You are on page 1of 35

‫الذوق‬

‫سـلـوك الـروح‬

‫األستاذ عباس السيسي‬

‫موقع الصحوة‬
‫‪http://www.sahwah.net‬‬

‫اإلهداء‬

‫إىل الذين استجابت جوارحهم إىل إهلامات الروح وهواتف‬


‫القلب‪ ،‬فانطلقت تعرب عن دقة األحاسيس ومسو املشاعر‪ ،‬مبا‬
‫يضفي على حركة احلياة ملسات من الذوق الرفيع املكنون يف‬
‫فطرته ويرتجم عن كنه اإلنسان وعقيدته ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المقدمة‬

‫احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬والصالةـ والسالم على سيدنا حممد ‪ ..‬بعثه اهلل تعاىل هداية ورمحة للعاملني‪ ،‬وعلى‬
‫آله وصحبه والتابعني الذين اهتدوا هبديه واستنواـ بسنته إىل يوم الدين‪ ،‬أما بعد‪..‬‬

‫فلكل كتاب قصة‪ ،‬وقصة هذا الكتاب بدأت بواقعةـ حدثت معي بدار النشر والصوتيات باإلسكندرية‪،‬ـ‬
‫حيث كنت أجلس يف حجرة املكتبـ أحتدث مع أحد األخوة من الشباب جاء لزياريت‪ ،‬فدخل أخ‬
‫واستأذن أن يتحدث معي يف موضوع خاص فاستأذنتـ وخرجت معه إىل حجرة أخرى وطال احلديث‬
‫بعض الوقت فلما عدت وجدت األخ غاضبا ألين تأخرت عليه‪.‬‬
‫أخطأت يف حقك؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪ :‬دعين أوضح لك األمر لنعرف من‬ ‫ُ‬ ‫فجلست وقلت له‪ :‬تظنين‬
‫املخطئ يف هذا املوقف‪ .‬املفروض يا أخي أن هذه احلجرة مكتيب وكل من يريد مقابليت أقابله هبا فإذا‬
‫جاء أحد األخوة وطلب مقابليت مقابلة خاصة يكون من الواجب عليك أن تستأذن يف اخلروج حىت‬
‫ينتهي من حديثه‪.‬‬
‫فإذا كان عدد املوجودين أكثر من واحد فعليهم أن يستأذنواـ يف اخلروج أو أخرى أنا ‪.‬‬
‫فليس من املعقول أن كل من يريد مقابليت أقوم فأخرج معه فما قيمة املكتب إذا ! هذا يا آخي احلبيب‬
‫هو املتعارف عليه واملعقول واملقبول شكال وموضوعا‪.‬‬

‫كانت هذه القصة هي اليت أوحت إىل أن أبادر إىل كتابة ما يقع بيننا من مثل هذه املواقف اليت تبدو‬
‫لصاحبها ال شبهة فيها‪ ،‬بينما هي تكون جمافية للذوق أو العرف‪ .‬والعرف كثرياـ ما خيتلف بالنسبة للزمان‬
‫واملكان‪،‬ـ وأحيانا كذلك تكون بعض الكلمات يف بلد ما هلا مدلول مضاد يف بلد آخر‪ ،‬وهذا يسببـ‬
‫لقائلها حرجا شديدا‪.‬‬
‫وملا كانت مثل هذه التصرفات تتكرر بدون توجيه إىل خطئها فإهنا تظل عادة عند صاحبها ‪ ،‬بل رمبا‬
‫تصبح الزمة يصعب تغيريها‪ ،‬وبعض االخوة يالحظون هذه التصرفات فيسكتون عنها خجال ظانني أهنا‬
‫تصرفات عابرة وال داعي أن يصنع منها مشكلة تعكر صفو القلوب ‪ ..‬بينما الواجب تربويا أن يتدارك‬
‫هذا األمر من أقرب طريق وبأدق وأرقى ما يغرس احلب وحيافظ على اإلحساس والشعور بني االخوة‬
‫الذين أوجه هلم هذه النصائح أو التلميحات ‪ ،‬ليتذكرها وينتفعـ هبا أخ يف اهلل يدفعين حبه إىل أن أجنبه ما‬
‫استطعت الوقوع يف أي خطأ يتجاىف مع الذوق السليم ‪ ،‬وال ريب أين أيضا معىن هبذه التوجيهات فقد‬
‫أكون أنا هذا اإلنسان ‪ " :‬كل ابن آدم خطاء وخري اخلطاءين التوابون " صدق رسول اهلل صلى اهلل عليه‬

‫‪2‬‬
‫وسلم ‪ .‬وقد نبهنا عليه الصالةـ والسالم إىل كيفيةـ النصيحة فال تكون يف مواجهة جارحة والرسول صلى‬
‫اهلل عليه وسلم وأفعاله مثال للذوق الرفيع فكان ال جيابه خمطئا وإمنا يصعد فوق املنرب ويقول يف مثل هذه‬
‫املواقف " ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا "‪ .‬وىف توجيهات اإلمام الشهيد حسن البنا كذلك جنده يقول‪:‬‬
‫(يا آخي لتكن نصيحتك تلميحا ال تصرحيا وتصحيحا ال جترحيا) ‪ ..‬هلذا فقد استخرت اهلل تعاىل وعزمت‬
‫على أن أسجل يف هذه الرسالة مناذج واقعية من هذه الصورةـ اليت عايشتها ومسعتها ‪ ،‬ال أقصد هبا إنسانا‬
‫بعينه ألهنا ليست وقفا على أحد بذاته لكنها وقائع تتكرر يف حركة احلياة‪.‬‬
‫وهذه املالحظات أو تلك التصرفات اليت حتدث منا أحيانا واليت قصدت تسجيلها ال متس جوهر‬
‫األخالق بل هي كالطالب الذي ينجح بدرجة ممتاز وآخر بدرجة جيد وآخر بدرجة مقبول واجلميع‬
‫ناجحون واحلمد هلل ‪ .‬بيد أهنم يف درجات النجاح يتفاوتون‪ ،‬فكلنا نشرتك يف األخالق ونتفاوتـ يف‬
‫درجاهتا ‪ ،‬واآليات واألحاديث توضح هذا حني نقرأ قول الرسول الكرمي صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬إمنا‬
‫بعثت ألمتم مكارم األخالق " ‪ ،‬وقوله ‪ " :‬إن أقربكم مين جملسا يوم القيامة أحاسنكم أخالقا املوطأون‬
‫أكنافا الذين يألفون ويؤلفونـ " ‪.‬‬
‫وأعتقد أن الذوق هو األخالق حني ترتدى أمجل ثياهبا وهو عطر األخالق ونفحاهتا‪ ..‬والذوق هو قمة‬
‫األخالق حني تتألق يف إنسان وتتجلى يف أحاديثه وتعامالتهـ اليت تنطوي على أمجل املشاعر وأنبل‬
‫العواطف‪ ،‬فالذوق حركة من لطائف الروح وصفاء القلب‪ ..‬والذوق هو سلوك الروح املهذبة ذات‬
‫األخالق املرضية‪.‬‬

‫وختاما فالذوق هو اإلنسانـ يف أهبى صورة وأرقى حضارة ‪ ،‬وصدق اهلل الذي عظم شأنـ رسوله بالثناء‬
‫على أخالقه {وإنك لعلى خلق عظيم} ‪.‬‬

‫المخاطبة بالهاتف (التليفون)‬

‫التليفون نعمة من نعم اهلل تعاىل يف هذا العصر‪ ،‬فلقد طوى مساحة األرض يف ملح البصر ‪ .‬ورحم اهلل‬
‫عهد البعري واحلمام الزاجل والسفر الشاق لتوصيل الرسائل واألخبار‪ .‬واليوم اهلاتف قد يسر لنا كل هذا‬
‫فضال عن أنواعـ االتصاالت املذهلة‪ .‬وقد ال حنسن يف أحيان كثرية االستفادة منها ونسيء استعماهلا‪،‬‬
‫وقد عانيت من هذه اآللة بعض املتاعبـ فيما حتدث من أمور وتصرفات‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫فقد يزورك زائر وال يلبث إال قليال حىت متتد يده إىل التليفون قائال‪ " :‬تسمح التليفونـ ؟! " ‪ ،‬فال مناص‬
‫من أن تقول له " تفضل ! " ‪ ،‬ويبدأ حديثه بالسؤال عن أفراد األسرة واألقارب ‪ ،‬مث ميضي يف تبادل‬
‫احلديث الطويل معهم ‪ ،‬وخيتتم احلديث املسهبـ بكلمات قليلة هي بيت القصيد ! وكان ميكن أن يكتفي‬
‫هبا فال يطيل املكاملة‪.‬‬
‫وذات مرة زارين اثنانـ من بلد عريب‪ ،‬واستأذنـ أحدهم ليتصل بأهله يف مكاملة دولية‪ ،‬وأدار التليفون‬
‫وكما هي العادة مع األهل واألحباب‪ ،‬طال املكثـ وكثر العتاب‪ .‬وأنا أخرج حينا لعله خيتصر ويوجز‪،‬‬
‫والذين يتحدث إليهم يظنون أنه يتحدث من حسابه اخلاص فيتبادلون معه احلديث يف شجون وإطالة‪.‬‬
‫وما يكاد خيتتم حديثه وأتنفسـ الصعداء‪ ،‬حىت يستأذن الثاين يف مكاملةـ وتستمر الرواية بنفس األسلوب‬
‫وتتكرر القصة وأعيشـ يف ضيق‪ ،‬ال حزنا على ما سوف أدفعه من مبالغ كبرية فحسب ولكن أملا من هذا‬
‫التصرف البعيد عن اللياقة‪.‬‬
‫وال أكون مبالغا إذا قلت إن أحدهم نزل ضيفا على أحد االخوة واستعمل تليفونه يف مكاملات شخصية‬
‫خارجية جتاوزت قيمتها راتبه الشهري ! فتصور ‪ -‬أخي الكرمي ‪ -‬كيف تكون عالقة القلوب وحالة‬
‫اجليوب!‬
‫( لو كان حبيبك عسل ما تلحسوش كله)‬
‫خرج األخ من منزله صباحا يف طريقه إىل عمله فوجد بعض االخوة قد حضروا لزيارة زميل هلم فلم‬
‫جيدوه‪ ،‬فدعاهم األخ لينتظروه يف مسكنه بعض الوقت فاستجابوا‪ ،‬وحال جلوسهم استأذن أحدهم‬
‫ليتحدث تليفونيا خارج املدينة ‪ ..‬وبعد أن أهنى حمادثته أخرج ورقة بيضاء وأخذ ينقل أرقام التليفونات‬
‫اخلاصة املوجودة على املكتبـ دون أن يستأذن يف ذلك!! يف هذا الوقت كان أهل البيتـ قد قدموا هلم‬
‫التحية الواجبة‪.‬ـ وبعد ذلك قال هلم األخ املضيف إنه مضطر ملغادرة املسكن ليلحق بعمله ولكنه فوجئ‬
‫مبن يقول له ‪ :‬أنت تذهب إىل عملك وحنن نبقىـ هنا حىت يصل الذي ننتظره !!‪ ..‬يقول األخ ‪ :‬إنه كاد‬
‫ينفجر غيظا ألهنم قد الحظوا أن ذلك السكن تشغله األسرة فكيف يسمحون ألنفسهم بالبقاء باملنزل‬
‫بعد انصراف رب األسرة ؟ لقد اتسع مفهوم العشم واحلب يف اهلل تعاىل عند بعضهم حىت جتاوز العرف‬
‫والعقل واملنطق!‬
‫أحيانا تأتىـ مكاملة تليفونيةـ من أهل بيت صاحب املكتب‪،‬ـ ونراه يتحدث إليهم بصوت منخفض مبا‬
‫يوحي أن املكاملةـ خاصة ‪ ،‬وىف هذه احلالة يستحب أن ينسحب احلاضرون‪ ،‬إال إذا أشار صاحب املكاملة‬
‫إليهم أن املوضوع ال حرج فيه‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫يتصادف أن جيلس أحد االخوة الزوار قريبا من التليفون‪ ،‬وحني تأتى مكاملة يسرع ويرفع السماعة‬
‫وأمسعه يقول (أنا فالن) ‪ ،‬واملفروض أن يذكر اسم صاحب املكتبـ أو صاحب املنزل حىت يتأكد‬
‫للمتحدث أن الرقم صحيح فيطمئن‪ ،‬فال حيدث عنده بلبلة حني يسمع امسا غري مألوف فيظن أنه أخطأ‬
‫الرقم ويغلق اخلط وينهى املكاملة‪.‬ـ‬
‫أحيانا تتداخل اخلطوط وتسمع حديثا بني زوج وأسرته أو غري ذلك‪ ،‬وجند بعض الناس حيلو هلم‬
‫االستماع والتصنت‪،‬ـ وهذا يتناىف مع األخالق الفاضلة والقرآن الكرمي حيذر من ذلك {وال جتسسوا} ‪.‬‬

‫اسمه علي‪:‬‬
‫ال يفوتين أن أنوه أيضا إىل بعض الذين يتصلون تليفونيا وال يكونـ يل حظ الرد على مكاملتهم‪ ،‬فإذا سئل‬
‫عن امسه يقول ‪ :‬أخربوه أن (علي) اتصل ! وحني عوديت يقولونـ يل إن واحدا امسه علي اتصل بك ومل‬
‫تكن موجودا ‪ ..‬فإذا قلت‪ :‬امسه (علي) إيه ؟ قالوا‪ :‬علي فقط !!‬
‫أما امسه (علي) فقط فهذا حيتاج إىل كتالوج صويت أو موسوعة صوتية وهيهات !‬

‫آسفين لإلزعاج‪:‬‬
‫كثريا ما تسمع من حمدثك كلمة تقليدية (آسفني لإلزعاج)‪ ،‬فإذا كان صاحبنا يعلم أن هذا احلديث يف‬
‫وقت معني يسبب اإلزعاج فلماذا جتاوز الوقت املناسب؟ وهلذا تعود كثريون أن يعزلوا التليفون يف‬
‫أوقات راحتهم أو نومهما‪ ..‬فقد تعود أحدهم أن يفتح اهلاتف بعد احلادية عشرة مساء ويقول‪ :‬آسفني‬
‫لإلزعاج‪ ،‬فلما أفهمته أن صوت اهلاتف يف هذا الوقت مزعج ومقلق‪ ،‬تأسف‪ ،‬ولكنه عاود سريته األوىل‬
‫يف احملادثة هبذه الكيفية‪ ،‬فلما عاتبتهـ بشدة قال‪ :‬إنه يعود إىل بيته متأخرا وهذا هو الوقت الذي يناسبه !‬
‫فقلت له‪ :‬وما ذنيب إذا اسرتحت أنت وأتعبتين أنا ؟! وأحيانا تكون بعض املكاملات من هذا النوع غري‬
‫ملحة وال ضرورية ‪.‬‬

‫مكالمة ألمريكا‪+:‬‬
‫اتصلت أسأل عن صحة أحد اإلخوان‪،‬ـ فقيل إنه ذهب إىل أمريكا للعالج ‪ ،‬فحصلت على رقم تليفون‬
‫املستشفىـ ورقم احلجرة وكانت الساعة وقتئذ السابعة مساء‪ ،‬فأدرت قرص التليفون‪،‬ـ وجاءين صوته‬
‫يسأل من املتحدث فقلت‪ :‬فالن ‪ .‬وسألته عن حالته وصحته ومتنيت له عاجل الشفاء ‪ .‬وقطع احلديث‬
‫وسألين ‪ :‬الساعة عندكم اآلن؟! وىف احلال أدركت أنين قد وقعت يف خطأ‪ ،‬إذ أن الساعة اآلن يف أمريكا‬

