You are on page 1of 168

1

2
‫استخرجها من كتابات المؤلف المطبوعة‬
‫حفيده‬
‫ُ‬ ‫والمخطوطة وجمعها ور ّتبها‬

‫‪3‬‬
‫حقوق الطبع حمفوظة للناشر‬
‫دار املنارة للنشر والتوزيع‬

‫ُيم َنع نقل أو ختزين أو إعادة إنتاج أي جزء من هذا‬


‫الكتاب ألغراض جتارية رحبية بأي شكل أو بأية وسيلة‪:‬‬
‫تصويرية أو تسجيلية أو إلكترونية أو غري ذلك إال بإذن‬
‫خطي مسبق من الناشر‬

‫الطبعة اإللكترونية األوىل‬


‫‪2023‬‬

‫جيوز تداول هذه الطبعة لالقتناء الشخصي أو‬


‫ألغراض دعوية وتربوية غري رحبية‬

‫أسسها الشيخ نادر حتاحت رمحه اهلل عام ‪1984‬‬

‫ص ب ‪ 1250‬جدة ‪ 21431‬اململكة العربية السعودية‬


‫هاتف ‪ 6603652‬فاكس ‪6603238‬‬

‫‪4‬‬
‫مقدمة األفكار‬
‫هذا عمل أمضيت في التحضير له عامين كاملين‪،‬‬
‫ثم استغرق مني عدة أشهر من العمل المتفرغ الدؤوب‬
‫ألنهيه في صورته التي يخرج بها اليوم على الناس‪.‬‬
‫ال بكتب جدي رحمه اهلل فأعدت‬ ‫لقد بدأت أو ً‬
‫قراءتها كلها (وهي نحو أربعين مجلداً) وقرأت معها ما‬
‫نشر في الكتب بعد‪ ،‬من مقاالت قديمة وكتابات‬ ‫لم ُي َ‬
‫مخطوطة‪ ،‬ومن ذلك كله استخرجت نحو ٍ‬
‫ألف من‬
‫يت كلاّ ً منها >فكرة< من‬
‫سم ُ‬
‫المقاطع الصغيرة التي َّ‬
‫>األفكار الطنطاوية<‪.‬‬
‫* * *‬
‫إن كاتب ًا أقل شأن ًا من علي الطنطاوي ما كان‬
‫له أن ُيمضي ثالثة أرباع القرن في الكتابة والخطابة‬
‫واإلذاعة ثم ال يعيد أفكاره وال يكرر صوره وألفاظه‪،‬‬
‫بل إن تكرار األفكار أمر مرغوب مطلوب لمن كان‬
‫ال‬
‫تركيز هذه األفكار في األذهان أو جعلها أفعا ً‬
‫َ‬ ‫همه‬
‫ُّ‬
‫في حياة الناس‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الكثير‬
‫َ‬ ‫ولقد واجهت في عملي بهذه المجموعة‬
‫‪-‬مما تنوعت‬‫من مثل هذا التكرار‪ ،‬فأبقيت على بعضه ّ‬
‫وضحيت‬‫َّ‬ ‫صور عرضه‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫مفرادات ألفاظه وتباينت‬
‫بالكثير‪ ،‬ولوال ذلك لتضخمت هذه الكتيّبات حتى‬
‫تضم ال َق ْد َر األوفر من كتابات علي الطنطاوي‪ ،‬فهو‬
‫ال ما‬
‫ال ما كتب للتسلية و َت ْزجية الوقت‪ ،‬وقلي ً‬ ‫قلي ً‬
‫وعموده‬
‫ُ‬ ‫تحدث ليُطرب ويس ّلي‪ ،‬أما عمد ُة حديثه‬
‫وعماده على مر السنين فقد كان دعو ًة إلى اهلل والخير‬
‫ُ‬
‫والفضيلة‪ ،‬وفي سبيل إصالح الدين وإصالح الحياة‪،‬‬
‫كل عناصر الدين وكل عناصر الحياة‪.‬‬

‫وال بد أنني سهوت عن بعض >األفكار< التي‬


‫تضمها هذه المجموعة‪ ،‬بل ال َآم ُن‬ ‫كان من حقها أن ّ‬
‫ال‪ ،‬ثم‬ ‫أن أكون قد فقدت شيئ ًا منها وأنا أجمعها أو ً‬
‫فإن‬
‫أوزعها على الكتب ثاني ًا‪ ،‬وأرتبها في َن َسق ثالث ًا‪ْ ،‬‬
‫ّ‬
‫عما‬‫ناء ّ‬‫فإن فيما بقي َغ ً‬
‫شيء من ذلك حصل ّ‬ ‫ٌ‬ ‫يكن‬
‫ذهب‪ ،‬ولعلي أعود إليها ببعض التنقيح في الطبعات‬
‫يسر اهلل لها القبول والرواج بإذنه‪.‬‬
‫اآلتيات إذا ّ‬
‫أما العمل األصعب واألدق فكان توزيع‬
‫>األفكار< على األجزاء المختلفة التي تكونت هذه‬
‫المجموعة منها‪ ،‬ثم في ترتيبها في كل كتاب ترتيب ًا‬

‫‪6‬‬
‫مناسب ًا‪ .‬فأنا مصاب بهاجس قسري ال أستطيع مقاومته‬
‫وال أملك التحكم فيه‪ ،‬يدفعني إلى ترتيب كل شيء‬
‫أشتغل فيه ترتيب ًا يناسبه‪ ،‬فإن لم يتحقق لي ذلك لم‬
‫أصل إلى الرضا عن الذات (ذلك الذي زعم عالم‬
‫ماسلو أنه يستوي على قمة‬
‫النفس األميركي أبراهام ْ‬
‫هرم الحاجات البشرية)‪.‬‬
‫وهذا أمر ال نهاية له وال يصل إلى قرار‪،‬‬
‫قدمت‬‫فالمرء ال يزال كلما نظر إلى عمله قال‪ :‬لو ّ‬
‫هذا لكان أفضل‪ ،‬ولو أخرت ذلك لكان أجمل‪،‬‬
‫ولو حذفت ذاك لكان أكمل‪ ...‬وهو قول ٌ معروف‬
‫في هذه الصناعة‪ ،‬الكتابة‪ ،‬ما يزال بعضهم ينقله عن‬
‫بعض‪ ،‬وإن زعم الزاعمون أن القاضي الفاضل هو‬
‫أول من كتبه في رسالة أرسلها إلى العماد األصفهاني‬
‫ذات يوم‪.‬‬
‫* * *‬
‫لقد بدأ هذا العمل بذرة صغيرة في ذهني‪،‬‬
‫علي وأكرمني َفن َمت البذر ُة حتى صارت‬
‫ثم َم َّن اهلل ّ‬
‫ساق ًا‪ ،‬ثم استطالت الساق وتفرعت أغصان ًا وأوراق ًا‪،‬‬
‫فكانت منها هذه المجموعة من الكتب‪.‬‬
‫لما كتبت كتاب >علي الطنطاوي‪ ،‬أديب الفقهاء‬
‫ّ‬

‫‪7‬‬
‫وفقيه األدباء< بطلب من الناشر األديب والصديق‬
‫الفاضل محمد علي دولة رحمه اهلل‪ ،‬وكان ذلك منذ‬
‫عشرين سنة‪ ،‬طلب مني أن أكتب عن الشيخ كتاب ًا‬
‫كبيراً ينشره في سلسلة >أعالم المسلمين<‪ ،‬وهي‬
‫الني َة فبارك اهلل له فيها‪ ،‬فغدت‬
‫سلسلة أخلص فيها ّ‬
‫مكتبة فريدة قائمة برأسها تضم عشرات وعشرات من‬
‫الكتب التي ترجمت لمتقدمين ومتأخرين من أعالم‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫كتاب ٍ‬
‫واف‬ ‫ٍ‬ ‫فوافقته إلى طلبه وعزمت على كتابة‬
‫عن علي الطنطاوي‪ ،‬وبدأت بإعداد المادة وكتابة‬
‫علي العمل واتسع فطال الوقت‬
‫المسودات‪ ،‬وتشعب ّ‬ ‫َّ‬
‫ولم يخرج الكتاب‪ ،‬شغلني عنه إخراج كتب جديدة‬
‫وشواغل‬
‫ُ‬ ‫للشيخ وإعادة إخراج ما صدر له من قبل‪،‬‬
‫أخرى مما تزدحم به حياة المرء ِمن ضرب في ُس ُبل‬
‫هذه الدنيا‪ .‬وكان من األبواب األساسية في الكتاب‬
‫باب يعرض أفكار علي الطنطاوي‪.‬‬

‫ذلك كان مبد َأ هذه المجموعة من الكتب‪،‬‬


‫فالحمد هلل الذي وفق وبارك حتى استحالت تلك‬
‫يضمها اثنا‬
‫ّ‬ ‫الفكر ُة الصغيرة في رأسي إلى ألف فكرة‬
‫ويس َر حتى غدت تلك البذرة‬
‫عشر كتاب ًا‪ ،‬والذي أعان ّ‬

‫‪8‬‬
‫‪-‬عز‬
‫(التي بدأ األمر بها) َد ْوح ًة باسقة مورقة‪ ،‬وأسأله ّ‬
‫وتبارك‪ -‬أن يوفقني إلى إنهاء الكتاب الموعود عما‬
‫قريب‪.‬‬
‫* * *‬
‫أخيراً حرصت على تذييل كل >فكرة< باإلشارة‬
‫إلى مصدرها‪ ،‬اسم الكتاب واسم المقالة وتاريخ‬
‫نشرها إن كانت منشورة أو تاريخ كتابتها إن كانت‬
‫غير منشورة‪ ،‬فإن األزمان تتبدل واألحوال‬
‫مخطوطة َ‬
‫تتغير‪ ،‬ومعرفة الوقت الذي ُكتبت فيه الكلمة يساعد‬
‫على فهمها في سياقها الصحيح‪.‬‬
‫أسأل اهلل أن ينفع بهذه >األفكار< وأن يثيب‬
‫كاتبها خير الثواب ويرفع مقامه في جنات النعيم‪ ،‬وأن‬
‫يجعلني شريك ًا له في الجزاء ورفيق ًا له في دار البقاء‪.‬‬

‫مجاهد‬
‫غرة رجب ‪1440‬‬
‫آذار ‪2019‬‬
‫‪mujahed@al-ajyal.com‬‬

‫‪9‬‬
10
‫لقد انتهى عهد االستعمار الذي كانت‬
‫ترفرف راياته فوق أرضنا وتخطو‬
‫وخلَفه استعمار‬
‫جنوده على ثرانا‪َ ،‬‬
‫أخطاره غرباء‬
‫َ‬ ‫آخر َش ٌّر منه‪ ،‬ال يحمل‬
‫منا من أبنائنا‪ ،‬أخذهم‬
‫عنا ولكن ناس ّ‬ ‫ّ‬
‫فرباهم على ما يريد هو‬ ‫االستعمار ّ‬
‫فأتموا ما بدأ به‪ ،‬بل سبقوه وجاؤوا‬ ‫ّ‬
‫بما لم يقدر على أن يأتي بمثله!‬

‫ولكن ذلك ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬ال يدوم‪.‬‬

‫‪11‬‬
12
‫‪-1-‬‬
‫إن المسلمين اليوم في نكبات وفي أخطار‪،‬‬
‫قد أحاط بهم أعداؤهم‪ ،‬يرسمون الخطط لحربهم‬
‫وحرب دينهم‪ ،‬ويبذلون لذلك كرائِ َم األموال‬
‫ويسخرون لذلك أكاب َِر المفكرين ويستعينون على‬
‫ّ‬
‫ذلك بكل وسيلة‪ .‬فما النجاة وأين الطريق؟‬
‫إن الجواب في التاريخ‪ ،‬فسائلوا صحائف‬
‫التاريخ‪ :‬ما الجواب؟ بل خذوا صفحة منه واحدة‪،‬‬
‫فإن هذا الفصل القصير يضيق عن سرد الصحف‬
‫الطِّوال‪ .‬اذكروا يوم قامت أوربا كلها على ساقيها‪،‬‬
‫بقضها وقضيضها على اختالف أجناسها‬‫فمشت إلينا ّ‬
‫ولغاتها‪ ،‬يحدوها التعصب األعمى ويدفعها الحقد‬
‫الذي يأكل األكباد‪ ،‬وحطّت بثقلها على فلسطين‪،‬‬
‫على هذه البقعة الضيقة من الوطن اإلسالمي‪ .‬من‬
‫لردها؟‬
‫الذي وقف يومئذ في وجهها ونهض ّ‬
‫إنه ‪-‬يا سادة‪ -‬البطل التركي المسلم نور الدين‪،‬‬
‫والبطل الكردي المسلم الذي جاء من بعده‪ ،‬صالح‬
‫الش ُرفات‬
‫الدين‪ .‬لقد وضع األول األساس ورفع الثاني ّ‬
‫باب المعركة وتابع الثاني حتى‬
‫والذُّ رى‪ ،‬وفتح األول َ‬

‫‪13‬‬
‫جنى النصر‪ .‬فبماذا انتصر صالح الدين في حطين‪،‬‬
‫وب َِم استرجع القدس بعدما لبثت في أيدي الصليبيين‬
‫ال عشرين سنة وال ثالثين‪ ،‬ولكن أكثر من تسعين؟‬
‫إن صالح الدين انتصر ألنه دعا بدعوة اإلسالم‪،‬‬
‫يدع بدعوة الجاهلية وال نادى بشعائر الكفار‪ ،‬ولم‬
‫لم ُ‬
‫يرفع راية مذهب باطل ابتدعه أهل الضالل من البشر‬
‫بل رفع راية القرآن الذي أنزله رب العالمين وخالق‬
‫البشر‪ ،‬انتصر ألنه ضرب بسيف محمد‪ ،‬وسيف‬
‫يك ّل‪ ،‬وسيف محمد ’ لم‬ ‫محمد ’ ال ينبو وال ِ‬
‫أحد إال انتصر‪.‬‬
‫يضرب به ٌ‬
‫فيا أيها المسلمون‪ ،‬هذا التاريخ تشهد صفحاته‬
‫ردته عنهم دعوة‬
‫أنه ما نزل بالمسلمين خطب إال ّ‬
‫اإلسالم إذا صدقوا الدعوة بها‪ ،‬وإن الخطوب التي‬
‫تحيط بالمسلمين اليوم ال يردها عنهم وال ينجيهم‬
‫منها إال دعوة اإلسالم‪.‬‬
‫[نور وهداية‪ :‬هذا هو الطريق (‪])1969‬‬

‫‪14‬‬
‫‪-2-‬‬
‫كلما دهمكم خطب جديد‪ ،‬أو َه َّب ْت عليكم من‬
‫نحو فلسطين عاصف ُة عدوان‪ ،‬فاذهبوا إلى نور الدين‬
‫وإلى صالح الدين‪ ،‬ال لتسألوهما العون والنصر فما‬
‫في الوجود ميت يعين حي ًا‪ ،‬ولست أدعو إلى شرك‬
‫باهلل‪ ،‬وما النصر إال من عند اهلل‪ ،‬ولكن لتذكروا أنها‬
‫مصائب أكبر من مصيبة‬ ‫ُ‬ ‫قد حاقت بفلسطين من قبلُ‬
‫اليهود‪ ،‬ونزلت بها نوازل أشد‪ ،‬واجتمعت عليها‬
‫ال لبثت أكثر من مئة‬ ‫أوربا كلها‪ ،‬وأقامت فيها دو ً‬
‫سنة‪ ،‬وكنا على حال من التفرق والضعف والجهل‬
‫شر مما نحن عليه اليوم‪ ،‬وقد انجلت ‪-‬مع ذلك‪-‬‬
‫الغم ُة وانزاح البالء‪ ،‬وصارت حكومات اإلفرنج التي‬ ‫ّ‬
‫ال‪،‬‬‫ً‬ ‫كام‬ ‫ا‬
‫ً‬ ‫قرن‬ ‫الشام‬ ‫أطراف‬ ‫وفي‬ ‫القدس‬ ‫في‬ ‫عاشت‬
‫ال في زاوية من زوايا‬ ‫ال يتوارى خج ً‬‫صارت خبراً ضئي ً‬
‫التاريخ‪ ،‬ال يدري به أكثر السامعين‪ .‬وسيأتي يوم‬
‫مدرس التاريخ لتالميذه‪ :‬إن اليهود قد‬ ‫قريب يقول فيه ّ‬
‫أمرها‪،‬‬
‫العرب ُ‬
‫َ‬ ‫وه َّم‬‫أسسوا مرة حكومة في فلسطين‪َ ،‬‬
‫شرها‪ ،‬ثم ذكروا أين طريق الخالص‬ ‫العرب ُّ‬
‫َ‬ ‫ونال‬
‫فخلصوا منها على أيسر حال‪.‬‬
‫الطريق ‪-‬يا سادة‪ -‬أن يظهر في العرب >نور‬

‫‪15‬‬
‫الدين< جديد‪ ،‬ينشر راية القرآن التي لم تنهزم قط‪،‬‬
‫ويضرب بسيف محمد الذي ال ينبو أبداً‪.‬‬
‫فانشروا راية القرآن واضربوا بسيف محمد ’‬
‫تطردوا يهود وتعيدوا مجد العرب‪.‬‬
‫[رجال من التاريخ‪ :‬السلطان الشهيد (‪])1950‬‬

‫‪16‬‬
‫‪-3-‬‬
‫إن الذين يحسبون الجهاد عدوان ًا مسلح ًا ال‬
‫يدرون ما الجهاد‪.‬‬
‫الجهاد ليس حرب ًا هجومية نعتدي فيها على‬
‫الناس‪ ،‬واإلسالم إنما جاء إلقرار العدل وتحريم‬
‫العدوان‪.‬‬
‫وليس الجهاد حرب ًا دفاعية بالمعنى العسكري‪،‬‬
‫فما احتل الكفار مكة وال المدينة‪ ،‬ولكن َم َثل الجهاد‬
‫وعم‬
‫ّ‬ ‫فشحت األقوات‬ ‫َّ‬ ‫كقطر كبير أصابه القحط‪،‬‬
‫وقل الدواء‪ ،‬فجاء من يحمل‬ ‫الجوع وفشت األمراض ّ‬
‫المدد إلى الجائعين والدواء إلى المرضى لينقذهم مما‬
‫هم فيه‪ ،‬فوقف في الطريق ناس يمنعونهم‪ ،‬يحولون‬
‫بينهم وبين هذا الخير وهذا العمل اإلنساني‪ ،‬فقالوا‬
‫لهم‪ :‬تعالوا شاركونا فيما نعمل تكونوا منا ولكم ما لنا‬
‫نمر‬
‫فأبوا عليهم‪ .‬قالوا لهم‪ :‬دعونا ّ‬‫وعليكم ما علينا‪َ ،‬‬
‫ونحن ندافع عنكم‪ ،‬ال نكلفكم قتال عدو وال بذل‬
‫روح‪ ،‬على أن تمدونا بشيء من المال قليل‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫ال‪ .‬فلم يبق إال أن يقاتلوهم‪ ،‬أن يقاتلوا هذه الفئة‬
‫القليلة التي تمنع الخير عن الناس‪ ...‬يقاتلون أفراداً‬

‫‪17‬‬
‫لينقذوا أمم ًا‪ ،‬وكان ذلك هو الجهاد‪.‬‬
‫وكان الخير الذي نحمله للدنيا هو الذي نزل‬
‫علينا من السماء في حراء‪.‬‬
‫[فصول في الدعوة واإلصالح‪:‬‬
‫خدمة اإلسالم (‪])1990‬‬

‫‪18‬‬
‫‪-4-‬‬
‫الجهاد يكون واجب ًا إذا احتل العدو بلداً من‬
‫بالد المسلمين‪ ،‬هنالك ُيعلَن االستنفار العام ويصير‬
‫القتال واجب ًا على الجميع‪ ،‬على أن يبدأ بأهل البلد‬
‫الذي احتله العدو‪ ،‬فإن لم َيكْ فوا فعلى من يليهم من‬
‫جيرانهم‪ ،‬األقرب فاألقرب‪.‬‬
‫يمد‬
‫والجهاد ليس القتال بالسالح فقط‪ ،‬فالذي ّ‬
‫المقاتلين بالمال مجاهد‪ ،‬والذي يساعدهم بالدعاية‬
‫باللسان وبالقلم (إن كانت تعين على النصر) مجاهد‪،‬‬
‫والذي يتولى رعاية أسر المجاهدين مجاهد‪ ،‬واهلل‬
‫قدم ‪-‬بالذكر ال باألجر‪ -‬المجاهدين بالمال على‬ ‫ّ‬
‫المجاهدين بالنفس‪ .‬إن كل جندي يقف في الميدان‬
‫يحتاج إلى أربعة أو خمسة يقومون وراءه‪ ،‬يعدون له‬
‫السالح والعتاد والمؤن ووسائل النقل‪ ،‬وهؤالء كلهم‬
‫إن َص َّحت نياتهم مجاهدون‪ .‬مع العلم بأن المجاهد‬‫ْ‬
‫هو من قاتل لتكون كلمة اهلل هي العليا‪ ،‬ال لمجرد‬
‫الدفاع عن الوطن وال لمجرد استرداد األرض‪ ،‬وال‬
‫ذكره‪.‬‬
‫ليعلو في الناس ُ‬
‫َ‬ ‫اسمه وال‬
‫الصحف َ‬
‫ُ‬ ‫لتنشر‬
‫[الفتاوى ج‪ :1‬ال إكراه في الدين (‪])1983‬‬

‫‪19‬‬
‫‪-5-‬‬
‫إن أول كلمة في دستور اإلسالم كانت >اقرأ<‪،‬‬
‫>اغ َت ِن< ولم تكن >سيطر<‪،‬‬
‫لم تكن >قاتل< ولم تكن ْ‬
‫ألن اإلسالم ليس دين قتال وال دين مال وال دين‬
‫سيطرة وسلطان‪ ،‬ولكن اإلسالم دين العلم والفكر‬
‫والهدى‪.‬‬
‫رم}‪ ،‬هذه فاتحة الرسالة‬ ‫{ا ْقر ْأ َو َر ُّب َك ا َ‬
‫أل ْك ُ‬ ‫َ‬
‫مجد فيها‬
‫ّ‬ ‫ما‬ ‫‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫محمد‬ ‫بها‬ ‫اهلل‬ ‫بعث‬ ‫التي‬ ‫الخالدة‬
‫كرم العلم وذكر القلم‪،‬‬‫الحرب وال ذكر السيف ولكن ّ‬
‫ذهب بهؤالء المكابرين الذي يقولون إن شرعة‬ ‫فأين ُي َ‬
‫محمد شرعة السيف وحده؟‬
‫السيف؟ ال بد من السيف‪ ،‬ولكن لنزيح به من‬
‫يعترض طريقنا إلى السالم‪ ،‬لندافع به عن حريتنا في‬
‫العمل على كشف الظلمات عن العقول ورفع الظلم‬
‫عن الناس‪ ،‬وعن حرية المظلومين الذين اشتمل‬
‫عليهم الظالم في السعي إلى االستنارة بهذا الضياء‬
‫الذي بدا للدنيا كلها من غار حراء‪.‬‬
‫حار َبنا وال دفعنا إال من اعتدى‬
‫حار ْبنا إال من َ‬
‫ما َ‬
‫علينا‪ ،‬وكنا نريد للناس جميع ًا أن ينالهم الخير الذي‬

‫‪20‬‬
‫أُفيض علينا‪ .‬كنا نقول لهم‪ :‬تعالوا شاركونا فيه تكونوا‬
‫منا‪ ،‬لكم ما لنا وعليكم ما علينا‪.‬‬
‫لم يكن في فتوحنا غالب ومغلوب‪ ،‬وال سيد‬
‫وعامة‪ ،‬وال عرب وعجم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وال َمسود‪ ،‬وال أشراف‬
‫بل كان الناس عندنا قسمين‪> :‬الذين آمنوا< و>الذين‬
‫فاضلَ‬
‫كفروا<‪ ،‬فالذين آمنوا كلهم إخوة متساوون ال َت ُ‬
‫بينهم إال بالتقوى‪ ،‬والذين كفروا من أهل الكتاب‬
‫يكونون في ذمتنا وعهدنا إن ساكنونا في أرضنا ولم‬
‫ونؤمنهم إن استأمنونا ونفي لهم إن‬
‫ّ‬ ‫ينقضوا عهدنا‪،‬‬
‫عاهدونا‪ ،‬وال نخشى حربهم إن هم اختاروا الحرب‬
‫وحاربونا‪.‬‬
‫[من نفحات الحرم‪:‬‬
‫على غار حراء (‪])1956‬‬

‫‪21‬‬
‫‪-6-‬‬
‫ما يقوله أعداء اإلسالم من أنه انتشر بالسيف‬
‫خطأ من وجهتين‪ :‬خطأ ألن الدين ال ينتشر بالسيف‪،‬‬
‫بل باإلقناع وبالحجة والبرهان‪ ،‬وباألسوة الحسنة التي‬
‫تجعله يستقر في العقل الباطن‪ .‬وخطأ ألنه مخالف‬
‫للواقع وللتاريخ الصحيح‪ ،‬فإذا أمكن أن ُيقال بأنه‬
‫لما صار للمسلمين‬‫انتشر بالسيف في البالد المفتوحة ّ‬
‫فأي قوة جعلته ينتشر في مكة‬
‫جيش وكانت الفتوح‪ُّ ،‬‬‫ٌ‬
‫مستضعفون‪ ،‬ما لهم سيف وما عندهم‬ ‫َ‬ ‫والمسلمون‬
‫قوة؟‬
‫الدين} منافاة‬
‫راه في ِّ‬‫فليس في آية {ال ْإك َ‬
‫لحكم الجهاد‪ ،‬والمجاهدون ما كانوا ُيكرهون أحداً‬
‫على اإلسالم‪ ،‬بل كانوا يعرضونه على الناس‪ ،‬فإن‬
‫َأ َب ْوه طلبوا منهم أن يفتحوا لهم الطريق لينشروه في‬
‫األرض‪ ،‬ليحملوا الدواء الذي شفاهم من أمراضهم‬
‫إلى المرضى الذين يأملون الشفاء‪ ،‬ويوصلوا النور‬
‫>حراء< إلى الذين يعيشون في‬ ‫الذي طلع عليهم من ِ‬
‫الظالم وفي الشقاء‪.‬‬
‫[الفتاوى ج‪ :1‬ال إكراه في الدين (‪])1983‬‬

‫‪22‬‬
‫‪-7-‬‬
‫فنى‬‫في عمر اإلنسان ساعات هي العمر‪َ ،‬ت َ‬
‫الليالي وتنقضي األعمار وتخلد هذه الساعات ذكرى‬
‫في قلوب البنين‪ .‬وفي تاريخ األمم أيام هي التاريخ‪،‬‬
‫متحدرة في درك الماضي مسرعة إلى‬ ‫ّ‬ ‫تمر السنون‬
‫ّ‬
‫هوة النسيان‪ ،‬وتبقى هذه األيام جديدة ال تبلى‪ ،‬دانية‬
‫ال تنأى‪ ،‬مشرقة ال تغيب‪ .‬ولإلنسانية أيام هي ركن‬
‫اإلنسانية‪ ،‬لوالها ما قام لها بنيان وال ثبت لها وجود‪.‬‬
‫البشر جميع ًا‪،‬‬
‫َ‬ ‫عمت بركاتها وشملت خيراتها‬ ‫أيام قد ّ‬
‫أيام هي ينابيع الخير والحق والعدل في َبيداء الزمان‪،‬‬
‫المفخرة ألمة أرادت ال َفخار‪.‬‬
‫وهي َ‬
‫الغر في تاريخنا! تلك األيام‬
‫وما أكثر هذه األيام ّ‬
‫وس َمونا به إلى ُذرى‬
‫التي أفضلنا فيها على العالم كله َ‬
‫الحضارة‪ :‬يوم الهجرة وبدر والقادسية واليرموك‬
‫ونهاوند‪ ،‬وأيام قتيبة وابن القاسم في المشرق وعقبة‬
‫وطارق في المغرب ومحمد الفاتح في الشمال‪ ،‬ويوم‬
‫عين جالوت وحطين‪.‬‬
‫[دمشق‪ :‬الجالء عن دمشق (‪])1946( )2‬‬

‫‪23‬‬
‫‪-8-‬‬
‫إننا نتحدث دائم ًا عن بدر والقادسية واليرموك‬
‫الغ ّر ال في تاريخنا وحده بل‬‫وحطين‪ ،‬وتلك األيام ُ‬
‫في تاريخ البشر‪ ،‬فهل فقدنا العزائم التي انتصرنا بها‬
‫في تلك األيام؟‬
‫لقد ظفرنا في عشرة آالف معركة خضناها‪،‬‬
‫نثرنا فيها شهداءنا نثراً في كل بقعة من األرض وتحت‬
‫كل نجم في السماء‪ ،‬ثم سقينا أجداثهم بدمائنا‪،‬‬
‫المتسعرة الرمال في بالد العرب‬
‫ّ‬ ‫سقينا الصحارى‬
‫وفارس وإفريقيا‪ ،‬وجنان الشام والسهول الممرعة‬
‫في مصر والعراق وفي أرض فارس‪ ،‬واألفغان والهند‬
‫وأطراف الصين‪ ،‬وفي شواطئ البحر المتوسط التي‬
‫كانت كلها أو جلها لنا وكان هذا البحر ُيدعى تارة‬
‫بحر العرب وتارة بحر الروم‪ ،‬وفي أوربا التي جئناها‬
‫من الغرب بالجيش العربي المسلم حتى بلغنا قلب‬
‫فرنسا‪ ،‬وجئناها من الشرق بالجيش التركي المسلم‬
‫فينا‪.‬‬
‫حتى وصلنا إلى أسوار ّ‬
‫صب‬
‫ّ‬ ‫أفأضعنا هذه البطوالت؟ إن محمداً ’‬
‫البطولة صب ًا في أعصاب المسلمين‪ ،‬فما تلقى في‬

‫‪24‬‬
‫الدنيا مسلم ًا جبان ًا‪ .‬فإن رأيتم مسلم ًا يخاف الموت‬
‫في الجهاد في سبيل اهلل حين يجب الجهاد فاعلموا‬
‫بالجنان‪ .‬ما‬
‫أنه مسلم باللسان وحده وليس مؤمن ًا َ‬
‫أضعناها‪ ،‬ولكن تعبنا فنمنا وطال بنا المنام‪.‬‬
‫[الذكريات ج‪ :7‬ح‪])1986( 194‬‬

‫‪25‬‬
‫‪-9-‬‬
‫متى كان العربي المسلم‪ ،‬بل متى كان المسلم‬
‫‪-‬عربي ًا كان أم تركي ًا أم كردي ًا‪ -‬يهرب من مقارعة‬
‫األعداء ومقابلة الخصوم؟‬
‫ال‪،‬‬
‫إنه يستحيل أن يكون اليهودي شجاع ًا أو نبي ً‬
‫ولو قاتل بالسالح الكثير الذي جاء به من يضعه في‬
‫يده ويس ّلطه به على الناس‪ .‬ويستحيل أن يكون المسلم‬
‫ال‪ ،‬ولو أعوزه البارود أو فقد الرغيف‪.‬‬ ‫جبان ًا أو نذ ً‬
‫إنه يقاتل بالبندقية القديمة ويقاتل بالسيف ويقاتل‬
‫بالحجارة‪ ،‬ولو كان خصمه أقوى دول األرض‪.‬‬
‫ويقاتل جائع ًا أو يصبر يومه على تمرة أو يأكل الكأل‪.‬‬
‫ال‪ ،‬ما هذه قصيدة فخر وحماسة بل هي حقيقة‬
‫واقعة‪ .‬أما ترون ما يصنع المسلمون األفغان أمام‬
‫المعتدين الشيوعيين‪ ،‬ودولتُهم إحدى الدولتين‬
‫الكُ َبر َيين في عالم اليوم؟ أليست هذه الوقفة إعادة‬
‫األولين‪ ،‬يوم نازلوا‬
‫كريمة ماجدة لموقف المسلمين ّ‬
‫الكبريين في عالم األمس في اليرموك‬
‫َ‬ ‫الدولتين‬
‫والقادسية؟‬
‫صب البطولة صب ًا في أعصاب‬
‫ّ‬ ‫إن اإلسالم‬

‫‪26‬‬
‫المسلمين وأجراها في دمائهم‪ ،‬فمهما حاقت بهم‬
‫الشدائد وتوالت المحن فلن تتبدل طبيعة البطولة‬
‫فيهم‪ ،‬والعاقبة لهم إن كانوا مع اهلل ألن اهلل سيكون‬
‫ومن كان اهلل معه ال يغلبه مخلوق‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ معهم‪َ ،‬‬
‫[الذكريات ج‪ :1‬ح‪])1981( 4‬‬

