You are on page 1of 195

‫نيركا‬

‫رواية‬

‫د‪ .‬ياسر عبد السالم‬


‫‪Email publish@tashkeel- publishing.com‬‬
‫‪Website‬‬ ‫‪www.tashkeel-publishing.com‬‬
‫‪Mobile 201006250473‬‬ ‫‪FB/Tashkeeel‬‬

‫‪I.S.B.N : 978-977-6555-88-4‬‬
‫رقــم اإليــــداع‪2019 /2244 :‬‬
‫تصميم الغـالف ‪ :‬أحمد فرج‬
‫املراجعة اللغوية ‪ :‬أمرية أسامة‬
‫اإلخراج الفنـــي ‪ :‬ضياء فريد‬
‫املـديـــر العــام ‪ :‬سيد شعبان‬

‫جميع الحقوق محفوظة للنارش‬


‫وأي اقتباس أو تقليد‪ ،‬أو إعادة طبع أو نرش دون موافقة كتابية‬
‫يعرض صاحــبه للمساءلة القانونية‪ ،‬واآلراء والـامدة الواردة‬
‫وحقوق امللكية الفكرية بالكتاب خاصة بالكاتب فقط ال غري‪.‬‬
‫إهداء‬

‫إلى روح الدكتور أحمد خالد توفيق‬

‫عراب هذا الجيل‪.‬‬

‫إلى روح والدي ومعلمي‪..‬‬

‫إلى والدتي واخوتي سندي في هذه الحياة‪..‬‬

‫إلى زوجتي حبيبتي وأطفالي حاضري ومستقبلي‬


‫أهدي هذا العمل‪..‬‬

‫فلتبدأ الملحمة‬

‫‪-3-‬‬
‫قدري‬

‫شتوي جميل في أول‬‫ٍ‬ ‫يوم‬


‫تسللت أشعة الشمس من صباح ٍ‬
‫شتاء عام ‪ ٢٠١٠‬إلى الغرف ِة الضيقة من الشق ِة الصغيرة الواقعة‬
‫حي ٍ‬
‫راق لمدين ِة القاهرة‪ ،‬وبدأت مالمح‬ ‫في الدور الثاني علوي في ٍ‬
‫كل جنب من ج َن َبات‬
‫الغرفة في الظهور حيث انتشرت المالبس في ِ‬
‫الغرفة حيث تكاد تُقسم أن من يقتني تلك الشقة ال يمكن أن يتبين‬
‫طريقه بين كل تلك العوائق بدون أن يتعثر في أحدهم على األقل‪.‬‬
‫بدأت مالمح الغرفة في الظهورِ حيث تنتشر مالبس على‬
‫أرضية الغرفة‪ ،‬في حين استقر دوالب مالبس مستكي ًنا في أحد‬
‫الجنبات فاغ ًرا درفتيه على مصراعيهما؛ لتظهر المزيد من المالبس‬
‫المبعثرة بعناية حيث ألقاها صاحبها‪ ،‬في حين ترقد بدلة بوليسية‬
‫على أحد األرفف في حين اعتالها طبنجة ميري بجرابها األسود‪.‬‬

‫‪-5-‬‬
‫وعلى ُبعد خطو ٍة واحدة كان ذلك السرير الصغير حيث‬
‫ُألقيت بجانبه بواقي وجبة سريعة‪ ،‬في حين يرقد ذلك الجسد‬
‫القوي البنية الحاد المالمح وإن كان ال يخلو من بعض‬
‫ّ‬ ‫األسمر‬
‫الوسامة‪ ،‬في حين أغرق العرق جسده الممشوق شبه العاري إ َّلا‬
‫وامتد العرق ل ُيغطي وجهه‬
‫َّ‬ ‫من قطع ٍة صغيرة من مالبس ِه الداخلية‬
‫الذي اكتنفه جمودٌ يشبه جمود الموتى لوال األنفاس المنتظمة‬
‫التي تُحرك صدره َ‬
‫لظ َّن من يراه أن ُه جثة‪.‬‬
‫صباحا ليتحرك‬
‫ً‬ ‫تحركت عقارب الساعة لتشير إلى السابعة‬
‫ذلك الجسد في نفس اللحظة معتد ًلا وتتغير مالمح وجهه إلى‬
‫ُ‬
‫الذعر في حين ازداد عرقه وتعالت أنفاسه‪.‬‬
‫استمر ذلك الوضع ما يقرب من دقيقة استغلها صاحب الجسد‬
‫الممشوق ليهدئ من أنفاسه وان كان اإلرهاق الشديد يعتصر كل‬
‫خلي ٍة من قسمات وجهه الذي تز َّين بهالتين سوداويتين حول عينيه‬
‫في حين بدأت مالمح الذعر تتبدل إلى الهدوء وهو ينهض من‬
‫فراشه ليتوجه إلى الحمام حيث ألقى بجسد ِه تحت المياه المتدفقة‬
‫ً‬
‫منطلقا بعد ذلك إلى غرفت ِه‬ ‫من الدش كأنما يمحو ما كان يحلم به‬
‫من جديد ليلتقط بعض المالبس من أرضية الغرفة ويرتدي إياها‬
‫ويلتقط جراب مسدسه ويضعه فوق حزامه وينطلق مغاد ًرا منزله‪.‬‬
‫ما كاد ذلك الشخص يهبط إلى الدور األرضي حتى وجد‬
‫ً‬
‫ناهضا وهو يرفع يده بالتحية‪.‬‬ ‫بواب العمارة ُيسرع‬

‫‪-6-‬‬
‫‪-‬قدري باشا‪ ...‬تمام في موعدك اليومي‪.‬‬
‫لم يتوقف قدري عن خطواته الثابتة ولم يلتفت حتى لصاحب‬
‫الصوت وهو يكمل طريقه قائ ًلا‪:‬‬
‫‪-‬شعبان كيف حالك‪...‬؟‬
‫ثم ألقى إليه بمفتاح الشقة‪.‬‬
‫‪-‬شقتي أصبحت مكب للنفايات‪.‬‬
‫‪-‬ال تقلق قدري باشا‪.‬‬
‫هكذا رد شعبان البواب قبل أن ينطلق قدري بسيارته متوج ًها‬
‫إلى مديرية األمن حيث يعمل في إدارة البحث الجنائي‪.‬‬
‫قطعت السيارة الصغيرة شوارع القاهرة حتى وصلت إلى‬
‫وجهتها أمام مديرية األمن ولم يكد قدري يطأ بقدم ِه ساللم‬
‫المديرية حتى ارتفعت له األيدي بالتحي ِة العسكرية في حين أخذ‬
‫متقدما حتى وصل إلى الدور الثالث حيث‬
‫ً‬ ‫قدري يرد التحية وهو‬
‫ٌ‬
‫صوت ساخ ٌر‪:‬‬ ‫يقع مكتبه ولم يكد يقترب منه حتى ارتفع من خلف ِه‬
‫‪-‬أخي ًرا ظهر قدري باشا‪.‬‬
‫استدار قدري ليجد زمي ًلا له يقف في الردهة وعلى وجهه‬
‫ابتسامة عريضة ساخرة‪.‬‬
‫‪-‬كيف حالك يا أيمن؟‬

‫‪-7-‬‬
‫هكذا رد قدري‪.‬‬
‫‪-‬أكيد أفضل منك‪ ..‬إن عالمات اإلرهاق تعلو وجهك‪..‬‬
‫أين ذهبت مساء أمس لقد حاولت االتصال بك؟‬
‫‪-‬قلت لك مرا ًرا أن الليل لي وحدي وأنني ال أرغب في أي‬
‫ٍ‬
‫اتصال بالليل‪.‬‬
‫الغضب وهو يصيح‪:‬‬
‫ِ‬ ‫تغيرت نبرة أيمن إلى‬
‫جرائم بالليل حتى تستطيع‬
‫َ‬ ‫للناس أال يرتكبوا‬
‫ِ‬ ‫‪ً -‬‬
‫إذا نقول‬
‫اللهو كما يحلو لك‪.‬‬
‫شفتي قدري وهو يقول‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ارتسم شبح ابتسام ٍة ساخرة على‬
‫‪-‬اللهو!‪ ...‬أنا لم أغادر منزلي منذ البارحة‪ ...‬ثم أنني‬
‫عرضت عليكم مرا ًرا وتكرا ًرا أنني مستعد لتحمل العمل‬
‫وحدي في الصباح‪ ،‬وبالليل أحدكم يفحص القضايا‬
‫حتى اليوم التالي فقط‪.‬‬
‫ارتفع صياح أيمن وهو يقول‪:‬‬
‫ُ‬
‫قدمت مذكرة رسمية‬ ‫بأسلوب للعمل ولقد‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬هذا ليس‬
‫ضدك بهذا‪.‬‬
‫تنهد قدري وقد نفذ صبره‪:‬‬
‫‪-‬أيمن‪ ...‬لماذا كنت تبحث عني أمس؟‬

‫‪-8-‬‬
‫ً‬
‫عميقا كأنما يبتلع غضبه‪:‬‬ ‫نفسا‬
‫أخذ أيمن ً‬
‫‪-‬جريمة قتل ‪ ...‬في الزمالك‪...‬‬
‫‪-‬تمام سأحتسي قهوتي ثم أحصل على التفاصيل وأنطلق‬
‫مباشرةً‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بخطوات‬ ‫قاطعا الردهة‬
‫ً‬ ‫قالها قدري والتفت متج ًها إلى مكتبه‬
‫واسعة ودلف إلى المكتب ليغلق الباب خلفه‪.‬‬
‫تمض دقائق‬
‫ِ‬ ‫جلس قدري على المكتب ليطلب قهوته ولم‬
‫حتى دخل رجل في أواخر العقد الخامس من العمر ومعه قهوة‬
‫قدري المعتادة‪.‬‬
‫‪-‬اإلرهاق الشديد يبدو عليك‪ ...‬يجب أن تحصل على‬
‫قسط من الراحة لتنام‪.‬‬
‫ٍ‬
‫‪-‬ماذا لو كان النوم ال يعني الراحة؟‬
‫وضع الرجل القهوة على المكتب وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬أنا ال أفهم ألغازك قدري باشا‪.‬‬
‫ثم وضع ورق ًة صغيرة أمامه‪.‬‬
‫‪-‬بيانات عنوان جريمة القتل التي طلبتها‪ ...‬هناك أمين‬
‫يؤمن موقع الحادث ُيدعى أنور وهو في انتظار‬
‫شرطة ِّ‬
‫سيادتك‪.‬‬

‫‪-9-‬‬
‫قالها وترك المكتب وانصرف ليترك قدري وراءه يتأمل‬
‫ٍ‬
‫لحظات قليلة بدا المشهد‬ ‫المنظر من مقعده خالل النافذة وخالل‬
‫ثاب ًتا ثم أسند قدري رأسه إلى الخلف وأغمض جفنيه إال أنه‬
‫ثوان قليلة وهو يتمتم‬
‫انتفض بعد ٍ‬
‫‪-‬ال ليس هذا وقته‪.‬‬
‫نهم كأنما ُيجبر نفسه على‬ ‫َّ‬
‫وانقض على قهوت ِه يلتهمها في ٍ‬
‫يمض الكثير من الوقت‬‫ِ‬ ‫مسرعا ولم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مستيقظا‪ ،‬ثم ينطلق‬ ‫البقاء‬
‫حتى وصل قدري إلى مكان الحدث ليجد أنور في انتظاره‪.‬‬
‫ألمين الشرطة بجسد ِه الضخم وشاربه الكثيف‬
‫ِ‬ ‫كان أنور مثا ًلا‬
‫فرد عليه‬
‫هب مؤد ًيا التحية العسكرية‪َّ ،‬‬
‫وما أن رأى قدري حتى َّ‬
‫األخير التحية وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬هات ما عندك‪ ...‬كل ما تعرفه عن الحادث‪.‬‬
‫رد أنور وهو يقود قدري عبر الردهات‪:‬‬
‫ِ‬
‫العقد السادس من‬ ‫‪-‬القتيالن رجل وزوجته كالهما في‬
‫العمر يسكنان الشقة بمفردهما؛ لديهما ابن واحد يعيش‬
‫في الخارج‪ ...‬الرجل ميسور الحال وزوجته ربة منزل‪.‬‬
‫وصل قدري وأنور إلى غرفة المعيشة حيث تبعثرت محتويات‬
‫الغرفة على األرض وانتشرت بقايا حطام بعض المقتنيات في‬
‫دماء كبيرة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫رسمين لموقع الجثتين على األرض مع بقع ِة‬
‫َ‬ ‫حين يقبع‬
‫‪-‬ما هو عمل الرجل؟‬

‫‪- 10 -‬‬
‫هكذا سأل قدري‪.‬‬
‫لبيع المشغوالت الذهبية‪.‬‬
‫‪-‬لديه محل ِ‬
‫‪-‬فقد شي ًئا؟!‬
‫لي وفي األغلب ُسرقت‪.‬‬
‫‪-‬لم نعثر على أي أموال أو ُح ّ‬
‫تجوَّلت عينا قدري عبر الغرف ِة وهو يسأل‪:‬‬
‫شيء آخر؟!‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬أهناك‬
‫‪-‬نعم‪ ..‬هناك شاهدة‪.‬‬
‫اقتضبت أسارير قدري وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬شاهدة؟‬
‫‪-‬نعم‪ ..‬إنها تعيش بالعمار ِة المقابلة ورأت الحادثة وهي‬
‫التي أبلغت النجدة وتم استجوابها‪.‬‬
‫ثم مرر أنور ورقة إلى قدري‪:‬‬
‫‪-‬هذه أقوال الشاهدة‪.‬‬
‫‪-‬هل أنهى رجال المعمل عملهم هنا؟‬
‫‪-‬نعم قدري باشا‪ ..‬ال توجد أي ِة بصمات‪ ..‬وهناك آثار‬
‫اقتحام ‪ ..‬وتم نقل الجثتين إلى الطب الشرعي وبهما‬
‫عدة طعنات وفي انتظار تقريره المبدئي‪.‬‬

‫‪- 11 -‬‬
‫انطلق قدري مغاد ًرا الشقة فهتف به أنور‪:‬‬
‫‪-‬إنها قضية سهلة أليس كذلك؟ اقتحام وسرقة‪.‬‬
‫‪-‬ليتها كذلك‪ ..‬ولكنها ليست‪.‬‬
‫ترك بعدها قدري أنور في حيرت ِه وتوجه إلى العمارة المقابلة‬
‫حيث توجد الشاهدة‪ ،‬وما أن وصل إلى باب الشقة وقرع الجرس‬
‫ِ‬
‫قسمات وجهها والذي‬ ‫حتى فتحت له سيدة ترك الزمان آثاره على‬
‫غ َّلفت ُه بطرح ٍة بيضاء‪.‬‬
‫‪-‬قدري سليمان‪ ..‬مباحث جنائية‪.‬‬
‫ثم نظر إلى الورقة التي أخذها من أنور وهو يستطرد‪:‬‬
‫‪-‬أتعيش هبة منصور هنا؟‬
‫ٍ‬
‫بلطف‪:‬‬ ‫تحركت العجوز ل ُتخلي له الطريق وهي تقول‬
‫‪-‬تفضل يا ولدي‪ ..‬إنها بالداخل‪.‬‬
‫دلف قدري إلى الشق ِة حيث جلس منتظ ًرا الشاهدة التي‬
‫دخلت السيدة ل ُتحضرها ولم تكد تمضي دقيقتين حتى خرجت‬
‫إليه سيدة متوسطة الطول متناسقة القوام في أوائل الثالثينات من‬
‫العمرشعرها أسود اللون‪.‬‬
‫وقف قدري مستقب ًلا إياها ولكنها أشارت إليه بالجلوس‬
‫وهي تقول‪:‬‬

‫‪- 12 -‬‬
‫‪َّ -‬‬
‫تفضل ‪ ..‬أنا ال أفهم ما كل تلك االستجوابات‪ ..‬لقد‬
‫أدليت بأقوالي للشرط ِة أكثر من مرة‪.‬‬
‫عليك ولكنني سأحاول أ َّلا آخذ من‬
‫ِ‬ ‫‪-‬أعلم أن األمر صعب‬
‫ِ‬
‫وقتك الكثير‬
‫قالها قدري ونظر إلى الورق ِة التي في يد ِه وهو يقول‪:‬‬
‫ِ‬
‫سمعت‬ ‫‪-‬حسب أقوالك أنك ِ‬
‫كنت تقفين في الشرف ِة حين‬
‫أصواتًا تتعالى من الشق ِة المقابلة والتي كان يقطنها‬
‫نظرت وجدتي الرجل يحاول‬‫ِ‬ ‫المجني عليهما‪ ،‬وحين‬
‫الهروب والمعتدي يطعنه عدة طعنات في ظهره في حين‬
‫وجه إليها بعض‬
‫هجم آخر على الزوج ِة وأمسك بها ثم َّ‬
‫اللكمات وأخي ًرا قام بطعنها‪ ،‬ثم نظر األول إلى زمالئه‬
‫لي‪.‬‬
‫والح ّ‬
‫ُ‬ ‫وتوجهوا صوب الغرف ثم خرجوا ومعهم المال‬
‫ثم ترك الورقة وهو ينظر إلى هبة ويقول‪:‬‬
‫‪-‬ما المدة التي أمسك بها المعتدي الزوجة؟‬
‫‪-‬أكثر من دقيقة بقليل‪.‬‬
‫‪-‬أيمكنك التعرف على الجناة‪.‬‬
‫‪-‬ال لقد كانوا ملثمين‪.‬‬

‫‪- 13 -‬‬
‫وقف قدري وهو يقول‪:‬‬
‫شيء غريب‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬سؤال أخير سيدتي‪ ..‬هل جذب انتباهك أي‬
‫بالشارع بينما ِ‬
‫كنت تنظرين من الشرفة؟‬ ‫ِ‬
‫شيء غريب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬ال‪ ..‬ال يوجد‬
‫‪-‬عالم ِ‬
‫كنت تنظرين؟‬
‫‪-‬ال شيء محدد مجرد أنظر إلى المار ِة وأتجول بين‬
‫شخص أجنبي عند أول الشارع‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الوجوه‪ ..‬وكان هناك‬
‫كان قدري يهم بالرحيل حين استوقفته كلمة هبة‪.‬‬
‫‪-‬أجنبي؟ ِ‬
‫أنت واثقة من هذا؟‬
‫‪-‬نعم‪.‬‬
‫‪-‬هل شاهدك؟‬
‫‪-‬ال أعلم لقد انشغلت بالحادث واستدعاء الشرطة ودخلت‬
‫وخرجت إلى الشرفة بضع مرات‪.‬‬
‫هنالك ظهرت العجوز تحمل كو ًبا من الشاي لتقدمه إلى‬
‫قدري‪.‬‬
‫‪-‬تفضل يا ولدي‪.‬‬
‫عيني المرأة‬
‫ّ‬ ‫وهم باالعتذار‪ ..‬ولكن شيء ما في‬
‫ابتسم قدري َّ‬
‫استوقفه فلم يدرِ إ َّلا ويده تمتد إلى ِ‬
‫كوب الشاي لتأخذه‪.‬‬

‫‪- 14 -‬‬
‫‪-‬شك ًرا سيدتي‪ ..‬هل يمكنك أن تدليني على مكان‬
‫الهاتف؟‬
‫أشارت المرأة إلى غرف ٍة ملحقة وهي تردف‪:‬‬
‫‪-‬عندما تتم اتصالك يكون الغداء جاهزًا‪.‬‬
‫قالتها السيدة ودلفت من حيث أتت تارك ًة قدري يقول‪:‬‬
‫‪-‬سيدتي لن أستطيع‪..‬ثم أدرك أن السيدة رحلت فنظر إلى‬
‫هبة‪.‬‬
‫‪-‬هل يمكنك االعتذار لها فأنا وقتي‪....‬‬
‫قاطعته هبة وهي تومئ برأسها متفهم ًة‪.‬‬
‫‪-‬بالطبع سأعتذر لها‪.‬‬
‫ثم أشارت إلى غرف ِة الهاتف‪.‬‬
‫‪-‬تفضل‪.‬‬
‫توجه قدري صوب غرفة الهاتف‪ ،‬بينما دلفت هبة إلى والدتها‬
‫َّ‬
‫في المطبخ وهي تهمس‪:‬‬
‫ِ‬
‫عرضت عليه البقاء للغداء؟‬ ‫‪-‬لماذا‬
‫ِ‬
‫بالد‬ ‫ردت عليها السيدة هامس ًة بلكن ٍة تدل على أنها من‬
‫المغرب العربي‪:‬‬
‫شيء غريب بخصوص هذا الشاب‪ ..‬أستطيع‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬هناك‬
‫الشعور ب ِه‪.‬‬

‫‪- 15 -‬‬
‫ِ‬
‫لخرافات السحر؟!‬ ‫‪-‬أستعودين‬
‫‪-‬ليست خرافات وأنا غير مجبرة إلقناعك ولكن هذا‬
‫الشاب روحه أكبر من عمره كما لو أنه يعيش عمره‬
‫شخص مثل هذا‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫مرتين‪ ..‬أنا لم أ َر في حياتي أي‬
‫ازداد همس هبة حدة وهي تقول‪:‬‬
‫‪-‬ماذا تقصدين؟‬
‫‪-‬أقصد‪...‬‬
‫قاطعها صوت قدري من الخارج وهو يهتف‪:‬‬
‫‪-‬سيدتي أنا مضطر لالنصراف‪.‬‬
‫همهمت العجوز وهي تخرج من المطبخ‪:‬‬
‫‪-‬وكأنني سأترك تلك الفرصة تهرب من يدي‪.‬‬
‫وتحولت لهجتها إلى المصرية عندما رأت قدري‪.‬‬
‫ستتحمل أن تكسر بخاطر سيدة‬
‫َّ‬ ‫‪-‬لن يحدث هذا ‪ ..‬هل‬
‫مثل والدتك؟‬
‫‪-‬ال يا سيدتي ولكنها مهام العمل‪.‬‬
‫اقتربت منه المرأة وهي تحدق في عينيه‪:‬‬
‫‪-‬ماذا بك يا ولدي‪ ..‬ما الذي تخفيه عن العالم‪ ..‬ما الثقل‬
‫الذي تحمله على كاهلك؟‬

‫‪- 16 -‬‬
‫فوجئ قدري بقول المرأة مما جعله يرتبك قلي ًلا ولكنه‬
‫سرعان ما تمالك نفسه‪:‬‬
‫‪-‬ال شيء له عالقة بما ِ‬
‫قد ُ‬
‫مت ألجله‪.‬‬
‫ابتسمت المرأة‪:‬‬
‫‪-‬جيد أنك لم تستطع الكذب‪.‬‬
‫لسبب واحد وهي جريمة القتل‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬سيدتي لقد قدمت‬
‫‪-‬ربما أستطيع مساعدتك‪.‬‬
‫ِ‬
‫الصمت بينهما قطعها صوت جوال قدري‬ ‫سادت فترة من‬
‫باهتمام إلى محدث ِه قبل أن يشكره‬
‫ٍ‬ ‫الذي سارع بالرد وهو يستمع‬
‫منه ًيا المحادثة‪.‬‬
‫خرجت هبة في هذه اللحظة لتنضم إليهما فبادر قدري بقوله‪:‬‬
‫‪-‬المكان هنا أصبح غير آمن لكما‪.‬‬
‫تشبثت هبة في ذراع والدتها وهي تهتف به‪:‬‬
‫‪-‬ماذا تقصد؟‬
‫ِ‬
‫وأنت تُبلغين الشرطة‬ ‫‪-‬أقصد أن قاتل العجوزين شاهدك‬
‫ِ‬
‫وأنت رأيته ويمكن أن يعود لك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بصوت شاحب‪:‬‬ ‫نظرت هبة إلى والدتها وهي تقول‬
‫‪-‬إلى أين يمكننا الذهاب؟‬

‫‪- 17 -‬‬
‫تماما وعالمات الحيرة تبدو عليها فتدخل‬
‫ً‬ ‫صمتت والدتها‬
‫قدري‪:‬‬
‫‪-‬ربما يمكنكما الذهاب إلى أحد األقارب‪.‬‬
‫نقلت إليه هبة نظرها‪:‬‬
‫‪-‬ليس لنا أقارب هنا؛ والدتي ليست مصرية ووالدي‬
‫مصري وكنا نعيش بلبنان وال نعلم لنا أقارب في مصر‪.‬‬
‫ٍ‬
‫طرقات قوية‬ ‫باقتراح جديد حين قاطع ُه صوت‬ ‫ٍ‬ ‫هم قدري‬
‫َّ‬
‫باب الشقة وتحركت هبة لتفتح الباب إ َّلا أن يد قدري منعتها‬‫على ِ‬
‫وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬اسمحي لي‪..‬‬
‫بهدوء ليقف خلف البابل ُيصيح‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫وتحرك‬
‫‪-‬من؟!‬
‫أتاه صوت أجش من خلف الباب‪:‬‬
‫‪-‬مباحث‪.‬‬
‫انقبضت أسارير قدري الذي نظر إلى هبة ووالدتها مشي ًرا‬
‫بهدوء شديد‬
‫ٍ‬ ‫إليهما باالختبا ِء بالداخل‪ ،‬ثم امتدت يده لتفتح الباب‬
‫لينظر إلى ثالثة رجال ممشوقي القوام ضخام الجسد فبادر أحدهم‬
‫بالسؤال‪:‬‬
‫‪-‬أين السيدتان اللتان تعيشان في تلك الشقة؟‬

