You are on page 1of 5

‫المحاضرة ‪3‬‬

‫مدرسة الثقافة والدين‪:‬‬


‫ازدهرت هذه املدرسة ازدهارا كبريا يف فرنسا بعد احلرب العاملية الثانية‪ ،‬وممثال هذا التيار مها‬
‫موريس لينهارت )‪Maurice Leenhardt ( 1878- 1954‬م وهو قس أمضى حياته يف كاليدونيا‬
‫اجلدي دة‪ ،‬ومارس يل عري ول )‪Marcel Griaule ( 1898- 1956‬م‪ .‬وه و أس تاذ ج امعي مس تفرق‪.‬‬
‫وقد توجها هذان املمثالن الرئيسيان هلذه املدرسة توجها خمتلفا عن الرتاث االجتماعي الذي خلفه‬
‫دوركامي‪ ،‬بل حىت عن ذاك الذي خلفه موس‪.‬‬
‫لق د أع اد ه ذان الباحث ان االعتب ار للثقاف ات املغ ايرة‪ ،‬ب أن أب رزا آراءه ا يف تك ون الك ون‪.‬‬
‫وأس اطريها‪ ،‬وغ ىن رموزه ا‪ ،‬فكش فا النق اب عن أن ل دى ه ذه الش عوب فك را فلس فيا‪ ،‬ب ل فك را‬
‫ميتافيزيقيا‪.‬‬
‫واالهتمام الذي أبدياه حيال الدين‪ ،‬مبا هو عامل من عوامل تفسري العقلية‪ ،‬والشخصية‪ ،‬بل‬
‫حىت التنظيم اجملتمعي‪ ،‬جيعلهما أقرب إىل التيار الثقايف منهما إىل اجتماعية املدرسة الفرنسية‪ .‬هذان‬
‫املمثالن يرفض ان فك رة ليفي ب رول عن العقلي ة م ا قب ل املنطقي ة عن د ه ذه الش عوب ال يت ق د يك ون‬
‫فكرها عقليا‪ ،‬إمنا داخل نظام فلسفي وديين خمتلف‪.‬‬
‫على خالف ليفي ‪-‬س رتوس الب نيوي أك د لينه ارت وغري ول أن على األن رتوبولوجي أن‬
‫يقتصر على دراسة املعيوش أو على دراسة تصورات اجملتمع يف حني أن ليفي‪ -‬سرتوس أراد دائما‬
‫أن يتخطى الواقع املبسط على حنو ما تنعكس تركيبته يف أذهان صانعيه‪ ،‬وأن يعمد هو بنفسه إىل‬
‫بناء تأويله اخلاص هلذا الواقع انطالقا من موضوع الدراسة‪.1‬‬
‫‪ Marcel‬لق د ك ان فك ر ال دوغون بالنس بة‬ ‫‪Griaule‬‬ ‫(‬ ‫)‪1898- 1956‬‬ ‫مارس يل غري ول‬
‫لغري ول عب ارة عن التع اليم ال يت اس تقاها من ص لته بعقالئهم وب املؤمتنني على ت راثهم الش فهي‪.‬‬
‫فاألنرتوبولوجي ليس له إال أن ينقل التعاليم وأن يتوارى خلفها‪ .‬وخري برهان على ذلك هو طريقته‬

