You are on page 1of 25

‫َ‬

‫الفهرس‬

‫ادلقدمة‪2 ................................................................................. :‬‬


‫وسائل مقدمة وشاملة للتزكية‪4 ............................................................ :‬‬
‫‪ )1‬دوام استحضار حقائق اإلسالم اليت ال يصح اإلسالم إال هبا‪4 ........................... :‬‬
‫‪ )2‬العلم ابهلل ﷻ‪8 ...................................................................... :‬‬
‫‪ )3‬إدراك مركزية العمل يف اإلسالم وبذل الوسع فيو‪11 .................................... :‬‬
‫وسائل تزكوية متعلقة ابلتصفية والتطهَت والتخلية‪12 ........................................:‬‬
‫‪ )1‬تربية النفس على خمالفة اذلوى‪12 ..................................................... :‬‬
‫‪ )2‬دوام التوبة وجتديدىا ولزوم االستغفار‪14 .............................................. :‬‬
‫‪ )3‬اجملاىدة‪16 .......................................................................... :‬‬
‫‪ )4‬التوكل على هللا ﷻ يف ترك ادلعاصي‪17 ................................................ :‬‬
‫وسائل تزكوية متعلقة ابلزايدة والنماء (التحلية)‪18 ......................................... :‬‬
‫وعمال‪18 ........................................ :‬‬
‫اىتماما ً‬
‫ً‬ ‫‪ )1‬العناية التامة أبعمال القلوب‬
‫‪ )2‬الدعاء‪19 ........................................................................... :‬‬
‫‪ )3‬الصالة‪21 ........................................................................... :‬‬
‫‪ )4‬التفكر‪21 ........................................................................... :‬‬
‫‪ )5‬كثرة ذكر هللا ﷻ‪22 ................................................................. :‬‬

‫ٔ‬
‫ادلقدمة‪:‬‬
‫كثَتا طيبًا مبارًكا فيو كما حيب ربنا تبارك‬
‫ضبدا ً‬
‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‪ ،‬اغبمد ﵁ رب العاؼبُت‪ً ،‬‬
‫وتعاذل ويرضى‪ ،‬اللهم لك اغبمد ال كبصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك‪ .‬اللهم ِّ‬
‫صل وسلم‬
‫وابرك على عبدك ورسولك دمحم‪.‬‬
‫وسهًل ومرحبًا‪ ،‬حياكم هللا‪ ،‬شرفتم ونورمت‪ ،‬وأسأل هللا سبحانو وتعاذل أن يبارك لنا ولكم يف‬
‫أىًل ً‬
‫اي ً‬
‫ىذه اجملالس‪ ،‬وأن جيعلها ؾبالس خَت وبركة‪.‬‬
‫اليوم ىو اللقاء الثالث ضمن لقاءات التزكية اؼبصلحُت‪ ،‬وىذه السلسلة ىي سلسلة زبتلف عن‬
‫السًلسل التزكويّة اليت قدمتها ساب ًقا من حيث أطراف تناول اؼبوضوع‪ ،‬ومن حيث حىت اؼبضمون‬
‫وا﵀توى‪ .‬أخذان "مركزية التزكية" يف ا﵀اضرة األوذل‪ ،‬مث أخذان "معادل التزكية"‪ ،‬وىنا كبن اليوم مع عنوان‬
‫"وسائل التزكية"‪ ،‬مث سنتناول إبذن هللا "عوائق التزكية"‪ .‬فصارت مركزية التزكية‪ ،‬مث معاؼبها‪ ،‬مث وسائل‬
‫ربقيقها‪ ،‬مث العوائق اليت ربول بُت اإلنسان وبُت ربقيق التزكية‪ .‬فهذه أربعة عناوين‪ ،‬وكل عنوان منها‬
‫يتناول جزءًا أو طرفًا أو ركنًا من أركان التزكية‪ ،‬ودبمجموع ىذه العناوين مع تفاصيلها يرجو اإلنسان أن‬
‫يكون قد قدم شيئًا فيو شيءٌ من التكامل يف موضوع التزكية‪ .‬وتنقيب أو عنونة ا﵀اضرات بـ"التزكية‬
‫للمصلحُت"؛ ىذا فيو استحضار ومراعاة أن بعض اؼبضامُت يُراعى فيو اإلنسان العامل اؼبصلح الذي‬
‫قد يتعرض لبعض التحدايت التزكويّة أثناء الطريق‪.‬‬
‫اليوم أنيت لسؤال الكيف‪ .‬ا﵀اضرة األوذل كانت سؤال ؼباذا؟ ا﵀اضرة الثانية كان السؤال ماذا؟ وىنا‬
‫سؤال كيف؟ لكن قبل أن أبدأ بسؤال الكيف أو اعبواب عن سؤال "كيف ربصل التزكية؟"‪" ،‬كيف‬
‫جدا أال وىي‪ :‬أن ربقق التزكية عند‬ ‫يقوم اإلنسان بعملية التزكية؟" أود أن أُنبو إذل قضية مهمة ً‬
‫قطعا‪ ،‬يعٍت ىي‬
‫اإلنسان ال يكون عرب معادالت وإجراءات إذا عملها اإلنسان فستحصل التزكية ً‬
‫ليست ذبربة روحية شرقية يقوم اإلنسان فيها دبمجموعة من الطقوس‪ ،‬ويلتزم بعدد معُت من األايم‬
‫أبوقات معينة وىيئات معينة حىت يصل إذل نتيمجة روحية! التزكية ال تكون ىكذا‪ ،‬حىت لو كانت‬
‫وسائلها شرعية‪ ،‬يعٍت حينما نتكلم عن الوسائل اآلن ىذا ال يعٍت أنو من فعل واحد اثنُت ثًلثة فبعد‬
‫بذل‬
‫طبس أايم إن شاء هللا سيكون وصل ؼبرحلة التزكية بدرجة عالية! ىي ال تكون ىكذا‪ ،‬ىذا ٌ‬
‫ٕ‬
‫األسباب‪ ،‬بعد ذلك ربقق التزكية يف اإلنسان ىو رزق وىبة من هللا سبحانو وتعاذل‪ .‬كما أنك تطلب‬
‫الرزق من هللا ابزباذك األسباب يف أي قضية من القضااي الدنيوية؛ فكذلك تُطلب األرزاق الدينية من‬
‫هللا سبحانو وتعاذل ببذل أسباهبا‪ .‬فكما أن الطعام والشراب والسكن واؼبلبس‪ ،‬إذل آخره‪ ،‬ىي ىبات‬
‫وأرزاق من هللا سبحانو وتعاذل‪ ،‬وجعل ؽبا أسباب يبذؽبا اإلنسان ابلتمجارة أو غَتىا من متطلبات‬
‫رزق من هللا سبحانو وتعاذل يطلب اإلنسان لو أسبابو وينتظر الرزق‬ ‫األسباب؛ فكذلك التزكية ىي ٌ‬
‫َح ٍد‬ ‫ِ ِ‬ ‫ضل هِ‬
‫اَّلل َعلَْي ُك ْم َوَر ْضبَتُوُ َما َزَك ٰى من ُكم ّم ْن أ َ‬ ‫والقسمة‪ .‬ولذلك يقول هللا سبحانو وتعاذل‪َ ﴿ :‬ولَ ْوَال فَ ْ ُ‬
‫اَّللَ يـَُزّكِي َمن يَ َشاءُ﴾‪ ،‬ومع ذلك أخربان بوسائل ربقق التزكية‪ .‬فهذه نقطة مهمة يف البداية‬ ‫أَبَ ًدا َوٰلَ ِك هن ه‬
‫متصورا األمور على غَت حقيقتها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حىت ال يكون اإلنسان‬
‫ادلع ماِل يف احملاضرة ادلاضية‪ ،‬معاِل التزكية‪ ،‬قسمنا القضية إىل قسمُت‪:‬‬
‫لو تتذكرون يف َ‬
‫ٔ) معادل يف التصفية والتخلية‪.‬‬
‫ٕ) معادل يف الزايدة والنماء‪.‬‬
‫وقلنا أن ىذان ؿبورا التزكية من حيث اؼبوضوعات الكربى‪ ،‬مث بعد ذلك ىناك تفاصيل يف داخل‬
‫ىذه اؼبعادل‪.‬‬
‫أيضا‪ ،‬يعٍت وسائل يف التزكية تدخل يف شق التخلية‬
‫اليوم يف الوسائل سنسَت على ىذين القسمُت ً‬
‫والتصفية والتهذيب‪ ،‬ووسائل لتحقيق التزكية تدخل يف قسم الزايدة والنماء‪.‬‬
‫وىنا أريد أن أذكر فائدة منهمجية يف البحث أو يف االلقاء والتقدمي؛ كبن نتكلم عن التزكية‪،‬‬
‫اؼبفًتض أن إذا ذكرت وسيلة من الوسائل أن أربطها بقضية التزكية‪ ،‬دلاذا؟ ً‬
‫طبعا ىي معلومة بديهيّة‬
‫حياان أتيت تتكلم عن قضية‬
‫ولكنها يف الواقع مع األسف يف التطبيق العملي ليست بديهية‪ ،‬يعٍت أ ً‬
‫ب لَ ُك ْم﴾‪ .‬سبام الكًلم ال يوجد فيو‬ ‫ال ربُّ ُكم ادع ِوِن أ ِ‬
‫َستَمج ْ‬
‫مثًل‪ :‬وسائل التزكية‪ ،‬الدليل‪َ ﴿ :‬وقَ َ َ ُ ْ ُ ْ‬
‫فتقول ً‬
‫خطأ‪ ،‬لكن الفكرة أنو أان كمتلقي أنتظر منك أن تربط رل بُت الدعاء وبُت اؼبوضوع ا﵀دد الذي ىو‬
‫مثًل ومكانتو؛ فأنت أفدتٍت معلومة‬‫التزكية‪ ،‬فإذا قلت رل الدعاء مث ذكرت رل األدلة على فضل الدعاء ً‬
‫يف فضل الدعاء ومكانتو‪ ،‬لكن دل تعطيٍت ما يطابق اؼبوضوع ابلضبط الذي ىو عًلقة الدعاء ابلتزكية‬
‫ربديدا‪ .‬وىذه القضية على بداىتها كما قلت إال أهنا ربتاج من يراعي ذباوزىا وربقيق الصواب فيها‪،‬‬
‫ً‬
‫ٖ‬
‫كثَتا‪ ،‬أكثر فبن أييت بكًلم كثَت مث إذا‬
‫مفيدا ً‬
‫ىذا يتناول اؼبوضوعية من وسطها‪ ،‬يعٍت يكون مثرًاي و ً‬
‫أردت أن تستخلص ما يطابق من اؼبضمون العنوان؛ قد ذبد مفارقات كثَتة‪ .‬وىذه مشكلو منتشرة‬
‫أصًل اليت تراىا يف بعض الكتب مث تفتحها وال ذبد فيها شيئًا!‬
‫جدا‪ .‬ىذا غَت العناوين الراننة ً‬
‫ً‬
‫‪ ‬اخلطة ادلتبعة يف احملاضرة‪:‬‬
‫إذن خطة اليوم يف تناول قضية وسائل التزكية ىي‪ :‬أِن سأذكر وسائل متعلقة ابلتهذيب‪ ،‬واإلبعاد‪،‬‬
‫والتخلية والتصفية‪ ،‬ووسائل متعلقة ابلزايدة والنماء‪ .‬قبل ذلك سأذكر ثًلث أو أربع وسائل تزكويّة ىي‬
‫تكون كالشرط لوسائل التزكية‪ ،‬وكاؼبقدمة لوسائل التزكية‪ ،‬وقد تشمل االثنُت‪ ،‬القسمُت‪ .‬يعٍت قبل أن‬
‫أذكر الوسائل التزكويّة اػباصة ابلتصفية‪ ،‬أو اػباصة ابلزايدة والنماء‪ ،‬أريد أن أذكر بعض الوسائل اليت‬
‫تعترب شاملة لًلثنُت أو مقدمة لًلثنُت أو شرط لًلثنُت‪ ،‬فهي من األمهية دبكان حبيث أهنا تُفرد‬
‫وتستحق أن تكون مقدمة للقسمُت من وسائل التزكية‪ .‬إذن ىذه البداية يعٍت قد تكون من أىم‬
‫الوسائل اليت ديكن أن تُذكر يف ىذا اللقاء‪.‬‬