‫‪5‬‬
‫الثانية عشرة مساء ! فلم أنتبه إىل فرق التوقيتـ بني أملانيا وأمريكا‪ ،‬فضال عن أنين أخاطب مريضا يف‬
‫حاجة إىل الراحة وهدوء البال ‪ ،‬وهكذا وقعت يف احملظور دون أن أدرى‪.‬‬
‫بعض أصحاب األعمال تزدحم مكاتبهم بالرواد‪ ،‬وتأتيهم مكاملات تليفونية ويظل يستمع إىل حمدثه الذي‬
‫يطيل‪ ،‬وكلما اقرتب من النهاية فتح جماال للحديث‪ ،‬والرجل يف حرج شديد يريد أن ينهىـ احلديث‪،‬‬
‫ولكن صاحبنا ال يرد وال يشاهد هؤالء الذين حضروا إلهناء مصاحلهم ويظن أن صاحب العمل قد تفرغ‬
‫له وحده ‪.‬‬
‫فعلى الذين ينفردون باحلديث مع مثل هؤالء أن يعلموا أن هناكـ الكثريين مثلهم هلم نفس احلقوق‬
‫والواجبات ‪ .‬فعليهم أن خيتصروا رمحة بغريهم ‪.‬‬
‫ولعل من متام الذوق على الذي يبدأ احلديث أن خيتتم حديثه بنفسه‪.‬‬

‫الضيافة والزيارة‪+‬‬

‫الضيافة مسة من مسات اجملتمع العريب واإلسالميـ وخصيصة من خصائصه الفريدة يف العامل‪ ،‬وأسلوهبا‬
‫ينضبط بضوابط أخالقية وشرعية على مستوى الفرد واجلماعة‪ ،‬وكلما توافقتـ الضيافة والزيارة مع‬
‫التقاليد واألصول الشرعية قويت العالقات وتوثقت الروابط ‪.‬‬

‫تعود كثري من الناس أن يفاجئوا أقارهبم أو أصدقاءهم بالزيارة ‪ ،‬فحينا جيدوهنم وتكونـ زيارة غري متوقعة‬
‫وغري حمسوبة‪ ،‬فرمبا يكونونـ على موعد ملغادرة املنزل أو تكونـ لديهم من الظروف ما حيول دون إعطاء‬
‫الزيارة حقها‪ ،‬ومع كل هذه العواملـ فال بد من استقباهلم بالبشاشة والرتحاب ‪ ..‬واملثل الشائع ‪ ( :‬القيين‬
‫وال تغديين ) ‪ ،‬والقرآن الكرمي قد نبه إىل وجوب االستئذان قبل الزيارة‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬يا أيها الذين آمنواـ‬
‫ال تدخلوا بيوتا غري بيوتكم حىت تستأنسوا وتسلموا على أهلها } النور ‪. 27 :‬‬
‫وقد حيدث للمضيف احلرج لظروف أسرية أو مادية أو ضيق يف السكن‪ ،‬وهلذا جعل اهلل ملثل ذلك خمرجا‬
‫ومندوحة يف قوله تعاىل‪{ :‬وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم} النور‪. 28 :‬‬

‫‪6‬‬
‫وعلى املضيفـ يف مثل هذه الظروف أن يتصرف حبكمة ولباقة حىت ال يفسد ود القلوب‪ .‬وعلى الضيف‬
‫أن يتقبل الرجوع عن الزيارة بصدر رحب ‪ .‬ولعل بعض االخوة ال يسرتيح هلذا‪ ،‬واألوىل أن يعاتب‬
‫نفسه ويلزمها بأدب اإلسالمـ واهلل يقول احلق وهو يهدى السبيل‪.‬‬

‫بعض االخوة يتوجهونـ لزيارة أحدهم فيطرقون الباب عدة مرات‪ ،‬وقد حددت اآلداب اإلسالمية قواعد‬
‫االستئذانـ يف زيارة صديق أو جار وذلك بالطرق أو استعمال (اجلرس) ثالث مرات فقط‪ ،‬األوىل إلعالم‬
‫صاحب الدار أن هناك من يود زيارته‪ .‬والثانية الستعجاله إذا تأخر‪ .‬والثالثةـ مبثابة اعتذار بأنه سوف‬
‫يغادر املكان‪ .‬مث ال يزيد على ذلك احرتاما ملشاعر صاحب الدار‪ ،‬فقد يكون غري متهيئ لالستقبال‪ ،‬أو‬
‫أن يكونـ غري موجود أصال يف املنزل ‪.‬‬
‫وبعض االخوة ينصرف مث يعود بعد فرتة ويعاود ما سبق دون جدوى ‪ .‬وأنصح الزائر قبل أن يتوجه‬
‫للزيارة أن جيهز بطاقة يكتب فيها أنه قد حضر للزيارة ويأسف لعدم اللقاء مث حيدد فيها ما يريد أو حيدد‬
‫موعدا آخر أو يرتك عنوانهـ ورقم تليفونه كي يتصل به عند العودة‪.‬‬
‫ومن احلكايات اليت تروى يف مثل هذا الباب ما قرأته عن الشيخ عبد العزيز البشرى الذي ينفرد بأسلوبه‬
‫يف معاجلة مشكلة الزيارات املفاجئة‪ ،‬فكان من عادته أن يضع عمامته وجبته خلف باب الشقة اليت‬
‫يسكن فيها ‪ .‬فإذا طرق أحدهم الباب لبس جبته وعمامته وأمسك عصاه‪ ،‬فإذا كان الضيف مرغوبا فيه‬
‫استقبله أحسن استقبال وقال له‪ :‬احلمد هلل الذي جاء يب من اخلارج اآلن ‪ .‬وإذا كان الضيف ثقيل الظل‬
‫وغري مرغوب فيه قال ‪ :‬احلمد هلل الذي جاء بك قبل أن أخرج ألنين على موعد اآلن !!‬
‫وبعض األفراد ممن عندهم فراغ ‪ -‬أو متسع من الوقت ‪ -‬يقضون وقتهم عند من ال جيد متسعا من‬
‫الوقت إلهناء ما تراكم عليه من واجبات (فالوقت هو احلياة) (فعاون غريك على االنتفاعـ بوقته)‪.‬‬
‫وقد يتزايد الزوار وال يفكر الزائر األول يف االنصراف ألن (القعدةـ احلوت) وبعضهم وخاصة غري‬
‫املتزوجني ال حتلو هلم الزيارة إال يف وقت متأخر وغري مناسب ألهنم مل ميروا هبذه التجربة بعد‪ ،‬واملثل‬
‫يقول ‪( :‬يا خبت من زار وخفف)‪ ،‬وإذا أبديت بعض التلميحات تنبيهاـ جملافاة هذا السلوك للتقاليد‬
‫والعادات قيل لك (إننا حنبك يف اهلل تعاىل) !! وليس احلب يف اهلل تعاىل إال يف إظهار الذوق واألخالق‬
‫وضوابط العرف ‪ .‬وإذا نوهت إىل أن مثل هذه التصرفات ترهق وتضيع الوقت قيل لك‪( :‬اللي يعمل‬
‫مجل ال يبعبع من العمل) !! وهل أنا مجل؟ إمنا أنا…!‬

‫الضيف يشارك‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫قال يل أحد االخوة أن ضيفا نزل عليه ومعه ابنه ‪ .‬وكان للمضيف ابن شاب قد غاب عن املنزل منذ‬
‫يومني ومل يتعرف على مكان تواجده مما سبب لألسرة قلقا بالغا ‪ .‬وقد عرف الضيف الكرمي ذلك‬
‫والحظ وشاهد مبلغ االضطراب الذي تعيش فيه األسرة‪ ،‬ولكنه مل يبد أي شعور باملشاركة الوجدانية‪،‬ـ‬
‫ومل يشارك بأية كلمة مواساة‪،‬ـ وبعد أن قضى الوقتـ املناسب وقمنا حنوه بالواجب غادرنا‪ ،‬ومل يتصل بنا‬
‫بعد ذلك ليسأل ويطمئن على غائبنا‪ .‬وهكذا يقول املثل‪( :‬الذي حيب نفسه تكرهه الناس)‪.‬‬

‫ضيافة األسرة‪+:‬‬
‫قد ينزل عليك ضيف ومعه أسرته ألكثر من يوم‪ ،‬ولن تتحمل كثريا من املشاق إذا كان املنزل فيه متسع‬
‫مينع احلرج الشرعي من االختالط‪ ،‬أما إذا كان األمر غري ذلك فإن عقبات كثرية حتول دون الوفاء براحة‬
‫اجلميع‪.‬‬
‫ولعل أكثر املتاعب تأتى من نوعيةـ الطعام الذي يقدم للضيوف يف هذه احلالة‪ ،‬إذ أن البعضـ ال يرغب يف‬
‫نوع معني من الطعام‪ ،‬واآلخر حيدد نوعا خاصا‪ .‬واملضيفـ يف هذه احلالة ينفق بقدر ما تسمح به حالته‬
‫وليس بيته مطعما عموميا يلىب طلبات اجلميع‪ ،‬ورسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪ .." :‬فمن اشتهىـ‬
‫شيئا فليأكله ومن كره فليدع " ‪ .‬ودعا رجل من املسلمني رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إىل طعام من‬
‫اخلبز واخلل‪ ،‬فما توقف رسول اهلل وما امتنع بل قال كلمة تليق بسماحة الضيف وحتافظ على شعور‬
‫املضيف …‬
‫فعن جابر رضى اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم سأل أهله اإلدام فقالوا‪ :‬ما عندنا إال اخلل ‪ .‬فدعا‬
‫به فجعل يأكل ويقول‪" :‬نعم اإلدام اخلل ‪ ،‬نعم اإلدام اخلل" رواه مسلم‪ .‬وقيل يف املثل‪( :‬بصلة احملب‬
‫خروف) ‪.‬‬
‫كلمات البد أن نعيش مع مدلوهلا السامي يف الرتبية‪،‬ـ وعلى املضيف أن يقدم ما تيسر عنده من طعام وال‬
‫حرج عليه ‪ .‬وعلى الضيف أن يكون على مستوى االخوة فال يعترب ذلك انتقاضا من قدره ‪ .‬فإذا تكلف‬
‫املضيف فوق طاقته وظروفه املادية ورمبا الصحية كذلك عنده أو عند أهله‪ ،‬فإن هذا التعامل سوف‬
‫يضيق أبوابـ اإلخوة وتصبح الزيارات أمحاال وأثقاال تقلل من مشاعر احلب واإليناس ‪ .‬ورسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم يقول لنا‪ " :‬ال تكلفوا للضيف فتبغضوه " واملثل يتجاوب مع هذا املوقف حني تسمع‪:‬‬
‫(اللي يفتح بابنا يأكل لبابنا)‪( ،‬البري احللو دائما نازح)‪.‬‬
‫وأحيانا يوجه أخ إىل إخوانه دعوة للغداء ‪ -‬أو العشاء ‪ -‬ويفاجأ صاحب الدعوة أن االخوة الكرام قد‬
‫اصطحبوا معهم بعض إخواهنم دون استئذانـ من صاحب الدعوة الذي يكون قد أعد مائدته على قدر‬

‫‪8‬‬
‫العدد الذي دعاه متجاوزا بعض الشيء ‪ ..‬فقد روى اإلمام أنس بن مالك أن قوما من أهل املدينة دعوا‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إىل طعام له وألصحابه وهم مخسة فأجاب دعوهتم‪ ،‬فلما كان يف بعض‬
‫الطريق أدركهم سادس فماشاهم فلما دنوا من بيت القوم قال عليه الصالة والسالم للرجل السادس‪ :‬إن‬
‫القوم مل يدعوك فاجلس حىت نذكر هلم مكانك ونستأذهنم! وىف رواية عن أىب مسعود البدري رضى اهلل‬
‫عنه أنه قال‪ :‬دعا رجل النيب صلى اهلل عليه وسلم لطعام صنعه له خامس مخسة فتبعهم رجل‪ ،‬فلما بلغ‬
‫الباب‪ ،‬قال له النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬إن هذا تبيعنا فإن شئت أن تأذن له وإن شئت رجع ‪ .‬قال‪:‬‬
‫بل آذن له يا رسول اهلل‪ ،‬وهكذا يعلمنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم هذه اآلداب اليت حتمي اجملتمع‬
‫املسلم من التسيب وتضبط له قواعد السلوك‪.‬‬
‫وىف حالة الطعام يستحب أن ينتظر الضيوف حىت يبدأ املضيف بدعاء األكل (اللهم بارك لنا فيما رزقتنا‬
‫وقنا عذاب النار) فيدعوهم إىل تناول الطعام‪ ،‬واإلشارة إىل هذا املعىن حني قال سيدنا إبراهيم عليه‬
‫السالم للقوم الذين هبطوا عليه‪{ :‬فقربه إليهم قال أال تأكلون} الذاريات ‪.27 :‬‬
‫فهو الذي دعاهم إىل تناول الطعام‪.‬‬

‫الطعام عورة‪:‬‬
‫والطعام عورة لآلكل واملأكولـ على السواء ‪ ..‬فقد روى بأنه قد دعي أعرايب على مائدة أحد األمراء‪:‬‬
‫فقال له األمري وهو يرفع اللقمة إىل فمه‪ :‬الشعرة يا أعرايب يف لقمتك ‪ ،‬وأراد األمري أن يسحبها من‬
‫لقمته‪ ،‬فضرب األعرايب بيده قصعة الطعام وهو يقول‪ :‬أتراقبين مراقبة من يرى الشعرة يف لقمة أخيه؟!‬
‫واهلل ما أكلت من طعامك قط ‪ ..‬فقال األمري‪ :‬اسرتهاـ يا أعرايب مبائة من اإلبل‪ ،‬فرضى األعرايب وهو‬
‫(معجلة) ؟!‬
‫يقول‪َّ :‬‬
‫وقيل إن أمريا دعا زائرا من الشباب إىل طعامه‪ ،‬فقال الشاب لألمري إنه شبعان‪ ،‬فدنا منه أحد حاشية‬
‫األمري وقال له‪ :‬يا هذا ‪ ..‬إن الطعام مع األمري للشرف وليس للشبع !!‬
‫وقد حيدث حني تقدم شيئا ألحد من الزائرين أن تراه يسرع فيعتذر بأنه (لسه شارب قبل حضوره) ولو‬
‫أنه ارتشف قليال من هذا املشروب لكان يف ذلك جماملة للمضيف‪.‬‬
‫وقيل إنه من أدب املضيف أن حيدث أضيافه مبا متيل إليه نفوسهم‪ ،‬وأال ينام قبلهم وال يشكو الزمان‬
‫حبضورهم‪ ،‬وأن يبش عند قدومهم ويتأمل عند وداعهم وأال يتحدث مبا يروعهم وأال ينهر أحدا وال‬
‫يشتمه حبضرهتم‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫دورة المياه (الحمام)‪:‬‬
‫ومن التصرفات اليت تضايق الضيوف ‪ :‬دخول احلمام الوحيد يف السكن ‪ ..‬فبعضهم إذا دخل احلمام‬
‫ينسى أن هناكـ غريه يرتقب خروجه ليقضيـ حاجته‪ ،‬وبعضهم يدخل احلمام ومعه كوب من الشاي‬
‫وآخر يدخل ومعه جريدة أو جملة والذي ينتظر يعيش مع املثل القائل (الصياد بيتقلى والعصفور بيتفلى)‪.‬‬

