Professional Documents
Culture Documents
الاستعمار وفلسطين - علي الطنطاوي
الاستعمار وفلسطين - علي الطنطاوي
2
استخرجها من كتابات المؤلف المطبوعة
حفيده
ُ والمخطوطة وجمعها ور ّتبها
3
حقوق الطبع حمفوظة للناشر
دار املنارة للنشر والتوزيع
4
مقدمة األفكار
هذا عمل أمضيت في التحضير له عامين كاملين،
ثم استغرق مني عدة أشهر من العمل المتفرغ الدؤوب
ألنهيه في صورته التي يخرج بها اليوم على الناس.
ال بكتب جدي رحمه اهلل فأعدت لقد بدأت أو ً
قراءتها كلها (وهي نحو أربعين مجلداً) وقرأت معها ما
نشر في الكتب بعد ،من مقاالت قديمة وكتابات لم ُي َ
مخطوطة ،ومن ذلك كله استخرجت نحو ٍ
ألف من
يت كلاّ ً منها >فكرة< من
سم ُ
المقاطع الصغيرة التي َّ
>األفكار الطنطاوية<.
* * *
إن كاتب ًا أقل شأن ًا من علي الطنطاوي ما كان
له أن ُيمضي ثالثة أرباع القرن في الكتابة والخطابة
واإلذاعة ثم ال يعيد أفكاره وال يكرر صوره وألفاظه،
بل إن تكرار األفكار أمر مرغوب مطلوب لمن كان
ال
تركيز هذه األفكار في األذهان أو جعلها أفعا ً
َ همه
ُّ
في حياة الناس.
5
الكثير
َ ولقد واجهت في عملي بهذه المجموعة
-مما تنوعتمن مثل هذا التكرار ،فأبقيت على بعضه ّ
وضحيتَّ صور عرضه- ُ مفرادات ألفاظه وتباينت
بالكثير ،ولوال ذلك لتضخمت هذه الكتيّبات حتى
تضم ال َق ْد َر األوفر من كتابات علي الطنطاوي ،فهو
ال ما
ال ما كتب للتسلية و َت ْزجية الوقت ،وقلي ً قلي ً
وعموده
ُ تحدث ليُطرب ويس ّلي ،أما عمد ُة حديثه
وعماده على مر السنين فقد كان دعو ًة إلى اهلل والخير
ُ
والفضيلة ،وفي سبيل إصالح الدين وإصالح الحياة،
كل عناصر الدين وكل عناصر الحياة.
6
مناسب ًا .فأنا مصاب بهاجس قسري ال أستطيع مقاومته
وال أملك التحكم فيه ،يدفعني إلى ترتيب كل شيء
أشتغل فيه ترتيب ًا يناسبه ،فإن لم يتحقق لي ذلك لم
أصل إلى الرضا عن الذات (ذلك الذي زعم عالم
ماسلو أنه يستوي على قمة
النفس األميركي أبراهام ْ
هرم الحاجات البشرية).
وهذا أمر ال نهاية له وال يصل إلى قرار،
قدمتفالمرء ال يزال كلما نظر إلى عمله قال :لو ّ
هذا لكان أفضل ،ولو أخرت ذلك لكان أجمل،
ولو حذفت ذاك لكان أكمل ...وهو قول ٌ معروف
في هذه الصناعة ،الكتابة ،ما يزال بعضهم ينقله عن
بعض ،وإن زعم الزاعمون أن القاضي الفاضل هو
أول من كتبه في رسالة أرسلها إلى العماد األصفهاني
ذات يوم.
* * *
لقد بدأ هذا العمل بذرة صغيرة في ذهني،
علي وأكرمني َفن َمت البذر ُة حتى صارت
ثم َم َّن اهلل ّ
ساق ًا ،ثم استطالت الساق وتفرعت أغصان ًا وأوراق ًا،
فكانت منها هذه المجموعة من الكتب.
لما كتبت كتاب >علي الطنطاوي ،أديب الفقهاء
ّ
7
وفقيه األدباء< بطلب من الناشر األديب والصديق
الفاضل محمد علي دولة رحمه اهلل ،وكان ذلك منذ
عشرين سنة ،طلب مني أن أكتب عن الشيخ كتاب ًا
كبيراً ينشره في سلسلة >أعالم المسلمين< ،وهي
الني َة فبارك اهلل له فيها ،فغدت
سلسلة أخلص فيها ّ
مكتبة فريدة قائمة برأسها تضم عشرات وعشرات من
الكتب التي ترجمت لمتقدمين ومتأخرين من أعالم
اإلسالم.
كتاب ٍ
واف ٍ فوافقته إلى طلبه وعزمت على كتابة
عن علي الطنطاوي ،وبدأت بإعداد المادة وكتابة
علي العمل واتسع فطال الوقت
المسودات ،وتشعب ّ َّ
ولم يخرج الكتاب ،شغلني عنه إخراج كتب جديدة
وشواغل
ُ للشيخ وإعادة إخراج ما صدر له من قبل،
أخرى مما تزدحم به حياة المرء ِمن ضرب في ُس ُبل
هذه الدنيا .وكان من األبواب األساسية في الكتاب
باب يعرض أفكار علي الطنطاوي.
8
-عز
(التي بدأ األمر بها) َد ْوح ًة باسقة مورقة ،وأسأله ّ
وتبارك -أن يوفقني إلى إنهاء الكتاب الموعود عما
قريب.
* * *
أخيراً حرصت على تذييل كل >فكرة< باإلشارة
إلى مصدرها ،اسم الكتاب واسم المقالة وتاريخ
نشرها إن كانت منشورة أو تاريخ كتابتها إن كانت
غير منشورة ،فإن األزمان تتبدل واألحوال
مخطوطة َ
تتغير ،ومعرفة الوقت الذي ُكتبت فيه الكلمة يساعد
على فهمها في سياقها الصحيح.
أسأل اهلل أن ينفع بهذه >األفكار< وأن يثيب
كاتبها خير الثواب ويرفع مقامه في جنات النعيم ،وأن
يجعلني شريك ًا له في الجزاء ورفيق ًا له في دار البقاء.
مجاهد
غرة رجب 1440
آذار 2019
mujahed@al-ajyal.com
9
10
لقد انتهى عهد االستعمار الذي كانت
ترفرف راياته فوق أرضنا وتخطو
وخلَفه استعمار
جنوده على ثراناَ ،
أخطاره غرباء
َ آخر َش ٌّر منه ،ال يحمل
منا من أبنائنا ،أخذهم
عنا ولكن ناس ّ ّ
فرباهم على ما يريد هو االستعمار ّ
فأتموا ما بدأ به ،بل سبقوه وجاؤوا ّ
بما لم يقدر على أن يأتي بمثله!
11
12
-1-
إن المسلمين اليوم في نكبات وفي أخطار،
قد أحاط بهم أعداؤهم ،يرسمون الخطط لحربهم
وحرب دينهم ،ويبذلون لذلك كرائِ َم األموال
ويسخرون لذلك أكاب َِر المفكرين ويستعينون على
ّ
ذلك بكل وسيلة .فما النجاة وأين الطريق؟
إن الجواب في التاريخ ،فسائلوا صحائف
التاريخ :ما الجواب؟ بل خذوا صفحة منه واحدة،
فإن هذا الفصل القصير يضيق عن سرد الصحف
الطِّوال .اذكروا يوم قامت أوربا كلها على ساقيها،
بقضها وقضيضها على اختالف أجناسهافمشت إلينا ّ
ولغاتها ،يحدوها التعصب األعمى ويدفعها الحقد
الذي يأكل األكباد ،وحطّت بثقلها على فلسطين،
على هذه البقعة الضيقة من الوطن اإلسالمي .من
لردها؟
الذي وقف يومئذ في وجهها ونهض ّ
إنه -يا سادة -البطل التركي المسلم نور الدين،
والبطل الكردي المسلم الذي جاء من بعده ،صالح
الش ُرفات
الدين .لقد وضع األول األساس ورفع الثاني ّ
باب المعركة وتابع الثاني حتى
والذُّ رى ،وفتح األول َ
13
جنى النصر .فبماذا انتصر صالح الدين في حطين،
وب َِم استرجع القدس بعدما لبثت في أيدي الصليبيين
ال عشرين سنة وال ثالثين ،ولكن أكثر من تسعين؟
إن صالح الدين انتصر ألنه دعا بدعوة اإلسالم،
يدع بدعوة الجاهلية وال نادى بشعائر الكفار ،ولم
لم ُ
يرفع راية مذهب باطل ابتدعه أهل الضالل من البشر
بل رفع راية القرآن الذي أنزله رب العالمين وخالق
البشر ،انتصر ألنه ضرب بسيف محمد ،وسيف
يك ّل ،وسيف محمد ’ لم محمد ’ ال ينبو وال ِ
أحد إال انتصر.
يضرب به ٌ
فيا أيها المسلمون ،هذا التاريخ تشهد صفحاته
ردته عنهم دعوة
أنه ما نزل بالمسلمين خطب إال ّ
اإلسالم إذا صدقوا الدعوة بها ،وإن الخطوب التي
تحيط بالمسلمين اليوم ال يردها عنهم وال ينجيهم
منها إال دعوة اإلسالم.
[نور وهداية :هذا هو الطريق (])1969
14
-2-
كلما دهمكم خطب جديد ،أو َه َّب ْت عليكم من
نحو فلسطين عاصف ُة عدوان ،فاذهبوا إلى نور الدين
وإلى صالح الدين ،ال لتسألوهما العون والنصر فما
في الوجود ميت يعين حي ًا ،ولست أدعو إلى شرك
باهلل ،وما النصر إال من عند اهلل ،ولكن لتذكروا أنها
مصائب أكبر من مصيبة ُ قد حاقت بفلسطين من قبلُ
اليهود ،ونزلت بها نوازل أشد ،واجتمعت عليها
ال لبثت أكثر من مئة أوربا كلها ،وأقامت فيها دو ً
سنة ،وكنا على حال من التفرق والضعف والجهل
شر مما نحن عليه اليوم ،وقد انجلت -مع ذلك-
الغم ُة وانزاح البالء ،وصارت حكومات اإلفرنج التي ّ
ال،ً كام ا
ً قرن الشام أطراف وفي القدس في عاشت
ال في زاوية من زوايا ال يتوارى خج ًصارت خبراً ضئي ً
التاريخ ،ال يدري به أكثر السامعين .وسيأتي يوم
مدرس التاريخ لتالميذه :إن اليهود قد قريب يقول فيه ّ
أمرها،
العرب ُ
َ وه َّمأسسوا مرة حكومة في فلسطينَ ،
شرها ،ثم ذكروا أين طريق الخالص العرب ُّ
َ ونال
فخلصوا منها على أيسر حال.
الطريق -يا سادة -أن يظهر في العرب >نور
15
الدين< جديد ،ينشر راية القرآن التي لم تنهزم قط،
ويضرب بسيف محمد الذي ال ينبو أبداً.
فانشروا راية القرآن واضربوا بسيف محمد ’
تطردوا يهود وتعيدوا مجد العرب.
[رجال من التاريخ :السلطان الشهيد (])1950
16
-3-
إن الذين يحسبون الجهاد عدوان ًا مسلح ًا ال
يدرون ما الجهاد.
الجهاد ليس حرب ًا هجومية نعتدي فيها على
الناس ،واإلسالم إنما جاء إلقرار العدل وتحريم
العدوان.
وليس الجهاد حرب ًا دفاعية بالمعنى العسكري،
فما احتل الكفار مكة وال المدينة ،ولكن َم َثل الجهاد
وعم
ّ فشحت األقوات َّ كقطر كبير أصابه القحط،
وقل الدواء ،فجاء من يحمل الجوع وفشت األمراض ّ
المدد إلى الجائعين والدواء إلى المرضى لينقذهم مما
هم فيه ،فوقف في الطريق ناس يمنعونهم ،يحولون
بينهم وبين هذا الخير وهذا العمل اإلنساني ،فقالوا
لهم :تعالوا شاركونا فيما نعمل تكونوا منا ولكم ما لنا
نمر
فأبوا عليهم .قالوا لهم :دعونا ّوعليكم ما عليناَ ،
ونحن ندافع عنكم ،ال نكلفكم قتال عدو وال بذل
روح ،على أن تمدونا بشيء من المال قليل .قالوا:
ال .فلم يبق إال أن يقاتلوهم ،أن يقاتلوا هذه الفئة
القليلة التي تمنع الخير عن الناس ...يقاتلون أفراداً
17
لينقذوا أمم ًا ،وكان ذلك هو الجهاد.
وكان الخير الذي نحمله للدنيا هو الذي نزل
علينا من السماء في حراء.
[فصول في الدعوة واإلصالح:
خدمة اإلسالم (])1990
18
-4-
الجهاد يكون واجب ًا إذا احتل العدو بلداً من
بالد المسلمين ،هنالك ُيعلَن االستنفار العام ويصير
القتال واجب ًا على الجميع ،على أن يبدأ بأهل البلد
الذي احتله العدو ،فإن لم َيكْ فوا فعلى من يليهم من
جيرانهم ،األقرب فاألقرب.
يمد
والجهاد ليس القتال بالسالح فقط ،فالذي ّ
المقاتلين بالمال مجاهد ،والذي يساعدهم بالدعاية
باللسان وبالقلم (إن كانت تعين على النصر) مجاهد،
والذي يتولى رعاية أسر المجاهدين مجاهد ،واهلل
قدم -بالذكر ال باألجر -المجاهدين بالمال على ّ
المجاهدين بالنفس .إن كل جندي يقف في الميدان
يحتاج إلى أربعة أو خمسة يقومون وراءه ،يعدون له
السالح والعتاد والمؤن ووسائل النقل ،وهؤالء كلهم
إن َص َّحت نياتهم مجاهدون .مع العلم بأن المجاهدْ
هو من قاتل لتكون كلمة اهلل هي العليا ،ال لمجرد
الدفاع عن الوطن وال لمجرد استرداد األرض ،وال
ذكره.
ليعلو في الناس ُ
َ اسمه وال
الصحف َ
ُ لتنشر
[الفتاوى ج :1ال إكراه في الدين (])1983
19
-5-
إن أول كلمة في دستور اإلسالم كانت >اقرأ<،
>اغ َت ِن< ولم تكن >سيطر<،
لم تكن >قاتل< ولم تكن ْ
ألن اإلسالم ليس دين قتال وال دين مال وال دين
سيطرة وسلطان ،ولكن اإلسالم دين العلم والفكر
والهدى.
رم} ،هذه فاتحة الرسالة {ا ْقر ْأ َو َر ُّب َك ا َ
أل ْك ُ َ
مجد فيها
ّ ما ، ً ا محمد بها اهلل بعث التي الخالدة
كرم العلم وذكر القلم،الحرب وال ذكر السيف ولكن ّ
ذهب بهؤالء المكابرين الذي يقولون إن شرعة فأين ُي َ
محمد شرعة السيف وحده؟
السيف؟ ال بد من السيف ،ولكن لنزيح به من
يعترض طريقنا إلى السالم ،لندافع به عن حريتنا في
العمل على كشف الظلمات عن العقول ورفع الظلم
عن الناس ،وعن حرية المظلومين الذين اشتمل
عليهم الظالم في السعي إلى االستنارة بهذا الضياء
الذي بدا للدنيا كلها من غار حراء.
حار َبنا وال دفعنا إال من اعتدى
حار ْبنا إال من َ
ما َ
علينا ،وكنا نريد للناس جميع ًا أن ينالهم الخير الذي
20
أُفيض علينا .كنا نقول لهم :تعالوا شاركونا فيه تكونوا
منا ،لكم ما لنا وعليكم ما علينا.
لم يكن في فتوحنا غالب ومغلوب ،وال سيد
وعامة ،وال عرب وعجم، ّ وال َمسود ،وال أشراف
بل كان الناس عندنا قسمين> :الذين آمنوا< و>الذين
فاضلَ
كفروا< ،فالذين آمنوا كلهم إخوة متساوون ال َت ُ
بينهم إال بالتقوى ،والذين كفروا من أهل الكتاب
يكونون في ذمتنا وعهدنا إن ساكنونا في أرضنا ولم
ونؤمنهم إن استأمنونا ونفي لهم إن
ّ ينقضوا عهدنا،
عاهدونا ،وال نخشى حربهم إن هم اختاروا الحرب
وحاربونا.
[من نفحات الحرم:
على غار حراء (])1956
21
-6-
ما يقوله أعداء اإلسالم من أنه انتشر بالسيف
خطأ من وجهتين :خطأ ألن الدين ال ينتشر بالسيف،
بل باإلقناع وبالحجة والبرهان ،وباألسوة الحسنة التي
تجعله يستقر في العقل الباطن .وخطأ ألنه مخالف
للواقع وللتاريخ الصحيح ،فإذا أمكن أن ُيقال بأنه
لما صار للمسلمينانتشر بالسيف في البالد المفتوحة ّ
فأي قوة جعلته ينتشر في مكة
جيش وكانت الفتوحُّ ،ٌ
مستضعفون ،ما لهم سيف وما عندهم َ والمسلمون
قوة؟
الدين} منافاة
راه في ِّفليس في آية {ال ْإك َ
لحكم الجهاد ،والمجاهدون ما كانوا ُيكرهون أحداً
على اإلسالم ،بل كانوا يعرضونه على الناس ،فإن
َأ َب ْوه طلبوا منهم أن يفتحوا لهم الطريق لينشروه في
األرض ،ليحملوا الدواء الذي شفاهم من أمراضهم
إلى المرضى الذين يأملون الشفاء ،ويوصلوا النور
>حراء< إلى الذين يعيشون في الذي طلع عليهم من ِ
الظالم وفي الشقاء.
[الفتاوى ج :1ال إكراه في الدين (])1983
22
-7-
فنىفي عمر اإلنسان ساعات هي العمرَ ،ت َ
الليالي وتنقضي األعمار وتخلد هذه الساعات ذكرى
في قلوب البنين .وفي تاريخ األمم أيام هي التاريخ،
متحدرة في درك الماضي مسرعة إلى ّ تمر السنون
ّ
هوة النسيان ،وتبقى هذه األيام جديدة ال تبلى ،دانية
ال تنأى ،مشرقة ال تغيب .ولإلنسانية أيام هي ركن
اإلنسانية ،لوالها ما قام لها بنيان وال ثبت لها وجود.
البشر جميع ًا،
َ عمت بركاتها وشملت خيراتها أيام قد ّ
أيام هي ينابيع الخير والحق والعدل في َبيداء الزمان،
المفخرة ألمة أرادت ال َفخار.
وهي َ
الغر في تاريخنا! تلك األيام
وما أكثر هذه األيام ّ
وس َمونا به إلى ُذرى
التي أفضلنا فيها على العالم كله َ
الحضارة :يوم الهجرة وبدر والقادسية واليرموك
ونهاوند ،وأيام قتيبة وابن القاسم في المشرق وعقبة
وطارق في المغرب ومحمد الفاتح في الشمال ،ويوم
عين جالوت وحطين.
[دمشق :الجالء عن دمشق (])1946( )2
23
-8-
إننا نتحدث دائم ًا عن بدر والقادسية واليرموك
الغ ّر ال في تاريخنا وحده بلوحطين ،وتلك األيام ُ
في تاريخ البشر ،فهل فقدنا العزائم التي انتصرنا بها
في تلك األيام؟
لقد ظفرنا في عشرة آالف معركة خضناها،
نثرنا فيها شهداءنا نثراً في كل بقعة من األرض وتحت
كل نجم في السماء ،ثم سقينا أجداثهم بدمائنا،
المتسعرة الرمال في بالد العرب
ّ سقينا الصحارى
وفارس وإفريقيا ،وجنان الشام والسهول الممرعة
في مصر والعراق وفي أرض فارس ،واألفغان والهند
وأطراف الصين ،وفي شواطئ البحر المتوسط التي
كانت كلها أو جلها لنا وكان هذا البحر ُيدعى تارة
بحر العرب وتارة بحر الروم ،وفي أوربا التي جئناها
من الغرب بالجيش العربي المسلم حتى بلغنا قلب
فرنسا ،وجئناها من الشرق بالجيش التركي المسلم
فينا.
حتى وصلنا إلى أسوار ّ
صب
ّ أفأضعنا هذه البطوالت؟ إن محمداً ’
البطولة صب ًا في أعصاب المسلمين ،فما تلقى في
24
الدنيا مسلم ًا جبان ًا .فإن رأيتم مسلم ًا يخاف الموت
في الجهاد في سبيل اهلل حين يجب الجهاد فاعلموا
بالجنان .ما
أنه مسلم باللسان وحده وليس مؤمن ًا َ
أضعناها ،ولكن تعبنا فنمنا وطال بنا المنام.
[الذكريات ج :7ح])1986( 194
25
-9-
متى كان العربي المسلم ،بل متى كان المسلم
-عربي ًا كان أم تركي ًا أم كردي ًا -يهرب من مقارعة
األعداء ومقابلة الخصوم؟
ال،
إنه يستحيل أن يكون اليهودي شجاع ًا أو نبي ً
ولو قاتل بالسالح الكثير الذي جاء به من يضعه في
يده ويس ّلطه به على الناس .ويستحيل أن يكون المسلم
ال ،ولو أعوزه البارود أو فقد الرغيف. جبان ًا أو نذ ً
إنه يقاتل بالبندقية القديمة ويقاتل بالسيف ويقاتل
بالحجارة ،ولو كان خصمه أقوى دول األرض.
ويقاتل جائع ًا أو يصبر يومه على تمرة أو يأكل الكأل.
ال ،ما هذه قصيدة فخر وحماسة بل هي حقيقة
واقعة .أما ترون ما يصنع المسلمون األفغان أمام
المعتدين الشيوعيين ،ودولتُهم إحدى الدولتين
الكُ َبر َيين في عالم اليوم؟ أليست هذه الوقفة إعادة
األولين ،يوم نازلوا
كريمة ماجدة لموقف المسلمين ّ
الكبريين في عالم األمس في اليرموك
َ الدولتين
والقادسية؟
صب البطولة صب ًا في أعصاب
ّ إن اإلسالم
26
المسلمين وأجراها في دمائهم ،فمهما حاقت بهم
الشدائد وتوالت المحن فلن تتبدل طبيعة البطولة
فيهم ،والعاقبة لهم إن كانوا مع اهلل ألن اهلل سيكون
ومن كان اهلل معه ال يغلبه مخلوق. ٍ
حينئذ معهمَ ،
[الذكريات ج :1ح])1981( 4
27
-10-
>الفتح اإلسالمي< أكبر لغز من ألغاز العبقرية،
وأجل مظهر من
ّ جية من أحاجي النبوغ، أح َّ
وأروع ْ
ُ
مرت عليه مظاهر العظمة في تاريخ البشر .ولقد ّ
إلى اليوم قرون طويلة وأعصار مديدة ،ارتقى
فيها فن الحرب وتقدم فيها البشر أشواط ًا في كل
ميدان من ميادين الحضارة ،وغاص المؤرخون في
أعماق الحوادث التاريخية فكشفوا أسرارها وعرفوا
هينة ضئيلة بعد أن كانوا يرونها أسبابها ،فبدت لهم ِّ
لغزاً ال ُي َح ّل ،ولكنهم لم يستطيعوا أن يكشفوا سر
الفتوحات اإلسالمية ولم يدركوا ُك ْن َهها .وستمر قرون
أخرى وأعصار قبل أن يكشف ذلك السر ،وقبل أن
يرى تاريخ البشر حادث ًا أعجب وأعظم من >الفتح
اإلسالمي<.
