You are on page 1of 10

‫جامعة أيب بكر بلقايد‬

‫كلية العلوم اإلنسانية والعلوم االجتماعية‬

‫قسم العلوم االجتماعي‬

‫شعبة األنرتووبولوجيا‬

‫مقياس ‪ :‬النظريات االنرتوبولوجية املعاصرة‬

‫املستوى‪ :‬ماسرت ‪1‬‬

‫األستاذ‪ :‬بن معمر عبداهلل‬

‫المدرسة التأويلية الرمزية‪:‬‬


‫( ‪Clifford Geertz‬م‬ ‫)‪1926- 2006‬‬ ‫ط‪66‬رحت التأويلي‪66‬ة الزمزي‪66‬ة م‪66‬ع ممثله‪66‬ا كليف‪66‬ورد ج‪66‬ريتز‬
‫نفسها كرد معارض للتوجه البنيوي الشكلي الصوري يف دراسة الرموز‪.‬‬
‫وجريتز من أبرز علماء األنرتوبولوجي‪66‬ا األمريك‪66‬يني وأبع‪66‬دهم ت‪66‬أثًريا خالل العق‪66‬ود األخ‪6‬رية من‬
‫الق ‪66‬رن العش ‪66‬رين (‪ .)20‬فه ‪66‬و مؤس ‪66‬س املدرس ‪66‬ة التأويلي ‪66‬ة يف األنرتوبولوجي ‪66‬ا ومن أك ‪66‬رب ال ‪66‬دعاة إليالء‬
‫األمهي‪66‬ة لدراس‪66‬ة الرم‪66‬وز يف الثقاف‪66‬ة وللفك‪66‬رة القائل‪66‬ة ب‪66‬أن ه‪66‬ذه الرم‪66‬وز تض‪66‬في مع‪66‬ىن ونظام‪66‬ا على حي‪66‬اة‬
‫الناس‪ .‬يف خالل احلرب العاملية الثانية خدم جريتز يف البحرية األمريكية ( ‪ )1945 -1943‬مث التحق‬
‫جبامعة أنتيوك يف أهايو حيث درس اللغة االجنليزية وحصل على اإلجازة يف ‪ . 1950‬ويف الدراسات‬
‫العلي ‪66‬ا انتق ‪66‬ل إىل دراس ‪66‬ة الفلس ‪66‬فة مث إىل األنرتوبولوجي ‪66‬ا بع ‪66‬د اق ‪66‬رتاح من أح ‪66‬د أس ‪66‬اتذته‪ ،‬حيث حص ‪66‬ل‬
‫على ال ‪66‬دكتوراه من جامع ‪66‬ة ه ‪66‬ارفرد يف ‪ ،1956‬يف ‪ 1951‬ق ‪66‬ام بأحباث ميداني ‪66‬ة يف ج ‪66‬اوة بأنلدونيس ‪66‬يا‬
‫باالش‪66‬رتاك م‪66‬ع زوجت‪66‬ه هيل‪66‬درد‪ ،‬حيث درس ه‪66‬و موض‪66‬وع ال‪66‬دين بينم‪66‬ا ك‪66‬انت هي ت‪66‬درس موض‪66‬وع‬
‫النس‪66‬ب والعالق‪66‬ات العائلي‪66‬ة يف ج‪66‬اوة‪ .‬وك‪66‬انت نتيج‪66‬ة أحباث ج‪66‬ريتز يف ج‪66‬اوة كتاب‪66‬ه ال‪66‬دين يف ج‪66‬اوة‪.‬‬
‫وع‪66‬اد ج‪6‬ريتز إىل انديونيس‪66‬يا للمزي‪66‬د من البحث املي‪66‬داين بني ع‪66‬امي ‪ 1957‬و ‪ .1958‬انتق‪66‬ل باهتمامات‪66‬ه‬
‫البحثية إىل املغرب بني ‪ 1963‬و ‪ 1971‬وكان من نتيجة أحباثه املغربية كتاب‪6‬ه مالحظ‪6‬ة اإلس‪6‬الم ال‪6‬ذي‬
‫مدحه إدموند ليش باعتباره مقارب‪6‬ة مستبص‪6‬رة بعم‪6‬ق يف اإلس‪6‬الم كم‪6‬ا ي‪6‬راه االندونيس‪6‬يون وكم‪6‬ا ي‪6‬راه‬
‫املغاربة‪ .‬ويف العام ‪ 1973‬نشر كتابه تأويل الثقافات الذي كان معربا عن أفك‪66‬ار ج‪66‬ريتز األساس‪66‬ية يف‬
‫ال‪66‬رتاث وك‪66‬ان ل‪66‬ه أث‪66‬ر مهم يف الدراس‪66‬ات األنرتوبولوجي‪66‬ة‪ .‬ويف الع‪66‬ام ‪ 2000‬ظه‪66‬ر كتاب‪66‬ه ض‪66‬وء جدي‪66‬د‬
‫على األنرتوبولوجيا‪ .‬عمل جريتز أستاذا يف العديد من اجلامعات األمريكية‪.‬‬
‫يع‪66‬د ج‪66‬ريتز من أك‪66‬ثر األنرتوبولوج‪66‬يني الرم‪66‬زيني اعتم‪66‬اًدا على منظوم‪66‬ة متنوع‪66‬ة من النظري‪66‬ات‬
‫واألفك‪6‬ار ال‪6‬يت تنس‪6‬ب إىل ديلت‪6‬اي وم‪6‬اكس فب‪6‬ري وب‪6‬ريس وش‪6‬وتز وس‪6‬وزان الجنر وب‪6‬ريك وولك‪6‬ر بريس‪6‬ي‬
‫وبول ريكور وفنجنشتاين وبارسونز‪.‬‬
‫ويرج‪66‬ع الفض‪66‬ل إىل التأويلي‪66‬ة يف إح‪66‬داث نقل‪66‬ة نوعي‪66‬ة يف الدراس‪66‬ات األنرتوبولوجي‪66‬ة من الق‪66‬رن‬
‫‪ .20‬إذ ح‪66‬ولت األنرتوبولوجي‪66‬ا التأويلي‪66‬ة االهتم‪66‬ام من الدراس‪66‬ات ال‪66‬يت ترك‪66‬ز على الس‪66‬لوك ال‪66‬وظيفي‬
‫والبناء االجتماعي واليت كانت هتدف إىل حتقي‪6‬ق الوض‪6‬عية من خالل إقام‪6‬ة علم ط‪6‬بيعي للمجتم‪6‬ع إىل‬
‫االهتم ‪66 6‬ام ب ‪66 6‬املعىن والرم ‪66 6‬ز والتأكي ‪66 6‬د على رؤي ‪66 6‬ة املبح ‪66 6‬وثني ووجه ‪66 6‬ة نظ ‪66 6‬رهم كج ‪66 6‬زء من العم ‪66 6‬ل‬
