Professional Documents
Culture Documents
المحاضرة الثالثة - التزكية للمصلحين
المحاضرة الثالثة - التزكية للمصلحين
الفهرس
ٔ
ادلقدمة:
كثَتا طيبًا مبارًكا فيو كما حيب ربنا تبارك
ضبدا ً
بسمميحرلا نمحرلا هللا ،اغبمد ﵁ رب العاؼبُتً ،
وتعاذل ويرضى ،اللهم لك اغبمد ال كبصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك .اللهم ِّ
صل وسلم
وابرك على عبدك ورسولك دمحم.
وسهًل ومرحبًا ،حياكم هللا ،شرفتم ونورمت ،وأسأل هللا سبحانو وتعاذل أن يبارك لنا ولكم يف
أىًل ً
اي ً
ىذه اجملالس ،وأن جيعلها ؾبالس خَت وبركة.
اليوم ىو اللقاء الثالث ضمن لقاءات التزكية اؼبصلحُت ،وىذه السلسلة ىي سلسلة زبتلف عن
السًلسل التزكويّة اليت قدمتها ساب ًقا من حيث أطراف تناول اؼبوضوع ،ومن حيث حىت اؼبضمون
وا﵀توى .أخذان "مركزية التزكية" يف ا﵀اضرة األوذل ،مث أخذان "معادل التزكية" ،وىنا كبن اليوم مع عنوان
"وسائل التزكية" ،مث سنتناول إبذن هللا "عوائق التزكية" .فصارت مركزية التزكية ،مث معاؼبها ،مث وسائل
ربقيقها ،مث العوائق اليت ربول بُت اإلنسان وبُت ربقيق التزكية .فهذه أربعة عناوين ،وكل عنوان منها
يتناول جزءًا أو طرفًا أو ركنًا من أركان التزكية ،ودبمجموع ىذه العناوين مع تفاصيلها يرجو اإلنسان أن
يكون قد قدم شيئًا فيو شيءٌ من التكامل يف موضوع التزكية .وتنقيب أو عنونة ا﵀اضرات بـ"التزكية
للمصلحُت"؛ ىذا فيو استحضار ومراعاة أن بعض اؼبضامُت يُراعى فيو اإلنسان العامل اؼبصلح الذي
قد يتعرض لبعض التحدايت التزكويّة أثناء الطريق.
اليوم أنيت لسؤال الكيف .ا﵀اضرة األوذل كانت سؤال ؼباذا؟ ا﵀اضرة الثانية كان السؤال ماذا؟ وىنا
سؤال كيف؟ لكن قبل أن أبدأ بسؤال الكيف أو اعبواب عن سؤال "كيف ربصل التزكية؟"" ،كيف
جدا أال وىي :أن ربقق التزكية عند يقوم اإلنسان بعملية التزكية؟" أود أن أُنبو إذل قضية مهمة ً
قطعا ،يعٍت ىي
اإلنسان ال يكون عرب معادالت وإجراءات إذا عملها اإلنسان فستحصل التزكية ً
ليست ذبربة روحية شرقية يقوم اإلنسان فيها دبمجموعة من الطقوس ،ويلتزم بعدد معُت من األايم
أبوقات معينة وىيئات معينة حىت يصل إذل نتيمجة روحية! التزكية ال تكون ىكذا ،حىت لو كانت
وسائلها شرعية ،يعٍت حينما نتكلم عن الوسائل اآلن ىذا ال يعٍت أنو من فعل واحد اثنُت ثًلثة فبعد
بذل
طبس أايم إن شاء هللا سيكون وصل ؼبرحلة التزكية بدرجة عالية! ىي ال تكون ىكذا ،ىذا ٌ
ٕ
األسباب ،بعد ذلك ربقق التزكية يف اإلنسان ىو رزق وىبة من هللا سبحانو وتعاذل .كما أنك تطلب
الرزق من هللا ابزباذك األسباب يف أي قضية من القضااي الدنيوية؛ فكذلك تُطلب األرزاق الدينية من
هللا سبحانو وتعاذل ببذل أسباهبا .فكما أن الطعام والشراب والسكن واؼبلبس ،إذل آخره ،ىي ىبات
وأرزاق من هللا سبحانو وتعاذل ،وجعل ؽبا أسباب يبذؽبا اإلنسان ابلتمجارة أو غَتىا من متطلبات
رزق من هللا سبحانو وتعاذل يطلب اإلنسان لو أسبابو وينتظر الرزق األسباب؛ فكذلك التزكية ىي ٌ
َح ٍد ِ ِ ضل هِ
اَّلل َعلَْي ُك ْم َوَر ْضبَتُوُ َما َزَك ٰى من ُكم ّم ْن أ َ والقسمة .ولذلك يقول هللا سبحانو وتعاذلَ ﴿ :ولَ ْوَال فَ ْ ُ
اَّللَ يـَُزّكِي َمن يَ َشاءُ﴾ ،ومع ذلك أخربان بوسائل ربقق التزكية .فهذه نقطة مهمة يف البداية أَبَ ًدا َوٰلَ ِك هن ه
متصورا األمور على غَت حقيقتها. ً حىت ال يكون اإلنسان
ادلع ماِل يف احملاضرة ادلاضية ،معاِل التزكية ،قسمنا القضية إىل قسمُت:
لو تتذكرون يف َ
ٔ) معادل يف التصفية والتخلية.
ٕ) معادل يف الزايدة والنماء.
وقلنا أن ىذان ؿبورا التزكية من حيث اؼبوضوعات الكربى ،مث بعد ذلك ىناك تفاصيل يف داخل
ىذه اؼبعادل.
أيضا ،يعٍت وسائل يف التزكية تدخل يف شق التخلية
اليوم يف الوسائل سنسَت على ىذين القسمُت ً
والتصفية والتهذيب ،ووسائل لتحقيق التزكية تدخل يف قسم الزايدة والنماء.
وىنا أريد أن أذكر فائدة منهمجية يف البحث أو يف االلقاء والتقدمي؛ كبن نتكلم عن التزكية،
اؼبفًتض أن إذا ذكرت وسيلة من الوسائل أن أربطها بقضية التزكية ،دلاذا؟ ً
طبعا ىي معلومة بديهيّة
حياان أتيت تتكلم عن قضية
ولكنها يف الواقع مع األسف يف التطبيق العملي ليست بديهية ،يعٍت أ ً
ب لَ ُك ْم﴾ .سبام الكًلم ال يوجد فيو ال ربُّ ُكم ادع ِوِن أ ِ
َستَمج ْ
مثًل :وسائل التزكية ،الدليلَ ﴿ :وقَ َ َ ُ ْ ُ ْ
فتقول ً
خطأ ،لكن الفكرة أنو أان كمتلقي أنتظر منك أن تربط رل بُت الدعاء وبُت اؼبوضوع ا﵀دد الذي ىو
مثًل ومكانتو؛ فأنت أفدتٍت معلومةالتزكية ،فإذا قلت رل الدعاء مث ذكرت رل األدلة على فضل الدعاء ً
يف فضل الدعاء ومكانتو ،لكن دل تعطيٍت ما يطابق اؼبوضوع ابلضبط الذي ىو عًلقة الدعاء ابلتزكية
ربديدا .وىذه القضية على بداىتها كما قلت إال أهنا ربتاج من يراعي ذباوزىا وربقيق الصواب فيها،
ً
ٖ
كثَتا ،أكثر فبن أييت بكًلم كثَت مث إذا
مفيدا ً
ىذا يتناول اؼبوضوعية من وسطها ،يعٍت يكون مثرًاي و ً
أردت أن تستخلص ما يطابق من اؼبضمون العنوان؛ قد ذبد مفارقات كثَتة .وىذه مشكلو منتشرة
أصًل اليت تراىا يف بعض الكتب مث تفتحها وال ذبد فيها شيئًا!
جدا .ىذا غَت العناوين الراننة ً
ً
اخلطة ادلتبعة يف احملاضرة:
إذن خطة اليوم يف تناول قضية وسائل التزكية ىي :أِن سأذكر وسائل متعلقة ابلتهذيب ،واإلبعاد،
والتخلية والتصفية ،ووسائل متعلقة ابلزايدة والنماء .قبل ذلك سأذكر ثًلث أو أربع وسائل تزكويّة ىي
تكون كالشرط لوسائل التزكية ،وكاؼبقدمة لوسائل التزكية ،وقد تشمل االثنُت ،القسمُت .يعٍت قبل أن
أذكر الوسائل التزكويّة اػباصة ابلتصفية ،أو اػباصة ابلزايدة والنماء ،أريد أن أذكر بعض الوسائل اليت
تعترب شاملة لًلثنُت أو مقدمة لًلثنُت أو شرط لًلثنُت ،فهي من األمهية دبكان حبيث أهنا تُفرد
وتستحق أن تكون مقدمة للقسمُت من وسائل التزكية .إذن ىذه البداية يعٍت قد تكون من أىم
الوسائل اليت ديكن أن تُذكر يف ىذا اللقاء.
