Professional Documents
Culture Documents
!وهذه محاولة تظل قاصر ًة لتطبيق بعض مهارات "نحو النص" على سورة العاديات
ان ل َِر ِّب ِهصبْحً ا * َفَأ َثرْ َن ِب ِه َن ْقعًا * َف َو َس ْط َن ِب ِه َج ْم ًعا * ِإنَّ اِإْل ْن َس َ
ت ُ
ِيرا ِت َق ْدحً ا * َف ْال ُمغ َ ضبْحً ا * َف ْالم ِ
ُور َيا ِ ت َ قال الحق تبارك وتعالىَ ﴿ :و ْال َعا ِد َيا ِ
َأ
ُور * ِإنَّ َر َّب ُه ْم ِب ِه ْم َي ْومَِئ ٍذ
صد ِ ص َل َما فِي ال ُّ ُور * َو ُح ِّ ك َل َش ِهي ٌد * َوِإ َّن ُه لِحُبِّ ْال َخي ِْر لَ َشدِي ٌد * َفاَل َيعْ لَ ُم ِإ َذا بُعْ ث َِر َما فِي ْالقُب ِ
لَ َك ُنو ٌد * َوِإ َّن ُه َعلَى َذلِ َ
.لَ َخ ِبي ٌر ﴾ [العاديات]11 – 1 :
البنية العامة أو الكلية :هذه السور إحدى عشرة آية ،جمعت في طيَّاتها طبيعة اإلنسان المرتاب المنافق المعادي لنفسه وربه ،وبيَّنت طبيع َة
َ
ويبخل بما آتاه هللا، تعامله من المن ِعم تبارك وتعالى ،وما يتر َّتب على هذه الطبيعة ،خاصة مع المنافق الذي ال يرى نِعم ربِّه وال يُسلم له،
ويُحب الشهوات ح ًّبا ج ًّما ،و َيع ُز ف عما ينجيه ...وانتهت بتوكيد علم هللا بما يُعلنون وما يُسرون ،فليفعلوا ما شاؤوا ،فلن يخفى على العليم
ٌ
خافية ...بما في الصدور
فتأخرت السرية ولممناسبة السورة :مما يقال في مناسبة هذه السورة أن الرسول صلى هللا عليه وسلم أرسل سرية لكنانة في مهمة قتاليةَّ ،
تعُد في الموعد المتو َّقع ،فأشاع المنافقون أن السَّرية قد قُ تلت كلها؛ كي يثيروا الرعب في قلوب المؤمنين ،ويثبطوا عزائمهم ،ويش ِّككوا في
سرائرهم ،وتص َفها وص ًفا دقي ًقا تشريح ًّيا دااًّل على علم الخالق بأنفسهم ،كيف
َ لتفضح
َ عقيدتهم و ُنصرة هللا ورسوله لهم ،فنزلت هذه السورة
!ال وهو خالقُهم
واقع مشابه ،وهنا نجد زمن مع
ٍ ُ
وربطها بالواقع التي نزلت فيه ،ثم القياس عليه في كل وهنا نجد أن مناسبة نزول السورة هي مِفتا ُح َفهمها
ٍ
!أن رأي البنيويين الذين يفصِ لون النص عن قائله فيه نظ ٌر
:أواًل :البُنى الكلية :تتكون السورة من ُب ًنى نصية كبرى تتمثل في
:التحليل
:الصرف
جاء القسم باسم الفاعل العاديات ،وهذا يدل على الحال واالستمرار والفاعلية في الجملة؛ ألنه محلَّى بأل ،وكأنه يقول سبحانه بهذا
ضح سرائركم !االشتقاق :سيستمر َع ْدوُ خيولنا حتى يُظهر هللا َ
أمره ويف َ
:النحو
جاء القسم باسم الفاعل العاديات ،وهي صفة للخيل وكأنه َيكيد سبحانه للمنافقين بأن خي َل المسلمين تعدو ،ولن َتخ ُم َد حتى َ
تقطع ألسن َة
الرهب في قلوبهم بكلمة العاديات؛ أي :إنهم من السرعة بمكان ولن َتهز َمهم مكائدُكم ...ثم َخصَّ هذا العدو بوقت َ المر ِجفين ،وكأنه يبعث
نهار المسلمين قاد ٌم ويوم المنافقين غاب ٌر ،وهذا الحق الذي ال تريدونه أيها المنافقين ،ولكنه كائنٌ بحول هللا كالصُّبح الذي
َ الصبح ،وكأن
!ترونه دائمًا
:البالغة
َّ
ليبث في قلوبهم العاديات :كناية عن الخيول ،فكأن هللا شرَّ فها وهي التي عُقد الخي ُر بناصيتها ،وك َّنى عنها بصفة من صفاتها وهي ال َع ْدو؛
الرعب ،فلن يتو َّقف عدوُ ها حتى ُتهلككم بأمري
َ ...
