You are on page 1of 6

‫اململكة العربية السعودية‬

‫وزارة التعليم العال‬


‫جامعة القصيم‬
‫كلية‪ :‬الرتبية‬
‫قسم‪ :‬أصول الرتبية‬

‫تقرير األسبوع الثالث ملوضوع‪ :‬االنسان يف الفكر الرتبوي‬


‫اإلسالمي‪.‬‬

‫تقرير مقدم ضمن متطلبات مقرر الفكر الرتبوي اإلسالمي (املستوى األول‪/‬‬
‫دكتوراه الفلسفة يف الرتبية ختصص أصول الرتبية‪ ،‬جامعة القصيم)‬

‫إعداد الطالب‪ :‬هاين إبراهيم املشيقح‬

‫أستاذ املقرر‪ :‬د‪ .‬فهد بن صاحل احلضيف‬


‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫االنسان يف الفكر الرتبوي اإلسالمي‪.‬‬

‫مقدمة‪ :‬ال شك االنسان هو احملور األساسي يف مجيع اجلوانب احلياتية وسعت مدارس الفكر بشكل عام‬
‫والفكر الرتبوي اإلسالمي خاص إىل بناء االنسان حيث تستهدف تنمية وتطوير ونقل املعارف واألفكار‬
‫واألخالق وغريها من األهداف الرتبوية من جيل اىل أجيال متتابعة وحىت يتم ذلك يف اكمل وجه وامت‬
‫صورة فقد أوىل مفكرين عرب التاريخ جهوداً مضنية يف سبيل التعرف على خفااي االنسان وما يناسبه من‬
‫أساليب وطرق لتحقيق اهداف الرتبية وتستند إطالق االحكام على األشياء إىل تصوراتنا الذهنية جتاهها‬
‫كما قرر احلكماء فقالوا‪" :‬احلكم على الشيء فرع عن تصوره" (عرت‪ .1981،‬ص‪ ،):141‬والتصور هو‬
‫رسم خمطط تفصيلي للشيء يف الذهن للقدرة على فهمه وحتليل تفاصيله واختاذ االحكام املناسبة له وقد‬
‫ذكر اجلرجاين تعريفاً للتصور قال فيه "التصور‪ :‬حصول صورة الشيء يف العقل" (اجلرجاين‪.1983،‬‬
‫ص‪ ،)59‬وحيث ان الفكر الرتبوي اإلسالمي يستند على مصادر التشريع كمصدر رئيسي من املصادر‬
‫اليت يبين عليها تصوراته فهي تعطي األفضلية للمفكر اإلسالمي إلثراء املكتبة الرتبوية وذلك كوهنا تستند‬
‫على خالق االنسان وليس املخلوق أعلم من الصانع‪ ،‬وقد ذكر االنسان يف القرآن الكرمي يف مواضع متعددة‬
‫سا َن‬ ‫يبني فيها طبيعته وخصائصه واليت أبرزها أن أصل علم االنسان من هللا سبحانه وتعاىل لقوله َ َّ‬
‫﴿عل َم اإلنْ َ‬
‫ط ابلقلم‪ ،‬ومل يكن يَ ْعلَمه‪ ،‬مع‬ ‫َما ََلْ يَ ْعلَ ْم﴾ [العلق ‪ ]٨-١‬ذكر (الطربي‪ ،‬ص‪" )522:‬علَّم اإلنسان اخل ّ‬
‫أشياء غري ذلك‪ ،‬مما علمه ومل يكن يعلمه‪ .‬وبنحو الذي قلنا يف ذلك قال أهل التأويل"‪ ،‬وابلتايل يكون‬
‫النص الشرعي هو اإلطار املرجعي للباحث املسلم يف قضااي الفكر الرتبوي من أجل مزيد من الفهم فكما‬
‫بينت لنا اآلية الكرمية قدرة االنسان على تعلم مامل يكن يعلمه من قبل‪ ،‬يقول (علي‪ .1991،‬ص‪)13:‬‬
‫"شهدان من الفالسفة من يذهب إىل أن االنسان ال يستطيع أن يعرف شيئا على االطالق‪ ،‬وهؤالء هم‬
‫أصحاب مذهب الشك"‪.‬‬