‫‪- 18 -‬‬
‫‪-‬من يسأل؟‬
‫رد عليه قدري وابتسامة باهتة تظهر على شفتيه فرد آخر‬
‫بغلظ ٍة‪:‬‬
‫‪-‬أخبرناك‪ ..‬مباحث‪ ..‬ونريدهما معنا‪.‬‬
‫لتعرفت عليكم و َل ُك َّنا نعمل في نفس‬
‫ُ‬ ‫‪-‬لو كنتم مباحث‬
‫المكان‪.‬‬
‫نظر الثالثة إلى بعضهم البعض ثم امتدت يد أضخمهم‬
‫بعيدا عن الباب‪ ،‬في حين اندفع زمياله نحو‬
‫ً‬ ‫لتسحب قدري‬
‫الداخل‪ ،‬ولكن فوجئ المهاجم ٍ‬
‫بيد من فوالذ تقبض على معصم ِه؛‬
‫لتلويه بقو ٍة وتدفعه ليسقط عبر الدرج في حين انفجرت قنبلة في‬
‫بطن الثاني إثر ركل ٍة من قدم قدري‪ ،‬في حين امتدت يد قدري‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫بشالل من الدماء‬ ‫اليسرى لتسحب األخير من مالبس ِه قبل أن ُيفاجأ‬
‫عبر أنفه إثر رأسية موجهة من قدري ألقت ُه ً‬
‫أرضا‪.‬‬
‫ِ‬
‫صعود درجات الدرج من جديد‪ ،‬ولكن‬ ‫كان األول قد بدأ في‬
‫قدم قدري استقبلت ُه لتعيده من حيث أتى؛ قبل أن ُيجبر الثاني‬
‫النهوض قبل أن تحتضن‬
‫ِ‬ ‫الذي كانت معدته ما زالت تؤلمه على‬
‫بطنه ركبة قدري الفوالذية‪ ،‬وقبل أن ينحني جسده يتبعها قدري‬
‫بقنبل ٍة من قبضت ِه على مؤخرة عنقه؛ فيهوي على األرض ثم ينقض‬
‫قدري على زميله على األرض وشالل الدماء ما زال يصب من أنف ِه‬
‫ل ُيكيل إليه لكمتين؛ لتغيم الدنيا أمام عينيه ولكن زميلهما تمكن‬

‫‪- 19 -‬‬
‫ِ‬
‫صعود الدرج في هذا الوقت؛ ليدفع قدري بكل قوته ليسقط‬ ‫من‬
‫داخل الشقة‪ ،‬ثم ساعد زميليه على النهوض وانطلق ثالثتهم في‬
‫ِ‬
‫سباق الهروب‪.‬‬
‫ً‬
‫واقفا داخل الشقة وهرعت إليه السيدتان‬ ‫انتصب قدري‬
‫َ‬
‫والعجوز تهتف‪:‬‬
‫‪-‬أأنت بخير يا ولدي؟‬
‫‪-‬نعم سيدتي‪ ..‬ولكن كما كنت أقول المكان ليس آم ًنا‪.‬‬
‫تبادلت السيدتان النظرات في حين قالت هبة‪:‬‬
‫المعضلة إلى أين نذهب؟‬
‫‪-‬تبقى نفس ُ‬
‫‪-‬ربما إلى أحد الفنادق‪.‬‬
‫قاطعها قدري‪:‬‬
‫‪-‬هذا ليس آم ًنا ً‬
‫أيضا‪ ..‬ولكن ربما أي ِة شقة مفروشة‪.‬‬
‫‪ً -‬‬
‫إذا فلنبحث عن واحدة‪.‬‬
‫‪-‬هذا ليس ضرور ًيا يا سيدتي‪ ..‬أعلم واحدة في العمار ِة‬
‫التي أقطن بها‪.‬‬
‫بعيني‬
‫ّ‬ ‫لم قال هذا‪ ..‬ولم يدرِ كيف ارتبط‬
‫لم يعلم قدري َ‬
‫ِ‬
‫ألول مرة هناك من يشعر‬ ‫تلك العجوز المغربية‪ ،‬ولكنه شعر أنه‬
‫ب ِه وهناك من سيفهم مشكلته وربما سيساعده على حلها‪ ،‬حتى‬
‫أن قدري نفسه لم َيعلم كيف اتصل بمكتبه وأخبرهم أنه سيذهب‬

‫‪- 20 -‬‬
‫ببعض المهام بعد أن‬
‫ِ‬ ‫ف أنور‬ ‫إلى بيت ِه بعد المأمورية‪ ،‬وكيف ك َّل َ‬
‫طلب انتدابه من قسم ِه إلى المباحث‪ ،‬وال كيف اصطحب المغربية‬
‫وابنتها معه بالسيارة‪ ،‬وال كيف ومتى َق ِبل دعوتهما للعشاء؟!‬
‫بأجمل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألول مرة من فتر ٍة طويلة‬ ‫كل ما أدرك ُه أنه استمتع‬
‫زمن طويل‪ ،‬واستمتع أكثر بثرثر ِة العجوز والحديث‬
‫وجبة منزلية منذ ٍ‬
‫الشيق البنتها عن رحلتهما في البالد العربية‪.‬‬
‫وما أن انتهى العشاء حتى اصطحبته العجوز حتى باب المنزل‬
‫وفتحت ُه وقالت لقدري‪:‬‬
‫‪-‬ألم يأن األوان لتصارحني بسرك؟‬
‫رد عليها قدري‪:‬‬
‫‪-‬كنت أتمنى‪ ..‬ولكنني جربت أكثر من مرة ولم أجد‬
‫ً‬
‫تصديقا من أحد‬
‫‪-‬ج ِّرب ولن تندم‪.‬‬
‫موعد‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬ربما في ٍ‬
‫وقت الحق فلقد حان موعد نومي وهو‬
‫مقدس‪.‬‬
‫‪ً -‬‬
‫إذا سأنتظرك عندما تريد‪.‬‬
‫نزل قدري درجات السلم حتى وصل إلى شقت ِه ودلف داخلها‬
‫للنوم بعد أن خلع مالبسه واستلقى‬
‫ِ‬ ‫وتوجه إلى غرفته وجهز نفسه‬
‫على سريره‬

‫‪- 21 -‬‬
‫وأغلق عينيه‪..‬‬
‫وراح في ٍ‬
‫ثبات عميق‪..‬‬
‫جدا‪.‬‬
‫عميق ً‬
‫ولكن تحت هذا الثبات بدأت حياة جديدة‪.‬‬
‫بكل جوراحه‪.‬‬
‫حياة يعيشها قدري ِ‬
‫عالم آخر‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫حياة في‬

‫‪- 22 -‬‬
‫نيركا‬

‫فتح نيركا عينيه ليجد نفسه بجانب صديق درب ِه باماسي وَ سط‬
‫ٍ‬
‫حقول شاسعة من الخضرة التي تنتشر بها بعض األشجار‪ ،‬كانا‬
‫قطعا بسيطة من القماش بدائي الصنع‪،‬‬
‫ً‬ ‫نيركا وباماسي يرتديان‬
‫في حين استق َّر رمحان معدنيان بجانبهما وسيفان صغيران داخل‬
‫جراب جلدي سميك‪.‬‬
‫بالليل للتدفئة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫كان باماسي منشغ ًلا بإطفا ِء النار التي أشعالها‬
‫مبتسما‪:‬‬
‫ً‬ ‫ولكنه شعر بصديق ِه فقال‬
‫‪-‬إنك تنام كالقتيل‪.‬‬
‫نهض نيركا من مرقد ِه وهو يرد‪:‬‬
‫‪-‬وكيف ال وأنا أعلم أنك تحميني؟‬

‫‪- 23 -‬‬
‫َ‬
‫ومأل‬ ‫سريعا وشرب‬
‫ً‬ ‫أقرب قناة مياه واغتسل‬
‫ِ‬ ‫ذهب نيركا إلى‬
‫وعائه الجلدي وهو يستعد للترحال‪ ،‬ثم عاد حيث ترك صديق ُه‬
‫أعد عدت ُه هو اآلخر‪.‬‬
‫باماسي وقد انتهى من إطفا َء شعل ِة النار وقد َّ‬
‫‪-‬أنا جاهز للرحيل‪.‬‬
‫هكذا قال باماسي عندما رأى نيركا‪.‬‬
‫‪-‬وأنا كذلك‪.‬‬
‫قالها نيركا وهو يرتدي سيفه ويمسك رمحه في يده وينطلق‬
‫مع صديق ِه نحو وجهتهما‪.‬‬
‫‪-‬ألن تقول لي ماذا قالت لك العرافة؟‬
‫قال باماسي لنيركا الذي أجاب‪:‬‬
‫‪-‬قالت أنني سأوحد الثالث قبائل‪.‬‬
‫‪-‬كيف وأنت لست أحد قادتها حتى؟‬
‫ِ‬
‫متطلبات المهمة‪.‬‬ ‫‪-‬تلك لم تكن من‬
‫هكذا قال نيركا وهو ُيكمل مسيرته التي امتدت طوال اليوم‬
‫مع صديق ِه ولقاء العرافة يتردد في عقل ِه وكلماتها ترن في أذنيه‪:‬‬
‫‪َ -‬‬
‫أنت من تنطبق عليه الشروط‪.‬‬
‫بجزء من روحك لصالح القبائل‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬س ُتضحي‬
‫‪-‬هكذا تقول النبوءة‪ ...‬لن يقضي على كائنات المجوم إ َّلا‬
‫صاحب حياتين يأتي لتوحيد القبائل‪.‬‬

‫‪- 24 -‬‬
‫‪-‬يجب أن تختار بين سعادتك وحياة كل من تحب‪.‬‬
‫عقل نيركا طول مسيرته‬
‫ِ‬ ‫كل تلك الكلمات أخذت تتردد في‬
‫وهو ُيفكر في الطريقة التي سيوحد بها القبائل التي قاتلت بعضها‬
‫ٍ‬
‫لسنوات طويلة‪.‬‬ ‫البعض‬
‫واآلن يجب أن يتحدوا‪ ..‬كائنات المجوم لن ترحمهم‪.‬‬
‫‪-‬لقد وصلنا‪.‬‬
‫قالها باماسي بعد أن وصال إلى ذلك المستنقع المظلم المليء‬
‫باألشجار الجافة والتي يبلغ عمق الماء بها حوالي نصف المتر وقد‬
‫وصلت الشمس إلى مغيبها‪.‬‬
‫‪-‬هنا نفترق‪.‬‬
‫هكذا قال نيركا‪.‬‬
‫‪-‬ال أظن هذا‪ ..‬نحن لم نفترق قط‪.‬‬
‫‪-‬األمر مختلف هذه المرة‪ ..‬يجب أن أجتاز هذا وحدي‪.‬‬
‫معا كل الصعاب ولن‬
‫‪-‬نيركا‪ ..‬لن أتركك لقد واجهنا ً‬
‫أتخلى عنك هذه المرة ثم إنك لن تستطيع ردعي‪.‬‬
‫ضحك نيركا‪:‬‬
‫‪-‬بل أستطيع ولكني لن أضيع مجهودي في قتالك‪.‬‬

‫‪- 25 -‬‬
‫ضحكا االثنان قبل أن يرفعا رمحيهما ويبدئا رحلتيهما عبر‬
‫المستنقع والتحفز يظهر على كل قطع ٍة من جسدهما‪ ،‬ولم يكادا‬
‫ٍ‬
‫خطوات داخل المستنقع حتى بدأت مياه المستنقع‬ ‫يخطوان بضع‬
‫سريعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الهادئة في التحرك‬
‫َّ‬
‫استل باماسي ونيركا سيفيهما وهما يجريان مفترقين ونيركا‬
‫يهتف‪:‬‬
‫‪-‬انتبه باماسي إنه هو‪.‬‬
‫‪-‬نعم بالتأكيد إنه هو ثعبان الدرنكون‪.‬‬
‫شكل يشبه نصف‬
‫ٍ‬ ‫قالها باماسي وهو يجري عكس نيركا في‬
‫ثعبان‬
‫ٍ‬ ‫الدائرة حول تموجات الماء التي ما لبثت أن انشقت عن‬
‫ِ‬
‫نصف‬ ‫ضخم يتعدى طوله الخمسة أمتار‪ ،‬في حين يصل عرضه إلى‬
‫ٍ‬
‫المتر ويبرز نابان طويالن من فم ِه الضخم‪.‬‬
‫كان رد فعل الصديقين يدل على مهار ٍة وخبرة في المعارك‬
‫والمغامرات‪ ،‬فليس فقط أنهما لم يفاجئا بالكائن الضخم بل‬
‫بالهجوم عليه ً‬
‫أيضا؛ فبمجرد خروج الثعبان من الما ِء‬ ‫ِ‬ ‫أنهما بدءا‬
‫فاجأ ُه باماسي بإلقا ِء رمح ِه بسرع ِة الصاروخ لينغرس في جسد ِه‬
‫الضخم‪ ،‬في حين انطلق نيركا نحو الثعبان ثم قفز بكل عزم ِه‬
‫لينقض عليه بسيفه‪ ،‬ولكن الثعبان تراجع بجسده ليتفادى سيف‬ ‫َّ‬
‫نيركا ثم يرتد في حرك ٍة سريعة محاو ًلا أن يصيب نيركا بنابه‪ ،‬ولكن‬
‫األخير كان مقات ًلا بحق؛ فبمجرد أن المست قدمه أرض المستنقع‬

‫‪- 26 -‬‬
‫لتصد ناب الدرنكون ثم غطس‬
‫َّ‬ ‫بالرمح‬
‫ِ‬ ‫حتى ارتفعت يده األخرى‬
‫في المياه بجسده المفتول ليبتعد بجسد ِه عن الثعبان بينما كان‬
‫َّ‬
‫ينقض بدور ِه على الدرنكون بسيفه‪ ،‬لكن الثعبان تفادى‬ ‫باماسي‬
‫أيضا‪ ،‬ولكن باماسي قفز مرة أخرى بسيفه في حين‬ ‫تلك الضربة ً‬
‫انخفض نيركا موج ًها نصل رمحه إلى جسد الثعبان وأصابت‬
‫الضربتين هدفهما؛ حيث أصاب السيف رأس الثعبان في حين‬
‫انغرس الرمح ف جسده‪ ،‬ولكن الثعبان كان قو ًيا بحق؛ فلقد غطس‬
‫في المياه مرة أخرى في حين بر َز ذيله من الماء ليضرب باماسي‬
‫مطيحا به أربعة أمتار إلى الخلف ليسقط في المياه‪.‬‬
‫ً‬ ‫في صدره‬
‫ورغم أن باماسي شعر بالذيل كأنه قنبلة تنفجر في صدر ِه؛‬
‫إال أنه كان يعلم أنهما فريسة سهلة للدرنكون في مياه المستنقع؛‬
‫فتحامل على نفسه ً‬
‫واقفا وهو يتحرك نحو صديقه ليقف الصديقان‬
‫متأهبين وظهريهما متالصقين يراقبان مياه المستنقع التي ما لبثت‬
‫أن بدأت في الحركة من جديد‪.‬‬
‫‪-‬ها هو آت‪ ..‬استعد‬
‫هكذا هتف نيركا بصديق ِه وهما يراقبان التموجات التي‬
‫متر منهما فهتف‬
‫أخذت تقترب بسرعة حتى أصبحت على بعد ٍ‬
‫نيركا‪:‬‬
‫‪-‬اآلن‪.‬‬

‫‪- 27 -‬‬
‫َّ‬
‫انقض الصديقان على المياه بسيفهما فتلون الماء‬ ‫هنالك‬
‫باللون األحمر ولم يتوقف الصديقان حتى طفت جثة الثعبان على‬
‫السطح‪.‬‬
‫اقترب نيركا من الثعبان ثم قطع نابيه بالسيف ووضعه في‬
‫جلدي يحمله‪ ،‬ولم يكد يفعل ذلك حتى ارتفعت أصوات‬
‫ّ‬ ‫جراب‬
‫ٍ‬
‫في السماء‪.‬‬
‫نظر الصديقان نحو مصدر الصوت قبل أن يقول باماسي‪:‬‬
‫‪-‬إنها طيور الصنار المفترسة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كهف يلوح في األفق‪.‬‬ ‫أشار نيركا نحو‬
‫‪-‬هيا لقد اقتربنا‪.‬‬
‫أطلق نيركا وباماسي العنان لساقيهما تصارعان داخل المياه‬
‫الهجوم عليهما‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الموحلة للمستنقع وقد بدأت الطيور في‬
‫ومرة أخرى يثبت الصديقان أنهما مقاتالن بحق؛ فقد أخذا‬
‫طائر يقترب‬
‫ٍ‬ ‫يديران سيفهما رأس ًيا حول جسدهما مطيحان بأي‬
‫بكل سرعتهما والكهف‬
‫منهما وكثافة الطيور تزداد وهما يجريان ِ‬
‫رويدا حتى وصال إلى باب الكهف‪ ..‬هنالك انقشعت‬
‫ً‬ ‫رويدا‬
‫ً‬ ‫يقترب‬
‫غيامة الطيور‪.‬‬
‫وقف الصديقان يلهثان على باب الكهف ولكنهما فوج َئا‬
‫بأنفاس ساخنة تلسع ظهريهما وأصوات زمجرة تأتي من خلفهما‬
‫ٍ‬
‫من ظالم الكهف‪.‬‬

‫‪- 28 -‬‬
‫استعد باماسي بسيف ِه المخضب بالدماء‪ ،‬ولكن نيركا استوقفه‬
‫وهو يرمي بسيفه على األرض ويقول‪:‬‬
‫‪-‬لقد وصلنا إلى كهف السالم ولن نقاتل‪.‬‬
‫ثم أشار إلى باماسي ليفعل المثل‪ ،‬ولكن باماسي تشبث بسيف ِه‬
‫أكتر‪ ،‬ولكن نظرة واحدة من عيني نيركا الذي يثق به جعلته ُيلقي‬
‫بسيف ِه جانبا ونيركا يقول‪:‬‬
‫‪-‬لقد ألقينا أسلحتنا‪.‬‬
‫ضخم ُيشبه النمر ولكنه ضعف‬
‫ٌ‬ ‫كائن‬
‫ٌ‬ ‫ظالم الكهف‬
‫ِ‬ ‫خرج من‬
‫جدا واألسنان الحادة تلمع في فم ِه بينما يبرز‬
‫حجمه؛ فروته كثيفة ً‬
‫ناباه العلويان من فمه‪.‬‬
‫‪ْ -‬‬
‫اشكر صديقك فقد أنقذ حياتك من أن يكون مصيرك‬
‫كهؤالء‪.‬‬
‫هكذا قال الحيوان الضخم موج ًها حديثه إلى باماسي مشي ًرا‬
‫برأس ِه إلى كومة ضخمة من الهياكل العظمية الملقاة في أحد‬
‫جوانب الكهف‪.‬‬
‫اتسعت عينا باماسي وهو يرى الكائن يتكلم ولكن لم يلبث‬
‫أن تمالك نفسه وكرامة المحارب داخله قد ُجرحت‪:‬‬
‫‪-‬ومن قال لك يا هذا أن ذلك سيكون مصيرنا‪ ..‬ربما كنت‬
‫الم َ‬
‫لقى على ظهر ِه إذا تواجهنا‪.‬‬ ‫أنت ُ‬

‫‪- 29 -‬‬
‫بشكل حاد نحو‬
‫ٍ‬ ‫عال وهو يحرك رأسه‬ ‫ٍ‬
‫بصوت ٍ‬ ‫زمجر الكائن‬
‫رافعا يديه مهد ًئا الكائن‪،‬‬
‫باماسي ولكن نيركا تحرك ل َي ُحول بينهما ً‬
‫لكن ناب الكائن أصابت يد نيركا لتتساقط قطرات الدماء على‬
‫أرض الكهف‪.‬‬
‫‪-‬لقد جئنا في سالم‪.‬‬
‫قالها نيركا في حين تطايرت شظايا التحدي بين عيني الكائن‬
‫وباماسي ونيركا يقول‪:‬‬
‫‪-‬كل ما نريده هو أن نمنع الفساد أن ينتشر‪ ..‬أنت تعلم أن‬
‫كائنات المجوم ستقضي على كل من يقابلها ولن تترك‬
‫أخضر وال يابس‪.‬‬
‫ثوان ثم‬
‫ٍ‬ ‫لبضع‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫تحد‬ ‫ظل الكائن ينظر إلى عيني باماسي في‬
‫أشاح بوجه ِه مستدي ًرا وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬وأنت تظن أنك يمكن أن تقضي على المجوم‪.‬‬
‫قال نيركا‪:‬‬
‫‪-‬أنا ال‪ ..‬ولكن القبائل تستطيع إذا اتحدت‪.‬‬
‫‪-‬وأنت من ستوحدها؟‬
‫‪-‬سأموت وأنا أحاول‪.‬‬
‫هكذا قال نيركا فالتفت إليه الكائن‪:‬‬
‫‪-‬وما عالق َة هذا بي؟‬

‫‪- 30 -‬‬
‫‪-‬أريد ماسة النجوم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫صوت له‪:‬‬ ‫زمجر النمر بأعلى‬
‫‪-‬أنت تهزي يا هذا‪.‬‬
‫‪-‬ال‪ ..‬وأعلم أنك ستساعدني فأنت تعلم أن المجوم إذا‬
‫هزمت القبائل ستكون نهاية الحياة على كوكبنا هذا‪.‬‬
‫ِ‬
‫المكان والكائن يتحرك ذها ًبا وإيا ًبا‬ ‫سكون على‬
‫ٌ‬ ‫خ َّيم‬
‫ويزمجر وهو ُيفكر فقاطع نيركا تفكيره‪:‬‬
‫‪-‬أعدك أنني س ُأعيدها عندما أنتهي‪.‬‬
‫أطلق الكائن زئي ًرا ه َّز جدران الكهف‪.‬‬
‫‪-‬هل ستضمن حياتك بعد ما ستفعله؟‬
‫‪-‬لألسف ال‪.‬‬
‫تجوَّل الكائن يمي ًنا و يسا ًرا ثم وقف أمام نيركا مركزًا نظريه‬
‫في عينيه‬
‫لم سأساعدك؟‬
‫‪-‬هل تعلم َ‬
‫ه َّز نيركا رأسه‪:‬‬
‫‪-‬ال‪.‬‬
‫‪-‬ألن هذا ما انتظرته منذ زمن‪ ..‬هذه هي وظيفة الماسة أن‬
‫توحد البشر‪ ..‬س ُأساعدك وسأعطيك الماسة وسأعيدك‬ ‫ِّ‬
‫إلى قبيلتك‪ ..‬أنت من قبيلة ساج أليس كذلك؟‬

‫‪- 31 -‬‬
‫‪-‬نعم ولكنني لن أعود إلى القبيلة اآلن فإنهم يطاردونني‪..‬‬
‫لدي مهمة بعد الماسة‪.‬‬
‫ولكن َّ‬
‫نظر إليه باماسي متعج ًبا ولكن الكائن سأله‪:‬‬
‫‪-‬إلى أين تريد الذهاب ً‬
‫إذا؟‬
‫‪-‬قبيلة زنديون‪ ..‬خيمة األميرة نفسها‪.‬‬
‫فم‬
‫اتسعت عينا باماسي في حين ارتسمت ابتسامة خبيثة على ِ‬
‫الكائن وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬هذه لعبة خطرة التي تلعبها يا هذا‪ ..‬ولكنني سأساعدك‪..‬‬
‫الماسة لك وسأعطيك معها تنين السامو الصغير‪ ..‬لكنه‬
‫لن يساعدك‪ ..‬هو فقط ِلحماية الماسة وليعيدها لي بعد‬
‫انتهاء المهمة‪ ..‬واآلن َأمسك يد صاحبك فستنتقالن إلى‬
‫زنديون‪.‬‬
‫ِ‬
‫الخلف‬ ‫متراجعا إلى‬
‫ً‬ ‫قالها الكائن ثم أطلق ضحك ًة طويلة‬
‫ظالم الكهف‪ ،‬في حين اقترب نيركا وباماسي وأمسكا‬
‫ِ‬ ‫مختف ًيا في‬
‫يدي بعضهما البعض ولم تكد ضحكة الكائن تسكت؛ حتى‬
‫ّ‬
‫حجم الصقر ومعه قالدة في منتصفها الماسة‬
‫ِ‬ ‫خرج تنين صغير في‬
‫ووضعها حول رقبة نيركا ووقف على كتفه‪ ،‬وفي لحظ ٍة واحدة‬
‫تبدل الكهف حول الصديقين؛ ليجدا نفسيهما في خيم ٍة بها شابة‬
‫َ‬
‫جميلة سمراء البشرة شديدة سواد الشعر ناعم ينساب بجانب‬

‫‪- 32 -‬‬
‫بدائي من أغصان األشجار‬
‫ّ‬ ‫سرير‬
‫ٍ‬ ‫وجهها المالئكي وهي تنام على‬
‫تُغطيه قطعة من القماش وتلبس قطعة أخرى مثلها‪.‬‬
‫‪-‬ما الخطة؟‬
‫هكذا هتف باماسي ليقطع تأمل نيركا الذي كان يقف ثاب ًتا‬
‫وعلى كتف ِه يقف السامو‪.‬‬
‫‪-‬سنخطفها‪.‬‬
‫حدق باماسي به وهو يهتف‪:‬‬
‫َّ‬
‫‪-‬ماذا؟! هل ُجننت ستخطف أميرة زنديون؟‬
‫‪-‬نعم وسنجعلهم يتعقبونا ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫ثم تحرك نيركا نحو األميرة النائمة وهو يهتف بباماسي‪:‬‬
‫‪-‬ه َّيا قبل أن نثير جلبة‪.‬‬
‫لم يجد نيركا أي صعوب ٍة في إفقاد األميرة وعيها بعد أن‬
‫أيقظها‪،‬‬
‫بل لم يجد صعوبة مع صاحبه في إفقاد حراس الخيمة وعيهم؛‬
‫بعد أن فوجئوا بهم يخرجون من الخيمة ونيركا يحمل األميرة على‬
‫ٍ‬
‫كتف ويقف التنين على اآلخر‪.‬‬
‫ظالم‬
‫ِ‬ ‫ولم يجدا صعوبة في التسلل عبر القبيلة النائمة في‬
‫الليل وسرقة فرسين واالنطالق نحو الغابات‪.‬‬