‫‪27‬‬
‫‪-10-‬‬
‫>الفتح اإلسالمي< أكبر لغز من ألغاز العبقرية‪،‬‬
‫وأجل مظهر من‬
‫ّ‬ ‫جية من أحاجي النبوغ‪،‬‬ ‫أح َّ‬
‫وأروع ْ‬
‫ُ‬
‫مرت عليه‬ ‫مظاهر العظمة في تاريخ البشر‪ .‬ولقد ّ‬
‫إلى اليوم قرون طويلة وأعصار مديدة‪ ،‬ارتقى‬
‫فيها فن الحرب وتقدم فيها البشر أشواط ًا في كل‬
‫ميدان من ميادين الحضارة‪ ،‬وغاص المؤرخون في‬
‫أعماق الحوادث التاريخية فكشفوا أسرارها وعرفوا‬
‫هينة ضئيلة بعد أن كانوا يرونها‬ ‫أسبابها‪ ،‬فبدت لهم ِّ‬
‫لغزاً ال ُي َح ّل‪ ،‬ولكنهم لم يستطيعوا أن يكشفوا سر‬
‫الفتوحات اإلسالمية ولم يدركوا ُك ْن َهها‪ .‬وستمر قرون‬
‫أخرى وأعصار قبل أن يكشف ذلك السر‪ ،‬وقبل أن‬
‫يرى تاريخ البشر حادث ًا أعجب وأعظم من >الفتح‬
‫اإلسالمي<‪.‬‬
‫[ ِفكَ ر ومباحث‪ :‬الفتح اإلسالمي (‪])1936‬‬

‫‪28‬‬
‫‪-11-‬‬
‫إن المعجزة الكبرى في التاريخ العسكري لألمم‬
‫كلها هي الفتح اإلسالمي‪.‬‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬إن اإلسكندر فتح بالداً ربما‬
‫بلغت ما فتحه المسلمون‪ ،‬وكذلك صنع جنكيز خان‬
‫وتيمور لنك ونابليون وهتلر‪ .‬هذا صحيح‪ ،‬ولكن‬
‫أن‬ ‫الفرق بين هؤالء جميع ًا وبين الفتح اإلسالمي ّ‬
‫فتح عسكري يقوم على القهر‪،‬‬ ‫فتح هؤالء ال ُق ّواد ٌ‬
‫َ‬
‫متحرس ًا‬ ‫ِ‬
‫يبقى فيه غالب ومغلوب‪ ،‬يعيش الغالب يقظ ًا‬
‫ّ‬
‫متربص ًا متحفزاً لألخذ بالثأر‪ ،‬أما الفتح‬
‫والمغلوب ّ‬
‫اإلسالمي فهو عجيب بطبيعته‪.‬‬
‫لننظر إلى البلدان التي فتحناها‪ :‬لقد فتحنا‬
‫سوريا‪ ،‬فهل تستطيع أن تميز في سوريا اآلن أبناء‬
‫الفاتحين الغالبين من أبناء أهل البالد المغلوبين؟‬
‫استقر فيه وبقي‪ .‬هذه‬
‫ّ‬ ‫اإلسالم بلداً إال‬
‫ُ‬ ‫ذلك أنه ما دخل‬
‫أقل من أربعمئة‬‫أندونيسيا‪ :‬لقد دخلها اإلسالم من ّ‬
‫سنة‪ ،‬دخلها في وقت قريب من دخول االستعمار‬
‫إليها‪ .‬أما االستعمار فقد ذهب إلى غير عودة‪ ،‬وأما‬
‫اإلسالم فقد بقي فيها‪ ،‬وسيبقى ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬إلى‬

‫‪29‬‬
‫يوم القيامة‪.‬‬
‫ذلك ألن الفتح اإلسالمي لم يكن فتح ًا‬
‫عسكري ًا‪ ،‬وما فتح المسلمون البالد ليأخذوا منها‬
‫الغنائم وال ليحكموا أهلها‪ ،‬بل ليشاركوا أهلها في‬
‫الخير الذي أنزله اهلل عليهم‪.‬‬
‫[المقدمات‪ :‬مقدمة كتاب >عبقرية‬
‫خالد بن الوليد العسكرية< (‪])1986‬‬

‫‪30‬‬
‫‪-12-‬‬
‫الدنيا ‪-‬يا إخوان‪ -‬يومان‪ :‬يوم لك ويوم عليك‪.‬‬
‫وقد بدأ في تلك السنة (‪ )1911‬اليوم الذي كان‬
‫ال وكان صعب ًا أليم ًا‪ ،‬مال فيه‬
‫علينا‪ ،‬وكان يوم ًا طوي ً‬
‫واشتد علينا الزمان‪ ،‬ففي الهند كانت هذه‬ ‫ّ‬ ‫الميزان‬
‫النكسة‪ ،‬وطرابلس (ليبيا) هجم عليهم الطليان بال‬
‫ُح ّجة وال برهان‪ ،‬بل كما تهجم الذئاب الجائعة‬
‫على القرية اآلمنة في الليل البهيم‪ .‬وكان االتحاديون‬
‫(وأكثرهم مفسدون ملحدون) قد عزلوا السلطان عبد‬
‫شوهوا سيرته‪ ،‬فكذبوا عليه ونسبوا كل‬ ‫الحميد بعدما ّ‬
‫منقصة إليه‪ ،‬واستولوا على الدولة العثمانية فأضاعوا‬
‫‪-‬بجهلهم وقلة حنكتهم وفساد ّنياتهم‪ -‬بالد البلقان‬
‫التي كان يحكمها السالطين من آل عثمان‪.‬‬

‫وهتك الستار الذي كانت تختبئ وراءه أوربا‪،‬‬ ‫ُ‬


‫وظهر للعيان أن الحروب الصليبية لم تنت ِه حمالتها‬
‫الدوافع إليها‪ ،‬فإذا هي‬
‫ُ‬ ‫ولم َت ُزل من نفوس القوم‬
‫ّتتحد علينا جميع ًا في حرب البلقان‪ ،‬حتى إن إنكلترا‬
‫نسيت ما صنعت في الهند باألمس القريب وبكت‬ ‫َ‬
‫صح أن التماسيح‬ ‫(إن ّ‬ ‫في اليونان بدموع التماسيح ْ‬

‫‪31‬‬
‫وتحمس أبناؤها للدفاع عن الحرية‬
‫ّ‬ ‫تبكي بالدموع)!‬
‫وعن العدالة‪ .‬وما يريدون حرية وال عدالة‪ ،‬وإنما هي‬
‫عداوتهم لإلسالم الذي كان يتمثل في أنظارهم بدولة‬
‫وتطوعوا للحرب مع اليونان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫آل عثمان‪،‬‬
‫[الذكريات ج‪ :5‬ح‪])1985( 145‬‬

‫‪32‬‬
‫‪-13-‬‬
‫نزل الهولنديون ضيوف ًا يعتمدون على كرم‬
‫سروه بل ليسحروه‪،‬‬ ‫الشرقي‪ ،‬يبسمون له ال لي ُ ّ‬
‫ويصافحونه ال ليؤكدوا الود بل ليختبروا قوة اليد‪،‬‬
‫ويسألونه ال ليطمئنوا إلى حسن أخباره بل ليعرفوا‬
‫المكنون من أسراره‪ ...‬وهذه مقدمة كتاب االستعمار‪.‬‬
‫ثم جاؤوهم بالسلع األوربية‪ ،‬وما كانوا‬
‫يحتاجون إليها وال تقوم حياتهم عليها‪ ،‬وأخذوا‬
‫ثمنها ثروات أرضهم وخيرات بالدهم‪ ،‬وهذه هي‬ ‫َ‬
‫تتمة المقدمة‪.‬‬
‫فلما فرغوا منها فتحوا الكتاب وتلوا منه أول‬
‫باب‪ ،‬وهو باب المعاهدات‪ ...‬وتتالت بعد ذلك‬
‫المعاهدات كما تتالى الحلقات وتترابط‪ ،‬فيكون منها‬
‫سلسلة طويلة هي قيد الحرية ورباط االستعمار‪.‬‬
‫[في أندونيسيا‪ :‬إسالم أندونيسيا (‪])1955‬‬

‫‪33‬‬
‫‪-14-‬‬
‫ماذا ينفعك أنك مصري مستقل‪ ،‬وأن الوادي‬
‫وجدك وواديك‪ ،‬إذا كان الخواجة يستطيع‬ ‫وادي أبيك ّ‬
‫كنك‪،‬‬‫أن يطردك من مأواك فال تلقى إال بإذنه سقف ًا ُي ّ‬
‫يسيرك‬
‫يعريك فال تجد إال بإذنه ثوب ًا يسترك‪ ،‬وأن ّ‬‫وأن ّ‬
‫فال تصل إال بإذنه إلى ترام يحملك؟‬
‫ما االستقالل وأنت محتاج إليه في كل شيء؟‬
‫ما العزة وأنت تأكل الخبز األسود وهو يأكل لباب‬
‫الب ّر من أرض مصر؟ وأنت تسكن الكوخ المهدم‬ ‫ُ‬
‫وهو يملك الصرح الضخم على أرض مصر؟ وأنت‬
‫الع ِكر وهو يشرب الرحيق المص ّفى من‬
‫تشرب الماء َ‬
‫خير مصر؟ وأنت تمشي حافي ًا وهو يختال بسيارته‬
‫الخ ِلق وهو‬
‫على ثرى مصر؟ وأنت تلبس الجلباب َ‬
‫الرقاق من قطن مصر؟‬‫يتخذ الثياب ِّ‬
‫وابن مصر يصير‬
‫صاحب البلد‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫الغريب‬
‫ُ‬ ‫أيصير‬
‫غريب ًا في مصر؟ هذا فظيع؛ هذا >عهد المماليك<‬
‫يعود بثوب جديد!‬
‫[في سبيل اإلصالح‪ :‬وكم في‬
‫مصر من بنات أمبان (‪])1947‬‬

‫‪34‬‬
‫‪-15-‬‬
‫لدي َأبل ََغ صوتي ‪-‬أنا‬
‫يا بني السين ! وسواء ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫تكسرت أمواجه‬
‫الطالب الضعيف‪ -‬مسامعكم‪ ،‬أم ّ‬
‫على صخرة القوة فتبددت‪ ،‬ألن المستقبل سيجمعها‬
‫دوي وصدى‪.‬‬
‫فيكون لها في نضال سوريا وجهادها ّ‬
‫تحس وعواطف‬ ‫ّ‬ ‫إننا بشر أمثالكم‪ ،‬لنا قلوب‬
‫تتألم ولسنا من صخر وال حديد‪ ،‬فال َت ْحملونا على‬
‫حمل عليها العبيد‪ ،‬فال واهلل لن‬‫الش ْرعة التي ُي َ‬
‫هذه ِّ‬
‫ُي ْع ِجزنا أن نموت أشراف ًا إذا نحن عجزنا أن نعيش‬
‫أشراف ًا‪ .‬لقد ُقضي علينا أن نهبط من عليائنا وأن ُنسلَب‬
‫يأت بعد‪ ،‬ولن‬ ‫حريتنا ونفقد استقاللنا‪ ،‬ولكنه لم ِ‬
‫ّ‬
‫يأتي أبداً‪ ،‬ذلك اليوم المشؤوم الذي نخسر فيه إيماننا‬
‫وشرفنا‪.‬‬
‫إننا اليوم كما قال ملككم فرنسوا األول من‬
‫قبل‪> :‬قد خسرنا كل شيء إال الشرف<‪ ،‬وإذن فلم‬
‫نخسر شيئ ًا! ولن تقوى قوة في العالم على سلبنا‬
‫الشرف واإليمان‪ ،‬فاصنعوا ما شئتم‪ .‬املؤوا المرجة‬
‫_________________‬
‫(‪ )1‬هو نهر فرنسا الذي يخترق باريس كما يخترق النيل‬
‫القاهرة‪ ،‬أراد بالكناية شعب فرنسا (مجاهد)‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫منا المئات‪ ،‬واكذبوا فانشروا ما‬
‫دبابات‪ ،‬واقتلوا ّ‬
‫ّ‬
‫شئتم بالغات‪ ،‬فكل ما هو ٍ‬
‫آت آت‪.‬‬
‫قد رأينا الموت وقاسينا الفقر وشاهدنا‬
‫الخراب‪ ،‬وأصبحت مدينتا َبلْقع ًا وأهلها مفجوعين‬
‫ونساؤها ثاكالت‪ ،‬فماذا نخاف بعد هذا؟ هل بعد‬
‫أشد من‬
‫الموت منزلة نحابيكم عليها؟ هل عندكم ّ‬
‫الرصاص؟ فقد فتحنا له صدورنا! هل عندكم أغلى‬
‫من األرواح؟ لقد أعددناها ثمن ًا لالستقالل!‬
‫دم ُجدنـا به‬ ‫ِ‬
‫المجد ٌ‬ ‫ثمن‬
‫ُ‬
‫فانظروا كيف بذلنا الثمنا‬
‫الهرة إذا ُحبست‬
‫ّ‬ ‫وبعد يا أيها األقوياء‪ :‬إن‬
‫وضويقت انقلبَت لبؤة‪ ،‬والبركان إن ُس ّدت فوهته‬
‫است ِذلّ ثار‪ ،‬والنار وال‬
‫كان االنفجار‪ ،‬والشعب إذا ُ‬
‫وستردون إلى اهلل‬
‫ّ‬ ‫العار‪ ،‬وللشهداء عقبى الدار‪،‬‬
‫الملك الجبار‪.‬‬
‫[البواكير‪ :‬يا أمة الحرية (‪])1931‬‬

‫‪36‬‬
‫‪-16-‬‬
‫ترن في أذني‬
‫‪ ...‬ثم صاح صيحته التي ال تزال ّ‬
‫من وراء اثنتين وستين سنة (‪ )1‬حتى كأني أسمعه يصيح‬
‫بها اآلن‪ :‬غورو‪ ،‬لن تدخلها إال على هذه األجساد‪.‬‬
‫لما حسبنا أن‬ ‫ولكن غورو دخلها! دخلها ّ‬
‫وبالخطَب‪ ،‬ثم خرج قوم‬‫ُ‬ ‫كتسب بالحماسة‬‫الحرب ُت َ‬
‫كتسب الحروب‪ .‬غورو هذا‬ ‫لما عرفنا كيف ُت َ‬ ‫غورو ّ‬
‫وقف على قبر صالح الدين األيوبي الذي غلب أوربا‬
‫كلها مرتين‪ ،‬مرة بسيف القتال ومرة ُبنبل الفعال‪،‬‬
‫وقف يفاخر عظامه ميت ًا وقد كان قومه يرتجفون من‬
‫بأسه حي ًا‪ ،‬وال يفاخر األموات إال الجبناء‪ ،‬يقول‪ :‬يا‬
‫صالح الدين‪ ،‬لقد عدنا‪.‬‬
‫حسب من غروره أنه ملك الشام إلى األبد‪،‬‬
‫َك‬ ‫كما يحسب هذا المغرور المأفون (بيغن) أنه َمل َ‬
‫القدس إلى األبد‪ .‬فأين َمن يذهب فيبحث عن حفرة‬
‫ليرد عليه بالحق كلمته التي قالها‬
‫غورو‪ ،‬فيقف عليها ّ‬
‫يستعد‬
‫َّ‬ ‫بالباطل‪ ،‬ليقول له‪ :‬كال‪ ،‬بل لقد طُردتم! و ْل‬
‫_________________‬
‫(‪ )1‬كانت هذه الخطبة أوائل سنة ‪.1920‬‬

‫‪37‬‬
‫من اآلن من سيقوم غداً على حفرة بيغن ليقول له‪:‬‬
‫أين غرورك وأين ادعاؤك؟ إن القدس قد رجعت على‬
‫رغمك إلى أصحابها المسلمين‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬إنها سترجع إليهم إن رجعوا هم إلى‬
‫دينهم‪ ،‬ولقد بدت بوادر الرجوع إلى الدين‪.‬‬
‫[الذكريات ج‪ :1‬ح‪])1982( 15‬‬

‫‪38‬‬
‫‪-17-‬‬
‫لقد كانت معركة ميسلون منعطف ًا خطيراً في‬
‫أكثر المنعطفات في قصة حياتي!‬ ‫تاريخ بالدي‪ ،‬وما َ‬
‫ذلك لتعلموا أن حياة اإلنسان ال تقاس بـ>طول<‬
‫السنين بل بـ>عرض< األحداث‪ ،‬فلقد بلغ عمري في‬
‫التاريخ الذي أكتب عنه اثنتي عشرة سنة فقط‪ ،‬ولكني‬
‫رأيت فيها حكم األتراك‪ ،‬وحكم العرب ومن ورائهم‬
‫اإلنكليز‪ُ ،‬م ْس َت ْخفين بأشخاصهم ظاهرين بأعمالهم‪،‬‬
‫الخناس مع الناس‪ .‬وسأشهد قريب ًا حكم‬
‫كالوسواس ّ‬
‫الفرنسيين‪ ،‬وهم ظاهرون ظهوراً قوي ًا ولكن أثرهم‬
‫‪-‬إن قيس بأثر أولئك‪ -‬كان ضعيف ًا‪.‬‬
‫لما‬
‫أتعرفون القصة الرمزية عن الريح والشمس ّ‬
‫تراهنتا على أيهما يقدر أن ينزع عن الفالح معطفه‪،‬‬
‫فعصفت الريح فبرد فلبس فوق المعطف عباءة‪،‬‬
‫فأحس بالحر‬‫ّ‬ ‫فوجهت أشعتها إليه‪،‬‬
‫وجاءت الشمس ّ‬
‫وسال من جسده العرق فنزع المعطف؟ هذا هو مثال‬
‫اإلنكليز والفرنسيين كما رأيناهم في الشام‪ ،‬وهما‬
‫حماريك‬
‫َ‬ ‫أي‬
‫كحماري العبادي‪ ،‬قيل له‪ُّ :‬‬
‫َ‬ ‫‪-‬بعد ذلك‪-‬‬
‫أسوأ من صاحبه؟ قال‪ :‬هذا‪ .‬وأشار إليهما مع ًا!‬
‫[الذكريات ج‪ :1‬ح‪])1982( 8‬‬

‫‪39‬‬
‫‪-18-‬‬
‫أصب في أعصابكم‬‫ّ‬ ‫يا أيها القراء‪ :‬إني ما جئت‬
‫قوة ليست فيها‪ ،‬ولكن جئت أثير القوة التي نامت في‬
‫أعصابكم‪ .‬وما جئت ألجعلكم خيراً مما أنتم عليه‪،‬‬
‫خير مما أنتم عليه‪.‬‬
‫ألفهمكم أنكم ٌ‬ ‫ولكن جئت ُ‬

‫يا سادة‪ :‬إن األمم كاألفراد‪ .‬أال يكون الرجل‬


‫منكم رائح ًا من عمله خائر الجسم واني العزم‪ ،‬كل‬
‫أمانيه أن يصل إلى الدار ُفيلقي بنفسه على أول مقعد‬
‫ّ‬
‫يلقاه قبل أن يستنفد الجهد قواه‪ ،‬فيجد في الدار‬
‫بشارة بأنه ُر ِّفع درجة أو نال جائزة‪ ،‬أو هبط عليه‬
‫فيحس بأنه انتفض‬
‫ّ‬ ‫ْإرث ضخم من قريب َمنسي‪،‬‬
‫كما ينتفض العصفور ب ّلله ال َقطر‪ ،‬وانتعش كما ينتعش‬
‫النبات أرواه الماء‪ ،‬ونشط كما ينشط الجمل أُطلق‬
‫من عقال؟‬
‫أال يكون أحدكم َم ْر ِخ ّي األعصاب خامل‬
‫خدره النعاس حتى ما يقدر أن يفتح‬ ‫الجسد‪ ،‬قد ّ‬
‫عينيه‪ ،‬فيعدو عليه َعاد أو يطرقه لص أو يحقره‬
‫إنسان‪ ،‬فيشعل الغضب في دمه ناراً ويشد من أعصابه‬
‫أوتاراً‪ ،‬فيثب يريد أن يقتحم الجدار أو يخوض النار؟‬

‫‪40‬‬
‫يجر قدميه من الو َنى‬
‫أال يكون أحدكم تعبان كسالن‪ّ ،‬‬
‫جراً يظن أنه سيسقط من َكالله على األرض‪ ،‬فيلحقه‬
‫وحش كاسر‪ ،‬فإذا هو ينطلق‬ ‫ٌ‬ ‫عدو فاجر أو يطارده‬
‫انطالق القذيفة من فم المدفع ويعدو َع ْد َو الغزال‬
‫المروع؟‬
‫َّ‬
‫الم َّد َخرة في أعصاب‬ ‫هذه ‪-‬أيها الناس‪ -‬القوة ُ‬
‫اإلنسان‪ُ ،‬يظهرها األمل ويبديها الغضب ويبعثها‬
‫الخوف‪ .‬وفي األمم قوة كهذه القوة‪ ،‬وما األمة إال‬
‫‪-‬إن‬
‫تحس ْ‬‫ّ‬ ‫األفراد؛ األمة أنا وأنت وهم وهن‪ ،‬أفال‬
‫غضبت أو فرحت أو جزعت‪ -‬أن نبضك يسرع‬
‫وقلبك يخفق‪ ،‬ووجهك َي ْص َف ّر أو َي ْح َم ّر‪ ،‬وجسدك‬
‫كله يتبدل ويتغير؟ فكذلك األمم؛ تكون األمة نائمة‬
‫آمنة‪ ،‬قد غلب عليها الخمول وشملها االرتخاء‪ ،‬فما‬
‫هي إال أن يبعث اهلل لها القائد العبقري يصرخ فيها‬
‫يحذرها عدواً‪ ،‬أو َي ِع ُدها نصراً‬ ‫ّ‬ ‫ينذرها خطراً‪ ،‬أو‬
‫مؤ َّزراً‪ ،‬حتى َتثِ َب كما يثب الجندي المستريح إلى‬
‫سالحه‪ ،‬فتعمل العجائب وتصنع المعجزات وتدع‬
‫التاريخ حائراً من فعلها مشدوه ًا‪.‬‬
‫[هتاف المجد‪ :‬إلى السالح‬
‫ُ‬
‫يا عرب (‪])1951( )1‬‬

‫‪41‬‬
‫‪-19-‬‬
‫ال تجزعوا من تلك المصائب المتتالية‪ ،‬فما‬
‫هي إال تدريب لنا‪ .‬نحن كالبطل الرياضي الذي كان‬
‫المصارع السابق‪ ،‬ثم تكاسل ونام حتى فترت حماسته‬ ‫َ‬
‫قو ُته‪ .‬ماذا يصنع هذا البطل إذا جاءت المباراة‬ ‫وو َن ْت ّ‬
‫أنواع التمرينات الشا ّقة ليعود إليه‬
‫َ‬ ‫الجديدة؟ أال يكلَّف‬
‫ويرتد إليه َجلَده؟ كذلك يصنع اهلل بنا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫نشاطه‬
‫وصدام‪ ،‬وكنا أبطال المعارك‬ ‫لقد كنا أم َة نِزال ِ‬
‫وفرسان الميادين‪ ،‬ولقد فتحنا الشرق والغرب وملكنا‬
‫ال‪ ،‬وتوالت‬‫ما بين الصين وفرنسا‪ ،‬ثم هجعنا طوي ً‬
‫علينا أيام الخمول حتى لقد شككنا في أنفسنا‪ .‬وها‬
‫دعى مرة ثانية لقيادة العالم‪ .‬إي واهلل‪،‬‬
‫نحن أوالء ُن َ‬
‫بد لذلك من تمرينات شاقة‪ ،‬وهذه‬ ‫لقيادة العالم‪ ،‬وال ّ‬
‫هي التمرينات‪.‬‬
‫وقد يموت منا رجال‪ ،‬وتخرب لنا دور‪،‬‬
‫ويصيبنا األذى‪ ،‬ولكن ذلك كله يهون في جنب الغاية‬
‫التي يريدها اهلل لنا‪.‬‬
‫[هتاف المجد‪ :‬حوادث مصر (‪])1956‬‬
‫ُ‬

‫‪42‬‬
‫‪-20-‬‬
‫حدثني األخ السيد عمر الحكيم (وقد كان‬
‫أواخر الحرب الماضية) قال‪ :‬كانت ُتغير‬ ‫َ‬ ‫في ألمانيا‬
‫على برلين خمسة آالف طيارة‪ ،‬تضربها ضرب ًا يزلزل‬
‫ويرج الجبال‪ ،‬حتى لكأن القيامة قد قامت‬ ‫ّ‬ ‫األرض‬
‫وصبت‬
‫ّ‬ ‫وجهنم قد فتحت أبوابها‪ .‬فإذا فرغت أحمالها‬
‫رزاياها وانصرفت خرج الناس من المالجئ‪ ،‬ودارت‬
‫السيارات الحكومية تقرع األجراس ومعها صفائح‬
‫كبيرة من األخشاب ومسامير‪ ،‬فكل من ُهدم جداره‬
‫أو ُضرب بيته أخذ من هذه الصفائح‪ ،‬فجعل منها‬
‫انهد وبيت ًا بدل البيت الذي‬
‫جداراً مكان الجدار الذي ّ‬
‫سقط‪ .‬فال ينتهي من البناء حتى تعود الغارة ويعود‬
‫الناس بعدها إلى العمل‪ ،‬ويتكرر ذلك مرات في‬
‫اليوم‪...‬‬
‫ونحن قد مرت بنا طيارة واحدة ضربت الشام‬
‫بخمس قنابل‪ ،‬فجزع الناس وفزعوا‪ ،‬وهرب منهم‬
‫من هرب فلم يعد يستطيع مقام ًا‪ .‬فما الفرق بيننا‬
‫وبينهم؟ أنحن مخلوقون من الطين وهم مصبوبون‬
‫َص َّب الحديد؟ ال‪ ،‬ولكنها العادة ِ‬
‫والمران ومكابدة‬
‫األهوال وممارسة الخطوب‪ .‬وأنا أتمنى واهلل (وإن‬

‫‪43‬‬
‫كره بعض القراء) أن تتوالى علينا الغارات‪ ،‬وأن نذوق‬
‫لذع الحرب ونكوى بنارها‪ ،‬ولو كان في ذلك خراب‬
‫دور من دورنا وقتل ناس من أهلنا!‬
‫إن األلمان ليسو أصفى منا جوهراً وال أطيب‬
‫ال وال أقوى أعصاب ًا‪ ،‬ولكن حياة الدعة والخمول‬‫أص ً‬
‫والقعود عن الحروب كادت ُتفقد العرب أجمل‬
‫سالئقهم وأحسن سجاياهم‪ :‬الصبر والجلد واحتمال‬
‫الشدائد ومقارعة ال ِعدا‪.‬‬
‫ورحبوا‬
‫فافرحوا إن شمرت الحرب عن ساقها‪ِّ ،‬‬
‫بالشدائد فإنها امتحان الرجال‪ .‬إن عشر غارات على‬
‫دمشق تن ّقيها من كل َخ ّوار ضعيف‪ ،‬وتنفي عنها‬
‫النحاس عن الذهب‬
‫َ‬ ‫النار‬
‫الجبناء المخانيث كما تنفي ُ‬
‫الخالص‪ .‬إن عشرين مليون عربي كلهم رجال وكلهم‬
‫أبطال‪ ،‬وكلهم مساعر حرب وأبطال جالء‪ ،‬خير من‬
‫هذه الماليين السبعين التي ال تصنع شيئ ًا‪.‬‬
‫ال؛ إنها بداية الهوان‬
‫فمرحب ًا بطيارات اليهود وأه ً‬
‫لهم وبداية العز لنا!‬
‫[كلمات صغيرة‪ :‬مرحب ًا بالغارات (‪])1949‬‬

‫‪44‬‬
‫‪-21-‬‬
‫‪ ...‬هذه قصة غارة واحدة رأيناها من طائرة‬
‫واحدة َم ّرت بسمائنا‪ ،‬فكيف كان األلمان خالل‬
‫الحرب الثانية تهجم عليهم ألف طيارة أكبر وأضخم‬
‫وأقوى على اإلبادة وعلى التقتيل من هذه التي َم ّرت‬
‫بنا‪ ،‬فإذا انقضت الغارة خرجوا فأصلحوا ما فسد‬
‫وسدوا من الجدار ما انخرق‪ ،‬وصبروا وعادوا إلى‬ ‫ّ‬
‫منا خلق ًا وأقوى‬
‫العمل وإلى القتال؟ فهل األلمان أقوى ّ‬
‫طبيعة وأقرب إلى الرجولة وإلى مزايا األبطال؟ ال‪،‬‬
‫مرت بنا‬ ‫ولكن طول الدعة والخمول‪ ،‬والقرون التي ّ‬
‫في عصور انحطاطنا هي التي أنستنا بعض فضائلنا‪.‬‬
‫ولكن ال تخافوا وال تيأسوا من روح اهلل‪ ،‬فإن‬
‫اهلل موجود‪ ،‬يناديكم أن تعودوا إليه‪ ،‬فإذا عدتم إليه‬
‫صبها‬
‫أعاد لكم النصر وأعاد لكم الظفر‪ .‬إن العزة التي ّ‬
‫اإلسالم في عروقنا ال تزال جارية فيها مع دمائنا‪.‬‬
‫يا أيها الناس‪ :‬إن قطعة الذهب قد تسقط في‬
‫الوحل فيصيبها األذى ولكنها تبقى ذهب ًا‪ ،‬والصفيح‬
‫ليس كالذهب‪ ،‬والشر ليس كالخير‪ ،‬والليل األسود‬
‫كالضحى المشرق المضيء‪ .‬واليهودي‬ ‫ّ‬ ‫البهيم ليس‬

‫‪45‬‬
‫ليس كالمسلم ولو ُو ِض َعت في يده أموال الدنيا‪،‬‬
‫ولو جمع في مخازنه أسلحة الدنيا‪ ،‬ولو وق َفت وراءه‬
‫أقوى دولة في الدنيا‪.‬‬
‫[الذكريات ج‪ :4‬ح‪])1984( 116‬‬

‫‪46‬‬
‫‪-22-‬‬
‫قرأت في برقيات أمس أن فرنسا قد عادت‬
‫إلى طيشها وبطشها في الجزائر‪ ،‬وإلى بطولتها في‬
‫اقتحام البيوت وترويع النساء واعتقال األبرياء وإيذاء‬
‫ودنو‬
‫ّ‬ ‫المساكين‪ ...‬ففرحت وأيقنت بقرب الخالص‬
‫الفرج‪.‬‬
‫ذلك ألن في أعماق نفوسنا ‪-‬معشر العرب‪-‬‬
‫الشداد‪ ،‬وكلما‬ ‫بطولة عجيبة ال تظهرها إال ِ‬
‫الم َحن ِّ‬
‫حاق بها الخطر صفا جوهرها وظهر معدنها‪ .‬وهذه‬
‫الجزائر‪ :‬ال تزال تناضل وتصاول كأنما لم تحكمها‬
‫تسخر ذكاءها‬
‫ّ‬ ‫فرنسا‪ ،‬ولم تدأب أكثر من مئة سنة‬
‫وعلمها وقوتها وحمقها لتقتل فيها روح النضال‬
‫وتمحو من نفوسها حب االستقالل‪ .‬وستظل تجاهد‬
‫حتى تنعم بالجالء كما نعمت به ديار الشام‪ ،‬الجالء‬
‫الذي دفعنا ثمنه من دمائنا التي أرقناها على أرض هذا‬
‫وم َهجنا التي بذلناها‪ ،‬وأموالنا التي أنفقناها‪،‬‬
‫الوطن‪ُ ،‬‬
‫ونلناه بتضحيتنا وبطوالتنا‪.‬‬
‫فستستقل الجزائر‪ ،‬ويتحرر المغرب‬
‫ّ‬ ‫أبشروا‪،‬‬
‫كله‪ ،‬و ُتستن َقذ فلسطين‪ ،‬وننجو من إنكلترا وأختها‬

‫‪47‬‬
‫أشر وأدهى‪،‬‬
‫كما نجونا من فرنسا‪ .‬وإن كان اإلنكليز ّ‬
‫ألن الفرنسيين بحمقهم وطيشهم يأتون كالثور الهائج‬
‫فتغلق دونه الباب أو تستعد له‪ ،‬وهؤالء يجيئون‬
‫كالحية الناعمة المزخرفة التي تدخل من تحت‬
‫اللحاف فتلدغك وأنت نائم‪.‬‬
‫كلهم عزرائيل‪ ،‬ولكن أولئك يهجمون بالسيف‬
‫قدم‬
‫يسبون ويشتمون‪ ،‬وهؤالء يقتلون بالسم ُي َّ‬ ‫وهم ّ‬
‫في قطعة شكالطة! واهلل المستعان عليهم جميع ًا‪.‬‬
‫[كلمات صغيرة‪ :‬ثورة اإليمان (‪])1950‬‬