[ ِفكَ ر ومباحث :الفتح اإلسالمي (])1936
28
-11-
إن المعجزة الكبرى في التاريخ العسكري لألمم
كلها هي الفتح اإلسالمي.
وقد يقول قائل :إن اإلسكندر فتح بالداً ربما
بلغت ما فتحه المسلمون ،وكذلك صنع جنكيز خان
وتيمور لنك ونابليون وهتلر .هذا صحيح ،ولكن
أن الفرق بين هؤالء جميع ًا وبين الفتح اإلسالمي ّ
فتح عسكري يقوم على القهر، فتح هؤالء ال ُق ّواد ٌ
َ
متحرس ًا ِ
يبقى فيه غالب ومغلوب ،يعيش الغالب يقظ ًا
ّ
متربص ًا متحفزاً لألخذ بالثأر ،أما الفتح
والمغلوب ّ
اإلسالمي فهو عجيب بطبيعته.
لننظر إلى البلدان التي فتحناها :لقد فتحنا
سوريا ،فهل تستطيع أن تميز في سوريا اآلن أبناء
الفاتحين الغالبين من أبناء أهل البالد المغلوبين؟
استقر فيه وبقي .هذه
ّ اإلسالم بلداً إال
ُ ذلك أنه ما دخل
أقل من أربعمئةأندونيسيا :لقد دخلها اإلسالم من ّ
سنة ،دخلها في وقت قريب من دخول االستعمار
إليها .أما االستعمار فقد ذهب إلى غير عودة ،وأما
اإلسالم فقد بقي فيها ،وسيبقى -إن شاء اهلل -إلى
29
يوم القيامة.
ذلك ألن الفتح اإلسالمي لم يكن فتح ًا
عسكري ًا ،وما فتح المسلمون البالد ليأخذوا منها
الغنائم وال ليحكموا أهلها ،بل ليشاركوا أهلها في
الخير الذي أنزله اهلل عليهم.
[المقدمات :مقدمة كتاب >عبقرية
خالد بن الوليد العسكرية< (])1986
30
-12-
الدنيا -يا إخوان -يومان :يوم لك ويوم عليك.
وقد بدأ في تلك السنة ( )1911اليوم الذي كان
ال وكان صعب ًا أليم ًا ،مال فيه
علينا ،وكان يوم ًا طوي ً
واشتد علينا الزمان ،ففي الهند كانت هذه ّ الميزان
النكسة ،وطرابلس (ليبيا) هجم عليهم الطليان بال
ُح ّجة وال برهان ،بل كما تهجم الذئاب الجائعة
على القرية اآلمنة في الليل البهيم .وكان االتحاديون
(وأكثرهم مفسدون ملحدون) قد عزلوا السلطان عبد
شوهوا سيرته ،فكذبوا عليه ونسبوا كل الحميد بعدما ّ
منقصة إليه ،واستولوا على الدولة العثمانية فأضاعوا
-بجهلهم وقلة حنكتهم وفساد ّنياتهم -بالد البلقان
التي كان يحكمها السالطين من آل عثمان.
31
وتحمس أبناؤها للدفاع عن الحرية
ّ تبكي بالدموع)!
وعن العدالة .وما يريدون حرية وال عدالة ،وإنما هي
عداوتهم لإلسالم الذي كان يتمثل في أنظارهم بدولة
وتطوعوا للحرب مع اليونان.
ّ آل عثمان،
[الذكريات ج :5ح])1985( 145
32
-13-
نزل الهولنديون ضيوف ًا يعتمدون على كرم
سروه بل ليسحروه، الشرقي ،يبسمون له ال لي ُ ّ
ويصافحونه ال ليؤكدوا الود بل ليختبروا قوة اليد،
ويسألونه ال ليطمئنوا إلى حسن أخباره بل ليعرفوا
المكنون من أسراره ...وهذه مقدمة كتاب االستعمار.
ثم جاؤوهم بالسلع األوربية ،وما كانوا
يحتاجون إليها وال تقوم حياتهم عليها ،وأخذوا
ثمنها ثروات أرضهم وخيرات بالدهم ،وهذه هي َ
تتمة المقدمة.
فلما فرغوا منها فتحوا الكتاب وتلوا منه أول
باب ،وهو باب المعاهدات ...وتتالت بعد ذلك
المعاهدات كما تتالى الحلقات وتترابط ،فيكون منها
سلسلة طويلة هي قيد الحرية ورباط االستعمار.
[في أندونيسيا :إسالم أندونيسيا (])1955
33
-14-
ماذا ينفعك أنك مصري مستقل ،وأن الوادي
وجدك وواديك ،إذا كان الخواجة يستطيع وادي أبيك ّ
كنك،أن يطردك من مأواك فال تلقى إال بإذنه سقف ًا ُي ّ
يسيرك
يعريك فال تجد إال بإذنه ثوب ًا يسترك ،وأن ّوأن ّ
فال تصل إال بإذنه إلى ترام يحملك؟
ما االستقالل وأنت محتاج إليه في كل شيء؟
ما العزة وأنت تأكل الخبز األسود وهو يأكل لباب
الب ّر من أرض مصر؟ وأنت تسكن الكوخ المهدم ُ
وهو يملك الصرح الضخم على أرض مصر؟ وأنت
الع ِكر وهو يشرب الرحيق المص ّفى من
تشرب الماء َ
خير مصر؟ وأنت تمشي حافي ًا وهو يختال بسيارته
الخ ِلق وهو
على ثرى مصر؟ وأنت تلبس الجلباب َ
الرقاق من قطن مصر؟يتخذ الثياب ِّ
وابن مصر يصير
صاحب البلدُ ،
َ الغريب
ُ أيصير
غريب ًا في مصر؟ هذا فظيع؛ هذا >عهد المماليك<
يعود بثوب جديد!
[في سبيل اإلصالح :وكم في
مصر من بنات أمبان (])1947
34
-15-
لدي َأبل ََغ صوتي -أنا
يا بني السين ! وسواء ّ
()1
تكسرت أمواجه
الطالب الضعيف -مسامعكم ،أم ّ
على صخرة القوة فتبددت ،ألن المستقبل سيجمعها
دوي وصدى.
فيكون لها في نضال سوريا وجهادها ّ
تحس وعواطف ّ إننا بشر أمثالكم ،لنا قلوب
تتألم ولسنا من صخر وال حديد ،فال َت ْحملونا على
حمل عليها العبيد ،فال واهلل لنالش ْرعة التي ُي َ
هذه ِّ
ُي ْع ِجزنا أن نموت أشراف ًا إذا نحن عجزنا أن نعيش
أشراف ًا .لقد ُقضي علينا أن نهبط من عليائنا وأن ُنسلَب
يأت بعد ،ولن حريتنا ونفقد استقاللنا ،ولكنه لم ِ
ّ
يأتي أبداً ،ذلك اليوم المشؤوم الذي نخسر فيه إيماننا
وشرفنا.
إننا اليوم كما قال ملككم فرنسوا األول من
قبل> :قد خسرنا كل شيء إال الشرف< ،وإذن فلم
نخسر شيئ ًا! ولن تقوى قوة في العالم على سلبنا
الشرف واإليمان ،فاصنعوا ما شئتم .املؤوا المرجة
_________________
( )1هو نهر فرنسا الذي يخترق باريس كما يخترق النيل
القاهرة ،أراد بالكناية شعب فرنسا (مجاهد).
35
منا المئات ،واكذبوا فانشروا ما
دبابات ،واقتلوا ّ
ّ
شئتم بالغات ،فكل ما هو ٍ
آت آت.
قد رأينا الموت وقاسينا الفقر وشاهدنا
الخراب ،وأصبحت مدينتا َبلْقع ًا وأهلها مفجوعين
ونساؤها ثاكالت ،فماذا نخاف بعد هذا؟ هل بعد
أشد من
الموت منزلة نحابيكم عليها؟ هل عندكم ّ
الرصاص؟ فقد فتحنا له صدورنا! هل عندكم أغلى
من األرواح؟ لقد أعددناها ثمن ًا لالستقالل!
دم ُجدنـا به ِ
المجد ٌ ثمن
ُ
فانظروا كيف بذلنا الثمنا
الهرة إذا ُحبست
ّ وبعد يا أيها األقوياء :إن
وضويقت انقلبَت لبؤة ،والبركان إن ُس ّدت فوهته
است ِذلّ ثار ،والنار وال
كان االنفجار ،والشعب إذا ُ
وستردون إلى اهلل
ّ العار ،وللشهداء عقبى الدار،
الملك الجبار.
[البواكير :يا أمة الحرية (])1931
36
-16-
ترن في أذني
...ثم صاح صيحته التي ال تزال ّ
من وراء اثنتين وستين سنة ( )1حتى كأني أسمعه يصيح
بها اآلن :غورو ،لن تدخلها إال على هذه األجساد.
لما حسبنا أن ولكن غورو دخلها! دخلها ّ
وبالخطَب ،ثم خرج قومُ كتسب بالحماسةالحرب ُت َ
كتسب الحروب .غورو هذا لما عرفنا كيف ُت َ غورو ّ
وقف على قبر صالح الدين األيوبي الذي غلب أوربا
كلها مرتين ،مرة بسيف القتال ومرة ُبنبل الفعال،
وقف يفاخر عظامه ميت ًا وقد كان قومه يرتجفون من
بأسه حي ًا ،وال يفاخر األموات إال الجبناء ،يقول :يا
صالح الدين ،لقد عدنا.
حسب من غروره أنه ملك الشام إلى األبد،
َك كما يحسب هذا المغرور المأفون (بيغن) أنه َمل َ
القدس إلى األبد .فأين َمن يذهب فيبحث عن حفرة
ليرد عليه بالحق كلمته التي قالها
غورو ،فيقف عليها ّ
يستعد
َّ بالباطل ،ليقول له :كال ،بل لقد طُردتم! و ْل
_________________
( )1كانت هذه الخطبة أوائل سنة .1920
37
من اآلن من سيقوم غداً على حفرة بيغن ليقول له:
أين غرورك وأين ادعاؤك؟ إن القدس قد رجعت على
رغمك إلى أصحابها المسلمين.
نعم ،إنها سترجع إليهم إن رجعوا هم إلى
دينهم ،ولقد بدت بوادر الرجوع إلى الدين.
[الذكريات ج :1ح])1982( 15
38
-17-
لقد كانت معركة ميسلون منعطف ًا خطيراً في
أكثر المنعطفات في قصة حياتي! تاريخ بالدي ،وما َ
ذلك لتعلموا أن حياة اإلنسان ال تقاس بـ>طول<
السنين بل بـ>عرض< األحداث ،فلقد بلغ عمري في
التاريخ الذي أكتب عنه اثنتي عشرة سنة فقط ،ولكني
رأيت فيها حكم األتراك ،وحكم العرب ومن ورائهم
اإلنكليزُ ،م ْس َت ْخفين بأشخاصهم ظاهرين بأعمالهم،
الخناس مع الناس .وسأشهد قريب ًا حكم
كالوسواس ّ
الفرنسيين ،وهم ظاهرون ظهوراً قوي ًا ولكن أثرهم
-إن قيس بأثر أولئك -كان ضعيف ًا.
لما
أتعرفون القصة الرمزية عن الريح والشمس ّ
تراهنتا على أيهما يقدر أن ينزع عن الفالح معطفه،
فعصفت الريح فبرد فلبس فوق المعطف عباءة،
فأحس بالحرّ فوجهت أشعتها إليه،
وجاءت الشمس ّ
وسال من جسده العرق فنزع المعطف؟ هذا هو مثال
اإلنكليز والفرنسيين كما رأيناهم في الشام ،وهما
حماريك
َ أي
كحماري العبادي ،قيل لهُّ :
َ -بعد ذلك-
أسوأ من صاحبه؟ قال :هذا .وأشار إليهما مع ًا!
[الذكريات ج :1ح])1982( 8
39
-18-
أصب في أعصابكمّ يا أيها القراء :إني ما جئت
قوة ليست فيها ،ولكن جئت أثير القوة التي نامت في
أعصابكم .وما جئت ألجعلكم خيراً مما أنتم عليه،
خير مما أنتم عليه.
ألفهمكم أنكم ٌ ولكن جئت ُ
40
يجر قدميه من الو َنى
أال يكون أحدكم تعبان كسالنّ ،
جراً يظن أنه سيسقط من َكالله على األرض ،فيلحقه
وحش كاسر ،فإذا هو ينطلق ٌ عدو فاجر أو يطارده
انطالق القذيفة من فم المدفع ويعدو َع ْد َو الغزال
المروع؟
َّ
الم َّد َخرة في أعصاب هذه -أيها الناس -القوة ُ
اإلنسانُ ،يظهرها األمل ويبديها الغضب ويبعثها
الخوف .وفي األمم قوة كهذه القوة ،وما األمة إال
-إن
تحس ّْ األفراد؛ األمة أنا وأنت وهم وهن ،أفال
غضبت أو فرحت أو جزعت -أن نبضك يسرع
وقلبك يخفق ،ووجهك َي ْص َف ّر أو َي ْح َم ّر ،وجسدك
كله يتبدل ويتغير؟ فكذلك األمم؛ تكون األمة نائمة
آمنة ،قد غلب عليها الخمول وشملها االرتخاء ،فما
هي إال أن يبعث اهلل لها القائد العبقري يصرخ فيها
يحذرها عدواً ،أو َي ِع ُدها نصراً ّ ينذرها خطراً ،أو
مؤ َّزراً ،حتى َتثِ َب كما يثب الجندي المستريح إلى
سالحه ،فتعمل العجائب وتصنع المعجزات وتدع
التاريخ حائراً من فعلها مشدوه ًا.
[هتاف المجد :إلى السالح
ُ
يا عرب (])1951( )1
41
-19-
ال تجزعوا من تلك المصائب المتتالية ،فما
هي إال تدريب لنا .نحن كالبطل الرياضي الذي كان
المصارع السابق ،ثم تكاسل ونام حتى فترت حماسته َ
قو ُته .ماذا يصنع هذا البطل إذا جاءت المباراة وو َن ْت ّ
أنواع التمرينات الشا ّقة ليعود إليه
َ الجديدة؟ أال يكلَّف
ويرتد إليه َجلَده؟ كذلك يصنع اهلل بنا.
ّ نشاطه
وصدام ،وكنا أبطال المعارك لقد كنا أم َة نِزال ِ
وفرسان الميادين ،ولقد فتحنا الشرق والغرب وملكنا
ال ،وتوالتما بين الصين وفرنسا ،ثم هجعنا طوي ً
علينا أيام الخمول حتى لقد شككنا في أنفسنا .وها
دعى مرة ثانية لقيادة العالم .إي واهلل،
نحن أوالء ُن َ
بد لذلك من تمرينات شاقة ،وهذه لقيادة العالم ،وال ّ
هي التمرينات.
وقد يموت منا رجال ،وتخرب لنا دور،
ويصيبنا األذى ،ولكن ذلك كله يهون في جنب الغاية
التي يريدها اهلل لنا.
[هتاف المجد :حوادث مصر (])1956
ُ
42
-20-
حدثني األخ السيد عمر الحكيم (وقد كان
أواخر الحرب الماضية) قال :كانت ُتغير َ في ألمانيا
على برلين خمسة آالف طيارة ،تضربها ضرب ًا يزلزل
ويرج الجبال ،حتى لكأن القيامة قد قامت ّ األرض
وصبت
ّ وجهنم قد فتحت أبوابها .فإذا فرغت أحمالها
رزاياها وانصرفت خرج الناس من المالجئ ،ودارت
السيارات الحكومية تقرع األجراس ومعها صفائح
كبيرة من األخشاب ومسامير ،فكل من ُهدم جداره
أو ُضرب بيته أخذ من هذه الصفائح ،فجعل منها
انهد وبيت ًا بدل البيت الذي
جداراً مكان الجدار الذي ّ
سقط .فال ينتهي من البناء حتى تعود الغارة ويعود
الناس بعدها إلى العمل ،ويتكرر ذلك مرات في
اليوم...
ونحن قد مرت بنا طيارة واحدة ضربت الشام
بخمس قنابل ،فجزع الناس وفزعوا ،وهرب منهم
من هرب فلم يعد يستطيع مقام ًا .فما الفرق بيننا
وبينهم؟ أنحن مخلوقون من الطين وهم مصبوبون
َص َّب الحديد؟ ال ،ولكنها العادة ِ
والمران ومكابدة
األهوال وممارسة الخطوب .وأنا أتمنى واهلل (وإن
43
كره بعض القراء) أن تتوالى علينا الغارات ،وأن نذوق
لذع الحرب ونكوى بنارها ،ولو كان في ذلك خراب
دور من دورنا وقتل ناس من أهلنا!
إن األلمان ليسو أصفى منا جوهراً وال أطيب
ال وال أقوى أعصاب ًا ،ولكن حياة الدعة والخمولأص ً
والقعود عن الحروب كادت ُتفقد العرب أجمل
سالئقهم وأحسن سجاياهم :الصبر والجلد واحتمال
الشدائد ومقارعة ال ِعدا.
ورحبوا
فافرحوا إن شمرت الحرب عن ساقهاِّ ،
بالشدائد فإنها امتحان الرجال .إن عشر غارات على
دمشق تن ّقيها من كل َخ ّوار ضعيف ،وتنفي عنها
النحاس عن الذهب
َ النار
الجبناء المخانيث كما تنفي ُ
الخالص .إن عشرين مليون عربي كلهم رجال وكلهم
أبطال ،وكلهم مساعر حرب وأبطال جالء ،خير من
هذه الماليين السبعين التي ال تصنع شيئ ًا.
ال؛ إنها بداية الهوان
فمرحب ًا بطيارات اليهود وأه ً
لهم وبداية العز لنا!
[كلمات صغيرة :مرحب ًا بالغارات (])1949
44
-21-
...هذه قصة غارة واحدة رأيناها من طائرة
واحدة َم ّرت بسمائنا ،فكيف كان األلمان خالل
الحرب الثانية تهجم عليهم ألف طيارة أكبر وأضخم
وأقوى على اإلبادة وعلى التقتيل من هذه التي َم ّرت
بنا ،فإذا انقضت الغارة خرجوا فأصلحوا ما فسد
وسدوا من الجدار ما انخرق ،وصبروا وعادوا إلى ّ
منا خلق ًا وأقوى
العمل وإلى القتال؟ فهل األلمان أقوى ّ
طبيعة وأقرب إلى الرجولة وإلى مزايا األبطال؟ ال،
مرت بنا ولكن طول الدعة والخمول ،والقرون التي ّ
في عصور انحطاطنا هي التي أنستنا بعض فضائلنا.
ولكن ال تخافوا وال تيأسوا من روح اهلل ،فإن
اهلل موجود ،يناديكم أن تعودوا إليه ،فإذا عدتم إليه
صبها
أعاد لكم النصر وأعاد لكم الظفر .إن العزة التي ّ
اإلسالم في عروقنا ال تزال جارية فيها مع دمائنا.
يا أيها الناس :إن قطعة الذهب قد تسقط في
الوحل فيصيبها األذى ولكنها تبقى ذهب ًا ،والصفيح
ليس كالذهب ،والشر ليس كالخير ،والليل األسود
كالضحى المشرق المضيء .واليهودي ّ البهيم ليس
45
ليس كالمسلم ولو ُو ِض َعت في يده أموال الدنيا،
ولو جمع في مخازنه أسلحة الدنيا ،ولو وق َفت وراءه
أقوى دولة في الدنيا.
[الذكريات ج :4ح])1984( 116
46
-22-
قرأت في برقيات أمس أن فرنسا قد عادت
إلى طيشها وبطشها في الجزائر ،وإلى بطولتها في
اقتحام البيوت وترويع النساء واعتقال األبرياء وإيذاء
ودنو
ّ المساكين ...ففرحت وأيقنت بقرب الخالص
الفرج.
ذلك ألن في أعماق نفوسنا -معشر العرب-
الشداد ،وكلما بطولة عجيبة ال تظهرها إال ِ
الم َحن ِّ
حاق بها الخطر صفا جوهرها وظهر معدنها .وهذه
الجزائر :ال تزال تناضل وتصاول كأنما لم تحكمها
تسخر ذكاءها
ّ فرنسا ،ولم تدأب أكثر من مئة سنة
وعلمها وقوتها وحمقها لتقتل فيها روح النضال
وتمحو من نفوسها حب االستقالل .وستظل تجاهد
حتى تنعم بالجالء كما نعمت به ديار الشام ،الجالء
الذي دفعنا ثمنه من دمائنا التي أرقناها على أرض هذا
وم َهجنا التي بذلناها ،وأموالنا التي أنفقناها،
الوطنُ ،
ونلناه بتضحيتنا وبطوالتنا.
فستستقل الجزائر ،ويتحرر المغرب
ّ أبشروا،
كله ،و ُتستن َقذ فلسطين ،وننجو من إنكلترا وأختها
47
أشر وأدهى،
كما نجونا من فرنسا .وإن كان اإلنكليز ّ
ألن الفرنسيين بحمقهم وطيشهم يأتون كالثور الهائج
فتغلق دونه الباب أو تستعد له ،وهؤالء يجيئون
كالحية الناعمة المزخرفة التي تدخل من تحت
اللحاف فتلدغك وأنت نائم.
كلهم عزرائيل ،ولكن أولئك يهجمون بالسيف
قدم
يسبون ويشتمون ،وهؤالء يقتلون بالسم ُي َّ وهم ّ
في قطعة شكالطة! واهلل المستعان عليهم جميع ًا.
[كلمات صغيرة :ثورة اإليمان (])1950
48
-23-
انظروا ماذا صنعنا في هذه الحرب واعجبوا
منا( :)1إذ فتحت لنا إلى آمالنا باب ًا واسع ًا فلم ندخله،
ّ
ووضعت في أيدينا سالح ًا ماضي ًا فلم نستعمله!
عجزنا عن أن نكون أقوى من عدونا ،فأضعفته
عنا لنغتنم
هذه الحرب لنقوى بضعفه ،وشغلته ّ
فأدركتنا رقة الشعور،
َ فنسترد منه ما سلبه منا،
ّ الفرصة
فرحمناه وأشفقنا عليه أن نزعجه بمطالبنا في بلواه،
وآثرنا الذوق واللطف على واجب الوطنية والشرف،
ِ
"أعطنا الذي سرقته منا"، فلم نفتح أفواهنا لنقول له:
أعناه على عدوه وعلى أنفسنا ،وأيدناه بألسنتنا بل ّ
وأموالنا وأيدينا!
وزعم لنا أنه ما حارب إال لينصر الديمقراطية،
فقلنا" :صحيح ،فلتعش الديمقراطية"! وقال لنا إنه
ويطهر
ّ يبذل دمه ليدافع عن الضعاف المظلومين
األرض من النازيين الباغين ،فقلنا" :بارك اهلل فيك،
_________________
( )1الحرب العالمية الثانية ،وقد ُنشرت المقالة بعد نهايتها
بسنتين (مجاهد).
