You are on page 1of 10

‫إدراك عظمة هللا في زمن الكورونا‬

‫بقلم‪ :‬فاتن صبري‬

‫ففروا إلى هللا!‬


‫في ِزيارة لنا لدولة َجنوب أفريقيا‪ ،‬رأيت ما ال يَخطُر على البال ِمن َجمال يأخذ باأللباب‪ ،‬حتى وصلنا إلى‬
‫منطقة رأس الرجاء الصالح في مدينة كيب تاون‪ ،‬وأدركت أنني في عالم آخر‪ .‬شواطئ من البطاريق‪ :‬وعوالم‬
‫للطيور والفراشات بألوان لم أرها في حياتي مع كثرة تجوالي وترحالي‪ :.‬وفي هذا المكان الذي يمتلئ‬
‫بال ُخضرة والبهجة‪ ،‬يعيش إنسان بسيط من دولة ماليزيا وقد ُولد في هذا المكان وترعرع‪ .‬رجل ُم ِس ّن كان‬
‫يعمل سائقا وقد أخذنا في جولة لمدة عشرة أيام في هذه المدينة‪ .‬ما أدهشني أنني عندما سألته ع ّما إذا كان قد‬
‫زار مكانا آخر في العالم‪ ،‬قال‪ :‬أنا ال أعرف إال مكة‪ ،‬وال أريد أن أعرف إال مكة‪ ،‬وإنني‪ :‬كلما حصلت على‬
‫مبلغ من المال ذهبت ألزور‪ :‬مكة‪.‬‬
‫وقال إنهم يذهبون بقوافل يقطعون فيها القارة السوداء وتأخذ‪ :‬هذه الرحلة منهم الكثير من الوقت والجهد‬
‫والمال‪ ،‬لكنه يُصر على الذهاب كلما حصل على المال إلى مكة‪ .‬تأثرت كثيرا وقُلت في نفسي‪ ،‬رجل يترك‬
‫ُ‬
‫تذكرت اآلية الكريمة (ففروا إلى هللا)‪،‬‬ ‫هذا الجمال ليذهب إلى أرض ُمقفرة ال زرع فيها وال شجر‪ ،‬وحينها‪:‬‬
‫وقلت في نفسي‪ :‬صدق هللا العظيم‪ .‬ما أعظم هذا الخالق الذي زرع في قُلوبنا‪ :‬بِذرة التعلّق به‪ ،‬والشوق‪ :‬للقائه‬
‫والذي سهّل علينا الطريق‪ :‬إليه‪ ،‬وسُررت‪ :‬كثيرا‪.‬‬

‫وما قدروا هللا حق قدره!‬


‫َاب الَّ ِذي َجا َء بِ ِه ُمو َسىٰ‪:‬‬ ‫ق قَ ْد ِر ِه ِإ ْذ قَالُوا َما َأنزَ َل هَّللا ُ َعلَىٰ بَ َش ٍر ِّمن َش ْي ٍء ۗ قُلْ َم ْن َأن َز َل ْال ِكت َ‬‫" َو َما قَ َدرُوا‪ :‬هَّللا َ َح َّ‬
‫يس تُ ْبدُونَهَا‪َ :‬وتُ ْخفُونَ َكثِيرًا ۖ َو ُعلِّ ْمتُم َّما لَ ْم تَ ْعلَ ُموا َأنتُ ْم َواَل آبَاُؤ ُك ْ‪:‬م ۖ قُ ِل هَّللا ُ ۖ ثُ َّم‬ ‫اس ۖ تَجْ َعلُونَهُ قَ َر ِ‬
‫اط َ‬ ‫نُورًا َوهُدًى لِّلنَّ ِ‬
‫ض ِه ْم يَ ْل َعبُونَ " (األنعام‪)91 :‬‬ ‫َذرْ هُ ْم فِي َخوْ ِ‬
‫من القصص الجميلة التي أذكرها لحوار لي مع دُبلوماسي‪ :‬من الصين يتكلم اإلنجليزية بطالقة‪ ،‬وقد‪ :‬كان قد‬
‫أضحكني عندما قال‪ :‬إن الخالق خلق الكون وانشغل‪ ،‬ولم يعد يتدخل فيه‪.‬‬
‫بصراحة ظننت أنه يستهزأ‪ ،‬لكنني عَلمت فيما بعد أن هذه العقيدة من أساسيات ِديانة ُمنتشرة في العالم‪.‬‬
‫ُ‬
‫قلت له‪ :‬إن هللا تعالى يعلم كل صغيرة وكبيرة في هذا الكون‪ ،‬وما تسقط من ورقه إال یعلمها‪ ،‬وما تخرج من‬
‫ثمرات من أكمامها‪ ،‬وأحصى كل شيء عددا‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ألیس عجيبا َأن يتدخل الخالق في كل صغیرة وكبیرة؟‬

‫قُلت له‪ :‬ببساطة إن الذبابة التي تبدو تافهة في نظر الناس‪ُ ،‬ممكن أن تتسبب في نقل األوبئة واألمراض‪،‬‬
‫ويُمكن لها أن تُغير موازيين القوى‪ .‬ألم تكن البعوضة سببا في مصرع اإلسكندر؟‬
‫كما يكفي أن نرى في وقتنا‪ :‬الحاضر من انتشار الميكروبات الصغيرة التي يخشاها اإلنسان دون أن يراها‬
‫وتُؤثر‪ :‬في مصيره‪ .‬إن عظمة الخالق أنه وحده یعلم قیمة كل شيء‪.‬‬

‫إنني دائما ما أتذكر ِحواري مع هذا الدبلوماسي‪ ،‬وأقول في نفسي‪ ،‬إنها فعال ال تعمى األبصار‪ ،‬ولكن تعمى‬
‫القُلوب التي في الصدور‪:.‬‬

‫إن الدول العُظمى تتسابق‪ :‬الستعراض ما لديها من قُوة وجُيوش بعمل العُروض العسكرية‪ ،‬وهللا تعالى يُرينا‬
‫عظمته بما ال تراه العيون‪.‬‬
‫إن انتشار‪ :‬فيروس الكورونا في هذه األيام‪ ،‬جعل العالم يَستشعر‪ :‬عظمة الخالق‪ ،‬وكيف تبدلت الموازين‬
‫واختلفت المعايير واألولويات‪ ،‬وكيف انهارت أمام هذا الكائن ال ِمجهري األسلحة النووية والهيدروجينية‪،‬‬
‫لينهار ُغرور‪ :‬اإلنسان أمام هللا‪.‬‬
‫يقول ابن القيم‪:‬‬

