You are on page 1of 6

‫‪8/26/23, 1:40 AM‬‬ ‫المذهب الربوبي‪ :‬مفهومه ودوافع اعتناقه‬

‫ن الحرية‪    ‬أمثل األساليب في عملّية تهذيب النفس‪    ‬مزايا الشباب‪    ‬العمل سّر النجاح‪    ‬العبادة وعٌي وانفتاح ال جهل وانغالق‪    ‬اقتناء أصنام األمم البائدة‪    ‬المفاهيم الدينية بين وجوب االعتقاد وحرمة االنكار‪    ‬البناء اال‬
‫تواصل معنا‬ ‫صوتيات‬ ‫فارسي‬ ‫نشاطات‬ ‫محاضرات‬ ‫كتب‬ ‫حوارات‬ ‫لقاءات‬ ‫مقاالت‬ ‫السيرة الذاتية‬ ‫ية‬

‫‪ ‬‬ ‫‪  ‬مقاالت >> عقائدية‬ ‫‪ ‬‬


‫الشيخ حسين الخشنبحث‬ ‫المذهب الربوبي‪ :‬مفهومه ودوافع اعتناقه‬

‫بحث‬ ‫بحث‬ ‫‪ ‬‬

‫أوًال‪ :‬ما هي الربوبية؟ ‪  -‬‬


‫تكريم اإلنسان‬
‫ثانيًا‪ :‬الربوبيون بين الماضي والحاضر ‪ -‬‬
‫يوم‪،‬‬
‫…لتقوى‬
‫…لتقوى وتكريم هللا لالنسان‬ ‫ثالثًا‪ :‬الدوافع نحو الربوبية ‪ -‬‬
‫وب‬
‫‪ ‬‬ ‫ل‬
‫تشر‬
‫‪ ‬‬
‫نحاول في هذا المقال أن نطَّل إطاللًة للتعريف بالربوبّية وأهم أفكارها‬
‫وشيٍء من تاريخها ورموزها‪ ،‬ثّم نعّرج على بيان ومعرفة أهم‬
‫الدوافع التي تقف خلف انتشار هذا الفكر‪ ،‬وسوف نعتمد في التعريف‬
‫بالربوبية ومتبنياتها الفكرية على ما ينشره الربوبيون على المواقع‬ ‫يش الكريم والمستقبل‬
‫حمي ثورات بالده من‬
‫‪ ‬‬ ‫غير المبرر‪ ،‬وأن يحفظ‬
‫اإللكترونية الرسمّية والتي تتحدث باسمهم‪.‬‬
‫أرسل حوارك‬ ‫لتلوث‪..‬‬
‫جميع الحوارات‬ ‫‪ ‬‬
‫لى أهميته وضرورته‪،‬‬
‫س » سالم عليكم‪ ،‬كيف برأيكم يكون‬ ‫أوًال‪ :‬ما هي الربوبية؟‬ ‫المعضلة‪ ،‬بل ال بد من‬
‫الخطيب ناجحًا ومؤثرًا؟‬ ‫ني تشريعي يعمل على‬
‫»ج‬ ‫‪ ‬‬ ‫ن القوانين البيئية‪،‬‬
‫ومعاقبة الذين‬
‫وعليكم السالم ورحمة هللا وبركاته‬ ‫الربوبية هي تعريب للكلمة اإلنكليزية‪ ، Deism ‬وبحسب تعريف األستاذ في جامعة تكساس روبرت س‪ .‬سولمون‪ Robert C.‬‬
‫‪ ،Solomon ‬فإّن الربوبية هي «االعتقاد بضرورة وجود إله خلق العالم بكل قوانينه‪ ،‬ولهذا يقبل مذهب الربوبية‪ ،‬عادة‪ ،‬بصورة‬
‫يمكن أن أشير إلى عدة أمور‪:‬‬ ‫من صور الدليل‬

