You are on page 1of 28

‫ﺍﻋﻼﻥ ﺍﻝﺠﻬﺎﺩ‬

‫بقلم‪ :‬الدكتور عبد ﷲ عزام‬

‫اخالص النية في الجھاد‬


‫الجھاد عبادة من أرفع الفرائض وافضلھا عند ﷲ ‪ ،‬وال يقبل ﷲ عز وجل عبادة اال بنية ‪ ،‬وان الثواب العظيم‬
‫الذي اعده ﷲ للمجاھدين لم يجعله لعابدين مثلھم ‪ .‬وھذا الثواب متوقف على اخالص النية ? عز وجل ؛ الن‬
‫ﷲ عز وجل ال يقبل عمال اال بشرطين ‪:‬‬
‫ان يكون خالصا‪ -‬النية صادقة ‪ -‬لوجھه الكريم ‪.‬‬
‫وان يكون صوابا ‪ -‬موافقا للسنة الشريفة ‪.‬‬
‫وقد وردت احاديث كثيرة تؤكد على اخالص النية ‪ ،‬وتمحضھا ? عز وجل ‪ ،‬وتحذر من أن تكون مشوبة‬
‫بأغراض الدنيا واھوائھا ‪ :‬من أجرة ‪ ،‬أو مال ‪ ،‬أو نكاح امرأة ‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬فمنھا الحديث االول في البخاري ‪:‬‬
‫)انما األعمال بالنيات وانما لكل امريء ما نوى فمن كانت ھجرته الى ﷲ ورسوله فھجرته الى ﷲ ورسوله ‪.‬‬
‫ومن كانت ھجرته لدنيا يصيبھا ‪ ،‬او امرأة ينكحھا فھجرته الى ماھاجر اليه ( ‪.‬‬
‫وخر ج اإلمام أحمد وابن ماجة من حديث زيد بن ثابت عن النبي صلى ﷲ عليه وسلم قال ‪:‬؛ من كان ھمه الدنيا‬
‫فرق ﷲ شمله»‬
‫وفي لفظ ؛ ‪ ...‬أمره وجعل فقره بين عينيه ‪ ،‬ولم يأته من الدنيا اال ما كتب له ‪ ،‬ومن كانت اآلخرة نيته جمع ﷲ‬
‫له أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وھي راغمة » ‪.‬‬
‫وعن زيد الشامي قال ‪:‬‬
‫إني ألحب أن تكون لي نية في كل شيء حتى في الطعام والشراب ‪ ،‬وعنه أنه قال ‪ :‬إن و في كل شيء تريد‬
‫الخير حتى خروجك الى الكناسة ‪ ،‬وعن داوود الطائي قال ‪:‬‬
‫رأيت الخير كله إنما يجمعه حسن النية ‪ ،‬وكفاك بھا خيرا وإن لم تنصب ‪.‬‬
‫قال داود‪:‬‬
‫والبر ھمة التقي ‪ ،‬ولو تعلقت جميع جوارحه بحب الدنيالردته يوما نيته الى أصله ‪.‬‬
‫وعن سفيان الثوري قال ‪:‬‬
‫ما عالجت شيئا أشد علي من نيتي ألنھا تتقلب علي‪.‬‬
‫وعن يوسف بن أسباط قال ‪:‬‬
‫تخليص النية من فسادھا أشد على العالمين من طول اإلجتھاد ‪.‬‬
‫وقيل لنافع بن حبيب ‪ :‬اال تشھد الجنازة ؟ قال ‪ :‬كما أنت حتى أنوي ‪ ،‬قال ففكر ھنيھة ثم قال ‪ :‬امض ‪.‬‬
‫وعن مطوف بن عبد ﷲ قال ‪:‬‬
‫صالح القلب بصالح العمل ‪ ،‬وصالح العمل بصالح النية ‪.‬‬
‫وعن بعض السلف قال ‪:‬‬
‫من سره أن يكمل له عمله فليحسن نيته ‪ ،‬فإن ﷲ عز وجل يأجرالعبد إذا احسن نيته حتى باللقمة ‪.‬‬
‫وعن ابن المبارك قال ‪:‬‬
‫رب عمل صغير تعظمه النية ‪ ،‬ورب عمل كبير تصغره النية ‪ .‬وقال ابن عجالن ‪:‬‬
‫ال يصلح العمل إال بثالث ‪ :‬التقوى ? والنية الحسنة واإلصابة ‪.‬‬
‫وقال الفضيل بن عياض ‪ :‬إنما يريد ﷲ عزوجل منك نيتك وإرادتك ‪.‬‬
‫وعن يوسف بن اسباط قال ‪:‬‬
‫إيثار ﷲ عزوجل أفضل من القتل في سبيل ﷲ ‪.‬‬
‫في الصحيحين عن أبي موسى األشعري ‪:‬‬
‫؛أن أعرابيا أتى النبي صلى ﷲ عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ﷲ الرجل يقاتل للمغنم ‪ ،‬والرجل يقاتل للذكر ‪،‬‬
‫والرجل يقاتل ليرى مكانه ‪ ،‬فمن قاتل في سبيل ﷲ ؟ فقال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ‪ :‬من قاتل لتكون كلمة‬
‫ﷲ ھي العليا فھو في سبيل ﷲ » ‪.‬‬
‫وفي رواية لمسلم ‪:‬‬
‫؛ سئل رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ‪ ،‬ويقاتل حمية ‪ ،‬ويقاتل رياء ‪ ،‬فأي ذلك في‬
‫سبيل ﷲ ؟ فذكر الحديث ‪.‬‬
‫وفي رواية له ايضا ‪:‬‬
‫؛ الرجل يقاتل غضبا ويقاتل حمية» ‪.‬‬
‫وخر ج النسائي بسند جيد من حديث أبي أمامة قال ‪ :‬؛ جاء رجل الى النبي صلى ﷲ عليه وسلم فقال ‪ :‬أرأيت‬
‫رجال غزا يلتمس األجر والذكر ماله ؟ فقال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ؛ إن ﷲ ال يقبل من العمل اال ماكان‬
‫خالصا وابتغي به وجھه »‬
‫وخر ج أبو داود من حديث أبي ھريرة ‪:‬‬
‫؛ أن رجال قال ‪ :‬يا رسول ﷲ رجل يريد الجھاد وھو يريد عرضا من عروض الدنيا ‪ ،‬فقال رسول ﷲ صلى‬
‫ﷲ عليه وسلم ‪ :‬ال أجر له» ‪.‬‬
‫وخر ج اإلمام أحمد وأبوداود من حديث معاذ بن جبل عن النبي صلى ﷲ عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫؛الغزو غزوان ‪ ،‬فأما من ابتغى وجه ﷲ ‪ ،‬وأطاع اإلمام ‪ ،‬وأنفق الكريمة ‪ ،‬وياسر الشريك ‪ ،‬واجتنب الفساد ‪،‬‬
‫فإن نومه ونبھه أجر كله ‪ ،‬وأما من غزا فخرا ‪ ،‬ورياء ‪ ،‬وسمعة ‪ ،‬وعصى اإلمام ‪ ،‬وأفسد في األرض ‪ ،‬فإنه لم‬
‫يرجع بالكفاف » ‪.‬‬
‫وخر ج أبو داود من حديث عبد ﷲ بن عمرو قال ‪:‬‬
‫؛قلت ‪ :‬يا رسول ﷲ أخبرني عن الجھاد والغزو ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن قاتلت صابرا محتسبا جعلك ﷲ صابرا محتسبا ‪،‬‬
‫وإن قاتلت مرائيا مكاثرا بعثك ﷲ مرائيا مكاثرا ‪ ،‬على اي حال قاتلت او قتلت بعثك ﷲ بتلك الحال»‬
‫وخر ج مسلم من حديث ابي ھريرة رضي ﷲ عنه قال سمعت النبي صلى ﷲ عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫؛ إن اول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشھد فأتي به فعرفه نعمه فعرفھا فقال ‪ :‬ما عملت فيھا ؟ قال ‪:‬‬
‫قاتلت فيك حتى استشھدت ‪ .‬قال ‪ :‬كذبت ولكنك قاتلت ألن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجھه‬
‫حتى القي في النار ‪ ،‬ورجل تعلم العلم وعلمه ‪ ،‬وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفھا ‪ .‬فقال ما عملت فيھا ؟‬
‫قال ‪ :‬تعلمت العلم وعلمته ‪ ،‬قرأت القرآن فيك ‪ .‬قال ‪ :‬كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم ‪ ،‬وقرأت القرآن ليقال‬
‫قارىء فقد قيل ‪ ،‬ثم أمر به فسحب على وجھه حتى القي في النار ‪ .‬ورجل وسع ﷲ عليه وأعطاه من أصناف‬
‫المال فأتي به فعرفه نعمه فعرفھا ‪ ،‬فقال ما عملت فيھا ؟ فقال ‪ :‬ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيه إال انفقت‬
‫فيھا لك ‪ ،‬قال ‪ :‬كذبت ‪ ،‬لكنك فعلت ليقال ‪ :‬ھو جواد ‪ ،‬فقد قيل ‪ ،‬ثم أمر به فسحب على وجھه حتى القي في النار‬
‫وفي الحديث ‪ :‬إن معاوية لما بلغه ھذا الحديث بكى حتى غشي عليه ‪ ،‬فلما أفاق قال ‪ :‬صدق ﷲ ورسوله ‪ ،‬قال‬
‫عزوجل ‪ :‬؛ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتھا نوف إليھم اعمالھم فيھا وھم فيھا ال يبخسون ‪ ،‬أولئك الذين ليس‬
‫لھم في اآلخرة إال النار» ‪.‬‬
‫اعالن الجھاد‬
‫االسالم دين واقعي جاد ‪ ،‬يتعامل مع الواقع بالمثل والقيم ‪ ،‬ويواجه الواقع بوسائل مكافئة ‪ ،‬فالجھاد عبادة‬
‫جماعية ال يقوم اال بوجود جماعة تواجه المجتمع الجاھل أو الكافر ‪ ،‬ولذا فلم يفرض الجھاد في مكة لضعف‬
‫المسلمين ولقلة عددھم وعجزھم عن مواجھة الجاھلية التي تعتمد على القوة والعدد ‪.‬‬
‫ومادام الجھاد عبادة جماعية ؛ فالبد أن يكون صاحب األمر في ھذه العبادة ھو أمير الجماعة المسلمة ‪ ،‬فھو‬
‫الذي يعلن الجھاد ‪ .‬فأمير المؤمنين ھو صاحب الشأن في قضايا الجھاد والسلم وذلك الن االمام نائب عن‬
‫صاحب الشرع في حفظ الدين وسياسة الدنيا ؛ كما يقول الماوردي ‪.‬‬
‫واإلمام انما جعل إماما لحفظ الدين ‪ ،‬وحماية الديار ‪ ،‬وسد الثغور ‪ ،‬واقامة الحدود ‪ ،‬وحفظ الحقوق ‪ ،‬وصيانة‬
‫األعراض ‪ ،‬وتقسيم الغنائم ‪ ،‬وإقامة الشعائر اإلسالمية ؛ كالصالة والحج والصيام وجمع الزكاة وردع أھل‬
‫الفساد ‪.‬‬
‫يقول ابن قدامة في المغني ‪:‬‬
‫)وأمر الجھاد موكول الى اإلمام واجتھاده ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك (‬
‫وقد نص كثير من الفقھاء على حرمة الجھاد أو كراھته بدون إذن اإلمام ‪ ،‬ولكنھم في نفس الوقت نص وا على‬
‫أن اإلمام ال يستأذن في أمور الجھاد في حاالت ‪:‬‬
‫‪1 -‬اذا عطل اإلمام الجھاد ‪.‬‬
‫‪2‬ـاذا فو ت االستئذان المصلحة المعقودة ‪.‬‬
‫‪- 3‬اذا علمنا أن اإلمام ال يأذن بالجھاد ‪.‬‬
‫وقد نص الفقھاء كذلك أنه ‪:‬إذا عدم اإلمام فإن الجھاد ال يعطل لفوات المصلحة المترتبة على الجھاد ‪.‬‬
‫فإذا فقد اإلمام ‪ ،‬فإن العلماء يقومون مقام االمام أو الرؤساء المطاعون في اقوامھم ‪ ،‬ويصبح أمير الحركة‬
‫االسالمية والعلماء المھابون المطاعون الذين عرفوا بالتقوى والعلم وسادة األقوام ھم أولوا األمر إذا خال الزمان‬
‫من اإلمام أو الخليفة وقد نص الفقھاء جميعا على أن ‪ :‬على اإلمام أن يرسل جيشا الى بالد الكفار مرة أو مر‬
‫تين في السنة إلسقاط فرض الكفاية ‪ ،‬ألن فرض الكفاية اليحقق اال بإرسال الجيش المسلم مرة على األقل في‬
‫السنة للجھاد واال أثم وأثمت األمة ‪.‬‬
‫اعالم الكفار بالجھاد عليھم‬
‫وقد اختلف الفقھاء في حكم الجھاد قبل إعالم العدو ‪ ،‬إذ أن ھذا األمر يتوقف على حالة العدو نفسه ‪:‬‬
‫‪ -1‬الحالة االولى ‪:‬‬
‫فإن كان بين المسلمين وبين الكافر عھد سابق أو معاھدة أمان أو عقد ذمة ‪ ،‬فھذا يجب أن نوفي له بعھده ‪،‬‬
‫والمسلمون على شروطھم مالم يكن ينقض الكافر عھده من جھته‬
‫‪ -2‬والحالة الثانية ‪:‬‬
‫اذا لم يكن بين المسلمين وبين الكفار عھد سابق ولكل من الحالتين تفصيل ‪:‬‬
‫الحالة االولى ‪:‬‬
‫حالة العقد أو العھد بين المسلمين وبين الكفار ‪.‬‬
‫والعھود التي يعقدھا المسلمون للكفار نوعان ‪:‬‬
‫ا ‪ -‬عقد دائم ‪ :‬وھذا يسمى عقد الذمة ‪:‬‬
‫وھو عقد أمان دائم يعطى للكفار عامة على رأي الحنفية أو ألھل الكتاب والمجوس على رأي الشافعية مقابل‬
‫دفع جزية سنوية يدفعھا الذمي مقابل حمايته وسكنه في الدولة االسالمية وإعفائه من الجزية ‪.‬‬
‫وھذا العقد يجب الوفاء به ما وفى الذمي بعھده ‪ ،‬ولو خاف اإلمام خيانة الذمي ولم تظھر داللة كافية فال يجوز‬
‫لإلمام نقض عھد الذمة من جھته ألن قوله تعالى ‪ :‬فإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليھم على سواء( فھذه اآلية‬
‫في أھل العھود الواقته )عھود األمان( وليس في أھل الذمة ذوي العقود الدائمة الذين يعيشون تحت ظل الدولة‬
‫االسالمية ‪.‬‬
‫ولذا يبقى عقد الذمة ساريا حتى ينقض الذمي عھده ‪ ،‬وذلك بإحداث أمور تعني أنه اليريد االلتزام بالعقد ‪ .‬أو‬
‫القيام بجرائم تقطع عھد الذمة الذي اعطي له ومنھا ‪:‬‬
‫‪ -1‬استخفافه بالمقدسات والمعتقدات الرئيسية الكبرى عند المسلمين ‪:‬‬
‫مثل سب ﷲ عزوجل ‪ ،‬أوسب رسوله صلى ﷲ عليه وسلم أووطئه على المصحف ‪ ،‬ھذه ليس لھا جزاء عند‬
‫جمھور الفقھاء اال القتل ‪ .‬وقد نص على القتل شيخ االسالم في كتابه )الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى‬
‫ﷲ عليه وسلم ( ‪.‬‬
‫والقتل ھو رأي المالكية والشافعية والحنبلية ‪ ،‬أما الحنفية فقال جمھورھم ‪ :‬ان عقد الذمة ال ينتقض بسب‬
‫الرسول صلى ﷲ عليه وسلم ‪ ،‬ولكن يعزر الذمي الذي يشتمه صلى ﷲ عليه وسلم ‪ .‬والتعزير قد يصل الى حد‬
‫القتل عند الحنفية سياسة ومصلحة ‪ ،‬وقد نص الكمال بن الھمام في فتح القدير وابن عابدين في حاشيته ورسائله‬
‫‪ ،‬والعيني أن الحق عند الحنفية ‪ :‬أن ينتقض عھد الذمي إذا شتم الرسول صلى ﷲ عليه وسلم ويقتل )‪](1‬فتح‬
‫القدير ‪ .381/4‬رسائل ابن عابدين ‪ .353/1‬حاشية ابن عابدين ‪.[386/3‬‬
‫قال القاضي عياض ‪) :‬أما الذمي إذا صرح بسب أو عر ض واستخف بقدره فال خالف عندنا في قتله إن لم‬
‫يسلم ‪ ،‬ألننا لم نعطه الذمة والعھد على ھذا وھو قول عامة العلماء اال أبا حنيفة والثوري واتباعھما من أھل‬
‫الكوفة ‪ ....‬وقد قتل خالد بن الوليد امرأة سبت رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ‪ ،‬وكذلك قتلت عصماء اليھودية ‪،‬‬
‫اليذائھا النبي صلى ﷲ عليه وسلم وسبه )‪](2‬أنظر آثار الحرب للدكتور وھبة الزحيلي ص ‪.[376‬‬
‫وحكم قتل سب الرسول صلى ﷲ عليه وسلم ؛ يطبق على المسلم عند جمھور الفقھاء قال الليث )‪] (3‬أنظر‬
‫أحكام القرآن للجصاص ص ‪ : .[257/4‬في المسلم يسب النبي صلى ﷲ عليه وسلم إنه اليناظر وال يستتاب‬
‫يقتل مكانه وكذلك اليھود والنصارى ‪.‬‬
‫اقتراف الذمي لبعض الجرائم الكبرى ‪ :‬مثل التجسس ‪ ،‬الزنا بمسلمة ‪ ،‬أو قطع طريق المسلمين ‪ ،‬أو إعانة أھل‬