‫وسائل مقدمة وشاملة للتزكية‪:‬‬


‫إذن القسم األول‪ :‬وسائل تزكوية عامة‪.‬‬
‫‪ )1‬دوام استحضار حقائق اإلسالم اليت ال يصح اإلسالم إال هبا‪:‬‬
‫الوسيلة التزكويّة األوىل‪ :‬دوام استحضار احلقائق اإلسالمية الكربى اليت من شأهنا أن ال يصح‬
‫إسالم ادلرء إال هبا أصالً‪ .‬وذلك كبو‪ :‬حقيقة أن هللا ىو اإللو اغبق‪ ،‬وأن اإلنسان سيغادر الدنيا‪ ،‬وأن‬
‫اآلخرة حق‪ ،‬والبعث‪ ،‬وأن ىناك جنّة وانر‪ .‬وىذه اغبقائق ىي حقائق ال يصح إسًلم اؼبرء إال هبا‬
‫مسلما وال يؤمن ابليوم اآلخر‪ ،‬وقبل ذلك ال يكون مؤمنًا اب﵁‬
‫أصًل‪ ،‬يعٍت ال يصح أن يكون اإلنسان ً‬
‫ً‬
‫سبحانو وتعاذل‪.‬‬
‫حسنًا ىذه الوسيلة ما وجو ذكرىا وإفرادىا والبدء هبا والتأكيد على أمهيتها وعالقتها ابلتزكية؟‬
‫من األمور العظيمة يف اإلسًلم أنو على عظمتو‪ ،‬وظبوه‪ ،‬وعلوه وشرفو؛ ىو بسيط‪ ،‬وسهل‪ ،‬وقريب‪.‬‬
‫واغبقائق اليت تُوصل اإلنسان إذل رضا هللا سبحانو وتعاذل‪ ،‬والطرق اليت توصل اإلنسان إذل رضا هللا‬

‫ٗ‬
‫سبحانو؛ ىي ليست طُرقًا معقدة‪ ،‬ال حيتاج أن أكون دارس فلسفة إسًلمية حىت أصل إذل درجات‬
‫أصًل‪ -‬وال أحتاج أن أكون قد َختمت العلوم الشرعية حىت‬
‫عالية يف التزكية وفهمها ‪-‬إذا دل تبعدك ً‬
‫أصل إذل مقامات عالية يف ىذا اإلسًلم‪ ،‬ويف ىذا الدين‪.‬‬
‫صحيح العلم بًل شك أنو وسيلة من وسائل اؼبهمة‪ ،‬لكن الفكرة أن الذي يُوصل اإلنسان إذل‬
‫أعلى اؼبقامات ىو جنسو وأصلو‪ ،‬ىو الذي يدخل اإلنسان يف أول اؼبقامات‪ ،‬الذي يوصل اإلنسان‬
‫يء أصلو ىو الذي يدخل اإلنسان يف أول اؼبقامات‪،‬‬‫إذل أعلى اؼبقامات؛ ىي درجة من عمل أو ش ٍ‬
‫الفرق ىو يف درجة االستحضار‪ ،‬ويف مقدار اليقُت‪ ،‬ويف دوام التصديق هبذا ادلعٌت‪ّ ،‬‬
‫وإال فهو من‬
‫أساسا‪ .‬ولذلك ذبدون أن بعض من يدخل يف اإلسًلم‬ ‫حيث أصل اؼبعٌت ىو أصل دخول اإلسًلم ً‬
‫أمورا ال يعملها إال من بل‬
‫من أول أايمو إذا كان استحضاره ؽبذه اغبقائق الكربى عاليًا؛ جيده يعمل ً‬
‫درجات عالية يف التزكية!‬
‫ومن أبرز األمثلة على ذلك السحرة‪ ،‬سحرة فرعون الذين آمنوا‪ ،‬يف نفس اؼبقام واؼبوقف الذي‬
‫كًلما حُت يستمع إليو اإلنسان يقول ىذا‬ ‫صلب‪ ،‬وقالوا ً‬ ‫ءامنوا فيو ُى ِّددوا بقطع األيدي واألرجل وال ه‬
‫الكًلم ال يقولو إال إنسان قد أفٌت ثًلثُت سنة يف قيام الليل والسمجود بُت يدي هللا سبحانو وتعاذل!‬
‫ضْيـَر إِ هان إِ َ ٰذل َربِّنَا‬ ‫ضي َٰى ِذهِ ْ‬
‫اغبَيَاةَ ُّ‬
‫الدنْـيَا﴾‪َ﴿ ،‬ال َ‬ ‫اض ۖ إِهَّنَا تَـ ْق ِ‬
‫َنت قَ ٍ‬‫ض َما أ َ‬ ‫أليس كذلك؟ ﴿فَاقْ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كًلم ىو خًلصة ما جاءت بو األنبياء للوصول‬ ‫ُمن َقلبُو َن ۝ إِ هان نَطْ َم ُع أَن يَـ ْغفَر لَنَا َربـُّنَا َخطَ َااي َان﴾؛ ٌ‬
‫كبَتا يف‬‫ابلبشرية يف درجات التزكية اإلديانية‪ .‬وكان ذلك دل يكن مسبوقًا دبقامات طويلة تطلبت زمنًا ً‬
‫التزكية‪ .‬ما ىي الفكرة؟ ؼباذا؟ القضية ليست يف طول الزمن‪ ،‬ىي القضية يف مقدار انكشاف اغبقائق‬
‫الكربى للقلب ودرجة تصديقو ؽبذه اغبقائق‪ ،‬ودرجة استحضاره ؽبا‪ ،‬ىذه اؼبقدمة األساسية والشرط‬
‫الضروري ألي عملية تزكويّة ضمن اإلطار اإلسًلمي‪ .‬سنأيت بعد قليل يف الوسائل التفصيلية إبذن هللا‬
‫تعاذل‪ ،‬كل وسيلة ال تصلح وال يكون ؽبا قيمة وال شأن إذا ما كانت ىذه اغبقيقة األوذل واألساسية‬
‫حاضرة ومستَحضرة‪.‬‬
‫لذلك أنت أال يلفت انتباىك حُت تسمع حديث جربيل حُت جلس مع النيب ﷺ‪ ،‬وجاء‬
‫اغبديث عن اإلسًلم وما فيو من أصول وأركان‪ ،‬مث بعد ذلك اإلديان‪ ،‬مث بعد ذلك اإلحسان كدرجة‬

‫٘‬
‫وحل النص النبوي الذي قالو النيب ﷺ يف تعريف‬ ‫عُليا فوق اإلسًلم واإلديان‪ِ ،‬‬
‫حرر ىذه الدرجة اآلن‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ك تَـَراهُ‪ ،‬فإ ْن َدلْ تَ ُك ْن تَـَراهُ فإنهو‬
‫اَّللَ َكأنه َ‬
‫اإلحسان؛ ستمجد أنو استحضار القضية األساسية‪" :‬أ ْن تَـ ْعبُ َد ه‬
‫يَـَر َاك"‪.‬‬
‫مسلما إذا أعتقد أن هللا ال يراه‪ ،‬يعٍت أنو غائب عن هللا‪،‬‬
‫سؤال‪ :‬ىل يصح أن يكون اإلنسان ً‬
‫اتئو يف ىذه األرض قد فات هللا سبحانو وتعاىل؟ ً‬
‫طبعا أنت ترى أنك مسلم‪ ،‬فأنت مؤمن أن هللا‬
‫يراك‪ ،‬ىي الفكرة أين؟ الفكرة يف االستحضار‪ ،‬وحُت تقول االستحضار ال شك كبن ال نتكلم عن‬
‫سبارين ذىنية يقوم هبا اإلنسان مع شيء من الًتكيز ودرجة معينة من الصفاء حىت يستطيع‬
‫قدمت فيها وىي أن التزكية رزق‪،‬‬
‫ْ‬ ‫االستحضار‪ ،‬ليست ىكذا‪ .‬نرجع إذل النقطة األوذل اليت‬
‫االستحضار رزق‪ ،‬استحضار ىذا رزق؛ ألنو ؼبا تقول استحضار ىو وصف‪ ،‬لكن ىو ليس إجراءً‪،‬‬
‫طبعا ىو فبكن اإلنسان حياول فيو‪ ،‬لكن ىي ليست إجراءً‪.‬‬
‫يعٍت ليست قضية‪ً ..‬‬

‫دائما يف اغبديث الصحيح يف البخاري حُت قال النيب ﷺ‪" :‬إ هن َ‬


‫أىل‬ ‫يلفت انتباىي ً‬
‫الغابر يف األُفُ ِق"‪ .‬أىل اعبنة وىم‬ ‫الد ِّر ه‬
‫كب ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي َ‬ ‫أىل الغَُرف من فوقهم ‪ ،‬كما تُراءون الكو َ‬ ‫اعبنة لَيًتاءَون َ‬
‫يف اعبنة يف أنوار فوق مثل أنوار الكواكب‪ ،‬ىذه مقامات عُليا‪ ،‬أىل الغُرف‪ ،‬فقال الصحابة‪ " :‬اي‬
‫لك َمنَا ِزُل األنْبِيَ ِاء ال يَـْبـلُغُ َها َغْيـُرُى ْم؟" فقال النيب ﷺ‪" :‬بَـلَى‪ ،‬والذي نَـ ْف ِسي بيَ ِدهِ‪ِ ،‬ر َج ٌ‬
‫ال‬ ‫سول هِ‬
‫اَّلل‪ ،‬تِ َ‬ ‫َر َ‬
‫ِ‬ ‫آمنوا هِ‬
‫ُت"‪.‬‬ ‫وص هدقُوا اؼبُْر َسل َ‬
‫ابَّلل َ‬ ‫َُ‬
‫سؤال‪ :‬الذين كانوا يًتاءون الغرف حتت؛ ىل ىم آمنوا ابهلل وصدقوا ادلرسلُت أم ال؟ آمنوا‬
‫اب﵁ وصدقوا اؼبرسلُت‪ ،‬وإال ؼبا دخلوا اعبنة‪ ،‬ولكنهم يًتاءون أقو ًاما ال يبصرون من درجة علوىم إال‬
‫َ‬
‫أضواء‪ ،‬أو يعٍت شيء يدؽبم على تلك اؼبنازل العالية‪ ،‬ال يرون تفاصيلها‪ ،‬والذي يدركونو أهنا مقامات‬
‫عالية وشريفة! حُت أييت التعريف النبوي ألصحاب ىذه اؼبقامات دل يزد عليو الصًلة والسًلم على أن‬
‫مسلما ّإال بو! ولكن أين القضية؟ أين اؼبعقد واغبل يف‬ ‫عرف مقامهم ابلتعريف الذي ال يكون اؼبرء ً‬ ‫ّ‬
‫ال آمنوا هِ‬
‫وص هدقُوا‬
‫ابَّلل َ‬ ‫ىذا السؤال؟ ىو وهللا أعلم يف درجة التصديق‪ ،‬ويف دوام االستحضار‪ِ " ،‬ر َج ٌ َ ُ‬
‫ُت"‪ ،‬فكان إدياهنم اب﵁ أعلى من اإلديان العادي‪ ،‬وكان تصديقهم اب﵁ تصدي ًقا يف درجة يف غاية‬ ‫ِ‬
‫اؼبُْر َسل َ‬
‫العظمة والعلو والشرف‪.‬‬