‫"تأ ّمل ِخطاب القرآن‪ ،‬تَ ِج ُد َملِكا ً له ال ُملك ُكلّه‪ ،‬ولهُ ال َحم ُد ُكلّه‪َ ،‬أ ِز ّمة األمور ُكلّها بِيده‪َ ،‬ومص َدرُها منه‪َ ،‬و َمر ُّدها‬
‫إليه‪ ،‬ال تَخفى عليه خافية في أقطار‪ :‬مملكته‪ ،‬عالِما بما في نُفوس عبيده‪ُ ،‬مطّلعا على أسرارهم وعالنِيتهم‪،‬‬
‫ُمنفردا بتدبير المملكة‪ ،‬يَسمع ويَرى‪ ،‬يَمنع ويُعطي‪ ،‬ويُثيب ويُعاقب‪ ،‬ويُكرم ويُهين‪ ،‬يخلق ويرزق‪ ،‬ويُميت‬
‫ويُحيي‪ ،‬ويَقدر ويَقضي ويُدبّر‪:".‬‬
‫عظمة هللا تتجلى في تواصله مع خلقه‪:‬‬
‫لقد شدني كثيرا حواري مع الصيني‪ ،‬وعكفت على قراءة المزيد عن هذا الدين الذي يُؤمن أتباعه أن الخالق‬
‫خلق الكون وتركه‪ ،‬ولم يتواصل معنا عن طريق الرسل‪ ،‬وعكفت على البحث على طريقة للرد عليه وعلى‬
‫الحياد اإللهي‪.‬‬
‫غيره ممن يتبنون هذا االعتقاد‪ ،‬وهُو ما يُسمى لديهم بمفهوم ِ‬

‫خالل بحثي ودراستي‪ :‬لهذه النقطة‪َ ،‬وجدت أن القرآن الكريم َأقر بتواصل‪ :‬هللا مع خَ لقه عن طريق‪ :‬الرُسل‬
‫وتجلت عظمة هللا بتقديم دالئل تواصله مع اإلنسان في أكثر من موضع في القرآن الكريم‪.‬‬

‫اس َعلَى هَّللا ِ ُح َّجةٌ بَ ْع َد الرُّ س ُِل ۚ َو َكانَ هَّللا ُ ع ِ‬


‫َزي ًزا َح ِكي ًما‪".‬‬ ‫"رُّ ُساًل ُّمبَ ِّش ِرينَ َو ُمن ِذ ِرينَ لَِئاَّل يَ ُكونَ لِلنَّ ِ‬ ‫‪-‬‬
‫(النساء‪)165:‬‬

‫بدايةً أكد سُبحانه وتعالى بأن هناك ِحكمة من خلق اإلنسان‪.‬‬

‫"َأفَ َح ِس ْبتُْ‪:‬م َأنَّ َما خَ لَ ْقنَا ُك ْم َعبَثًا َوَأنَّ ُك ْم ِإلَ ْینَا اَل تُرْ َجعُونَ ‪( ".‬المؤمنون‪)115‬‬ ‫‪-‬‬
‫وأكد بالنفي ِمرارا أن يكون اللهو أو اللعب هو الغایة من الخلق‪.‬‬

‫ض َو َما بَ ْينَهُ َما اَل ِعبِينَ ‪( ".‬األنبياء ‪)16:‬‬ ‫" َو َما خَ لَ ْقنَا ال َّس َما َء َواَأْلرْ َ‬ ‫‪-‬‬
‫اعلِینَ ‪( ".‬األنبياء ‪)17:‬‬ ‫"لَوْ َأ َر ْدنَا َأن نَّتَّ ِخ َذ لَ ْه ًوا اَّل تَّ ْ‬
‫خَذنَاهُ ِمن لَّ ُدنَّا ِإن ُكنَّا فَ ِ‬ ‫‪-‬‬
‫وأكد استسالم جميع ما في السماوات واألرض له سبحانه‪.‬‬

‫ت َواَأْلرْ ِ‬
‫ض طَوْ عًا َوكَرْ هًا َوِإلَ ْي ِه يُرْ َجعُونَ ‪( ".‬آل‬ ‫"َأفَ َغ ْي َر ِدي ِن هَّللا ِ يَ ْب ُغونَ َولَهُ َأ ْسلَ َم َمن فِي ال َّس َم َ‬
‫اوا ِ‬ ‫‪-‬‬
‫عمران‪)83:‬‬

‫وبَّين أنه َخلق ال ِجن واإلنس لعبادته‪.‬‬

‫ت ْال ِج َّن َواِإْل َ‬


‫نس ِإاَّل لِیَ ْعبُدُو ِن‪( ".‬الذاريات‪)56:‬‬ ‫" َو َما خَ لَ ْق ُ‬ ‫‪-‬‬

‫وبَّين أن تَميز اإلنسان هو بالتوجه لرب العالمين ُمباشرة وإخالص العبودية له‪ ،‬ويكون بذلك َحقق ِحكمة‬
‫الخالق بجعل اإلنسان على رأس المخلوقات‪ .‬‬

‫" َو َم ْن َأحْ َسنُ ِدينًا ِّم َّم ْن َأ ْسلَ َم َوجْ هَهُ هَّلِل ِ َوهُ َو ُمحْ ِس ٌن َواتَّبَ َع ِملَّةَ ِإب َْرا ِهي َم َحنِيفًا ۗ َواتَّخَ َذ هَّللا ُ ِإب َْرا ِهي َم َخلِياًل " (‬ ‫‪-‬‬
‫النساء‪)125 :‬‬

‫صفاته‪.‬‬ ‫عرفة ِربّ العالمين والتَوا ُ‬


‫صل‪َ :‬معه والت َعرّف على ِ‬ ‫والعبادَة المقصودة هنا‪ ،‬هو بمعناها الشا ِمل‪ ،‬وهو َم ِ‬
‫ِ‬
‫وتمجيده وتنزيهه ع ّما ال يليق به وإفراده بالعبادة‪.‬‬

