You are on page 1of 28

‫مقاالت‬

‫في‬

‫علــوم اللغــة‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪16‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫منهجية ابن دُريد األزدي وتداخل معايريه اللغوية‬

‫يف بناء معجم اجلمهرة‪.‬‬

‫‪-----------‬‬

‫الدكتور خالد موسى العجارمة‬ ‫الدكتور زيد خليل القرالّه‬

‫أستاذ مساعد يف النحو‬ ‫أستاذ مشارك يف علم اللغة احلديث‬

‫قسم اللغة العربية‬ ‫قسم اللغة العربية‬

‫جامعة تبوك‪/‬السعودية‬ ‫جامعة آل البيت‪ /‬األردن‬

‫‪-----------‬‬

‫ملخص ‪:‬‬

‫يُمثّل معجم اجلمهرة البن دُريد مفصالً مهماً يف تاريخ الصناعة املعجمية‪ ،‬ومرحلة انتقالية‬
‫ذات مكانة من حيث كوهنا متثل ابتكار مدرسة معجمية جديدة‪ ،‬تغاير مدرسة اخلليل اليت تقوم‬
‫على املخارج الصوتية‪ .‬وقد رصدت هذه الدراسة منهجية ابن دريد اليت تقوم على الترتيب‬
‫األلف بائي‪ ،‬ومدى التطابق بني النظرية والتطبيق يف بناء املعجم‪ .‬وقد متحورت الدراسة على‬
‫رصد اضطراب منهجية ابن دريد‪ ،‬وأثر تداخل املعايري اللغوية عنده يف ذلك االضطراب‪ ،‬فهو‬
‫مل يستطع الفصل‪ ،‬أو وضع احلدود الفاصلة بني املعايري اللغوية؛ ولذلك تداخلت فأدى ذلك إىل‬
‫اضطراب املنهجية يف بناء املعجم مما جعله موضوعاً للدراسة‪ ،‬والنقد الالذع من كثري من‬
‫العلماء والباحثني‪ .‬وجتتمع الدراسة على رصد تداخل معيار األلف بائية مبعيار التقليبات ومعيار‬
‫املخارج الصوتية‪ ،‬إضافة إىل إقحام املؤلف معيار الغريب والنادر‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية ‪ :‬ابن دريد‪ ،‬منهجية‪ ،‬املعايري اللغوية‪ ،‬اجلمهرة‪.‬‬

‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪17‬‬
2014 )‫ ( ماي‬02 ‫ العدد‬06 ‫ جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد‬: ‫الباحث‬
Abstract :

Al-Jamhara dictionary is considered as a cornerstone in the history of


lexicon industry It is a crucial transitional stage since it represents the
creation of a new lexicon school which contradicts Al-Khalil's school
which, essentially, is based on places of articulation.

The researcher investigates Ibn Duraid's methodology which is based


on the alphabetical order. Hence, the researcher observes the extent of
compatibility between theory and practice in dictionary construction.

This study observes Ibn Duraid confused methodology and the effect
of linguistic criteria alternation in creating such a confusion. Ibn Duraid
couldn't seprate or create definite lines among linguistic criteria,
therefore they have interlaced and led to confusion in the methodology
of dictionary construction Thus, this issue became subject to study and
criticism.

Further, the researcher investigates the alternation between the


alphabetical order and places of articulation order of lexicons in Al-
Jamhara dictionary, in addition to using the criterium of rareness of
lexicals in his dectionary.

: ‫مدخل‬

‫ ويشغل‬،‫ميثل ابن دريد أحد العلماء املشاهري من علماء اللغة يف القرن الثالث اهلجري‬
‫ابن دريد حيزاً على خارطة علماء اللغة؛ وذلك مبا ألّف من الدراسات اللغوية اليت وصلنا‬
‫ الذي‬،‫ واألديب‬،‫ كغريها من تراثنا اللغوي‬،‫ وبقي بعضها اآلخر يف عداد املفقود‬،‫بعضها‬
.‫ما زلنا نأمل العثور عليه‬

18 ‫ص‬.‫ تبوك‬.‫جا‬/‫ خالد العجارمة‬.‫ آل البيت ؛ د‬.‫جا‬/‫ زيد القرالة‬.‫ د‬: … ‫منهجية ابن دُريد‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫أما املؤلف والعلم الذي هو جمال الدراسة فهو‪ " :‬أبو بكر حممد بن احلسني بن‬
‫دريـد بن عتاهيـة‪ ...‬ولد أبو بكر حممد بن احلسن بن دريــد بالبصرة سنة ثالث‬
‫وعشرين ومائتني‪ ،‬ونشأ بعُمــان‪ ،‬وتنقل ما بني البصـرة‪ ،‬وفـارس‪ ،‬وطلب األدب‪،‬‬
‫وعلم النحو‪ ،‬واللغة‪ .‬وكان أبوه من ذوي اليسار‪ ،‬ورد بغداد بعد أن أسنّ فأقـام هبا إىل‬
‫آخر عمره"(‪.)1‬‬

‫عُرف ابن دريد بالعلم؛ فقد روى عن كبار العلماء‪ ،‬وأخذ عنه املشاهري منهم مثل‪:‬‬
‫السريايف‪ ،‬وأبو بكر بن شاذان‪ ،‬وقد عرف بسعة روايته وحمفوظه‪ ،‬وعرف بسرعة‬
‫حفظه‪ ،‬وروى ابن دريد حادثة تدل على سرعة حفظه‪ ،‬وقدرته على ذلك بشكل يدعو‬
‫لالستغراب‪ ،‬فقال‪ :‬كان أبو عثمان األشنانداين معلمي‪ ،‬وكان عمي احلسني بن دريد‬
‫يتوىل تربييت‪ ،‬فإذا أراد األكل استدعى أبا عثمان يأكل معه‪ ،‬فدخل عمي يوماً وأبو‬
‫عثمان املعلم يروي قصيدة احلارث بن حلزة اليت أوهلا ‪:‬‬

‫(آذنتــنا ببـينها أمســاء) فقال يل عمّي‪ :‬إذا حفظت هذه القصيدة وهبت لك‬
‫كذ وكذا‪ ،‬مث دعا باملعلم يأكل معه‪ ،‬فدخل إليه‪ ،‬فأكال وحتدثا بعد األكل ساعة‪ .‬قال‪:‬‬
‫فإىل أن رجع املعلم حفظت "ديوان احلارث بن حلّزة بأسره‪ ،‬فخرج املعلم‪ ،‬فعرّفته بذلك‬
‫فاستعظمه‪ ،‬وأخذ (يغتربه) علي‪ ،‬فوجدين قد حفظته‪ ،‬فدخل إىل عمّي فأخربه‪ ،‬فأعطاين‬
‫ما كان وعدين به"(‪.)2‬‬

‫( ‪)1‬‬
‫إنباه الرواة على أنباه النحاة‪ ،‬مجال الدين أيب احلسن علي بن يوسف القفطي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد‬
‫أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار الفكر العريب‪ -‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1986 ،1‬ج‪ ،3‬ص‪.93 -92‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.95 -94‬‬
‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪19‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫"مات ابن دريد سنة ‪321‬هـ؛ ودفن مبقربة اخليزران‪ ،‬ومات يف ذلك اليوم أبو‬
‫هاشم اجلبائي‪ ،‬فقال الناس‪ :‬مات علم اللغة والكالم مبوهتما"(‪.)3‬‬

‫وقد صنف ابن دريد عدداً من املصنفات من أمهها وأشهرها (كتاب اجلمهرة)‪ .‬وقد‬
‫استوقف كتاب اجلمهرة كثريا من العلماء والباحثني قدمياً وحديثاً‪ ،‬وقد أظهروا ما فيه‬
‫من خلل‪ ،‬واضطراب يف املنهج الذي وضعه املؤلف‪ ،‬وأدى هذا املعجم إىل جعل مؤلفه‬
‫(ابن دريد) موضع أخذ وردّ‪ ،‬ومادة جدل بني العلماء من الرفض إىل القبول‪ ،‬ومن املدح‬
‫إىل الذم‪ ،‬وقد وقف األزهري يف التهذيب على بعض مالمح اجلمهرة‪ ،‬وقال معلقاً عليه‪:‬‬
‫"وممن ألّف يف عصرنا الكتب فوسم بافتعال العربية وتوليد األلفاظ اليت ليس هلا أصول‪،‬‬
‫وإدخال ما ليس من كالم العربية يف كالمهم (أبو بكر حممد بن احلسني بن دريد‬
‫األزدي) صاحب كتاب اجلمهرة‪ ...‬وحضرْته يف داره ببغداد غري مرّة‪ ،‬فرأيته يروي عن‬
‫أيب حامت‪ ،‬والرياشي‪ ،‬وعبد الرمحن ابن أخي األصمعي‪ ،‬فسألت إبراهيم بن حممد بن عرفة‬
‫امللقب بنفطويه فاستخف به‪ ،‬ومل يوثقه يف روايته‪ .‬ودخلت يوماً عليه فوجدته سكران ال‬
‫يكاد يستمر لسانه على الكالم‪ ،‬من غلبة السكر عليه‪ .‬وتصفحت كتاب اجلمهرة له فلم‬
‫أجده داالً على معرفة ثاقبة‪ ،‬وعثرت منه على حروف أزاهلا عن وجوهها‪ ،‬وأوقع يف‬
‫تضاعيف الكتاب حروفاً كثرية أنكرهتا ومل أعرف خمارجها‪ ،‬فأثبتها من كتايب عن‬
‫مواقعها منه‪ .)4( "...‬وجاء يف املزهر للسيوطي أنّ ابن دريد ونفطويه قد تعاصرا‪،‬‬
‫وكانت بينهما مهاجاة‪ ،‬ومما هجا نفطويه ابن دريد فيه عمله يف كتاب اجلمهرة‪ ،‬وأ ّن‬