49
هذه شيمة السادة األكرمين" ...ولم تكن فينا أمة عاقلة
إال الهند ،فلم تجامل هذه المجاملة السخيفة التي
جاملناها ،ولم تقترف هذه الجريمة التي اقترفناها،
بل قامت تنادي بطلب االستقالل على حين كان
يمجدون الديمقراطية في الصحف ،ومشايخنا أدباؤنا ّ
يدعون لها على المنابر بالنصر ،فكانت عقوبتنا
عاجلة:
تمر ثالث سنوات على استجابة الدعاء لم ّ
وانتصار األعداء حتى فعل بنا أهل باريس التي
(جد َد اهلل نكبتها) ولندن
ّ بكينا عليها يوم نكبتها
مج ْدنا ديمقراطيتها ما لم يفعله هتلر باليهود
التي َّ
أقدم مدن َ الذئب بقطيع الغنم ،فضربوا دمشق
ُ وال
األرض بالقنابل ،وذبحوا عشرات األلوف من أهل
المغرب ،وأعانوا الهولنديين على األندونيسيين
ليملكوا أرضهم ويسلبوهم بالدهم ويقتلوا أبناءهم،
بش ّذاذ اآلفاق و ُنفايات األمم ،أهل
ورموا فلسطين ُ
الذلّة والمسكنة ،اليهود! وتنكّ روا لمصر من بعد ِ
ما لجؤوا إليها فآوتهم ،وسألوها المال فأعطتهم،
فواد ْتهم،
َّ الو ّد
وخطبوا منها -على ظلمهم لهاُ -
واستنصروها -وهم أعداؤها -على قوم لم يعادوها
فنصرتهم ،فكان جزاؤها منهم -بعدما أكلوا خبزها َ
50
جزاء الذي أطعم
َ وأخذوا مالها وسكنوا في مسكنها-
()1
الحية فلدغته وآوى الضبع فأكلته!
أن َمن ال يثب علىفهل اعتبرنا؟ وهل عرفنا ّ
الفرصة ُتفلت منه ،ومن ال يضرب الحديد حامي ًا
يبرد ويشتد فيعجز عنه؟ وهل اعتزمنا >الوثوب< في
فلسطين ،وفي مصر ،وفي المغرب ...أم ال نزال
ونسوف حتى يأتي يوم ال ينفع فيه الوثوب وال
ّ نؤجل
ّ
يجدي فيه العمل؟
[ثِ ْب وثب ًا (مقالة قديمة لم
نشر في الكتب) (])1947 ُت َ
_________________
هاد َن اإلنكليز
تسعرت الحرب العالمية الثانية َ لما ّ
(ّ )1
الشعوب التي استعمروها
َ والفرنسيون والهولنديون
وسخ َروها لمنفعتهم ،فصار أبناؤها جنوداً
ّ وخدعوها
في كتائبهم ،وصارت حاصالتها غذاء لجنودهم
لطياراتهم.
وقواعد ّ
َ وأراضيها طرق ًا لجيوشهم
واستعانوا بذلك كله على أعدائهم من األلمان
أشد على
والطليان ،فلما تحقق لهم النصر عادوا َّ
شعوب المستعمرات مما كانوا وأغشم وأظلم .ومن
قرأ خبر ما صنعه الفرنسيون في الجزائر بعد الحرب
والهولنديون في أندونيسيا فال آمن عليه -من هول ما
المشيب من قبل األوان (مجاهد). يقرأَ -
51
-24-
نحن اليوم في معركة مع االستعمار ،قد اندلعت
رارها.
نارها وطار في كل أرض من أرض اإلسالم َش ُ ُ
يد ُع مدافعه فال يطلقها،
فهل رأيت جيش ًا في معركة َ
يسيرها ،ويلقي بنادقه فال يحملها؟
وينسى دباباته فال ّ
نسخرهاهذا ما نفعله نحن حين نهمل أقالمنا فال ّ
وإن ِمن أمضى أسلحتنا وأنفذها في هذا النضالّ .
وأبقاها على الزمان وأثبتها لل ِغ َير َلهذه األقالم ،فما
لِهذه األقالم نائمة ال تفيق ،جامدة ال تتحرك؟ وما
لبعضها ال يزال يلهو ويلعب ،كأنه مدفع العيد يتفجر
المدلهمة التي ُج ّن
ّ بالبارود الكاذب وسط المعمعة
فيها الموت؟!
إنها معركة االستعمار :استعمار البالد بالجيوش،
واألسواق بالشركات ،والرؤوس بالمذاهب ،والقلوب
بالشهوات ،فجنود العدو تخطر على أرضنا (،)1
وشركاته تتحكم في أسواقنا ،ومذاهبه الخبيثة تمأل
وتكشفه في
ّ رؤوسنا ،وتقليده في إباحيته وشهوته
_________________
( )1هذا ما كان.
52
تنبه
نسائه وفي أدبه يفسد قلوبنا .فأين تلك األقالم ّ
وتطهر الرؤوس والقلوب ،وتحمل نور
ّ القوم ال ِّنيام،
الحق لتبدد به ظلمة الباطل؟!
تعرف هذا الشعب بنفسه، أين تلك األقالم ّ
وتذكره أنه لم ُيخلَق َلي ِذلّّ وتتلو عليه أمجاد أمسه،
ويحكم ،وأن اهلل ما برأه من ويخنع ،وإنما ُخلق ليعز َ
الصيد األماجيد، ِّ
()1
سواه من ِجذْ مطينة العبيد بل ّ
ال في األرض وأنه أثبت من هؤالء المستعمرين أص ً
وأعلى فرع ًا في السماء ،وأكرم نفس ًا وأشرف عنصراً
الغني وأذلت َّ األيام
ُ وأنقى جوهراً ،وأنها إذا أفقرت
يغتر
العزيز فإن الفلك َد ّوار ،والدهر دوالب ،فال ّ َ
الغني على اليسار ّ الفقير بال ِغنى الحادث وال َ
يأس
فإن كل شيء يعود إلى أصله ،وإن كل الذاهبّ ،
حال إلى زوال.
[في سبيل اإلصالح :أين األقالم؟ (])1946
_________________
الجذم هو األصل واألهل والعشيرة ،وفي الحديث:(ِ )1
رجل من قريش إال له ِجذم بمكة< (مجاهد).
ٌ >لم يكن
53
-25-
وإن
لما ُوطئت بالدهمْ ، لقد حارب الفرنسيون ّ
الك ّر.
كانوا في الحرب نعام ًا تُحسن ال َف ّر ال أسوداً تجيد َ
وحارب اإلنكليز ،وحارب األميركيون ،وحاربت
قبائل البوير ،وحارب أهل الحبشة ،وحارب هنود
أميركا يوم دخلوها عليهم ...وحاربت كل أمة على
المقدسة ُخلُق ًا في
َّ ظهر األرض .وكانت هذه الحرب
طبع كل َأب ٍِّي شريف ،فال يكون َمن يفقده ّ
أبي ًا وال
شريف ًا ،ال يكون إال كلب ًا .بل إن الكلب يحارب دون
وِجاره ،وكل حيوان حي يدافع عن ِذماره ،حتى
الخنزير البري!
َفهل يريد أنصار المفاوضات والمحادثات أن
وأنف الكاره في الرغام.
ُ نكون أقلَّ من الخنازير؟ كال،
وأعز من كل عزيز ،وأسمى َّ أكرم من كل كريم،
ولكن َ ْ
من كل بشر أظ ّلته السماء وحملته الغبراء .وإال فما
نحن ألولئك األجداد ،وال نحن لرمال الجزيرة ،وال
صكوا
نحن لمن حملوا نشيد >اهلل أكبر< ومشوا حتى ّ
جن الفال ،وملؤوا به كلبه سمع الزمان ،وراعوا به ّ
سهل وجبل حتى دانت لهم األرض ومن عليها ،وال
نحن لمحمد صلى اهلل عليه وسلم.
54
كال ،نحن سالئل الفاتحين ،في عروقنا
عزتهم ،ولئن دماؤهم ،وفي صدورنا قلوبهم ،ولنا ّ
فقدنا السالح فما فقدنا العقل الذي يصنعه ،وال اليد
التي َت ْش َحذُ ه ( ،)1على أنه إذا أعوزنا السالح أخذناه
عدونا وجالدناهم به .وكذلك فعلنا.
يد ّ من ِ
_________________
( )1تشحذه أي ُت ِس ّنه و ُت ّ
حده ،ال تشحده!
55
-26-
إلى السالح يا عرب .إلى السالح ،فإن كل
بنية على تل من
استقالل ال يحميه السالح قلعة َم ّ
الملح في مجرى السيل .إلى السالح ،فإن كل حق
ض لالغتصاب .إلى معر ٌ
فم المدفع حق َّ ال يؤيده ُ
السالح لتحموا به أوطانكم وإيمانكم ،وتدافعوا به
رضكم ،ولتذودوا به عن أجداث عن أرضكم وعن ِع ْ
أجدادكم وآثار أمجادكم.
إلى السالح ،ابذلوا في سبيله الغالي والرخيص.
إلى السالح ،بيعوا الصحن والكرسي واشتروا
السالح ،امنعوا عن أفواهكم وابذلوا للسالح ،فإنه
إن كان معكم السالح استرجعتم كل ما بذلتم ،وإن
لم يكن معكم سالح لم ينفعكم كل ما ّادخرتموه.
إلى السالح ،اشتروه من الشرق ومن الغرب،
واطلبوه من اإلنس ومن الجن! سالح الحديد في
أيديكم ،وسالح اإليمان في قلوبكم ،وسالح األخالق
والعلم والمال .واهلل معكم ،إن تنصروا اهلل بأموالكم
ويثبت أقدامكم.
وأنفسكم ينصركم ّ
[هتاف المجد :إلى السالح يا عرب (])1954( )2
ُ
56
-27-
...وشيء أخير أقوله لكم ،نصيحة من أخ
لكم :أنتم نذرتم أنفسكم للجهاد ،وقد تتعرضون
انسدت يوم ًا في
َّ بد للجندي منها ،فإذا لمخاطر ال ّ
الس ُبل ،إذا رأيتم أنفسكم في َض ْنك ،إذا وجوهكم ُّ
لم تجدوا ملجأ أو مخرج ًا على األرض ،فاذكروا أن
هناك باب ًا ال ُي َس ّد أبداً ،هو باب اهلل ،هو باب السماء.
فم ّدوا أيديكم وقولوا >يا اهلل< قبل أن تمضوا. ُ
أيها اإلخوة ،قبل أن تمضوا إلى المعركة َلي ُقل
العاصي :يا رب ،إني أتيت إليك ،إني أترك أهلي
وأمضي مجاهداً في سبيلك وإلعالء كلمتك ،فاكتبها
لي شهادة ،وال تحرمني الحياة الدنيا بالموت والحياة
األخرى بخسران الجنة.
توجهوا إلى اهلل ،واجعلوا شعاركم الذي تهتفون ّ
تاف
به أمام كل قلعة وفي كل واد وعلى كل رابية ُه َ
آبائكم الذي كان يأتيهم به النصر ،ذلك النشيد الذي
لم تسمع أذن الزمان أعظم منه روعة وال أعلى منه
رفعة ،نشيد >اهلل أكبر< .ومهما كبر العدو فاعلموا أن
اهلل أكبر منه ،وثقوا أنكم إن كنتم جنداً هلل فإن جند اهلل
57
منصور دائم ًا ،وإذا كنتم مع اهلل بقلوبكم فلن يغلبكم
{وإن
ّ أحد ،ال إسرائيل وال من هم وراء إسرائيل:
ُج ْن َدنا ل َُه ُم الغالِبون}.
[نور وهداية :الحرب واإليمان (])1969
58
-28-
ال ي ُقل قائل من الناس :إننا في معركة مع اليهود
منا أن نكتفي بالدعاء.وأنت تريد ّ
أنا ال أريد أن َت ْدعوا دعاء الخاملين العاطلين
وال يريد ذلك اإلسالم ،بل أريد أن نمتثل أمر اهلل،
القوة وأن نبذل ما نقدر عليه من ِ
أن ُنع ّد ما استطعنا من ّ
جهدنا ،ثم نسأل ربنا النصر على عدونا ،ألن النصر
الع َدد،
ليس مقترن ًا حتم ًا بكثرة العدد وال بضخامة ُ
عدوهم عدداً األولون كانوا دائم ًا أقل من ّ والمسلمون ّ
وعدداً .لقد نصر اهلل المسلمين ببدر وهم أذلّة ،ويوم ُ
{وك ْم
َ حنين إذ أعجبتهم كثرتهم فلم ُت ْغ ِن عنهم شيئ ًا:
ِمن فئ ٍة قليل ٍة َغلب ْت ِفئ ًة كثير ًة ِ
بإذن اهلل}. َ
أمرنا اهلل بأن ُن ِع ّد ما استطعنا من القوة لكن هل
َ
رهب بها عدو اهلل وعدونا، ُن ِع ّدها للنصر؟ ال ،بل ُلن ِ
وما النصر إال من عند اهلل .أنزل اهلل مالئكته في بدر،
{وما
هل أنزلهم للنصر؟ ال ،وإنما أنزلهم ُبشرىَ :
قلوبكم به}{ ،وما
تطمئن ُ
َّ هلل إال ُبشرى لكم ولِ َجعل َُه ا ُ
النصر إال من ِ
عند اهلل}. ُ
[الذكريات ج :3ح])1983( 84
59
-29-
لما كان هتافنا >أمجاد يا عرب أمجاد< لم تنصرنا ّ
أمجاد العرب ،ألن مجد العرب الحق ُولد يوم ولد ُ
محمد ’ .لوال محمد لم يكن للعرب إال المعلقات
وقصر غمدان ،ومعارك بين القبائل لم َت ْب ِن مجداً وال
خ ّلدت ذكراً ،ومآثر لم َت ْد ِر بها روما وال القسطنطينية
وال مدائن كسرى ،فلما جاءهم محمد ’ باإلسالم
جعلهم به سادة األرض وأساتذتها ،وجعل منهم ُم ُثلَ
البشرية العليا في الفضائل والمفاخر.
كنا كلما َع َد ْت إسرائيل علينا فزعنا إلى >مجلس
األمن< ،كما يصنع التلميذ الضعيف في المدرسة،
يضربه األقوياء فيذهب إلى األستاذ يقول" :أستاذ،
فالن ضربني" ،فيقول األستاذ للضارب" :عيب يا
ولد ،ال تضرب رفيقك" ،ويغمز بعينه يقول له :ال
تخف ،أنا معك ولن ينالك أذى!
كأن مجلس األمن إنما أُنشئ ليكفل األمن
إلسرائيل وحدها!
[هتاف المجد :قصتنا مع اليهود (])1989
ُ
60
-30-
جنوبي الشام بالد لم يستطعّ كان من مدن
أن يعيش فيها قبل ضياع فلسطين يهودي واحد،
كالخليل ونابلس ،فصاروا اآلن يجولون فيها
ويصولون ويعيثون فساداً في األرض ألنهم شعب
بقوتهم سطوا ،ولكن بضعفنا الفساد واإلفساد .وما ّ
وتفرقنا وأننا أبعدنا اإلسالم عن معركتنا في فلسطين،
ُّ
فلم نجعلها جهاداً إسالمي ًا بل حرب ًا وطنية ومعركة
()1
61
إنه واهلل لعجب يعجب منه العجب :رجل يقاتل
جده،
عدوه بالبندقية القديمة الصدئة التي ورثها عن ّ ّ
الرشاش فال يمد إليه يده وبين يديه القنبلة فال
ّ هوأمام
َ
يلتفت إليها وال يحارب بها! أليست دعوة القومية
المخالفة لإلسالم هي البندقية القديمة الصدئة؟
أليست هي العصبية الجاهلية التي نهانا اإلسالم عنها؟
جربنا
جر ْبنا ،فهل بعد التجربة من برهان؟ ّ
لقد َّ
رفع راية اإلسالم بيد صالح الدين فكانت حطين،
وكان بعدها استرداد فلسطين ثم كان طرد الواغلين
فخبروني يا من رفعتم راية القومية ونكستم
الغاصبينّ ،
راية اإلسالم ،وقلتم >عرب< ولم تقولوا > مسلمون<،
تنادون كل يوم من إذاعتكم صباح مساء" :أيها اإلخوة
األخوة التي قررها رب العالمين
ّ في العروبة" ،ونسيتم
أج َدت عليكم؟ أخوة اإليمان ،خبروني :ماذا ْ
وهي ّ
[الذكريات ج :8ح])1987( 241
62
-31-
األولون إلى الجهاد ،إلى
لقد ُدعي المسلمون ّ
التضحية ،إلى بذل الروح مئة مرة ،فما تقاعسوا وال
ترددوا.
ّ
لقد لبَّوا دوم ًا وما َأبَوا يوم ًا ،وال يزالون
حاضرين ليلبّوا إن ُدعوا من جديد .على أن يدعوهم
الداعي بلسانهم ال بلسان غريب عنهم ال يفهمونه وال
يعرفونه؛ يدعوهم باسم الدين جهاداً في سبيل اهلل
وإعالء لكلمة اهلل ،ال باسم الوطنية وال القومية وال
ً
التقدمية .إن اهلل يعطي الشهيد الذي يموت في سبيله
جنة عرضها السماوات واألرض ،يعطيه حياة مدتها
مليار مليار قرن ،بل إن مدتها ال تحيط بها األرقام
ألنها ال نهاية لها ،حياة ما فيها إال السعادة وكل لذيذ
مشتهى ،بدل حياة على األرض مهما طالت فإن
نهايتها الموت وفيها ما فيها من المتاعب واآلالم.
هذا جزاء من يقاتل في سبيل اهلل .فماذا تعطي
القومية وتعطي التقدمية وتعطي الوطنية من يموت في
سبيلها؟ هل عندها ما تعطيه؟ بل قولوا ما هي؟ هل
سميناها نحن (ال
هي شيء له وجود أم هي أسماء ّ
63
آباؤنا) ما أنزل اهلل بها من سلطان؟ فما لنا ندع شرعة
اإلسالم إلى نظام أساسه أوهام ،ونتائجه أحالم ،ولن
يكون له (كما لم يكن ألمثاله) دوام؟
[الذكريات ج :1ح])1981( 4
64
-32-
ما بيننا وبين النصر ،ما بيننا وبين أن ننقذ
فلسطين إال أن نعود إلى ربنا ،وأن نعلم أنها إن
وتؤيدها قوى كبير ٌة فإن اهلل
إسرائيل و ُتعينها ّ
َ كانت ُت ِم ّد
أكبر .لقد طالما قلت ولم يسمع مني أحد .قلت :ما
الذي ينقصنا لننتصر على اليهود؟ العدد؟ نحن ألف
مليون ،فكم عدد اليهود؟ العلم؟ عندنا من العلماء
أكثر مما عند اليهود .المال؟ معنا ،مع ألف مليون من
المسلمين ،أكثر مما مع اليهود؟ فما الذي ينقصنا؟
ينقصنا اإليمان.
محدث فيها،
ّ لقد قلت في اإلذاعة (وأنا أقدم
أذيع بال انقطاع من أكثر من خمسين سنة) قلت:
إن السالح ال ُيغني عن اإليمان مهما كثر السالح.
فضحكوا مني وسخروا بي ،وقالوا :ما ُيدريك وأنت
شيخ أديب ما العسكرية وما فنون القتال؟ فلما نشر
مونتغمري مذكراته وتكلم عن القوة المعنوية وقال
مثل الذي قلت سكتوا وما قالوا شيئ ًا .أيسخرون من
مونتغمري ويقولون له :أنت ال تدري ما فنون القتال؟
[الذكريات ج :7ح])1986( 194
65
-33-
إذا أردتم -وقد صحوتم هذه الصحوة المباركة-
أن يعود لكم النصر الذي كان ألجدادكم فاسلكوا
طريقه ،فإن َمن ال يسلك الطريق ال يبلغ الغاية،
وادخلوه من بابه ،فإن من أخطأ الباب لم يصل إلى
المحراب.
ابدؤوا جهادكم في فلسطين (وفي غير فلسطين)
بالصالة .أال ترون موقفنا مع اليهود ،وهم أذل األمم
تمدهم أميركا ،فإنوهم أقل األمم؟ ال تقولوا إنها ّ
لما وقف أمامها الفيتناميون يقاتلونها بإيمان
أميركا ّ
(وإن كانوا يؤمنون بالجبت والطاغوت ،ال يؤمنون
باهلل واليوم اآلخر) لم تقدر أن تخضعهم بسالحها.
يا أيها الناس :إن الذي يقاتل عن إيمان ال يمكن
أن ُيغلَب ،فكيف إن كان يؤمن باهلل وباليوم اآلخر؟
فكيف إن كان الناس يخافون الموت وكان هو يطلب
الموت ألنه يرى في الموت الحيا َة الدائمة الباقية؟
فاستبشروا -يا أيها المسلمون -بالنصر ما بقيت
هذه الصفوف قائمة ،يقودها اإلمام ويسودها النظام،
قانونها اإلسالم ،وشعارها دائم ًا :إلى األمام.
66
إن هذه الصفوف إذا عرفت كيف >تقوم< هنا
قلوبهم باهلل حق ًا ،وجاهدوا
َ حق ًا ،وربط أصحابها
في سبيله حق ًا ،عرفت كيف >تسير< مرة ثانية إلى
مرابع النصر ومراتع الفخر ،وعرفت كيف >تقعد<
مرة ثانية في الصدر ،فيكون لها النهي واألمر ويكون
لها عز الدهر.
حي على الصالة (])1964
[نور وهدايةّ :
67
-34-
وذكرهم اهلل،
ّ الجند
َ
()1
خطب الشيخ رضا
ودعاهم ليصححوا نياتهم في الجهاد .وتلك ُس ّنة
المسلمين قبل كل معركة ليخوضها الجندي على
بصيرة ،فإذا مات لم يخسر الدنيا بالموت حتى يكون
قد ربح الجنة بالشهادة.
وهذا ما يجب أن يعرفه كل جندي مسلم؛ ينال
إن ظفر الثواب ،ويحظى إذا ُقتل بالشهادة .وليس
الشهيد الذي يقاتل لمجرد استرداد البلد السليب وال
للعلَم وال تضحية للوطن وال الذي يموت خدمة َ
دفاع ًا عن مجد العروبة ،بل الذي يقاتل إلعالء كلمة
اهلل ويموت في سبيل اهلل .ولو كان هذا قولي أنا لما
ألزم أحد منكم با ّتباعه ،ولكنه قول من ُيل َْز ُم با ّتباعه
كل واحد منكم :رسول اهلل ’.
[الذكريات ج :1ح])1982( 18
_________________
( )1الشيخ رضا الزعيم ،قال عنه في >الذكريات< إنه
صداع ًا بالحق ،جريئ ًا جرأة
«كان صادق ًا مع اهللّ ،
نادرة المثيل» .وهو والد حسني الزعيم ،صاحب
االنقالب األول في الشام (مجاهد).
68
-35-
كان الفرق بين قوة العرب في الجاهلية (وهم
قبائل متفرقات جاهالت) وبين إمبراطورية قيصر
أكبر من الفرق بين المسلمين اليومومملكة كسرى َ
وهاتيك الدول ،ومع ذلك فقد غلبناهما وأزحنا عن
كابوسهما ،ون ّقينا األرض من َجورهما،
َ صدر الدنيا
مصور (خريطة) الدنيا.
َّ ومحوناهما من
لقد كانت هذه المعجزة ألن العرب وجدوا
كتاب ًا عجب ًا ،فيه منهاج للحياة ال يتبعه أحد إال ظفر
في الحرب والسلم وجمع الخير من أطرافه .فإذا
القراء من يستطيع أن يجد نسخة من هذا كان في ّ
الكتاب فليدلّنا عليه لنقرأه ونفهمه ونعمل به ،فنغسل
أرضنا ،ونسترجع مجد آبائنا،من أوضار االستعمار َ
ونحتل مكان الصدارة مرة أخرى في الدنيا.