‫إضافة لما أشار إليه القرآن الكريم‪ ،‬هُناك عدد من األدلة العقلية على تَواصل الخالق مع البشر‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫الحكمة‪:‬‬

‫فمثالً إذا بنى اإلنسان َمسكناً‪ ،‬ثم تركه بدون منفعة له أو لغيره أو حتى ألوالده‪ ،‬فإننا‪ :‬بطبيعة الحال نَحكم عليه‬
‫بأنه إنسان غير حكيم أو غير سوي‪ .‬لذلك ‪ -‬وهلل المثل األعلى‪ -‬فإنه ِمن البديهي أن يكون هناك ِحكمة من خلق‬
‫الكون‪ ،‬وتَسخير ما في السماوات واألرض لإلنسان‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫الفطرة‪ :‬‬

‫يُوجد في داخل النفس البشرية دافعا ً فِطريا ً شديداً لمعرفة أصله َومصدره والغاية من ُوجوده‪ ،‬إن فطرة‬
‫اإلنسان تَدفعه دوما للبحث عن ال ُمتسبب بوجوده‪.‬‬

‫فالشخص الذي يُولد وال يَجد والده أو والدته‪ ،‬تبقى لديه َرغبة جامحة للبحث والتَعرّف على ُأمه وَأبيه‬
‫ال ُمتسببين في ُوجوده في هذه الحياة‪.‬‬

‫وكذلك اإلنسان تَدفعه فِطرته دوما للبحث عن ال ُمتسبب في ُوجوده‪ .‬والفطرة السليمة التي لم تتأثر بشيء يمكن‬
‫لها أن تهتدي لخالقها ولكنها غير كافية ويبقى اإلنسان بحاجة لهداية من رب العالمين من خالل إرسال‬
‫الرسل‪ ،‬إلرشاده إلى الطريق‪ :‬السليم ومعرفة خالقه على النحو الذي يليق به‪.‬‬
‫فنجد أن كثيراً من الشعوب َوجدت طريقها في الرساالت السماوية‪ ،‬في حين أن غَيرها من الشعوب ال زالت‬
‫في ضاللها تبحث عن الحقيقة‪ ،‬وتوقفت في تفكيرها عند الرموز المادية األرضية‪.‬‬

‫إن ُوجود‪ :‬الدافع الفطري لدى اإلنسان للتواصل‪ :‬مع خالقه ومعرفه الغایة من ُوجوده ومعرفة مآله بعد الموت‪،‬‬
‫بزغت عند اإلنسان ُمنذ القدم‪ ،‬ووضع لها األساطير‪ ،‬وَأسّس لها الفلسفات التي تقوم على هذه األسئلة ال ُوجودية‬
‫وال ِمحورية‪.‬‬

‫إن ُوجود‪ :‬هذه األفكار في وعي االنسان وتوجهه للبحث عن أجوبة في هذا المجال‪ ،‬تُعطينا‪ :‬دليال ً قوياً‪ :‬على أن‬
‫هناك إرادة غيبية تقف وراء ذلك‪ ،‬وتدفع‪ :‬باإلنسان للبحث والتواصل مع خالقه‪ .‬وإنه لمن ال ُمستنكر أن يُترك‬
‫المخلوق بهذه الفطرة بدون ارشاد أو هداية من المصدر الذي زَ رع تلك الفطرة فيه‪.‬‬

‫األخالق‪:‬‬

‫إن ظمئنا للماء هو دلیل على ُوجود‪ :‬الماء قبل أن نعرف بِوجوده‪ .‬كذلك شوقنا إلى العدل هو دلیل على ُوجود‬
‫العادل‪.‬‬

‫الحیاة من نقاِئص‪ ،‬و ِمن ظُلم الناس بعضهم البَّعض‪ ،‬ال يقتنع بأن الحیاة يُمكن‬
‫فاإلنسان الذي یُشا ِهد ما في هذه َ‬
‫أن تنتهي بنجاة الظالم وضياع‪ :‬حق المظلوم‪ .‬بل إن اإلنسان يَشعر بالراحة والطمأنينة عندما تُطرح عليه فكرة‬
‫ُوجود البعث والحياة اآلخرة والقصاص‪ .‬ال شك أن اإلنسان الذي سوف يُحا َسب على أعماله‪ ،‬ال يُمكن أن‬
‫يُترك دون توجیه وإرشاد‪ ،‬وبدون ترغیب أو ترهیب‪ ،‬وهذا هو دور الدين‪.‬‬

‫كما أن ُوجود الديانات السماوية الحالية الذي يُؤمن أتباعها‪ ‬بألوهية مصدرها‪ ،‬يُعتبر دليل ُمباشر‪ :‬على تواصل‬
‫الخالق مع الَبشر‪ .‬وحتى وإن أنكر ال ُملحدون إرسال رب العالمين لرسل أو ُكتُب َسماوية‪ ،‬فيَكفي ُوجودها‪:‬‬
‫وبَقائها دليالً قوياً‪ :‬على حقيقة واحدة وهي رغبة اإلنسان الجامحة في التواصل مع اإلله‪ ،‬واشباع الفراغ‬
‫الفطري لديه‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫صدق‪ :‬األنبياء وال ُمرسلين‪ ،‬واختيار‪ :‬األسلوب‬
‫نَجد في القرآن الكريم ال ِحرص الواضح على تقديم األدلة على ِ‬
‫في اإلقناع الذي يُناسب كل زمان ومكان‪ .‬فليس من المنطق‪ :‬أن نقبل أو نُؤمن بوجود‪ :‬خالق‪ ،‬وال يكون هُناك‬
‫تواصل (طريقة‪ ،‬شريعة أو منهاج تواصل) معه‪ ،‬وهذا هُو الدين‪.‬‬

‫صفات ال َمفطورة في اإلنسان هو تنازع الخير والشر َو ُوجود‪ :‬اإلرادة‬


‫صفات الخالق الحكمة‪ ،‬ومن ال ِّ‬
‫إن من ِ‬
‫لالختيار‪ .‬فمن البَديهي أن يَتبين لنا حتمية حكمة الخالق‪ ،‬ويكفي ُوجود الموت على حتمية الحساب‪  .‬فالموت‬
‫ليس افناء إنما هو مرحلة االنتقال للحساب‪ .‬وهذا هو دور الديانات السماوية في تبيان هذه الحقيقة‪ .‬‬

