Professional Documents
Culture Documents
الصياد و الشبل
الصياد و الشبل
ال َّ
َّطها َن ْه ٌر ٍ
جار َملِي ٌء تالل خضرا َء يا ِن َعةٍ ،يتوس ُ
ٍ صيَّا ُد " َعلِيٌّ " يعيشُ في قرية يتكلَّ ُم أهْ لُها األمازي ِغ َّي َة ،قرية جميلة تقع على بين
كان ال َّ
باألسماكِ ،يصطاد كغيره من أهالي القرية بزورقه الصغير بعض السمك ويذهب به إلى سوق المدينة فيبيعه هناك ،فيحصل مور ًدا كافيًا
جوار ِحهِ ،ي َُج ِّدفُ زور َق ُه ناطقة بكل جارح ٍة من ً ِين ،كان "علي" رجاًل كبيرً ا في السن ،لكنَّ العافِ َي َة كانت له ولزوجته وأمه المجاوزة َّ
للـثمان َ
ِ
ْعين من عمره ،لم يُرْ َز ْق "عليٌّ " أبْناء ،ومع ذلك فقد كان بقوة قد ال ُت ْلفِيها في شباب العشرين والثالثين ،وهو الرجل الذي أشرف على ال َّسب َ
ُّ
كثيرا على نعمه ،لم يُعْ َرفْ عنه أنه َب ِر َم يومًا من الحِرْ مان من الذرِّ يَّة؛ فهو يع َت ِب ُر أبناء القرية أبناءه ،وهم َ راضيًا ب َقدَ ِره ،وكان يح َمد هللا
ضا كانوا ينادونه بالعم "علي ".أي ً
حذره
َ ِّ
ومتوخيًا لم تكنْ رحل ُة الصيد سهلة؛ فقد كان الع ُّم "عليٌّ " ي ْق َط ُع ألجلها مسافة طويلة سيرً ا على األقدام ،متوغاًل بين األشجار الكثيفة،
من األفاعي والعناكب السامة ،وبعض المفترسات التي قد تجوب المكان أحيا ًنا؛ لذلك كان أهالي القرية يتجنبون التوغل كثيرً ا في أعماقها؛
خو ًفا على أنفسهم من مفترس ضارٍّ ؛ كال ِّدببة التي قد تترك أمكنة صيدها تع ُّقبًا لعسل النحل الذي كان منتشرً ا في أماكن متفرقة من الغابة،
أو مجموعات الذئاب التي كان ع َُواؤها يصل إلى مسامع أهل القرية لياًل ،دون أن تجرؤ على الوصول إلى تجمعات السكان ،بخالف
بحث ا عن األسماك ،متعقبة زوارق الصيد الصغيرة ،فهي تعلم بذكائها أنها وسائل للحصول على الدببة التي كانت تقترب أكثر من النهر؛ ً
السمك ،فقد كان بعض الصيادين يُلقُ ون إليها ببعض الصيد حينما يجود النهر عليهم بسمك وفير ،كانت الدببة معتاد ًة صنيع اإلنسان؛ لذلك
ِحام تجمُّعاته السَّك ِنيَّة؛ لذلك لم ت ْش َه ِد القري ُة صِ دامًا بين اإلنسان وال ِّد َب َبة على اإلطالق ،وأغلب أمكنة صيدها ُأ
لم تكن ت َت َجرَّ على أذ َّي ِتهِ ،أو ا ْقت ِ
صيَّادين ،فكان بعضها ال يجهد نفسه في عناء التر ُّقب كانت تقع عند جُرْ فٍ صخريٍّ تتجم ُع فيه األسماكُ ،غي َْر أنها اعْ ْ
تادَت على َعطا ِء ال َّ
.والصيد
"علِيٌّ " من أكثر الصيادين عطا ًء لل ِّد َب َب ة خاصة تلك الصغيرة منها ،مما لم يكن يجيد فن الصيد بعد ،فهو ال يحتاج غير قليل من
كان العم َ
ص ْي ِد ،بل كان إذا حصل الكثير منه جاد ببعضه على أطفال القرية؛ حتى ال َي ْف ُس َدالسمك؛ إذ ال أبناء له كي يعولَ ُه ْم ،ف َي ْكفِي ِه القلي ُل من ال َّ