‫أوًال‪ :‬في اختيار الموضوعات‪ :‬أنصح أن‬ ‫الكوني ولكنه يؤكد‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬على عدم وجود تبرير عقلي لالعتقاد بأن هللا يولي اهتمامًا خاصًا باإلنسان والعدالة اإلنسانية‪،‬‬
‫يأخذ الخطيب عناوين محاضرته من الواقع‬ ‫ويرفض أي صفات تشبيهية نضفيها على الذات اإللهية‪ ،‬كذلك االعتقاد بالقصص التوراتية حول اإلله"‪.‬‬
‫وما يضج به من أسئلة وإشكاالت وعناوين‬
‫كثيرة في المجال التربوي والسياسي‬ ‫وقال آخرون في تعريفها أّنها‪« :‬مذهب فكري ال ديني و فلسفة تؤمن وجود خالق عظيم خلق الكون‪ ،‬وبأّن هذه الحقيقة يمكن‬
‫والبيئي والصحي ومن ثم يأتي بأسئلته هذه‬ ‫الوصول إليها باستخدام العقل ومراقبة العالم الطبيعي وحده دون الحاجة إلى أي دين‪ .‬فقوام هذا المذهب هو االعتقاد بالدين‬
‫إلى الكتاب والسنة ليستنطقها بشأن ذلك‬ ‫"الطبيعي‪ natural ‬‬
‫ويبني موضوع المحاضرة وفق المنهجية‬
‫العلمية الموضوعية‪.‬‬ ‫‪ "religion‬أي الذي ال يعتمد على الوحي‪ .‬ومعظم الربوبيين يميلون إلى رفض فكرة التدخل اإللهي في الشؤون اإلنسانية‪.‬‬
‫والربوبية تختلف في إيمانها باإلله عن المسيحّية و اليهودية و اإلسالم وباقي الديانات التي تستند على المعجزات والوحي‪ ،‬حيث‬
‫وبهذا يكون الخطيب ناجحًا ومؤثرًا وال‬ ‫يرفض الربوبيون فكرة أّن‬
‫يكون حديثه بعيدًا عن ابتالء الناس‬
‫واهتماماتهم‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫اإلله كشف نفسه لإلنسانية عن طريق كتب مقدسة‪ .‬ويرى الربوبيون أّنه ال بّد من وجود خالٍق للكون واإلنسان‪ ،‬فيختلفون بذلك‬
‫عن الملحدين أو الالربوبيين بينما يتفقون معهم في الالدينّية‪." ‬‬
‫ثانيًا‪ :‬القراءة المتنوعة‪ :‬ال بّد للخطيب أن‬
‫يمتلك ثقافة إسالمية واجتماعية وتربوية‪...‬‬ ‫‪ ‬‬
‫والثقافة اإلسالمية يفترض أن تكون‬
‫األولوية بحيث يضع لنفسه برنامجًا دائمًا‬ ‫وعرف عن الربوبيين أّنهم «يرفضون معظم األحداث الخارقة كالنبوءات و المعجزات و يميلون إلى التأكيد على أّن هللا (أو «‬
‫سنويًا أو أسبوعيًا أو يوميًا للقراءة المركزة‬ ‫اإلله» أو « المهندس العظيم الذي بنى الكون» ) لديه خطة لهذا الكون‪ ،‬وهي ال تتغّير‪ ،‬سواء بتدخله في شؤون الحياة البشرّية أو‬
‫في المجاالت العقدية والفقهية والتفسيرية‬ ‫من خالل تعليق‬
‫(تفسير القرآن) والمفاهيمية والتربوية‬
‫واألخالقية والتاريخية‪ ...‬وهذا يشكل له‬ ‫القوانين الطبيعية للكون‪ .‬ما تراه األديان على أنه وحي إلهي وكتب مقدسة ‪ ،‬يراه معظم الربوبيين على أنه تفسيرات صادرة عن‬
‫خلفية ثقافية تكون له زادًا يمّده‬ ‫البشر"‪.‬‬
‫بالموضوعات ويمنحه العمق والشمولية‬
‫في الطرح‪ ،‬وليس من الصحيح أبدًا أن‬ ‫‪ ‬‬
‫يقتصر على القراءات ذات الشأن العزائي‬ ‫وعن منشأ هذه الفكرة وزمان انطالقها يقول روبرت س‪ .‬سولمون‪« :‬والربوبية بوصفها تنويعًا على الديانة اليهودية ‪ -‬المسيحية‬
‫وما يدور في هذا الفلك‪ .‬وهذه القراءة ال بد‬ ‫كانت منتشرة على نطاق واسع بين العلماء المتدينين في القرن الثامن عشر الميالدي"‪.‬‬
‫أن تكون مستمرة ودائمة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫وتذكر مصادر أخرى أّن الربوبية «برزت في القرن السابع و القرن الثامن عشر خصوصًا خالل عصر التنوير ‪ ،‬ال سيما في ما‬
‫يعرف اآلن بالمملكة المتحدة و فرنسا و الواليات المتحدة وأيرلندا ‪ .‬ومعظم الربوبيين في ذلك الوقت كانوا قد ولدوا مسيحيين‬
‫س » ما هو الدليل على أن القرآن من‬ ‫‪ ‬‬
‫ولكن تركوا المسيحية‬
‫السماء وليس من تأليف النبي؟‬
‫»ج‬
‫بسبب عدة قضايا مثيرة للجدل‪ ،‬ووجدوا أّنهم ال يمكنهم اإليمان بالثالوث أو ألوهية السّيد المسيح أو المعجزات ثم انتشروا في‬
‫أخي الكريم لقد ُك تبت العديد من الكتب‬ ‫العالم‪ .‬والربوبية لم تشكل أي تجمعات في البداية ولكن مع الوقت أثرت على الجماعات الدينية األخرى بشكل قوي كالمجموعة‬
‫والدراسات إلثبات هذا األمر وأن القرآن‬ ‫التوحيدية والمجموعة‬
‫الكريم هو كالم هللا الذي ال يأتيه الباطل من‬
‫بين يديه وال من خلقه‪ .‬ولو أردت أن‬ ‫الكونية اللتين تطورتا من الربوبية‪ .‬ال تزال الربوبية حتى يومنا موجودة في أشكال الربوبية الكالسيكية والربوبية الحديثة"‪.‬‬
‫أضيف هنا لقلت‪ :‬أن صاحب هذا التشكيك‬
‫إما أنه يؤمن بنبوة سيدنا محمد (ص) أو‬ ‫‪ ‬‬
‫ينكرها‪:‬‬
‫وتعقيبًا على هذه الكلمات أسّجل بعض النقاط التوضيحية‪:‬‬
‫أ‬
‫‪www.al-khechin.com/article/532‬‬ ‫‪1/6‬‬
‫‪8/26/23, 1:40 AM‬‬ ‫المذهب الربوبي‪ :‬مفهومه ودوافع اعتناقه‬
‫أ‌‪ -‬فإن كان يؤمن بنبوته‪ ،‬فعليه التصديق‬ ‫‪ ‬‬
‫بأن القرآن هو كالم هللا تعالى أوحى به‬
‫لنبيه‪ ،‬ألنه (ص) يقول بالفم المآلن إن هذا‬ ‫النقطة األولى ‪ :‬الظاهر أّن مصطلح «الربوبية» الذي اختاره أتباع هذا المذهب اسمًا وعلمًا لخّطهم الفكري انطلق من اقتصارهم‬
‫القرآن هو من عند ربي‪ ،‬ولم أزد عليه‬ ‫في اإليمان على االعتقاد بالرّب فقط‪ ،‬ورفض مبدأ النبّوة‪ .‬بيد أّن لنا مالحظتين نسجلها في المقام‪:‬‬
‫حرفًا واحدًا من تلقاء نفسي‪{ ،‬ولو تقول‬
‫علينا بعض األقاويل ألخذنا منه باليمين ثم‬ ‫‪ ‬‬
‫لقطعنا منه الوتين}‪.‬‬
‫ب‌‪ -‬وإن كان ينكر نبوته (ص)‪ ،‬فهنا‬ ‫أ ‪-‬إّن هذه التسمّية بما تعنيه من االنتساب إلى الرب ال تمّيزهم عن سواهم‪ ،‬ألّن االعتقاد بالرب هو مما يشتركون فيه مع أتباع‬
‫سبيلنل إلقناعه هو بالرجوع إلى دالئل‬ ‫الديانات السماوية وغيرها‪.‬‬
‫النبوة‪ ،‬وما امتاز به هذا القرآن من علٍو في‬
‫مضامينه ومن منظومة عقدية وتشريعية‪،‬‬ ‫‪ ‬‬
‫ومن قوة بالغية‪ ،‬وما اشتمل عليه من‬ ‫ب ‪-‬إّن التسمية المذكورة ال تنسجم مع حقيقة معتقد الربوبيين في شأن هللا تعالى‪ ،‬فقد مّرت اإلشارة إلى أّن الربوبية ترفض فكرة‬
‫إشارات علمية إعجازية ومن قوته‬ ‫التدخل اإللهي في الشؤون اإلنسانية بل وفي الكون برمته‪ .‬وعليه‪ ،‬فإّن إلهًا ال دور له أبدًا ‪ -‬بعد الخلق واإليجاد ‪ -‬في إدارة شؤون‬
‫المعنوية اآلسرة للقلوب والمهيمنة على‬ ‫خلقه وتدبير‬
‫العقول‪ ،‬ناهيك عن إقرار عشرات‬
‫المفكرين والفالسفة والعظماء بأنه ليس من‬ ‫أمورهم‪ ،‬ال يصلح ألن يسمى رّبًا‪ ،‬ألّن الرب ليس هو الصانع الذي يوجد ثّم ينقطع عن إدارة المصنوع‪ ،‬وإّنما هو المدبر والقّيم‬
‫بنات أفكار محمد (ص)‪ .‬إن ذلك هو بعض‬ ‫والمدير الدائم التدبير ولذا فاألحرى بهم أن يختاروا اسمًا آخر يمّيزهم عما سواهم ويكون منسجمًا مع حقيقة معتقدهم‪.‬‬
‫الشواهد والدالئل على أن مرجعية القرآن‬
‫الكريم هي الوحي وليس من تأليف شخص‬ ‫‪ ‬‬
‫عاش في جاهلية‪  ‬جهالء ووسط أمة أمية ال‬
‫تعرف القراءة وال الكتابة‪.‬‬ ‫ولكننا ال نريد الوقوف كثيرًا عند هاتين المالحظتين‪ ،‬إذ ال مشاحة في االصطالح كما يقول أهل العلم‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫النقطة الثانية ‪ :‬إن مصطلح الربوبي بما يختزنه من اعتقاد يختلف عن الرباني أو الرّبي الوارد ذكرها في القرآن الكريم‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪َ :‬م ا َك اَن ِلَبَش ٍر َأْن ُيْؤ ِتَيُه ُهَّللا اْلِكَتاَب َو اْلُح ْك َم َو الُّنُبَّو َة ُثَّم َيُقوَل ِللَّناِس ُك وُنوا ِعَباًدا ِلي ِم ْن ُدوِن ِهَّللا َو َلِكْن ُك وُنوا َر َّباِنِّييَن ِبَم ا ُكْنُتْم‬
‫ُتَع ِّلُم وَن اْلِكَتاَب َوِبَم ا ُكْنُتْم‬