‫‪- 33 -‬‬
‫شيء‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬اتبعتك كل تلك المسافة بدون أن أسألك عن‬
‫وأعتقد أن من حقي أن توضح لي ما خطتك على األقل؟‬
‫قالها باماسي وهو يقود فرسه خلف نيركا الذي يحمل األميرة‬
‫أمامه‪.‬‬
‫‪-‬الخطة لن تعجبك‪.‬‬
‫معا‪.‬‬
‫نعدلها ً‬
‫‪-‬ربما ِّ‬
‫منطق أو عقل‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬الخطة ال تخضع ألي‬
‫‪-‬ومنذ متى نخضع نحن أليهما؟!‬
‫إما أن‬
‫‪-‬هذه المرة باماسي يجب أن تتتبعني بال تفاصيل‪َّ ..‬‬
‫تثق بي أو ال‪.‬‬
‫‪-‬لو لم أثق بك ما اجتزت معك الصعاب وما وقفت معك‬
‫أمام الكائن‪.‬‬
‫ضحك نيركا ضحكة قصيرة ثم قال‪:‬‬
‫كائن تقصد؟‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬أي‬
‫اقتضبت أسارير باماسي بضحكة نيركا وهو يرد‪:‬‬
‫‪-‬الكائن الذي تكلم معنا داخل الكهف‪.‬‬
‫ضحك نيركا مرة أخرى وهو يقول‪:‬‬
‫صدقت وجود ذلك الكائن؟‬
‫‪-‬وهل َّ‬
‫‪-‬ماذا تقصد؟‬

‫‪- 34 -‬‬
‫‪-‬إنه الساحر األعظم وكل ما كان داخل الكهف هو وهم‪.‬‬
‫وهم ويدك ما زالت تنزف؟‬
‫‪-‬أي ٍ‬
‫‪-‬ربما أحدث الجرح بسيفه ولكن الكائن وهم‪.‬‬
‫مكان مليء باألغصان ونزل وهو يقول‬
‫ٍ‬ ‫أوقف نيركا فرسه في‬
‫لباماسي‪:‬‬
‫‪-‬سنبيت هنا الليلة‪.‬‬
‫جاء الدور على باماسي ليضحك وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬موعد نومك المقدس قد حان‪.‬‬
‫ابتسم نيركا‪:‬‬
‫‪-‬نعم صديقي‪.‬‬
‫نزل باماسي بدوره‪:‬‬
‫‪-‬استرح صديقي سأشعل أنا النار وسأوثق األميرة وستجد‬
‫طعاما باك ًرا عند استيقاظك‪.‬‬
‫ً‬
‫نظر نيركا إلى باماسي‪:‬‬
‫‪-‬ال أعلم كيف كنت ألعيش بدونك؟‬
‫‪-‬لم تكن لتحيا صديقي ولكننا ُخلقنا لنعتني ببعضنا‬
‫البعض‪.‬‬

‫‪- 35 -‬‬
‫سريعا من أغصان األشجار‪..‬‬
‫ً‬ ‫مرقدا‬
‫ً‬ ‫جهز نيركا‬
‫ووضع جسده‪..‬‬
‫وذهب في ٍ‬
‫ثبات سريع‪..‬‬
‫عالم آخر‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫إلى‬
‫صراع الزمالء‬

‫هدوء أمام صديقه أكرم في مستشفى القصر‬


‫ٍ‬ ‫بكل‬
‫جلس قدري ِ‬
‫العيني ليخ ُيط جرح يده‪ ،‬وأكرم يلبس البالطو األبيض ويبدأ في‬
‫مازحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫تعقيم الجرح ويعطيه المخدر الموضعي فقال قدري‬
‫ِ‬
‫‪-‬ما زالت يدك ثقيلة‪.‬‬
‫هدوء وهو ُيكمل عمله بثبات‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫بكل‬
‫فرد أكرم ِ‬
‫َّ‬
‫‪-‬وأنت ما زالت حوادثك كثيرة‪.‬‬
‫فرش معقم وهو يسأل‪:‬‬
‫ثم التقط الخيط من فوق ٍ‬
‫‪-‬كيف أصبت بهذا الجرح هذه المرة؟‬
‫كنت ُأعد اإلفطار فجرحت بسكينة المطبخ‪.‬‬
‫‪ُ -‬‬
‫أكمل أكرم عمله بنفس الهدوء‪:‬‬
‫نصل‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬حاول أن تحترم عقلي يا قدري‪ ..‬هذا الجرح من‬
‫حاد تم صده بسيف اليد‪ ..‬على األقل يمكن أن تقول‬

‫‪- 37 -‬‬
‫هم ربما كنت ألصمت‬
‫أنك ُجرحت أثناء مواجهة مع م َّت ٍ‬
‫وقتها‪.‬‬
‫‪-‬حس ًنا‪ ..‬لقد حدث أثناء مواجه ٍة مع متهم‪.‬‬
‫ِ‬
‫إغالق الجرح ببعض الغرز الطبية‪:‬‬ ‫ابتسم أكرم وقد انتهى من‬
‫‪-‬المرة القادمة س ُأصر أن أحرر محضر بالواقعة‪.‬‬
‫وقف قدري يرتدي معطفه‪:‬‬
‫‪-‬لن أهون عليك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫استغالل قدري‪.‬‬ ‫‪-‬إنك تستغل صداقتنا أسوء‬
‫ضحك قدري وهو يقول منصر ًفا‪:‬‬
‫‪-‬أليس لذلك خلق األصدقاء؟‬
‫ترك قدري صديقه ل ُيصلح الفوضى التي صنعاها وانطلق‬
‫ليركب سيارته متج ًها إلى مديري ِة األمن مباشرة‪ ..‬وهناك وجد أنور‬
‫في انتظاره على باب مكتبه‪.‬‬
‫المكتب حيث وضع أنور ورقة أمام قدري‬
‫ِ‬ ‫دلف االثنان إلى‬
‫وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬المعلومات التي طلبتها‪.‬‬
‫ألقى قدري نظر ًة مطولة إلى الورقة ثم قال‪:‬‬
‫‪ً -‬‬
‫إذا هو في مصر‪.‬‬

‫‪- 38 -‬‬
‫أومأ أنور برأسه إيجا ًبا‪:‬‬
‫‪-‬نعم ابنهما في مصر ُيدعى جان كيرلس منير‪ ..‬مصري‬
‫كندي مقيم بكندا ونزل إلى مصر منذ يومين‪.‬‬
‫‪-‬عنوانه في مصر؟‬
‫‪-‬نفس عنوان والديه‪.‬‬
‫اتكأ قدري على كرسيه‪:‬‬
‫‪-‬هو مختفي ً‬
‫إذا‪.‬‬
‫ثم نهض ليقف أمام النافذة ثم استدار جهة أنور وهو يقول‪:‬‬
‫ٍ‬
‫معلومات كاملة عنه‪ ..‬اتصل بسفارتنا في كندا أريد‬ ‫‪-‬أريد‬
‫أن أعرف طبيعة عمله وصالته وعائلته كل المعلومات‬
‫التي تستطيع أن تأتي بها‪.‬‬
‫بشكل تلقائي‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫أدى أنور تحية عسكرية‬
‫َّ‬
‫‪-‬تمام يا افندم‪.‬‬
‫ثم انصرف ليدخل العامل ومعه كوب القهوة ليضعه على‬
‫مكتب قدري‪:‬‬
‫‪-‬ما زالت عالمات اإلرهاق تبدو عليك‪.‬‬
‫ابتسم قدري وهو يرد‪:‬‬
‫زمن ولن يتحسن بالزمن‪.‬‬
‫‪-‬ال تُشغل بالك بي إن ما بي ُم ٌ‬

‫‪- 39 -‬‬
‫‪-‬أكره أن أراك هكذا‪ ..‬وأكره أن أزيد مشاكلك ولكنك‬
‫ُمحول للتحقيق‪.‬‬
‫ازدادت ابتسامة قدري‪:‬‬
‫‪-‬مذكرة أيمن أليس كذلك؟‬
‫‪-‬ال أعلم لما يكرهك بهذا القدر؟!‬
‫دائما أتوصل للجاني‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪-‬هو يعلم أنني أكفأ منه وأنني‬
‫ٍ‬
‫بخبث وهو يقول‪:‬‬ ‫جاء دور العامل ليبتسم‬
‫‪-‬نعم بينما قضاياه تُقيد ضد مجهول‪.‬‬
‫‪-‬ال بأس يا عم عواض سأذهب للتحقيق باك ًرا‪ ..‬هل تعلم‬
‫من س ُيجري التحقيق؟‬
‫‪-‬أمام رئيس الشئون الداخلية ورئيس المباحث‪.‬‬
‫‪-‬اللواء نشأت؟‬
‫‪-‬نعم‪.‬‬
‫باالستمتاع بقهوت ِه حتى‬
‫ِ‬ ‫غادر عواض الغرفة بينما َّ‬
‫تلذذ قدري‬
‫انتهى منها وغادر المديرية بعدها ليقود سيارته متوج ًها إلى أحد‬
‫أحياء القاهرة الشعبية ويسير في شوارعها الضيقة حتى يصل إلى‬
‫حار ٍة ضيقة؛ ليترك سيارته عند مدخلها ويسير بين بيوتها الضيقة‬
‫حتى يصل إلى شق ٍة صغيرة؛ هي عبارة عن غرف ٍة واحدة معتمة‬
‫ضوء خافت َيصدر من لمب ٍة صغيرة تُغطيها األتربة‪ ،‬في‬
‫ٍ‬ ‫إ َّلا من‬

‫‪- 40 -‬‬
‫حين تسللت أشعة الشمس الخافتة وقد اقتربت الشمس من مغربها‬
‫رجل نحيل يجلس على‬
‫ٍ‬ ‫من بين البيوت المتالصقة لتكشف عن‬
‫مدخل هذا البيت و ُيمسك سيجارته يلتهما بشراهة ولم يكد يرى‬
‫قدري حتى ابتسم‪:‬‬
‫ريح طيبة ألقت بك إلينا؟‬
‫‪-‬قدري باشا أي ٍ‬
‫ريح خبيثة وأنت تعلم ما الذي يؤدي بي إليك‪.‬‬
‫‪-‬بل هي ٍ‬
‫أطلق النحيل ضحكة مجلجلة دوت في الحواري الضيقة ثم‬
‫قال‪:‬‬
‫‪-‬مخزونك انتهى أليس كذلك؟‬
‫‪-‬نعم يا سليم‪.‬‬
‫‪-‬وأنا ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫ثم أطلق سليم ضحكة أخرى أو هذا ما كان ينتويه ولكن‬
‫مع بداية ضحكته انتزعته يدا قدري من مجلس ِه لتلصقه بالحائط‬
‫فهتف سليم‪:‬‬
‫‪-‬أنت تعلم أن مسدسك الميري لن يحميك هنا‪.‬‬
‫رد قدري بغلظ ٍة‪:‬‬
‫أحدا من رجالك لن يجرؤ على التدخل‬
‫ً‬ ‫‪-‬وأنت تعلم أن‬
‫من بعد ما رأوه المرة السابقة‪.‬‬

‫‪- 41 -‬‬
‫كان رجال سليم قد بدأوا في الظهورِ من بين البيوت يحملون‬
‫أسلحة بيضاء وهراوات‪ ..‬ولكن نظرة واحدة من قدري جعلت كل‬
‫احب هذا إشارة من يد سليم نفسه‬
‫وص َ‬ ‫ٍ‬
‫واحد منهم يثبت في مكانه َ‬
‫جعلت الرجال يتراجعون‪.‬‬
‫ترك قدري مالبس سليم الذي وقف ُيهندم ثيابه وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬أصبحت سريع الغضب قدري باشا‪ ..‬أنا فقط أمزح معك‪.‬‬
‫‪-‬إن ما بيننا تجارة فقط أنت توفر بضاعة وأنا أشتريها ال‬
‫أكثر وال أقل‪.‬‬
‫ابتسم سليم ابتسام ًة خبيثة‪:‬‬
‫‪-‬ولكنها تجارة غير مشروعة‪.‬‬
‫‪-‬كالنا مخطئ سليم‪ ..‬أنت تبيع المخدرات وأنا أشتريها‪..‬‬
‫وليس من مصلحة أحدنا تهديد اآلخر؛ فأنت تستطيع‬
‫الوشاي َة بي وأنا أستطيع القبض عليك‪ ..‬واآلن هات ما‬
‫ألسبوع وها هي أموالك‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫يكفيني‬
‫ِ‬
‫المال إلى سليم الذي التقطها‬ ‫قالها قدري وألقى رزم ًة من‬
‫وهو يتفحصها‪ ،‬ثم نهض متوج ًها إلى داخل المنزل ل ُيحضر لف ًة‬
‫ليلقيها بدور ِه إلى قدري‪.‬‬
‫‪-‬هل أفتحها؟‬
‫هكذا قال قدري لسليم الذي رد‪:‬‬

‫‪- 42 -‬‬
‫‪-‬ال تقلق قدري باشا‪ ..‬كالعادة أجود أنواع الهيروين‬
‫ستجدها عند سليم‪.‬‬
‫استدار قدري ليهم بالرحيل ولكنه وقف من جديد وهو‬
‫يسأل‪:‬‬
‫بشخص يؤجر رجال‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬بالمناسبة يا سليم‪ ..‬ألم تسمع‬
‫يتكلمون لغة إنجليزية أو فرنسية ويجزل لهم العطاء؟‬
‫أطلق سليم ضحكة مجلجلة ثم قال‪:‬‬
‫أحدا هنا ُيجيد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫محظوظا لو وجدت‬ ‫‪-‬لغة هنا؟! ستكون‬
‫القراءة والكتابة‪.‬‬
‫مثل‬
‫‪-‬ال أتكلم عن هنا وأنت تعلم أين يمكن العثور على ِ‬
‫هؤالء الرجال‪.‬‬
‫سكت سليم لبره ٍة ثم قال‪:‬‬
‫‪-‬أنا لم أسمع شي ًئا عن هذا ولكن‪...‬‬
‫مبتعدا‪:‬‬
‫ً‬ ‫قاطع ُه قدري وهو يستدير‬
‫جدا لك في المر ِة‬
‫‪-‬سأنتظر ردك يا سليم وسأكون شاك ًرا ً‬
‫القادمة‪.‬‬
‫وبدون أن يلتفت استكمل قدري طريقه بين المنازل حتى‬
‫وصل إلى سيارته‪ ،‬ولكنه فوجئ بأيمن يجلس على مقدمة سيارته‬
‫في حين تقف سيارة أيمن خلف سيارة قدري‪:‬‬

‫‪- 43 -‬‬
‫‪-‬هذا هو المكان الذي تختفي به بالليل ً‬
‫إذا‪.‬‬
‫‪-‬أتتبعني يا أيمن؟‬
‫نهض أيمن من مجلس ِه متج ًها نحو قدري‪:‬‬
‫‪-‬ولكنني لم أستطع اللحاق بك بين البيوت‪.‬‬
‫ثم تأمل اللفة التي يحملها قدري‪:‬‬
‫‪-‬ما الذي تحمله؟‬
‫‪-‬هل تحمل إذنًا من النيابة سيادة الضابط؟‬
‫مد أيمن يده محاو ًلا الوصول إلى اللف ِة التي يحملها قدري‬
‫َّ‬
‫ولكن يد قدري كانت أسرع لتبعد ما يحمله‪ ..‬في حين امتدت‬
‫يده األخرى لتقبض على معصم أيمن وتلويه بشد ٍة ليطلق األخير‬
‫صيحة مكتومة قبل أن يلوي قدري يده خلف ظهره ويدفعه ليجبره‬
‫على االنحناء على مقدمة سيارته وهو يصيح في أذنه‪:‬‬
‫‪-‬آلخر مرة يا أيمن أحذرك ابتعد عن طريقي‪.‬‬
‫ثم أفلت معصم أيمن الذي تأوه بشد ٍة وتوجه نحو سيارته‬
‫كأس المهانة‪..‬‬ ‫مبتعدا ً‬
‫تاركا أيمن ورائه يتناول نصيبه من ِ‬ ‫ً‬ ‫ليقودها‬
‫ً‬
‫متأكا على سيارته وذراعه تكاد تقتله من‬ ‫األرض‬
‫ِ‬ ‫بينما انحنى على‬
‫األلم وهو يتمتم‪:‬‬
‫‪-‬لن أتركك يا قدري‪ ..‬أقسم لك لن أتركك‪.‬‬

‫‪- 44 -‬‬
‫ً‬
‫واقفا ويدلف إلى سيارت ِه‬ ‫ثم استجمع أيمن قواه لينتصب‬
‫ويتناول جواله ويجري اتصا ًلا تليفون ًيا ظهر به انفعاله الشديد وهو‬
‫يتحدث عبر الهاتف‪:‬‬
‫أماكن مشبوهة‪ ..‬ال سيدي لم‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬سيدي إنه يتردد على‬
‫نشاط مشبوه‪ ..‬سيدي‬
‫ٍ‬ ‫أستطع اللحاق به‪ ..‬ال لم أر ُه في‬
‫إنه‪ ..‬سيدي‪ ..‬ال ال أستطيع إثبات شيء‪ ..‬ولكنه يتردد‪..‬‬
‫وهو‪ ..‬سيدي‪ ..‬نعم‪ ..‬نعم‪ ..‬حس ًنا يا سيدي‪ ..‬سأحضر‬
‫الدليل أو ًلا‪ ..‬شك ًرا سيادة اللواء‪ ..‬في ِ‬
‫أمان الله‪.‬‬
‫ثم وضع الهاتف جان ًبا وهو يتمتم مرة أخرى‪:‬‬
‫‪-‬ربما أف َلت هذه المرة ولكنك لن تفلت مني المرة القادمة‬
‫يا قدري‪.‬‬
‫َّ‬
‫ظل بركان الغضب يشتعل داخل أيمن وهو يقود سيارته بين‬
‫شوارع القاهرة والجيزة حتى وصل إلى تلك الكافتيريا الفاخرة‬
‫بالجيزة؛ التي تسمح بتقديم المشروبات الكحولية حيث التحق‬
‫بمجموع ٍة من الشباب وما إن جلس حتى هتف أحدهم‪:‬‬
‫‪-‬تبدو كما لو أنك خرجت من مشاجر ٍة لتوك‪.‬‬
‫أشار أيمن إلى الساقي وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬مشروبي يا إسالم‪.‬‬

‫‪- 45 -‬‬
‫ثم استدار نحو صديقه‪:‬‬
‫فاسد وأنا أعلم هذا ولكنه‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬إنه قدري مرة أخرى‪ ..‬هو‬
‫فرصا باآلالف؛ عندما عرضت عليه أن يمرر‬
‫علي ً‬
‫أضاع َّ‬
‫قضية لرجل أعمال فرفض‪.‬‬
‫‪-‬لماذا ال تخرجه من حساباتك؟‬
‫سأله صديقه بينما كان النادل يضع المشروب أمامه ليحتسي‬
‫أيمن منه رشفة ثم يقول‪:‬‬
‫‪-‬ال‪ ..‬سأكشف فساده‪ ..‬صورة الضابط الشريف التي‬
‫يضعها يجب أن تُشوَّه‪ ..‬يجب أن تعلم اإلدارة جميعها‬
‫أنه فاسد‪.‬‬
‫ثم يتجرع أيمن باقي المشروب دفع ًة واحدة ليكمل بعد ذلك‬
‫سهرته محاو ًلا نسيان ما فعله قدري به‪ ..‬ولم يكن يعلم أن قدري‬
‫نفسه لم يكن يضعه بحساباته وهو يصعد سلم بيته محاو ًلا بلوغ‬
‫شقت ِه إ َّلا أنَّه فوجئ بالسيدة العجوز تقف على درجات السلم‪:‬‬
‫‪-‬ما الذي أصاب يدك؟‬
‫ُ‬
‫كسرت كو ًبا أثناء تحضيري للشاي‬ ‫جرح صغير‪..‬‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬إنه‬
‫صباحا‪.‬‬
‫ً‬
‫تأملت العجوز رباط الشاش وهي تقول‪:‬‬
‫َّ‬
‫دما‪.‬‬
‫‪-‬إنه ينزف ً‬

‫‪- 46 -‬‬
‫نظر قدري إلى الغيارِ الممتلئ بالدماء‪:‬‬
‫‪-‬لقد قام الطبيب بتقطيبه ولكنها لويت مني أثناء القيادة‪.‬‬
‫توج َهت العجوز نحوه لتمسكه من يده وهي تصعد الساللم‪:‬‬
‫َّ‬
‫‪-‬تعالى معي ابنتي ماهرة في االعتنا ِء بالجروح‪.‬‬
‫حاول قدري أن يعترض‪ ،‬ولكن السيدة تشبثت بيد ِه وهي‬
‫باب الشقة؛‬ ‫ٍ‬
‫بخطوات رتيبة حتى وصلت إلى ِ‬ ‫تصعد درجات السلم‬
‫ففتحت ُه ثم بدأت تُنادي على ابنتها التي ظهرت من إحدى الغرف‪.‬‬
‫‪-‬ماذا يا أمي؟‬
‫أشارت العجوز إلى يد قدري‪:‬‬
‫‪-‬إن جارنا يحتاج إلى عناي ٍة لجرحه‪.‬‬
‫أسرعت هبة إلحضار حقيبة اإلسعافات األولية‪ ..‬في حين‬
‫اصطحبت العجوز قدري لتجلسه على األريكة‪ ..‬وما إن جاءت‬
‫ابنتها حتى انسحبت العجوز وهي تقول‪:‬‬
‫‪-‬اسمح لي فقلبي لن يتحمل رؤية الدماء‪ ..‬سأذهب ألجهز‬
‫كو ًبا من الشاي‪.‬‬
‫‪-‬سيدتي هذا ليس ضرور ًيا سأعود إلى شقتي بمجرد أن‬
‫ننتهي من الغيار على الجرح‪.‬‬
‫تدخلت هبة وهي تنزع الضمادة المليئة بالدماء‪:‬‬
‫كوب من الشاي‪.‬‬
‫‪-‬نحن لسنا بخالء لهذا الحد هو مجرد ٍ‬

‫‪- 47 -‬‬
‫دلفت العجوز نحو المطبخ‪ ..‬في حين انشغلت هبة باالعتنا ِء‬
‫بالجرح‪ ..‬في حين بدأت مالمح األلم تظهر على وجه قدري ولكن‬
‫لوهل ٍة ِ‬
‫نس َي قدري جرح ُه وأنامل هبة تمر على جرحه‪ ..‬في حين تمسك‬
‫يد هبة براح ِة يد قدري وهي تحاول تنظيف الدماء ما بين القطب‪..‬‬
‫بعيني هبة المثبتان على الجرح‪.‬‬
‫ّ‬ ‫في حين سافرت عينا قدري‬
‫‪-‬جرح سكين أليس كذلك؟‬
‫انتزع سؤال هبة قدري من شرود ِه ليعيده إلى عالم الواقع‪:‬‬
‫كوب من الزجاج‪.‬‬
‫‪ٌ -‬‬
‫نصل حاد‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬استحالة هذه عالمة‬
‫تماما في حين أكملت هبة عملها‪:‬‬
‫ً‬ ‫سكت قدري‬
‫‪-‬إن والدتي مقتنعة تمام االقتناع أنك تُخفي شي ًئا‪.‬‬
‫لكل أسراره‪.‬‬
‫‪ٍ -‬‬
‫‪-‬لم أتعود منها أن تخطئ‪ ..‬لقد عاشت لفتر ٍة ليست‬
‫بالقصيرة مع من تسمونهم سحرة صحراء المغرب‪ ..‬وهي‬
‫بالفعل تستطيع فعل أشياء ال أفهمها‪.‬‬
‫‪-‬أنا ال أؤمن بالسحر‪.‬‬
‫جرح قدري‪:‬‬
‫ِ‬ ‫لم تُحرك هبة نظرها عن‬
‫بعلوم الميتافيزقا وعلوم‬
‫ِ‬ ‫‪-‬لم أقل إنها ساحرة ولكنها خبيرة‬
‫ما وراء الطبيعة‪.‬‬

‫‪- 48 -‬‬
‫ابتسم قدري ابتسام ًة ساخرة‪:‬‬
‫‪-‬عالم األرواح‪ ..‬لقد جربت هذا ً‬
‫أيضا‪ ..‬وكل من يعملون‬
‫به وال تؤاخذيني فيما سأقول‪ ..‬نصابون‪.‬‬
‫‪-‬لم أقل قط أنها تعمل بهذا المجال ولن أحاول إقناعك‬
‫ِ‬
‫بوجود هذا العالم ولكنني لم أتعود منها أن تخطئ‪.‬‬
‫شيء ولكن هبة قالت وهي تلملم أدواتها‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫هم قدري بقول‬
‫َّ‬
‫‪-‬لقد انتهيت‪.‬‬
‫نفس الوقت الذي خرجت فيه والدتها من المطبخ‬
‫ِ‬ ‫في‬
‫أقداح من الشاي؛ تناول ُه ثالثتهم وهم يتبادلون‬
‫ٍ‬ ‫وهي تحمل ثالثة‬
‫عيني العجوز محاول ًة اقتحام‬
‫ّ‬ ‫أطراف الحديث في حين غاصت‬
‫مستأنسا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫متعلقا بعيني هبة؛‬ ‫عقل قدري‪ ،‬ولكن قدري نفسه كان‬
‫ٍ‬
‫لحديث سلس يخرج عبر شفاهها ولم يشعر كيف مر الوقت ب ِه‬
‫ولم يشعر حتى كيف استأذن ووصل إلى شقته وإلى سريره‪ ،‬ولكنه‬
‫عالم‬
‫ٍ‬ ‫وألول مرة منذ الصغر يذهب إلى فراش ِه وهو ال يفكر في‬
‫جديد‪..‬‬
‫بل يفكر بلحظ ٍة جميلة‪..‬‬
‫وعينان ارتسما بعقله‪..‬‬
‫عيناها‪..‬‬
‫هبة‪.‬‬

‫‪- 49 -‬‬
‫الجنداي‬

‫ارتسمت ابتسامة على وجه نيركا وهو يفتح عينيه في‬


‫تلك الغابة الكثيفة وأخذ نظره يجول بين األشجار المتالحمة‬
‫وسط ذلك الوجه‬ ‫حتى اصطدمت بتلك العينين رماديتين اللون َ‬
‫بشعر أسود كالحرير‪ ،‬ولم ُيعكر‬
‫ٍ‬ ‫المالئكي أسمر البشرة المحاط‬
‫صفو تلك الصورة الجميلة إ َّلا تلك األغصان الصغيرة التي تُكبل‬
‫يديها وقدميها‪ ،‬وقطعة القماش التي تُكمم فمها مما دفع نيركا‬
‫النهوض والتوجه إليها وعيناها تتابعانه ونزع الكمامة من على‬
‫ِ‬ ‫من‬
‫فمها وما إن فعل ذلك حتى قالت له‪:‬‬
‫‪-‬أين كنت؟‬
‫نائما‪.‬‬
‫‪-‬كنت ً‬
‫‪-‬ال بل لم تكن معنا في هذا العالم‪ ..‬أين كنت؟‬