‫الحرب ؛ بداللة على المسلمين ‪ ،‬أو تزيين الكفر لمسلم وفتنته عن دينه ‪ ،‬أو ايواء عيون الكفار وجواسيسھم ‪.‬‬
‫أما التجسس على المسلمين ؛ فالعقوبة القتل للجاسوس سواء كان مسلما أو ذميا ‪ -‬ھذا رأي مالك ورجحه ابن‬
‫القيم ‪-‬‬
‫وأما الحنبلية ‪ :‬فيرون أن الجاسوس الذمي نقض عھده واالمام مخير فيه بين القتل واالسترقاق والمن والفدية‬
‫وأما الحنفية ‪ :‬فال يرون تجسيس الذمي ناقضا لعھده ولكنه يعزر‪ ،‬وقد يصل التعزير عندھم الى القتل ‪.‬‬
‫وفي أفغانستان ‪ :‬حدثني القاضي محمد عمر من بروان ‪ :‬أني حكمت على كثير من الجواسيس بالقتل تعزيرا‬
‫الحد ا ‪.‬‬
‫أما الجرائم األخرى ‪ :‬كالزنا بمسلمة ؛ فقد نص جمھور المالكية والحنبلية ‪ :‬أنھا تنقض الذمة ‪ ،‬وقد ورد أن‬
‫عمر صلب يھوديا في بيت المقدس ؛ استكره امرأة مسلمة على الزنا ‪ ،‬وقال ‪) :‬ما على ھذا صالحناكم( ‪ .‬وكذلك‬
‫قتل أبو عبيدة نصرانيا استكره مسلمة على الزنا ‪ ،‬وقال ‪) :‬ما على ھذا صالحناكم( )‪](1‬أنظر آثار الحرب‬
‫للزحيلي ص ‪ 373‬نقال عن األموال ألبي عبيد ‪ 181‬والخراج ألبي يوسف ‪.[178‬‬
‫‪2 -‬الصنف الثاني من العھود ‪ :‬عھد األمان المؤقت ‪ :‬ويسمى ھذا العھد بالھدنة ‪ ،‬أو الموادعة ‪ ،‬أو المسالمة ‪،‬‬
‫أو المصالحة ‪ ،‬أو المعاھدة وھذا يجوز لإلمام اعطاءه للكفار والحربيين سواء كانوا أفرادا أو جماعات ‪ ،‬بشرط‬
‫توقيته بوقت ‪ ،‬وبشرط توفر المصلحة لصالح المسلمين ‪.‬‬
‫وقد اشترط الفقھاء أن عھد األمان يعطى للكافر الحربي في داخل الدولة االسالمية أن ال تصل مدته الى سنة ‪،‬‬
‫فإذا وصلت المدة سنة كاملة ضربت الجزية على الكافر واعتبر من أھل الذمة ‪.‬‬
‫واشترط الحنفية استمرار وجود المصلحة للمسلمين طيلة مدة العھد ‪ ،‬فإذا لم توفر المصلحة في أي وقت ؛‬
‫تجوز لإلمام نبذ العھد واعالم الكافر أو الكفار بانتھاء العھد ‪.‬‬
‫أما الجمھور‪ :‬فاشترطوا للوفاء بالعھد طيلة المدة ؛ عدم وجود الغدر‪ .‬فإذا لم يوجد الغدر ال ينبذ االمام إليھم‬
‫العھد ‪.‬‬
‫وھذا العھد أضعف من عقد الذمة ‪ ،‬فيجوز لإلمام ايقاف المعاھدة ونبذ العھد للكفار بمجرد استشعار الخيانة أو‬
‫الظن الغالب ‪.‬‬
‫واألصل في ھذا الباب قوله تعالى ‪ ) :‬وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كالم ﷲ ثم أبلغه‬
‫مأمنه ذلك بانھم قوم ال يعلمون ( وأما نبذ العھد إليھم فاألصل فيه قوله تعالى ‪) :‬وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ‬
‫إليھم على سواء إن ﷲ ال يحب الخائنين ( ‪.‬‬
‫نقض الكفار العھد ‪:‬‬
‫فإذا نقض الكفار العھد فإنه ال حاجة إلنذارھم بالحرب عليھم كما فعل رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم مع اليھود‬
‫عندما نقضوا عھودھم على التوالي ‪ :‬بني قينقاع ‪ ،‬بني النضير ‪ ،‬بني قريظة ‪ ،‬وكذلك غزا رسول ﷲ صلى ﷲ‬
‫عليه وسلم مكة بعد عھد الحديبية سنة ‪ 6‬ھـ‪ .‬ألن قريشا ساعدت بني بكر ضد خزاعة ‪-‬حلفاء الرسول صلي ﷲ‬
‫عليه وسلم ‪. -‬‬
‫قال الجصاص في أحكام القرآن )‪] (1‬أحكام القرآن للجصاص )‪: .[(252/4‬‬
‫(يعني وﷲ أعلم ‪ :‬إذا خفت غدرھم وخدعھم وايقاعھم بالمسلمين وفعلوا ذلك خفيا ولم يظھروا نقض العھد ؛‬
‫فانبذ إليھم على سواء يعني ألق إليھم فسخ ما بينك وبينھم من العھد والھدنة ؛ حتى يستوي الجميع في معرفة‬
‫ذلك ‪ .‬وھو معنى قوله تعالى ‪) :‬على سواء ( ؛ لئال يتوھموا أنك نقضت العھد بنصب الحرب ( ‪.‬‬
‫والبد من إعالم العدو بفسخ العھد ‪ ،‬واعطائه مدة لالستعداد ‪ ،‬وال يجوز اعالمه ثم مھاجمته دون اعطائه فرصة‬
‫‪.‬‬
‫انتھاء مدة العھد ‪:‬‬
‫وھذه العھود إذا لم تفسخ ؛ فإنھا تنتھي بانتھاء مدتھا ‪ ،‬ثم يعلم العدو بأننا ال نريد تجديد العھد ويعطى مدة‬
‫االستعداد ‪.‬‬
‫فقد روى االمام احمد وابوداود والترمذي والنسائي وصححه القصة التالية ‪:‬‬
‫(كان بين معاوية وبين الروم عھد وكان يسير نحو بالدھم حتى إذا انتقض العھد غزاھم ؛ فجاء رجل على‬
‫فرس أو برذون وھو يقول ‪:‬‬
‫ﷲ اكبر ﷲ اكبر وفاء الغدر ‪ ،‬فنظروا فإذا عمرو بن عبسة ‪ ،‬فأرسل إليه معاوية فسأله فقال ‪ ) :‬سمعت رسول‬
‫ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم يقول ‪ :‬من كان بينه وبين قوم عھد فال يشد عقدة وال يحلھا حتى ينقضي أمدھا أو ينبذ‬
‫إليھم على سواء فرجع معاوية (‬
‫البرذون ‪ :‬الفرس األعجمية‬
‫وقد اتفق الفقھاء على وجوب القتال مع االمام الفاسق الفاجر ولكن ذھب جمھور الفقھاء انه ال يقاتل مع االمام‬
‫الغادر‬
‫االنذار النھائي ‪:‬‬
‫واذا أراد حاكم البلد اعالن الحرب على حكومة اخرى ‪ ،‬فإنه يعلمھا بما يسمى بالمصطلح الحديث ) اإلنذار‬
‫النھائي ( ‪.‬‬
‫أما في االسالم فيكون االنذار النھائي بثالثة عروض ‪:‬‬
‫االسالم )بقبول االسالم ( ‪ ،‬أو قبول الخضوع للدولة االسالمية بدفع الجزية ‪ ،‬واال فإعالن الحرب ‪.‬‬
‫ايصال الحربي مأمنه ‪:‬‬
‫اذا جاء الحربي طالبا األمان لفترة ‪-‬لسماع محاسن االسالم ‪-‬وانتھت ھذه الفترة ‪ ،‬فإن اإلسالم مطالب بايصاله‬
‫الى مأمنه ‪ -‬أي الى موطنه األصلي أو الى أي مكان ال تھدد فيه حياته أو مصالحه ‪.‬‬
‫)وان احد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كالم ﷲ ثم أبلغه مأمنه ذلك بانھم قوم ال يعلمون ( التوبة ‪5‬‬
‫اإلبعاد ‪:‬‬
‫أما بالنسة للذمي ‪ ،‬فإذا عمل عمال نقض فيه عھده فإن جمھور األئمة قالوا ‪ :‬إنه يصبح كالحربي ‪ ،‬واالمام مخير‬
‫بالنسبة له كاألسير تماما ‪:‬‬
‫القتل ‪ ،‬الرق ‪ ،‬الفدية ‪ ،‬المن ‪ ،‬تبادل االسرى ‪.‬‬
‫أما الحنفية فإنھم ال يجيزون الفدية وال المن ‪.‬‬
‫فإذا من اإلمام على الذمي ‪ ،‬أو افتدى الذمي نفسه ‪ ،‬أو حصل تبادل اسرى ‪ ،‬فالبد لالمام أن يوصله الى المكان‬
‫الذي يأمن فيه على نفسه وماله وھذا يسمى في المصطلحات الحديثة )باالبعاد(‬
‫وھذا الحكم كذلك اذا كان اإلمام قد أعطى الحربي أو مجموعة من الحربيين كالسفارات عھد أمان ‪ ،‬ثم ارتاب‬
‫في أمرھم فإنه ينبذ إليھم عھدھم ‪ ،‬ويخبرھم بانتھاء أمانھم ‪ ،‬ويوصلھم الى مأمنھم ؛ وھذا يسمى كذلك في‬
‫المصطلح السياسي ‪ :‬باإلبعاد للھيئات الدبلوماسية أو لبعضھم ممن يعيشون في ظل الدولة االسالمية ‪.‬‬
‫الحالة الثانية ‪ :‬إذا لم يسبق للمسلمين تعامل مع مجموعة من الكفار ‪.‬‬
‫اذا واجه الجيش االسالمي بلدة كافرة لم يسبق لھا تعامل مع المسلمين ‪ ،‬أو أراد اإلمام غزو بلدة كافرة ليس بينھا‬
‫وبين المسلمين عھد ‪ ،‬فھل له أن يغزو ھا دون إعالمھا ويأخذھا مباغتة على حين غرة )غفلة( فھنا اختلف‬
‫الفقھاء في المسألة ‪:‬‬
‫فالرأي الراجح الذي نذھب اليه ھو رأي الجمھور القائل ‪:‬‬
‫يجب على االمام اعالمھم )انذارھم باحدى الخصال الثالث ‪ :‬االسالم أو القتال او الجزية اذا لم يسبق للبلدة‬
‫معرفة االسالم ‪ ،‬اما اذا كانت البلدة قدوصلھا االسالم ولم تعتنقه ؛ فإنه يستحب لالمام اعالمھم ‪ ،‬ولقد تشدد‬
‫الشافعية في قتال القوم الذين لم تبلغھم الدعوة حتى افتوا بوجوب الدية للقتلى وتدفعھا عاقلة )عصبات( القاتلين‬
‫‪ ،‬اما الحنفية فقالوا ‪ :‬الدية وال ضمان ‪.‬‬
‫)‪(2‬اما اإلمام مالك ‪ :‬فقال بوجوب االعالم قبل القتال في كل الحاالت ‪.‬‬
‫)‪(3‬وھنالك رأي ثالث يقول بجواز القتال دون اعالم في كل الحاالت ‪.‬‬
‫وسبب اختالفھم في الرأي ورود احاديث متعارضة ‪ -‬ظاھرا‪ -‬في الموضوع‪ ،‬النه ال يوجد تعارض حقيقي ابدا‬
‫بين اي حديثين او نصين في ھذا الدين ‪ ) :‬افال يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير ﷲ لوجدوا فيه اختالفا‬
‫كثيرا ( ‪ .‬وقد أورد ابن القيم في كتابه )اعالم الموقعين ( حوالى تسعين حديثا مما يرى فيھا تعارض مع احاديث‬
‫اخرى او آيات قرآنية ثم أزال اإلشكال في التعارض ‪.‬‬
‫وقد كتب ابن قتيبة كتابا في )مشكل الحديث( ‪ ،‬وكذلك الطحاوي الحنفي كتب ) مشكل اآليات(‪.‬‬
‫واألحاديث الواردة في موضوع إنذار العدو ھي ‪:‬‬
‫‪ -1‬الحديث األول ‪:‬‬
‫عن ابن عوف )ان الرسول صلى ﷲ عليه وسلم أغار على بني المصطلق وھم غارون )غافلون( وأنعامھم‬
‫تسقي على الماء ‪ ،‬فقتل مقاتلھم ‪ ،‬وسبى سبيھم(‪.‬‬
‫‪ -2‬حديث اسامة بن زيد ‪:‬‬
‫ان رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم كان عھد اليه فقال ‪) :‬أغر على أبنى صباحا وحرق(‬
‫وأبنى ‪ :‬على وزن حبلى ‪ :‬فعلى ‪:‬قرية بين الرملة وعسقالن من فلسطين ومعنى حرق ‪ :‬أي الزرع وغيره‬
‫كالشجر ‪.‬‬
‫‪ -3‬حديث ابن عباس رضي ﷲ عنھما‬
‫)ما قاتل رسول ﷲ صلي ﷲ عليه وسلم قوما اال دعاھم ( ‪.‬‬
‫‪ -4‬حديث سليمان بن بريدة عن ابنه قال ‪:‬‬
‫)كان رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم اذا أم ر أميرا على جيش او سرية اوصاه في خاصته بتقوى ﷲ ومن معه‬
‫من المسلمين خيرا ‪ ....‬واذا لقيت عدوك من المشركين فادعھم الى ثالث خصال او خالل فاي تھن ما أجابوك ؛‬
‫فاقبل منھم وكف عنھم ‪ :‬ادعھم الى االسالم ؛ فان أجابوك فاقبل منھم ؛ وكف عنھم ؛ فان ھم ابوا فسلھم الجزية‬
‫فان اجابوك فاقبل منھم وكف عنھم ؛ فان ابوا فاستعن با? وقاتلھم(‪.‬‬
‫اما االمام مالك )القائل بوجوب تقديم الدعوة للكفار قبل القتال على اي حال( فقد اخذ بحديث ابن عباس رضي‬
‫ﷲ عنھما الثالث وحديث بريدة الرابع ‪ .‬اعتبرھا مقدمة على حديث بني المصطلق باعتبار ان حديث بني‬
‫المصطلق فصل والحديثين الثالث والرابع من االقوال والقول مقدم على الفعل ‪.‬‬
‫أما اصحاب الرأي الثالث القائلين )بعدم وجوب تقديم الدعوة قبل القتال على اي حال ( فاعتبروا حديث اسامة‬
‫ناسخا لكل االحاديث االخرى ‪ :‬باعتبار ان حديث اسامة كانت سرية في اواخر ايام النبي صلى ﷲ عليه وسلم‬
‫اما الجمھور‪ ،‬فقاموا بالجمع بين االحاديث ‪ ،‬والجمع مقدم على النسخ في اصول الجمھور ‪ ،‬اذ ان ازالة‬
‫التعارض عند الجمھور يكون حسب الخطوات التالية ‪:‬‬
‫‪1‬ـالجمع ‪ -‬إن أمكن ‪ -‬ثم ‪ -2‬النسخ ‪ -‬ان عرف التاريخ ‪-‬ثم ‪ - 3‬الترجيح ثم ‪ - 4‬التوقف واالنتقال من األعلى الى‬
‫األدنى ؛ فاذا كان التعارض بين آيتين ولم نستطع الجمع والالنسخ وال الترجيح ننتقل الى العمل بالحديث ‪ ،‬فاذا‬
‫تعارض الحديثان ولم نستطع الجمع وال النسخ وال الترجيح ؛ توقفنا وانتقلنا الى عمل الصحابة؛ فان لم نستطع‬
‫نتوقف ‪.‬‬
‫فقد اعتبروا أن حديث ابن عباس وبريدة فيمن لم تبلغه الدعوة واعتبروا حديث اسامة وبني المصطلق ‪ :‬بسبب‬
‫وصولھم الدعوة من قبل‬
‫مدة االنذار ‪:‬‬
‫يرى الحنفية والمالكية أنه البد من إعطاء الكفار فرصة ثالثة أيام بعد االنذار تكرر فيھا دعوة الكفار ثالثا الى‬
‫االسالم ‪.‬‬
‫وقد اعتمدوا على كتاب عمر الى سعد بن ابي وقاص فيما رواه أبو عبيدة )اني قد كنت كتبت اليك ان تدعو‬
‫الناس الى االسالم ثالثة أيام ‪ ،‬من استجاب لك قبل القتال فھو رجل من المسلمين له ما للمسلمين ولھم سھم في‬
‫االسالم )‪] (1‬أنظر آثار الحرب ‪ 158‬نقال عن كنز العمال من مسند أحمد ‪ 319/2‬الخراج البن آدم ص ‪.[48‬‬
‫وقد دعا سلمان اھل فارس الى االسالم أو الجزية أو القتال فقالوا‪ :‬اما االسالم فال نسلم ‪ ،‬وأما الجزية فال نعطيھا‬
‫‪ ،‬واما القتال فإنا نقاتلكم ‪،‬فدعاھم كذلك ثالثا فأبوا عليه ‪ ،‬فقال للناس ‪) :‬انھدوا إليھم ( )‪](2‬آثار الحرب ‪158‬‬
‫نقال عن الخراج ‪ .[191‬اي انھضوا ‪ -‬وزنا ومعنى ‪. -‬‬
‫األحكام المترتبة على الجھاد ‪:‬‬
‫ان االسالم دين الھي نظم الحياة بكاملھا ابتداء من االمور الخاصة جدا حتى االمور الكبرى المتصلة بالدولة‬
‫االسالمية وعالقاتھا الدولية ‪.‬‬
‫واألحكام التي تختص بالجھاد ‪-‬كعبادة جماعية ‪ -‬يقوم عليھا كيان ھذا الدين وبھا يقر‪ ،‬ويمثل الجھاد السور‬
‫الحصين لكل تعاليم االسالم ولذا فقد اعتنى به القرآن ‪ ،‬واعتنت به السنة المشرفة بالتفصيل والتقعيد واألحكام‬
‫التي خصھا االسالم بالجھاد ھي ‪:‬‬