‫زيارة في مكان العمل‪:‬‬


‫تذهب أحيانا لزيارة رجل أعمال أو مدير مسئول ‪ -‬دون موعد سابق ‪ -‬فتدخل فيستقبلك مبودة وروح‬
‫طيبة‪ ،‬ومن أدب الرجل أن يدعوك للجلوس ويطلب لك مشروبا حتبه‪ ،‬وىف نفس الوقت جتد عنده بعض‬
‫موظفيه أو بعضا من رجال األعمال وهم يتناقشون يف بعض املشروعات‪ ،‬وتستمر املناقشة ويأتيكـ‬
‫املشروب وتقضيـ بعض الوقتـ حىت تنتهي منه والرجل ال يزال مشغوال‪.‬‬
‫إن يف كل مكتب مشغولياته وأسراره وقد يستحي الرجل من أن يعتذر لك‪ ،‬فواجبك األديب أن تشكره‬
‫وتعتذر عن البقاء حرصا على وقته وظروفه اليت توحي إليك بأن الوقت غري مناسب اآلن ‪ .‬وتستطيع أن‬
‫تأخذ منه موعدا آخر‪ ،‬فإنك إن بقيت جالسا جيب أن يكون حساسا وملاحا‪.‬‬
‫(فالوقت هو احلياة فعاون غريك على االنتفاع بوقته)‬

‫زيارة غير الئقة‪:‬‬


‫حدثين أحد االخوة فقال ‪ :‬توجهت مع شقيقيـ وشقيقيت إىل القاهرة خلطبة إحدى الفتياتـ له‪ ،‬ونزلنا‬
‫ضيوفا على أحد اإلخوان الذي كانت حفلة زفافه مساء أمس ‪ ..‬فاستقبلنا وأفسح لنا مكانا يف منزله‬
‫لنبيت فيه‪ ،‬وقد أفهمناه الغرض من حضورنا وطلبنا منه أن يسمح لزوجته أن تصاحب شقيقنا يف زيارة‬
‫أسرة الفتاةـ اليت جئنا خلطبتها ‪ ..‬يقول األخ الكرمي وهو يروي هذه القصة إنه كان يعترب ما حدث منه‬
‫شيئا عاديا بالنسبة ملا بيننا من أخوة وحب يف اهلل تعاىل وأنه مل خيامره أي شعور بأن ما فعله مناف‬
‫للذوق ! عروس ثاين يوم زفافها يطلب منها زيارة خلطبة فتاة لصديق الزوج وال يشعر هذا الصديق بأي‬
‫خجل ؟ أو حرج ؟!‬
‫ويروى أحد االخوة ‪ -‬وهو متزوج ويعول أربعة أطفال ويعيش يف سكن حمدود ‪ -‬أنه فوجئ يف صباح‬
‫أول يوم عيد الفطر بزائر كان يعرفه من سنني‪ .‬فاستقبله بفتور واستمع له وهو يقول ‪ :‬لقد تذكرت‬
‫صداقتنا وأخوتنا القدمية فدفعين حيب وشعوري أن أقوم بزيارتك يف اهلل تعاىل ألقضي معك يومني من عيد‬
‫الفطر‪ .‬يقول األخ املسكني‪ :‬مل أستطع أن أرد عليه جوابا فقد عجزت عن النطق بكلمة واحدة‪ ،‬فلما‬

‫‪10‬‬
‫عرفت زوجيت األمر قالت‪ :‬واهلل إن األقارب ال يفعلون ذلك فإن أول أيام العيد يكون خاصا باألسرة‪ ،‬و‬
‫زيارة هذا الرجل يف مثل هذا اليوم حتتمل تأويالت شىت ! ولكن كان ال بد من الصرب‪ ،‬وجيب أن نتعلم‬
‫الصرب‪.‬‬

‫زائر آخر الليل‪:‬‬


‫طرق بايب يف وقت غري مناسب ليال شخص يعرفين منذ أكثر من عشرين عاما‪ ،‬رحبت به كالواجب‪.‬‬
‫ذكر يف حديثه أنه موظف يف إحدى الدول العربية الشقيقةـ وأن اهلل فتح عليه ورزقه ماال وولدا ومسكنا‬
‫فسيحا وأنه قد اعتزم هذا العام أن يؤدى فريضة احلج وزيارة قرب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وأنه قد‬
‫جاء يل ألعطيه عنواناـ ألحد االخوة املوجودين يف مكة املكرمة واملدينةـ املنورة كي ينزل عنده طوال هذه‬
‫الفرتة‪ ،‬فقلت له ‪ :‬ال شك أن هذا األخ الذي ترغب يف النزول عنده قد اعتزم أداء فريضة احلج مثلك ‪..‬‬
‫هلذا فسوف ال جتد أحدا متفرغا لك‪ ،‬واملتبعـ عند عامة احلجاج أن ينزلوا على املطوف أو الفنادق!‬
‫ودارت خباطري كلمات الرجل أن اهلل تعاىل قد رزقه ماال وولدا ونعما كثرية‪ ،‬مث هو يريد أن ينزل على‬
‫من ال يعرفه ويكلفه ويعطله ‪ ..‬وحزمت أمري واعتذرت له‪ ،‬وانصرفت وأنا ما زلت يف دهشة من أمره‬
‫وعجب‪.‬‬

‫في وداع الضيف ‪:‬‬


‫جاء لزيارة أخ له يف اهلل‪ ،‬وقام املضيفـ بكل واجبات الرتحيب واإلكرام‪ ،‬واستمر الضيف يف ضيافته‬
‫ثالثة أيام بلياليها ‪ -‬بكل اإليناسـ ‪ -‬وىف مثل هذه الظروف تتغري أحوال املنزل والبد من احملافظة على‬
‫نظام املنزل وخاصة (احلمام) بصورة أكثر‪ ،‬وأن تقدم املناشفـ والصابون وكل ما يليق حبضرة الضيف‪.‬‬
‫املهم ويوم أن اعتزم الضيف العودة‪ ،‬خرج ومعه املضيف حىت إذا اقرتب من السيارة فتح باهبا وركب‪،‬‬
‫وحتركت السيارة !! ونسى الضيف أن يقف حلظة ليسلم على املضيفـ ويشكره !! هذا ميكن أن حيدث‬
‫لو أن اإلنسان كان ينزل يف فندق من الفنادق ‪ ،‬أما أن ينزل ضيفا عند أحد إخوانه فإنه ال ينبغيـ أن‬
‫يتوجه إىل السيارة حىت يقف خارج السيارة شاكرا مودعا ومعانقا أيضا‪.‬‬
‫هكذا حيدث بدون وعى أو إدراك‪ ،‬مث يسرتجع الضيف ذلك بعد أن يغادر املدينة‪ ،‬ولكن ماذا ميكن أن‬
‫يفعل غري أن يتناسى ما كان ؟!‬

‫دعوة للغداء‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫حدثين أخ يل فقال‪ :‬أنه تعرف على شاب منذ شهرين‪ ،‬وكان يقابلين يف املسجد وجيلس معي بعد الصالةـ‬
‫بعضا من الوقتـ مث ينصرف كل منا لشأنه ‪ ..‬ذات يوم فاجأين بقوله‪( :‬يا أخي أنا عازم نفسي عندك‬
‫على طعام الغداء) واألخ الكرمي ال يعلم عن حيايت الشخصية أي شيء‪ ،‬فأنا أعيش مع أفراد أسريت‬
‫اخلمسة يف مسكن ضيق متواضع ‪ ،‬ومل يكن ذلك بالشيء الذي آملين‪ ،‬بقدر خجلي وحرجي الشديد يف‬
‫كيفية االعتذار عن تلبية طلبه حيث مل يسبق يل أن تعرضت ملثل هذا املوقف‪..‬‬
‫فاملألوف إذا كان يريد توثيقا للعالقة أن يقوم هو بتوجيه دعوة الغداء فهو أعلم بقدراته وشئونه اخلاصة‪،‬‬
‫ولكنه كما أظن يريد أن يزيل الكلفة وخيتصر الوقت يف تدعيم الصلة هبذه الطريقة اليت رمبا تقضىـ على‬
‫الصلة ‪ ،‬وكما يقول املثل ‪ ( :‬جاء يكحلها عماها ) ‪.‬‬

‫السكينة في الزيارة‪:‬‬
‫يروي األخ الكرمي أنه عاد إىل منزله مساء ‪ ،‬وحني دخل وجد زوجته مهمومة مغمومة‪ ،‬وفتحت معه‬
‫احلديث فقالت‪ :‬إهنا قد زارهتا اليوم سيدة ومعها ثالثة من أطفاهلا‪.‬‬
‫بدأ األطفال يف أول وقت الزيارة هادئني ملتزمني باألدب ‪ ،‬مث اشرتكوا مع ابنها الوحيد يف أدوات اللعب‬
‫اليت ختصه ‪ .‬مث اشتبكواـ يف عراك ‪ .‬مث ارتفعتـ األصواتـ واجلري وامتدت أيديهم إىل بعض أدوات الزينة‬
‫فكسروا بعضها وهم يتصاحيون فرحا وسرورا ‪ ..‬والسيدة والدهتم مل حتاول أن متنعهم أو تزجرهم بل‬
‫بدت متفرجة معجبة مبا يفعلون !! يف الوقت الذي بدت على وجهي عالمات الغضبـ ولكىن خشيت‬
‫أن أقول كالما قد خيرج عن اللياقة يف معاملة الضيف وأشد ما آملين قوهلا ( دول عيال صغريين ِ‬
‫وأنت‬
‫عارفة إن شقتنا ضيقة ودي فرصة علشان األوالد يلعبوا ) ‪ ،‬واستمرت الزيارة أكثر من ساعة وأنا أحتكم‬
‫يف أعصايب حىت مرت بسالم‪.‬‬
‫يقول األخ الكرمي‪ :‬الواقع أن الشقة جعلت "للسكن" يعين للهدوء والراحة والسكينة ‪ .‬فضال عن واجبنا‬
‫يف أن تراعي ظروف اجلريان أسفل الشقة‪ ،‬فقد يكونـ منهم الشيخ الكبري أو املريض أو من يستذكر‬
‫دروسه أو غري ذلك من ظروف احلياة‪.‬‬
‫وأقول إن الضيفة هي اليت خرجت عن حدود اللياقة وجتاوزت حدها وحقها وخرقت القانون الشرعي‬
‫يف مثل هذا املوقف‪ ،‬فإن للزيارات قانونا وعرفا وأخالقا ! وإن بعض السيدات يقمن بفتح الدواليبـ‬
‫واألدراج حىت أدوات املطبخ!!‬
‫فهل هذا جيوز أو يليق؟!‬

‫‪12‬‬
‫أصول الضيافة‪:‬‬
‫طلب أحدهم من صديقه أن يستضيفه يف (شقته) على الشاطئـ فرتة من إجازة الصيف واستجاب‬
‫الصديق وأعطاه مفتاح الشقة اليت تركها نظيفة ومرتبة ‪ .‬وجاء الضيف ومكث بالشقة عدة أيام يف راحة‬
‫واستمتاع باجلو واملاء واهلواء‪ ،‬واستخدم التليفون والبوتاجاز والتليفزيون‪.‬ـ‬
‫وملا انتهىـ من سياحته هو وأسرته املكونةـ من ستة أفراد توجه إىل صديقه ليقدم له عبارات الشكر‬
‫واالمتنانـ ويسلمه مفتاح الشقة ‪ .‬وبعد أن توجه صاحب الشقة ليقضى إجازته اليت تأخر عنها هذا‬
‫الوقت تكرميا لصديقه العزيز‪ ..‬وما أن فتح باب الشقة حىت هبت عليه رائحة كريهة امشأز منها حىت إذا‬
‫دخل فوجئ بالزبالة املرتاكمة ‪ ..‬وأكثر املفروشات مبعثرة وبعض الكاسات والصحون حمطمة ‪ .‬ودورة‬
‫املياه قذرة وقد فعل األطفال ما حيلو هلم ‪ .‬صدم صاحبنا وأصابه الوجوم ‪ ..‬ومسع من زوجته وأوالده‬
‫نقدا ولوما شديدا على موافقتهـ على مثل هذه الضيافة‪.‬‬
‫وىف احلال تغريت صورة صديقه الضيف إىل صورة غري حمببة إىل نفسه‪ ،‬وأدرك أن املظاهر اخلارجية شيء‬
‫والرتبية والسلوك شيء آخر‪ ،‬وأول ما دار يف ذهنه ( توبة من دي النوبةـ ) وعزم على أن ال يعود ملثلها‬
‫أبدا‪.‬‬
‫والواقع أن بعض الناس يعيشون يف جاهلية اجتماعية وال يقدرون قيمة ما يقدم هلم من خدمات‪ ،‬وكانوا‬
‫يستطيعون لو أحسنوا أن تقوى هبا الروابط وتدوم هبا العالقات وتزداد هبا اإلخوة‪ ،‬ولكن هكذا يفقد‬
‫بعض الناس األصدقاء مبثل هذا التصرف الرديء‪.‬‬

‫بعد الغداء‪:‬‬
‫دعينا للعشاء عند أحد االخوة الكرامـ وكان كرميا للغاية‪ ،‬فأنواعـ الطعام مت إنضاجها بالفرن‪ .‬ومن عادة‬
‫االخوة يف هذا البلد العريب أهنم ال يقدمون الطعام مجلة واحدة‪ ،‬ولكنهم يقدمون أنواع الطعام على‬
‫دفعات‪ .‬والنوعـ األول يكونـ خفيفا والثاين والثالثـ حمشوا باجلوز واللوز واملكسرات‪،‬ـ فالذين ال يعرفون‬
‫هذا التقليد فإهنم يشبعون من الدور األول ويضيع عليهم ما يدخر من أطايب الطعام يف األدوار القادمة‪.‬‬
‫املهم يف هناية الطعام يستحضر املضيف لضيوفه قامسى (طشت وإبريق وصابون) وميسك بنفسه اإلبريق‬
‫ومعه فوطة ويقوم بصب املاء ليغسل كل منا يديه‪.‬‬
‫صاحب البيت مع علو قدره ومكانته يصر على أن يقوم هبذا الواجب‪..‬‬
‫وقد راعين أن بعضا منا مل يكتف باملضمضة اخلفيفة ولكن أخذ يف املضمضةـ الثقيلةـ والبصقـ يف اإلناء يف‬
‫مواجهة املضيفـ الكرمي !‬

‫‪13‬‬
‫يف مثل هذه احلالة ميكن لإلنسان أن يستغين عن املضمضة حلني عودته إىل منزله ويكتفي بالصورية‬
‫احرتاما لصاحب الدعوة‪.‬‬

‫ضيف في الفندق ‪:‬‬


‫نزل أحد الناس ضيفا على أخ يف اهلل‪ ،‬وملا كان املضيف ال جيد وقتا يتسع للقيام بالواجب حنوه ‪ ..‬فقد‬
‫حجز له غرفة يف أحد الفنادق مكث فيها ثالثة أيام ‪ .‬وبعد أن أهنى زيارته وودعه املضيف إىل املطار‬
‫توجه األخري إىل الفندق ليدفع حساب اإلقامة ‪ .‬فوجد أن كشف احلساب قد تضمن قيمة مكاملات‬
‫هاتفية داخلية وخارجية ‪ .‬ومعلوم أن قيمة املكاملاتـ يف الفنادق تكون مضاعفة‪ ،‬وتضمن الكشف قيمة‬
‫الصحف واجملالت‪ ،‬وتضمن قيمة غسيل املالبس وكيها ‪ ..‬فقلت لألخ ‪ :‬إنه مل يتجاوز ‪ ..‬هب أنك‬
‫أنزلته يف بيتك أما كنت تتكفل هبذا كله ؟ قال‪ :‬ليس إىل هذا احلد‪ ،‬قلت‪ :‬إذن عليك أن تتنبهـ بعد ذلك‬
‫إىل احلدود والواجبات حىت ال تتورط!!‬