ليس بيننا وبين ذلك كله إال أن نعمل بهذا
الكتاب العجيبّ ،أما اسم هذا الكتاب فهو >القرآن<.
[من وحي اإلسراء (مقالة قديمة
نشر في الكتب) (])1957 لم ُت َ
69
-36-
قوم من
يقولون إنه ال طاقة لنا بأميركا ،كما قال ٌ
وج ُنو ِده} ،فكانت
الوت ُ
الي ْو َم ب َِج َ
قبل{ :ال طا َق َة َلنا َ
النتيجة أن قتل داوود جالوت.
بقوته بل بمعجزة من اهلل ،فالذي قتله ما قتله ّ
هو اهلل .ولما كانت حرب رمضان ،وهي التي اقتربنا
ال ،قال أحد فيها من اهلل إصبع ًا فاقترب منا النصر مي ً
الرؤساء" :كنت أحارب اليهود ،أما وقد دخلت
أميركا فال أستطيع محاربة أميركا".
وقلت يومئذ في إذاعة مكة ومن هذا الرائي:
إن هذا الكالم صحيح بجميع المقاييس البشرية،
فال قوتنا مثل قوة أميركا وال جيشنا مثل جيوشها
وال خبرتنا تعدل خبرتها ،ولكن وراء هذه المقاييس
مقاييس أخرى ،مقاييس أعلى وأصح ،ولو أن
األولين أخذوا بالمقاييس البشرية لماّ المسلمين
استطاعوا أن يفتحوا بلدة واحدة من البالد التي شملها
الفتح اإلسالمي وحمل إليها النور والعلم والهدى.
[نصر من اهلل وفتح قريب (مقالة
غير منشورة في الكتب) (])1990
70
-37-
إننا نسمع في كل مكان ونقرأ في كل صحيفة
منا ،وأن
أن البالد على خطر ،وأن الحرب قريبة ّ
الفرنسيين واإلنكليز وإسرائيل ،كلهم يتربصون
أنظر حولي فال أرى أمة
ُ ويبيتون الشر لنا ،ثمبنا ّ
تستعد للحرب ،وال أجد إال الغفلة واللهو واالنقسام
واالختالف ...فهل في الدنيا جماعة تكون في معركة
مع عدو غريب عنها ،ثم تجعل للخالفات الصغيرة
ال إلى إضعافها؟ فما معنى اختالف فيما بينها سبي ً
األحزاب والهيئات والجماعات ،والعدو المشترك
متربص بها جميع ًا؟
وهل في الدنيا أسرة تحيط بها النار المندلعة
ويهددها اللص المسلح ،ثم تغني أو ترقص وتلعب؟ ّ
فما معنى هذه الحفالت التي ال آخر لها ،حفالت
الرقص واللهو ،حتى ال أظن أنه بقي في األرض
شعب لم َي ُسق إلينا راقصاته و َقيْناته ،وكلها تأخذ من
أموالنا ومن رجولة شبابنا ،وتشغلهم عن االستعداد
للحرب بالنظر في الصدور والسيقان ،باسم الفن
طبع ًا وللفن وحده ،ومن قال غير ذلك فهو رجعي
سمع كالمه! واألموال الطائلة ُتن َفق
جامد شهواني ال ُي َ
71
الس َرف ،على إيفاد المدلَّلين من كبار الموظفين
على ّ
ليسيحوا في األرض ويتفرجوا ويستمتعوا ،فأين
االستعداد للحرب؟
وهل حسبتم النصر يأتي بالرشاشات والمدافع
فقط؟ إن النصر ال يأتي إال باإليمان ،بالقوة المعنوية.
إن النصر من عند اهلل ،فهل ُيطلَب النصر من اهلل
بالمجاهرة بمعصيته ،واستباحة محارمه ،والخروج
على حدود دينه؟
وعليكم قبل ذلك كله بالرجوع إلى اهلل ،وإيقاظ
اإليمان في النفوس ،حتى يكون القتال في سبيل
اهلل ،وإلعالء كلمة اهلل ،وبذلك ...بذلك وحده يكون
النصر إن شاء اهلل.
[كلمات صغيرة :بالعربي الفصيح (])1948
72
-38-
ال .إننانحن ال نبغي عدوان ًا وال نطلب باط ً
ط الحق .نحارب نطلب الحق ،وسنحارب إن لم ُن ْع َ
ولكن دفاع ًا
ْ ينصر اهلل ظالم ًا،
ُ ال بغي ًا وال ظلم ًا ،فال
عن أنفسنا وعن الحق وعن كرامة اإلنسان .نحارب
بشيوخ لهم حماسة الشباب ،وشباب لهم حكمة
الشيوخ ،ونساء لهن رجولة الرجال ،وصغار لهم
لنأتين بأفواج،
ّ عزائم الكبار ...ولئن هلك منا فوج
مينه بأيام ،والمستقبل لنا. َنر ّ
العدو يوم ًا ل ْ
ّ ولئن صبر
إننا خمسمئة مليون ( .)1ولو أن خمسمئة مليون
هرة هجمت على إنكلترا دفعة واحدة لهرب منها أهل
ّ
إنكلترا ،فكيف تطمع إنكلترا أن ُترغم آناف خمسمئة
مليون رجل ،يرون الجهاد فرض ًا في دينهم كفرض
أمنية من أجمل
الصالة ،ويرون الموت في الحرب ّ
األماني؟
فيا أيها العرب في كل أرض ،يا أيها المسلمون
تحت كل نجم ،يا أيها الرجال ويا أيتها النساء :لقد
_________________
(( )1كان هذا عدد المسلمين يوم ُنشرت المقالة ،وهم
اليوم ألف وستمئة مليون (مجاهد).
73
أزفت ساعة المعركة الفاصلة ،فليحمل كل رجل
نصيبه منها ،واعلموا أن الظفر
َ منكم وكل امرأة فيكم
لكم.
يا أيها المجاهدون في ُعمان والجزائر والقرى
األمامية في فلسطين ،ويا أيها العاملون على تحطيم
آخر صنم لالستعمار في ديار العرب :اصبروا
وصابروا ورابطوا ،واتقوا اهلل لعلكم تفلحون.
[هتاف المجد :خطبة الحرب (])1957
ُ
74
-39-
أريد أن تعرفوا أننا في حرب ،حرب ظاهرة
خفية :حرب مع إسرائيل و ِمن ورائها أميركا
وحرب ّ
في فلسطين ،وحرب مع إنكلترا و ِمن ورائها فرنسا
في القناة ،ومع فرنسا ومن ورائها حلف األطلنطي
في الجزائر .وهذه هي الحرب الظاهرة ،أما الحرب
الخفية فهي حرب االقتصاديات وحرب المبادئ ّ
الهدامة.
ّ
إن تلك براكين ساكنة توشك أن تنفجر ،وهذا
متفجر يرمي بالنار والحمم على إخوانكم .إن
ّ بركان
المال الذي يأخذه منا الغربيون ثمن سيارات البذخ
وأحمر الشفاه وعطر اإلغراء وهاتيك السموم التي
ثمن
اسمها الشمبانيا والويسكي ...كل ذلك يتحول َ
رصاص يستقر في صدور هؤالء اإلخوان وثمن قنابل
تدمر دورهم وقراهم.
عدوها على نفسها؟ َّ فهل سمعتم بأمة تعين
هل سمعتم بأمة تعيش في الحرب مثل عيشها في
السلم؟ هل سمعتم بأمة تنام على َدو ِّي المدافع؟ هل
حتضرين من أبنائها
الم َسمعتم بأمة تغني على أنين ُ
75
وترقص على قبور شهدائها؟ هل سمعتم بأمة ترسل
أوالدها -وقلوبهم كالصفحات البيض -إلى مدارس
ِ
والفرنس ْسكان والالييك ،لينقش عدوها ،إلى الفرير
والكفر
َ لعن أمتهم
المعلمون فيها على هذه القلوب َ
بها وبأمجادها؟
إنها أيام حرب ،فلنعش َعيش الحرب .ولنتقاسم
باهلل على أن نقاطع مدارس األعداء وبضائع األعداء،
كل منا ما يقدر عليه ،فإن ما تدفعه قد يحرمك
وليعط ٌّ
هذا الشهر من الكماليات وقد ُيدخل عليك بعض
الضيق ،ولكنه يحيي في الجزائر نفوس ًا ،وينقذ من
االستعمار بلداً عربي ًا ،ويدفع األذى عنكم أنتم،
إن ظفرت فإن فرنسا (وأنتم أعرف بها) ،إن فرنسا ْ
لتعودن على
ّ قدر-
في الجزائر -ال سمح اهلل وال ّ
ولترجعن إليكم إذا قويت بضعفكم
ّ مراكش وتونس،
-بعد -مضمون من اهلل ،وإن ُ وتخاذلكم .والثواب
الرزاق هو اهلل ،وما تدفعونه وتنوون به وجه اهلل فإن
ّ
اهلل يخلفه.
[هتاف المجد :في افتتاح
ُ
أسبوع الجزائر (])1957
76
-40-
ما أدري واهلل ،هل فقدت أنا عقلي أم الناس
فخبروني :كيف
ّ جميع ًا قد فقدوا عقولهم؟ وإال
أرى الشيء أسود مظلم ًا ويرونه هم أبيض مثل
الثلج؟ وكيف أتألم وأتحرق كلما رأيت الخطر
الداهم والعدو المتربص والغفلة واللهو واللعب،
ويضحكون ويصفقون ،كأن هذا هو المعقول وأن
هذا هو الواجب؟
اإلنكليز والفرنسيون يحومون ببوارجهم
ويبرقون ،ينتظرونوقواتهم من حول القناةُ ،يرعدون ُ
غفلة منا ُليطبقوا علينا ،والفرنسيون -ومعهم قوى
حلف األطلنطي -يسوقون ُع َدد الموت إلى إخواننا
المجاهدين في الجزائر ،يطلعون بها عليهم من البحر
ويأتون بها من البر وينزلون بها من السماء؛ يقتلون
وي ْعدون
األبرياء ويذبحون النساء ويدمرون القرى َ
على األعراض ،واليهود ...حتى اليهود األذلّة قد
تشجعوا وغدوا َيبدؤوننا القتال ،ويهجمون علينا
ويقتلون منا ،ونحن ...ماذا نصنع نحن؟ هل نبذنا
وأجلناه حتى تنكشف هذه الخالف الحزبي بيننا ّ
الغمة؟ وهل وضعنا ألنفسنا خطة التقشف والتوفير
77
وترك السرف والتبذير ،لننفق هذا الوفر في االستعداد
للحرب؟ هل وضعت الحكومة موازنتها على هذا
األساس؟ هل تركت اإلنفاق في الكماليات،
واإليفادات والرحالت ،والحفالت والمؤتمرات،
وإقامة النُّ ُصب وإضاعة األموال فيما ال ضرورة له
وال جدوى منه ،وال يدفع عدواً وال يستجلب نصراً؟
78
فرنسا (وهي أقوى منا) لما فسدت أخالقها وغلبت
عليها شهواتها ذلت حتى وطئتها نعال جنود األلمان
ثالث مرات ،من سنة 1870إلى اآلن؟ هل حاربنا
الفجور المنتشر؟ هل استجاب أحد للصرخة التي
لما قلت إن قانون العقوبات ال صرختها في >األيام< ّ
عدل قانون العقوبات؟
يعاقب على الزنا ،وطلبت أن ُي َّ
هل انتصرت أمة بالرقص وباللهو حتى نكون مثلها
ال إلى النصر؟فنجعل اللهو والرقص سبي ً
هذا ما أتألم منه ويذوب قلبي حسر ًة عليه ،وال
أجد من يبالي به أو يحفله ،فهل جننت أنا أم ُج َّن
الناس؟
يا ناس ،نحن في حرب ،وليس في الدنيا أمة
تعيش في الحرب كما تعيش في السلم ،وإذا لم
نستعد للبركان قبل أن ينفجر ال ينفعنا االستعدادّ
بعد االنفجار .فأين َح َملة األقالم ،وأرباب المنابر،
وكل ذي رأي مسموع وكلمة نافذة ،ليدعو األمة إلى
اليقظة واالنتباه والرجوع إلى اهلل؟
[كلمات صغيرة :هذه هي الحرب
فماذا أعددتم لها؟ (])1949
79
-41-
لقد انتهى عهد االستعمار الذي كانت ترفرف
وخلَفه
راياته فوق أرضنا وتخطو جنوده على ثراناَ ،
عنا
أخطاره غرباء ّ
َ استعمار آخر َش ٌّر منه ،ال يحمل
فرباهم
منا من أبنائنا ،أخذهم االستعمار ّ
ولكن ناس ّ
فأتموا ما بدأ به ،بل سبقوه وجاؤوا
على ما يريد هو ّ
بما لم يقدر على أن يأتي بمثله!
ولكن ذلك -إن شاء اهلل -ال يدوم.
[الذكريات ج :5ح])1985( 135
80
-42-
لقد عرفت كثيراً من الزعماء المسلمين الذين قاموا
يحاربون االستعمار والمستعمرين ،ولكنهم يسلكون
ويفكرون تفكيرهم ويعتادون عاداتهم ،وال ّ طريقهم
يتمسك بما يدعو إليه اإلسالم.يكاد ُج ّلهم ّ
االستعمار
ُ االستعمار َمن
َ فخبروني :كيف يحارب ِّ
واالستعمار في
ُ فأفكاره أفكار المستعمرين،
ُ في رأسه
قلبه فهواه َت َب ٌع لهوى المستعمرين ،واالستعمار في بيته
وفي أسرته فسلوكه في البيت سلوك المستعمرين؟
أتحرر أنا منهم ،فكيف
ّ إذا كنت ال أستطيع أن
أحرر بالدي من االستعمار؟
ّ
[الذكريات ج :5ح])1985( 145
81
-43-
ال صعب ًا مريراً خضنا إليه
لقد ناضلنا ،وكان نضا ً
سواقي من الدم ،من دماء أعدائنا ودماء شهدائنا،
الم َهج،
وتخطّينا ركام ًا من الجثث ،وبذلنا آالف ًا من ُ
وحملنا فيه من الشدائد والصعاب ما ينوء ثقله
بالصخور الراسيات ( .)1تعاقبَت الثورات في الشمال،
وعلى الساحل ،ثم كانت الثورة الكبرى سنة 1925
حدثتكم حديثها) ،ثم بدأت حرب الشوارع. (وقد ّ
حتى جاء االستقالل.
إن هذا االستقالل كالثروة التي يجمعها البخيل
قرش ًا إلى قرش ،يجوع في سبيلها ويشقى لجمعها،
فيأتي وارثه ،أو يأتي من ليس له بوارث وال له في
فيبذرها باليمين وبالشمال ،ال ينفقها على
حقّ ،إرثه ّ
أمته وال على وطنه ولكن ...وتعرفون ما الذي ُيقال
بعد >لكن< ،والمعروف ال ُيع َّرف.
[الذكريات ج :2ح])1982( 42
82
-44-
...ثم تعاقبت فيها المظاهرات ،ثم كانت
الثورة الكبرى ،ثم عدنا إلى حرب الشوارع وسالح
التام.
ّ اإلضرابات واالضطرابات حتى كان الجالء
يبق له أقصد جالء األجنبي بجيوشه عنا ،حتى لم َ
مدافعها
ُ جندي واحد يخطر على أرضنا ،وال قلع ٌة
موجهة إلينا ،وال راي ٌة ترفرف فوق رؤوسنا .تم هذا َّ
ولكن لم َت ْجلُ أفكاره عن رؤوس أوالدنا، ْ الجالء،
وال مبادؤه عن أحزابنا ،وال مناهجه عن مدارسنا،
وال قوانينه عن محاكمنا .وهذا هو االستعمار الذي
َيهون معه استعمار الديار .إن البذور التي بذرها
المستعمر قبل رحيله أنبتت نبات ًا لم نذق مثل مرارته
أشد
أيام االستعمار ،وكان ما أبقاه فينا بعد نزوحه عنا َّ
لما جاءنا.
علينا مما حمله معه ّ
أخرجت أرضنا السم الذي يودي بنا؟
َ فكيف
ممن خرج من أصالبنا من هو أنكى علينا
كيف رأينا ّ
عدونا؟
من ّ
دعوني أ ُقل كلمة ليست من الذكريات .لقد
رأيت في هذا العمر الذي عشته ِمن ُّ
تبدل الدول
83
العبر لمن شاء أن وتحول األحوال ما هو عبرة من َ ُّ
عهد -على كثرة ما مر من عهود- ٌ بنا مر
ّ ما إنه يعتبر.
إال بكينا فيه منه ،وبكينا بعده عليه! أف ُق ِّدر علينا أن
الشر فنأباه ،ثم نرى ما هو أكبر منه فنطلبه ّ نستكبر
فيأبانا؟
استكبرنا التقسيم في فلسطين ثم رأينا ما هو
أكبر منه فطلبنا التقسيم ،وأبينا ما كان قبل سنة 1967
ثم عدنا نطالب بإزالة آثار العدوان والعودة إلى ما قبل
!1967وأمثلة كثيرة على هذا األصل.
هذا واقع السياسة وموقف أهلها .أما نحن،
وإن َم َّسنا الضر ،وال نحزن
نحن المسلمين ،فال َنه ُِن ْ
وإن حاق بنا األذى ،وال نساوم في دين اهلل وال نوالي
عدو اهلل ،ونؤمن بأن اهلل الذي ّنزل الذكر هو الذي ّ
يحفظه وأن العاقبة للتقوى .ال نرتاب بديننا وال نشك
بوعد ربنا.
[الذكريات ج :1ح])1982( 21
84
-45-
ناس أن االستقالل قد جاءنا عفواً بال يحسب ٌ
تعب ،وأننا وجدنا يوم ًا مائدة ُم َع ّدة فقعدنا على
كراسي مصفوفة من حولها ومن فوقها الزهر والورد
وطبق مغطّى فتحناه فإذا فيه االستقالل المطلوب!
لقد نسي كثير منا ولم يد ِر كثير من ناشئتنا ما الذي
دفعناه ثمن ًا له ،من دمائنا الزكية التي أريقت ،ومن
نفوسنا البريئة التي أُزهقت ،ومن بيوتنا التي كانت
جنات تجري في صحونها المياه نوافير تشرح الصدر ّ
دكوها بالمدافع دك ًا فتركوها خراب ًا.ّ
فيا ليتنا ،يا ليت العرب كلهم ،يا ليت المسلمين
جميع ًا حافظوا على استقاللهم ،يا ليتنا لم نصنع (أو
بعضنا بأيدينا) ما كان يبتغيه المستعمر منا.
لم يصنع ُ
إن اهلل جعل لكل شيء سبب ًا ،فالفلاّ ح الذي
شق األرض وبذر البذر ثم يقول" :اللهم يقعد عن ّ
زرعه .والتلميذ الذي يدع
أنبت لي الزرع" ال ُينبت اهلل َ
الدرس ويشتغل باللهو واللعب ويقول" :اللهم اكتب
لي النجاح في االمتحان" ال يكتب اهلل له النجاح.
واألمة التي تلعب حين ِ
الج ّد ويتربص بها العدو فال
85
ُت ِع ّد القوة للعدو وتطلب من اهلل النصر ال يكتب اهلل
لها النصر.
ألن اهلل ال يبدل سننه في كونه وقوانينه في
مخلوقاته من أجل فالح مهمل وال تلميذ كسالن وال
يغير اهلل
شعب غافل .فإذا أردنا معشر المسلمين أن ّ
ما نحن فيه من التفرق واالنقسام وتكالُب الخصوم
غي ُر
هلل ال ُي ّ
{إن ا َ
ال ما بأنفسناّ :
فلنغير أو ً
ّ وغلَبة األعداء
ِ
بأنفسهِم}. حتى ُي َغ ّيروا ما ما بِ َق ٍ
وم ّ
غيرنا ما بأنفسنا؟
هذا هو القانون ،فهل ّ
[الذكريات ج :7ح])1986( 203
86
-46-
من العلماء من جمع خوف اهلل وجرأة القلب
وطالقة اللسان ،فنزل إلى الميدان ،يع ّلم الجاهل
ويؤدي حق العلم عليه
ّ ويقوم المائل ويصلح الفاسد، ّ
حين أخذ اهلل على العلماء أن يبلغوه الناس وال يكتموه.
ابتلينا باالحتالل كان الذين قادوا النضال
ولما ُ
ّ
وأوصلوا بالدهم إلى االستقالل من هذه الطبقة من
المشايخ والعلماء :األمير عبد القادر الجزائري منهم،
وعبد الكريم الخطابي وعمر المختار .والذين أيقظوا
ال ُّن ّوام في مصر والشام :جمال الدين األفغاني ومحمد
عبده ،والذي فتح للناس باب الجهاد في فلسطين
القسام ،وأمثال هؤالء.
عز الدين ّ
مر بنا عهد
وكنا كلما قام فينا حاكم ال نرضاه أو ّ
ال نحبه ،كان أول من يعمل على إزاحة هذا الحاكم
وإنهاء هذا العهد هم علماء الدين وخطباء المساجد
وشباب اإلسالم .نحن نخوض المعركة وغيرنا يأخذ
المغانم:
تـكون كـريـهـ ٌة أُدعـى لـهـا
ُ وإذا
ند ُب
يس ُيدعى ُج ُالح ُ
حاس َ وإذا ُي ُ
87
الحيس كله،
لحست َ ثم َك ُث َرت الجنادب حتى َ
وحازت المآدب جميعها وأكلت ثمار الجهاد ،والذين
جاهدوا ينظرون بعيونهم من بعيد!
[الذكريات ج :5ح])1985( 149
88
-47-
لقد مات العهد الذي كنا نرى فيه فرنسا
أمم الحرية والديمقراطية والمدنية وحقوق
وأخواتها َ
وجوهها التي كانتَ اإلنسان .لقد أبدت الحقائق
ُم َب ْر َق َعة ورآها الناس كلهم ،إال هؤالء العميان الذين
المدارس الفرنسية في
ُ وبصائرهم
َ أبصارهم
َ طمست
الص َغر والمواخير الفرنسية في ِ
الكبَر ،وهم بحمد اهلل ِ
ُ
أقل من القليل.
همجية
ّ لقد رأى الناس فرنسا على حقيقتها :أمة
تمنع الخبز عن الجائعين ليموتوا جوع ًا ،وإنكلترا
تنصر الصهيونيين على الفلسطينيين والهولنديين على
الجاويين ،وأميركا تقول لصاحب البيت اخرج ليدخل
وخ َسأ من
اللص ويأخذ دارك ...ولكن َخ َسأ اللص َ
ينصره ،إن دون ِ
الحمى آساداً.
أنتم -أيها األميركيون -ال تدركون ما هي قوانا
ألنكم ال تعرفون إال المادة؛ إنكم لم تسمعوا بأخبار
الفتوح األولى في الشام والعراق ومصر واألندلس،
والرميثة وجبل
وال بأخبار الفتوح اآلخرة في الغوطة ّ
النار وريف المغرب ،فاسألوا عنها فارس والروم
89
وإسبانيا وفرنسا وإنكلترا.