‫‪1‬ـاحكام تسبق البدء بالجھاد منھا ‪ :‬اعالم العدو ببدء القتال ‪ ،‬و منھا االعداد ويعتبر فرضا من حيث اللياقة‬
‫البدنية ‪ ،‬وتعلم السالح ‪ ،‬واتقان ادوات القتال ‪ ،‬وخططه ‪ ،‬والتكتيك ‪ ،‬والھجوم ‪...‬الخ‬
‫‪2‬ـأحكام تواكب عملية القتال ‪ :‬مثل عدم قتل غير المقاتلة ‪ :‬كالنھي عن قتل الصبيان ‪ ،‬والشيوخ ‪ ،‬والرھبان ‪،‬‬
‫والنساء ‪ ،‬واالعجزة الذين ليس بھم فائدة للجھاد سواء بالرأي او بالفعل اال للضرورة الماسة ؛ كأن يتترس‬
‫)يخبيء( العدو بھم ‪ ،‬وكذلك عدم تشويه الجثث )المثلة( ‪ ،‬وعدم قتل الحيوانات التي يمتلكھا العدو اال للضرورة‬
‫القصوى ‪ ،‬وكذلك عدم قطع الشجر المثمر اال لضرورة الحرب كأن يختفي العدو بھا ‪ ،‬أو لضرب العدو‬
‫اقتصاديا ‪.‬‬
‫وعدم أخذ المصحف الى أرض االعداء إن خشينا من أن تدور الدائرة علينا فيعبث العدو بقداسة الكتاب الكريم ‪.‬‬
‫وقد تحدثنا في كتاب )في الجھاد آداب واحكام( عن قسم من ھذه االحكام ‪ .‬وسنفرد إن شاء ﷲ بابا لآلداب التي‬
‫لم نتعرض لھا ‪:‬‬
‫‪3‬ـاألحكام التي تترتب على انتھاء القتال ‪ :‬وقد كتب االستاذ وھبي الزحيلي رسالة الدكتوراه في ھذا‬
‫الموضوع)آثار الحرب في الفقه االسالمي( ‪ ،‬وقد تعب عليھا كثيرا ‪ ،‬وقد أفدت من ھذا الكتاب كثيرا ‪ ،‬وان كنا‬
‫نخالفه في بعض األحكام الجھادية التي رجحھا في رسالته ‪.‬‬
‫وقد قسم االستاذ الزحيلي اآلثار المترتبة على قيام الحرب ‪ :‬الى خمسة أقسام وزعھا علي خمسة فصول من‬
‫كتابه على النحو التالي‪:‬‬
‫‪1‬ـالفصل االول ‪ :‬انقسام الدار الى دارين أو ثالثة ‪ :‬دار حرب ودار اسالم ودار عھد ‪.‬‬
‫‪2‬ـالفصل الثاني ‪ :‬أثر الحرب في العالقات بين المسلمين وغيرھم ‪.‬‬
‫‪3‬ـالفصل الثالث أثر الحرب في العالقات السياسية )الدبلوماسية والمعاھدات(‪.‬‬
‫‪4‬ـالفصل الرابع ‪ :‬في األسرى والجرحى والمرضى والقتلى ‪.‬‬
‫‪5‬ـالفصل الخامس ‪ :‬اثر الحرب في االشخاص واالموال ‪.‬‬
‫واما اآلثار المترتبة على انتھاء الحرب فقد قسمھا الزحيلي الى خمسة فصول ‪:‬‬
‫‪1‬ـانتھاء الحرب بدخول االسالم ‪.‬‬
‫‪2‬ـانتھاء الحرب بالصلح ‪.‬‬
‫‪3‬ـانتھاء الحرب بالفتح ‪.‬‬
‫‪4‬ـانتھاء الحرب بترك القتال ‪.‬‬
‫‪5‬ـانتھاء الحرب بالتحكيم ‪.‬‬
‫اآلثار المترتبة على قيام الجھاد‬
‫‪1‬ـدار الحرب ودار االسالم‬
‫ان من اآلثار المترتبة على قيام القتال انقسام الدنيا الى دارين‬
‫‪1‬ـدار االسالم‬
‫‪2‬ـدار الحرب‬
‫‪- 3‬وأضاف الشافعية وبعض الحنابلة دارا ثالثة وھي دار العھد ‪.‬‬
‫‪1‬ـوالرأي الراجح في تعريف دار االسالم عند جمھور الفقھاء ‪:‬‬
‫ھي األرض التي تكون فيھا السلطة السياسية الحاكمة بيد المسلمين ‪ ،‬وتقام فيھا الشعائر ‪ ،‬تطبق فيھا أحكام‬
‫االسالم ‪ .‬أي ھي الدار التي حكامھا مسلمون ‪ ،‬وقانونھا االسالم ؛ وان كان غالبية سكانھا من غير المسلمين ‪.‬‬
‫ولذا كانت تعتبر خراسان ‪ ،‬وبالد فارس ‪ ،‬وبالد ماوراء النھر جيحون ‪ ،‬مثل بخارى ‪ ،‬وسمر قند ‪ ،‬وفرغانة ‪،‬‬
‫وطشقند دار اسالم الن القانون الذي يحكمھا ھو االسالم ‪ ،‬وامراؤھا مسلمون ؛ وان كانت غالبية سكانھا من‬
‫غير المسلمين فقد كان معظم سكانھا من المجوس عند الفتح ‪ ،‬وكانوا يرتدون بين الحين واآلخر فقد ارتدت‬
‫بخارى ثالث مرات ويخضعھا االسالم لحكمه في المرة الرابعة مما اضطر قتيبة بن مسلم الباھلي أن يجبرھم‬
‫آن يعطوا العرب المسلمين دورا بينھم ‪ ،‬ليعلموھم االسالم ‪ ،‬وكان قتيبة يأمر العرب المسلمين أن يخرجوا للعيد‬
‫بأسلحتھم فصارت عادة على مر القرون ‪.‬‬
‫‪ -2‬دار الحرب ‪ :‬ھي الدار التي ال يطبق فيھا قانون االسالم وإن كانت غالبية سكانھا من المسلمين ‪ ،‬أو ھي‬
‫الدار التي ال يكون ميزان التعامل فيھا وبينھا وبين غيرھا ھو االسالم ‪.‬‬
‫‪3‬ـدار العھد ‪ :‬وللشافعية وبعض الحنابلة مصطلح تفردوا به وھو تقسيم الدار الى ثالث ‪ :‬دار االسالم والحرب‬
‫والعھد ‪.‬‬
‫ويعرف الشافعية دار العھد بأنھا ‪ :‬ھي الدار التي لم يظھر عليھا المسلمون ‪ ،‬عقد أھلھا الصلح بينھم وبين‬
‫المسلمين على شيء يؤدونه من أرضھم يسمى خراجا دون أن تؤخذ منھم جزية رقابھم النھم في غير دار‬
‫االسالم )‪](1‬آثار الحرب ‪ 175‬نقال عن األم ‪ .103/4‬مغني المحتاج ‪ 232/4‬األحكام السلطانية للماوردي‬
‫‪.[133‬‬
‫فھذه الدار لم يفتحھا المسلمون وال تنفذ على أھلھا قوانين الدولة االسالمية ولكن أھلھا دخلوا في عقد مع‬
‫المسلمين لشروط معينة والتزموا مبلغا معينا يؤدونه ‪ ،‬وھذه الحالة ‪ :‬شبيھة في الدبلوماسية المعاصرة بالدول‬
‫التي لم تتمتع بكامل استقاللھا لوجود معاھدة معقودة بينھا وبين دولة كبرى مثال ‪.‬‬
‫ومن االمثلة على ھذه الدار عند الشافعية ‪ :‬ارمينية ونجران وبالد النوبة فقد عقد النبي صلى ﷲ عليه وسلم‬
‫صلحا مع نصارى نجران أنھم على حياتھم ‪ ،‬و فرض عليھم ضريبة سنوية قيل انھا جزية وقيل إنھا خراج ‪.‬‬
‫ولم يستطع عبد ﷲ بن سعد بن أبي السرح أن يفتح بالد النوبة ‪ ،‬فعقد معھم عھداليس فيه جزية ‪.‬‬
‫رأي جمھور الفقھاء في ھذا الدار ‪:‬‬
‫ويعتبر جمھور الفقھاء ھذه الدار )دار العھد( من دار االسالم النھم ارتبطوا بدار االسالم بعھد أعلنوا فيه عن‬
‫إذعانھم لداراالسالم بجزية ‪.‬‬
‫تحول الدار من دار اسالم الى دار الحرب ‪:‬‬
‫قد تبين مما ذكرنا أن الميزان الدقيق في معرفة الدار ھو القانون ‪ ،‬فإذا كانت السيادة للقانون االسالمي فالدار‬
‫دار اسالم ‪،‬وان كانت السيادة لقانون آخر‪ -‬مھما كان ھذا القانون ‪ -‬فھي دارحرب ؛ وان كان السكان مسلمين ‪.‬‬
‫وتسمى دار االسالم )دار العدل( الن القانون االسالمي ھو القانون الوحيد الذي يضمن العدل والمساواة بين‬
‫الحاكم والمحكوم أمام الشريعة الحاكمة ‪ .‬وأي قانون آخر من صنع أھواء البشر ؛ ال يمكن أن يكون عادال وال‬
‫يمكن أن يخلو من الظلم ‪:‬‬
‫)ومن لم يحكم بما أنزل ﷲ فأولئك ھم الكافرون( )ومن لم يحكم بما أنزل ﷲ فأولئك ھم الظالمون( )ومن لم‬
‫يحكم بما أنزل ﷲ فأولئك ھم الفاسقون( ‪.‬‬
‫فقد سمى ﷲ عز وجل كل حاكم بغير حكمه كافرا ظالما فاسقا ‪.‬‬
‫أمانوع الكفر أيخرج من الملة أم ال يخرج من الملة ؟ فھذا له مجال آخر ال يتسع له ھذا الباب ‪ ،‬وان شئت‬
‫فارجع الى كتابنا )العقيدة وأثرھا في بناء الجيل( ففيھا تفصيل لھذه القضية ‪.‬‬
‫فإذا كانت الدار اسالمية ‪ ،‬تسود فيھا الشريعة االسالمية والحكم فيھا لقانون ﷲ ‪ .‬والحكام فيھا مسلمون ينفذون‬
‫ھذه الشريعة ‪ ،‬فكل مسلم يدين بالوالء والمحبة لھذه الدار ‪.‬‬
‫أما إذا كانت الدار)دار اسالم( واستولى عليھا أناس عطلوا شرع ﷲ ‪،‬ونفذوا فيھا شرعا آخر من صنع اھواء‬
‫البشر أو خلطوا شرع ﷲ بشرائع البشر ونفدوھا فإن الدار ال تبقى دار اسالم ‪.‬‬
‫ولكن ما اسم ھذه الدار بعد تعطيل شرع ﷲ فيھا ؟‬
‫‪1‬ـقال جمھور الفقھاء ھي دار حرب )‪] (1‬أنظر آثار الحرب ‪ 172‬نقال عن شرح السير الكبير ‪ .302/4‬بدائع‬
‫الصنائع للكاساني ‪ .130/7‬حاشية ابن عابدين ‪ .250/3‬االفصاح البن ھبيرة ‪:.[348‬‬
‫وھذا رأي مالك والشافعي وأحمد والصاحبين من الحنفية ‪ .‬إذ أنھم قالوا ‪:‬‬
‫تصير الدار دار حرب باجراء أحكام الشرك فيھا فقط ‪ .‬إلن ظھور االسالم بظھور أحكامه فإذا زالت منھا ھذه‬
‫األحكام لم تبق دار اسالم ‪.‬‬
‫‪2 -‬أما االمام أبو حنيفة ‪ :‬فقد خالف صاحبيه )أبي يوسف ومحمد بن الحسن ( فقال ‪ :‬ان دار االسالم ال تصبح‬
‫دار حرب اال بشروط ثالثة ‪:‬‬
‫اـظھور احكام الكفر ونفاذھا فيھا ‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن تكون متاخمة لدار الكفر )الحرب(‪.‬‬
‫ج‪ -‬أال يبقى فيھا مسلم وال ذمي آمنا بأمان المسلمين الذي كان يتمتع به ‪ ،‬أي األمان األول الذي أقر ه الشرع‬
‫للمسلم ‪ ،‬وأقر ه الشرع للذمي بعقد الذمة ‪.‬‬
‫وبناء على رأي جمھور الفقھاء من المالكية والشافعية وأحمد والصاحبين من الحنفية ‪ :‬أن األقاليم االسالمية‬
‫التي تحكم بغير ما أنزل ﷲ لم تعد دار اسالم بل أصبحت دار حرب )‪](3‬الجريمة والعقاب ألبي زھرة ‪.[362‬‬
‫وھذا رأي االستاذ محمد ابي زھرة ‪.‬‬
‫‪ -3‬أما ابن تيمية ‪ :‬فھو يرى أنھا دار ثالثة )الدار التي كان يسود فيھا شرع ﷲ ثم تغير الحكم بقانون من وضع‬
‫البشر) وضعي( ‪ ،‬فالدار خرجت عن كونھا دار اسالم ولكنھا لم تصبح دار حرب ‪.‬‬
‫فھي دار ثالثة ‪ :‬وضرب ابن تيمية مثاال لھذه الدار ب)ماردين ( التي كانت من دار االسالم ينفذ فيھا شرع ﷲ ‪،‬‬
‫ثم استولى عليھا مجموعة من الكفار وعطلوا شرع ﷲ ‪.‬‬
‫رأي الشرع في الحكام الذين يحكمون بالقوانين الوضعية ويعطلون شرع ﷲ ‪:‬ـ‬
‫اتفق السلف والخلف على قاعدة شرعية ‪:‬‬
‫(من أحل الحرام فقد كفر ومن حرم الحالل فقد كفر ( ) ام لھم شركاء شرعوا لھم من الدين ما لم يأذن به ﷲ‬
‫ولو ال كلمة الفصل لقضي بينھم وان الظالمين لھم عذاب اليم ( الشورى ‪. 21‬‬
‫فھم شركاء ‪ ،‬فالتشريع بغير ما أنزل ﷲ شرك با ?‪:‬‬
‫)اتخذوا أحبارھم ورھبانھم أربابا من دون ﷲ والمسيح بن مريم وما امروا اال ليعبدوا إلھا واحدا ال اله اال ھو‬
‫سبحانه عما يشركون ( التوبة ‪31‬‬
‫وقد فسرھا صلى ﷲ عليه وسلم لعدي بن حاتم عندما قال ‪ :‬يا رسول ﷲ ما عبدوھم فقال صلى ﷲ عليه وسلم ‪:‬‬
‫) بلى إنھم أحلوا لھم الحرام وحرموا عليھم الحالل فاتبعوھم فذلك عبادتھم إياھم ( )‪](1‬رواه الترمذي أنظر‬
‫تفسير ابن كثير ‪.[171/2‬‬
‫وعندما حاول ھوالكو ‪ -‬حفيد جنكيز خان ‪-‬أن يحكم بقانون جنكيز خان )الياسق أو الياسا ( اي )السياسات‬
‫الملكية( ؛ وقد بين ابن كثير في البداية والنھاية )‪] (2‬أنظر البداية والنھاية ‪ .[118/13‬بعد أن استعرض بعض‬
‫سخافات الياسق ‪ -‬الحكم الشرعي لمن حكم بالياسق ) من ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد ﷲ ‪-‬‬
‫خاتم االنبياء ‪ ، -‬وتحاكم الى غيره من الشرائع المنسوخة ‪ ،‬فقد كفر ‪ ،‬فكيف بمن تحاكم الى الياسا وقدمھا عليه‬
‫الشك أن ھذا يكفر باجماع المسلمين( ‪.‬‬
‫وما أجمل كلمة االستاذ احمد شاكر عند قوله تعالى‪:‬‬
‫)أفحكم الجاھلية يبغون ‪ (...‬المائدة ‪50‬‬
‫أويجوز ألب ان يرسل ابناءه لتعلم ھذا الدين واعتقاده والعمل به عالما أو جاھال ؟! ‪ .‬أفيجوز ألحد من‬
‫المسلمين أن يعتنق ھذا الدين الجديد ؟! أعني التشريع الجديد ‪ .‬أو يجوز لرجل مسلم ان يلي القضاء في ظل ھذا‬
‫الياسق العصري ‪.‬‬
‫إن والية القضاء في ھذه الحال ؛ باطلة بطالنا أصليا ال يلحقه التصحيح وال اإلجازة ‪ .‬إن األمر في ھذه القوانين‬
‫الوضعية ؛ واضح وضوح الشمس ‪ :‬ھي كفر بواح ال خفاء فيه وال مداورة ‪ ،‬وال عذر الحد ممن ينتسب الى‬
‫االسالم‪ - ،‬كائنا من كان ‪ -‬في العمل بھا ‪ ،‬أو الخضوع لھا ‪ ،‬أو اقرارھا ‪ .‬فليحذر امرؤ لنفسه ‪ ،‬وكل امرىء‬
‫حسيب نفسه )‪](1‬عمدة التفسير ألحمد شاكر ‪. [74/4‬‬
‫التشريع بغير ما أنزل ﷲ كفر ينقل عن الملة )يخرج من االسالم(‬
‫وعليه فالتشريع )سن القوانين( بغير ما انزل ﷲ كفر ينقل عن الملة النه تحليل الحرام أو تحريم الحالل ‪.‬‬
‫قال ابن تيمية )من حرم الخبز فقد كفر باالجماع ومن أحل النظرة فقد كفر با الجماع( ‪ .‬وال فرق بين الحاكم‬
‫الذي يسن قانونا يقول فيه ‪ :‬ان عقوبة السارق سجن شھرين ‪ ،‬وبين الحاكم الذي يسن قانونا يقول فيه ‪ :‬صالة‬
‫المغرب أربع ركعات ‪.‬‬
‫ولذا فالتشريع ) أي إخراج القوانين وسن ھا ( كفر ينقل عن الملة ‪.‬‬
‫الحكم بغير ما أنزل ﷲ‪:‬‬
‫أما الذي يطبق القوانين الوضعية )يحكم بغير ما أنزل ﷲ ( ‪:‬‬
‫فإن سو ى في الحكم بين االسالم وبين القوانين الوضعية ‪ ،‬أو رأى أن القوانين الوضعية أفضل للمجتمع ‪ ،‬وتقل‬
‫المشاكل بتطبيقھا ‪ ،‬أو رأى جواز الحكم بالقوانين الوضعية ‪،‬فھذا كافر خارج من الملة ‪.‬‬
‫فالحاكم األعلى في أية دولة اذا طبق غير شرع ﷲ ‪:‬فھو كافر خارج من الملة‪ ،‬والمشرع )الذي يصوغ القوانين‬