ريز ،وقد ِن َح ٍ َ ُ
يعشق الذهاب إلى الغابة والصيد هناك ،ينصِ بُ الفِخاخ وينتظ ُر في مكان آم ٍ ويضيع ،فهو ال ُيحِبُّ ْأك َل ال َّسمك كثيرً ا؛ لذا كان َ
دَجَّ َج نفسه بسهام ورمح ال تخطئ أهدافها إذا ما ظهر صيد يستحق أن يُصادَ ،لم يكنْ يلجأ إليها إال في ضرورات قصوى دفا ًعا عن نفسه
ِراع ال َع ِّم "عليٍّ " كانت نتاجً ا لصراعه مع فهد ،حينما كان في عنفوان ك به ،فال ُّندُوبُ الظاهرةُ على َج ِ
بين وذ ِ أمام مفترس ضارٍّ يحاو ُل ال َف ْت َ
شبابه ،تم َّك ن الصياد الشجاع من قتله وإحضاره إلى القرية في مشهد بطولي مثير؛ جعل كل أهل القرية يشيد بشجاعة العم "علي" وبطولته
ُعرف بقاتل الفهود ،كان يومًا رائ ًعا ال يُن َسى كلما تذكره العم "علي" ،زاده قوة وعنفوا ًنا وثقة في النفس ،فالجبال والغابات النادرة ،فكان ي َ
الشاسعة كانت َم ْوِئ للمفترسات الضارية ،وقد تحين المواجهة مع اإلنسان في أي ظرف يتجرأ فيه البشر على اقتحام أماكن عيشها؛ فهي اًل
.لن تتوانى في الدفاع عن مملكتها
فخا في مكان ألِف فيه الحصول على الغنائم ،وراح يتجول في الغابة يستطلع المكان الذي يعرفه شبرً ا شبرً ا ،يتعقب نصب الصياد "علي" ًّ
بأثر ألقدام لم يْألَ ْفها من قبل في المكان ،د َّقق النظر أكثر فأكثر،
كل أثر يقع عليه بصره ويفحصه فيعرف صاحبه ،مضى في طريقه ،فإذا ٍ
فاحتار في نوع الحيوان صاحب األثر الغريب ،إنه قريب من أثر الفهد والضبع ،لكن الفهود والضباع لم تعد موجودة هنا ،أو ربما يكون
أثرً ا ألسد الجبل جاء يتعقب بعض الطرائد هنا ،هكذا قال العم "علي" في قرارة نفسه ،فهو لم يجد جوابًا عن أسئلته ،ألول مرة يعجز عن
ك لغز في الغابة الكبيرة ،عاد الصياد إلى حيث نصب الفخ ،فلما دنا ،سمع صوت أنين ،فاقترب من الصوت يتبيِّنه ،فإذا هو بشبل عالق، ف ِّ
مأخذا كبيرً ا ،استغرب الصياد ألمر الشبل فقال" :ال بد أن أمه ستكون قريبة من هنا، ً يصيح بأعلى قوته طالبًا النجدة ،واإلجهاد قد أخذ منه
يجب أن أخلصه من الفخ"َ ،ه َّم العم "علي" باالقتراب من الشبل الصغير ،فنظر إليه بعطف كأنه يلتمس منه الخالص ،فك العم "علي" قدم
الصغير من الفخ الحديدي ،وحمله بين ذراعيه ،فقد أصابه الفخ بجرح غائر ال يستطيع معه أن يسير وحي ًدا ،فال بد أنه تائه في الغابة ،وأن
أج َمةٍ ،فغادر المكان ح ًّب ا في االستطالع ،استغرب العم "علي" أمر وجود الشبل؛ فالغابة نادرً ا ما تأتيها األسود التي تعيش أمه تركته في َ
في مجموعات بعيدة عن الغابة ،أخذ الصياد الشبل الصغير وهو يعلم أن أمه ستبحث عنه متتبعة رائحته ،لكنه آثر إنقاذ هذا الشبل
فه م اآلن أن اآلثار الجديدة إنما تعود للشبل وأمه ،متسائاًل عن سبب ورعايته ،حتى يقوى على السير ،وإعادته إلى الغابة من جديد ،لقد ِ