‫‪ٙ‬‬
‫ولذلك أبو بكر رضي هللا تعاذل عنو الذي ىو أشرف ىذه األمة بعد نبيها عليو الصًلة والسًلم‪،‬‬
‫ما الذي سبيّز بو من حيث اؼبميزة الكربى؟ التصديق‪ .‬حسنًا يف حادثة اإلسراء واؼبعراج ‪-‬أو غَتىا‪ -‬لو‬
‫مسلما؟ ال‬
‫مسلما أو ال يكون ً‬ ‫خربا من النيب ﷺ‪ ،‬فقال "أان ال أصدق"‪ ،‬يكون ً‬ ‫رجل وظبع ً‬ ‫جاء ٌ‬
‫مسلما‪ ،‬تكذيب النيب ﷺ كفر‪ ،‬أليس كذلك؟ حسنًا أبو بكر الصديق الذي سبيّز بو ىو‬ ‫يكون ً‬
‫التصديق ابلنيب ﷺ‪ ،‬حسنًا أليس كل اؼبؤمنون كانوا مصدقُت ابلنيب ﷺ! ىي القضية ىذه ابلضبط‪،‬‬
‫ىي الدرجة واؼبنزلة العلو‪.‬‬
‫لذلك بقدر االستحضار‪ ،‬وبقدر درجة علو اليقُت والتصديق؛ بقدر ما تًتتب اآلاثر على ىذا‬
‫ضمر يف قلبو التصديق واالستحضار‪ ،‬تراه‬
‫اليقُت وىذا التصديق‪ .‬وإال فإنك ترى أن اإلنسان كل ما ُ‬
‫أفعاال أنت تتساءل ىل أنت تؤمن اب﵁ وابليوم اآلخر حىت‬
‫كافرا يف أفعالو‪ ،‬يعٍت يفعل ً‬
‫يكاد يكون ً‬
‫تفعل مثل ىذا؟ ولذلك ىذه ىي القضية وىذه ىي اؼبعادلة‪.‬‬
‫أبدا‪ ،‬وال‬
‫مقدمة وسائل التزكية‪ ،‬وشرط وسائل التزكية‪ ،‬وخًلصة وسائل التزكية ليست معقدة ً‬
‫طويلة التفاصيل‪ ،‬وال كثَتة الذيول‪ ،‬وإَّنا ىي نفس قضية اؼببتدأ يف أصل اإلسًلم‪ ،‬اللهم أهنا إال‬
‫الدرجة واؼبستوى‪ ،‬والرتبة من التصديق‪ ،‬واليقُت‪.‬‬
‫ولذلك كثمرة عملية من ىذه الوسيلة‪ :‬إايك أن تستهُت يف حبثك‪ ،‬يف تعبدك‪ ،‬يف ذكرك‪ ،‬يف‬
‫قائًل يف نفسك أن ىذه‬‫صًلتك‪ ،‬ابؼبعلومات أو ابلتعبُّدات أو ابألذكار اؼبتعلقة ابألصول الكربى‪ً ،‬‬
‫معروفة! ىو السر كل السر يف اؼبعروفة‪ ،‬والشأن كل الشأن يف اؼبعروفة‪ ،‬و"ال إلو إال هللا" إذا كانت ىي‬
‫اليت تُدخل اإلنسان يف اإلسًلم فهي من أعظم ما يُرقّي اإلنسان مقامات عند هللا سبحانو وتعاذل‪،‬‬
‫ىي نفسها ال إلو إال هللا اليت أدخلت اإلنسان اإلسًلم!‬
‫ولذلك إذا شعرت أن دائرة من دوائر شؤم الذنب الت َفت عليك وصارت حميطة بك‪ ،‬وتكاد‬
‫تغلق عليك األفق؛ فاكسرىا! اكسر ذلك القيد والطوق بـ"ال إلو إال هللا"‪ ،‬ال إلو إال هللا من صميم‬
‫وصدق‪" ،‬لو كانت السموات واألرض حلقو لقصمتهن ال إلو إال هللا"‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫القلب وخالِ ِ‬
‫صو‪ ،‬بعل ٍم ويق ٍ‬
‫ُت‬
‫ال تبحث يف أوراد تفصيلية خاصة‪ ،‬وصعبة ومعقدة قال هبا بعض األولياء‪ ،‬ال‪ ،‬ىذه القضية ليست‬
‫ىكذا‪.‬‬
‫‪ٚ‬‬
‫ىذه ‪-‬كما قلت‪ -‬ىي الثمرة من الوسيلة التزكويّة األوذل وىي‪ :‬ال تبحث عن ما يُرقّيك وعن ما‬
‫يق ّدمك عند هللا سبحانو وتعاذل‪ ،‬وعن ما يتخلص بو من اؼبشكًلت والذنوب و‪..‬و‪ ..‬إذل آخره‪ ،‬يف‬
‫وذكرت لكم بعض‬
‫ُ‬ ‫أشياء بعيدة‪ ،‬وإَّنا اجتهد لتحقيقها يف أصول التعبُّدات ومنطلقاهتا األساسية‪.‬‬
‫الشواىد وإال فاغبديث حيتمل أكثر من ذلك‪ ،‬ويف واحدة من دروس غيث الساري ‪-‬نسيت الدرس‬
‫كم‪ -‬تكلمت فيو عن ىذه القضية بنوع من اإلسهاب‪ ،‬يعٍت أظن الدرس كان مدتو ساعة ونصف‪.‬‬
‫ىذه الوسيلة التزكويّة األوذل‪ ،‬وكما قلت ىي من القسم األول الذي ىو شامل لألمرين‪.‬‬
‫‪ )2‬العلم ابهلل ﷻ‪:‬‬
‫الوسيلة التزكويّة الثانية‪ ،‬وىي يعٍت كالشرط كذلك‪ ،‬كما قلت يف القسم األول‪ ،‬ىذه الوسيلة ىي‬
‫العلم ابهلل سبحانو وتعاىل‪.‬‬
‫كثَتا‪ ،‬ولكن ال تستطيع أن تقتنع هبذه‬ ‫العلم اب﵁ ىو أشرف العلوم‪ ،‬وىذه اعبملة ردبا ظبعناىا ً‬
‫القضية قناعةَ حق اليقُت إال إذا عشتها‪ .‬أنت تستطيع أن تتصور معرفيًا‪ ،‬فتقول‪ :‬العلم اب﵁ أشرف‬
‫أعز من كل شيء و‪ ..‬و‪ ..‬إذل‬ ‫متعلق اب﵁ سبحانو وتعاذل الذي ىو أعلم من كل شيء‪ ،‬و ّ‬ ‫العلوم ألنو ٌ‬
‫آخره‪ ،‬وابلتارل العلم اؼبتعلق بو ىو أشرف شيء‪ .‬ىذه معلومة نظرية صبيلة ومنطقية‪ ،‬ومرتبة ورائعة‪،‬‬
‫علما يُعاش‪ ،‬وتشعر وتلمس آاثره يف حياتك‪ ،‬ىكذا تكون للمجملة ىذه‬ ‫لكن العلم اب﵁ أن يكون ً‬
‫قيمة استثنائية غَت القيمة العامة اليت أتخذ شرفها من شرف تراكيبها اؼبعرفية‪.‬‬
‫العلم اب﵁ سبحانو وتعاذل واغبديث عن هللا اؼبوصل إذل العلم بو ىو الذي استغرق من كتاب هللا‬
‫سبحانو وتعاذل اؼبساحة العظمى ‪-‬إذا صحت التسمية‪ -‬أو استغرق اؼبوضوعات األساسية أو استغرق‬
‫كبَتا من اآلايت‪ .‬والعمجيب ‪-‬وىذه قضية يف غاية األمهية‪ -‬أنك إذا أتملت اآلايت والسور اليت‬ ‫قدرا ً‬ ‫ً‬
‫جاءت تفضيلها على لسان النيب ﷺ ستمجد أهنا متعلقة اب﵁ سبحانو وتعاذل‪ ،‬فأعظم آية ىي آية‬
‫معك‬ ‫كتاب هِ‬
‫آية يف ِ‬ ‫ي ٍ‬
‫اَّلل َ‬ ‫الكرسي‪ ،‬وآية الكرسي خالصة يف اغبديث عن هللا‪ .‬الحظوا اي صباعة‪" :‬أ ه‬
‫أعظَ َم؟" فكر أُيب بن كعب‪ ،‬وىذه ميزة الًتبية النبوية‪ ،‬كانت ربلق هبم يف اآلفاق العلوية حبيث أن أُيب‬
‫بن كعب ؼبا أراد أن يفكر يف اعبواب عن السؤال النبوي‪ ،‬ما ىي أعظم آية يف كتاب هللا‪ ،‬القاموس‬
‫معيارا متعل ًقا بـاؼبقامات اإلديانية‬
‫الذي أخذ يبحث بو‪ ،‬اؼبعيار الذي يُص ّفي بو من اآلايت‪ ،‬كان ً‬
‫‪ٛ‬‬
‫اسا‪ .‬دل يبحث عنها يف‬ ‫والتزكوية‪ ،‬واغبديث عن هللا سبحانو وتعاذل؛ ألن ىذه نتيمجة الًتبية النبوية أس ً‬
‫قائًل‪" :‬لِيهنِ َ ِ‬
‫لم أاب‬
‫ك الع َ‬ ‫وم﴾‪ ،‬فضرب النيب ﷺ ً َ‬ ‫اَّللُ َال إِلَوَ إِهال ُى َو ا ْغبَ ُّي الْ َقيُّ ُ‬
‫مواضيع أخرى‪ .‬فقال‪ ﴿ :‬ه‬
‫اؼبِ ِ‬
‫نذ ِر"‪ .‬ىذه آية الكرسي‪.‬‬
‫أعظم سورة؟ الفاربة‪ ،‬حديث عن هللا سبحانو وتعاذل وعن خًلصو العبودية لو‪.‬‬
‫ِ‬
‫ص َم ُد ۝ َدلْ يَل ْد َوَدلْ يُولَ ْد ۝ َوَدلْ‬ ‫اَّللُ ال ه‬
‫َح ٌد ۝ ه‬ ‫اَّللُ أ َ‬
‫السورة اليت تعدل ثلث القرآن؟ ﴿قُ ْل ُى َو ه‬
‫َح ٌد ۝﴾‪ .‬وأراد النيب ﷺ أن يبُت للناس عظمتها كما يف اغبديث الصحيح ‪-‬وىذا يف‬ ‫يَ ُك ْن لَوُ ُك ُف ًوا أ َ‬
‫لث ال ُقْرآن"‪ .‬فاجتمع الصحابة‬ ‫يد أَ ْن أَقْـَرأ َعلَْي ُكم ثُ َ‬ ‫اح ِش ُدوا‪ ،‬فَِإِن أُِر ُ‬
‫البخاري ومسلم‪ -‬ؼبا قال‪ْ " :‬‬
‫وانتظروا‪ ،‬جالسُت متهيئُت أن يُقرأ عليهم اآلن عشرة أجزاء أو ثلث القرآن‪ ،‬فخرج النيب ﷺ فقرأ‬
‫َح ٌد ۝﴾‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ص َم ُد ۝ َدلْ يَل ْد َوَدلْ يُولَ ْد ۝ َوَدلْ يَ ُك ْن لَوُ ُك ُف ًوا أ َ‬
‫اَّللُ ال ه‬
‫َح ٌد ۝ ه‬
‫اَّللُ أ َ‬
‫عليهم ﴿قُ ْل ُى َو ه‬
‫"تَـ ْع ِد ُل بثُـلُث ال ُقْرآن"‪ .‬الحظوا األسلوب‪ ،‬حىت يعزز قيمة ومكانة ىذه السورة يف النفوس‪.‬‬
‫حسنًا‪ ،‬ما العالقة بُت العلم ابهلل سبحانو وتعاىل وبُت التزكية؟ العًلقة ىي من بوابة الوسيلة‬
‫األوذل‪ .‬الوسيلة األوذل قلنا ىي دوام استحضار اغبقائق‪ ،‬استحضار اغبقائق إذا كان تفصيليا فهو‬
‫أعلى وأشرف وأعظم من االستحضار اإلصبارل‪ ،‬وأعظم تفصيل ديكن أن يؤثر يف إدخال اغبقائق‬
‫الكربى ىو االستحضار التفصيلي اؼبتعلق اب﵁ سبحانو وتعاذل وأظبائو وصفاتو‪ ،‬وفرق كبَت بُت أن‬
‫يكون استحضارك اؼبعٌت اؼبتعلق اب﵁ ىو معٌت الوجود والشهود فقط أو الشاىديّة‪ ،‬وبُت أن يكون‬
‫ِ‬ ‫ضبن الهرِحيم ۝ ىو ه ِ‬ ‫ب والشههادةِ‬ ‫اؼبعٌت تفصيليا‪﴿ .‬ع ِ‬
‫ك‬‫اَّللُ الهذي َال إِٰلَوَ إِهال ُى َو الْ َمل ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٰ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ر‬
‫ه‬ ‫ال‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ى‬
‫ُ‬ ‫ۖ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫ْ‬‫َ‬‫غ‬‫ل‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ادل‬
‫ً َُ‬
‫كثَتا يف ختام سورة اغبشر‪ ،‬إذا كان كل اسم منها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّوس ال هس ًَل ُم اؼبُؤم ُن اؼبَُهْيمن﴾‪ ،‬ىذه اليت تقرأىا ً‬
‫الْ ُقد ُ‬
‫حُت تلفظ حبروفو فأنت تنقش من قلبك معٌت العلم بدالالت وحقائق ىذه األظباء؛ ىذه التزكية أو ما‬
‫ينتج عن ىذا االستحضار وىذا العلم من التزكية الناذبة عن إدراك اغبقائق الكربى‪ ،‬وأنك تقرأ كًلم‬
‫من ىذه صفتو‪ ،‬وتقف بُت يدي من ىذه صفتو‪ ،‬وتطلب من ىذه صفتو سبحانو وحبمده؛ ىذا من‬
‫أعظم الوسائل اليت تقود اإلنسان إذل التزكية؛ ألن من يدرك ىذه العظمة اؼبتعلقة اب﵁ سبحانو وتعاذل‬
‫يف العلم‪ ،‬واغبكمة‪ ،‬والعزة‪ ،‬والفخر‪ ،‬والرضبة‪ ،‬و‪ ..‬إذل آخره؛ ستكون تعبُّداتو ومراقبتو ﵁‪ ،‬وابتعاده ‪-‬يف‬