‫فهم ماهية االنسان‪:‬‬


‫يدرك املفكر اإلسالمي بال شك أن الرتاب هو األساس التكويين لألب األول لإلنسان من تراب مث أصبح‬
‫ني‪ ،‬فَِإذَا‬‫ك لِْلمالئِ َك ِة إِِّين َخالِ ٌق بَ َشرا ِم ْن ِط ٍ‬ ‫نطفة فاإلنسان يف نظر اإلسالم مادة وروح معا‪{ .‬إِ ْذ قَ َ‬
‫ً‬ ‫ال َربُّ َ َ‬
‫ين} ‪ .‬وهللا سبحانه وتعاىل هو الذي خلق هذا اإلنسان‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬
‫َس َّويْته َونَ َف ْخت فيه م ْن روحي فَ َقعوا لَه َساجد َ‬
‫األنْسا َن ِم ْن ساللٍَة ِم ْن ِط ٍ‬
‫ني‪ ،‬مثَّ َج َع ْلنَاه نطْ َفةً ِيف قَ َرا ٍر‬ ‫ِ‬
‫{ولََق ْد َخلَ ْقنَا ْ َ‬
‫فسواه فعدله‪ ،‬يف أحسن صورة ركبه‪َ .‬‬
‫ضغَةَ ِعظَ ًاما فَ َك َس ْو َان الْعِظَ َام َحلْ ًما مثَّ أَنْ َشأْ َانه‬
‫ضغَةً فَ َخلَ ْقنَا الْم ْ‬ ‫َم ِك ٍ‬
‫ني‪ ،‬مثَّ َخلَ ْقنَا النُّطْ َفةَ َعلَ َقةً فَ َخلَ ْقنَا الْ َعلَ َقةَ م ْ‬
‫ني} ‪ .‬لقد صنع اإلنسان صنعا عجيبا حتار يف فهمه العقول وصدق‬ ‫اَّلل أَحسن ْ ِِ‬
‫اخلَالق َ‬ ‫آخَر فَتَ بَ َارَك َّ ْ َ‬ ‫َخ ْل ًقا َ‬
‫األنْ َسان أَ ْكثَ َر َش ْي ٍء َج َدًال}‪ .‬فقد ذكر (القزويين‪ .2000،‬ص‪ )251:‬ما نصه‬ ‫هللا العظيم إذ قال‪{ :‬وَكا َن ِْ‬
‫َ‬
‫"اعلم أن اإلنسان جمموع مركب من النفس والبدن‪ ،‬وأنه أشرف احليواانت وخالصة املخلوقات‪ .‬ركبه هللا‬
‫تعاىل يف أحسن صورة روحا وبدان‪ .‬وخصه ابلنطق والعقل سرا وعلنا‪ .‬وزين ظاهره ابحلواس واحلظ األوىف‪،‬‬
‫وابطنه ابلقوى ما هو أشرف وأقوى‪ .‬وهيأ للنفس الناطقة الدماغ وأسكنه أعلى حمل وأوفق رتبة‪ .‬وزينه‬
‫ابلفكر والذكر واحلفظ‪ .‬وسلط عليه اجلواهر العقلية لتكون النفس أمريه والعقل وزيره‪ ،‬والقوى جنوده‪،‬‬
‫واحلس املشرتك مريده‪ ،‬واألعضاء خدمه‪ ،‬والبدن حمل ممكلته‪ ،‬ابحلواس يسافرون يف مجيع األوقات يف‬
‫عاملهم‪ ،‬ويلتقطون األخبار واملوافقة واملخالفة‪ ،‬ويعرضوهنا على احلس املشرتك الذي هو واسطة بني النفس‬
‫واحلواس‪ .‬وهو يعرضها على القوة العقلية لتختار ما يوافق‪ ،‬وتطرح ما خيالف‪ ،‬فمن هذا الوجه فاإلنسان‬
‫ض ًيال}"‪.‬‬ ‫ض ْلنَاهم علَى َكثِ ٍري ِممَّن خلَ ْقنَا تَ ْف ِ‬
‫ْ َ‬ ‫{وفَ َّ ْ َ‬ ‫عامل صغري‪ .‬فيكون مرادا من قوله عز وجل يف سورة اإلسراء‪َ :‬‬
‫رمبا نعتقد لوهله أبن هذه احلقائق مما ال أتثري له على الفكر الرتبوي بينما مما يكثر اجلدال حوله لدى‬
‫الفالسفة الالدينيون بشكل خاص وغري املسلمني بشكل عام‪.‬‬