‫‪- 51 -‬‬
‫متراجعا إلى مضجع ِه مرة أخرى‪..‬‬
‫ً‬ ‫تجاهلها نيركا وهو ينهض‬
‫ولكنها أكملت‪:‬‬
‫‪-‬ما هبة؟‬
‫اتسعت عينا نيركا‪:‬‬
‫‪-‬ماذا؟‬
‫‪-‬هبة لقد قلت تلك الكلمة وأنت تستيقظ‪ ..‬هل هو اسم؟‬
‫عيني نيركا وهو ُيحدق في تلك العينين‬
‫ّ‬ ‫ازداد اتساع‬
‫الرماديتين وهو يتمتم‪:‬‬
‫‪-‬من ِ‬
‫أنت؟‬
‫بهدوء‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫قالت األميرة‬
‫‪-‬أنا زينورا أميرة زنديون‪ ..‬لكن السؤال هو من أنت؟‬
‫‪-‬أنا نيركا محارب قبيلة ساج‪.‬‬
‫قالها نيركا في نفس الوقت الذي َّ‬
‫حط فيه التنين على كتفه‬
‫فابتسمت زينورا‪:‬‬
‫‪-‬أعلم أنك محارب من قبيلة ساج‪ ..‬ولكن من أنت ً‬
‫حقا؟‬
‫‪ً -‬‬
‫إذا فقد استيقظت‪.‬‬
‫ٌ‬
‫صوت من بين األشجار في حين ظهر باماسي بجسد ِه‬ ‫ارتفع‬
‫الضخم ولكن لم يلتفت أي منهما إليه وظل كالهما يحدق في‬
‫اآلخر فقال باماسي‪:‬‬

‫‪- 52 -‬‬
‫‪-‬أرى أنكما تعارفتما فيما بينكما ولكن أمامنا طريق‬
‫صعب حتى ساج‪.‬‬
‫استمر الصمت ُيخيم على المكان ونيركا وزينورا ُيحدقان‬
‫ببعضهما حتى قطعه باماسي مرة أخرى‪:‬‬
‫‪-‬يجب أن ننطلق حتى نصل ساج قبل الليل‪.‬‬
‫للرحيل وهو‬
‫ِ‬ ‫انتبه نيركا لقول باماسي وأخذ ُيحضر نفسه‬
‫يقول‪:‬‬
‫ٌ‬
‫طويل ولكن ليس نحو ساج‪ ..‬سنذهب‬ ‫ٌ‬
‫طريق‬ ‫‪-‬نعم أمامنا‬
‫رأسا إلى قبيلة هنتارو‪ ..‬نحو الجبال مباشرةً‪.‬‬
‫ً‬
‫أطلق التنين صيحة‪ ..‬في حين جاء الدور على زينورا لتتسع‬
‫عيناها على آخرهما‪ ..‬في حين ارتسمت عالمات الدهشة على‬
‫لثوان قليلة قبل أن يقول‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫وجه باماسي‬
‫‪-‬ال بأس لقد عاهدتك أال أناقشك‪.‬‬
‫أدارت زينورا عينيها نحو باماسي وهي تصيح‪:‬‬
‫ِ‬
‫بخطف أميرة‬ ‫‪-‬أنتما مجنونان ً‬
‫إذا‪ ..‬فأنتما لم تكتفيان‬
‫عدو مشترك‪ ..‬هل تنويان‬
‫زنديون بل ستتوجهان بها إلى ٍ‬
‫تسليمي لهم؟‬

‫‪- 53 -‬‬
‫قال نيركا‪:‬‬
‫لست طر ًفا في هذا الموضوع‪ ..‬ولكن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فأنت‬ ‫‪-‬ال تقلقي‪..‬‬
‫باماسي محق يجب أن نتحرك على الفور‪.‬‬
‫ارتفع حاجب زينورا إعجا ًبا‪:‬‬
‫‪ً -‬‬
‫إذا فأنت باماسي األسطوري‪ ..‬الوحيد الذي دخل نار‬
‫المجوم وخرج منها ح ًيا‪.‬‬
‫ً‬
‫عميقا‪:‬‬ ‫نفسا‬
‫أخذ باماسي ً‬
‫الجحيم وأعتقد أن تلك‬
‫ِ‬ ‫فخر لقد ُعدت من‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬نعم بال‬
‫الكائنات لم تكن سعيدة بوجودي معها‪.‬‬
‫أطلق نيركا ضحك ًة قصيرة‪:‬‬
‫‪-‬هذا هو صديقي قاهر المجوم‪.‬‬
‫ثم توجه نيركا نحو زينورا ليفك عنها األغصان التي تربط‬
‫ساقيها لتعتدل واقف ًة وهو يستطرد‪:‬‬
‫‪-‬أرجو أال تحاولي الهرب فنحن ال نضمر ِ‬
‫لك أي سوء‪.‬‬
‫ً‬
‫ممسكا‬ ‫نفس الوقت الذي امتطى فيه باماسي جواده‬
‫ِ‬ ‫في‬
‫بلجام جواد نيركا ليق ِّر َبه إليه‪ ،‬وما لبث أن امتطى األخير جواده‬
‫ِ‬
‫بينما جلست األميرة أمامه وانطلق ثالثتهم يشقون الغابة متوجهين‬
‫نحو الجبال‪ ..‬في حين حرص باماسي طوال الطريق أن يقطع‬
‫بعض االشجار بسيفه مما دفع زينورا أن تسأل نيركا‪:‬‬

‫‪- 54 -‬‬
‫‪-‬ما الذي يفعله؟‬
‫أجابها نيركا‪:‬‬
‫‪-‬إنه يترك أث ًرا لقومك حتى يستطيعوااللحاق بنا‪.‬‬
‫ارتفع حاجبا زينورا دهش ًة وهي تسأل‪:‬‬
‫جيش بكامله؟‬
‫ٍ‬ ‫حرب مع‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬لماذا أتريدون دخول‬
‫ابتسم نيركا ابتسام ًة خبيثة‪:‬‬
‫‪-‬ال لن يحاربونا نحن‪.‬‬
‫للزعر وهو يصيح‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ثم تغيرت نظرته‬
‫‪-‬باماسي احترس‪.‬‬
‫في نفس اللحظ ِة التي تحركت فيها مجموعة أغصان من‬
‫ِ‬
‫تحت جواد باماسي لتجبر ُه على الوقوع‪ ،‬وما إن المس جسد‬
‫ً‬
‫معلقا في‬ ‫َّ‬
‫ليظل جسده‬ ‫باماسي األرض حتى طار جسده في الهواء‬
‫الهوا ِء تحت األشجار‪ ،‬بينما قفز نيركا من فوق جواده مست ًلا سيفه‬
‫فزع‪:‬‬
‫تاركا األميرة زينورا وحدها فوق الجواد مما جعلها تسأل في ٍ‬ ‫ً‬

‫‪-‬ماذا يحدث؟‬
‫أجاب نيركا الذي تركه تنين السامو ونظره يجول بين األشجار‬
‫ً‬
‫معلقا في الهواء‪.‬‬ ‫بينما باماسي ما زال‬
‫‪-‬إنهم الجنداي‪.‬‬

‫‪- 55 -‬‬
‫تمتمت زينورا‪:‬‬
‫‪-‬المختفون‪.‬‬
‫نور‬
‫أتاها الجواب هذه المرة من بين األشجار حيث ظهر ٌ‬
‫قرمزي خافت‪.‬‬
‫‪-‬بالضبط‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واحد بين‬ ‫بدأ النور الخافت في التعدد؛ حيث ظهر أكثر من‬
‫األشجار‪ ،‬ثم بدأ أحدهم في التقدم وسرعان ما بدأ يتضح من‬
‫لشيخ طويل الذقن يشع جسده‬
‫ٍ‬ ‫قرمزي‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫جسد‬ ‫خالل النور مالمح‬
‫بذلك النور القرمزي‪ ،‬بينما ظهرت شبكة من نفس الضوء حول‬
‫جسد باماسي‪.‬‬
‫‪ً -‬‬
‫إذا فأنتم تعلمون أن الجنداي يسكنون تلك الغابات ومع‬
‫ذلك سمحتم ألنفسكم باقتحامها‪.‬‬
‫هكذا قال الشيخ بينما هدأ تحفز نيركا قلي ًلا وإن كان لم‬
‫يتخل عن سيفه‪.‬‬
‫‪-‬نعم ونطلب اإلذن للسماح لنا بالمرور‪.‬‬
‫‪-‬كان يجب أن تطلب هذا قبل أن تدخل غاباتنا‪.‬‬
‫‪-‬هذا ليس وقت اتباع القواعد‪.‬‬
‫المد َّلى في الهوا ِء قبل أن يردف‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ثم نقل نظره نحو باماسي‬
‫‪-‬نحاول إيقاف المجوم‪.‬‬

‫‪- 56 -‬‬
‫ضحك الشيخ‪:‬‬
‫‪-‬ليس لنا أية عالقة بحربكم مع المجوم‪ ..‬نحن نعيش في‬
‫التعرض لنا‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫منأى عنكما ولن يستطيعوا‬
‫مقابل‬
‫ِ‬ ‫‪-‬نعلم هذا ولكن كنا نتمنى أن نُقدم شي ًئا لكم في‬
‫وقوفكم معنا‪.‬‬
‫ضحك الشيخ مرة أخرى‪:‬‬
‫‪-‬وما الذي يمكنكم تقديمه لنا وال نستطيع نحن الوصول‬
‫إليه؟‬
‫وما إن انتهى من كالمه حتى تناول نيركا من جرابه مادة‬
‫بحجر‬
‫ٍ‬ ‫لينشرها على سيفه ثم يستدير في حرك ٍة دائرية ليصدم سيفه‬
‫صلب‪ ،‬وما إن تالمسا حتى انطلق شرر شديد واشتعل السيف‪ ،‬وما‬
‫إن اعتدل نيركا حتى أطلق لسيف ِه العنان ليخترق الشبكة القرمزية‬
‫التي تحيط بباماسي ونيركا يصيح‪:‬‬
‫‪-‬اآلن باماسي‪.‬‬
‫انقطعت الشبكة القرمزية ووقع باماسي على األرض إ َّلا أنه‬
‫أدار جسده في الهوا ِء كالقطط؛ ليهبط على قدمي ِه اللتين لم تكادا‬
‫أن تلمسا األرض حتى ألقى بجسده الضخم ليدور بجسد ِه على‬
‫نفس الوقت الذي تناول من حزامه مادة تشبه التي‬
‫ِ‬ ‫األرض في‬
‫استخدمها نيركا؛ لينشرها على سيفه الذي استله وقبل أن ينهض‬

‫‪- 57 -‬‬
‫بحجر صلب هو اآلخر‪ ،‬ثم يستقيم ليحيط الشيخ‬
‫ٍ‬ ‫كان يصدم سيفه‬
‫بذراع في حين قرب السيف المشتعل من جسد الشيخ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫القرمزي‬
‫ما إن حدث هذا حتى اختفت جميع األنوار القرمزية ما‬
‫ٍ‬
‫عنف‪ ..‬في‬ ‫عدا الصادرة من الشيخ الذي أخذت أضوائه تهتز في‬
‫حين وصل نيركا إلى سيفه فاستله مرة أخرى ثم توجه إلى الشيخ‬
‫المحاط بذراعي باماسي وهو يبتسم‪:‬‬
‫‪-‬نعم‪ ..‬نعلم بنقطة ضعفكم‪.‬‬
‫ثم ازدادت ابتسامته‪:‬‬
‫‪-‬ونعلم أنكم تعلمون الحل‪.‬‬
‫هدأ اهتزاز أضواء الشيخ الذي توقف عن مقاومة ذراع‬
‫باماسي الحديدية‪.‬‬
‫‪-‬ما الذي تعلمانه بالتحديد؟‬
‫ِّ‬
‫يمكنكم من الظهور‬ ‫‪-‬نعلم أن مصدر طاقتكم الذي‬
‫ِ‬
‫وجود النار‪.‬‬ ‫تماما في‬
‫ً‬ ‫واالختفاء يتوقف‬
‫ابتسم الشيخ وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬أتعلم ما الحل إذا؟‬
‫تدخل باماسي في الحوار‪:‬‬
‫‪-‬إنها عين الطاقة‪.‬‬

‫‪- 58 -‬‬
‫ازدادت ابتسامة الشيخ التي تحولت إلى السخرية‪:‬‬
‫‪-‬أتعلمان أين توجد؟‬
‫رد باماسي‪:‬‬
‫بعيني‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪-‬نعم نعلم‪ ..‬لقد رأيتها‬
‫وأردف نيركا‪:‬‬
‫ٍ‬
‫استعداد بإحضارها إليكم إذا ما وافقتم على‬ ‫‪-‬ونحن على‬
‫الوقوف معنا ضد المجوم‪.‬‬
‫سكت الشيخ ليفكر ولكن نيركا أراد أن يضرب الحديد وهو‬
‫ساخن ولم يمهله‪:‬‬
‫ٍ‬
‫لفترات‬ ‫‪-‬سنعطيكم مصدر طاقة لتتمكنوا من الظهور‬
‫طويلة ومقاوم للنارِ بشرط أن تحاربوا معنا‪.‬‬
‫نظر إليه الشيخ في ٍ‬
‫شك‪:‬‬
‫‪-‬لن نحارب معكم إال من بعد أن نأخذ عين الطاقة‪.‬‬
‫ابتسم نيركا وكأنما حصل على مبتغاة‪:‬‬
‫‪-‬ستكون معنا في المعركة‪ ..‬ال تظهروا أنفسكم إال من بعد‬
‫حصولكم عليها‪.‬‬

‫‪- 59 -‬‬
‫الشيخ ليبتسم‪:‬‬
‫ِ‬ ‫جاء الدور على‬
‫‪-‬حس ًنا بما أننا اتفقنا وحصل ُّ‬
‫كل منا على مبتغاه فإنني‬
‫ِ‬
‫باللحاق بأسيرتكما فلقد هربت من هذا‬ ‫أنصحكما‬
‫االتجاه‪.‬‬
‫ورفع ذراعه مشي ًرا ما بين األشجار في حين التفت باماسي‬
‫الفراغ حيث كانت زينورا التي استغ َّلت انشغالهما‬
‫ِ‬ ‫ونيركا لينظرا في‬
‫وهربت بفرسها‪.‬‬
‫ترك باماسي سراح الشيخ واقترب من نيركا الذي ظل يمد‬
‫بصره ما بين األشجار وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬إنها ال تعلم ما تورط نفسها به‪.‬‬
‫رد باماسي‪:‬‬
‫‪-‬خذ فرسي والحق بها وأنا سأتبع أثركما‪.‬‬
‫الشيخ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫نظر نيركا إلى‬
‫‪-‬أم ٌر أخير‪ ..‬ستأتي قبيلتها بحثًا عنها أرجو أن تسمحوا لهم‬
‫بالمرور‪ ..‬فحربنا لن تكتمل إال بهم‪.‬‬
‫‪-‬ال مانع من ذلك‪.‬‬
‫انطلق نيركا ليقفز فوق الجواد‪ ..‬بينما َّ‬
‫حط تنين السامو رفيقه‬
‫ِ‬
‫للوصول لألميرة‪..‬‬ ‫الجديد على كتفه وانطلق الجواد يسابق الزمن‬
‫سريعا ونيركا ينزل من على صهو ِة جواده‬
‫ً‬ ‫في حين أخذ الليل يهبط‬

‫‪- 60 -‬‬
‫كل بره ٍة ليتتبع أثر األميرة حتى سمع صرخة مرة واحدة؛ فوكز‬
‫جواده ليزيد من سرعته ليقترب من مصدر الصوت‪ ،‬ولم يكد‬
‫يفعل حتى فوجئ بزينورا تقف متأهب ًة وفي يدها جزع شجرة في‬
‫صخور‬
‫ٍ‬ ‫حين أحاطت بها خمس ِة أجساد من كائنات ضخمة من‬
‫ملتهبة تَخرج ألسنة النار منها يبلغ طول الواحد منهم المترين‪ ،‬في‬
‫بأصابع طويلة‬
‫ٍ‬ ‫حين يزيد طول ذراعي كل كائن فوق المتر لتنتهي‬
‫تخرج منها مخالب حادة‪ ،‬في حين احتوت الرأس على ثالث‬
‫عيون نارية؛ واحدة في منتصف الجبهة وعينان على جانبي الوجه‪،‬‬
‫ٍ‬
‫َّ‬
‫احتل الفم‬ ‫في حين زادت األسنان الحادة من شراس ِة الوجه الذي‬
‫ذعر وهو‬
‫نصفه السفلي وما إن رآها نيركا حتى اتسعت عيناه في ٍ‬
‫يتمتم‪:‬‬
‫‪-‬كائنات المجوم‪.‬‬
‫الخشبي بينما تقترب منها‬
‫ّ‬ ‫بالجزع‬
‫ِ‬ ‫وقفت زينورا تُلوِّح‬
‫الكائنات‪ ،‬وما لبث أن تالمس جسد كائنين منهم‪ ،‬وما إن‬
‫تنازع عنيف على فريستهم‬
‫ٍ‬ ‫حدث هذا؛ حتى اشتبك االثنين في‬
‫مستخدمين األيدي والمخالب وحتى األنياب وفي بعض األحيان‬
‫ً‬
‫أرضا‪ ،‬بينما‬ ‫ِ‬
‫شرارات اللهب منهما ويسقطان‬ ‫األقدام لتتطاير‬
‫استكمل الثالثة اآلخرين هجومهم إ َّلا أن صيح ًة من فم نيركا وهو‬
‫يهجم عليهم بشجاع ٍة منقطعة النظير ويلوِّح بسيفه من بعيد وهو‬
‫ينطلق فوق صهوة جواده‪ ،‬في حين تخ َّلى عنه السامو كعادته في‬
‫المعارك ليقف مترق ًبا فوق أحد األشجار؛ ليباغت نيركا الكائنات‬

‫‪- 61 -‬‬
‫ويقف فوق ظهر الجواد ثم ُيطلق لجسد ِه العنان؛ ليطير في الهوا ِء‬
‫ويدور جسده دور ًة كاملة ليصدم أقرب الكائنات لزينورا بقدمي ِه‬
‫في صدره الضخم ليدفع الكائن إلى الخلف في حين هبط هو على‬
‫األرض بين زينورا والكائنات التي وقفت غير مصدقة أن فردً ا‬
‫من بين البشريين يهاجمهم منفردً ا لدرجة أن الكائنين المتنازعين‬
‫توقفا عن معركتهما‪.‬‬
‫وتجمد المشهد لمدة لحظات‪ ..‬زينورا تمسك بجذعها‬
‫الخشبي ويقف أمامها نيركا بسيفه وأمامه ثالثة من المجوم‬
‫وخلفهم يرقد اثنان آخران يمسكان ِ‬
‫بعنق كل منهما اآلخر وينظران‬
‫لنيركا الذي سأل زينورا‪:‬‬
‫‪-‬أتعرفين كيف تقتلي كائنات المجوم؟‬
‫‪-‬وهل يعرف أحد؟!‬
‫ابتسم نيركا وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬نعم‪ ..‬أنا وباماسي‪ ..‬انظري وتعلمي‪.‬‬
‫جميعا صوب‬
‫ً‬ ‫بدأ المجوم يفيقون من صدمتهم وانطلقوا‬
‫نيركا حيث وصل إليه أول كائنان؛ فأطاح أحدهما بمخالب ِه في وجه‬
‫نيركا‪ ،‬إ َّلا أن األخير انحنى ليتفاداها وضرب اآلخر بسيف ِه في بطنه‬
‫لهب كبيرة‪ ،‬في حين وصل الثالث وحاول الوصول‬ ‫لتنطلق ألسنة ٍ‬
‫إلى نيركا كصاحبه ولكن نيركا راوغه ايديك ثم قفز ليهبط بسيف ِه‬
‫ِ‬
‫المنتصف ويقع‬ ‫على رأس األول ليشقها طول ًيا حتى العين التي في‬

‫‪- 62 -‬‬
‫نفس الوقت الذي وصل فيه االثنان المتنازعان‬ ‫صاحبها ً‬
‫أرضا‪ ،‬في ِ‬
‫ليصيب أحدهما نيركا بمخالب ِه في صدره بينما ركله اآلخر بقدم ِه‬
‫ل ُيطيح بنيركا في الهواء ويسقط بجانب زينورا التي نظرت إليه‬
‫قائل ًة‪:‬‬
‫‪-‬أرى أنك قتلت أحدهم ولكن خطتك لن تنجح‪.‬‬
‫ثم مدت يدها إليه لتساعده على النهوض وهي تقول‪:‬‬
‫‪-‬دعني أقدم لك المساعدة‪.‬‬
‫وقبل أن ت ِ‬
‫ُعطي الفرصة لنيركا ليوافق أو يعترض انطلقت‬
‫بالجزع في وجهه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫زينورا بجزعها الخشبي بمهار ٍة لتضرب أولهم‬
‫ثم تنحني لتتفادى يد الثاني ثم تقفز لتوجه ركلة في بطن الثالث‬
‫معتقدا أنه حصل عليها‬
‫ً‬ ‫قبل أن ينقض الرابع عليها بكلتي يديه‬
‫ولكنها انزلقت من بين يديه ثم دارت على األرض بجسدها‬
‫لتنتصب أمام الثاني ثم تقفز لتضرب وجهه بالجزع الخشبي ثم‬
‫تهبط بين الكائنات وهي تنظر إلى نيركا وتقول‪:‬‬
‫‪-‬أتحتاج دعوة ملكية للمشاركة؟‬
‫بالفعل تلك الدعوة فقد انطلق بسيف ِه‬
‫ِ‬ ‫وكأن نيركا كان يحتاج‬
‫لينزل فوق رأس أقربهم إليه ليشقها نصفين؛ ثم ينضم إلى زينورا‬
‫بين الثالث كائنات قبل أن ُيطلق لسيف ِه العنان ليخترق بطن كائن‬
‫يبال بطعنته في حين انحنت زينورا متفادي ًة‬
‫ثاني ولكن الكائن لم ِ‬
‫مخالب أحد المجوم الثالثة الباقين قبل أن يلتفت إليه نيركا‬

‫‪- 63 -‬‬
‫ويضربه بسيفه ولكن الثالث ركل نيركا ليرجعه إلى الخلف؛ في‬
‫حين أطاحت يد األول بزينورا لتسقط ً‬
‫أرضا بجانب نيركا‪.‬‬
‫أخذت زينورا تلهث وهي تقول لنيركا‪:‬‬
‫‪-‬هزيمتهم صعبة‪.‬‬
‫قال نيركا وهو يقف معتدال‪:‬‬
‫‪-‬قضينا على اثنين باقي ثالثة‪ ..‬كل ما هو مطلوب أن نشق‬
‫رؤوسهم‪.‬‬
‫هنالك بدأ المجوم هجومهم من جديد ولكن نيركا قفز‬
‫ِ‬
‫الخلف لتتفادى‬ ‫متفاد ًيا أحدهم في حين تدحرجت زينورا إلى‬
‫ِ‬
‫الخلف؛ في‬ ‫الثاني في حين دفع نيركا الثالث بقدمي ِه ليسقط إلى‬
‫حين انتبهت زينورا لتدفع أقرب الكائنات إليها نحو نيركا الذي‬
‫َّ‬
‫ليشق رأس ُه نصفين ثم ألقى سيفه في‬ ‫استغل الفرصة وضربه بسيف ِه‬
‫الهوا ِء نحو زينورا وهو يصيح‪:‬‬
‫‪-‬انتبهي خلفك‪.‬‬
‫قفزت زينورا برشاق ٍة لتلتقط السيف ثم تستدير وهي في‬
‫رأس المجوم وتشقها‬
‫الهوا ِء بحرك ٍة بهلوانية لتهبط بسيفها على ِ‬
‫نصفين في حين هجم آخرهم على نيركا الذي تفادى هجمت ُه ثم‬
‫وجه ركل ًة كالقنبل ِة إلى خلف ركبته لينحني ً‬
‫أرضا أمام زينورا التي‬ ‫َّ‬
‫تتوان عن ضرب رأس ِه بالسيف ليسقط آخر المجوم‪.‬‬
‫َ‬ ‫لم‬

‫‪- 64 -‬‬
‫وقف نيركا وزينورا يلتقطان أنفاسهما ثم قالت زينورا‪:‬‬
‫‪-‬كيف تعلمت طريقة قتلهم؟‬
‫التفت إليها نيركا‪:‬‬
‫‪-‬بالتجربة‪ ..‬عندما أخذوا باماسي إلى نارِ المجوم حاربت‬
‫وحارب كي يهرب منهم ومن كثرة قتالنا‬
‫َ‬ ‫كي أصل إليه‬
‫معهم ع ِلمنا كيف نقتلهم‪.‬‬
‫ً‬
‫باسطا إياها إلى زينورا‪:‬‬ ‫مد نيركا يده‬
‫ثم َّ‬
‫‪-‬السيف إذا سمحتي‪.‬‬
‫ولكن زينورا أدارت السيف بمهار ٍة ثم رفعت ُه على ِ‬
‫عنق نيركا‪:‬‬
‫‪-‬قل لي سب ًبا يمنعني من قتلك والعودة إلى قبيلتي‪.‬‬
‫وضع نيركا يديه بجانب ِه وهو ينظر إلى عيني زينورا الرماديتين‪:‬‬
‫‪-‬ال أستطيع‪ ..‬أنا فقط أحاول إنقاذك وإنقاذ أهلي وقبيلتي‬
‫خطر يهدد وجودنا وال أعلم‬
‫ٍ‬ ‫وقبيلتك وقبيلة هنتارو من‬
‫ِ‬
‫للموت وأنا أحاول‪.‬‬ ‫إن كنت سأنجح ولكنني مستعد‬
‫ِ‬
‫بالسيف الموجه إلى عنقه‪:‬‬ ‫ثم اقترب من زينورا غير ٍ‬
‫مبال‬
‫‪-‬أميرتي لقد خطفتك وصدقيني عندما أقول أنني أستطيع‬
‫منك متى شئت ولديك كل الحق لتكرهينني‬ ‫نزع السيف ِ‬
‫ولكن هدفي سيكون أو ًلا وأخي ًرا سالمتك‪.‬‬