‫األن‪66‬رتبولوجي‪ .‬كم‪66‬ا أن االجتاه الت‪66‬أويلي ح‪66‬ول ت‪66‬درجييا االهتم‪66‬ام ببن‪66‬اء نظري‪66‬ة عام‪66‬ة عن الثقاف‪66‬ة وال‪66‬يت‬
‫كانت تعتمد على املنهج البنيوي التجريدي إىل االهتمام بالعمل اإلنتوجرايف أو الكتابة اإلنتوجرافي‪66‬ة‬
‫املكثفة والنظر إىل اجملتمع على أنه نص ميكن قراءته وتأويل‪6‬ه‪ .‬فم‪6‬ع ه‪66‬ذا االجتاه أص‪6‬بحت اإلتنوجرافي‪66‬ا‬
‫ليس‪66‬ت جمرد جترب‪66‬ة ميداني‪66‬ة ب‪66‬املفهوم التقلي‪66‬دي مث‪66‬ل مجع املادة اإلتنوجرافي‪66‬ة ب‪66‬ل نتاج‪66‬ا مكتوب‪66‬ا للدراس‪66‬ة‬
‫امليداني‪66‬ة‪ .‬إذ إن االس‪66‬تخدام اجملازي للثقاف‪66‬ة على أهنا نص‪66‬وص وض‪6‬ع عالم‪66‬ة فارق‪66‬ة بني الع‪66‬امل الس‪66‬لوكي‬
‫واملفسر أو املؤول الثقايف‪ .‬وطبقا هلذه الرؤية فإن األنشطة االجتماعية والثقافية ميكن أن تقرأ ملعانيها‬
‫من خالل املالح ‪66‬ظ متام ‪66‬ا مثلم ‪66‬ا تك ‪66‬ون املادة املكتوي ‪66‬ة متاح ‪66‬ة للق ‪66‬راءة بص ‪66‬ورة تقليدي ‪66‬ة‪ ،‬وعالوة على‬
‫ذل ‪66‬ك ف ‪66‬إن اإلثن ‪66‬وغرايف ال يق ‪66‬رأ الرم ‪66‬وز يف الفع ‪66‬ل فق ‪66‬ط ب ‪66‬ل أيض ‪66‬ا يس ‪66‬تطيع أن يق ‪66‬رأ الش ‪66‬خص موض ‪66‬ع‬
‫املالحظة أو الفاعلني يف عالقتهم كل منهم باآلخر‪.‬‬
‫واألنرتبولوجيا التأويلية تع‪66‬اجل احلي‪66‬اة االجتماعي‪66‬ة واألنش‪66‬طة الثقافي‪66‬ة من حيث هي ظ‪66‬واهر ميكن‬
‫دراستها وفهمها على أهنا حوار للمعاين أو نقاش يتعلق بالرموز املتضمنة لتلك املعاين‪.‬‬
‫إن التيار التأويلي يركز على أمهية دور األنرتبولوجي يف عملية التأمل وردود أفعاله يف سياق‬
‫العم ‪66‬ل اإلتن ‪66‬وغرايف والتأوي ‪66‬ل الثق ‪66‬ايف املق ‪66‬ارن‪ ،‬كم ‪66‬ا أن ‪66‬ه يؤك ‪66‬د األس ‪66‬لوب أو الطريق ‪66‬ة ال ‪66‬يت هبا يفهم‬
‫األنرتوبولوجي النصوص الثقافية وقواعدها باإلض‪6‬افة إىل فهم األش‪66‬كال املختلف‪66‬ة من االتص‪66‬ال الثق‪66‬ايف‬
‫مث‪66 6‬ل الش‪66 6‬عائر ومعرف‪66 6‬ة القواع‪66 6‬د ال‪66 6‬يت يس‪66 6‬تخدمها األف‪66 6‬راد املبحوث‪66 6‬ون يف اس‪66 6‬تنتاج املع‪66 6‬ىن من األمناط‬
‫السلوكية واألشكال التعبريية املستخدمة‪.‬‬
‫الثقافة من المنظور التأويلي‪ :‬يقول جريتز "إن مفهوم الثقافة الذي اعتنقه‪ ،‬هو باألساس مفهوم‬
‫س ‪66‬يميائي‪ .‬وأن ‪66‬ا مقتن ‪66‬ع م ‪66‬ع م ‪66‬اكس فب ‪66‬ري أن اإلنس ‪66‬ان ه ‪66‬و حي ‪66‬وان ع ‪66‬الق يف ش ‪66‬بكات رمزي ‪66‬ة‪ ،‬نس ‪66‬جها‬
‫بنفسه حول نفسه‪ ،‬وبالت‪66‬ايل أن أنظ‪6‬ر إىل الثقاف‪66‬ة على أهنا ه‪66‬ذه الش‪66‬بكات‪ ،‬وأرى أن حتليله‪66‬ا جيب أن‬
‫ال يك‪66‬ون علم‪66‬ا جتريبي‪66‬ا يبحث عن ق‪66‬انون ب‪66‬ل علم‪66‬ا تأويلي‪66‬ا يبحث عن مع‪66‬ىن‪ .‬وهك‪66‬ذا فأن‪66‬ا أحبث عن‬
‫‪1‬‬
‫الشرح‪ ،‬شرح التعبريات االجتماعية وإجالء غوامضها الظاهرة على السطح"‬
‫وهك ‪66‬ذا فالثقاف ‪66‬ة عن ‪66‬د ج ‪66‬ريتز هي نس ‪66‬ق من الرم ‪66‬وز القابل ‪66‬ة للتأوي ‪66‬ل‪ .‬وه ‪66‬و يرك ‪66‬ز على البع ‪66‬د‬
‫الثق‪66‬ايف االجتم‪66‬اعي للرم‪66‬وز وليس البع‪66‬د النفس‪66‬ي املتض‪66‬من يف كت‪66‬اب فروي‪66‬د تأوي‪66‬ل األحالم‪ .‬وب‪66‬ذلك‬
‫ف‪66‬إن ج‪66‬ريتز يس‪66‬تخدم التأوي‪66‬ل الرم‪66‬زي للثقاف‪66‬ة واجملتم‪66‬ع على خالف فروي‪66‬د ال‪66‬ذي يرك‪66‬ز على اجلوانب‬
‫النفسية الالشعورية عند الفرد‪.‬‬
‫لقد أشار جريتز إىل أن الرموز من حيث هي حامالت للمعىن أو التصور تتخد معاين تؤلف‬
‫نصوصا ثقافية تسمح للناس بأن يتواصلوا مع‪66‬ا وأن يع‪66‬ربوا عن أنفس‪66‬هم ألنفس‪66‬هم‪ .‬ويؤك‪66‬د ج‪6‬ريتز أن‬
‫سوء فهم الثقافة يرج‪6‬ع إىل االجتاه‪6‬ات ال‪6‬يت تنظ‪6‬ر إليه‪6‬ا على أهنا واق‪6‬ع ف‪6‬وق عض‪6‬وي ل‪6‬ه وج‪6‬ود خ‪6‬اص‬