‫( ‪)3‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.96 -95‬‬
‫( ‪)4‬‬
‫هتذيب اللغة‪ ،‬حممد بن أمحد األزهري‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد السالم هارون‪ ،‬املؤسسة املصرية العامة‬
‫للتأليف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.31‬‬
‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪20‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫هذا الكتاب ليس له‪ ،‬ويف ذلك يقول‪" :‬ويدّعي من محقه وضع كتاب اجلمهرة ‪ -‬وهو‬
‫كتاب العني إال أنه قد غريه"(‪.)5‬‬

‫وحياول السيوطي ردّ التهمة عن ابن دريد بقوله‪" :‬وقد تقرر يف علم احلديث أ ّن‬
‫كالم األقران يف بعضهم ال يقدح"(‪ .)6‬وقد وقف ابن فارس وقفة الناقد فيما غلّط به‬
‫ابن دريد يف غري موطن‪" ،‬فقد أخذ ابن فارس على ابن دريد أنه وضع بعض األلفاظ‬
‫وافتعلها‪ ،‬ونسب هذه األلفاظ إىل اللغة اليمانية"(‪ .)7‬وكان أبو علي الفارسي "قد عرّض‬
‫بابن دريد يف غري موقف‪ ،‬وقد أشار ابن جين إىل موقف أيب علي من مقدمة‬
‫اجلمهرة"(‪ .)8‬وإذا كان أبو علي الفارسي يُعرّض بابن دريد بالتمليح فإنّ ابن جين قد‬
‫حتدث صراحة عن عيوب اجلمهرة وما فيه من اضطراب بقوله‪" :‬وأما كتاب اجلمهرة‬
‫ففيه أيضاً من اضطراب التصنيف وفساد التصريف ما أعذر واضعه فيه؛ لبعده عن معرفة‬
‫هذا األمر‪ .‬وملا كتبــته وقعت يف متونه وحواشيه مجيعاً من التنــبيه على هذه‬
‫املواضع ما استحييت من كثرته‪ .‬مث إنه ملا طال عليّ أومأت إىل بعضه‪ ،‬وأضربت ألبتة‬
‫عن بعضه"(‪.)9‬‬

‫( ‪)5‬‬
‫املزهر يف علوم اللغة وأنواعها‪ ،‬عبد الرمحن جالل الدين السيوطي‪ ،‬صححه‪ :‬حممد أمحـد‬
‫جاد املوىل وآخرون‪ ،‬دار اجليل‪ -‬بريوت‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.94‬‬
‫( ‪)6‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.94‬‬
‫( ‪)7‬‬
‫جملة جممع اللغة األردين‪ ،‬منهج أمحد بن فارس يف النقد اللغوي يف معجم مقاييس اللغـة‪،‬‬
‫حممود عبد اهلل اجلفال‪ ،‬ص‪.108 -107‬‬
‫( ‪)8‬‬
‫انظر‪ :‬اخلصائص‪ ،‬ابن جين‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد علي النجار‪ ،‬ج‪،3‬‬
‫ص‪.288‬‬
‫( ‪)9‬‬
‫اخلصائص‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.288‬‬
‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪21‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫لقد كان كتاب اجلمهرة من حيث الترتيب وما داخله من اضطراب ميثل نقطة سوداء‬
‫يف مسرية ابن دريد‪ ،‬وقد أخذ عليه العلماء هذا االضطراب‪ ،‬وتوقفوا عند اضطراب‬
‫اجلمهرة وأغفلوا أي جهد علمي البن دريد كأنه مل يقدم إال اجلمهرة ‪.‬‬

‫ويف املباحث الالحقة سأقف على معايري ابن دريد اللغوية ‪ ،‬وتداخلها ‪ ،‬وأثر ذلك يف‬
‫اضطراب اجلمهرة إضافة إىل باب النادر املستكره عنده وما فيه من خلط ‪ ،‬واضطراب‬
‫إضافة إىل خروجه عن نظام املعجم ‪،‬وخطة املؤلف فهو إىل معاجم املوضوعات اقرب ‪.‬‬

‫تداخل املعايري اللغوية يف بناء اجلمهرة ‪:‬‬

‫إنّ أيَّ عمل معجمي ال بد له أن يقوم على عدد من املعايري اللغوية‪ ،‬واملعايري اللغوية‬
‫اليت حيددها املعجميّ ليقيم معجمه على أساسها ال بد هلا من االنسجام والتسلسل؛ أل ّن‬
‫انسجامها وتسلسلها يؤدي إىل أن يقوم كلّ معيار بدور تكاملي مع املعايري األخرى‪،‬‬
‫وهبذا التكامل واالنسجام يتشكل لدينا نسيج لغوي يشكل مبجمله معجماً لغوياً متوافقاً‬
‫يف بنائيه‪ :‬اخلارجي والداخلي‪.‬‬

‫لقد وضع ابن دريد املعايري اللغوية اليت متثل خطة يسري عليها يف بناء معجم اجلمهرة‪،‬‬
‫وهذه املعايري الرئيسة يشتمل كلّ منها على عدة معايري فرعية‪ ،‬ومن املعايري اليت انطلق‬
‫منها وبىن عليها ابن دريد معجمه‪:‬‬

‫‪ -1‬معيار الترتيب األلف بائي أو الترتيب األبتثي ‪:‬‬

‫وجد ابن دريد كتاب العني للخليل قد أتعب من تصدى له؛ وذلك لعلة يف منهجه‬
‫القائم على املخارج الصوتية؛ فقد جاء يف مقدمة اجلمهرة‪" :‬وقد ألف أبو عبد الرمحن‬
‫الفراهيدي – رضوان اهلل عليه – كتاب العني‪ ،‬فأتعب من تصدى لغايته‪ ،‬وعنّى من مسا‬
‫إىل هنايته‪ ،‬فاملنصف له بالغلب معترف‪ ...‬ولكنه ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬ألف كتابه مشاكالً‬
‫لثقوب فهمه وذكاء فطنته وحدّة أذهان أهل دهره‪ .‬وأملينا هذا الكتاب والنقص يف‬

‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪22‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫الناس فاشٍ والعجز هلم شامل‪ ...‬فسهّلنا وعره‪ ،‬ووطأنا شأزه‪ ،‬وأجريناه على تأليف‬
‫احلروف املعجمة إذ كانت بالقلوب أعبق‪ ،‬ويف األمساع أنفذ‪ ،‬وكان علم العامة هبا كعلم‬
‫اخلاصة‪ .)10( ...‬ونالحظ أنّ ابن دريد قد وضع يف مقدمة اجلمهرة عدة مسوغات‬
‫لوضع هذا املعجم؛ فهو يرى أنّ املنهج الذي بُين عليه كتابُ العني صعب (أتعب من‬
‫تصدى لغايته‪ ،‬ويف املقابل فإنه بىن معجمه (وسهل وعره ووطأ شأزه وأجراه على تأليف‬
‫احلروف املعجمة إذ كانت بالقلوب أعبق) واحلقيقة أنه حمقّ يف كون الترتيب األبتثي‬
‫أيسر من الترتيب الصويت هذا لو أنه التزم به‪ ،‬واستطاع أن يتخلص من معيار البناء‬
‫الصويت الذي ظل أسرياً له‪.‬‬

‫لقد وضع ابن دريد لنفسه منهجاً ليبين عليه معجمه وهو الترتيب األلف بائي‪ ،‬وقد‬
‫جعل هذا الترتيب األلف بائي يقوم على األبنية‪ ،‬فقد جاء بناء املعجم على األبواب‬
‫اآلتية‪ :‬باب الثنائي الصحيح‪ ،‬وباب الثالثي الصحيح وما تشعب منه‪ ،‬وباب النوادر يف‬
‫اهلمز‪ ،‬وباب الرباعي الصحيح‪ ،‬وأبواب الرباعي املعتل‪ ،‬وأبواب ما يلحق بالرباعي حبرف‬
‫من حروف الزوائد‪ ،‬وأبواب اللفيف‪ ،‬وأبواب النوادر‪.‬‬

‫لقد بدأ ابن دريد بناء معجمه على أساس خاليف‪ ،‬ومفاهيم جدلية؛ فهو منذ البداية‬
‫يضع إشكالية يف مفهوم الثنائي‪ ،‬وعلى أي أساس يعامل هذه األبنية على أهنا ثنائية‪ ،‬أهو‬
‫األساس األلف بائي أم األساس الصويت‪ ،‬وقد ظهرت اإلشكالية واجلدلية يف قوله‪" :‬فمن‬
‫نظر يف كتابنا هذا فآثر التماس حرف ثنائي فليبدأ باهلمزة والباء إن كان الثاين باءً‬
‫ثقيلة‪ .)11( "...‬لقد جعل ابن دريد معيار األبنية شرطاً لتطبيق معيار األلف بائية‪،‬‬
‫والبناء الثنائي الذي ثانيه مضعّف هو ثنائي على أساس صويت‪ ،‬وليس على أساس صريف‬