‫َتْد ُرُسوَن (سورة آل عمران‪ ،)79-‬ونحوه آيات أخرى وقال تعالى‪َ :‬و َك َأِّيْن ِم ْن َنِبٍّي َقاَتَل َم َع ُه ِرِّبُّيوَن َك ِثيٌر َفَم ا َو َهُنوا ِلَم ا َأَص اَبُهْم ِفي‬
‫َس ِبيِل ِهَّللا َوَم ا َض ُع ُفوا َوَم ا اْسَتَكاُنوا َو ُهَّللا ُيِح ُّب الَّصاِبِريَن (سورة آل عمران‪ .)146-‬فالرباني والِّر بي هو المنسوب إلى الرب‪ ،‬وهذا‬
‫التشابه اللفظي هو‬

‫نقطة االلتقاء بينهما وبين الربوبي‪ ،‬لكنهما يختلفان في مضمون االعتقاد‪ ،‬ففي حين ينكر الربوبي مبدأ النبوة‪ ،‬فإّن الرباني ‪ -‬وكذا‬
‫الربي ‪ -‬هو من يطيع الرب عّز وجل في قوله وفعله مع كونه سائرًا على هدي األنبياء‪( ‬ع)‪ ‬كما ال يخفى على المتأمل في اآليتين‬
‫اآلنفتين‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫النقطة الثالثة ‪ :‬للربوبية قاموس مصطلحات خاص بهم‪ ،‬ويتحاشون استخدام المصطلحات الدينية الشائعة بين أتباع الديانات‬
‫السماوّية‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫فهم يسّم ون دينهم بــــ «الدين الطبيعي»‪ ،‬في إشارة إلى أنهم ال يؤمنون بدين يستند إلى الوحي‪ ،‬وهللا تعالى عندهم هو «المصمم‬
‫األعظم» أو «قّوة كونية هي مصدر الخلق‪».‬‬