ٗ
سبحانو؛ ىي ليست طُرقًا معقدة ،ال حيتاج أن أكون دارس فلسفة إسًلمية حىت أصل إذل درجات
أصًل -وال أحتاج أن أكون قد َختمت العلوم الشرعية حىت
عالية يف التزكية وفهمها -إذا دل تبعدك ً
أصل إذل مقامات عالية يف ىذا اإلسًلم ،ويف ىذا الدين.
صحيح العلم بًل شك أنو وسيلة من وسائل اؼبهمة ،لكن الفكرة أن الذي يُوصل اإلنسان إذل
أعلى اؼبقامات ىو جنسو وأصلو ،ىو الذي يدخل اإلنسان يف أول اؼبقامات ،الذي يوصل اإلنسان
يء أصلو ىو الذي يدخل اإلنسان يف أول اؼبقامات،إذل أعلى اؼبقامات؛ ىي درجة من عمل أو ش ٍ
الفرق ىو يف درجة االستحضار ،ويف مقدار اليقُت ،ويف دوام التصديق هبذا ادلعٌتّ ،
وإال فهو من
أساسا .ولذلك ذبدون أن بعض من يدخل يف اإلسًلم حيث أصل اؼبعٌت ىو أصل دخول اإلسًلم ً
أمورا ال يعملها إال من بل
من أول أايمو إذا كان استحضاره ؽبذه اغبقائق الكربى عاليًا؛ جيده يعمل ً
درجات عالية يف التزكية!
ومن أبرز األمثلة على ذلك السحرة ،سحرة فرعون الذين آمنوا ،يف نفس اؼبقام واؼبوقف الذي
كًلما حُت يستمع إليو اإلنسان يقول ىذا صلب ،وقالوا ً ءامنوا فيو ُى ِّددوا بقطع األيدي واألرجل وال ه
الكًلم ال يقولو إال إنسان قد أفٌت ثًلثُت سنة يف قيام الليل والسمجود بُت يدي هللا سبحانو وتعاذل!
ضْيـَر إِ هان إِ َ ٰذل َربِّنَا ضي َٰى ِذهِ ْ
اغبَيَاةَ ُّ
الدنْـيَا﴾َ﴿ ،ال َ اض ۖ إِهَّنَا تَـ ْق ِ
َنت قَ ٍض َما أ َ أليس كذلك؟ ﴿فَاقْ ِ
ِ ِ
كًلم ىو خًلصة ما جاءت بو األنبياء للوصول ُمن َقلبُو َن إِ هان نَطْ َم ُع أَن يَـ ْغفَر لَنَا َربـُّنَا َخطَ َااي َان﴾؛ ٌ
كبَتا يفابلبشرية يف درجات التزكية اإلديانية .وكان ذلك دل يكن مسبوقًا دبقامات طويلة تطلبت زمنًا ً
التزكية .ما ىي الفكرة؟ ؼباذا؟ القضية ليست يف طول الزمن ،ىي القضية يف مقدار انكشاف اغبقائق
الكربى للقلب ودرجة تصديقو ؽبذه اغبقائق ،ودرجة استحضاره ؽبا ،ىذه اؼبقدمة األساسية والشرط
الضروري ألي عملية تزكويّة ضمن اإلطار اإلسًلمي .سنأيت بعد قليل يف الوسائل التفصيلية إبذن هللا
تعاذل ،كل وسيلة ال تصلح وال يكون ؽبا قيمة وال شأن إذا ما كانت ىذه اغبقيقة األوذل واألساسية
حاضرة ومستَحضرة.
لذلك أنت أال يلفت انتباىك حُت تسمع حديث جربيل حُت جلس مع النيب ﷺ ،وجاء
اغبديث عن اإلسًلم وما فيو من أصول وأركان ،مث بعد ذلك اإلديان ،مث بعد ذلك اإلحسان كدرجة
٘
وحل النص النبوي الذي قالو النيب ﷺ يف تعريف عُليا فوق اإلسًلم واإلديانِ ،
حرر ىذه الدرجة اآلنّ ،
ّ
ك تَـَراهُ ،فإ ْن َدلْ تَ ُك ْن تَـَراهُ فإنهو
اَّللَ َكأنه َ
اإلحسان؛ ستمجد أنو استحضار القضية األساسية" :أ ْن تَـ ْعبُ َد ه
يَـَر َاك".
مسلما إذا أعتقد أن هللا ال يراه ،يعٍت أنو غائب عن هللا،
سؤال :ىل يصح أن يكون اإلنسان ً
اتئو يف ىذه األرض قد فات هللا سبحانو وتعاىل؟ ً
طبعا أنت ترى أنك مسلم ،فأنت مؤمن أن هللا
يراك ،ىي الفكرة أين؟ الفكرة يف االستحضار ،وحُت تقول االستحضار ال شك كبن ال نتكلم عن
سبارين ذىنية يقوم هبا اإلنسان مع شيء من الًتكيز ودرجة معينة من الصفاء حىت يستطيع
قدمت فيها وىي أن التزكية رزق،
ْ االستحضار ،ليست ىكذا .نرجع إذل النقطة األوذل اليت
االستحضار رزق ،استحضار ىذا رزق؛ ألنو ؼبا تقول استحضار ىو وصف ،لكن ىو ليس إجراءً،
طبعا ىو فبكن اإلنسان حياول فيو ،لكن ىي ليست إجراءً.
يعٍت ليست قضيةً ..
ٙ
ولذلك أبو بكر رضي هللا تعاذل عنو الذي ىو أشرف ىذه األمة بعد نبيها عليو الصًلة والسًلم،
ما الذي سبيّز بو من حيث اؼبميزة الكربى؟ التصديق .حسنًا يف حادثة اإلسراء واؼبعراج -أو غَتىا -لو
مسلما؟ ال
مسلما أو ال يكون ً خربا من النيب ﷺ ،فقال "أان ال أصدق" ،يكون ً رجل وظبع ً جاء ٌ
مسلما ،تكذيب النيب ﷺ كفر ،أليس كذلك؟ حسنًا أبو بكر الصديق الذي سبيّز بو ىو يكون ً
التصديق ابلنيب ﷺ ،حسنًا أليس كل اؼبؤمنون كانوا مصدقُت ابلنيب ﷺ! ىي القضية ىذه ابلضبط،
ىي الدرجة واؼبنزلة العلو.
لذلك بقدر االستحضار ،وبقدر درجة علو اليقُت والتصديق؛ بقدر ما تًتتب اآلاثر على ىذا
ضمر يف قلبو التصديق واالستحضار ،تراه
اليقُت وىذا التصديق .وإال فإنك ترى أن اإلنسان كل ما ُ
أفعاال أنت تتساءل ىل أنت تؤمن اب﵁ وابليوم اآلخر حىت
كافرا يف أفعالو ،يعٍت يفعل ً
يكاد يكون ً
تفعل مثل ىذا؟ ولذلك ىذه ىي القضية وىذه ىي اؼبعادلة.
أبدا ،وال
مقدمة وسائل التزكية ،وشرط وسائل التزكية ،وخًلصة وسائل التزكية ليست معقدة ً
طويلة التفاصيل ،وال كثَتة الذيول ،وإَّنا ىي نفس قضية اؼببتدأ يف أصل اإلسًلم ،اللهم أهنا إال
الدرجة واؼبستوى ،والرتبة من التصديق ،واليقُت.
ولذلك كثمرة عملية من ىذه الوسيلة :إايك أن تستهُت يف حبثك ،يف تعبدك ،يف ذكرك ،يف
قائًل يف نفسك أن ىذهصًلتك ،ابؼبعلومات أو ابلتعبُّدات أو ابألذكار اؼبتعلقة ابألصول الكربىً ،
معروفة! ىو السر كل السر يف اؼبعروفة ،والشأن كل الشأن يف اؼبعروفة ،و"ال إلو إال هللا" إذا كانت ىي
اليت تُدخل اإلنسان يف اإلسًلم فهي من أعظم ما يُرقّي اإلنسان مقامات عند هللا سبحانو وتعاذل،
ىي نفسها ال إلو إال هللا اليت أدخلت اإلنسان اإلسًلم!
ولذلك إذا شعرت أن دائرة من دوائر شؤم الذنب الت َفت عليك وصارت حميطة بك ،وتكاد
تغلق عليك األفق؛ فاكسرىا! اكسر ذلك القيد والطوق بـ"ال إلو إال هللا" ،ال إلو إال هللا من صميم
وصدق" ،لو كانت السموات واألرض حلقو لقصمتهن ال إلو إال هللا"، ٍ القلب وخالِ ِ
صو ،بعل ٍم ويق ٍ
ُت
ال تبحث يف أوراد تفصيلية خاصة ،وصعبة ومعقدة قال هبا بعض األولياء ،ال ،ىذه القضية ليست
ىكذا.
ٚ
ىذه -كما قلت -ىي الثمرة من الوسيلة التزكويّة األوذل وىي :ال تبحث عن ما يُرقّيك وعن ما
يق ّدمك عند هللا سبحانو وتعاذل ،وعن ما يتخلص بو من اؼبشكًلت والذنوب و..و ..إذل آخره ،يف
وذكرت لكم بعض
ُ أشياء بعيدة ،وإَّنا اجتهد لتحقيقها يف أصول التعبُّدات ومنطلقاهتا األساسية.