‫اإلنسان وخالفة األرض‪:‬‬


‫يدرك املفكر الرتبوي اإلسالمي األصل الوجودي له كإنسان على هذه األرض والذي يتمثل بكونه خليفة‬
‫هللا على األرض وهو بذلك يسكنها ويعمرها ويستفيد من خرياهتا ورزقها‪ ،‬وبذلك فضله هللا على كثري من‬
‫ۡ‬ ‫ك لِ ۡلملَ ٰۤ ِٕى َك ِة إِنِّی ج ِ‬ ‫ِۡ‬
‫ض‬‫اع ࣱل فِی ٱأل َۡر ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬
‫ر‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ال‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ذ‬ ‫﴿وإ‬
‫خملوقاته (مرسي‪ )2005،‬ونستدل بذلك بقوله تعاىل َ‬
‫ال إِنِّ ٰۤی أ َۡعلَم َما‬ ‫ق‬ ‫ك‬
‫ࣰ‬
‫ل‬ ‫س‬ ‫ِ‬
‫د‬ ‫ق‬ ‫ن‬‫و‬ ‫ك‬ ‫ِ‬
‫د‬ ‫م‬‫ۡ‬ ‫ِب‬‫ِ‬ ‫ح‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫س‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫َجتعل فِيها من ي ۡف ِسد فِيها وي ۡس ِفك ٱل ِدم ٰۤاء و ۡ‬
‫َن‬ ‫خلِيف ࣰة قال ٰۤ ۟وا أ ۡ‬
‫َّ َ َ َ َ ّ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ َ َ ََ َ َ‬
‫س الْمَراد‬ ‫ۡ‬
‫َال تَعلَمو َن﴾ [البقرة ‪ ]30‬وقد نقل (الصابوين‪ .1981،‬ص‪ )48:‬عن ابن كثري ما نصه " َولَْي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫آد َم‪َ ،‬علَْي ِه َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين‪ ،‬إذ لو كان ذلك لَ َما َحس َن قَ ْول‬ ‫الس َالم‪ ،‬فَ َق ْط‪َ ،‬ك َما يَقوله طَائ َفةٌ م َن الْم َف ّس ِر َ‬ ‫َهاهنَا ِاب ْخلَلي َفة َ‬
‫ِ‬ ‫اجلِْن ِ‬
‫َن ِم ْن َه َذا ْ‬ ‫َجت َعل فِ َيها َم ْن ي ْف ِسد فِ َيها َويَ ْس ِفك ال ِّد َماءَ﴾ فإهنم أ ََرادوا أ َّ‬
‫ك‪،‬‬ ‫س َم ْن يَ ْف َعل َذل َ‬ ‫الْ َم َالئِ َك ِة‪﴿ :‬أ َْ‬
‫ف ِم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك بِعِْل ٍم خ ٍ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َخ ََربه ْم أَنَّه َخيْلق َه َذا ّ‬
‫الصْن َ‬ ‫اص‪ ،‬أ َْو مبَا فَ ِهموه م َن الطَّبِ َيعة الْبَ َش ِريَّة‪ ،‬فَِإنَّه أ ْ‬
‫َ ّ‬ ‫َوَكأ ََّهن ْم َعلموا َذل َ‬
‫اخلَلِي َف ِة أَنَّه الذي يفصل بني الناس ما يقع بينهم من املظامل‬ ‫ون} أ َْو فَ ِهموا ِم َن ْ‬ ‫{ص ْلص ٍال ِمن ََحٍإ مسن ٍ‬
‫َ َ ْ َ َْ‬
‫ِ‬
‫ِب)" ومن هذا املنطلق يستنبط املفكر اإلسالمي أمهية وجوده على‬ ‫ويردعهم عن الْ َم َحا ِرَم َوالْ َمآمثَ (قَالَه الْق ْرطِ ُّ‬
‫هذه األرض واستغالل ثرواهتا وبطالن اجلهود الفكرية اليت تفسر الوجود اإلنساين على هذه األرض مثل‬
‫نظرية النشوء واالرتقاء‪ ،‬وهنا تربز ميزة الفكر الرتبوي اإلسالمي يف فهمه لإلنسان وعالقته بتواجده على‬
‫األرض‪.‬‬