‫‪ ‬‬

‫يتحاشون ‪ -‬طبقًا لبعض كلماتهم ‪ -‬استخدام كلمة إيمان‪ ،‬ألّنه قد «أسيء استخدام هذه الكلمة بشكل رهيب من قبل الديانات‬
‫السماوّية»‪ ،‬ويستبدلونها بكلمة ثقة ‪ .‬غير ذلك من المصطلحات التي سنالحظها في دراستنا هذه‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫وفي دراستنا النقدّية هذه للربوبية وأفكارها سوف نكتشف الكثير من التخبط والضعف الذي ينتاب هذا الفكر‪ ،‬وسنالحظ أيضًا‬
‫وجود غموض كبير يلّف هذه الفكرة في العديد من جوانبها‪ ،‬ما يجعلها غير متماسكة وعاجزة عن الصمود في معترك البحث‬
‫العلمي‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وفي الحديث عن المصطلحات ال بأس باإلشارة إلى أننا قد نجاري الربوبي أحيانًا في استخدام مصطلح «األديان» الذي يكثر‬
‫ترداده على لسانه‪ ،‬وهو مصطلح شائع ويستخدمه الكثيرون بمن فيهم المتدينون‪ ،‬مع أننا ال نحبذ استخدامه من حيث المبدأ‪ ،‬ألّن‬
‫القرآن الكريم قد تحاشى‬

‫استخدام هذا اللفظ‪ ،‬وّإنما ورد فيه لفظ الدين مفردًا‪ ،‬وفي سياق يؤكد على وحدة الدين عند هللا‪ ،‬وإن تعددت الرساالت والشرائع‪،‬‬
‫قال تعالى‪َ :‬ش َرَع َلُك ْم ِمَن الِّديِن َم ا َو َّصٰى ِبِه ُنوًحا َو اَّلِذ ي َأْو َح ْيَنا ِإَلْيَك َوَم ا َو َّصْيَنا ِبِه ِإْبَر اِهيَم َوُم وَسٰى َوِع يَسٰى ۖ َأْن َأِقيُم وا الِّد يَن َو اَل‬
‫َتَتَفَّر ُقوا ِفيِهۚ َكُبَر َع َلى‬

‫اْلُم ْش ِرِكيَن َم ا َتْدُعوُهْم ِإَلْيِهۚ ُهَّللا َيْج َتِبي ِإَلْيِه َم ْن َيَش اُء َوَيْهِد ي ِإَلْيِه َم ْن ُيِنيُب (سورة الشورى‪ ،)13-‬فروح الرساالت السماوية‬
‫وجوهرها واحد‪ ،‬وأهدافها واحدة‪ ،‬وهي تلتقي في المبدأ والمنتهى‪ ،‬وإّنما الذي يقع فيه االختالف أو التطّور من نبّوة إلى أخرى‪،‬‬
‫هو الشرائع الناظمة لحياة‬

‫اإلنسان‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬و َأْنَز ْلَنا ِإَلْيَك اْلِكَتاَب ِباْلَح ِّق ُمَص ِّد ًقا ِلَم ا َبْيَن َيَدْيِه ِمَن اْلِكَتاِب َوُمَهْيِم ًنا َع َلْيِهۖ َفاْح ُك ْم َبْيَنُهْم ِبَم ا َأْنَز َل ُهَّللاۖ َو اَل َتَّتِبْع‬
‫َأْهَو اَء ُهْم َعَّم ا َج اَء َك ِمَن اْلَح ِّقۚ ِلُك ٍّل َجَع ْلَنا ِم ْنُك ْم ِش ْر َع ًة َوِم ْنَهاًجاۚ َو َلْو َشاَء ُهَّللا َلَجَع َلُك ْم ُأَّم ًة َو اِح َد ًة َو َٰل ِكْن ِلَيْبُلَو ُك ْم ِفي َم ا آَتاُك ْم ۖ َفاْسَتِبُقوا‬
‫اْلَخْيَر اِتۚ ِإَلى ِهَّللا‬

‫َم ْر ِج ُع ُك ْم َجِم يًعا َفُيَنِّبُئُك ْم ِبَم ا ُكْنُتْم ِفيِه َتْخ َتِلُفوَن (سورة المائدة‪ ،)48-‬ولنا عودة إلى نقاط االشتراك بين الرساالت‪ ،‬وهي نقاط تبرر‬
‫القول‪ :‬إّن الدين في مبادئه وجوهره واحد‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ثانيًا‪  :‬الربوبيون بين الماضي والحاضر‬

‫‪ ‬‬

‫ال يخفى أّن الفكرة األساسّية التي يقوم عليه الفكر الربوبي وهي إنكار مبدأ النبّوة ليست جديدة في مضمونها‪ ،‬بل هي فكرة‬
‫معروفة منذ زمن قديم‪ ،‬فقد نسب علماء الكالم المسلمون إلى البراهمة الهنود أّنهم أنكروا النبوات ‪ .‬الشهرستاني‪« :‬البراهمة‪ :‬من‬
‫الناس من يظن أّنهم ُس ّم وا‬