‫‪- 65 -‬‬
‫آخر حروف كلماته لمح نيركا حركة ما بين األشجار؛‬
‫مع ِ‬
‫فمد يد ُه ليخطف السيف من ِ‬
‫يد زينورا ويقف متأه ًبا لما سيخرج‬ ‫َّ‬
‫من بين األشجار ولم يطل انتظاره فقد ظهر فارس ضخم الجثة‬
‫حاد المالمح مفتول العضالت على صهو ِة جواده‪ ،‬ثم بد َأ المزيد‬
‫تباعا حتى أحاط نيركا وزينورا‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫الفرسان في الظهور‬ ‫والمزيد من‬
‫ِ‬
‫الفرسان وما لبث أن ظهر فارس أشيب ذو لحية‬ ‫جيشً ا صغي ًرا من‬
‫كثيفة بيضاء ويحيط به عددٌ آخر من الفرسان‪ ..‬وما إن رأته زينورا‬
‫حتى هتفت‪:‬‬
‫‪-‬أبي‪.‬‬
‫نزل الملك من فوق صهوة جواده متوج ًها إلى زينورا في حين‬
‫توجه الفارس الضخم نحو نيركا ومعه مجموعة من الفرسان ثم‬
‫وجه نصل رمحه نحو عنق نيركا‪.‬‬
‫‪-‬ابنتي هل أنت بخير؟‬
‫هكذا قال الملك‪.‬‬
‫‪-‬نعم أبي إنني بخير‪.‬‬
‫ثم احتضنت والدها وما كادا ينفصال حتى قال الفارس‪:‬‬
‫‪-‬أأقتله يا سيدي؟‬
‫ولكن زينورا تحركت لتقف أمام رمح الفارس أمام نيركا‪:‬‬
‫‪-‬جنزوا توقف‪.‬‬

‫‪- 66 -‬‬
‫ولكن جنزوا لم يخفض رمحه وهو يقول بحد ٍة‪:‬‬
‫‪-‬لقد خطفك ويستحق ما سيحدث له‪.‬‬
‫نظرت زينورا نحو والدها وهي تستعطفه‪:‬‬
‫‪-‬أبي‪.‬‬
‫نظر الملك نحو نيركا‪:‬‬
‫لقبيلتي هنتارو وساج‬
‫ّ‬ ‫‪-‬جنزوا محق‪ ..‬يجب أن يكون عبر ًة‬
‫‪-‬ولكنه لم يخطفني يا أبي‪.‬‬
‫ثم وقفت معتدلة وهي تقول‪:‬‬
‫‪-‬لقد تزوجنا‪.‬‬
‫خيمت الصدمة على المكان وصاحبها السكوت والكل ينظر‬
‫نحو زينورا في دهش ٍة حتى نيركا نفسه لم يكن أقلهم دهشة‪ ،‬ولكن‬
‫جنزوا قطع الصمت وهو يستل قوسه من فوق الفرس ويهبط به‬
‫وهو ُيطلق صيحة طويلة فوق رأس نيركا الذي غامت الدنيا في‬
‫عالم آخر‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫عيني ِه واهتزت األرض من تحت ِه ثم سقط في‬

‫‪- 67 -‬‬
‫بائع الذهب‬

‫أذني هبة التي‬


‫ّ‬ ‫اخترقت صرخة مدوية قادمة من شقة قدري‬
‫ألم دفعتها لتفتح باب شقتها‬
‫استيقظت لتصلي الفجر‪ ..‬صرخة ٍ‬
‫سريعا لتدق جرس شقة قدري مرات عديدة ولم‬
‫ً‬ ‫وتهبط الساللم‬
‫تمض بضع لحظات حتى فتح قدري باب الشقة‪.‬‬
‫ِ‬
‫كان قدري في حال ٍة ُيرثى لها حيث كان العرق ُيغطي جسده‬
‫العاري إ َّلا من قطع ٍة من المالبس الداخلية في حين تُغطي الدماء‬
‫ٌ‬
‫قطرات من الدما ِء من فرو ِة رأسه وكان‬ ‫صدره في حين انهمرت‬
‫ً‬
‫منهكا لدرج ِة أن قدميه لم تقويا على حمل ِه فهرعت‬ ‫قدري نفسه‬
‫إليه هبة لتسنده وهي تقول‪:‬‬
‫‪-‬ما الذي حدث لك؟‬
‫ٍ‬
‫خطوات متك ًئا على هبة نحو‬ ‫أجاب قدري وهو يخطو‬
‫األريكة‪:‬‬

‫‪- 69 -‬‬
‫‪-‬ال تقلقي سأكون بخير اآلن‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لحظات من قدري حتى تهدأ أنفاسه وهرعت هبة‬ ‫استغرق‬
‫سريعا إلى شقته؛‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫صندوق اإلسعافات وتنزل‬ ‫إلى شقتها ل ُتحضر‬
‫جرح الرأس ثم‬
‫ِ‬ ‫لتجلس تُضمد جروح قدري فأوقفت النزيف من‬
‫نزلت على جروح صدره الممشوق‪:‬‬
‫‪-‬هل قابلت مذئو ًبا أم كنت تحارب وولفرين نفسه؟‬
‫أطلق قدري ضحك ًة قصيرة أوقفها ألم صدره قبل أن يسود‬
‫الصمت بينهما ولكن هبة قطعت هذا الصمت‪:‬‬
‫‪-‬إنها جروح غريبة واألغرب أنها تبدو مثل الحروق‪.‬‬
‫نظر قدري إلى عينيها‪:‬‬
‫ِ‬
‫عليك ولكني ال أريد شرح األمر‬ ‫الكذب‬
‫ِ‬ ‫‪-‬ال أرغب في‬
‫وفي نفس الوقت ال أرغب في إغضابك‪.‬‬
‫نظرت إليه هبة وابتسامة مريحة تمأل وجهها‪:‬‬
‫‪-‬إنها حياتك يا سيدي إنما نتبادل أطراف الحديث ولن‬
‫أغضب منك فقد أنقذت حياتي وحياة والدتي والفضول‬
‫وحده ما دفعني لمعرف ِة سبب تلك الجروح الغريبة وكيف‬
‫لم تفقد وعيك مع كل هذا األلم‪.‬‬
‫ابتسم قدري رغم جروحه‪:‬‬
‫‪-‬هذه نسختي الفاقدة الوعي ً‬
‫إذا‪.‬‬

‫‪- 70 -‬‬
‫ابتسمت هبة وهي تنهض تُلملم أشيائها بعد أن انتهت من‬
‫باب الشقة‬
‫بالرحيل ولكنها وقفت عند ِ‬
‫ِ‬ ‫وهمت‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫تضميد جروحه‬
‫ونظرت نحو قدري‪:‬‬
‫‪-‬هل ستكون بخير؟‬
‫ابتسم قدري مر ًة أخرى‪:‬‬
‫‪-‬أنا بخير ال تقلقي فهذه ليست أسوء حوادثي‪.‬‬
‫أغلقت هبة الباب خلفها وصعدت درجات السلم في خف ٍة‬
‫ودلفت إلى شقتها لتجد والدتها في انتظارها‪.‬‬
‫‪-‬أين ِ‬
‫كنت يا بنيتي؟‬
‫‪ُ -‬‬
‫كنت عند جارنا لقد سمعت صوت صرخاته وعندما‬
‫مجروحا فضمدت جراحه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ذهبت إليه وجدته‬
‫ثم سكتت بره ًة‪:‬‬
‫كنت محق ًة بشأنه‪.‬‬
‫وجراح ُه غريبة‪ ..‬ربما ِ‬
‫َ‬ ‫‪-‬إنه غريب يا أمي‬
‫ابتسمت والدتها ابتسامة الواثق‪:‬‬
‫‪-‬بالطبع محقة ولن أيأس قبل أن أعلم ما به‪.‬‬
‫قالتها العجوز ودلفت إلى غرفتها تارك ًة هبة خلفها وبركان‬
‫عاطفة يتفجر بداخلها‪.‬‬
‫لم تكن بجانبه فقط‪.‬‬

‫‪- 71 -‬‬
‫لقد لمسته‪.‬‬
‫شَ َعرت بدقات قلبه وغاصت في عينيه‬
‫وشعرت بوحدته‪.‬‬
‫‪-‬إنه يبحث عنك‪.‬‬
‫قالها بلغ ٍة إنجليزية ذلك الرجل البدين األصلع الذي تنم كل‬
‫قطع ٍة في مكتبه وحتى مالبسه على الثرا ِء الفاحش في حين ز َّينت‬
‫لي المرصع بأندرِ األحجار الكريمة في حين‬
‫الح ّ‬
‫قطع من ُ‬
‫ٌ‬ ‫أصابعه‬
‫َ‬
‫أبيض البشرة أشقر‬ ‫ٌ‬
‫رجل في العقد الرابع من عمره‬ ‫جلس أمامه‬
‫الشعر‪.‬‬
‫‪-‬من؟‬
‫‪-‬ذلك الضابط في المباحث الجنائية‪.‬‬
‫نهض األشقر من خلف المكتب ليقف خلف نافذ ِة الحجرة‬
‫لينظر نحو حمام سباح ٍة فاخر يقع في الفيال الفاخرة في المدين ِة‬
‫الجديدة الواقعة على أطراف مدينة القاهرة‪.‬‬
‫‪-‬وكيف يعلم من أنا؟‬
‫رد عليه البدين من خلف المكتب‪:‬‬
‫‪-‬إنه ال يعلم من أنت حتى هذه اللحظة‪ ..‬ولكنه يعلم أنك‬
‫كنت موجودً ا في موقع حادث مقتل والد جان ويعلم‬
‫ِ‬
‫للشهود لتقتلهم‪.‬‬ ‫أنك بعثت‬

‫‪- 72 -‬‬
‫خ َّي َم الصمت على الغرف ِة قبل أن يسأل األشقر‪:‬‬
‫‪-‬هل نقتله؟‬
‫ضحك الثري‪:‬‬
‫‪-‬إنك ال تعلم غير لغة القتل ستيفان‪.‬‬
‫‪-‬إنه عملي مستر صفوت‪.‬‬
‫ِ‬
‫للبحث عن جان وطلبوا مني‬ ‫‪-‬نعم ولهذا تم استخدامك‬
‫مساعدتك‪.‬‬
‫سطح‬
‫ِ‬ ‫أخرج صفوت سيجا ًرا فاخ ًرا من علب ٍة فض َّية توجد على‬
‫المكتب وأخذ ُيهذب طرفه وهو يقول‪:‬‬
‫ٌ‬
‫طرق أخرى ونحن لنا ِصالت داخل أجهزة األمن‪.‬‬ ‫‪-‬هناك‬
‫هدوء وهو يستطرد‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ثم أشعل سيجاره في‬
‫‪-‬هناك لغ ٌة تكلفتها أرخص من لغة الدم‪ ..‬هذه اللغة تدعى‬
‫المال‪.‬‬
‫ثم ابتسم ابتسام ًة واثقة وهو يتلذذ بسيجار ِه وباليد األخرى‬
‫ٍ‬
‫لحظات قليلة حتى وضعه على أذنه وهو‬ ‫تمض‬ ‫ِ‬ ‫تناول جواله ولم‬
‫يقول‪:‬‬
‫‪-‬إبراهيم باشا‪ ..‬نعم صفوت يا سيدي‪ ..‬نعم لدينا خدمة‬
‫نريدها منك‪ ..‬نعم أحد ضباط إدارتك‪ ..‬ال يا سيدي‪..‬‬
‫ُيدعى قدري‪ ..‬نعم هو‪ ..‬هناك قضية يتوالها‪ ..‬نعم قضية‬

‫‪- 73 -‬‬
‫بشكل ربما ُيؤدي إلينا بطريق ٍة أو‬
‫ٍ‬ ‫قتل‪ ..‬هو يحقق بها‬
‫ُسجل اقتحام وسرقة‪ ..‬نعم إبراهيم‬‫بأخرى‪ ..‬نريدها أن ت َّ‬
‫باشا مستعدون للمقابل الذي تريده‪.‬‬
‫ثم أطلق ضحكة قصيرة‪:‬‬
‫‪-‬ال سيدي ال يوجد فصال هذه المرة‪ ..‬الثمن الذي تُريده‪..‬‬
‫شك ًرا إبراهيم باشا‪.‬‬
‫ثم وضع هاتفه جان ًبا وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬ال تقلق لقد انتهى بحثه عنك‪.‬‬
‫التفت إليه ستيفان بهدوء‪:‬‬
‫أبدا‪ ..‬بل ال تقلق أنت فإن لم تنجح لغة المال‬
‫‪-‬أنا ال أقلق ً‬
‫هناك لغة صوتها أعلى وأجمل في األذن‪ ..‬لغة الرصاص‬
‫أو كما سميتها أنت لغة الدم‪.‬‬
‫ثم أشاح بنظر ِه خارج النافذة‪..‬‬
‫وكأنه يبحث عن ضالته‪..‬‬
‫ضالته الذي قدم ألجله من كندا‪..‬‬
‫وكان اسم ضالته جان‪.‬‬
‫ً‬
‫الحقا في ظهير ِة ذلك اليوم خرج قدري من غرفة رئيس‬
‫ِ‬
‫درجات‬ ‫ً‬
‫مختلطا بأقصى‬ ‫المباحث وعالمات اإلرهاق الشديد‬
‫الضيق واأللم تعتصر كل خلي ٍة من قسمات وجهه وهو يتوجه إلى‬

‫‪- 74 -‬‬
‫ٍ‬
‫بخطوات سريعة ولم يكد يدلف ذلك المكتب حتى‬ ‫مكتب ِه مباشر ًة‬
‫أمسك جرح صدره واأللم يعتصره من الداخل ولكن قبل حتى أن‬
‫ٍ‬
‫طرقات على الباب قبل أن‬ ‫يصل إلى كرسي مكتبه تعالت أصوات‬
‫يدخل عواض‪:‬‬
‫‪-‬ما الذي جرى ياسيدي‪ ،‬كيف سار التحقيق؟‬
‫تجاوز قدري كرسيه محاو ًلا أن ُيخفي آثار األلم التي تبدو‬
‫عيني عواض وهو ينظر من النافذة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫على مالمحه من‬
‫جيدا يا عواض هذا اللواء نشأت لم يترك لي أي‬
‫ً‬ ‫‪-‬ليس‬
‫منفذ‪.‬‬
‫‪-‬إنه شديد قلي ًلا قدري باشا‪.‬‬
‫‪-‬بل كثي ًرا عواض‪.‬‬
‫اقترب عواض ل ُينظف المكتب‪ ..‬في حين ظل قدري يراقب‬
‫العاصمة من نافذته وما إن اقترب عواض حتى الحظ تلك البودرة‬
‫أحدا كان يحاول‬
‫البيضاء التي تبعثرت حبيبات صغيرة منها وكأن ً‬
‫محو آثارها ولم يكد يلمحه قدري حتى سارع بالقول‪:‬‬
‫‪-‬أكاد أموت بدون فنجان قهوتك يا عواض‪.‬‬
‫ً‬
‫مشفقا‪.‬‬ ‫الحظ عواض ارتباك قدري فابتسم‬
‫‪-‬سأسارع آلتيك بها‪.‬‬

‫‪- 75 -‬‬
‫ثم أدار ظهره ليفتح الباب ولم يكد يفعل حتى وجد أنور‬
‫سريعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫أمامه الذي دلف‬
‫‪-‬إن قصة جان كيرلس مثيرة‪.‬‬
‫ً‬
‫منهكا ثم ألقى بجسد ِه على كرسي‬ ‫نفسا طوي ًلا‬
‫أخذ قدري ً‬
‫ً‬
‫ملتقطا قطعة صغيرة من القماش الذي بدأ يمسح به زجاج‬ ‫مكتبه‬
‫مكتبه‪.‬‬
‫‪-‬أتعلم لم طلبت انتدابك من قسم الشرطة يا أنور؟‬
‫‪-‬ال يا سيدي‪.‬‬
‫ابتسم قدري ابتسام ًة خبيثة غلب عليها الوهن وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬ألنك من خارج اإلدارة وستكون على الحياد‪ ..‬كل‬
‫اهتمامك سينصب على القضية‪.‬‬
‫اقتضبت أسارير أنور وهو يفكر‪:‬‬
‫‪ً -‬‬
‫إذا هناك صراع آخر بجانب القضية‪.‬‬
‫هامسا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ثم مال بجسد ِه نحو قدري وقال‬
‫بأمر ما يا سيدي؟‪ ،‬صارحني وستجدني‬ ‫ٌ‬
‫متورط ٍ‬ ‫‪-‬هل أنت‬
‫عون لك بإذن الله تعالى‪ ..‬إن لي أصدقاء بأماكن ال‬
‫خير ٍ‬
‫يمكن أن تتخيلها من المجرمين ومن الوزراء‪.‬‬

‫‪- 76 -‬‬
‫ازدادت ابتسامة قدري وهو ينظر نحو أنور‪:‬‬
‫ِ‬
‫لوقت الشدة ولكن هذا ما كنت أود سماعه‬ ‫‪-‬إنني أدخرك‬
‫منك‪.‬‬
‫ثم أسند ظهره على مقعده‪:‬‬
‫‪-‬واآلن هات ما لديك‪.‬‬
‫ً‬
‫واقفا‪:‬‬ ‫جاء الدور على أنور أن يبتسم وهو يعتدل‬
‫‪-‬جان ووالده لم يكونا بهذا الثراء طوال حياتهما‪.‬‬
‫شهيقا طوي ًلا وأردف‪:‬‬
‫ً‬ ‫ثم أخذ‬
‫شعبي داخل‬
‫ّ‬ ‫حي‬
‫‪-‬جان ووالده كيرلس كانا يعيشان في ٍ‬
‫شبرا وكان والده يمتلك مح ًلا صغي ًرا إلصالح الدراجات‬
‫في ذلك الحي حتى تخرج جان من كليته بأعجوبة بعد‬
‫أن رسب في آخر سنة مرة‪.‬‬
‫التقط أنور أنفاسه قبل أن يستطرد‪:‬‬
‫‪-‬ولكن هذا قبل أن يسافر جان‪ ..‬في البداية سافر إلى تركيا‬
‫ثم إلى إيطاليا ولكنه لم يو َّفق في المرتين‪ ،‬ولكن بعد أن‬
‫عاد من إيطاليا سافر إلى أثيوبيا وكينيا ثم إلى كندا حيث‬
‫أقام بها وبدأت مالمح الثروة تظهر على والده؛ حيث غير‬

‫‪- 77 -‬‬
‫نشاطه إلى بيع المشغوالت الذهبية وجان نفسه حصل‬
‫على الجنسية الكندية‪.‬‬
‫‪-‬ما كانت طبيعة عمل جان؟‬
‫هكذا سأل قدري‪.‬‬
‫‪-‬جان عمله غير معروف ولكنه يمتلك كافيتريا صغيرة‬
‫في مونتريال ولكنها ال تفسر ذلك الثراء الذي ظهر على‬
‫العائلة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫طرقات على الباب قبل أن يدخل عواض‪:‬‬ ‫ارتفعت أصوات‬
‫‪-‬مدير إدارة البحث الجنائى يطلبك‪.‬‬
‫انقبضت أسارير قدري وهو يتساءل‪:‬‬
‫‪-‬اللواء إبراهيم شلبي؟ ما الذي يريده؟‬
‫ثم نهض من خلف مكتبه وهو يقول ألنور‪:‬‬
‫ٍ‬
‫معلومات أخرى؟‬ ‫‪ٌ -‬‬
‫عمل رائع يا أنور هل هناك أية‬
‫‪-‬ليس بعد يا سيدي‪.‬‬
‫خرج قدري ومعه أنور من الغرف ِة واألول ُيسرع في خطواته‬
‫بينما ُيغلق عواض الباب وراءهما وقدري يقول‪:‬‬
‫‪-‬حس ًنا يا أنور استمر في جمع المعلومات وبلغني بالجديد‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بخطوات‬ ‫قالها قدري وقطع الطرقة إلى مكتب مدير اإلدارة‬
‫مكتب كبير بآخر الردهة‪ ،‬ثم طرق‬
‫ٍ‬ ‫واسعة حتى وقف أمام باب‬

‫‪- 78 -‬‬
‫ٍ‬
‫بطرقات منتظمة خفيفة قبل أن يأتيه الرد بالدخول‪ ،‬ففتح الباب‬
‫ليجد نفسه أمام رجل أشيب نحيل طويل القامة يرتدي بدلة بوليسية‬
‫ً‬
‫رامقا قدري بنظر ٍة ثاقبة‪.‬‬ ‫تظهر رتبته على كتفيه وقف خلف مكتبه‬
‫‪-‬صباح الخير إبراهيم باشا‪.‬‬
‫‪-‬صباح الخير يا قدري‪.‬‬
‫‪-‬لقد طلبتني‪.‬‬
‫جلس النحيل خلف مكتبه وهو ُيشير إلى قدري بالجلوس‪:‬‬
‫‪-‬لماذا لم تخبرني بأنك كنت محو ًلا للتحقيق؟‬
‫‪-‬إبراهيم باشا‪ ..‬إن الشكوى كانت من أحد ضباط إدارتك‬
‫وكانت أمام اللواء نشأت رئيس المباحث فتخ َّيلت أن‬
‫لديك علم‪.‬‬
‫ارتفعت طرقات مرة أخرى على الباب فقال اللواء إبراهيم‪:‬‬
‫‪-‬ادخل‪.‬‬
‫فتح باب الغرفة ليدخل أيمن وسرعان ما توتر قدري وهو‬
‫ينهض وينظر إلى اللواء‪:‬‬
‫‪-‬سيادة اللواء اسمح لي باالنصراف‪.‬‬
‫أشار له ابراهيم بالجلوس مرة أخرى‪:‬‬
‫‪-‬اهدأ يا قدري أنا الذي طلبت حضوره‪.‬‬

‫‪- 79 -‬‬
‫ثم أشار إلى أيمن بالجلوس‪:‬‬
‫‪-‬اجلس يا أيمن‪.‬‬
‫ً‬
‫عميقا وهو يقول‪:‬‬ ‫نفسا‬
‫ثم أخذ ً‬
‫‪-‬ال يعجبني ما يحدث بينكما‪.‬‬
‫ثم نظر نحو أيمن‪:‬‬
‫إلي وقدمت مذكرتك إلى مدير المباحث‬
‫‪-‬لماذا لم تلجأ ّ‬
‫مباشرةً‪.‬‬
‫‪-‬سيدي إن‪...‬‬
‫هم أيمن بالرد ولكن اللواء إبراهيم قاطع ُه مشي ًرا بيده ليتوقف‪:‬‬
‫َّ‬
‫‪-‬أنا لم أطلب ردك وال يهمني أسبابك ستخرج من هنا‬
‫مباشر ًة لتسحب مذكرتك وستتعاونان ً‬
‫معا في قضاياكما‬
‫وهذا أمر‪.‬‬
‫نظر أيمن إلى قدري ثم قال‪:‬‬
‫‪-‬تمام يا سيدي ُع ِلم وينفذ‪.‬‬
‫ثم نهض وهو يقول‪:‬‬
‫بشيء آخر‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬أتأمرني‬
‫‪-‬ال يا أيمن اخرج أنت‪.‬‬

‫‪- 80 -‬‬
‫بالنهوض ولكن إشارة من يد اللواء إبراهيم أوقفته‪:‬‬
‫ِ‬ ‫هم قدري‬
‫َّ‬
‫‪-‬انتظر أنت يا قدري‪.‬‬
‫َ‬
‫وأغلق الباب خلفه‪.‬‬ ‫خرج أيمن من الغرف ِة‬
‫‪-‬لماذا لم تلجأ إلي؟‬
‫يتعمد مضايقتي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫‪-‬إن أيمن‬
‫‪-‬إنني أشعر أنني ُأدير رياض أطفال وليس إدارة بحث‬
‫جنائي‪ ..‬ال أريد أن يتكرر هذا واترك أمر أيمن لي‪.‬‬
‫ثم أشار إليه بيد ِه للخروج فوقف قدري مؤد ًيا التحية‬
‫العسكرية واستدار ليخرج‪.‬‬
‫‪-‬ما أخبار قضية الزمالك؟‬
‫فوجئ قدري بسؤال اللواء‪:‬‬
‫خيط وربما‪..‬‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬لقد وصلت إلى‬
‫قاطعه اللواء إبراهيم‪:‬‬
‫‪-‬إنها قضية اقتحام وسرقة وقتل وأنت تُض ِّيع وقتك‪.‬‬
‫انقبضت أسارير قدري‪:‬‬
‫‪-‬ولكن ابنهما مختفي‪.‬‬
‫‪-‬مخطوف؟!‬
‫معلوم مكانه‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬ال يا سيدي بل غير‬

‫‪- 81 -‬‬
‫‪-‬هو ليس طر ًفا في القضية ً‬
‫إذا‪.‬‬
‫ثم وقف من خلف مكتبه‪:‬‬
‫‪-‬أشرك أيمن معك وأريد أوراق تلك القضية على مكتبي‬
‫في أقرب فرصة‪.‬‬
‫وقف قدري ال يدري ماذا يقول حتى انتزعته كلمات اللواء‬
‫إبراهيم من صدمته‪:‬‬
‫‪-‬يمكنك االنصراف اآلن‪.‬‬
‫ً‬
‫مغلقا‬ ‫وعلى الفور أدى قدري التحية العسكرية وانصرف‬
‫خلفه باب المكتب ولم يكد يفعل حتى فوجئ بأيمن يقف متك ًئا‬
‫بظهر ِه بجانب الباب وهو يقول له‪:‬‬
‫مستعد لفتح صفحة جديدة معك يا قدري‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬أنا‬
‫تخطاه قدري متج ًها إلى مكتب ِه عبر الرواق الطويل وهو يرد‪:‬‬
‫‪-‬وأنا ال أريدك أن تفتح صفحة جديدة كل ما أريده أن‬
‫تبتعد عني‬
‫انطلق أيمن يلحق به وهو يقول‪:‬‬
‫معا في نفس المكان ولن يكون من السهل‬
‫‪-‬إننا نعمل ً‬
‫تجاهل ِّ‬
‫كل منا اآلخر ثم انك تحتاجني لغلق قضية‬
‫الزمالك‪.‬‬