‫‪ٜ‬‬
‫شقي التزكية‪ :‬يف التصفية ويف الزايدة‪ُ -‬ـبتل ًفا عن من ال يستحضر ىذه اغبقائق اؼببنية على العلم اب﵁‬
‫ّ‬
‫سبحانو وتعاذل‪.‬‬
‫ولذلك هللا سبحانو وتعاذل يذكر يف كتابو شيئًا من آاثر العلم اب﵁ وأثرىا يف التزكية‪﴿ :‬إِهَّنَا َخيْ َشى‬
‫أحياان أتيت ؾبملة دون ذكر العلم اب﵁‪ ،‬ولكن فيها اغبديث عن هللا وأثره‪،‬‬ ‫اَّللَ ِم ْن ِعبَ ِادهِ الْعُلَ َماءُ﴾‪ ،‬و ً‬
‫ه‬
‫ولكن أنت تقرأ من داخلها قضية العلم‪.‬‬
‫دائما يلفت انتباىي قول مرمي عليها السًلم حُت جاءىا جربيل فخافت؛ ألنو جاءىا على‬ ‫وأان ً‬
‫ت تَِقيا﴾؛ ألهنا ىي تعلم أن‬ ‫صورة بشر سوي فظنت السوء فقالت‪﴿ :‬إِِِّن أَعُوذُ ِابلهر ْضبَ ِن ِمْن َ‬
‫ك إِ ْن ُكْن َ‬
‫ىذا األسلوب ىو الذي يبعدىا عن اؼبعاصي‪ ،‬ىي أرادت تستمجَت فقالت ﴿أَعُوذُ ِابلهر ْضبَ ِن ِمْن َ‬
‫ك إِ ْن‬
‫ت تَِقيا﴾‪.‬‬
‫ُكْن َ‬
‫استَـ ْغ َفُروا لِ ُذنُوهبِِ ْم﴾‪ ،‬وىنا فيو‬
‫اَّللَ فَ ْ‬
‫وكذلك ﴿واله ِذين إِ َذا فَـعلُوا فَ ِ‬
‫اح َشةً أ َْو ظَلَ ُموا أَنْـ ُف َس ُه ْم ذَ َكُروا ه‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫تذكر هللا سبحانو وتعاذل‪ ،‬ولذلك ذبد خبًلف ذلك يف سوره البقرة يف فقدان معٌت العلم‬ ‫التذكر‪ُّ ،‬‬
‫معٌت ُّ‬
‫َخ َذتْوُ الْعِهزةُ ِابِْإل ِْمث﴾‪ ،‬ىذا الذي من ىذا النمط وىذا الصنف‬ ‫يل لَوُ ات ِهق ه‬‫اب﵁ واػبوف منو‪﴿ :‬وإِ َذا قِ‬
‫اَّللَ أ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أبدا‪ ،‬ألن أنت عندك حدود معينة‪ ،‬يوجد ىوى‪ .‬لكن يف طبقات اؼبفًتض‬ ‫ال تقدر أتمنو على شيء ً‬
‫أن سوط التذكَت اب﵁ يُبعد عنها‪ ،‬لذلك تعرفون الثًلثة الذين أُطبقت عليهم الصخرة‪ ،‬كان أحدىم‬
‫الذي قال "كانت رل ابنة عم فلما جلست منها موضوع الرجل ابمرأتو‪ ،‬قالت‪ :‬اتق هللا"‪ ،‬فقام من‬
‫ذلك اؼبوقف‪ ،‬ىذا اآلن أثر اػبوف من هللا والعلم بو‪ .‬ىذه الوسيلة الثانية من الوسائل العامة واليت‬
‫كانت يف اؼبقدمة‪.‬‬
‫‪ )3‬إدراك مركزية العمل يف اإلسالم وبذل الوسع فيو‪:‬‬
‫الوسيلة الثالثة وىي مفهوم‪ ،‬ويف نفس الوقت عمل‪ .‬مفهوم أن يكون العمل لديك ىو األساس‬
‫وىو الغاية وىو ادلركز‪ ،‬وأن تؤمن أن اإلسًلم دين عملي وليس دينًا نظراي‪ ،‬نعم ىو مقدماتو نظرية‬
‫عملي‪.‬‬
‫ومعرفية‪ ،‬ولكنو دين ُّ‬

‫ٓٔ‬
‫جدا بُت ىذه القضية وبُت‬ ‫قد تقول ما عالقة ىذا ابلتزكية؟ كان عندي رابط وثيق ومهم ً‬
‫التزكية؛ اآلن كما مر معنا يف ا﵀اضرة األوذل من أىم وظائف النيب ﷺ ماذا؟ يزكيهم‪ .‬حسنًا افتح‬
‫صفحات السَتة حىت ترى أين ذبد يزكيهم‪ ،‬أين كانت يف حياة النيب ﷺ مع أصحابو؟ ىذه اآلن من‬
‫اب واغبِ ْك َمةَ﴾‪ ،‬أين كانت ﴿ َويـَُزّكِي ِه ْم﴾؟ أين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أىم الوظائف ﴿يـْتـلُو علَي ِهم ِِ ِ‬
‫آايتو َويـَُزّكي ِه ْم َويـُ َعلّ ُم ُه ُم الْكتَ َ‬
‫َ َْ ْ َ‬
‫كانت يف شواىد السَتة النبوية؟ واحدة من أىم الشواىد يف السَتة النبوية ىي‪ :‬أنو زّكاىم بًتبيتهم‬
‫على أن العمل ىو األساس وىو اؼببدأ‪ ،‬وأن ىذا الدين من أول يوم تدخل فيو إذل آخر يوم تدخل فيو‬
‫ِ‬
‫ربمجم من‬ ‫توسع من دائرة األمور النظرية وتلغي أو ِّ‬
‫تقزم أو ّ‬ ‫ىو دين عمل صاحل‪ ،‬ليس دين إنك أتيت ف ّ‬
‫دائرة األمور العمليّة‪.‬‬
‫ثَتا من اؼبسائل‪.‬كذلك تعرفون أن واصب بن ظبعان‬ ‫ولذلك تعلمون أن النيب ﷺ كان يكره ك ً‬
‫قال‪" :‬مكثت يف اؼبدينة سنة ما دينعٍت من اؽبمجرة إال اؼبسألة"‪ .‬ىذه قضية مهمة‪ ،‬يعٍت يقول‪ :‬أان دل‬
‫يرض لو النيب ﷺ أن يسأل‪ .‬ليس اؼبقصود‬ ‫أىاجر حىت أسأل‪ ،‬كان أحدان إذا ىاجر ال يسأل أو دل َ‬
‫من السؤال أنو توجد قضية ؿبددة حيتاجها اإلنسان‪ ،‬لكن الفكرة أن الثقافة اؼبعيارية اليت كانت عند‬
‫الصحابة ؼبا يكونوا مع النيب ﷺ‪ .‬ىنا الحظوا الفرق بُت اؼبهاجر وغَت اؼبهاجر‪ ،‬ىذا فيو تفريق بُت‬
‫ّ‬
‫الناس‪ ،‬ابالصطًلح اؼبعاصر "النخبة" الذي يُربّون تربية خاصة‪ ،‬وبُت الناس الذين سباسوا مع النيب ﷺ‬
‫أيضا ويف مسلم‪ ،‬أنس هنع هللا يضر قال‪" :‬كان يعمجبنا أن أنيت الرجل‬
‫َسباس ؿبدود‪ .‬لذلك يف البخاري ً‬
‫األعرايب العاقل فيسأل النيب ﷺ" حىت يستفيدوا؛ ألهنم يعلمون أن النيب ﷺ دل يكن يستحسن‬
‫األسئلة من الصحابة القريبُت منو‪ .‬واضح الفكرة؟‬

‫حسنًا ما القضية؟ ىي القضية ليست أنو أشكلت ّ‬


‫علي قضية‪ ،‬ال‪ ،‬القضية أنو كثرة السؤال‪ ،‬أن‬
‫تكون قضية السؤال ىي األساس‪ ،‬ىي اؼبتكررة‪ ،‬يعٍت اػبيط الناظم أو اغببل الواصل بُت النيب ﷺ‬
‫وصحابتو دل يكن ىو اغببل الذي ىو أسئلة‪ ،‬وأسئلة وأسئلة‪ ،‬كان ىو حبل العمل والعمل‪.‬‬
‫فهذه كانت تربية النيب ﷺ ألصحابو‪ ،‬وىي التزكية‪ ،‬وىذا موضوع مهم وشريف‪ .‬ولذلك ؼبا قال‬
‫لت‬
‫فحمجوا"‪ ،‬قال قائل‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬أيف كل عام؟ قال‪" :‬لَ ْو قُ ُ‬ ‫النيب ﷺ‪" :‬إ هن هللا فرض عليكم اغب هج ُّ‬
‫ت"‪ .‬مثّ قال النيب ﷺ يف ىذا اغبديث أو يف ما اتصل بو قال‪" :‬إهَّنا َىلَ َ‬
‫ك َمن كا َن قَـْبـلَ ُك ْم‬ ‫نعم لََو َجبَ ْ‬
‫ْ‬
‫ٔٔ‬
‫اجتَنِبُوهُ‪ ،‬وإذَا أ ََمْرتُ ُك ْم ِأب َْم ٍر فَأْتُوا منو ما‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بِسؤاؽبِِم و ِ ِ‬
‫اخت ًَلف ِه ْم علَى أَنْبِيَائ ِه ْم‪ ،‬فَِإذَا نَـ َهْيـتُ ُك ْم عن شيء فَ ْ‬
‫َُ ْ َ ْ‬
‫استَطَ ْعتُ ْم"‪ .‬ىذا النص معياري يف تربية النيب ﷺ ألصحابو‪ ،‬وأن ادلبتدأ عمل‪ ،‬والوسط عمل‪،‬‬ ‫ْ‬
‫والنهاية عمل‪ ،‬ودل يكن أي عمل‪ ،‬كان من أول األايم عمل فيو بذل‪ ،‬وصرب‪ ،‬وثبات‪ ،‬وتضحية‪ ،‬إخل‪.‬‬
‫حسنًا أنت يف سياق حبثك عن وسائل التزكية؛ ال تستغرق يف القضااي النظرية وتقول أان سأقرأ‬
‫طبسة عشر كتبًا يف التزكية حىت أفهم التزكية ووسائلها النظرية‪ ،‬ال‪ ،‬التزكية عمل يبتدئ اإلنسان‬
‫ويتوسط وينتهي يف حياتو ضمن مظلة اإلسًلم وىو يعمل ويكدح متطلبًا رضا هللا سبحانو وتعاذل‪،‬‬
‫ىذا العمل منو ما ىو يف التصفية والتخلية‪ ،‬ومنو ما ىو يف الزايدة‪ ،‬ولكن يف األخَت اؼببدأ واؼبركز ىو‬
‫العمل‪ .‬فهذه ثًلث أمور كمقدمات لوسائل التزكية اؼبشًتكة أو وسائل التزكية العامة‪.‬‬

‫وسائل تزكوية متعلقة ابلتصفية والتطهَت والتخلية‪:‬‬


‫اآلن ننتقل إذل القسم الثاين وىو‪ :‬وسائل التزكية ادلتعلقة ابلتصفية والتخلية‪ ،‬قبل الزايدة؛ ألن‬
‫التطهَت فالزايدة‪ .‬الوسائل التزكويّة من القسم الثاِن اؼبتعلقة ابلتصفية والتطهَت‪:‬‬
‫‪ )1‬تربية النفس على خمالفة اذلوى‪:‬‬
‫الوسيلة األوىل‪ :‬تربية النفس على خمالفة اذلوى‪ ،‬حىت لو ِل يكن اذلوى يف سياق الًتبية ذاك‬
‫حمرما وإمنا على خالف ما ىو فاضل‪ ،‬الحظوا أان دل أقل ؾبرد أن زبالف ابؼبرة! وإَّنا أقول تربية‬ ‫ً‬
‫النفس على ـبالفة اؽبوى حىت إذا جاء ذاك اؽبوى ا﵀رم تكون نفسك قد تعودت منك على قول‬
‫"ال"‪ ،‬أما جعل النفس ُمنسابة بًل حدود وبًل قيود وبًل ضوابط؛ فهذا من أصعب النفوس اليت ديكن‬
‫أن تسعى إذل التزكية خاصة من ابب التطهَت واإلبعاد والتنقية؛ ألنو أيها الذي حيتاج إذل قول "ال"‬
‫أكثر؟ التنقية أم الزايدة؟ التنقية ىي اليت ربتاج إذل قول "ال" أكثر؛ ألن التنقية من ماذا؟ ‪-‬تكلمنا يف‬
‫ا﵀اضرة السابقة‪ -‬تنقية القلب من أمراضو وتنقية النفس من أىوائها‪ ،‬فهنا أييت الكرب والعمجب‬
‫والشهوات‪ ،‬ىذه دواعي قوية حىت تقول "ال"‪ ،‬البد أن تكون ىناك فبارسة وتربية‪ ،‬علمت نفسك‬
‫على قول "ال"‪.‬‬