‫أ ًا‬ ‫ًال‬ ‫أ‬ ‫أ‬


‫‪www.al-khechin.com/article/532‬‬ ‫‪2/6‬‬
‫‪8/26/23, 1:40 AM‬‬ ‫المذهب الربوبي‪ :‬مفهومه ودوافع اعتناقه‬
‫براهمة النتسابهم إلى إبراهيم‪( ‬ع)‪ ‬وذلك خطأ‪ ،‬فإّن هؤالء هم المخصوصون بنفي النبوات أصًال ورأسًا‪ ،‬فكيف يقولون‬
‫بإبراهيم‪( ‬ع)‪ ‬والقوم الذين اعتقدوا نبوة إبراهيم(ع)‪ ‬من أهل الهند فهم الثنوية منهم القائلون بالنور والظلمة على رأس أصحاب‬
‫االثنين‪ ،‬وقد ذكرنا مذاهبهم‪.‬‬

‫وهؤالء البراهمة إنما انتسبوا إلى رجل منهم يقال له براهم‪ ،‬وقد مهد لهم نفى النبوات أصال وقرر استحالة ذلك في العقول» ‪.‬‬
‫واحتجوا على ذلك بأّن الرسول إّم ا أن يأتي بما يوافق العقول أو بما يخالفها‪ ،‬فإْن جاء بما يوافق العقول لم تكن إليه حاجة وال‬
‫فائدة‪ ،‬وإْن جاء بما يخالف‬

‫العقول وجب رّد قوله‪ ،‬وسيأتي تفنيد هذه الحجة الحقًا‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وُينقل عن البراهمة آراء أخرى‪ ،‬ومنها أّنهم قوم نباتيون ال يأكلون من لحوم الحيوانات شيئًا‪ .‬‬

‫‪ ‬‬

‫هذا ولكن نسبة إنكار النبوات إلى البراهمة ال تخلو من تأمل وإشكال‪ ،‬بلحاظ ما ُنقل عن النوبختي في كتابه «اآلراء والديانات»‬
‫من أّن البراهمة أثبتوا الخالق والرسل والجنة والنار‪ ،‬وزعموا أّن رسولهم ملك أتاهم في صورة البشر ‪ .‬وقد رفع عبد الرحمان‬
‫بدوي من وتيرة‬

‫التشكيك هذه حيث إنه وبعد بحٍث وتقٍص ومتابعة لكلمات وأقوال العلماء المسلمين حول معتقدات البراهمة رأى «أّن الروايات‬
‫التي نجدها لدى المؤلفين اإلسالميين عن البراهمة بحسبانهم منكري النبّوة إنما ترجع إلى كتاب «الزمرد» البن الراوندي»‬
‫جازمًا بأّن «ابن الراوندي‬

‫حينما َيَد ُع البراهمة يطعنون في األديان المنزلة إنما يخفي تحت هذا القناع عقيدته الخاصة»‪ .‬ومحتمًال أن سّر اختياره لمدرسة‬
‫هندية وهي مدرسة البراهمة لينسب إليها تلك األقوال‪ ،‬هو أّنه «َتِبَع سّنة قديمة تضع على لسان حكماء الهند أقواًال مثل هاتيك"‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫والراوندي المذكور هو أبو الحسين أحمد بن يحيى بن إسحاق الراوندي (‪205‬هــــ ‪245‬هــــ) وقد اتهم باإللحاد والزندقة‪ ،‬وعّده‬
‫بعض الباحثين الغربيين من «أشهر مالحدة القرن الثالث الهجري» وقد أّلف كتبًا كثيرة في اإللحاد وذكروا أّنه نقضها بكتب‬
‫أخرى وشكك البعض في‬

‫إلحاده‪ ،‬واعتذر له السيد المرتضى في تأليف هذه الكتب بأنه إنما أّلفها معارضة للمعتزلة وتحديًا لهم‪ ،‬فقد كان في بادئ األمر‬
‫منهم‪ ،‬فأساؤوا عشرته وأهانوه فتركهم ونقض عقائدهم‪ .‬على أّن كل الكتب التي أّلفها في اإللحاد قد نقضها بنفسه‪ ،‬وكان يتبرأ‬
‫منها تبرًأ ظاهرًا‪ ،‬وقد خّطأه‬

‫السيد المرتضى «بتأليفها‪ ،‬سواء اعتقدها أو لم يعتقدها‪.» ‬‬

‫‪ ‬‬

‫وقد ُنِس ب إلى أبي العالء المعري تبني مذهب البراهمة ولذا عّده بعض الربوبيين من أنصار فكرتهم‪ ،‬بالنظر إلى ما ورد في‬
‫بعض األشعار المنسوبة إليه ‪ .‬ويرى البعض أّن األقوال المنقولة عنه متهافتة وشعره يصلح إلثبات كل مذهب ‪ .‬واالقناع عن أكل‬
‫لحوم الحيوانات هو‬

‫رأي جرى المعري على العمل به‪ ،‬وأخذ به جمع من الناس ممن يسمون أنفسهم بالنباتيين في زماننا‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وكيف كان وبغض النظر عن صحة النسبة المذكورة إلى البراهمة أو عدمها‪ ،‬فقد أورد علماء الكالم بعض الحجج المنسوبة إليهم‬
‫وناقشوها‪ ،‬وُأِّلفت بعض الرسائل والكتب الخاصة في تفنيد مذهبهم ونقد آرائهم وأفكارهم‪ .‬‬