‫‪48‬‬
‫‪-23-‬‬
‫انظروا ماذا صنعنا في هذه الحرب واعجبوا‬
‫منا(‪ :)1‬إذ فتحت لنا إلى آمالنا باب ًا واسع ًا فلم ندخله‪،‬‬
‫ّ‬
‫ووضعت في أيدينا سالح ًا ماضي ًا فلم نستعمله!‬
‫عجزنا عن أن نكون أقوى من عدونا‪ ،‬فأضعفته‬
‫عنا لنغتنم‬
‫هذه الحرب لنقوى بضعفه‪ ،‬وشغلته ّ‬
‫فأدركتنا رقة الشعور‪،‬‬
‫َ‬ ‫فنسترد منه ما سلبه منا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الفرصة‬
‫فرحمناه وأشفقنا عليه أن نزعجه بمطالبنا في بلواه‪،‬‬
‫وآثرنا الذوق واللطف على واجب الوطنية والشرف‪،‬‬
‫ِ‬
‫"أعطنا الذي سرقته منا"‪،‬‬ ‫فلم نفتح أفواهنا لنقول له‪:‬‬
‫أعناه على عدوه وعلى أنفسنا‪ ،‬وأيدناه بألسنتنا‬ ‫بل ّ‬
‫وأموالنا وأيدينا!‬
‫وزعم لنا أنه ما حارب إال لينصر الديمقراطية‪،‬‬
‫فقلنا‪" :‬صحيح‪ ،‬فلتعش الديمقراطية"! وقال لنا إنه‬
‫ويطهر‬
‫ّ‬ ‫يبذل دمه ليدافع عن الضعاف المظلومين‬
‫األرض من النازيين الباغين‪ ،‬فقلنا‪" :‬بارك اهلل فيك‪،‬‬

‫_________________‬
‫(‪ )1‬الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وقد ُنشرت المقالة بعد نهايتها‬
‫بسنتين (مجاهد)‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫هذه شيمة السادة األكرمين"‪ ...‬ولم تكن فينا أمة عاقلة‬
‫إال الهند‪ ،‬فلم تجامل هذه المجاملة السخيفة التي‬
‫جاملناها‪ ،‬ولم تقترف هذه الجريمة التي اقترفناها‪،‬‬
‫بل قامت تنادي بطلب االستقالل على حين كان‬
‫يمجدون الديمقراطية في الصحف‪ ،‬ومشايخنا‬ ‫أدباؤنا ّ‬
‫يدعون لها على المنابر بالنصر‪ ،‬فكانت عقوبتنا‬
‫عاجلة‪:‬‬
‫تمر ثالث سنوات على استجابة الدعاء‬ ‫لم ّ‬
‫وانتصار األعداء حتى فعل بنا أهل باريس التي‬
‫(جد َد اهلل نكبتها) ولندن‬
‫ّ‬ ‫بكينا عليها يوم نكبتها‬
‫مج ْدنا ديمقراطيتها ما لم يفعله هتلر باليهود‬
‫التي َّ‬
‫أقدم مدن‬ ‫َ‬ ‫الذئب بقطيع الغنم‪ ،‬فضربوا دمشق‬
‫ُ‬ ‫وال‬
‫األرض بالقنابل‪ ،‬وذبحوا عشرات األلوف من أهل‬
‫المغرب‪ ،‬وأعانوا الهولنديين على األندونيسيين‬
‫ليملكوا أرضهم ويسلبوهم بالدهم ويقتلوا أبناءهم‪،‬‬
‫بش ّذاذ اآلفاق و ُنفايات األمم‪ ،‬أهل‬
‫ورموا فلسطين ُ‬
‫الذلّة والمسكنة‪ ،‬اليهود! وتنكّ روا لمصر من بعد‬ ‫ِ‬
‫ما لجؤوا إليها فآوتهم‪ ،‬وسألوها المال فأعطتهم‪،‬‬
‫فواد ْتهم‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الو ّد‬
‫وخطبوا منها ‪-‬على ظلمهم لها‪ُ -‬‬
‫واستنصروها ‪-‬وهم أعداؤها‪ -‬على قوم لم يعادوها‬
‫فنصرتهم‪ ،‬فكان جزاؤها منهم ‪-‬بعدما أكلوا خبزها‬ ‫َ‬

‫‪50‬‬
‫جزاء الذي أطعم‬
‫َ‬ ‫وأخذوا مالها وسكنوا في مسكنها‪-‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الحية فلدغته وآوى الضبع فأكلته!‬
‫أن َمن ال يثب على‬‫فهل اعتبرنا؟ وهل عرفنا ّ‬
‫الفرصة ُتفلت منه‪ ،‬ومن ال يضرب الحديد حامي ًا‬
‫يبرد ويشتد فيعجز عنه؟ وهل اعتزمنا >الوثوب< في‬
‫فلسطين‪ ،‬وفي مصر‪ ،‬وفي المغرب‪ ...‬أم ال نزال‬
‫ونسوف حتى يأتي يوم ال ينفع فيه الوثوب وال‬
‫ّ‬ ‫نؤجل‬
‫ّ‬
‫يجدي فيه العمل؟‬
‫[ثِ ْب وثب ًا (مقالة قديمة لم‬
‫نشر في الكتب) (‪])1947‬‬ ‫ُت َ‬
‫_________________‬
‫هاد َن اإلنكليز‬
‫تسعرت الحرب العالمية الثانية َ‬ ‫لما ّ‬
‫(‪ّ )1‬‬
‫الشعوب التي استعمروها‬
‫َ‬ ‫والفرنسيون والهولنديون‬
‫وسخ َروها لمنفعتهم‪ ،‬فصار أبناؤها جنوداً‬
‫ّ‬ ‫وخدعوها‬
‫في كتائبهم‪ ،‬وصارت حاصالتها غذاء لجنودهم‬
‫لطياراتهم‪.‬‬
‫وقواعد ّ‬
‫َ‬ ‫وأراضيها طرق ًا لجيوشهم‬
‫واستعانوا بذلك كله على أعدائهم من األلمان‬
‫أشد على‬
‫والطليان‪ ،‬فلما تحقق لهم النصر عادوا َّ‬
‫شعوب المستعمرات مما كانوا وأغشم وأظلم‪ .‬ومن‬
‫قرأ خبر ما صنعه الفرنسيون في الجزائر بعد الحرب‬
‫والهولنديون في أندونيسيا فال آمن عليه ‪-‬من هول ما‬
‫المشيب من قبل األوان (مجاهد)‪.‬‬ ‫يقرأ‪َ -‬‬

‫‪51‬‬
‫‪-24-‬‬
‫نحن اليوم في معركة مع االستعمار‪ ،‬قد اندلعت‬
‫رارها‪.‬‬
‫نارها وطار في كل أرض من أرض اإلسالم َش ُ‬ ‫ُ‬
‫يد ُع مدافعه فال يطلقها‪،‬‬
‫فهل رأيت جيش ًا في معركة َ‬
‫يسيرها‪ ،‬ويلقي بنادقه فال يحملها؟‬
‫وينسى دباباته فال ّ‬
‫نسخرها‬‫هذا ما نفعله نحن حين نهمل أقالمنا فال ّ‬
‫وإن ِمن أمضى أسلحتنا وأنفذها‬ ‫في هذا النضال‪ّ .‬‬
‫وأبقاها على الزمان وأثبتها لل ِغ َير َلهذه األقالم‪ ،‬فما‬
‫لِهذه األقالم نائمة ال تفيق‪ ،‬جامدة ال تتحرك؟ وما‬
‫لبعضها ال يزال يلهو ويلعب‪ ،‬كأنه مدفع العيد يتفجر‬
‫المدلهمة التي ُج ّن‬
‫ّ‬ ‫بالبارود الكاذب وسط المعمعة‬
‫فيها الموت؟!‬
‫إنها معركة االستعمار‪ :‬استعمار البالد بالجيوش‪،‬‬
‫واألسواق بالشركات‪ ،‬والرؤوس بالمذاهب‪ ،‬والقلوب‬
‫بالشهوات‪ ،‬فجنود العدو تخطر على أرضنا (‪،)1‬‬
‫وشركاته تتحكم في أسواقنا‪ ،‬ومذاهبه الخبيثة تمأل‬
‫وتكشفه في‬
‫ّ‬ ‫رؤوسنا‪ ،‬وتقليده في إباحيته وشهوته‬

‫_________________‬
‫(‪ )1‬هذا ما كان‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫تنبه‬
‫نسائه وفي أدبه يفسد قلوبنا‪ .‬فأين تلك األقالم ّ‬
‫وتطهر الرؤوس والقلوب‪ ،‬وتحمل نور‬
‫ّ‬ ‫القوم ال ِّنيام‪،‬‬
‫الحق لتبدد به ظلمة الباطل؟!‬
‫تعرف هذا الشعب بنفسه‪،‬‬ ‫أين تلك األقالم ّ‬
‫وتذكره أنه لم ُيخلَق َلي ِذلّ‬‫ّ‬ ‫وتتلو عليه أمجاد أمسه‪،‬‬
‫ويحكم‪ ،‬وأن اهلل ما برأه من‬ ‫ويخنع‪ ،‬وإنما ُخلق ليعز َ‬
‫الصيد األماجيد‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫(‪)1‬‬
‫سواه من ِجذْ م‬‫طينة العبيد بل ّ‬
‫ال في األرض‬ ‫وأنه أثبت من هؤالء المستعمرين أص ً‬
‫وأعلى فرع ًا في السماء‪ ،‬وأكرم نفس ًا وأشرف عنصراً‬
‫الغني وأذلت‬ ‫َّ‬ ‫األيام‬
‫ُ‬ ‫وأنقى جوهراً‪ ،‬وأنها إذا أفقرت‬
‫يغتر‬
‫العزيز فإن الفلك َد ّوار‪ ،‬والدهر دوالب‪ ،‬فال ّ‬ ‫َ‬
‫الغني على اليسار‬ ‫ّ‬ ‫الفقير بال ِغنى الحادث وال َ‬
‫يأس‬
‫فإن كل شيء يعود إلى أصله‪ ،‬وإن كل‬ ‫الذاهب‪ّ ،‬‬
‫حال إلى زوال‪.‬‬
‫[في سبيل اإلصالح‪ :‬أين األقالم؟ (‪])1946‬‬

‫_________________‬
‫الجذم هو األصل واألهل والعشيرة‪ ،‬وفي الحديث‪:‬‬‫(‪ِ )1‬‬
‫رجل من قريش إال له ِجذم بمكة< (مجاهد)‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫>لم يكن‬

‫‪53‬‬
‫‪-25-‬‬
‫وإن‬
‫لما ُوطئت بالدهم‪ْ ،‬‬ ‫لقد حارب الفرنسيون ّ‬
‫الك ّر‪.‬‬
‫كانوا في الحرب نعام ًا تُحسن ال َف ّر ال أسوداً تجيد َ‬
‫وحارب اإلنكليز‪ ،‬وحارب األميركيون‪ ،‬وحاربت‬
‫قبائل البوير‪ ،‬وحارب أهل الحبشة‪ ،‬وحارب هنود‬
‫أميركا يوم دخلوها عليهم‪ ...‬وحاربت كل أمة على‬
‫المقدسة ُخلُق ًا في‬
‫َّ‬ ‫ظهر األرض‪ .‬وكانت هذه الحرب‬
‫طبع كل َأب ٍِّي شريف‪ ،‬فال يكون َمن يفقده ّ‬
‫أبي ًا وال‬
‫شريف ًا‪ ،‬ال يكون إال كلب ًا‪ .‬بل إن الكلب يحارب دون‬
‫وِجاره‪ ،‬وكل حيوان حي يدافع عن ِذماره‪ ،‬حتى‬
‫الخنزير البري!‬
‫َفهل يريد أنصار المفاوضات والمحادثات أن‬
‫وأنف الكاره في الرغام‪.‬‬
‫ُ‬ ‫نكون أقلَّ من الخنازير؟ كال‪،‬‬
‫وأعز من كل عزيز‪ ،‬وأسمى‬ ‫َّ‬ ‫أكرم من كل كريم‪،‬‬
‫ولكن َ‬ ‫ْ‬
‫من كل بشر أظ ّلته السماء وحملته الغبراء‪ .‬وإال فما‬
‫نحن ألولئك األجداد‪ ،‬وال نحن لرمال الجزيرة‪ ،‬وال‬
‫صكوا‬
‫نحن لمن حملوا نشيد >اهلل أكبر< ومشوا حتى ّ‬
‫جن الفال‪ ،‬وملؤوا به كل‬‫به سمع الزمان‪ ،‬وراعوا به ّ‬
‫سهل وجبل حتى دانت لهم األرض ومن عليها‪ ،‬وال‬
‫نحن لمحمد صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫كال‪ ،‬نحن سالئل الفاتحين‪ ،‬في عروقنا‬
‫عزتهم‪ ،‬ولئن‬ ‫دماؤهم‪ ،‬وفي صدورنا قلوبهم‪ ،‬ولنا ّ‬
‫فقدنا السالح فما فقدنا العقل الذي يصنعه‪ ،‬وال اليد‬
‫التي َت ْش َحذُ ه (‪ ،)1‬على أنه إذا أعوزنا السالح أخذناه‬
‫عدونا وجالدناهم به‪ .‬وكذلك فعلنا‪.‬‬
‫يد ّ‬ ‫من ِ‬

‫لن نهاب بعد اليوم غريب ًا‪ ،‬ولن نثق به أبداً‪.‬‬


‫[هتاف المجد‪ :‬تحية البطلين (‪])1947‬‬
‫ُ‬

‫_________________‬
‫(‪ )1‬تشحذه أي ُت ِس ّنه و ُت ّ‬
‫حده‪ ،‬ال تشحده!‬

‫‪55‬‬
‫‪-26-‬‬
‫إلى السالح يا عرب‪ .‬إلى السالح‪ ،‬فإن كل‬
‫بنية على تل من‬
‫استقالل ال يحميه السالح قلعة َم ّ‬
‫الملح في مجرى السيل‪ .‬إلى السالح‪ ،‬فإن كل حق‬
‫ض لالغتصاب‪ .‬إلى‬ ‫معر ٌ‬
‫فم المدفع حق َّ‬ ‫ال يؤيده ُ‬
‫السالح لتحموا به أوطانكم وإيمانكم‪ ،‬وتدافعوا به‬
‫رضكم‪ ،‬ولتذودوا به عن أجداث‬ ‫عن أرضكم وعن ِع ْ‬
‫أجدادكم وآثار أمجادكم‪.‬‬
‫إلى السالح‪ ،‬ابذلوا في سبيله الغالي والرخيص‪.‬‬
‫إلى السالح‪ ،‬بيعوا الصحن والكرسي واشتروا‬
‫السالح‪ ،‬امنعوا عن أفواهكم وابذلوا للسالح‪ ،‬فإنه‬
‫إن كان معكم السالح استرجعتم كل ما بذلتم‪ ،‬وإن‬
‫لم يكن معكم سالح لم ينفعكم كل ما ّادخرتموه‪.‬‬
‫إلى السالح‪ ،‬اشتروه من الشرق ومن الغرب‪،‬‬
‫واطلبوه من اإلنس ومن الجن! سالح الحديد في‬
‫أيديكم‪ ،‬وسالح اإليمان في قلوبكم‪ ،‬وسالح األخالق‬
‫والعلم والمال‪ .‬واهلل معكم‪ ،‬إن تنصروا اهلل بأموالكم‬
‫ويثبت أقدامكم‪.‬‬
‫وأنفسكم ينصركم ّ‬
‫[هتاف المجد‪ :‬إلى السالح يا عرب (‪])1954( )2‬‬
‫ُ‬

‫‪56‬‬
‫‪-27-‬‬
‫‪ ...‬وشيء أخير أقوله لكم‪ ،‬نصيحة من أخ‬
‫لكم‪ :‬أنتم نذرتم أنفسكم للجهاد‪ ،‬وقد تتعرضون‬
‫انسدت يوم ًا في‬
‫َّ‬ ‫بد للجندي منها‪ ،‬فإذا‬ ‫لمخاطر ال ّ‬
‫الس ُبل‪ ،‬إذا رأيتم أنفسكم في َض ْنك‪ ،‬إذا‬ ‫وجوهكم ُّ‬
‫لم تجدوا ملجأ أو مخرج ًا على األرض‪ ،‬فاذكروا أن‬
‫هناك باب ًا ال ُي َس ّد أبداً‪ ،‬هو باب اهلل‪ ،‬هو باب السماء‪.‬‬
‫فم ّدوا أيديكم وقولوا >يا اهلل< قبل أن تمضوا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أيها اإلخوة‪ ،‬قبل أن تمضوا إلى المعركة َلي ُقل‬
‫العاصي‪ :‬يا رب‪ ،‬إني أتيت إليك‪ ،‬إني أترك أهلي‬
‫وأمضي مجاهداً في سبيلك وإلعالء كلمتك‪ ،‬فاكتبها‬
‫لي شهادة‪ ،‬وال تحرمني الحياة الدنيا بالموت والحياة‬
‫األخرى بخسران الجنة‪.‬‬
‫توجهوا إلى اهلل‪ ،‬واجعلوا شعاركم الذي تهتفون‬ ‫ّ‬
‫تاف‬
‫به أمام كل قلعة وفي كل واد وعلى كل رابية ُه َ‬
‫آبائكم الذي كان يأتيهم به النصر‪ ،‬ذلك النشيد الذي‬
‫لم تسمع أذن الزمان أعظم منه روعة وال أعلى منه‬
‫رفعة‪ ،‬نشيد >اهلل أكبر<‪ .‬ومهما كبر العدو فاعلموا أن‬
‫اهلل أكبر منه‪ ،‬وثقوا أنكم إن كنتم جنداً هلل فإن جند اهلل‬

‫‪57‬‬
‫منصور دائم ًا‪ ،‬وإذا كنتم مع اهلل بقلوبكم فلن يغلبكم‬
‫{وإن‬
‫ّ‬ ‫أحد‪ ،‬ال إسرائيل وال من هم وراء إسرائيل‪:‬‬
‫ُج ْن َدنا ل َُه ُم الغالِبون}‪.‬‬
‫[نور وهداية‪ :‬الحرب واإليمان (‪])1969‬‬

‫‪58‬‬
‫‪-28-‬‬
‫ال ي ُقل قائل من الناس‪ :‬إننا في معركة مع اليهود‬
‫منا أن نكتفي بالدعاء‪.‬‬‫وأنت تريد ّ‬
‫أنا ال أريد أن َت ْدعوا دعاء الخاملين العاطلين‬
‫وال يريد ذلك اإلسالم‪ ،‬بل أريد أن نمتثل أمر اهلل‪،‬‬
‫القوة وأن نبذل ما نقدر عليه من‬ ‫ِ‬
‫أن ُنع ّد ما استطعنا من ّ‬
‫جهدنا‪ ،‬ثم نسأل ربنا النصر على عدونا‪ ،‬ألن النصر‬
‫الع َدد‪،‬‬
‫ليس مقترن ًا حتم ًا بكثرة العدد وال بضخامة ُ‬
‫عدوهم عدداً‬ ‫األولون كانوا دائم ًا أقل من ّ‬ ‫والمسلمون ّ‬
‫وعدداً‪ .‬لقد نصر اهلل المسلمين ببدر وهم أذلّة‪ ،‬ويوم‬ ‫ُ‬
‫{وك ْم‬
‫َ‬ ‫حنين إذ أعجبتهم كثرتهم فلم ُت ْغ ِن عنهم شيئ ًا‪:‬‬
‫ِمن فئ ٍة قليل ٍة َغلب ْت ِفئ ًة كثير ًة ِ‬
‫بإذن اهلل}‪.‬‬ ‫َ‬
‫أمرنا اهلل بأن ُن ِع ّد ما استطعنا من القوة لكن هل‬
‫َ‬
‫رهب بها عدو اهلل وعدونا‪،‬‬ ‫ُن ِع ّدها للنصر؟ ال‪ ،‬بل ُلن ِ‬
‫وما النصر إال من عند اهلل‪ .‬أنزل اهلل مالئكته في بدر‪،‬‬
‫{وما‬
‫هل أنزلهم للنصر؟ ال‪ ،‬وإنما أنزلهم ُبشرى‪َ :‬‬
‫قلوبكم به}‪{ ،‬وما‬
‫تطمئن ُ‬
‫َّ‬ ‫هلل إال ُبشرى لكم ولِ‬ ‫َجعل َُه ا ُ‬
‫النصر إال من ِ‬
‫عند اهلل}‪.‬‬ ‫ُ‬
‫[الذكريات ج‪ :3‬ح‪])1983( 84‬‬

‫‪59‬‬
‫‪-29-‬‬
‫لما كان هتافنا >أمجاد يا عرب أمجاد< لم تنصرنا‬ ‫ّ‬
‫أمجاد العرب‪ ،‬ألن مجد العرب الحق ُولد يوم ولد‬ ‫ُ‬
‫محمد ’‪ .‬لوال محمد لم يكن للعرب إال المعلقات‬
‫وقصر غمدان‪ ،‬ومعارك بين القبائل لم َت ْب ِن مجداً وال‬
‫خ ّلدت ذكراً‪ ،‬ومآثر لم َت ْد ِر بها روما وال القسطنطينية‬
‫وال مدائن كسرى‪ ،‬فلما جاءهم محمد ’ باإلسالم‬
‫جعلهم به سادة األرض وأساتذتها‪ ،‬وجعل منهم ُم ُثلَ‬
‫البشرية العليا في الفضائل والمفاخر‪.‬‬
‫كنا كلما َع َد ْت إسرائيل علينا فزعنا إلى >مجلس‬
‫األمن<‪ ،‬كما يصنع التلميذ الضعيف في المدرسة‪،‬‬
‫يضربه األقوياء فيذهب إلى األستاذ يقول‪" :‬أستاذ‪،‬‬
‫فالن ضربني"‪ ،‬فيقول األستاذ للضارب‪" :‬عيب يا‬
‫ولد‪ ،‬ال تضرب رفيقك"‪ ،‬ويغمز بعينه يقول له‪ :‬ال‬
‫تخف‪ ،‬أنا معك ولن ينالك أذى!‬
‫كأن مجلس األمن إنما أُنشئ ليكفل األمن‬
‫إلسرائيل وحدها!‬
‫[هتاف المجد‪ :‬قصتنا مع اليهود (‪])1989‬‬
‫ُ‬

‫‪60‬‬
‫‪-30-‬‬
‫جنوبي الشام بالد لم يستطع‬‫ّ‬ ‫كان من مدن‬
‫أن يعيش فيها قبل ضياع فلسطين يهودي واحد‪،‬‬
‫كالخليل ونابلس‪ ،‬فصاروا اآلن يجولون فيها‬
‫ويصولون ويعيثون فساداً في األرض ألنهم شعب‬
‫بقوتهم سطوا‪ ،‬ولكن بضعفنا‬ ‫الفساد واإلفساد‪ .‬وما ّ‬
‫وتفرقنا وأننا أبعدنا اإلسالم عن معركتنا في فلسطين‪،‬‬
‫ُّ‬
‫فلم نجعلها جهاداً إسالمي ًا بل حرب ًا وطنية ومعركة‬
‫(‪)1‬‬

‫قومي ُتكم‬ ‫نصركم‬ ‫ِ‬


‫ّ‬ ‫قومية‪ ،‬فكأن اهلل يقول لنا اآلن‪" :‬ل َت ْ‬
‫وعروبتكم ما دمتم أعرضتم عن نصرة ربكم فلم‬
‫لينصركم"‪ .‬فهل اعتبرتم؟ لقد خسرتم فما‬ ‫َ‬ ‫تنصروه‬
‫أغنت عنكم قوميتكم وال عروبتكم‪ ،‬فهل تعودون‬ ‫َ‬
‫اآلن إلى ربكم‪ ،‬تستغفرونه وتتوبون إليه وتجاهدون‬
‫في سبيله وإلعالء كلمته‪ ،‬وتستمطرون النصر منه‬
‫والتمسك بشريعته؟ أم أنتم محتاجون أن‬‫ّ‬ ‫با ّتباع دينه‬
‫تضيعوا آخر ما بقي لكم؟‬
‫تستمر التجرِبة حتى ّ‬
‫_________________‬
‫خرجت‬
‫َ‬ ‫(‪ )1‬حتى جاءت هذه االنتفاضة سنة ‪،1408‬‬
‫من المساجد تلبس ثوب اإليمان‪ ،‬فأعطاها اهلل النصر‬
‫وأدهش منها أهل األرض‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫إنه واهلل لعجب يعجب منه العجب‪ :‬رجل يقاتل‬
‫جده‪،‬‬
‫عدوه بالبندقية القديمة الصدئة التي ورثها عن ّ‬ ‫ّ‬
‫الرشاش فال يمد إليه يده وبين يديه القنبلة فال‬
‫ّ‬ ‫ه‬‫وأمام‬
‫َ‬
‫يلتفت إليها وال يحارب بها! أليست دعوة القومية‬
‫المخالفة لإلسالم هي البندقية القديمة الصدئة؟‬
‫أليست هي العصبية الجاهلية التي نهانا اإلسالم عنها؟‬
‫جربنا‬
‫جر ْبنا‪ ،‬فهل بعد التجربة من برهان؟ ّ‬
‫لقد َّ‬
‫رفع راية اإلسالم بيد صالح الدين فكانت حطين‪،‬‬
‫وكان بعدها استرداد فلسطين ثم كان طرد الواغلين‬
‫فخبروني يا من رفعتم راية القومية ونكستم‬
‫الغاصبين‪ّ ،‬‬
‫راية اإلسالم‪ ،‬وقلتم >عرب< ولم تقولوا > مسلمون<‪،‬‬
‫تنادون كل يوم من إذاعتكم صباح مساء‪" :‬أيها اإلخوة‬
‫األخوة التي قررها رب العالمين‬
‫ّ‬ ‫في العروبة"‪ ،‬ونسيتم‬
‫أج َدت عليكم؟‬ ‫أخوة اإليمان‪ ،‬خبروني‪ :‬ماذا ْ‬
‫وهي ّ‬
‫[الذكريات ج‪ :8‬ح‪])1987( 241‬‬

‫‪62‬‬
‫‪-31-‬‬
‫األولون إلى الجهاد‪ ،‬إلى‬
‫لقد ُدعي المسلمون ّ‬
‫التضحية‪ ،‬إلى بذل الروح مئة مرة‪ ،‬فما تقاعسوا وال‬
‫ترددوا‪.‬‬
‫ّ‬
‫لقد لبَّوا دوم ًا وما َأبَوا يوم ًا‪ ،‬وال يزالون‬
‫حاضرين ليلبّوا إن ُدعوا من جديد‪ .‬على أن يدعوهم‬
‫الداعي بلسانهم ال بلسان غريب عنهم ال يفهمونه وال‬
‫يعرفونه؛ يدعوهم باسم الدين جهاداً في سبيل اهلل‬
‫وإعالء لكلمة اهلل‪ ،‬ال باسم الوطنية وال القومية وال‬
‫ً‬
‫التقدمية‪ .‬إن اهلل يعطي الشهيد الذي يموت في سبيله‬
‫جنة عرضها السماوات واألرض‪ ،‬يعطيه حياة مدتها‬
‫مليار مليار قرن‪ ،‬بل إن مدتها ال تحيط بها األرقام‬
‫ألنها ال نهاية لها‪ ،‬حياة ما فيها إال السعادة وكل لذيذ‬
‫مشتهى‪ ،‬بدل حياة على األرض مهما طالت فإن‬
‫نهايتها الموت وفيها ما فيها من المتاعب واآلالم‪.‬‬
‫هذا جزاء من يقاتل في سبيل اهلل‪ .‬فماذا تعطي‬
‫القومية وتعطي التقدمية وتعطي الوطنية من يموت في‬
‫سبيلها؟ هل عندها ما تعطيه؟ بل قولوا ما هي؟ هل‬
‫سميناها نحن (ال‬
‫هي شيء له وجود أم هي أسماء ّ‬

‫‪63‬‬
‫آباؤنا) ما أنزل اهلل بها من سلطان؟ فما لنا ندع شرعة‬
‫اإلسالم إلى نظام أساسه أوهام‪ ،‬ونتائجه أحالم‪ ،‬ولن‬
‫يكون له (كما لم يكن ألمثاله) دوام؟‬
‫[الذكريات ج‪ :1‬ح‪])1981( 4‬‬

‫‪64‬‬
‫‪-32-‬‬
‫ما بيننا وبين النصر‪ ،‬ما بيننا وبين أن ننقذ‬
‫فلسطين إال أن نعود إلى ربنا‪ ،‬وأن نعلم أنها إن‬
‫وتؤيدها قوى كبير ٌة فإن اهلل‬
‫إسرائيل و ُتعينها ّ‬
‫َ‬ ‫كانت ُت ِم ّد‬
‫أكبر‪ .‬لقد طالما قلت ولم يسمع مني أحد‪ .‬قلت‪ :‬ما‬
‫الذي ينقصنا لننتصر على اليهود؟ العدد؟ نحن ألف‬
‫مليون‪ ،‬فكم عدد اليهود؟ العلم؟ عندنا من العلماء‬
‫أكثر مما عند اليهود‪ .‬المال؟ معنا‪ ،‬مع ألف مليون من‬
‫المسلمين‪ ،‬أكثر مما مع اليهود؟ فما الذي ينقصنا؟‬
‫ينقصنا اإليمان‪.‬‬
‫محدث فيها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫لقد قلت في اإلذاعة (وأنا أقدم‬
‫أذيع بال انقطاع من أكثر من خمسين سنة) قلت‪:‬‬
‫إن السالح ال ُيغني عن اإليمان مهما كثر السالح‪.‬‬
‫فضحكوا مني وسخروا بي‪ ،‬وقالوا‪ :‬ما ُيدريك وأنت‬
‫شيخ أديب ما العسكرية وما فنون القتال؟ فلما نشر‬
‫مونتغمري مذكراته وتكلم عن القوة المعنوية وقال‬
‫مثل الذي قلت سكتوا وما قالوا شيئ ًا‪ .‬أيسخرون من‬
‫مونتغمري ويقولون له‪ :‬أنت ال تدري ما فنون القتال؟‬
‫[الذكريات ج‪ :7‬ح‪])1986( 194‬‬

‫‪65‬‬
‫‪-33-‬‬
‫إذا أردتم ‪-‬وقد صحوتم هذه الصحوة المباركة‪-‬‬
‫أن يعود لكم النصر الذي كان ألجدادكم فاسلكوا‬
‫طريقه‪ ،‬فإن َمن ال يسلك الطريق ال يبلغ الغاية‪،‬‬
‫وادخلوه من بابه‪ ،‬فإن من أخطأ الباب لم يصل إلى‬
‫المحراب‪.‬‬
‫ابدؤوا جهادكم في فلسطين (وفي غير فلسطين)‬
‫بالصالة‪ .‬أال ترون موقفنا مع اليهود‪ ،‬وهم أذل األمم‬
‫تمدهم أميركا‪ ،‬فإن‬‫وهم أقل األمم؟ ال تقولوا إنها ّ‬
‫لما وقف أمامها الفيتناميون يقاتلونها بإيمان‬
‫أميركا ّ‬
‫(وإن كانوا يؤمنون بالجبت والطاغوت‪ ،‬ال يؤمنون‬
‫باهلل واليوم اآلخر) لم تقدر أن تخضعهم بسالحها‪.‬‬
‫يا أيها الناس‪ :‬إن الذي يقاتل عن إيمان ال يمكن‬
‫أن ُيغلَب‪ ،‬فكيف إن كان يؤمن باهلل وباليوم اآلخر؟‬
‫فكيف إن كان الناس يخافون الموت وكان هو يطلب‬
‫الموت ألنه يرى في الموت الحيا َة الدائمة الباقية؟‬
‫فاستبشروا ‪-‬يا أيها المسلمون‪ -‬بالنصر ما بقيت‬
‫هذه الصفوف قائمة‪ ،‬يقودها اإلمام ويسودها النظام‪،‬‬
‫قانونها اإلسالم‪ ،‬وشعارها دائم ًا‪ :‬إلى األمام‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫إن هذه الصفوف إذا عرفت كيف >تقوم< هنا‬
‫قلوبهم باهلل حق ًا‪ ،‬وجاهدوا‬
‫َ‬ ‫حق ًا‪ ،‬وربط أصحابها‬
‫في سبيله حق ًا‪ ،‬عرفت كيف >تسير< مرة ثانية إلى‬
‫مرابع النصر ومراتع الفخر‪ ،‬وعرفت كيف >تقعد<‬
‫مرة ثانية في الصدر‪ ،‬فيكون لها النهي واألمر ويكون‬
‫لها عز الدهر‪.‬‬
‫حي على الصالة (‪])1964‬‬
‫[نور وهداية‪ّ :‬‬