‫ٕٔ‬
‫"أو ِص ٍِت"‪َ ،‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫لذلك من منكم يتعمجب من تكرار النيب ﷺ الوصية لذلك الرجل حُت قال لو‪ْ :‬‬
‫ب"! أان فبن يتعمجب من ىذا اغبديث‪ ،‬زبيل يعٍت واحد جاء إذل النيب ﷺ‪" :‬اي رسول هللا‬
‫ضْ‬‫"ال تَـ ْغ َ‬
‫ب"‪ ،‬وىذا يذكران‬ ‫ضْ‬‫أوصٍت"‪ ،‬يريد اآلن وصية خاصة من النيب ﷺ لو‪ ،‬فالنيب ﷺ يقول لو‪" :‬ال تَـ ْغ َ‬
‫بقضية‪ ،‬اؼبدرسة النبوية مدرسة بسيطة ليست معقدة‪ ،‬وما يقدم فيها كلها نقاط توضع على اغبروف‬
‫نفسا مهذبة صاغبة مزّكاة تتفق مع مراد هللا ﷻ منها‪" ،‬ال‬ ‫كل واحد يف مكانو‪ ،‬وىي أساسات تقدم ً‬
‫ب"‪ ،‬فَـَرهد َد ِمَر ًارا ‪-‬ىكذا يف البخاري‪ -‬فَـَرهد َد ِمَر ًارا‪ ،‬يعٍت "اي رسول هللا أوصٍت" قال‪" :‬ال‬‫ضْ‬ ‫تَـ ْغ َ‬
‫ب"‪ ،‬الغضب يف األساس ىو شعور اختياري أم‬ ‫ضْ‬
‫ب"‪" .‬ال تَـ ْغ َ‬
‫ضْ‬‫ب"‪" ،‬أوصٍت"‪ ،‬قال‪" :‬ال تَـ ْغ َ‬
‫ضْ‬ ‫تَـ ْغ َ‬
‫شعور يطرأ على اإلنسان؟ نفس شعور الغضب؟ اضطراري‪ ،‬يعٍت ىو يف األساس أنت ال تكون‬
‫ب" قال العلماء أهنا متوجو إذل معنيُت‪:‬‬ ‫ضْ‬‫جالسا فتقرر أن يتلبسك شعور اظبو الغضب‪ ،‬لذلك "ال تَـ ْغ َ‬ ‫ً‬
‫ٔ) اجتنب األسباب اليت تؤدي بك إذل الغضب‪.‬‬
‫ٕ) اجتنب اآلاثر السيئة اليت ديكن أن تنتج عن الغضب إذا غضبت‪.‬‬
‫فًل تغضب‪ ،‬ال تدخل يف ىذا السياق أو يف ىذا الطريق أو يف ىذه الدائرة أو يف ىذا اجملال الذي‬
‫تعلم أنو يغضبك وأنك إذا غضبت ستفعل‪ ،‬وتفعل‪ ،‬وتفعل‪ ،‬فًل تغضب‪ ،‬اجتنب الغضب‪ ،‬اجتنب‬
‫أسبابو‪.‬‬
‫وحىت لو وقعت يف بعض أسبابو فبدأت نفسك يف فورة الغضب فحاول أن تقاوم‪ .‬ىذا كلو فيو‬
‫ب" ىذا فيو تربية على قول "ال"‪ ،‬وعلى‬ ‫ضْ‬‫قول «ال» للنفس؛ ألن الغضب شعور طبيعي‪ ،‬ف ـ"ال تَـ ْغ َ‬
‫كف النفس عن مقتضيات الشعور الذي ديكن أن أيتيها‪ .‬ولذلك أييت النيب ﷺ كما يف اغبديث‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ابلصرع ِة‪ ،‬إهَّنا الش ِ‬ ‫الصحيح يف صحيح مسلم فيقول ألصحابو‪" :‬ليس الش ِ‬
‫ك نَـ ْف َسوُ‬
‫يد الذي ديَْل ُ‬
‫هد ُ‬ ‫يد ُّ َ َ‬ ‫هد ُ‬ ‫َ‬
‫ب"‪ ،‬اي صباعة أي إنسان يريد أن يغوص يف أعماق النفس ويفهم النص ىذا سيعلم مقدار‬ ‫ضِ‬ ‫ِ‬
‫عْن َد الغَ َ‬
‫حيصل اإلنسان وسائل يقوي هبا‬ ‫شرف ىذا النص؛ ألن الشدة اؼبادية واغبسية أمرىا سهل‪ ،‬يعٍت أن ّ‬
‫أصًل يعٍت دعنا نقول موىبة وشيء فطري‪ ،‬يعٍت‬ ‫جسده وخاصة اآلن أمر سهل‪ ،‬وقد يكون بعضها ً‬
‫ُخلق اإلنسان قواي‪ ،‬بعض الناس ُخيلق هبذا‪ ،‬لكن قد يكون وىو هبذه الشدة الظاىرة اؼبادية اؼبلموسة‬
‫َج َس ُام ُه ْم ۖ َوإِن‬ ‫ِ‬
‫كأْ‬‫سفيها كما قال هللا ﷻ يف اؼبنافقُت‪َ ﴿ :‬وإِ َذا َرأَيْـتَـ ُه ْم تُـ ْعمجبُ َ‬
‫خفي ًفا‪ ،‬خفيف العقل ً‬

‫ٖٔ‬
‫صْي َح ٍة َعلَْي ِه ْم﴾ جبناء‪ .‬الشاىد أن من‬ ‫ِ ِِ‬
‫هدةٌ ۖ َْحي َسبُو َن ُك هل َ‬ ‫يَـ ُقولُوا تَ ْس َم ْع ل َق ْوؽب ْم ۖ َكأَنـه ُه ْم ُخ ُش ٌ‬
‫ب ُّم َسن َ‬
‫أىم الوسائل أن تريب نفسك على معٌت "ال"‪.‬‬
‫مثًل إنسان عنده شهوة‬
‫ىذي فبكن أن سبارسها ‪-‬كما قلت‪ -‬حىت يف أمور ليست ؿبرمة‪ ،‬يعٍت ً‬
‫جدا‪ ،‬حقيقة أن تعلّم نفسك حىت لو يف بعض األحيان أنو‬ ‫مفرطة لألكل وأيكل كميات كبَتة ً‬
‫خًلص اآلن توقف‪ ،‬فقط من ابب أن أعلّم نفسي أنو ليس كل شي تريدينو جيب أن حيصل‪ .‬ولذلك‬
‫ىذه من اغبكمة يف الصيام‪ ،‬وىذا معٌت ُمراعى يف الشريعة‪ ،‬معٌت تربية النفس على أن‪ :‬ال‪ ،‬ليس كل‬
‫ما تريدين يتحقق‪ ،‬ليس كل ما تشتهُت جيب أن يصلح أو أن يكون‪.‬‬
‫طبعا كما قلت يف مقامات‪ ،‬قد يكون من ابب مقامات األفضلية‪ ،‬وقد يكون يف بعض‬ ‫ىذا ً‬
‫س َع ِن ا ْؽبََو ٰى﴾‪ ،‬ىذه اآلية مباشرة وصرحية يف‬ ‫اف م َقام ربِِ‬
‫َ‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫ـ‬‫ه‬
‫ن‬ ‫ال‬ ‫ى‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ـ‬
‫َ‬‫ن‬‫و‬‫َ‬ ‫و‬‫اؼبقامات الواجبة؛ ﴿ َوأَهما َم ْن َخ َ َ َ َّ‬
‫اعبَنهةَ ِى َي الْ َمأْ َو ٰى﴾‪.‬‬
‫ىذا اؼبعٌت‪ ،‬هنى النفس عن اؽبوى ﴿فَِإ هن ْ‬
‫ىذه إذن الوسيلة األوذل‪ :‬تربية النفس على ـبالفة اؽبوى‪ ،‬ىذه وسيلة عملية حقيقية ومؤثرة وفاعلة‬
‫عما خيالف التزكية‪.‬‬
‫يف تعويد النفس على االبتعاد ّ‬
‫‪ )2‬دوام التوبة وجتديدىا ولزوم االستغفار‪:‬‬
‫الوسيلة الثانية ‪-‬وىي من وسائل التخلية والتنقية‪ :-‬التوبة أو دوام التوبة وجتديدىا ولزوم‬
‫االستغفار‪ .‬كبن يف بداية اللقاء ذكران أن التزكية ماذا؟ ابلضبط الوسائل سبب‪ ،‬وحصول التزكية رزق‬
‫َح ٍد‬ ‫ِ ِ‬ ‫ضل هِ‬
‫اَّلل َعلَْي ُك ْم َوَر ْضبَتُوُ َما َزَك ٰى من ُكم ّم ْن أ َ‬ ‫﴿ولَْوَال فَ ْ ُ‬
‫وىبة من هللا ﷻ‪ ،‬وذكرت الدليل على ذلك‪َ :‬‬
‫اَّللَ يـَُزّكِي َمن يَ َشاءُ﴾‪.‬‬
‫أَبَ ًدا َوٰلَ ِك هن ه‬
‫اآلن واحدة من أعظم العوائق واؼبوانع من أن أيتيك الرزق اإلؽبي ‪-‬اؼبتمثل يف اؽبداية اػباصة‪ ،‬ويف‬
‫جنة الدنيا‪ ،‬ويف إدراك اغبقائق العالية‪ ،‬ويف أن تكون على اؼبقامات العالية يف التعبد‪ -‬واحدة من أىم‬
‫العوائق واؼبوانع اغبائلة بينك وبُت ىذا الرزق ىو‪ :‬تراكم الذنوب واؼبعاصي؛ وألجل ذلك فإن من أعظم‬
‫الوسائل اليت تعُت على التزكية ىي زبليص النفس من اآلصار واألثقال‪ ،‬وما ينقض الظهر من األوزار‬
‫حىت تكون النفس صاغبة وقابلة لنزول الرزق اإلؽبي عليها ابؽبداية اػباصة والوالية‪ ،‬وما إذل ذلك‪.‬‬

‫ٗٔ‬
‫فللتخلص من اؼبوانع ‪-‬واحدة منها ىنا‪ ،‬مانع الذنوب‪ -‬الوسيلة األساسية ىي التوبة واالستغفار‪.‬‬
‫بدون مبالغة التوبة واالستغفار تستحق ؿباضرات وجلسات تتكلم فيها ليس عن يعٍت تفاصيل‬
‫معقدة‪ ،‬وإَّنا تتحدث فيها عن حقيقة التوبة واالستغفار‪ ،‬وفَهم ىذه اؼبقامات التعبدية وآاثرىا على‬
‫النفس وآاثرىا على اإلديان‪ .‬أنت تستغفر هللا ﷻ ؼباذا؟ أو تتوب ؼباذا؟‬
‫‪ ‬دلاذا نتوب؟‬
‫﴿استَـ ْغ ِفُروا َربه ُك ْم إِنهوُ َكا َن َغ هف ًارا ۝ يـُْرِس ِل ال هس َماءَ َعلَْي ُكم‬
‫ٔ) ىناك من يستغفر هللا ﷻ لطلب الرزق‪ْ ،‬‬
‫ِّم ْد َر ًارا﴾‪.‬‬
‫ٕ) وىناك من يستغفر هللا ﷻ لطلب الولد ﴿وديُْ ِد ْد ُكم ِأبَمو ٍال وبنُِت وَجيعل له ُكم جن ٍ‬
‫هات َوَْجي َعل له ُك ْم‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ ََ َ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫أَنْـ َه ًارا﴾‪.‬‬
‫مستحضرا ذنبًا معيّـنًا‪ ،‬أنو اي ريب أان أستغفرك‬ ‫ً‬ ‫ٖ) وىناك من يستغفر هللا ﷻ ‪-‬ىذا أعلى اآلن‪-‬‬
‫وأتوب إليك من ذلك الذنب‪.‬‬
‫ٗ) وىناك مقام أعلى يستحضر فيو معٌت النقص البشري الًلزم والدائم ودوام التقصَت‪ ،‬ومعٌت الكمال‬
‫اإلؽبي والعظمة اؼبوجبة ؼبزيد من اغبق الذي كان ينبغي أن أكون عليو فلم أكن عليو؛ فلذلك‬
‫أستغفرك اي ريب‪ .‬ىذا مقام أعلى وأشرف؛ ولذلك ال تتعمجب ‪-‬بناء على ىذا اؼبقام وىذه الزاوية‪-‬‬
‫أن يكون أول ذكر تقولو بعد الصًلة أستغفر هللا‪ ،‬مع أنو إذا فكرت فيو كمناسبة أساسية أنك‬
‫قت ؽبذه العبادة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فبكن بعد الصًلة تقول "اغبمد ﵁ ﷻ" على طول‪ ،‬يعٍت اي رب اغبمد ﵁ أن وفّ ُ‬
‫لكن "أستغفر هللا ﷻ"؟ يقومون الليل ويسمجدون مث خيتمون ىذا القيام وذلك االبتهال وتلك‬
‫اؼبناجاة ابالستغفار ﴿والْمستـ ْغ ِ‬
‫َس َحا ِر﴾‪ ،‬وأنتم تعلمون اؼبستغفرين ابألسحار من أبرز‬ ‫ين ِابْأل ْ‬
‫ر‬‫ِ‬ ‫ف‬
‫َ ُ َْ َ‬
‫ظبات ىؤالء أهنم كانوا قد جعلوا قبل ذلك االستغفار صًلة وعبادة‪.‬‬
‫لذلك أيها الكرام االستغفار دبًلحظة اؼبعٌت الذي ذكرت وىو ابختصار مرة أخرى‪ :‬معٌت أنٍت اي‬
‫مقصر حىت يف عبادتك‪ ،‬وإذا نظرت إذل مقامك وعظمتك سبحانك وما‬ ‫ريب مهما عملت فأان ّ‬
‫تستحقو وما ينبغي وما جيب علي ىو شيء دل أبلغو ولن أبلغو‪ ،‬وفوق ذلك ذبرأت وعصيت‪ ،‬وذبرأت‬
‫استغفارا من صميم القلب فيو معٌت‬
‫ً‬ ‫واتبعت ىواي الذي هنيتٍت عن اتباعو؛ فبمًلحظة ىذا كلو زبرج‬