ومن جهة أخرى كأنَّ هذا القسم بهذه الصيغة يُمجِّ د الخيل ،ويربِّت على كتفها أم ًنا وأما ًنا؛ لِما تق ِّدمه من ٍ
دور بارز في تثبيت الدعوة بأمر
!هللا ،ويخاطبها :أنت بأمري فالق ُة صُبح ال ِّد ين ،وإنك من جندي ،وال يعلم جندي إال أنا! سبحان من جعل من البيان سحرً ا
ان ل َِر ِّب ِه لَ َك ُنو ٌد * َوِإ َّن ُه َعلَى َذل َِك لَ َش ِهي ٌد * َوِإ َّن ُه ِلحُبِّ ْال َخي ِْر لَ َشدِي ٌد 2-
﴾.جواب القسمِ ﴿ :إنَّ اِإْل ْن َس َ
:التحليل
:الصرف
:النحو
جاء جواب القسم في أوجز لفظ وأعظم مع ًنى ،وبدأ بأن المؤكدة للجملة ،وكأن هذا الوصف دستو ٌر خالد من خالق األنفس ،يصفهم لنعر َفهم
وحين ،وال ُتخايلنا ألوا ُنهم الزائفة ،فقد وصفهم بـجحود النعم ،وهذا أبر ُز وص ٍ
ف لهم؛ إذ إن هللا خلقهم وأنكروه ،وأطعمهم ٍ في كل زمن
!وآ َذوا أنبيا َءه ومن واالهم ،وسقاهم فتم َّنوا الموت لمن يُفلت من قبضة مكرهم
:البالغة
جاءت الجمل مؤ َّكدة بمؤ ِّك دين ،وهذا من الخبر اإلنكاري؛ أي :إنهم يعرفون وينكرون ،فصدق النص المق َّدس لهم على ما في قلوبهم من
...غ ٍّل وحسد للمسلمين ،ثم جاء العطف بالواو؛ ليجعل كل جملة في مقام الجملة األولى من األهمية
َأ
ُورِ ،إنَّ َر َّب ُه ْم ِب ِه ْم َي ْومَِئ ٍذ َل َخ ِبير 3-
صد ِص َل َما فِي ال ُّ ﴾.االستقهامَ ﴿ :فاَل َيعْ لَ ُم ِإ َذا بُعْ ث َِر َما فِي ْالقُب ِ
ُورَ ،و ُح ِّ
:التحليل
:الصرف
جاءت األفعال مبنية للمجهول للتهويل من شأن هذا اليوم؛ إذ هو عذابٌ عليهم ،يو ُّدون لو يفتدون منه بملء األرض ذهبًا ،ولكن هيهات،
وكأن هذه الصيفة تترك للعقل التجوال في عوالم الغيب؛ إذ يسأل من فوره :من الذي سيبعثر؟ وكيف؟ ومن الذي سيحصل؟ وكيف؟ ثم تبدأ
نعرفها ،ويزداد رعبُ القلب :من سيفعل كذا؟ ومن؟ ومن؟
التهاويم في تصوُّ ر مالئكة العذاب أو جنود ربك التي ال ِ
ثم تأتي الجملة األولى ،جاء فع ُل الجملة األولى بصيغة المضارع الستحضار الصورة في ذهنهم ،وفي الجملة الثانية أتى الفعل بصيغة
!الماضي لتوكيد األمر ،وذلك كله إلثارة فزع القلب من َه ْول ذلك اليوم ،وهذا من رحمة هللا كما هو من عذابه
فمن كان في قلبه خي ٌر سيرتدع ويعود إلى سبيل ربه ،ومن كان قلبه كالحجر -وإن من الحجارة لما يتفجَّ ر منه الماء -فأنى له أن يهتدي،
.فيأخذ حصة من عذاب الدنيا ،وهي الزيادة في العناد والنفاق ،ومن ثم تزاد له جرعة الضَّنك والهم لياًل ونهارً ا ،ثم ينتقل إلى عذاب ربه
:النحو
وجيف قلوبهم ،فما هنا َ جاء نائب الفاعل في الجملتين ما الموصولة ،وهي تزيد إبهام الفاعل؛ مما يزيد َحيرتهم وخوفهم منه ،ويثير
شمولية ،ويكأن هللا العليم الخبير يقول لهم( :ما استطع ُتم إخفاؤه في الدنيا -كبيرً ا أو صغيرً ا ،مكرً ا كان أو كي ًداً ،أذى ماد ًّيا أو معنو ًّياً ،
نية