الشواىد وإال فاغبديث حيتمل أكثر من ذلك ،ويف واحدة من دروس غيث الساري -نسيت الدرس
كم -تكلمت فيو عن ىذه القضية بنوع من اإلسهاب ،يعٍت أظن الدرس كان مدتو ساعة ونصف.
ىذه الوسيلة التزكويّة األوذل ،وكما قلت ىي من القسم األول الذي ىو شامل لألمرين.
)2العلم ابهلل ﷻ:
الوسيلة التزكويّة الثانية ،وىي يعٍت كالشرط كذلك ،كما قلت يف القسم األول ،ىذه الوسيلة ىي
العلم ابهلل سبحانو وتعاىل.
كثَتا ،ولكن ال تستطيع أن تقتنع هبذه العلم اب﵁ ىو أشرف العلوم ،وىذه اعبملة ردبا ظبعناىا ً
القضية قناعةَ حق اليقُت إال إذا عشتها .أنت تستطيع أن تتصور معرفيًا ،فتقول :العلم اب﵁ أشرف
أعز من كل شيء و ..و ..إذل متعلق اب﵁ سبحانو وتعاذل الذي ىو أعلم من كل شيء ،و ّ العلوم ألنو ٌ
آخره ،وابلتارل العلم اؼبتعلق بو ىو أشرف شيء .ىذه معلومة نظرية صبيلة ومنطقية ،ومرتبة ورائعة،
علما يُعاش ،وتشعر وتلمس آاثره يف حياتك ،ىكذا تكون للمجملة ىذه لكن العلم اب﵁ أن يكون ً
قيمة استثنائية غَت القيمة العامة اليت أتخذ شرفها من شرف تراكيبها اؼبعرفية.
العلم اب﵁ سبحانو وتعاذل واغبديث عن هللا اؼبوصل إذل العلم بو ىو الذي استغرق من كتاب هللا
سبحانو وتعاذل اؼبساحة العظمى -إذا صحت التسمية -أو استغرق اؼبوضوعات األساسية أو استغرق
كبَتا من اآلايت .والعمجيب -وىذه قضية يف غاية األمهية -أنك إذا أتملت اآلايت والسور اليت قدرا ً ً
جاءت تفضيلها على لسان النيب ﷺ ستمجد أهنا متعلقة اب﵁ سبحانو وتعاذل ،فأعظم آية ىي آية
معك كتاب هِ
آية يف ِ ي ٍ
اَّلل َ الكرسي ،وآية الكرسي خالصة يف اغبديث عن هللا .الحظوا اي صباعة" :أ ه
أعظَ َم؟" فكر أُيب بن كعب ،وىذه ميزة الًتبية النبوية ،كانت ربلق هبم يف اآلفاق العلوية حبيث أن أُيب
بن كعب ؼبا أراد أن يفكر يف اعبواب عن السؤال النبوي ،ما ىي أعظم آية يف كتاب هللا ،القاموس
معيارا متعل ًقا بـاؼبقامات اإلديانية
الذي أخذ يبحث بو ،اؼبعيار الذي يُص ّفي بو من اآلايت ،كان ً
ٛ
اسا .دل يبحث عنها يف والتزكوية ،واغبديث عن هللا سبحانو وتعاذل؛ ألن ىذه نتيمجة الًتبية النبوية أس ً
قائًل" :لِيهنِ َ ِ
لم أاب
ك الع َ وم﴾ ،فضرب النيب ﷺ ً َ اَّللُ َال إِلَوَ إِهال ُى َو ا ْغبَ ُّي الْ َقيُّ ُ
مواضيع أخرى .فقال ﴿ :ه
اؼبِ ِ
نذ ِر" .ىذه آية الكرسي.
أعظم سورة؟ الفاربة ،حديث عن هللا سبحانو وتعاذل وعن خًلصو العبودية لو.
ِ
ص َم ُد َدلْ يَل ْد َوَدلْ يُولَ ْد َوَدلْ اَّللُ ال ه
َح ٌد ه اَّللُ أ َ
السورة اليت تعدل ثلث القرآن؟ ﴿قُ ْل ُى َو ه
َح ٌد ﴾ .وأراد النيب ﷺ أن يبُت للناس عظمتها كما يف اغبديث الصحيح -وىذا يف يَ ُك ْن لَوُ ُك ُف ًوا أ َ
لث ال ُقْرآن" .فاجتمع الصحابة يد أَ ْن أَقْـَرأ َعلَْي ُكم ثُ َ اح ِش ُدوا ،فَِإِن أُِر ُ
البخاري ومسلم -ؼبا قالْ " :
وانتظروا ،جالسُت متهيئُت أن يُقرأ عليهم اآلن عشرة أجزاء أو ثلث القرآن ،فخرج النيب ﷺ فقرأ
َح ٌد ﴾ ،وقال: ِ
ص َم ُد َدلْ يَل ْد َوَدلْ يُولَ ْد َوَدلْ يَ ُك ْن لَوُ ُك ُف ًوا أ َ
اَّللُ ال ه
َح ٌد ه
اَّللُ أ َ
عليهم ﴿قُ ْل ُى َو ه
"تَـ ْع ِد ُل بثُـلُث ال ُقْرآن" .الحظوا األسلوب ،حىت يعزز قيمة ومكانة ىذه السورة يف النفوس.
حسنًا ،ما العالقة بُت العلم ابهلل سبحانو وتعاىل وبُت التزكية؟ العًلقة ىي من بوابة الوسيلة
األوذل .الوسيلة األوذل قلنا ىي دوام استحضار اغبقائق ،استحضار اغبقائق إذا كان تفصيليا فهو
أعلى وأشرف وأعظم من االستحضار اإلصبارل ،وأعظم تفصيل ديكن أن يؤثر يف إدخال اغبقائق
الكربى ىو االستحضار التفصيلي اؼبتعلق اب﵁ سبحانو وتعاذل وأظبائو وصفاتو ،وفرق كبَت بُت أن
يكون استحضارك اؼبعٌت اؼبتعلق اب﵁ ىو معٌت الوجود والشهود فقط أو الشاىديّة ،وبُت أن يكون
ِ ضبن الهرِحيم ىو ه ِ ب والشههادةِ اؼبعٌت تفصيليا﴿ .ع ِ
كاَّللُ الهذي َال إِٰلَوَ إِهال ُى َو الْ َمل ُ َ ُ ُ ُ ٰ
َ ْ ر
ه ال و
َ ى
ُ ۖ َ َ َ ِ ي
َْغل
ْ ا ادل
ً َُ
كثَتا يف ختام سورة اغبشر ،إذا كان كل اسم منها ِ ِ
ُّوس ال هس ًَل ُم اؼبُؤم ُن اؼبَُهْيمن﴾ ،ىذه اليت تقرأىا ً
الْ ُقد ُ
حُت تلفظ حبروفو فأنت تنقش من قلبك معٌت العلم بدالالت وحقائق ىذه األظباء؛ ىذه التزكية أو ما
ينتج عن ىذا االستحضار وىذا العلم من التزكية الناذبة عن إدراك اغبقائق الكربى ،وأنك تقرأ كًلم
من ىذه صفتو ،وتقف بُت يدي من ىذه صفتو ،وتطلب من ىذه صفتو سبحانو وحبمده؛ ىذا من
أعظم الوسائل اليت تقود اإلنسان إذل التزكية؛ ألن من يدرك ىذه العظمة اؼبتعلقة اب﵁ سبحانو وتعاذل
يف العلم ،واغبكمة ،والعزة ،والفخر ،والرضبة ،و ..إذل آخره؛ ستكون تعبُّداتو ومراقبتو ﵁ ،وابتعاده -يف
ٜ
شقي التزكية :يف التصفية ويف الزايدةُ -ـبتل ًفا عن من ال يستحضر ىذه اغبقائق اؼببنية على العلم اب﵁
ّ
سبحانو وتعاذل.
ولذلك هللا سبحانو وتعاذل يذكر يف كتابو شيئًا من آاثر العلم اب﵁ وأثرىا يف التزكية﴿ :إِهَّنَا َخيْ َشى
أحياان أتيت ؾبملة دون ذكر العلم اب﵁ ،ولكن فيها اغبديث عن هللا وأثره، اَّللَ ِم ْن ِعبَ ِادهِ الْعُلَ َماءُ﴾ ،و ً
ه
ولكن أنت تقرأ من داخلها قضية العلم.
دائما يلفت انتباىي قول مرمي عليها السًلم حُت جاءىا جربيل فخافت؛ ألنو جاءىا على وأان ً
ت تَِقيا﴾؛ ألهنا ىي تعلم أن صورة بشر سوي فظنت السوء فقالت﴿ :إِِِّن أَعُوذُ ِابلهر ْضبَ ِن ِمْن َ
ك إِ ْن ُكْن َ
ىذا األسلوب ىو الذي يبعدىا عن اؼبعاصي ،ىي أرادت تستمجَت فقالت ﴿أَعُوذُ ِابلهر ْضبَ ِن ِمْن َ
ك إِ ْن
ت تَِقيا﴾.