‫جزاء اإلحسان ‪:‬‬


‫دعا أحد االخوة شخصا فأنزله ضيفا يف سكن خاص وسلمه املفتاح ‪ ..‬وبعد أن أمضى الضيف الكرمي‬
‫مدته يف نزهة وسياحة غادر املدينةـ دون أن يعيد املفتاح إىل صاحب الشقة الذي استضافه‪.‬‬
‫واتصل صاحب السكن به يف القاهرة يستعجله لريسل املفتاح فقال ‪ :‬إنه يبحث عن مسافر إىل‬
‫اإلسكندرية لريسله معه واستمرت الشقة مغلقة أياما وأسابيع‪ ،‬وأخريا وجد الضيف من حيمل املفتاح إىل‬
‫صاحبه‪ ..‬وحني وصل إىل اإلسكندريةـ تفقد املفتاح فلم جيده ! لقد ضاع املفتاح وضاع الوقت وضاع‬
‫الوفاء مما يفقد الشعور بالثقة واالحرتام‪.‬‬

‫في زيارة إلى‪ +‬فرنسا‪:‬‬


‫دعيت لزيارة بعض االخوة يف باريس وحتدد موعد الزيارة وموعد القطار وملا كنت ال أعرفهم وال‬
‫يعرفونين فقد حتدد مكان أجلس فيه حال وصويل ليتعرفوا علي ‪ ..‬ونزلت يف القطار قاصدا املكان الذي‬
‫اتفق عليه‪ ،‬فلم أجد أحدا يف انتظاري ‪ ،‬ومل يكن معي أي عنوان!ـ وجلست أنتظر حوايل ساعة ونصف‬
‫حىت كثرت الوساوس وتعذر مغادرة املكان ألي سبب خشية أن حيضر أحد فال جيدين فتضيع آخر‬
‫فرصة‪ .‬وفيما أنا يف هذه الدوامةـ إذا بشاب يقرتب مىن ويقول يل ‪ :‬حضرتك األخ أبو معاذ ‪ .‬فنظرت‬
‫إليه غاضبا‪ ،‬وقلت له‪ :‬نعم يا سيدي أنا األخ أبو معاذ ‪ .‬قال ‪ :‬أنا متأسف هلذا التأخري‪ ،‬حيث أنين كنت‬
‫أصلي اجلمعة يف مسجد بعيد ‪ .‬فقلت له يف غضب ‪ :‬كان جيب يف هذه احلالة أن تبعثواـ يل واحدا ال‬

‫‪14‬‬
‫يصلي ‪ .‬فضحك واضطررت أن أخفف وقلت يف نفسي ‪( :‬أهل السماح مالح) ‪ ،‬وقلت لألخ الكرمي‪:‬‬
‫(إذا كنت تريد أن تصاحلين تغديين غداء إسالميا)ـ وذهبنا إىل مطعم أخ جزائري قدم لنا طعاما شرقيا‬
‫شهيا ‪ .‬وتوجهنا إىل املركز اإلسالمي الذي وجدته يف حالة ترميم وإصالح على قدم وساق وأدخلين‬
‫األخ حجرة صغرية فيها مكتب وتليفون ومنضدةـ تصلح أن تكون سريرا ودعاين للمبيت فيها ‪ -‬وكانت‬
‫درجة احلرارة حتت الصفر ‪ -‬فاعتذرت فليس يف الدار عوامل تدفئة‪ ..‬ونزلت يف أحد الفنادق اجملاورة‬
‫اجملهزة بكل وسائل الراحة ‪ .‬وهكذا كثريا ما يتعامل االخوة الشباب مع االخوة الشيوخ بأسلوب‬
‫الشباب غافلني عوامل السن والصحة ظانني أن شيوخ اإلخوان وقد حتملوا احملن والشدائد فهم على‬
‫استعداد دائم هلذه احلالة يف أي وقت وعلى كل وجه ‪ ..‬وهذا ليس من سنة اهلل يف خلقه‪ ،‬ودوام احلال‬
‫من احملال ‪.‬‬

‫زائر من الكويت‪:‬‬
‫اتصل يب أحد االخوة املصريني وهو يعمل موظفا بدولة الكويت‪ ،‬وقال يل إن أحد إخوانه له ابن طالب‬
‫يف اجلامعة يريد أن يقوم برحلة سياحية يف أملانيا وملا كان ال يعرف أحدا هناك ليستقبله ويساعده فقد‬
‫طلب مين أن أستقبله عند وصوله بالطائرة على مطار فرانكفورت وهو مطار هائل حيتاج إىل دليل ‪.‬‬
‫وفعال توجهت إىل املطار ومعي األخ صالح اجلعفراوي يف سيارة خاصة ‪ ،‬ويف املوعد هبطت الطائرة‬
‫وترقبنا خروجه من البوابةـ وقد أعطوين أوصافه ‪ -‬حيث مل يسبق يل به معرفة ‪ -‬وخرج شخص تنطبق‬
‫عليه هذه األوصاف ‪ .‬فلما أقبلت عليه إذا به يتجه إىل األخ صالح يعانقه بأشواق حارة‪ ،‬إذ كان يعرفه‬
‫من قبل ومل يكن األخ صالح يتوقع ذلك‪ ،‬واستغرقـ يف عواطفهـ ونسي أن هناك من جاء له خاصة‬
‫الستقباله‪ ،‬حىت نبهه األخ صالح إىل امسي‪ ،‬فمد يده يصافحين بدون حرارة ‪ .‬ووجدت نفسي يف موقف‬
‫غري الئق ‪ ..‬وتركت هذا الضيف لصاحبه يقوم بواجباتهـ وذكرت قول اهلل تعاىل {أن رآه استغىن} واملثل‬
‫الذي يقول‪ ( :‬اللي موش يف القلب عنايتهـ صعب ) ‪.‬‬
‫قال أبو يزيد (‪ : )1()1‬قم بنا حىت ننظر إىل هذا الرجل الذي قد شهر نفسه بالوالية‪،‬ـ وكان رجال‬
‫مقصودا مشهورا بالزهد‪ ،‬فمضينا إليه فلما خرج من بيته ودخل املسجد رمى ببصاقه جتاه القبلة ‪.‬‬
‫فانصرف أبو يزيد ومل يسلم عليه‪ .‬وقال‪ :‬هذا غري مأمونـ على آداب رسول اهلل غري فكيف يكون مأمونا‬
‫على ما يدعيه ‪.‬‬

‫(‪ )1( )1()1‬من كتاب يف منازل الصديقني‪ :‬صفحة (‪ )10‬لألستاذ سعيد حوى ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫بسيف الحياء‪:‬‬
‫شكا يل أحد االخوة الطالب أنه كلما ذهب مع إخوانه يف طريقهم إىل الكلية قدموه ليدفع تذاكر‬
‫املواصالت على أن يتبادلوا ذلك يف املرات القادمة‪ ،‬ويتكرر هذا األسلوب ويتحمل وحده مثن التذاكر‬
‫ويتهربون ! ويتمادون أكثر حني يدخلون يف حجرته وهو غائب ويأخذون بعض ما يرد إليه من أهله من‬
‫مأكوالت ويفتحون حقائبه‪ ،‬كل ذلك دون استئذانـ أو اعتذار وإذا غضب ووجه إليهم عتابا اختذوا من‬
‫ذلك فرصة للضحك وتغطية املوقف‪.‬‬
‫مثل هذه التصرفات غري الئقة وغري كرمية وإن ما يأخذون بسيف احلياء يورث الكراهية‪ ،‬وال تستمر مع‬
‫هذه التصرفات زمالة أو صداقة ‪ ..‬فقد قيل ‪( :‬شرط املوافقةـ قبل املرافقة) ‪.‬‬

‫خلع األحذية عند دخول المنزل‪:‬‬


‫اإلسالم دين حيث أتباعه على النظافة والطهارة {إن اهلل حيب التوابني وحيب املتطهرين}‪ ،‬هلذا ينبغي على‬
‫كل مسلم أن يتوخى النظافة والطهارة والنظام يف كل شئون حياته ‪ ،‬ومن العادات والتقاليد اليت أخذناها‬
‫من خمالطتنا لألجانب يف مصر أننا يف حالة زيارتنا لألقارب واألصدقاء خنلع أحذيتنا عند الدخول يف‬
‫مساكنهم‪ ،‬فال شك أن األحذية أكثر احتكاكا باألرض امللوثة بالزيوت واألوساخ واألتربة مما يكونـ‬
‫سببا يف تعريض األبسطة واملفروشات للتلوث بينما حنن نؤدي عليها الصالةـ أحيانا ‪ ،‬مما يدعونا إىل‬
‫احملافظة على نظافتها وطهارهتا ‪.‬‬
‫وقد انتشرت عادة خلع األحذية عند دخول املساكن يف دول اخلليج العريب والواجبـ علينا تعميمها يف‬
‫بيوتنا ونعود إىل عاداتنا اإلسالميةـ األصيلة ‪ .‬ومن العجب أن تسود هذه التقاليد عادات أكثر شعوب‬
‫دول أوروبا وأمريكا فال يدخلون مساكنهم قبل أن خيلعوا أحذيتهم يف دوالب وضعوه عند مدخل‬
‫بيوهتم حتررا من األوساخ اليت يقل وجودها هناك ‪ ،‬وحنن ما زلنا متمسكني بتقليدهم يف عدم خلع‬
‫األحذية مع أهنم صاروا اآلن خيلعوهنا ‪ ..‬فيا ليتنا نعترب ‪!.‬‬

‫من آداب اللقاء والوداع‪:‬‬


‫كثريا ما يلتقي االخوة بعضهم مع بعض‪ ،‬وقد يكون بينهم املرد من الصبيةـ (وهم من مل تنبت هلم حلى‬
‫وال شوارب بعد) فيكون العناق وتكونـ القبالت على الوجنات‪ ،‬ودفعا للحرج الشرعي فمن املستحسن‬
‫أن يقلع اجلميع عن ذلك ‪ ،‬فإن غلبت العاطفة فلتكن القبالت على األكتاف‪ ،‬وليمتنع اجلميع عن تبادل‬
‫القبالت مع الفرد امتثاال هلدى النيب الكرمي صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ودفعا للوقوع يف حبائل الشيطان‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫من آداب الزيارة‪:‬‬
‫من لذلك الذي جاء يطرق باب أخيه يف الواحدة صباحا فيزجره بأنه روع أخاه ؟ بل وروع معه زوجة‬
‫أخيه وأبناءمها مجيعا ؟؟!‬
‫لقد أمر األخ املروع ‪ -‬حني مسع الطرقات على الباب ‪ -‬زوجته املروعة بدورها أن تعد له حقيبته على‬
‫عجل إذ أن زوار الفجر على الباب ‪ ..‬وانتابت الزوجة نوبة شديدة من الفزع كادت معها أن تسقط‬
‫املروع أن فوجئ به يعتذر له بأنـ الوقت متأخر‬
‫مغشيا عليها ‪ ،‬مث مل يلبث األخ حيث فتح الباب للضيف ِّ‬
‫وأن أمرا عاجال هو الذي دفعه للمجيء يف هذا اهلزيع األخري من الليل ‪ ..‬وإذا باألمر تافه وباخلطب ليس‬
‫جبلل ‪ ..‬وإمنا هو فساد الذوق ‪ ..‬بل انعدامه ‪ ،‬وافتقاد لألدب اإلسالمي الرفيع ذلك الذي يأمر‬
‫باالستئناس ‪ ..‬أي ختري الوقت املناسب واستشعار الضيف أنه سيكون مرغوبا فيه حني الزيارة ‪.‬‬

‫الوقت هو الحياة ‪:‬‬


‫جاءين مبكرا واستأذن يف أن يتحدث معي يف موضوع ‪ ،‬وجلس وأخذ يشرح يل بتوسع واستفاضة وأنا‬
‫أمسع يف النصف ساعة األوىل يف انتباه واهتمام ‪ ،‬والنصف ساعة الثانية يف نصف انتباه‪،‬ـ وىف الثالثةـ توترت‬
‫أعصايب فاملوضوع الذي يتحدث فيه ال يتصل يب مباشرة وليس يل فيه إال صلة املودة ‪ ..‬والصديق العزيز‬
‫يتحدث إيل يف محاس وينقد كل نقطة كأنه حمام يدافع عن قضية صاحبها غائب ‪ ..‬ودعوت اهلل تعاىل أن‬
‫يلهمه احلكمة وخيفف فلعل فراسته تنبؤهـ عن طاقيت وصحيت وأنه ليس هو الوحيد الذي من حقه أن‬
‫يزورين ويتحدث معي ‪.‬‬
‫وقد تذكرت ما يفعله بعض الذين ذاقوا مثلى هذا املوقف حني يتعبونـ ويريدون أن يقطعوا على املتحدث‬
‫اعتذارا لظروفهم ‪ ،‬فيقومواـ واقفني إيذانا بانتهاء احلديث ! ولكن هذا األسلوب ال يصلح مع الذين‬
‫يظنون أن كل الوقت هلم مهما كانت الظروف ولو أدى ذلك إىل املرض ‪ ،‬متغافلني أن لكل إنسان‬
‫ظروفه اخلاصة‪ ،‬ولعلى فهمت ملاذا كان اإلمام حسن البنا يكتب على رأس مكتبهـ الفتة تقول ‪ ( :‬الوقت‬
‫هو احلياة فعاون غريك على االنتفاعـ بوقته ) ‪ .‬وال تعجب أن تعلم أن حديثه استغرق أكثر من ساعتني‬
‫وأنا أحتني لفرصة ألحرجه فأكون عدمي الذوق ‪ ..‬حىت دوى أذان صالة الظهر فأسرع مستأذنا ‪.‬‬

‫حساسية‪ +‬مفرطة‪:‬‬
‫تعود أن يزور صديقه التاجر يف حمل جتارته وكثريا ما جتئ جلسته جبوار درج املكتبـ (اخلزنة) الذي يضع‬
‫التاجر فيه أوراقه املاليةـ يف البيع والشراء‪ ،‬وحيدث أن يطلب من صاحب احملل أن يرتك املكتب لشئون‬

‫‪17‬‬
‫العمل فيقوم بإغالق الدرج ويأخذ املفتاح معه‪ ،‬حىت إذا رجع عاود عمله بفتح الدرج مرة ثانية وثالثة‬
‫حاسب ظروف العمل ‪ .‬والحظ صاحب احملل أن صديقه مل يعد يزوره كاملعتاد‪ ،‬وحني استفسر عن‬
‫ظروفه من صديق هلما قال له‪ :‬أن صديقنا يقول إنه كلما زارك يف احملل‪ ،‬وحني تقوم تغلق درج املكتبـ‬
‫اخلاص بالنقدية مرارا وهو جالس إىل جواره فشعر أنه غري مؤمتن وأخذ على خاطره من هذا التصرف‪.‬‬
‫فقال له صاحب احملل ‪ :‬إن صديقنا هذا حيمل املوضوع أكثر من الواقع‪ ،‬فالعمل التجاري له أصول ال‬
‫جتامل األصدقاء ‪ ،‬ولن أترك الدرج مفتوحا عند مغادريت املكتب‪ ،‬وسوف يكونـ فيه قلق بالنسبة‬
‫للطرفني‪ ،‬وإذا حدث أي خطأ يف احلسابات فالظن رمبا يفسد املودة ‪ ..‬هلذا كان من الواجبـ أن نقطع‬
‫الشك باليقني حمافظة على سالمة القلوب ‪.‬‬