‫هذا فيما يتصل بالبلدان الشرقية‪ ،‬وأّم ا بالد الغرب فيبدو أّنها المنبت األساس للفكر الربوبي المعروف في العصور المتأخرة‪،‬‬
‫وثمة أسماء عديدة من فالسفة عصر التنوير تبنت االعتقاد بالربوبية‪ ،‬منهم الشاعر والفيلسوف الفرنسي فولتير توفي (‪1778‬م)‪،‬‬
‫ومن العلماء المعاصرين‬

‫يبرز أمامنا اسم أنطوني جيرارد نيوتن فلو (‪1923‬م ‪2010 -‬م) وهو الشخص الذي كان من المنظرين ولعقود طويلة لإللحاد‪ ،‬ثم‬
‫في أخريات حياته تحّول إلى االعتقاد بالربوبية‪ ،‬وُنسب هذا االعتقاد أيضًا إلى بعض رؤساء الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬

‫هذا عن ماضي الربوبيين‪ ،‬أما اليوم فإّن الجماعة آخذون باالنتشار‪ ،‬مستعينين بما يروجونه من سهولة فكرتهم وبساطتها‬
‫واعتضادها بالعقل وتقديرها للعلم‪ ،‬ومستغّلين الضعف الذي ينتاب الفكر الديني على أكثر من صعيد‪ ،‬حيث يسود التشدد‬
‫والتعصب الدينيين وتنتشر الخرافة‬

‫واالعتقادات البالية‪ ،‬ناهيك عن احتراب الجماعات الدينية وتقاتلها‪ ،‬وشهرها للسيف في وجه كل من ال يتفق معها في الرأي‬
‫وارتكابها الجرائم باسم الدين‪ .‬ويبدو من بعض المؤشرات والدالئل أّن الفكر الربوبي آخذ بالتبلور كمذهب له تشكيالته وأطره‬
‫التنظيمية‪ ،‬فثّم ة اتحاٌد عالمي‬

‫للربوبيين‪ ،‬ولديهم مركز في العاصمة األمريكّية واشنطن ‪ .‬وثمة من يقول ويرّوج بأن الربوبية هي من أكثر المذاهب انتشارًا في‬
‫أوروبا‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ثالثًا‪ :‬الدوافع نحو الربوبية‬

‫إّن اعتناق اإلنسان لفكرة معينة ال يأتي اعتباطًا ودون سبب‪ ،‬بل يكون لذلك دوافع ومنطلقات معينة إّم ا فطرية وجدانية‪ ،‬أو نفسية‪،‬‬
‫أو عقلية‪ ،‬أو اجتماعية أو لغير ذلك من األسباب والدوافع‪ ،‬وعليه فإّن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو‪ :‬ما الذي يدفع اإلنسان‬
‫نحو تبني المذهب الربوبي؟‬

‫‪ ‬‬

‫من الطبيعي أّن تبّني الربوبيين لفكرة اإليمان باهلل تعالى ال ينفُّك عن المنطلقات العامة التي تدفع اإلنسان إلى االعتقاد بالخالق‬
‫واإليمان به‪ ،‬وهي منطلقات تمليها الفطرة البشرّية‪ ،‬ويقود إليها البرهان العقلي‪ ،‬ويقود إليها التأمل في هذا الكون العظيم في‬
‫صنعه ونظامه والمبدع في‬

‫آيات جماله وجالله‪ ،‬وقد يكون هناك دوافع أخرى لدى بعض الناس‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫وأّم ا إنكارهم لوجود رسٍل بين هللا تعالى وبين خلقه‪ ،‬فهو أمر يصعب جدًا ادعاء كونه مما تمليه الفطرة والوجدان أو يقود إليه‬
‫العقل والبرهان‪ ،‬ولذا فهو يحتاج إلى سؤال المنطلقات‪ ،‬فهل هي منطلقات فكرّية بحتة أم أّن ثمة دواٍع ودوافع أخرى؟‬

‫‪www.al-khechin.com/article/532‬‬ ‫‪3/6‬‬
‫‪8/26/23, 1:40 AM‬‬ ‫المذهب الربوبي‪ :‬مفهومه ودوافع اعتناقه‬
‫‪ ‬‬

‫ربما يسهل على الربوبيين ادعاء أّن دافعهم ومنطلقهم في تبني الفكر الربوبي مرّده ‪ -‬في الحد األدنى ‪ -‬إلى عدم نهوض دليل‬
‫مقنع على صحة ما يزعمه المتدينون حول أّن األنبياء‪( ‬ع)‪ ‬هم رسل هللا إلى الخلق‪ .‬ولكّن هذا االدعاء ال يمكننا الموافقة عليه‪،‬‬
‫ألنه ال يمتلك رصيدًا مقنعًا‪،‬‬

‫كما سيتبدى في ثنايا هذا البحث‪.‬‬

‫والذي يمكننا ترجيحه بعد التأمل‪ ،‬أّن ثّم ة دوافع أخرى عديدة ساعدت وتساعد على تبني هذا الفكر الرافض للرساالت والشرائع‬
‫السماوية‪ ،‬ويمكن إرجاع هذه الدوافع إلى ما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬‬

‫أوًال ‪ :‬عجز أتباع األديان والشرائع عن تقديم تصّور موحد ومتماسك إزاء بعض القضايا المحورية والجوهرّية التي تواجه‬
‫اإلنسان‪ ،‬سواًء ما يتصل منها بقضايا المبدأ والمعاد أو ما يتصل بشؤون المعاش والحياة‪ .‬وقد يتراءى للكثيرين وجود تخبط داخل‬
‫الفكر الديني واختالف‬