إنكم تحسبون قضية فلسطين كقضية سرقة في
شيكاغو ،تدخلون بالرشاشات فتنهبون المخزن...
والحي القيوم ،لن تكون لليهود دولة في ِّ كال،
فلسطين ولن يكون للفرنسيين اتحاد مع المغرب ()1
90
مهما تكبّر> :اهلل أكبر< .لقد ع ّل َمنا ديننا أن نستوهب
نبينا الشهادة،
وحبب إلينا ُّ ّ الحياة بطلب الموت،
ونفتش عنها إذا ض ّلت عنا. ّ نلحقها إذا هربت منا
فبماذا تخيفون أمة تريد الموت؟
نحن نريد الموت ونسعى إليه؛ قد أعددنا
للجالد ،ولن نلقي الجيش للجهاد وهيأنا القوى ِ
السالح ولن ندع الجهاد حتى ال يبقى في دنيا اإلسالم
وأرض العرب علم ألجنبي أو حكم لمستعمر ،واهلل
معنا ،واهلل أكبر.
[هتاف المجد :تحية البطلين (])1947
ُ
91
-48-
...ثم غدر بنا اإلنكليز الذين وعدوا الحسين
وصدق ،وحمله على ذلك ُخبث طوايا ّ فاغتر
َّ
االتحاديين وسوء فعالهم ومحاربتهم العربية كيد ًا
لإلسالم .أعطاه مكماهون -باسم قومه -المواثيق،
ثم عقدوا من وراء ظهره معاهدة >سايكس بيكو<
التي تقاسموا فيها بالدنا كما يتقاسم اللصوص الغنيمة
التي نالوها حرام ًا .وأنا ال أنقل صفحات معروفة من
التاريخ ،وهي تحت يدي لو أردت النقل عنها،
ولكني أردت أن يؤمن الشباب بأن >الجميع< علينا،
تداعوا لحربنا :حرب ديننا وعقيدتنا ،ألن ذلك
فإن ُنسف األساس هوى البناء.
قوتناْ ،أساس ّ
تناوبوا توجيه المدفع ،يتعب منه واحد منهم
موجه إلينا وقنابله أبداً
فيسلمه إلى آخر ،وهو أبداً َّ
فمن بلفور الذي وعد ،إلى غورو الذي ساقطة عليناِ .
أغار ،إلى ساراي الذي هدم ثلث دمشق على من
كان فيها فما لم يصل إليه الدمار أشعل فيه النار،
تعهدوا إلبليس بأن يحموا أمن إسرائيل، إلى الذين ّ
ولو كان أمنها ال يقوم إال على خراب صيدا وصور
وتحويل الدور والقصور إلى أطالل وقبور ،وتجرِبة
92
السالح األميركي الجديد بقنابله العنقودية والفسفورية
جربوالتفريغية على األطفال والنساء والشيوخ كما ُت َّ
المختبرات...
َ األدوية الجديدة على الفئران في
لقد سمعنا بأن منهم من تأخذه الشفقة على
حيوانات المختبرات فيحاولون إنقاذها ،ولكن ما
سمعنا فيمن رأوا ما يقع في بيروت بمن أشفق على
كر ّيا العطر وشيوخ تجسم كن ْور الزهر وصبايا َ
أطفال َ
أي فيهم العجز والطهر .لقد ُقتل نفر من اليهودْ ،
من خنازير البشر ،في كنيس في باريس (ولعل بني
ليتخذوا منه حجة دبروا قتلهم ّ
إسرائيل هم الذين ّ
لهم)ُ ،قتل نفر بفعل مجهول فقامت قيامة اليهود
شوهون وي َّ
ويقتل آالف وآالف ُوكثير من النصارىُ ،
في بيروت بفعل مجرمين معروفينُ ،يقتلون عمداً
حيث ال َيملكون دفع ًا وال منع ًا ،والعالَم المتحضر،
عالَم >حقوق اإلنسان< ،يسمع ويرى فال يحرك ساكن ًا
إال اللسان ،وربما خرس اللسان إال عن كلمة واحدة
هي >الفيتو< يحمون بها ظهور المجرمين.
[الذكريات ج :2ح])1982( 40
93
-49-
ليصدق القراء أن ما أكتبه اليوم قد
ّ أحلف باهلل
وقع البارحة ،وأنه ليس خيالة من خياالت األدباء.
نمت البارحة وفي ذهني موضوع االستعداد للحرب
والتيقظ له ،وما يجب على الحكومة وما ينبغي
فجر ْت
للشعب .وكانت ليلة حارة من ليالي الصيفَّ ،
علي ليلتي،
ونغص ّ علي حرار ُتها ما أطار مني نومي ّ
ّ
وأقامني اآلن خائر الجسم دائر الرأس ثقيل األجفان:
علي
جاءتني بعوضة ،كلما أغمضت عيني تحوم ّ
وتطن في أذني ،فأنهض وأفتش عنها وأستعد لها،
فال أراها ،وأحاول المنام فتعاود التحويم والطنين...
واستمرت على ذلك الليلَ أكثره إلى مطلع الفجر،
فكدت أعتذر من صاحب الجريدة وأدع الكتابة
اليوم ،ثم قلت :لماذا ال أصف حالي مع البعوضة،
فأكون قد دخلت في موضوعي وأنا ال أشعر؟ وإذا
وسه َدت
ّ كانت بعوضة واحدة قد طردت النوم عني
عيني ،فكيف لعمري ننام ويهود في فلسطين ال تزال
تطن إذاعتها في آذاننا؟
ّ
هذا هو الموضوع .قلت أمس في خطبة الجمعة
التي أذاعتها محطة دمشق إننا في حرب؛ إن كل دولة
94
عربية في حرب ما بقي في فلسطين يهودي واحد،
وإننا قد خسرنا الجولة األولى .نقول ذلك بلسان
الرياضي الذي ينهزم ولكنه يعلم أن أمامه جوالت.
ونحن نرحب بالحرب ،فنحن بنو الحرب ،ونحن
الجالد ،ونحن ال نخشى الغارات وال تطير رجال ِ
ولكنا ال نريد -مع
ّ قلوبنا َشعاع ًا عند أول قنبلة ُتلقى،
ذلك -أن نتلقى الضربات تل ّقي الغنم ضربة الذئب.
إن علينا أن نعد وأن نستعد ،وإني أُجمل هنا المنهج
-بعد -بالتفصيل والبيان.
ُ الذي أراه ،لعلي أعود إليه
95
تطن إذاعتها في آذانكم ،وإسرائيل تتربص على
حدودكم ،وإسرائيل قد سلبتكم أرض ًا من أرضكم
وقتلت إخوان ًا من إخوانكم؟
بمنام!
أقر اهلل عينه َ
من نام على عدوه فما َّ
[كلمات صغيرة :نحن في حرب
فاستعدوا للحرب (])1949
96
-50-
ال
أكثر الناس ال يدرون من أمر فلسطين إال قلي ً
وال يعلمون عن نكبتها شيئ ًا! فلينظم الشعراء القصائد
المغنون بشعر فلسطين،ّ وليتغن
َّ في نكبة فلسطين،
ولتؤلَّف اللجان في كل بلد عربي ،في كل بلد مسلم
إلنقاذ فلسطين ،ثم انظروا ما يكونَ :من يقرأ هذا
كله أو يسمعه ثم يقيم آمن ًا في داره يأكل ويشرب
ويلهو ويلعب ،وال يقول ألوالده وبناته :اقتصدوا
في نفقاتكم وو ّفروا ما تشترون به الحياة إلخوانكم،
لنجتزئ بالثوب عن الثوبين ،وباللون من الطعام عن
اللونين ،ثم ندفع هذا وذاك ثمن ًا لحياة فلسطين...
وقد دفعه أجدادنا في حطين يقودهم صالح الدين؟
مر على دخول اإلنكليز فلسطين خمس لقد ّ
عشرة سنة ،ودخول اليهود معهم ،حشرات متعلقات
بأذنابهم .أفما تكفينا خمس عشرة سنة ( )1لنصحو من
نومنا ونفتح عيوننا ،فنبصر الماء يجري من تحتنا
_________________
( )1دخل اإلنكليز فلسطين سنة ،1918عقب هزيمة
الدولة العثمانية في الحرب العالمية األولى ،ونشرت
هذه المقالة سنة ( 1933مجاهد).
97
وبوادر النار من حولنا ،والهوة السحيقة أمامنا نمشي
إليها بأقدامنا؟ إن كل عربي وكل مسلم على وجه
ومالم إن قصر األرض مسؤول عن نكبة فلسطين ُ
تأت اآلن معركة الدم والحديد، بالدفاع عنها .لم ِ
لنرد عدوان اليهود بالفكر السديد،
فلنحارب بالمالّ ،
بالخطَط المدروسة ،باالتحاد ،وقبل هذا كله وبعد ُ
العدو مهما كبر ومهما
ّ هذا كله بالعودة إلى اهلل ،ألن
كبر َمن يعينه وينصره فاهلل أكبر ،فمن كان مع اهلل لم
يخف أحداً. َ
كل
ليقدم ٌّ
لنبدأ بجمع المال إلنقاذ فلسطينّ ،
قل .أنا رجل مفلس، ما يستطيع ال يخجل به مهما ّ
أقدم نصف ليرة كل شهر ،فليقدم ولكني أستطيع أن ّ
كل ما يستطيع .األدب ،ثم المال ،ثم الدم ...هذه
ٌّ
هي أركان الحياة ،فإذا كان فينا مخلصون فليسيروا
في هذا الطريق بخطوات سريعة وثابتة.
طردون من ديارهم يا أيها الناس ،إخوانكم ُي َ
ويموتون ،فاشتروا حياتهم بمالكم .إن شبح الموت
يلوح في أدنى األفق ،وال يجوز الصبر يوم ًا واحداً.
إن النار إذا بلغت فلسطين فإننا نحترق ال محالة.
[البواكير :األدب القومي أيض ًا (])1933
98
-51-
الذي رأيته ورآه الناس كلهم هو أن تاريخ الظلم
والسرقة والغصب والتعاون على اإلثم والعدوان لم
يعرف أبشع وال أشنع وال أفظع من قضية فلسطين،
ناس آمنون في مساكنهم التي ورثوها عن آبائهم
واشتروها بأموالهم ،ما ألحد حق فيها معهم ،جاء
َمن ال يخاف اهلل وال يتقي العار وال يأبى اللعن فوعد
أخس اللصوص ،ثم سعى حتى ولّوه ّ بها عصابة من
هو أمرها و>انتدبوه< لتعليم أهلها فنون الحضارة،
خصمها الحاكم فيها ،وكان >حاميها<! َ فكان
وعد آثم بعده تعاون ظالم .ما اتف َقت دولة ٌ
الشرق ودولة الغرب إال علينا ،هم دوم ًا في خصام
إن جمعهم عداؤهم لإلسالم .ما التقى ولكنهما يتفقان ْ
صاحب >البيت األبيض< وصاحب >البيت األحمر<
إال على كرهنا وعلى قتالنا ،يعطوننا كالم ًا حلواً،
عدونا وسارقي أرضنا ّ والكالم >بالش< ( )1ويعطون
أيد تعملال لهم ٍ كل ما يريدون :من الشرق رجا ً
ال يبني لهم وسالح ًا وأدمغة تفكر ،ومن الغرب ما ً
_________________
( )1بالش (العامية) أصلها بال شيء.
99
يقتلنا نحن ،فإلى أين نلجأ؟
والمنجى أمامنا ،ولكن بهرج
الملجأ قريب منا َ
المادية أزاغ عنه أبصارنا ،ذلك هو >البيت
ّ الحضارة
األسود< في بطن مكة ،البيت الذي يلبس الثوب
األسود وهو األبيض بياض النهار المشرق ،بياض
النور الهادي ،بياض الحق األبلجَ .ر ّب هذا البيت
األسود هو وحده القادر على إنقاذنا من صاحب
البيت األبيض والبيت األحمر ،والبيت األصفر إن
انضم إليهما وكان معهما علينا في تأييد عدونا!
فلماذا ال نرجع إليه ،وبابه مفتوح ويده مبسوطة؟
لماذا نحول وجوهنا عن بابه؟
دخل اإلسالم في المعركة فيدخلها لماذا ال ُن ِ
معه ألف مليون؟ إن جعلناها عربية خالصة السترداد
األرض العربية أبعدناهم عنا ،ولكن إن جعلناها جهاداً
إسالمي ًا السترجاع قبلة المسلمين األولى ومسرى
نبيهم كانت معركتهم ،ما نحن بأحق بها منهم ألن ّ
األقصى لنا ولهم ،واإلسالم يجمعنا ويجمعهم.
[الذكريات ج :2ح])1983( 62
100
-52-
إن قضية فلسطين لم َيج ِر مثلها وال في أيام
صدقنا أنه
األولين لما ّ
نيرون .ولو قرأناها في أخبار ّ
يسوغ في إنسانية البشر وعقل العقالء أن تقول لرجل:
المتشرد المسكين،
ّ اخرج من دارك ليأوي إليها هذا
و َن ْم أنت في الزقاق أو اضطجع على المزبلة ،أو
المدنية وهذا حكم
ّ مت حيث شئت .هذا قضاء
الديمقراطية!
وإن حوادث المغرب لم يقع مثلها وال على
ذبح عشرات األلوف عهد محاكم التفتيش ،أن ُي َ
من األبرياء ( )1ألنهم قالوا لمن دخل عليهم بلدهم
_________________
( )1أظنه يشير هنا إلى المجزرة الكبرى التي اشتهرت
في التاريخ الجزائري باسم مجزرة 8ماي (الثامن
من شهر أيار سنة ،)1945عندما خرج الجزائريون
إلى الشوارع مطالبين فرنسا بالوفاء بوعدها ومنح
الجزائر استقاللها ،فقابلت فرنسا جموع المتظاهرين
بالنار وقصفتهم من األرض ومن الجو ومن البحر،
فاستشهد من الجزائريين نحو خمسة وأربعين ألف ًا
ُ
سقطوا على تراب الجزائر في يوم واحد (مجاهد).
101
واغتصب أرضهم وأكل خبزهم :أطعمنا معك من
خيرات أرضنا ،وارفق بنا في عدوانك علينا!
أح َس ْسنا حقيق ًة ببغضاء الفرنسيين فهل ْ
واإلنكليز؟ أال يزال فينا من يثني على اإلنكليز
المجندات
ّ ويودع
ّ في الصحف >تقريراً للحقيقة<
اإلنكليزيات باألسى >تقديراً للجمال<؟ أال يزال فينا
نواد أقيمت لتثبيت الصداقة بيننا وبين هؤالء الذين
فعلوا هذه األفاعيل في فلسطين والمغرب؟
فكيف يجتمع الحب والبغض في قلب واحد؟!
[هتاف المجد :من حديث الجهاد (])1947
ُ
102
-53-
الهل تعرفون قصة المحتال الذي وجد غني ًا مغ ّف ً
فأحب أن يسلبه ماله فباعه األهرام؟ إنه مجرم باع شيئ ًا
ال يملكه وأخذ به ثمن ًا ال يستحقه ،والذي اشترى
ممن ال َك الشيء الذي اشتراه ّ أحمق ألنه ظن أنه مل َ
يملكه.
تهمني
متخيلة ،فما ّ
َّ ربما كانت القصة مكذوبة
صحتها وال جئت أح ّقق خبرها بل جئت أروي قصة
مثلها ،من نوعها وجنسها ولكنها أكبر منها وأشد
-بعد -صحيحة ال
ُ ضرراً وأعمق في الشر أثراً ،وهي
يجادل أحد في صحتها.
قصة رجل وهب أرض ًا ال يملكها هو وال أبوه
وال قومه ،لمجموعة من اللصوص األشرار ما لهم
فيها ذرة من الحق ،وال َك ْه َرب واحد (إلكترون)
وهب فلسطين لليهود َ من كهارب الذرة الواحدة.
المالعين! وإن قلت مالعين فما أشتمهم ،بل أصفهم
الذين كفروا ِمن َبني
َ خب َر ربنا أنه فيهم{ :لُ ِع َن
بما َّ
مريم}. بن
داو َد وعيسى ِ إسرائيلَ على لِ ِ
سان ُ ْ
َ
[الذكريات ج :1ح])1982( 21
103
-54-
أال ليشهد العالم كله أن المسجد األقصى حق
صريح من حقوق المسلمين ،وأنهم ال يتنازلون عن
شبر منه لمخلوق ،ألن في ذلك تنازلهم عن دينهم
وعربيتهم ،عن إبائهم وشرفهم ،وهذا ما ال يكون قط
غير األرض والسماوات!األرض َ
ُ بدل َ
أو ُت َّ
يمر
ليس في العالم كله مسلم واحد يستطيع أن ّ
الزراية على اإلسالم فيبهذه الحوادث ،حوادث ِّ
ثالث مساجده ،حوادث االعتداء على المسلمين في
الحمية اإلسالمية وفي
ّ عقر دارهم ،وال تثور في رأسه
نفسه النخوة العربية ،فيغضب هلل ويغضب لدينه،
ولن يتأخر لحظة واحدة عن أن يبيع نفسه وماله من
اهلل بأن له الجنة.
ال واهلل ،ما كان اإلسالم أبداً دين ذلة وخضوع،
وما كان أبداً دين ضعف وعجز ،فال َي ُغ َّر ّن هذه
إن نهض لهم ما نومته ،فواهلل ْ
السنانير من هذا السبع ُ
َ
تبقى منهم باقية.
[مقاالت في كلمات :أال
ليشهد العالم كله (])1950
104
-55-
كان أول ما يطلبه اليهود (وقد أدركت هذا
كله) أن ُيسمح لهم بالهجرة إلى فلسطين ،ثم جاء
َمن يعدهم بأن يقيم لهم فيها وطن ًا وهو ال يملكها
وال َي ْن ُفذ وعده فيها ،ثم كان التقسيم الذي أبَيناه ثم
رجعنا نطالب به! ثم أخذوا ما كان فيه من قسمتهم
وما كان من قسمة غيرهم ،ثم لبثوا دهراً َي ْدعون إلى
المفاوضات ونحن نقول" :ال مفاوضات وال صلح
وال اعتراف" ،حتى دعوها بـ>الالءات العربية<.
فكيف تبدلت الحال فصرنا (أي صار أهل
سموه بمسيرة السالم؟!السياسة منا) يؤيدون ما ّ
يطلبون الصلح مع الحرامي الذي دخل الدار
والحرامي يشمخ بأنفه ويتكبر! ال لضعف فينا وال
لقوة له ،بل ألن من يقول تلك المقالة منا يصدر عن
ويعبر عن رأيه ،والعقولُ تخطئ وتصيب.وحي عقله ّ
ليسوا من علماء الدين الذين يهتدون بهديه ويسيرون
في طريقه فال يض ّلون أبداً.
[نصر من اهلل وفتح قريب (مقالة
غير منشورة في الكتب) (])1990
105
-56-
لما ِ
صحنا وطالبنا وشكونا إلى مجلس األمن ّ
عدا اللصوص العادون على حيفا ويافا وعكّ ا ،ثم
همنا وأقصى نسينا عكّ ا ويافا وحيفا وجعلنا أكبر ّ
مطالبنا بعد نكبة 1967المطالبة بإزالة آثار العدوان،
المطالبة باللسان ال بالسيف والسنان ،أي إبقاء ما كان
على ما كان!
ثم كانت فتنة الدعوة إلى السالم ،أي أن يصطلح
ال
صاحب البيت مع الحرامي ،فيترك له ما سرقه أو ً
ليرد إليه ما سرقه ثاني ًا ،فأمسك اللص بالسرقتين وزاد
ّ
عليهما سرقة بعض أرض لبنان!
إن
وما السبب في هذا كله؟ السبب أن المرء ْ
طرقه اللص طلب شرطة النجدة ،والشرطي هنا
يمده بالمال وبالسالح ليحمي أمنه.
حليف الحرامي ّ
أي أن من حقّ اللص إن دخل داراً غير داره وسرق
ما فيها وطرد أهلها ،من ح ّقه بمنطق هذا الشرطي أن
ينام آمن ًا فال يزعجه صاحب الدار عن منامه بحركته
أو بكالمه!
[الذكريات ج :2ح])1982( 44
106
-57-
زعم اليهود أنهم مظلومون ،وأنهم قد ُنكِّ ل بهم
وأُوذوا ،وأن هتلر أباد خضراءهم وقتل أبناءهم،
فتحركت >الرحمة!< في قلوب األقوياء من دول
األرض ،فأرادوا أن يجدوا لهم داراً فلم يجدوا إال
أرضنا! فأجبرونا أن نخرج من مساكننا وأن نمنحهم
خيرات بالدنا ،وجاء وزير المتمدنين الذين يلبسون
جلود ال ِّظباء على أجساد الذئاب ،فأعطاهم >وعداً<
بأن يجعل لهم من قلب بالدنا الملجأ ،هو يمنحهم ما
ال َي ْملك وهم ال يستحقون ما منح ،فكانت فضيحة
سمع بمثلها في حاضر وال التاريخ البشري التي لم ُي َ
غابر.
وها هم أوالء اليوم يدعوننا إلى السالم ونبذ
الحرب ،يقولون :أليس السالم خيراً لكم؟ فلماذا
زهق األرواح؟ُتراق الدماء و ُت َ
إن السالم الذي يدعوننا إليه كالسالم بين اللص
الذي اقتحم دارك وقتل بعض أهلك وسكن في بعض
منزلك ،فلما أردت أن تخرجه قال :انظروا إلى
ود َعوا إلى االجتماع على حرب >اإلرهابي<َ ...
ّ هذا
107
اإلرهاب .إننا نسمع كل يوم عن فلسطيني أُخذ بتهمة
>مقاومة االحتالل< ،فهل تكون تهم ًة مقاوم ُة الحرامي
المجرم الذي جاء يحتل دارك؟!
[هتاف المجد :قصتنا مع اليهود (])1989
ُ
108
-58-
كانت نسبة اليهود في بغداد إلى مجموع
سكانها أعلى نسبة ،أو من أعلى النسب في العالم،
حتى إن المرء ال يكاد يستطيع أن يشتري سلعة يوم
السبت! كانت الوظائف المالية في أيديهم ،وكان
في بغداد عند الجسر العتيق خان قديم أظن أن اسمه
خان الباشا ،فيه -كما فهمتِ -كبار ُت ّجار الجملة
والصرافون وأهل العملة ،وكثير منهم ،كثير جداً
ّ
من اليهود.
المدرسين وال كان الناس في ّ كنا نحن وما ّ
بغداد يفرقون -من كرم نفوسهم وطيب شمائلهم-
بين يهودي ومسلم .ما كان يضيع عليهم شيء من
حقهم ،بل كانوا يأخذون عشرة أضعافه ثم يسرقون
حق غيرهم! فلما قامت على أرض فلسطين هذه
الدولة اآلثمة الظالمة لتسلب العرب أرضهم وتسرق
وتتعدى على حريتهم وكرامتهم ،ال بقوتها ّ أموالهم
وبأسها ،فما كان اليهود أبداً أُولي بأس وقوة وال كانوا
أولي ُنبل وشهامة ،بل بقوة َمن يقوم وراءها يحميها
لما
ويمدها بما يزيد عدوانهاّ . ّ ويقويها على باطلها
قامت هذه الدولة نسوا تلك المعاملة التي كنا نعاملهم
109
وانضموا
ّ بها والتي لم يجدوا مثلها من أمة من األمم،
إلى دولة إسرائيل.