‫٘ٔ‬
‫اػبشوع واػبضوع‪ ،‬واالعًتاف ابلتقصَت والضعف‪ ،‬والفقر‪ ،‬واالحتياج‪ ،‬وعظمة هللا ﷻ وكمالو‪ ...‬إذل‬
‫آخره‪ .‬ىذا االستغفار ىو من أعظم وسائل التزكية‪ ،‬وىو االستغفار الذي حيرق الذنوب حرقًا ويبعدىا‬
‫مؤىًل وصافيًا صفاءً جيعل الرزق من هللا ﷻ أييت ويؤثر يف ذلك القلب‬‫عن اإلنسان‪ ،‬فيكون قلبو ً‬
‫وديلؤه‪ .‬ىذه الوسيلة الثانية يف القسم الثاِن‪.‬‬
‫‪ )3‬اجملاىدة‪:‬‬
‫الوسيلة الثالثة‪ :‬وسيلة اجملاىدة‪ .‬ىذه قريبة من األوذل‪ ،‬لكن ما الفرق بُت الوسيلة األوذل والثانية‬
‫والثالثة؟ الوسيلة األوذل قلنا تربية النفس على ـبالفة اؽبوى‪ ،‬اجملاىدة ماذا؟ اجملاىدة يف االثنُت؛‬
‫التصفية والتحلية‪ ،‬يعٍت‪:‬‬
‫ٔ) ؾباىدة النفس يف التخلص من مشكًلهتا‪.‬‬
‫ٕ) وؾباىدة النفس لتحقيق العبادات والزايدة والنماء‪.‬‬
‫فاجملاىدة أتيت بعد الًتبية‪ ،‬يعٍت أول شي يكون عندي أساس للتعامل مع نفسي يف قول ال أو‬
‫شيء‪ ،‬مث أتيت اجملاىدة إلدامة مثل ىذا اؼبعٌت واالستمرار عليو‪ .‬وكذلك ىي أوسع يف اؼبقامُت‪.‬‬
‫أيضا عن الشعارات العامة‪ -‬اي صباعة الزم نعيش اجملاىدة‪،‬‬
‫بعيدا ً‬
‫ىذي اجملاىدة جيب أن نعيشها ‪ً -‬‬
‫يعٍت ال تنتظر زكاءً للنفس زكاءً حقيقيا وأنت دل ذبرب بعد ؾباىدة النفس‪ ،‬اي صباعة أان عندما أقول‬
‫وخياطر فيو ابلنفس‪ ،‬ذاك‬ ‫ؾباىدة أنت تتخيل اعبهاد الذي تُبذل فيو األرواح‪ ،‬ويُقاتل فيو األعداء‪ُ ،‬‬
‫اعبهاد‪ ،‬ىذا مشتق منو‪ ،‬ؾباىدة‪ ،‬جهاد‪ .‬فليس اؼبقصود دبمجاىدة النفس ىي أن واحدة من الذنوب‬
‫اليت وهللا اي ليت أِن أعملها لكن لن أفعلها‪ ،‬ليست ىذه اجملاىدة! ىذه صورة ُدنيا من صور اجملاىدة‪،‬‬
‫اجملاىدة قد تستمر مع اإلنسان سنة سنتُت يف مقابل شيء معُت‪ ،‬اجملاىدة يف مقامات الًتقي ىذي‬
‫جاىدت نفسي َعلى قِيام الليل ِعشرين سنة"‪ ،‬مث‬
‫ُ‬ ‫جدا‪ .‬تعرفون عبارة سفيان "‬
‫ؾباىدة مستمرة وعالية ً‬
‫تلذذت بو عشرين سنة" أو كما يعٍت ورد عنو‪.‬‬
‫ماذا؟ " ُ‬
‫ىذي اجملاىدة اؼبستمرة جيب أن نعيشها‪ ،‬وىي ‪-‬وهللا‪ -‬من وسائل التزكية اؼبفيدة واؼبثمرة والعملية‬
‫مثًل‬
‫أحياان ال تتوقع آاثره‪ ،‬فأنت ً‬‫اليت تلمس أثرىا‪ .‬والعمجيب أن أثر اجملاىدة ‪-‬بُت قوسُت‪ُ -‬خرايف! ً‬

‫‪ٔٙ‬‬
‫مثًل كِرب أو عمجب‪ ،‬أو‬ ‫ذباىد نفسك للتخلص من سلبية ما أو إشكال ما دعنا نقول مرض قليب ً‬
‫مرض من أمراض الشهوات أاي كان‪ ،‬ذباىد نفسك للتخلص منو‪ ،‬ويكون ىذا ىدفك‪ ،‬فتُفاجأ بعد‬
‫اجملاىدة أن هللا ﷻ يورثك ما دل يكن خيطر منك على ابل فبا يعاكس أو خيالف ىذا الذنب الذي‬
‫أنت سعيت وجاىدت لتتخلص منو فقط! فتكتشف أن اجملاىدة تُنتج ليس فقط التخلص فبا تريد‬
‫مصداق ىذا‬
‫التخلص منو‪ ،‬وإَّنا ىي وسيلة أساسية لزايدة اػبَت الذي دل يكن خيطر منك على ابل‪ .‬و َ‬
‫هه ْم ُسبُـلَنَا﴾‪ ،‬وأظن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أو شاىده أو مؤيده قول هللا ﷻ يف سورة العنكبوت‪ :‬ه ِ‬
‫اى ُدوا فينَا لَنَـ ْهديَـنـ ُ‬
‫ين َج َ‬
‫﴿والذ َ‬
‫َ‬
‫اجملاىد‬
‫اجملاىد"‪ ،‬من َ‬ ‫الشيخ دمحم األمُت الشنقيطي علّق على ىذه اآلية فقال‪" :‬حذف سبحانو الطرف َ‬
‫جياىد لكن بشرط أنو "فينا"‪ ،‬والذين جاىدوا فينا الكفار واألعداء واؼبنافقُت‪،‬‬ ‫ىنا؟ كل ما ديكن أن َ‬
‫والذين جاىدوا فينا الشيطان ووسوستو وأذاه وتسلطو‪ ،‬والذين جاىدوا فينا أنفسهم وأىواءىم؛‬
‫هه ْم ُسبُـلَنَا﴾‪.‬‬ ‫ِ‬
‫﴿لَنَـ ْهديَـنـ ُ‬
‫وىذي الطريقة طريقة قرآنية يف حذف مثل ىذه األشياء حىت تكون اآلية عامة‪﴿ .‬إِ هن َٰى َذا الْ ُقْرآ َن‬
‫يَـ ْه ِدي لِلهِيت ِى َي أَقْـ َوُم﴾ يف ماذا؟ يف كل شيء يهدي لليت ىي أقوم‪ .‬وىكذا يف القرآن ذبد مثل ىذا‬
‫اؼبعٌت‪ .‬إذن ىذي الوسيلة الثالثة‪.‬‬
‫‪ )4‬التوكل على هللا ﷻ يف ترك ادلعاصي‪:‬‬
‫قليًل‪ :-‬التوكل‪ ،‬التوكل اؼبفًتض أن أييت أين؟ يف التحلية‬
‫الوسيلة الرابعة ‪-‬فبكن تستغربوا منها ً‬
‫أصًل سيأتينا يف التحلية‬
‫مفردا أو ضمن اؼبقامات الطبيعية؛ ألن ً‬
‫أليس كذلك؟ يف التحلية سواء ً‬
‫أعمال القلوب‪ ،‬ىذا أساس يف التزكية‪ ،‬لكن أردت أن أُفرد التوكل ىنا يف وسائل التزكية اؼبتعلقة‬
‫جدا وىو درجات التوكل‪ .‬وىذا سبق التنبيو إليو‪،‬‬ ‫جدا ً‬
‫ابلتصفية‪ ،‬ؼباذا؟ لفتًا لًلنتباه إذل شيء مهم ً‬
‫واإلمام ابن القيم ذكره‪.‬‬