‫(‪)10‬‬
‫ا جلمهرة يف اللغة‪ ،‬ابن دريد‪ ،‬حتقيق‪ :‬رمزي البعلبكي‪ ،‬دار العلـم للماليـني‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،1987‬ج‪ ،1‬ص‪.41‬‬
‫(‪)11‬‬
‫اجلمهرة يف اللغة‪ ،‬ابن دريد‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،40‬وانظر‪ :‬ص‪.53‬‬
‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪23‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫أو معجمي؛ ألن الثنائي مضعف الثاين هو ثالثي باملعيار الصريف‪ ،‬ولو عدنا إىل معيار‬
‫اخلليل الذي وضع على أساسه الثنائي مضعف الثاين لوجدناه يطبق املعيار الصويت بدقة‪،‬‬
‫فاخلليل يطبق املعيار الصويت متسلسالً يف املخارج‪ ،‬وابن دريد ينوي املعيار الصريف‬
‫ويذهب يف التطبيق إىل املعيار الصويت‪ ،‬فالكلمات‪( :‬دعّ‪ ،‬دقّ‪ ،‬درّ) يف حقيقتها الصرفية‬
‫على وزن فعل‪ ،‬وهي يف ترتيبها على أساس األلف بائية‪ ،‬واألبنية اليت تقوم عليها أبنية‬
‫ثالثيـة وليست ثنائيـة‪ ،‬وهي ثنائيـة من حيث تكرار العني‪ ،‬والقاف‪ ،‬والراء وهذا‬
‫معيــار صــويت‪.‬‬

‫إنّ فكرة األبنية عند ابن دريد فكرة مضطربة‪ ،‬ومما يدلل على اضطراب مفهوم الثنائي‬
‫أنّ الفارق بني (بثّ وبثث‪ ،‬وبجّ وجبج) هو أنّ املدغم أو مثقل الثاين هو ثنائي‪( ،‬أما‬
‫مكرر الثاين دون إدغام فهو ثالثي صحيح‪ ،‬ويسميه (باب من الثالثي جيتمع فيه حرفان‬
‫مثالن) مثل‪ :‬جبج‪ ،‬حبح‪ ،‬بذذ‪ .)12( ...‬وقد نبه ابن دريد نفسه إىل هذه احلقيقة اليت‬
‫تؤكد أنّ الثنائي املدغم الثاين هو ثالثي؛ فقد قال يف اجلمهرة يف حديثه عن باب الثنائي‬
‫الصحيح‪" :‬والثنائي الصحيح ال يكون حرفني إال والثاين ثقيل حىت يصري ثالثة أحرف‪:‬‬
‫اللفظ ثنائي واملعىن ثالثي‪ ،‬وإمنا مسّي ثنائياً للفظه وصورته‪ ،‬فإذا صرت إىل املعىن واحلقيقة‬
‫كان احلرف األول أحد احلروف املعجمة والثاين حرفني مثلني أحدمها مدغم يف‬
‫اآلخر‪ )13( "..‬ويف هذا البناء الذي يراه ابن دريد ثنائياً فإنه قد أخلّ بالترتيب األلف‬
‫بائي حماوالً الوصول لالنسجام يف معيار األبنية الذي أخلّ فيه أيضاً؛ ألنه بىن معيار األبنية‬
‫على معيار الصوتية وهو معيار مغلوط‪ ،‬وما بين على غلط فنتائجه مغلوطة‪ ،‬وهذا ما وقع‬
‫فيه ترتيب اجلمهرة‪.‬‬

‫(‪)12‬‬
‫اجلمهرة يف اللغة‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.999‬‬
‫(‪)13‬‬
‫اجلمهرة يف اللغة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.53‬‬
‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪24‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫ويف الترتيب األلف بائي الذي اختاره ابن دريد جنده يغاير يف ترتيب بعض احلروف‪،‬‬
‫وقد أشار بعض احملدثني إىل ذلك بقوله‪( :‬وقدم ابن دريد الواو على اهلاء يف الترتيب‬
‫وهذا خيالف األجبدية العربية كما نعرفها اآلن‪ ،‬حيث تقدم فيها اهلاء على الواو"(‪.)14‬‬

‫إنّ البناء يف الكلمات‪( :‬حبح‪ ،‬بذذ‪ ،‬برر) بناء ثالثي يف عدد احلروف والوزن‪ ،‬وقد‬
‫عدّه ابن دريد ثالثياً جيتمع فيه حرفان مثالن‪ ،‬أما هذه الكلمات يف حالة اإلدغام‪( :‬بحّ‪،‬‬
‫بذّ‪ ،‬برّ) فهو عند ابن دريد ثنائي مع أهنا تتكون من ثالثة حروف‪ ،‬وهنا أرى أنه استطاع‬
‫أن يطبق معيار األلف بائية على الثالثي الذي جيتمع فيه حرفان مثالن دون إدغام‪ ،‬ومل‬
‫يوفق يف جعل البناء مدغم الثاين ثنائياً على أساس معيار األلف بائية‪ ،‬واحلقيقة أنّه ثنائي‬
‫على أساس املعيار الصويت‪ ،‬وإذا أردنا أن يكون معيار األلف بائية مطرداً فال بد أن نع ّد‬
‫البناءين‪ :‬مدغم الثاين ومكرره على أهنما من بناء الثالثي‪ ،‬وإال فإنّ (بذّ وبحّ‪ ،‬وبرّ) أبنية‬
‫ثنائية من منطلق املعيار الصويت‪.‬‬

‫وجند يف بناء الثنائي منطاً مما جعله اخلليل يف معجمه من أبنية الثنائي على أساس‬
‫صويت‪ ،‬وهذا البناء الذي جعله ابن دريد ثنائياً هو مكرر الرباعي يف مثل (كركر‪ ،‬قرقر‪،‬‬
‫صرصر) وهو ثنائي عند اخلليل على أساس املعيار الصويت؛ فكل كلمة من الكلمات‬
‫السابقة رباعية البناء وهي ثنائية من املفهوم الصويت إال أنّ املعايري قد اضطربت وتداخلت‬
‫مما أدى إىل تداخل النظام الصويت باأللف بائي يف عدة مواطن يف البناء الواحد‪ ،‬ومثاهلا‬
‫البناء الثنائي الذي اجتمعت فيه األبنية اآلتية‪" :‬الثنائي الصحيح وهو مضعّف الثاين‪،‬‬
‫والثنائي املهموز وما يتصل به من املكرر مثل‪( :‬بأبأ‪ ،‬وتأتأ) والثنائي الذي هو يف األصل‬

‫(‪)14‬‬
‫معجم املعاجم العربية‪ ،‬يسرى عبد الغين عبـد اهلل‪ ،‬دار اجليـل‪ -‬بـريوت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1991‬م‪ ،‬ص‪.77‬‬
‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪25‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫رباعي ويسمى الرباعي مكرر الثنائي"(‪ .)15‬وقد أشار حسني نصار إىل اضطراب املواد‬
‫اللغوية داخل البناء الواحد‪ ،‬ومن أمثلته‪" :‬ما وقع يف باب الدال إذ يقدمه مع الراء (تربد)‬
‫مث مع العني (رعتب) مث يرجعه إليه مع الراء ثانية (تدرب)" (‪.)16‬‬

‫إنّ معيار األلف بائية الذي اختاره ابن دريد معيار جلي واضح املعامل إال أنّه يف تطبيق‬
‫ابن دريد يف اجلمهرة قد بدأ يتالشى لصاحل املنهج الصويت الذي اتبعه اخلليل‪ ،‬وأحسب‬
‫أنّ ابن دريد قد أشبع باملنهج الصويت ومل يستطع التخلص منه؛ ولذلك جاء تنظريه مغايراً‬
‫لتطبيقه فأدى ذلك إىل اإلخالل مبعيار األلف بائية الذي اختاره؛ ولذلك يرى عبد اجمليد‬
‫احلر "أننا لو فقدنا كتاب العني ونريد أن نتعرف منهجه وطريقته فيمكننا النظر يف كتاب‬
‫اجلمهرة"(‪.)17‬‬

‫ومما يشري إىل تسرّب منهج اخلليل لعمل ابن دريد يف اجلمهرة أنه "سار على هنجه يف‬
‫أنه ال يذكر بعد احلرف سوى احلرف الذي يليه مباشرة"(‪ .)18‬ويالحظ أنّ منهج‬
‫األلف بائية الذي انطلق منه ابن دريد يف بناء معجم اجلمهرة قد أفرغ من قيمته‪ ،‬وأبعد‬
‫عن خصوصيته؛ ليبقى املسمى األلف بائي‪ ،‬ويظهر جوهر املنهج الصويت‪ ،‬وهذا إخالل‬
‫يف املعيار واضطراب يف تطبيقه‪.‬‬