‫‪67‬‬
‫‪-34-‬‬
‫وذكرهم اهلل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الجند‬
‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫خطب الشيخ رضا‬
‫ودعاهم ليصححوا نياتهم في الجهاد‪ .‬وتلك ُس ّنة‬
‫المسلمين قبل كل معركة ليخوضها الجندي على‬
‫بصيرة‪ ،‬فإذا مات لم يخسر الدنيا بالموت حتى يكون‬
‫قد ربح الجنة بالشهادة‪.‬‬
‫وهذا ما يجب أن يعرفه كل جندي مسلم؛ ينال‬
‫إن ظفر الثواب‪ ،‬ويحظى إذا ُقتل بالشهادة‪ .‬وليس‬
‫الشهيد الذي يقاتل لمجرد استرداد البلد السليب وال‬
‫للعلَم وال تضحية للوطن وال‬ ‫الذي يموت خدمة َ‬
‫دفاع ًا عن مجد العروبة‪ ،‬بل الذي يقاتل إلعالء كلمة‬
‫اهلل ويموت في سبيل اهلل‪ .‬ولو كان هذا قولي أنا لما‬
‫ألزم أحد منكم با ّتباعه‪ ،‬ولكنه قول من ُيل َْز ُم با ّتباعه‬
‫كل واحد منكم‪ :‬رسول اهلل ’‪.‬‬
‫[الذكريات ج‪ :1‬ح‪])1982( 18‬‬
‫_________________‬
‫(‪ )1‬الشيخ رضا الزعيم‪ ،‬قال عنه في >الذكريات< إنه‬
‫صداع ًا بالحق‪ ،‬جريئ ًا جرأة‬
‫«كان صادق ًا مع اهلل‪ّ ،‬‬
‫نادرة المثيل»‪ .‬وهو والد حسني الزعيم‪ ،‬صاحب‬
‫االنقالب األول في الشام (مجاهد)‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫‪-35-‬‬
‫كان الفرق بين قوة العرب في الجاهلية (وهم‬
‫قبائل متفرقات جاهالت) وبين إمبراطورية قيصر‬
‫أكبر من الفرق بين المسلمين اليوم‬‫ومملكة كسرى َ‬
‫وهاتيك الدول‪ ،‬ومع ذلك فقد غلبناهما وأزحنا عن‬
‫كابوسهما‪ ،‬ون ّقينا األرض من َجورهما‪،‬‬
‫َ‬ ‫صدر الدنيا‬
‫مصور (خريطة) الدنيا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ومحوناهما من‬
‫لقد كانت هذه المعجزة ألن العرب وجدوا‬
‫كتاب ًا عجب ًا‪ ،‬فيه منهاج للحياة ال يتبعه أحد إال ظفر‬
‫في الحرب والسلم وجمع الخير من أطرافه‪ .‬فإذا‬
‫القراء من يستطيع أن يجد نسخة من هذا‬ ‫كان في ّ‬
‫الكتاب فليدلّنا عليه لنقرأه ونفهمه ونعمل به‪ ،‬فنغسل‬
‫أرضنا‪ ،‬ونسترجع مجد آبائنا‪،‬‬‫من أوضار االستعمار َ‬
‫ونحتل مكان الصدارة مرة أخرى في الدنيا‪.‬‬
‫ليس بيننا وبين ذلك كله إال أن نعمل بهذا‬
‫الكتاب العجيب‪ّ ،‬أما اسم هذا الكتاب فهو >القرآن<‪.‬‬
‫[من وحي اإلسراء (مقالة قديمة‬
‫نشر في الكتب) (‪])1957‬‬ ‫لم ُت َ‬

‫‪69‬‬
‫‪-36-‬‬
‫قوم من‬
‫يقولون إنه ال طاقة لنا بأميركا‪ ،‬كما قال ٌ‬
‫وج ُنو ِده}‪ ،‬فكانت‬
‫الوت ُ‬
‫الي ْو َم ب َِج َ‬
‫قبل‪{ :‬ال طا َق َة َلنا َ‬
‫النتيجة أن قتل داوود جالوت‪.‬‬
‫بقوته بل بمعجزة من اهلل‪ ،‬فالذي قتله‬ ‫ما قتله ّ‬
‫هو اهلل‪ .‬ولما كانت حرب رمضان‪ ،‬وهي التي اقتربنا‬
‫ال‪ ،‬قال أحد‬ ‫فيها من اهلل إصبع ًا فاقترب منا النصر مي ً‬
‫الرؤساء‪" :‬كنت أحارب اليهود‪ ،‬أما وقد دخلت‬
‫أميركا فال أستطيع محاربة أميركا"‪.‬‬
‫وقلت يومئذ في إذاعة مكة ومن هذا الرائي‪:‬‬
‫إن هذا الكالم صحيح بجميع المقاييس البشرية‪،‬‬
‫فال قوتنا مثل قوة أميركا وال جيشنا مثل جيوشها‬
‫وال خبرتنا تعدل خبرتها‪ ،‬ولكن وراء هذه المقاييس‬
‫مقاييس أخرى‪ ،‬مقاييس أعلى وأصح‪ ،‬ولو أن‬
‫األولين أخذوا بالمقاييس البشرية لما‬‫ّ‬ ‫المسلمين‬
‫استطاعوا أن يفتحوا بلدة واحدة من البالد التي شملها‬
‫الفتح اإلسالمي وحمل إليها النور والعلم والهدى‪.‬‬
‫[نصر من اهلل وفتح قريب (مقالة‬
‫غير منشورة في الكتب) (‪])1990‬‬

‫‪70‬‬
‫‪-37-‬‬
‫إننا نسمع في كل مكان ونقرأ في كل صحيفة‬
‫منا‪ ،‬وأن‬
‫أن البالد على خطر‪ ،‬وأن الحرب قريبة ّ‬
‫الفرنسيين واإلنكليز وإسرائيل‪ ،‬كلهم يتربصون‬
‫أنظر حولي فال أرى أمة‬
‫ُ‬ ‫ويبيتون الشر لنا‪ ،‬ثم‬‫بنا ّ‬
‫تستعد للحرب‪ ،‬وال أجد إال الغفلة واللهو واالنقسام‬
‫واالختالف‪ ...‬فهل في الدنيا جماعة تكون في معركة‬
‫مع عدو غريب عنها‪ ،‬ثم تجعل للخالفات الصغيرة‬
‫ال إلى إضعافها؟ فما معنى اختالف‬ ‫فيما بينها سبي ً‬
‫األحزاب والهيئات والجماعات‪ ،‬والعدو المشترك‬
‫متربص بها جميع ًا؟‬
‫وهل في الدنيا أسرة تحيط بها النار المندلعة‬
‫ويهددها اللص المسلح‪ ،‬ثم تغني أو ترقص وتلعب؟‬ ‫ّ‬
‫فما معنى هذه الحفالت التي ال آخر لها‪ ،‬حفالت‬
‫الرقص واللهو‪ ،‬حتى ال أظن أنه بقي في األرض‬
‫شعب لم َي ُسق إلينا راقصاته و َقيْناته‪ ،‬وكلها تأخذ من‬
‫أموالنا ومن رجولة شبابنا‪ ،‬وتشغلهم عن االستعداد‬
‫للحرب بالنظر في الصدور والسيقان‪ ،‬باسم الفن‬
‫طبع ًا وللفن وحده‪ ،‬ومن قال غير ذلك فهو رجعي‬
‫سمع كالمه! واألموال الطائلة ُتن َفق‬
‫جامد شهواني ال ُي َ‬

‫‪71‬‬
‫الس َرف‪ ،‬على إيفاد المدلَّلين من كبار الموظفين‬
‫على ّ‬
‫ليسيحوا في األرض ويتفرجوا ويستمتعوا‪ ،‬فأين‬
‫االستعداد للحرب؟‬
‫وهل حسبتم النصر يأتي بالرشاشات والمدافع‬
‫فقط؟ إن النصر ال يأتي إال باإليمان‪ ،‬بالقوة المعنوية‪.‬‬
‫إن النصر من عند اهلل‪ ،‬فهل ُيطلَب النصر من اهلل‬
‫بالمجاهرة بمعصيته‪ ،‬واستباحة محارمه‪ ،‬والخروج‬
‫على حدود دينه؟‬
‫وعليكم قبل ذلك كله بالرجوع إلى اهلل‪ ،‬وإيقاظ‬
‫اإليمان في النفوس‪ ،‬حتى يكون القتال في سبيل‬
‫اهلل‪ ،‬وإلعالء كلمة اهلل‪ ،‬وبذلك‪ ...‬بذلك وحده يكون‬
‫النصر إن شاء اهلل‪.‬‬
‫[كلمات صغيرة‪ :‬بالعربي الفصيح (‪])1948‬‬

‫‪72‬‬
‫‪-38-‬‬
‫ال‪ .‬إننا‬‫نحن ال نبغي عدوان ًا وال نطلب باط ً‬
‫ط الحق‪ .‬نحارب‬ ‫نطلب الحق‪ ،‬وسنحارب إن لم ُن ْع َ‬
‫ولكن دفاع ًا‬
‫ْ‬ ‫ينصر اهلل ظالم ًا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ال بغي ًا وال ظلم ًا‪ ،‬فال‬
‫عن أنفسنا وعن الحق وعن كرامة اإلنسان‪ .‬نحارب‬
‫بشيوخ لهم حماسة الشباب‪ ،‬وشباب لهم حكمة‬
‫الشيوخ‪ ،‬ونساء لهن رجولة الرجال‪ ،‬وصغار لهم‬
‫لنأتين بأفواج‪،‬‬
‫ّ‬ ‫عزائم الكبار‪ ...‬ولئن هلك منا فوج‬
‫مينه بأيام‪ ،‬والمستقبل لنا‪.‬‬ ‫َنر ّ‬
‫العدو يوم ًا ل ْ‬
‫ّ‬ ‫ولئن صبر‬
‫إننا خمسمئة مليون (‪ .)1‬ولو أن خمسمئة مليون‬
‫هرة هجمت على إنكلترا دفعة واحدة لهرب منها أهل‬
‫ّ‬
‫إنكلترا‪ ،‬فكيف تطمع إنكلترا أن ُترغم آناف خمسمئة‬
‫مليون رجل‪ ،‬يرون الجهاد فرض ًا في دينهم كفرض‬
‫أمنية من أجمل‬
‫الصالة‪ ،‬ويرون الموت في الحرب ّ‬
‫األماني؟‬
‫فيا أيها العرب في كل أرض‪ ،‬يا أيها المسلمون‬
‫تحت كل نجم‪ ،‬يا أيها الرجال ويا أيتها النساء‪ :‬لقد‬
‫_________________‬
‫(‪( )1‬كان هذا عدد المسلمين يوم ُنشرت المقالة‪ ،‬وهم‬
‫اليوم ألف وستمئة مليون (مجاهد)‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫أزفت ساعة المعركة الفاصلة‪ ،‬فليحمل كل رجل‬
‫نصيبه منها‪ ،‬واعلموا أن الظفر‬
‫َ‬ ‫منكم وكل امرأة فيكم‬
‫لكم‪.‬‬
‫يا أيها المجاهدون في ُعمان والجزائر والقرى‬
‫األمامية في فلسطين‪ ،‬ويا أيها العاملون على تحطيم‬
‫آخر صنم لالستعمار في ديار العرب‪ :‬اصبروا‬
‫وصابروا ورابطوا‪ ،‬واتقوا اهلل لعلكم تفلحون‪.‬‬
‫[هتاف المجد‪ :‬خطبة الحرب (‪])1957‬‬
‫ُ‬

‫‪74‬‬
‫‪-39-‬‬
‫أريد أن تعرفوا أننا في حرب‪ ،‬حرب ظاهرة‬
‫خفية‪ :‬حرب مع إسرائيل و ِمن ورائها أميركا‬
‫وحرب ّ‬
‫في فلسطين‪ ،‬وحرب مع إنكلترا و ِمن ورائها فرنسا‬
‫في القناة‪ ،‬ومع فرنسا ومن ورائها حلف األطلنطي‬
‫في الجزائر‪ .‬وهذه هي الحرب الظاهرة‪ ،‬أما الحرب‬
‫الخفية فهي حرب االقتصاديات وحرب المبادئ‬ ‫ّ‬
‫الهدامة‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن تلك براكين ساكنة توشك أن تنفجر‪ ،‬وهذا‬
‫متفجر يرمي بالنار والحمم على إخوانكم‪ .‬إن‬
‫ّ‬ ‫بركان‬
‫المال الذي يأخذه منا الغربيون ثمن سيارات البذخ‬
‫وأحمر الشفاه وعطر اإلغراء وهاتيك السموم التي‬
‫ثمن‬
‫اسمها الشمبانيا والويسكي‪ ...‬كل ذلك يتحول َ‬
‫رصاص يستقر في صدور هؤالء اإلخوان وثمن قنابل‬
‫تدمر دورهم وقراهم‪.‬‬
‫عدوها على نفسها؟‬ ‫َّ‬ ‫فهل سمعتم بأمة تعين‬
‫هل سمعتم بأمة تعيش في الحرب مثل عيشها في‬
‫السلم؟ هل سمعتم بأمة تنام على َدو ِّي المدافع؟ هل‬
‫حتضرين من أبنائها‬
‫الم َ‬‫سمعتم بأمة تغني على أنين ُ‬

‫‪75‬‬
‫وترقص على قبور شهدائها؟ هل سمعتم بأمة ترسل‬
‫أوالدها ‪-‬وقلوبهم كالصفحات البيض‪ -‬إلى مدارس‬
‫ِ‬
‫والفرنس ْسكان والالييك‪ ،‬لينقش‬ ‫عدوها‪ ،‬إلى الفرير‬
‫والكفر‬
‫َ‬ ‫لعن أمتهم‬
‫المعلمون فيها على هذه القلوب َ‬
‫بها وبأمجادها؟‬
‫إنها أيام حرب‪ ،‬فلنعش َعيش الحرب‪ .‬ولنتقاسم‬
‫باهلل على أن نقاطع مدارس األعداء وبضائع األعداء‪،‬‬
‫كل منا ما يقدر عليه‪ ،‬فإن ما تدفعه قد يحرمك‬
‫وليعط ٌّ‬
‫هذا الشهر من الكماليات وقد ُيدخل عليك بعض‬
‫الضيق‪ ،‬ولكنه يحيي في الجزائر نفوس ًا‪ ،‬وينقذ من‬
‫االستعمار بلداً عربي ًا‪ ،‬ويدفع األذى عنكم أنتم‪،‬‬
‫إن ظفرت‬ ‫فإن فرنسا (وأنتم أعرف بها)‪ ،‬إن فرنسا ْ‬
‫لتعودن على‬
‫ّ‬ ‫قدر‪-‬‬
‫في الجزائر ‪-‬ال سمح اهلل وال ّ‬
‫ولترجعن إليكم إذا قويت بضعفكم‬
‫ّ‬ ‫مراكش وتونس‪،‬‬
‫‪-‬بعد‪ -‬مضمون من اهلل‪ ،‬وإن‬ ‫ُ‬ ‫وتخاذلكم‪ .‬والثواب‬
‫الرزاق هو اهلل‪ ،‬وما تدفعونه وتنوون به وجه اهلل فإن‬
‫ّ‬
‫اهلل يخلفه‪.‬‬
‫[هتاف المجد‪ :‬في افتتاح‬
‫ُ‬
‫أسبوع الجزائر (‪])1957‬‬

‫‪76‬‬
‫‪-40-‬‬
‫ما أدري واهلل‪ ،‬هل فقدت أنا عقلي أم الناس‬
‫فخبروني‪ :‬كيف‬
‫ّ‬ ‫جميع ًا قد فقدوا عقولهم؟ وإال‬
‫أرى الشيء أسود مظلم ًا ويرونه هم أبيض مثل‬
‫الثلج؟ وكيف أتألم وأتحرق كلما رأيت الخطر‬
‫الداهم والعدو المتربص والغفلة واللهو واللعب‪،‬‬
‫ويضحكون ويصفقون‪ ،‬كأن هذا هو المعقول وأن‬
‫هذا هو الواجب؟‬
‫اإلنكليز والفرنسيون يحومون ببوارجهم‬
‫ويبرقون‪ ،‬ينتظرون‬‫وقواتهم من حول القناة‪ُ ،‬يرعدون ُ‬
‫غفلة منا ُليطبقوا علينا‪ ،‬والفرنسيون ‪-‬ومعهم قوى‬
‫حلف األطلنطي‪ -‬يسوقون ُع َدد الموت إلى إخواننا‬
‫المجاهدين في الجزائر‪ ،‬يطلعون بها عليهم من البحر‬
‫ويأتون بها من البر وينزلون بها من السماء؛ يقتلون‬
‫وي ْعدون‬
‫األبرياء ويذبحون النساء ويدمرون القرى َ‬
‫على األعراض‪ ،‬واليهود‪ ...‬حتى اليهود األذلّة قد‬
‫تشجعوا وغدوا َيبدؤوننا القتال‪ ،‬ويهجمون علينا‬
‫ويقتلون منا‪ ،‬ونحن‪ ...‬ماذا نصنع نحن؟ هل نبذنا‬
‫وأجلناه حتى تنكشف هذه‬ ‫الخالف الحزبي بيننا ّ‬
‫الغمة؟ وهل وضعنا ألنفسنا خطة التقشف والتوفير‬

‫‪77‬‬
‫وترك السرف والتبذير‪ ،‬لننفق هذا الوفر في االستعداد‬
‫للحرب؟ هل وضعت الحكومة موازنتها على هذا‬
‫األساس؟ هل تركت اإلنفاق في الكماليات‪،‬‬
‫واإليفادات والرحالت‪ ،‬والحفالت والمؤتمرات‪،‬‬
‫وإقامة النُّ ُصب وإضاعة األموال فيما ال ضرورة له‬
‫وال جدوى منه‪ ،‬وال يدفع عدواً وال يستجلب نصراً؟‬

‫صدق الشعب بأننا على أبواب‬ ‫والشعب‪ ،‬هل ّ‬


‫حرب؟ هل نقص استيراد السيارات الفخمة والعطور‬
‫وال ُث َر ّيات والخمور؟ إننا في مطلع السنة المدرسية‪،‬‬
‫ِ‬
‫الفرنسسكان‪،‬‬ ‫والد على إخراج بنته من‬
‫ٌ‬ ‫فهل عزم‬
‫أو ابنه من الفرير أو الالييك؟ هل عرف اآلن أننا ال‬
‫نستطيع أن نحارب فرنسا ونحن نسلم أبناءنا وبناتنا إلى‬
‫المعلمين الفرنسيين والمعلمات الفرنسيات‪ ،‬ليجعلوا‬
‫منهم أحباء لفرنسا وأعداء لنا‪ ...‬وهل يصنعون غير‬
‫ذلك؟ بل هل تصنعون أنتم غيره لو ُج َّن الفرنسيون‬
‫يوم ًا وأرسلوا أبناءهم إلى مدارس يع ّلم فيها مشايخ‬
‫المسلمين‪ ،‬كما ترسلون أنتم أبناءكم إلى الفرير حيث‬
‫قسوس الفرنسيين؟‬
‫ُ‬ ‫يع ّلم‬

‫هل عقلنا وفكرنا أن النصر ال يكون إال‬


‫باإلخالص والرجولة والبعد عن الفساد والفجور؟ وأن‬

‫‪78‬‬
‫فرنسا (وهي أقوى منا) لما فسدت أخالقها وغلبت‬
‫عليها شهواتها ذلت حتى وطئتها نعال جنود األلمان‬
‫ثالث مرات‪ ،‬من سنة ‪ 1870‬إلى اآلن؟ هل حاربنا‬
‫الفجور المنتشر؟ هل استجاب أحد للصرخة التي‬
‫لما قلت إن قانون العقوبات ال‬ ‫صرختها في >األيام< ّ‬
‫عدل قانون العقوبات؟‬
‫يعاقب على الزنا‪ ،‬وطلبت أن ُي َّ‬
‫هل انتصرت أمة بالرقص وباللهو حتى نكون مثلها‬
‫ال إلى النصر؟‬‫فنجعل اللهو والرقص سبي ً‬
‫هذا ما أتألم منه ويذوب قلبي حسر ًة عليه‪ ،‬وال‬
‫أجد من يبالي به أو يحفله‪ ،‬فهل جننت أنا أم ُج َّن‬
‫الناس؟‬
‫يا ناس‪ ،‬نحن في حرب‪ ،‬وليس في الدنيا أمة‬
‫تعيش في الحرب كما تعيش في السلم‪ ،‬وإذا لم‬
‫نستعد للبركان قبل أن ينفجر ال ينفعنا االستعداد‬‫ّ‬
‫بعد االنفجار‪ .‬فأين َح َملة األقالم‪ ،‬وأرباب المنابر‪،‬‬
‫وكل ذي رأي مسموع وكلمة نافذة‪ ،‬ليدعو األمة إلى‬
‫اليقظة واالنتباه والرجوع إلى اهلل؟‬
‫[كلمات صغيرة‪ :‬هذه هي الحرب‬
‫فماذا أعددتم لها؟ (‪])1949‬‬

‫‪79‬‬
‫‪-41-‬‬
‫لقد انتهى عهد االستعمار الذي كانت ترفرف‬
‫وخلَفه‬
‫راياته فوق أرضنا وتخطو جنوده على ثرانا‪َ ،‬‬
‫عنا‬
‫أخطاره غرباء ّ‬
‫َ‬ ‫استعمار آخر َش ٌّر منه‪ ،‬ال يحمل‬
‫فرباهم‬
‫منا من أبنائنا‪ ،‬أخذهم االستعمار ّ‬
‫ولكن ناس ّ‬
‫فأتموا ما بدأ به‪ ،‬بل سبقوه وجاؤوا‬
‫على ما يريد هو ّ‬
‫بما لم يقدر على أن يأتي بمثله!‬
‫ولكن ذلك ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬ال يدوم‪.‬‬
‫[الذكريات ج‪ :5‬ح‪])1985( 135‬‬

‫‪80‬‬
‫‪-42-‬‬
‫لقد عرفت كثيراً من الزعماء المسلمين الذين قاموا‬
‫يحاربون االستعمار والمستعمرين‪ ،‬ولكنهم يسلكون‬
‫ويفكرون تفكيرهم ويعتادون عاداتهم‪ ،‬وال‬ ‫ّ‬ ‫طريقهم‬
‫يتمسك بما يدعو إليه اإلسالم‪.‬‬‫يكاد ُج ّلهم ّ‬
‫االستعمار‬
‫ُ‬ ‫االستعمار َمن‬
‫َ‬ ‫فخبروني‪ :‬كيف يحارب‬ ‫ِّ‬
‫واالستعمار في‬
‫ُ‬ ‫فأفكاره أفكار المستعمرين‪،‬‬
‫ُ‬ ‫في رأسه‬
‫قلبه فهواه َت َب ٌع لهوى المستعمرين‪ ،‬واالستعمار في بيته‬
‫وفي أسرته فسلوكه في البيت سلوك المستعمرين؟‬
‫أتحرر أنا منهم‪ ،‬فكيف‬
‫ّ‬ ‫إذا كنت ال أستطيع أن‬
‫أحرر بالدي من االستعمار؟‬
‫ّ‬
‫[الذكريات ج‪ :5‬ح‪])1985( 145‬‬

‫‪81‬‬
‫‪-43-‬‬
‫ال صعب ًا مريراً خضنا إليه‬
‫لقد ناضلنا‪ ،‬وكان نضا ً‬
‫سواقي من الدم‪ ،‬من دماء أعدائنا ودماء شهدائنا‪،‬‬
‫الم َهج‪،‬‬
‫وتخطّينا ركام ًا من الجثث‪ ،‬وبذلنا آالف ًا من ُ‬
‫وحملنا فيه من الشدائد والصعاب ما ينوء ثقله‬
‫بالصخور الراسيات (‪ .)1‬تعاقبَت الثورات في الشمال‪،‬‬
‫وعلى الساحل‪ ،‬ثم كانت الثورة الكبرى سنة ‪1925‬‬
‫حدثتكم حديثها)‪ ،‬ثم بدأت حرب الشوارع‪.‬‬ ‫(وقد ّ‬
‫حتى جاء االستقالل‪.‬‬
‫إن هذا االستقالل كالثروة التي يجمعها البخيل‬
‫قرش ًا إلى قرش‪ ،‬يجوع في سبيلها ويشقى لجمعها‪،‬‬
‫فيأتي وارثه‪ ،‬أو يأتي من ليس له بوارث وال له في‬
‫فيبذرها باليمين وبالشمال‪ ،‬ال ينفقها على‬
‫حق‪ّ ،‬‬‫إرثه ّ‬
‫أمته وال على وطنه ولكن‪ ...‬وتعرفون ما الذي ُيقال‬
‫بعد >لكن<‪ ،‬والمعروف ال ُيع َّرف‪.‬‬
‫[الذكريات ج‪ :2‬ح‪])1982( 42‬‬

‫‪82‬‬
‫‪-44-‬‬
‫‪ ...‬ثم تعاقبت فيها المظاهرات‪ ،‬ثم كانت‬
‫الثورة الكبرى‪ ،‬ثم عدنا إلى حرب الشوارع وسالح‬
‫التام‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اإلضرابات واالضطرابات حتى كان الجالء‬
‫يبق له‬ ‫أقصد جالء األجنبي بجيوشه عنا‪ ،‬حتى لم َ‬
‫مدافعها‬
‫ُ‬ ‫جندي واحد يخطر على أرضنا‪ ،‬وال قلع ٌة‬
‫موجهة إلينا‪ ،‬وال راي ٌة ترفرف فوق رؤوسنا‪ .‬تم هذا‬ ‫َّ‬
‫ولكن لم َت ْجلُ أفكاره عن رؤوس أوالدنا‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫الجالء‪،‬‬
‫وال مبادؤه عن أحزابنا‪ ،‬وال مناهجه عن مدارسنا‪،‬‬
‫وال قوانينه عن محاكمنا‪ .‬وهذا هو االستعمار الذي‬
‫َيهون معه استعمار الديار‪ .‬إن البذور التي بذرها‬
‫المستعمر قبل رحيله أنبتت نبات ًا لم نذق مثل مرارته‬
‫أشد‬
‫أيام االستعمار‪ ،‬وكان ما أبقاه فينا بعد نزوحه عنا َّ‬
‫لما جاءنا‪.‬‬
‫علينا مما حمله معه ّ‬
‫أخرجت أرضنا السم الذي يودي بنا؟‬
‫َ‬ ‫فكيف‬
‫ممن خرج من أصالبنا من هو أنكى علينا‬
‫كيف رأينا ّ‬
‫عدونا؟‬
‫من ّ‬
‫دعوني أ ُقل كلمة ليست من الذكريات‪ .‬لقد‬
‫رأيت في هذا العمر الذي عشته ِمن ُّ‬
‫تبدل الدول‬

‫‪83‬‬
‫العبر لمن شاء أن‬ ‫وتحول األحوال ما هو عبرة من َ‬ ‫ُّ‬
‫عهد ‪-‬على كثرة ما مر من عهود‪-‬‬ ‫ٌ‬ ‫بنا‬ ‫مر‬
‫ّ‬ ‫ما‬ ‫إنه‬ ‫يعتبر‪.‬‬
‫إال بكينا فيه منه‪ ،‬وبكينا بعده عليه! أف ُق ِّدر علينا أن‬
‫الشر فنأباه‪ ،‬ثم نرى ما هو أكبر منه فنطلبه‬ ‫ّ‬ ‫نستكبر‬
‫فيأبانا؟‬
‫استكبرنا التقسيم في فلسطين ثم رأينا ما هو‬
‫أكبر منه فطلبنا التقسيم‪ ،‬وأبينا ما كان قبل سنة ‪1967‬‬
‫ثم عدنا نطالب بإزالة آثار العدوان والعودة إلى ما قبل‬
‫‪ !1967‬وأمثلة كثيرة على هذا األصل‪.‬‬
‫هذا واقع السياسة وموقف أهلها‪ .‬أما نحن‪،‬‬
‫وإن َم َّسنا الضر‪ ،‬وال نحزن‬
‫نحن المسلمين‪ ،‬فال َنه ُِن ْ‬
‫وإن حاق بنا األذى‪ ،‬وال نساوم في دين اهلل وال نوالي‬
‫عدو اهلل‪ ،‬ونؤمن بأن اهلل الذي ّنزل الذكر هو الذي‬ ‫ّ‬
‫يحفظه وأن العاقبة للتقوى‪ .‬ال نرتاب بديننا وال نشك‬
‫بوعد ربنا‪.‬‬
‫[الذكريات ج‪ :1‬ح‪])1982( 21‬‬

‫‪84‬‬
‫‪-45-‬‬
‫ناس أن االستقالل قد جاءنا عفواً بال‬ ‫يحسب ٌ‬
‫تعب‪ ،‬وأننا وجدنا يوم ًا مائدة ُم َع ّدة فقعدنا على‬
‫كراسي مصفوفة من حولها ومن فوقها الزهر والورد‬
‫وطبق مغطّى فتحناه فإذا فيه االستقالل المطلوب!‬
‫لقد نسي كثير منا ولم يد ِر كثير من ناشئتنا ما الذي‬
‫دفعناه ثمن ًا له‪ ،‬من دمائنا الزكية التي أريقت‪ ،‬ومن‬
‫نفوسنا البريئة التي أُزهقت‪ ،‬ومن بيوتنا التي كانت‬
‫جنات تجري في صحونها المياه نوافير تشرح الصدر‬ ‫ّ‬
‫دكوها بالمدافع دك ًا فتركوها خراب ًا‪.‬‬‫ّ‬
‫فيا ليتنا‪ ،‬يا ليت العرب كلهم‪ ،‬يا ليت المسلمين‬
‫جميع ًا حافظوا على استقاللهم‪ ،‬يا ليتنا لم نصنع (أو‬
‫بعضنا بأيدينا) ما كان يبتغيه المستعمر منا‪.‬‬
‫لم يصنع ُ‬
‫إن اهلل جعل لكل شيء سبب ًا‪ ،‬فالفلاّ ح الذي‬
‫شق األرض وبذر البذر ثم يقول‪" :‬اللهم‬ ‫يقعد عن ّ‬
‫زرعه‪ .‬والتلميذ الذي يدع‬
‫أنبت لي الزرع" ال ُينبت اهلل َ‬
‫الدرس ويشتغل باللهو واللعب ويقول‪" :‬اللهم اكتب‬
‫لي النجاح في االمتحان" ال يكتب اهلل له النجاح‪.‬‬
‫واألمة التي تلعب حين ِ‬
‫الج ّد ويتربص بها العدو فال‬

‫‪85‬‬
‫ُت ِع ّد القوة للعدو وتطلب من اهلل النصر ال يكتب اهلل‬
‫لها النصر‪.‬‬
‫ألن اهلل ال يبدل سننه في كونه وقوانينه في‬
‫مخلوقاته من أجل فالح مهمل وال تلميذ كسالن وال‬
‫يغير اهلل‬
‫شعب غافل‪ .‬فإذا أردنا معشر المسلمين أن ّ‬
‫ما نحن فيه من التفرق واالنقسام وتكالُب الخصوم‬
‫غي ُر‬
‫هلل ال ُي ّ‬
‫{إن ا َ‬
‫ال ما بأنفسنا‪ّ :‬‬
‫فلنغير أو ً‬
‫ّ‬ ‫وغلَبة األعداء‬
‫ِ‬
‫بأنفسهِم}‪.‬‬ ‫حتى ُي َغ ّيروا ما‬ ‫ما بِ َق ٍ‬
‫وم ّ‬
‫غيرنا ما بأنفسنا؟‬
‫هذا هو القانون‪ ،‬فهل ّ‬
‫[الذكريات ج‪ :7‬ح‪])1986( 203‬‬

‫‪86‬‬
‫‪-46-‬‬
‫من العلماء من جمع خوف اهلل وجرأة القلب‬
‫وطالقة اللسان‪ ،‬فنزل إلى الميدان‪ ،‬يع ّلم الجاهل‬
‫ويؤدي حق العلم عليه‬
‫ّ‬ ‫ويقوم المائل ويصلح الفاسد‪،‬‬ ‫ّ‬
‫حين أخذ اهلل على العلماء أن يبلغوه الناس وال يكتموه‪.‬‬
‫ابتلينا باالحتالل كان الذين قادوا النضال‬
‫ولما ُ‬
‫ّ‬
‫وأوصلوا بالدهم إلى االستقالل من هذه الطبقة من‬
‫المشايخ والعلماء‪ :‬األمير عبد القادر الجزائري منهم‪،‬‬
‫وعبد الكريم الخطابي وعمر المختار‪ .‬والذين أيقظوا‬
‫ال ُّن ّوام في مصر والشام‪ :‬جمال الدين األفغاني ومحمد‬
‫عبده‪ ،‬والذي فتح للناس باب الجهاد في فلسطين‬
‫القسام‪ ،‬وأمثال هؤالء‪.‬‬
‫عز الدين ّ‬
‫مر بنا عهد‬
‫وكنا كلما قام فينا حاكم ال نرضاه أو ّ‬
‫ال نحبه‪ ،‬كان أول من يعمل على إزاحة هذا الحاكم‬
‫وإنهاء هذا العهد هم علماء الدين وخطباء المساجد‬
‫وشباب اإلسالم‪ .‬نحن نخوض المعركة وغيرنا يأخذ‬
‫المغانم‪:‬‬
‫تـكون كـريـهـ ٌة أُدعـى لـهـا‬
‫ُ‬ ‫وإذا‬
‫ند ُب‬
‫يس ُيدعى ُج ُ‬‫الح ُ‬
‫حاس َ‬ ‫وإذا ُي ُ‬