‫عظمة الخالق تتجلى في إجابة ال ُمضطر‪:‬‬


‫في ِحوار لي مع َسيًدة ألمانية ‪ُ -‬متز ِّوجة من أرجنتيني‪ ،-‬وُأم زوجها األرجنتينية عن عَظمة الخالق‪ ،‬وكان اللِّقاء‬
‫بدون حُضور‪ :‬الزوج‪ ،‬و ُكنت قد أدركت أن السيدة األلمانية ال تَعتقد ب ُوجود‪ :‬إله‪ ،‬لكن َح َ‬
‫صل أثناء الحِّوار ما‬
‫أبكانا جميعا‪.‬‬
‫والدة ال َّزوج كانت تَسألني بإلحاح عن ال َمصا ِعب الت ًي يَتعرَّض لها اإلنسان‪ ،‬وكيف يَتَص َّرف‪ :‬للنجاة ِمنها‪ ،‬وقد‬
‫الحوار ُمؤثر للغاية‪ ،‬لدرجة أنه أبكى والدة الزوج‪ ،‬عندما ُكنت أشرح عن رحمة هللا و ِحكمته من‬ ‫كان هذا ِ‬
‫صفات‬ ‫ُ‬
‫تعرض لها اإلنسان في الحياة‪ .‬وكنت ُمستطردة في الحديث عن ِ‬ ‫ُوجود المصاعب واآلالم‪ :‬التي قد يَ َ‬
‫ضنا‪ :‬للشدائد؟‬‫الجمال للخالق‪ ،‬حتى قالتا لي‪ :‬إذن ما ال َحلّ؟ ماذا نَفعل عند تَعرُّ ِ‬ ‫صفات َ‬ ‫الجالل َو ِ‬
‫قلت لهم‪ :‬فقط قولوا‪ :‬يا َربّ ‪.‬‬
‫قالتا‪ :‬كيف؟‬
‫وكان ُسؤالهما‪ :‬قد أثار فُضولي‪ :،‬وقد ُكنت قد أرشدتهما لكيفية َرفع اليَد ِعند ال ُّدعاء وكلمات ال ُّدعاء‪ ،‬وقُلنا‪:‬‬
‫بصوت واحد يا َربّ ‪.‬‬

‫وفجأة ونحن ما زلنا نُردد الكلمات‪ ،‬حتى جاءت ُمكالمة هاتفية لأللمانية بخبر َجعلها تبكي فرحا‪ ،‬وتقفز من‬
‫ِشدة فرحها‪ ،‬وتأخذني‪ :‬تارة باألحضان وتحتضن ُأم زوجها‪ :‬تارة أخرى‪ ،‬تَزامنا مع سُؤال والدة زوجها لها‬
‫خَرج؟ وقالت لها‪ :‬نعم نعم‪ .‬وأخذوني باألحضان سويا وقالوا ‪ :‬شكرا يا َربّ ‪.‬‬
‫خَرج‪ ،‬هل َ‬ ‫بقولها‪ :‬هل َ‬

‫مت الحقا أن الزوج كان َمحجوزاً‪ :‬في ال َسجن من ثالثة أسابيع لتَعارُض في بياناته الشخصية لدى‬ ‫وقد فَ ِه ُ‬
‫الحكومة‪ ،‬وقد كان ذا مركز‪ :‬في ال ُمجتمع‪ ،‬و َحج ُزه بهذه الطريقة كان صدمةً لهم‪.‬‬

‫ت من قلبي ما لم أعرف أنه َموجود‪:،‬‬


‫ك أخرج ِ‬ ‫ك ألن ِ‬
‫قالت لي األلمانية كلمات لن أنساها في حياتي‪ ،‬قالت‪ :‬أشكر ِ‬
‫لم أكن أتخيل في حياتي أنني ُمؤمنة باهلل‪ .‬فأدركت حينها عظمة هللا الذي أجاب الدعاء في تلك اللحظة وهدى‪:‬‬
‫قلوبا ً تتوق لمعرفته‪.‬‬

‫كان قد أسعدني‪ :‬كثيراً ما اعترفت به لي هذه السيدة‪ ،‬حيث أثبَتَت ما ُأردده دائما لطالبي في ُمحاضراتي‪:‬‬
‫للمسلمين وحواراتي مع غير المسلمين‪ ،‬بقناعتي الكاملة أن اإللحاد أصال غير َموجود‪ ،‬والجميع ُمؤمن بوجود‬
‫عرف‪ .‬ودورنا فقط ُمساعدة من يَ ّدعي اإللحاد على إظهار ما يُخفيه من اإليمان‪،‬‬‫هللا‪ ،‬شاء أم أبى‪َ ،‬ع َرف أم لم يَ ِ‬
‫أو يُحاول إخفاءه‪.‬‬

‫وما أحوجنا جميعا اآلن في هذه الظروف من انتشار مرض الكورونا لدعاء ال ُمضطر‪ ،‬وكأننا‪ :‬جميعا في بطن‬
‫الحوت‪ ،‬فما أن أحوجنا‪ :‬أن نُردد سويا اآلية الكريمة (ال إله إال أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)‪.‬‬

‫لماذا الدين؟‬
‫سألتني ذات يوم طبيبة بُرتغالية عن أهمية اعتناق الدين اإلسالمي‪ ،‬ولماذا‪ :‬عليها اعتناق أي دين أصال؟ ولماذا‬
‫ال تكتفي بإيمانها باهلل فقط‪ ،‬وأن تَعبُده بطريقتها‪ :.‬وقالت‪ :‬إنها ُمؤمنة ب ُوجود خالق للكون لكنه ال يتواصل مع‬
‫البشر عن طريق الرسل‪ .‬وقالت‪ :‬إنها تقوم بأعمال خيرية وتُساعد البشرية حتى الحيوانات‪ ،‬لكنها ال تنتظر‪:‬‬
‫أجراً من هللا وتعمل هذا في سبيل اإلنسانية‪ ،‬وأن سعادتها‪ :‬و ُمكافئتها‪ :‬تنتظرها من البشرية‪.‬‬