‫‪ - 1‬كليفورد خبريتز‪ ،‬تأويل الثقافة ‪ ،‬ترمجة حممد بدوي‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ 2009 ،1‬ص ‪.82‬‬
‫به ويتسم بق‪6‬وى وأه‪6‬داف متيزه عن غ‪6‬ريه‪ ،‬وه‪6‬ذا الن‪6‬وع من التوج‪6‬ه يعل‪6‬و بالثقاف‪6‬ة ويرفعه‪6‬ا عن واقعه‪6‬ا‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫والثقاف‪66‬ة عن‪66‬د ج‪66‬ريتز عام‪66‬ة ‪ Public‬ألهنا تت‪66‬ألف من رم‪66‬وز ومع‪66‬ان هي أيض‪66‬ا عام‪66‬ة‪ .‬فق‪66‬د ط‪66‬ور فك‪66‬رة‬
‫النس‪66‬ق الثق‪66‬ايف أو الرم‪66‬زي وحرره‪66‬ا من األط‪66‬ر اجلام‪66‬دة عن‪66‬د ك‪66‬ل من بارس‪66‬ونز ولفي‪ -‬س‪66‬رتوس‪ .‬كم‪66‬ا‬
‫أنه استخدام الصورة أو الرمز كي يكشف عن أمناط ثقافية معينة يف جمتمعات بعينها كما هي احلال‬
‫يف دراس‪66‬ته ألمناط التفك‪66‬ري الب‪66‬الينيزي من خالل وص‪66‬فه املكث‪66‬ف لص‪66‬راع الديك‪66‬ة ويف مناقش‪66‬ته جلوانب‬
‫معينة من األمناط السياسية كما هي احلال يف دراسته عن املس‪6‬رح‪ .‬وق‪6‬د حنج ج‪6‬ريتز أن يث‪6‬ري االهتم‪6‬ام‬
‫حول القضايا اليت درسها وحول املنهج الذي استخدمه وكذلك حول استخدامه للرموز أو التأوي‪66‬ل‬
‫الرم‪66‬زي‪ .‬يس‪66‬تخدم ج‪66‬ريتز كلم‪66‬ة رم‪66‬ز كي تع‪66‬ين أي موض‪66‬وع أو ش‪66‬يء ي‪66‬دل على ش‪66‬يء آخ‪66‬ر أو مع‪66‬ىن‬
‫آخ‪66‬ر أو ش‪66‬خص م‪66‬ا‪ .‬إذ ميكن ألي موض‪66‬وع أو ح‪66‬دث أو فع‪66‬ل أو عالق‪66‬ة أن يص‪66‬لح كحام‪66‬ل لتص‪66‬ور‬
‫ما‪ .‬وبعبارة أخرى الرمز هو حامل للتصور أو املعىن سواء كان ذلك احلامل موض‪66‬وعا مادي‪66‬ا أو فعال‬
‫أو حادث ‪66‬ة أو ص ‪66‬فة أو عالق ‪66‬ة‪ .‬واملع ‪66‬ىن عن ‪66‬د ج ‪66‬ريتز مرتب ‪66‬ط مبفه ‪66‬وم علم حي ‪66‬اة اإلش ‪66‬ارات يف اجملتم ‪66‬ع‪.‬‬
‫ويوسع جريتز مفهوم الرمز ليشمل تقريبا أي شيء ميثل معىن معينا لدى األفراد‪.‬‬
‫فالكلمات مث‪6‬ل املف‪6‬ردات واملص‪66‬طلحات واأللف‪6‬اظ واألبني‪6‬ة والرتكيب‪6‬ات ال‪6‬يت تت‪6‬ألف منه‪6‬ا مث‪6‬ل‬
‫األساطري والقصص والنظريات واألصوات املتجس‪66‬دة يف املوس‪66‬يقى والنغم واللحن والكالم‪ ،‬والص‪66‬ور‬
‫مثل األمناط والنماذج والرسم ميكن أن تكون رموزا‪ ،‬وأي موضوع ميكن أن أن يكون رمزي‪66‬ا س‪66‬واء‬
‫أك ‪66‬ان موض ‪66‬وعا طبيعي ‪66‬ا مث ‪66‬ل املي ‪66‬اه واجملوهرات أو موض ‪66‬وعا ص ‪66‬ناعيا مث ‪66‬ل األدوات واآلالت كم ‪66‬ا أن‬
‫األح ‪66‬داث أو الوق ‪66‬ائع مث ‪66‬ل الش ‪66‬عائر والطق ‪66‬وس ميكن أن تك ‪66‬ون ذات دالالت رمزي ‪66‬ة‪ .‬ونفس املع ‪66‬ىن‬
‫ينطبق على العمليات واملمارسات والنظم أو اجملاالت املؤلفة للنسق الثقايف الرمزي ككل مثل الدين‬
‫واألي‪66‬ديولوجيا واحلس الع‪66‬ام والفن والعلم والفلس‪66‬فة والق‪66‬انون‪ .‬فال‪66‬دين مثال ه‪66‬و نس‪66‬ق ثق‪66‬ايف مؤس‪66‬س‬
‫على الرموز املقدسة‪.‬‬
‫المنهج اإلثنوغرافي المكثف وتأويل النص‪ :‬خيضع جريتز منهجه العلمي لطبيع‪66‬ة الدراس‪66‬ة التأويلي‪66‬ة‬