‫‪- 82 -‬‬
‫مقتضب األسارير‪:‬‬
‫َ‬ ‫تسمر قدري في مكانه ثم التفت إلى أيمن‬
‫َّ‬
‫‪ً -‬‬
‫إذا أنت تعلم‪.‬‬
‫وقف أيمن بدور ِه واالبتسامة تمأل وجهه‪:‬‬
‫‪-‬نعم لقد أخبرني اللواء منذ قليل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لحظات واألفكار تتالحق في رأس ِه قبل‬ ‫سكت قدري بضع‬
‫أن يقطعها أيمن‪:‬‬
‫‪-‬ما الذي تفكر به؟‬
‫انبسطت أسارير قدري مرة أخرى وابتسامة مصطنعة ترتسم‬
‫على وجهه‬
‫بالطبع مشاركتك أحد قضاياي‬
‫ِ‬ ‫‪-‬ال شيء يا أيمن سيسعدني‬
‫إذا كانت األوامر هكذا‪.‬‬
‫ثم استأنف طريقه نحو مكتبه ً‬
‫تاركا أيمن وهو يستطرد‪:‬‬
‫غدا ألطلعك‬ ‫ِ‬
‫فلنلتق ً‬ ‫جدا لي‬ ‫ً‬
‫مرهقا ً‬ ‫‪-‬ولكن هذا اليوم كان‬
‫على المستجدات‪.‬‬
‫هتف أيمن‪:‬‬
‫غدا الجمعة‪.‬‬
‫‪-‬ولكن ً‬
‫‪-‬السبت ً‬
‫إذا يا أيمن‪.‬‬

‫‪- 83 -‬‬
‫ٍ‬
‫لحظات حتى قرع‬ ‫تمض‬
‫ِ‬ ‫قالها قدري ودلف إلى مكتب ِه ولم‬
‫سريعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫جرس مكتبه ليدلف عواض‬
‫‪-‬أحضر لي أنور‪ ..‬حا ًلا‪.‬‬
‫تمض الدقيقة حتى كان أنور يقف أمام‬
‫ِ‬ ‫وخرج عواض ولم‬
‫قدري الذي قال له‪:‬‬
‫‪-‬إن أمر تكليفك في القضية ما زال سار ًيا ولكنني ال أود‬
‫أن أراك في المديرية منذ هذه اللحظة استمر في بحثك‬
‫وأي جديد تصل إليه بلغني به عن طريق الهاتف‪.‬‬
‫‪ُ -‬ع ِلم وسينفذ‪.‬‬
‫‪-‬أمر أخير‪ ..‬أريد اسم ورشة الذهب التي كان يتعامل معها‬
‫القتيل‪.‬‬
‫‪-‬سيكون اسمها باك ًرا بين يديك‪.‬‬
‫فأدى أنور التحية العسكرية وهو‬
‫أشار إليه قدري بالخروج َّ‬
‫يخرج من مكتب قدري الذي خرج بدور ِه بعده مباشر ًة متج ًها إلى‬
‫سيارته وهو يخرج من المديرية متج ًها إلى شوارع القاهرة‪.‬‬
‫َّ‬
‫ظل قدري يتجول بسيارت ِه في شوارع المدينة واألفكار‬
‫تتخبط في رأسه‬
‫لم تكن القضية هي الشيء الوحيد الذي يشغل بال قدري بل‬
‫كان ما يشغله أكثر طبيعة حياته التي يعيشها بين عالمين‪.‬‬

‫‪- 84 -‬‬
‫ومع ذلك يشعر بالوحدة ال أحد يستطيع أن يشرح له ما به‪.‬‬
‫ال أحد سيصدقه‪.‬‬
‫وبدون أن يدري وجد قدري نفسه يتجه إلى منزله‪ ،‬ولكنه لم‬
‫يتجه إلى شقته‪.‬‬
‫اتجه مباشر ًة إلى شقة هبة وقرع الجرس‪.‬‬
‫فتحت هبة الباب كعادتها بابتسام ٍة عريضة تمأل وجهها‬
‫المتجهم الذي تكسوه‬
‫ِّ‬ ‫ولكن ابتسامتها اصطدمت بوجه قدري‬
‫ِ‬
‫اإلرهاق واإلعياء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫عالمات‬
‫‪-‬أريد مقابلة والدتك‪.‬‬
‫تغيرت مالمح هبة وهي تفسح الطريق لقدري‪:‬‬
‫‪-‬بالطبع‪ ..‬تفضل‪.‬‬
‫دخل قدري الشقة فوجد والدة هبة أمامه مباشر ًة تجلس على‬
‫األريكة تنظر مباشر ًة نحوه‪.‬‬
‫‪-‬سيدتي‪ ..‬هل تستطيعين بالفعل مساعدتي؟‬
‫‪-‬ربما يا ولدي‪ ..‬إذا ما علمت مشكلتك‪.‬‬
‫كرسي أمامها‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫ألقى قدري بجسد ِه على‬
‫‪-‬ال بأس يا سيدتي سأحكي لك‪.‬‬

‫‪- 85 -‬‬
‫مقعدا لتستمع إلى قدري الذي َّ‬
‫ظل‬ ‫ً‬ ‫اتخذت هبة هي األخرى‬
‫على مدار الساعة يحكي قصة حياته والذهول والدهشة يكتنفان‬
‫كل خلي ٍة من خاليا العجوز وابنتها لدرجة أن الصمت خ َّيم على‬
‫تماما مدة تزيد عن الدقيقتين بعد أن انتهى قدري من‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫المكان‬
‫كالمه حتى استطاعت العجوز أن تستجمع أفكارها وهي تسأل‪:‬‬
‫حقيقي؟‬
‫ّ‬ ‫‪-‬أنت تشعر أن كال الحياتين‬
‫‪-‬نعم يا سيدتي‪ ..‬بالنسب ِة لي عندما أنام يستيقظ نيركا‬
‫وعندما ينام نيركا أكون قدري من جديد‪ ..‬كل ما يحدث‬
‫لنيركا يؤثر في جسد قدري والعكس صحيح‪.‬‬
‫عاد الصمت ُيخيم على المكان مرة أخرى قرب الدقيقة قبل‬
‫أن يقطعه قدري‪:‬‬
‫‪-‬سيدتي هل تستطيعين مساعدتي أم ال؟‬
‫أطرقت العجوز برأسها إلى األرض‪:‬‬
‫شيء مثل‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬ال أعلم يا بني‪ ..‬أنا لم أسمع في حياتي عن‬
‫هذا‪ ..‬سمعت عن تعايش األحالم‪ ..‬أعني أن تختنق‬
‫في الحلم وتستيقظ وأنت ال تستطيع التنفس ولكن‬
‫حياتين‪...‬‬
‫ثم سكتت مرة أخرى مما دفع قدري إلى النهوض‪:‬‬
‫‪-‬ال بأس يا سيدتي‪.‬‬

‫‪- 86 -‬‬
‫قاطعته العجوز‪:‬‬
‫شخص موجودٌ في مصر يستطيع التحكم في‬ ‫ٌ‬ ‫‪-‬هناك‬
‫األحالم‪ ..‬يستطيع التحكم في ما تحلم به ولكن ال أعلم‬
‫إذا كان يستطيع مساعدتك‪.‬‬
‫مستعد لمقابلته‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬أنا‬
‫أبدا‪ ..‬سأذهب إليه باك ًرا ألرى إذا‬
‫‪-‬هو ال يقابل ضحيته ً‬
‫كان يستطيع مساعدتك‪.‬‬
‫‪-‬حس ًنا سيدتي‪ ..‬سأنتظر ردك ولكن جفناي يتثاقالن‬
‫بشدة أعتقد أن نيركا بدأ يفيق من غيبوبته يجب علي‬
‫االستئذان‪.‬‬
‫قالها قدري واتجه إلى الباب ليفتحه ويهبط درجات السلم‬
‫فنهضت هبة لتلحق به وهي تهتف‪:‬‬
‫‪-‬قدري‪.‬‬
‫التفت إليها قدري وابتسامة واهنة تسيطر عليه‪:‬‬
‫‪-‬نعم يا هبة‪.‬‬
‫ِ‬
‫ألول مرة تناديه باسمه‪:‬‬ ‫ارتبكت هبة بعد أن أدركت أنها‬
‫‪-‬أقصد سيد قدري‪ ..‬إن حياة نيركا تلك تبدو خطر وكل ما‬
‫يحدث له يؤثر بك‪.‬‬

‫‪- 87 -‬‬
‫ازدادت ابتسامة قدري وهو يتأمل ارتباك هبة‪:‬‬
‫‪-‬هذا ما يبدو‪.‬‬
‫جيدا‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪-‬احترس لنفسك‬
‫هبط بعدها قدري إلى شقت ِه في حين اتجهت هبة إلى غرفتها‪،‬‬
‫وطوال تلك الليلة أخذ القلق يعتصر قلب ووجدان هبة‪..‬‬
‫ولقد كانت محقة في قلقها هذا‪..‬‬
‫إلى أقصى حد‪..‬‬

‫‪- 88 -‬‬
‫مملكة الجبال‬

‫أبدا‬
‫‪-‬ربما المجوم خط ٌر علينا ولكن هذا ال يعني التعاون ً‬
‫مع أعداءنا‬
‫قالها كبير وزراء قبيلة هنتارو داخل ذلك الكهف الجبلي‬
‫لملك القبيلة‪.‬‬
‫للمجوم ولم ينجحوا حتى‬
‫ِ‬ ‫‪-‬لم ينجح أي ٍ‬
‫قائد في التصدي‬
‫َ‬
‫يتبق سوى‬ ‫في قتلهم حتى انقرضت القرى الصغيرة ولم‬
‫الثالث قبائل الكبرى‪.‬‬
‫أسود البشرة‬
‫َ‬ ‫تعدى طوله المترين‬
‫رد عليه ملك الهنتارو الذي َّ‬
‫َّ‬
‫حاد المالمح حليق الرأس يستقر تاج ذهبي يتوسطه حجر كريم‬
‫على رأسه وتظهر قوة بدنية عليه رغم أن عمره تعدى العقد الرابع‬
‫بأفتح منه لونًا ولكن طوله كان أقرب‬
‫َ‬ ‫في حين لم يكن كبير وزراءه‬
‫إلى المترين‪.‬‬

‫‪- 89 -‬‬
‫أحد في اختراقها‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬سيدي إن الجبال محصنة ولم ينجح‬
‫منذ والدك الملك ريكار المعظم وقوتنا البدنية مشهودٌ‬
‫ِ‬
‫الجبال بيوتًا‪.‬‬ ‫لها وخير شاهد لهذا أننا اتخذنا من‬
‫جلس ملك القبيلة على تلك الصخرة الضخمة التي نُحتت‬
‫لتأخذ شكل عرش صخري بدائي الصنعة في حين زينته قطعة فرو‬
‫لكائن مجهول‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ضخمة‬
‫‪-‬لقد وصلتني رسالة من قبيلة ساج من أحد محاربيها‬
‫ِ‬
‫للوقوف في وجه المجوم محذ ًرا‬ ‫ُيطالب القبائل الثالث‬
‫الجميع من ذلك الخطر الذي ُيهدد بقاء جنسنا كله‪.‬‬
‫أطلق كبير الوزراء ضحكة مجلجلة مما أثار حفيظة الملك‬
‫الذي بدت عليه عالمات الضيق مما دفع كبير الوزراء لالنحناء‪:‬‬
‫‪-‬سيدي الملك العظيم سوجدو‪ ..‬لم أقصد التقليل من‬
‫ِ‬
‫خوف ذلك المحارب على‬ ‫اهتمامك ولكنني أضحك من‬
‫قبيلته مما اضطره إلى طلب العون منكم‪.‬‬
‫َّ‬
‫وظل يتجول داخل الكهف‬ ‫وقف الملك سوجدو مرة أخرى‬
‫الجبلي حتى قال له كبير وزرائه‪:‬‬
‫اقتراحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫سيدي هل ُأقدم لك‬
‫‪-‬قل يا هيجنزاي‪.‬‬
‫ِ‬
‫بالجبال وننتظر عما س ُتسفر عنه المعركة‪ ..‬إذا‬ ‫‪-‬نتحصن‬
‫كانت الغَ لبة لصالح الساج والزندييون انضممنا لهم‪ ،‬وإذا‬

‫‪- 90 -‬‬
‫كانت الغلبة للمجوم فسننتظر حتى تضعفهم المعركة‬
‫وننتظرهم في جبالنا فطبيعة الجبال ليست بالسهلة ونحن‬
‫بأس وقوة؛ فإذا تعبوا من الحصار انقضضنا‬ ‫قوم ُأو ِلي ٍ‬
‫عليها وقطعنا رقابهم وأوصالهم ولنرى حينئذ إذا كان‬
‫هذا يكفي لقتلهم أم ال‪.‬‬
‫وقف بعدها هيجنزاي ينتظر رد ملكه عليه ولكن لم َ‬
‫يتلق إال‬
‫الصمت فتنحنح هيجنزاي‪:‬‬
‫‪-‬سيدي سوجدو‪.‬‬
‫نظر إليه الملك‪:‬‬
‫‪-‬هذا األمر خطير هيجنزاي‪.‬‬
‫ثم جلس على عرشه الحجري‪:‬‬
‫‪-‬اتركني اآلن هيجنزاي وشدد الحراسة على الجبال ال‬
‫أريد أن ُأفاجأ بالمجوم يجيثون خالل ديارنا‪.‬‬
‫انحنى هيجنزاي وهو يتراجع حتى خرج من الكهف الملكي‬
‫مبتعدا وعيناه‬
‫ً‬ ‫إلى ذلك الممر الجبلي‪ ..‬حينها انتصب واستدار‬
‫تلمعان بين الصخور‪.‬‬
‫‪-‬أخي ًرا اقترب حلمه من التحقق‪.‬‬
‫‪-‬لقد انتظر المعركة الكبرى طوي ًلا‪.‬‬

‫‪- 91 -‬‬
‫‪-‬سيحارب‪ ..‬وسيبلي حس ًنا وسيجعل القبيلة كلها ترى‬
‫ذلك‬
‫‪-‬ولن يكون هناك ٌ‬
‫شك إذا مات الملك في المعركة‪..‬‬
‫أبدا‪..‬‬
‫شك ً‬‫‪-‬لن يكون هناك ٌ‬
‫وعند هذه النقطة بالتحديد لمعت عينيه بشدة‪ ..‬لمعة ٍ‬
‫ملك‬
‫منتظر‪..‬‬
‫‪-‬إن الملك لن يتركه يعيش طوي ًلا‪.‬‬
‫الخشبي حيث يتم احتجاز‬
‫ّ‬ ‫القفص‬
‫ِ‬ ‫قالها أحد الحارسين على‬
‫مقيدا اليدين والقدمين فرد عليه اآلخر‪:‬‬
‫ً‬ ‫نيركا‬
‫‪-‬انظر لقد بدأ يستعيد وعيه‪.‬‬
‫كان نيركا بالفعل قد بدأ يفيق من غيبوبته وبدأ في محاولة‬
‫التخلص من قيوده ولكن أحد الحارسين قال وهما يقهقهان‪:‬‬
‫‪-‬إن التخلص من قيود جنزوا مستحيل أيها المحارب‪.‬‬
‫فرد عليه اآلخر‪:‬‬
‫ً‬
‫محظوظا لكونك ح ًيا‬ ‫‪-‬في الواقع يمكنك أن تعتبر نفسك‬
‫حتى هذه اللحظة؛ فأنت لم تتزوج وتهرب بابنة الملك‬
‫وحسب‪ ..‬بل إنك قضيت على أمل جنزوا في أن يتزوجها‬
‫ويصبح الملك القادم‪.‬‬

‫‪- 92 -‬‬
‫فقال له اآلخر‪:‬‬
‫‪-‬فأنت ال تعدو اآلن سوى عقب ٍة في طريق جنزوا فإذا‬
‫عقاب الملك فلن تنجو من سيف جنزوا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫هربت من‬
‫ثم أطلقا ضحك ًة مجلجلة‪:‬‬
‫‪-‬لألسف لن تستمر تلك األوهام كثي ًرا‪.‬‬
‫كذلك قال نيركا قبل أن يستطرد‪:‬‬
‫‪-‬سواء كنت ح ًيا أم مي ًتا وسواء كان الملك في موقع ِه‬
‫ملكا لن يكون هناك ٌ‬
‫أمل للقضا ِء على‬ ‫أو أصبح جنزوا ً‬
‫المجوم بدون اتحاد القبائل‪.‬‬
‫‪-‬أنت تهذي يا هذا أنت تعرف أن حروب القبائل مست ِعرة‬
‫منذ ِقبل حتى مجيئنا للحياة واتحاد القبائل أمر مستحيل‪.‬‬
‫هكذا رد أحد الحارسين‪.‬‬
‫‪-‬إن الخطر ُيحيط بالجميع‪ ..‬بكما وقبيلتكما وبأسرتيكما‪..‬‬
‫وأنا لدي خطة‪ ..‬أطلقا سراحي فربما كانت تلك الفرصة‬
‫األخيرة لبني جنسنا ليتخطوا تلك األزمة‪.‬‬
‫‪-‬هذا لن يحدث فإذا حتى أطلقنا سراحك فلن يرحمنا‬
‫الملك أو جنزوا‬

‫‪- 93 -‬‬
‫برأس الحارس‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آخرحروف كلماته انطلق حجر ليصطدم‬ ‫ومع‬
‫اآلخر مسددً ا لكمة صاروخية نحو‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ينقض باماسي على‬ ‫قبل أن‬
‫وجهه لتنفجر الدماء من أنف ِه ويسقط بجانب صديقه مغش ًيا عليه‪.‬‬
‫ابتسم نيركا من محبس ِه‪:‬‬
‫‪-‬أنت ال تدري مدى سعادتي لرؤيتك‪.‬‬
‫ابتسم باماسي بدوره‪:‬‬
‫‪-‬أعلم هذا‪ ..‬ولكن لنتخلص من ذلك القفص أو ًلا‪.‬‬
‫تقطيع غصون‬
‫ِ‬ ‫قالها باماسي وهو يستل سيفه ويبدأ في‬
‫األشجار التي تربط أطراف القفص مع بعضها البعض حتى وصل‬
‫إلى نيركا وحل وثاقه فنهض على الفور وسأل باماسي‪:‬‬
‫‪-‬كيف وصلت إلى هنا؟‬
‫‪-‬تتبعت أثرك‪.‬‬
‫أمسك باماسي بمعصم نيركا‪:‬‬
‫‪-‬هيا بنا نرحل قبل أن ينهض الجميع نحن وسط الجيش‬
‫الزنديوني بكامل عدته وعتاده‪.‬‬
‫سحب نيركا معصم ِه من باماسي‪:‬‬
‫‪-‬ال يمكنني الرحيل بدون زينورا‪.‬‬
‫‪-‬إن فكرة االقتراب من خيمتها تلك الليلة مستحيل وقد‬
‫قاربت الشمس على البزوخ‪.‬‬

‫‪- 94 -‬‬
‫‪-‬بدونها لن يلحق بنا جيش زنديون‪.‬‬
‫ِ‬
‫النفاذ ثم‬ ‫أطلق باماسي زفي ًرا طوي ًلا وقد أوشك صبره على‬
‫قال‪:‬‬
‫‪-‬حس ًنا لقد عاهدتك على مجاراتك حتى نهاية األمر‪..‬‬
‫أحضر عدتك ودعنا نتوجه إلى خيمة األميرة‪.‬‬
‫َّ‬
‫تلف َت نيركا حوله وأخذ يبحث في أرجا ِء المكان حتى قال‬
‫له باماسي‪:‬‬
‫‪-‬ما الذي تبحث عنه؟‬
‫‪-‬أدواتي وسيفي والقالدة ال أجد أث ًرا لهم‪.‬‬
‫‪-‬أين وضعوهم؟‬
‫فاقدا للوعي‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪-‬ال أعلم‪ ..‬كنت‬
‫‪-‬أضعت ماسة النجوم؟!‬
‫فاقدا للوعي قلت لك‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪-‬كنت‬
‫تنهد باماسي ثم نظر إلى األعلى وابتسم‪:‬‬
‫َّ‬
‫لدي فكرة‪.‬‬
‫‪َّ -‬‬
‫ثم أشار إلى تنين السامو الذي ُيحلق قري ًبا منهم‪:‬‬
‫‪-‬فلنتبع التنين فهو لن يفارق الماسة‪.‬‬

‫‪- 95 -‬‬
‫أنثوي خافت بجانبهما‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫صوت‬ ‫انطلق‬
‫‪-‬ال داعي لهذا‪ ..‬لقد أحضرتهم‪.‬‬
‫التفت الصديقان ليفاجآ بزينورا تقف بجانبهما وهي تمسك‬
‫بحزام نيركا‪.‬‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫للحظات قبل أن ُيشير إليها نيركا‬ ‫ِ‬
‫المكان‬ ‫خ َّي َم الصمت على‬
‫هامسا محد ًثا باماسي‪:‬‬
‫ً‬ ‫وهو يصيح‬
‫ادعت أنني تزوجتها‪.‬‬
‫‪-‬إنها مجنونة‪ ..‬لقد َّ‬
‫اتسعت عيني باماسي بينما ابتسمت زينورا‪:‬‬
‫‪-‬ماذا؟!‪ ،‬أترفض؟‬
‫ارتبك نيركا وهو يقول‪:‬‬
‫ِ‬
‫كدت‬ ‫‪-‬المسألة ليست لها عالقة بقبولي أو رفضي لقد‬
‫تقتلينني‪.‬‬
‫اقتربت منه زينورا‪:‬‬
‫كم عليك‬
‫لح َ‬‫‪-‬بل أنقذت حياتك‪ ..‬فلوال أنني قلت هذا؛ ُ‬
‫ولنف َذ ُه جنزوا على الفور‪.‬‬
‫الفوري َّ‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫بالموت‬ ‫الملك‬
‫بعيني زينورا الرماديتين لفتر ٍة حتى‬
‫ّ‬ ‫حدق‬ ‫‪َّ -‬‬
‫ظل نيركا ُي ِّ‬
‫قاطعهما باماسي‪.‬‬
‫‪-‬كالمها منطقي نيركا‪ ..‬ولكن ِل َم تساعديننا اآلن؟‬

‫‪- 96 -‬‬
‫ٍ‬
‫بتحد وهي تقول‪:‬‬ ‫بعيني نيركا‬
‫ّ‬ ‫ظ َّلت زينورا ت ِّ‬
‫ُحدق‬
‫‪-‬ألنني صدقتكما وألنني ذكية وأعرف أن مواجهة المجوم‬
‫لقبيل ٍة منفردة سيؤدي إلى هالكها‪.‬‬
‫خفض نيركا عينيه وهو يأخذ حزامه من يد زينورا ويربطه‬
‫حول خصره ثم يتق َّلد ماسة النجوم في حين قال باماسي‪:‬‬
‫‪-‬حس ًنا لقد شققت طريقي عبر الجيش بصعوب ٍة للوصول‬
‫لهنا‪ ،‬وأعتقد أن الخروج باألميرة لن يكون سه ًلا‪ ..‬لذا‬
‫أقترح أن نسارع في الخروج فقد بدأت أشعة الصباح في‬
‫الظهورِ بالفعل‪.‬‬
‫ابتسمت زينورا مرة أخرى‪:‬‬
‫‪-‬لن نضطر أن نشق طريقنا وسط الجيش فقد أحضرت‬
‫وسيلة نقل أسرع قلي ًلا‪.‬‬
‫ْ‬
‫أطلقت صفي ًرا عبر شفتيها ليظهر تنين من وسط األشجار‬ ‫ثم‬
‫أكبر قلي ًلا من الحصان ويتجه نحو زينورا مباشر ًة فرتبت األخيرة‬
‫على رقبت ِه وهي تقول‪:‬‬
‫ٍ‬
‫واحد من نوعه أهداه لي‬ ‫‪-‬تنين الجوكوا‪ ..‬هذا هو آخر‬
‫والدي‪ ..‬وهو رفيقي منذ والدتي‪.‬‬
‫ابتسم نيركا قائ ًلا‪:‬‬
‫أمر واحد‪.‬‬ ‫‪-‬هذا جيد لم َ‬
‫يبق سوى ٍ‬

‫‪- 97 -‬‬
‫ثم اتجه نحو أحد الحارسين الفاقدي الوعي وأخذ يهز ُه‬
‫ً‬
‫معلقا في‬ ‫ٍ‬
‫بعنف‪ ،‬ثم سكب على وجه ِه جراب الماء الذي كان‬
‫ثوان قليلة بدأ الحارس يتأوه وهو يفتح عينيه‬
‫خصر ِه وبالفعل بعد ٍ‬
‫ً‬
‫ممسكا به حتى‬ ‫بصعوب ٍة شديدة‪ ،‬ولم يكد يفتح عينيه ويجد نيركا‬
‫َّ‬
‫يستل سيفه ولكن نيركا أمسك يده وقال له‪:‬‬ ‫مد يد ُه محاو ًلا أن‬
‫َّ‬
‫لدي رسالتان أريدك أن توصلهما‪ ..‬األولى‬
‫‪-‬اسمع يا هذا‪َّ ..‬‬
‫ِ‬
‫فليأت إلى‬ ‫للملك قل له إذا أراد أن يحصل على ابنته‬
‫الوادي الكبير ويأخذها بنفسه وليواجه جيش ساب إن‬
‫استطاع‪ ..‬الثانية لجنزوا قل له أن محارب ساج يتحداك‬
‫شخص ًيا‪.‬‬
‫ثم أطاح نيركا برأس ِه لتنفجر في وجه الحارس كالقنبلة وتعيده‬
‫إلى غيبوبته‪ ..‬فنهض نيركا على الفورِ فسألته زينورا‪:‬‬
‫‪-‬ما الذي تحاول فعله؟‬
‫‪-‬أحاول أن أستفز والدك وقائد جيوشه إلى أقصى ٍ‬
‫حد‬
‫ِ‬
‫للحاق بنا‪.‬‬
‫ابتسمت زينورا وهي تقول‪:‬‬
‫‪-‬اعتبر نفسك نجحت في هذا‪.‬‬
‫ثم وثبت في قفز ٍة مدهشة فوق تنين الجوكوا ثم نظرت إلى‬
‫باماسي ونيركا‪:‬‬
‫‪-‬ه َّيا لقد طلع النهار بالفعل‪.‬‬