‫قٌلت لها‪ :‬وهل تعتقدي أن اإلنسانية ال تَفنى؟ هل سعادة اإلنسانية دائمة؟ عند فناء اإلنسانية لن يبقى إال الحي‬
‫ت كمن يَ ْدرُس اثني عشر سنة على مقاعد الدراسة ويقول‪ :‬ال أريد ال ِّشهادة‪.‬‬‫الذي ال يموت‪ .‬أن ِ‬
‫تخيلي نفسك ُمشتركة في مؤسسة ضمان اجتماعي للحصول‪ :‬على راتب تقاعدي‪ ،‬وأعلنت ال َّش ِركة أنه لن يكون‬
‫ت بذلك‪ ،‬هل ستست ِمرّين بالتعامل معها‪.‬‬‫بمقدورها دفع الرواتب التقاعدية وسيتم‪ :‬إغالقها قريباً‪ :،‬وعلمتي أن ِ‬
‫ال ُمؤ ِمن من يَع َمل ويَجتَ ِهد‪ :‬ويُساعد اإلنسانية لكن في سبيل هللا‪ ،‬وبالتالي‪ :‬سوف يَحصل على َسعادة الدُنيا‬
‫واآلخرة‪.‬‬

‫قُلت لها‪ :‬بخصوص أهمية ُوجود‪ :‬الدين‪ ،‬تخيلي أنك تسيرين في طريق‪ :‬وال تعرفين نهايته‪ ،‬وأمامك خيارين‪،‬‬
‫إما أن تتبعي التعليمات الموجودة في الطريق‪ :‬على الالفتات‪ ،‬أو تُحاولي التخمين‪ ،‬مما قد يُسبب ل ِ‬
‫ك الضياع‬
‫والهالك‪.‬‬

‫أو تَخيّلي أن تشتري ِجهاز تلفاز وتحاولي تشغيله بدون الرُّ جوع إلى تَعليمات التَشغيل‪ ،‬فسوف‪ :‬تُفسديه‪ِ .‬جهاز‬
‫صل ُ ِ‬
‫ك إلى البُرتغال‪ ،‬فيَجب‬ ‫صلُني هنا مثال مع نَفس ُكتيب التعليمات التي تَ ِ‬
‫التلفاز الصا ِدر‪ :‬من نفس ال َمصنع‪ ،‬يَ ِ‬
‫علينا استخدامه بنَفس الطَّريقة‪.‬‬

‫ن َِجد بَعض ال ُّشعوب للتواصل مع رب العالمين تقوم بالرقص والغناء في دور‪ :‬العبادة‪ ،‬وغيرها ممن يُصفّق‬
‫ليُوقِظ اإلله حسب عقيدتهم‪.‬‬

‫إن من عظمة هللا أن َجعل لنا نِظاما ً نَسير عليه جميعا‪ ،‬ليُنظّم ِعالقتنا به‪ِ ،‬‬
‫وعالقتنا بمن حولنا‪ ،‬وهو ما يُس ّمى‬
‫بالدِّين‪.‬‬

‫ضرّوا‪ :‬بأنفُسهم أوالً قبل أن يَضرّوا غيرهم‪.‬‬


‫ال يُمكن للبَشر أن يَعبُدوا هللا باتباع أهواءهم‪ ،‬ألنهم َسوف يَ ُ‬

‫فمنهم من يَعبد هللا باتخاذ وسيط‪ ،‬ويتَصور أن هللا يأتي بصورة بشر أو حجر‪ ،‬فاهلل يُريد أن يحمينا من أنفُسنا‬
‫فعبادة غير هللا مع هللا تُعد أعظم‬
‫عندما نَعبُد ما ال يَنفعُنا وال يَضُرنا‪ ،‬بل ويَتسبّب في هالكنا في اآلخرة‪ِ .‬‬
‫الكبائر‪ ،‬و ِعقابها ال ُخلود في النار‪.‬‬

‫سألتني‪ :‬لماذا اتخاذ الوسطاء في عبادة هللا يستحق الخلود في النار؟‬


‫كما هو معروف في القانون البشري‪ :‬أن ال َمساس بحق ال َملِك أو صاحب األمر ال يستوي‪ :‬مع غيرها من الجرائم‬
‫ق هللا تعالى على ِعباده أن يُعبَد ُوحدَه‪ ،‬و َح ّ‬
‫ق ال ِعباد هُو الحصول‬ ‫إن ح ّ‬
‫ق َملِك ال ُملوك‪ّ ،‬‬ ‫األخرى‪ .‬فما بالُ ِ‬
‫ك بِح ّ‬
‫على ِعالقة ُمباشرة معه بدون وسيط‪ :،‬وبالتالي الحُصول على األمان في الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫الدين الصحيح‪:‬‬
‫سألتني بعدها عن الدِّين الصحيح الذي يَجب أن تعتنقه بعد إيمانها باهلل‪ .‬قُلت لها‪ :‬إنه من عَظمة هللا أن جعل‬
‫الدين الصحيح سهل ومنطقي‪ ،‬و ُموافق‪ :‬للفطرة التي فطر‪ :‬الناس عليها‪ ،‬وهو عبادته وحده وعمل الصالحات‬
‫وترك المنكرات‪ ،‬وهو الدِّين الذي دعا إليه جميع األنبياء‪ ،‬ويُمكن تمييز الدِّين الصَّحيح عن غيره من خالل‬
‫ثالثة نقاط أساسية‪:‬‬

‫صفات الخالق أو اإلله في هذا الدين‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫صفات الرسول أو النبي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ُمحتوى الرسالة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫والجالل للخالق‪ ،‬والتعريف‬


‫َ‬ ‫الجمال‬
‫لصفات َ‬
‫فالرِّسالة السَّماوية أو الدِّين‪ ،‬ال بُد أن يَحتوي على وصف‪ :‬وشرح ِ‬
‫بنفسه وذاته وعلى أدلة ُوجوده‪.‬‬

‫ص َم ُد (‪ )2‬لَ ْم يَلِ ْد َولَ ْم يُولَ ْد (‪َ )3‬ولَ ْم يَ ُكن لَّهُ ُكفُ ًوا َأ َح ٌد (‪( ")4‬اإلخالص ‪)4-1‬‬
‫"قُلْ هُ َو هَّللا ُ َأ َح ٌد (‪ )1‬هَّللا ُ ال َّ‬