‫‪.Jucques Lombard, introduction a l ‘ ethnologie, Armond colin, Paris, 1998, P151- 152 - 1‬‬
‫اليت كتب هبا كتابه الرئيس إله املاء والذي كان عبارة عن مقابلة طويلة أجراها مع أحد املخربين‬
‫(‪ .)1948‬فق د روى ل ه ه ذا املخ رب طيل ة ثالث ة وثالثني يوم ا األس طورة‬ ‫الط اعنني بالس ن‬
‫األوالني ة ال يت ت ؤمن هبا القبيل ة وال يت تفس ر نش أة تقنياهتا ( ك ور احلدادة‪ ،‬احلياك ة) كم ا تفس ر‬
‫طقوسها‪ ،‬فضال عن مقولة الشخص بالذات‪ ،‬فكانت عبارة عن موسوعة فلسفية حتتوي على فكر‬
‫ال دوغون ال ديين ال ذي ي رى تعب ريه يف احلي اة اليومي ة من خالل ع دد من الرم وز ال يت تتخ ذ ش كل‬
‫الرس وم أو املنحوت ات‪ .‬والواق ع أن ح يز الرمزي ة ه ذا ح يز واس ع ج دا يتجلى يف ك ل أوج ه احلي اة‬
‫اجملتمعية‪ ،‬ابتداء من املعتقدات والطقوس واألساطري‪ ،‬وصوال إىل الفن والتقنيات واللغة‪.‬‬
‫تكون الكون والرمزية‪ :‬يروي كتاب غريول وقائع خلق العامل كما اكتشفها الباحث من‬
‫كالم خمربه‪ .‬ففي البدء كان هناك إله خالق‪ ،‬صار اآلن بعيدا‪ ،‬امسه أّم ا‪ ،‬خلق الشمس والقمر بناء‬
‫على تقنية قريبة من تقنية صنع الفخار‪.‬‬
‫‪ -‬مث صنع األرض‪ ،‬ومبا هي موئل اخلصب‪ ،‬إذ تتلقى ماء السماء‪ ،‬فهي ترمز إىل املرأة‪.‬‬
‫‪ -‬لذلك أراد اإلله أن يقرتن هبا‪ ،‬فحصل من جراء ذلك بلبلة وفوضى كبريين‪ .‬إذ أن األرض شأهنا‬
‫شأن أية امرأة قبل الزواج مل تكن خمتونة‪ .‬فكان أن اعرتضت مأرضة سبيل القران‪ ،‬واملأرضة ترمز‬
‫هنا إىل البظر‪ ،‬فاضطر اإلله إىل هدمها‪ .‬كان ذلك كناية عن خرق أول للقاع دة‪ ،‬أدى إىل والدة‬
‫غري سوية‪ ،‬أي إىل والدة ولد واحد بدال من الوالدة املثلى عند الدوغون وهي والدة التوائم‪.‬‬
‫‪ -‬بعد ذلك وجل املاء الذي هو املىن اإلهلي‪ ،‬إىل باطن األرض وأدى إىل والدة كائنني اثنني نصف‬
‫الواحد منهما بشر ونصفه اآلخر حية‪ ،‬فكان اجلنيان املسميان نوفو‪ .‬مث حل هذان الكائنان تدرجييا‬
‫حمل اإلله اخلالق واضطلعا بتسيري شؤون الكون‪.‬‬
‫‪ -‬إن هذين النومو يرمزان إىل الثنائية‪ ،‬ثنائية جندها عند الكائنات البشرية حىت يف حال والدة الولد‬
‫الواح د‪ .‬أي أن ك ل ام رئ ميل ك نفس ني‪ ،‬نفس ا م ذكرة‪ ،‬ونفس ا مؤنث ة‪ .‬ولكن مبا أن ه ذه احلال ة‬
‫اخلنثوي ة تتن اىف م ع احلي اة اجملتمعي ة وحتول دون التناس ل‪ ،‬ف إن اخلت ان يعي د لك ل ك ائن ملء هويت ه‬
‫اجلنسية‪.‬‬
‫‪ -‬مث كان ظهور اإلنسان على شاكلة اآلباء األوالنيني الذين هبطوا إىل األرض‪ .‬وهم مثانية‪ .‬أربعة‬
‫ذكور وأربعة إناث‪ .‬والرقم مثانية عند الدغون له قيمة رمزية‪ .‬وقد عمد هؤالء اآلباء الثمانية إىل‬
‫تقاسم الكون‪.‬‬
‫‪ -‬مث كان أن أنزل هؤالء اآلباء على األرض التقنيات والكالم‪.2‬‬
‫وهكذا فأسطورة تكون الكون تتمتع عند هذه الشعوب بقوة حامسة‪ .‬إهنا تفسر الرموز‪،‬‬
‫والتنظيم اجملتمعي‪ ،‬والتقنيات والفن‪ ،‬واملعتقدات‪ .‬وبالتايل فكل شيء يوجد يف الديين‪ ،‬وكل شيء‬
‫يفس ر بال ديين أيض ا‪ .‬هك ذا ف إن احلرك ات اليومي ة ال يت يق وم هبا احلداد مثال تعي د على الص عيد‬
‫الرم زي‪ ،‬إنت اج األحداث ال يت ورد ذكره ا يف األس طورة األوالني ة‪ .‬كم ا جند يف حمرتف احلدادة أن‬
‫املطرقة ترمز إىل جيّن املاء‪ ،‬أي النومو الذكر‪ ،‬بينما يرمز السندان إىل النومو األنثى‪ .‬فعندما تنهال‬
‫املطرقة على السندان‪ ،‬يقوم احلداد بتجسيد القران األسطوري الذي حصل بني هذا الزوج‪.‬‬
‫وهكذا فلقد أراد غريول أن يذكر بفكرتني‪:‬‬
‫األوىل أن التحلي ل ال دقيق لألس طوريات والكوني ات‪ ،‬والفلس فات اإلفريقي ة تنم عن وج ود أنظم ة‬
‫متماسكة إىل حد كبري‪.‬‬
‫والثاني ة أن االنطالق من ه ذه الفلس فة ه و ال ذي ميكنن ا من وص ف الواق ع اجملتمعي حبيات ه اخلاص ة‪،‬‬
‫ويساعدنا على استخالص متاسكه الشديد‪.‬‬
‫‪Maurice‬م رمبا ك ان لينه ارت من أوائ ل‬ ‫‪Leenhardt‬‬ ‫(‬ ‫)‪1878- 1954‬‬ ‫م وريس لينه ارت‬
‫االنرتوبولوج يني املي دانيني الفرنس يني إن مل يكن أوهلم على اإلطالق‪ .‬وق د ت بني من كتابي ه الل ذين‬
‫درس فيهم ا أوض اع الكان ك يف كالي دونيا اجلدي دة‪ ،‬أن ه يتّب ع نفس التوج ه املنهجي ال ذي انتهج ه‬
‫غريول‪ :‬دراسة التنظيم اجملتمعي واالقتصادي ( أهايل‪ ،‬األراضي العليا ‪ )1937‬مث دراسة املعتقدات‬
‫والشخصية ( دوكومو ‪ )1947‬كما أنه اتبع املقاربة نفسها اليت تعاين امليالنيزي يف حياته العميقة‪،‬‬