‫االنسان واألخالق‪:‬‬
‫تعرب االخالق عن جمموعة من القيم اليت تعد أحد اهم اهداف الرتبية اإلسالمية‪ ،‬وختتلف مصادر القيم‬
‫األخالقية واإللزام اخللقي ابختالف الثقافات واجملتمعات‪ .‬فلكل ثقافة أو جمتمع مصادره اخلاصة اليت‬
‫يستقي منها القيم اخللقية وحيدد على أساسها إطاره األخالقي‪ .‬وميكن القول بصفة عامة أبن من أهم‬
‫مصادر القيم األخالقية للثقافات املختلفة الدين أو الفلسفات الفكرية أو النظرايت النفسية واالجتماعية‪،‬‬
‫والعرف والتقاليد والقوانني املدنية‪ .‬واملفكر اإلسالمي يستمد من القرآن الكرمي مصادر القيم األخالقية‪.‬‬
‫وقد بني هللا لإلنسان طريق الصواب وطريق اخلطأ من خالل أوامره ونواهيه‪ .‬وزوده ابلعقل واحلواس ليكون‬
‫ص َريةٌ‪َ ،‬ولَ ْو أَلْ َقى َم َع ِاذ َيره} ‪ .‬وقال أيضا‪{ :‬أََملْ ََْن َع ْل‬ ‫األنْسان علَى نَ ْف ِس ِه ب ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بصريا بنفسه‪ .‬قال تعاىل‪{ :‬بَ ِل ْ َ َ‬
‫{ونَ ْف ٍ‬ ‫اان و َش َفتَ ْ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫س َوَما َس َّو َاها‪ ،‬فَأَ ْْلََم َها فج َورَها َوتَ ْق َو َاها} و َ‬
‫{وأ ََّما‬ ‫َّج َديْ ِن} و َ‬‫ني‪َ ،‬وَه َديْنَاه الن ْ‬ ‫لَه َعْي نَ ْني‪َ ،‬ول َس ً َ‬
‫اجلَنَّةَ ِه َي الْ َمأْ َوى} ‪ .‬فالقتل والسرقة والكذب حرام ألهنا‬ ‫س َع ِن ا ْْلََوى‪ ،‬فَِإ َّن ْ‬ ‫ِِ‬
‫اف َم َق َام َربّه َوَهنَى النَّ ْف َ‬
‫َم ْن َخ َ‬
‫أفعال يرى فيها الشرع أهنا منافية للفطرة والعقل والقصاص واألمانة والصدق حالل ألهنا أفعال مشروعة‬
‫ِبكم متشيها مع الفطرة والعقل‪ .‬وعندما يقصر اإلنسان يف حق ما أمره به هللا أو هناه عنه فإن هللا سبحانه‬
‫وتعاىل حياسبه ويعاقبه على تقصريه‪ .‬فقد جاء يف (عبداجلبار‪ ،‬صهيب‪ .2014 ،‬ص‪َ " )45:‬ع ْن أَِِب هَريْ َرَة‬
‫َخ َال ِق "‬ ‫هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ " :-‬إََِّّنَا بعِثْت ِألَمتِّم ِ‬ ‫ال رسول ِ‬
‫صال َح ْاأل ْ‬
‫َ َ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ َ‬ ‫‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قَ َ‬
‫واألخالق ال تعلم نظراي فهي ممارسات عملية وقد ذكر (مرسي‪.2005،‬ص‪ )50:‬عن الغزايل قوله‪ ":‬إن‬
‫أشرف خملوق على األرض هو االنسان‪ ،‬وقد كرمه هللا على كثري من خلقه" ‪ .‬وذكر كذلك أبن نظرة‬
‫اإلسالم لإلنسان نظرة أخالقية وذلك ان اْلدف من حياة االنسان هو عمل اخلري يف احلياة الدنيا‪ .‬لذلك‬
‫َند أن الشريعة اإلسالمية ترِب نفس االنسان على االخالق احلسنة والكرمية وال فضل يف اإلسالم لنوع‬
‫وال جنس اال ابلتقوى والعمل الصاحل ‪.‬‬