ُكْن َ
استَـ ْغ َفُروا لِ ُذنُوهبِِ ْم﴾ ،وىنا فيو
اَّللَ فَ ْ
وكذلك ﴿واله ِذين إِ َذا فَـعلُوا فَ ِ
اح َشةً أ َْو ظَلَ ُموا أَنْـ ُف َس ُه ْم ذَ َكُروا ه َ َ َ
تذكر هللا سبحانو وتعاذل ،ولذلك ذبد خبًلف ذلك يف سوره البقرة يف فقدان معٌت العلم التذكرُّ ،
معٌت ُّ
َخ َذتْوُ الْعِهزةُ ِابِْإل ِْمث﴾ ،ىذا الذي من ىذا النمط وىذا الصنف يل لَوُ ات ِهق هاب﵁ واػبوف منو﴿ :وإِ َذا قِ
اَّللَ أ َ َ َ
أبدا ،ألن أنت عندك حدود معينة ،يوجد ىوى .لكن يف طبقات اؼبفًتض ال تقدر أتمنو على شيء ً
أن سوط التذكَت اب﵁ يُبعد عنها ،لذلك تعرفون الثًلثة الذين أُطبقت عليهم الصخرة ،كان أحدىم
الذي قال "كانت رل ابنة عم فلما جلست منها موضوع الرجل ابمرأتو ،قالت :اتق هللا" ،فقام من
ذلك اؼبوقف ،ىذا اآلن أثر اػبوف من هللا والعلم بو .ىذه الوسيلة الثانية من الوسائل العامة واليت
كانت يف اؼبقدمة.
)3إدراك مركزية العمل يف اإلسالم وبذل الوسع فيو:
الوسيلة الثالثة وىي مفهوم ،ويف نفس الوقت عمل .مفهوم أن يكون العمل لديك ىو األساس
وىو الغاية وىو ادلركز ،وأن تؤمن أن اإلسًلم دين عملي وليس دينًا نظراي ،نعم ىو مقدماتو نظرية
عملي.
ومعرفية ،ولكنو دين ُّ
ٓٔ
جدا بُت ىذه القضية وبُت قد تقول ما عالقة ىذا ابلتزكية؟ كان عندي رابط وثيق ومهم ً
التزكية؛ اآلن كما مر معنا يف ا﵀اضرة األوذل من أىم وظائف النيب ﷺ ماذا؟ يزكيهم .حسنًا افتح
صفحات السَتة حىت ترى أين ذبد يزكيهم ،أين كانت يف حياة النيب ﷺ مع أصحابو؟ ىذه اآلن من
اب واغبِ ْك َمةَ﴾ ،أين كانت ﴿ َويـَُزّكِي ِه ْم﴾؟ أين ِ ِ أىم الوظائف ﴿يـْتـلُو علَي ِهم ِِ ِ
آايتو َويـَُزّكي ِه ْم َويـُ َعلّ ُم ُه ُم الْكتَ َ
َ َْ ْ َ
كانت يف شواىد السَتة النبوية؟ واحدة من أىم الشواىد يف السَتة النبوية ىي :أنو زّكاىم بًتبيتهم
على أن العمل ىو األساس وىو اؼببدأ ،وأن ىذا الدين من أول يوم تدخل فيو إذل آخر يوم تدخل فيو
ِ
ربمجم من توسع من دائرة األمور النظرية وتلغي أو ِّ
تقزم أو ّ ىو دين عمل صاحل ،ليس دين إنك أتيت ف ّ
دائرة األمور العمليّة.
ثَتا من اؼبسائل.كذلك تعرفون أن واصب بن ظبعان ولذلك تعلمون أن النيب ﷺ كان يكره ك ً
قال" :مكثت يف اؼبدينة سنة ما دينعٍت من اؽبمجرة إال اؼبسألة" .ىذه قضية مهمة ،يعٍت يقول :أان دل
يرض لو النيب ﷺ أن يسأل .ليس اؼبقصود أىاجر حىت أسأل ،كان أحدان إذا ىاجر ال يسأل أو دل َ
من السؤال أنو توجد قضية ؿبددة حيتاجها اإلنسان ،لكن الفكرة أن الثقافة اؼبعيارية اليت كانت عند
الصحابة ؼبا يكونوا مع النيب ﷺ .ىنا الحظوا الفرق بُت اؼبهاجر وغَت اؼبهاجر ،ىذا فيو تفريق بُت
ّ
الناس ،ابالصطًلح اؼبعاصر "النخبة" الذي يُربّون تربية خاصة ،وبُت الناس الذين سباسوا مع النيب ﷺ
أيضا ويف مسلم ،أنس هنع هللا يضر قال" :كان يعمجبنا أن أنيت الرجل
َسباس ؿبدود .لذلك يف البخاري ً
األعرايب العاقل فيسأل النيب ﷺ" حىت يستفيدوا؛ ألهنم يعلمون أن النيب ﷺ دل يكن يستحسن
األسئلة من الصحابة القريبُت منو .واضح الفكرة؟
ٕٔ
"أو ِص ٍِت"َ ،
قال: لذلك من منكم يتعمجب من تكرار النيب ﷺ الوصية لذلك الرجل حُت قال لوْ :
ب"! أان فبن يتعمجب من ىذا اغبديث ،زبيل يعٍت واحد جاء إذل النيب ﷺ" :اي رسول هللا
ضْ"ال تَـ ْغ َ
ب" ،وىذا يذكران ضْأوصٍت" ،يريد اآلن وصية خاصة من النيب ﷺ لو ،فالنيب ﷺ يقول لو" :ال تَـ ْغ َ
بقضية ،اؼبدرسة النبوية مدرسة بسيطة ليست معقدة ،وما يقدم فيها كلها نقاط توضع على اغبروف
نفسا مهذبة صاغبة مزّكاة تتفق مع مراد هللا ﷻ منها" ،ال كل واحد يف مكانو ،وىي أساسات تقدم ً
ب" ،فَـَرهد َد ِمَر ًارا -ىكذا يف البخاري -فَـَرهد َد ِمَر ًارا ،يعٍت "اي رسول هللا أوصٍت" قال" :الضْ تَـ ْغ َ
ب" ،الغضب يف األساس ىو شعور اختياري أم ضْ
ب"" .ال تَـ ْغ َ
ضْب"" ،أوصٍت" ،قال" :ال تَـ ْغ َ
ضْ تَـ ْغ َ
شعور يطرأ على اإلنسان؟ نفس شعور الغضب؟ اضطراري ،يعٍت ىو يف األساس أنت ال تكون
ب" قال العلماء أهنا متوجو إذل معنيُت: ضْجالسا فتقرر أن يتلبسك شعور اظبو الغضب ،لذلك "ال تَـ ْغ َ ً
ٔ) اجتنب األسباب اليت تؤدي بك إذل الغضب.
ٕ) اجتنب اآلاثر السيئة اليت ديكن أن تنتج عن الغضب إذا غضبت.
فًل تغضب ،ال تدخل يف ىذا السياق أو يف ىذا الطريق أو يف ىذه الدائرة أو يف ىذا اجملال الذي
تعلم أنو يغضبك وأنك إذا غضبت ستفعل ،وتفعل ،وتفعل ،فًل تغضب ،اجتنب الغضب ،اجتنب
أسبابو.
وحىت لو وقعت يف بعض أسبابو فبدأت نفسك يف فورة الغضب فحاول أن تقاوم .ىذا كلو فيو
ب" ىذا فيو تربية على قول "ال" ،وعلى ضْقول «ال» للنفس؛ ألن الغضب شعور طبيعي ،ف ـ"ال تَـ ْغ َ
كف النفس عن مقتضيات الشعور الذي ديكن أن أيتيها .ولذلك أييت النيب ﷺ كما يف اغبديث ّ
ِ ابلصرع ِة ،إهَّنا الش ِ الصحيح يف صحيح مسلم فيقول ألصحابو" :ليس الش ِ
ك نَـ ْف َسوُ
يد الذي ديَْل ُ
هد ُ يد ُّ َ َ هد ُ َ
ب" ،اي صباعة أي إنسان يريد أن يغوص يف أعماق النفس ويفهم النص ىذا سيعلم مقدار ضِ ِ
عْن َد الغَ َ
حيصل اإلنسان وسائل يقوي هبا شرف ىذا النص؛ ألن الشدة اؼبادية واغبسية أمرىا سهل ،يعٍت أن ّ
أصًل يعٍت دعنا نقول موىبة وشيء فطري ،يعٍت جسده وخاصة اآلن أمر سهل ،وقد يكون بعضها ً
ُخلق اإلنسان قواي ،بعض الناس ُخيلق هبذا ،لكن قد يكون وىو هبذه الشدة الظاىرة اؼبادية اؼبلموسة
َج َس ُام ُه ْم ۖ َوإِن ِ
كأْسفيها كما قال هللا ﷻ يف اؼبنافقُتَ ﴿ :وإِ َذا َرأَيْـتَـ ُه ْم تُـ ْعمجبُ َ
خفي ًفا ،خفيف العقل ً
ٖٔ
صْي َح ٍة َعلَْي ِه ْم﴾ جبناء .الشاىد أن من ِ ِِ
هدةٌ ۖ َْحي َسبُو َن ُك هل َ يَـ ُقولُوا تَ ْس َم ْع ل َق ْوؽب ْم ۖ َكأَنـه ُه ْم ُخ ُش ٌ
ب ُّم َسن َ
أىم الوسائل أن تريب نفسك على معٌت "ال".