‫وأما فيما يَختص بمفهوم الرسول وصفاته‪ ،‬فان الدين أو الرسالة السماوية‪:‬‬

‫تشرح كیفیة اتصال الخالق بالرَّسول‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫ك فَا ْستَ ِم ْع لِ َما يُوحى‪( ".‬طه‪)13:‬‬ ‫"وَأنَا ْ‬
‫اختَرْ تُ َ‬ ‫َ‬ ‫‪-‬‬

‫أن األنبياء والرُّ سل َمسئولون عن التبليغ عن هللا‪.‬‬ ‫تُبین ّ‬ ‫‪‬‬


‫ُأ‬ ‫ِّ‬ ‫َأ‬
‫‪" -‬يَا يُّهَا ال َّرسُو ُل بَل ْغ َما ِ‬
‫نز َل ِإلَ ْيكَ ِمن َّربِّكَ ‪( "....‬المائدة ‪)67:‬‬

‫وأن الرُسل لم يأتوا لدعوة الناس ِلعبادتهم‪ ،‬بل ل ِعبادة هللا وحده‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪‬‬
‫اس ُكونُوا ِعبَادًا لِّي ِمن‬
‫ول لِلنَّ ِ‬ ‫َاب َو ْال ُح ْك َم َوالنُّبُ َّوةَ ثُ َّم يَقُ َ‬
‫‪َ " -‬ما َكانَ لِبَ َش ٍر َأن يُْؤ تِيَهُ هَّللا ُ ْال ِكت َ‬
‫دُو ِن هَّللا ِ ولكن ُكونُوا‪َ :‬ربَّانِيِّينَ بِ َما ُكنتُ ْم تُ َعلِّ ُمونَ ْال ِكت َ‬
‫َاب َوبِ َما ُكنتُ ْم تَ ْد ُرسُونَ ‪( ".‬آل‬
‫عمران‪)79:‬‬
‫وتُؤكد أن األنبياء وال ُمرسلين هم ال ُذروة في الكمال اإلنساني ال َمحدود‪:.‬‬ ‫‪‬‬
‫ق عظيم‪( ".‬القلم‪ )4:‬‬ ‫ك لعلى ُخلُ ٍ‬
‫‪َ " -‬وِإنَّ َ‬
‫وأن الرُّ سل يُمثلون القُدوة البشرية لإلنسان‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪" -‬لَّقَ ْد َكانَ لَ ُك ْم فِي َرسُو ِل هَّللا ِ ُأ ْس َوةٌ َح َسنَةٌ لِّ َمن َكانَ يَرْ جُو هَّللا َ َو ْاليَوْ َم اآْل ِخ َر َو َذ َك َر هَّللا َ‬
‫َكثِيرًا‪( ".‬األحزاب ‪)21:‬‬

‫أن أنبيائها‪ُ :‬زناة‪ ،‬أو قتلة أو سفاحون وخونة وال ِديانة تَعج‬
‫إنه من غَير الممكن‪ ،‬قَبول ِديانة تُخبرنا نُصوصها‪ّ :‬‬
‫نُصوصُها‪ :‬بالخيانة في أسوء معانيها‪.‬‬

‫أما فيما يَختص ب ُمحتوى‪ :‬الرِّسالة یَنبغي أن تتمیز باآلتي‪:‬‬

‫‪ ‬التعريف باإلله الخالق‪.‬‬


‫صف اإلله بِصفات ال تَليق بِجالله أو تُقلل من قدره‪ .‬كأن يَأتي بِصورة َحجر أو َحيوان‪،‬‬ ‫ّ‬
‫إن الدين الصحيح ال يَ ِ‬
‫أو أن يَلد أو يُولد‪ ،‬أو يكن له مثيل من أحد من َمخلوقاته‪.‬‬

‫صي ُ‪:‬ر‪( ".‬الشورى‪)11 :‬‬ ‫ْس َك ِم ْثلِ ِه َش ْي ٌء ۖ َوه َُو ال َّس ِمي ُع ْالبَ ِ‬‫"‪.....‬لَي َ‬ ‫‪-‬‬
‫ت َو َما فِي‬ ‫اوا ِ‬ ‫" هَّللا ُ اَل ِإلَٰهَ ِإاَّل هُ َو ْال َح ُّي ْالقَيُّو ُم ۚ اَل تَْأ ُخ ُذهُ ِسنَةٌ َواَل نَوْ ٌم ۚ لَّهُ َما فِي ال َّس َم َ‬ ‫‪-‬‬
‫ض ۗ َمن َذا الَّ ِذي يَ ْشفَ ُع ِعن َدهُ ِإاَّل بِِإ ْذنِ ِه ۚ يَ ْعلَ ُم َما بَ ْينَ َأ ْي ِدي ِه ْم َو َما َخ ْلفَهُ ْم ۖ َواَل‬
‫اَأْلرْ ِ‬
‫ت َواَأْلرْ َ‬
‫ض ۖ َواَل يَُئو ُدهُ‬ ‫يُ ِحيطُونَ بِ َش ْي ٍء ِّم ْن ِع ْل ِم ِه ِإاَّل بِ َما َشا َء ۚ َو ِس َع ُكرْ ِسيُّهُ ال َّس َم َ‬
‫اوا ِ‬
‫ِح ْفظُهُ َما ۚ َوهُ َو ْال َعلِ ُّي ْال َع ِظي ُم‪( ".‬البقرة ‪)255:‬‬

‫توضيح الغایة والهَ ِدف من ال ُوجود‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫نس ِإ لِیَ ْعبُدُو ِن‪( ".‬الذاريات ‪)56:‬‬ ‫اَّل‬ ‫ت ْال ِج َّن َواِإْل َ‬
‫"و َما خَ لَ ْق ُ‬‫َ‬ ‫‪-‬‬
‫َأ‬
‫ي نَّ َما ِإلَٰهُ ُك ْم ِإلَٰهٌ َوا ِح ٌد ۖ فَ َمن َكانَ يَرْ جُو لِقَا َء َربِّ ِه‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬ ‫ُ‬
‫‪ " -‬قلْ ِإنَّ َما نَا بَ َش ٌر ِّمثل ُك ْم ي َ‬
‫ُوحىٰ ِإلَ َّ‬
‫صالِحًا َواَل يُ ْش ِر ْك بِ ِعبَا َد ِة َربِّ ِه َأ َحدًا‪( ".‬الكهف‪.)110 :‬‬ ‫فَ ْليَ ْع َملْ َع َماًل َ‬