‫‪- 98 -‬‬
‫وبالفعل قفز نيركا وباماسي خلفها في حين تع َّل َقت زينورا‬
‫جلدي حول رقبة التنين ووخزته بقدميها وهي تصيح‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫بطوق‬
‫‪-‬هيا‪.‬‬
‫ولم ت ََكد تُطلق صيحتها حتى َف َرد التنين جناحيه على‬
‫مرتفعا عن األرض في حين طار تنين‬
‫ً‬ ‫مصراعيهما وهو ينطلق‬
‫السامو بجانبهم‪.‬‬
‫تتعد سرعته‬‫َّ‬ ‫لم تكن سرعة تنين الجوكوا بالكبيرة بل لم‬
‫ٍ‬
‫جواد منطلق‪ ،‬ولكن في الحقيقة كان على صهو ِة التنين‬ ‫سرعة‬
‫ِ‬
‫ألول مرة بأن هناك من يصدقه‪ ..‬من يؤمن ب ِه‪..‬؟‬ ‫شاب شعر‬
‫ِ‬
‫بتوحيد القبائل وساعدت ُه في‬ ‫صدقت حلمه‬ ‫وجد من َّ‬‫َ‬ ‫أخي ًرا‬
‫تماما كما كان يتمناها‪.‬‬
‫ً‬ ‫تنفيذه‪ ..‬رائعة تلك األميرة وقوية‪..‬‬
‫لم يدرك نيركا أن زينورا نفسها كانت هي األخرى تطير من‬
‫السعادة بعد أن وجدت أخي ًرا من يسبح عكس التيار‪..‬‬
‫سبيل حلمه‪..‬؟‬
‫ِ‬ ‫من يقف أمام ملوك القبائل في‬
‫مستعدا للتضحي ِة بنفسه من أجل اآلخرين‪..‬؟‬
‫ً‬ ‫من كان‬
‫أسر‬
‫محارب قبيلة ساج‪ ..‬هو لم يستطع أسرها فحسب‪ ..‬بل َ‬
‫قلبها ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫استغرقت الرحلة إلى منطق ِة الجبال معظم اليوم تخللتها‬
‫بعض فترات الراحة واألكل‪.‬‬

‫‪- 99 -‬‬
‫والحقيقة أن ثالثتهم كانوا في قم ِة السعادة من الرحلة‪ ..‬لقد‬
‫شعروا أخي ًرا بقيم ٍة لحياتهم‪ ..‬لقد شعروا أنهم يؤدون واج ًبا تجاه‬
‫أدى ذلك لمقتلهم‪ ..‬جميعهم ال يكترثون‬ ‫بني جنسهم حتى لو َّ‬
‫لذلك األمر‪..‬‬
‫ِ‬
‫حدود جبال الهنتارو مع بداية‬ ‫أخي ًرا وصلت الرحلة إلى‬
‫دخول الليل وطلب َ‬
‫نيركا من زينورا أن تُوقف تنين الجوكوا على‬
‫فنف َذت طلبه ونزل الجميع‪.‬‬
‫تل ٍة منخفضة نسب ًيا َّ‬
‫جبل أمامه‪:‬‬
‫وقف نيركا وهو يشير إلى أعلى ٍ‬
‫‪-‬هنا كهف الملك سوجدو ملك قبيلة هنتارو‪ ..‬كانت الخطة‬
‫أن نتسلق أنا وباماسي الجانب المستقيم من الجبل حيث‬
‫هجوما منه حتى نصل إلى كهف الملك‬
‫ً‬ ‫أحد‬
‫ٌ‬ ‫لن يتوقع‬
‫ِ‬
‫وجود تنين الجوكوا فلن تكون هناك مشكلة‪.‬‬ ‫ولكن في‬
‫قال باماسي‪:‬‬
‫‪-‬الملك سوجدو العظيم بنفسه؟ تريد مواجهة ملك لم‬
‫أحد في هزيمته؟‬
‫ينجح ٌ‬
‫‪-‬نعم‪.‬‬
‫نظر باماسي إلى زينوا التي سألت‪:‬‬
‫‪-‬وماذا بعد مواجهته؟‬

‫‪- 100 -‬‬


‫قال لهم نيركا‪:‬‬
‫‪-‬فلنترك ذلك لوقتها‪.‬‬
‫اتسعت عينا زينورا الرماديتين وهي تهتف‪:‬‬
‫‪-‬أنت بالفعل مجنون‪ ..‬تريد مواجهة الملك سوجدو؟!‬
‫بهدوء شديد‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫قال نيركا‬
‫‪-‬نعم تلك هي الخطة‪.‬‬
‫ابتسم باماسي وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬لن تكون تلك المواجهة سهلة‪.‬‬
‫ثم ازدادت ابتسامته أكثر وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬أنا معك‪.‬‬
‫ثم قفز باماسي على ظهر التنين‪ ..‬هنا ابتسم نيركا وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬تُحب التحدي كعادتك‪.‬‬
‫ثم قفز خلفه وهو يقول‪:‬‬
‫ِ‬
‫أردت أيتها األميرة‪.‬‬ ‫‪-‬يمكنك انتظارنا هنا إن‬
‫ولكن زينورا قفزت أمام باماسي وهي تقول‪:‬‬
‫‪-‬لم ِ‬
‫آت هنا ألنتظرك حتى تنتهي من معاركك‪.‬‬
‫ثم التفتت لتنظر إلى نيركا وهي تقول‪:‬‬
‫‪-‬وبالمناسبة ُأدعى زينورا‪.‬‬

‫‪- 101 -‬‬


‫ثم نظرت أمامها وهي توكز التنين بكعبيها‪:‬‬
‫‪-‬هيا‪ ..‬انطلق‪..‬‬
‫سفح‬
‫ِ‬ ‫ً‬
‫منخفضا حتى‬ ‫وبالفعل أطلق التنين صيحت ُه وطار‬
‫رأسي وهو ينطلق إلى األعلى‬
‫ّ‬ ‫بشكل شبه‬
‫ٍ‬ ‫الجبل الشاعق ثم طار‬
‫حتى وصل إلى قم ِة الجبل‪.‬‬
‫هنا ألقى نيركا جسده في الهوا ِء ليدور دور ًة كاملة ليهبط على‬
‫قمة الجبل وكذلك فعل باماسي وزينورا‪.‬‬
‫ممر ضيق نهايته كهف الملك ويقف أمامهم‬‫هبط ثالثتهم في ٍ‬
‫خمسة حراس طول ِّ‬
‫كل منهم حوالي المترين مع ِ‬
‫لون البشرة الداكن‬
‫المميز لقبيل ِة هنتارو‪.‬‬
‫وما إن رآهم الحرس حتى انطلق ثالثة منهم تجاههم وتأهَّ َب‬
‫للدفاع عن الملك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫االثنان اآلخران‬
‫َّ‬
‫استل باماسي سيفه فنظر إليه نيركا‪:‬‬
‫أحدا اليوم‪.‬‬
‫‪-‬بال دم باماسي‪ ..‬لن نقتل ً‬
‫حد َق به باماسي لوهل ٍة كأنما يعترض على قرار ِه ولكنه قطع‬
‫َّ‬
‫غمد السيف من حزامه‪ ،‬ثم أغمد سيفه في غمد ِه وهو يمسك ُه‬
‫منتظ ًرا الحراس بينما ظلت زينورا متمسك ًة بسيفها فنظر إليها نيركا‬
‫فابتسمت وقالت‪:‬‬
‫أحدا منهم‪.‬‬
‫‪-‬ال تقلق‪ ..‬لن أقتل ً‬

‫‪- 102 -‬‬


‫نفس الوقت الذي وصل فيه الحراس الثالث إلى‬
‫ِ‬ ‫في‬
‫مهاجميهم فنزلت سيوف الحراس على أجساد نيركا وباماسي‬
‫وزينورا‪ ..‬لكن األول انحنى ليتفادى سيف مهاجم ِه بينما تفادت‬
‫زينورا نصل السيف ودارت بجسدها المرن دور ًة كاملة لتجد‬
‫نفسها خلف الحارس‪ ..‬بينما رفع باماسي غمد سيفه الحديدي‬
‫ليصد ب ِه سيف مهاجمه ولكن الحراس كانوا األفضل في الهنتارو‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫هول الضربة التي‬ ‫ِ‬
‫بالسيف يكاد يتحطم بيد ِه من‬ ‫فشعر باماسي‬
‫تلقاها‪ ..‬بل إن جسده خار قواه لوال أن َّ‬
‫رك َز بركبته على األرض‪..‬‬
‫بينما انطلقت ساق مهاجم زينورا لتستقبل هبوطها خلفه في ركل ٍة‬
‫خلفية أطاحت بها المترين إلى الوراء‪ ..‬بينما استقبلت رقبة نيركا‬
‫يد الحارس الذي يهاجمه الذي تش َّب َث برقب ِة نيركا الذي شعر‬
‫بالهوا ِء يجثو على صدره والدماء تخرج من عينيه ومن رأسه‪.‬حاول‬
‫ِّ‬
‫بكل قوته أن يفلت من يد الحارس ولكن يد الحارس كانت‬ ‫نيركا‬
‫صلبة كالفوالذ فاستجمع نيركا ما تبقى من قواه وبضرب ٍة واحدة‬
‫إلى معصم الحارس أفلت رقبة نيركا الذي لم يكد يتسلل الهواء‬
‫إلى صدره حتى فوجئ بمعصم السيف ينفجر في أنف ِه ليلقيه على‬
‫األرض مرة أخرى والدماء تنفجر من أنفه‪.‬‬
‫استطاع باماسي النهوض مرة أخرى وتبارز بالسيف مع‬
‫حارسه وكانت مهاراتهما شبه متساوية وسرعتهما ً‬
‫أيضا ولكن قوة‬
‫الحارس الذي كان ُيحاول قتل باماسي كانت أكبر‪ ..‬بينما كان‬

‫‪- 103 -‬‬


‫باماسي يكتفي بالدفاع عن نفسه كما طلب منه نيركا حتى فوجئ‬
‫بكوع الحارس ينفجر في وجه ِه ويلقيه على األرض‪.‬‬
‫ِ‬
‫نظر باماسي إلى نيركا الذي غطت الدماء وجهه وهتف‪:‬‬
‫‪-‬أما زالت األوامر كما هي؟‬
‫‪-‬نعم باماسي‪ ..‬بال دماء‪.‬‬
‫نهضت زينورا من فوق األرض وهي تحاول صد سيف‬
‫الحارس وتفادي هجومه بحركاتها البهلوانية ولكن ضربات‬
‫الحارس ازدادت قوة بينما بدا اإلرهاق والتعب على زينورا‪.‬‬
‫حاول نيركا النهوض ولكن الحارس ألقى بجسد ِه عليه ل ُيحيط‬
‫رقبته بساعد ِه وهو ُيجبره على النهوض ثم يوجه نصل السيف إلى‬
‫رقبته وهو يهتف بزينورا وباماسي‪:‬‬
‫‪-‬استسلما‪ ..‬سأقتل زميلكما إن لم تفعال‪.‬‬
‫ً‬
‫ممسكا بسيف ِه المغمد بجرابه بينما‬ ‫نهض باماسي وهو ما زال‬
‫ظلت زينورا تحاول أن تستجمع أنفاسها المتالحقة‪.‬‬
‫خرج الملك سوجدو من كهف ِه إثر الجلبة في الخارج‪..‬‬
‫ففوجئ بالمعرك ِة ولكنه نظر إلى زينورا وقال لها‪:‬‬
‫‪-‬إنني أعرفك‪ِ ..‬‬
‫أنت ابنة ملك زنديون‪.‬‬
‫ثم أدار نظره بين نيركا وباماسي‪:‬‬
‫‪-‬وأنتما مقاتال قبيلة ساج‪.‬‬

‫‪- 104 -‬‬


‫ٍ‬
‫بصوت متحشرج أن يقول‪:‬‬ ‫حاول نيركا‬
‫‪-‬لقد بعثت إليك برسالة‪.‬‬
‫فنظر إليه الملك سوجدو‪:‬‬
‫‪ً -‬‬
‫إذا فأنت من بعث الرسالة‪.‬‬
‫ثم أطلق ضحكة وهو يستطرد‪:‬‬
‫بأسلوب من يطلب المساعدة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪-‬ولكن هذا ليس‬
‫الوضوح وهو يقول‪:‬‬
‫ِ‬ ‫بدأ صوت نيركا في‬
‫‪-‬خطر المجوم هو على القبائل جميعها فال تغرنَّكم قوة‬
‫أجسادكم ومهارتكم في القتال فإن أعداد المجوم أكبر‬
‫من أن توقفوها وحدكم‪.‬‬
‫ثم ابتسم نيركا وهو يقول‪:‬‬
‫طلب المساعدة؟ أنا أتحداك‬
‫ِ‬ ‫‪-‬ثم من قال شي ًئا عن‬
‫شخص ًيا‪.‬‬
‫انقبضت أسارير الملك سوجدو وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬تتحداني أنا؟‬
‫ثم أطلق ضحك ًة مجلجلة هزَّت أرجاء الجبل وسط ظالم‬
‫الليل‪.‬‬
‫‪-‬أتعي طلبك؟ أتعلم مع من تتحدث؟‬

‫‪- 105 -‬‬


‫زهو‪:‬‬
‫ثم قال في ٍ‬
‫‪-‬أنا الملك سوجدو العظيم كبير محاربي قبيلة هنتارو‬
‫القوية والذي لم ينجح محارب في هزيمت ِه طوال تاريخه‪.‬‬
‫ضحك الحراس الخمس فازدادت ابتسامة نيركا وهو يقول‪:‬‬
‫‪ً -‬‬
‫إذا ليس لديك ما تخشاه إن كنت كما تقول‪.‬‬
‫استشاط الملك غض ًبا بينما ظل باماسي وزينورا ينظران إلى‬
‫بعضهما البعض حتى أشار الملك سوجدو إلى الحارس الممسك‬
‫بنيركا ليتركه وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬حس ًنا‪ ..‬وأنا قبلت التحدي‪.‬‬
‫أفلت الحارس رقبة نيركا الذي ظلت االبتسامة على وجه ِه‬
‫وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬ليس اليوم أيها الملك العظيم وليس هنا‪.‬‬
‫انقبضت أسارير الملك سوجدو وهو يستمع إلى نيركا الذي‬
‫أردف‪:‬‬
‫غدا في الوادي الكبير وسأحضر معي تاجك‪.‬‬
‫‪-‬سأنتظرك ً‬
‫تحسس الملك تاجه وهو يتساءل‪:‬‬
‫‪-‬تاجي؟‬
‫ازدادت ابتسامة نيركا المخضبة بالدما ِء وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬نعم تاجك‪.‬‬

‫‪- 106 -‬‬


‫َّ‬
‫استل نيركا من حزام ِه تلك القارورة‬ ‫وفي لحظ ٍة واحدة‬
‫الصغيرة ل ُيلقيها على األرض وهو يهتف‪:‬‬
‫‪-‬باماسي أحضر زينورا‪.‬‬
‫بدوي مكتوم‬
‫ٍّ‬ ‫وما إن لمست القارورة األرض حتى انفجرت‬
‫وانطلق دخان كثيف منها ليمأل المكان‪.‬‬
‫وما إن انقشع الدخان حتى اختفى ثالثتهم ووقف الحراس‬
‫ينظرون إلى الملك الذي تحسس رأسه العارية والغضب يمأل‬
‫عينيه لدرج ٍة أخافت حراسه أنفسهم وهو يصيح‪:‬‬
‫‪-‬حس ًنا أيها المحارب سآتي إليك‪.‬‬
‫‪-‬وسأحضر جيشي كله‪.‬‬
‫‪-‬ولتجد مكانًا على وج ِه هذا الكوكب لتختبئ مني‪.‬‬

‫‪- 107 -‬‬


‫الصاغة‬

‫عائد بعد‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫بنظرات اللهفة والقلق وهو‬ ‫استقبلت هبة قدري‬
‫صال ِة الجمعة متك ًئا على صديق ِه دكتور أكرم وأنفه تحتوي على‬
‫ضمادتين قطنيتين تمنعان النزيف‪.‬‬
‫‪-‬هل َ‬
‫أنت بخير؟‬
‫هكذا سألته هبة‪:‬‬
‫‪-‬إنني بخير‪ ..‬وقعت على أنفي ُ‬
‫فكسرت‪.‬‬
‫تغيرت نظرة أكرم وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬للمر ِة األخيرة هذه ليست بصدم ٍة على األرض ولكنها‬
‫شيء صلب‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫اصطدام مباشر ربما بهراو ٍة أو‬
‫ثم نظر إلى هبة وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬أكرم مرسي‪ ..‬أخصائي الطوارئ بالقصر العيني‪.‬‬

‫‪- 109 -‬‬


‫ابتسمت هبة ابتسام ًة مرحبة وهي تقول‪:‬‬
‫‪-‬هبة منصور‪ ..‬جارة قدري الجديدة‪.‬‬
‫صنعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪-‬أنت من اعتنى بجروحه؟‪ ،‬لقد أحسنت‬
‫وصل قدري إلى باب شقته ففتحه ودخل وألقى بجسد ِه على‬
‫أول كرسي ودخال وراءه هبة وأكرم الذي قال‪:‬‬
‫علي واجب الصداقة وأوصلتك حتى‬
‫‪-‬لقد فعلت ما ُيمليه َّ‬
‫شقتك ولكن يجب أن أعود إلى عملي ف أصدقائي لن‬
‫يتحملوا غيابي طوي ًلا‪.‬‬
‫أشار إليه قدري شاك ًرا فالتفت أكرم إلى هبة‪:‬‬
‫‪-‬فرصة سعيدة يا سيدتي‪.‬‬
‫فابتسمت هبة كعادتها مجامل ًة‪:‬‬
‫‪-‬بالفعل هي كذلك‪.‬‬
‫خرج أكرم من الشقة‪ ..‬فالتفتت هبة إلى قدري‪:‬‬
‫‪-‬صعبة هي حياة نيركا أليس كذلك؟‬
‫قال لها قدري غاض ًبا‪:‬‬
‫‪-‬لقد كسر لي أنفي هذا الحقير وقد كنت أحب شكل‬
‫أنفي‪.‬‬
‫ِ‬
‫إطالق ضحكة قصيرة وهي تقول‪:‬‬ ‫لم تتمالك هبة نفسها من‬
‫‪-‬إن هذا الحقير في الواقع هو أنت وأنت نائم‪.‬‬

‫‪- 110 -‬‬


‫وهم أن ينفجر في وجه هبة ولكن‬ ‫َّ‬ ‫اقتضبت أسارير قدري‬
‫المالئكي وابتسامتها البريئة فلم يتمالك‬
‫ّ‬ ‫نظرته اصطدمت بوجهها‬
‫نفسه هو اآلخر من االبتسام‪.‬‬
‫‪-‬لقد ذهبت والدتي إلى ذلك الساحر الذي َذ َكرته‪.‬‬
‫ابتسم قدري واالنهاك يكاد يهزمه‪:‬‬
‫باب فضلت طرقه‪..‬‬
‫‪-‬أنا ال أعوِّل كثي ًرا على هذا‪ ..‬ولكنه ٌ‬
‫فقد حاولت بش َّتى الطرق التخلص من حياتي األخرى‪.‬‬
‫ثم نهض قدري‪:‬‬
‫‪-‬هل ُأحضر ِ‬
‫لك مشرو ًبا أو ما شابه؟‬
‫بالخجل لوجودها لوحدها في شق ِة قدري‪:‬‬
‫ِ‬ ‫شعرت هبة‬
‫‪-‬بل سأصعد إلى شقتنا‪.‬‬
‫التفتت هبة بالفعل لتخرج من الشقة ولكن قدري قال لها‪:‬‬
‫‪-‬سأخرج بعد قليل‪.‬‬
‫ثم ارتبك قلي ًلا وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬كنت أتساءل‪ ..‬أتودين الخروج معي إلى محالت الذهب‬
‫وربما تناول الغداء‪.‬‬
‫ارتبكت هبة بدورها ولكنها أومأت برأسها إيجا ًبا ثم أغلقت‬
‫ِ‬
‫درجات السلم مبتعدة‬ ‫الباب خلفها وصوت أقدامها تعدو على‬
‫يتعالى‪.‬‬

‫‪- 111 -‬‬


‫‪ٌ -‬‬
‫شرف لي مقابلتك صفوت باشا‪.‬‬
‫قالها سليم بجسد ِه النحيل القبيح وهو يجلس أمام صفوت‬
‫بجسد ِه البدين خلف مكتب ِه‪.‬‬
‫‪-‬سمعت عنك الكثير سليم‪.‬‬
‫‪-‬ليس أكثر مما سمعته عنك‪ ..‬كنت أتمنى مقابلتك منذ‬
‫فتر ٍة وأن أصبح أحد رجالك‪.‬‬
‫أطلق صفوت ضحك ًة قصيرة ثم قال‪:‬‬
‫‪-‬سأختبرك أو ًلا سليم في هذه العملية‪..‬‬
‫ثم نهض بصعوب ٍة من خلف مكتبه فنهض سليم على الفور‪:‬‬
‫‪-‬قل لي يا سليم‪ ..‬ما الذي سأل عنه ذلك الضابط مرة‬
‫أخرى؟‬
‫ٍ‬
‫رجال ُيجيدون التكلم بلغ ٍة‬ ‫‪-‬فقط سأل عن من يبحث عن‬
‫أجنبية‪.‬‬
‫جلس صفوت في الكرسي المقابل لسليم وهو يشير له‬
‫بالجلوس‪:‬‬
‫‪-‬ما مدى معرفتك بذلك الضابط؟‬
‫‪-‬إنه يشتري مني تموينه من الهيروين منذ أكثر من عامين‪.‬‬
‫التعامل معه؟‬
‫ِ‬ ‫‪-‬ولم تحدث أية مشكلة في العامين في‬

‫‪- 112 -‬‬


‫ه َّز سليم رأسه نف ًيا‪:‬‬
‫‪-‬وال حتى مرة واحدة‪ ..‬كنت في األول متخو ًفا في التعامل‬
‫معه وكنت متخي ًلا في ِ‬
‫كل مقابل ٍة أنه سينصب لي كمي ًنا‪..‬‬
‫المخدر وال‬
‫ولكن بعد فتر ٍة تأكدت أنه أدمن ذلك ُ‬
‫يستطيع االبتعاد عنه‪.‬‬
‫ثوان وعالمات التفكير العميق تبدو عليه ثم‬
‫صمت صفوت ٍ‬
‫أشار إلى باب الغرفة وهو يقول‪:‬‬
‫معا تلك‬
‫‪-‬ستجد ستيفان في الخارج ينتظرك‪ ..‬ستؤديان ً‬
‫المهمة‪ ..‬نصيحة لك ال تغضبه‪ ..‬وال تقلق من اللغة‪..‬‬
‫ستجد من ُيترجم لك األوامر غير أن عربية ستيفان ليست‬
‫بالسيئة‪.‬‬
‫نهض سليم على الفور وهو يمد يده لمصافحة صفوت‪:‬‬
‫‪-‬بالطبع‪ ..‬شك ًرا ِ‬
‫لك يا سيدي‪.‬‬
‫ٍ‬
‫تعال‪ ،‬ثم نهض وتوجه نحو‬ ‫نظر صفوت نحو يد سليم في‬
‫ممدا يده قبل أن يخفضها ويخرج‬ ‫ٍ‬
‫للحظات ً‬ ‫كرسيه بينما ظل سليم‬
‫من باب الغرفة ليترك صفوت ليتم بعض االتصاالت‪.‬‬
‫جلست هبة أمام قدري في أحد المطاعم وهما يتجاذبان‬
‫باالرتياح الشديد لبعضهما‬
‫ِ‬ ‫أطراف الحديث وكالهما يشعران‬
‫البعض وقد فرغا من تناول غداءهما ويحتسيان المشروب وابتسامة‬
‫تمأل وجهيهما‪.‬‬

‫‪- 113 -‬‬


‫‪-‬لست متخيلة ما تقول قدري‪.‬‬
‫ازدادت ابتسامة قدري وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬صدقيني هذه هي الحقيقة‪ ..‬كنت طوال عمري هكذا‪..‬‬
‫أنام بجانب والدتي ألصحو بجانب والدة نيركا وأذهب‬
‫صباحا ألجد نفسي أحارب سحرة وتنانين‬
‫ً‬ ‫إلى المدرس ِة‬
‫بآالم في ضرس نيركا ليعالجها لي طبيب‬
‫ٍ‬ ‫بالليل وأشكو‬
‫عائلة قدري‪.‬‬
‫تفسير علمي لما تقول‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬لكن ال يوجد أي‬
‫‪-‬أعلم هذا‪ ..‬وأعلم أن هذا النيركا ليس في زماننا أو حتى‬
‫في كوكبنا أو البعد الذي نعيش فيه ولكن معرفتي لن‬
‫تُغير من األمر شي ًئا‪ ..‬ما زال ما يحدث له يؤثر بي‪.‬‬
‫ثم نظر قدري نحو ساعته وقال‪:‬‬
‫‪-‬لقد تأخرنا لقد غابت الشمس وكنت أود الذهاب إلى‬
‫ورشة للذهب‪.‬‬
‫‪-‬تتبضع؟‬
‫أطلق قدري ضحكة قصيرة‪:‬‬
‫‪-‬ال يوجد من ِ‬
‫بق َي من أهلي ألهاديه‪ ..‬وكما ترين أعيش‬
‫وحيدا‪.‬‬
‫ً‬