.اقتحام اللبؤة وشبلها للغابة ،فأغلب األسود تتخذ محميات لها في البرية بعيدا عن هذا المكان
ً
أسرع الصياد يحث ُخ طاه مخافة االصطدام بأم الشبل؛ ألن األمر حينها سيكون شديد الخطورة ،فاللبؤة لن تتوانى في الدفاع عن شِ ْبلِها
متوار عن األنظار ،وأغلق عليه الباب ،فذهب ٍ وهو بين ذِرا َعيِ الصياد ،بلغ العم "علي" القرية وأخفى ال ِّش ْب َل الصغير في كوخ صغير
مسرعً ا إلى ضفة النهر ليحضر بعض النبات المخصص للجروح ،د َّقه بحجر حتى صار َلب َْخة ،وأحضر قطعة من ثوب اتخذه ضِ ماد ًة فلفَّ
العشب المدقوق على الجرح ،فأنَّ ال ِّش ْب ُل أني ًنا ،وأحْ كم الصَّياد لَفَّ الثوب على القدم ،ترك الصيا ُد الشبل الصغير في مكانه ،وأحْ ضر له
ي الشبل وتم َّكن من السير .بعض اللبن ،فتولى إطعامه كل يوم وتغيير ضمادته ،حتى ِ
قو َ
أخذ الصياد الشبل قبيل طلوع الشمس إلى الغابة ،وهو يعلم أن األم متشوقة إلى لقاء صغيرها ،يحمله بين ذراعيه ،وهو يختلس النظر يمنة
ويسرة؛ حتى ال يف َطن إليه أحد ،فلما اطمأنَّ إلى خلوِّ المكان من األعين الصغيرة والكبيرة ،سمح للشبل بالنزول ،فظل يتعقب ُخطى ُم ْنقِذِه،
وبين الفينة واألخرى يفرك رأسه بساق العم "علي" ،فقد ألِفه وأحب صحبته رغم األيام القالئل التي مكث فيها معه ،نظر الصياد إلى
قريبة منٌ بعض اآلثار المتفرقة ففحصها ،فهي آثار جديدة لم تت َيبَّسْ بعْ ُد في ُتربة الغابة ال َّن ِديَّة ،فأدرك بف ِْط َنة الصيَّاد و ِخب َْرة الغابِ ،أنَّ األ َّم
الصغير باالنطالق عبر الطريق إلى أمه ،لكنه كان َ المكان ،وال بد أنها ستظهر في أي لحظة بعد أن تشت َّم رائح َة الشب ِْل ،أمر الصياد الشبل
ِّ
نظر الشبْل إلى اًل ُّ َّ
قليل ،وما عليه غير الت َوغل قلي َ ، ألخ ْذ ِه بعْ د ٍ
ض ُر َ يهم بالعودة إلى أحضان الصياد ،فيصرفُ ُه و َي ْن َه ُرهُ لالبتعادِ؛ فأ ُّم ُه ستح ُ
ت ملُؤ ها االستعطافُ والرَّ جاءُ ،وعاد إليه في لهفة يقفز بين أحضانه ،وهو ْيل َعقُه ويُصْ ِد ُر أصوا ًتا رقيقة كأنه يتوسل إليه أاَّل الصياد نظرا ٍ
ب منطق العقل على العاطفة ،فحياةُ الشبل يجب أن تكون في الغاب وتحت رعاية أمه؛ ليتعلم قانون الغاب ،ويعيش َّ
ُفار َقه ،لكن الصياد َغل َ
ي ِ
ُ
.في البرِّ يَّة؛ حيث الحرية المطلقة
فر ٌح بلقاء الشبل وأمه ،عاد العم "علي" إلى القرية ،واتجه َّ
فحث خطاه بعي ًدا عن المكان ،وهو ِ سمع الصياد زئيرً ا قادمًاَ ،
فعرف أنها األم
َ
نحو زورقه الصغير ،فقد مضى وقت لم يصط ْد فيه السمك ،غنِم الكثير من الصيد فأعطى للدببة الصغيرة بعضها ،وجدف زورقه عائ ًدا
.إلى الكوخ القابع في هدأة الغاب
ب ي َُح ِّت ُم أن َي َ
عيش في َك َنفِ ظلت صورة الشبل مرتسمة بين عينيه ال تكاد تفارق مُخ ِّيلَ َته ،فقد َأل َ
ِف ه َُو ن ْف ُس ُه ذاك ال ِّش ْب َل الجميل ،لكنَّ الوا ِج َ