‫الرمزية اليت يهدف إىل حتقيقها‪ ،‬فهو من ناحية يهتم بتحلي‪66‬ل أنس‪66‬اق املع‪66‬ىن املتض‪66‬منة يف الرم‪66‬وز‪ ،‬ومن‬
‫ناحية أخرى يربط أنساق املعىن بالعمليات االجتماعية وأمناط التفاعل االجتماعي‪.‬‬
‫وطاملا أن موض‪66 6‬وع الدراس‪66 6‬ة ه‪66 6‬و نس‪66 6‬يج املع‪66 6‬اين والرم‪66 6‬وز املؤل‪66 6‬ف للثقاف‪66 6‬ة واملوج‪66 6‬ه للفع‪66 6‬ل‬
‫االجتم ‪66‬اعي فإن ‪66‬ه يتطلب ليس العلم التجري ‪66‬يب ال ‪66‬ذي يبحث عن الق ‪66‬انون واألس ‪66‬باب ال ‪66‬يت ينجم عنه ‪66‬ا‬
‫نت‪66‬ائج معين‪66‬ة ب‪66‬ل يتطلب التحلي‪66‬ل الوص‪66‬في الت‪66‬أويلي ال‪66‬ذي يبحث عن املع‪66‬ىن‪ .‬ومن أج‪66‬ل تفس‪66‬ري املع‪66‬ىن‬
‫ف ‪66‬إن األن ‪66‬رتوبولوجي يبحث عن ‪66‬ه بني الن ‪66‬اس يف تف ‪66‬اعلهم االجتم ‪66‬اعي إذ أن ه ‪66‬ؤالء الن ‪66‬اس هم ال ‪66‬ذين‬
‫‪2‬‬
‫أضافوا أو فرضوا املعىن على األفعال واملوضوعات والظواهر اليت يتعاملون معها‪.‬‬
‫ومن منطل ‪66‬ق اهتم ‪66‬ام ج ‪66‬ريتز بدراس ‪66‬ة املع ‪66‬اين املتض ‪66‬منة يف الرم ‪66‬وز أو األفع ‪66‬ال أو األح ‪66‬داث أو‬
‫املوضوعات‪ ،‬فإنه طور الدراسة اإلتنوغرافية وعمقها وجعل منها منهجا أطلق عليه الوصف املكث‪6‬ف‬
‫ال‪66‬ذي ه‪66‬و ج‪66‬وهر املدخل الت‪66‬أويلي الرم‪66‬زي‪ .‬وه‪66‬ذا املنهج يتأس‪66‬س على أرب‪66‬ع خص‪66‬ائص هي‪ :‬إن‪66‬ه أوال‬
‫تأويلي‪ ،‬وثاني‪6‬ا إن م‪6‬ا يؤول‪6‬ه أو يفس‪6‬ره ه‪6‬و س‪6‬ياق اخلط‪6‬اب االجتم‪6‬اعي‪ ،‬وثالث‪6‬ا التأوي‪6‬ل يتض‪6‬من حماول‪6‬ة‬
‫ت‪66‬أمني أو محاي‪66‬ة م‪66‬ا يق‪66‬ال يف مث‪66‬ل اخلط‪66‬اب االجتم‪66‬اعي من املواق‪66‬ف أو الظ‪66‬روف ال‪66‬يت ميكن أن متح‪66‬وه‬
‫وذلك من خالل تثبيته يف حدود أو كلمات أو مص‪66‬طلحات ميكن تتبعه‪66‬ا‪ ،‬وأخ‪6‬ري رابع‪66‬ا إن مث‪66‬ل ه‪66‬ذا‬
‫الوصف يكون حمليا ومكثفا ومن منظور تفصيلي دقيق أو يسعى إىل الوصول إىل أدق التفاصيل‪.‬‬
‫يس ‪66 6‬عى املنهج اإلنت ‪66 6‬وغرايف املكث ‪66 6‬ف إىل اس ‪66 6‬تخراج أو اس ‪66 6‬تنتاج وجه ‪66 6‬ة نظ ‪66 6‬ر وآراء أو رؤى‬
‫املواط ‪66‬نني أو األف ‪66‬راد موض ‪66‬ع الدراس ‪66‬ة م ‪66‬ع توض ‪66‬يح كيفي ‪66‬ة ت ‪66‬أثري األبني ‪66‬ة الثقافي ‪66‬ة املختلف ‪66‬ة على الفع ‪66‬ل‬
‫االجتم ‪66‬اعي‪ .‬ذل ‪66‬ك ألن م ‪66‬ا يواجه ‪66‬ه اإلتن ‪66‬وغرايف ليس جمرد ظ ‪66‬واهر متفرق ‪66‬ة ب ‪66‬ل ع ‪66‬دد كب ‪66‬ري من األبني ‪66‬ة‬
‫التصورية املعقدة املتداخلة فيما بينها واليت تتطلب نوعا خاصا من الوصف اإلنتوغرايف املكثف‪.‬‬
‫إن الدراس‪66‬ة اإلتنوغرافي‪66‬ة جملتم‪66‬ع أو ثقاف‪66‬ة معين‪66‬ة تص‪66‬ف ون‪66‬ؤول س‪66‬لوك األف‪66‬راد على أهنا أمناط‬
‫ثقافي‪66‬ة مألوف‪66‬ة يف املض‪66‬مون االجتم‪66‬اعي ال‪66‬يت توج‪66‬د في‪66‬ه ومن وجه‪66‬ة نظ‪66‬ر األش‪66‬خاص ال‪66‬ذين يقوم‪66‬ون‬