في القلب أو سلو ًك ا -مهما كان فلن تستطيعوا إخفاءه في اآلخرة ،وما وجدتموه من مناصرين في الدنيا ،فال نصير لكم في اآلخرة ،فكأن
استخدام (ما) نائب الفاعل هنا ( -ما الموصولة ثم صلتها شبه الجملة) -زادهم حقار ًة في نظر أنفسهم ،وهوا ًنا عند هللا تعالى ،ثم إنها
رويدا ،فيشعرون أنهم ير ُكضون للخلف ال لألمام ،ومع العناد ً ً
رويدا نهار ،ويق ُتل فطرتهم
َ سفهَّت أفعالهم ،فمع أن النفاق يأكل قلوبهم لي َل
يصعد في السماء ،فعاشوا عذاب اآلخرة وينتظرهم عذابٌ آخر يو َم َيبلو هللا تبارك َ والقوة والسطوة ،فإن قلوبهم هواءٌ ،تكاد تتصدَّع كمن
! وتعالى ما في قلوبهم ،ويعلمون أن هللا حق كما أنهم ينطقون ،عندها يتساقط لحم وجوههم حيا ًء ورهبًا
:البالغة
يأتي هذا االستفهام لتنويع األسلوب ،فبعد القسم والخبر يأتي هذا االستفهام الستثارة الذهن وشد االنتباه ،وحث العقل على اليقظة ،والبحث
عن إجابة أو تر ُّقب اإلجابة ،فيسألهم الحق تبارك وتعالى :ماذ تفعلون يوم ُتنشرون وال يكون لكم وقتئذ لسانٌ تكذبون به وال عشيرة تلوذون
وأشهدت عليكم أيديكم وأرجلَكم ،إنها العاصفة الذهنية التي تعبث بقلوبهم وقتئ ٍذ
ُ بلوت سرائركم ،وأطلع ُتكم على أنفسكم،
ُ !بها؟ ما تفعلون إن
وقبل أن ُتسعفهم العقول باإلجابة أو بالحيلة ،تأتيهم الصاعقة في الجوابِ ﴿ :إنَّ َر َّب ُه ْم ِب ِه ْم َي ْومَِئ ٍذ لَ َخ ِبير ﴾ ،وفي هذا الجواب نجد المولى عز
!وجل يُغلق عليهم ك َّل ٍ
قول بأنه خبير بما يعلنون وما يسرون
وضعهم في الصرف :يأتي الخبر بصيغة المبالغة مقتر ًنا بالالم المزحلقة؛ لير َّد إنكارهم ،ويؤكد سو َء عاقبتهم ،ويختم به الكالم ،وكأنه َ
نظل من الغاوين ،أنضحي بالفانية فترك عقولهم حائرة تردَّد :أيكون ذلك ح ًّقا أم ال يكون ،أنؤمن أم َ سجن مُحكم ال مفرَّ منه وال مهربَ ،
في سبيل الباقية ،أم أن هذه حياتنا نموت فيها وال َنحيا بعدها؟
:النحو
ِإنَّ َر َّب ُه ْم ِب ِه ْم َي ْومَِئ ٍذ َل َخ ِبي ٌر ﴾ُ ،تختم بآية خبرية تقريرية ،كأنها كشفت الستار عما ينتظرهم ،وامتحنت تكذي َبهم الداخلي بهذه المفاجأة البيِّنة ﴿
المؤ َّكدة التي ال ريب فيها ،فال يزيِّن لك شيطانك أيها المنافق أنك س ُتفلت في اآلخرة كما داهنتَ ونجوت في الدنيا! وهو أسلوبُ توكيد،
!لمنع الشك من قلوب من يشك في المصير المحتوم ،أو يزيِّن له شيطانه سو َء فعله ،فيراه حس ًنا
:البالغة
يطالعنا أسلوب القصر بتقديم الخبر (بهم) ،وذلك لتوكيد أنه ال مناص من عذابكم ،ثم يأتي إيجاز الحذف؛ إذ إن تقدير الكالم :إن ربهم بهم
صل ما في الصدور لخبير ،وهذا من بالغة القرآن الكريم؛ إذ إن المقام مقا ُم ترهيبٍ ،فالحذف َأولى؛ كي يظل
يوم يُبعثر ما في القبور ويُح َّ
!العقل مشدوهًا متأثرً ا ،فتقع الكلمات موقع السيوف من قلوبهم وأسماعهم
:ثانيًا :البنى الصغرى
:هذا وقد َ
زخ رت اآليات الكريمة بالبنى الصغرى المتمثلة في كل وحدة لغوية؛ مثل