‫(‪)15‬‬
‫جملة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية‪ ،‬جملد‪ ،12‬عدد ‪1421 ،20‬هـ‪/‬‬
‫‪2000‬م‪ ،‬عبد الرزاق بن فراج الصاعدي‪ ،‬خلل األصول يف معجم اجلمهرة‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫(‪)16‬‬
‫انظر‪ :‬املعجم العريب نشأته وتطوره‪ ،‬حسني نصار‪ ،‬دار مصر للطباعة‪ ،1988 ،‬ج‪،2‬‬
‫ص‪.323‬‬
‫(‪)17‬‬
‫انظر‪ :‬املعجمات واملعاجم العربية نشأهتا وأنواعها‪ ،‬عبد اجمليد احلر‪ ،‬دار الفكر العريب‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪ ،1994 ،1‬ص‪.44‬‬
‫(‪)18‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪26‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫‪ -2‬معيار األبنية ومنهجية ابن دريد فيه ‪:‬‬

‫ميثل نظام األبنية يف معجم اجلمهرة أحد أهم مالحمه اليت اتسم هبا‪ ،‬وعندما نسمع‬
‫عبارة (معيار األبنية) فإنّ أول ما يتبادر للذهن هو التوزيع الكمي للمفردات بناءً على‬
‫الترتيب األلف بائي‪ ،‬ويفهم من التوزيع الكمي وجود أبنية ثنائية‪ ،‬وثالثية‪ ،‬ورباعية‪،‬‬
‫ومخاسية إال أنّ توزيع األبواب يف اجلمهرة مل يطّرد على وترية واحدة بناء على الكم‪،‬‬
‫وقد أشار عبد الرزاق الصاعدي يف حبثه (خلل األصول) إىل هذا التعدد واالضطراب يف‬
‫تسلسل األبنية إذ يقول يف ذلك‪" :‬اضطراب املنهج واختالل التصنيف وذلك يف أبواب‬
‫اجلمهرة اليت ال تقوم يف تقسيمها وترتيبها على أساس واحد‪ ،‬بل تقسم على أساس‬
‫األلفاظ تارة وعلى أساس األبنية تارة أخرى‪ ،‬وعلى أساس املوضوعات والظواهر اللغوية‬
‫يف بعض األحيان"(‪ )19‬وقد جاءت األبنية يف اجلمهرة على أساس الكم من الثنائي إىل‬
‫اخلماسي وما يلحقه‪ ،‬وداخل هذه األبنية معيار الصحة واالعتالل‪ ،‬وأضيف باب النوادر‪،‬‬
‫وبسبب تداخل املعايري يف بناء األبنية واألبواب واضطراهبا يرى حسني نصار أن ابن دريد‬
‫كل‬
‫مل خيلص ملنهجه إذ يقول‪ ..." :‬ويظهر أنّ ابن دريد مل خيلص لنظام األبنية َّ‬
‫اإلخالص‪ ،‬إذ أفرد بعض األبواب على أساس آخر‪ ،‬هو الندرة‪ .‬ومل يفعل ذلك اخلليل ‪،‬‬
‫وقسّم املؤلف هذه األبنية إىل أبواب وفقاً لأللف باء‪ ،‬باعتبار احلروف األصول‬
‫وحدها"(‪ )20‬وجند تعليقاً آخر حلسني نصار يعرض فيه الضطراب معيار األبنية بقوله‪:‬‬
‫"‪ ...‬فال مراعاة فيهما للحرف األول أو الثاين‪ ،‬أو أي حرف‪ ،‬وإمنا ترتب التقاليب ترتيباً‬

‫(‪)19‬‬
‫جملة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية‪ ،‬جملد ‪ ،12‬عـدد ‪ ،20‬خلـل‬
‫األصول يف معجم اجلمهرة‪ ،‬عبد الرزاق الصاعدي‪.‬‬
‫(‪)20‬‬
‫املعجم العريب نشأته وتطوره‪ ،‬حسني نصار‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.318‬‬
‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪27‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫هوائياً حبسب ورودمها على خاطره‪ .‬وهو يأيت بالرباعي مث يُلحق به الثالثي مضعّف‬
‫احلرف الثالث‪.)21( "...‬‬

‫إنّ نظام األبنية واألبواب الذي وضعه ابن دريد ميثل عبئاً ومحولة زائدة تثقل النظام‬
‫األلف بائي‪ ،‬مع أنّ ابن دريد أُشبع مبنهج اخلليل ‪ ،‬وأراد أن يأيت بنظام معجمي جديد‬
‫غري مألوف‪ .‬أما يف نظام املخارج الصوتية وهو منهج العني للخليل فإنّ نظام األبنية‬
‫يساعد على بناء املعجم؛ فالبناء الثنائي مشدد الثاين أو مكرر الثاين مثل شدّ وشدد‪،‬‬
‫والثنائي مكرر الرباعي هدهد وكركر فهو توزيع يعمل على حتديد الثنائي بأنواعه‬
‫وربطها باملخارج الصوتية‪ ،‬وكذلك الثالثي والرباعي‪.‬‬

‫إنّ البناء يف املخارج الصوتية قد يكون ثنائياً ‪ ،‬أو ثالثــياً ‪ ،‬أو ربــاعياً‪،‬‬
‫واملنهج الصويت هو السبب والدافع جمليء نظام األبنية وإال كيف نعامل مضعّف الثاين‪،‬‬
‫والرباعي مكرر الثنــائي‪.‬‬

‫وال يكمن االضطراب يف معيار األبنية من حيث أنه يعدّ الثالثي ثنائياً والرباعي مكرر‬
‫الثنائي ثنائياً وغري ذلك فقط‪ ،‬بل إن اضطراب معيار األبنية يف عمل ابن دريد ظهر أيضاً‬
‫يف وجود بعض األبواب اليت ال تقوم على معيار األبنية بل على املعيار الصويت أو الصويت‬
‫الصريف كما يف املهموز‪ ،‬واملعتل‪ ،‬واللفيف‪ .‬ويشري عبد الرزاق الصاعدي إىل اختالف‬
‫األبواب واألوزان يف البناء الواحد وذلك يف قوله‪" :‬اخلماسي‪ ،‬وفيه أبواب على أوزان‬
‫خمتلفة‪ ،‬وأحلق به أبواباً خمتلفة"(‪.)22‬‬

‫(‪)21‬‬
‫املرجع السابق ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.324‬‬
‫(‪)22‬‬
‫جملة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية‪ ،‬جملد ‪ ،12‬عـدد ‪ ،20‬خلـل‬
‫األصول يف معجم اجلمهرة‪ ،‬عبد الرزاق الصاعدي‪.‬‬
‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪28‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫وملّا كان معجم اجلمهرة حاضراً على ألسنة العلماء‪ ،‬ويف ما خطّوه من نقد‪ ،‬ورصد‬
‫مآخذ فال بدّ أن يؤخذ األمر من أهله‪ ،‬وأن ينظر يف ما قاله أهل االختصاص ممن اشتغلوا‬
‫باملعاجم وصناعتها للوقوف على اضطراب منهجية ابن دريد يف بناء اجلمهرة‪ ،‬وتداخل‬
‫معايريه اللغوية واضطراهبا كما وقع فيها من تداخل وتعارض‪.‬‬

‫يقول األزهري يف هتذيب اللغة‪ ..." :‬وتصفّحت كتاب اجلمهرة له فلم أره داالً على‬
‫معرفة ثاقبة‪ ،‬وعثرت منه على حروف كثرية أزاهلا عن وجوهها‪ ،‬وأوقع يف تضاعيف‬
‫الكتاب حروفاً كثرية أنكرهتا ومل أعرف خمارجها"(‪ )23‬وهنا أشري إىل الطعن يف كتاب‬
‫اجلمهرة‪ ،‬وهذا الطعن من معجمي عريق له مكانته يف الصناعة املعجمية‪ ،‬وهو من‬
‫القدماء‪ ،‬ومن معاصري صاحب اجلمهرة‪ ،‬وهو وإن كان من األقران الذين ال تؤخذ‬
‫شهادهتم على إطالقها إالّ أنّه مل ينفرد يف هذا الرأي‪ ،‬فإن رُدّت شهادة واحد فليس من‬
‫السهل أن تُردّ شهادة اجلميع من أهل االختصاص معجميني ولغويني‪.‬‬

‫وإذا وقفنا على آراء احملدثني ممن نظروا يف املعاجم‪ ،‬وشُغلوا بالدرس املعجمي‬
‫والتأليف فيه فإننا جند جلّ احملدثني يأخذون على معجم اجلمهرة مجلة من املآخذ‪ ،‬فهذا‬
‫شيخ احملدثني ممن عملوا يف النقد املعجمي ودراساته وهو حسني نصار يقول‪" :‬وال يُعطي‬
‫املنهج الذي وضعه املؤلف صورة صحيحة ملا يف اجلمهرة من أبواب بسبب ما عراه من‬
‫اضطراب يف أثناء تطبيقه"(‪ )24‬وهذا يؤكد الفجوة بني النظرية والتطبيق يف معجم‬
‫اجلمهرة؛ فقد كان من أهداف تأليفه ما وجده من صعوبة يف التعامل مع معجم العني‬
‫بسبب تلك املنهجية اليت اختذها اخلليل أساساً ملعجمه وهي املخارج الصوتية متبوعة‬
‫بالتقليبات‪ ،‬وأن ابن دريد ألزم نفسه باالبتعاد عن الغريب والنادر‪ ،‬ولكنه مل يف خلطته‪،‬‬
‫ومل خيلص ملنهجه‪.‬‬