‫أن تكون ال َمفاهيم الدینیة في حُدود‪ :‬اإلمكانيّات البَشرية‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫‪....." -‬ي ُِري ُد هَّللا ُ بِ ُك ُم ْاليُ ْس َر َواَل ي ُِري ُد بِ ُك ُم ْال ُعس َْر ‪( ".....‬البقرة‪)185 :‬‬
‫‪" -‬اَل يُ َكلِّفُ هَّللا ُ نَ ْفسًا ِإاَّل ُو ْس َعهَا‪ ۚ :‬لَهَا َما َك َسبَ ْ‬
‫ت َو َعلَ ْيهَا َما ا ْكتَ َسبَ ْ‬
‫ت‪("....‬البقرة ‪)286 :‬‬
‫ض ِعيفًا‪( ".‬النساء‪)28 :‬‬ ‫ق اِإْل ن َسانُ َ‬‫‪ " -‬ي ُِري ُد هَّللا ُ َأن يُ َخفِّفَ عَن ُك ْم ۚ َو ُخلِ َ‬

‫ضه ِمن َمفاهيم و ُمسلّمات‪ .‬فَيجب أن تُعطینا‬


‫صحّة ما يَقوم بِعر ِ‬‫تقديم البُرهان ال َعقلي على ِ‬ ‫‪‬‬
‫صحّة ما جاء بها‪.‬‬‫ضحة والكافية للحُكم على ِ‬ ‫الرِّسالة البَراهين ال َعقلِيّة الوا ِ‬
‫فلم یَكتف القرآن الكريم بسوق‪ :‬األدلة والبراهين العقلية‪ ،‬بل تحدى ال ُمشركين وال ُملحدين على‬
‫صحّة ما يقولون‪.‬‬ ‫أن یُقدِّموا البراهين على ِ‬
‫ك َأ َمانِيُّهُ ْم ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْ هَانَ ُك ْ‪:‬م‬ ‫ارىٰ ۗ تِ ْل َ‬ ‫"وقَالُوا‪ :‬لَن يَ ْد ُخ َل ْال َجنَّةَ ِإاَّل َمن َكانَ هُودًا َأوْ ن َ‬
‫َص َ‬ ‫َ‬ ‫‪-‬‬
‫صا ِدقِينَ ‪( ".‬البقرة‪)111 :‬‬ ‫ِإن ُكنتُ ْم َ‬
‫ع َم َع هَّللا ِ ِإلَٰهًا آ َخ َر اَل بُرْ هَانَ لَهُ بِ ِه فَِإنَّ َما ِح َسابُهُ ِعندَ َربِّ ِه ۚ ِإنَّهُ اَل يُ ْفلِ ُح‬‫"و َمن يَ ْد ُ‬‫َ‬ ‫‪-‬‬
‫ْال َكافِرُونَ ‪(".‬المؤمنون‪)117 :‬‬
‫ات َوالنُّ ُذ ُر عَن قَوْ ٍ‪:‬م اَّل‬ ‫ض ۚ َو َما تُ ْغنِي اآْل يَ ُ‬ ‫ت َواَأْلرْ ِ‬ ‫" قُ ِل انظُرُوا َما َذا فِي ال َّس َم َ‬
‫اوا ِ‬ ‫‪-‬‬
‫يُْؤ ِمنُونَ ‪(".‬يونس‪)101 :‬‬

‫أن ال یُوجد تناقض بین المضامين الدینیة التي تَطرحُها الرِّسالة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫اختِاَل فًا َكثِيرًا‪( ".‬النساء‪:‬‬ ‫‪َ " -‬أفَاَل يَتَ َدبَّرُونَ ْالقُرْ آنَ ۚ َولَوْ َكانَ ِم ْن ِعن ِد َغي ِْر هَّللا ِ لَ َو َجدُوا‪ :‬فِي ِه ْ‬
‫‪)82‬‬
‫َأ‬
‫ات ۖ فَ َّما‬ ‫ب َو خَ ُر ُمتَ َشابِهَ ٌ‬ ‫ُأ‬ ‫ْ‬ ‫ُأ‬
‫ات ه َُّن ُّم ال ِكتَا ِ‬ ‫ات ُّمحْ َك َم ٌ‬ ‫َاب ِم ْنهُ آيَ ٌ‬ ‫ْ‬
‫ك ال ِكت َ‬ ‫َأ‬ ‫َّ‬
‫‪" -‬هُ َو ال ِذي ن َز َل َعلَ ْي َ‬
‫الَّ ِذينَ فِي قُلُوبِ ِه ْم َز ْي ٌغ فَيَتَّبِعُونَ َما تَ َشابَهَ ِم ْنهُ ا ْبتِغَا َء ْالفِ ْتنَ ِة َوا ْبتِغَا َء تَْأ ِويلِ ِه ۗ َو َما يَ ْعلَ ُم‬
‫َّاس ُخونَ فِي ْال ِع ْل ِم يَقُولُونَ آ َمنَّا بِ ِه ُكلٌّ ِّم ْن عِن ِد َربِّنَا ۗ َو َما يَ َّذ َّك ُر ِإاَّل‬ ‫تَْأ ِويلَهُ ِإاَّل هَّللا ُ ۗ َوالر ِ‬
‫ب‪( ".‬ال عمران‪)7 :‬‬ ‫ُأولُو اَأْل ْلبَا ِ‬