‫الوضعية (ومجلس النواب )االمة ( الذي يقر القوانين الوضعية ‪:‬خارج عن الملة ‪ ،‬إذا كان يعلم الحكم الشرعي‬
‫‪-‬أما الجاھل بالحكم الفقھي لھذه القضية العظيمة ‪:‬فھو معذور ‪:‬إذ أن الجھل عذر في األصول وفي الفروع ‪-‬كما‬
‫قرر كثير من العلماء ‪ -‬منھم ابن تيمية ‪ ،‬وابن القيم ‪ ،‬فقد كان ابن تيمية يقول للجھمية ‪:‬‬
‫)لو قلت بقولكم لكفرت ‪ ،‬ولكني ال اكفركم النكم جھال ( ‪.‬‬
‫وكذلك رأيت ابن القيم ينص على أن الذين يستغيثون بأصحاب القبور من االنبياء واالولياءـال نكفر الجھال‬
‫منھم ‪.-‬‬
‫كلمة لعبد القادر عودة‬
‫ـالشھيد الذي أعدمه عبد الناصر سنة ‪)1945‬صاحب كتاب التشريع الجنائي في االسالم(‪.‬‬
‫بعد أن أورد آية )ومن لم يحكم بما أنزل ﷲ فاولئك ھم الكافرون( )وإذا كان ھذا ھو حكم االسالم الذي عطلته ‪،‬‬
‫وال زالت تعطله الحكومات في البالد االسالمية ‪ ،‬فإن كل ذي عقل يستطيع أن يدرك بسھولة مدى حظ ھذه‬
‫الحكومات من االسالم ‪ ،‬وأن يقول غير متحرج ‪ :‬ان ھذه الحكومات تدعو المسلمين الى الكفر وتحملھم عليه(‬
‫)‪](1‬االسالم واوضاعنا القانونية لعبد القادر عودة ص ‪.[71‬‬
‫اما حكم القاضي الذي يطبق األحكام الوصفية )غير الشرعية( فھو ليس كافرا ولكنه ظالم فاسق ‪ -‬وﷲ أعلم ‪-‬‬
‫وعمله حرام وراتبه حرام ‪.‬‬
‫رأي العلماء األفغان في كابل اآلن )تحت حكم نجيب أو عندما كانت تحت حكم الروس(‪:‬ـ‬
‫اختلفت وجھات نظر العلماء األفغان في حكم أفغانستان اآلن أھي دار حرب أم دار اسالم ؟ وأشھر األقوال‬
‫رأيان ‪:‬‬
‫‪-1‬الرأي األول ‪ :‬وھو رأي أغلبية علماء أفغانستان ‪ :‬أن كابل لم تتحول من دار اسالم الى دار حرب ‪ ،‬أخذا‬
‫برأي أبي حنيفة السابق‪ ،‬الذي يشترط شروطا ثالثة لتحول الدار )تغيرالقانون ‪ ،‬متاخمة ديار الكفر ‪ ،‬عدم أمن‬
‫المسلمين والذميين على دينھم واموالھم وأعراضھم )‪](2‬قال الكاساني في البدائع ‪) 131/7‬قول أبي حنيفة أن‬
‫المقصود من اضافة الدار الى اإلسالم أو الكفر ليس ھو عين االسالم والكفر وإنما المقصود ھو األمن والخوف‬
‫ومعناه‪ :‬ان األمان إن كان للمسلمين على االطالق والخوف للكفرة على اإلطالق فھي دار اسالم وإن كان‬
‫األمان فيھا للكفرة على اإلطالق والخوف للمسلمين على اإلطالق فھي دار الكفر([‪.‬‬
‫فھم يرون أن الشرط الثالث لم يتحقق ولذا لم تصبح كابل دار حرب ‪ ،‬وھذا رأي جمھور علماء شمال أفغانستان‬
‫‪.‬‬
‫‪ -2‬الرأي الثاني ‪ :‬رأي بعض علماء جنوب أفغانستان ‪ :‬أن أفغانستان دار حرب ولذا أفتوا بتعطيل صالة الجمعة‬
‫في المساجد ‪ ،‬ويبدو أنھم اخذوا برأي الصاحبين ) أي أبي يوسف ومحمد بن الحسن( ‪.‬‬
‫ونحن نرى ان أفغانستان دار ثالثة ‪ :‬مثل )ماردين( فال ھي دار اسالم‪ ،‬وال ھي دار كفر ) دار حرب( إذ يطبق‬
‫عليھا بعض احكام دار االسالم وبعض أحكام دار الحرب ‪.‬‬
‫األحكام التي تختلف باختالف الدار ‪:‬ـ‬
‫‪-1‬اقامة الحدود ‪ :‬يرى الحنفية أن الحدود ال تقام في دار الحرب ‪ .‬ولو اقترف المسلم في دار الحرب ذنبا قد حدد‬
‫له الشارع حدا ‪ ،‬فإن الذنب او الجريمة تقع وال مقتضى أو موجب لحد ھا ‪ .‬وذلك ألن اقامة الحدود تعتمد على‬
‫الوالية ‪ ،‬وال والية لقائد المعركة في دار الحرب ‪ .‬وكذلك لو قتل مسلم آخر فإنه ال يقتص من القاتل اذا خرج‬
‫الى دار االسالم ‪ .‬فلو سرق المسلم ‪ ،‬أو زنى ‪ ،‬أو شرب خمرا ‪ ،‬أوقذف مسلما في دار الحرب فإنه ال يقام عليه‬
‫الحد ال في دار الحرب ‪ ،‬وال في دار االسالم‪ ،‬بعد أن يعود ‪ ،‬الن الفاحشة لم تقع موجبة للحد أصال ‪.‬‬
‫ويستثني الحنفية من ھذا كله حالة واحدة وھي ‪ :‬إذا كان قائد الجيش ھو الخليفة نفسه أو أمير القطر بكامله ‪،‬‬
‫كامير خراسان ‪ ،‬أو المشرق ‪ ،‬أو الشام ‪ ،‬فإنه ينفذ الحدود الجتماع الشوكة والقوة باجتماع الجيوش وانقيادھا له‬
‫‪ ،‬فتتوفر في يده المنعة والوالية والقوة التي تمكنه من اقامة الحدود كلھا )‪] (1‬بدائع الصنائع ‪131/7‬ـ‪.[133‬‬
‫ويستدل للحنفية لھذه الحالة ما رواه الزھري ‪ ) ...‬رأيت رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم يوم حنين يتخلل الناس‬
‫يسأل عن منزل خالد بن الوليد وأتي بسكران فأمر من كان عنده فضربوه بما كان في أيديھم وحثا رسول ﷲ‬
‫صلى ﷲ عليه وسلم من التراب (] أنظرسنن البيھقي مع الجوھر النقي ‪.[103/9‬‬
‫وھنالك حديثان ضعيفان تستدل بھما الحنفية وھما ‪ ) :‬ال تقام الحدود في دار الحرب ( ) ال تقطع األيدي في‬
‫السفر ( ‪.‬‬
‫أما الجمھور فإنھم يرون ان الكبائر اذا ارتكبت في دار الحرب فإنه يجب فيھا الحد ‪ ،‬ولكنھم اختلفوا في مكان‬
‫اقامة الحد ‪:‬ـ‬
‫فيرى الحنبلية ‪:‬أن الحدود ال تنفذ اال في دار االسالم ‪ ،‬أما بقية الجمھور ‪ :‬فيرون أن الحدود تنفذ مباشرة في دار‬
‫الحرب اال اذا خيف على المحدود أن يھرب الى العدو الكافر ‪ ،‬أو كان للمسلمين بمرتكب الكبيرة حاجة أو منعة‬
‫أو قوة فإنه يؤخر حده ‪،‬‬
‫ومما استدل به الحنفية على رأيھم ‪:‬‬
‫‪-1‬حديث عمر بن الخطاب رضي ﷲ عنه فإنه كتب الى عماله ) أن ال يجلدن أمير الجيش وال سرية أحدا حتى‬
‫يخرج الى الدرب قافال لئال تلحقه حمية الشيطان فيلتحق بالكفار (‬
‫‪ -2‬وكان أبو الدرداء رضي ﷲ عنه ينھى أن تقام الحدود على المسلمين في أرض العدو ‪ ،‬مخافة أن تلحقھم‬
‫الحمية فيلحقوا بالكفار ‪ ،‬فإن تابوا تاب ﷲ عليھم واال كان ﷲ تعالى من ورائھم ( )‪](1‬شرح السير الكبير‬
‫‪.[108/4‬‬
‫‪ -3‬وروي عن علقمة قال ‪ :‬غزونا ارض الروم ومعنا حذيفة وعلينا رجل من قريش فشرب الخمر فأردنا أن‬
‫نحده فقال حذيفة ‪ :‬تحدون اميركم وقد دنوتم من عدوكم فيطمعون فيكم)‪(2‬؟]المصدر السابق[‪.‬‬
‫‪4 -‬وقد كان سعد قد قيد أبا محجن في القادسية عندما شرب الخمر ‪ ،‬وأراد جلده ‪ ،‬فأطلقته سلمى زوج سعد ‪،‬‬
‫وقاتل قتاال شديدا فعفا عنه سعد بن ابي وقاص رضي ﷲ عنه وقال ‪ :‬ال وﷲ ال اضرب اليوم رجال أبلى ﷲ‬
‫المسلمين ما أبالھم وخلى سبيله ‪ ،‬فقال أبو محجن ‪) :‬كنت أشربھا إذ يقام علي الحد وأطھر منھا ‪ ،‬فأما إذ‬
‫بھرجتني )أھدرت الحد ( فو ﷲ ال أشربھا أبدا( )‪] (2‬الخراج ‪ 31‬وآثار الحرب ص‪.[190‬‬
‫ولكننا نرى أن مذھب الجمھور أرجح وﷲ أعلم ‪ ،‬ألن موجب الجرائم ال يختلف بين أرض وأرض ‪ ،‬ولكن قد‬
‫يؤخر التنفيذ الى دار اإلسالم كما يؤخر تنفيذ الحد بسبب المرض ‪ ،‬كما أخ ر عمر تنفيذ حد الشرب في قدامة ؛‬
‫بن مظعون بسبب مرضه ‪ ،‬وكما أخ ر النبي صلى ﷲ عليه وسلم عن الغامدية إقامة حد الرجم بسبب أنھا حبلى‬
‫من الزنا حتى تضع وتفطم الوليد ‪.‬‬
‫‪-2‬الحربي إذا أسلم في دار الحرب ‪ ،‬ولم يعرف أن عليه صالة وال صياما ‪ ،‬ثم خرج الى دار االسالم ‪ ،‬وعلم ‪.‬‬
‫فقال الحنفية ‪ :‬ال قضاء عليه عند أبي حنيفة ‪ ،‬وقال أبو يوسف ‪ :‬أستحسن أنه يجب عليه القضاء و قد استدل‬
‫الحنفية على رأيھم ‪ :‬بأن دار الحرب ‪ :‬دار جھل بالشرائع ‪ ،‬وامكانية الوصول الى العلم صعبة بخالف دار‬
‫االسالم فإمكانية العلم ممكنة كمن لم يعلم في دار االسالم ؛ فال عذر له ‪.‬‬
‫فالذمي إذا أسلم في دار االسالم وال يعلم أن عليه صالة والصياما فيجب عليه القضاء ألنه قصر في السؤال مع‬
‫إمكانية العلم )‪](3‬بدائع الصنائع ‪.[132/7‬‬
‫)‪(3‬جواز العقود الفاسدة عند أبي حنيفة ومحمد بخالف أبي يوسف فرأيه كرأي الجمھور بأن الحرام حرام في‬
‫دار الحرب ودار االسالم ‪ ،‬والحرام ال يصبح حالال باختالف الدار ‪.‬‬
‫فمثال عقد الربا ‪ :‬عقد فاسد )‪](1‬العقود ثالثة عند الحنفية‪:‬‬
‫)أ( العقد الصحيح‪ :‬كامل الشروط واألركان واألوصاف‪.‬‬
‫)ب( العقد الباطل‪ :‬الخلل في أركانه وھذا ال يلحقه تصحيح وال اجازة‪ :‬مثل الزواج من وثنية‪.‬‬
‫)جـ( العقد الفاسد‪ :‬الخلل في وصفه ال في ركنه‪ :‬مثل عقد الربا وھذا يلحقه التصحيح بأن يلغي شرط الربا[‪.‬‬
‫) فھذا العقد عند الحنفية فاسد وحرام عند الحنفية في دار االسالم الن شرط الربا خلل ‪ ،‬ولكن يمكن أن يصحح‬
‫العقد بازالة شرط الربا منه ( ‪.‬‬
‫ولكن ھذا العقد جائز في دار الحرب عند ابي حنيفة ومحمد وال إثم فيه ‪ ،‬ووجھة نظر أبي حنيفة ‪ :‬أن مال‬
‫الحربي مباح فيجوز إتالفه وأخذه بأية طريقة بشرط التراضي مع المسلم وعلى أي وجه ليس فيه غدر وال‬
‫خيانة ‪ .‬وعقد الربا عقد تراضي ‪ ،‬وقد أخذ الربا من الكافر برضاه فال بأس ‪.‬‬
‫ودار الحرب ليست دار عصمة ‪ ،‬فالمال فيھا غير معصوم وال مضمون فلو استدان مسلم )اقترض( في دار‬
‫الحرب من مسلم آخر ماال ثم خرجا الى دار االسالم ‪ ،‬فالقاضي ال يحكم للدائن ‪ .‬ولو أتلف مسلم آلخر ماال فال‬
‫ضمان عليه عند الحنفية ‪.‬‬
‫والحق الذي ال محيد عنه والذي يطمئن إليه القلب ؛ ھو رأي الجمھور مع أبي يوسف ‪ :‬بأن الحرام حرام في أي‬
‫مكان وال يحله اختالف المكان وال الدار ‪.‬‬
‫قال السرخسي في المبسوط ]أنظر المبسوط للسرخسي ‪ ) .[95/10‬وإن بايعھم ؛المستأمن المسلم» اليھم الدرھم‬
‫بالدرھمين ‪ ،‬نقدا أو نسيئة ‪ ،‬وبايعھم في الخمر ‪ ،‬والخنزير ‪ ،‬والميتة فال بأس بذلك في قول أبي حنيفة ومحمد‬
‫وال يجوز شيء من ذلك في قول أبي يوسف ‪ :‬الن المسلم ملتزم احكام االسالم حيثما يكون (‬
‫واجب المسلم تجاه دار االسالم ‪:‬‬
‫تعتبر دار االسالم دارا لكل مسلم تجب عليه تجاھھا المحبة والوالء والدفاع عنھا كما يدافع عن منزله الخاص‬
‫‪.‬ودار االسالم وطن معنوي لكل مسلم وليست بقعة أرض محددة فحيثما طبق االسالم في مكان فھو دار اسالم‬
‫ووطن لكل مسلم ‪ ،‬وان لم يعش المسلم فيھا ولم يولد فوق أرضھا ‪.‬‬
‫والبلد التي ولد فيھا المسلم ؛ وان كانت ال تطبق االسالم ‪ ،‬وال تقيم شرائع وال قوانين ليست وطنه وليست دارا‬
‫لالسالم ‪ ،‬وان كانت مسقط رأسه وسكن أھله ‪ ،‬والبلد التي طبق فيھا االسالم في يوم من األيام وكانت دارا‬
‫لالسالم يجب على كل مسلم الدفاع عنھا ‪.‬‬
‫والجھاد للدفاع عنھا فرض عين على الذين يقطنونھا ‪ ،‬فإذا لم يكفوا توسع فرض العين على المسلمين‬
‫المجاورين ‪ ،‬فإن لم يكفوا أو قصروا ‪ ،‬أو تقاعدوا‪ ،‬أو تكاسلوا ‪ ،‬توسع فرض العين على من يليھم ‪ ،‬وثم وثم الى‬
‫أن يعم فرض العين األرض كلھا فرضا ال يسعھم تركه كالصالة والصوم ‪.‬‬
‫وإذا سقطت قطعة من دار االسالم في يد الكفار وجب على الجيل المعاصر أن يخلصھا فإن عجز فعلى األجيال‬
‫من بعده تخليصھا ‪ ،‬واالثم يلحق االمة االسالمية كلھا مادامت بقعة من بقاع االسالم في يد الكفار ‪ ،‬ويزداد اإلثم‬
‫مع معاصرة المشكلة أو القرب منھا ‪ ،‬ولكن اإلثم ال يسقط عن االمة االسالمية حتى يخلصوھا من أيدي الكفار‬
‫‪ ،‬فأكثر األجيال إثما بالنسبة لسقوط األندلس ؛ ھو الجيل الذي عاصرھا ‪ ،‬والمسلمون اليوم كلھم آثمون حتى‬
‫يرجعوا األندلس من ايدي الكفر ‪ ،‬وكذلك بخارى ‪ ،‬وسمرقند ‪ ،‬وقبلھا فلسطين وغيرھا من بقاع االسالم التي‬
‫كانت في يوم من األيام دارا لالسالم ‪.‬‬
‫الھجرة الى دار االسالم ‪:‬‬
‫الھجرة الى دار االسالم واجبة على كل مسلم تحتاج إليه دار االسالم فالمربي ‪ ،‬والمقرئ ‪ ،‬والمھندس ‪،‬‬
‫والطبيب ‪ ،‬واستاذ الجامعة ‪ ،‬والسياسي المعروف ‪ ،‬واالداري ‪ ،‬والمتخصص في علم من العلوم العسكرية ‪ ،‬أو‬
‫الذرية ‪ ،‬وغيرھا ‪ :‬عليه أن يرسل رسالة الى أمير الدولة االسالمية ‪ ،‬أو الجھة المختصة بعلمه فالمربي يرسل‬
‫الى وزارة التربية والتعليم رسالة فإن كانوا بحاجة إليه تجب عليه الھجرة حتى ينفع دار االسالم ‪.‬‬
‫وھذه الھجرة واجبة لحاجة الدولة االسالمية الى كفاءة الشخص المسلم ‪ .‬وھنالك ھجرة اخرى واجبة على المسلم‬
‫لمصلحة نفسه وھي ‪ :‬الحالة التي ال يستطيع فيھا المسلم أن يظھر دينه أو يقيم شعائره في البلد التي يسكن فيھا ‪،‬‬
‫فھنا تجب عليه الھجرة الى دار االسالم التي يستطيع أن يظھر فيھا دينه ‪ .‬واذا لم يھاجر المسلم من الدار التي ال‬
‫يستطيع اظھار دينه فيھا فيمكن ان يطبق عليه حديث مسلم ‪:‬‬