ب يوم طويل وخلَ َد لل َّنوم بعد َ
تع ِ .أمه ،فهي القادرة على رعايته وتعليمه ،هكذا أقنع الصياد نفسهَ ،
ْ
مضت شهو ٌر عدة نشاط ُه كعادته دون أن يخبر أح ًدا بأمر الشبل الصغير ،فقد آ َث َر أن َيبْقى األ ْم ُر سِ ًّرا َم ْك ُتوما،
َ ظ َّل الصياد يُمارس
ُّ
ُضال ،أق َعدَ ها أيامًا ،فأ َم َرهُ أح ُد الش يوخ من ذوي الحكمة في الطب بإحضار نبت ٍة ال تنمو إال عند سفح ْ بمرض ع ٍ ٍ وُأصيبت زوجة الصياد
الجبل الكبير خارج األدغال ،وصف الشيخ النبتة للصياد بدقة متناهية فقرر "علي" أن يتوجَّ ه نحو السفح ،رغم علمه بالمخاطر المحدقة،
أعد ُع َّد َت ه دون أن يخبر زوجته وأمه بأنه متوجه نحو السفح الخطير ،فال أحد من أهل القرية قد سبق له أن زار المكان ،حتى إن الصياد
"عل ًّي ا" كان يسمع عن أساطير األجداد التي كانت تتحدث عن وجود أصناف من الذئاب الضارية هناك ،تقتل كل داخل إلى أراضيها؛ لذلك
ظل المكان متو ِّشحً ا بالرهبة ال يقربه أحد ،لكن الصياد "عل ًّيا" لم يكن لِ َيهاب السفح وال الجبل ،وهو المضطر للذهاب ً
إنقاذا لزوجته من
الموت ،لذلك كتم أمر الرحيل عن زوجته وأمه ،حتى ال يمنعاه من الذهاب خو ًفا على حياته ،لكن "عل ًّيا" كان يمتلك الشجاعة التي لم يكن
.غيره يملكها ،مع كبر سنه
توجَّ ه الصياد الشجاع في صباح اليوم التالي يشق طريقه في الغابة مسل ًكا مسل ًك ا ،يتخطى العوائق أمامه من أغصان وسيقان من نباتات
مخابَئ لها في انتظار
ِ تحجب الرؤية أمامه ،وهو يزيحها برمحه متوخيًا كل الحذر من األفاعي والعناكب ،التي قد تتخذ مثل هذه المواضع
فرائس عابرة ،مضى ُم َّتِئدَ ال ُخ طى وصورة النبتة ذات الساق األخضر والورق الملفوف األصفر المائل إلى البني تتراءى أمام عينيه ،مثلما
ِّ
المقطع للفؤاد ،تو َّغل الصياد كثيرً ا في الغابة الكثيفة ،أدغال تحجب ضوء تتراءى له صورة زوجته طريح الفراش وهي َتِئنُّ أنينها
الشمس ،والهدوء يعم المكان فال شيء يتحرك هنا سوى ورق من شجر تدفعه يد ،والرمح باليد األخرى يتحسس ما في األمام والجوانب،
لم يصادف الصياد أي خطر محدق ،لكأن كل الغابة تعرفه فتهيأت له بكل ما فيها ،أشرف على الجبل العظيم الذي بدأت قمته تلوح من بين
ثنيات األشجار ،فأدرك الصياد أنه اآلن على موعد مع تحقيق الهدف ،لكنه ما ِلبث أن خلَّف الغابة وراءه ،حتى رأى قطيعً ا من ذئاب
.يتقدمهم قائد عجوز ال بد أنه خبير بتسيير القطيع ،إنها الذئاب حاكمة مملكة السفح والجبل
نظر "علي" إلى المشهد ذاهاًل ،فلم يسبق له أن وقع في مثل هذا المأزق من قبل ،ال بد أن ما كان يحكيه األجداد صواب؛ فمواجهة هذه
األعداد من الذئاب الهائجة أمر مستحيل ،ألول مرة يحس الصياد الشجاع بشيء من الخوف يسري في عروقه ،فرجل السبعين ليس هو