‫من حسن إسالم المرء‪:‬‬


‫كثريا ما يقحم املسلم ‪ -‬حني يغيب عنه اخللق اإلسالمي ‪ -‬نفسه فيما ال يعنيه‪،‬ـ كمن ميضي حني يزور‬
‫أخا له يف بيته يسأل عن قيمة أثاث حجرة االستقبال‪ ،‬أو عن دخل صاحب البيت‪،‬ـ وكيف استطاع أن‬
‫يدبر تلك املبالغ الطائلة اليت أقام هبا بيته‪ ،‬وعن عدد أفراد أسرته وكم عدد من يعول‪ ،‬وعن إخوانه‬
‫وأخواته ومن تزوج منهم ومن مل يتزوج بعد‪ ،‬وملاذا ؟ وكثريا ما حيدث مثل ذلك بني النساء‪ ،‬إذ أهنن‬
‫أكثر خلق اهلل تساؤال وتدخال ‪ ..‬وقد حدث أن زارت واحدة منهن أختا هلا حديثة عهد بوضع مولود‪،‬‬
‫فذكرت هلا أنه قد مضى على زواجها بضع سنني دون أن تنجب‪ ،‬مث مضت تتعجب كيف استطاع‬
‫زوج األخت املضيفةـ أن يعثر على تلك الشقة الفسيحة يف حني أن زوج الضيفة مل يستطع حىت وقت‬
‫حديثها أن يعثر على شيء من ذلك !! إىل آخر تلك األسئلة اليت قد حتمل يف ثناياها حسدا وغرية‪،‬‬
‫فضال عما تسببه من حرج بالغ لدى املضيفة‪،‬ـ ناهيك عما يعرتيها من ضيق وأمل نفسي ال بد أن ينعكساـ‬
‫على حالتها النفسيةـ سيما وقد كانت يف حالة إرضاع ‪ ،‬األمر الذي سيسببـ – غالبا – يف إحلاق بالغ‬
‫الضرر بصحة الطفل الرضيع ‪.‬‬

‫األدب والذوق القرآني ‪:‬‬


‫{يا أيها الذين ليستأذنكم الذين ملكت أميانكم والذين مل يبلغوا احللم منكم ثالث مرات من قبل صالة‬
‫الفجر وحني تضعون ثيابكم من الظهرية ومن بعد صالة العشاء ثالث عورات لكم ليس عليكم وال‬
‫عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبني اهلل لكم اآليات واهلل عليم حكيم}‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫يتميز توجيه القرآن الكرمي باألدب العايل والذوق الرفيع الذي يتحرك به املسلم يف كل املواقف وكل‬
‫احلاالت ‪.‬‬
‫وقد أرشدنا اهلل تعاىل إىل هذا كمنهج سلوك حضاري يتميز به اجملتمع املسلم ‪ ،‬وأرسى هذه القواعد‬
‫حىت يلتزم هبا كل مسلم يف سلوكه وأخالقه ‪.‬‬
‫واآلية الكرمية تضع هذه القواعد اليت ترشد األبناء أال يدخلوا على آبائهم وأمهاهتم يف خمادعهم قبل‬
‫االستئذانـ ‪ .‬حددت اآلية الكرمية ثالث مواقيت حيظر فيها على االبن الدخول على أمه أو أبيه يف‬
‫فراشهما إال إذا أذنا له وهى الفرتة اليت تقع قبل صالة الفجر‪ ،‬والفرتةـ اليت خنلد فيها إىل الراحة بعد‬
‫الظهرية‪ ،‬والفرتة اليت تلي صالة العشاء وتستمر طوال الليل ‪ .‬وقد دهش أحد الصحابة عندما نزلت هذه‬
‫اآلية الكرمية فقال للرسول عليه الصالة والسالم‪:‬ـ هل أستأذن على أمي يا رسول اهلل؟ فقال‪ :‬نعم ‪ ..‬فقال‬
‫الصحايب ‪ :‬ولكنها أمي فكيف أستأذن عليها ؟ فقال له صلى اهلل عليه وسلم يف مساحة‪ :‬هل حتب أن‬
‫ترى أمك عارية ؟ فأجاب‪ :‬ال ‪ .‬فقال‪ :‬إذن جيب أن تستأذن قبل الدخول عليها يف هذه األوقات‪.‬‬

‫زيارة المريض‪:‬‬
‫كانوا معا يف رحلة سعدوا واستمتعوا هبا‪ .‬عاشواـ يف نزهة ورياضة‪ ،‬وفيما هم الهونـ يلعبونـ أصيب‬
‫أحدهم بشرخ يف ساقه فنقلوه إىل املستشفى وأبلغوا أهله بذلك‪ .‬وتوالت عليه الزيارات باملستشفى مث‬
‫بدأت تقل حىت كادت تتالشى‪ ..‬وظن كل واحد من إخوانه أنه هو الوحيد املقصر يف حق أخيه وما‬
‫درى أن اجلميع يظنونـ ذلك‪ .‬وبقى املريض املسكني يتنسم من بعيد عبري تلك املشاعر اليت كان ينعم هبا‬
‫بني إخوانه ولكن مل يعد لذلك سبيل‪.‬‬
‫فليس من كرامة اإلنسان أن يستجدى زيارة من إخوانه ‪ ،‬ومتضى األيام ويعيش هذا اإلنسان يف غربة‬
‫وكربة تزيد من مرضه وآالمه‪ .‬وكثريا ما قرأ ومسع ما ورد يف احلديث القدسيـ عن رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم "‪ ..‬يا عبدي مرضت فلم تعدين‪ ،‬قال‪ :‬يا رب كيف أعودك وأنت رب العاملني‪ ..‬قال‪ :‬إن‬
‫عبدي فالنا قد مرض فلم تعده‪ ،‬أال إن عدته لوجدتين عنده "‪.‬‬
‫وأحيانا يزامل أحدنا اآلخر وحتدث ألحدهم مشكلة حتتاج إىل تعاون من صاحبه ومشاركته ظروفه‬
‫الطارئة ومالزمته يف حمنته‪ ..‬ولكن يف غمرة هذه الظروف ال تعرف كيف انسلخ صديقه من املوقف كما‬
‫يفلت السهم من الرمية وكأن مل تكن بينهما سابقة مودة‪.‬‬
‫ورسولنا صلى اهلل عليه وسلم يقول يف حديث معناه‪ " :‬من حسن مماشاة املرء ألخيه املسلم أن يقف له‬
‫إذا انقطع شسع نعله "‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫موعد زيارة المريض ‪:‬‬
‫مرض األخ أمحد حيدر بالقلب ودخل قسم اإلنعاش يف مستشفى التأمني الصحي باإلسكندرية‪.‬ـ وجاء‬
‫أحدهم لزيارته ألكثر من مرة وقيل له‪ :‬إن الطبيب املعاجل أمر بعدم الزيارة والتحدث معه ‪ .‬فقال‪ :‬إنين‬
‫أحبه يف اهلل وأريد أن أراه ولن أجعله يتكلم‪ ،‬سوف أكلمه أنا وأعفيه من احلديث ‪ .‬قالوا له ‪ :‬إن احلاج‬
‫أمحد ال يريد أن يقابل أحدا ‪ .‬قال‪ :‬ال بد أن أمسع ذلك منه بنفسي ‪ ،‬فاضطر املرافق أن مينعه‪.‬‬
‫والعجيب أن هذا اإلنسان اعتاد أن يزور إخوانه يف وقت متأخر ويعتذر أن ظروفه ال تسمح إال بذلك‬
‫وهو يعلم أن أكثرهم متزوج ومواعيد أعماهلم مبكرة‪ ،‬فرتاه جيلس ويتحدث عن نفسه ومشروعاته ما‬
‫وسعه اجلهد من احلديث‪ ،‬والذي يستمع له يصيبه اإلعياءـ ‪ .‬وقد تقول له يف سياق احلديث ‪ :‬إنك على‬
‫موعد للسفر صباح الغد‪ ،‬أو إنك كنت عند الطبيبـ للعالج‪ ،‬كل هذا ال يدعوه إىل الرحيل إال إذا‬
‫صارحته بأنك على موعد مع النوم‪.‬‬

‫آداب زيارة المريض‪:‬‬


‫الذين قدر اهلل عليهم املرض هم الذين يشعرون بدقة الظروف وشدة احلرج الذي يتعرض له املرضى على‬
‫أسرة املستشفيات‪.‬ـ أحيانا يكون املريض يف حالة ال تسمح بدخول الزوار‪ ،‬ولكن الزائر حيرص على أن‬
‫يرى املريض أو يراه املريض كإثبات حالة‪ ،‬وبعضهم يصر على تقبيله‪ ،‬وآخر جيلس إىل جواره على‬
‫السرير‪ ،‬وينسى املوقف ويهز رجليه‪ .‬ويدرى كم يؤثر ذلك يف نفسية املريض وعلى راحته ويستحي أن‬
‫‪ .‬ينبه الزائر إىل ذلك‪ .‬وأحيانا يتأمل أهل املريض لثرثرة الزوار وجلجلة أصواهتم مما يؤمل املرضى اجملاورين‬
‫واملريض يف العنايةـ املركزة أكثر طلبا للراحة واهلدوء الكامل‪ ،‬فإن كثرة الزائرين تستهلك من قوة املريض‬
‫مما يكون سببا يف مضاعفةـ الوقتـ والعالج‪ .‬ويكفىـ أن ترتك بطاقتك أو تقابل أهل املريض لالطمئنان‪.‬ـ‬

‫‪20‬‬
‫التخلف عن الحضور في المواعيد‬

‫إن من أخطر األمراض االجتماعية اليت أصيب هبا اجملتمع هو مرض (التخلف يف املواعيد املقررة) مما‬
‫يسبب للذين ينتظرون اضطرابا نفسيا‪ ،‬مثلما حيدث إذا غاب االبن أو االبنة عن موعد عودهتما من‬
‫املدرسة‪ .‬كما يسبب التخلف يف ضياع كثري من الوقت يف غري فائدة أو إنتاج‪ ،‬ويضعف الثقةـ بني‬
‫اإلخوان واألصدقاء ويتسببـ يف صعوبة ضبط احللقات وربط بعضها ببعض مثلما حيدث إذا تأخر قطار‬
‫عن موعده فيرتتب على ذلك خلخلة يف كل املواعيد ‪ .‬وانتظام شئون احلياة ال يكونـ إال بضبط الوقت‬
‫كما هو احلال يف دقة ضبط مواقيت الصالة‪.‬ـ‬
‫وجتربيت يف هذا الشأنـ طويلة ومريرة‪ ،‬فعدم احلضور يف امليعاد املتفق عليه يسبب يل القلق والتوتر وقد‬
‫أتوقف عن املنهج اليومي‪،‬ـ اللهم إال إذا تعارفنا على أنه إذا تأخر أحدنا عن املوعد من مخس إىل عشر‬
‫دقائق يكونـ األخ املنتظر يف حل من املوعد‪ ،‬أما احلالة اليت مل يكن فيها مثل هذا االتفاق فإين يف املوعد‬
‫احملدد أكون يف قمة السعادة واالنشراح‪ ،‬فإذا حترك عقرب الساعة بعد ذلك يأخذ شعوري يف اهلبوط‬
‫حىت يتالشى‪ ،‬فإذا جاء صاحيب بعد ذلك كانت املقابلة جافة وحتولت إىل عتاب ولست أنا السبب يف‬
‫ذلك‪.‬‬
‫جاءين أحد اإلخوة الكرام ودعاين لزيارته يف بيته وحدد لذلك الثامنة‪،‬ـ ويف املوعد كنت مستعدا للخروج‬
‫معه ولكن الساعة بلغت العاشرة ومل حيضر ولكنين راجعت نفسي فرمبا يكون املوعد هو الثامنة مساء‪،‬‬
‫وأسرعت إىل املنزل قبل الثامنة مرتقبا حضوره ولكنه مل حيضر حىت الصباح‪ .‬ومل يصلين منه بعد ذلك أي‬
‫اعتذار ‪ .‬وسألت عنه رمبا يكون له عذر ال أعرفه فلم أجد له عذرا ‪ ..‬إن هذا املوقف أليم شديد الوقع‬
‫على النفس فقد ضاع الوقت يف مشغلة نفسية دون مربر ‪.‬‬
‫وأدهى من ذلك وأمر أن بعض اإلخوة يطلبون منك أن تدعوهم إىل الغداء ويتحدد املوعد حبضورهم‬
‫ويوافقونـ عليه‪ ،‬وآخذ األمر بقوة وأجهز املائدةـ هلذا العدد وأكثر من باب االحتياط ‪ ..‬ويقرتب الوقت‬
‫وال حيضر إال نصف العدد ‪ ..‬فإذا سألت واحدا من الذين ختلفوا عن احلضور ‪ ،‬فإنه يقول لك ببساطة ‪:‬‬
‫"دا أنا كنت فاكر إن كالمنا معك كان ه ْذ ًرا " أي هذر هذا الذي يكلف اإلنسانـ وأهل بيته هذه‬
‫الصدمات بعد أن أرهقوا أنفسهم يف االستعداد هلذه الزيارة والتجهيز هلا ؟!‬

‫‪21‬‬
‫وأذكر أنين وبعض اإلخوة دعينا للطعام بعد يومني يف الساعة الثانية ووصلنا يف املوعد‪ ،‬وجلسنا ندخل يف‬
‫حديث ونصله حبديث آخر قتال للوقت وبعد حوايل ساعتني دعينا للطعام‪ .‬وال شك أن هذا الوقت‬
‫الضائع قد أوجد شعورا بالضجر‪ ،‬حيث كان لنا ارتباطات أخرى ‪ .‬حىت لو أن الطعام جاء يف املوعد‬
‫احملدد فإنه ما كان علينا أن نطيل اجللسة حىت يتفرغ أصحاب الدعوة لشؤوهنم اخلاصة‪.‬‬
‫وقد عافانا القرآن الكرمي من احلرج فقد أوضح لنا أميا إيضاح هذه األمور اليت ختتص باملعامالتـ النفسية‬
‫واإلنسانيةـ حني يصعب على اإلنسانـ املصارحة هبا‪ ،‬حيث جاء يف سورة األحزاب {يا أيها الذين آمنواـ‬
‫ال تدخلوا بيوت النيب إال أن يؤذن لكم إىل طعام غري ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم‬
‫فانتشروا وال مستئنسني حلديث إن ذلكم كان يؤذي النيب فيستحيي منكم واهلل ال يستحيي من احلق }‬
‫[األحزاب‪ ، ]53 :‬وهكذا كانت اآلية الكرمية دستورا أخالقيا يهذب طبائع اجملتمع املسلم ويوفر معاناةـ‬
‫تقدمي األعذار ومينع اإلحراج ‪.‬‬
‫وكثريا ما تضطرب املواعيد وختتل الزيارات حني يعتمد الزائر على الذاكرة يف معرفة العنوان املتوجه إليه‪،‬‬
‫فقد يتحمل أعباء السفر الطويل معتمدا على ذاكرته وحني يصل يضل الطريق‪ ،‬وعبثا حياول أن يصل‬
‫فيعود أدراجه دون أن يؤدى أي واجب‪ ،‬واحتياطا ملثل هذا املوقف البد من أن يتأكد من العنوان ولو‬
‫برسم كروكي‪ ،‬ويأخذ رقم التليفونـ إن وجد‪ .‬وأحدهم يأيت للزيارة معتمدا على عنوان فقط‪ ،‬فإذا وجد‬
‫صاحبه قد غادر هذا العنوان فال مناص من العودة‪ .‬وكم يكون مؤملا لو أن هذا اإلنسان ليس معه ما‬
‫يكفيه وال يعرف أحد غري الذي جاء لزيارته‪.‬‬