مثًل إنسان عنده شهوة
ىذي فبكن أن سبارسها -كما قلت -حىت يف أمور ليست ؿبرمة ،يعٍت ً
جدا ،حقيقة أن تعلّم نفسك حىت لو يف بعض األحيان أنو مفرطة لألكل وأيكل كميات كبَتة ً
خًلص اآلن توقف ،فقط من ابب أن أعلّم نفسي أنو ليس كل شي تريدينو جيب أن حيصل .ولذلك
ىذه من اغبكمة يف الصيام ،وىذا معٌت ُمراعى يف الشريعة ،معٌت تربية النفس على أن :ال ،ليس كل
ما تريدين يتحقق ،ليس كل ما تشتهُت جيب أن يصلح أو أن يكون.
طبعا كما قلت يف مقامات ،قد يكون من ابب مقامات األفضلية ،وقد يكون يف بعض ىذا ً
س َع ِن ا ْؽبََو ٰى﴾ ،ىذه اآلية مباشرة وصرحية يف اف م َقام ربِِ
َ ف
ْ ـه
ن ال ى هَ ـ
َنوَ واؼبقامات الواجبة؛ ﴿ َوأَهما َم ْن َخ َ َ َ َّ
اعبَنهةَ ِى َي الْ َمأْ َو ٰى﴾.
ىذا اؼبعٌت ،هنى النفس عن اؽبوى ﴿فَِإ هن ْ
ىذه إذن الوسيلة األوذل :تربية النفس على ـبالفة اؽبوى ،ىذه وسيلة عملية حقيقية ومؤثرة وفاعلة
عما خيالف التزكية.
يف تعويد النفس على االبتعاد ّ
)2دوام التوبة وجتديدىا ولزوم االستغفار:
الوسيلة الثانية -وىي من وسائل التخلية والتنقية :-التوبة أو دوام التوبة وجتديدىا ولزوم
االستغفار .كبن يف بداية اللقاء ذكران أن التزكية ماذا؟ ابلضبط الوسائل سبب ،وحصول التزكية رزق
َح ٍد ِ ِ ضل هِ
اَّلل َعلَْي ُك ْم َوَر ْضبَتُوُ َما َزَك ٰى من ُكم ّم ْن أ َ ﴿ولَْوَال فَ ْ ُ
وىبة من هللا ﷻ ،وذكرت الدليل على ذلكَ :
اَّللَ يـَُزّكِي َمن يَ َشاءُ﴾.
أَبَ ًدا َوٰلَ ِك هن ه
اآلن واحدة من أعظم العوائق واؼبوانع من أن أيتيك الرزق اإلؽبي -اؼبتمثل يف اؽبداية اػباصة ،ويف
جنة الدنيا ،ويف إدراك اغبقائق العالية ،ويف أن تكون على اؼبقامات العالية يف التعبد -واحدة من أىم
العوائق واؼبوانع اغبائلة بينك وبُت ىذا الرزق ىو :تراكم الذنوب واؼبعاصي؛ وألجل ذلك فإن من أعظم
الوسائل اليت تعُت على التزكية ىي زبليص النفس من اآلصار واألثقال ،وما ينقض الظهر من األوزار
حىت تكون النفس صاغبة وقابلة لنزول الرزق اإلؽبي عليها ابؽبداية اػباصة والوالية ،وما إذل ذلك.
ٗٔ
فللتخلص من اؼبوانع -واحدة منها ىنا ،مانع الذنوب -الوسيلة األساسية ىي التوبة واالستغفار.
بدون مبالغة التوبة واالستغفار تستحق ؿباضرات وجلسات تتكلم فيها ليس عن يعٍت تفاصيل
معقدة ،وإَّنا تتحدث فيها عن حقيقة التوبة واالستغفار ،وفَهم ىذه اؼبقامات التعبدية وآاثرىا على
النفس وآاثرىا على اإلديان .أنت تستغفر هللا ﷻ ؼباذا؟ أو تتوب ؼباذا؟
دلاذا نتوب؟
﴿استَـ ْغ ِفُروا َربه ُك ْم إِنهوُ َكا َن َغ هف ًارا يـُْرِس ِل ال هس َماءَ َعلَْي ُكم
ٔ) ىناك من يستغفر هللا ﷻ لطلب الرزقْ ،
ِّم ْد َر ًارا﴾.
ٕ) وىناك من يستغفر هللا ﷻ لطلب الولد ﴿وديُْ ِد ْد ُكم ِأبَمو ٍال وبنُِت وَجيعل له ُكم جن ٍ
هات َوَْجي َعل له ُك ْم ْ َ ْ َ ََ َ َ ْ َ َ
أَنْـ َه ًارا﴾.
مستحضرا ذنبًا معيّـنًا ،أنو اي ريب أان أستغفرك ً ٖ) وىناك من يستغفر هللا ﷻ -ىذا أعلى اآلن-
وأتوب إليك من ذلك الذنب.
ٗ) وىناك مقام أعلى يستحضر فيو معٌت النقص البشري الًلزم والدائم ودوام التقصَت ،ومعٌت الكمال
اإلؽبي والعظمة اؼبوجبة ؼبزيد من اغبق الذي كان ينبغي أن أكون عليو فلم أكن عليو؛ فلذلك
أستغفرك اي ريب .ىذا مقام أعلى وأشرف؛ ولذلك ال تتعمجب -بناء على ىذا اؼبقام وىذه الزاوية-
أن يكون أول ذكر تقولو بعد الصًلة أستغفر هللا ،مع أنو إذا فكرت فيو كمناسبة أساسية أنك
قت ؽبذه العبادة، ِ
فبكن بعد الصًلة تقول "اغبمد ﵁ ﷻ" على طول ،يعٍت اي رب اغبمد ﵁ أن وفّ ُ
لكن "أستغفر هللا ﷻ"؟ يقومون الليل ويسمجدون مث خيتمون ىذا القيام وذلك االبتهال وتلك
اؼبناجاة ابالستغفار ﴿والْمستـ ْغ ِ
َس َحا ِر﴾ ،وأنتم تعلمون اؼبستغفرين ابألسحار من أبرز ين ِابْأل ْ
رِ ف
َ ُ َْ َ
ظبات ىؤالء أهنم كانوا قد جعلوا قبل ذلك االستغفار صًلة وعبادة.
لذلك أيها الكرام االستغفار دبًلحظة اؼبعٌت الذي ذكرت وىو ابختصار مرة أخرى :معٌت أنٍت اي
مقصر حىت يف عبادتك ،وإذا نظرت إذل مقامك وعظمتك سبحانك وما ريب مهما عملت فأان ّ
تستحقو وما ينبغي وما جيب علي ىو شيء دل أبلغو ولن أبلغو ،وفوق ذلك ذبرأت وعصيت ،وذبرأت
استغفارا من صميم القلب فيو معٌت
ً واتبعت ىواي الذي هنيتٍت عن اتباعو؛ فبمًلحظة ىذا كلو زبرج
٘ٔ
اػبشوع واػبضوع ،واالعًتاف ابلتقصَت والضعف ،والفقر ،واالحتياج ،وعظمة هللا ﷻ وكمالو ...إذل
آخره .ىذا االستغفار ىو من أعظم وسائل التزكية ،وىو االستغفار الذي حيرق الذنوب حرقًا ويبعدىا
مؤىًل وصافيًا صفاءً جيعل الرزق من هللا ﷻ أييت ويؤثر يف ذلك القلبعن اإلنسان ،فيكون قلبو ً
وديلؤه .ىذه الوسيلة الثانية يف القسم الثاِن.
)3اجملاىدة:
الوسيلة الثالثة :وسيلة اجملاىدة .ىذه قريبة من األوذل ،لكن ما الفرق بُت الوسيلة األوذل والثانية
والثالثة؟ الوسيلة األوذل قلنا تربية النفس على ـبالفة اؽبوى ،اجملاىدة ماذا؟ اجملاىدة يف االثنُت؛
التصفية والتحلية ،يعٍت:
ٔ) ؾباىدة النفس يف التخلص من مشكًلهتا.
ٕ) وؾباىدة النفس لتحقيق العبادات والزايدة والنماء.
فاجملاىدة أتيت بعد الًتبية ،يعٍت أول شي يكون عندي أساس للتعامل مع نفسي يف قول ال أو
شيء ،مث أتيت اجملاىدة إلدامة مثل ىذا اؼبعٌت واالستمرار عليو .وكذلك ىي أوسع يف اؼبقامُت.
أيضا عن الشعارات العامة -اي صباعة الزم نعيش اجملاىدة،
بعيدا ً
ىذي اجملاىدة جيب أن نعيشها ً -
يعٍت ال تنتظر زكاءً للنفس زكاءً حقيقيا وأنت دل ذبرب بعد ؾباىدة النفس ،اي صباعة أان عندما أقول
وخياطر فيو ابلنفس ،ذاك ؾباىدة أنت تتخيل اعبهاد الذي تُبذل فيو األرواح ،ويُقاتل فيو األعداءُ ،
اعبهاد ،ىذا مشتق منو ،ؾباىدة ،جهاد .فليس اؼبقصود دبمجاىدة النفس ىي أن واحدة من الذنوب
اليت وهللا اي ليت أِن أعملها لكن لن أفعلها ،ليست ىذه اجملاىدة! ىذه صورة ُدنيا من صور اجملاىدة،
اجملاىدة قد تستمر مع اإلنسان سنة سنتُت يف مقابل شيء معُت ،اجملاىدة يف مقامات الًتقي ىذي
جاىدت نفسي َعلى قِيام الليل ِعشرين سنة" ،مث
ُ جدا .تعرفون عبارة سفيان "
ؾباىدة مستمرة وعالية ً
تلذذت بو عشرين سنة" أو كما يعٍت ورد عنو.