‫‪87‬‬
‫الحيس كله‪،‬‬
‫لحست َ‬ ‫ثم َك ُث َرت الجنادب حتى َ‬
‫وحازت المآدب جميعها وأكلت ثمار الجهاد‪ ،‬والذين‬
‫جاهدوا ينظرون بعيونهم من بعيد!‬
‫[الذكريات ج‪ :5‬ح‪])1985( 149‬‬

‫‪88‬‬
‫‪-47-‬‬
‫لقد مات العهد الذي كنا نرى فيه فرنسا‬
‫أمم الحرية والديمقراطية والمدنية وحقوق‬
‫وأخواتها َ‬
‫وجوهها التي كانت‬‫َ‬ ‫اإلنسان‪ .‬لقد أبدت الحقائق‬
‫ُم َب ْر َق َعة ورآها الناس كلهم‪ ،‬إال هؤالء العميان الذين‬
‫المدارس الفرنسية في‬
‫ُ‬ ‫وبصائرهم‬
‫َ‬ ‫أبصارهم‬
‫َ‬ ‫طمست‬
‫الص َغر والمواخير الفرنسية في ِ‬
‫الكبَر‪ ،‬وهم بحمد اهلل‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫أقل من القليل‪.‬‬
‫همجية‬
‫ّ‬ ‫لقد رأى الناس فرنسا على حقيقتها‪ :‬أمة‬
‫تمنع الخبز عن الجائعين ليموتوا جوع ًا‪ ،‬وإنكلترا‬
‫تنصر الصهيونيين على الفلسطينيين والهولنديين على‬
‫الجاويين‪ ،‬وأميركا تقول لصاحب البيت اخرج ليدخل‬
‫وخ َسأ من‬
‫اللص ويأخذ دارك‪ ...‬ولكن َخ َسأ اللص َ‬
‫ينصره‪ ،‬إن دون ِ‬
‫الحمى آساداً‪.‬‬
‫أنتم ‪-‬أيها األميركيون‪ -‬ال تدركون ما هي قوانا‬
‫ألنكم ال تعرفون إال المادة؛ إنكم لم تسمعوا بأخبار‬
‫الفتوح األولى في الشام والعراق ومصر واألندلس‪،‬‬
‫والرميثة وجبل‬
‫وال بأخبار الفتوح اآلخرة في الغوطة ّ‬
‫النار وريف المغرب‪ ،‬فاسألوا عنها فارس والروم‬

‫‪89‬‬
‫وإسبانيا وفرنسا وإنكلترا‪.‬‬
‫إنكم تحسبون قضية فلسطين كقضية سرقة في‬
‫شيكاغو‪ ،‬تدخلون بالرشاشات فتنهبون المخزن‪...‬‬
‫والحي القيوم‪ ،‬لن تكون لليهود دولة في‬ ‫ِّ‬ ‫كال‪،‬‬
‫فلسطين ولن يكون للفرنسيين اتحاد مع المغرب‬ ‫(‪)1‬‬

‫حي يمشي‪ .‬لن‬ ‫حتى ال يبقى في هذه البالد كلها ٌّ‬


‫يأخذوها حتى يروا (ويرى َمن ُيعينهم) يوم ًا يذْ َه ُل‬
‫كتاب التاريخ ويصيبهم من هوله الجنون‪ ،‬يوم ًا‬ ‫له ّ‬
‫ال ترون فيه تاجراً في دكانه‪ ،‬وال موظف ًا في ديوانه‪،‬‬
‫مدرس ًا في مدرسته‪ ،‬وال قاضي ًا في‬ ‫وال تلميذاً أو ّ‬
‫محكمته‪ ،‬وال امرأة في دارها‪ ...‬وإنما ترونهم يسيرون‬
‫إليكم جميع ًا‪ ،‬يقاتلونكم إن عجزوا عن السالح‬
‫بأيديهم وصدورهم‪ ،‬ويستنزلون غضب اهلل عليكم‪،‬‬
‫الذرية إذا ُمحيت اإلنسانية‬ ‫ّ‬ ‫فأبيدوهم يومئذ بقنابلكم‬
‫واستبيح قتل الشعوب‪ ،‬وإذن فس ُتنبت‬ ‫ُ‬ ‫من األرض‬
‫األرض التي َتسقيها دماؤهم أمة جديدة تقاتلكم دون‬
‫أرضها وحماها‪.‬‬
‫وإننا مع اهلل نستعينه عليكم‪ ،‬واهلل أكبر منكم‪.‬‬
‫ويصغر كل عدو‬
‫ّ‬ ‫يهون علينا كل خطر‬
‫هذا نشيدنا الذي ّ‬
‫_________________‬
‫(‪ )1‬وإن هي كانت فلن تبقى‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫مهما تكبّر‪> :‬اهلل أكبر<‪ .‬لقد ع ّل َمنا ديننا أن نستوهب‬
‫نبينا الشهادة‪،‬‬
‫وحبب إلينا ُّ‬ ‫ّ‬ ‫الحياة بطلب الموت‪،‬‬
‫ونفتش عنها إذا ض ّلت عنا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫نلحقها إذا هربت منا‬
‫فبماذا تخيفون أمة تريد الموت؟‬
‫نحن نريد الموت ونسعى إليه؛ قد أعددنا‬
‫للجالد‪ ،‬ولن نلقي‬ ‫الجيش للجهاد وهيأنا القوى ِ‬
‫السالح ولن ندع الجهاد حتى ال يبقى في دنيا اإلسالم‬
‫وأرض العرب علم ألجنبي أو حكم لمستعمر‪ ،‬واهلل‬
‫معنا‪ ،‬واهلل أكبر‪.‬‬
‫[هتاف المجد‪ :‬تحية البطلين (‪])1947‬‬
‫ُ‬

‫‪91‬‬
‫‪-48-‬‬
‫‪ ...‬ثم غدر بنا اإلنكليز الذين وعدوا الحسين‬
‫وصدق‪ ،‬وحمله على ذلك ُخبث طوايا‬ ‫ّ‬ ‫فاغتر‬
‫َّ‬
‫االتحاديين وسوء فعالهم ومحاربتهم العربية كيد ًا‬
‫لإلسالم‪ .‬أعطاه مكماهون ‪-‬باسم قومه‪ -‬المواثيق‪،‬‬
‫ثم عقدوا من وراء ظهره معاهدة >سايكس بيكو<‬
‫التي تقاسموا فيها بالدنا كما يتقاسم اللصوص الغنيمة‬
‫التي نالوها حرام ًا‪ .‬وأنا ال أنقل صفحات معروفة من‬
‫التاريخ‪ ،‬وهي تحت يدي لو أردت النقل عنها‪،‬‬
‫ولكني أردت أن يؤمن الشباب بأن >الجميع< علينا‪،‬‬
‫تداعوا لحربنا‪ :‬حرب ديننا وعقيدتنا‪ ،‬ألن ذلك‬
‫فإن ُنسف األساس هوى البناء‪.‬‬
‫قوتنا‪ْ ،‬‬‫أساس ّ‬
‫تناوبوا توجيه المدفع‪ ،‬يتعب منه واحد منهم‬
‫موجه إلينا وقنابله أبداً‬
‫فيسلمه إلى آخر‪ ،‬وهو أبداً َّ‬
‫فمن بلفور الذي وعد‪ ،‬إلى غورو الذي‬ ‫ساقطة علينا‪ِ .‬‬
‫أغار‪ ،‬إلى ساراي الذي هدم ثلث دمشق على من‬
‫كان فيها فما لم يصل إليه الدمار أشعل فيه النار‪،‬‬
‫تعهدوا إلبليس بأن يحموا أمن إسرائيل‪،‬‬ ‫إلى الذين ّ‬
‫ولو كان أمنها ال يقوم إال على خراب صيدا وصور‬
‫وتحويل الدور والقصور إلى أطالل وقبور‪ ،‬وتجرِبة‬

‫‪92‬‬
‫السالح األميركي الجديد بقنابله العنقودية والفسفورية‬
‫جرب‬‫والتفريغية على األطفال والنساء والشيوخ كما ُت َّ‬
‫المختبرات‪...‬‬
‫َ‬ ‫األدوية الجديدة على الفئران في‬
‫لقد سمعنا بأن منهم من تأخذه الشفقة على‬
‫حيوانات المختبرات فيحاولون إنقاذها‪ ،‬ولكن ما‬
‫سمعنا فيمن رأوا ما يقع في بيروت بمن أشفق على‬
‫كر ّيا العطر وشيوخ تجسم‬ ‫كن ْور الزهر وصبايا َ‬
‫أطفال َ‬
‫أي‬ ‫فيهم العجز والطهر‪ .‬لقد ُقتل نفر من اليهود‪ْ ،‬‬
‫من خنازير البشر‪ ،‬في كنيس في باريس (ولعل بني‬
‫ليتخذوا منه حجة‬ ‫دبروا قتلهم ّ‬
‫إسرائيل هم الذين ّ‬
‫لهم)‪ُ ،‬قتل نفر بفعل مجهول فقامت قيامة اليهود‬
‫شوهون‬ ‫وي َّ‬
‫ويقتل آالف وآالف ُ‬‫وكثير من النصارى‪ُ ،‬‬
‫في بيروت بفعل مجرمين معروفين‪ُ ،‬يقتلون عمداً‬
‫حيث ال َيملكون دفع ًا وال منع ًا‪ ،‬والعالَم المتحضر‪،‬‬
‫عالَم >حقوق اإلنسان<‪ ،‬يسمع ويرى فال يحرك ساكن ًا‬
‫إال اللسان‪ ،‬وربما خرس اللسان إال عن كلمة واحدة‬
‫هي >الفيتو< يحمون بها ظهور المجرمين‪.‬‬
‫[الذكريات ج‪ :2‬ح‪])1982( 40‬‬

‫‪93‬‬
‫‪-49-‬‬
‫ليصدق القراء أن ما أكتبه اليوم قد‬
‫ّ‬ ‫أحلف باهلل‬
‫وقع البارحة‪ ،‬وأنه ليس خيالة من خياالت األدباء‪.‬‬
‫نمت البارحة وفي ذهني موضوع االستعداد للحرب‬
‫والتيقظ له‪ ،‬وما يجب على الحكومة وما ينبغي‬
‫فجر ْت‬
‫للشعب‪ .‬وكانت ليلة حارة من ليالي الصيف‪َّ ،‬‬
‫علي ليلتي‪،‬‬
‫ونغص ّ‬ ‫علي حرار ُتها ما أطار مني نومي ّ‬
‫ّ‬
‫وأقامني اآلن خائر الجسم دائر الرأس ثقيل األجفان‪:‬‬
‫علي‬
‫جاءتني بعوضة‪ ،‬كلما أغمضت عيني تحوم ّ‬
‫وتطن في أذني‪ ،‬فأنهض وأفتش عنها وأستعد لها‪،‬‬
‫فال أراها‪ ،‬وأحاول المنام فتعاود التحويم والطنين‪...‬‬
‫واستمرت على ذلك الليلَ أكثره إلى مطلع الفجر‪،‬‬
‫فكدت أعتذر من صاحب الجريدة وأدع الكتابة‬
‫اليوم‪ ،‬ثم قلت‪ :‬لماذا ال أصف حالي مع البعوضة‪،‬‬
‫فأكون قد دخلت في موضوعي وأنا ال أشعر؟ وإذا‬
‫وسه َدت‬
‫ّ‬ ‫كانت بعوضة واحدة قد طردت النوم عني‬
‫عيني‪ ،‬فكيف لعمري ننام ويهود في فلسطين ال تزال‬
‫تطن إذاعتها في آذاننا؟‬
‫ّ‬
‫هذا هو الموضوع‪ .‬قلت أمس في خطبة الجمعة‬
‫التي أذاعتها محطة دمشق إننا في حرب؛ إن كل دولة‬

‫‪94‬‬
‫عربية في حرب ما بقي في فلسطين يهودي واحد‪،‬‬
‫وإننا قد خسرنا الجولة األولى‪ .‬نقول ذلك بلسان‬
‫الرياضي الذي ينهزم ولكنه يعلم أن أمامه جوالت‪.‬‬
‫ونحن نرحب بالحرب‪ ،‬فنحن بنو الحرب‪ ،‬ونحن‬
‫الجالد‪ ،‬ونحن ال نخشى الغارات وال تطير‬ ‫رجال ِ‬
‫ولكنا ال نريد ‪-‬مع‬
‫ّ‬ ‫قلوبنا َشعاع ًا عند أول قنبلة ُتلقى‪،‬‬
‫ذلك‪ -‬أن نتلقى الضربات تل ّقي الغنم ضربة الذئب‪.‬‬
‫إن علينا أن نعد وأن نستعد‪ ،‬وإني أُجمل هنا المنهج‬
‫‪-‬بعد‪ -‬بالتفصيل والبيان‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الذي أراه‪ ،‬لعلي أعود إليه‬

‫ال أن توضع الموازنة على أسلوب‬ ‫يجب أو ً‬


‫ويلغى‬
‫محى منها كل نفقة يستغنى عنها‪ُ ،‬‬‫جديد‪ُ ،‬فت َ‬
‫كل مصرف ال ضرورة إليه وال لزوم له‪ ،‬ويشترى‬
‫بذلك كله السالح والعتاد‪ .‬ويجب أن تعنى الحكومة‬
‫الفتوة على‬
‫ّ‬ ‫بالدعاية والحرب األدبية‪ .‬ويجب تعميم‬
‫المدارس كلها وعلى الجامعة‪ ،‬وتدريب الناس‬
‫جميع ًا فنون الحرب ونشر روح الصبر واالحتمال‬
‫والحماسة في األمة‪ .‬ويجب محاربة كل مظهر للرذيلة‬
‫وللخنوثة‪ ،‬ألن ذلك كله إضعاف لنا وتقوية لليهود‪.‬‬

‫طنت في أذني جعلتني ال أستطيع‬


‫إن بعوضة ّ‬
‫المنام‪ ،‬فهل تستطيعون النوم ‪-‬يا ناس‪ -‬وإسرائيل‬

‫‪95‬‬
‫تطن إذاعتها في آذانكم‪ ،‬وإسرائيل تتربص على‬
‫حدودكم‪ ،‬وإسرائيل قد سلبتكم أرض ًا من أرضكم‬
‫وقتلت إخوان ًا من إخوانكم؟‬
‫بمنام!‬
‫أقر اهلل عينه َ‬
‫من نام على عدوه فما َّ‬
‫[كلمات صغيرة‪ :‬نحن في حرب‬
‫فاستعدوا للحرب (‪])1949‬‬

‫‪96‬‬
‫‪-50-‬‬
‫ال‬
‫أكثر الناس ال يدرون من أمر فلسطين إال قلي ً‬
‫وال يعلمون عن نكبتها شيئ ًا! فلينظم الشعراء القصائد‬
‫المغنون بشعر فلسطين‪،‬‬‫ّ‬ ‫وليتغن‬
‫َّ‬ ‫في نكبة فلسطين‪،‬‬
‫ولتؤلَّف اللجان في كل بلد عربي‪ ،‬في كل بلد مسلم‬
‫إلنقاذ فلسطين‪ ،‬ثم انظروا ما يكون‪َ :‬من يقرأ هذا‬
‫كله أو يسمعه ثم يقيم آمن ًا في داره يأكل ويشرب‬
‫ويلهو ويلعب‪ ،‬وال يقول ألوالده وبناته‪ :‬اقتصدوا‬
‫في نفقاتكم وو ّفروا ما تشترون به الحياة إلخوانكم‪،‬‬
‫لنجتزئ بالثوب عن الثوبين‪ ،‬وباللون من الطعام عن‬
‫اللونين‪ ،‬ثم ندفع هذا وذاك ثمن ًا لحياة فلسطين‪...‬‬
‫وقد دفعه أجدادنا في حطين يقودهم صالح الدين؟‬
‫مر على دخول اإلنكليز فلسطين خمس‬ ‫لقد ّ‬
‫عشرة سنة‪ ،‬ودخول اليهود معهم‪ ،‬حشرات متعلقات‬
‫بأذنابهم‪ .‬أفما تكفينا خمس عشرة سنة (‪ )1‬لنصحو من‬
‫نومنا ونفتح عيوننا‪ ،‬فنبصر الماء يجري من تحتنا‬
‫_________________‬
‫(‪ )1‬دخل اإلنكليز فلسطين سنة ‪ ،1918‬عقب هزيمة‬
‫الدولة العثمانية في الحرب العالمية األولى‪ ،‬ونشرت‬
‫هذه المقالة سنة ‪( 1933‬مجاهد)‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫وبوادر النار من حولنا‪ ،‬والهوة السحيقة أمامنا نمشي‬
‫إليها بأقدامنا؟ إن كل عربي وكل مسلم على وجه‬
‫ومالم إن قصر‬ ‫األرض مسؤول عن نكبة فلسطين ُ‬
‫تأت اآلن معركة الدم والحديد‪،‬‬ ‫بالدفاع عنها‪ .‬لم ِ‬
‫لنرد عدوان اليهود بالفكر السديد‪،‬‬
‫فلنحارب بالمال‪ّ ،‬‬
‫بالخطَط المدروسة‪ ،‬باالتحاد‪ ،‬وقبل هذا كله وبعد‬ ‫ُ‬
‫العدو مهما كبر ومهما‬
‫ّ‬ ‫هذا كله بالعودة إلى اهلل‪ ،‬ألن‬
‫كبر َمن يعينه وينصره فاهلل أكبر‪ ،‬فمن كان مع اهلل لم‬
‫يخف أحداً‪.‬‬ ‫َ‬
‫كل‬
‫ليقدم ٌّ‬
‫لنبدأ بجمع المال إلنقاذ فلسطين‪ّ ،‬‬
‫قل‪ .‬أنا رجل مفلس‪،‬‬ ‫ما يستطيع ال يخجل به مهما ّ‬
‫أقدم نصف ليرة كل شهر‪ ،‬فليقدم‬ ‫ولكني أستطيع أن ّ‬
‫كل ما يستطيع‪ .‬األدب‪ ،‬ثم المال‪ ،‬ثم الدم‪ ...‬هذه‬
‫ٌّ‬
‫هي أركان الحياة‪ ،‬فإذا كان فينا مخلصون فليسيروا‬
‫في هذا الطريق بخطوات سريعة وثابتة‪.‬‬
‫طردون من ديارهم‬ ‫يا أيها الناس‪ ،‬إخوانكم ُي َ‬
‫ويموتون‪ ،‬فاشتروا حياتهم بمالكم‪ .‬إن شبح الموت‬
‫يلوح في أدنى األفق‪ ،‬وال يجوز الصبر يوم ًا واحداً‪.‬‬
‫إن النار إذا بلغت فلسطين فإننا نحترق ال محالة‪.‬‬
‫[البواكير‪ :‬األدب القومي أيض ًا (‪])1933‬‬

‫‪98‬‬
‫‪-51-‬‬
‫الذي رأيته ورآه الناس كلهم هو أن تاريخ الظلم‬
‫والسرقة والغصب والتعاون على اإلثم والعدوان لم‬
‫يعرف أبشع وال أشنع وال أفظع من قضية فلسطين‪،‬‬
‫ناس آمنون في مساكنهم التي ورثوها عن آبائهم‬
‫واشتروها بأموالهم‪ ،‬ما ألحد حق فيها معهم‪ ،‬جاء‬
‫َمن ال يخاف اهلل وال يتقي العار وال يأبى اللعن فوعد‬
‫أخس اللصوص‪ ،‬ثم سعى حتى ولّوه‬ ‫ّ‬ ‫بها عصابة من‬
‫هو أمرها و>انتدبوه< لتعليم أهلها فنون الحضارة‪،‬‬
‫خصمها الحاكم فيها‪ ،‬وكان >حاميها<!‬ ‫َ‬ ‫فكان‬
‫وعد آثم بعده تعاون ظالم‪ .‬ما اتف َقت دولة‬ ‫ٌ‬
‫الشرق ودولة الغرب إال علينا‪ ،‬هم دوم ًا في خصام‬
‫إن جمعهم عداؤهم لإلسالم‪ .‬ما التقى‬ ‫ولكنهما يتفقان ْ‬
‫صاحب >البيت األبيض< وصاحب >البيت األحمر<‬
‫إال على كرهنا وعلى قتالنا‪ ،‬يعطوننا كالم ًا حلواً‪،‬‬
‫عدونا وسارقي أرضنا‬ ‫ّ‬ ‫والكالم >بالش< (‪ )1‬ويعطون‬
‫أيد تعمل‬‫ال لهم ٍ‬ ‫كل ما يريدون‪ :‬من الشرق رجا ً‬
‫ال يبني لهم وسالح ًا‬ ‫وأدمغة تفكر‪ ،‬ومن الغرب ما ً‬
‫_________________‬
‫(‪ )1‬بالش (العامية) أصلها بال شيء‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫يقتلنا نحن‪ ،‬فإلى أين نلجأ؟‬
‫والمنجى أمامنا‪ ،‬ولكن بهرج‬
‫الملجأ قريب منا َ‬
‫المادية أزاغ عنه أبصارنا‪ ،‬ذلك هو >البيت‬
‫ّ‬ ‫الحضارة‬
‫األسود< في بطن مكة‪ ،‬البيت الذي يلبس الثوب‬
‫األسود وهو األبيض بياض النهار المشرق‪ ،‬بياض‬
‫النور الهادي‪ ،‬بياض الحق األبلج‪َ .‬ر ّب هذا البيت‬
‫األسود هو وحده القادر على إنقاذنا من صاحب‬
‫البيت األبيض والبيت األحمر‪ ،‬والبيت األصفر إن‬
‫انضم إليهما وكان معهما علينا في تأييد عدونا!‬
‫فلماذا ال نرجع إليه‪ ،‬وبابه مفتوح ويده مبسوطة؟‬
‫لماذا نحول وجوهنا عن بابه؟‬
‫دخل اإلسالم في المعركة فيدخلها‬ ‫لماذا ال ُن ِ‬
‫معه ألف مليون؟ إن جعلناها عربية خالصة السترداد‬
‫األرض العربية أبعدناهم عنا‪ ،‬ولكن إن جعلناها جهاداً‬
‫إسالمي ًا السترجاع قبلة المسلمين األولى ومسرى‬
‫نبيهم كانت معركتهم‪ ،‬ما نحن بأحق بها منهم ألن‬ ‫ّ‬
‫األقصى لنا ولهم‪ ،‬واإلسالم يجمعنا ويجمعهم‪.‬‬
‫[الذكريات ج‪ :2‬ح‪])1983( 62‬‬

‫‪100‬‬
‫‪-52-‬‬
‫إن قضية فلسطين لم َيج ِر مثلها وال في أيام‬
‫صدقنا أنه‬
‫األولين لما ّ‬
‫نيرون‪ .‬ولو قرأناها في أخبار ّ‬
‫يسوغ في إنسانية البشر وعقل العقالء أن تقول لرجل‪:‬‬
‫المتشرد المسكين‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اخرج من دارك ليأوي إليها هذا‬
‫و َن ْم أنت في الزقاق أو اضطجع على المزبلة‪ ،‬أو‬
‫المدنية وهذا حكم‬
‫ّ‬ ‫مت حيث شئت‪ .‬هذا قضاء‬
‫الديمقراطية!‬
‫وإن حوادث المغرب لم يقع مثلها وال على‬
‫ذبح عشرات األلوف‬ ‫عهد محاكم التفتيش‪ ،‬أن ُي َ‬
‫من األبرياء (‪ )1‬ألنهم قالوا لمن دخل عليهم بلدهم‬
‫_________________‬
‫(‪ )1‬أظنه يشير هنا إلى المجزرة الكبرى التي اشتهرت‬
‫في التاريخ الجزائري باسم مجزرة ‪ 8‬ماي (الثامن‬
‫من شهر أيار سنة ‪ ،)1945‬عندما خرج الجزائريون‬
‫إلى الشوارع مطالبين فرنسا بالوفاء بوعدها ومنح‬
‫الجزائر استقاللها‪ ،‬فقابلت فرنسا جموع المتظاهرين‬
‫بالنار وقصفتهم من األرض ومن الجو ومن البحر‪،‬‬
‫فاستشهد من الجزائريين نحو خمسة وأربعين ألف ًا‬
‫ُ‬
‫سقطوا على تراب الجزائر في يوم واحد (مجاهد)‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫واغتصب أرضهم وأكل خبزهم‪ :‬أطعمنا معك من‬
‫خيرات أرضنا‪ ،‬وارفق بنا في عدوانك علينا!‬
‫أح َس ْسنا حقيق ًة ببغضاء الفرنسيين‬ ‫فهل ْ‬
‫واإلنكليز؟ أال يزال فينا من يثني على اإلنكليز‬
‫المجندات‬
‫ّ‬ ‫ويودع‬
‫ّ‬ ‫في الصحف >تقريراً للحقيقة<‬
‫اإلنكليزيات باألسى >تقديراً للجمال<؟ أال يزال فينا‬
‫نواد أقيمت لتثبيت الصداقة بيننا وبين هؤالء الذين‬
‫فعلوا هذه األفاعيل في فلسطين والمغرب؟‬
‫فكيف يجتمع الحب والبغض في قلب واحد؟!‬
‫[هتاف المجد‪ :‬من حديث الجهاد (‪])1947‬‬
‫ُ‬

‫‪102‬‬
‫‪-53-‬‬
‫ال‬‫هل تعرفون قصة المحتال الذي وجد غني ًا مغ ّف ً‬
‫فأحب أن يسلبه ماله فباعه األهرام؟ إنه مجرم باع شيئ ًا‬
‫ال يملكه وأخذ به ثمن ًا ال يستحقه‪ ،‬والذي اشترى‬
‫ممن ال‬ ‫َك الشيء الذي اشتراه ّ‬ ‫أحمق ألنه ظن أنه مل َ‬
‫يملكه‪.‬‬
‫تهمني‬
‫متخيلة‪ ،‬فما ّ‬
‫َّ‬ ‫ربما كانت القصة مكذوبة‬
‫صحتها وال جئت أح ّقق خبرها بل جئت أروي قصة‬
‫مثلها‪ ،‬من نوعها وجنسها ولكنها أكبر منها وأشد‬
‫‪-‬بعد‪ -‬صحيحة ال‬
‫ُ‬ ‫ضرراً وأعمق في الشر أثراً‪ ،‬وهي‬
‫يجادل أحد في صحتها‪.‬‬
‫قصة رجل وهب أرض ًا ال يملكها هو وال أبوه‬
‫وال قومه‪ ،‬لمجموعة من اللصوص األشرار ما لهم‬
‫فيها ذرة من الحق‪ ،‬وال َك ْه َرب واحد (إلكترون)‬
‫وهب فلسطين لليهود‬ ‫َ‬ ‫من كهارب الذرة الواحدة‪.‬‬
‫المالعين! وإن قلت مالعين فما أشتمهم‪ ،‬بل أصفهم‬
‫الذين كفروا ِمن َبني‬
‫َ‬ ‫خب َر ربنا أنه فيهم‪{ :‬لُ ِع َن‬
‫بما َّ‬
‫مريم}‪.‬‬ ‫بن‬
‫داو َد وعيسى ِ‬ ‫إسرائيلَ على لِ ِ‬
‫سان ُ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫[الذكريات ج‪ :1‬ح‪])1982( 21‬‬

‫‪103‬‬
‫‪-54-‬‬
‫أال ليشهد العالم كله أن المسجد األقصى حق‬
‫صريح من حقوق المسلمين‪ ،‬وأنهم ال يتنازلون عن‬
‫شبر منه لمخلوق‪ ،‬ألن في ذلك تنازلهم عن دينهم‬
‫وعربيتهم‪ ،‬عن إبائهم وشرفهم‪ ،‬وهذا ما ال يكون قط‬
‫غير األرض والسماوات!‬‫األرض َ‬
‫ُ‬ ‫بدل َ‬
‫أو ُت َّ‬
‫يمر‬
‫ليس في العالم كله مسلم واحد يستطيع أن ّ‬
‫الزراية على اإلسالم في‬‫بهذه الحوادث‪ ،‬حوادث ِّ‬
‫ثالث مساجده‪ ،‬حوادث االعتداء على المسلمين في‬
‫الحمية اإلسالمية وفي‬
‫ّ‬ ‫عقر دارهم‪ ،‬وال تثور في رأسه‬
‫نفسه النخوة العربية‪ ،‬فيغضب هلل ويغضب لدينه‪،‬‬
‫ولن يتأخر لحظة واحدة عن أن يبيع نفسه وماله من‬
‫اهلل بأن له الجنة‪.‬‬
‫ال واهلل‪ ،‬ما كان اإلسالم أبداً دين ذلة وخضوع‪،‬‬
‫وما كان أبداً دين ضعف وعجز‪ ،‬فال َي ُغ َّر ّن هذه‬
‫إن نهض لهم ما‬ ‫نومته‪ ،‬فواهلل ْ‬
‫السنانير من هذا السبع ُ‬
‫َ‬
‫تبقى منهم باقية‪.‬‬
‫[مقاالت في كلمات‪ :‬أال‬
‫ليشهد العالم كله (‪])1950‬‬

‫‪104‬‬
‫‪-55-‬‬
‫كان أول ما يطلبه اليهود (وقد أدركت هذا‬
‫كله) أن ُيسمح لهم بالهجرة إلى فلسطين‪ ،‬ثم جاء‬
‫َمن يعدهم بأن يقيم لهم فيها وطن ًا وهو ال يملكها‬
‫وال َي ْن ُفذ وعده فيها‪ ،‬ثم كان التقسيم الذي أبَيناه ثم‬
‫رجعنا نطالب به! ثم أخذوا ما كان فيه من قسمتهم‬
‫وما كان من قسمة غيرهم‪ ،‬ثم لبثوا دهراً َي ْدعون إلى‬
‫المفاوضات ونحن نقول‪" :‬ال مفاوضات وال صلح‬
‫وال اعتراف"‪ ،‬حتى دعوها بـ>الالءات العربية<‪.‬‬
‫فكيف تبدلت الحال فصرنا (أي صار أهل‬
‫سموه بمسيرة السالم؟!‬‫السياسة منا) يؤيدون ما ّ‬
‫يطلبون الصلح مع الحرامي الذي دخل الدار‬
‫والحرامي يشمخ بأنفه ويتكبر! ال لضعف فينا وال‬
‫لقوة له‪ ،‬بل ألن من يقول تلك المقالة منا يصدر عن‬
‫ويعبر عن رأيه‪ ،‬والعقولُ تخطئ وتصيب‪.‬‬‫وحي عقله ّ‬
‫ليسوا من علماء الدين الذين يهتدون بهديه ويسيرون‬
‫في طريقه فال يض ّلون أبداً‪.‬‬
‫[نصر من اهلل وفتح قريب (مقالة‬
‫غير منشورة في الكتب) (‪])1990‬‬

‫‪105‬‬
‫‪-56-‬‬
‫لما‬ ‫ِ‬
‫صحنا وطالبنا وشكونا إلى مجلس األمن ّ‬
‫عدا اللصوص العادون على حيفا ويافا وعكّ ا‪ ،‬ثم‬
‫همنا وأقصى‬ ‫نسينا عكّ ا ويافا وحيفا وجعلنا أكبر ّ‬
‫مطالبنا بعد نكبة ‪ 1967‬المطالبة بإزالة آثار العدوان‪،‬‬
‫المطالبة باللسان ال بالسيف والسنان‪ ،‬أي إبقاء ما كان‬
‫على ما كان!‬
‫ثم كانت فتنة الدعوة إلى السالم‪ ،‬أي أن يصطلح‬
‫ال‬
‫صاحب البيت مع الحرامي‪ ،‬فيترك له ما سرقه أو ً‬
‫ليرد إليه ما سرقه ثاني ًا‪ ،‬فأمسك اللص بالسرقتين وزاد‬
‫ّ‬
‫عليهما سرقة بعض أرض لبنان!‬
‫إن‬
‫وما السبب في هذا كله؟ السبب أن المرء ْ‬
‫طرقه اللص طلب شرطة النجدة‪ ،‬والشرطي هنا‬
‫يمده بالمال وبالسالح ليحمي أمنه‪.‬‬
‫حليف الحرامي ّ‬
‫أي أن من حقّ اللص إن دخل داراً غير داره وسرق‬
‫ما فيها وطرد أهلها‪ ،‬من ح ّقه بمنطق هذا الشرطي أن‬
‫ينام آمن ًا فال يزعجه صاحب الدار عن منامه بحركته‬
‫أو بكالمه!‬
‫[الذكريات ج‪ :2‬ح‪])1982( 44‬‬