‫التعارف‬
‫موقف في التعارف‪:‬‬
‫تعرف إىل من تلقاه وإن مل يطلب منك ذلك‪ .‬هكذا تعلم اإلخوان من وسائلهم يف نشر الدعوة‪ ،‬ولكن‬
‫ليس هكذا بدون مناسبة مع مالحظة الوقتـ والصحبة‪ .‬فقد حدث أىن كنت أسري مع ضيف من إخوان‬
‫القاهرة وتقابلنا يف الطريق مع أحد اإلخوة الذي فاجأين بقوله‪ :‬أحب أن تعرفين باألخ الكرمي‪ ،‬ومع أىن‬

‫‪22‬‬
‫أحفظ اسم األخ الضيف جيدا إال أىن نسيت امسه يف احلال‪ ،‬وارتج علي وتصببتـ عرقا واستلهمت اهلل‬
‫أن يذكرين‪ ،‬ودخلت مع األخ يف حديث جانيب حىت يلهمين اهلل االسم ووفقين اهلل أخريا وخرجت من‬
‫احلرج وتعلمت أنه يف مثل تلك الواقعةـ أن أقول له‪ ( :‬هي فرصة طيبة أن تتعارفا معا ) وأرى أنه من‬
‫املستحسن أن يكون التعارف يف مثل هذه احلالة مرتوكا لألخ املضيفـ إذا رغب يف ذلك‪.‬‬
‫ومن املواقف احملرجة يف التعارف أن تسأل أحدهم‪ :‬أأنت طالب يف اجلامعة؟ فيقول لك‪ :‬بل طالب يف‬
‫الثانوي! وتسأل آخر‪ :‬هل أنت طالب يف الثانوي؟ فيقول‪ :‬بل طالب يف اجلامعة أو موظف فتقع يف‬
‫التناقض‪ .‬هلذا تعلمت أن أجعل السؤال على الدوام (األخ يف أي مرحلة اآلنـ ؟) وهكذا أخرج من احلرج‬
‫وكما يقولون اخلسارة تعلم (الشطارة) املهارة‪.‬‬

‫أنت مش عارفني؟‬
‫ال يشك من يعرفين من إخواين أين أحتفظ بذاكريت بأمساء الكثريين منهم‪ .‬وعلى األقل ال أنسى أشكاهلم‬
‫ورمبا أصواهتم وبعض العادات اليت تالزمهم‪.‬‬
‫ومع حسن ظن إخواين األحبة‪ ،‬فإن التغيري يف احلياة من سنن اهلل تعاىل يف خلقه‪.‬‬
‫فأحيانا أرفع مساعة اهلاتف فأعرف حمدثي من أول لفظ ينطقه وكذلك أعرف شخصية طارق الباب من‬
‫إحدى عاداته اليت تالزمه‪ .‬وأحيانا يقابلين أحد اإلخوة باألشواق واألحضان فيحس باالستغراب ‪..‬‬
‫ويقول يل‪ " :‬أنت مش عارفين " فأنساه يف احلال مث يتابع ويقول‪ " :‬إزاى تنساين " ‪ ،‬فأستغرق يف‬
‫التوهانـ وال أتذكر شيئا!! ويصر على موقفه‪ ،‬مع أن واجبه يف هذه احلالة أن يرق حلايل وخيرجين من هذا‬
‫املأزق‪ ،‬مث يقول ‪" :‬يا أخي احنا تقابلنا منذ مخس سنوات عند األخ فالن! " وأيضا ال يذكر امسه كأنين‬
‫ال أذكر اسم هذا الفالن ظنا منه أنين لو تذكرت األخ فالن يكون هذا كافيا‪.‬‬
‫فأقول له‪ :‬احلمد هلل إن ذاكرتك متأخرة مخس سنوات ! وأنا يف احلقيقة ال أعرف أكلت إيه امبارح ‪.‬‬

‫رسائل‪ +‬مجهولة المرسل‪+‬‬

‫تصلين أحيانا بعض الرسائل ويكتب املرسل امسه يف هناية اخلطاب "توقيعا" فقط‪ ،‬وكذلك ال يكتب‬
‫عنوانه ورمبا ال يكتب تاريخ الرسالة أيضا‪.‬‬
‫وأحاول أن أستنبطـ من كلمات اخلطاب كلمة أو عبارة مألوفة عنه تدلين عليه فال أجد‪ .‬وأراجع خطه‬
‫لعلى أحتفظ بصورته يف ذهين فال أتوصل (كأنـ عندي سجل توقيعات األصدقاء) فاملعروف أن التوقيع‬

‫‪23‬‬
‫يقتصر على الشيكات والعقود واألوراق الرمسية باإلضافة إىل كتابة االسم بوضوح جبوار التوقيع‪ ،‬أما‬
‫اخلطاب فالواجب أن يكون االسم مكتوبا بوضوح ليسهل التعرف عليه والرد على رسالته‪.‬‬
‫مما يدفعين أخريا إىل االحتفاظ بالرسالة عساي أهتدي إليه‪.‬‬

‫قيادة السيارات‪+‬‬

‫يقولون إن قيادة السيارات فن وذوق‪ ،‬وأضيف أيضا‪ :‬وتواضع‪ ،‬ألن كثريا من أصحاب السيارات‬
‫الفارهة يلبسهم شعور األنانيةـ واالستعالء‪ ،‬وعلى قدر قيمة السيارة املادية وعالمتهاـ التجارية العامليةـ بقدر‬
‫ما يتصور أن ما دون ذلك جيب أن يفسح له الطريق‪ ،‬حىت أن أصحاب ورش إصالح السيارات يقدرون‬
‫أتعاهبم تبعا لقيمة السيارة وليس تبعا للجهد الذي يبذلونه!‬
‫فالسيارة اليت تطل من طريق جانيب على شارع رئيسي يظل صاحبها يرتقب من يتكرم فيوسع له الطريق‪،‬‬
‫غري أن السيارات تسرع دون مباالة‪ .‬فالذوق والتعاونـ اإلنساين يوجب إعطاءه فرصة فكلنا ذلك الرجل‪،‬‬
‫وما أمجل وأمتع حني تراه وتسمعه يبتسم لك بإشارة أو كلمة شكر‪ ،‬وما أمجل أن تسمع كلمة سيدنا‬
‫عمر بن اخلطاب حني يقول‪( :‬ثالث يصفني لك ود أخيك‪ :‬أن تبدأه بالسالم وأن تناديه بأحب األمساء‬
‫إليه وأن تفسح له يف اجمللس) كما تفسح له يف الطريق‪.‬‬
‫فقد تتعطل سيارة أو يصاب صاحبها يف حادث فتكون هذه السوابقـ األخالقية مما يدفع الناس إىل‬
‫املشاركة الوجدانيةـ والعملية بصدق وإخالص (اللى يقدم السبت يالقى األحد قدامه) ورسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم يقول لنا‪" :‬من حسن مماشاة املرء ألخيه املسلم أن يقف له إذا انقطع شسع نعله "‪.‬‬
‫ومن حسن أدب من يدعى لريكب سيارة أن يركب إىل جوار صاحبها إذا كان وحده‪ ،‬فإذا ركبت يف‬
‫هذه احلالة خلفه فإن هذا غري الئق إذ تصبح أنت يف هذه احلالة صاحب السيارة ويعترب هو سائقها !!‬

‫‪24‬‬
‫ومن حسن اخللق أال تسابق من أمامك وأال تضيق عليه الطريق‪ ،‬فإن ذلك تتسبب عنه حوادث ووفيات‬
‫وجنايات‪ .‬وبعض السيارات تتعطل يف الطريق وال تضع إشارات ضوئية‪ ،‬وبعضها يتعطل ويرتك على‬
‫الطريق خملفات من الزيوت والشحوم مما يسبب انزالق السيارات وخباصة املوتوسيكالت‪.‬ـ‬
‫وبعضهم يقذف بالبصاق بصورة بغيضة‪ ،‬وآخرون يلقون بأعقاب السجائر وقشر املوز والربتقال‬
‫واملعلبات الفارغة وغري ذلك‪ ،‬ويذكر أن عساكر املرور يف إحدى الدول يلتقطون مثل هذه األشياء مع‬
‫أرقام هذه السيارات ويرسلوهنا يف طرود بريدية إىل أصحاهبا مع حكم الغرامة‪.‬‬
‫وبعضهم يقوم بتشغيل سيارته يف أوقات غري مناسبة بعد الفجر حيث يقوم بتسخني السيارة فيكون‬
‫صوهتا مزعجا يقلق النائمني واألطفال‪ ،‬وبعضهم يستعمل آلة التنبيه لتنبيه أحد زمالئه يف إحدى‬
‫العمارات ليذهب إىل العمل ويستمر يف ذلك بصورة مزعجة‪ ،‬دون مراعاة لشعور املرضى أو النائمني‪.‬‬
‫فعن املقداد ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف حديثه الطويل قال‪( :‬كنا نرفع للنيب صلى اهلل عليه وسلم نصيبه من‬
‫اللنب جييء من الليل فيسلم تسليما ال يوقظ نائما ويسمع اليقظان)ـ رواه مسلم‪.‬‬
‫وكثريا ما حيدث أن يصدم أحدهم سيارة واقفة خالية من صاحبها فيوسوس له الشيطان أن يتابع سريه‬
‫قبل أن يتعرف عليه أحد! وال أدرى كيف يكونـ موقفه وشعوره إن حلق به أحد؟ ويكون مجيال لو أنك‬
‫انتظرت قليال فإن مل تتعرف على صاحب السيارة اليت أصيبت بالتلفيات‪ ،‬فعليك أن تكتب له رسالة‬
‫برقم تليفونك وعنوانكـ ليتصل بك حىت تسوي معه هذا الذي حدث‪ ،‬واعتقدـ أنك حني تفعل ذلك‬
‫يكون رد الفعل املصاحلة والتسامح وذلك أفضل‪.‬‬
‫ومن واجب صاحب السيارة أن يقف إذا الحظ أن بعض املارة ينتظرون عبور الشارع ولو مل يكن عند‬
‫نقطة العبور الرمسية‪ ،‬فإن الوقوف للمارة حىت يعربواـ الطريق هو مبثابة شكر هلل تعاىل أن أنعم عليك‬
‫بسيارة تركبها وغريك ميشى‪ ،‬وإذا كان عندك فضل متسع يف السيارة ووجدت من حيتاج إىل ذلك‬
‫وعاونته فإن ذلك مما يؤلف بني القلوب‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫الخطابات‪ +‬والصحف والمجالت‬

‫كتابة اخلطاب باحلرب األمحر أو القلم الرصاص يفقد اخلطاب احرتامه‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أن يكونـ للخطاب هوامش منظمة يزيده قيمة‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫اخلطاب الذي تكون حوافه مشرشرة غري مستقيمة يرمز إىل شخصية املرسل‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫إذا أرسلت خطابا باليد مع رسول ثقة فسلمه اخلطاب مفتوحا كدليل على ثقتك فيه‪ ،‬وعليه‬ ‫‪-4‬‬
‫أن يقوم بإغالقه أمامك زيادة يف الثقة‪ .‬أما إذا كان مسافرا إىل خارج البالد فاطلب منه أن‬
‫يقرأ اخلطاب كي يطمئن على ما فيه !‬
‫وصول اخلطاب إىل صاحبه دون أن يتكسر له هبجة‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫ال جيوز أن تطلع على رسائل الغري ولو بنظرة جانبية‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫أن ترد على اخلطاب يف وقته أروح لك وتقدير واحرتام لصاحبه‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫أن ترد على الرسالة بأحسن منها هو تعبري عن شخصيتك فالرسالة شهادة لك أو عليك‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫ال تكتب الرسالة وأنت غاضب فقد خرجت من سلطانك إىل سلطان الغضب‪.‬ـ‬ ‫‪-9‬‬
‫إذا استعرت جريدة فالرجاء أن تردها لصاحبها مرقمة الصفحات وعلى صورهتا الطبيعية‪.‬ـ‬ ‫‪-10‬‬
‫إذا استعرت كتابا فاملأمول أن ترده نظيفا كما كان‪.‬‬ ‫‪-11‬‬

‫مع الجرائد والمجالت والكتب ‪:‬‬


‫يزورك أحد اإلخوة وقبل أن يأخذ مكانه وجيلس على الكرسي تراه يسرع فيلتقط الصحيفة أو اجمللة‬
‫امللقاة على املنضدةـ ويستغرق يف القراءة فيها وكأنه قد جاء ليطالع الصحف‪ ..‬وقد أكون أستمع إىل‬
‫أحدهم وهو حيدثين يف مشكلة تستوجب اإلنصات واملشاركة فرتاين أشعر باألمل جتاه هذا الذي يعيش يف‬
‫واد وال يشاركنا مشاعرنا‪.‬‬
‫وقد يزورك أخ يف اهلل ويالحظ أنك حتظى مبكتبة خاصة فرتاه يقوم يطالع عناوين الكتب‪،‬ـ مث يسحب‬
‫بعضا منها ويضعها أمامه مث يلتفت إليك مستأذنا يف استعارهتا‪ ،‬فأقول له‪ :‬خذ كتابا واحدا حىت إذا أهنيته‬
‫تعال وخذ غريه‪ .‬فيقول‪ :‬إن وقته ال يتسع لذلك‪ ،‬فأقول يف نفسي‪ :‬وهل وقيت أنا يتسع ملواالةـ البحث‬
‫عنه ومطالبته بإعادة الكتب؟ فأعتذر ألن االعتذار رمبا يكون أبقىـ ملودة القلوب‪.‬‬

‫من هنا وهناك‬

‫‪26‬‬
‫المغادرة‪:‬‬
‫اعتاد بعض اإلخوة املغادرون من قطر إىل آخر يف زيارة أن حيملوا معهم يف الذهاب واإلياب بعض‬
‫طلبات وهدايا لزمالئهم من أهليهم هنا وهناك‪ ،‬وحني يعلم األصدقاء مبوعد سفره تنهال عليه األمانات‬
‫من نقود وخطابات ومشاالت متنوعة‪،‬ـ وفضال عن اإلرهاق الذي يصيبه فإنه قد يتورط يف أن يدفع من‬
‫ماله قيمة فرق الوزن وكذلك قيمة ما قد يكونـ من مجارك‪ ،‬وما أن يصل إىل داره حىت يبدأ يف السفر إىل‬
‫عدة أماكن كي يسلم ما معه من أمانات ومشاالت‪ .‬وكثريا ما يتأخر الفرد يف تسليم ما معه من أمانات‬
‫إىل ذويها وما ذاك إال كي يسرتيح ويأنسـ بأهله بعد هذا الغياب الطويل‪ ،‬ومع ذلك فغالبا ما يناله الكثري‬
‫من عتاب إخوانه على هذا التأخري‪.‬‬
‫من أجل هذا احلرج فكر كثري من املسافرين يف عدم اإلعالنـ عن موعد املغادرة وموعد العودة حىت ال‬
‫تنهال عليهم أمثال هذه املعوقات والغرامات‪ ،‬ولو علم كل شخص أنه ليس وحده الذي يكلف أخاه‬
‫مبثل ذلك هلان األمر وصدق اهلل { ال يكلف اهلل نفسا إال وسعها } [البقرة‪ ،]286 :‬واملثل العامي‬
‫املشهور (خفف تشيل)‪.‬‬