‫(انا بريء من كل مسلم يقيم بين أظھر المشركين ( ‪ .‬وقد يعم الفساد األرض وال يجد المسلم دارا لالسالم تعتبر‬
‫نفسھا حامية لحمى المسلمين وناطقة بلسانھم وتتبنى مصالحھم ‪ .‬فھنا يختار المسلم بقعة يأمن فيھا على دينه‬
‫وعرضه وماله ويسكن فيھا وان لم تكن األرض دارا لالسالم ‪.‬‬
‫وجوب الھجرة من أجل الجھاد ‪:‬‬
‫وھنالك ھجرة اخرى واجبة ال تنقطع الى يوم القيامة وھي الھجرة من أجل الجھاد ‪ ،‬ففي الحديث الصحيح الذي‬
‫رواه أحمد وابن حبان ) ان الھجرة ال تنقطع مادام الجھاد ( وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وابن حبان‬
‫والنسائي ) ال تنقطع الھجرة ما قوتل الكفار(‪.‬‬
‫وقد تكفل رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم للمھاجر في سبيل ﷲ بالجنة وبشره بالشھادة ‪ ،‬ففي الحديث الصحيح‬
‫الذي رواه الحاكم وابن حبان عن فضالة بن عبيد قال ‪ :‬قال صلى ﷲ عليه وسلم ‪:‬‬
‫)أنا زعيم لمن آمن بي ‪ ،‬وأسلم ‪ ،‬وھاجر ببيت في ربض الجنة ‪ ،‬وبيت في وسط الجنة ‪ ،‬وبيت في أعلى غرف‬
‫الجنة( ‪.‬‬
‫وأما بشرى الشھادة فقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه أبوداود عن أبي مالك االشعري قال صلى ﷲ عليه‬
‫وسلم ‪) :‬من فصل في سبيل ﷲ فمات أو قتل فھو شھيد ‪ ،‬أو وقصته فرسه ‪ ،‬أو بعيره ‪ ،‬أو لدغته ھامة ‪ ،‬أو مات‬
‫على فراشه ‪ ،‬أو بأي حتف شاء ﷲ فإنه شھيد وان له الجنة(‪.‬‬
‫واجبات الدولة االسالمية ‪:‬‬
‫إن أھم مميزات دار االسالم ان تقوم فيھا دولة إسالمية تطبق شرع ﷲ ‪ ،‬ويقوم على رأس الدولة أمير يبايع بيعة‬
‫شرعية من قبل االمة ‪ ،‬ويناط به تطبيق الشريعة ‪ ،‬وحماية دين ﷲ ‪ ،‬وتوفير األمن لدين الناس ‪ ،‬ودمائھم ‪،‬‬
‫وأعراضھم ‪ ،‬وأموالھم ‪.‬‬
‫والواجبات التي تلقى على عاتق أمير المؤمنين كثيرة ‪ ،‬وقد حدد الماوردي في كتابه )األحكام السلطانية ص‬
‫‪ (15‬وابن جماعة في كتابه )تحرير االحكام ص ‪ (65‬وأبو يعلى الفراء‪ ،‬واجبات أميرالمؤمنين )رئيس الدولة‬
‫االسالمية( بعشرة واجبات ‪:‬‬
‫‪ -1‬األول ‪ :‬حفظ الدين على االصول التي اجمع عليھا سلف االمة أي ‪ :‬اقامة الدين على وجھه الصحيح بتعبيرنا‬
‫العصري ‪.‬‬
‫‪ -2‬الثاني ‪ :‬تنفيذ االحكام بين المتشاجرين وقطع الخصام بينھم ‪ ،‬أي إقامة العدل بين الناس وتنفيذ االحكام ‪.‬‬
‫‪ -3‬الثالث ‪ :‬حماية البيضة والذب عن الحوزة ليتصرف الناس في المعايش وينتشروا في األسفار آمنين ‪ ،‬أي‬
‫نشر األمن في الداخل ‪.‬‬
‫‪4 -‬الرابع ‪ :‬إقامة الحدود لتصان محارم ﷲ عن اإلنتھاك ‪ ،‬وتحفظ حقوق عباده من اتالف واستھالك ‪ ،‬أي تنفيذ‬
‫عقوبات جرائم الحدود وجرائم القصاص ‪.‬‬
‫‪ -5‬الخامس ‪ :‬تحصين الثغور بالعدة المانعة ‪ ،‬والقوة الدافعة‪ ،‬حتى ال يظفر االعداء بغر ة ينتھكون بھا محرما‬
‫ويسفكون فيھا دما لمسلم او معاھد ‪ .‬أي حماية االمن الخارجي بالعدة واالستعداد الدائمين ‪.‬‬
‫‪ -6‬السادس ‪ :‬جباية الفيء والصدقات مع ما اوجبه الشرع نصا واجتھادا من غير عسف ‪.‬‬
‫‪ -8‬الثامن ‪ :‬تقدير العطاء ‪ ،‬وما يستحق في بيت المال من غير سرف وال تقصير ‪ ،‬ودفعه في وقت ال تقديم فيه‬
‫وال تأخير ‪.‬‬
‫‪ -9‬التاسع ‪ :‬إستكفاء األمناء وتقليد العظماء فيما يفوضه إليھم من االعمال ‪.‬‬
‫‪10-‬العاشر ‪ :‬أن يباشر بنفسه مشارفة األمور وتصفح األحوال ليھتم بسياسة األمة وحراسة الملة ‪.‬‬
‫ھذه ھي واجبات االمام كما حددھا بعض الفقھاء ‪ ،‬وھي تدخل جميعا تحت واجبين اثنين ھما ‪ :‬إقامة الدين‬
‫وادارة شئون الدولة في حدوده ‪.‬‬
‫العالقات التجارية بين دار االسالم ودار الحرب ‪:‬‬
‫الشك أن االقتصاد أحد العوامل الكبرى التي تقوم عليھا الدول ‪.‬‬
‫وال شك أن المسلمين والكفار كل يسلك الطرق التي تؤدي الى كسبه المعركة وانتصاره في ميدان القتال ‪ .‬اال ان‬
‫الفرق بين المسلمين والكافرين ؛ أن الشرع يضبط معامالت المسلمين بدائرة الحالل التي رسمھا الشرع ‪ ،‬وال‬
‫يجيز االسالم اتباع األساليب الرخيصة ‪ ،‬والطرق الخسيسة من أجل الوصول الى الغاية ‪ ،‬إذ أن الغاية في‬
‫االسالم ال تبرر الوسيلة ‪ ،‬واالسالم يدحض قول ميكافيلي )الغاية تبرر الوسيلة( ‪ ،‬أو قول لينين ) في سبيل‬
‫المصلحة افعل ماشئت ( فاالسالم مثال يحترم العھود والمواثيق ‪ ،‬وال يجيز فتح مدينة للعدو بنكث عھد ‪ ،‬أو‬
‫نقض ميثاق ‪ ،‬وكذلك ال يبيح االسالم قتل االوالد واختطاف النساء من أجل الضغط على العدو ‪.‬‬
‫أما بالنسبة للمعامالت التجارية بين المسلمين والكفار أثناء الحرب ‪ ،‬فعندما وضع الفقھاء قواعدھم في التجارة‬
‫إنما بنوھا على تصورھم فيما يكون فيه خير للمسلمين وتضييق على الكافرين ‪.‬‬
‫)‪(1‬فاالمام مالك مثال ‪ :‬يجيز االستيراد من بالد الكفار ‪ ،‬ويرى السماح للتجار الحربيين بالدخول الى بالد‬
‫االسالم يحملون معھم تجاراتھم وألن في ھذا تقوية للمسلمين بينما يمنع االمام مالك التصدير الى بالد الكفار‬
‫الن في ھذا تقوية لھم )‪] (1‬المدونة ‪ 102/10‬أنظر آثار الحرب للزحيلي ‪.[513‬‬
‫بينما الشراء من مصنوعات الكفار في الواقع الدولي اآلن؛ إنما يعتبر تقوية للكفار بادخال العملة الصعبة الى‬
‫الدولة المصدرة ‪ .‬ويعتبر البحث عن االسواق التجارية التي تصرف فيھا المنتجات للدول الكبرى ؛ أحد‬
‫األسباب الرئيسية التي سنت من أجلھا الحرب الحديثة ‪ ،‬وقام من أجلھا االستعمار ‪.‬‬
‫وعلى كل حال فالقاعدة في الميدان التجاري عند الفقھاء‪) :‬يمنع تصدير او استيراد اي شيء فيه تقوية للكفار( ‪.‬‬
‫)يسمح بتصدير أو استيراد كل شيء فيه تقوية للمسلمين(‪ .‬فتصدير السالح مثال حرام الى بالد الكفار وكذلك‬
‫البترول الذي تدار فيه مصانع السالح ‪ ،‬وكل آالت الحرب ‪ ،‬حتى منع الفقھاء تصدير الحرير والديباج ألنه‬
‫تصنع منه رايات الحرب ‪ ،‬ويمنع تصدير الحديد الذي يصنع منه السالح فقد جاء في الفتاوى الھندية ‪197/2‬‬
‫)وال يباع كل ما ھو أصل في الحرب( ‪.‬‬
‫وفي العصر الحديث يمنع بيع النحاس والكوبالت والراديوم واليورانيوم ) إذ منھما تصنع القنبلة الذرية( ‪ .‬وقد‬
‫قال االمام مالك في المدونة ‪ ) 102/3‬اما كل ما ھو قوة على اھل االسالم مما يتقوون به في حروبھم من كراع‬
‫أو سالح أو ‪ -‬خرثي ‪ -‬متاع أو شيء مما يعلم أنه قوة في الحرب من نحاس أوغيره فإنھم ال يباعون ذلك ( ‪.‬‬
‫نقاط التفتيش في الحدود ‪:‬‬
‫وقد نص أبو يوسف في )كتاب الخراج ‪ (190‬أنه البد من وضع نقاط على الثغور لتفتيش الداخل والخارج ‪:‬‬
‫)وينبغي لالمام ان تكون له مسالح ) أماكن حراسة( على المواقع التي تنفذ الى بالد الشرك من الطرق ‪،‬‬
‫فيفتشون من مر بھم من التجار ممن كان معه سالح أخد منه ورد ‪ ،‬ومن كان معه رقيق‪ -‬عبيدـرد )النه تقوية‬
‫للكفار( ‪ ،‬ومن كانت معه كتب قرئت كتبه(‪.‬‬
‫أدلة الجمھور ‪:‬‬
‫‪1‬وقد استدل الجمھور بمنع تصدير السالح للكفار بحديث عمران بن الحصين ‪ :‬أن رسول ﷲ صلى ﷲ عليه‬
‫وسلم )نھى عن بيع السالح في الفتنة( قال البيھقي ‪ :‬الصواب أنه موقوف )‪] (1‬نصب الراية ‪ 391/3‬آثار‬
‫الحرب ‪.[518‬‬
‫‪2‬ـقال الحسن البصري ‪ :‬ال يحل لمسلم ان يحمل الى عدو المسلمين سالحا يقويھم به على المسلمين ‪ ،‬وال كراعا‬
‫‪ ،‬وال ما يستعان به على السالح والكراع )‪] (2‬الكراع‪ :‬بضم الكاف وفتح الراء تطلق على الدواب ولكن غالبا‬
‫يراد بھا الخيل‪ .‬والكراع ھي األرجل ألن أرجل الخيل ھي التي يستفاد منھا في الحرب[‪.‬‬
‫ومما استدل به الفقھاء المجيزون الرسال الطعام الى بالد الحرب حديث ثمامة بن أثال الذي أسره رسول ﷲ‬
‫صلى ﷲ عليه وسلم من اليمامة وربطه في المسجد ‪ ،‬ثم من عليه فأسلم ‪ ،‬والحديث كما رواه الشيخان ‪-‬‬
‫البخاري ومسلم ‪:‬‬
‫)أنه قال ألھل مكة حين قالوا له صبوت فقال ‪ :‬إني وﷲ ما صبوت ولكني وﷲ أسلمت ‪ ،‬وصدقت محمدا صلى‬
‫ﷲ عليه وسلم ‪ ،‬وآمنت به ‪ ،‬وأيم ﷲ الذي نفس ثمامة بيده ال تأتيكم حبة من اليمامة ‪ -‬وكانت ريف مكة ‪ -‬حتى‬
‫يأذن فيھا محمد صلى ﷲ عليه وسلم وانصرف الى بلده ومنع الحمل الى مكة حتى جھدت قريش ‪ ،‬فكتبوا الى‬
‫رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ‪ ،‬يسألونه بأرحامھم أن يكتب الى ثمامة يحمل اليھم الطعام ففعل رسول ﷲ‬
‫صلى ﷲ عليه وسلم ( ]أنظر صحيح مسلم بشرح النووي‪[89/12 /‬‬
‫اغالق الطرق المؤدية الى المدن في أفغانستان‪:‬‬
‫ال شك أن إغالق الطرق المؤدية الى المدن التي بيد الشيوعيين ؛ يؤدي الى فقد المواد الغذائية وارتفاع األسعار‬
‫واضطراب األحوال مما يعجل بإسقاط الحكم الشيوعي ‪.‬‬
‫لكن سكان المدن األفغانية من المسلمين ‪ ،‬والتضييق عليھم بمنع وصول الدقيق ‪ -‬القمح ‪ -‬الى كابل وغيرھا ؛‬
‫يؤدي الى إحكام الخناق على السكان مما يؤدي الى ھجرتھم واخالء المدن ‪ ،‬وقد أحكم المجاھدون الحصار على‬
‫قندھار فضاق السكان ذرعا بقلة الخبز فخرجوا الى حكمت يار وقالوا له ‪ :‬أيجوز شرعا لكم أن تمنعوا عنا‬
‫الغذاء ‪ ،‬حتى نموت فقال لھم حكمت يار ‪ :‬اخرجوا ونحن نرتب لكم خياما وغذاء ‪ .‬وقد سألت أحمد شاه مسعود‬
‫‪ :‬لماذا ال تحكمون الحصار على كابل ؟ ولماذا ال تغلقون الطريق أمام القوافل المارة من روسيا الى كابل‬
‫)حيرتان ‪ -‬كابل( فقال أحمد شاه ‪ :‬ھنالك أسباب ‪:‬‬
‫‪ -1‬ان اغالق الطريق على كابل ‪-‬اآلن ‪ -‬ال يضر اال الشعب أما الحكومة الشيوعية فعندھا المخازن المليئة‬
‫بالمواد الغذائية ‪.‬‬
‫‪2‬ـان اغالق الطريق على كابل يكلف كثيرا ‪ ،‬واغالقه اآلن ال يفيد مادمنا النحاصر كابل ولسنا على أبواب‬
‫فتحھا ‪ ،‬فإذا جاء الوقت المناسب للفتح أحكمنا اإلغالق من أجل تعجيل اإلطاحة بالدولة ‪.‬‬
‫أخذ العشور من التجارة ‪:‬‬
‫التجارة قسمان ‪:‬‬
‫‪ -1‬التجارة الداخلية ‪ :‬المواد والحبوب والصناعات التي تنتج في دار االسالم وتباع في دار االسالم ‪ ،‬فھذه يحرم‬
‫أخذ العشورمنھا ‪.‬‬
‫قال الماوردي في ]أنظر األحكام السلطانية للماوردي ص ‪ ) .[201‬وأما أعشار األموال المتنقلة في داراالسالم‬
‫من بلد الى بلد ؛ فمحرمة ال يبيحھا شرع ‪ ،‬وال يسوغھا اجتھاد ‪ ،‬وال ھي من سياسات العدل وال من قضايا‬
‫النصفة( وقد روى أحمد وأبو داود الحديث ) ليس على المسلمين عشور انما العشور على اليھود والنصارى (‬
‫وسكت عنه أبو داود والمنذري ‪.‬‬
‫‪ -2‬التجارة الخارجية ‪ :‬التي تدخل من خارج بالد اإلسالم ‪ :‬فھذه اختلف الفقھاء في أخذ العشور عليھا )‬
‫الضرائب( ‪ ،‬وابرز المذاھب في القضية رأيان ‪:‬‬
‫‪1‬ـالرأي األول ‪ :‬وھو رأي الجمھور ‪ :‬من المالكية والحنبلية وبعض الشافعية أن يؤخذ العشر من الحربيين‬
‫سواء اشترط سابقا أم ال ؟ وسواء كانوا يأخذون من تجارنا أم ال ‪.‬‬
‫‪ -2‬الرأي الثاني ‪ :‬وھو رأي الحنفية ‪ :‬وھو مبدأ المعاملة بالمثل ‪ .‬أي ‪ :‬نأخذ منھم بقدر ما يأخذون منا فإن لم‬
‫يأخذوا منا ال نأخذ منھم ‪.‬‬
‫أدلة الجمھور القائلين بأخذ العشر ‪:‬‬
‫‪ -1‬روى عمر أنه بعث أنس بن مالك رضي ﷲ عنه مصدقا في العشور فقال أنس ‪ :‬يا أمير المؤمنين تقلدني في‬
‫المكس في عملك ؟ فقال له عمر رضي ﷲ عنه ‪ :‬قد قلدتك ما قلدني رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ‪ ،‬قلدني‬
‫أمور العشور ‪ ،‬وأمرني ان آخذ من المسلم ربع العشر ‪ ،‬ومن الذمي نصف العشر ‪ ،‬ومن الحربي العشر كله‬
‫)‪] (1‬انظر المغني ‪ 8‬ص ‪.[518‬‬
‫قال الشعبي فيما روى البيھقي ‪ (1):‬اول من وضع العشر في االسالم عمر ]منتخب كنز العمال من مسند احمد ‪:‬‬
‫ص ‪ ، 3012‬االموال ص ‪.[534‬‬
‫‪ -2‬وعن زياد بن حدير قال ‪ :‬استعملني عمر على العشر ؛ فأمرني ان آخذ من تجار اھل الحرب العشر ‪ ،‬ومن‬
‫تجار أھل الذمة نصف العشر ومن تجار المسلمين ربع العشر )‪] (1‬آثار الحرب نقال عن األموال ألبي عبيد‬
‫ص‪ 533‬ونيل األوطار ‪ .[63/8‬قال ابن قدامة )‪] (2‬المغني البن قدامة ‪ .[63/8‬فأخذ عمر من تجار الحربيين ‪،‬‬