‫االنسان والفطرة‪:‬‬
‫املفكر اإلسالمي ينظر اىل االنسان على لديه اإلرادة على اختيار اخلري والشر إال أن البذرة والفطرة األساسية‬
‫ك‬ ‫ِ‬
‫لديه هي النزعة اخلريية فهو مفطور على االرتباط خبالقه حيث يقول هللا سبحانه وتعاىل {فَأَق ْم َو ْج َه َ‬
‫اَّلل الَِّيت فَطََر النَّاس َعلَْي َها} [الروم‪ ]30 :‬فقد ذكر (الطربي‪.2001 ،‬ص‪ )492‬يف‬ ‫لدي ِن حنِي ًفا‪ ،‬فِطْرَة َِّ‬
‫ِِ‬
‫َ‬ ‫لّ َ‬
‫ص َد ِر ِم ْن َم ْع ََن قَ ْولِِه {فَأَقِ ْم‬ ‫صب ِ‬
‫ت فطَْرة َعلَى الْ َم ْ‬
‫ِ‬
‫َّاس َعلَْي َها‪َ ،‬ون َ ْ‬ ‫صْن َعة َِّ َّ‬
‫اَّلل ال ِيت َخلَ َق الن َ‬ ‫هذه اآلية قوله " َ‬
‫ك فِطَْرًة‪َ .‬وبِنَ ْح ِو الَّ ِذي‬ ‫ِ‬
‫َّاس َعلَى َذل َ‬‫اَّلل الن َ‬
‫ك‪ :‬فَطََر َّ‬ ‫ِ‬ ‫ك أ َّ‬
‫َن َم ْع ََن َذل َ‬
‫ِ‬
‫لدي ِن َحنِي ًفا} [الروم‪َ ]30 :‬و َذل َ‬
‫وجهك لِ ِّ‬
‫َ َْ َ‬
‫ِ‬
‫ك قَ َال أ َْهل التَّأْ ِو ِيل" وعلى هذا يسعى الفكر اإلسالمي الرتبوي لتعزيز تلك القيم وتقوية العالقة‬ ‫ق ْلنَا ِيف َذل َ‬
‫بني االنسان وخالقه‪ ،‬يقول (مرسي‪.2005،‬ص‪" )51:‬ومهمة الرتبية اإلسالمية تربية فطرة املسلم على‬
‫االميان الصحيح وخشية هللا وعبادته"‪.‬‬
‫االنسان واخلري والشر‪:‬‬
‫نقل (أَحد‪.1982،‬ص‪ )145:‬عن الغزايل وصف الدوافع اإلنسانية حملاور رئيسية منها املبدأ اخللقي والذي‬
‫يتمثل يف امليول البهيمية كقضاء الشهوة‪ ،‬ومبدأ حب البقاء‪ .‬فمعرفة دوافع اخلري والشر داخل االنسان‬
‫جتعل ارابب الفكر الرتبوي يتعاملون على هذا األساس فقد ذكر (أبو العينني‪ )1986 ،‬ان لدى االنسان‬
‫َّج َديْ ِن﴾ [ سورة‬ ‫القابلية واالستعداد لفعل اخلري والشر على السواء كما اشارت اآلية الكرمية ﴿ َوَه َديْنَاه الن ْ‬
‫البلد‪ ]10 :‬وأيضاً ﴿ فَأَ ْْلََم َها فج َورَها َوتَ ْق َو َاها﴾ [ الشمس‪ ]8 :‬فاإلنسان قادر على اختيار اخلري والشر‬
‫والرتبية تكون ارادته وقدرته على مواجهة اخلري والشر والتغلب علية كما أشار احلديث الشريف قول النِ ُّ‬
‫َِّب‬
‫صَرانِِه‪ ،‬أ َْو ميَ ِّج َسانِِه"‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صلَّى هللا َعلَْيه َو َسلَّ َم‪َ " :‬ما م ْن َم ْولود إَِّال يولَد َعلَى الفطَْرِة‪ ،‬فَأَبَ َواه ي َه ِّوَدانه أ َْو ي نَ ّ‬
‫َ‬
‫يقول (مرسي‪.2005،‬ص‪ .)182:‬فقد أكد ابن رشد أن هللا قد وهب االنسان قوه يستطيع هبا فعل احد‬
‫املتضادين وهي ما تسمى اإلرادة ويف نظر الفاراِب يف وسع االنسان ان يفعل اخلري فاإلرادة عنده دعامة‬
‫االخالق(علي‪.)1991 ،‬‬