الشاب العشريني الذي هزم الفهد وجاء به قتياًل إلى القرية ،توقف "علي" في مكانه ،وهو يُشهر رمحه في وجه القائد بعد أن استجمع شيًئ ا
بث الخوف في نفوس البقية ،خ َبر هذا األمر مما كان يسمعه عن من رباطة جأش تب َّقت داخله ،فهو يعلم أن هزمه لقائد الذئاب طريق إلى ِّ
أجداده من بطوالت في مواجهة الذئاب ،صرف نظره عن البقية ،ووهم القائد بأنه سيواجهه بالرمح المسنن القاتل ،ال بد أن القائد خبير
بالمعارك من هذا النوع ،فهو لن يقترب من الصياد إال بعد أن يأمر القطيع بتطويقه ،حتى يتمكنوا منه ،لكن الصياد "عل ًّيا" كان على دراية
ً
متخذا وضعي َة بأنه إذا ُ
طوِّ قَ سيهلِك ،فكان يلجأ إلى خطة التراجع والتقدم معً ا في تناسق ال ُي َم ِّكنُ الذئاب من تطويقه ،وبينما كان "عليٌّ "
المواجهة ،انس َّل ذئب من المجموعة على حين غِ رَّ ة ،فكاد يصيب الصياد بعضة في ساقه ،لكن حيوا ًنا قو ًّيا تمكن من الذئب ،فنهش لحمه،
.وأصابه بجرح لينقذ الصياد من عضة قوية
دَت لِبْدَ ُته الصغيرة على وجهه ،فأخذ يصول ويجول مُد ِخاًل الرعب إلى قطيع الذئاب الذي أخذ في
نظر الصياد فإذا بالمدافع عنه أسد َب ْ
التفرق ،والتحقت باألسد لبؤة قوية ،ما إن رآها القطيع حتى فرَّ أدراجه يجر أذيال الهزيمة ،ارتعب الصياد ولم يصدق ما يراه أمام عينيه،
انهارت كل قواه وعرف أنها النهاية ،قدم األسد نحوه والرهبة تسري في دمه ،وجعل يفرك رأسه بجسمه ويلعقه كما كان يصنع صغيرً ا؛
إنه الشبل الصغير الذي أنقذه "علي" ،لقد صار أس ًدا قو ًّي ا ،أحضره القدر ليرد الجميل في قصة عنوانها الوفاء ،نظرت األم إلى الصياد
"علي" ،وتقدمت نحوه تلعقه هي األخرى ،لكأنما ترسل إليه عبارات الشكر واالمتنان أن أنقذ صغيرها من الموت ،فرح الصياد "علي"
شديد ا ،وتحول خوفه إلى سكون ،هدأت له جوارحه ،لم يصدق الصياد نفسه ،وكأنه يعيش ح ُْلمًا؛ فالشبل لم َي ْن َسه على اإلطالق ،رغمً فرحً ا
مرور شهور طويلة على الفراق ،مضى الصياد نحو السفح ،وبرفقته األسد تتقدمهما اللبؤة األم ،واتجه نحو النبتة المقصودة ،وقطف منها
ما يحتاج في العالج ،ثم عاد أدراجه إلى القرية ،وبرفقته األسد يؤمِّن له الطريق من كل خطر ،يالعبه بين الفينة واألخرى كأنه يستذكر
ت طفولته ،وما كان من صنيع الصياد المنقذ له من الموت .في مالعبته له ذكريا ِ
اقترب الصياد من القرية ،فتوقف األسد الصغير عن المسير كأنه قد فطِ ن إلى أنه مجبر على عدم تجاوز تلك الحدود ،نظر الصياد على
األسد نظرات ملؤها الحب واإلعجاب بصنيع قلما يجده اإلنسان في اإلنسان ،فالمفترس الضاري وأمه لم َي َم َّساه بسوء ،في الوقت الذي كان
.بإمكانهما افتراسه بكل سهولة
فرمحه لن يكون قادرً ا على مواجهة األنياب أو المخالب الضارية لألسد وأمه ،وإن كان الصياد "عليّ " قد ِ