ماذا؟ " ُ
ىذي اجملاىدة اؼبستمرة جيب أن نعيشها ،وىي -وهللا -من وسائل التزكية اؼبفيدة واؼبثمرة والعملية
مثًل
أحياان ال تتوقع آاثره ،فأنت ًاليت تلمس أثرىا .والعمجيب أن أثر اجملاىدة -بُت قوسُتُ -خرايف! ً
ٔٙ
مثًل كِرب أو عمجب ،أو ذباىد نفسك للتخلص من سلبية ما أو إشكال ما دعنا نقول مرض قليب ً
مرض من أمراض الشهوات أاي كان ،ذباىد نفسك للتخلص منو ،ويكون ىذا ىدفك ،فتُفاجأ بعد
اجملاىدة أن هللا ﷻ يورثك ما دل يكن خيطر منك على ابل فبا يعاكس أو خيالف ىذا الذنب الذي
أنت سعيت وجاىدت لتتخلص منو فقط! فتكتشف أن اجملاىدة تُنتج ليس فقط التخلص فبا تريد
مصداق ىذا
التخلص منو ،وإَّنا ىي وسيلة أساسية لزايدة اػبَت الذي دل يكن خيطر منك على ابل .و َ
هه ْم ُسبُـلَنَا﴾ ،وأظن ِ ِ أو شاىده أو مؤيده قول هللا ﷻ يف سورة العنكبوت :ه ِ
اى ُدوا فينَا لَنَـ ْهديَـنـ ُ
ين َج َ
﴿والذ َ
َ
اجملاىد
اجملاىد" ،من َ الشيخ دمحم األمُت الشنقيطي علّق على ىذه اآلية فقال" :حذف سبحانو الطرف َ
جياىد لكن بشرط أنو "فينا" ،والذين جاىدوا فينا الكفار واألعداء واؼبنافقُت، ىنا؟ كل ما ديكن أن َ
والذين جاىدوا فينا الشيطان ووسوستو وأذاه وتسلطو ،والذين جاىدوا فينا أنفسهم وأىواءىم؛
هه ْم ُسبُـلَنَا﴾. ِ
﴿لَنَـ ْهديَـنـ ُ
وىذي الطريقة طريقة قرآنية يف حذف مثل ىذه األشياء حىت تكون اآلية عامة﴿ .إِ هن َٰى َذا الْ ُقْرآ َن
يَـ ْه ِدي لِلهِيت ِى َي أَقْـ َوُم﴾ يف ماذا؟ يف كل شيء يهدي لليت ىي أقوم .وىكذا يف القرآن ذبد مثل ىذا
اؼبعٌت .إذن ىذي الوسيلة الثالثة.
)4التوكل على هللا ﷻ يف ترك ادلعاصي:
قليًل :-التوكل ،التوكل اؼبفًتض أن أييت أين؟ يف التحلية
الوسيلة الرابعة -فبكن تستغربوا منها ً
أصًل سيأتينا يف التحلية
مفردا أو ضمن اؼبقامات الطبيعية؛ ألن ً
أليس كذلك؟ يف التحلية سواء ً
أعمال القلوب ،ىذا أساس يف التزكية ،لكن أردت أن أُفرد التوكل ىنا يف وسائل التزكية اؼبتعلقة
جدا وىو درجات التوكل .وىذا سبق التنبيو إليو، جدا ً
ابلتصفية ،ؼباذا؟ لفتًا لًلنتباه إذل شيء مهم ً
واإلمام ابن القيم ذكره.
ٔٚ
درجات التوكل:
ٔ) أتوكل على هللا ﷻ يف جلب منفعة خاصة دنيوية ،عبادة أو ليست عبادة؟ عبادة .التوكل على هللا
جدا.
ﷻ يف طلب الرزق ،عبادة عظيمة ً
ٕ) أتوكل على هللا ﷻ يف اؽبداية ،أتوكل على هللا ﷻ يف التخلص من ذنب ما ،أتوكل على هللا ﷻ يف
ربقيق عبوديتو ،ىذا مقام شريف من مقامات التوكل وىو الذي قصدتو ىنا.
ٖ) وأعلى منو ىو التوكل على هللا ﷻ يف نصرة الدين والقيام ،بطريق األنبياء ،ونفع اػبلق ..إذل آخره.
إذن من وسائل التزكية اؼبتعلقة ابلتصفية :التوكل على هللا ﷻ ،ذلك الذنب الذي ّأرقك ودل تستطع
التخلص منو وبذلت األسباب ،وأنت تبذل ال زلت؛ اجعل من ضمن األسباب ومن أساسها التوكل
ِ
أيضا .ىذه ُت﴾؛ نستعُت بك على عبادتك ً على هللا ﷻ يف التخلص منو﴿ ،إِ هاي َك نَـ ْعبُ ُد َوإِ هاي َك نَ ْستَع ُ
ِ
اعبُ ْدهُ َوتَـ َوهك ْل من أىم صور االستعانة ،والتوكل ىو استعانة ﴿إِ هاي َك نَـ ْعبُ ُد َوإِ هاي َك نَ ْستَع ُ
ُت﴾ تساوي ﴿فَ ْ
َعلَْي ِو﴾ ،فالتوكل استعانة.
إذن ىذه ؾبموعة وسائل ،أربعة وسائل ،ليست ىي كل شيء ،وليست ىي حىت ديكن نصف
الوسائل ،ولكن ىذا اؼبقام مقام سريع أو مقام متوسط ال حيتمل التطويل أكثر ،خاصة وأن عندان
أيضا وىو وسائل تزكوية يف الزايدة والنماء.
القسم الثالث واألخَت ،وأحاول أن أعمجل بو ً
وسائل تزكوية متعلقة ابلزايدة والنماء (التحلية):
وعمال:
اىتماما ً
ً )1العناية التامة أبعمال القلوب
عمال.
اىتماما و ً
ً الوسيلة األوىل :العناية التامة أبعمال القلوب
وعمال :أن تراعيها يف التعبد أكثر فبا تراعي التعبدات اىتماما :أن تكون يف قاموس أولوايتكً ،
ً
قلت يف قضية التوبة واالستغفار أهنا ربتاج ؿباضرات ،فأعمال القلوب ربتاج الظاىرة .وإذا كنت قد ُ
ؿباضرات وؿباضرات وؿباضرات! ال أدري كيف ديكن أن أختصر ىنا يف دقيقة أو دقيقتُت أو ما
قارهبما قضية أعمال القلوب ،لكن الذي ديكن أن يقولو اإلنسان بشكل سريع ىو أن حقيقة التزكية
ِ
إَّنا تكون يف القلب؛ ولذلك ثبت يف البخاري ومسلم عن النيب ﷺ أنو قال" :التهـ ْق َوى ىا ُىنا .ويُشَتُ
ٔٛ
أيضاَ " :أال وإ هن يف اعبَ َس ِدص ْد ِرهِ" تعلمون ىذا األسلوب .وكذلك قال النيب ﷺ يف البخاري ً إذل َ
ب" ،ويف ت فَ َس َد اعبَ َس ُد ُكلُّوَُ ،أال وىي ال َق ْل ُ صلَ َح اعبَ َس ُد ُكلُّوُ ،وإ َذا فَ َس َد ْ ت َ صلَ َح ْ
ضغَةً :إ َذا َ
ُم ْ
ص َوِرُك ْم وأ َْموالِ ُك ْم ،ولَ ِك ْن يَـْنظُُر إذل قُـلُوبِ ُك ْم وأ َْعمالِ ُك ْم" فذكر أيضا "إ هن ه
اَّللَ ال يَـْنظُُر إذل ُ الصحيح ً
عمًل فًل تنتظر التزكية ،وىي اىتماما و ً
ً أوال .وأعمال القلوب ما دل تكن من قاموس أولوايتك القلوب ً
اللُّب وىي اؼبنطلق وىي اؼبنتهى.
ولذلك من أراد -دعنا نقول -القفزات اؽبائلة والعالية يف مقامات التعبد؛ فلتكن ؿبور التعبدات
تبعا ،وما كل شيء يف اإلسًلم من عبادات ظاىرة إال ىي تبع لديو القلب ،مث البدن بعد ذلك أييت ً
يقر فيو.
للقلب وما يقع فيو وما ُّ
طبعا يدخل فيها اإلخًلص ،ا﵀بة ،اػبشية ،الرضا ..إذل آخره من أعمال القلوب
أعمال القلوب ً
اليت تعلمون .لكٍت يعٍت مركزىا يف سياق التزكية ىو :اإلخًلص ،واالذباه ابلقلب ﵁ ﷻ وحده.