‫االنسان واالعرتاف ابلضعف‪:‬‬


‫ان معرفة ضعف االنسان لدى املفكر الرتبوي يقوده ملراعاة ذلك يف اجلوانب الرتبوية ومما يستدل به على‬
‫يعم هذا‬
‫ف اإلنسان ّ‬ ‫ضع َ‬
‫استنادا إىل عموم اللفظ‪ ،‬وداللة العقل إىل أ ّن ْ‬ ‫ً‬ ‫ضعف االنسان ماقاله ابن القيم‬
‫كله‪ ،‬فقال‪« :‬الصواب أ ّن ضعفه يعم هذا كله‪ ،‬وضعفه أعظم من هذا وأكثر؛ فإنه ضعيف البنية‪ ،‬ضعيف‬
‫القوة‪ ،‬ضعيف اإلرادة‪ ،‬ضعيف العلم‪ ،‬ضعيف الصرب‪ ،‬واآلفات إليه مع هذا الضعف أسرع من السيل يف‬
‫صيب احلدور‪ ،‬فباالضطرار ال ب َّد له من حافظ معني يقويه‪ ،‬ويعينه‪ ،‬وينصره‪ ،‬ويساعده‪ ،‬فإن ختلى عنه هذا‬
‫املساعد املعني فاْلالك أقرب إليه من نفسه»‪ .‬يقول (العرعور‪" )2005،‬حاجتنا إىل خماطبة الناس مبا‬
‫املعلَم حىت يتضح؛ أن نورد قوله تعاىل {ال يكلف هللا نفسا إال‬ ‫يعقلون‪ ،‬ومبا حيتاجون‪ .‬يكفي يف هذا ْ‬
‫وسعها} قال املفسرون الوسع‪ :‬الطاقة والقدرة)) قلت‪ :‬والسع يشمل‪ :‬الوسع العقلي‪ ،‬والبدين‪ ،‬والعلمي‪،‬‬
‫فال تكليف إلنسان فوق أي وسع منحه هللا إايه‪ .‬وقد ذكر (أبو العينني‪ )1986 ،‬ان اإلسالم ينكر على‬
‫لسان الرسول صلى هللا عليه وسلم من حيرم نفسه من حقها فقد جاء "رهطًا من الصحاب ِة ذهبوا إىل ِ‬
‫بيوت‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫أين َنن من‬ ‫َّ ُّ‬ ‫َِّب يسألو َن أزواجه عن عبادتِِه َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫فلما أخربوا هبا كأهنم تقالوها أي ‪ :‬اعتربوها قليلةً مثَّ قالوا ‪َ :‬‬ ‫َ‬ ‫الن ِّ‬
‫َّهر فال أفطر‬ ‫َّم من ذنبِ ِه و ما َّ‬ ‫رسول َِّ‬
‫ِ‬
‫أتخَر ؟ فقال أحدهم ‪ :‬أما أان فأصوم الد َ‬ ‫اَّلل له ما تقد َ‬
‫فر َّ‬
‫اَّلل و قد َغ َ‬
‫بني ْلم‬
‫َِّب َّ َ‬
‫فلما بلغ ذلك الن َّ‬‫و قال الثَّاين ‪ :‬و أان أقوم اللَّ ِيل فال أانم و قال الثَّالث ‪ :‬و أان أعتَ ِزل النِّساءَ َّ‬
‫لكين أقوم و أانم وأصوم و ِ‬ ‫خطأَهم و ِعوج طر ِيق ِهم و قال ْلم ‪َّ :‬إَّنا أان أعلمكم َِّ‬
‫أفطر‬ ‫ابَّلل و أخشاكم له و ِّ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬ ‫و َّ ِ‬
‫فليس ِّ‬
‫مين"‪.‬‬ ‫ب عن سنَّيت َ‬ ‫فمن رغ َ‬ ‫أتزوج النّساءَ َ‬
‫ماهي انعكاسات فهم طبيعة االنسان على الفكر الرتبوي اإلسالمي‪:‬‬
‫فيما يتعلق ابخلالفة فهو يدل على علو منزلة االنسان يف األرض وكرامته اليت منحها اخلالق له من بني‬
‫اخلالئق وهي احدى املبادئ اليت البد ان تغرس يف نفوس األجيال ويستحضرها املفكر الرتبوي‪ ،‬حيث‬
‫يقتضي فهم ذلك الرتبية على احرتام االنسان لغريه ولذاته وان يكون مؤمتنا على هذا التفضيل وال ينزل‬
‫ابلنفس اىل الدرجات البهيمية واستشعار هذه املسؤولية اليت منحت له من اخلالق وان ال يسري على خطى‬
‫الشيطان والذي يهدف اىل افساد األرض إبفساد النفوس وابلتايل سوء املصري‪ ،‬وكذلك من املهم معرفة‬
‫جوانب الضعف عن االنسان كالنسيان والتعب وقابلية اخلري والشر وإمكانية املعرفة والصرب كلهما مما‬
‫يساهم يف معرفة ما يتناسب مع النفس البشرية وما ختتص به واليت القرآن والسنة وتراث الصحابة والتابعني‬