‫كبير في األساسيات‪ ،‬ربما وصل إلى حِّد التناقض‪ .‬ومن الطبيعي أن يشّك ل ذلك سببًا أو دافعًا نحو الهروب والتسرب من الدين‬
‫وتبني الفكرة الربوبية‪ ،‬أو غيرها من األفكار الالدينية‪ ،‬والحال أّن ثّم ة تعاميًا أو غفلة عن أّن هذا االختالف بين األديان مرده إلى‬
‫أحد عاملين‪:‬‬

‫‪ ‬‬

‫أ ‪-‬إّم ا إلى تطور في الشرائع نفسها والذي فرضه تغّير حاجيات اإلنسان‪ ،‬وهو األمر الذي استدعى بروز ظاهرة النسخ بين‬
‫الشرائع السماوية بل وحتى داخل الشريعة الواحدة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ب ‪-‬وإّم ا إلى التحريف الذي تعّرضت له تلك الشرائع ورساالتها السماوّية بفعل عبث العابثين وذوي األغراض والمصالح‬
‫الخاصة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ومن الواضح أّن هذين العاملين ال يشكالن ثغرة قوية في الفكر الديني ذاته‪ ،‬أّم ا العامل األول فهو يعد نقطة قّوة في هذا الفكر‬
‫ومؤشرًا على مراعاته الختالف الزمان والمكان‪ .‬وأّم ا العامل الثاني فال يالم عليه الدين نفسه بل المالمة تتوجه إلى اإلنسان وال‬
‫سيما المتدين الذي لم‬

‫يبذل الجهد بما فيه الكفاية لمواجهة التحريف ووضع حٍد للمتالعبين بالدين والمتاجرين به‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬ظاهرة التشدد الديني العابرة لألديان والمذاهب‪ ،‬والتي أفرزت جماعات متطرفة تمارس العنف والقتل واإلجرام باسم‬
‫األديان‪ ،‬فهذه الظاهرة عكست صورة بشعة عن الدين وشّوهت رسالته‪ ،‬ودفعت الكثيرين ‪ -‬باألخص ممن ال يسعهم التفكيك‬
‫والتمييز بين نصوص الدين‬

‫‪ ‬‬

‫وممارسات المتدينين ‪ -‬إلى أحضان اإللحاد أو إلى اعتناق المذهب الربوبي والذي ُيصّوره أتباعه باعتباره خشبة الخالص‬
‫لإلنسانية‪ ،‬وأّنه المنجي من تبعات األديان وأعبائها‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫إّننا وفي الوقت الذي ندعو فيه إلى ضرورة الفصل بين نصوص الدين وبين ممارسات أتباعه‪ ،‬إاّل أّننا ندرك صعوبة هذا الفصل‪،‬‬
‫إذ سوف يقال لنا‪ :‬لو كان في هذا الدين خيٌر النعكس على حياة أتباعه وعلى سلوكهم وأخالقهم‪ .‬ومن هنا سيكون لزامًا على أهل‬
‫الوعي والبصيرة‬

‫من المسلمين‪ ،‬في سبيل انتشال دينهم من كل هذا الوحل الذي لّطخه البعض به‪ ،‬أن يسعوا جاهدين إلى تقديم تجربة حضارية حّية‬
‫تستقي من هذا الدين وتستلهم من روحّية نصوصه ما فيه الخير لإلنسانية جمعاء‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫إّنني وانطالقًا من قناعاتي الدينية المعتمدة على الحجة والمنطق‪ ،‬ال ألوم الربوبي على رفضه «ألنبياء القتل» ونفوره من «رسل‬
‫الذبح»‪ .‬فأنا شخصيًا ال أؤمن بأنبياء أو رسل كهؤالء‪ ،‬وال أعتقد أساسًا أّنه يوجد رسٌل مبعوثون من هللا يحملون هذه الدعوة‪ ،‬وكل‬
‫ما ينسب إلى‬

‫‪ ‬‬

‫األنبياء‪) ‬ع(‪ ‬على هذا الصعيد هو كذب وتزوير وتشويه لحقيقة دعوة األنبياء وتحريف لرسالتهم‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ثالثًا‪ :‬إّن والدة الفكر الربوبي في الغرب‪ ،‬يدفع على االعتقاد أّنه كان رّدة فعل على بعض ممارسات الكنيسة التي اتسمت بالشدة‬
‫ليس اتجاه معارضيها فحسب‪ ،‬بل واتجاه سائر العلماء الطبيعيين‪ ،‬وهكذا هو ردة فعل على بعض طروحات الالهوتية غير‬
‫المقنعة‪ ،‬وقد عرف عن‬

‫الربوبيين إنكارهم لعقيدة الثالوث المسيحية‪ ،‬ونظرهم إلى المسيح على أنه فيلسوف وعالم‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫رابعًا‪ :‬إّن الجمود الكالمي الذي أظهر عجز الفكر الديني عن اإلجابة على بعض األسئلة المصيرية المقلقة‪ ،‬أو تقديم الحلول‬
‫الناجعة للكثير من المشكالت على األصعدة االجتماعية واالقتصادية والفكرية والروحية‪ ،‬إّن ذلك قد شّك ل دافعًا لدى البعض للشك‬
‫في صدقّية األديان‬

‫وصّحة انتسابها إلى هللا تعالى‪ ،‬كما أّن االنكماش والتحجر الفقهي وّلدا شعورًا لدى بعض الناس بعدم قدرة التشريع اإلسالمي‬
‫على مواكبة الحياة‪ ،‬وأوحى بعجزه عن تقديم حلوٍل لمشكالت العصر‪ .‬وهذا كله (أعني الجمود الكالمي والتحجر الفقهي) قد ساهم‬
‫في فتح الباب أمام‬

