن
يستعرض من املصلني من يكونـ أوىل منه باإلمامة .فإن تقدمي األعلم واألكرب أدعى للتقدير واالحرتام.ـ
32
الكلية ،ونستعني هبذه الكلمات يف فهم أسلوب املخاطبة حني سئل العباس عم رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم ( :أأنتـ أكرب أم رسول اهلل؟ قال رضي اهلل عنه( :هو أكرب مىن وأنا ولدت قبله).
فقه الهدف:
قال يل األستاذ حممد حامد أبو النصر املرشد العام إلخوان املسلمون :إنه وجه الدعوة إىل فضيلة املرشد
الشهيد حسن البنا لزيارة مدينة منفلوط وقد لىب الدعوة وأقيم مبناسبة حضوره حفل دعي له مجع كبري
من الناس .وكان من الذين شاركوا يف احلفل شاعر ألقى قصيدة يف املناسبة وقد الحظ الشهيد حسن
البنا من أحد اجلالسني جبواره أنه يتابع النطق بأبيات القصيدةـ كأنه حيفظها فسأله :هل أطلعك األستاذ
الشاعر على قصيدته؟ قال :إن هذه القصيدةـ من تأليف جد السيد حممد حامد أبو النصر ولكن الشاعر
نسبها لنفسه وبودي أن أراجعه يف ذلك! فقال له املرشد الشهيد :هل تريد أن تبهت الرجل وحتدث
بينك وبينه فجوة؟ إن الشاعر يريد أن يكرمنا فهل يستحق منا أن نؤذى شعوره؟ ألن يبقى صديقا لنا
خري من أن يعادينا .إن اإلنسانـ ينسى احلسنة وال ينسىـ السيئة!!ـ
وقال يل األستاذ حممد حامد أبو النصر :إنه قد حضر حفل عقد قران ابن أحد كبار علماء األزهر وهو
كبري عائلة شريت من ريفا مبحافظة أسيوط ودعي إىل هذا احلفل فضيلة اإلمام شيخ األزهر الشريف،
والشهيد حسن البنا .وقد حضرا ..وحني بدأ عقد القران تقدم عدد من أبناء العائلة إىل فضيلة املرشد
حسن البنا ليتوىل عقد القران .ولكنه اعتذر عن ذلك بإصرار وقام بنفسه وقدم اإلمام األكرب ليتوىل صيغة
العقد وبذلك أرضى اجلميع هبذه اللفتة الكرمية املؤدبة من أخالق حسن البنا يف تربية أبناء هذا اجليل
الذي جيب أن خيرج حظ نفسه من نفسه.
1العروس :يطلق على الذكر واألنثى والعريس كلمة حمدثةـ أجازها جممع اللغة العربية
33
تناسب املقام .فبعض احملدثني يريد أن يتلطف فيقول إن الشريعة اإلسالميةـ أباحت للزوج أن يتزوج مثىن
وثالث ورباع وهذا ميس شعور الزوجة وأهلها ..وليحذر املتحدثون من االسرتسال فليس اجملال جمال
حديث أو حماضرة إنه جمال هتنئة .ويتخلل هذه الكلمات بعض األناشيد اإلسالمية اليت ينشدها األطفال
يف زيهم اجلميل وأصواهتم الرخيمة وبعد ذلك حييط اإلخوة بالعريس يف زفة إسالميةـ حىت يركب السيارة
مع احملافظة على عدم تعطيل مرور السيارات.
التزلف:
ذهبت إىل أحد املستشفيات اليت أعرف صاحبها وهناك قابلين شاب موظف باملستشفىـ ال أعرفه مر قبل،
وقال يل :إنه يعرفين والحقين بالتدخل حني حديثي مع صاحب املستشفى موحيا إليه أنه صديقي الويف
واستفاد من هذا املوقف يف قضاء بعض مصاحل خاصة له .وىف زيارة أخرى أخربين أنه قدم أحد أصدقائه
ليعمل موظفا باملستشفى بتزكية مىن وطلب مىن إذا سئلت عن ذلك أن أؤيد هذه التزكية وتوالتـ على
املسئولني يف املستشفىـ هذه األساليبـ حىت صدر قرار باالستغناء عن خدماته!!
34
وحال ختام هذا احلفل املبارك وقبل أن خيرج اجلميع لتوديع العريس حمفوفا بقلوب ومشاعر إخوانه،
انطلق املذياع من داخل املسجد يدعو الناس إىل حضور جنازة املتوىف إىل رمحة اهلل تعاىل ( )...غدا
الساعة 10صباحا من منزله وإنا هلل وإنا إليه راجعون!!
لقد قوبل هذا النبأـ يف وقت مناسبة عقد القران بدهشة واستنكار!! فقد كان من الواجب على األقل
تأخري هذا اإلعالن حىت يتم انصراف هذا اجلمع وإن كان املقصود أصال هو إبالغهم؟!
وما زلت أذكر ذات يوم أعلن عن عقد قران أحد اإلخوة يف منزله وأقيم لذلك حفل ونصبتـ الزينات
وقبل أن يتوافد املدعوون توىف إىل رمحة اهلل تعاىل رجل من أعيانـ البلد يسكن قريبا من منزل صاحب
احلفل ،وبعد أن انتهىـ احلفل وانصرف املدعونـ ورفعت الزينات أعلن أهل امليتـ نبأ وفاة عميدهم رمحه
اهلل.
هذا الكتاب قصدت به أن أضع صورا لنماذج خمتلفة من التصرفات كي أدق هبا على قلوب اإلخوة
ووجداهنم حىت تفيق ،مث تفيض على اجملتمع من نبع األرواح الزكية ما يبهر الناس حبضارة اإلسالم الرفيعة
اليت طوهتا تقاليد جافة جامدة ،وأسرها االنبهار مبظاهر الغرب والشرق اليت تقوم على املادة واألنانية اليت
جتاهلت أثر الروح يف مسرية احلياة.
وسلوك الروح يف حياة املسلم تضبطه وتوجهه قواعد أخالقية سامية تستمد هديها من وهج الروح ونور
اإلميان.
فسلوك الروح يف كل جماالت احلياة زينة املرء املسلم وهو مصدر اإلشعاع املرتامي الذي تستجيب هلواتفه
القلوب فرتبط الناس بانسجام راق متدفق باحليوية والصدق واإلخالص،ـ وتتفاعلـ به النفوس البشرية من
أعماق الشعور الفطري النقي .الذي حجبته عن الظهور انتكاسةـ يف األخالق وجحود وصدأ ران على
القلوب فانطفأ النور أو كاد.
35