‫‪ - 2‬السيد حافظ السود‪ ،‬االنتروبولوجيا الرمزية‪ ،‬منشأة املعارف باألسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ 2002 ،1‬ص ‪.116 -115‬‬
‫بتل‪6‬ك األفع‪66‬ال‪ .‬أفع‪66‬ال األف‪6‬راد وك‪66‬ذلك األح‪6‬داث االجتماعي‪66‬ة تعام‪66‬ل على أهنا نص‪66‬وص قابل‪6‬ة للق‪66‬راءة‪.‬‬
‫ف ‪66 6‬اإلتنوغرايف يكتب اخلط ‪66 6‬اب االجتم ‪66 6‬اعي أو األح ‪66 6‬داث االجتماعي ‪66 6‬ة وه ‪66 6‬و ب ‪66 6‬ذلك حيوهلا من جمرد‬
‫أح‪6‬داث ع‪66‬ابرة تق‪66‬ع يف اللحظ‪6‬ة ال‪66‬يت حتدث فيه‪66‬ا‪ ،‬إىل تقري‪66‬ر أو نص يرج‪6‬ع إلي‪66‬ه فيم‪6‬ا بع‪66‬د ويق‪66‬رأه كم‪6‬ا‬
‫يقرأه غريه من األفراد‪ .‬إن اإلتنوغرافيا فيما يرى جريتز تش‪66‬به ق‪66‬راءة نص أو هي حتلي‪66‬ل نص بقول‪66‬ه إن‬
‫املادة اليت يتعام‪6‬ل معه‪6‬ا اإلتن‪6‬وغرايف هي عب‪6‬ارة عن أبني‪6‬ة تص‪6‬ورية متنوع‪6‬ة ومتع‪6‬ددة‪ .‬وهي حتت‪6‬اج لفهم‬
‫مباش‪66 6‬ر ومتواص‪66 6‬ل وال‪66 6‬ذي يش‪66 6‬به الفهم عن‪66 6‬د ق‪66 6‬راءة نص معني‪ .‬فاألش‪66 6‬كال أو األمناط الثقافي‪66 6‬ة ميكن‬
‫دراس ‪66‬تها وفهم معناه ‪66‬ا على أهنا نص ‪66‬وص وعلى أهنا أعم ‪66‬ال خيالي ‪66‬ة تت ‪66‬ألف من م ‪66‬واد اجتماعي ‪66‬ة‪ .‬إن‬
‫الوص‪66‬ف اإلتن‪66‬وغرايف أو الق‪66‬راءة اإلتنوغرافي‪66‬ة ال‪66‬يت هي عب‪66‬ارة عن ق‪66‬راءة األح‪66‬داث واألفع‪66‬ال ال تنفص‪66‬ل‬
‫عن األح‪66‬داث واألفع‪66‬ال موض‪66‬ع الدراس‪66‬ة وإال أص‪66‬بحت تل‪66‬ك األفع‪66‬ال خالي‪66‬ة من املع‪66‬ىن‪ .‬وهن‪66‬ا يؤك‪66‬د‬
‫ج‪66‬ريتز دور اإلثن‪66‬وغرايف يف التعام‪66‬ل م‪66‬ع األح‪66‬داث االجتماعي‪66‬ة وأفع‪66‬ال األف‪66‬راد على أهنا نص‪66‬وص ميكن‬
‫عزهلا مؤقتا عن املوقف حبيث ميكن قراءهتا وفهم معناها‪ ،‬أي النصوص‪ ،‬فيما بعد ويف غياب املوقف‬
‫ذات ‪66‬ه‪ ،‬ولكن ليس ‪66‬ت منفص ‪66‬لة عن املض ‪66‬مون‪ .‬فق ‪66‬راءة النص تع ‪66‬ين هن ‪66‬ا العملي ‪66‬ة ال ‪66‬يت من خالهلا تص ‪66‬بح‬
‫األمناط غري املكتوبة من السلوك واللغة أو الكالم واملعتقدات والرتاث الشفهي والشعائر مؤلفة لنص‬
‫متسق ذي معىن ومغزى‪.‬‬
‫يركز املنهج اإلتنوغرايف املكثف على الرموز الثقافية ليس يف شكل جمرد منفصل عن الوقع بل‬
‫يف وجودها وتغلغلها يف نسيج احلياة االجتماعية كما يعيشها األف‪66‬راد يف تف‪66‬اعلهم االجتم‪6‬اعي‪ .‬ولق‪66‬د‬
‫طب ‪66‬ق ج ‪66‬ريتز ه ‪66‬ذا املنهج على ع ‪66‬دد من الدراس ‪66‬ات اإلتنوغرافي ‪66‬ة ال ‪66‬يت ق ‪66‬ام هبا‪ .‬فمثال وج ‪66‬د يف ب ‪66‬ايل‬
‫بأندونيس‪66‬يا أن هن‪66‬اك اهتمام‪66‬ا كب ‪ً6‬ريا ل‪66‬دى الرج‪66‬ال بص‪66‬راع الديك‪66‬ة وق‪66‬د ش‪66‬اهد بنفس‪66‬ه ه‪66‬ذه الرياض‪66‬ة‬
‫القائم‪66‬ة على التن‪66‬افس والره‪66‬ان أو القم‪66‬ار بني الرج‪66‬ال‪ .‬وق‪66‬د ق‪66‬دم وص‪66‬فا مكث‪66‬ف ألن‪66‬واع القم‪66‬ار طبق‪66‬ا‬
‫لت‪66‬درجها اهلرمي وطبق‪66‬ا ألمهيته‪66‬ا بني الن‪66‬اس‪ .‬وعلى قم‪66‬ة ه‪66‬ذا الت‪66‬درج توج‪66‬د لعب‪66‬ة ص‪66‬راع الديك‪66‬ة ال‪66‬يت‬