فضل أجدادنا!
َ أجدادهم
ُ أنكروا فضلنا كما جحد
وهذه هي أخالق اليهود في كل زمان ومكان ،اليهود
كلهم ال الصهيونيون فقط ،ال فرق بين يهودي
وصهيوني ،تتبدل الثياب وال يتبدل َمن فيها.
[الذكريات ج :4ح])1984( 100
110
-59-
إن أهل فلسطين إخواننا وأشقاؤنا ،لهم علينا،
على العرب كلهم ،على المسلمين جميع ًا ،حق
الشقيق على الشقيق .وإن هذه األرض الحبيبة،
أرض فلسطين ،وطننا ،وطن العرب كلهم ،وطن
المسلمين جميع ًا ،ولها علينا حق األوطان على
أهلها ،وإن فيها من ذكريات البطولة والمجد ما يهز
القلوب ويثير العزائم.
واألخوة ،وأكبر
ّ الن َسب
ولكن القضية أكبر من ّ
من الوطن والوطنية ،وأكبر من النخوة والحماسة.
إنها قضية دين وعقيدة؛ إن كل مسلم يدخل المسجد
األقصى ويقوم حيال الصخرة ينسى كل شيء إال
ال من منازل أن ههنا موطن ًا من مواطن الروح ،منز ً ّ
ويبذَ ل في
سترخص في سبيله األرواح ُ َ ال ُق ُدسُ ،ت
سبيله كل شيء .إنها قضية جهاد في سبيل اهلل ،واهلل
هو الباقي إذا ذهبت البطوالت واألمجاد ،وصحف
الحسنات هي الخالدة إذا فنيت صحف التاريخ ،وما
المتصل.
كان هلل فهو ّ
منصف في الدنيا
ٌ ثم إنها قضية حق ال يستطيع
111
إال أن يكون معها .وهل في الدنيا منصف واحد،
يقدر إنسانيته،
هل فيها رجل يحترم رجولته وإنسان ّ
ُي ِق ّر منطق الصهيونية وأنصارها :يا صاحب الدار،
إني أريد أن أسكن في دارك ،فاخرج منها وتنازل لي
عنها وإال ذبحتك وذبحت أوالدك؟!
سنة اهلل في هذه الدنيا أن
الحق معنا ،ولكن ّ
الحق إن لم تكن معه القوة سطا عليه الباطل حين ًا.
تر ْكنا سنة اهلل
لما َ
وللباطل جولة ثم يضمحل ،ونحن ّ
بقوتنا كان ما كان في فلسطين.
ولم َن ْح ِم ح ّقنا ّ
[هتاف المجد :يا أهل فلسطين (])1957
ُ
112
-60-
ال يقل واحد منكم :أنا ال يعنيني.
كل واحد منكم مسؤول ،كل واحد بحسب
الشحاد يستطيع أن يساعد فلسطين بقرش في
ّ طاقته:
()1
الشهر .قرش في الشهر ،وفرنك في الشهر ،وورقة
في الشهر ،وخمس أوراق في الشهر تحيي فلسطين!
القراء وينتحب ،ثم ينام وال يدفع سيبكي بعض ّ
سيهز بعض الموظفين أكتافه ويقول" :أنا ال ّ شيئ ًا.
أشتغل بالسياسة" ،ثم يذهب إلى السينما أو البار أو
دار القمار! سيفرك الشيخ ك ّفه ويقول" :إ ّنا هلل وإ ّنا
إليه راجعون" ،ثم يذهب َي ُع ّد قروشه على سبحته!
سيلوح التاجر بيديه ويقول" :التجارة واقفة ،ماذا ّ
نصنع؟" ثم يذهب إلى السوق ليشتري بسبعين قرش ًا
طعام يوم واحد!
َ
_________________
(> )1الورقة< هو االسم الدارج في الشام ل ّليرة ،و>الفرنك<
هو االسم الذي كانوا يطلقونه على القطعة النقدية
ذات الخمسة القروش (أي أنه جزء من عشرين جزءاً
من الليرة) ،وكان وأنا صغير أقلَّ َو ْحدة نقد ،وقد
انقرض اليوم ولم يعد له وجود (مجاهد).
113
يا أيها الناس :إن المئات من النساء َي ُد ْرن في
الطرقات جائعات عاريات ،في مدن فلسطين وفي
يتطوع للبحث عنهن ومساعدتهن؟ فمن ّأراضي الشامَ .
يتقدم فيستأجر لهن الدور ويجمع من الناس فينفق من ّ
عليهن؟
يبق في
أتذهب هذه الكلمة صيح ًة في واد؟ ألم َ
يبق شريف؟ ألم يبق
يبق عربي؟ ألم َ
البلد مسلم؟ ألم َ
إنسان؟ أتعاد مأساة أندلس جديدة وأنتم تنظرون؟
يكف هذا الموقف المخجل الذي وقفه زعماء ِ ألم
مقصرة؟
العربية أيض ًا ّ
ّ العرب؟ أتكون الشعوب
مرت على فلسطين ،ال البائعمئة وعشرة أيام ّ
باع فيها وال الصانع اشتغل وال األجير أخذ أجرته،
فمن أين يعيش فقراء فلسطين؟ من أين يجدون ثمن
تفكروا في هذا؟ ألم يخطر لكم على بال؟
الخبز؟ ألم ّ
أتأكلون وتشربون وتلعبون وتطربون وأهل فلسطين
()1
يموتون؟ يا للعار!
أما إنها واهلل ليست مسألة كالم ُيقال وال مقالة
_________________
( )1نشر علي الطنطاوي رحمه اهلل هذه المقالة أيام
اإلضراب الكبير سنة ( 1936مجاهد).
114
كتب وال خطبة ُتخطَب ،ولكنها مسألة حياة أو ُت َ
يمد إليه يداً،
فتب ًا لمن ينظر أخاه يموت وال ّ
موتّ ،
وسحق ًا لمن يرى أخته تموت من الجوع وال يقدم ُ
لها رغيف ًا .إن من يفعل هذا ليس مسلم ًا وال عربي ًا
وال إنسان ًا!
[هتاف المجد :يا للعار (])1936
ُ
115
-61-
إن َمن يسمع صوت قطة في الشارع تموء من ّ
يدق جاره بالمطرقة
األلم ال يستطيع أن ينام ،ومن ّ
على جداره ال يستطيع أن ينام ،فكيف ننام وأصوات
المشردين الهائمين من األطفال والعجائز ،من النساء
َّ
والضعفاء ،تمأل آذاننا ،تخرج من شقوق الخيام التي
ومرت في جوانبها ،وأثقلها الثلج الذي
مزقتها الرياح ّ
ّ
وجمدها ،في جبال األفغانهبط عليها ول ّفها الصقيع ّ
وفي المخيمات في لبنان؟
أتنامون على أصواب االستغاثة من حلوق
إخوانكم وأخواتكم ،على أصوات المدافع والصواريخ
يصبها عليهم أعداؤهم وأعداؤكم؟
ّ
هل تستطيعون أن تأكلوا وتشربوا وتضحكوا
وتمزحوا ،وإخوانكم هناك في فلسطين؟ قولوا
>فلسطين< وال تقولوا الضفة وال القطاع فتعينوا
الصهيونيين على ما يريدون من محو اسم فلسطين.
اليهود ويؤذون نساءهم،
ُ إخوانكم هناك يذبح أبناءهم
ينسفون منازلهم ،يهدمون معاقلهم ،يسرقون
أرضهم ،كاللص يدخل عليك في الظالم دارك
116
فيحتل جانب ًا منها فيدعوك إلى التفاوض .أفيفاوض
ّ
رب الدار الحرامي؟ إذن فعلى العقل وعلى العدل ّ
السالم.
بالحق أمسكوا به
ّ وإن قام من أوالدك من يطلب
وأحالوه إلى محاكمهم ،إلى محاكم الحرامية ،بتهمة
وأشد
ّ مقاومة االحتالل! ويلكم ما أصفق وجوهكم
احت ّلت بالده ظلم ًا ال
وقاحتكم! أفي الدنيا شعب ُ
يقاوم االحتالل؟ إن مقاومة االحتالل فضيلة ،بل هي
فريضة ،وال ُت َع ّد جريمة إال في شريعة خنازير البشر
إخوان >الشين< :شارون وشامير والشيطان الرجيم،
الذين هم إخوانه وأعوانه لعنة اهلل عليه وعليهم.
مهتكات،
كم من أمهات هناك ثاكالت وبنات ّ
وأعزة كرام
ّ مخربات ودموع مسفوحات، َّ وبيوت
ذلّوا وأغنياء احتاجواُ ،ش ّردوا وسكنوا بعد القصور
الخيام ،وصاروا بعد البذل والعطاء محتاجين إلى
القوت وإلى الغطاء .فإن لم تدافعوا عنهم بالسالح
ولم تبذلوا من أجلهم األرواح فجودوا باألموال ،فإن
الجود باألموال نوع من الجهاد.
[الذكريات ج :8ح])1987( 226
117
-62-
ونحذر ،نقول:ّ مرت خمسون سنة ونحن ُننْذر ّ
وأخس البشر ،فهل رأيتم من ّ إننا في حرب مع أمكر
يعيش في الحرب مثل عيشه في السلم؟ هل رأيتم من
ينفق فيها على السرف والترف والكماليات ،بل على
ما ال صلة له بالكمال ،ما فيه إال النقص والعار؟ ننفق
نصب في هذه البالوعة ما لو و ّفرناه
ّ وال نزال ننفق!
لكان لنا منه جيش ينقذ فلسطين ويخلص كل بلد
مسلم يعاني مثل الذي تعاني فلسطين.
هرة مريضة تموء في طالما قلت للناس :إن ّ
شباكك تطرد من عيونك النوم ،فكيف الشارع تحت ّ
يئن ويشكو تنام ومن إخوانك العرب المسلمين من ّ
جاره مسماراًويمزق من بكائه سكون الليل؟ من يدق ُ
في جداره يفيق مذعوراً ويتعذر عليه المنام ،فكيف
دورهم
المدافع َ
ُ تنام وفي األرض عرب مسلمون تدك
وتهدم بيو َتهم ،مدافع أصداؤها تمأل الدنيا ،أفال
تسمعها؟
خمسون سنة ونحن نقول إن فلسطين أمانة في
عنق كل عربي ،عقيدة في قلب كل مسلم ،فأنقذوها؛
118
نبيكم ،قبلتكمأنقذوا المسجد األقصى ،مسرى ّ
األولى .ال تنفقوا قرش ًا بعد نفقتكم ونفقة عيالكم
إال على فلسطين ،ال تبذلوا جهداً بعد الضروري من
جهودكم لتأمين معيشتكم إال على فلسطين .إن اليهود
يعملون على سرقتها كا ّفة فاعملوا أنتم على استردادها
كا ّفة .قاتلوا مجاهدين في سبيل اهلل ال لمجرد استرداد
ستر ّد بالجهاد الذي معه عون اهلل،
األرض ،فاألرض ُت َ
ولكن عون اهلل ال يأتي لمجرد القتال لألرض .ال
تيأسوا فإنه ال ييأس من َروح اهلل إال القوم الكافرون.
[الذكريات ج :2ح])1983( 62
119
-63-
ل ّقنوا أوالدكم مع حليب األمهات وجوب
الجهاد السترداد فلسطين ،ع ّلموهم كلمة >فلسطين<
مع كلمة >بابا< و>ماما< .فإذا كنا نحن -مع األسف-
جيل الهزيمة ُلبعدنا عن ديننا واختالفنا في أمرنا،
فسيظهر منهم جيل النصر ،ولو بعد خمسين سنة أو
مئة سنة.
أما لب َثت القدس بأيدي من كانوا أقوى من
اليهود نحواً من مئة سنة؟ فما احتاج استردادها إال
لمن يطوي راية الجاهلية وينشر راية اإلسالم ،ويرمي
َ
السيف الذي استعاره من الكافر ويضرب بسيف
وي ْدعو بدعوة الحق.
ويدع دعوة الباطل َ
محمد ’َ ،
إن نسيتم فاقرؤوا تاريخ عماد الدين ونور الدين
كنا فيه أكثر
وصالح الدين ،الذين قاموا في زمان ّ
انقسام ًا وأشد اختالف ًا؛ كان في سوريا وحدها عشر
وش ْيزر
حكومات إسالمية وصليبية ،كانت حماة دولة َ
دولة ،كان في َصرخد (وهي قرية في جبل الدروز)
دولة! فلما جاءت دعوة اإلسالم محت دول الباطل،
دول الضعف واالنقسام ،وأقامت دولة الوحدة تحت
120
راية التوحيد .لقد أضعنا أيام ًا كثيرة وفرص ًا كثيرة،
ولكن ال يزال تدارك األمر ممكن ًا.
تقولون :بماذا؟ بتغيير هذه الحال .تقولون:
كيف نغيّر هذه الحال؟
غير ما
هلل ال ُي ّ
{إن ا َ
لقد شرح اهلل لنا القانونّ :
غيرنا ما بأنفسنا؟ ِ
بأنفسهم} .فهل ّ غيروا ما
ب َقوم حتى ُي ّ
طهرناها من أوضار الشبهات وأدران الشهوات؟ هل ّ
بتفرقنا اجتماع ًا على كتاب اهلل؟ هل سددنا
بدلنا ّ هل ّ
الجان
ّ آذاننا عن وسواس الشيطان من اإلنس ومن
وفتحناها لنداء الرحمن؟
ِ
{وأع ّدوا أمرنا اهلل أن ُن ِع ّد السالح للمعركة فقال:
َ
القوة وال بد ّ من بد فال ة}. و
ُّ ق ن م ِ م استطعت
ُ لهم ما
من السالح ،ولكن هل ُن ِع ّده ألن النصر مقرون دوم ًا
عدو
رهبون به َّ وحتم ًا بالسالح؟ ال ،بل لإلرهاب{ :ت ُ ِ
عند اهلل} .وأنزل َ وع ُد َّوكم} {وما ال َّنصر إال ِمن ِ اهلل َ
ُ
له اهلل
اهلل يوم بدر مالئكة ،ولكن للتطمين{ :وما َج َع ُ
لوبكم} ال للنصر فالنصر من ئن به ُق ُ
طم َّ ِ
شرى ول َت َ
إال ُب َ
اهلل ،مع المالئكة ومن غير أن تنزل مالئكة ،فاطلبوه
منه بعد استعدادكم له.
هذه عقيدة المؤمن وهذا تفكيره وهذه نفسيته،
121
يعمل كل ما يقدر عليه ولكن ال يعتمد عليه وحده،
ووحده التوحيد الكامل وجاهد
بل على قوة من آمن به ّ
في سبيله.
[الذكريات ج :2ح])1983( 62
122
-64-
عدنا إلى اللجان والوفود والبحوث والدراسات.
واليهود
ُ لم ِ
يكفنا أنا اشتغلنا بالمؤتمرات والتصريحات
يستعدون ،وأنّا عقدنا الهدنة ونحن يومئذ الغالبون،
حتى جئنا اليوم نوفد الوفود ونتسلى بالكالم وفلسطين
يملكها الصهيونيون.
هم أوقعوا األمر ونحن رضينا بـ>األمر الواقع<،
وهم أخذوا ديارنا قسراً ونحن نطلب منهم >السماح<
لنا بالعودة إلى ديارنا ،وهم >جمدوا< أموالنا غصب ًا
ونحن >نسألهم< أن يعيدوا إلينا أموالنا ،وهم عصوا
هيئة األمم ونحن أطعنا ،وهم فعلوا ونحن قلنا ،وهم
نجحوا ونحن ُخذلنا .وهم أقل من مليون من نفايات
األمم ،ونحن سبع دول فيها أكثر من أربعين مليون ًا!
كأننا نحن اليهود أهل ِ
الذلّة والمسكنة ،وهم
العرب أولو العزة واإلباء!
ولكن ال ،ال واهلل ما ذل العرب وال عزت
يهود .وإ ّنا -على ما عر َفنا التاريخ -أمة البذل واإلقدام
والبطوالت ،ما فقدنا سالئقنا ولكن فقدنا قادتنا.
من قادتنا البالء ومن زعمائنا ،من الذين كانوا
123
منقسمين على أنفسهم في فلسطين يوم كان زعماء
اليهود متحدين ،من الذين كانوا يبتغون لذائذ الزعامة
وقصورها وبذخها ووالئمها ورحالتها يوم كان زعماء
اليهود ال ينفقون قرش ًا في غير السالح والعتاد ،من
الذين كانوا يملؤون الدنيا كالم ًا فيكشفون أسرارهم
للقريب والبعيد يوم كان زعماء اليهود يستعدون
صامتين ،من الذين عملوا ألطماعهم وشهوات
نفوسهم يوم كان زعماء اليهود ال يعملون إال لقضيتهم
وحدها ،من الذين كانوا لعبة في أيدي أميركا وإنكلترا
يوم كان زعماء اليهود يلعبون بإنكلترا وأميركا...
فهل اعتبر هؤالء اآلن؟ هل علموا أن مدافع
سمع ،وأن ِ ِ
المح ّق فال ُت َ
المبطل تضيع معها خطب ُ ُ
الدنيا لمن غلب؟ هل اعتبروا اآلن وفهموا؟ فماذا
ينتظرون؟ أليست فلسطين لنا؟ أليست ديارنا؟ أليس
الصهيونيون لصوص ًا غاصبين؟ فإلى متى يبيت
صاحب البيت في الشارع والمسدس في يده واللص
ينام في البيت على السرير؟
أتريدون أن نصير َم َع ّرة تاريخ العرب وأن يلعننا
األحفاد؟
[كلمات صغيرة :نحن واليهود (])1951
124
-65-
لقد كتبنا نقول إن اليهود يستعدون ونحن
نائمون ،وإنهم َي ِج ّدون ونحن هازلون ،نستثير
بذلك الهمم ونستفز العزائم ،ولكنا جاوزنا الحد
وأربينا على المدى فانقلبت الدعوة شراً وضراً ،إذ
صار الناس يتوهمون في اليهود قوة وبأس ًا ويحسبون
لهم حساب ًا ،فوجب علينا أن نعود فنكشف لهم عن
الحقيقة وندلّهم على الواقع.
والحقيقة هي التي ترونها وتسمعونها كل يوم.
أال تسمعون أن جماعات من جند يهود يهجمون
بأسلحتهم الحديثة وعتادهم الجديد ومدافعهم الثقيلة
على القرى العربية في المنطقة الحرام ،فيردهم أهلها
أقبح الرد ويقتلون منهم ويأسرون؟ هذا وهم بدو
أو فالحون جاهلون ما درسوا فن القتال وال عرفوا
أساليب الحروب ،فكيف إن القوا الجيش العربي
المنظم؟
هذه هي حقيقة اليهود :إنهم ال يزالون أهل
الجبن والمذلة ،وال َيل َقون عرب ًا في ميدان إال ظفر
بهم العرب ،ولو لم ُتخدع الدول العربية يومئذ بخدع
125
أميركا وإنكلترا وتهادن تلك الهدنة أللقي اليهود في
البحر.
غير
فال تخشوا اليهود وال تظنوا أن السالح ّ
طبائعهم؛ إن السيف في يد الجبان عثرة له عند
ال ،ولكنه
الهرب .وما هذا الذي أقول حماسة وال خيا ً
الحق الذي وقع أمس وما قبله.
وال تخشوا اليهود وال تجزعوا من المال الذي
أمدتهم به أميركا والسالح الذي أعطتهم ،فإنهم ال
يقومون بهذا كله لدولة واحدة من دول العرب .ولكن
ال تستهينوا بهم وتقعدوا عن االستعداد لهم وتطمئنوا
إلى شجاعتكم وجبنهم وعزتكم وذلهم ،فإن الرجل
وإن بالغ
يستعد له غلبه العدوْ ،
ّ إن احتقر عدوه فلم
في خشيته وانقطع قلبه من خوفه لم يستطع أن يحاربه.
[كلمات صغيرة :ال تخافوا اليهود (])1949
126
-66-
هزم
نعم؛ لقد ُهزمنا في فلسطين ،ولكنها لم ُت َ
فينا إال األخالق التي قبسناها من غيرنا وتركنا لها
أخالقنا .ما ُهزم إال التردد واالختالف والثرثرة
مصالحهم على َ والكالم الفارغ ،وإيثار الزعماء
مصالح األمة ،واتخاذ اإلنكليز واألميركان أولياء...
ّأما سالئق العروبة ،أما خالئق اإلسالم ،أما اإلرث
-معشر العرب-
َ الذي تركه محمد ’ في عروقنا
هزم ولن يهزم أبداً.
وص َّبه في دمائنا ،فلم ُي َ
َ
وإن لكل أمة أيام ًا لها وأيام ًا عليها ،وليس العار
أن ُيغلَب البطل ،ولكن العار أن يجزع ِمن َ
الغلَب
مر علينا في تاريخنا
ويرضاه وال يعاود الكفاح .ولقد ّ
ال ،لقد قامت في هذه البقعة من مصائب أشد هو ً
فلسطين دولة أقوى من هذه الدولة الكسيحة ،دولة
زحفت أوربا كلها لتقيمها وتحميها فعاشت أكثر من
مئة سنة ،فأين هي اليوم؟ هدمها رجل واحد اسمه
صالح الدين.
فال تجزعوا كثيراً من ضياع فلسطين ،بل
اجزعوا من المصيبة التي هي أكبر من ضياع فلسطين
127
ومن ضياع بالد العروبة كلها ال أذن اهلل .أتدرون ما
هي؟ هي أن تخسروا إيمانكم بأنفسكم وماضيكم،
وأن تفقدوا كبرياءكم وتنسوا عزتكم وتجهلوا مكانكم
في هذه الدنيا.
تلك هي المصيبة حق ًا ،ولن تكون أبداً .ولئن
داخل الضعف نفوس ًا قد اكتهلت وشاخت في ظالم
الماضي القريب ،فسيكون من هؤالء األطفال شعب
ذكريات عشرة
ُ دمه
نشأ في نور االستقالل ،وستلهب َ
آالف معركة مظفَّرة خاضها الجدود ،وستدفعه إلى
يطهر أرض الوطن من ميادين التضحية والبذل حتى ّ
إسرائيل ،ويغسل بالدم هذه الصفحة التي كتبها في
تاريخنا التردد والتخاذل واالنقسام ،وحتى يعيد مجد
الماضي ،فيقرأ الطالب في المدارس بعد حين خبر
هذه الدولة التي قامت يوم ًا في فلسطين باسم دولة
>إسرائيل< كما نقرأ نحن اليوم خبر الدولة التي أقامتها
جموع الصليبيين.
ُ من قبلُ
ومن َش َّك في هذا لم يكن عربي ًا ،ولم يكن
َ
مسلم ًا.
[مقاالت في كلمات:
نعم ،لقد هزمنا! (])1951
128
-67-
إننا ما ُهزمنا في حزيران (يونيو) سنة سبع
وستين ،بل ُهزمت فينا المبادئ المخالفة لإلسالم،
عدوناُ ،هزم فينا
ُهزمت فينا الخالئق التي أخذناها من ّ
ُخ ُلق االنقسامُ ،خ ُلق التردد واالنحراف.