‫واشتھر ذلك فيما بين الصحابة وعمل به الخلفاء الراشدون بعده في كل عصر من غير نكير ‪ ،‬فاي إجماع اقوى‬
‫من ھذه ؟ ولم ينقل انه شرط ذلك عليھم عند دخولھم وال يثبت ذلك بالتخمين من غيرنقل ‪ ،‬وألن مطلق االمر‬
‫يحمل على المعھود في الشرع ‪ ،‬وقد استمر اخذ العشر منھم في زمن الخلفاء الراشدين فيجب أخذه ‪.‬‬
‫أدلة الحنفية ‪:‬‬
‫وأما الحنفية فقد استدلوابما يلي ‪:‬‬
‫‪-1‬كتب أبو موسى االشعري الى عمر بن الخطاب ‪ :‬أن تجارا من قبلنا من المسلمين يأتون أرض الحرب‬
‫فيأخذون منھم العشر قال ‪ :‬فكتب اليه عمر ‪ ،‬خذ منھم كما يأخذون من تجار المسلمين )‪](3‬شرح السير الكبير‬
‫‪.[284/4‬‬
‫‪-2‬عن أبي مجلز قال ‪ :‬قالوا لعمر كيف نأخذ من أھل الحرب اذا قدموا علينا ؟ قال كيف يأخذون منكم اذا دخلتم‬
‫اليھم ؟ قالوا العشر ‪.‬قال فكذلك خذوا منھم ‪ .‬فھذا ھو ضابط المعاملة بالمثل )‪] (4‬أثار الحرب ‪ 529‬نقال عن‬
‫أحكام أھل الذمة البن القيم ص‪.[169‬‬
‫الرأي الراجح عندنا ‪:‬‬
‫نحن نرى أن ھذا االمر من السياسة الشرعية التي يرجع تقريرھا الى اولي االمر ‪ -‬أمير المؤمنين ‪ ،‬وھو يقدر‬
‫المصلحة الراجحة ‪ ،‬ويعمل بھا فيما يعود بالنفع لالسالم والمسلمين ‪ .‬ولذا فإننا نرى أن مذھب الحنفية يعطي‬
‫لألمر مرونة ويجعل ولي األمر في سعة أن يتخذ القرار المناسب للمسلمين ‪ .‬وال يجعله مقيدا بالعشر فا لبالد قد‬
‫تحتاج الى المواد الغدائية أو المعادن أو المصنوعات ‪ ،‬فيكون لولي األمر الحرية في إعفاء تجارة الحربيين من‬
‫الضرائب والعشور‪ .‬وھذا الرأي كذلك ذھب اليه الحنبلية والمالكية الذين يرون بوجوب أخذ العشر ‪ ،‬فقد‬
‫اضطروا أحيانا أن يفتوا بمخالفة أخذ العشربالنقصان أو الزيادة أو اإلعفاء كليا إذا كانت بالد المسلمين بحاجة‬
‫الى التجارة ‪.‬‬
‫فقد روى ابن عمر قال )كان عمر يأخذ من النبط من الزيت والحنطة نصف العشر لكي يكثر الحمل الى المدينة‬
‫ويأخذ من القطنية العشر ( )‪] (1‬آثار الحرب ‪ 533‬نقال عن نيل األوطار ‪ 63/8‬األموال ‪ 533‬والنبط‪:‬‬
‫النصارى‪ ،‬والقطنية‪ :‬الحبوب والثياب[‪.‬‬
‫قال بن قدامة في المغني ‪)225/8‬وھذا األثر يدل على أنه يخفف عنه اذا رأى المصلحة فيه وله الترك أيضا إذا‬
‫رأى المصلحة ( ‪.‬‬
‫وقال العدوي من المالكية) ال يؤخذ على حمل الطعام الى الحرمين وماواالھما اكثر من نصف العشر وذلك‬
‫لإلغراء بتكثير حمله الى ھذه البقاع مع شدة حاجة أھلھا( )‪](2‬انظر المغني البن قدامة ‪.[522/8‬‬
‫وقال الماوردي من الشافعية )‪] (3‬الشرح الصغير ‪) .[417/1‬إذا رأى اإلمام أن يسقط عن أھل الحرب تعشير‬
‫أموالھم بحادث اقتضاه نظرا لجدب أوقحط أو لخوف من قوة تجددت لھم جاز إسقاطه عنھم(‪.‬‬
‫نصاب التجارة التي يؤخذ منھا العشور ‪:‬‬
‫اختلف الفقھاء في المقدار الذي يؤخذ عليه العشور ) الضرائب( أله نصاب ال يؤخذ من المقدار الذي يقل عنه ‪-‬‬
‫كالزكاة‪ -‬أم يؤخذ من قليلھا وكثيرھا ؟‬
‫‪-1‬مذھب الشافعية والمالكية الى انه ‪ :‬ال نصاب للتجارة التي يؤخذ عليھا العشور ‪.‬‬
‫‪ -2‬ومذھب الحنفية والحنبلية ‪ :‬الى انه لھا نصاب ‪.‬‬
‫فقال الحنفية ‪ :‬نصابھا نصاب الزكاة )‪ 20‬دينارا ذھبا أو مائتا درھم من الفضة(‪.‬‬
‫وقال الحنبلية ‪:‬نصابھا نصف نصاب الزكاة ‪.‬‬
‫وأرجح األقوال قول الحنابلة ‪ ،‬ألنھم اعتمدوا على نص منقول عن عمر ‪ ،‬فقد استدل الحنابلة في تحديد النصاب‬
‫بمائة درھم بما فسر به عمر بن عبد العزيز قول عمر بن الخطاب في كتابه الى زريق بن حيان ‪ ) :‬من مر بك‬
‫من أھل الذمة فخذ مما يديرون في التجارات من كل عشرين دينارا دينارا ‪ ،‬فما نقص فحساب ذلك حتى تبلغ‬
‫عشرة دنانير ‪ ،‬فإن نقصت ثلث دينار فال تأخذ منه شيئا ( ‪.‬‬
‫قال أبو عبيد في )األموال ‪): (37‬فعشرة دنانير انما ھي معدولة بمائة درھم في الزكاة وھو عندنا تأويل حديث‬
‫عمر بن الخطاب مع تفسيرعمر بن عبد العزيز ‪ ،‬وال يوجد في ھذا مفسر ھو أعلم منه ‪ ،‬وھو قول سفيان‬
‫الثوري(‪.‬‬
‫العشر يؤخذ مرة واحدة في العام ‪:‬‬
‫يرى جمھور الفقھاء ان العشر ال يؤخذ من تجارة الحربي أو الذمي ‪ ،‬اال عند دخول البضاعة البلد كما ھو الحال‬
‫في )مصلحة الجمارك الحدودية( ‪ .‬فالتاجر الذي يدخل البضاعة يدفع ضريبتھا )عشرھا أو نصف عشرھا( ثم‬
‫يعطى التاجر ايصاال بھذا وال يدفع عليھا شيئا أثناء تنقله بھا في دار االسالم ‪.‬‬
‫وال يؤخذ العشر اال مرة واحدة في السنة ‪ :‬وقد قاس بعضھم ھذا الحكم على الزكاة ‪ .‬وقد روى البيھقي عن زياد‬
‫بن حدير ‪ :‬أن أباه كان يأخذ من نصراني في كل سنة مرتين فأتى عمر بن الخطاب فقال ‪ :‬يا أمير المؤمنين إن‬
‫عاملك يأخذ مني العشر في السنة مرتين فقال عمر ‪ :‬ليس ذلك له ‪ ،‬انما له في كل سنة مرة ثم أتاه فقال ‪ :‬انا‬
‫الشيخ النصراني ‪ .‬فقال عمر ‪ :‬أنا الشيخ الحنيف قد كتبت لك في حاجتك )‪](1‬منتخب كنز العمال من مسند‬
‫أحمد ‪ 201/2‬األموال ‪..[538‬‬
‫البضائع التي يؤخذ عليھا العشر ‪:‬‬
‫يؤخذ العشر أو نصفه على كل تجارة تدخل البلد ‪ ،‬حتى الخمر والخنزير اذا سمحت الدولة االسالمية بإدخالھا‬
‫للنصارى فإنھا تعش ر ولكن ال يؤخذ العشر من أعيانھا وانما تق وم ويؤخذ العشر من أثمانھا نقدا ‪ .‬وھذا رأي‬
‫الشافعية وأبي يوسف والمالكية ورأى للحنبلية )‪](1‬أنظر آثار الحرب ‪ 536‬نقال عن اإلمام ‪ 125/4‬الخراج ألبي‬
‫يوسف ‪ 133‬الشرح الصغير ‪ .[316/1‬فقد روي عن عمر )ولو ھم بيع الخمر والخنزير بعشرھا( ‪ .‬قال أبو‬
‫عبيد ومعنى قول عمر رضي ﷲ عنه )ولو ھم بيعھا وخذوا أنتم الثمن( ‪](2) .‬االموال ص ‪ 50‬والمغني‬
‫‪.[520/8‬‬
‫وقد كان المسلمون يأخذون الخمر والخنزير جزية على الرؤوس ثم يبيعھا المسلمون فاعترض عمر على ذلك ‪،‬‬
‫وكذلك بالل رضي ﷲ عنھم ‪ ،‬أما غير الخمر والخنزير والميتة فقد يؤخذ العشر من عينھا أو من ثمنھا ‪.‬‬
‫الفرق بين تعشير الذمي والحربي )‪](3‬أنظر آثار الحرب ‪ 546‬نقال عن الخراج ‪ 133‬وحاشية الدسوقي ‪175/2‬‬
‫المغني ‪.[519/8‬‬
‫‪1‬ـالذمي يؤخذ منه نصف العشر واما الحربي فيؤخذ منه العشر‬
‫‪2‬ـالذمي يؤخذ منه نصف عشر ثمن بضاعته التي باعھا ‪ ،‬أما الحربي فيؤخذ منه عشر ثمن بضاعته عند دخول‬
‫بالدنا باع أم لم يبع ‪.‬‬
‫‪3 -‬لو كان الذمي مدينا وأثبت دينه فإنه يوضع عنه نصف العشر أما الحربي فال يصدق ‪ ،‬ويؤخذ منه العشر‬
‫ولو أثبت أنه مدين ‪.‬‬
‫آداب الجھاد‬
‫منع المثلة والتشويه‬
‫إن االسالم دين يترفع عن الدنايا وعن األعمال الخسيسة وعن األحقاد الصغيرة التي تبرز في االنتقام من جثث‬
‫الموتى ‪ .‬حتى أن سدنة الجاھلية كانوا يترفعون عن ھذا الفعل وإذا حصل فإنھم يتبرأون منه ‪ ،‬فقد قال أبو سفيان‬
‫بعد معركة أحد مخاطبا المسلمين ‪ :‬انكم ستجدون في القوم مثلة ولكني لم آمر بھا ولم تسؤني ( رواه‬
‫البخاري‪/‬العيني‪103 /‬‬
‫وقد اختلف الفقھاء حول المثلة على رأيين ‪:‬ـ‬
‫‪1‬ـالرأي األول ‪ :‬رأي الحنفية والحنبلية الذين ال يجيزون المثلة ابتداء ولكنھم يجيزونه اذا كان من قبيل الجزاء‬
‫والمعاملة بالمثل ‪.‬‬
‫‪ -2‬الرأي الثاني ‪ :‬رأي الشافعية والمالكية ‪ :‬بكراھة المثلة أو تحريمھا‪ ،‬سواء كانت مبتدأة أو معاملة بالمثل ‪.‬‬
‫تعريف المثلة ‪:‬‬
‫جاء في تھذيب اللغات للنووي )يقال مث ل بالقتيل والحيوان تمثل مثال بالتخفيف في الجميع كقتل يقتل قتال ؛ إذا‬
‫قطع أطرافه وأنفه أو أذنه أو مذاكيره ونحو ذلك ‪ ،‬واالسم ‪ :‬المثلة قالوا ‪ :‬واما مث ل بالتشديد فھو للمبالغة ‪ .‬قال‬
‫الباجي ‪ :‬يريد العبث في قتلھم بقطع األيدي ‪ ،‬واألرجل ‪ ،‬وفقء العين ‪ ،‬وقطع اآلذان ‪ ،‬وانما يقتل من أسرمنھم‬
‫بضرب الرقاب(‬
‫]أو جز المسالك ‪.[239 /8‬‬
‫وقد استدل الحنفية والحنبلية على رأيھم بحديث العرنيي ن في الصحيحين )‪](1‬العيني‪ /‬البخاري‪ 86/‬والذود‪ :‬من‬
‫ثالثة الى العشرة من االبل[‪ .‬عن انس بن مالك رضي ﷲ عنه ) ان رھطا من عكل ثمانية قدموا على النبي‬
‫صلى ﷲ عليه وسلم فاجتووا المدينة فقالوا‪ :‬يا رسول ﷲ ابغنا رسال ‪ ،‬قال ‪ :‬ما أجد لكم اال ان تلحقوا بالذود ‪،‬‬
‫فانطلقوا ‪ ،‬فشربوا من أبوالھا وألبانھا حتى صح وا وسمنوا‪ ،‬وقتلوا الراعي واستاقوا الذود ‪ ،‬وكفروا بعد‬
‫اسالمھم ‪ ،‬فأتى الصريخ النبي صلى ﷲ عليه وسلم فبعث الطلب فما ترجل النھار حتى أتي بھم ‪ ،‬فقطع أيديھم‬
‫وأرجلھم ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلھم بھا وطرحھم بالحرة يستسقون فما يسقون حتى ماتوا ؛ قال ابو قالبة‪:‬‬
‫قتلوا وسرقوا وحاربوا ﷲ ورسوله صلى ﷲ عليه وسلم وسعوا في االرض فسادا » ‪.‬‬
‫قال الكرماني ‪:‬‬
‫(انه صلى ﷲ عليه وسلم فعل بھم مثل ما فعلوا بالراعي من سمل العين ونحوه ‪ .‬ويؤول )ال تعذبوا بعذاب ﷲ (‬
‫بما إذا لم يكن في مقابلة فعل الجاني في الحديثين لموضع النھي والجزاء ‪ .‬واستدل منه النجاري أنه لما جاز‬
‫تحريق أعينھم بالنار ولو كانوا لم يحرقوا أعين الرعاء انه أولى بالجواز في تحريق المشرك اذا احرق المسلم‬
‫()‪ ] (1‬العيني‪/‬البخاري‪ [87/‬أما أنھا من قبيل المقابلة بالمثل فقد روى مسلم عن أنس )انما سمل النبي صلى ﷲ‬
‫عليه وسلم أعين العرنيين ألنھم سملوا أعين الرعاة ( وقد قام ھذا الفريق بالجمع بين احاديث النھي عن المثلة‬
‫وبين حديث العرنيين ولم يعتبروا حديث العرنيين منسوخا ‪.‬‬
‫ادلة الشافعية والمالكية‬
‫يستدلون بحديث سليمان بن بريدة عن أبيه قال ‪:‬كان رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم اذا أمر أميرا على جيش أو‬
‫سرية أوصاه ‪ ...‬اغزوا وال تغلوا وال تغدروا وال تمثلوا وال تقتلوا وليدا ( رواه البخاري وروى البخاري )نھى‬
‫رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم عن المثلة( والبيھقي )كان رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم يحثنا على الصدقة‬
‫وينھانا عن المثلة ( ‪.‬‬
‫وقد اعتبر ھذا الفريق من الفقھاء أحاديث النھي عن المثلة ناسخة لحديث العرنيين ‪.‬‬
‫قال ابن سيرين ‪ :‬بعد ذكر حديث العرنيين ‪ -‬إن ذلك قبل أن تنزل الحدود وقال سعيد بن جبير بعد ذكر حديث‬
‫العرنيين فما مثل رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم قبل وال بعد ونھى عن المثلة وقال ‪ :‬ال تمثلوا بشيء ‪.‬‬
‫الترجيح‬
‫نحن نرجح مذھب الشافعية والمالكية بمنع المثلة ألنه يتمشى مع القواعد العامة لالسالم ويتفق مع الروح التي‬
‫تسري في تعاليم ھذا الدين وقد ورد عن الزھري ‪:‬‬
‫)لم يحمل الى النبي صلى ﷲ عليه وسلم رأس قط وحمل الى أبي بكر رأس فأنكره وأول من حملت إليه‬
‫الرءوس عبد ﷲ بن الزبير يوضحه ما روى البيھقي وعبد الرزاق عن عقبة بن عامر أن شرحبيل بن حسنة‬
‫وعمرو بن العاص بعثا بريدا الى أبي بكر الصديق رضي ﷲ عنه برأس ؛ين اق» فقال ‪ :‬اتحملون الجيف الى‬
‫مدينة رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ؟ قلت ‪ :‬يا خليفة رسول ﷲ إنھم يفعلون بنا ھكذا ‪ ،‬قال ‪ :‬ال تحملوا إلينا‬
‫منھم شيئا( )‪](1‬سنن البيھقي ‪ 132/9‬منتخب كنز العمال من مسند أحمد ‪ .[323/2‬فقول أبي بكر رضي ﷲ عنه‬
‫‪ :‬يدل على منع المثلة وان كان من قبيل المعاملة بالمثل ‪.‬‬
‫التحريق بالنار ‪:‬‬
‫اختلف السلف في التحريق ‪:‬ـ‬
‫‪-1‬فكره ذلك عمر وابن عباس رضي ﷲ عنھم وغيرھما مطلقا سواء كان ذلك بسبب كفر أو في حال مقاتلة أو‬
‫قصاصا ‪.‬‬
‫‪-2‬وأجازه علي وخالد رضي ﷲ عنھما ‪.‬‬
‫وقد استدل الفريق األول ‪ :‬بحديث أبي ھريرة رضي ﷲ عنه أنه قال ‪) :‬بعثنا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم في‬
‫بعث فقال ‪ :‬ان وجدتم فالنا وفالنا فاحرقوھما في النار( )‪] (1‬رواه البخاري‪/‬فتح الباري ‪.[112/6‬‬
‫وفالنا وفالنا ھما ‪ :‬ھب ار بن االسود ونافع بن عبد قيس ‪ ،‬وكانا قد نخسا بعير زينب بنت رسول ﷲ صلى ﷲ‬
‫عليه وسلم أثناء ھجرتھا ‪ ،‬فأسقطت ‪ ،‬ومرضت ‪ ،‬وآخر الحديث في البخاري )‪...‬ثم قال رسول ﷲ صلى ﷲ‬