‫تسّرب الفكر الربوبي إلى الفضاء اإلسالمي‪ .‬وقد أشرنا إلى أّن األفكار أو التصورات غير المقنعة التي قّدمتها المسيحّية فيما‬
‫يتصل بالثالوث‪ ،‬والقوانين والتشريعات الصارمة التي اعتمدتها مع معارضيها شّك لت دوافع لتبني الفكرة الربوبية في الغرب‪.‬‬

‫‪www.al-khechin.com/article/532‬‬ ‫‪4/6‬‬
‫‪8/26/23, 1:40 AM‬‬ ‫المذهب الربوبي‪ :‬مفهومه ودوافع اعتناقه‬
‫‪ ‬‬

‫ولذا ال نبالغ في القول‪ :‬إّن من أولى أولويات العقل اإلسالمي في هذه المرحلة‪:‬‬

‫‪ ‬‬

‫أ ‪-‬بذل الجهد الفكري في سبيل تقديم رؤية دينّية عقائدية متماسكة فيما يتصل باهلل وصفاته وهدفه من خلق اإلنسان وخلق النار‬
‫والجنة‪ ،‬وكذلك فيما يتصل بالنبوات ودورها في الحياة‪ ،‬ما يجعل اإليمان باهلل وبرسله حاجة ملحة لإلنسان ومصدر أمن‬
‫واطمئنان له‪ ،‬وليس مصدر‬

‫خوف وقلق ورعب‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ب ‪ -‬بذل الجهد الفقهي في سبيل التحرر من جملة من المقوالت الفقهية البعيدة عن سماحة اإلسالم في تشددها والمعيقة لحركة‬
‫اإلنسان في تحجرها وتزمتها‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫ج ‪-‬إعادة قراءة الموروث التاريخي والحديثي قراءة نقدية‪ ،‬بغية تمييز سقيمه من صحيحه وغثه من سمينه ومتحركه من ثابته‪،‬‬
‫وهذه مهمة جليلة وعظيمة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫إّن األجدى وبدل أن ينكَّب البعض على تخوين الربوبيين وتكفيرهم‪ ،‬أن يسعى ويعمل لإلجابة على أسئلتهم وهواجسهم‪ ،‬وهي‬
‫هواجس تنتاب حتى بعض المتدينين الذين قد ال يفصحون عنها لسبب أو آلخر‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫خامسًا‪ :‬وربما كان ميل اإلنسان إلى الراحة والدعة هو من جملة الدوافع نحو تبني هذا المذهب؛ ألّن الشخص بتبنيه للمذهب‬
‫الربوبي يريح نفسه من تبعات دراسة العقائد المختلفة والرساالت المتعددة بغية الوصول إلى الحقيقة‪ ،‬كما أّنه يخفف بذلك على‬
‫نفسه من مصاعب االلتزام‬

‫بمقتضيات الشرائع السماوية في منظومتها الشعائرية والطقوسّية وغيرها من القيود التي يفرضها التشريع عليه‪ .‬أّم ا اإليمان باهلل‬
‫تعالى دون اإليمان بالرسل فهو أمر سهل المؤنة وال يكّلف صاحبه كثيرًا‪ ،‬ولذا يجد الربوبي لنفسه متسعًا من التحرر وربما‬
‫التفلت‪ ،‬فهو ليس محكومًا‬

‫لشريعة ذات تعاليم صارمة من وجهة نظره‪ ،‬وربما يحاول بذلك أن ال يعيش قلق الحساب األخروي وما يفرضه من التزامات‬
‫دنيوية‪ ،‬كما يرى المتدينون انطالقًا من أّن الدنيا مزرعة اآلخرة‪ ،‬وأّن مصير اإلنسان األخروي مرهون باستقامته في الدنيا‪.‬‬

‫لكّن الحقيقة أّنه ال يمكن لإلنسان العاقل أن يخلد إلى الراحة بهذه البساطة ورّبما السذاجة‪ ،‬ويغّض الطرف عن أسئلة المصير التي‬
‫تفرض نفسها عليه وتقتحم عليه خلواته‪ ،‬ومن أهّم ها سؤال من أين؟ وفي أين؟ وإلى أين؟ وهل يمكن للعاقل أن يرتاح وهو يسُّد‬
‫أذنيه عن نداء آالف‬

‫األنبياء‪) ‬ع(‪ ‬الذين خرجوا على الناس عبر هذا التاريخ الطويل معلنين‪ :‬أّنهم رسل هللا إلى البشرّية‪ ،‬وأن ال خالص ألحٍد من‬
‫الناس إال باتباعهم والسير على نهجهم؟!‬

‫من كتاب "عالم دون أنبياء! دراسة نقدية في الفكر الربوبي"‬

‫‪ ‬‬

‫ُنشر المقال على الموقع في ‪2018-5-13‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫اضافة تعليق‬

‫* االسم‬

‫* البريد اإللكتروني‬

‫* موضوع‬

‫* الرسالة‬

‫‪ ‬‬

‫‪www.al-khechin.com/article/532‬‬ ‫‪5/6‬‬
‫‪8/26/23, 1:40 AM‬‬ ‫المذهب الربوبي‪ :‬مفهومه ودوافع اعتناقه‬
‫أرسل‬

‫‪    Designed and Developed‬‬


‫‪       by CreativeLebanon‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬تواصل معنا‬ ‫‪ ‬السيرة الذاتية‬ ‫الصفحة الرئيسية‬

‫‪www.al-khechin.com/article/532‬‬ ‫‪6/6‬‬

You might also like