ان ل َِر ِّب ِه َل َك ُنو ٌد * َوِإ َّن ُه َعلَى َذل َِك ﴿ صبْحً ا * َفَأ َثرْ َن ِب ِه َن ْق ًعا * َف َو َس ْط َن ِب ِه َج ْمعًا * ِإنَّ اِإْل ْن َس َت ُ
ِيرا ِ ت َق ْدحً ا * َف ْال ُمغ َُور َيا ِ ضبْحً ا * َف ْالم ِ َو ْال َعا ِد َيا ِ
ت َ
َأ
ُور * ِإنَّ َر َّب ُه ْم ِب ِه ْم َي ْومَِئ ٍذ لَ َخ ِبي ٌر
صد ِ ص َل َما فِي ال ُّ ُور * َو ُح ِّ ﴾.لَ َش ِهي ٌد * َوِإ َّن ُه ِلحُبِّ ْال َخي ِْر َل َشدِي ٌد * َفاَل َيعْ لَ ُم ِإ َذا بُعْ ث َِر َما فِي ْالقُب ِ
فنجد الكلمات فيها انتقا ٌء عجيب يُحدث جر ًسا صوت ًّيا مناسبًا للحالة التي تريد السورة أن تجسِّدها ،فنجد :والعاديات ضبحً ا – المغيرات
...صبحً ا – فأثرن به نقعً ا – فوسطن به جم ًعا
ً
موقظا لكل نفس أخذتها • فمن حيث الصوت جاءت الفواصل حرف األلف الذي يتصف بالجهر والرخاوة ،فكأن القسم جاء مدويًا مسمعً ا
...الرخاوةُ في الدين ،واستمالتها الدنيا ووضعتها بين أنيابها
ثم نجد نغم حروف كلمة (ضبحً ا) :يوضِّح حالة الخيل التي تلهث و ُتصدر صو ًتا لشدة جهدها ،وكأنها تعبِّر عن اإلصرار في استكمال •
...مسيرتها ،ولسان حالها يقولُ :خ لقنا للجهاد ونصرة دين هللا ،وإن نال المنافقون من أسماع فوارسنا ،فلن ينالوا من عزمنا
!أما (صبحً ا) ،فأضافت معاني النشاط والنصر؛ حيث بركة البكور ونور النصر •
وجاءت كلمة (نق ًعا وجمعً ا) :لتكمل اللوحة ،وأن األمر ليس كما صوَّ ره المنافقون ،فالنق ُع دلي ُل احتدام المعركة ،والجمع دلي ُل االشتباك• ،
.والنصر على مرمى الصباح
ثم صيغة المؤنث التي عبَّرت عن الخيول ،مع أن هناك صي ًغا مذكرة تعبِّر عن الخيل ،لكن اختيار التأنيث هنا يدل على قوة التحمل• ،
فاألنثى تلد األمة رغم الوهن والضعف وطول المسير ،وكذا جيادنا ستقاوم طول الطريق رغم كيد ومكر الماكرين ،فهي للصبر والقوة
ضعفها! وما أشد
والمواجهة حتى تضع الوليد ،وبالحدب والرعاية حتى يمأل الدنيا ويرفع الراية ،ما أجملها من نون وما أقواها رغم َ
!إصرارها رغم َ
وهنِها
ان ل َِر ِّب ِه لَ َك ُنو ٌد * َوِإ َّن ُه َعلَى َذلِ َك لَ َش ِهي ٌد * َوِإ َّن ُه لِحُبِّ ْال َخي ِْر لَ َشدِي ٌد ﴾ •
ثم ُت طالعنا هذه الجمل متتالية التوكيد ومتنوعة أساليبهِ ﴿ :إنَّ اِإْل ْن َس َ
رحمة وال ريبة، ٌ أمر المنافقين ،ويؤكد للمسلمين حالهم ،وكأن الجمل ناطقة تقول :ال ْ
تأخذكم بهم ضح َ [العاديات ،]8 - 6 :وكأنه سبحانه يف َ
َأ
ومصداق ذلك قوله تعالى ﴿ :اسْ َت ْغفِرْ لَ ُه ْم ْو اَل ُ ُ
وال حسنُ ظنٍّ ،فاهلل أعلم بهم ،وبما حملت صدورهم ،فا ِّتخِذوهم أعدا ًء كما أمركم ربُّكم،
ِين ﴾ [التوبة ،]80 :ثم نجد ِين مَرَّ ًة َفلَنْ َي ْغف َِر هَّللا ُ لَ ُه ْم َذل َِك ِبَأ َّن ُه ْم َك َفرُوا ِباهَّلل ِ َو َرسُولِ ِه َوهَّللا ُ َي ْهدِي الق ْو َم الفاسِ ق َ