على أن الهزائم ال تقتل األمم .كل أمة في
الدنيا َتغ ِلب و ُتغلَب ،ولكن العاقبة لمن يثبت على
حقه ويعاود المعركة من جديد .بولندة ُمحيت من
خريطة أوربا عدت مرات ثم أعيدت ،ورسول اهلل ’
رد الهزيمةانهزمت جيوشه مرتين ،ولكنه سرعان ما ّ
وحولها إلى نصر .لقد كان -عليه الصالة والسالم- ّ
متحلي ًا بالروح الرياضية ،فال ُيطغيه االنتصار وال
َت ْحطمه الهزيمة ،بل يتخذ من المعركة درس ًا ينفعه
في معركة أخرى.
[المقدمات :مقدمة كتاب >عبقرية
خالد بن الوليد العسكرية< (])1986
129
-68-
إننا لم ُنغلَب في فلسطين ،إنما ُغ ِلبت فينا خالئق
الثقة باألعداء واإلصغاء لهم واالسترشاد برأيهم،
حتى منعونا (أو منعوا جيوش ًا من جيوشنا العربية)
من أن تقاتل ،ثم دفعونا دفع ًا إلى هذه الهدنة على
شر علينا من المستعمر، أيدي رجال هم منا ولكنهم ٌّ
عدو سافر وهؤالء أعداء مق َّنعون .على ألن المستعمر ّ
أيدي رجال َشبُّوا وشابوا على الوالء للمستعمر،
ويخلصون له ربهُ ،المؤمن َّ
ُ يوالونه أكثر مما يوالي
أكثر من إخالص المص ّلي لمواله ،يكونون نِعاج ًا بين
يديه ،فإذا خرجوا على شعوبهم لبسوا فوق النعجة
جلدة األسد؛ هؤالء هم الذين جعلونا ُنغلَب في
فلسطين.
اليهود ،يجب أن يفهم كل عربي ُ وما َغل ََبنا
يسمع حديثي أن الذين غلبونا ليسوا اليهود بل اإلنكليز
واألميركان ،وما غلبونا في ساحة المعركة المكشوفة،
بالدس والكيد واستغالل رجال هم خائنون لنا، ّ بل
ونحن مع ذلك نولّيهم علينا و ُنحكّ مهم فينا.
هذه حقيقة يجب أن يفهمها كل رجل وكل
130
امرأة وكل طفل ،وأن يع ّلمها المعلمون تالميذَ هم
في دروس التاريخ ،وأن يع ّلموهم معها أننا نستطيع
أن نطرد اليهود في كل وقت إذا تركتنا هذه الدول
نعمل ،إذا تركونا نستعمل حقنا المشروع في الدفاع
صد ْقنا العزم -أن نطردهم
عن أنفسنا .إننا نستطيع -إذا َ
على رغم هؤالء الكبار ،بل نستطيع أن نحارب الدول
الكبار نفسها .وهذا دليلي قائم ًا ،هذا الدليل المشهود
ردت هذه البلد ُة الواحدة الصغيرةفي بور سعيد :أما ّ
إنكلترا وفرنسا تنبح معهما كالب األرض اليهود؟
[هتاف المجد :ال تنسوا فلسطين (])1957
ُ
131
-69-
ال يا أستاذ ،ال واهلل! ليس الشعب العربي،
ولكن رؤساءه وقادته هم الذين أضاعوا فلسطين ،ال
ّ
الشعب ،وهم الذين أخطؤوا أو أجرموا ،لم يجرم
الشعب.
إن هذا الشعب العربي أطيب شعوب األرض
وأصفاها جوهراً وأدناها إلى الخير وأسرعها إلى
يلبي كل داع يدعوه إلىالبذل .إن هذا الشعب ّ
التضحية ،ال يتأخر وال يتردد .قم في أي بلد عربي،
فادع باسم
ادع باسم األرض أو باسم العرض ،أو ُ ثم ُ
الدين ،ثم انظر ماذا يصنع الناس؟
هذا هو إرث الماضي فينا ،هذه هي ذكريات
األمجاد في أعصابنا ،هذه هي قوة اإليمان في قلوبنا.
إننا ال نستطيع أن نقعد إذا ُدعينا إلى الجهاد ،ألن
ال على رغم محمداً ’ جعل كل رجل من أمته بط ً
أنفه.
إن الشعب يريد ممن يدعوه إلى البذل أن يبدأ
بنفسه فيبذل ،وممن يدفعه إلى الجهاد أن يمشي
على رأس الصف إلى ميدان الجهاد ،يريد زعماء
132
يشاركونه َنعماءه وبأساءه ،يجوعون معه إن جاع
ويتعبون إن تعب ،يريد زعماء يقتدون بسيرة محمد
وأبي بكر وعمر ،ال يكذبون إن خطبوا الناس ،وال
َي ْدعونهم إلى الموت ويطلبون ألنفسهم الحياة ،وال
الم ْنع،
يرغبونهم في العطاء ويغلقون صناديقهم على َ
ّ
وال يضيعون مصلحة األمة ووحدتها من أجل كرسي.
يا أستاذ ،هات لي زعيم ًا واحداً من هؤالء
وأنا أضمن لك أن نطرد بني إسرائيل من فلسطين
بالعصي والخناجر .هات لي مثل صالح الدين وخذ
مثل نصر حطين ،هات لي خالد بن الوليد وخذ مثل
ظفر اليرموك.
ال يا أستاذ ،إننا ما فقدنا سالئقنا وال أضعنا
جوهرنا ،ولكن فقدنا القادة الصالحين.
[مقاالت في كلمات :جواب (])1950
133
-70-
قد يقول قائل :فلماذا إذن ضاعت فلسطين؟
إن ضياع فلسطين جريمة ستحكم فيها محكمة
وح ُجب
التاريخ حين تسقط قيود المنافع والمجامالت ُ
الخفي ويفتضح المزور،
ّ الجهل والغفلة وينكشف
عندئذ يستطيع التاريخ أن يح ّقق في هذه األحداث
وأن يكشف مالبساتها ويحدد المسؤول عنها .على
أن المحكمة الكبرى هي التي تكون يوم الحساب بين
يدي رب األرباب ،يوم ال تخفى عليه خافية ،يوم ال َ
ينفع مال وال بنون وال جند وال أعوان.
بالعدد ،وإن كانت كثرة العدد
إن النصر يكون َ
والعدد
َ الع َدد الكافية.
ال ُتجدي إن لم يكن معها ُ
والسالح ال ينفعان إن لم يكن معهما العلم ،وهذا
كله ال يأتي إال بالمال.
فهل ينقصنا نحن المسلمين العدد؟ نحن ألف
مليون واليهود بضعة ماليين ،لو أننا (وعفوكم عني
إن جئت بمثال بشع) لو أن كل مسلم بصق بصقة
وجمعت هذه ُ
ألغرِق يهود العالَم ،ولو أنه نفخ نفخة ُ
ألطارتهم ،ولو ألقى عليهم كل واحد نعله
َ النفخات
134
ودفنوا في قبر من النعال!
القديم لماتوا ُ
وإذا كان العدد ال ينقصنا ،وإذا كان ما عند
مما عند اليهود ،وإذا المسلمين من السالح أكثر ّ
كان مجموع العلماء من المسلمين ،العلماء بالطبيعة
وعلومها ،أكثر مما عند اليهود ،وإذا كنا معشر
المسلمين جميع ًا نملك من المال أكثر مما عند اليهود،
فما الذي ينقصنا؟
إذا كان ال ينقصنا العدد وال ينقصنا المال وال
ينقصنا السالح وال ينقصنا العلم ،فما الذي ينقصنا؟
إن الذي ينقصنا هو اإليمان :أن نكون مع اهلل حتى
يكون اهلل معنا ،أن ُندخل اإلسالم في المعركة،
فال نجعلها معركة استرداد األرض فقط وال نجعلها
فلسطينية فقط وال عربية فقط ،بل نجعلها معركة
إسالمية .إنها قضية المسلمين جميع ًا ليست قضية
العرب وحدهم.
[الذكريات ج :5ح])1984( 133
135
-71-
كان دريد العصر هو فارس الخوري ،الذي رأى
ضل عنها السارون فقال لنا :إن قضيةالجادة حين ّ ّ
ل في أروقة هيئة األمم ،ولكن ُت َحلفلسطين ال ُت َح ّ
على سفوح الكرمل وشواطئ يافا وهضاب القدس،
وال ُت َحل بالخطب واألشعار ولكن بالحديد والنار.
أسجلها له هنا وأن
كلمة الحق ،من الحق أن ّ
أقرر أنه كان أول من عرف الطريق ،الطريق الذي
وحده إلى
َ رأيناه اآلن جميع ًا .الطريق الذي يوصل
استعادة الحق المسلوب والنصر الضائع ،طريق
المعركة الحمراء التي ال يظفر فيها إال من حمل
سالحين :سالح اإليمان في قلبه ،وسالح البارود
في يده.
[هتاف المجد :إلى السالح
ُ
يا عرب (])1954( )2
136
-72-
هذي أول مرة تدرك فيها الحكومات أن ساحة
المعركة ليست في ليك ساكس وال في نيويورك،
وأن سالحها ليس الخطب وال المذكرات ،ولكن
المعركة هنا ،في فلسطين ،والسالح هو الدم والنار
والحديد .هذا هو الطريق ،قد وضعتم اآلن أقدامكم
عليه فسيروا قدم ًا .اضربوا ضربة الحق ودعوا اليهود
يشتكون هم إلى مجلس األمن ،فلقد كنا في المدرسة
نحتقر التلميذ الذي ال يستطيع أن يدفع عن نفسه الشر
فيذهب باكي ًا إلى المعلم ،فيقول بصوت رخو وعين
دامعة وشفة مقلوبة :أستاذ ،هذا ضربني!
نحن ال نريد أن نظلم أحداً ،ولكنا ال نريد أن
نكون كعير الحي ،وال الوتد ،وال الشاة بين أنياب
الذئب .إننا نحب أن نتأدب بأدب القرآن الكريمَ ،جلَّ
{وم ِن
َ تقدس من قول: من أدب ،ونأخذ بقول اهللّ ،
اعتدى عليكم}. ثل ما َ فاع َتدوا عليه ِ
بم ِ اعتدى عليكم ْ
َمن ضربكم بالمدافع فاضربوه بمثلها ،ال تضربوه
وأدبوه، بالكالم ،ومن أخذ اإلبل فاستردوا منه اإلبل ّ
ال توسعوه شتم ًا >وأودى باإلبل<! وإن صادر اليهود
أموالكم فصادروا أنتم أموال اليهود ،وإن طردوكم
137
من منازلكم فاسترجعوا أنتم -على األقل -هذه
المنازل ،واطردوهم منها كما طردوكم.
استطعتم ِمن ُق ّوة} ،ودعوا
ُ {و َأ ِع ّدو لهم ما
الكماليات ،ووفروا المال ،واشتروا السالح،
الفتوة ،وافتحوا معسكرات التدريب، ّ وانشروا نظام
واجعلوا البلد كلها ثكنة كبيرة.
إن اللغة التي يفهم بها البشر اليوم هي لغة
ِ
األس َّنة، وحد
ّ المدفع ،والحق على شفار السيوف
ال بأطراف األلسنة وال بصحائف الكتب .فال تتكلموا
بعد اليوم إال بلغة المدفع!
[كلمات صغيرة :خاطبوهم
بلغة المدفع (])1951
138
-73-
والمفسدين في األرض
تمنيت لو أن اللصوص ُ
اجتمعوا في مكان محصور ،إذن لهان الوصول إليهم
وإصالحهم أو القضاء عليهم .ولو اجتمع البعوض
كله في موضع واحد ل ُقضي على البعوض ،ألن نجاته
ويفر
ويضر ّّ تفرقه واختفائه ،وأنه يضرب ويهرب
في ّ
يوصل إليه.
فال َ
وشر من الحشرات والبعوض وجراثيم ٌّ
واجتماعهم في فلسطين ُ قوم بيغن وشامير، األمراض ُ
من بشائر القضاء عليهم وأن نرى تأويل قوله تعالى
{وقضينا إلى َبني إسرائيلَ في َ فيهم (وقولُه الحق):
ين َول ََت ْعلُ َّن ُع ُل ّواً كبيراً،
مر َت ِ
األرض َّ
ِ الكتاب َلتُ ِ
فس ُد َّن في
ُوالهما َب َعثنا عليكم ِعباداً لنا أولي ٍ
بأس عد أ ُ فإذا جاء َو ُ
الديا ِر وكان َوعداً َمفعو ً
ال}. فجاسوا ِخالل ِّ َش ٍ
ديد َ
[فصول في الثقافة واألدب:
وقفة عند ريع اللصوص (])1986
139
-74-
إن قيام دولة إسرائيل دليل على تلك البشارة
بش َرنا بها رسول اهلل -عليه الصالة والسالم -بأننا
التي ّ
سنقاتل اليهود فنقتلهم.
كيف نقاتلهم وهم متفرقون؟ وهل يكون القتال
إال بين جيش وجيش؟ فلو لم يتجمعوا في فلسطين
ولم يقيموا دولة ،فكيف يتم القتال بيننا وبينهم؟ كيف
تتحقق البشارة وهم متفرقون فوق كل أرض وتحت
كل كوكب؟
ص يقينكم بوعد فال تشكّ وا بأنفسكم ،وال َي ْن ُق ْ
ربكم ،وثقوا أنكم إن كنتم جنداً هلل فإن جند اهلل
الغالِبون}.
ندنا ل َُه ُم َ
{وإن ُج َ
ّ منصور دائم ًا:
ٌ
[المقدمات :مقدمة كتاب >عبقرية
خالد بن الوليد العسكرية< (])1986
140
-75-
قيام هذه الدولة بداي ُة النص ِر لنا والدما ِر
إن َ
ألهلها ،الدولة التي أقامها لهم الناس ما أقاموها هم،
وما كانوا يوم ًا قادرين على إقامة دولة .ما أقاموها
بسواعدهم وال بسالحهم ،ولكنها سواعد قوم آخرين
والسالح من أولئك القوم اآلخرين.
إن كان بلفور أعطاهم وعداً فإن رب بلفور، ْ
رب السموات واألرض ،أعطانا وعداً أصدق منه
حين قال لنا رسوله> :ل َُتقاتِل ُّن اليهود<.
فكيف نقاتلهم وهم متفرقون في األرض مبثوثون
في األمم ،في كل بقعة ناس مختلطون بأهلها؟ كيف
نقاتلهم؟ إنهم ال يقا َتلون إال إذا اجتمعوا وصارت
دعوها دولة إسرائيل
لهم دولة .فما قيام الدولة التي َ
إال بداية هالك بني إسرائيل.
[قطعة من مقالة غير منشورة
في الكتب (])1989
141
-76-
إن األمة التي أخرجت صالح الدين ،وهي
ال وأشد انقسام ًا وأكثر عيوب ًا،
أسوأ من حالنا اليوم حا ً
ال تعجز عن أن تخرج اليوم مثل صالح الدين.
إن نكبة فلسطين بالصليبيين كانت أشد بمئة مرة
مرت بسالم ،فهل تشكّ ون من نكبتها بإسرائيل ،وقد َّ
في أننا سننقذ فلسطين؟ ّأما أنا فواهلل الذي ال إله إال
هو ،لو بقي على وجه األرض أربعون مسلم ًا لما
يشك
ّ ألشك فيمن
ّ شككت في أنهم يستردونها ،وإني
في هذه الحقيقة ،أشك في إدراكه لطبيعة هذه األمة،
أشك في عقله ،أشك في أنه عربي وأنه مسلم (.)1 ّ
وإذا عجزنا نحن عن أن نعود إلى مثل سيرة
كتب لنا مثل نصر حطين ،فسيخرجصالح الدين ُلي َ
من أصالبنا من هم أتقى منا وأطهر ،وسيستردون
فلسطين.
[رجال من التاريخ :فاتح القدس (])1950
_________________
( )1وهذا بعد أن نغير ما بأنفسنا ونعود إلى ديننا ونجاهد
إلعالء كلمة ربنا.
142
-77-
إن قضية فلسطين لن تموت ،ألنها عقيدة
في قلب كل مسلم .هل سمعتم أو قرأتم أن عقيدة
ألف مليون يمكن أن تموت؟ إن ُ يحملها في قلبه
الناس يموتون في سبيل العقيدة ،وما ماتت عقيد ٌة
ط من أجل حياة إنسان.ق ّ
إنها ليست قضية أهل الضفة والقطاع ...إلى
متى تقولون >الضفة والقطاع<؟ إنها >فلسطين< .إن
اليهود يريدون أن ُينسى اسم فلسطين ،فال تكونوا
عون ًا لهم على ما يريدون.
ليست قضية أهل فلسطين وحدهم وال قضية
تسمونها عربية وفي العرب من ال يرى
العرب .لماذا ّ
رأيكم وال َيدين بدينكم ومن قد يكون هواه مع فيها َ
عدوكم؟ ولِ َم ال تجعلونها إسالمية؟ إن أيدي المسلمين
جميع ًا تمتد إليكم لتكون معكم إن جعلتموها جهاداً
في سبيل اهلل ودفاع ًا عن المسجد األقصى واألرض
التي باركها اهلل حوله ،فلماذا ال تصافحون هذه األيدي
فتصير مع أيديكم يداً واحدة على عدوهم وعدوكم؟
[هتاف المجد :قصتنا مع اليهود (])1989
ُ
143
-78-
ذهبت عزة اإليمان من نفوس المسلمين ما َ
نارها فهي تحتاج إلى من ينفخ فيها.
ولكن َخ َب ْت ُ
مر بها
إن طال يوم الصهاينة في فلسطين فلقد ّ
عدو أكبر ،الصليبيون ،أي
يوم أطول وتس ّلط عليها ّ
أوربا كلها ،ومن بعدهم المغول والتتر ،أي
ّ دول
مدهمفدعوا أمريكا تتخ ّلى عن ّ
قبائل المشرق كلهاُ .
مدهم بالرجال ،ثم بالسالح والمال وروسيا عن ّ
يمد للظالم ثم
انظروا كم تعيش دولة إسرائيل؟ واهلل ّ
يأخذه.
[الذكريات ج :3ح])1983( 68
144
-79-
ال يا سادة؛ أنا ال أخشى قوة اليهود ،ولكن
أخشى تخاذل المسلمين .إن اليهود ما أخذوا الذي
أخذوه بقوتهم ولكن بإهمالنا ،إن إهمال القوي هو
يقوي الضعيف.
الذي ّ
ولكن بأيدي ْ وما أخذوا الذي أخذوه بأيديهم،
من يدفعهم ويحميهم ،بأيدي الدول الكبرى التي
تتركهم يضربوننا غدراً ومكراً ،فإذا أردنا أن َن ُم ّد
أيدينا لرد الضربة أمسكوا بأيدينا ،كالولد المد َّلل
َ
الشاب
َّ الخادم المسلح ،يضرب
ُ الذي يمشي وراءه
القوي الذي يستطيع أن يخنقه بيد واحدة ،فإذا أراد
لوح له الخادم ببندقيته.
الشاب أن يدفع عن نفسه ّ
ونحن ما غُ لبنا في فلسطين ،ما ُغلبنا ألننا ما
حاربنا ،ما تركونا نحارب!
ولكن الخادم المسلح ال يبقى دائم ًا واقف ًا يحمي
يوم نستطيع فيه أن نقوم في الولد ،وال بد أن يأتي ٌ
الميدان نحن واليهود وجه ًا لوجه ،وسيرى الناس
يومئذ ماذا يكون.
[هتاف المجد :في ليلة اإلسراء (])1957
ُ
145
-80-
ال ،ليست معركتنا مع اليهود .ومتى كان
يوم قال لهم رسولهم{ :قاتِلوا} اليهود أهل قتال؟ َأ َ
ك فقاتِال}؟ أم يوم دعاهم أنت ور ُّب َ
{اذه ْب َ
َ فقالوا:
مهد اهلل لهم أسبابه وفتح لهم بابه، إلى الفتح وقد ّ
فارتجفوا كالشياه المذعورة وقالوا{ :إ ّن فيها قوم ًا
فإنندخلَها حتى َيخرجوا منهاْ ، َج َّبارين ،وإ ّنا لن ُ
داخلون}؟ يخرجوا منها فإ ّنا ِ
َ
هذه بطوالتهم؛ يريدون َمن يحارب عنهم،
العدو من القلعة ليدخلوها فاتحين!
ّ َمن ُيخرج لهم
تبدلت حالهم ،إنهم ال يزالون كما كانوا ،إنهم
وما ّ
ويلوحون بقوة غيرهم.
يقاتلون بسالح سواهم ّ
[هتاف المجد :قصتنا مع اليهود (])1989
ُ
146
-81-
إن الذين دعوتموهم >جنود الحجارة< ما
>والجود
ُ ضعفوا وما استكانوا ،بل جادوا بأرواحهم،
بالروح أقصى غاية الجود< .ثبتوا هذه األيام الطوال،
فما عليهم مالم ،ولكن نحن ،نحن المسلمين الذين
فرض اهلل علينا أ ُُخ َّوتهم وأوجب علينا نصرتهم ،نحن
أال ُنالم؟
َأ َن َدعهم وحدهم يواجهون بالحجارة الدبابات
والرصاص والغاز الخانق وهاتيك األهوال
َ والمدافع
َ
والمصائب؟ أيكفينا في شرع اهلل ،في أدب الفروسية،
في قواعد الشرف ،أن نراهم في الرائي وأن نسمع
عنهم في اإلذاعات ،وأن ُنعجب بهم وأن ُنص ّفق
لهم؟
يحكُ ُمالتقاطُ ُع في اإلسالم َو َ فيم ّ َ
إخـوان؟
ُ عبـاد اهلل-
َ وأنتـم -يـا
ُ
ـم؟ ِ فـوس َأب ِّي ٌ
ات لـهـا ه َم ٌ ٌ أال ُن
وأعوان؟
ُ أنصار
ٌ أمـا على الخير
[هتاف المجد :قصتنا مع اليهود (])1989
ُ
147
-82-
لما بدأت هذه >االنتفاضة<. َص ُغرت إسرائيل أكثر ّ
صبيان يقاتلون بالحجارة جيش ًا يملك أعتى وأقسى
ما أوحى به الشيطان إلى أوليائه من وسائل القتل
وح ِسبوها فورة حماسة تستمر والتدمير والهالكَ ،
ساعات ثم تخمد ،تمتد يوم ًا أو يومين ،فإذا هي
تستمر الشهر والشهر الذي بعده ،والشهور تتوالى
قوة ،ذلك بأنها ليست حركة واالنتفاضة ال تزداد إال ّ
وطنية وال قومية ،وال لمجرد استرداد األرض وطرد
الواغل الدخيل منها ...هذه كلها مقاصد قد تشترك
في مثلها أمم األرض ،بل ألنها جهاد ،جهاد بالمعنى
عرفه اإلسالم :بذل الروح هلل وحده وابتغاء الذي ّ
يظفر بنيل
ْ يظفر فيه ْ جهاد َمن
ٌ الجزاء منه وحده،
األماني وبلوغ الغايات ،ومن َي ُم ْت َي َن ْل ما هو أكبر
ّ
من ُم َتع الدنيا كلها :رضا اهلل والجنة.
كتب اهلل لهذه االنتفاضة االستمرار والقوة كما
كتب مثل ذلك للحرب الجهادية في األفغان ،ألنهما
قامتا هلل ال للدنيا ،وما كان هلل فهو المتصل الباقي.