‫‪106‬‬
‫‪-57-‬‬
‫زعم اليهود أنهم مظلومون‪ ،‬وأنهم قد ُنكِّ ل بهم‬
‫وأُوذوا‪ ،‬وأن هتلر أباد خضراءهم وقتل أبناءهم‪،‬‬
‫فتحركت >الرحمة!< في قلوب األقوياء من دول‬
‫األرض‪ ،‬فأرادوا أن يجدوا لهم داراً فلم يجدوا إال‬
‫أرضنا! فأجبرونا أن نخرج من مساكننا وأن نمنحهم‬
‫خيرات بالدنا‪ ،‬وجاء وزير المتمدنين الذين يلبسون‬
‫جلود ال ِّظباء على أجساد الذئاب‪ ،‬فأعطاهم >وعداً<‬
‫بأن يجعل لهم من قلب بالدنا الملجأ‪ ،‬هو يمنحهم ما‬
‫ال َي ْملك وهم ال يستحقون ما منح‪ ،‬فكانت فضيحة‬
‫سمع بمثلها في حاضر وال‬ ‫التاريخ البشري التي لم ُي َ‬
‫غابر‪.‬‬
‫وها هم أوالء اليوم يدعوننا إلى السالم ونبذ‬
‫الحرب‪ ،‬يقولون‪ :‬أليس السالم خيراً لكم؟ فلماذا‬
‫زهق األرواح؟‬‫ُتراق الدماء و ُت َ‬
‫إن السالم الذي يدعوننا إليه كالسالم بين اللص‬
‫الذي اقتحم دارك وقتل بعض أهلك وسكن في بعض‬
‫منزلك‪ ،‬فلما أردت أن تخرجه قال‪ :‬انظروا إلى‬
‫ود َعوا إلى االجتماع على حرب‬ ‫>اإلرهابي<‪َ ...‬‬
‫ّ‬ ‫هذا‬

‫‪107‬‬
‫اإلرهاب‪ .‬إننا نسمع كل يوم عن فلسطيني أُخذ بتهمة‬
‫>مقاومة االحتالل<‪ ،‬فهل تكون تهم ًة مقاوم ُة الحرامي‬
‫المجرم الذي جاء يحتل دارك؟!‬
‫[هتاف المجد‪ :‬قصتنا مع اليهود (‪])1989‬‬
‫ُ‬

‫‪108‬‬
‫‪-58-‬‬
‫كانت نسبة اليهود في بغداد إلى مجموع‬
‫سكانها أعلى نسبة‪ ،‬أو من أعلى النسب في العالم‪،‬‬
‫حتى إن المرء ال يكاد يستطيع أن يشتري سلعة يوم‬
‫السبت! كانت الوظائف المالية في أيديهم‪ ،‬وكان‬
‫في بغداد عند الجسر العتيق خان قديم أظن أن اسمه‬
‫خان الباشا‪ ،‬فيه ‪-‬كما فهمت‪ِ -‬كبار ُت ّجار الجملة‬
‫والصرافون وأهل العملة‪ ،‬وكثير منهم‪ ،‬كثير جداً‬
‫ّ‬
‫من اليهود‪.‬‬
‫المدرسين وال كان الناس في‬ ‫ّ‬ ‫كنا نحن‬ ‫وما ّ‬
‫بغداد يفرقون ‪-‬من كرم نفوسهم وطيب شمائلهم‪-‬‬
‫بين يهودي ومسلم‪ .‬ما كان يضيع عليهم شيء من‬
‫حقهم‪ ،‬بل كانوا يأخذون عشرة أضعافه ثم يسرقون‬
‫حق غيرهم! فلما قامت على أرض فلسطين هذه‬
‫الدولة اآلثمة الظالمة لتسلب العرب أرضهم وتسرق‬
‫وتتعدى على حريتهم وكرامتهم‪ ،‬ال بقوتها‬ ‫ّ‬ ‫أموالهم‬
‫وبأسها‪ ،‬فما كان اليهود أبداً أُولي بأس وقوة وال كانوا‬
‫أولي ُنبل وشهامة‪ ،‬بل بقوة َمن يقوم وراءها يحميها‬
‫لما‬
‫ويمدها بما يزيد عدوانها‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫ويقويها على باطلها‬
‫قامت هذه الدولة نسوا تلك المعاملة التي كنا نعاملهم‬

‫‪109‬‬
‫وانضموا‬
‫ّ‬ ‫بها والتي لم يجدوا مثلها من أمة من األمم‪،‬‬
‫إلى دولة إسرائيل‪.‬‬
‫فضل أجدادنا!‬
‫َ‬ ‫أجدادهم‬
‫ُ‬ ‫أنكروا فضلنا كما جحد‬
‫وهذه هي أخالق اليهود في كل زمان ومكان‪ ،‬اليهود‬
‫كلهم ال الصهيونيون فقط‪ ،‬ال فرق بين يهودي‬
‫وصهيوني‪ ،‬تتبدل الثياب وال يتبدل َمن فيها‪.‬‬
‫[الذكريات ج‪ :4‬ح‪])1984( 100‬‬

‫‪110‬‬
‫‪-59-‬‬
‫إن أهل فلسطين إخواننا وأشقاؤنا‪ ،‬لهم علينا‪،‬‬
‫على العرب كلهم‪ ،‬على المسلمين جميع ًا‪ ،‬حق‬
‫الشقيق على الشقيق‪ .‬وإن هذه األرض الحبيبة‪،‬‬
‫أرض فلسطين‪ ،‬وطننا‪ ،‬وطن العرب كلهم‪ ،‬وطن‬
‫المسلمين جميع ًا‪ ،‬ولها علينا حق األوطان على‬
‫أهلها‪ ،‬وإن فيها من ذكريات البطولة والمجد ما يهز‬
‫القلوب ويثير العزائم‪.‬‬
‫واألخوة‪ ،‬وأكبر‬
‫ّ‬ ‫الن َسب‬
‫ولكن القضية أكبر من ّ‬
‫من الوطن والوطنية‪ ،‬وأكبر من النخوة والحماسة‪.‬‬
‫إنها قضية دين وعقيدة؛ إن كل مسلم يدخل المسجد‬
‫األقصى ويقوم حيال الصخرة ينسى كل شيء إال‬
‫ال من منازل‬ ‫أن ههنا موطن ًا من مواطن الروح‪ ،‬منز ً‬ ‫ّ‬
‫ويبذَ ل في‬
‫سترخص في سبيله األرواح ُ‬ ‫َ‬ ‫ال ُق ُدس‪ُ ،‬ت‬
‫سبيله كل شيء‪ .‬إنها قضية جهاد في سبيل اهلل‪ ،‬واهلل‬
‫هو الباقي إذا ذهبت البطوالت واألمجاد‪ ،‬وصحف‬
‫الحسنات هي الخالدة إذا فنيت صحف التاريخ‪ ،‬وما‬
‫المتصل‪.‬‬
‫كان هلل فهو ّ‬
‫منصف في الدنيا‬
‫ٌ‬ ‫ثم إنها قضية حق ال يستطيع‬

‫‪111‬‬
‫إال أن يكون معها‪ .‬وهل في الدنيا منصف واحد‪،‬‬
‫يقدر إنسانيته‪،‬‬
‫هل فيها رجل يحترم رجولته وإنسان ّ‬
‫ُي ِق ّر منطق الصهيونية وأنصارها‪ :‬يا صاحب الدار‪،‬‬
‫إني أريد أن أسكن في دارك‪ ،‬فاخرج منها وتنازل لي‬
‫عنها وإال ذبحتك وذبحت أوالدك؟!‬
‫سنة اهلل في هذه الدنيا أن‬
‫الحق معنا‪ ،‬ولكن ّ‬
‫الحق إن لم تكن معه القوة سطا عليه الباطل حين ًا‪.‬‬
‫تر ْكنا سنة اهلل‬
‫لما َ‬
‫وللباطل جولة ثم يضمحل‪ ،‬ونحن ّ‬
‫بقوتنا كان ما كان في فلسطين‪.‬‬
‫ولم َن ْح ِم ح ّقنا ّ‬
‫[هتاف المجد‪ :‬يا أهل فلسطين (‪])1957‬‬
‫ُ‬

‫‪112‬‬
‫‪-60-‬‬
‫ال يقل واحد منكم‪ :‬أنا ال يعنيني‪.‬‬
‫كل واحد منكم مسؤول‪ ،‬كل واحد بحسب‬
‫الشحاد يستطيع أن يساعد فلسطين بقرش في‬
‫ّ‬ ‫طاقته‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الشهر‪ .‬قرش في الشهر‪ ،‬وفرنك في الشهر‪ ،‬وورقة‬
‫في الشهر‪ ،‬وخمس أوراق في الشهر تحيي فلسطين!‬
‫القراء وينتحب‪ ،‬ثم ينام وال يدفع‬ ‫سيبكي بعض ّ‬
‫سيهز بعض الموظفين أكتافه ويقول‪" :‬أنا ال‬ ‫ّ‬ ‫شيئ ًا‪.‬‬
‫أشتغل بالسياسة"‪ ،‬ثم يذهب إلى السينما أو البار أو‬
‫دار القمار! سيفرك الشيخ ك ّفه ويقول‪" :‬إ ّنا هلل وإ ّنا‬
‫إليه راجعون"‪ ،‬ثم يذهب َي ُع ّد قروشه على سبحته!‬
‫سيلوح التاجر بيديه ويقول‪" :‬التجارة واقفة‪ ،‬ماذا‬ ‫ّ‬
‫نصنع؟" ثم يذهب إلى السوق ليشتري بسبعين قرش ًا‬
‫طعام يوم واحد!‬
‫َ‬
‫_________________‬
‫(‪> )1‬الورقة< هو االسم الدارج في الشام ل ّليرة‪ ،‬و>الفرنك<‬
‫هو االسم الذي كانوا يطلقونه على القطعة النقدية‬
‫ذات الخمسة القروش (أي أنه جزء من عشرين جزءاً‬
‫من الليرة)‪ ،‬وكان وأنا صغير أقلَّ َو ْحدة نقد‪ ،‬وقد‬
‫انقرض اليوم ولم يعد له وجود (مجاهد)‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫يا أيها الناس‪ :‬إن المئات من النساء َي ُد ْرن في‬
‫الطرقات جائعات عاريات‪ ،‬في مدن فلسطين وفي‬
‫يتطوع للبحث عنهن ومساعدتهن؟‬ ‫فمن ّ‬‫أراضي الشام‪َ .‬‬
‫يتقدم فيستأجر لهن الدور ويجمع من الناس فينفق‬ ‫من ّ‬
‫عليهن؟‬
‫يبق في‬
‫أتذهب هذه الكلمة صيح ًة في واد؟ ألم َ‬
‫يبق شريف؟ ألم يبق‬
‫يبق عربي؟ ألم َ‬
‫البلد مسلم؟ ألم َ‬
‫إنسان؟ أتعاد مأساة أندلس جديدة وأنتم تنظرون؟‬
‫يكف هذا الموقف المخجل الذي وقفه زعماء‬ ‫ِ‬ ‫ألم‬
‫مقصرة؟‬
‫العربية أيض ًا ّ‬
‫ّ‬ ‫العرب؟ أتكون الشعوب‬
‫مرت على فلسطين‪ ،‬ال البائع‬‫مئة وعشرة أيام ّ‬
‫باع فيها وال الصانع اشتغل وال األجير أخذ أجرته‪،‬‬
‫فمن أين يعيش فقراء فلسطين؟ من أين يجدون ثمن‬
‫تفكروا في هذا؟ ألم يخطر لكم على بال؟‬
‫الخبز؟ ألم ّ‬
‫أتأكلون وتشربون وتلعبون وتطربون وأهل فلسطين‬
‫(‪)1‬‬
‫يموتون؟ يا للعار!‬
‫أما إنها واهلل ليست مسألة كالم ُيقال وال مقالة‬
‫_________________‬
‫(‪ )1‬نشر علي الطنطاوي رحمه اهلل هذه المقالة أيام‬
‫اإلضراب الكبير سنة ‪( 1936‬مجاهد)‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫كتب وال خطبة ُتخطَب‪ ،‬ولكنها مسألة حياة أو‬ ‫ُت َ‬
‫يمد إليه يداً‪،‬‬
‫فتب ًا لمن ينظر أخاه يموت وال ّ‬
‫موت‪ّ ،‬‬
‫وسحق ًا لمن يرى أخته تموت من الجوع وال يقدم‬ ‫ُ‬
‫لها رغيف ًا‪ .‬إن من يفعل هذا ليس مسلم ًا وال عربي ًا‬
‫وال إنسان ًا!‬
‫[هتاف المجد‪ :‬يا للعار (‪])1936‬‬
‫ُ‬

‫‪115‬‬
‫‪-61-‬‬
‫إن َمن يسمع صوت قطة في الشارع تموء من‬ ‫ّ‬
‫يدق جاره بالمطرقة‬
‫األلم ال يستطيع أن ينام‪ ،‬ومن ّ‬
‫على جداره ال يستطيع أن ينام‪ ،‬فكيف ننام وأصوات‬
‫المشردين الهائمين من األطفال والعجائز‪ ،‬من النساء‬
‫َّ‬
‫والضعفاء‪ ،‬تمأل آذاننا‪ ،‬تخرج من شقوق الخيام التي‬
‫ومرت في جوانبها‪ ،‬وأثقلها الثلج الذي‬
‫مزقتها الرياح ّ‬
‫ّ‬
‫وجمدها‪ ،‬في جبال األفغان‬‫هبط عليها ول ّفها الصقيع ّ‬
‫وفي المخيمات في لبنان؟‬
‫أتنامون على أصواب االستغاثة من حلوق‬
‫إخوانكم وأخواتكم‪ ،‬على أصوات المدافع والصواريخ‬
‫يصبها عليهم أعداؤهم وأعداؤكم؟‬
‫ّ‬
‫هل تستطيعون أن تأكلوا وتشربوا وتضحكوا‬
‫وتمزحوا‪ ،‬وإخوانكم هناك في فلسطين؟ قولوا‬
‫>فلسطين< وال تقولوا الضفة وال القطاع فتعينوا‬
‫الصهيونيين على ما يريدون من محو اسم فلسطين‪.‬‬
‫اليهود ويؤذون نساءهم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫إخوانكم هناك يذبح أبناءهم‬
‫ينسفون منازلهم‪ ،‬يهدمون معاقلهم‪ ،‬يسرقون‬
‫أرضهم‪ ،‬كاللص يدخل عليك في الظالم دارك‬

‫‪116‬‬
‫فيحتل جانب ًا منها فيدعوك إلى التفاوض‪ .‬أفيفاوض‬
‫ّ‬
‫رب الدار الحرامي؟ إذن فعلى العقل وعلى العدل‬ ‫ّ‬
‫السالم‪.‬‬
‫بالحق أمسكوا به‬
‫ّ‬ ‫وإن قام من أوالدك من يطلب‬
‫وأحالوه إلى محاكمهم‪ ،‬إلى محاكم الحرامية‪ ،‬بتهمة‬
‫وأشد‬
‫ّ‬ ‫مقاومة االحتالل! ويلكم ما أصفق وجوهكم‬
‫احت ّلت بالده ظلم ًا ال‬
‫وقاحتكم! أفي الدنيا شعب ُ‬
‫يقاوم االحتالل؟ إن مقاومة االحتالل فضيلة‪ ،‬بل هي‬
‫فريضة‪ ،‬وال ُت َع ّد جريمة إال في شريعة خنازير البشر‬
‫إخوان >الشين<‪ :‬شارون وشامير والشيطان الرجيم‪،‬‬
‫الذين هم إخوانه وأعوانه لعنة اهلل عليه وعليهم‪.‬‬
‫مهتكات‪،‬‬
‫كم من أمهات هناك ثاكالت وبنات ّ‬
‫وأعزة كرام‬
‫ّ‬ ‫مخربات ودموع مسفوحات‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وبيوت‬
‫ذلّوا وأغنياء احتاجوا‪ُ ،‬ش ّردوا وسكنوا بعد القصور‬
‫الخيام‪ ،‬وصاروا بعد البذل والعطاء محتاجين إلى‬
‫القوت وإلى الغطاء‪ .‬فإن لم تدافعوا عنهم بالسالح‬
‫ولم تبذلوا من أجلهم األرواح فجودوا باألموال‪ ،‬فإن‬
‫الجود باألموال نوع من الجهاد‪.‬‬
‫[الذكريات ج‪ :8‬ح‪])1987( 226‬‬

‫‪117‬‬
‫‪-62-‬‬
‫ونحذر‪ ،‬نقول‪:‬‬‫ّ‬ ‫مرت خمسون سنة ونحن ُننْذر‬ ‫ّ‬
‫وأخس البشر‪ ،‬فهل رأيتم من‬ ‫ّ‬ ‫إننا في حرب مع أمكر‬
‫يعيش في الحرب مثل عيشه في السلم؟ هل رأيتم من‬
‫ينفق فيها على السرف والترف والكماليات‪ ،‬بل على‬
‫ما ال صلة له بالكمال‪ ،‬ما فيه إال النقص والعار؟ ننفق‬
‫نصب في هذه البالوعة ما لو و ّفرناه‬
‫ّ‬ ‫وال نزال ننفق!‬
‫لكان لنا منه جيش ينقذ فلسطين ويخلص كل بلد‬
‫مسلم يعاني مثل الذي تعاني فلسطين‪.‬‬
‫هرة مريضة تموء في‬ ‫طالما قلت للناس‪ :‬إن ّ‬
‫شباكك تطرد من عيونك النوم‪ ،‬فكيف‬ ‫الشارع تحت ّ‬
‫يئن ويشكو‬ ‫تنام ومن إخوانك العرب المسلمين من ّ‬
‫جاره مسماراً‬‫ويمزق من بكائه سكون الليل؟ من يدق ُ‬
‫في جداره يفيق مذعوراً ويتعذر عليه المنام‪ ،‬فكيف‬
‫دورهم‬
‫المدافع َ‬
‫ُ‬ ‫تنام وفي األرض عرب مسلمون تدك‬
‫وتهدم بيو َتهم‪ ،‬مدافع أصداؤها تمأل الدنيا‪ ،‬أفال‬
‫تسمعها؟‬
‫خمسون سنة ونحن نقول إن فلسطين أمانة في‬
‫عنق كل عربي‪ ،‬عقيدة في قلب كل مسلم‪ ،‬فأنقذوها؛‬

‫‪118‬‬
‫نبيكم‪ ،‬قبلتكم‬‫أنقذوا المسجد األقصى‪ ،‬مسرى ّ‬
‫األولى‪ .‬ال تنفقوا قرش ًا بعد نفقتكم ونفقة عيالكم‬
‫إال على فلسطين‪ ،‬ال تبذلوا جهداً بعد الضروري من‬
‫جهودكم لتأمين معيشتكم إال على فلسطين‪ .‬إن اليهود‬
‫يعملون على سرقتها كا ّفة فاعملوا أنتم على استردادها‬
‫كا ّفة‪ .‬قاتلوا مجاهدين في سبيل اهلل ال لمجرد استرداد‬
‫ستر ّد بالجهاد الذي معه عون اهلل‪،‬‬
‫األرض‪ ،‬فاألرض ُت َ‬
‫ولكن عون اهلل ال يأتي لمجرد القتال لألرض‪ .‬ال‬
‫تيأسوا فإنه ال ييأس من َروح اهلل إال القوم الكافرون‪.‬‬
‫[الذكريات ج‪ :2‬ح‪])1983( 62‬‬

‫‪119‬‬
‫‪-63-‬‬
‫ل ّقنوا أوالدكم مع حليب األمهات وجوب‬
‫الجهاد السترداد فلسطين‪ ،‬ع ّلموهم كلمة >فلسطين<‬
‫مع كلمة >بابا< و>ماما<‪ .‬فإذا كنا نحن ‪-‬مع األسف‪-‬‬
‫جيل الهزيمة ُلبعدنا عن ديننا واختالفنا في أمرنا‪،‬‬
‫فسيظهر منهم جيل النصر‪ ،‬ولو بعد خمسين سنة أو‬
‫مئة سنة‪.‬‬
‫أما لب َثت القدس بأيدي من كانوا أقوى من‬
‫اليهود نحواً من مئة سنة؟ فما احتاج استردادها إال‬
‫لمن يطوي راية الجاهلية وينشر راية اإلسالم‪ ،‬ويرمي‬
‫َ‬
‫السيف الذي استعاره من الكافر ويضرب بسيف‬
‫وي ْدعو بدعوة الحق‪.‬‬
‫ويدع دعوة الباطل َ‬
‫محمد ’‪َ ،‬‬
‫إن نسيتم فاقرؤوا تاريخ عماد الدين ونور الدين‬
‫كنا فيه أكثر‬
‫وصالح الدين‪ ،‬الذين قاموا في زمان ّ‬
‫انقسام ًا وأشد اختالف ًا؛ كان في سوريا وحدها عشر‬
‫وش ْيزر‬
‫حكومات إسالمية وصليبية‪ ،‬كانت حماة دولة َ‬
‫دولة‪ ،‬كان في َصرخد (وهي قرية في جبل الدروز)‬
‫دولة! فلما جاءت دعوة اإلسالم محت دول الباطل‪،‬‬
‫دول الضعف واالنقسام‪ ،‬وأقامت دولة الوحدة تحت‬

‫‪120‬‬
‫راية التوحيد‪ .‬لقد أضعنا أيام ًا كثيرة وفرص ًا كثيرة‪،‬‬
‫ولكن ال يزال تدارك األمر ممكن ًا‪.‬‬
‫تقولون‪ :‬بماذا؟ بتغيير هذه الحال‪ .‬تقولون‪:‬‬
‫كيف نغيّر هذه الحال؟‬
‫غير ما‬
‫هلل ال ُي ّ‬
‫{إن ا َ‬
‫لقد شرح اهلل لنا القانون‪ّ :‬‬
‫غيرنا ما بأنفسنا؟‬ ‫ِ‬
‫بأنفسهم}‪ .‬فهل ّ‬ ‫غيروا ما‬
‫ب َقوم حتى ُي ّ‬
‫طهرناها من أوضار الشبهات وأدران الشهوات؟‬ ‫هل ّ‬
‫بتفرقنا اجتماع ًا على كتاب اهلل؟ هل سددنا‬
‫بدلنا ّ‬ ‫هل ّ‬
‫الجان‬
‫ّ‬ ‫آذاننا عن وسواس الشيطان من اإلنس ومن‬
‫وفتحناها لنداء الرحمن؟‬
‫ِ‬
‫{وأع ّدوا‬ ‫أمرنا اهلل أن ُن ِع ّد السالح للمعركة فقال‪:‬‬
‫َ‬
‫القوة وال بد‬ ‫ّ‬ ‫من‬ ‫بد‬ ‫فال‬ ‫ة}‪.‬‬ ‫و‬
‫ُّ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫استطعت‬
‫ُ‬ ‫لهم ما‬
‫من السالح‪ ،‬ولكن هل ُن ِع ّده ألن النصر مقرون دوم ًا‬
‫عدو‬
‫رهبون به َّ‬ ‫وحتم ًا بالسالح؟ ال‪ ،‬بل لإلرهاب‪{ :‬ت ُ ِ‬
‫عند اهلل}‪ .‬وأنزل َ‬ ‫وع ُد َّوكم} {وما ال َّنصر إال ِمن ِ‬ ‫اهلل َ‬
‫ُ‬
‫له اهلل‬
‫اهلل يوم بدر مالئكة‪ ،‬ولكن للتطمين‪{ :‬وما َج َع ُ‬
‫لوبكم} ال للنصر فالنصر من‬ ‫ئن به ُق ُ‬
‫طم َّ‬ ‫ِ‬
‫شرى ول َت َ‬
‫إال ُب َ‬
‫اهلل‪ ،‬مع المالئكة ومن غير أن تنزل مالئكة‪ ،‬فاطلبوه‬
‫منه بعد استعدادكم له‪.‬‬
‫هذه عقيدة المؤمن وهذا تفكيره وهذه نفسيته‪،‬‬

‫‪121‬‬
‫يعمل كل ما يقدر عليه ولكن ال يعتمد عليه وحده‪،‬‬
‫ووحده التوحيد الكامل وجاهد‬
‫بل على قوة من آمن به ّ‬
‫في سبيله‪.‬‬
‫[الذكريات ج‪ :2‬ح‪])1983( 62‬‬

‫‪122‬‬
‫‪-64-‬‬
‫عدنا إلى اللجان والوفود والبحوث والدراسات‪.‬‬
‫واليهود‬
‫ُ‬ ‫لم ِ‬
‫يكفنا أنا اشتغلنا بالمؤتمرات والتصريحات‬
‫يستعدون‪ ،‬وأنّا عقدنا الهدنة ونحن يومئذ الغالبون‪،‬‬
‫حتى جئنا اليوم نوفد الوفود ونتسلى بالكالم وفلسطين‬
‫يملكها الصهيونيون‪.‬‬
‫هم أوقعوا األمر ونحن رضينا بـ>األمر الواقع<‪،‬‬
‫وهم أخذوا ديارنا قسراً ونحن نطلب منهم >السماح<‬
‫لنا بالعودة إلى ديارنا‪ ،‬وهم >جمدوا< أموالنا غصب ًا‬
‫ونحن >نسألهم< أن يعيدوا إلينا أموالنا‪ ،‬وهم عصوا‬
‫هيئة األمم ونحن أطعنا‪ ،‬وهم فعلوا ونحن قلنا‪ ،‬وهم‬
‫نجحوا ونحن ُخذلنا‪ .‬وهم أقل من مليون من نفايات‬
‫األمم‪ ،‬ونحن سبع دول فيها أكثر من أربعين مليون ًا!‬
‫كأننا نحن اليهود أهل ِ‬
‫الذلّة والمسكنة‪ ،‬وهم‬
‫العرب أولو العزة واإلباء!‬
‫ولكن ال‪ ،‬ال واهلل ما ذل العرب وال عزت‬
‫يهود‪ .‬وإ ّنا ‪-‬على ما عر َفنا التاريخ‪ -‬أمة البذل واإلقدام‬
‫والبطوالت‪ ،‬ما فقدنا سالئقنا ولكن فقدنا قادتنا‪.‬‬
‫من قادتنا البالء ومن زعمائنا‪ ،‬من الذين كانوا‬

‫‪123‬‬
‫منقسمين على أنفسهم في فلسطين يوم كان زعماء‬
‫اليهود متحدين‪ ،‬من الذين كانوا يبتغون لذائذ الزعامة‬
‫وقصورها وبذخها ووالئمها ورحالتها يوم كان زعماء‬
‫اليهود ال ينفقون قرش ًا في غير السالح والعتاد‪ ،‬من‬
‫الذين كانوا يملؤون الدنيا كالم ًا فيكشفون أسرارهم‬
‫للقريب والبعيد يوم كان زعماء اليهود يستعدون‬
‫صامتين‪ ،‬من الذين عملوا ألطماعهم وشهوات‬
‫نفوسهم يوم كان زعماء اليهود ال يعملون إال لقضيتهم‬
‫وحدها‪ ،‬من الذين كانوا لعبة في أيدي أميركا وإنكلترا‬
‫يوم كان زعماء اليهود يلعبون بإنكلترا وأميركا‪...‬‬
‫فهل اعتبر هؤالء اآلن؟ هل علموا أن مدافع‬
‫سمع‪ ،‬وأن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المح ّق فال ُت َ‬
‫المبطل تضيع معها خطب ُ‬ ‫ُ‬
‫الدنيا لمن غلب؟ هل اعتبروا اآلن وفهموا؟ فماذا‬
‫ينتظرون؟ أليست فلسطين لنا؟ أليست ديارنا؟ أليس‬
‫الصهيونيون لصوص ًا غاصبين؟ فإلى متى يبيت‬
‫صاحب البيت في الشارع والمسدس في يده واللص‬
‫ينام في البيت على السرير؟‬
‫أتريدون أن نصير َم َع ّرة تاريخ العرب وأن يلعننا‬
‫األحفاد؟‬
‫[كلمات صغيرة‪ :‬نحن واليهود (‪])1951‬‬

‫‪124‬‬
‫‪-65-‬‬
‫لقد كتبنا نقول إن اليهود يستعدون ونحن‬
‫نائمون‪ ،‬وإنهم َي ِج ّدون ونحن هازلون‪ ،‬نستثير‬
‫بذلك الهمم ونستفز العزائم‪ ،‬ولكنا جاوزنا الحد‬
‫وأربينا على المدى فانقلبت الدعوة شراً وضراً‪ ،‬إذ‬
‫صار الناس يتوهمون في اليهود قوة وبأس ًا ويحسبون‬
‫لهم حساب ًا‪ ،‬فوجب علينا أن نعود فنكشف لهم عن‬
‫الحقيقة وندلّهم على الواقع‪.‬‬
‫والحقيقة هي التي ترونها وتسمعونها كل يوم‪.‬‬
‫أال تسمعون أن جماعات من جند يهود يهجمون‬
‫بأسلحتهم الحديثة وعتادهم الجديد ومدافعهم الثقيلة‬
‫على القرى العربية في المنطقة الحرام‪ ،‬فيردهم أهلها‬
‫أقبح الرد ويقتلون منهم ويأسرون؟ هذا وهم بدو‬
‫أو فالحون جاهلون ما درسوا فن القتال وال عرفوا‬
‫أساليب الحروب‪ ،‬فكيف إن القوا الجيش العربي‬
‫المنظم؟‬
‫هذه هي حقيقة اليهود‪ :‬إنهم ال يزالون أهل‬
‫الجبن والمذلة‪ ،‬وال َيل َقون عرب ًا في ميدان إال ظفر‬
‫بهم العرب‪ ،‬ولو لم ُتخدع الدول العربية يومئذ بخدع‬

‫‪125‬‬
‫أميركا وإنكلترا وتهادن تلك الهدنة أللقي اليهود في‬
‫البحر‪.‬‬
‫غير‬
‫فال تخشوا اليهود وال تظنوا أن السالح ّ‬
‫طبائعهم؛ إن السيف في يد الجبان عثرة له عند‬
‫ال‪ ،‬ولكنه‬
‫الهرب‪ .‬وما هذا الذي أقول حماسة وال خيا ً‬
‫الحق الذي وقع أمس وما قبله‪.‬‬
‫وال تخشوا اليهود وال تجزعوا من المال الذي‬
‫أمدتهم به أميركا والسالح الذي أعطتهم‪ ،‬فإنهم ال‬
‫يقومون بهذا كله لدولة واحدة من دول العرب‪ .‬ولكن‬
‫ال تستهينوا بهم وتقعدوا عن االستعداد لهم وتطمئنوا‬
‫إلى شجاعتكم وجبنهم وعزتكم وذلهم‪ ،‬فإن الرجل‬
‫وإن بالغ‬
‫يستعد له غلبه العدو‪ْ ،‬‬
‫ّ‬ ‫إن احتقر عدوه فلم‬
‫في خشيته وانقطع قلبه من خوفه لم يستطع أن يحاربه‪.‬‬
‫[كلمات صغيرة‪ :‬ال تخافوا اليهود (‪])1949‬‬

‫‪126‬‬
‫‪-66-‬‬
‫هزم‬
‫نعم؛ لقد ُهزمنا في فلسطين‪ ،‬ولكنها لم ُت َ‬
‫فينا إال األخالق التي قبسناها من غيرنا وتركنا لها‬
‫أخالقنا‪ .‬ما ُهزم إال التردد واالختالف والثرثرة‬
‫مصالحهم على‬ ‫َ‬ ‫والكالم الفارغ‪ ،‬وإيثار الزعماء‬
‫مصالح األمة‪ ،‬واتخاذ اإلنكليز واألميركان أولياء‪...‬‬
‫ّأما سالئق العروبة‪ ،‬أما خالئق اإلسالم‪ ،‬أما اإلرث‬
‫‪-‬معشر العرب‪-‬‬
‫َ‬ ‫الذي تركه محمد ’ في عروقنا‬
‫هزم ولن يهزم أبداً‪.‬‬
‫وص َّبه في دمائنا‪ ،‬فلم ُي َ‬
‫َ‬
‫وإن لكل أمة أيام ًا لها وأيام ًا عليها‪ ،‬وليس العار‬
‫أن ُيغلَب البطل‪ ،‬ولكن العار أن يجزع ِمن َ‬
‫الغلَب‬
‫مر علينا في تاريخنا‬
‫ويرضاه وال يعاود الكفاح‪ .‬ولقد ّ‬
‫ال‪ ،‬لقد قامت في هذه البقعة من‬ ‫مصائب أشد هو ً‬
‫فلسطين دولة أقوى من هذه الدولة الكسيحة‪ ،‬دولة‬
‫زحفت أوربا كلها لتقيمها وتحميها فعاشت أكثر من‬
‫مئة سنة‪ ،‬فأين هي اليوم؟ هدمها رجل واحد اسمه‬
‫صالح الدين‪.‬‬
‫فال تجزعوا كثيراً من ضياع فلسطين‪ ،‬بل‬
‫اجزعوا من المصيبة التي هي أكبر من ضياع فلسطين‬