َ ْ َ ْ اَل َتسْ َت ْغفِرْ لَ ُه ْم ِإنْ َتسْ َت ْغفِرْ لَ ُه ْم َس ْبع َ
.السجع باستخدام حرف الدال ،وهو من حروف الشدة والجهر بما يناسب الرسائل التي تحملها السورة
َأ
ُور * ِإنَّ َر َّب ُه ْم ِب ِه ْم َي ْومَِئ ٍذ لَ َخ ِبي ٌر ﴾ [العاديات• :
صد ِص َل َما فِي ال ُّ نأتي بعد ذلك للتقرير في السؤالَ ﴿ :فاَل َيعْ لَ ُم ِإ َذا بُعْ ث َِر َما فِي ْالقُب ِ
ُور * َو ُح ِّ
ٌ
محيط ،وبقلوبهم وما يدور فيها بصيرٌ ،أي ُك ُّفوا عن مكركم، أجهلوا أم ف َقدوا عقولهم!؟ أال يعلمون أن هللا بهم
،]11 ،9وهذا تقري ٌع لهمِ ،
!فأنتم أمام الخالق عراة البدن والقلب ،فكيف تمكرون
َ
تطالعنا بعد ذلك صيغ المبني للمفعول في ( ُحصِّل وبُعثِر) ،إلطالق الخيال في تصوُّ ر الفاعل بقوته ومهابته سبحانه وتعالى عما يصفون• ،
وتأتي ما نائبًا عن الفاعل؛ لتدل على كثرة من في القبور وما في الصدور؛ أي :إن علم هللا محيط وقدرته بالغة بمن َفنِي وبقِي ،فكيف
ألجل مسمى
ٍ !يراودكم الشك في قدرته عليكم ،لكنه يُمهلكم
تأتي الموازنة بعد ذلك بين ما عليه المنافق ،وما يجب أن يكون عليه المؤمن ،فالمنافق لربه كنو ٌد ،وحبُّه للمال شدي ٌد ،فيرى الجهاد •
َمهلكة ،فهو ذلك الرجل الذي يق ِّد س المال ،فما باله بالروح ،كيف ينفقها في سبيل هللا ،فهذا في عقله محالٌ ،وفي المقابل نجد المؤمن يلقي
بنفسه وبماله في سبيل هللا راضيًا فرحً ا ،آماًل في إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة ،وإن ح ُِرم ذلك ذهب وعيو ُنه تفيض من الدمع حزي ًنا؛
ك لِ َتحْ ِملَ ُه ْم قُ ْلتَ اَل َأ ِج ُد َما َأحْ ِملُ ُك ْم َعلَ ْي ِه َت َولَّ ْوا َوَأعْ ُي ُن ُه ْم َتفِيضُ م َِن الدَّمْ ِع
ِين ِإ َذا َما َأ َت ْو َ
ألنه لم يكن من السابقين ،قال ربنا الحقَ ﴿ :واَل َعلَى الَّذ َ
ون ﴾ [التوبة]92 : َ .ح َز ًنا َي ِجدُوا َما ُي ْنفِقُ َ اَّلَأ
تنتهي السورة لفظ ًّيا لتكتمل تصوير ًّيا ،ف َترسم في الذهن لوحة تصويرية رائعة مح ِّفزة للجهاد؛ حتى ال نكون في زمرة المنافقين •
صهل بالنصر ،و ُتضيء فَلقَ الصبح ،فما يزيد الكفار إال ضيقَ صدر شق النقع ،و َت ِالجاحدين بأنعُم هللا ،فتلك الخيو ُل ضابحة قادحة ،ت ُ
ً
!وسوادَ وجهٍ ،وما يزيد المؤمنين إال فرحً ا وثقة في هللا ،وتصدي ًقا لنبيه صلى هللا عليه وسلم والعاقبة للمتقين
:رابط الموضوع
https://www.alukah.net/literature_language/0/163830/%D8%B3%D9%88%D8%B1%D8
%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA-
%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%AA%D8%AD
%D9%84%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B7%D8%A8%D9%8A
%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D9%86%D8%AD
%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5/#ixzz89F5zuKX8