فهم قصة الوفاء من الشبل ،فقد
ظل فعل اللبؤة أمرً ا محيِّرً ا له؛ فهو لم يصنع لها شيًئ ا سوى أنه ر َّد شبلها ،ربما كانت اللبؤة قد فطِ نت إلى صنيعه يوم رد الشبل إليها ،دون
فر ٌح بصداقة
أن يؤذيه؛ فالقطط الكبيرة حيوانات ذكية ،وتستطيع أن تستوعب ردود فعل اإلنسان نحوها ،هكذا أقنع العم "علي" نفسه وهو ِ
.األسد وأمه ،في حوار جميل ونادر بين اإلنسان وعالم الحيوان الضاري
اقترب الصياد من األسد وعانقه عنا ًقا شدي ًد ا كأنه يودعه ،ولسان األسد ال ينفك عن لعق صاحبه ،وهمسات صوته تخترق أذن الصياد
كأنما هي كلمات تعلن عن ضرورة تج ُّدد اللقاء بين الصياد واألسد الوفي ،و َّدع الصياد صديقه ،وانطلق األسد بسرعة عائ ًدا من حيث أتى
مختر ًق ا األدغال ،حتى توارى عن ناظري الصياد ،لحظات فراق ِّ
مؤثرة لم يُطِ ق فيها األسد فراق صاحبه ،لكن غريزة ال َبرِّ يَّة كانت تناديه،
فه م ذلك من الدرس األول يوم أمره الصياد باالنطالق ،لكن ذلك ال يعني أنه لن يالقي صاحبه؛ فقد شهد التاريخ أن اللقاء بين األسد
فقد ِ
.والصياد تكرر مرارً ا في عالم الغاب
ذهب الصياد بالنبتة إلى الشيخ ليتأكد من ه ُِو َّيتِها ،فما إن رآها حتى شرع يقلبها بين يديه منده ًشا من الصياد علي ،فالشيخ يعلم أن الحصول
عليها من السفح الكبير يحتاج إلى معجزة خارقة ،حاول الشيخ أن يعرف كيفية تم ُّك ن الصياد من النبتة ،فالمكان هناك مليء بالمفترسات
واألفاعي والعناكب السامة ،حاول الصياد عليٌّ أن يصرفه عن الجواب بسؤاله عن كيفية استعمال النبتة ،فأخبره الشيخ بضرورة طبخها
في الماء حتى االستواء ،وشرب مائها دافًئ ا لمرات متعددة ،مع أكل القليل من النبتة ،ذهب الصياد إلى الكوخ على َع َج ٍل فصنع مثل ما
يمض أسبوع كامل حتى غادرت أخبره الشيخ الحكيم ،وقدم الدواء لزوجته ،بعد أيام بدأت تستعيد عافيتها ،وشعرت بتحسن كبير ،لم ِ
الفراش الذي ظلت فيه طريحً ا لردح من الزمن ،فسألت زوجها عن الدواء ،فأخبرها ما كان من أمر النبتة دون أن يحكي لها قصة الوفاء
التي جمعت بينه وبين الشبل ،فقال العم "علي" في نفسه :كيف يكون هذا األسد قمة في الوفاء ،وال أكون وف ًّيا لهذه الزوجة التي ح ُِرمت
األبناء بسبب عقمي ،وما َش َك ْ
ت وال تبرَّ مت يومًا؟
عاش العم "علي" رفقة زوجته وأمه في كوخهما الصغير حياة سعيدة ،وبين والفينة واألخرى كان الصياد يقتحم األدغال ،كلما اشتاق إلى
.صديقه األسد ليمضي معه وق ًتا رائ ًعا في عالم الغاب الجميل ،راسمًا واح ًدا من أجمل فصول الحياة في قصة عنوانها الوفاء
:رابط الموضوع
https://www.alukah.net/literature_language/0/163862/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9
%8A%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A8%D9%84/
#ixzz89F5pqklM