‫هتدف إىل إظه‪66 6‬ار املكان‪66 6‬ة االجتماعي‪66 6‬ة بص‪66 6‬ورة رمزي‪66 6‬ة يف مقاب‪66 6‬ل ص‪66 6‬راع الديك‪66 6‬ة ال‪66 6‬ذي يه‪66 6‬دف إىل‬
‫احلصول على املال والذي يعترب صراعا ضحال سطحيا وليس عميقا‪ .‬وص‪6‬راع الديك‪6‬ة مظه‪6‬ر أو فع‪6‬ل‬
‫رمزي يكشف عن نرجسية ذاتية لدى الرجال كم‪6‬ا أهنا تع‪66‬رب بص‪66‬ورة عن التغ‪66‬ري حنو االجتاه املع‪66‬اكس‬
‫للجوانب األخالقية واجلماعية ملكانة اإلنسان‪ .‬مبعىن أهنا ترمز للحيوانية‪ .‬ويعتمد صراع الديكة على‬
‫الرهان بني رجلني كل منهما ميتلك ديكا بضعة يف حالة انتظار وت‪66‬أهب ح‪66‬ىت تب‪66‬دأ املنافس‪66‬ة والرج‪66‬ال‬
‫ال‪6‬ذين يراهن‪6‬ون مبب‪6‬الغ كب‪6‬رية من املال يض‪6‬عون أنفس‪6‬هم أو مك‪6‬انتهم العام‪6‬ة عن‪6‬د احلد ال‪6‬ذي يك‪6‬ون في‪6‬ه‬
‫ال ‪66‬ديك اخلاص يهم وس ‪66‬يطا رمزي ‪66‬ا ق ‪66‬د خيذهلم أو جيلب هلم الفخ ‪66‬ر والزه ‪66‬و وإن ك ‪66‬ان بعض الرج ‪66‬ال‬
‫خياطرون بأموال كبرية وقابلة للخسارة فإهنم يفعلون ذلك مدفوعني باملعىن أو املغزى الذي يص‪66‬فونه‬
‫‪3‬‬
‫على احلياة والذي يعوضهم اجتماعيا ومعنويا عن اخلسارة أو التكاليف االقتصادية‪.‬‬
‫إن األف‪66‬راد هم ال‪66‬ذين يقوم‪66‬ون بوص‪66‬ف وتأوي‪66‬ل األفع‪66‬ال واألح‪66‬داث اليومي‪66‬ة بص‪66‬ورة جتع‪66‬ل من‬
‫حياهتم االجتماعية والثقافية جزًءا من الواقع ال‪6‬ذي يص‪6‬فونه ويؤولون‪6‬ه‪ .‬وه‪6‬ذه األوص‪6‬اف والت‪6‬أويالت‬
‫اليت يقدمها األفراد يف حوارهم م‪6‬ع اإلتن‪6‬وغرايف تع‪6‬د ج‪6‬زًءا من األنرتوبولوجي‪6‬ا وعنص‪6‬را هام‪6‬ا يف نس‪6‬ق‬
‫التحليل العلمي‪.‬‬
‫ويؤك ‪66‬د ج ‪66‬ريتز مفه ‪66‬وم تق ‪66‬ريب وجه ‪66‬ات النظ ‪66‬ر بني املبح ‪66‬وثني واإلثن ‪66‬وغرايف وال ‪66‬يت تتحق ‪66‬ق من خالل‬
‫احلوار والنق ‪66‬اش املس ‪66‬تمر وال ‪66‬ذي من خالل ‪66‬ه يع ‪66‬رب األف ‪66‬راد أو اإلخب ‪66‬اريني عن تص ‪66‬وراهتم وت ‪66‬أويالهتم‬
‫ألح ‪66‬داث معين ‪66‬ة ويص ‪66‬ححون أو يص ‪66‬وبون التص ‪66‬ورات ال ‪66‬يت تفهم عنهم خط ‪66‬أ حبيث يتحق ‪66‬ق االتف ‪66‬اق‬
‫والفهم املتب‪66‬ادل بينهم وبني اإلتن‪66‬وجرايف‪ .‬وبع‪66‬د ه‪66‬ذه اخلط‪66‬وة من األوص‪66‬اف والت‪66‬أويالت ال‪66‬يت يق‪66‬دمها‬
‫املبحوثون واليت يفهمها ويقبلها األنرتوبولوجي يأيت دور األخري يف كتابة ما فهمه أو قرأه يف تقريره‬
‫العلمي‪ .‬وبعب ‪66‬ارة أخ ‪66‬رى ي ‪66‬أيت التفس ‪66‬ري أو التأوي ‪66‬ل األن ‪66‬رتوبولوجي بع ‪66‬د تص ‪66‬نيف وت ‪66‬رتيب وتنظيم م ‪66‬ا‬
‫بقول ‪66‬ه ويعتق ‪66‬د في ‪66‬ه اإلخب ‪66‬اريون‪ ،‬وبع ‪66‬د فهم ‪66‬ه أي األن ‪66‬رتبولوجي ألفع ‪66‬اهلم‪ .‬فالتق ‪66‬ارير والكتاب ‪66‬ات ال ‪66‬يت‬
‫يق‪66‬دمها األن‪66‬رتوبولوجي هي عب‪66‬ارة عن تفس‪66‬ريات وت‪66‬أويالت أو مناذج ثاني‪66‬ة وثالث‪66‬ة لنفس التفس‪66‬ري أو‬
‫التأوي‪66‬ل األول ال‪66‬ذي قدم‪66‬ه اإلخب‪66‬اريون أو األف‪66‬راد‪ .‬فاألوص‪66‬اف والت‪66‬أويالت ال‪66‬يت يق‪66‬دمها اإلخب‪66‬اريون‬
‫تشبه الروايات أو القصص أو احلكايات مبع‪6‬ىن أهنا ختض‪6‬ع لعملي‪6‬ة ص‪6‬ياغة وت‪6‬أليف وإن ك‪6‬ان يف ش‪6‬كل‬