)2الدعاء:
الوسيلة الثانية من وسائل التزكية يف الزايدة والنماء :الدعاء .يلفت انتباىي حديث دعاء النيب
ـبتصرا جدا ،ولكنو يف قضية ً ﷺ يف صحيح اإلمام مسلم -وىو دعاء صبيل ولطيف ،وإن كان
التزكية ،وحىت فيو تقرير حقيقة؛ قال النيب ﷺ يف دعائو" :اللهم ِ
آت نـَ ْف ِسي تَـ ْق َو َاىاَ ،وَزّكِ َها أنت َخْيـُر ُ
اىا ،أنت َولِيُّـ َها َوَم ْوَال َىا" ،اآلن ىذا وسيلة ،ما ىي؟ الدعاء.
َمن َزهك َ
لكن أال يذكركم شق الدعاء الثاِن ابؼبقدمة األوذل؟ -أول مقدمة قبل أول شيء ،قبل استحضار
ِ
اىا"؛ يعٍت اي ريب أان أدعو وأعمل ولكن حقيقة التزكية اغبقائق -الرزق ،أنو " َوَزّك َها أنت َخْيـُر َمن َزهك َ
اليت ربصل إَّنا ىي منك فأنت خَت من يزّكي النفس ،ألست أنت من خلقها؟ وأنت الذي تعلم
أدواءىا؟ وما يتخللها وما يعًتيها؟ فأنت وليها وموالىا .ـبتصر جدا يعٍت حىت من اتساع اؼبعاِن اليت
فيو واختصار األلفاظ ،أول ما تنتهي منو تريد أن تعود اثنيًا وتقولو وتفكر فيو ،بعدىا تعود اثلثًا تقولو
حىت تستوعب فقط اؼبعاِن األساسية اليت فيو.
ٜٔ
اىا ،أنت َولِيُّـ َها َوَم ْوَال َىا" دعاء واضح وصريح يف ِ ِ ِ
"آت نَـ ْفسي تَـ ْق َو َاىاَ ،وَزّك َها أنت َخْيـُر َمن َزهك َ
ربقيق قضية التزكية ،أول شيء فيو أن التزكية رزق مث فيو استحضار تلك اغبقائق" ،أنت َولِيُّـ َها
َوَم ْوَال َىا".
ولذلك ليكن ضمن دعائنا:
ٔ) اعتبار واستحضار أنو وسيلة من وسائل التزكية.
ٕ) ومن مضامينو الدعاء الصريح بقضية التزكية.
ٖ) وخَته ىو ما دعا بو النيب ﷺ فهو من وسائل التزكية اؼبهمة.
)3الصالة:
الوسيلة الثالثة من وسائل التزكية يف الزايدة والنماء :الصالة .وىذه ربتاج ؿباضرات ،الصًلة من
طويًل ،من جهة التزكية ،وجهة قيمة الصًلة وشرفها ،لكن أنخذ سر ًيعا.
ىذه اعبهة فعًل ربتاج حديثًا ً
ص ًَل َة تَـْنـ َه ٰى َع ِن الْ َف ْح َش ِاء َوالْ ُمن َك ِر﴾ ،اآلن تنهى عن الفحشاء واؼبنكر أليست
قال هللا ﷻ﴿ :إِ هن ال ه
صرحية يف التزكية؟ يف قسم التصفية أليس كذلك؟ ﴿إِ هن ال ه
ص ًَلةَ﴾ وىي زايدة وَّناء﴿ ،تَـْنـ َه ٰى َع ِن
الْ َف ْح َش ِاء َوالْ ُمن َك ِر﴾ وىذا يف إثبات العًلقة بُت القسمُت يف التزكية ،بُت قسم الزايدة والنماء وبُت
قسم التطهَت والتنقية .فالصًلة زايدة وَّناء ،ومن آاثرىا أهنا تنهى عن الفحشاء واؼبنكر اليت ىي قواطع
وعوائق.
طويًل -فقط ىكذا يعٍت سؤال لكن لن قبيب عنو -السؤال ىو السؤال الذي يستحق جو ًااب ً
ؼباذا؟ ؼباذا كانت الصًلة تنهى عن الفحشاء واؼبنكر؟ الصًلة ليست عمل قلب يف األساس ،الصًلة
عمل بدِن ،ىو أكيد أنو عمل يدخل القلب فيو لكن الصًلة كتصنيف ىل ىي عمل قليب أم بدِن؟
ىي عمل بدِن ،ىو القلب يعمل فيو تعبدات كثَتة أثناء الصًلة ،لكن التصنيف األساسي للصًلة
ىل ىي عمل بدِن؟ أم عمل قليب؟ عمل بدِن .اػبشية أال تكون ؽبا آاثر على البدن؟ ولكنو عمل
قليب ،نصنفها عمل قليب ،اإلخًلص عمل قليب ،ا﵀بة عمل قليب.
ٕٓ
اَّللِ أَ ْكبَـُر﴾؟ كبن فبكن أن نقول
﴿ولَ ِذ ْكُر ه حسنا مثه ﴿ولَ ِذ ْكر هِ
اَّلل أَ ْكبَـُر﴾ ما اؼبقصود فيو؟ ما معٌت َ َ ُ ً
أن الصالة -ادلذكورة يف اآلية ىنا -ذلا مثراتن:
ٔ) شبرة النهي عن الفحشاء واؼبنكر،
ٕ) وشبرة ذكر هللا ﷻ.
أصًل الصًلة ُمقامة لذكر هللا ﷻ
وشبرة ذكر هللا ﷻ أكرب من شبرة النهي عن الفحشاء واؼبنكر؛ ألنو ً
ص ًَل َة لِ ِذ ْك ِري﴾ .ىذه أظنها أحد األقوال يف تفسَت اآلية ،ويوجد غَت ىذا القول كذلك.
﴿ َوأَقِِم ال ه
فعًل البحث والتأمل :ؼباذا كانت الصًلة تنهى عن الفحشاء واؼبنكر؟
لكن السؤال الذي يستحق ً
فيا ليت يكون يف نشاط فيها مشاركة أي شيء.
أحد احلضور :األشياء اليت نعملها قبل الصًلة -الوضوء ،والذكر ،واؼبشي إذل اؼبسمجد -..تؤثر
على الصًلة أهنا تنهى عن الفحشاء واؼبنكر؟
ؽبا أتثَت لكن يعٍت الشيء األساسي وىو الوارد يف النص الصًلة نفسها .أان ال أريد جواب اآلن،
أقصد ىذا السؤال يستحق البحث الطويل ،لكن َم ْع ِقد اعبواب كلو يف فهم حقيقة الصًلة ،وما
مقدار التعبُّدات اؽبائل اؼبوجود يف الصًلة.
)4التفكر:
الوسيلة الرابعة من وسائل الزايدة والنماء :التفكر .وكبن اليوم يف واقع أو يف زمن إذا تريد أن
تصفو من ىذي اعبوانب التزكويّة تقول" :زمن ؿباربة التفكر" أو "زمن مزاضبة التفكر" ،يعٍت أنت يف
واقع أو يف زمن عندما تذىب إذل رحلة يف يوم من األايم ،يف السنة ،يف الليل ترى النمجوم تقول :هللا!
قبوم يف السماء -ىي تطلع كل ليلة -سبحان هللا شفت منظر عمجيب! زبيل يف قبوم يف السماء.
نفسك تغفل ُ أصًل
وهللا اي صباعة مشكلة حقيقية ،يعٍت ىو اإلنسان ما حيتاج غفلة زايدة ،ىي ً
دائما فلن تكون اآلية عندك ك أتلف اؼبعتاد ،فإذا كان من اؼبعتاد أن ترى الشمس والقمر ً ونفس ُ
ُ
ربتاج استحضار حىت تستحضر .لذلك هللا ﷻ يقولَ ﴿ :و َج َع ْلنَا ال هس َماءَ َس ْق ًفا هْؿب ُفوظًا ۖ َوُى ْم َع ْن
ٕٔ
آاي ِهتَا﴾ ماذا؟ ﴿مع ِرضو َن﴾﴿ .وَكأَيِن ِمن آي ٍة ِيف ال هسماو ِ
ات َو ْاأل َْر ِ
ض َديُُّرو َن َعلَْيـ َها َوُى ْم َعْنـ َها ََ َ ّ ّْ َ ُْ ُ َ
ُم ْع ِر ُ
ضو َن﴾.