‫‪ٔٚ‬‬
‫‪ ‬درجات التوكل‪:‬‬
‫ٔ) أتوكل على هللا ﷻ يف جلب منفعة خاصة دنيوية‪ ،‬عبادة أو ليست عبادة؟ عبادة‪ .‬التوكل على هللا‬
‫جدا‪.‬‬
‫ﷻ يف طلب الرزق‪ ،‬عبادة عظيمة ً‬
‫ٕ) أتوكل على هللا ﷻ يف اؽبداية‪ ،‬أتوكل على هللا ﷻ يف التخلص من ذنب ما‪ ،‬أتوكل على هللا ﷻ يف‬
‫ربقيق عبوديتو‪ ،‬ىذا مقام شريف من مقامات التوكل وىو الذي قصدتو ىنا‪.‬‬
‫ٖ) وأعلى منو ىو التوكل على هللا ﷻ يف نصرة الدين والقيام‪ ،‬بطريق األنبياء‪ ،‬ونفع اػبلق‪ ..‬إذل آخره‪.‬‬
‫إذن من وسائل التزكية اؼبتعلقة ابلتصفية‪ :‬التوكل على هللا ﷻ‪ ،‬ذلك الذنب الذي ّأرقك ودل تستطع‬
‫التخلص منو وبذلت األسباب‪ ،‬وأنت تبذل ال زلت؛ اجعل من ضمن األسباب ومن أساسها التوكل‬
‫ِ‬
‫أيضا‪ .‬ىذه‬ ‫ُت﴾؛ نستعُت بك على عبادتك ً‬ ‫على هللا ﷻ يف التخلص منو‪﴿ ،‬إِ هاي َك نَـ ْعبُ ُد َوإِ هاي َك نَ ْستَع ُ‬
‫ِ‬
‫اعبُ ْدهُ َوتَـ َوهك ْل‬ ‫من أىم صور االستعانة‪ ،‬والتوكل ىو استعانة ﴿إِ هاي َك نَـ ْعبُ ُد َوإِ هاي َك نَ ْستَع ُ‬
‫ُت﴾ تساوي ﴿فَ ْ‬
‫َعلَْي ِو﴾‪ ،‬فالتوكل استعانة‪.‬‬
‫إذن ىذه ؾبموعة وسائل‪ ،‬أربعة وسائل‪ ،‬ليست ىي كل شيء‪ ،‬وليست ىي حىت ديكن نصف‬
‫الوسائل‪ ،‬ولكن ىذا اؼبقام مقام سريع أو مقام متوسط ال حيتمل التطويل أكثر‪ ،‬خاصة وأن عندان‬
‫أيضا وىو وسائل تزكوية يف الزايدة والنماء‪.‬‬
‫القسم الثالث واألخَت‪ ،‬وأحاول أن أعمجل بو ً‬
‫وسائل تزكوية متعلقة ابلزايدة والنماء (التحلية)‪:‬‬
‫وعمال‪:‬‬
‫اىتماما ً‬
‫ً‬ ‫‪ )1‬العناية التامة أبعمال القلوب‬
‫عمال‪.‬‬
‫اىتماما و ً‬
‫ً‬ ‫الوسيلة األوىل‪ :‬العناية التامة أبعمال القلوب‬
‫وعمال‪ :‬أن تراعيها يف التعبد أكثر فبا تراعي التعبدات‬ ‫اىتماما‪ :‬أن تكون يف قاموس أولوايتك‪ً ،‬‬
‫ً‬
‫قلت يف قضية التوبة واالستغفار أهنا ربتاج ؿباضرات‪ ،‬فأعمال القلوب ربتاج‬ ‫الظاىرة‪ .‬وإذا كنت قد ُ‬
‫ؿباضرات وؿباضرات وؿباضرات! ال أدري كيف ديكن أن أختصر ىنا يف دقيقة أو دقيقتُت أو ما‬
‫قارهبما قضية أعمال القلوب‪ ،‬لكن الذي ديكن أن يقولو اإلنسان بشكل سريع ىو أن حقيقة التزكية‬
‫ِ‬
‫إَّنا تكون يف القلب؛ ولذلك ثبت يف البخاري ومسلم عن النيب ﷺ أنو قال‪" :‬التهـ ْق َوى ىا ُىنا‪ .‬ويُشَتُ‬
‫‪ٔٛ‬‬
‫أيضا‪َ " :‬أال وإ هن يف اعبَ َس ِد‬‫ص ْد ِرهِ" تعلمون ىذا األسلوب‪ .‬وكذلك قال النيب ﷺ يف البخاري ً‬ ‫إذل َ‬
‫ب"‪ ،‬ويف‬ ‫ت فَ َس َد اعبَ َس ُد ُكلُّوُ‪َ ،‬أال وىي ال َق ْل ُ‬ ‫صلَ َح اعبَ َس ُد ُكلُّوُ‪ ،‬وإ َذا فَ َس َد ْ‬ ‫ت َ‬ ‫صلَ َح ْ‬
‫ضغَةً‪ :‬إ َذا َ‬
‫ُم ْ‬
‫ص َوِرُك ْم وأ َْموالِ ُك ْم‪ ،‬ولَ ِك ْن يَـْنظُُر إذل قُـلُوبِ ُك ْم وأ َْعمالِ ُك ْم" فذكر‬ ‫أيضا "إ هن ه‬
‫اَّللَ ال يَـْنظُُر إذل ُ‬ ‫الصحيح ً‬
‫عمًل فًل تنتظر التزكية‪ ،‬وىي‬ ‫اىتماما و ً‬
‫ً‬ ‫أوال‪ .‬وأعمال القلوب ما دل تكن من قاموس أولوايتك‬ ‫القلوب ً‬
‫اللُّب وىي اؼبنطلق وىي اؼبنتهى‪.‬‬
‫ولذلك من أراد ‪-‬دعنا نقول‪ -‬القفزات اؽبائلة والعالية يف مقامات التعبد؛ فلتكن ؿبور التعبدات‬
‫تبعا‪ ،‬وما كل شيء يف اإلسًلم من عبادات ظاىرة إال ىي تبع‬ ‫لديو القلب‪ ،‬مث البدن بعد ذلك أييت ً‬
‫يقر فيو‪.‬‬
‫للقلب وما يقع فيو وما ُّ‬
‫طبعا يدخل فيها اإلخًلص‪ ،‬ا﵀بة‪ ،‬اػبشية‪ ،‬الرضا‪ ..‬إذل آخره من أعمال القلوب‬
‫أعمال القلوب ً‬
‫اليت تعلمون‪ .‬لكٍت يعٍت مركزىا يف سياق التزكية ىو‪ :‬اإلخًلص‪ ،‬واالذباه ابلقلب ﵁ ﷻ وحده‪.‬‬
‫‪ )2‬الدعاء‪:‬‬
‫الوسيلة الثانية من وسائل التزكية يف الزايدة والنماء‪ :‬الدعاء‪ .‬يلفت انتباىي حديث دعاء النيب‬
‫ـبتصرا جدا‪ ،‬ولكنو يف قضية‬ ‫ً‬ ‫ﷺ يف صحيح اإلمام مسلم ‪-‬وىو دعاء صبيل ولطيف‪ ،‬وإن كان‬
‫التزكية‪ ،‬وحىت فيو تقرير حقيقة؛ قال النيب ﷺ يف دعائو‪" :‬اللهم ِ‬
‫آت نـَ ْف ِسي تَـ ْق َو َاىا‪َ ،‬وَزّكِ َها أنت َخْيـُر‬ ‫ُ‬
‫اىا‪ ،‬أنت َولِيُّـ َها َوَم ْوَال َىا"‪ ،‬اآلن ىذا وسيلة‪ ،‬ما ىي؟ الدعاء‪.‬‬
‫َمن َزهك َ‬
‫لكن أال يذكركم شق الدعاء الثاِن ابؼبقدمة األوذل؟ ‪-‬أول مقدمة قبل أول شيء‪ ،‬قبل استحضار‬
‫ِ‬
‫اىا"؛ يعٍت اي ريب أان أدعو وأعمل ولكن حقيقة التزكية‬ ‫اغبقائق‪ -‬الرزق‪ ،‬أنو " َوَزّك َها أنت َخْيـُر َمن َزهك َ‬
‫اليت ربصل إَّنا ىي منك فأنت خَت من يزّكي النفس‪ ،‬ألست أنت من خلقها؟ وأنت الذي تعلم‬
‫أدواءىا؟ وما يتخللها وما يعًتيها؟ فأنت وليها وموالىا‪ .‬ـبتصر جدا يعٍت حىت من اتساع اؼبعاِن اليت‬
‫فيو واختصار األلفاظ‪ ،‬أول ما تنتهي منو تريد أن تعود اثنيًا وتقولو وتفكر فيو‪ ،‬بعدىا تعود اثلثًا تقولو‬
‫حىت تستوعب فقط اؼبعاِن األساسية اليت فيو‪.‬‬

‫‪ٜٔ‬‬
‫اىا‪ ،‬أنت َولِيُّـ َها َوَم ْوَال َىا" دعاء واضح وصريح يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫"آت نَـ ْفسي تَـ ْق َو َاىا‪َ ،‬وَزّك َها أنت َخْيـُر َمن َزهك َ‬
‫ربقيق قضية التزكية‪ ،‬أول شيء فيو أن التزكية رزق مث فيو استحضار تلك اغبقائق‪" ،‬أنت َولِيُّـ َها‬
‫َوَم ْوَال َىا"‪.‬‬
‫ولذلك ليكن ضمن دعائنا‪:‬‬
‫ٔ) اعتبار واستحضار أنو وسيلة من وسائل التزكية‪.‬‬
‫ٕ) ومن مضامينو الدعاء الصريح بقضية التزكية‪.‬‬
‫ٖ) وخَته ىو ما دعا بو النيب ﷺ فهو من وسائل التزكية اؼبهمة‪.‬‬
‫‪ )3‬الصالة‪:‬‬
‫الوسيلة الثالثة من وسائل التزكية يف الزايدة والنماء‪ :‬الصالة‪ .‬وىذه ربتاج ؿباضرات‪ ،‬الصًلة من‬
‫طويًل‪ ،‬من جهة التزكية‪ ،‬وجهة قيمة الصًلة وشرفها‪ ،‬لكن أنخذ سر ًيعا‪.‬‬
‫ىذه اعبهة فعًل ربتاج حديثًا ً‬
‫ص ًَل َة تَـْنـ َه ٰى َع ِن الْ َف ْح َش ِاء َوالْ ُمن َك ِر﴾‪ ،‬اآلن تنهى عن الفحشاء واؼبنكر أليست‬
‫قال هللا ﷻ‪﴿ :‬إِ هن ال ه‬
‫صرحية يف التزكية؟ يف قسم التصفية أليس كذلك؟ ﴿إِ هن ال ه‬
‫ص ًَلةَ﴾ وىي زايدة وَّناء‪﴿ ،‬تَـْنـ َه ٰى َع ِن‬
‫الْ َف ْح َش ِاء َوالْ ُمن َك ِر﴾ وىذا يف إثبات العًلقة بُت القسمُت يف التزكية‪ ،‬بُت قسم الزايدة والنماء وبُت‬
‫قسم التطهَت والتنقية‪ .‬فالصًلة زايدة وَّناء‪ ،‬ومن آاثرىا أهنا تنهى عن الفحشاء واؼبنكر اليت ىي قواطع‬
‫وعوائق‪.‬‬
‫طويًل ‪-‬فقط ىكذا يعٍت سؤال لكن لن قبيب عنو‪ -‬السؤال ىو‬ ‫السؤال الذي يستحق جو ًااب ً‬
‫ؼباذا؟ ؼباذا كانت الصًلة تنهى عن الفحشاء واؼبنكر؟ الصًلة ليست عمل قلب يف األساس‪ ،‬الصًلة‬
‫عمل بدِن‪ ،‬ىو أكيد أنو عمل يدخل القلب فيو لكن الصًلة كتصنيف ىل ىي عمل قليب أم بدِن؟‬
‫ىي عمل بدِن‪ ،‬ىو القلب يعمل فيو تعبدات كثَتة أثناء الصًلة‪ ،‬لكن التصنيف األساسي للصًلة‬
‫ىل ىي عمل بدِن؟ أم عمل قليب؟ عمل بدِن‪ .‬اػبشية أال تكون ؽبا آاثر على البدن؟ ولكنو عمل‬
‫قليب‪ ،‬نصنفها عمل قليب‪ ،‬اإلخًلص عمل قليب‪ ،‬ا﵀بة عمل قليب‪.‬‬

‫ٕٓ‬
‫اَّللِ أَ ْكبَـُر﴾؟ كبن فبكن أن نقول‬
‫﴿ولَ ِذ ْكُر ه‬ ‫حسنا مثه ﴿ولَ ِذ ْكر هِ‬
‫اَّلل أَ ْكبَـُر﴾ ما اؼبقصود فيو؟ ما معٌت َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ً‬
‫أن الصالة ‪-‬ادلذكورة يف اآلية ىنا‪ -‬ذلا مثراتن‪:‬‬
‫ٔ) شبرة النهي عن الفحشاء واؼبنكر‪،‬‬
‫ٕ) وشبرة ذكر هللا ﷻ‪.‬‬
‫أصًل الصًلة ُمقامة لذكر هللا ﷻ‬
‫وشبرة ذكر هللا ﷻ أكرب من شبرة النهي عن الفحشاء واؼبنكر؛ ألنو ً‬
‫ص ًَل َة لِ ِذ ْك ِري﴾‪ .‬ىذه أظنها أحد األقوال يف تفسَت اآلية‪ ،‬ويوجد غَت ىذا القول كذلك‪.‬‬
‫﴿ َوأَقِِم ال ه‬
‫فعًل البحث والتأمل‪ :‬ؼباذا كانت الصًلة تنهى عن الفحشاء واؼبنكر؟‬
‫لكن السؤال الذي يستحق ً‬
‫فيا ليت يكون يف نشاط فيها مشاركة أي شيء‪.‬‬
‫أحد احلضور‪ :‬األشياء اليت نعملها قبل الصًلة ‪-‬الوضوء‪ ،‬والذكر‪ ،‬واؼبشي إذل اؼبسمجد‪ -..‬تؤثر‬
‫على الصًلة أهنا تنهى عن الفحشاء واؼبنكر؟‬
‫ؽبا أتثَت لكن يعٍت الشيء األساسي وىو الوارد يف النص الصًلة نفسها‪ .‬أان ال أريد جواب اآلن‪،‬‬
‫أقصد ىذا السؤال يستحق البحث الطويل‪ ،‬لكن َم ْع ِقد اعبواب كلو يف فهم حقيقة الصًلة‪ ،‬وما‬
‫مقدار التعبُّدات اؽبائل اؼبوجود يف الصًلة‪.‬‬
‫‪ )4‬التفكر‪:‬‬
‫الوسيلة الرابعة من وسائل الزايدة والنماء‪ :‬التفكر‪ .‬وكبن اليوم يف واقع أو يف زمن إذا تريد أن‬
‫تصفو من ىذي اعبوانب التزكويّة تقول‪" :‬زمن ؿباربة التفكر" أو "زمن مزاضبة التفكر"‪ ،‬يعٍت أنت يف‬
‫واقع أو يف زمن عندما تذىب إذل رحلة يف يوم من األايم‪ ،‬يف السنة‪ ،‬يف الليل ترى النمجوم تقول‪ :‬هللا!‬
‫قبوم يف السماء ‪-‬ىي تطلع كل ليلة‪ -‬سبحان هللا شفت منظر عمجيب! زبيل يف قبوم يف السماء‪.‬‬
‫نفسك تغفل‬ ‫ُ‬ ‫أصًل‬
‫وهللا اي صباعة مشكلة حقيقية‪ ،‬يعٍت ىو اإلنسان ما حيتاج غفلة زايدة‪ ،‬ىي ً‬
‫دائما فلن تكون اآلية عندك‬ ‫ك أتلف اؼبعتاد‪ ،‬فإذا كان من اؼبعتاد أن ترى الشمس والقمر ً‬ ‫ونفس ُ‬
‫ُ‬
‫ربتاج استحضار حىت تستحضر‪ .‬لذلك هللا ﷻ يقول‪َ ﴿ :‬و َج َع ْلنَا ال هس َماءَ َس ْق ًفا هْؿب ُفوظًا ۖ َوُى ْم َع ْن‬