‫أال یتناقض النَص الديني َمع قانون الفِطرة اَألخالقي لإلنسان‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫اس َعلَ ْيهَا ۚ اَل تَ ْب ِدي َل لِخَ ْل ِ‬
‫ق هَّللا ِ ۚ َذٰلِ َ‬
‫ك‬ ‫ِّين َحنِيفًا ۚ فِ ْ‬
‫ط َرتَ هَّللا ِ الَّتِي فَطَ َ‪:‬ر النَّ َ‬ ‫ك لِلد ِ‬ ‫‪ " -‬فََأقِ ْ‪:‬م َوجْ هَ َ‬
‫اس اَل يَ ْعلَ ُمونَ ‪( ".‬الروم‪)30 :‬‬ ‫الدِّينُ ْالقَيِّ ُم َولَٰ ِك َّن َأ ْكثَ َر النَّ ِ‬
‫وب َعلَ ْي ُك ْم ۗ َوهَّللا ُ َعلِي ٌم َح ِكي ٌم (‬
‫" ي ُِري ُد هَّللا ُ لِيُبَيِّنَ لَ ُك ْم َويَ ْه ِديَ ُك ْ‪:‬م ُسنَنَ الَّ ِذينَ ِمن قَ ْبلِ ُك ْ‪:‬م َويَتُ َ‬ ‫‪-‬‬
‫ت َأن تَ ِميلُوا َم ْياًل ع ِ‬
‫َظي ًما (‬ ‫‪َ )26‬وهَّللا ُ ي ُِري ُد َأن يَتُ َ‬
‫وب َعلَ ْي ُك ْم َوي ُِري ُد الَّ ِذينَ يَتَّبِعُونَ ال َّشهَ َوا ِ‬
‫‪( ")27‬النساء ‪)27- 26:‬‬

‫العلم‪.‬‬
‫أال تتناقض ال َمفاهيم الدینیة َمع َمفاهيم ِ‬ ‫‪‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ض َكانَتَا َر ْتقًا فَفَتَقنَاهُ َما ۖ َو َج َعلنَا ِمنَ ال َما ِء‬ ‫َأْل‬ ‫‪َ " -‬أ َولَ ْم يَ َر الَّ ِذينَ َكفَرُوا َأ َّن ال َّس َما َوا ِ‬
‫ت َوا رْ َ‬
‫ُك َّل َش ْي ٍء َح ٍّي ۖ َأفَاَل يُْؤ ِمنُونَ " (األنبياء‪)30 :‬‬

‫الحضاري‪:.‬‬ ‫أال یكون ُمنعزالً عن واقع حیاة اإلنسان‪ ،‬و ُموا ِكب للتق ّدم َ‬ ‫‪‬‬
‫ق ۚ قُلْ ِه َي لِلَّ ِذينَ آ َمنُوا‬ ‫ْ‬
‫الرِّز ِ‬ ‫ت ِمنَ‬‫‪ " -‬قُلْ َم ْن َح َّر َم ِزينَةَ هَّللا ِ الَّتِي َأ ْخ َر َج لِ ِعبَا ِد ِه َوالطَّيِّبَا ِ‬
‫ت لِقَوْ ٍم يَ ْعلَ ُمونَ " (األعراف‪:‬‬ ‫ص ُل اآْل يَا ِ‬ ‫صةً يَوْ َم ْالقِيَا َم ِة ۗ َك َذٰلِكَ نُفَ ِّ‬
‫فِي ْال َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا خَالِ َ‬
‫‪)32‬‬

‫صالِح لِ ُك ّل زَمان َومكان‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫يت لَ ُك ُم اِإْل ْساَل َم ِدينًا‪( " .‬المائدة ‪)3:‬‬
‫ض ُ‬ ‫ت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم َوَأ ْت َم ْم ُ‬
‫ت َعلَ ْي ُك ْم نِ ْع َمتِي َو َر ِ‬ ‫"اليَوْ َم َأ ْك َم ْل ُ‬
‫ْ‬

‫عالمية الرِّسالة‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫ض ۖ اَل ِإلَٰهَ ِإاَّل ه َوُ‬ ‫َأْل‬
‫ت َوا رْ ِ‬ ‫اوا ِ‬ ‫"قُلْ يَا َأيُّهَا النَّاسُ ِإني َرسُو ُل ِ ِإل ْيك ْم َج ِميعًا ال ِذي لهُ ُملك ال َّس َم َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫هَّللا‬ ‫ِّ‬
‫يت ۖ فَآ ِمنُوا بِاهَّلل ِ َو َرسُولِ ِه النَّبِ ِّي اُأْل ِّم ِّي الَّ ِذي يُْؤ ِمنُ بِاهَّلل ِ َو َكلِ َماتِهِ َواتَّبِعُوهُ لَ َعلَّ ُك ْم‬
‫يُحْ يِي َويُ ِم ُ‬
‫تَ ْهتَ ُدونَ ‪( ".‬األعراف‪)158 :‬‬

‫َظمة الخالق أنه تواصل مع خلقه‪ ،‬وأرسل الرُّ سل بالدين السماوي‪ :‬الصحيح والسليم‬ ‫نَخلُص ِم ّما سبق ّ‬
‫أن ِمن ع ِ‬
‫لكافة البشر‪ ،‬رحمةً بهم وللتخفيف من معاناتهم‪ ،‬ولكن كثيراً من الناس ال يُدركون هذه الحقيقة‪ .‬فنجد فِئة ًمن‬
‫الناس تُنكر إرسال هللا للرسل‪ ،‬في حين أن فِئةً أخرى من الناس جعلوا مع الخالق ُشركاء ووسطاء واتبعوا‬
‫ديانات ُمختلفة للتواصل مع الخالق‪ .‬وآخرين عانوا من ُمعتقدات ُشعوبهم وانتهى‪ :‬بهم المطاف إلى ترك الدين‬
‫بالكلية‪.‬‬

‫إن الحقيقة التي نُريد أن نُثبتها هنا أنه ال بد من ُوجود‪ :‬دين أوالً‪ ،‬وأنه ال بُد أن يكون دين واحد‪ ،‬ألن الخالق‬
‫واحد (ولكن بشرائع ومناهج مختلفة تُناسب األمم)‪ ،‬وأخيرًا‪ ،‬أنه ال بُد أن يكون الدين الصحيح هو دين‬
‫اإلسالم‪ .‬فكيف يقبل هللا من عباده دينا بدون التسليم له بالوحدانية والعبادة‪ .‬فإذا نظرنا على وجه هذه البسيطة‬
‫‪i‬‬
‫على مدار الزمان والمكان‪ ،‬فلن نجد غير اإلسالم دينا ً بمفهومه السمح والواضح الذي ال لبس فيه‪.‬‬
i
https://islamhouse.com/quran/

You might also like