‫املراجع‪:‬‬
‫القرآن الكرمي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الطربي‪ ،‬حممد بن جرير‪ ،‬جامع البيان عن أتويل آي القرآن‪ .‬دار الرتبية والرتاث‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الطربي‪ ،‬حممد بن جرير‪ ،‬جامع البيان عن أتويل آي القرآن‪ .‬دار هجر‪ .‬ط‪1‬‬ ‫‪-‬‬
‫القزويين‪ ،‬زكراي حممد‪ .)2000( ،‬عجائب املخلوقات واحليواانت وغرائب املوجودات‪ .‬مؤسسة‬ ‫‪-‬‬
‫األعلمي‪.‬‬
‫الصابوين‪ ،‬حممد علي‪ .)1981( ،‬خمتصر تفسري ابن كثري‪ .‬دار القرآن الكرمي‪( .‬اختصار وحتقيق)‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫عبداجلبار‪ ،‬صهيب (‪ .)2014‬اجلامع الصحيح للسنن واملسانيد‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫اجلرجاين‪ ،‬علي حممد علي‪ .)1983( ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫عرت‪ ،‬نور الدين‪ )1981( ،‬منهج النقد يف علوم احلديث‪ .‬دار الفكر‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫علي‪ ،‬سعيد إمساعيل‪ )1991( ،‬اجتاهات الفكر الرتبوي اإلسالمي‪ ،‬دار الفكر العرِب‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مرسي‪ ،‬حممد منري‪ )2005( ،‬الرتبية اإلسالمية أصوْلا وتطورها يف البالد العربية‪ .‬عامل الكتب‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أبو العينني‪ ،‬علي خليل مصطفى‪1986 .‬م‪" .‬الفكر الرتبوي اإلسالمي‪ -‬مصادره‪ -‬معطياته‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫حركته"‪ .‬مكتب الرتبية العرِب لدول اخلليج‪ .‬س‪ .6‬ع‪.17‬‬
‫العرعور‪ ،‬عدانن حممد‪ .)2005( .‬منهج الدعوة يف ضوء الواقع املعاصر‪ .‬جائزة انيف بن عبد‬ ‫‪-‬‬
‫العزيز آل سعود العاملية للسنة النبوية والدراسات اإلسالمية املعاصرة‪.‬‬

You might also like