‫(‪)23‬‬
‫هتذيب اللغة‪ ،‬األزهري‪.31/1 ،‬‬
‫(‪)24‬‬
‫املعجم العريب نشأته وتطوره‪ ،‬حسني نصار‪.321/2 ،‬‬
‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪29‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫لقد تداخلت املعايري عند ابن دريد يف كتاب اجلمهرة لعلة تكمن يف تعارض أسس‬
‫منهجه الذي اختذه إذ أخذ باأللف بائية‪ ،‬ونظام التقليبات‪ ،‬وكثرة األبواب والتفريعات‬
‫وامللحقات اليت أضافها لكل باب ‪ ،‬ولذلك فقد "حاد ابن دريد عن هنج املعاجم اجملنسة‪،‬‬
‫حيث حشد مواد حشداً موضوعياً ال هجائياً‪ ،‬ومثال ذلك تلك األبواب الفرعية القصرية‬
‫اليت وضعها مع أبواب الرباعي مثل ما جاء يف الشد والصالبة‪ ،‬وما جاء يف القصر‪ ،‬وما‬
‫جاء يف السرعة ‪ ،‬وما جاء يف املضاد‪ ...‬وقد تغلبت حافظة ابن دريد على ما كان ينبغي‬
‫أن يأخذ به نفسه يف املعجم اجملنّس"(‪.)25‬‬

‫وملّا كان ابن دريد ال يضبط معايريه اللغوية‪ ،‬وال يُحكم السيطرة على تلك األبواب‬
‫جبعل كلّ منها مستقالً عن اآلخر فقد أدى ذلك إىل اضطراهبا‪ ،‬والتداخل بينها‪ ،‬ويف‬
‫ذلك يقول حسني نصار‪" :‬وال تقوم هذه األبواب يف تقسيمها أو ترتيبها على أساس‬
‫معني‪ ،‬بل تقسم مرّة على األبنية وأخرى على املوضوعات وثالثة على بعض الظواهر‬
‫اللغوية فيما حتويه من ألفاظ‪ ،‬فهي غاية يف االختالط واالضطراب وليس هلا من خصائص‬
‫املعجمات شيء‪.)26( "...‬‬

‫وقد أدّى تداخل املعايري اللغوية يف بناء معجم اجلمهرة إىل توزيعه على سبعة عشر‬
‫باباً كما رصد عبد السميع حممد(‪ )27‬وقد داخل هذه األبواب يف هذا التقسيم خلل‬
‫واضح؛ فأن جيعل بتّ‪ ،‬وبزّ من الثنائي‪ ،‬وكذلك زلزل‪ ،‬ودعدع‪ ،‬وكذلك زأر فهذا‬
‫اضطراب واضح‪ ،‬وكذلك جبعله الثالثي الصحيح يشتمل على معتل العني مثل (صام)‬
‫ومعتل الالم مثل (رمى) و(مسا) فهذا اضطراب واضح أيضاً‪.‬‬

‫(‪)25‬‬
‫املعاجم العربية دراسة حتليلية‪ ،‬عبد السميع حممد أمحد‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫(‪)26‬‬
‫املعجم العريب نشأته وتطوره‪ ،‬حسني نصار‪.329/2 ،‬‬
‫(‪)27‬‬
‫انظر‪ :‬املعاجم العربية دراسة حتليلية‪ ،‬عبد السميع حممد أمحد‪ ،‬ص‪.54 -53‬‬
‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪30‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫وقد رصدت عدة دراسات اضطراب األبنية وتوزيعها يف كتاب اجلمهرة مبينة اخللل‬
‫يف ذلك التوزيع‪ ،‬وذلك يرصد األمثلة والنماذج من كتاب اجلمهرة(‪.)28‬‬

‫وما أن يبدأ ابن دريد باأللف بائية فسرعان ما يتركها إىل معيار آخر؛ فهو يف الثنائي‬
‫املعتل – على سبيل املثال – يضعه يف باب منفصل‪ ،‬وتتكون مواده من حرف صحيح‬
‫وحرفني من حروف العلة واهلمزة؛ ألنه جيعل اهلمزة من حروف العلة‪ ،‬وهو يف هذا‬
‫التقسيم يبىن املعيار الصريف من حيث األخذ بأصوات العلة واهلمز‪ ،‬وهو يغاير منهجه إذ‬
‫يُصنف هذا الثالثي على أنّه ثنائي‪ ،‬وبذلك يكون قد خالف منهجه من وجهني‪ :‬أوهلما‬
‫اختاذه املعيار الصريف‪ ،‬وثانيهما عدم التزامه باملعيار الكمّي إذ جعل الثالثي ثنائياً من حيث‬
‫جعل حروف العلة ذات خصوصية تنماز هبا عن الصحاح‪ ،‬فيما أنّ مادة هذا الباب‬
‫تتكون من حرف صحيح وحريف علة أو حرف صحيح وحرف علة ومهزة فهو‬
‫ثــالثي وليس ثنــائياً‪.‬‬

‫وهو يف هذا الباب الثنائي يقع يف خلل بسبب تداخل املعيار الصريف باأللف بائي؛‬
‫ولذلك فقد وضع من الثالثي يف باب الثنائي‪ ،‬فالثنائي مضعف الثاين هو ثالثي‪ ،‬وجنده‬
‫قد وضع الرباعي املكرر يف باب الثنائي‪ ،‬وهذا معيار صـــويت أقحمه على املعيار‬
‫األلف بائي‪.‬‬

‫أما الثنائي الذي يتشكل عنده من صحيح وحريف علة أو من صحيح وحرف علة‬
‫وحرف اهلمز فهو يف احلقيقة ثالثي‪ ،‬وهذا اخللل يتأتى بسبب تداخل املعيار‬
‫الصـــريف باأللف بائي‪.‬‬

‫(‪)28‬‬
‫انظر‪ :‬املرجع السابق‪ ،329 -322/2 ،‬واملعاجم العربية دراسة حتليلية‪ ،‬عبد السميع‬
‫حممد‪ ،‬ص‪ ،53‬مقدمة لدراسة التراث املعجمي العريب‪ ،‬حلمي خليل‪ ،‬ص‪.170‬‬
‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪31‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫وإذا نظرنا يف الثالثي الصحيح جنده قد أحلق به بعض أبنية املعتل‪ ،‬وأحلق به مضعف‬
‫الثاين دون إدغام مثل‪ :‬بتت‪ ،‬وهذا يتعارض مع مدغم الثاين الذي وضعه يف الثنائي مثل‬
‫(بتّ)‪ ،‬أما باب الرباعي فقد اضطربت مواده إذ وضع فيه مكرر الرباعي حبرف وهذا‬
‫صحيح إذا سار به على معيار األلف بائية مثل‪ :‬دردق‪ ،‬فقد تكرر فيه حرفان‪ ،‬ولكنه‬
‫يتناقض مع مكرر الرباعي الذي وضعه يف الثنائي‪ ،‬فهو يف الرباعي املكرر حبرفني من مثل‬
‫(زلزل‪ ،‬صلصل) يضعه يف الثنائي‪ ،‬أما مكرر الرباعي حبرف واحد من مثل (دردب‪،‬‬
‫ودردق) فيضعه يف الرباعي‪ ،‬وهذا االضطراب والتداخل ناتج عن توظيف املعيار الصويت‬
‫حيناً‪ ،‬واملعيار الصريف حيناً آخر‪ ،‬واملعيار الذي اختاره وهو األلف بائي يف مواطن‬
‫أخرى‪.‬‬

‫وجنده يف اخلماسي يسري على ميعار األلف بائية مث يقحم عليه املعيار الصريف عندما‬
‫يلحق به ما جاء على بعض األوزان‪ ،‬وجنده يتحدث عن أبنية مخاسية دون أن يشري إىل‬
‫اخلماسي‪ ،‬مث يأيت باحلديث عن اخلماسي‪ ،‬وقد أشار عبد الكرمي جماهد إىل ذلك بقوله‪:‬‬
‫"‪ ...‬ويُلحق هبذا الباب‪ ،‬وباب ما جاء على فَعَيلل وعلى فعولل‪ ،‬وباب ما جاء على‬
‫فَعَوَّل من اخلماسي‪ ،‬وعلى ما جاء على فِعْليل‪ ،‬وما جاء على فِعِّيل ويذكر األوزان ويفتح‬
‫هلا أبواباً حىت ينتهى به األمر بقوله هذا آخر أبنية اخلماسي وهو وزن يَفْعيل‪ ،‬وبعده يفتح‬
‫باباً للملحقات باخلماسي‪.)29( "...‬‬

‫ويشري حسني نصار إىل االضطراب الذي ساد تبويب ابن دُريد‪ ،‬ومما قاله يف‬
‫اخلماسي‪" :‬ويسود االضطراب مواد أبواب اخلماسي مجيعها‪ ...،‬وال مراعاة فيه ألي‬
‫نوع من الترتيب‪ ،‬وكذا احلال يف مجيع أبواب اخلماسي وامللحق به‪ ،‬وبلغ به االختالل أن‬