‫عليه وسلم حين أردنا الخروج ‪ :‬إني أمرتكم ان تحرقوا فالناوفالنا ‪ ،‬وان النار ال يعذب بھا اال ﷲ فإن‬
‫وجدتموھما فاقتلوھما(‪.‬‬
‫‪2‬ـومما استدلوا به أيضا حديث عكرمة ‪) :‬أن عليا رضي ﷲ عنه حرق قوما فبلغ ابن عباس فقال ‪ :‬لو كنت أنا‬
‫لم احرقھم ألن النبي صلى ﷲ عليه وسلم قال ‪ :‬ال تعذبوا بعذاب ﷲ ()‪ ] (1‬فتح الباري ‪.[113/6‬‬
‫أما أدلة الفريق الثاني ‪:‬‬
‫فھو كما قال المھلب ‪ :‬ھذا النھي ليس على التحريم بل على سبيل التواضع ‪ ،‬ويدل على جواز التحريق فعل‬
‫الصحابة وقد سمل النبي صلى ﷲ عليه وسلم أعين العرنيي ن بالحديد المحمى ‪ ،‬وقد حرق أبو بكر البغاة بالنار‬
‫بحضرة الصحابة ‪ ،‬وحرق خالد بن الوليد بالنار ناسا من أھل الردة ‪.‬‬
‫واكثرعلماء المدينة يجيزون تحريق الحصون والمراكب ‪.‬‬
‫وأجاز الحنفية تحريق الحصون بالنار وان كان فيھا مسلمون ‪.‬‬
‫قال السرخسي)‪] (1‬انظرالمبسوط ‪ ) .[64/01‬وال بأس بارساله الماء الى مدينة أھل الحرب ‪ ،‬واحراقھم بالنار ‪،‬‬
‫ورميھم بالمنجنيق ‪ ،‬وان كان فيھم أطفال أو ناس من المسلمين ‪ ...‬فقد نصب النبي صلى ﷲ عليه وسلم‬
‫المنجنيق على الطائف ‪ ،‬واحرق قصر عوف بن مالك ) وال يمتنع تحريق حصونھم بكون النساء والولدان فيھا‬
‫‪ ،‬وكذلك ال يمتنع تحريقھم بكون األسير المسلم فيھا ولكن يقصدون المشركين ()‪(1‬أنظر المبسوط ‪.[32/01‬‬
‫رأينا في التحريق ‪:‬‬
‫نحن نرى منع التحريق بالنار إذا استطعنا أن نقتلھم بطريقة أخرى‪ ،‬ألن األحاديث الواردة تقتضي الكراھة أو‬
‫التحريم ‪ ،‬ھذا إذا كانوا في قبضتنا وبإمكاننا قتلھم بالسيف ‪.‬‬
‫أما إذا كانوا في مدينة ممتنعة ‪ ،‬أوحصن حصين ‪ ،‬أو مركب في بحر‪ ،‬ونحن نريد أن نقتلھم من بعيد ‪ ،‬فال بأس‬
‫من استعمال النار للحريق والقتل ‪.‬‬
‫وفي االصول ‪ :‬إذا تعارض النھي مع اإلباحة قدم النھي ‪ ،‬فھنالك أحاديث في النھي وھنالك حديث العرنيين يبيح‬
‫فيقدم النھي على االباحة ‪ ،‬كما يقدم الحرام على الواجب والمندوب والمباح ‪ ،‬ويقدم المكروه على المباح‬
‫والمندوب ‪.‬‬
‫قال الشافعي)‪] (1‬األم للشافعي ‪) .[162 /4‬وإذا أسر المسلمون المشركين فأرادوا قتلھم ‪ ،‬قتلوھم بضرب‬
‫األعناق ولم يجاوزوا ذلك الى أن يمثلوا بقطع يد ‪ ،‬والرجل ‪ ،‬وال عضو ‪ ،‬وال مفصل ‪ ،‬وال بقر بطن ‪ ،‬وال‬
‫تحريق ‪ ،‬وال تفريق ‪ ،‬وال شيء يعدو ماوصفت الن رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم نھى عن المثلة وقتل من قتل‬
‫كما وصفت ( ‪.‬‬
‫دفن جيف المشركين وعدم أخذ اثمان جيفھم ‪.‬‬
‫وھذا باب في البخاري )‪] (2‬العيني ‪ /‬البخاري‪ 251 /‬وفتح الباري ‪.[217/6‬‬
‫ومن آداب الجھاد دفن جيف أجساد القتلى من المشركين ‪ ،‬واذا أرادوا أخذھا ودفع ثمنھا فاألولى عدم أخذ الثمن‬
‫‪ .‬فقد ألقى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم جثث زعماء قريش يوم بدر في القليب ‪ ،‬وحفر لبني قريظة الخنادق‬
‫عند قتلھم ‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن اسحق في المغازي أن المشركين سألوا النبي صلى ﷲ عليه وسلم أن يبيعھم جسد نوفل بن عبد ﷲ‬
‫بن المغيرة وكان اقتحم الخندق فقال النبي صلى ? عليه وسلم )الحاجة لنا بثمنه وال جسده( فقال ابن ھشام ‪:‬بلغنا‬
‫عن الزھري انھم بذلوا فيه عشرة آالف ( )‪] (2‬المبسوط للسرخسي ‪) .[128/01‬عن بيع جيف الكفار ‪ ،‬قال أبو‬
‫يوسف ‪ :‬قال أبو حنيفة ‪ :‬ال بأس به في دار الحرب ‪ ،‬قال أبو يوسف‪ :‬أكره ذلك وأنھى عنه(‪.‬‬
‫النھي عن السفر بالمصحف الى أرض الكفار‬
‫فقد روى البخاري عن عبد ﷲ بن عمر رضي ﷲ عنھما ‪) :‬أن رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم نھى أن يسافر‬
‫بالقرآن الى أرض العدو( )‪] (1‬فتح الباري ‪.[100/6‬‬
‫قال مالك ‪ :‬وانما ذلك لمخافة أن يناله العدو ‪.‬‬
‫واختلف الفقھاء في حكم السفر بالقرآن الى أرض الكفار على أقوال‪:‬‬
‫‪1‬ـفذھب الشافعية والحنفية والبخاري ‪ :‬الى جواز السفر بالقرآن إذا أمنا على المصحف من االستھانة‬
‫واالستخفاف من قبل الكافر ‪.‬‬
‫قال النووي ) فيه النھي عن السفر بالمصحف الى أرض الكفار للصلة المذكورة ‪ ،‬وھي مخافة أن ينالوه‬
‫فينتھكوا حرمته ‪ ،‬فإذا أمنت ھذه العلة بأن يدخل في جيش المسلمين الظاھرين عليھم فال كراھة وال منع عنه‬
‫حينئذ لعدم العلة ھذا ھو الصحيح ( ‪.‬‬
‫‪ -2‬وذھب مالك وأصحابه الى عدم الجواز مطلقا ‪.‬‬
‫ونحن نرجح المذھب األول ‪ :‬القائل بالجواز إذا أمن االستخفاف بالمصحف ونقول ‪ :‬لم تكن المصاحف مطبوعة‬
‫بھذا الشكل وھذا الحجم الصغير الذي يوضع في الجيب الصغير ‪ ،‬ويحفظ ويؤمن عليه ‪ .‬ونقول كذلك ‪ :‬كيف‬
‫يمكن للمسلم أن يسافر الى بالد الكفر دون أن يكون معه زاده )الكتاب والسنة( ‪.‬‬
‫وإني ألعجب من الشاب المسلم الذي أسأله في أرض المعركة أين مصحفك فيقول نسيته في بيشاور ‪ .‬إن ھذا‬
‫الجواب يھزني ‪ .‬كيف بامكان المسلم أن يعيش دون كتاب ربه في أرض الرباط سنة أو أكثر أو أقل ‪ ،‬دون أن‬
‫يكون معه حبيبه الذي به يترنم ويتنعم ويأنس ويفرح ؟ !‬
‫أمر عجيب غريب ال تحتمله نفسي ‪.‬‬
‫بيع القرآن للكافر‬
‫ال خالف في تحريم بيع المصحف للكافر حتى ال يستھين به ‪.‬‬
‫إھداء القرآن للكافر‬
‫قال الباجي )المالكي( ولو أن أحدا من الكفار رغب أن يرسل إليه بمصحف يتدبره ‪ ،‬لم يرسل إليه ألنه نجس‬
‫جنب ال يجوز له مس المصحف ‪] (1) .‬أوجز المسالك الى موطأ مالك ‪. [218/8‬‬
‫كتابة رسالة لكافر فيھا آيات قرآنية‬
‫أما ھذه فال خالف في جوازھا ألن رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم كتب الى ھرقل )يا أھل الكتاب تعالوا الى‬
‫كلمة سواء ‪. (....‬‬
‫ومن آداب الجھاد‬
‫منع قتل الضعفاء )غير المقاتلة(‬
‫لقد شرع االسالم القتال لتحطيم الحواجز أمام الدعوة االسالمية ‪ ،‬سواء كانت ھذه الحواجز عقبات سياسية ‪ ،‬أو‬
‫عسكرية ‪ ،‬أو اقتصادية ‪ ،‬أو اجتماعية ‪.‬‬
‫ولذا فإننا نرى في التوجيھات النبوية الكريمة للغزاة ما يحرم قتل النساء والولدان في روايات كثيرة والسبب‬
‫أنھم ال يقاتلون واتفق الجميع ‪ -‬كما قال ابن بطال وغيره ‪ -‬على منع القصد الى قتل النساء والولدان ‪ ،‬أما النساء‬
‫فلضعفھن ‪ ،‬وأما الولدان فلقصورھم عن فعل الكفر ‪ ،‬ولما في استبقائھم جميعا من االنتفاع بھم )‪](1‬فتح الباري‬
‫‪.[111/6‬‬
‫وقد روى الطحاوي عن تسعة أناس من الصحابة ؛ النھي عن قتل النساء والصبيان )‪](2‬العيني‪ /‬البخاري‬
‫‪.[80/15‬‬
‫قال النووي ‪] (3) :‬النووي ‪/‬مسلم ‪.[48/12‬‬
‫أجمع العلماء على تحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا ‪ ،‬فإن قاتلوا ؛ قال جماھير العلماء ‪ :‬يقتلون ‪.‬‬
‫القاعدة )من قاتل يقتل(‬
‫القاعدة من قاتل يقتل ولو كان امرأة أو راھبا أو خادما ‪.‬‬
‫فقد ورد النھي عن قتل النساء والولدان في الصحيحين بروايات كثيرة ‪ ،‬ھذا في الحاالت العادية ‪ ،‬منھا حديث‬
‫ابن عمر رضي ﷲ عنھما قال ‪) :‬وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم فنھى‬
‫رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان( )‪](4‬المصادر الثالثة السابقة[‪.‬‬
‫أما إذا قاتلت المرأة فإنھا تقتل عند جمھور الفقھاء ‪ ،‬فقد قتل صلى ﷲ عليه وسلم امرأة يھودية يوم قريظة ألنھا‬
‫ألقت رحى على محمود بن مسلمة ‪ ،‬وقتل الزبير بن باطا يوم االحزاب ‪ ،‬وكان أعمى لمظاھرته على المسلمين‬
‫مع قومه ‪.‬‬
‫أما المالكية فإنھم بالغوا كثيرا في حقن دم المرأة ولو شاركت في القتال بالصياح أو الحراسة علي االسوار كما‬
‫قال الباجي وابن سحنون ‪] (5) .‬أوجز المسالك ‪.[222/8‬‬
‫واستدل المالكية بعدم قتل المرأة ولو شاركت في الصياح ضد المجاھدين بالحديث الذي رواه مالك في الموطأ‬
‫عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ‪) :‬نھى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم الذين قتلوا بن أبي الحقيق عن قتل‬
‫النساء والولدان ‪ ،‬قال ‪ :‬فكان رجل منھم يقول ‪ :‬برحت بنا امرأة ابن أبي الحقيق بالصياح فأرفع السيف ‪ ،‬ثم‬
‫أذكر نھي رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم فأكف ولوال ذاك السترحنا( ]أوجز المسالك ‪. [220/8‬‬
‫ومعنى برح به ‪ :‬شق عليه ‪ ،‬وبرح الخفاء إذا ظھر ‪.‬‬
‫والرأي الراجح الذي نميل اليه ‪ :‬أنھا إن شاركت في القتال برأي ‪ ،‬أو صياح ‪ ،‬أو حراسة ‪ ،‬فإنھا تقتل ‪ ،‬وھذا‬
‫رأي الشافعية ‪.‬‬
‫قتل األجير والفالحين الذين يعملون في أراضيھم‬
‫يرى بعض الفقھاء أن األجير ال يقتل ألنه ال يتدخل في الحرب ‪ ،‬وكذلك الفالحون الذين ال صلة لھم بھذه‬
‫االمور وال يشاركون ال برأي وال بيد ‪ ،‬وقد استدلوا برواية أبي داود والنسائي وابن حبان لحديث رباح بن‬
‫الربيع أن رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم قال ‪ ) :‬كنا مع رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم في غزوة فرأى الناس‬
‫مجتمعين ‪ ،‬فرأى امرأة مقتولة ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما كانت ھذه لتقاتل ‪ ...‬فقال ألحدھم ‪ :‬إلحق خالدا فقل له ال تقتل ذرية‬
‫وال عسيفا ( ]فتح الباري ‪.[111/6‬‬
‫والعسيف ‪ :‬ھو األجير وزنا ومعنى ‪.‬‬
‫وقد روى االمام أحمد والبيھقي )نھى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم عن قتل الوصفاء ‪-‬العبيد ‪ -‬والعسفاء ( ‪.‬‬
‫أما الفالحون فقد جاء في كتاب عمر ) اتقوا ﷲ في الفالحين فال تقتلوھم اال أن ينصبوا لكم الحرب ( البيھقي‬
‫‪ 91/9‬وكذلك التجار فقد روى البيھقي ) كان أصحاب رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ال يقتلون تجار المشركين‬
‫( البيھقي ‪99/9‬‬
‫قتل الرھبان‬
‫يرى جمھور الفقھاء ‪-‬عدا الشافعية‪ -‬أن الراھب المعتزل في صومعته ‪ ،‬وال يختلط بالناس فإنه ال يقتل ‪.‬‬
‫وأما الشمامسة )كبار القوم وأئمة الكفر( فإنھم يقتلون ألن النصارى يصدرون عن آرائھم غالبا ‪.‬‬
‫وكذلك يقتل القسيس الذي في الكنيسة ويختلط مع الناس ‪.‬‬
‫أما الشافعية ‪ :‬فيرون قتله على كل حال ألنھم يقتلون ماعدا النساء والولدان الذين خصصھم النص عن اآلية‬
‫الكريمة )فاقتلوا المشركين ‪(....‬‬
‫ويستدل للشافعية بحديث رواه احمد ‪ ،‬وابو داود والترمذي وصححه عن سمرة بن جندب أن رسول ﷲ صلى‬
‫ﷲ عليه وسلم قال ‪) :‬اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخھم ( ]الترمذي ‪.[399/2‬‬
‫واستدل الجمھور بأحاديث رواھا أحمد والبيھقي عن ابن عباس رضي ﷲ عنھما )ال تقتلوا أصحاب الصوامع(‪.‬‬
‫وبوصية أبي بكر ليزيد بن أبي سفيان رضي ﷲ عنھم )انك ستجد قوما زعموا أنھم حبسوا أنفسھم ? ‪ ،‬فدعھم‬
‫وما حبسوا أنفسھم له ‪ ،‬وستجد قوما فحصوا من أوساط روؤسھم من الشعر فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف(‬
‫)‪] (1‬أوجز المسالك ‪.[277/8‬‬
‫ومعنى زعموا أنھم حبسوا أنفسھم ? ‪ :‬قال الباجي المالكي ‪ ):‬يريد الرھبان الذين حبسوا أنفسھم عن مخالطة‬
‫الناس ‪ ،‬وأقبلوا على ما يد عون من العبادة ‪ ،‬وكفوا عن معاونة أھل ملتھم برأي ‪ ،‬أو مال ‪ ،‬أو حرب ‪ ،‬أو اخبار‬
‫فھؤالء ال يقتلون سواء كانوا في صوامع أو ديارات )أديرة( أو غيران ‪ -‬مغاور ‪ -‬أما رھبان الكنائس فقال ابن‬
‫حبيب المالكي يقتلون ألنھم لم يعتزلوا أھل ملتھم ( وال يسبى الرھبان وال يخرجون من صوامعھم بخالف‬
‫الشافعي في قوله يسبون ويسترقون( )‪] (1‬أوجز المسالك ‪.[277/8‬‬
‫وفي المبسوط )‪] (1‬المبسوط )‪ .[ (127/10‬عن قتل الضعفاء )قال أبو يوسف سألت أبا حنيفة عن قتل النساء ‪،‬‬
‫والصبيان ‪ ،‬والشيخ الكبير الذي ال يطيق القتال ‪ ،‬والذين بھم زمانة ال يطيقون القتال ‪ ،‬فنھى عن ذلك وكرھه‪.‬‬
‫وعن قتل الرھبان ‪ :‬قال أبو يوسف ومحمد ورواية الس ير الكبير عن أبي حنيفة ‪ :‬ال يقتلون‪.‬‬