‫حقائب رغم المصائب‪:‬‬


‫تعرضت زوجته حلادث أليم فقدت فيه حياهتا‪ ،‬بينما جنا زوجها بقدر اهلل تعاىل ‪ .‬كان هذا احلادث يف‬
‫بلد عريب‪ ،‬ومت جتهيز اجلثمان لينقل بالطائرة إىل مصر ليدفن يف إحدى مدهنا‪.‬‬
‫وىف هذا اجلو املشحون باحلزن والكآبةـ امللفوف بالصمت‪ ،‬املمزوج بالدموع‪ ،‬يستعد زوج الفقيدة‬
‫ملصاحبة اجلثمان إىل القاهرة فهناك ينتظره أفراد العائلتني املنكوبتني‪.‬‬
‫وحني ذهب ليحضر حقيبته من منزله‪ ..‬إذا بعض من األصدقاء قد أحضروا معهم بعض احلقائب‬
‫واخلطابات ويطلبون من الزوج احملزون الباكيـ أن يتكرم بتوصيلها إىل أهليهم املوزعني يف عدة مدن!!‬
‫كيف يكون شعور هذا الزوج املسكني جتاه هؤالء القومـ الذين فقدوا مشاعر املواساة من أعماقهم‬
‫واستأثرت هبم األنانيةـ إىل درجة اجلفاف من مشاعر اإلنسانية والواجبات الشرعية؟ أمل يسمعوا أو يعواـ‬
‫(أنه حني علم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم باستشهاد جعفر بن أىب طالب يف معركة مؤتة‪ ..‬ذهب إىل‬
‫بيت جعفر وهو يقول ألصحابه‪:‬‬
‫" اصنعوا آلل جعفر طعاما فقد شغلهم اليوم شاغل " ‪ ..‬إن الواجب أن نعفى أهل امليتـ من أية شغل‬
‫يزيد من أحزاهنم فكيف بنا نكلفهم بأعباء ولو كانت تافهة‪.‬‬
‫هل هذا هو العزاء‪ ..‬هل هذه هي املواساة؟!‬

‫‪27‬‬
‫في العزاء‪:‬‬
‫توىف إىل رمحة اهلل تعاىل أحد الزمالء‪ ..‬وذهبنا إىل سرادق العزاء ننتظر حلني تشييع اجلثمان‪ ،‬ودخل أحد‬
‫املعزين فوجد له صديقا قدميا فأخذه باألحضان وجلس إىل جواره يروى له تارخيه بصوت مرتفع لفت‬
‫إليه األنظار واألمساع‪ ،‬بينما كان اجلميع جيلسون ىف صمت وخشوع‪ ،‬ومل يراعواـ شعور الوافدين فضال‬
‫عن مشاعر وظروف أهل امليت‪.‬ـ‬
‫وبعد فرتة خرج الناس حيملون على أكتافهم جثمان الفقيد املسجاة يف نعشها‪ ،‬والصديقانـ على حاهلم‬
‫من دون الناس‪ ،‬فلم تأخذهم العربة من هذا املشهد املوحى بالصمت والرهبة واخلشوع والدعاء‪.‬‬
‫وحقا ( ليست الثكلىـ كالنائحة) وقد علمنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حني قال‪" :‬إن اهلل حيب‬
‫الصمت يف ثالث‪ :‬عند الزحف وعند قراءة القرآن وتشييع اجلنازة "‪.‬‬
‫وكم رأيت أناسا يأتونـ للعزاء فيستقبلونـ باألحضان والقبالتـ واملوقف ال حيتمل هذه الصورة اليت كثريا‬
‫ما تكون يف األفراح وليست يف األتراح‪.‬‬

‫أسرار المهنة‪:‬‬
‫حني كنت صاحب شركة لصناعة األلبان (جبنة بأنواع خمتلفة) جاءين زميل صاحب شركة ألبان يف‬
‫زيارة فرحبت به أحسن ترحيب‪ ،‬مث بدأ يسألين عن كيفية صناعة (سائل املنفحة) وهو سائل أساسي يف‬
‫صناعة اجلنب‪ ،‬وكنت أقوم بتصنيعهاـ يف الشركة وختزينها‪ ،‬وتصنع من منافح العجول الصغرية بعد ذحبها‬
‫وتضاف إليه املادة احلافظة‪ ،‬ومهمة هذا السائل هو جتميد األلبان يف درجة حرارة معينة‪.‬‬
‫وبعد أن شرحت له العملية‪ ..‬سألين عن قيمة تكلفة كمية ‪ 100‬كيلو من املنفحة‪ ،‬فذكرت له ذلك‬
‫بصدق‪ .‬مث طلب أن يشرتى مىن مخس عبوات كبرية مبا يعادل مائة كيلو منفحة‪.‬‬
‫وىف احلال شعرت بتجهم وامتعاض‪،‬ـ فلو أنه طلب مين هذا الطلب قبل هذه األسئلة لكان الطلب مقبوال‪،‬‬
‫أما بعد أن عرف طريقة الصناعةـ وسعر اإلنتاج فإن املوقف فيه كثري من احلرج وقلت له بأسف‪ :‬إن‬
‫البضاعة املوجودة عندي ال تكفىـ استهالك املعمل وحاول بإحلاح ولكين رفضت بإصرار!!‬
‫ذلك ألن أسلوبه خمالف لألصول التجارية‪ ،‬فلو أن كل مشرت طلب أن يعرف سعر التكلفة قبل الشراء ما‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬البيعان باخليار ما مل يتفرقا " فكان أسلوب زائري الكرمي غري‬
‫معهود وال مألوف‪ ،‬هلذا اعتذرت وتعلمت أن أحتفظ بأسرار عملي إال ملن أعتقد أنه على مستوى الئق‬
‫وكرمي‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫مثال هذا كصديق يزورك ويرتدد عليك كثريا يف عملك التجاري أو الصناعي‪ ،‬وحبكم هذه الصداقة يطلع‬
‫على شئون العمل كما يتعرف على مصادر التمويل والتموين وكذا يتعرف على العمالء‪.‬‬
‫وبعد مدة من الوقت كافية الستيعاب املراحل تفاجأ بأنهـ قد افتتح حمال جتاريا من نفس الصنف ‪ -‬أو‬
‫مصنعا مشاهبا كما اتصل بنفس مصادر التموين والعمالء!!‬
‫قد تقول‪ :‬إن كثرياـ من العمال واملوظفني الذين يعملون يف املصانع والشركات حني يتوفر ألحدهم رأس‬
‫مال ميكنهم من االستقالليةـ يعملون مثل ذلك فما هو الفرق؟‬
‫إن ما حيدث من مثل هؤالء أمر معهود ومألوف وإن كان فيها بعض احلرج فالعالقة بينهم وبني أصحاب‬
‫األعمال عالقة مادية صرفة‪.‬‬
‫أما يف األمر األول فإن الذي حدث من الصديق املأمون هو خروج عن روح األلفة والصداقة إىل عكس‬
‫ذلك‪ .‬فإن األصل يف الصديق هو للعون واإلغاثة فإذا انقلب إىل مثل ذلك فإهنا (‪)....‬‬

‫قصة في صالون الحالقة‪:‬‬


‫من املتعارف عليه أن الدور يكونـ ملن سبق يف دخول صالون احلالقة‪ ،‬وهذا متعارف عليه يف أكثر بالد‬
‫العامل‪ ،‬وفيما كنت يف طريقي إىل صالون احلالقة وعند اقرتايب منه وجدت شابا جاء خلفي يريد أن‬
‫يسبقين إىل الصالون حىت حتتسب له األسبقية‪،‬ـ ومل أشأ أن أسرع اخلطى مثله ‪ ..‬فسبقين‪ ،‬ولكنين شعرت‬
‫حنوه بشيء من الغضب‪ ،‬اعتربته إنسانا أنانيا يفضل نفسه على اآلخرين‪ .‬وأن من حسن اخللق أن حيدث‬
‫غري هذا حيث كنت أسبقه فضال عن أنين أكرب منه سنا‪.‬‬
‫ولقد قرأت يف هذا املعىن حديثا أخرجه البيهقيـ يف شعب اإلميان (دخل رجل إىل رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وهو يف املسجد قاعد فتزحزح له رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ! فقال الرجل‪ :‬يا رسول‬
‫اهلل‪ ،‬إن يف املكان سعة‪ ،‬فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إن للمسلم حلقا إذا رأى أخا أن يتزحزح له)‪..‬‬
‫ومثل هذه الصورة اليت قدمها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم للمسلمني هلى مما يرطب النفوس ويؤلف‬
‫بني القلوب ويشيع احلب‪.‬‬
‫موقف مع طبيب‪:‬‬
‫أحيانا يزورين بعض األخوة من األطباء يف وجود عدد من الزوار‪ ،‬وقد ال يعرف بعضهم بعضا‪ .‬وحال‬
‫التعارف سرعان ما يدور احلديث عن الطب‪ ،‬وسرعان ما يتذكر بعضهم ما أصابه من مرض‪ .‬وتوجه‬
‫األسئلة املباشرة إىل الطبيب‪،‬ـ الذي جاء يف زيارة يتخفف هبا من عمله اليومي‪ ،‬وكثريا ما جيد الطبيبـ‬
‫نفسه يف حرج فيوصى بالعالج أو يكتب تذكرة دواء (روشتة) وأجد نفسي يف موقف شديد احلرج‬

‫‪29‬‬
‫فأسكت على مضض‪ .‬وذات يوم زارين طبيبـ كبري وتكرر املوقف ولكن الطبيب رد على السائل وقال‬
‫له‪( :‬إن إمكانية الكشف الطيب على أي مريض ال توجد إال يف العيادة اليت تتوفر فيها أدوات الكشفي)ـ‬
‫وهبذا وضع هناية هلذه الصورة اليت تتكرر دون فقه أو تقدير‪.‬‬

‫رؤيا منامية‪:‬‬
‫اتصل يب أحد املعارف تليفونيا وقال إنه قد رأى يل رؤيا منامية ويريد أن حيدثين عنها‪ .‬فقلت له‪ :‬أنا يف‬
‫انتظارك‪ .‬وبعد فرتة استقبلته يف منزيل‪ .‬مث بدأ يقص علي رؤياه فقال‪ :‬أنه قد رأى يف نومه أن مجاعة من‬
‫الناس يسريونـ يف الشارع قبيل الفجر وهم يهللون ال إله إال اهلل حممد رسول اهلل ويكرروهنا باستمرار‬
‫فقام من نومه وفتح النافذة وسأل عن سر هذا التجمع فقالوا له‪( :‬البقية يف حياتكم احلاج عباس السيسي‬
‫توىف إىل رمحة اهلل) ونظر إىل يستوحى وقع هذه الرؤيا على أعصايب‪ .‬ونظرت إليه يف دهشة وقلت له‪ :‬إن‬
‫الشائع عند عامة الناس أن املوت يف الرؤيا املناميةـ يبشر بطول العمر‪ ..‬وشكرته وانصرف!!‬

‫رحلة الحج إلى بيت اهلل الحرام‪:‬‬


‫فيما مضى من الزمان كان حجاج بيت اهلل احلرام يعودون إىل بالدهم ومعهم هدايا قليلة وخفيفة مثل‬
‫"طواقي للرأس" "كوفيات" "حناء" "دبل من الفضة" "ماء زمزم" "بلح متر على شكل مسبحة" أما يف‬
‫هذه السنني فقد تطورت اهلدايا وتنوعتـ بصورة مذهلة فقد كادت ختتفي اهلدايا السابقة وتصدرت‬
‫الغساالت الكهربائية والثالجات بكل أنواعهاـ وماكينات خياطة املالبسةـ والسجاد والبسط وغري ذلك‪..‬‬
‫والنساء أكثر خلق اهلل استجالبا واستحواذا‪.‬ـ ويتعرض الرجال والشباب حلمل هذه اهلدايا ونقلها من‬
‫السيارات دون النساء ويتحملون املتاعب واملشاق‪ .‬وىف صالة الفندق الذي كنت أنزل به طلبت مىن‬
‫سيدة أن أساعدها يف محل حقيبة خاصة هبا إىل الدور العلوي‪ ،‬ومحلت احلقيبةـ ومل أكد أحترك هبا عدة‬
‫خطوات حىت عجزت عن محلها فرتكتها واعتذرت هلا حيث كان هبا أمحال ثقال‪ ،‬وعدت إىل حجريت‬
‫حيث أصبت بالذحبة الصدرية ونقلت إىل مستشفى امللك باملدينة املنورة وأدخلت قسم اإلنعاش‪،‬‬
‫وحرمت من أداء فريضة احلج وعدت إىل بلدي‪ ،‬وهكذا حياول بعض الناس استغاللـ غريه دون مراعاة‬
‫للظروف والشعور‪.‬‬

‫إسقاط الكلفة والتكليف‪:‬‬


‫بعض اإلخوة يعتربون أن األخوة يف اهلل تعاىل تبيح هلم أن يسقطوا يف تعاملهـم مع إخواهنم الكبار ما‬
‫يسمى " بالكلفة " (فالبساط أمحدي) ‪ ..‬فمثال حيث يدعى أحد الدعاة من العلماء الفضالءـ من علماء‬

‫‪30‬‬
‫األزهر الشريف أو أساتذة اجلامعات ليلقى حماضرة‪ ،‬فأنت تسمع األخ الذي يقدمه على املنصة وهو‬
‫يقول أقدم لكم (األخ فالن) دون أن يسبق ذلك أو يشفعه باأللقاب العلمية اليت حصل عليها واليت بوأته‬
‫هذا املقام‪ ،‬وهو حيث يقدمه هبا ال ينسبها إليه من باب اجملاملة فهي حق من حقوقه فضال عن أنه حني‬
‫يذكرها فإهنا تعطى جلمهور املستمعني فكرة عن احملاضر ودرجاته العلمية‪ .‬وقد أمرنا أن نكرم العلم‬
‫والعلماء وأن ننزل الناس منازهلم‪ .‬والعجيب أن غرينا يف مثل هذه املواقف يضفون على خطبائهم‬
‫وحماضريهم بعض الصفات واأللقاب اليت ال يستحقوهنا ليجذبوا هبا املستمع‪ ..‬أما حنن فنجردهم من‬
‫حقوقهم إمعانا يف التجرد والبعد عن حب الظهور بينما جيب أن نعطى كل ذي حق حقه ونكرم الدعوة‬
‫والداعية‪.‬‬
‫وبعض اإلخوة الدعاة يدعون إللقاء حماضرة يف اجتماع عام سواء يف مسجد أو غريه وحيدد له وقت‬
‫حمدد إلفساح اجملال لغريه من اخلطباء ويالحظ أنه ال يتقيد بذلك ويستطرد يف احلديث دون مراعاة‬
‫للوقت‪ ،‬وال يتوقف حىت تأتيه على املنصة ورقة تعلمه بانتهاء الوقت احملدد‪ .‬وأعتقدـ أن احملاضر الذي‬
‫تفاجئه هذه الورقة ال خيتم حديثه بصورة ترحيه نفسيا‪ .‬وبعض اخلطباء حني يشعر بأنه قد أطال احلديث‬
‫يقول يف سياق حديثه للمستمعني‪ " :‬أنا ال أريد أن أطيل عليكم " ومع هذا فإنه يستمر وقد يكررها مرة‬
‫ومرات حىت يرى بنفسه أن مجهور املستمعني بدأ يتسرب مث يضطر إلهناء كلمته يف موقف غري مريح‪.‬‬
‫وىف إحدى حماضرات حديث الثالثاء كان احملاضر عاملا جليال من علماء األزهر الشريف‪ ،‬وبعد أن أهنى‬
‫حماضرته يف وقتها أسرع إليه أحد الشباب وانفرد بفضيلتهـ يف حديث خاص يف مكان قصي‪ ،‬واضطر‬
‫الشيخ أن يستمع إليه والشاب يطيل احلديث‪ ،‬الذي حجبه عن باقي الشباب الذين يريدون أن يرحبوا به‬
‫بصفته ضيفا‪ .‬فذهبت إليهما وقلت هلذا الشاب‪ :‬يا أخي دع الشيخ ليتعرف على إخوانه وأحبابه فليس‬
‫الوقت مناسبا ملثل هذه احلكايات‪ ،‬فقال فضيلة الشيخ وهو خياطبين مبتسما‪ :‬يا حاج عباس دا مش‬
‫خمضرم زيك!‬