‫(‪)29‬‬
‫مناهج التأليف املعجمي عند العرب‪ ،‬عبد الكرمي جماهد‪ ،‬ص‪.349‬‬
‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪32‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫اختلط عليه بعض األلفاظ والصيغ‪ ،‬فوضعه يف أكثر من باب‪ ،‬فَ َع َدبًس مثالً يف‬
‫اخلماسي‪،‬ويف امللحق به‪)30( "...‬‬

‫وتضطرب األبنية عند ابن دريد عندما يأيت بباب اللفيف‪ ،‬وهو ال يقصد به اللفيف‬
‫املعروف عند الصرفيني الذي اجتمعت فيه حروف العلة‪ ،‬ويف الوقت نفسه ال يفسّر‬
‫قصده هبذا اللفيف املقحم على األبنية‪ ،‬وهو يشري إىل أنّه أطلق عليه هذا االسم "لقصر‬
‫أبوابه والتفاف بعضها على بعض" وهو تفسري غري واضح‪.‬‬

‫وقد جاءت أبواب اللفيف "قصرية فعالً‪ ،‬وقد خصص كل باب ملا جاء من املواد‬
‫على وزن معني جعله يف عنوانه‪ ...‬ومواد كلّ باب قليلة حمشوة دون أن حيكم حشدها‬
‫نسق أو ترتيب خاص‪ ،‬وبعضها سبق ذكره حيث جيب أو ينبغي أن يُذكر‪ ...‬وابن دُريد‬
‫يستطرد يف أبواب اللفيف‪ ،‬ويعقد أبواباً من حقها أن توجد يف غري هذا املوضع من‬
‫املعجم اجملنس‪ ،‬إذ ال تُعدّ من ميدانه"(‪.)31‬‬

‫لقد بقي ابن دُريد أسري املنهجية الصوتية ومعيار األبنية الذي ينسجم بتقليباته مع‬
‫تلك املنهجية‪ ،‬ولكنه ال ينسجم مع املنهج الذي اختطه ابن دريد ‪ ،‬واختاره لنفسه وهو‬
‫األلف بائية‪ ،‬وقد أدّى ذلك إىل اخللط بني منهجني مما أدى إىل تداخل املعايري اليت يبوّب‬
‫مادته املعجمية على أساسها‪.‬‬

‫وخالصة القول يف معيار األبنية يف اجلمهرة أنّ ابن دُريد خلط فيها بني املعايري‬
‫الصوتية‪ ،‬والصرفية‪ ،‬واأللف بائية مما أدى إىل اختالط مواد تلك األبواب‪ ،‬فاجتمع الثنائي‬
‫على أبنية ثنائية وثالثية‪ ،‬ورباعية‪ ،‬ومجع يف ما عنونه بالصحيح الصحيح واملعتل‪ ،‬وكذلك‬
‫األمر يف الثالثي‪ ،‬والرباعي‪.‬‬

‫(‪)30‬‬
‫املعجم العريب نشأته وتطوره‪ ،‬حسني نصار‪.327/2 ،‬‬
‫(‪)31‬‬
‫املعاجم العربية دراسة حتليلية‪ ،‬عبد السميع حممد‪ ،‬ص‪.61‬‬
‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪33‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫وجند ابن دريد خيلص للطريقة الصوتية‪ ،‬وللمعاير الصريف أكثر من وفائه وإخالصه‬
‫للمعيار األلف بائي مع أنّه وقع يف كثري من االضطراب يف تبويبه الصريف‪ ،‬وقد أدى ذلك‬
‫جمتمعاً إىل اضطراب بناء معجم اجلمهرة حىت أصاب ذلك االضطراب الناجم عن تداخل‬
‫املعايري أصاب األصول فنجده يضع مادة لغوية يف غري موضعها‪ ،‬وهذا من أهم املآخذ‬
‫على ابن دريد يف مجهرته‪.‬‬

‫وبقِدر ما كانت منهجية ابن دريد يف اجلمهرة مضطربة‪ ،‬ومعايريه اللغوية متداخلة‬
‫فقد أدى ذلك إىل صعوبة تصنيفه يف األلف بائية وحصره فيها‪ ،‬ولذلك فقد جعل عبد‬
‫الكرمي جماهد عنوان مدرسة ابن دريد مشتركاً فجاء العنوان‪" :‬املدرسة األلفبائية الصرفية‬
‫التقليبية"(‪.)32‬‬

‫إنّ معيار األبنية يتوقف على الكمّ يف كل بناء‪ ،‬وهذا املعيار ال حيتاج للتقليبات اليت‬
‫طبقها ابن دريد؛ ألنّ التقليبات تظهر بشكل عفوي خفي يف ثنايا كل باب دون أن نلجأ‬
‫إىل نظام التقليبات بشكل منفصل‪ ،‬فعلى سبيل املثال سنجد كلمة (معارف يف جذر‬
‫عرف‪ ،‬وكلمة فروع يف جذر فرع) وبذلك سنحصل على املفردات حبسب جذورها‬
‫دون أن نلجأ لنظام التقليبات وهذا على منهج األلف بائية‪.‬‬

‫إنّ مقارنة بسيطة بني منهج اخلليل يف العني‪ ،‬ومنهج ابن دريد يف اجلمهرة يبني أن ابن‬
‫دريد "اتبع اخلليل يف اثنني من أسس منهجه ومها نظام األبنية‪ ،‬ونظام التقليبات مع‬
‫إدخال تعديالت يسرية على نظام العني‪ ...‬ولكن ابن دريد خالف اخلليل يف األساس‬

‫(‪)32‬‬
‫مناهج التأليف املعجمي عند العرب‪ ،‬عبد الكرمي جماهد‪ ،‬ص‪.340‬‬
‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪34‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫الثالث ملنهج العني وهو أساس الترتيب الصويت للحروف حيث أمهل ابن دريد هذا النظام‬
‫واختار بديالً عنه"(‪.)33‬‬

‫إنّ معيار األبنية الذي اختاره ابن دريد قد اضطرب يف تطبيقه حبيث أصبح مربكاً‬
‫البن اللغة وللمتخصص فكيف به للمبتدئ ومتعلم اللغة؟ وقد أدى هذا االضطراب يف‬
‫البناء اخلارجي لألبنية إىل اضطراب الترتيب الداخلي ملواد املعجم؛ حيث جند بعض املواد‬
‫قدمت يف غري موقعها‪ ،‬وبعضها اآلخر وضع باحتساب الزوائد‪ ،‬فقد وجدناه "يعترب تاء‬
‫التأنيث هاءً أصلية يف الكلمة‪ ،‬فلفظ الثربة يعاجل على أنه رباعي مؤلف من الباء والثاء مع‬
‫الراء واهلاء‪ ،‬والبثنة عنده رباعي مؤلف من الباء والثاء مع النون واهلاء‪ .)34( "...‬ومما‬
‫سبق جند أن معيار األبنية قد اضطرب وأدى هذا إىل وقوع اخللل يف بناء املعجم لعدم‬
‫استطاعته االلتزام مبعيار البناء الذي اختاره‪.‬‬

‫‪ -3‬معيار الندرة أو الشيوع ومدى االلتزام به ‪:‬‬

‫وضع ابن دريد معجمه (اجلمهرة) على أساس األبنية‪ ،‬وقد تدرّج يف هذه األبنية من‬
‫الثنائي إىل اخلماسي‪ ،‬ومل يف خبطته القائمة على األبنية؛ فقد وضع يف هذا الترتيب ما‬
‫يقوم على الندرة والشيوع‪ ،‬ووضع فيه ما يقوم على األوزان واملعايري الصرفية‪ ،‬وهذا‬
‫يغاير املنهج الذي اختطه لنفسه يف بناء معجمه‪.‬‬

‫لقد ذكر ابن دريد يف مقدمته أنه اختار الشائع املستعمل‪ ،‬وجعل اسم معجمه ينطلق‬
‫من هذا املنهج‪ ،‬إذ أطلق عليه (اجلمهرة) أي أنّه ميثُل اجلمهور من كالم العرب‪ ،‬واحلقيقة‬
‫أن مفهوم النادر والوحشي واملستنكر أمر نسيب؛ فقد يكون وحشياً ومستنكراً عند ابن‬