‫وفي رواية ‪ :‬قال أبو يوسف ‪ :‬سألت أبا حنيفة عن أصحاب الصوامع ‪ ،‬والرھبان ‪ ،‬فرأى قتلھم حسنا وقال‬
‫ھؤالء أئمة الكفر ‪.‬‬
‫والجمع بين روايتي أبي حنيفة ‪ :‬الخلطة مع الناس ‪ .‬فمن اختلط يقتل ومن لم يختلط ال يقتل (‬
‫قال ابن عابدين ‪ :‬وفي الس ير الكبير ‪ :‬ال يقتل الراھب في صومعته‪ ،‬وال أھل الكنائس الذين ال يخالطون الناس‬
‫‪ ،‬فإن خالطوا قتلوا كالقسيس ‪.‬‬
‫ومعنى )فحصوا عن أوساط رءوسھم من الشعر( فحصوا ‪ :‬كشفوا أوساط رءوسھم بالحالقة وھم الشمامسة‬
‫)رؤساء النصارى جمع شماس( فاضربواما فحصوا عنه بالسيف ‪ :‬اقتلوھم ‪.‬‬
‫مال الراھب ‪:‬‬
‫روى ابن نافع عن مالك في الراھب له الغ ن ي م ة )الغنم القليل( والزرع في أرض الروم ‪ ،‬أنه ال يعرض له‬
‫وذلك يسير وال يعرض لبقره وال لغنمه إذا عرف أنھا له وقال سحنون ‪ :‬معنى قول مالك إذا كان قليال قدر‬
‫عيشه ‪ ،‬واما ماجاوز ذلك فال يترك له ‪ .‬ومعنى قول سحنون ‪ :‬الن في استئصال ماله قتل له أو إنزاله عن‬
‫موضعه وھذا غير جائز )‪] (1‬أوجز المسالك ‪.[228/8‬‬
‫متى يرفع الحرج في قتل النساء والصبيان والضعفاء‬
‫يرفع الحرج ويزول االثم إذا قتل الضعفاء في حالتين ‪:‬‬
‫‪1‬ـحالة الغارات والقصف الثقيل ‪ :‬بالھاون والمدافع ‪ ،‬على المدن ‪ ،‬والمعسكرات ‪ ،‬والقرى ‪ ،‬والتجمعات الكافرة‬
‫‪ .‬وھذا رأي جمھور الفقھاء ؛ استنادا الى حديث البخاري عن الصعب بن جثامة رضي ﷲ عنه قال )مر بي‬
‫النبي صلى ﷲ عليه وسلم باألبواء أو بودان فسئل عن أھل الدار يبي تون من المشركين ‪ ،‬فيصاب من نسائھم‬
‫وذراريھم قال ‪ :‬ھم منھم ()‪ ] (1‬فتح الباري ‪. 111[/ 6‬‬
‫ومعنى يبي تون ‪ :‬أي يھجم عليھم أثناء البيات في الليل ‪ ،‬والرجال مختلطون بالنساء والولدان قال ھم منھم ‪ :‬ال‬
‫يعني جواز قتلھم قصدا وانما حكمھم كحكم آبائھم ‪ :‬في رفع اإلثم ‪ ،‬ونفي الحرج ‪ ،‬إذا لم نستطع الخالص‬
‫والوصول الى آبائھم اال بقتلھم ‪.‬‬
‫وقد جمع الفقھاء بين ھذا الحديث وحديث ) النھي عن قتل النساء والولدان ( بأن اإلثم رفع في ھذه الحالة بسبب‬
‫اختالطھم وال يكلف ﷲ نفسا اال وسعھا والطاعة على قدر الطاقة ‪.‬‬
‫وفي حالة )النھي عن قتلھم( عندما ينفردون عن بعضھم ويمكننا عدم قتلھم عند قتل آبائھم ؛ فھنا يحرم قتلھم إذا‬
‫كانوا أسرى بقبضتنا وتحت أيدينا ‪.‬‬
‫‪2‬ـحالة التترس ‪ :‬الحالة الثانية التي يرفع فيھااإلثم والحرج في قتل الضعفاء ‪ :‬إذا اتخذ الكفار أطفالھم ‪ ،‬ونساءھم‬
‫‪ ،‬أو أسرى المسلمين ترسا )سدا( أمامھم يتقون به من ضربات المسلمين ‪.‬‬
‫وقد نص جمھور الفقھاء على أنه يجوز رمي ھذا الترس المكون من مجموعة ال يجوز قتلھا وال قتالھا إذا‬
‫انفردت ‪ .‬فدماء أسرى المسلمين حرام وال يجوز قتلھم وكذلك أطفال الكفار ‪ .‬وفي ھذه الحالة يقصف الكفار‬
‫ونقصد قتلھم دون قتل من ح رم قتلھم ‪ .‬فإن قتل بعض ھؤالء فال إثم على المجاھدين وال حرج ؛ ألن ھؤالء‬
‫غير مقصودين ‪.‬‬
‫وقد عجبت لإلمام مالك واالوزاعي ‪ :‬أنھما يخالفان اتفاق األغلبية من الفقھاء فقد قاال ‪ ) :‬ال يجوز قتل النساء‬
‫والصبيان بحال ‪ ،‬حتى لو تترس أھل الحرب بالنساء والصبيان ‪ ،‬أو تحصنوا بحصن أو سفينة ‪ ،‬وجعلوا معھم‬
‫النساء والصبيان ؛ لم يجز رميھم وال تحريقھم( ]أوجز المسالك ‪.[224/10‬‬
‫ولعل مالكا يرى أن حديث الصعب منسوخ ‪ ،‬فقد أشار الزھري الى نسخ حديث الصعب بن جثامة ‪ ،‬فقد أخرج‬
‫أبو داود رواية الصعب عن طريق الزھري وذكر في آخره قال الزھري ‪ :‬ثم نھى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه‬
‫وسلم بعد ذلك عن قتل النساء والولدان ‪.‬‬
‫ورأي الجمھور ھو األرجح ألنھم يجمعون بين الحديثين ‪ .‬وقد أوصى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم يوم الفتح‬
‫بمجموعة من الكفار بالقتل فقال‪) :‬اقتلوھم ولو وجدتموھم معلقين بأستار الكعبة ( منھم جاريتان لعبد المطلب (‬
‫‪.‬‬
‫‪- 3‬الحالة الثالثة ‪ :‬التي يقتل فيھا ھؤالء الضعفاء ولو انفردوا واستقلوا إذا شاركوا في المعركة برأي أو فعل‬
‫أومال ‪:‬‬
‫فقد ثبت في الصحيحين أن دريد بن الصمة قتل وعمره مائة وعشرون عاما وھو أعمى ‪ ،‬ألنه شارك في غزوة‬
‫حنين برأيه ونصحھم أن يرجعوا النساء والولدان ‪ ،‬فأبى عليه القائد مالك بن عوف ‪ .‬فقتله أبو عامر االشعري‬
‫بعد النصرفي حنين وأوطاس ‪.‬‬
‫وقتل المسلمون اليھودية التي قتلت محمود بن مسلمة بإلقاء الرحى عليه يوم قريظة ‪.‬‬
‫قال النووي ‪ ) :‬أجمع العلماء على تحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا فإن قاتلوا ‪ ،‬قال جماھير العلماء ‪:‬‬
‫يقتلون(‪.‬‬
‫رأينا في المسألة‬
‫نحن نرى أن المالكية قد تشددوا كثيرا في منع قتل النساء والولدان والعجزة والرھبان حتى في حالة التترس ‪،‬‬
‫فقد وقف المالكية على طرف نقيض لموقف الشافعية الذين أباحوا قتل الرھبان وكبار السن وكل من عدا النساء‬
‫والولدان ‪.‬‬
‫ونحن نرى كما يرى الحنفية في جواز قتل ھؤالء جميعا إن اختلطوا في حالة التترس والغارات ‪ .‬ونرى عدم‬
‫قتلھم جميعا إذا انفردوا عن المقاتله‪.‬ألن الصلة في القتل ھي المقاتلة ‪ :‬فمن كان من الكفار ذا قدرة علي القتال‬
‫قاتلناه ‪ ،‬ولذا فإنا نرى الحنفية ينصون في باب الجزية أن ھؤالء جميعا ال تؤخذ منھم الجزية النھم ليسوا أھل‬
‫القتال ‪.‬‬
‫قال الجصاص )‪] (1‬أنظر أحكام القرآن للجصاص ‪) .[289/4‬ولذا قال أصحابنا ‪ :‬إن لم يكن من أھل القتال فال‬
‫جزية عليه فقالوا ‪ :‬من كان أعمى ‪ ،‬أو زمنا‪ ،‬أو مفلوجا ‪ ،‬أو شيخا كبيرا فانيا وھو موسر ‪ ،‬فال جزية عليه ‪.‬‬
‫وھو قولھم جميعا في الرواية المشھورة ‪ ..‬وكذلك النساء والصبيان ال جزية عليھم إذ ليسوا من أھل القتال ‪...‬‬
‫كتب عمر الى أمراء الجيوش أن ال يقاتلوا اال من قاتلھم (‪.‬‬
‫والحق أن رأي الحنفية في ھذا الباب راجح واضح ‪.‬‬
‫أما الشافعية ‪ :‬فإن العلة في القتل ھي الكفر ألن ﷲ عزوجل يقول )فإذا انسلخ االشھر الحرم فاقتلوا المشركين‬
‫حيث وجدتموھم ( وال يخصص من ھذا العموم اال النساء والصبيان وما عدا ھؤالء يقتلون ‪.‬‬
‫وأما الرھبان فكذلك نأخذ برأي الحنفية وھو رأي الجمھور ‪ :‬أن الراھب الذي ال يخالط الناس ال يقتل ‪ ،‬أما‬
‫القساوسة الذين يخالطون الناس فيقتلون وأما الشيخ الھرم فكذلك نأخذ برأي الحنفية وھو رأي الجمھور من‬
‫المالكية والحنبلية أن ال يقتل ‪ :‬قال الباجي المالكي في شرح وصية أبي بكرليزيد بن أبي سفيان رضي ﷲ عنھم‬
‫‪) :‬يريد الشيخ الھرم الذي بلغ من السن ما ال يطيق القتال ‪ ،‬وال ينتفع به في رأي ‪ ،‬وال مدافعة ‪ ،‬فھذا مذھب‬
‫جمھور الفقھاء أن ال يقتل ‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة ‪ ،‬ومالك ‪ ،‬وللشافعي قوالن‪ :‬احدھما مثل قول الجماعة ‪ ،‬والثاني‬
‫يقتل ‪ ،‬والدليل لما نقوله ‪ ،‬قول أبي بكر رضي ﷲ عنه وال مخالف له فثبت أنه إجماع ()‪ ](1‬أوجز المسالك‬
‫‪.[231/8‬‬
‫واالدلةوالعقل بجانب الحنفية في ھذا الموضوع ‪ ،‬وإن النفس لتشمئز من قتل شيخ كبير في السبعين من عمره ‪،‬‬
‫أو قتل راھب منعزل عن الحياة والناس ‪ .‬فكيف إذا كانت النصوص تدعم ھذا الرأي ‪.‬‬
‫قطع الشجر وتدمير البنيان‬
‫ذھب جمھور الفقھاء من المالكية والشافعية والحنفية الى جواز ذلك ‪ .‬ألن رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم قطع‬
‫بعض نخيل بني النضير ‪ ،‬وبعض أعناب الطائف ‪،‬وبعض نخيل خيبر ‪ ،‬ونصب المنجنيق على الطائف ‪،‬‬
‫وأرسل أسامة بن زيد الى أبنى وقال له ‪) :‬غر على أبنى صباحا وحر ق ( ‪.‬‬
‫قال الباجي ‪:‬‬
‫)أما ما كان من البالد مما يرجى أن يظھر عليه المسلمون فإنه ال يقطع شجره المثمر‪ ،‬وال يخرب عماره ‪ ،‬لما‬
‫يرجى من استيالء االسالم عليه وانتفاعھم به ‪ ،‬وما كان بحيث ال يرجى مقام المسلمين به لبعده في بالد الكفر ‪،‬‬
‫فإنه يخرب عامره ويقطع شجره المثمر وغيره ‪ ،‬ألن في ذلك إضعافا لھم وتوھينا واتالفا لما يتقوون به على‬
‫المسلمين ‪.‬‬
‫قال مالك ‪:‬‬
‫انما نھى الصد يق عن إخراب الشام ؛ ألنه علم مصيرھا للمسلمين ‪.‬‬
‫قال الشافعي في األم ‪:‬‬
‫)يقطع النخل ويحرق كل ما ال روح فيه ( ‪.‬‬
‫أما الحنابلة واألوزاعي ‪ :‬فقد خالفوا الجمھور في ھذا ‪ ،‬فقد كره أحمد تخريب العامر اال من حاجة لذلك ‪ ،‬قال‬
‫الخرقي ‪:‬‬
‫)ال يقطع شجرھم ‪ ،‬وال يحرق زرعھم ؛ اال أن يكونوا يفعلون ذلك في بالدنا ‪ ،‬فيفعل ذلك لينتھوا ( ‪.‬‬
‫رأينا‬
‫نرجح رأي الجمھور ألن كل ما فيه توھين للعدو يفعل ‪ ،‬إال ما ورد فيه نص بالنھي ‪.‬‬
‫قتل الحيوانات‬
‫‪1‬ـذھب الحنفية والمالكية الى جوازقتل حيوانات الكفار كلھا إذا عجزنا عن أخذھا ‪ ،‬سواء كانت مأكولة كاالنعام‬
‫‪) :‬االبل والغنم والبقر( ‪ ،‬أو مركوبة كالخيل والبغال والحمير ‪ ،‬ألن فعل كل مافيه إنھاك للعدو وإضعاف لقوته‬
‫فھو جائز حتى نص المالكية ‪ :‬أنه يجوز قتل الحيوانات المأكولة ‪ ،‬واذا كان الكفار يرون جواز أكل الميتة ؛‬
‫فإنھا تحرق حتى ال يستفيدوا منھا ‪.‬‬
‫‪ -2‬ذھب الشافعية والحنبلية ‪ :‬الى عدم جواز قتل أو عقر أو حرق الحيوانات التي ال نستطيع أخذھا من الكفار ‪.‬‬
‫واستدلوا بوصية أبي بكر رضي ﷲ عنه )وال تعقرن شاة وال بعيرا اال ألكله وفي رواية )اال لمأكله( ‪ .‬وقد نھى‬
‫رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم عن قتل شيء من الدواب صبرا ( ‪.‬‬
‫رأينا‬
‫نرجح رأي الحنفية والمالكية ؛ بجواز قتل الحيوانات التي ال نستطيع إخراجھا الى بالدنا ‪ ،‬وذلك الن بقاءھا قوة‬
‫للعدو ‪ ،‬فإذا كان بيع الخيول الى الكفار أثناء الحرب للبيع حرام ‪ ،‬فكيف نتركھا لھم بدون عوض ؟ ‪.‬‬
‫أبو بكر يرسم خطة الجھاد ليزيد رضي ﷲ عنھم ‪:‬‬
‫خطوط رئيسية في آداب الجھاد‬
‫رسم أبو بكر رضي ﷲ عنه معالم واضحة ‪ ،‬وخطوطا واضحة في سياسة التعامل مع الكفار أثناء الجھاد ‪،‬‬
‫فقد أوصى يزيد بن أبي سفيان لما شيعه ماشيا ووجھه الى الشام فقال ‪ :‬وإني قد وليتك ألبلوك وأجربك‪ ،‬فإن‬
‫أحسنت رددتك الى عملك وزدتك وإن أسأت عزلتك ‪ .‬فعليك بتقوى ﷲ فإنه يرى من باطنك مثل الذي يرى من‬
‫ظاھرك ‪ ،‬وإن أولى الناس با? أشدھم توليا له ‪ ،‬وأقرب الناس من ﷲ أشدھم تقربا إليه بعمله ‪.‬‬
‫وقد وليتك عمل خالد ‪.‬‬
‫فإياك وعبية الجاھلية ‪ ،‬فإن ﷲ يبغضھا ويبغض أھلھا ‪ ،‬وإذا قدمت على جندك فأحسن صحبتھم ‪ ،‬وابدأھم‬
‫بالخير ‪ ،‬وعدھم إياه ‪ ،‬وإذا وعظتھم فأوجز ‪ ،‬فإن كثير الكالم ينسي بعضه بعضا ‪ ،‬وأصلح نفسك يصلح لك‬
‫الناس ‪ ،‬وصل الصلوات ألوقاتھا باتمام ركوعھا وسجودھا ‪ ،‬والتخشع فيھا ‪ ،‬وإذا قدم عليك رسل عدوك‬
‫فأكرمھم ‪ ،‬وأقلل لبثھم ‪ ،‬حتى يخرجوا من عسكرك وھم جاھلون به ‪ ،‬وال تري ثھم ‪ -‬وﷲ اعلم ‪ -‬فيروا خللك ‪،‬‬
‫ويعلموا علمك ‪ ،‬وأنزلھم في ثروة عسكرك وامنع من قبلك من محادثتھم وكن أنت المتولي لكالمھم ‪ .‬وال تجعل‬
‫سرك لعالنيتك فيخلط أمرك ‪ ،‬وإذا استشرت فاصدق الحديث لصدق المشورة ‪ ،‬وال تخزن عن المشير خبرك‬
‫فتؤتى من قبل نفسك ‪ ،‬واسمر با لليل في أصحابك تأتك األخبار وتنكشف عندك األستار ‪ ،‬وأكثر حرسك وبددھم‬
‫في عسكرك ‪ ،‬وأكثر مفاجأتھم في محارسھم بغير علم منھم بك ‪ ،‬فمن وجدته غفل عن حرسه فأحسن أدبه‬
‫وعاقبه في غير إفراط ‪ ،‬واعقب بينھم في الليل‪ ،‬واجعل النوبة االولى أطول من األخيرة فإنھا أيسرھما لقربھا‬
‫من النھار ‪ ،‬وال تخف من عقوبة المستحق ‪ ،‬وال تتجن فيھا ‪ ،‬وال تسرع إليھا ‪ ،‬وال تغفل عن أھل عسكرك‬
‫فتفسده ‪ ،‬وال تجسس عليھم فتفضحھم ‪ ،‬وال تكشف عن الناس أستارھم ‪ ،‬واكتف بعالنيتھم ‪ ،‬وال تجالس العب‬
‫اثين ‪ ،‬وجالس أھل الصدق والوفاء واصدق اللقاء ‪،‬‬
‫وال تجبن فيجبن الناس ‪،‬‬
‫واجتنب الغلول فإنه يقرب الفقر ويدفع النصر وستجدون أقواما حبسوا أنفسھم في الصوامع فدعوھم وما حبسوا‬
‫أنفسھم له(‪.‬‬

You might also like