‫‪ - 3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.120 -119‬‬


‫تلقائي ومن خالل احلوار واملناقشات وه‪66‬ذا م‪66‬ا ح‪6‬دا جبريتز إىل أن ينظ‪6‬ر إىل ثقاف‪66‬ة جمتم‪6‬ع م‪66‬ا على أهنا‬
‫جمموعة من النصوص مجعها الشعب نفسه أو هي رواية حيكيها الناس ألنفسهم عن أنفسهم‪.‬‬

‫‪-4-11‬مدرسة اإلتنوجرافيا الجديدة‬


‫ظه ‪66‬ور ه ‪66‬ذه املدرة م ‪66‬تزامن م ‪66‬ع املدرس ‪66‬ة البنيوي ‪66‬ة‪ ،‬تش ‪66‬كلت على ي ‪66‬د جمموع ‪66‬ة من اإلتنولوج ‪66‬يني‬
‫األمريك‪66‬يني ال‪66‬ذين ق‪66‬اموا مبحاول‪66‬ة لتأكي‪66‬د عملي‪66‬ة وموض‪66‬وعية دراس‪66‬ة الثقاف‪66‬ات اإلنس‪66‬انية‪ ،‬وذل‪66‬ك عن‬
‫طريق تقدمي وصف وحتليل الثقافة يف إطار املفاهيم والتصورات اليت ل‪6‬دى األف‪6‬راد ذاهتم وكم‪6‬ا تتمث‪6‬ل‬
‫يف لغتهم‪ .‬ومبع‪66‬ىن آخ‪66‬ر فلكي تتحق‪66‬ق املوض‪66‬وعية يف الدراس‪66‬ات اإلتنوجرافي‪66‬ة الب‪66‬د أن حيجم الب‪66‬احث‬
‫األجنيب عن إقحام مفاهيمه واجتاهاته التحليلية وأن يرتك ذلك ألصحاب تل‪6‬ك الثقاف‪66‬ة أنفس‪6‬هم‪ ،‬وق‪66‬د‬
‫ع ‪66‬رف أص ‪66‬حاب ه ‪66‬ذا املنهج يف دراس ‪66‬ة الثقاف ‪66‬ة اإلنس ‪66‬انية باس ‪66‬م "علم ‪66‬اء دراس ‪66‬ة الش ‪66‬عوب" وأص ‪66‬بح‬
‫ه ‪66‬دفهم ال ‪66‬رئيس ه ‪66‬و الكش ‪66‬ف عن تص ‪66‬ورات ش ‪66‬عب معني لنم ‪66‬ط احلي ‪66‬اة داخ ‪66‬ل جمتمعهم‪ ،‬وإيض ‪66‬اح‬
‫األسس العقلية واألصول الثقافية ال‪6‬يت يس‪6‬تندون إليه‪6‬ا يف تنظيم العالق‪6‬ات االجتماعي‪6‬ة‪ ،‬ووض‪6‬ع قواع‪6‬د‬
‫السلوك‪ ،‬ونظم القيم‪ .4‬ويف إط‪66‬ار ه‪66‬ذا املنظ‪66‬ور التحليلي‪ ،‬أوض‪66‬حت ع‪66‬دة دراس‪66‬ات إتنولوجي‪66‬ة كي‪66‬ف‬
‫أن الش‪66 6‬عوب ختتل‪66 6‬ف فيم‪66 6‬ا بينه‪66 6‬ا من ناحي‪66 6‬ة املع‪66 6‬ايري واألس‪66 6‬س ال‪66 6‬يت يص‪66 6‬نف على أساس‪66 6‬ها األف‪66 6‬راد‬

‫‪ - 4‬حسين فهيم‪ ،‬قصة األنثروبولوجيا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-‬ص‪.81-80 :‬‬


‫مف ‪66‬اهيمهم واجتاه ‪66‬اهتم بص ‪66‬دد التص ‪66‬نيفات املختلف ‪66‬ة لألش ‪66‬ياء ك ‪66‬األلوان مثال أو الطع ‪66‬ام أو النب ‪66‬ات أو‬
‫احليوان‪.‬‬
‫وعلى ه‪66‬ذا األس‪66‬اس ف‪66‬إن أتب‪66‬اع اإلتنوجرافي‪66‬ا اجلدي‪66‬دة مييل‪66‬ون إىل أن تتض‪66‬من دراس‪66‬تهم للثقاف‪66‬ة‬
‫وصف الثقافة وحتليلها كما يراه‪6‬ا أف‪6‬راد اجملتم‪6‬ع‪ ،‬ال كم‪6‬ا ينظ‪6‬ر إليه‪6‬ا أو يفس‪6‬رها الب‪6‬احث اإلتن‪6‬وجرايف‬
‫ذات‪6‬ه‪ ،‬وق‪6‬د ارت‪6‬أوا أن حتلي‪6‬ل لغ‪6‬ة األه‪6‬ايل هي أفض‪6‬ل الس‪6‬بل لتحقي‪6‬ق ه‪6‬ذا اهلدف‪ .‬هلذا أب‪6‬دى ممثل‪6‬وا ه‪6‬ذا‬
‫التي ‪66‬ار اهتمام ‪66‬ا كب ‪66‬ريا بدراس ‪66‬ة وحتلي ‪66‬ل اللغ ‪66‬ة الوطني ‪66‬ة جملتمع ‪66‬ات الدراس ‪66‬ة‪ .‬وذل ‪66‬ك الس ‪66‬تخراج م ‪66‬ا يف‬
‫مفرداهتا من مف‪66 6‬اهيم ومض‪66 6‬امني وم‪66 6‬ا ق‪66 6‬د حتتوي‪66 6‬ه من قيم وأفك‪66 6‬ار وتص‪66 6‬ورات‪ ،‬ال ميكن معرفته‪66 6‬ا أو‬
‫التوصل إليها عن طريق مالحظة السلوك الظاهري ألفراد اجملتمع‪.‬‬
‫وق ‪66 6‬د اهتم ك ‪66 6‬ذلك اإلتنوجرافي ‪66 6‬ون اجلدد باملعلوم ‪66 6‬ات ال ‪66 6‬يت ي ‪66 6‬ديل هبا االخب ‪66 6‬اريون‪ ،‬وإب ‪66 6‬راز‬
‫الس ‪66‬ياقات والظ‪66‬روف ال ‪66‬يت أعطيت فيه ‪66‬ا تل‪66‬ك املعلوم ‪66‬ات‪ .‬ويف ه ‪66‬ذا اإلط ‪66‬ار ب ‪66‬رز االهتم‪66‬ام من ‪66‬ذ بداي ‪66‬ة‬
‫الس ‪66‬بعينات وخالهلا بت ‪66‬دوين خ ‪66‬ربات األنرتوبولوج ‪66‬يني يف العم ‪66‬ل احلقلي‪ ،‬ونش ‪66‬رت ع ‪66‬دة مؤلف ‪66‬ات يف‬
‫هذا الصدد‪.‬‬