‫(‪)33‬‬
‫املعاجم العربية مدارسها ومناهجها‪ ،‬عبد احلميد أبو سـكني‪ ،‬الفـاروق احلديثـة‬
‫للطباعة‪ ،‬ط‪ ،1988 ،2‬ص‪.75‬‬
‫(‪)34‬‬
‫املعجم العريب نشأته وتطوره‪ ،‬حسني نصار‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.323‬‬
‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪35‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫دريد‪ ،‬وقد ال يكون كذلك عند غريه‪ ،‬والالفت للنظر أنه مل يترك هذا النادر املستنكر بل‬
‫جعله يف أبواب منفصلة أطلق عليها أبواب النوادر‪ ،‬وكان األوىل أن يبتعد عن هذا سرياً‬
‫على منهجه الذي اختطه‪ ،‬أما وقد وقف عليه فكان األوىل أن يضعه يف أبنيته وال يفصل‬
‫له باباً خاصاً‪ ،‬وقد أشار بعض العلماء إىل هذا االضطراب يف منهجيته بقوله‪" :‬خمالفته‬
‫ملنهجه الذي رمسه واضطرابه يف خطته اليت ذكرها وقد أوضح أنه قصد اجلمهور الشائع‬
‫وأرجأ الغريب املستنكر ولكن من يعىن بقراءة اجلمهرة يرى بني ثناياه اهتماماً بالغريب‬
‫والشاذ"(‪ .)35‬ويضم باب النوادر يف مجهرة ابن دُريد الكثري من األبواب الفرعيّة وقد‬
‫"مجع فيه ابن دُريد طائفة من النوادر يبوهبا يف أبواب فرعية‪ ،‬دارت موادّ كلّ منها حول‬
‫موضوع خاص‪ ...‬وقد استفاد دارسو اللغة من هذه املواد اللغوية اليت مجعها ابن دُريد‬
‫وإن كانت خارجة عن موضوع معجمه اجملنّس‪ ،‬وما كان يضريه أن تنزع عنه لتجعل‬
‫يف رسائل خاصة أو يف معجم مبوب جامع‪.)36( "...‬‬

‫وقد جاء باب النادر والوحشي يف كتاب اجلمهرة شاذاً‪ ،‬بل وواضح الشذوذ ملا فيه‬
‫من خمالفة خلطة املؤلف اليت أشار فيها إىل إلغاء الوحشي املستنكر‪ ،‬وأدى إقحام هذا‬
‫الباب إىل اخللط واالضطراب‪ ،‬وقد أشار بعض العلماء إىل إقحام هذا الباب‪ ،‬ومما قاله‬
‫عبد الكرمي جماهد‪" :‬وما جاء يف آخر الكتاب يثبت أنّه خالف مقصده‪ ،‬وأحدث ختليطاً‬
‫واضطراباً يف خطته‪ ،‬وأنّه مل يرجئ الوحشي املستنكر‪ ،‬ومل يقم بإلغائه بل استزاد منه يف‬
‫أبواب عشوائية ال رابط بينها"(‪.)37‬‬

‫ويشكل باب النوادر عند ابن دريد تعدداً وشتاتاً ال جيمعه باب أو موضوع واحد‪،‬‬
‫وقد وصل بعض العلماء بتعدد فرعيات هذا الباب إىل مئيت باب‪ ،‬وأطلق عليها حسني‬

‫(‪)35‬‬
‫حممد بن دريد وكتاب اجلمهرة‪ ،‬شرف الدين الراجحي‪ ،‬ص‪.220‬‬
‫(‪)36‬‬
‫املعاجم العربية دراسة حتليلية‪ ،‬عبد السميع حممد أمحد‪ ،‬ص‪.63‬‬
‫(‪)37‬‬
‫مناهج التأليف املعجمي عند العرب‪ ،‬عبد الكرمي جماهد‪ ،‬ص‪.350‬‬
‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪36‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫نصار الضمائم إذ يقول‪ ..." :‬يلي هذا ما أمسيناه بالضمائم‪ ،‬وهي أكثر من مئيت باب‬
‫يعاجل فيها النوادر من األبنية واألمساء‪ ،‬واملعرّب من األلفاظ‪ ،‬واالستعارات‪ ،‬وأخطاء‬
‫الشعراء‪ ...‬وال تقوم هذه األبواب يف تقسيمها أو ترتيبها على أساس معيّن‪ ،‬بل تقسم‬
‫مرّة على األبنية وأخرى على املوضوعات‪ ،‬وثالثة على بعض الظواهر اللغوية فيما حتويه‬
‫من ألفاظ‪ ،‬فهي غاية يف االختالط واالضطراب‪ ،‬وليس له من خصائص املعجمات‬
‫شيء‪.)38( "...‬‬

‫ومع أنّ ابن دريد يستبعد ‪ -‬من الناحية النظرية – النادر واملستنكر من معجمه إ ّال‬
‫أنه ‪-‬من الناحية العملية – يهتم به‪ ،‬ويفصّل فيه‪ ،‬ولكنّ ابن دريد "مل يضع بني أيدينا‬
‫املعايري اليت استند إليها يف إلغاء ما أطلق عليه (الوحشي املستنكر) أو تلك اليت استند إليها‬
‫فيما أطلق عليه املعروف واستعمله يف معجمه‪ ،‬إذ أنّ الوحشي والغريب أواملعروف من‬
‫الكالم من األمور النسبية اليت ختتلف من بيئة لغوية إىل أخرى ومن عصر إىل آخر ‪،‬‬
‫واكتفى بأن جعل من نفسه حكماً يف االختيار واإللغاء وربّما استند يف ذلك إىل علمه‬
‫باللغة وكالم العرب وقلة ثقته فيمن يقدم إليهم معجمه‪ ،‬فهم – كماو صفهم – "من‬
‫أكثر الناس زهداً يف األدب‪ ،‬يتثاقلون عن طلب العلم وعداوهتم ملا جيهلون‪ ،‬وتضييعهم ملا‬
‫يُ َعلّمون"(‪ ،)39‬ويبني حلمي خليل يف نصّه السابق أنّ ابن دريد ال يستند إىل أي معيار‬
‫ليصنف النادر واملعروف على أساسه إالّ معيار معرفته اللغوية اخلاصة‪ ،‬ويشري إىل أنّ ابن‬
‫دُريد يتهم اآلخر باالبتعاد عن العلم‪ ،‬وأهنم قد تثاقلوا يف طلبه‪ ،‬وأهنم أصبحوا أعداءً للعلم‬
‫جلهلهم‪ ،‬وهم يضيعون ما ُعلّموه‪ ،‬وهذا ميثل عدم الثقة باآلخر حقيقة‪.‬‬

‫ومع كلّ ما رصده العلماء من اضطراب معجم اجلمهرة‪ ،‬ومع ما وقع فيه من‬
‫تداخل املعايري إالّ أنّ أحد العلماء يرى أن النقد العريب مل يدرك أمهية معجم ابن دريد‪،‬‬

‫(‪)38‬‬
‫املعجم العريب إشكاالت ومقاربات‪ ،‬حممد رشاد احلمزاوي‪ ،‬ص‪.228‬‬
‫(‪)39‬‬
‫مقدمة لدراسة التراث املعجمي العريب‪ ،‬حلمي خليل‪ ،‬ص‪.166‬‬
‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪37‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫ويف ذلك يقول‪" :‬لقد أثبت ابن دريد مهمل اخلليل أو ما يسميه هو باملعكوس‪ ...‬ومن‬
‫ذلك أنّ مدخل (ثقف) مل يرد يف مجهرته بل ورد يف معكوسه (قثّ) فلقد قال‪( :‬ثقف)‪:‬‬
‫استعمل معكوسه (القثّ)‪ :‬وهو مجعك الشيء بكثرة‪ ...‬وكذلك الشأن يف مدخل‬
‫(ثكك) حني يقول‪( :‬ثكك) استُعمل‪ :‬حلية كثّة‪ ...‬يتبني من هذين املثالني‪ ،‬أنّ ما كان‬
‫يعتربه الفكر واملنطق معقوالً‪ ،‬مل يكن يف اللغة موجوداً‪ ،‬بل أيدت ما اعترب تصوراً مهمالً‬
‫مثل قثّ وكثّ املعكوسني‪ ،‬وهنا تظهر أمهية معجم ابن دريد املغبونة ألنّه يف احلقيقة‬
‫معجم جترييب غايته إثبات أو تفنيد الصلة بني النظرية الفكرية اخلليلية وطبيعة اللغة‬
‫العربية‪ ،‬مما يدعونا إىل البحث والتنقيب الستقراء تلك التجربة من خالل كلّ مداخل‬
‫اجلمهرة لنستخلص منها صالت املستعمل باملهمل‪ ...‬فاجلمهرة تكملة لكتاب العني‪،‬‬
‫حماولة لالحتجاج لنظريته بالسلب واإلجياب‪ .‬وذلك ما مل يُدركه النقد العريب قدمياً‬
‫وحديثاً إذ قصر مهّه على التأكيد على هنّات ابنُ دُريد دون االجتاه إىل مقصده‬
‫التجرييب‪ )40( "...‬وهو دفاع مضطرب يكتنفه الضعف وعدم اإلقناع ‪.‬‬

‫لقد شكل معيار الندرة والشيوع اضطراباً يف منهجية ابن دريد على مستويني‪:‬‬

‫املستوى األول أنه ينشد الشائع ويعلن عن ترك النادر واملستنكر وجنده يف التطبيق‬
‫يفصل باباً للنوادر وال يتحاشاها‪ ،‬وهذا ميثل فجوة بني النظرية والتطبيق‪.‬‬

‫املستوى الثاين ويتمثل يف اخللط بني ما يعاجل يف معاجم األلفاظ وما يعاجل يف معاجم‬
‫املعاين واملوضوعات‪ ،‬فمعيار الندرة والشيوع معيار يعاجل يف معاجم املعاين واملوضوعات‪،‬‬
‫وقد التفت عبد الرزاق الصاعدي لفتة لطيفة هلذه القضية يف حبثه القيم‪( :‬خلل األصول‬
‫يف معجم اجلمهرة) إذ يقول‪" :‬وال يدخل البابان األخريان (اللفيف و(النوادر) يف النظام‬