‫ٕٔ‬
‫آاي ِهتَا﴾ ماذا؟ ﴿مع ِرضو َن﴾‪﴿ .‬وَكأَيِن ِمن آي ٍة ِيف ال هسماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬
‫ض َديُُّرو َن َعلَْيـ َها َوُى ْم َعْنـ َها‬ ‫ََ‬ ‫َ ّ ّْ َ‬ ‫ُْ ُ‬ ‫َ‬
‫ُم ْع ِر ُ‬
‫ضو َن﴾‪.‬‬
‫التفكر يف آايت هللا ﷻ الكونية ىو من أعظم األمور اليت تزيد اليقُت واإلديان‪ ،‬والدليل على‬
‫ذلك‪ ،‬إذا قلنا يف البداية أن درجة اليقُت ىي من أعظم القضااي يف التزكية والوسائل‪ ،‬فإنك إذا قرأت‬
‫اآلايت يف آخر سورة آل عمران تدرك أن من أعظم وسائل زايدة اليقُت واستحضار اغبقائق الكربى‪:‬‬
‫ض واختِ ًَل ِ‬
‫ف اللهي ِل والنـهها ِر َآلاي ٍ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫التفكر‪ ،‬وذلك أن هللا ﷻ قال‪﴿ :‬إِ هن ِيف َخ ْل ِق ال هس َم َاوات َو ْاأل َْر ِ َ ْ‬
‫ُورل ْاألَلْب ِ‬ ‫ِ‬
‫اب﴾‪.‬‬ ‫ّأل ِ َ‬
‫اَّلل قِياما وقُـعودا وعلَى جنُوهبِِم ويـتَـ َف هكرو َن ِيف خ ْل ِق ال هسماو ِ‬ ‫هِ‬
‫ات‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ين يَ ْذ ُكُرو َن هَ َ ً َ ُ ً َ َ ٰ ُ ْ َ َ ُ‬ ‫أويل األلباب‪﴿ :‬الذ َ‬
‫ض﴾‪.‬‬ ‫ض﴾‪ ،‬ىذه واحدة من الوسائل‪﴿ ،‬ويـتَـ َف هكرو َن ِيف خ ْل ِق ال هسماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫َو ْاأل َْر ِ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ‬
‫ت َٰى َذا َاب ِط ًًل﴾‪ ،‬وىذا‬‫النتيجة وما نتج عن ىذا التفكر وما صاحب ىذا التفكر‪َ ﴿ :‬ربـهنَا َما َخلَ ْق َ‬
‫أصًل‪.‬‬
‫فيو اذباه إذل اغبقيقة رقم اثنُت‪ ،‬اليت تكون بعد حقيقة الوجود ً‬
‫ت َٰى َذا َاب ِط ًًل﴾ ىذا حديث عن الوجود أم عن اغبكمة والغاية؟ اغبكمة‬ ‫ىنا ﴿ َربـهنَا َما َخلَ ْق َ‬
‫والغاية‪ ،‬يعٍت ما بعد اآلن أنو اي رب أنت حي تسمعنا وتراان وكبن ندعوك‪ ،‬ولكن اآلن كبن نعًتف‬
‫ت َٰى َذا‬
‫ابطًل‪ ،‬والوسيلة إليها كانت التفكر‪ ،‬يتفكرون ﴿ َربـهنَا َما َخلَ ْق َ‬
‫حبقيقة أنك ما خلقت ىذا ً‬
‫جدا‪ ،‬وربطها ابلذكر‬ ‫جدا ً‬ ‫اب النها ِر﴾‪ ،‬وىذه اآلية عظيمة وفيها دروس كثَتة ً‬ ‫اب ِط ًًل سبحانَ ِ‬
‫ك فَقنَا َع َذ َ‬‫ُْ َ َ‬ ‫َ‬
‫جدا‪.‬‬
‫أيضا فيو دروس كثَتة ً‬ ‫ً‬
‫‪ )5‬كثرة ذكر هللا ﷻ‪:‬‬
‫هِ‬
‫اَّللَ‬ ‫لذلك الوسيلة اخلامسة واألخَتة ىي‪ :‬الذكر‪ ،‬كثرة ذكر هللا ﷻ‪ .‬ما عًلقة ﴿ الذ َ‬
‫ين يَ ْذ ُكُرو َن ه‬
‫قِياما وقُـعودا وعلَى جنُوهبِِم ويـتَـ َف هكرو َن ِيف خ ْل ِق ال هسماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬
‫ض ﴾؟‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ ً َ ُ ً َ َ ٰ ُ ْ ََ ُ‬
‫دعوِن أسألكم سؤ ًاال آخر‪ ،‬ىل يوجد دليل من القرآن ‪-‬غَت ىذه اآلية اليت يف سورة آل عمران‪-‬‬
‫يفيد أبن الذاكر يستفيد ما ال يستفيده غَت الذاكر؟ ال تبحثوا عن دليل مباشر‪ ،‬أان يف ابرل آية الدليل‬
‫فيها غَت مباشر يعٍت ‪-‬ال أبس حىت لو ىناك شيء مباشر حىت أتيت اآلية اليت يف ابرل‪ -‬يعٍت أان أريد‬

‫ٕٕ‬
‫أن أصل لفكرة أن الذكر لو أتثَت على النفس والقلب غَت أتثَت اغبسنات الكثَتة اليت تُد هون لك‪ ،‬يعٍت‬
‫أان ال أتكلم عن الذكر اآلن من جهة كثرة األجر‪ ،‬وإَّنا ‪-‬كما قلت لكم يف البداية أن الواحد إذا‬
‫ربدث عن قضية حياول أن يربطها أبصل اؼبوضوع‪ -‬أان أربدث اآلن عن الذكر من جهة أثره على‬
‫النفس‪ ،‬أو يف االستفادة من اؼبدخًلت اليت تدخل عليك من العَِرب واآلايت‪.‬‬
‫ودا َو َعلَ ٰى ُجنُوهبِِ ْم‬ ‫هللا ﷻ عندما قال‪﴿ :‬ويـتـ َف هكرو َن﴾ قال قبلها‪﴿ :‬ي ْذ ُكرو َن ه ِ‬
‫اَّللَ قيَ ًاما َوقُـعُ ً‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ََ ُ‬
‫أثرا فيو ضعف‪ .‬أريد آية أخرى فيها أن‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ٍ ٍ‬ ‫ه‬
‫َويَـتَـ َفكُرو َن﴾ وكأن التف ّكر دون قلب ذاكر ولسان ذاكر ُحيدث ً‬
‫الذاكر يستفيد ما ال يستفيده غَت الذاكر من أمر آخر يشًتك بعض الناس فيو؟‬
‫اَّللَ َكثِ ًَتا﴾‪.‬‬ ‫ُس َوةٌ َح َسنَةٌ لِّ َمن َكا َن يَـْر ُجو ه‬
‫اَّللَ َوالْيَـ ْوَم ْاآل ِخَر َوذَ َكَر ه‬ ‫ول هِ‬
‫اَّلل أ ْ‬
‫﴿لهَق ْد َكا َن لَ ُكم ِيف رس ِ‬
‫ْ َُ‬
‫كثَتا؟ فهمتم الفكرة اليت‬
‫السؤال ىو ما العالقة بُت أن يكون الرسول ﷺ أسوة دلن ذكر هللا ﷻ ً‬
‫أصًل‪ .‬إذا كان‬
‫أردت الوصول إليها؟ أن الذكر لو أتثَت على طبيعة استفادتك من أسباب اؽبداية ً‬
‫التفكر ووجود السماوات واألرض وسيلة لزايدة اإلديان فهي ليست ألي أحد‪ ،‬إَّنا ىي ألورل األلباب‬
‫الذين يذكرون هللا ﷻ أول شيء قبل أن يتفكروا‪.‬‬
‫ضو ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫هها ِر﴾ ىذه اآلن ماذا؟ أشياء موجودة ـبلوقة‬ ‫اخت ًَلف اللهْي ِل َوالنـ َ‬ ‫﴿إِ هن ِيف َخ ْل ِق ال هس َم َاوات َو ْاأل َْر ِ َ ْ‬
‫ديكن التفاعل معها بطريقة تؤدي إذل اإلديان‪ ،‬وديكن التفاعل معها بطريقة تؤدي إذل الكفر كما يف‬
‫اؼبنطق اإلغبادي اؼبعاصر‪ ،‬صاروا ينظرون إذل السماء ويرون أنو عادل فسيح ال معٌت لو وكبن أنيت يف‬
‫طرف الكون وال أدري ماذا‪ ،‬وكان اؼبفروض أن تكون األرض يف نصف القياسات لكي تكون‬
‫صحيحة! ؼباذا االفًتاض ىذا؟ الحظ ىذا شيء خارجي اآلن‪ .‬هللا ﷻ يقول‪﴿ :‬إِ هن ِيف َخ ْل ِق‬
‫اب﴾ من ىم؟ ﴿اله ِ‬‫ُورل ْاألَلْب ِ‬‫ِ‬ ‫ت﴾ ولكن ؼبن؟ ﴿ِ‬ ‫ض واختِ ًَل ِ‬
‫ف اللهي ِل والنـهها ِر َآلاي ٍ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫أل‬
‫ّ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ال هس َم َاوات َو ْاأل َْر ِ َ ْ‬
‫ض﴾‪.‬‬ ‫اَّلل قِياما وقُـعودا وعلَى جنُوهبِِم ويـتَـ َف هكرو َن ِيف خ ْل ِق ال هسماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫يَ ْذ ُكُرو َن هَ َ ً َ ُ ً َ َ ٰ ُ ْ َ َ ُ‬
‫ُس َوةٌ َح َسنَةٌ﴾ حسنًا وجود رسول هللا ﷺ يف ذلك‬ ‫ول هِ‬ ‫نفس الشيء ﴿لهَق ْد َكا َن لَ ُكم ِيف رس ِ‬
‫اَّلل أ ْ‬ ‫ْ َُ‬
‫اؼبكان مع نفس من ظبعوا ذلك اػبطاب دل يكن عبميعهم أسوة حسنة بل كان لبعض ‪-‬يف نظرهتم‬
‫عدوا‪ ..‬إذل آخره‪ ،‬كما كان اؼبنافقون يف وقت النيب ﷺ الذين كانوا يستمعون نفس اآلايت‬ ‫ىم‪ً -‬‬
‫اَّللَ إِهال قَلِ ًيًل﴾‪.‬‬
‫وحيضرون نفس اجملاالت‪ .‬لذلك ال تتعمجب أن يكون وصف اؼبنافقُت ﴿ َوَال يَ ْذ ُكُرو َن ه‬
‫ٖٕ‬
‫اَّللَ َكثِ ًَتا﴾‪ ،‬اؼبنافقون الذين كانوا يف‬ ‫ُس َوةٌ َح َسنَةٌ لِّ َمن َكا َن يَـْر ُجو ه‬
‫اَّللَ َوالْيَـ ْوَم ْاآل ِخَر َوذَ َكَر ه‬ ‫أنو ىو ﴿أ ْ‬
‫أصًل من النيب ﷺ؛ ألن وجود‬ ‫قليًل‪ ،‬وابلتارل ىم دل يستفيدوا ً‬ ‫وقتهم كانوا ال يذكرون هللا ﷻ إال ً‬
‫السبب اػبارجي للهداية والنور ال يساوي الرؤية من اعبميع‪ ،‬وإَّنا يساوي الرؤاي ؼبن لديو بعض‬
‫االستعدادات للرؤية فبن م هن هللا ﷻ عليهم يف ذلك‪.‬‬
‫قابًل‬
‫لذلك كثرة الذكر وسيلة من أعظم وسائل التزكية فهي‪ :‬تصلح القلب‪ ،‬وتطمئنو‪ ،‬وذبعلو ً‬
‫لًلستفادة من العِرب واآلايت اليت تزيد اإلديان واليقُت ويُهدى هبا الناس إذل اغبق‪.‬‬

‫ِّ‬
‫وصل اللهم على نبينا دمحم وعلى آلو وصحبو أصبعُت‪ .‬تقبل هللا منا ومنكم صاحل األعمال‪ ،‬وغفر‬
‫لنا ولكم السيئات والهزلل‪.‬‬

‫ٕٗ‬

You might also like