‫‪.Ibid, P 152 - 2‬‬


‫فرتى كيف ينظر إىل العامل وكي ف يتع رف إىل نفس ه من خالله‪ ،‬ويسدد خطواته ويتميز فيه عن‬
‫غريه‪.‬‬
‫حبث لينه ارت يف األس طورة عم ا يقابله ا‪ ،‬ويف مع ىن الس لوكيات القدمية واجلدي دة ال يت ال‬
‫تتفس ر فق ط عن طري ق لعب ة املؤسس ات ب ل هي أق رب إىل التفس ري من خالل األش كال األس طورية‬
‫اليت حتفل هبا احلياة ومن خالل األساطري اليت حتدد تلك األشكال‪ ،‬ويف هذه املقدمة اليت استهل هبا‬
‫كتابه دوكومو يعرب عن إعجابه بليفي برول كما يعرب عن اهتمامه بدراسة العقليات رغم أنه‬
‫خالف ا لليفي ب رول مل يش كك يوم ا بطابعه ا املنطقي ب ل‪ ،‬على العكس‪ ،‬أع اد االعتب ار مث ل غري ول‬
‫لتلك الثقافات اليت كانت ال تزال تسمى بدائية‪ .‬إن عقلية الشعوب اليت درسها لينهارت تنطوي‬
‫على جانب عقلي وجانب أسطوري‪ ،‬وقد يطغى واحدمها على اآلخر‪ .‬أّم ا الكالم عن عقلية بدائية‬
‫وعن عقلي ة حديث ة فكالم مض لل ألن ه ال ينطب ق على أي واق ع يف الع امل‪ .‬أم ا األس طورة فيعرفه ا‬
‫لينه ارت بأهنا املؤسس ة ال يت تت وىل تك رارا األفع ال واألح داث األوالني ة ال يت يعت رب حتدي دها ش رطا‬
‫الحالل التوازن اجملتمعي‪ .‬وتالوهتا ترسخ يف أفئدة املؤمنني هبا األحداث الدينية االستهاللية‪ .‬وهكذا‬
‫يت بني لن ا ال دور احلاس م واملتش ابه ال ذي تق وم ب ه األس طوريات والكوني ات يف معظم الثقاف ات‪،‬‬
‫اإلفريقية منها وامليالنيزية‪ ،‬فاألسطورة والرمز يشكالن واحلالة هذه العناصر الرئيسية يف هذا التيار‬
‫البحثي‪.3‬‬

‫‪.Ibid, p 154 - 3‬‬

You might also like