‫‪127‬‬
‫ومن ضياع بالد العروبة كلها ال أذن اهلل‪ .‬أتدرون ما‬
‫هي؟ هي أن تخسروا إيمانكم بأنفسكم وماضيكم‪،‬‬
‫وأن تفقدوا كبرياءكم وتنسوا عزتكم وتجهلوا مكانكم‬
‫في هذه الدنيا‪.‬‬
‫تلك هي المصيبة حق ًا‪ ،‬ولن تكون أبداً‪ .‬ولئن‬
‫داخل الضعف نفوس ًا قد اكتهلت وشاخت في ظالم‬
‫الماضي القريب‪ ،‬فسيكون من هؤالء األطفال شعب‬
‫ذكريات عشرة‬
‫ُ‬ ‫دمه‬
‫نشأ في نور االستقالل‪ ،‬وستلهب َ‬
‫آالف معركة مظفَّرة خاضها الجدود‪ ،‬وستدفعه إلى‬
‫يطهر أرض الوطن من‬ ‫ميادين التضحية والبذل حتى ّ‬
‫إسرائيل‪ ،‬ويغسل بالدم هذه الصفحة التي كتبها في‬
‫تاريخنا التردد والتخاذل واالنقسام‪ ،‬وحتى يعيد مجد‬
‫الماضي‪ ،‬فيقرأ الطالب في المدارس بعد حين خبر‬
‫هذه الدولة التي قامت يوم ًا في فلسطين باسم دولة‬
‫>إسرائيل< كما نقرأ نحن اليوم خبر الدولة التي أقامتها‬
‫جموع الصليبيين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫من قبلُ‬
‫ومن َش َّك في هذا لم يكن عربي ًا‪ ،‬ولم يكن‬
‫َ‬
‫مسلم ًا‪.‬‬
‫[مقاالت في كلمات‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬لقد هزمنا! (‪])1951‬‬

‫‪128‬‬
‫‪-67-‬‬
‫إننا ما ُهزمنا في حزيران (يونيو) سنة سبع‬
‫وستين‪ ،‬بل ُهزمت فينا المبادئ المخالفة لإلسالم‪،‬‬
‫عدونا‪ُ ،‬هزم فينا‬
‫ُهزمت فينا الخالئق التي أخذناها من ّ‬
‫ُخ ُلق االنقسام‪ُ ،‬خ ُلق التردد واالنحراف‪.‬‬
‫على أن الهزائم ال تقتل األمم‪ .‬كل أمة في‬
‫الدنيا َتغ ِلب و ُتغلَب‪ ،‬ولكن العاقبة لمن يثبت على‬
‫حقه ويعاود المعركة من جديد‪ .‬بولندة ُمحيت من‬
‫خريطة أوربا عدت مرات ثم أعيدت‪ ،‬ورسول اهلل ’‬
‫رد الهزيمة‬‫انهزمت جيوشه مرتين‪ ،‬ولكنه سرعان ما ّ‬
‫وحولها إلى نصر‪ .‬لقد كان ‪-‬عليه الصالة والسالم‪-‬‬ ‫ّ‬
‫متحلي ًا بالروح الرياضية‪ ،‬فال ُيطغيه االنتصار وال‬
‫َت ْحطمه الهزيمة‪ ،‬بل يتخذ من المعركة درس ًا ينفعه‬
‫في معركة أخرى‪.‬‬
‫[المقدمات‪ :‬مقدمة كتاب >عبقرية‬
‫خالد بن الوليد العسكرية< (‪])1986‬‬

‫‪129‬‬
‫‪-68-‬‬
‫إننا لم ُنغلَب في فلسطين‪ ،‬إنما ُغ ِلبت فينا خالئق‬
‫الثقة باألعداء واإلصغاء لهم واالسترشاد برأيهم‪،‬‬
‫حتى منعونا (أو منعوا جيوش ًا من جيوشنا العربية)‬
‫من أن تقاتل‪ ،‬ثم دفعونا دفع ًا إلى هذه الهدنة على‬
‫شر علينا من المستعمر‪،‬‬ ‫أيدي رجال هم منا ولكنهم ٌّ‬
‫عدو سافر وهؤالء أعداء مق َّنعون‪ .‬على‬ ‫ألن المستعمر ّ‬
‫أيدي رجال َشبُّوا وشابوا على الوالء للمستعمر‪،‬‬
‫ويخلصون له‬ ‫ربه‪ُ ،‬‬‫المؤمن َّ‬
‫ُ‬ ‫يوالونه أكثر مما يوالي‬
‫أكثر من إخالص المص ّلي لمواله‪ ،‬يكونون نِعاج ًا بين‬
‫يديه‪ ،‬فإذا خرجوا على شعوبهم لبسوا فوق النعجة‬
‫جلدة األسد؛ هؤالء هم الذين جعلونا ُنغلَب في‬
‫فلسطين‪.‬‬
‫اليهود‪ ،‬يجب أن يفهم كل عربي‬ ‫ُ‬ ‫وما َغل ََبنا‬
‫يسمع حديثي أن الذين غلبونا ليسوا اليهود بل اإلنكليز‬
‫واألميركان‪ ،‬وما غلبونا في ساحة المعركة المكشوفة‪،‬‬
‫بالدس والكيد واستغالل رجال هم خائنون لنا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بل‬
‫ونحن مع ذلك نولّيهم علينا و ُنحكّ مهم فينا‪.‬‬
‫هذه حقيقة يجب أن يفهمها كل رجل وكل‬

‫‪130‬‬
‫امرأة وكل طفل‪ ،‬وأن يع ّلمها المعلمون تالميذَ هم‬
‫في دروس التاريخ‪ ،‬وأن يع ّلموهم معها أننا نستطيع‬
‫أن نطرد اليهود في كل وقت إذا تركتنا هذه الدول‬
‫نعمل‪ ،‬إذا تركونا نستعمل حقنا المشروع في الدفاع‬
‫صد ْقنا العزم‪ -‬أن نطردهم‬
‫عن أنفسنا‪ .‬إننا نستطيع ‪-‬إذا َ‬
‫على رغم هؤالء الكبار‪ ،‬بل نستطيع أن نحارب الدول‬
‫الكبار نفسها‪ .‬وهذا دليلي قائم ًا‪ ،‬هذا الدليل المشهود‬
‫ردت هذه البلد ُة الواحدة الصغيرة‬‫في بور سعيد‪ :‬أما ّ‬
‫إنكلترا وفرنسا تنبح معهما كالب األرض اليهود؟‬
‫[هتاف المجد‪ :‬ال تنسوا فلسطين (‪])1957‬‬
‫ُ‬

‫‪131‬‬
‫‪-69-‬‬
‫ال يا أستاذ‪ ،‬ال واهلل! ليس الشعب العربي‪،‬‬
‫ولكن رؤساءه وقادته هم الذين أضاعوا فلسطين‪ ،‬ال‬
‫ّ‬
‫الشعب‪ ،‬وهم الذين أخطؤوا أو أجرموا‪ ،‬لم يجرم‬
‫الشعب‪.‬‬
‫إن هذا الشعب العربي أطيب شعوب األرض‬
‫وأصفاها جوهراً وأدناها إلى الخير وأسرعها إلى‬
‫يلبي كل داع يدعوه إلى‬‫البذل‪ .‬إن هذا الشعب ّ‬
‫التضحية‪ ،‬ال يتأخر وال يتردد‪ .‬قم في أي بلد عربي‪،‬‬
‫فادع باسم‬
‫ادع باسم األرض أو باسم العرض‪ ،‬أو ُ‬ ‫ثم ُ‬
‫الدين‪ ،‬ثم انظر ماذا يصنع الناس؟‬
‫هذا هو إرث الماضي فينا‪ ،‬هذه هي ذكريات‬
‫األمجاد في أعصابنا‪ ،‬هذه هي قوة اإليمان في قلوبنا‪.‬‬
‫إننا ال نستطيع أن نقعد إذا ُدعينا إلى الجهاد‪ ،‬ألن‬
‫ال على رغم‬ ‫محمداً ’ جعل كل رجل من أمته بط ً‬
‫أنفه‪.‬‬
‫إن الشعب يريد ممن يدعوه إلى البذل أن يبدأ‬
‫بنفسه فيبذل‪ ،‬وممن يدفعه إلى الجهاد أن يمشي‬
‫على رأس الصف إلى ميدان الجهاد‪ ،‬يريد زعماء‬

‫‪132‬‬
‫يشاركونه َنعماءه وبأساءه‪ ،‬يجوعون معه إن جاع‬
‫ويتعبون إن تعب‪ ،‬يريد زعماء يقتدون بسيرة محمد‬
‫وأبي بكر وعمر‪ ،‬ال يكذبون إن خطبوا الناس‪ ،‬وال‬
‫َي ْدعونهم إلى الموت ويطلبون ألنفسهم الحياة‪ ،‬وال‬
‫الم ْنع‪،‬‬
‫يرغبونهم في العطاء ويغلقون صناديقهم على َ‬
‫ّ‬
‫وال يضيعون مصلحة األمة ووحدتها من أجل كرسي‪.‬‬
‫يا أستاذ‪ ،‬هات لي زعيم ًا واحداً من هؤالء‬
‫وأنا أضمن لك أن نطرد بني إسرائيل من فلسطين‬
‫بالعصي والخناجر‪ .‬هات لي مثل صالح الدين وخذ‬
‫مثل نصر حطين‪ ،‬هات لي خالد بن الوليد وخذ مثل‬
‫ظفر اليرموك‪.‬‬
‫ال يا أستاذ‪ ،‬إننا ما فقدنا سالئقنا وال أضعنا‬
‫جوهرنا‪ ،‬ولكن فقدنا القادة الصالحين‪.‬‬
‫[مقاالت في كلمات‪ :‬جواب (‪])1950‬‬

‫‪133‬‬
‫‪-70-‬‬
‫قد يقول قائل‪ :‬فلماذا إذن ضاعت فلسطين؟‬
‫إن ضياع فلسطين جريمة ستحكم فيها محكمة‬
‫وح ُجب‬
‫التاريخ حين تسقط قيود المنافع والمجامالت ُ‬
‫الخفي ويفتضح المزور‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الجهل والغفلة وينكشف‬
‫عندئذ يستطيع التاريخ أن يح ّقق في هذه األحداث‬
‫وأن يكشف مالبساتها ويحدد المسؤول عنها‪ .‬على‬
‫أن المحكمة الكبرى هي التي تكون يوم الحساب بين‬
‫يدي رب األرباب‪ ،‬يوم ال تخفى عليه خافية‪ ،‬يوم ال‬ ‫َ‬
‫ينفع مال وال بنون وال جند وال أعوان‪.‬‬
‫بالعدد‪ ،‬وإن كانت كثرة العدد‬
‫إن النصر يكون َ‬
‫والعدد‬
‫َ‬ ‫الع َدد الكافية‪.‬‬
‫ال ُتجدي إن لم يكن معها ُ‬
‫والسالح ال ينفعان إن لم يكن معهما العلم‪ ،‬وهذا‬
‫كله ال يأتي إال بالمال‪.‬‬
‫فهل ينقصنا نحن المسلمين العدد؟ نحن ألف‬
‫مليون واليهود بضعة ماليين‪ ،‬لو أننا (وعفوكم عني‬
‫إن جئت بمثال بشع) لو أن كل مسلم بصق بصقة‬
‫وجمعت هذه‬ ‫ُ‬
‫ألغرِق يهود العالَم‪ ،‬ولو أنه نفخ نفخة ُ‬
‫ألطارتهم‪ ،‬ولو ألقى عليهم كل واحد نعله‬
‫َ‬ ‫النفخات‬

‫‪134‬‬
‫ودفنوا في قبر من النعال!‬
‫القديم لماتوا ُ‬
‫وإذا كان العدد ال ينقصنا‪ ،‬وإذا كان ما عند‬
‫مما عند اليهود‪ ،‬وإذا‬ ‫المسلمين من السالح أكثر ّ‬
‫كان مجموع العلماء من المسلمين‪ ،‬العلماء بالطبيعة‬
‫وعلومها‪ ،‬أكثر مما عند اليهود‪ ،‬وإذا كنا معشر‬
‫المسلمين جميع ًا نملك من المال أكثر مما عند اليهود‪،‬‬
‫فما الذي ينقصنا؟‬
‫إذا كان ال ينقصنا العدد وال ينقصنا المال وال‬
‫ينقصنا السالح وال ينقصنا العلم‪ ،‬فما الذي ينقصنا؟‬
‫إن الذي ينقصنا هو اإليمان‪ :‬أن نكون مع اهلل حتى‬
‫يكون اهلل معنا‪ ،‬أن ُندخل اإلسالم في المعركة‪،‬‬
‫فال نجعلها معركة استرداد األرض فقط وال نجعلها‬
‫فلسطينية فقط وال عربية فقط‪ ،‬بل نجعلها معركة‬
‫إسالمية‪ .‬إنها قضية المسلمين جميع ًا ليست قضية‬
‫العرب وحدهم‪.‬‬
‫[الذكريات ج‪ :5‬ح‪])1984( 133‬‬

‫‪135‬‬
‫‪-71-‬‬
‫كان دريد العصر هو فارس الخوري‪ ،‬الذي رأى‬
‫ضل عنها السارون فقال لنا‪ :‬إن قضية‬‫الجادة حين ّ‬ ‫ّ‬
‫ل في أروقة هيئة األمم‪ ،‬ولكن ُت َحل‬‫فلسطين ال ُت َح ّ‬
‫على سفوح الكرمل وشواطئ يافا وهضاب القدس‪،‬‬
‫وال ُت َحل بالخطب واألشعار ولكن بالحديد والنار‪.‬‬
‫أسجلها له هنا وأن‬
‫كلمة الحق‪ ،‬من الحق أن ّ‬
‫أقرر أنه كان أول من عرف الطريق‪ ،‬الطريق الذي‬
‫وحده إلى‬
‫َ‬ ‫رأيناه اآلن جميع ًا‪ .‬الطريق الذي يوصل‬
‫استعادة الحق المسلوب والنصر الضائع‪ ،‬طريق‬
‫المعركة الحمراء التي ال يظفر فيها إال من حمل‬
‫سالحين‪ :‬سالح اإليمان في قلبه‪ ،‬وسالح البارود‬
‫في يده‪.‬‬
‫[هتاف المجد‪ :‬إلى السالح‬
‫ُ‬
‫يا عرب (‪])1954( )2‬‬

‫‪136‬‬
‫‪-72-‬‬
‫هذي أول مرة تدرك فيها الحكومات أن ساحة‬
‫المعركة ليست في ليك ساكس وال في نيويورك‪،‬‬
‫وأن سالحها ليس الخطب وال المذكرات‪ ،‬ولكن‬
‫المعركة هنا‪ ،‬في فلسطين‪ ،‬والسالح هو الدم والنار‬
‫والحديد‪ .‬هذا هو الطريق‪ ،‬قد وضعتم اآلن أقدامكم‬
‫عليه فسيروا قدم ًا‪ .‬اضربوا ضربة الحق ودعوا اليهود‬
‫يشتكون هم إلى مجلس األمن‪ ،‬فلقد كنا في المدرسة‬
‫نحتقر التلميذ الذي ال يستطيع أن يدفع عن نفسه الشر‬
‫فيذهب باكي ًا إلى المعلم‪ ،‬فيقول بصوت رخو وعين‬
‫دامعة وشفة مقلوبة‪ :‬أستاذ‪ ،‬هذا ضربني!‬
‫نحن ال نريد أن نظلم أحداً‪ ،‬ولكنا ال نريد أن‬
‫نكون كعير الحي‪ ،‬وال الوتد‪ ،‬وال الشاة بين أنياب‬
‫الذئب‪ .‬إننا نحب أن نتأدب بأدب القرآن الكريم‪َ ،‬جلَّ‬
‫{وم ِن‬
‫َ‬ ‫تقدس من قول‪:‬‬ ‫من أدب‪ ،‬ونأخذ بقول اهلل‪ّ ،‬‬
‫اعتدى عليكم}‪.‬‬ ‫ثل ما َ‬ ‫فاع َتدوا عليه ِ‬
‫بم ِ‬ ‫اعتدى عليكم ْ‬
‫َمن ضربكم بالمدافع فاضربوه بمثلها‪ ،‬ال تضربوه‬
‫وأدبوه‪،‬‬ ‫بالكالم‪ ،‬ومن أخذ اإلبل فاستردوا منه اإلبل ّ‬
‫ال توسعوه شتم ًا >وأودى باإلبل<! وإن صادر اليهود‬
‫أموالكم فصادروا أنتم أموال اليهود‪ ،‬وإن طردوكم‬

‫‪137‬‬
‫من منازلكم فاسترجعوا أنتم ‪-‬على األقل‪ -‬هذه‬
‫المنازل‪ ،‬واطردوهم منها كما طردوكم‪.‬‬
‫استطعتم ِمن ُق ّوة}‪ ،‬ودعوا‬
‫ُ‬ ‫{و َأ ِع ّدو لهم ما‬
‫الكماليات‪ ،‬ووفروا المال‪ ،‬واشتروا السالح‪،‬‬
‫الفتوة‪ ،‬وافتحوا معسكرات التدريب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وانشروا نظام‬
‫واجعلوا البلد كلها ثكنة كبيرة‪.‬‬
‫إن اللغة التي يفهم بها البشر اليوم هي لغة‬
‫ِ‬
‫األس َّنة‪،‬‬ ‫وحد‬
‫ّ‬ ‫المدفع‪ ،‬والحق على شفار السيوف‬
‫ال بأطراف األلسنة وال بصحائف الكتب‪ .‬فال تتكلموا‬
‫بعد اليوم إال بلغة المدفع!‬
‫[كلمات صغيرة‪ :‬خاطبوهم‬
‫بلغة المدفع (‪])1951‬‬

‫‪138‬‬
‫‪-73-‬‬
‫والمفسدين في األرض‬
‫تمنيت لو أن اللصوص ُ‬
‫اجتمعوا في مكان محصور‪ ،‬إذن لهان الوصول إليهم‬
‫وإصالحهم أو القضاء عليهم‪ .‬ولو اجتمع البعوض‬
‫كله في موضع واحد ل ُقضي على البعوض‪ ،‬ألن نجاته‬
‫ويفر‬
‫ويضر ّ‬‫ّ‬ ‫تفرقه واختفائه‪ ،‬وأنه يضرب ويهرب‬
‫في ّ‬
‫يوصل إليه‪.‬‬
‫فال َ‬
‫وشر من الحشرات والبعوض وجراثيم‬ ‫ٌّ‬
‫واجتماعهم في فلسطين‬ ‫ُ‬ ‫قوم بيغن وشامير‪،‬‬ ‫األمراض ُ‬
‫من بشائر القضاء عليهم وأن نرى تأويل قوله تعالى‬
‫{وقضينا إلى َبني إسرائيلَ في‬ ‫َ‬ ‫فيهم (وقولُه الحق)‪:‬‬
‫ين َول ََت ْعلُ َّن ُع ُل ّواً كبيراً‪،‬‬
‫مر َت ِ‬
‫األرض َّ‬
‫ِ‬ ‫الكتاب َلتُ ِ‬
‫فس ُد َّن في‬
‫ُوالهما َب َعثنا عليكم ِعباداً لنا أولي ٍ‬
‫بأس‬ ‫عد أ ُ‬ ‫فإذا جاء َو ُ‬
‫الديا ِر وكان َوعداً َمفعو ً‬
‫ال}‪.‬‬ ‫فجاسوا ِخالل ِّ‬ ‫َش ٍ‬
‫ديد َ‬
‫[فصول في الثقافة واألدب‪:‬‬
‫وقفة عند ريع اللصوص (‪])1986‬‬

‫‪139‬‬
‫‪-74-‬‬
‫إن قيام دولة إسرائيل دليل على تلك البشارة‬
‫بش َرنا بها رسول اهلل ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بأننا‬
‫التي ّ‬
‫سنقاتل اليهود فنقتلهم‪.‬‬
‫كيف نقاتلهم وهم متفرقون؟ وهل يكون القتال‬
‫إال بين جيش وجيش؟ فلو لم يتجمعوا في فلسطين‬
‫ولم يقيموا دولة‪ ،‬فكيف يتم القتال بيننا وبينهم؟ كيف‬
‫تتحقق البشارة وهم متفرقون فوق كل أرض وتحت‬
‫كل كوكب؟‬
‫ص يقينكم بوعد‬ ‫فال تشكّ وا بأنفسكم‪ ،‬وال َي ْن ُق ْ‬
‫ربكم‪ ،‬وثقوا أنكم إن كنتم جنداً هلل فإن جند اهلل‬
‫الغالِبون}‪.‬‬
‫ندنا ل َُه ُم َ‬
‫{وإن ُج َ‬
‫ّ‬ ‫منصور دائم ًا‪:‬‬
‫ٌ‬
‫[المقدمات‪ :‬مقدمة كتاب >عبقرية‬
‫خالد بن الوليد العسكرية< (‪])1986‬‬

‫‪140‬‬
‫‪-75-‬‬
‫قيام هذه الدولة بداي ُة النص ِر لنا والدما ِر‬
‫إن َ‬
‫ألهلها‪ ،‬الدولة التي أقامها لهم الناس ما أقاموها هم‪،‬‬
‫وما كانوا يوم ًا قادرين على إقامة دولة‪ .‬ما أقاموها‬
‫بسواعدهم وال بسالحهم‪ ،‬ولكنها سواعد قوم آخرين‬
‫والسالح من أولئك القوم اآلخرين‪.‬‬
‫إن كان بلفور أعطاهم وعداً فإن رب بلفور‪،‬‬ ‫ْ‬
‫رب السموات واألرض‪ ،‬أعطانا وعداً أصدق منه‬
‫حين قال لنا رسوله‪> :‬ل َُتقاتِل ُّن اليهود<‪.‬‬
‫فكيف نقاتلهم وهم متفرقون في األرض مبثوثون‬
‫في األمم‪ ،‬في كل بقعة ناس مختلطون بأهلها؟ كيف‬
‫نقاتلهم؟ إنهم ال يقا َتلون إال إذا اجتمعوا وصارت‬
‫دعوها دولة إسرائيل‬
‫لهم دولة‪ .‬فما قيام الدولة التي َ‬
‫إال بداية هالك بني إسرائيل‪.‬‬
‫[قطعة من مقالة غير منشورة‬
‫في الكتب (‪])1989‬‬

‫‪141‬‬
‫‪-76-‬‬
‫إن األمة التي أخرجت صالح الدين‪ ،‬وهي‬
‫ال وأشد انقسام ًا وأكثر عيوب ًا‪،‬‬
‫أسوأ من حالنا اليوم حا ً‬
‫ال تعجز عن أن تخرج اليوم مثل صالح الدين‪.‬‬
‫إن نكبة فلسطين بالصليبيين كانت أشد بمئة مرة‬
‫مرت بسالم‪ ،‬فهل تشكّ ون‬ ‫من نكبتها بإسرائيل‪ ،‬وقد َّ‬
‫في أننا سننقذ فلسطين؟ ّأما أنا فواهلل الذي ال إله إال‬
‫هو‪ ،‬لو بقي على وجه األرض أربعون مسلم ًا لما‬
‫يشك‬
‫ّ‬ ‫ألشك فيمن‬
‫ّ‬ ‫شككت في أنهم يستردونها‪ ،‬وإني‬
‫في هذه الحقيقة‪ ،‬أشك في إدراكه لطبيعة هذه األمة‪،‬‬
‫أشك في عقله‪ ،‬أشك في أنه عربي وأنه مسلم (‪.)1‬‬ ‫ّ‬
‫وإذا عجزنا نحن عن أن نعود إلى مثل سيرة‬
‫كتب لنا مثل نصر حطين‪ ،‬فسيخرج‬‫صالح الدين ُلي َ‬
‫من أصالبنا من هم أتقى منا وأطهر‪ ،‬وسيستردون‬
‫فلسطين‪.‬‬
‫[رجال من التاريخ‪ :‬فاتح القدس (‪])1950‬‬
‫_________________‬
‫(‪ )1‬وهذا بعد أن نغير ما بأنفسنا ونعود إلى ديننا ونجاهد‬
‫إلعالء كلمة ربنا‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫‪-77-‬‬
‫إن قضية فلسطين لن تموت‪ ،‬ألنها عقيدة‬
‫في قلب كل مسلم‪ .‬هل سمعتم أو قرأتم أن عقيدة‬
‫ألف مليون يمكن أن تموت؟ إن‬ ‫ُ‬ ‫يحملها في قلبه‬
‫الناس يموتون في سبيل العقيدة‪ ،‬وما ماتت عقيد ٌة‬
‫ط من أجل حياة إنسان‪.‬‬‫ق ّ‬
‫إنها ليست قضية أهل الضفة والقطاع‪ ...‬إلى‬
‫متى تقولون >الضفة والقطاع<؟ إنها >فلسطين<‪ .‬إن‬
‫اليهود يريدون أن ُينسى اسم فلسطين‪ ،‬فال تكونوا‬
‫عون ًا لهم على ما يريدون‪.‬‬
‫ليست قضية أهل فلسطين وحدهم وال قضية‬
‫تسمونها عربية وفي العرب من ال يرى‬
‫العرب‪ .‬لماذا ّ‬
‫رأيكم وال َيدين بدينكم ومن قد يكون هواه مع‬ ‫فيها َ‬
‫عدوكم؟ ولِ َم ال تجعلونها إسالمية؟ إن أيدي المسلمين‬
‫جميع ًا تمتد إليكم لتكون معكم إن جعلتموها جهاداً‬
‫في سبيل اهلل ودفاع ًا عن المسجد األقصى واألرض‬
‫التي باركها اهلل حوله‪ ،‬فلماذا ال تصافحون هذه األيدي‬
‫فتصير مع أيديكم يداً واحدة على عدوهم وعدوكم؟‬
‫[هتاف المجد‪ :‬قصتنا مع اليهود (‪])1989‬‬
‫ُ‬

‫‪143‬‬
‫‪-78-‬‬
‫ذهبت عزة اإليمان من نفوس المسلمين‬ ‫ما َ‬
‫نارها فهي تحتاج إلى من ينفخ فيها‪.‬‬
‫ولكن َخ َب ْت ُ‬
‫مر بها‬
‫إن طال يوم الصهاينة في فلسطين فلقد ّ‬
‫عدو أكبر‪ ،‬الصليبيون‪ ،‬أي‬
‫يوم أطول وتس ّلط عليها ّ‬
‫أوربا كلها‪ ،‬ومن بعدهم المغول والتتر‪ ،‬أي‬
‫ّ‬ ‫دول‬
‫مدهم‬‫فدعوا أمريكا تتخ ّلى عن ّ‬
‫قبائل المشرق كلها‪ُ .‬‬
‫مدهم بالرجال‪ ،‬ثم‬ ‫بالسالح والمال وروسيا عن ّ‬
‫يمد للظالم ثم‬
‫انظروا كم تعيش دولة إسرائيل؟ واهلل ّ‬
‫يأخذه‪.‬‬
‫[الذكريات ج‪ :3‬ح‪])1983( 68‬‬

‫‪144‬‬
‫‪-79-‬‬
‫ال يا سادة؛ أنا ال أخشى قوة اليهود‪ ،‬ولكن‬
‫أخشى تخاذل المسلمين‪ .‬إن اليهود ما أخذوا الذي‬
‫أخذوه بقوتهم ولكن بإهمالنا‪ ،‬إن إهمال القوي هو‬
‫يقوي الضعيف‪.‬‬
‫الذي ّ‬
‫ولكن بأيدي‬ ‫ْ‬ ‫وما أخذوا الذي أخذوه بأيديهم‪،‬‬
‫من يدفعهم ويحميهم‪ ،‬بأيدي الدول الكبرى التي‬
‫تتركهم يضربوننا غدراً ومكراً‪ ،‬فإذا أردنا أن َن ُم ّد‬
‫أيدينا لرد الضربة أمسكوا بأيدينا‪ ،‬كالولد المد َّلل‬
‫َ‬
‫الشاب‬
‫َّ‬ ‫الخادم المسلح‪ ،‬يضرب‬
‫ُ‬ ‫الذي يمشي وراءه‬
‫القوي الذي يستطيع أن يخنقه بيد واحدة‪ ،‬فإذا أراد‬
‫لوح له الخادم ببندقيته‪.‬‬
‫الشاب أن يدفع عن نفسه ّ‬
‫ونحن ما غُ لبنا في فلسطين‪ ،‬ما ُغلبنا ألننا ما‬
‫حاربنا‪ ،‬ما تركونا نحارب!‬
‫ولكن الخادم المسلح ال يبقى دائم ًا واقف ًا يحمي‬
‫يوم نستطيع فيه أن نقوم في‬ ‫الولد‪ ،‬وال بد أن يأتي ٌ‬
‫الميدان نحن واليهود وجه ًا لوجه‪ ،‬وسيرى الناس‬
‫يومئذ ماذا يكون‪.‬‬
‫[هتاف المجد‪ :‬في ليلة اإلسراء (‪])1957‬‬
‫ُ‬

‫‪145‬‬
‫‪-80-‬‬
‫ال‪ ،‬ليست معركتنا مع اليهود‪ .‬ومتى كان‬
‫يوم قال لهم رسولهم‪{ :‬قاتِلوا}‬ ‫اليهود أهل قتال؟ َأ َ‬
‫ك فقاتِال}؟ أم يوم دعاهم‬ ‫أنت ور ُّب َ‬
‫{اذه ْب َ‬
‫َ‬ ‫فقالوا‪:‬‬
‫مهد اهلل لهم أسبابه وفتح لهم بابه‪،‬‬ ‫إلى الفتح وقد ّ‬
‫فارتجفوا كالشياه المذعورة وقالوا‪{ :‬إ ّن فيها قوم ًا‬
‫فإن‬‫ندخلَها حتى َيخرجوا منها‪ْ ،‬‬ ‫َج َّبارين‪ ،‬وإ ّنا لن ُ‬
‫داخلون}؟‬ ‫يخرجوا منها فإ ّنا ِ‬
‫َ‬
‫هذه بطوالتهم؛ يريدون َمن يحارب عنهم‪،‬‬
‫العدو من القلعة ليدخلوها فاتحين!‬
‫ّ‬ ‫َمن ُيخرج لهم‬
‫تبدلت حالهم‪ ،‬إنهم ال يزالون كما كانوا‪ ،‬إنهم‬
‫وما ّ‬
‫ويلوحون بقوة غيرهم‪.‬‬
‫يقاتلون بسالح سواهم ّ‬
‫[هتاف المجد‪ :‬قصتنا مع اليهود (‪])1989‬‬
‫ُ‬

‫‪146‬‬
‫‪-81-‬‬
‫إن الذين دعوتموهم >جنود الحجارة< ما‬
‫>والجود‬
‫ُ‬ ‫ضعفوا وما استكانوا‪ ،‬بل جادوا بأرواحهم‪،‬‬
‫بالروح أقصى غاية الجود<‪ .‬ثبتوا هذه األيام الطوال‪،‬‬
‫فما عليهم مالم‪ ،‬ولكن نحن‪ ،‬نحن المسلمين الذين‬
‫فرض اهلل علينا أ ُُخ َّوتهم وأوجب علينا نصرتهم‪ ،‬نحن‬
‫أال ُنالم؟‬
‫َأ َن َدعهم وحدهم يواجهون بالحجارة الدبابات‬
‫والرصاص والغاز الخانق وهاتيك األهوال‬
‫َ‬ ‫والمدافع‬
‫َ‬
‫والمصائب؟ أيكفينا في شرع اهلل‪ ،‬في أدب الفروسية‪،‬‬
‫في قواعد الشرف‪ ،‬أن نراهم في الرائي وأن نسمع‬
‫عنهم في اإلذاعات‪ ،‬وأن ُنعجب بهم وأن ُنص ّفق‬
‫لهم؟‬
‫يحكُ ُم‬‫التقاطُ ُع في اإلسالم َو َ‬ ‫فيم ّ‬ ‫َ‬
‫إخـوان؟‬
‫ُ‬ ‫عبـاد اهلل‪-‬‬
‫َ‬ ‫وأنتـم ‪-‬يـا‬
‫ُ‬
‫ـم؟‬ ‫ِ‬ ‫فـوس َأب ِّي ٌ‬
‫ات لـهـا ه َم ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أال ُن‬
‫وأعوان؟‬
‫ُ‬ ‫أنصار‬
‫ٌ‬ ‫أمـا على الخير‬
‫[هتاف المجد‪ :‬قصتنا مع اليهود (‪])1989‬‬
‫ُ‬