[هتاف المجد :قصتنا مع اليهود (])1989
ُ
148
-83-
يقولون :إنكم تريدون أن ُتلقوا باإلسرائيليين
في البحر .وأنا أسأل اإلنكليز الذين هم رأس البالء
ومبعث الداء ،وأسأل األميركان الذين يؤيدون الظلم
وينصرون االعتداء ،وأسأل الروس الذين هم معنا
بالمقال وهم ُي ِم ّدونهم بالرجال ،أسألهم جميع ًا:
ماذا يصنعون لو جاء شعب نذل خسيس سارق
مجرم يريد أن يطردهم من ربع لندن أو واشنطن أو
التوغل
ّ موسكو ويملكها من دونهم ،ثم يعمل على
في بالدهم وسرقة طريفهم وتالدهم وإفساد بناتهم
وأوالدهم ،ماذا يصنعون بهم؟ إنهم إن لم يلقوهم
شردوهم في ال َق ْفر أو وضعوهم في األسر، في البحر ّ
خبروني :ماذا تصنع األمم بالواغل عليهاوإال فماذا؟ ِّ
يسرق ديارها ويمحو آثارها؟ ماذا يفعل من يقتحم
ويسكنه من دونه :هل اللص عليه بيته ليطرده منه َ
ينصب له المائدة ليأكل ويمد له الفراش لينام ،ثم
يقف باحترام ليعطيه مفتاح الدار ويمضي بسالم؟!
هذا هو السالم الذي تريده إسرائيل والذي
منا من يرحب به ويص ّفق له .يقولون :وإلى أينكان ّ
رئيس
ُ نذهب بهؤالء اليهود؟ لقد ألقى هذا السؤال َ
149
أميركا الذي كسب الحرب ،ألقاه على ابن الصحراء
وجهه
فرد سؤاله بسؤال ّ
العبقري الملك عبد العزيزّ ،
إليه هادئ ًا ،قال له :من أين جاء هؤالء؟ أرجعوهم
إلى بالدهم التي أُخرِجوا منها .لقد ُبهت روزفلت ولم
يقدر على الجواب ألن الحق غلاّ ب.
قالوا :إنكم رفضتم التقسيم ثم جئتم تطالبون
بالتقسيم! نحن كمن كان يمشي آمن ًا فاعترضه مجرم
خطف كيس نقوده وفيه ألف ريال ،فلحقه يطالبه
به فقال :تأخذ خمسمئة لك ولي خمسمئة .فأبى،
فشد
وحق له اإلباء ،فالمال ماله والكيس كله لهّ ،
ّ
اللص يده على الكيس وعدا هارب ًا ،فلما يئس منه
قال :طيّب ،هات الخمسمئة .قال :ال ،ذاك عرض
مضى ،تأخذ أربعمئة؟ فأبى ومضى اللص ،فلما يئس
منه قال :طيّب ،هات األربعمئة .قال :ال ،ثالثمئة.
تأخذ ثالثمئة؟
رفضنا التقسيم ،وما لنا ألاّ نرفضه؟ َمن يرضى
قسم داره بينه وبين اللص الذي يقتحمها عليه؟ أن ُت َّ
ورجعنا فطالبنا به حتى ال تذهب الدار كلها ما دام قد
غلب الباطل و ُفقد النصير.
أؤرخ قضية فلسطين،
أنا ال أريد وال أقدر أن ّ
150
أدون ذكريات ال أكتب تاريخ ًا .ولكن أقول :إنه
أنا ّ
ليس في تاريخ الظلم والعدوان مثل قضية فلسطين،
وال في تاريخ التخاذل واالنقسام وقلة االهتمام مثل
موقفنا من قضية فلسطين ،وال في تاريخ التعاون على
اإلثم والعدوان مثل موقف الدول في غرب األرض
وفي شرقها من قضية فلسطين .وما لنا إال اهلل ،فهل
نعود إليه؟
[الذكريات ج :2ح])1983( 62
151
-84-
خبروني .ال أسأل عن الحق
ما الحق يا ناس؟ ِّ
المجرد الذي يقابل الباطل ،بل الحق الذي هو
َّ
الملْك .الرغيف الذي اشتريته بمالك حقك ،فإنُ
غصبه منك غاصب أقوى منك وأكله ،فأين بقي
حقك؟ وماذا ينفعك أن يكون >الحق< لك والرغيف
في بطن الرجل؟
ماذا يفيدنا أن الحق بامتالك فلسطين لنا،
وفلسطين نفسها في أيدي اليهود؟ وإلى متى تكرر
مهزلة >أوسعته شتم ًا وأ َْودى باإلبل< ،مهزلة األعرابي
الذي بعثته أمه يرعى جمالها ،فرأى العدو ،فوقف
وكلَّ ،فقعد
وج ّده حتى تعب لسانه َ يسبه ويلعن أباه َ
يستريح وترك العدو يذهب باإلبل! ومهزلة الزعماء
الذين ملؤوا الدنيا ّادعاء وفخراً وحماسة وهجاء
لليهود واحتقاراً ،ثم ناموا وأخذ اليهود فلسطين؟
وإلى متى نبقى مغفلين مساكين ،ال نفهم أن
القوة هي شرع هذه الدنيا :قوة العلم ،وقوة المال،
وقوة االتحاد ،وقوة الجيش ،وقبل ذلك كله قوة
اإليمان وقوة اإلرادة؟ وأن الحق لمن يأخذه ،ال لمن
152
يتغنى بذكره وينظم فيه القصائد؟
فانزعوا من نفوسكم -يا أيها العرب -هذا الورع
البارد وهذا األدب الرقيع ،فقد أطعتم >هيئة األمم<
وعصاها اليهود ،ووفيتم وغدروا ،وعدلتم وجاروا،
ومدحتكم جرائد العالم بأنكم أوالد طيبون مهذبون،
وذمتهم بأنهم شياطين مفسدون وأنهم قتلة مجرمون.
فماذا كانت النتيجة؟ أخذ اليهود فلسطين ،واعترفت
بحكومتهم دول هيئة األمم التي ذبحوا رسولها
برنادوت!
الح ْمالن
فح ْسبكم غفل َة يا عرب! اخلعوا صوف ُ َ
مدوا
والبسوا جلود الذئاب لئال تأكلكم الذئابّ .
أيديكم فخذوا حقكم؛ ال تطلبوه من أحد ،فليس
في الدنيا أحد يعطيكم حقكم .أق ّلوا الكالم وأكثروا
الفعال ،واتحدوا واستعدوا.
يا أيها العرب :إنه قانون تنازع البقاء ،إن هذه
الدنيا للمح ّقين األقوياء.
[مقاالت في كلمات :الحق والقوة (])1951
153
-85-
إن هذه الدولة ال يمكن أن تدوم ،ال يمكن
أن يعيش مليون يهودي في أرض مقتطَعة من بالد
فيها خمسمئة مليون .إن مسلمي األرض قد بلغوا
اآلن باإلحصاء خمسمئة مليون ( ،)1كل واحد منهم
يرى من الواجب عليه لربه ولدينه وألمته أن يعمل
شيئ ًا لطرد اليهود من فلسطين .والمجنون وحده هو
الذي ال يبالي بعداوة خمسمئة مليون ،ألنه لو كان
مكانهم خمسمئة مليون قط ،خمسمئة مليون نعجة،
الستطاعت أن تكتسح في طريقها دولة إسرائيل!
ولن نترك هذه الدولة تستريح أبداً ،وسنل ّقن
شرها، غضها والعملَ على دفع ّأوالدنا من المهد ُب َ
َ
حتى يصير ذلك عقيدة راسخة في كل نفس وحقيقة
مسلَّمة في كل ذهن ،فكلما مرت األيام وطال األمر
َعظُم الغضب وكبر الثأر وكثر المطالبون .فال تحسبوا
أن الزمن يحل المشكلة ،ال ،بل هو يشدها ويحكمها.
_________________
( )1أي يوم نشر هذه المقالة (وقد نشرها في السنة
التي ُولدت أنها فيها) وهم اليوم يزيدون على ثالثة
أضعاف عددهم يومئذ (مجاهد).
154
وهي اليوم بذرة في النفوس تسقيها عزة المسلم
وغ ْضبة المظلوم ،ثم تصير نبتة ،ثم
وكرامة العربي َ
تصبح شجرة ،ثم تمسي َد ْوحة ممتدة الجذور باسقة
األغصان ال تقوى على اقتالعها العواصف.
صلح أبداً ،أبداً ،واللسان الذي
ٌ ولن يكون
يتحدث في الصلح ُيقطَع ،واليد التي تمتد للصلح
والوطن إلى
ُ الحق إلى نِصابه
ُّ يعود
َ صلح ْأو
َ ُت َبتر .ال
أصحابه.
إن قضية يؤمن بها ويدافع عنها ألف شخص ال
تموت ،فهل تموت قضية فلسطين وقلوب خمسمئة
مليون إنسان تخفق بذكرها من العرب المسلمين،
والمسلمين غير العرب ،والعرب غير المسلمين،
من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب ،من الصين
والماليا إلى الجاليات اإلسالمية في باريس ولندن
قضيتها أبناءهم،
َ ونيويورك وبونس آيرس ،ويل ّقنون
َيرضعونها مع لبن األمهات ،ويتلقونها مع خبز اآلباء
وألف باء المعلمين؟
[هتاف المجد :في ليلة اإلسراء (])1957
ُ
155
-86-
لقد ع ّلمونا في المدرسة أن كل أمر مخالف
لطبيعة األشياء التي طبعها اهلل عليها ال يمكن أن يدوم،
فهل ترونه أمراً طبيعي ًا أن تعيش دولة صغيرة قائمة
على الباطل ،على سرقة األرض وطرد سكانها ،ولو
محصنة
َّ صارت ثكنة ممتلئة بالجند ولو غدت قلعة
الجوانب ،ولو بلغ سكانها مليونين أو ثالثة ماليين؟
هل يمكن أن تعيش وسط بحر يمتد على مدى ثلث
عادوها عدو لهاَ ،
محيط األرض فيه ألف مليون كلهم ٌّ
لظلمها وبغيها ال كره ًا لها وعدوان ًا عليها؟ ولو هي
عاشت عشراً أو عشرين أو سبعين أو ثمانين عام ًا،
الدهر كله؟
َ هل تعيش
وما سبعون أو ثمانون عام ًا في أعمار األمم؟
لقد بقي االستعمار البرتغالي في أنغوال وموزمبيق
ال خمسمئة سنة ،فهل استمر االستعمار البرتغالي مث ً
ألنغوال وموزمبيق؟ و ُقسمت بولونيا (بولندا) مرات
وتقاسم جيرا ُنها أجزاءها ،ثم عادت بولونيا .بل لقد
ديار الشام َمن هم أكثر من اليهود َعدداً وأقوى
غزا َ
ال عاشت دهراً ،ثم دالتوعدداً وأقاموا فيها دو ً
جنداً ُ
هذه الدول وعادت األرض إلى أصحابها .أما بقيت
156
القدس قرابة قرن من الزمان بيد الصليبيين ،فهل دام
في القدس حكم الصليبيين؟
[هتاف المجد :قصتنا مع اليهود (])1989
ُ
157
-87-
يس به هذا النجس بيغن ُع ّد من إن هتلر ْ ِ
إن ق َ
األطهار! على أني ألعن هتلر في قبره (إن كان له
قبر) ،ال لما زعموا كذب ًا أنه فعله باليهود ،بل ألنه لم
يخلص البشرية نهائي ًا من رجس اليهود .إن الذي فعلوه
المؤرخين لسان ًا وأفصحهم بيان ًا
ّ في لبنان سيعجز أبلغ
عن نقله كما وقع إلى األجيال القادمة من البشر.
ما نيرون؟ ما جنكيز؟ ما هوالكو؟ ما وحوش
البرية؟
وحياته وحشراته؟ ما الخنازير ّ
الغاب وعقاربه ّ
كل أولئك إن قيسوا بهذين القذرين ،بيغن وشارون،
صاروا من أهل الطهارة والخير ،صاروا أطهاراً أخياراً
ألنك وضعتهم مع من هو أنجس وألعن.
تاريخ البشر قاتلَين مجرمين كهذين
ُ كال ،ما رأى
المسعورين.
َ الكلبين
َ
لقد قطعاني عن إتمام الكالم الذي بدأته فإلى
الحلقة اآلتية إن شاء اهلل ،وقطع اهلل عليهما الطريق
وسد دونهما الباب إلى كل سعادة، ّ إلى كل خير
مشوه ًا في
ِّ وجعل ما فعاله في لبنان مرض ًا موجع ًا
ال ورعب ًا دائم ًا في نفسيهما،
جسديهما ،وقلق ًا قات ً
َ
158
وانزعاج ًا مستمراً ال يذوقان معه استقراراً ( ،)1ال
ينغصعرف له سبب ظاهر وال ُيلفى له دواء شافّ ، ُي َ
ويحبب إليهما الموت
ّ عليهما العيش حتى ال ُيطيقانه،
فال يجدانه ،ويجعل ما أجرماه لعنة عليهما باقية فيهما
متسلسلة في أعقابهما ،ممتدة في ذراريهما شاملة
أهلَهما وأحباءهما ،حتى يروي التاريخ ما حل بهما،
جبار مغرور أن يحل به ما فيجزع كل باغ ظالم وكل ّ
حل بهما ،ولَعذاب اآلخرة أشد وأبقى.
عمل الظالمون،عما َي َ
ال ّ
هلل غاف ً
بن ا َ
{وال َت ْح َس َّ
األبصار}.
ُ ص فيه يؤخ ُرهم لِ َيوم َت َ
شخ ُ إ ّنما ِّ
[الذكريات ج :2ح])1982( 40
_________________
( )1استجاب اهلل دعائي على بيغن بين نشر هذا الكالم
في الجريدة وطبعه في الكتاب ،فغدا كالسامري
ال في داره نافراً من البشر ينفر منه خيار البشر،
معتز ً
وسيأتي دور شارون بإذن اهلل.
159
-88-
ّ ...أما ُحكم اإلسالم في هذا الذي وقع ويقع
في المخيمات في لبنان فال واهلل ،ال اإلسالم دين
يجوزه وال النصرانية وال اليهودية ،وال ُت ِق ّره
الحق ّ
أعراف اللصوص و ُقطّاع الطرق وال طبائع الذئاب
والحيات والعقارب في الجحر والسرداب. ّ في الغاب
كل أولئك ُي ِ
نكرونه ويأبَونه ويصرخون -لو كان
لهم لسان -بالبراءة منه ،ولو ُنسب إلى واحد منهم
ِفعلُه ُلع َّدت نسبته إليه إهانة له.
ال إله إال اهلل ،إنه على كل شيء قدير ،يخلق
على هيئة اإلنسان َمن ليس فيه شيء من اإلنسانية!
يتلذذ هؤالء برؤية طفل رضيع ما جنىوإال فكيف ّ
جناية وال ارتكب إثم ًا ،على صدر أم ما حملت
سالح ًا وال خاضت حرب ًاُ ،يمنع الطعام والشراب
يجف ثديها ويغيض في عروقها دمها،ّ عنها حتى
مرة من جوعها ومرةوتموت مرتين قبل المماتّ :
تمزق قلبها حزن ًا على ولدها الذي يذوي ويذوب
من ُّ
بين يديها؟
أهذا إنسان؟
160
إنه شيء ال أعرف له في اللغة العربية اسم ًا يدل
عليه ،فيا ضيعة عمري في دراستها ورواية أشعارها
تبين لي اليوم
ومعرفة أخبارها وكشف أسرارها! لقد ّ
أني جاهل بها ألني ال أجد ألفاظ ًا تعبر عما في نفسي
أعبر
من اإلنكار ومن االحتقار ،ولما ال أعرف كيف ّ
عنه من المشاعر على ما يصنع أناس يقولون إنهم من
البشر مع األطفال والنساء في المخيمات في لبنان (.)1
لو قرأنا مثل هذا الذي نرى عن طغاة القرون
محت أربع ُة
األولى ،من قبل أربعة آالف سنة ،لَما َ
آالف سنة هذا اإلثم ولَما غفرناه لهم بالتقادم ومرور
الزمان.
والناس يتحاربون منذ كانت الحروب ،ولكن
الفارس المسلَّح ال ينازل إال فارس ًا مسلَّح ًا ،ما عهدنا
ال معروف ًا يحارب النساء واألطفال. ال شريف ًا وبط ًرج ً
عدوه ليس ّلم ،ولكن ما ّ الجيش قلع َة
ُ وربما حاصر
ال حتى يموتوا.ال شريف ًا يحاصر نساء وأطفا ً عهدنا مقات ً
_________________
( )1المقصود هو حصار حركة >أمل< الشيعية للمخيمات
الفلسطينية في لبنان سنة .1987اقرأ الحاشية اآلتية
في الصفحة ( 163مجاهد).
161
أنا أفهم أن ُيمنع وصول السالح إلى الجند
أما أن ُيمنع وصول الطعام إلى المحاصرينّ ،
َ
الجائعات والجائعين من النساء واألطفال ممن ال
يحمل السالح وال يخوض المعارك فشيء ال نستطيع
أن نفهم له معنى.
إن كان الذي يفعل هذا ُي َع ّد إنسان ًا فأنا أخجل
ْ
بعد اليوم أن أكون من بني اإلنسان!
[الذكريات ج :8ح])1987( 228
162
-89-
ليعلم الناس جميع ًا -في لبنان وفي غير لبنان-
تنبه
عذاب الضمير ،وربما ّ ُ أن أدنى العذاب في الدنيا
ّ
لما كان ُحكم صدقي باشا الضمير الغارق في سباتهّ .
في مصر (والذي شكوناه منه ال يعدل نقطة من كأس
مما وجدناه بعده) قال فيه حافظ إبراهيم مقطوعة لم
يجرؤ على نشرها ،ولكن تناقل الناس أبيات ًا منها،
ومنها:
ضمير ُه ليذو َقها
َ اله َّم (َ )1أ ِ
حي ُ
اآلالم
ُ ـه
قت َل َن ْف َس ُ
ُغ َصصـ ًا و َت ُ
فأول العقاب في الدنيا عذاب الضمير إذا تي ّقظ.
إذن فليحاول هؤالء إصالح ما أمكن إصالحه مما
يردون الروح على أفسدوه ،وهيهات أن يقدروا! هل ّ
من مات؟ هل يأملون أن يفقد الناس كلهم ذاكرتهم
فينسوا ما كان؟ إن هذا الذي نرى في المخيمات
فيصب
ّ سيقرأ تاريخه في المدارس بعد ألف سنة، ُ
المدرس والتالميذ اللعنات على أجداث مرتكبيه ولوّ
_________________
>اللهم<؛ دعاء إلى اهلل (مجاهد).
ّ ( )1أي
163
َفنِيَت عظامهم واستحالت تراب ًا (.)1
[الذكريات ج :8ح])1987( 228
_________________
(ُ )1نشرت حلقة >الذكريات< التي اقتطعت هذه السطور
منها في أواخر شباط (فبراير) من عام ،1987في
وقت اشتدت فيه وطأة حصار حركة >أمل< الشيعية
للمخيمات الفلسطينية في لبنان ،حتى أكل الناس في
المحاصرة الكالب والقطاط والفئران، َ المخيمات
ش ّح الماء وانعدام الغذاء ومات منهم كثيرون من ُ
والدواء.
قراء هذا الكتاب ال يعرفون تلك األحداث كثيرون من ّ
التي مات بسببها اآلالف من األبرياء ،حينما َش َّن ْت
ميليشيات >أمل< الشيعية حرب ًا شرسة ضد المخيمات
في بيروت وصيدا وصور ،حرب ًا بدأت في أيار
(مايو) من عام ( 1985رمضان )1405واستمرت
أكثر من سنتين ،وكان أوضح معالمها الحصار
المتكرر الطويل للمخيمات.
لقد مات في ذلك الحصار غير األخالقي آالف من
ومنومسنين وأطفالَ ، ّ المدنيين ،من رجال ونساء
المحاصرين أهلكه الجوع ِ نجا منهم من رصاص
والمرض.
وبلغ من وحشية المقاتلين الشيعة أنهم اقتحموا=
164
_________________
= مستشفى غزة في مخيم صبرا فقتلوا أكثر َمن فيه من
المرضى والجرحى واألطباء والممرضين ،ومنعوا
خروج أي مدني من المخيمات أو دخول أي غذاء
أو دواء ،حتى الماء ،وكثيراً ما سمحوا للنساء
قتلوهن غيلة
ّ بالخروج إلحضار الغذاء أو الماء ثم
وهن يحملن الماء والغذاء على رؤوسهن! ّ
وفي الشهور األولى من عام ،1987قريب ًا من وقت
نشر هذه المقالة ،كانت مخيمات بيروت تعاني من
أشد أيام الحصار وطأة وأكثرها فتك ًا ،وقد بلغ من
قسوتها ووحشيتها أن >اضط ُ ّرت< الحكومات العربية
إلى التدخل وممارسة بعض الضغط ،ف ُف ّك الحصار
أخيراً في السابع من نيسان (أبريل) من تلك السنة،
المحكَ م
بعد أكثر من مئة وخمسين يوم ًا من الحصار ُ
الخانق .إنها مأساة لن ينساها التاريخ (مجاهد).
165
�ﻟﻘﺮ�� �ﻟﻜﺮ��
�ﻟﻰ ّ
ﺑﺬﻟﺖ ﻓﻲ ﺗﺼﺤﻴﺢ ﻫﺬ� �ﻟﻜﺘﺎ� ﻏﺎﻳ َﺔ ﻣﺎ �ﺳﺘﻄﻌﺖُ ﻟﻘﺪ
ﺳﻬﻮ�
ُ ﻟﻜﻨﻲ ﻻ َ�ﻣ ُﻦ �� ﻳﻜﻮ� ﻓﻴﻪ ﺧﻄﺄ
ﻣﻦ �ﻟﺠﻬﺪّ ،
ﻋﻨﻪ ،ﻷ� �ﻟﻜﻤﺎ� ﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪ ﻣﻦ �ﻟﺒﺸﺮ� ،ﻧﻤﺎ ﻫﻮ
ﻣﻦ ﺻﻔﺎ� ﺧﺎﻟﻖ �ﻟﺒﺸﺮ .ﻓﺄ�ﺟﻮ �� َﻳ ُﻤ ّﻦ ﻋﻠﻲ ﻗﺎ�ﺋﻪ
ّ
ﺤﺘﻬﺎ ��ﻋﺪ� ﺻﺤ ُ ﺟﺪ� �ﻟﺘﻲ ّ )�ﻗﺎ�� ﺳﺎﺋﺮ ﻛﺘﺐ ّ
ﻓﻴﻨﺒﻬﻨﻲ �ﻟﻰ �� ﺧﻄﺄ ﺳﻬﻮ� �ﺧﺮ�ﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ( ّ
ﻋﻨﻪ ﻟﻜﻲ �ﺗﺪ��ﻛﻪ ﻓﻲ �ﻟﻄﺒﻌﺎ� �ﻵﺗﻴﺎ��� ،ﻧﺎ �ﺷﻜﺮ�
�ﷲ ﺑﺄ� ﻳﺠﺰ� ﻟﻪ �ﻷﺟﺮ ��ﻟﺜﻮ��. ���ﻋﻮ ﻟﻪ َ
ﻣﺠﺎﻫﺪ ﻣﺄﻣﻮ� �ﻳﺮ�ﻧﻴﺔ
mujahed@al-ajyal.com
166
٤١٤
األفكار
الطنطاوية
167
املنتخبات
َ
الطنطاوية
ّ
168