‫تصرفات في المساجد‪+:‬‬
‫حيدث يف املساجد القريبة من حمطات السكك احلديدية أن يتوجه أحدهم وهو على موعد مع القطار‬
‫ليؤدى صالة املغرب أو العشاء‪ .‬فيصادفه إمام يقرأ بطوال السور القرآنية ويركع ويسجد ىف تأن شديد‪.‬‬
‫مما جيعل هذا املأموم ىف قلق شديد خوفا من أن يفوته القطار وال أظن أن مثل هذا كان يعيش حقيقة مع‬
‫التالوة‪ ،‬حىت إذا سلم اإلمام انطلق كالريح‪ .‬وأحيانا خيرج بعض املأمومني من الصالة حني يأيت وقت‬
‫القطار‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫وقد حدث أن سافرنا إىل مدينة بعيدة حلضور عقد زواج أحد إخواننا‪ .‬وحانت صالة املغرب فقدمنا‬
‫أحدنا إماما للصالة وذكرناه بأننا سوف نصلى املغرب والعشاء مجع تقدمي‪ .‬وبعد أن أدينا صالة املغرب‬
‫أقمنا لصالة العشاء‪ ،‬واستمر أخونا يسرتسل يف التالوة وقد نسي أننا على موعد مع القطار األخري حىت‬
‫غادر القطار احملطة! وختلف عدد من اإلخوة وأجهدنا العريس وأهله يف استضافتنا وعمل ترتيبات إضافية‬
‫مل تكن يف احلسبان وتأخر بعضنا يف الصباح عن عمله الذي مل يستطع أن ينضبطـ مع موعده‪.‬‬
‫وحيدث أنه بعد األذان وقبل إقامة الصالة بلحظات يدخل أحدهم ويقف يف الصفوف األوىل يؤدي‬
‫ركعيت السنة أو حتية املسجد فيتسبب يف تأخري الصالة‪..‬ـ وحيدث أن يدخل املسجد بعض الشباب‬
‫املتحابني وجيلسون متجاورين فيأيت من يفرق بينهم يف الوقت الذي يكونـ يف املسجد متسع للكثري‬
‫والرسول صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪ " :‬ال حيل لرجل أن يفرق بني اثنني إال بإذهنما "‪ 1‬فضال عن ختطى‬
‫بعض املصلني الرقاب الذي هنينا عنه‪.‬‬
‫وتعجب أن ترى بعض الشباب يسندون ظهورهم إىل أعمدة املسجد فيعطل خروج املصلني‪.‬‬
‫وىف احملاضرات ترى بعض الشباب يسندون ظهورهم إىل أعمدة املسجد بينما يكون بعض الشيوخ من‬
‫كبار السن جيلسون إىل جوارهم بدون مسند‪ ،‬فال خيطر ببال هذا الشاب أن يتزحزح عن مكانه إيثارا‬
‫هلذا الشيخ املسن واحرتاما لشيخوخته‪ .‬وبعض الشباب حيب أن يستأثر باإلمامة يف الصالة دون أن‬
‫يستعرض من املصلني من يكونـ أوىل منه باإلمامة‪ .‬فإن تقدمي األعلم واألكرب أدعى للتقدير واالحرتام‪.‬ـ‬

‫هو الذي يعمل معي‪:‬‬


‫زارين أستاذ يف إحدى اجلامعات بدولة عربية‪ ،‬وفيما حنن نتحدث جاء ذكر أحد األساتذة الذين يعملون‬
‫يف نفس اجلامعة‪ .‬فقلت لألستاذ حضرتك تعمل معه؟ فقال‪ :‬ال هو يعمل معي! فاستدركت وقلت له‪:‬‬
‫آسف ألين ال أعرف كنه وظيفتك وال مكانتك العلمية فقال‪ :‬أنا أستاذه!!‬
‫كنت يف رحلة مع جمموعة من الشباب‪ ،‬وتعرفت بأحدهم وبعد فرتة من احلديث بيننا سأله أحد اإلخوة‬
‫فقال له‪ :‬كيف وجدت عمك احلاج عباس؟ فقال الشاب بأدب‪ :‬هو الذي وجدين فسله هو عىن وال‬
‫تسألين أنا عنه !‬
‫قد ال ينتبهـ بعض اإلخوة حني يتحدثون عن غريهم إىل مالحظة الفوارقـ االجتماعية فيمن يتحدثون‬
‫عنهم‪ ،‬فأنت تسمع الطالب حني يأيت ذكر أحد األساتذةـ الذين يدرسون له أو كانوا يدرسون له‪ ،‬فرتاه‬
‫يقول إن هذا األستاذ كان معي يف الكلية! والواجبـ أن يقول‪ :‬أنا كنت تلميذه أو معه أو عنده يف‬
‫‪ 1‬رواه أبو داود والرتمذي وقال‪ :‬حديث حسن‬

‫‪32‬‬
‫الكلية‪ ،‬ونستعني هبذه الكلمات يف فهم أسلوب املخاطبة حني سئل العباس عم رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪( :‬أأنتـ أكرب أم رسول اهلل؟ قال رضي اهلل عنه‪( :‬هو أكرب مىن وأنا ولدت قبله)‪.‬‬

‫فقه الهدف‪:‬‬
‫قال يل األستاذ حممد حامد أبو النصر املرشد العام إلخوان املسلمون‪ :‬إنه وجه الدعوة إىل فضيلة املرشد‬
‫الشهيد حسن البنا لزيارة مدينة منفلوط وقد لىب الدعوة وأقيم مبناسبة حضوره حفل دعي له مجع كبري‬
‫من الناس‪ .‬وكان من الذين شاركوا يف احلفل شاعر ألقى قصيدة يف املناسبة وقد الحظ الشهيد حسن‬
‫البنا من أحد اجلالسني جبواره أنه يتابع النطق بأبيات القصيدةـ كأنه حيفظها فسأله‪ :‬هل أطلعك األستاذ‬
‫الشاعر على قصيدته؟ قال‪ :‬إن هذه القصيدةـ من تأليف جد السيد حممد حامد أبو النصر ولكن الشاعر‬
‫نسبها لنفسه وبودي أن أراجعه يف ذلك! فقال له املرشد الشهيد‪ :‬هل تريد أن تبهت الرجل وحتدث‬
‫بينك وبينه فجوة؟ إن الشاعر يريد أن يكرمنا فهل يستحق منا أن نؤذى شعوره؟ ألن يبقى صديقا لنا‬
‫خري من أن يعادينا‪ .‬إن اإلنسانـ ينسى احلسنة وال ينسىـ السيئة!!ـ‬
‫وقال يل األستاذ حممد حامد أبو النصر‪ :‬إنه قد حضر حفل عقد قران ابن أحد كبار علماء األزهر وهو‬
‫كبري عائلة شريت من ريفا مبحافظة أسيوط ودعي إىل هذا احلفل فضيلة اإلمام شيخ األزهر الشريف‪،‬‬
‫والشهيد حسن البنا‪ .‬وقد حضرا‪ ..‬وحني بدأ عقد القران تقدم عدد من أبناء العائلة إىل فضيلة املرشد‬
‫حسن البنا ليتوىل عقد القران‪ .‬ولكنه اعتذر عن ذلك بإصرار وقام بنفسه وقدم اإلمام األكرب ليتوىل صيغة‬
‫العقد وبذلك أرضى اجلميع هبذه اللفتة الكرمية املؤدبة من أخالق حسن البنا يف تربية أبناء هذا اجليل‬
‫الذي جيب أن خيرج حظ نفسه من نفسه‪.‬‬

‫حفالت الزواج في المساجد‪+:‬‬


‫كثرت يف هذه األيام إقامة حفالت الزواج يف املساجد نتيجة الصحوة اإلسالميةـ املعاصرة وىف جو هذه‬
‫احلفالت بدت بعض املشاهد غري مالئمة جلالل املسجد‪ ،‬مثل إقامة الزينات داخل املسجد ورفع‬
‫األصوات وإحداث هرج ومرج من وجود األطفال وبعض السيدات غري امللتزمات وكان يكفىـ زيادة‬
‫اإلضاءة يف الداخل واخلارج إلضفاء روح البهجة والسرور‪ .‬ومن املستحب افتتاح احلفل بآيات من‬
‫قصار السور‪ ،‬مث يتم كتابة صيغة عقد القران وهتنئة العريس‪ 1‬وأهل العروسني والذين يتقدمونـ أمام‬
‫امليكرفونـ للتهنئة ينبغيـ أن تكون كلماهتم قصرية ليفسحوا اجملال لغريهم وأن تكون كلماهتم منتقاةـ‬

‫‪ 1‬العروس‪ :‬يطلق على الذكر واألنثى والعريس كلمة حمدثةـ أجازها جممع اللغة العربية‬

‫‪33‬‬
‫تناسب املقام‪ .‬فبعض احملدثني يريد أن يتلطف فيقول إن الشريعة اإلسالميةـ أباحت للزوج أن يتزوج مثىن‬
‫وثالث ورباع وهذا ميس شعور الزوجة وأهلها‪ ..‬وليحذر املتحدثون من االسرتسال فليس اجملال جمال‬
‫حديث أو حماضرة إنه جمال هتنئة‪ .‬ويتخلل هذه الكلمات بعض األناشيد اإلسالمية اليت ينشدها األطفال‬
‫يف زيهم اجلميل وأصواهتم الرخيمة وبعد ذلك حييط اإلخوة بالعريس يف زفة إسالميةـ حىت يركب السيارة‬
‫مع احملافظة على عدم تعطيل مرور السيارات‪.‬‬

‫التزلف‪:‬‬
‫ذهبت إىل أحد املستشفيات اليت أعرف صاحبها وهناك قابلين شاب موظف باملستشفىـ ال أعرفه مر قبل‪،‬‬
‫وقال يل‪ :‬إنه يعرفين والحقين بالتدخل حني حديثي مع صاحب املستشفى موحيا إليه أنه صديقي الويف‬
‫واستفاد من هذا املوقف يف قضاء بعض مصاحل خاصة له‪ .‬وىف زيارة أخرى أخربين أنه قدم أحد أصدقائه‬
‫ليعمل موظفا باملستشفى بتزكية مىن وطلب مىن إذا سئلت عن ذلك أن أؤيد هذه التزكية وتوالتـ على‬
‫املسئولني يف املستشفىـ هذه األساليبـ حىت صدر قرار باالستغناء عن خدماته!!‬

‫موقف في المواصالت ‪:‬‬


‫تعبت من زمحة الركاب يف وسائل املواصالت العامة‪ ،‬ففكرت يف أن أركب األتوبيس من أول حمطة‬
‫القيام حىت يتوفر يل مكان للجلوس‪ .‬وجلست على مقعد مسرتحيا مطمئنا وبعد فرتة امتأل (األتوبيس)‬
‫بالركاب الواقفني ووقفت إىل جواري سيدة حتمل طفال متيل مع حركة األتوبيس ميينا ويسارا‪ ،‬ووجدت‬
‫نفسي يف ضيق وحرج‪ ،‬هل أمتادى يف اجللوس وأجتاهل الدوافع النفسيةـ اليت تستنهضين للوقوف‪ .‬ودعوهتا‬
‫للجلوس مكاين مع أىن يف عمر والدها‪ .‬ولكن هذا ال يشفع يل ألين ملتح ومثلنا البد أن يتحمل الكثري‬
‫طاملا كان ملتزما‪ ،‬وأخريا قمت ودعوهتا للجلوس وحتملت التالطم وقدماي ال تقوى على الوقوف وهذه‬
‫ضريبة يدفعها امللتحي الذي يريد أن يظهر اإلسالم بصورته املثلى‪.‬‬

‫فرح ومأتم ‪:‬‬


‫دعيت حلضور حفل زفاف أحد اإلخوة وكان ذلك يف أحد املساجد‪ ،‬كما حضر عدد كبري من املدعوين‬
‫وملح وحتيات‬
‫الذين وفدوا من أحناء املدينةـ واستمتع اجلميع باجلو اإلسالمي املبهج من كلمات وأناشيد ُ‬
‫من أطعمة ومشروبات ودعوات للعروسني وأسرتيهما أن جيمع اهلل بينهما يف خري وعلى خري‪ ،‬وكان‬
‫احلفل هبيجا مبا ختلله من أشواق وأحاديث بني احلاضرين الذين قلما جتمعهم مثل هذه املناسبات السعيدة‬
‫املفرحة‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫وحال ختام هذا احلفل املبارك وقبل أن خيرج اجلميع لتوديع العريس حمفوفا بقلوب ومشاعر إخوانه‪،‬‬
‫انطلق املذياع من داخل املسجد يدعو الناس إىل حضور جنازة املتوىف إىل رمحة اهلل تعاىل (‪ )...‬غدا‬
‫الساعة ‪ 10‬صباحا من منزله وإنا هلل وإنا إليه راجعون!!‬
‫لقد قوبل هذا النبأـ يف وقت مناسبة عقد القران بدهشة واستنكار!! فقد كان من الواجب على األقل‬
‫تأخري هذا اإلعالن حىت يتم انصراف هذا اجلمع وإن كان املقصود أصال هو إبالغهم؟!‬
‫وما زلت أذكر ذات يوم أعلن عن عقد قران أحد اإلخوة يف منزله وأقيم لذلك حفل ونصبتـ الزينات‬
‫وقبل أن يتوافد املدعوون توىف إىل رمحة اهلل تعاىل رجل من أعيانـ البلد يسكن قريبا من منزل صاحب‬
‫احلفل‪ ،‬وبعد أن انتهىـ احلفل وانصرف املدعونـ ورفعت الزينات أعلن أهل امليتـ نبأ وفاة عميدهم رمحه‬
‫اهلل‪.‬‬

‫خاتمة ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫هذا الكتاب قصدت به أن أضع صورا لنماذج خمتلفة من التصرفات كي أدق هبا على قلوب اإلخوة‬
‫ووجداهنم حىت تفيق‪ ،‬مث تفيض على اجملتمع من نبع األرواح الزكية ما يبهر الناس حبضارة اإلسالم الرفيعة‬
‫اليت طوهتا تقاليد جافة جامدة‪ ،‬وأسرها االنبهار مبظاهر الغرب والشرق اليت تقوم على املادة واألنانية اليت‬
‫جتاهلت أثر الروح يف مسرية احلياة‪.‬‬
‫وسلوك الروح يف حياة املسلم تضبطه وتوجهه قواعد أخالقية سامية تستمد هديها من وهج الروح ونور‬
‫اإلميان‪.‬‬
‫فسلوك الروح يف كل جماالت احلياة زينة املرء املسلم وهو مصدر اإلشعاع املرتامي الذي تستجيب هلواتفه‬
‫القلوب فرتبط الناس بانسجام راق متدفق باحليوية والصدق واإلخالص‪،‬ـ وتتفاعلـ به النفوس البشرية من‬
‫أعماق الشعور الفطري النقي‪ .‬الذي حجبته عن الظهور انتكاسةـ يف األخالق وجحود وصدأ ران على‬
‫القلوب فانطفأ النور أو كاد‪.‬‬

‫{ ومن لم يجعل اهلل له نورا فما له من نور } [النور ‪. ]40‬‬

‫‪35‬‬

You might also like