التفكر يف آايت هللا ﷻ الكونية ىو من أعظم األمور اليت تزيد اليقُت واإلديان ،والدليل على
ذلك ،إذا قلنا يف البداية أن درجة اليقُت ىي من أعظم القضااي يف التزكية والوسائل ،فإنك إذا قرأت
اآلايت يف آخر سورة آل عمران تدرك أن من أعظم وسائل زايدة اليقُت واستحضار اغبقائق الكربى:
ض واختِ ًَل ِ
ف اللهي ِل والنـهها ِر َآلاي ٍ ِ
ت ْ َ َ َ التفكر ،وذلك أن هللا ﷻ قال﴿ :إِ هن ِيف َخ ْل ِق ال هس َم َاوات َو ْاأل َْر ِ َ ْ
ُورل ْاألَلْب ِ ِ
اب﴾. ّأل ِ َ
اَّلل قِياما وقُـعودا وعلَى جنُوهبِِم ويـتَـ َف هكرو َن ِيف خ ْل ِق ال هسماو ِ هِ
ات ََ َ ين يَ ْذ ُكُرو َن هَ َ ً َ ُ ً َ َ ٰ ُ ْ َ َ ُ أويل األلباب﴿ :الذ َ
ض﴾. ض﴾ ،ىذه واحدة من الوسائل﴿ ،ويـتَـ َف هكرو َن ِيف خ ْل ِق ال هسماو ِ
ات َو ْاأل َْر ِ َو ْاأل َْر ِ
ََ َ ََ ُ
ت َٰى َذا َاب ِط ًًل﴾ ،وىذاالنتيجة وما نتج عن ىذا التفكر وما صاحب ىذا التفكرَ ﴿ :ربـهنَا َما َخلَ ْق َ
أصًل.
فيو اذباه إذل اغبقيقة رقم اثنُت ،اليت تكون بعد حقيقة الوجود ً
ت َٰى َذا َاب ِط ًًل﴾ ىذا حديث عن الوجود أم عن اغبكمة والغاية؟ اغبكمة ىنا ﴿ َربـهنَا َما َخلَ ْق َ
والغاية ،يعٍت ما بعد اآلن أنو اي رب أنت حي تسمعنا وتراان وكبن ندعوك ،ولكن اآلن كبن نعًتف
ت َٰى َذا
ابطًل ،والوسيلة إليها كانت التفكر ،يتفكرون ﴿ َربـهنَا َما َخلَ ْق َ
حبقيقة أنك ما خلقت ىذا ً
جدا ،وربطها ابلذكر جدا ً اب النها ِر﴾ ،وىذه اآلية عظيمة وفيها دروس كثَتة ً اب ِط ًًل سبحانَ ِ
ك فَقنَا َع َذ َُْ َ َ َ
جدا.
أيضا فيو دروس كثَتة ً ً
)5كثرة ذكر هللا ﷻ:
هِ
اَّللَ لذلك الوسيلة اخلامسة واألخَتة ىي :الذكر ،كثرة ذكر هللا ﷻ .ما عًلقة ﴿ الذ َ
ين يَ ْذ ُكُرو َن ه
قِياما وقُـعودا وعلَى جنُوهبِِم ويـتَـ َف هكرو َن ِيف خ ْل ِق ال هسماو ِ
ات َو ْاأل َْر ِ
ض ﴾؟ ََ َ َ ً َ ُ ً َ َ ٰ ُ ْ ََ ُ
دعوِن أسألكم سؤ ًاال آخر ،ىل يوجد دليل من القرآن -غَت ىذه اآلية اليت يف سورة آل عمران-
يفيد أبن الذاكر يستفيد ما ال يستفيده غَت الذاكر؟ ال تبحثوا عن دليل مباشر ،أان يف ابرل آية الدليل
فيها غَت مباشر يعٍت -ال أبس حىت لو ىناك شيء مباشر حىت أتيت اآلية اليت يف ابرل -يعٍت أان أريد
ٕٕ
أن أصل لفكرة أن الذكر لو أتثَت على النفس والقلب غَت أتثَت اغبسنات الكثَتة اليت تُد هون لك ،يعٍت
أان ال أتكلم عن الذكر اآلن من جهة كثرة األجر ،وإَّنا -كما قلت لكم يف البداية أن الواحد إذا
ربدث عن قضية حياول أن يربطها أبصل اؼبوضوع -أان أربدث اآلن عن الذكر من جهة أثره على
النفس ،أو يف االستفادة من اؼبدخًلت اليت تدخل عليك من العَِرب واآلايت.
ودا َو َعلَ ٰى ُجنُوهبِِ ْم هللا ﷻ عندما قال﴿ :ويـتـ َف هكرو َن﴾ قال قبلها﴿ :ي ْذ ُكرو َن ه ِ
اَّللَ قيَ ًاما َوقُـعُ ً َ ُ َ ََ ُ
أثرا فيو ضعف .أريد آية أخرى فيها أن ٍ ِ ٍ ٍ ه
َويَـتَـ َفكُرو َن﴾ وكأن التف ّكر دون قلب ذاكر ولسان ذاكر ُحيدث ً
الذاكر يستفيد ما ال يستفيده غَت الذاكر من أمر آخر يشًتك بعض الناس فيو؟
اَّللَ َكثِ ًَتا﴾. ُس َوةٌ َح َسنَةٌ لِّ َمن َكا َن يَـْر ُجو ه
اَّللَ َوالْيَـ ْوَم ْاآل ِخَر َوذَ َكَر ه ول هِ
اَّلل أ ْ
﴿لهَق ْد َكا َن لَ ُكم ِيف رس ِ
ْ َُ
كثَتا؟ فهمتم الفكرة اليت
السؤال ىو ما العالقة بُت أن يكون الرسول ﷺ أسوة دلن ذكر هللا ﷻ ً
أصًل .إذا كان
أردت الوصول إليها؟ أن الذكر لو أتثَت على طبيعة استفادتك من أسباب اؽبداية ً
التفكر ووجود السماوات واألرض وسيلة لزايدة اإلديان فهي ليست ألي أحد ،إَّنا ىي ألورل األلباب
الذين يذكرون هللا ﷻ أول شيء قبل أن يتفكروا.
ضو ِ ِ ِ
هها ِر﴾ ىذه اآلن ماذا؟ أشياء موجودة ـبلوقة اخت ًَلف اللهْي ِل َوالنـ َ ﴿إِ هن ِيف َخ ْل ِق ال هس َم َاوات َو ْاأل َْر ِ َ ْ
ديكن التفاعل معها بطريقة تؤدي إذل اإلديان ،وديكن التفاعل معها بطريقة تؤدي إذل الكفر كما يف
اؼبنطق اإلغبادي اؼبعاصر ،صاروا ينظرون إذل السماء ويرون أنو عادل فسيح ال معٌت لو وكبن أنيت يف
طرف الكون وال أدري ماذا ،وكان اؼبفروض أن تكون األرض يف نصف القياسات لكي تكون
صحيحة! ؼباذا االفًتاض ىذا؟ الحظ ىذا شيء خارجي اآلن .هللا ﷻ يقول﴿ :إِ هن ِيف َخ ْل ِق
اب﴾ من ىم؟ ﴿اله ُِورل ْاألَلْب ِِ ت﴾ ولكن ؼبن؟ ﴿ِ ض واختِ ًَل ِ
ف اللهي ِل والنـهها ِر َآلاي ٍ ِ
ين
َ ذ َ أل
ّ َ َ َ ْ ال هس َم َاوات َو ْاأل َْر ِ َ ْ
ض﴾. اَّلل قِياما وقُـعودا وعلَى جنُوهبِِم ويـتَـ َف هكرو َن ِيف خ ْل ِق ال هسماو ِ
ات َو ْاأل َْر ِ ََ َ يَ ْذ ُكُرو َن هَ َ ً َ ُ ً َ َ ٰ ُ ْ َ َ ُ
ُس َوةٌ َح َسنَةٌ﴾ حسنًا وجود رسول هللا ﷺ يف ذلك ول هِ نفس الشيء ﴿لهَق ْد َكا َن لَ ُكم ِيف رس ِ
اَّلل أ ْ ْ َُ
اؼبكان مع نفس من ظبعوا ذلك اػبطاب دل يكن عبميعهم أسوة حسنة بل كان لبعض -يف نظرهتم
عدوا ..إذل آخره ،كما كان اؼبنافقون يف وقت النيب ﷺ الذين كانوا يستمعون نفس اآلايت ىمً -
اَّللَ إِهال قَلِ ًيًل﴾.
وحيضرون نفس اجملاالت .لذلك ال تتعمجب أن يكون وصف اؼبنافقُت ﴿ َوَال يَ ْذ ُكُرو َن ه
ٖٕ
اَّللَ َكثِ ًَتا﴾ ،اؼبنافقون الذين كانوا يف ُس َوةٌ َح َسنَةٌ لِّ َمن َكا َن يَـْر ُجو ه
اَّللَ َوالْيَـ ْوَم ْاآل ِخَر َوذَ َكَر ه أنو ىو ﴿أ ْ
أصًل من النيب ﷺ؛ ألن وجود قليًل ،وابلتارل ىم دل يستفيدوا ً وقتهم كانوا ال يذكرون هللا ﷻ إال ً
السبب اػبارجي للهداية والنور ال يساوي الرؤية من اعبميع ،وإَّنا يساوي الرؤاي ؼبن لديو بعض
االستعدادات للرؤية فبن م هن هللا ﷻ عليهم يف ذلك.
قابًل
لذلك كثرة الذكر وسيلة من أعظم وسائل التزكية فهي :تصلح القلب ،وتطمئنو ،وذبعلو ً
لًلستفادة من العِرب واآلايت اليت تزيد اإلديان واليقُت ويُهدى هبا الناس إذل اغبق.
ِّ
وصل اللهم على نبينا دمحم وعلى آلو وصحبو أصبعُت .تقبل هللا منا ومنكم صاحل األعمال ،وغفر
لنا ولكم السيئات والهزلل.
ٕٗ