‫‪147‬‬
‫‪-82-‬‬
‫لما بدأت هذه >االنتفاضة<‪.‬‬ ‫َص ُغرت إسرائيل أكثر ّ‬
‫صبيان يقاتلون بالحجارة جيش ًا يملك أعتى وأقسى‬
‫ما أوحى به الشيطان إلى أوليائه من وسائل القتل‬
‫وح ِسبوها فورة حماسة تستمر‬ ‫والتدمير والهالك‪َ ،‬‬
‫ساعات ثم تخمد‪ ،‬تمتد يوم ًا أو يومين‪ ،‬فإذا هي‬
‫تستمر الشهر والشهر الذي بعده‪ ،‬والشهور تتوالى‬
‫قوة‪ ،‬ذلك بأنها ليست حركة‬ ‫واالنتفاضة ال تزداد إال ّ‬
‫وطنية وال قومية‪ ،‬وال لمجرد استرداد األرض وطرد‬
‫الواغل الدخيل منها‪ ...‬هذه كلها مقاصد قد تشترك‬
‫في مثلها أمم األرض‪ ،‬بل ألنها جهاد‪ ،‬جهاد بالمعنى‬
‫عرفه اإلسالم‪ :‬بذل الروح هلل وحده وابتغاء‬ ‫الذي ّ‬
‫يظفر بنيل‬
‫ْ‬ ‫يظفر فيه‬ ‫ْ‬ ‫جهاد َمن‬
‫ٌ‬ ‫الجزاء منه وحده‪،‬‬
‫األماني وبلوغ الغايات‪ ،‬ومن َي ُم ْت َي َن ْل ما هو أكبر‬
‫ّ‬
‫من ُم َتع الدنيا كلها‪ :‬رضا اهلل والجنة‪.‬‬
‫كتب اهلل لهذه االنتفاضة االستمرار والقوة كما‬
‫كتب مثل ذلك للحرب الجهادية في األفغان‪ ،‬ألنهما‬
‫قامتا هلل ال للدنيا‪ ،‬وما كان هلل فهو المتصل الباقي‪.‬‬
‫[هتاف المجد‪ :‬قصتنا مع اليهود (‪])1989‬‬
‫ُ‬

‫‪148‬‬
‫‪-83-‬‬
‫يقولون‪ :‬إنكم تريدون أن ُتلقوا باإلسرائيليين‬
‫في البحر‪ .‬وأنا أسأل اإلنكليز الذين هم رأس البالء‬
‫ومبعث الداء‪ ،‬وأسأل األميركان الذين يؤيدون الظلم‬
‫وينصرون االعتداء‪ ،‬وأسأل الروس الذين هم معنا‬
‫بالمقال وهم ُي ِم ّدونهم بالرجال‪ ،‬أسألهم جميع ًا‪:‬‬
‫ماذا يصنعون لو جاء شعب نذل خسيس سارق‬
‫مجرم يريد أن يطردهم من ربع لندن أو واشنطن أو‬
‫التوغل‬
‫ّ‬ ‫موسكو ويملكها من دونهم‪ ،‬ثم يعمل على‬
‫في بالدهم وسرقة طريفهم وتالدهم وإفساد بناتهم‬
‫وأوالدهم‪ ،‬ماذا يصنعون بهم؟ إنهم إن لم يلقوهم‬
‫شردوهم في ال َق ْفر أو وضعوهم في األسر‪،‬‬ ‫في البحر ّ‬
‫خبروني‪ :‬ماذا تصنع األمم بالواغل عليها‬‫وإال فماذا؟ ِّ‬
‫يسرق ديارها ويمحو آثارها؟ ماذا يفعل من يقتحم‬
‫ويسكنه من دونه‪ :‬هل‬ ‫اللص عليه بيته ليطرده منه َ‬
‫ينصب له المائدة ليأكل ويمد له الفراش لينام‪ ،‬ثم‬
‫يقف باحترام ليعطيه مفتاح الدار ويمضي بسالم؟!‬
‫هذا هو السالم الذي تريده إسرائيل والذي‬
‫منا من يرحب به ويص ّفق له‪ .‬يقولون‪ :‬وإلى أين‬‫كان ّ‬
‫رئيس‬
‫ُ‬ ‫نذهب بهؤالء اليهود؟ لقد ألقى هذا السؤال َ‬

‫‪149‬‬
‫أميركا الذي كسب الحرب‪ ،‬ألقاه على ابن الصحراء‬
‫وجهه‬
‫فرد سؤاله بسؤال ّ‬
‫العبقري الملك عبد العزيز‪ّ ،‬‬
‫إليه هادئ ًا‪ ،‬قال له‪ :‬من أين جاء هؤالء؟ أرجعوهم‬
‫إلى بالدهم التي أُخرِجوا منها‪ .‬لقد ُبهت روزفلت ولم‬
‫يقدر على الجواب ألن الحق غلاّ ب‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬إنكم رفضتم التقسيم ثم جئتم تطالبون‬
‫بالتقسيم! نحن كمن كان يمشي آمن ًا فاعترضه مجرم‬
‫خطف كيس نقوده وفيه ألف ريال‪ ،‬فلحقه يطالبه‬
‫به فقال‪ :‬تأخذ خمسمئة لك ولي خمسمئة‪ .‬فأبى‪،‬‬
‫فشد‬
‫وحق له اإلباء‪ ،‬فالمال ماله والكيس كله له‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫اللص يده على الكيس وعدا هارب ًا‪ ،‬فلما يئس منه‬
‫قال‪ :‬طيّب‪ ،‬هات الخمسمئة‪ .‬قال‪ :‬ال‪ ،‬ذاك عرض‬
‫مضى‪ ،‬تأخذ أربعمئة؟ فأبى ومضى اللص‪ ،‬فلما يئس‬
‫منه قال‪ :‬طيّب‪ ،‬هات األربعمئة‪ .‬قال‪ :‬ال‪ ،‬ثالثمئة‪.‬‬
‫تأخذ ثالثمئة؟‬
‫رفضنا التقسيم‪ ،‬وما لنا ألاّ نرفضه؟ َمن يرضى‬
‫قسم داره بينه وبين اللص الذي يقتحمها عليه؟‬ ‫أن ُت َّ‬
‫ورجعنا فطالبنا به حتى ال تذهب الدار كلها ما دام قد‬
‫غلب الباطل و ُفقد النصير‪.‬‬
‫أؤرخ قضية فلسطين‪،‬‬
‫أنا ال أريد وال أقدر أن ّ‬

‫‪150‬‬
‫أدون ذكريات ال أكتب تاريخ ًا‪ .‬ولكن أقول‪ :‬إنه‬
‫أنا ّ‬
‫ليس في تاريخ الظلم والعدوان مثل قضية فلسطين‪،‬‬
‫وال في تاريخ التخاذل واالنقسام وقلة االهتمام مثل‬
‫موقفنا من قضية فلسطين‪ ،‬وال في تاريخ التعاون على‬
‫اإلثم والعدوان مثل موقف الدول في غرب األرض‬
‫وفي شرقها من قضية فلسطين‪ .‬وما لنا إال اهلل‪ ،‬فهل‬
‫نعود إليه؟‬
‫[الذكريات ج‪ :2‬ح‪])1983( 62‬‬

‫‪151‬‬
‫‪-84-‬‬
‫خبروني‪ .‬ال أسأل عن الحق‬
‫ما الحق يا ناس؟ ِّ‬
‫المجرد الذي يقابل الباطل‪ ،‬بل الحق الذي هو‬
‫َّ‬
‫الملْك‪ .‬الرغيف الذي اشتريته بمالك حقك‪ ،‬فإن‬‫ُ‬
‫غصبه منك غاصب أقوى منك وأكله‪ ،‬فأين بقي‬
‫حقك؟ وماذا ينفعك أن يكون >الحق< لك والرغيف‬
‫في بطن الرجل؟‬
‫ماذا يفيدنا أن الحق بامتالك فلسطين لنا‪،‬‬
‫وفلسطين نفسها في أيدي اليهود؟ وإلى متى تكرر‬
‫مهزلة >أوسعته شتم ًا وأ َْودى باإلبل<‪ ،‬مهزلة األعرابي‬
‫الذي بعثته أمه يرعى جمالها‪ ،‬فرأى العدو‪ ،‬فوقف‬
‫وكلَّ‪ ،‬فقعد‬
‫وج ّده حتى تعب لسانه َ‬ ‫يسبه ويلعن أباه َ‬
‫يستريح وترك العدو يذهب باإلبل! ومهزلة الزعماء‬
‫الذين ملؤوا الدنيا ّادعاء وفخراً وحماسة وهجاء‬
‫لليهود واحتقاراً‪ ،‬ثم ناموا وأخذ اليهود فلسطين؟‬
‫وإلى متى نبقى مغفلين مساكين‪ ،‬ال نفهم أن‬
‫القوة هي شرع هذه الدنيا‪ :‬قوة العلم‪ ،‬وقوة المال‪،‬‬
‫وقوة االتحاد‪ ،‬وقوة الجيش‪ ،‬وقبل ذلك كله قوة‬
‫اإليمان وقوة اإلرادة؟ وأن الحق لمن يأخذه‪ ،‬ال لمن‬

‫‪152‬‬
‫يتغنى بذكره وينظم فيه القصائد؟‬
‫فانزعوا من نفوسكم ‪-‬يا أيها العرب‪ -‬هذا الورع‬
‫البارد وهذا األدب الرقيع‪ ،‬فقد أطعتم >هيئة األمم<‬
‫وعصاها اليهود‪ ،‬ووفيتم وغدروا‪ ،‬وعدلتم وجاروا‪،‬‬
‫ومدحتكم جرائد العالم بأنكم أوالد طيبون مهذبون‪،‬‬
‫وذمتهم بأنهم شياطين مفسدون وأنهم قتلة مجرمون‪.‬‬
‫فماذا كانت النتيجة؟ أخذ اليهود فلسطين‪ ،‬واعترفت‬
‫بحكومتهم دول هيئة األمم التي ذبحوا رسولها‬
‫برنادوت!‬
‫الح ْمالن‬
‫فح ْسبكم غفل َة يا عرب! اخلعوا صوف ُ‬ ‫َ‬
‫مدوا‬
‫والبسوا جلود الذئاب لئال تأكلكم الذئاب‪ّ .‬‬
‫أيديكم فخذوا حقكم؛ ال تطلبوه من أحد‪ ،‬فليس‬
‫في الدنيا أحد يعطيكم حقكم‪ .‬أق ّلوا الكالم وأكثروا‬
‫الفعال‪ ،‬واتحدوا واستعدوا‪.‬‬
‫يا أيها العرب‪ :‬إنه قانون تنازع البقاء‪ ،‬إن هذه‬
‫الدنيا للمح ّقين األقوياء‪.‬‬
‫[مقاالت في كلمات‪ :‬الحق والقوة (‪])1951‬‬

‫‪153‬‬
‫‪-85-‬‬
‫إن هذه الدولة ال يمكن أن تدوم‪ ،‬ال يمكن‬
‫أن يعيش مليون يهودي في أرض مقتطَعة من بالد‬
‫فيها خمسمئة مليون‪ .‬إن مسلمي األرض قد بلغوا‬
‫اآلن باإلحصاء خمسمئة مليون (‪ ،)1‬كل واحد منهم‬
‫يرى من الواجب عليه لربه ولدينه وألمته أن يعمل‬
‫شيئ ًا لطرد اليهود من فلسطين‪ .‬والمجنون وحده هو‬
‫الذي ال يبالي بعداوة خمسمئة مليون‪ ،‬ألنه لو كان‬
‫مكانهم خمسمئة مليون قط‪ ،‬خمسمئة مليون نعجة‪،‬‬
‫الستطاعت أن تكتسح في طريقها دولة إسرائيل!‬
‫ولن نترك هذه الدولة تستريح أبداً‪ ،‬وسنل ّقن‬
‫شرها‪،‬‬ ‫غضها والعملَ على دفع ّ‬‫أوالدنا من المهد ُب َ‬
‫َ‬
‫حتى يصير ذلك عقيدة راسخة في كل نفس وحقيقة‬
‫مسلَّمة في كل ذهن‪ ،‬فكلما مرت األيام وطال األمر‬
‫َعظُم الغضب وكبر الثأر وكثر المطالبون‪ .‬فال تحسبوا‬
‫أن الزمن يحل المشكلة‪ ،‬ال‪ ،‬بل هو يشدها ويحكمها‪.‬‬
‫_________________‬
‫(‪ )1‬أي يوم نشر هذه المقالة (وقد نشرها في السنة‬
‫التي ُولدت أنها فيها) وهم اليوم يزيدون على ثالثة‬
‫أضعاف عددهم يومئذ (مجاهد)‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫وهي اليوم بذرة في النفوس تسقيها عزة المسلم‬
‫وغ ْضبة المظلوم‪ ،‬ثم تصير نبتة‪ ،‬ثم‬
‫وكرامة العربي َ‬
‫تصبح شجرة‪ ،‬ثم تمسي َد ْوحة ممتدة الجذور باسقة‬
‫األغصان ال تقوى على اقتالعها العواصف‪.‬‬
‫صلح أبداً‪ ،‬أبداً‪ ،‬واللسان الذي‬
‫ٌ‬ ‫ولن يكون‬
‫يتحدث في الصلح ُيقطَع‪ ،‬واليد التي تمتد للصلح‬
‫والوطن إلى‬
‫ُ‬ ‫الحق إلى نِصابه‬
‫ُّ‬ ‫يعود‬
‫َ‬ ‫صلح ْأو‬
‫َ‬ ‫ُت َبتر‪ .‬ال‬
‫أصحابه‪.‬‬
‫إن قضية يؤمن بها ويدافع عنها ألف شخص ال‬
‫تموت‪ ،‬فهل تموت قضية فلسطين وقلوب خمسمئة‬
‫مليون إنسان تخفق بذكرها من العرب المسلمين‪،‬‬
‫والمسلمين غير العرب‪ ،‬والعرب غير المسلمين‪،‬‬
‫من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب‪ ،‬من الصين‬
‫والماليا إلى الجاليات اإلسالمية في باريس ولندن‬
‫قضيتها أبناءهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫ونيويورك وبونس آيرس‪ ،‬ويل ّقنون‬
‫َيرضعونها مع لبن األمهات‪ ،‬ويتلقونها مع خبز اآلباء‬
‫وألف باء المعلمين؟‬
‫[هتاف المجد‪ :‬في ليلة اإلسراء (‪])1957‬‬
‫ُ‬

‫‪155‬‬
‫‪-86-‬‬
‫لقد ع ّلمونا في المدرسة أن كل أمر مخالف‬
‫لطبيعة األشياء التي طبعها اهلل عليها ال يمكن أن يدوم‪،‬‬
‫فهل ترونه أمراً طبيعي ًا أن تعيش دولة صغيرة قائمة‬
‫على الباطل‪ ،‬على سرقة األرض وطرد سكانها‪ ،‬ولو‬
‫محصنة‬
‫َّ‬ ‫صارت ثكنة ممتلئة بالجند ولو غدت قلعة‬
‫الجوانب‪ ،‬ولو بلغ سكانها مليونين أو ثالثة ماليين؟‬
‫هل يمكن أن تعيش وسط بحر يمتد على مدى ثلث‬
‫عادوها‬ ‫عدو لها‪َ ،‬‬
‫محيط األرض فيه ألف مليون كلهم ٌّ‬
‫لظلمها وبغيها ال كره ًا لها وعدوان ًا عليها؟ ولو هي‬
‫عاشت عشراً أو عشرين أو سبعين أو ثمانين عام ًا‪،‬‬
‫الدهر كله؟‬
‫َ‬ ‫هل تعيش‬
‫وما سبعون أو ثمانون عام ًا في أعمار األمم؟‬
‫لقد بقي االستعمار البرتغالي في أنغوال وموزمبيق‬
‫ال خمسمئة سنة‪ ،‬فهل استمر االستعمار البرتغالي‬ ‫مث ً‬
‫ألنغوال وموزمبيق؟ و ُقسمت بولونيا (بولندا) مرات‬
‫وتقاسم جيرا ُنها أجزاءها‪ ،‬ثم عادت بولونيا‪ .‬بل لقد‬
‫ديار الشام َمن هم أكثر من اليهود َعدداً وأقوى‬
‫غزا َ‬
‫ال عاشت دهراً‪ ،‬ثم دالت‬‫وعدداً وأقاموا فيها دو ً‬
‫جنداً ُ‬
‫هذه الدول وعادت األرض إلى أصحابها‪ .‬أما بقيت‬

‫‪156‬‬
‫القدس قرابة قرن من الزمان بيد الصليبيين‪ ،‬فهل دام‬
‫في القدس حكم الصليبيين؟‬
‫[هتاف المجد‪ :‬قصتنا مع اليهود (‪])1989‬‬
‫ُ‬

‫‪157‬‬
‫‪-87-‬‬
‫يس به هذا النجس بيغن ُع ّد من‬ ‫إن هتلر ْ ِ‬
‫إن ق َ‬
‫األطهار! على أني ألعن هتلر في قبره (إن كان له‬
‫قبر)‪ ،‬ال لما زعموا كذب ًا أنه فعله باليهود‪ ،‬بل ألنه لم‬
‫يخلص البشرية نهائي ًا من رجس اليهود‪ .‬إن الذي فعلوه‬
‫المؤرخين لسان ًا وأفصحهم بيان ًا‬
‫ّ‬ ‫في لبنان سيعجز أبلغ‬
‫عن نقله كما وقع إلى األجيال القادمة من البشر‪.‬‬
‫ما نيرون؟ ما جنكيز؟ ما هوالكو؟ ما وحوش‬
‫البرية؟‬
‫وحياته وحشراته؟ ما الخنازير ّ‬
‫الغاب وعقاربه ّ‬
‫كل أولئك إن قيسوا بهذين القذرين‪ ،‬بيغن وشارون‪،‬‬
‫صاروا من أهل الطهارة والخير‪ ،‬صاروا أطهاراً أخياراً‬
‫ألنك وضعتهم مع من هو أنجس وألعن‪.‬‬
‫تاريخ البشر قاتلَين مجرمين كهذين‬
‫ُ‬ ‫كال‪ ،‬ما رأى‬
‫المسعورين‪.‬‬
‫َ‬ ‫الكلبين‬
‫َ‬
‫لقد قطعاني عن إتمام الكالم الذي بدأته فإلى‬
‫الحلقة اآلتية إن شاء اهلل‪ ،‬وقطع اهلل عليهما الطريق‬
‫وسد دونهما الباب إلى كل سعادة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫إلى كل خير‬
‫مشوه ًا في‬
‫ِّ‬ ‫وجعل ما فعاله في لبنان مرض ًا موجع ًا‬
‫ال ورعب ًا دائم ًا في نفسيهما‪،‬‬
‫جسديهما‪ ،‬وقلق ًا قات ً‬
‫َ‬

‫‪158‬‬
‫وانزعاج ًا مستمراً ال يذوقان معه استقراراً (‪ ،)1‬ال‬
‫ينغص‬‫عرف له سبب ظاهر وال ُيلفى له دواء شاف‪ّ ،‬‬ ‫ُي َ‬
‫ويحبب إليهما الموت‬
‫ّ‬ ‫عليهما العيش حتى ال ُيطيقانه‪،‬‬
‫فال يجدانه‪ ،‬ويجعل ما أجرماه لعنة عليهما باقية فيهما‬
‫متسلسلة في أعقابهما‪ ،‬ممتدة في ذراريهما شاملة‬
‫أهلَهما وأحباءهما‪ ،‬حتى يروي التاريخ ما حل بهما‪،‬‬
‫جبار مغرور أن يحل به ما‬ ‫فيجزع كل باغ ظالم وكل ّ‬
‫حل بهما‪ ،‬ولَعذاب اآلخرة أشد وأبقى‪.‬‬
‫عمل الظالمون‪،‬‬‫عما َي َ‬
‫ال ّ‬
‫هلل غاف ً‬
‫بن ا َ‬
‫{وال َت ْح َس َّ‬
‫األبصار}‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ص فيه‬ ‫يؤخ ُرهم لِ َيوم َت َ‬
‫شخ ُ‬ ‫إ ّنما ِّ‬
‫[الذكريات ج‪ :2‬ح‪])1982( 40‬‬

‫_________________‬
‫(‪ )1‬استجاب اهلل دعائي على بيغن بين نشر هذا الكالم‬
‫في الجريدة وطبعه في الكتاب‪ ،‬فغدا كالسامري‬
‫ال في داره نافراً من البشر ينفر منه خيار البشر‪،‬‬
‫معتز ً‬
‫وسيأتي دور شارون بإذن اهلل‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫‪-88-‬‬
‫‪ّ ...‬أما ُحكم اإلسالم في هذا الذي وقع ويقع‬
‫في المخيمات في لبنان فال واهلل‪ ،‬ال اإلسالم دين‬
‫يجوزه وال النصرانية وال اليهودية‪ ،‬وال ُت ِق ّره‬
‫الحق ّ‬
‫أعراف اللصوص و ُقطّاع الطرق وال طبائع الذئاب‬
‫والحيات والعقارب في الجحر والسرداب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫في الغاب‬
‫كل أولئك ُي ِ‬
‫نكرونه ويأبَونه ويصرخون ‪-‬لو كان‬
‫لهم لسان‪ -‬بالبراءة منه‪ ،‬ولو ُنسب إلى واحد منهم‬
‫ِفعلُه ُلع َّدت نسبته إليه إهانة له‪.‬‬
‫ال إله إال اهلل‪ ،‬إنه على كل شيء قدير‪ ،‬يخلق‬
‫على هيئة اإلنسان َمن ليس فيه شيء من اإلنسانية!‬
‫يتلذذ هؤالء برؤية طفل رضيع ما جنى‬‫وإال فكيف ّ‬
‫جناية وال ارتكب إثم ًا‪ ،‬على صدر أم ما حملت‬
‫سالح ًا وال خاضت حرب ًا‪ُ ،‬يمنع الطعام والشراب‬
‫يجف ثديها ويغيض في عروقها دمها‪،‬‬‫ّ‬ ‫عنها حتى‬
‫مرة من جوعها ومرة‬‫وتموت مرتين قبل الممات‪ّ :‬‬
‫تمزق قلبها حزن ًا على ولدها الذي يذوي ويذوب‬
‫من ُّ‬
‫بين يديها؟‬
‫أهذا إنسان؟‬

‫‪160‬‬
‫إنه شيء ال أعرف له في اللغة العربية اسم ًا يدل‬
‫عليه‪ ،‬فيا ضيعة عمري في دراستها ورواية أشعارها‬
‫تبين لي اليوم‬
‫ومعرفة أخبارها وكشف أسرارها! لقد ّ‬
‫أني جاهل بها ألني ال أجد ألفاظ ًا تعبر عما في نفسي‬
‫أعبر‬
‫من اإلنكار ومن االحتقار‪ ،‬ولما ال أعرف كيف ّ‬
‫عنه من المشاعر على ما يصنع أناس يقولون إنهم من‬
‫البشر مع األطفال والنساء في المخيمات في لبنان (‪.)1‬‬
‫لو قرأنا مثل هذا الذي نرى عن طغاة القرون‬
‫محت أربع ُة‬
‫األولى‪ ،‬من قبل أربعة آالف سنة‪ ،‬لَما َ‬
‫آالف سنة هذا اإلثم ولَما غفرناه لهم بالتقادم ومرور‬
‫الزمان‪.‬‬
‫والناس يتحاربون منذ كانت الحروب‪ ،‬ولكن‬
‫الفارس المسلَّح ال ينازل إال فارس ًا مسلَّح ًا‪ ،‬ما عهدنا‬
‫ال معروف ًا يحارب النساء واألطفال‪.‬‬ ‫ال شريف ًا وبط ً‬‫رج ً‬
‫عدوه ليس ّلم‪ ،‬ولكن ما‬ ‫ّ‬ ‫الجيش قلع َة‬
‫ُ‬ ‫وربما حاصر‬
‫ال حتى يموتوا‪.‬‬‫ال شريف ًا يحاصر نساء وأطفا ً‬ ‫عهدنا مقات ً‬

‫_________________‬
‫(‪ )1‬المقصود هو حصار حركة >أمل< الشيعية للمخيمات‬
‫الفلسطينية في لبنان سنة ‪ .1987‬اقرأ الحاشية اآلتية‬
‫في الصفحة ‪( 163‬مجاهد)‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫أنا أفهم أن ُيمنع وصول السالح إلى الجند‬
‫أما أن ُيمنع وصول الطعام إلى‬ ‫المحاصرين‪ّ ،‬‬
‫َ‬
‫الجائعات والجائعين من النساء واألطفال ممن ال‬
‫يحمل السالح وال يخوض المعارك فشيء ال نستطيع‬
‫أن نفهم له معنى‪.‬‬
‫إن كان الذي يفعل هذا ُي َع ّد إنسان ًا فأنا أخجل‬
‫ْ‬
‫بعد اليوم أن أكون من بني اإلنسان!‬
‫[الذكريات ج‪ :8‬ح‪])1987( 228‬‬

‫‪162‬‬
‫‪-89-‬‬
‫ليعلم الناس جميع ًا ‪-‬في لبنان وفي غير لبنان‪-‬‬
‫تنبه‬
‫عذاب الضمير‪ ،‬وربما ّ‬ ‫ُ‬ ‫أن أدنى العذاب في الدنيا‬
‫ّ‬
‫لما كان ُحكم صدقي باشا‬ ‫الضمير الغارق في سباته‪ّ .‬‬
‫في مصر (والذي شكوناه منه ال يعدل نقطة من كأس‬
‫مما وجدناه بعده) قال فيه حافظ إبراهيم مقطوعة لم‬
‫يجرؤ على نشرها‪ ،‬ولكن تناقل الناس أبيات ًا منها‪،‬‬
‫ومنها‪:‬‬
‫ضمير ُه ليذو َقها‬
‫َ‬ ‫اله َّم (‪َ )1‬أ ِ‬
‫حي‬ ‫ُ‬
‫اآلالم‬
‫ُ‬ ‫ـه‬
‫قت َل َن ْف َس ُ‬
‫ُغ َصصـ ًا و َت ُ‬
‫فأول العقاب في الدنيا عذاب الضمير إذا تي ّقظ‪.‬‬
‫إذن فليحاول هؤالء إصالح ما أمكن إصالحه مما‬
‫يردون الروح على‬ ‫أفسدوه‪ ،‬وهيهات أن يقدروا! هل ّ‬
‫من مات؟ هل يأملون أن يفقد الناس كلهم ذاكرتهم‬
‫فينسوا ما كان؟ إن هذا الذي نرى في المخيمات‬
‫فيصب‬
‫ّ‬ ‫سيقرأ تاريخه في المدارس بعد ألف سنة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫المدرس والتالميذ اللعنات على أجداث مرتكبيه ولو‬‫ّ‬
‫_________________‬
‫>اللهم<؛ دعاء إلى اهلل (مجاهد)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ )1‬أي‬

‫‪163‬‬
‫َفنِيَت عظامهم واستحالت تراب ًا (‪.)1‬‬
‫[الذكريات ج‪ :8‬ح‪])1987( 228‬‬
‫_________________‬
‫(‪ُ )1‬نشرت حلقة >الذكريات< التي اقتطعت هذه السطور‬
‫منها في أواخر شباط (فبراير) من عام ‪ ،1987‬في‬
‫وقت اشتدت فيه وطأة حصار حركة >أمل< الشيعية‬
‫للمخيمات الفلسطينية في لبنان‪ ،‬حتى أكل الناس في‬
‫المحاصرة الكالب والقطاط والفئران‪،‬‬ ‫َ‬ ‫المخيمات‬
‫ش ّح الماء وانعدام الغذاء‬ ‫ومات منهم كثيرون من ُ‬
‫والدواء‪.‬‬
‫قراء هذا الكتاب ال يعرفون تلك األحداث‬ ‫كثيرون من ّ‬
‫التي مات بسببها اآلالف من األبرياء‪ ،‬حينما َش َّن ْت‬
‫ميليشيات >أمل< الشيعية حرب ًا شرسة ضد المخيمات‬
‫في بيروت وصيدا وصور‪ ،‬حرب ًا بدأت في أيار‬
‫(مايو) من عام ‪( 1985‬رمضان ‪ )1405‬واستمرت‬
‫أكثر من سنتين‪ ،‬وكان أوضح معالمها الحصار‬
‫المتكرر الطويل للمخيمات‪.‬‬
‫لقد مات في ذلك الحصار غير األخالقي آالف من‬
‫ومن‬‫ومسنين وأطفال‪َ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫المدنيين‪ ،‬من رجال ونساء‬
‫المحاصرين أهلكه الجوع‬ ‫ِ‬ ‫نجا منهم من رصاص‬
‫والمرض‪.‬‬
‫وبلغ من وحشية المقاتلين الشيعة أنهم اقتحموا=‬

‫‪164‬‬
‫_________________‬
‫= مستشفى غزة في مخيم صبرا فقتلوا أكثر َمن فيه من‬
‫المرضى والجرحى واألطباء والممرضين‪ ،‬ومنعوا‬
‫خروج أي مدني من المخيمات أو دخول أي غذاء‬
‫أو دواء‪ ،‬حتى الماء‪ ،‬وكثيراً ما سمحوا للنساء‬
‫قتلوهن غيلة‬
‫ّ‬ ‫بالخروج إلحضار الغذاء أو الماء ثم‬
‫وهن يحملن الماء والغذاء على رؤوسهن!‬ ‫ّ‬
‫وفي الشهور األولى من عام ‪ ،1987‬قريب ًا من وقت‬
‫نشر هذه المقالة‪ ،‬كانت مخيمات بيروت تعاني من‬
‫أشد أيام الحصار وطأة وأكثرها فتك ًا‪ ،‬وقد بلغ من‬
‫قسوتها ووحشيتها أن >اضط ُ ّرت< الحكومات العربية‬
‫إلى التدخل وممارسة بعض الضغط‪ ،‬ف ُف ّك الحصار‬
‫أخيراً في السابع من نيسان (أبريل) من تلك السنة‪،‬‬
‫المحكَ م‬
‫بعد أكثر من مئة وخمسين يوم ًا من الحصار ُ‬
‫الخانق‪ .‬إنها مأساة لن ينساها التاريخ (مجاهد)‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫�ﻟﻘﺮ�� �ﻟﻜﺮ��‬
‫�ﻟﻰ ّ‬
‫ﺑﺬﻟﺖ ﻓﻲ ﺗﺼﺤﻴﺢ ﻫﺬ� �ﻟﻜﺘﺎ� ﻏﺎﻳ َﺔ ﻣﺎ �ﺳﺘﻄﻌﺖ‬‫ُ‬ ‫ﻟﻘﺪ‬
‫ﺳﻬﻮ�‬
‫ُ‬ ‫ﻟﻜﻨﻲ ﻻ َ�ﻣ ُﻦ �� ﻳﻜﻮ� ﻓﻴﻪ ﺧﻄﺄ‬
‫ﻣﻦ �ﻟﺠﻬﺪ‪ّ ،‬‬
‫ﻋﻨﻪ‪ ،‬ﻷ� �ﻟﻜﻤﺎ� ﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪ ﻣﻦ �ﻟﺒﺸﺮ‪� ،‬ﻧﻤﺎ ﻫﻮ‬
‫ﻣﻦ ﺻﻔﺎ� ﺧﺎﻟﻖ �ﻟﺒﺸﺮ‪ .‬ﻓﺄ�ﺟﻮ �� َﻳ ُﻤ ّﻦ ﻋﻠﻲ ﻗﺎ�ﺋﻪ‬
‫ّ‬
‫ﺤﺘﻬﺎ ��ﻋﺪ�‬ ‫ﺻﺤ ُ‬ ‫ﺟﺪ� �ﻟﺘﻲ ّ‬ ‫)�ﻗﺎ�� ﺳﺎﺋﺮ ﻛﺘﺐ ّ‬
‫ﻓﻴﻨﺒﻬﻨﻲ �ﻟﻰ �� ﺧﻄﺄ ﺳﻬﻮ�‬ ‫�ﺧﺮ�ﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ( ّ‬
‫ﻋﻨﻪ ﻟﻜﻲ �ﺗﺪ��ﻛﻪ ﻓﻲ �ﻟﻄﺒﻌﺎ� �ﻵﺗﻴﺎ�‪�� ،‬ﻧﺎ �ﺷﻜﺮ�‬
‫�ﷲ ﺑﺄ� ﻳﺠﺰ� ﻟﻪ �ﻷﺟﺮ ��ﻟﺜﻮ��‪.‬‬ ‫���ﻋﻮ ﻟﻪ َ‬
‫ﻣﺠﺎﻫﺪ ﻣﺄﻣﻮ� �ﻳﺮ�ﻧﻴﺔ‬
‫‪mujahed@al-ajyal.com‬‬

‫‪166‬‬

‫‪٤١٤‬‬
‫األفكار‬
‫الطنطاوية‬

‫(‪ )1‬اإلميان والرقائق‬


‫(‪ )2‬الدين والدعوة‬
‫(‪ )3‬هذا هو اإلسالم‬
‫(‪ )4‬دفاع عن الفضيلة‬
‫(‪ )5‬املجتمع املسلم‬
‫(‪ )6‬األمة اإلسالمية‬
‫(‪ )7‬االستعمار واجلهاد‬
‫(‪ )8‬األخالق االجتماعية‬
‫(‪ )9‬الزواج واألسرة‬
‫(‪ )10‬النفس واحلياة‬
‫(‪ )11‬العلم والتعليم‬
‫(‪ )12‬اللغة واألدب‬

‫‪167‬‬
‫املنتخبات‬
‫َ‬
‫الطنطاوية‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬وقائع وحكايات‬


‫(‪ )2‬صور من احلياة‬
‫(‪ )3‬صور وذكريات‬
‫(‪ )4‬نوادر وطرائف‬
‫(‪ )5‬رجال ومواقف‬
‫(‪ )6‬أخبار من التاريخ‬

‫‪168‬‬

You might also like