‫المادي‪//‬ة الثقافي‪//‬ة‪ :‬ه‪66‬ذا التي‪66‬ار ظه‪66‬ر يف الوالي‪66‬ات املتح‪66‬دة على ي‪66‬د أح‪66‬د ال‪66‬وارثني لفك‪66‬ر س‪66‬تيوارد أال‬
‫وه‪66‬و م‪66‬ارفني ه‪66‬اريس ‪ (Marvin Harris )1927-2001‬ال‪66‬ذي يعت‪66‬رب أح‪66‬د أش‪66‬هر وأك‪66‬ثرهم نقاش‪66‬ا‬
‫بسبب خاصية التحول املنهجي والكاريكاتوري ملؤلفه‪.‬‬
‫هاريس هو أحد الباحثني النادرين الذين ادعوا تأثري الفكر املاركس‪6‬ي عليهم‪ ،‬ال‪6‬تزم كلي‪66‬ا بفك‪6‬رة أولي‪66‬ة‬
‫البني‪66 6‬ات التحتي‪66 6‬ة االقتص‪66 6‬ادية على البني‪66 6‬ات الفوقي‪66 6‬ة األيديولوجي‪66 6‬ة‪ .‬على خالف أس‪66 6‬الفه املش‪66 6‬هورين دف‪66 6‬ع‬
‫هاريس املصادرة مع ذلك إىل حدودها القصوى جاهدا يف الربهن‪66‬ة على أن ك‪6‬ل نظ‪66‬ام إنس‪6‬اين مهم‪6‬ا ك‪6‬ان‪،‬‬
‫يقود يف النهاية إىل آلية موجهة إلشباع حاجات مالزمة جلسم اإلنسان‪.‬‬
‫كتاب‪66‬ه األك‪66‬ثر ش‪66‬هرة ‪Cannibales et Monarques. Essai sur l'origine des‬‬
‫‪ cultures‬وه ‪66‬و جمموع ‪66‬ة مق ‪66‬االت خمصص ‪66‬ة للربهن ‪66‬ة على أن ‪66‬ه يف ض ‪66‬وء املادي ‪66‬ة الثقافي ‪66‬ة ح ‪66‬ىت املمارس ‪66‬ات‬
‫واملعتق ‪66‬دات الغريب ‪66‬ة ال ‪66‬يت تب ‪66‬دو للوهل ‪66‬ة األوىل غامض ‪66‬ة تظه ‪66‬ر يف النهاي ‪66‬ة وجبالء معقول ‪66‬ة من وجه ‪66‬ة النظ ‪66‬ر‬
‫البيولوجي‪66‬ة‪ ،‬األم‪66‬ر إذن يتعل‪66‬ق بأخ‪66‬ذ الظ‪66‬واهر ال‪66‬يت تنم عن مفارق‪66‬ة الس‪66‬عة‪ ،‬وحماول‪66‬ة حله‪66‬ا من خالل حتديث‬
‫منطق تعظيم امليزات اليت يفرتض أهنا كامنة‪ ،‬واليت توجد يف العمل‪.‬‬
‫هك ‪66‬ذا ف ‪66‬إن نظ ‪66‬ام البق ‪66‬رة املقدس ‪66‬ة ال ‪66‬يت حيرم أكله ‪66‬ا يف اهلن ‪66‬د م ‪66‬ع أن هن ‪66‬اك ف ‪66‬رتات من اجملاع ‪66‬ة يفس ‪66‬ر‬
‫بالفائدة العاملية لروث وحليب تل‪6‬ك احليوان‪6‬ات ال‪6‬يت ت‪6‬رتك حي‪6‬ة‪ ،‬ظ‪6‬واهر أخ‪6‬رى متنوع‪6‬ة مث‪6‬ل األض‪6‬حية ل‪6‬دى‬
‫األزتي ‪66‬ك‪ ،‬قت ‪66‬ل الفتي ‪66‬ات الص ‪66‬غريات عن ‪66‬د ش ‪66‬عب الياهوم ‪66‬امي أو باإلض ‪66‬افة إىل حترمي حلم اخلنزير يف الش ‪66‬رق‬
‫األوس ‪66‬ط‪ .‬ك ‪66‬ل تل ‪66‬ك الظ ‪66‬واهر تفس ‪66‬ر على أهنا مب ‪66‬ادئ بيئي ‪66‬ة يف القيم الثقافي ‪66‬ة‪ ،‬وع ‪66‬ادة م ‪66‬ا هتدف إىل زي ‪66‬ادة‬
‫الربوتني‪.‬‬
‫ب ‪66‬الرغم من (أو رمبا بس ‪66‬بب) خاص ‪66‬يتها التبس ‪66‬يطية ف ‪66‬إن أفك ‪66‬ار ه ‪66‬اريس اكتس ‪66‬بت مجه ‪66‬وًر ا عريض ‪66‬ا يف‬
‫الوالي ‪66‬ات املتح ‪66‬دة‪ ،‬األيكولووجي ‪66‬ا التخميني ‪66‬ة ال ‪66‬يت اس ‪66‬تندت إليه ‪66‬ا بلغت م ‪66‬ع ذل ‪66‬ك مس ‪66‬توى من التجري ‪66‬د‬
‫والعمومية إىل درجة أهنا آلت إىل فقدان خاصيتها التفسريية اجلادة‪.‬‬
‫‪-3-4-2‬السوس‪//‬يوبيولوجيا‪ :‬مؤس ‪66‬س السوس ‪66‬يوبيولوجيا إدوارد ويلس ‪66‬ون املتخص ‪66‬ص يف دراس ‪66‬ة‬
‫النم‪66‬ل ‪ Myrmécologue‬يتقاس‪66‬م م‪66‬ع م‪66‬ارفني ه‪66‬اريس بعض التوج‪66‬ه حنو النفعي‪66‬ة الراديكالي‪66‬ة واملادي‪66‬ة‬
‫املدفوعة إىل أقصى احلدود‪ .‬باحثو هذا التيار ينطلقون من مسلمة أن س‪6‬لوك البش‪6‬ر جيب‪ ،‬مثل‪6‬ه مث‪6‬ل س‪6‬لوك‬
‫احليوانات‪ ،‬أن ينظر إليه من زاوية االنتخاب الطبيعي‪ .‬لقد أولوا أمهية كبرية إىل تأثري الظواهر الثقافية على‬
‫انتقال اجلينات‪ ،‬هذا (بدال من الثقافة) ما يكون موضوع دراستهم‪.‬‬
‫على العكس من األطروح ‪66‬ات الدارويني ‪66‬ة ال ‪66‬يت بالنس ‪66‬بة هلا الوح ‪66‬دة الوراثي ‪66‬ة للتكي ‪66‬ف هي جمموع ‪66‬ة‬
‫الكائنات احلية مكونة جتمعا من أجل التكاثر‪ .‬السوس‪6‬يوبيولوجيا تتص‪6‬ور التكي‪6‬ف من وجه‪6‬ة نظ‪6‬ر الف‪6‬رد أو‬
‫ب‪66‬األخرى جينات‪66‬ه‪ .‬يتعل‪66‬ق األم‪66‬ر إذن بدراس‪66‬ة م‪66‬ا ميكن ف‪66‬رًد ا من تعظيم ميزت‪66‬ه التكاثري‪66‬ة على حس‪66‬اب أمثال‪66‬ه‪،‬‬
‫ب‪66‬دال من االهتم‪66‬ام بفائ‪66‬دة م‪66‬ا ميكن ه‪66‬ذا الس‪66‬لوك أو ذاك من إض‪66‬فائها إىل س‪66‬لم التن‪66‬افس بني أن‪66‬واع أو بني‬
‫‪5‬‬
‫مجاعات‪.‬‬

‫‪.Ibid., p. 123- 5‬‬

You might also like