‫(‪)40‬‬
‫املعجم العريب نشأته وتطوره‪ ،‬حسني نصار‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.324‬‬
‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪38‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫املعجمي القائم على ترتيب األلفاظ‪ ،‬ومها ما عيب به صاحب اجلمهرة؛ ألن مكاهنما‬
‫معاجم املعاين واملوضوعات"(‪.)41‬‬

‫إن املادة اللغوية اليت ضمها معجم اجلمهرة تنبئ عن قدرة لغوية عالية عند ابن دريد‬
‫جتعله يف مصاف علماء اللغة‪ ،‬وكذلك فكرته يف عمله املعجمي القائم على ترتيب األبنية‬
‫فإنه عمل يوحي بشيء من اإلبداع؛ ولذلك فإن االضطراب الذي داخل معجم اجلمهرة‬
‫ال يعين ضعف ابن دريد واهتامه يف مقدرته اللغوية‪ ،‬وأحسب أن ما داخل املعجم من‬
‫خلل يف بنائه يعود ألسباب ال تقدح يف علمية ابن دريد‪ ،‬ومن هذه األسباب‪:‬‬

‫بقاء ابن دريد مسكوناً مبنهجية التقليبات اليت بىن(اخلليل بن أمحد)عليها معجمه‪،‬‬
‫وهذا يدل على حضور معجم العني ومنهجيته يف عقلية ابن دريد وتأثره به‪.‬‬

‫التداخل بني املعيارين‪ :‬الصريف واملعجمي عند ابن دريد وغريه من العلماء‪ ،‬وقد وقع‬
‫يف هذا التداخل بعض العلماء ومنهم اخلليل عندما وضع اهلمزة مع أصوات العلة يف‬
‫ترتيبها املخرجي‪ ،‬ومردّ ذلك أنه وضعها على أساس املعيار الصريف من حيث انقالهبا أو‬
‫ثباهتا‪ ،‬وقضية التداخل بني املعيارين‪ :‬الصريف واملعجمي قضية شائكة بنيت عليها بعض‬
‫املغالطات اللغوية وأصبحت هذه املغالطات من الثوابت يف الدرس اللغوي لدينا‪ ،‬وليس‬
‫هذا موطن حبثها‪.‬‬

‫إنّ إمالء املعجم مشافهة وارجتاالً قد يؤدي إىل االستطراد؛ فيذكر بعض املفردات‬
‫واألبنية يف غري مكاهنا‪ ،‬إضافة إىل البتر الذي يقع‪ ،‬وما يداخله من خلل عند املتابعة‪.‬‬

‫(‪)41‬‬
‫جملة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية‪ ،‬جملد ‪ ،12‬عدد ‪ ،20‬عبد الرزاق‬
‫الصاعدي‪ ،‬خلل األصول يف معجم اجلمهرة ‪.‬‬
‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪39‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫أحسب أن ما وصلنا من نسخ اجلمهرة ال ميثل النسخ النهائية اليت أعدها ابن دريد‬
‫ويرتضيها‪ ،‬وقد تكون هذه النسخ جمرّد مسودات أخذت عن طالبه‪ ،‬أما النسخ اليت متثل‬
‫حقيقة اجلمهرة وصورة ابن دريد العلمية فأحسب أهنا ما زالت مفقودة‪.‬‬

‫ويبقى معجم اجلمهرة عمالً يرتاده الباحث بوصفه مصدراً تراثياً جيمع يف ثناياه‬
‫القراءات القرآنية‪ ،‬واحلديث النبوي‪ ،‬والشعر العريب‪ ،‬واألمثال‪ ،‬واللهجات‪ ،‬وإن قلت‬
‫أمهيته بوصفه معجماً فال تقل بوصفه موسوعة تراثية‪ ،‬أما فكرته املعجمية القائمة على‬
‫األبنية والتقليبات فهي فكرة رائدة ميكن لنا أن نعيد النظر يف إجياد معجم لغوي على‬
‫أساسها متحاشياً ما وقع يف اجلمهرة من خلل‪.‬‬

‫وبعـد‪ ،‬فمع اخللل الذي يعتور منهجية ابن دريد يف اجلمهرة فإنين أرتقي مبؤلفه‬
‫عن الذم والقدح‪ ،‬وأحسب أنه ميلك زمام اللغة آمالً أن ننظر إىل ابن دريد من جممل‬
‫أعماله العلمية‪ ،‬ونشكل صورته على أساس الكل‪ ،‬وليس على أساس اجلزء املتمثل يف‬
‫اضطراب منهجية اجلمهرة‪ .‬أما اجلمهرة فإنّه وإن اضطربت منهجيته بوصفه معجماً‬
‫لغوياً إالّ أنّه ميثل موسوعة لغوية مجع فيه من لغات العرب‪ ،‬والشواهد‪ ،‬والغريب النادر ما‬
‫ميثل مرجعاً مهماً يف التراث اللغوي‪ ،‬بل هو موسوعة لغوية قد يفيد منها أي باحث‪.‬‬

‫املصادر واملراجع ‪:‬‬

‫‪ -1‬إنباه الرواة على أنباه النحاة‪ ،‬مجال الدين أيب احلسن علي بن يوسف القفطي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد أبو‬
‫الفضل إبراهيم‪ ،‬دار الفكر العريب‪ -‬القاهرة‪ ،‬ط‪1986 ،1‬م‪.‬‬

‫‪ -2‬هتذيب اللغة‪،‬حممد بن أمحد األزهري‪ ،‬تح‪ :‬عبد السالم هارون‪ ،‬املؤسسة املصرية العامة للتأليف‪.‬‬

‫‪ -3‬اجلمهرة يف اللغة‪ ،‬ابن دريد‪ ،‬حتقيق‪ :‬رمزي البعلبكي‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬ط‪1987 ،1‬م‪.‬‬

‫‪ -4‬اخلصائص‪ ،‬ابن جين‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد علي النجار‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪40‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫‪ -5‬جملة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية‪ ،‬جملد‪ ،12‬عدد ‪1421 ،20‬هـ‪2000 /‬م‪،‬‬
‫عبد الرزاق بن فراج الصاعدي‪ ،‬خلل األصول يف معجم اجلمهرة‪.‬‬

‫‪ -6‬جملة جممع ا للغة األردين‪ ،‬منهج أمحد ابن فارس يف النقد اللغوي يف معجم مقاييس اللغة‪ ،‬حممود‬
‫عبد اهلل اجلفال‪.‬‬

‫‪-7‬حممد بن دريد وكتاب اجلمهرة‪ :‬شرف الدين الراجحي‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪1985‬م‪.‬‬

‫‪ -8‬املزهر يف علوم اللغة وأنواعها‪ ،‬عبد الرمحن جالل الدين السيوطي‪ ،‬صححه‪ :‬حممد أمحد جاد املوىل‬
‫وآخرون‪ ،‬دار اجليل‪ -‬بريوت‪.‬‬

‫‪ -9‬املعاجم العربية دراسة حتليلية‪ ،‬عبد السميع حممد أمحد‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪2007 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -10‬املعاجم العربية مدارسها ومناهجها‪ ،‬عبد احلميد أبو سكني‪ ،‬الفاروق احلديثة للطباعة‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1988‬م‪.‬‬

‫‪ -11‬املعجم العريب إشكاالت ومقاربات‪ ،‬حممد رشاد احلمزاوي‪ ،‬املؤسسة الوطنية للترمجة‪ ،‬بيت‬
‫احلكمة‪ ،‬تونس‪1991 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -12‬املعجم العريب نشأته وتطوره‪ ،‬حسني نصار‪ ،‬دار مصر للطباعة‪1988 ،‬م‪.‬‬

‫‪-13‬معجم املعاجم العربية‪ ،‬يسرى عبد الغين عبد اهلل‪ ،‬دار اجليل‪ -‬بريوت‪ ،‬ط‪1991 ،1‬م‪.‬‬

‫‪ -14‬املعجمات واملعاجم العربية نشأهتا وأنواعها‪،‬عبد اجمليد احلر‪،‬دار الفكر العريب‪ ،‬بريوت‪،‬ط‪،1‬‬
‫‪1994‬م‪.‬‬

‫‪ -15‬مقدمة لدراسة التراث املعجمي العريب‪ ،‬حلمي خليل‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪2003‬م‪.‬‬

‫‪ -16‬مناهج التأليف املعجمي عند العرب‪ ،‬عبد الكرمي جماهد‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪2010 ،1‬م‪.‬‬

‫‪---------‬‬

‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪41‬‬
‫الباحث ‪ :‬جملة دولية فصلية أكادميية حمكّمة – اجمللد ‪ 06‬العدد ‪ ( 02‬ماي) ‪2014‬‬

‫منهجية ابن دُريد … ‪ :‬د‪ .‬زيد القرالة‪/‬جا‪ .‬آل البيت ؛ د‪ .‬خالد العجارمة‪/‬جا‪ .‬تبوك‪.‬ص ‪42‬‬

You might also like