‫‪- 114 -‬‬


‫باإلحراج الشديد لسؤالها ولكن قدري استكمل‬
‫ِ‬ ‫شعرت هبة‬
‫حديثه‪:‬‬
‫جزء من القضية التي ِ‬
‫كنت شاهد ًة عليها‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪-‬بل هو‬
‫ثم نهض قدري وهبة بعد أن دفع قدري حساب المطعم‬
‫وتوجها إلى سيارة قدري‪.‬‬
‫ظلت سيارة قدري تتجول بين أحياء القاهرة حتى وصلت‬
‫إلى أعتاب شارع الصاغة بقلب القاهرة القديمة‪.‬‬
‫نزل قدري وهبة وأخذا يتجوالن عبر المحالت والورش التي‬
‫انتشرت في شوارع ذلك الشارع األثري التي تعالت به أصوات‬
‫البهجة والزغاريط وتبهرج به اللون األصفر وسط أجيج الزائرين‪.‬‬
‫بشارع جانبي‪ ،‬ثم دخل ليجد‬
‫ٍ‬ ‫وقف قدري أمام ورش ٍة للذهب‬
‫عاما يجلس خلف مكتبه ويقف‬ ‫رج ًلا ملتح ًيا تعدى عمره الستين ً‬
‫ضخمي الجثة ورغم ِقدم المكان إ َّلا أن قدري الحظ‬
‫ّ‬ ‫بجانب ِه شابين‬
‫وجود كاميرة مراقبة فوق باب صغير استنتج قدري أنه المدخل‬
‫لورش ِة الذهب‪.‬‬
‫‪-‬نحن ال نبيع الذهب‪ ..‬ستجد الذهب لعروسك في‬
‫ِ‬
‫محالت الذهب المنتشرة في الصاغة ولكن الورش تبيع‬
‫للمحالت‪.‬‬

‫‪- 115 -‬‬


‫هكذا قال الملتحي فور أن رأى قدري وهبة التي كسا وجنتيها‬
‫حمار الخجل‪.‬‬
‫‪-‬لسنا هنا للتبضع يا سيدي‪.‬‬
‫هكذا قال قدري وهو يبرز تحقيق شخصيته‪.‬‬
‫‪-‬لقد جئت لسؤالك بعض األسئلة‪.‬‬
‫ألقى الملتحي نظرة سريعة ثم نهض من مكانه وهو يشير إلى‬
‫هبة وقدري بالجلوس‪:‬‬
‫‪-‬تفضال اجلسا‪ ..‬أعتذر عن هذا الخطأ‪.‬‬
‫جلس قدري وهبة‪:‬‬
‫‪-‬ال داعي لالعتذار‪ ..‬كنت أريد أن أسألك عن بائع‬
‫لي تتعامل معه ُيدعى كيرلس منير‪.‬‬
‫وح ّ‬
‫مجوهرات ُ‬
‫جلس الملتحي مكانه وهو يقول‪:‬‬
‫دخل‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬نعم لقد سمعت بما حدث له‪ ..‬ولكن ليس لي أي‬
‫بهذا‪.‬‬
‫‪-‬ليس هذا ما أردت سؤالك عنه‪ ..‬أنت تتعامل معه منذ‬
‫فتر ٍة طويلة‪.‬‬
‫‪-‬نعم سنوات‪.‬‬
‫‪-‬هل تأخر مرة في الدفع لك؟‬

‫‪- 116 -‬‬


‫التعامل من الشق المادي ولم‬
‫ِ‬ ‫جدا في‬
‫جيدا ً‬
‫ً‬ ‫‪-‬ال كان‬
‫يحدث أي اختالف بيننا وكان هو راض ًيا عن مستوى‬
‫مخصوصا له‪.‬‬
‫ً‬ ‫لي التي أصنعها‬
‫الح ِّ‬
‫ُ‬
‫سريعا ثم عاد إلى الشيخ‪:‬‬
‫ً‬ ‫أدار قدري عينيه في المكان‬
‫‪-‬هل كانت له طلبات خاصة؟‬
‫‪-‬ال‪ ..‬لم يطلب شي ًئا محددً ا‪ ..‬ولكنه كان يأتيني بآللئ‬
‫وأحجار كريمة في بعض األحيان ويطلب مني وضعها‬
‫حلي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫في‬
‫انقبضت أسارير قدري‪:‬‬
‫‪-‬أحجار كريمة؟‬
‫‪-‬نعم ومن أجود األنواع وأحسنها وكان ً‬
‫أيضا يأتي لي‬
‫وحلي‬
‫بقطع من الماس ويطلب لي ترصيعها في سالسل ُ‬
‫ٍ‬
‫كما حدث قبل وفاته مباشرةً‪.‬‬
‫انتصب قدري مرة واحدة‪:‬‬
‫‪-‬هل َأحضر لك شي ًئا قبل وفاته؟‬
‫وقف الشيخ الملتحي بدوره وكذلك فعلت هبة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫عقد‬ ‫‪-‬نعم‪ ..‬بعض الماسات الباهظة وطلب مني صنع‬
‫يحتوي على تلك الماسات‪.‬‬
‫‪-‬وماذا فعلت بذلك العقد؟‬

‫‪- 117 -‬‬


‫غدا عند‬
‫‪-‬ال شيء‪ ..‬لم أنت ِه منه بعد‪ ..‬سأسلمه البن ِه ً‬
‫الغروب‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مصدق أن الحظ‬ ‫بالرجل غير‬
‫ِ‬ ‫اتسعت عينا قدري وهو ُيحدق‬
‫ً‬
‫حليفا له هذه المرة‪.‬‬ ‫وقف‬
‫شيء‬
‫ٍ‬ ‫لقد كان غاية أمله وهو يسأل عن الورشة؛ أن يعلم أي‬
‫ِ‬
‫للوصول البنه ولم يكن يتخيل أنه سيجد نفسه‬ ‫عن القتيل تؤدي‬
‫أمام هدف ِه وج ًها لوجه‪.‬‬
‫‪-‬جان؟! هل جاء إليك؟‬
‫ه َّز الرجل رأسه نف ًيا‪:‬‬
‫‪-‬لقد اتصل بي وأخبرته بميعاد انتهائي من العقد‪.‬‬
‫ٍ‬
‫للحظات وعالمات التفكير تبدو عليه حتى‬ ‫تجهم قدري‬
‫سأله صاحب الورشة‪:‬‬
‫‪-‬أتريدني أال أسلمه إياه؟‬
‫غدا وسأتواصل معك قبلها‪.‬‬
‫‪-‬ال‪ ..‬موعدكما كما هو ً‬
‫ثم نظر إلى هبة‪:‬‬
‫‪-‬هيا بنا‪.‬‬
‫َّ‬
‫وشقا طريقهما وسط زحام الليل‬ ‫صاحبته هبة إلى الخارج‬
‫جانبي الطريق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وبين بريق الذهب المتألأل على‬
‫‪-‬هل من المفترض أن أفهم شي ًئا مما حدث في الداخل؟‬

‫‪- 118 -‬‬


‫‪-‬ال‪ ..‬إطال ًقا ولكن يبدو أن قضيتكما على وشك أن تحل‬
‫نفسها‪.‬‬
‫بشكل تلقائي‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ثم ازدادت ابتسامة قدري وهو يمسك يدها‬
‫‪-‬وقد أعطتني فرصة العمر التي كنت أنتظرها والتي ستغير‬
‫مسار حياتي‪.‬‬
‫تسمرت هبة في مكانها مجرد أن المست يد قدري يدها‬ ‫َّ‬
‫والتفتت إليه وغاصت في عينيه الحانيتين‪.‬‬
‫وتبدد الزحام‪.‬‬
‫َ‬ ‫وللحظ ٍة اختفت الدنيا من حولهما‬
‫‪ً -‬‬
‫إذا فقد وجدت مجنونة أخرى توافق بك‪.‬‬
‫ٌ‬
‫صوت أنثوي بجانبهما ودوى في أذني هبة‬ ‫هكذا انطلق‬
‫كالقنبلة التي التفتت لتجد شقراء ترتدي مالبس زاهية األلوان‬
‫وتقف بجانبهما وتنظر إلى قدري والغضب يبدو عليها‪.‬‬
‫‪-‬سميرة؟‬
‫هكذا هتف قدري‪.‬‬
‫‪-‬نعم سميرة‪.‬‬
‫ثم نظرت نحو هبة نظرة متفحصة شملتها من شعرها إلى‬
‫أصابع قدميها‬
‫‪-‬هذه هي العروس الجديدة ً‬
‫إذا؟‬

‫‪- 119 -‬‬


‫ثم نظرت إلى قدري‪:‬‬
‫‪-‬هل تشتري لها شبكة الزفاف؟‬
‫تدخلت هبة في الحوار‪:‬‬
‫‪-‬أنا ال أفهم‪..‬‬
‫قاطعتها سميرة‪:‬‬
‫جدا؟ هل‬
‫‪-‬هل قال لك أن سمعته بالمديرية كلها سيئة ً‬
‫أخبرك أن ال أحد من إدارته كلها يعمل معه؟ هل قال لك‬
‫أنه مرتشي؟ هل أخبرك أنه مضطرب نفس ًيا؟ إنه يجرح‬
‫نفسه بالليل‪.‬‬
‫هنا استشاط قدري غض ًبا‪.‬‬
‫‪-‬سميرة‪ ..‬كفى‪.‬‬
‫هزَّت سميرة رأسها في ال مباال ٍة‪.‬‬
‫شيء عليك ولكن هذا ليس‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬ربما لم يستطع أحد إثبات‬
‫معناه أنك بريء‪.‬‬
‫أدارت هبة عينيها بينهما والذهول والصدمة يغلفانها ثم‬
‫نظرت إلى سميرة‪:‬‬
‫دخل لك‬
‫ٍ‬ ‫عم تتكلمين ولكنني ال أرى أي‬
‫‪-‬أنا ال أعلم َّ‬
‫بالموضوع‪.‬‬

‫‪- 120 -‬‬


‫انطلقت ضحكة ساخرة من حنجرة سميرة التي قالت‪:‬‬
‫‪-‬في الواقع إن لي دخل كبير بالموضوع‪.‬‬
‫ثم نظرت إلى قدري‪:‬‬
‫‪-‬إنني زوجته‪.‬‬
‫هنا صاح قدري‪:‬‬
‫‪-‬قلت لك كفى‪.‬‬
‫الثلج ُسكب على رأسها حتى‬
‫ِ‬ ‫شعرت هبة كما لو أن دلوا من‬
‫الكلمات تحشرجت في حلقها وهي تقول‪:‬‬
‫‪-‬لقد فهمتي خطأ يا سيدتي لقد كنا فقط نتجول ولست‬
‫عروسه‪.‬‬
‫نفسا بصعوب ٍة ثم استدركت‪:‬‬
‫ثم أخذت ً‬
‫كالغريب بينكما اآلن‪ ..‬فاسمحا لي‬
‫ِ‬ ‫‪-‬ويبدو أنني‬
‫باالنصراف‪.‬‬
‫َّ‬
‫لتتلقى الرد فقد استدارت مبتعدة‬ ‫قالتها هبة ولم تنتظر‬
‫بخطوات واسعة محاول ًة أن تبتعد قدر اإلمكان قبل أن تهزم‬
‫ٍ‬
‫َ‬
‫هتف قدري‪:‬‬ ‫دموعها رباطة جأشها‪ ..‬في حين‬
‫‪-‬هبة انتظري‪ ..‬دعيني أشرح ِ‬
‫لك‪.‬‬
‫إ َّلا َّ‬
‫أن يد سميرة قبضت على معصم ِه ومنعته من اللحاق بها‪:‬‬
‫‪-‬لماذا تهتم إذا لم يكن بينكما عالقة؟‬

‫‪- 121 -‬‬


‫سحب قدري يده من سميرة في غلظ ٍة‪.‬‬
‫‪-‬ما الذي فعلتيه؟ ألم نتفق على أن يبتعد كل منا عن‬
‫طريق اآلخر؟‬
‫قالت سميرة في ال مباال ٍة‪.‬‬
‫‪-‬لقد أنقذت تلك المسكينة من براثنك‪.‬‬
‫أطلق قدري زفي ًرا حا ًرا يحمل كل انفعاالته محاو ًلا تمالك‬
‫نفسه إلى أقصى ٍ‬
‫حد‪.‬‬
‫‪-‬ما الذي تريدينه يا سميرة؟‬
‫‪-‬أريد ورقة الطالق‪.‬‬
‫‪-‬وأنا لم أمانع‪ ..‬كان لدي بعض العمل وسأنتهي منه‬
‫وستصلك ورقة الطالق‪.‬‬
‫‪-‬أنت تقول هذا منذ أسابيع‪.‬‬
‫‪-‬كنت مشغو ًلا في تلك األسابيع وستصلك ورقة الطالق‬
‫خالل أيام‪.‬‬
‫ساد الصمت بينهما وسط زحام الصاغة فبادر قدري بالسؤال‪:‬‬
‫‪-‬أتريدين شي ًئا آخر؟‬
‫ٍ‬
‫اكتراث‪:‬‬ ‫هزَّت سميرة كتفيها بعدم‬
‫طبعا ال شيء آخر‪.‬‬
‫‪-‬منك؟ ً‬
‫‪ً -‬‬
‫إذا فقد انتهى الحوار بيننا عند هذا الحد‪.‬‬

‫‪- 122 -‬‬


‫انطلق قدري بعده بين زحام السوق وعينيه تجوبان بين‬
‫المارة تبحث عن هبة‪.‬‬
‫تلك اإلنسانة الرقيقة التي عرفها‪..‬‬
‫الوحيدة التي صدقته‪..‬‬
‫يريد أن يشرح لها حقيقة إحساسه‪..‬‬
‫شيء آخر‪..‬‬
‫ٌ‬ ‫يريد أن يقول لها أنها‬
‫وأنها الشخص الذي يريد قضاء بقية عمره معه‪..‬‬
‫هي من كان يبحث عنها‪..‬‬
‫وصل قدري سيارته والدماء تغلي برأس ِه والصداع يكاد يفتك‬
‫برأسه‬
‫وما إن دلف داخل السيارة حتى قال لنفسه‪:‬‬
‫‪-‬لم َ‬
‫يبق إال مشوا ًرا أخي ًرا يجب أن ُينفذ اليوم‪.‬‬
‫تمض ساعة حتى كان قدري يقف أمام سليم أمام ذلك‬
‫ِ‬ ‫لم‬
‫البيت المتهالك في الحار ِة الضيقة المظلمة‪.‬‬
‫‪-‬يجب أن تخفف استهالكك قدري باشا‪ ..‬أصبحت‬
‫تستهلك كميات كبيرة‪.‬‬
‫واعظ حتى تنصحني‪ ..‬أريد ما لديك‬
‫ٍ‬ ‫لشيخ وال‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬أنا لم ِ‬
‫آت‬
‫شاكر‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫من بضاع ٍة وغلفها بصمتك أكون أكثر من‬

‫‪- 123 -‬‬


‫أطلق سليم ضحكة مجلجة وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬أصبحت حاد المزاج قدري باشا والهاالت السوداء‬
‫تُحيط بعينيك‪ ..‬أنا أقصد مصلحتك‪ ..‬أنت تقتل نفسك‬
‫جيدا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وال أريد أن أخسر زبونًا‬
‫‪-‬أعطني ما لديك وكفى ثرثرة‪.‬‬
‫وتوجه داخل البيت ليخرج بلفافت ِه ويأخذ مثلها من‬
‫َّ‬ ‫قام سليم‬
‫قدري مليئة بالمال وبعدها استدار قدري مغاد ًرا‪.‬‬
‫‪-‬لقد وجدت ما تبحث عنه قدري باشا‪.‬‬
‫التفت قدري مرة أخرى نحو سليم الذي استطرد‪:‬‬
‫ٍ‬
‫لغات أجنبية‪.‬‬ ‫‪-‬وجدت من يبحث عن أشخاص يتحدثون‬
‫اشتعلت الحماسة في قلب قدري وهو يسأل‪:‬‬
‫‪-‬من هو؟‬
‫ارتسمت ضحكة ساخرة على شفتي سليم‪:‬‬
‫‪-‬ال تقلق هو ً‬
‫أيضا يبحث عنك‪.‬‬
‫ثم ازدادت ابتسامته‪:‬‬
‫‪-‬وسيجدك ال تقلق‪ ..‬وأتمنى لمصلحتك الخاصة أن تتمتع‬
‫بقدر من الذكاء في حينها‪.‬‬
‫ٍ‬

‫‪- 124 -‬‬


‫ثم تحولت االبتسامة إلى ضحك ٍة‪:‬‬
‫‪-‬هذا إن كنت تُقدر الحياة‪.‬‬
‫العب يعلم‬
‫ٍ‬ ‫وكان هذا معناه أن منذ هذه اللحظة أصبح كل‬
‫عدوه‪..‬‬
‫وستبدأ اللعبة الحقيقية‪..‬‬
‫لعبة الحياة والموت‪..‬‬

‫‪- 125 -‬‬


‫العرافة‬

‫وقف نيركا وباماسي وزينورا يجمعون أغراضهم وهم‬


‫كهف صغير في ربو ٍة قريبة‬ ‫ٍ‬ ‫يستعدون لرحل ٍة أخرى وذلك أمام‬
‫من مملك ِة الجبل‪ ..‬في حين انشغل باماسي بإطفا ِء النيران التي‬
‫برد الليل ووقف نيركا ليضع ماسة النجوم‬ ‫أوقدوها للتدفئ ِة في ِ‬
‫جراب جلدي‬
‫ٍ‬ ‫حول رقبت ِه‪ ..‬بينما وضع تاج الملك سوجدو في‬
‫معلق بحزام ِه ووقفت زينورا غير بعيد ٍة منه تعتني بتنينها الجوكوا‬
‫ٍ‬
‫بغضب‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ثم تمتمت‬
‫‪-‬باماسي أحضر زينورا‪.‬‬
‫فردت مرة‬
‫نظر إليها نيركا وعيناه تحمالن عالمة استفهام َّ‬
‫ٍ‬
‫بصوت أعلى‪:‬‬ ‫أخرى‬
‫‪-‬باماسي أحضر زينورا‪.‬‬

‫‪- 127 -‬‬


‫ثم تركت الجوكوا واتجهت لتواجه نيركا بعينيها الرماديتين‪:‬‬
‫ٌ‬
‫غرض ما‬ ‫‪-‬أنت قلت هذا‪ ..‬كما لو أنني فتا ٌة صغيرة أو‬
‫ليحضره‪.‬‬
‫ثم استدارت عائد ًة إلى تنينها بينما غ َّلفت الصدمة مشاعر‬
‫نيركا إ َّلا أن زينورا استدارت مرة أخرى لتعود لتواجهه وهي تقول‬
‫غضب‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫في‬
‫‪-‬لماذا لم تطلعني على الخط ِة منذ البداية؟‬
‫‪-‬أي خطة؟ لم تكن هناك خطة‪.‬‬
‫شيء قبل الهجوم على ملك‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬أنتما لم تتفقا على أي‬
‫الهنتارو!‬
‫للضرب‬
‫ِ‬ ‫‪-‬بالطبع ال‪ ..‬هل تخيلتي أن خطتنا أن نتع َّرض‬
‫المبرح ثم نهرب؟!‬
‫ثم ابتسم نيركا وهو يستطرد‪:‬‬
‫‪-‬لم نكن نتخيل قوة حرس الملك بل ظننا أننا سنهزمهم‬
‫بسهول ٍة وندخل كهف الملك ونسرق التاج‪ ..‬ولكننا‬
‫ارتجلنا عندما وجدنا أنفسنا بهذا الموقف وباماسي‬
‫معا وخضنا معارك‬
‫يفهمني بدون كلم ٍة واحدة؛ فقد تربينا ً‬
‫معا ولهذا طلبت منه التحرك وسط الدخان‬ ‫ال حصر لها ً‬
‫وإحضارك والقفز نحو التنين بينما أحضر ُأنا التاج‪.‬‬

‫‪- 128 -‬‬


‫ثم ضحك نيركا‪:‬‬
‫‪-‬لقد تخيلتي بالفعل أن ما حدث كانت خطة‪ ..‬ال أصدق‬
‫هذا‪..‬‬
‫ِ‬
‫الوقت‬ ‫بإحراج شديد بعد ضحكة نيركا في‬
‫ٍ‬ ‫شعرت زينورا‬
‫الذي اقترب فيه باماسي منهما وقد انتهى من عمله‪:‬‬
‫‪-‬ما الخطوة التالية نيركا؟‬
‫أجاب نيركا‪:‬‬
‫‪-‬في الواقع الخطوة التالية لن تعجبك باماسي‪.‬‬
‫‪-‬كل ما فعلناه حتى هذه اللحظة ال يعجبني ولكنني أقسمت‬
‫لك على الطاعة حتى انتهاء المهمة أو نهاية حياتنا‪.‬‬
‫‪-‬حس ًنا يجب أن نُحضر عين الطاقة‪.‬‬
‫ابتسم باماسي كعادته في تعامل ِه مع نيركا‪:‬‬
‫‪-‬هذا ما اتفقنا مع الجنداي عليه‪.‬‬
‫‪-‬أتعلم معنى هذا؟‬
‫‪-‬نعم أعلم‪.‬‬
‫شهيقا طوي ًلا وأطلقه مرة واحدة ثم قال‪:‬‬
‫ً‬ ‫ثم أخذ باماسي‬
‫‪-‬هذا معناه أننا سنعود إلى نارِ المجوم‪.‬‬

‫‪- 129 -‬‬


‫بصراخ‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫أطلقت زينورا صيح ًة مكتومة أتبعتها‬
‫‪-‬سنعود إلى أين أيها المخبوالن؟!‬
‫ابتسم نيركا هذه المرة‪:‬‬
‫‪-‬هذه المرة لن تكوني معنا مهما أص َّر ِ‬
‫يت زينورا‪.‬‬
‫اقتضبت أسارير زينورا‪:‬‬
‫‪-‬قلت لك من قبل‪...‬‬
‫قاطعها نيركا‪:‬‬
‫‪-‬ال يهم ماذا ِ‬
‫قلت أو ماذا قلت هذه المهمة يمكن أن‬
‫معا حتى الوادي الكبير لكن‬
‫تكون بال عودة‪ ..‬سنذهب ً‬
‫شيء آخر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫نار المجوم‬
‫ثم استدار متج ًها إلى تنين الجوكوا بينما حط تنين السامو‬
‫على كتف ِه كالمعتاد ونيركا يستطرد‪:‬‬
‫‪-‬وهذا آخر كالم في هذا الحديث‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بخطوات هادئة بينما وقفت‬ ‫وكالعادة ً‬
‫أيضا تتبعه باماسي‬
‫ٍ‬
‫للحظات حتى امتطى الصديقان‬ ‫زينورا والغضب يجري في عروقها‬
‫تنينها؛ فقفزت بمرون ٍة على صهوة التنين ووكزته بقدميها بقو ٍة‬
‫ً‬
‫محلقا في الهواء‪.‬‬ ‫جعلته ُيطلق صيحة وينطلق‬
‫بدأت رحلة جديدة على متن الجوكوا‪ ..‬رحلة غ َّل َفها الصمت‬
‫عيني نيركا التي تركزت‬
‫ّ‬ ‫وحملت في طياتها الحب الذي ظهر في‬

‫‪- 130 -‬‬


‫على زينورا متمني ًة أن تنطق بما يجول في خاطره‪ ..‬ما تمنى أن‬
‫وسط مغامر ٍة يمكن أن تودي‬
‫ِ‬ ‫يجد ُه طوال عمره وجده اآلن في‬
‫بحياته‪ ..‬ولكنه لن يسمح لنفسه بتعريضها للخطر‪..‬‬
‫إ َّلا هي‪..‬‬
‫لن يسامح نفسه أ ًبدا إذا ما حدث لها مكروه‪..‬‬
‫سيحميها وسيفي بوعد ِه لها أن تكون سالمتها هي أولويته‪..‬‬
‫ها هم اقتربوا من الوادي الكبير‪..‬‬
‫وها هو يشير إلى مكان هبوطهم‪..‬‬
‫وها هي ذات العينين الرماديتين والشعر األسود تمتثل في‬
‫وسكون‬
‫ٍ‬ ‫هدوء‬
‫ٍ‬
‫ويترجل راكبيه ويقف نيركا قائ ًلا‪:‬‬
‫َّ‬ ‫ويهبط الجوكوا‬
‫سيتجمع الثالث قبائل‬
‫َّ‬ ‫‪-‬هنا ستكون المعركة‪ ..‬هنا‬
‫ويقاتلون المجوم‪..‬‬
‫ثم اتجه ببصر ِه أسفل الوادي‪:‬‬
‫يتجمع جيوشهم‬
‫َّ‬ ‫‪-‬وهناك هي بوابة المجوم المشئومة حيث‬
‫وينطلقون لتدمير قرى البشر‪.‬‬
‫ِ‬
‫المكان للحظ ٍة قطعها باماسي‪:‬‬ ‫خ َّيم الصمت على‬
‫‪-‬وهناك عين الطاقة‪.‬‬

‫‪- 131 -‬‬


‫أومأ نيركا برأسه إيجا ًبا‪:‬‬
‫‪-‬مواجهة المجوم لن تكون سهلة ووجود الجنداي في‬
‫صفنا سيكون نقطة تفوق‪.‬‬
‫‪-‬والجنداي لن يستطيعوا مواجهة تلك الصخور الملتهبة‬
‫بالمجوم بدون عين طاق ٍة تمكنهم من الظهور‬
‫ِ‬ ‫المدعوة‬
‫واالختفاء‪.‬‬
‫ً‬
‫موافقا‪:‬‬ ‫وللمر ِة الثانية يومأ نيركا برأس ِه‬
‫‪-‬بالضبط باماسي‪ ..‬بدون تلك الميزة عدد المجوم‬
‫سيتفوَّق على محاربي الجنداي وعلى أي ِة قبيلة تقف‬
‫أمامهم منفردة‪.‬‬
‫‪-‬سنعود إلى نار المجوم ً‬
‫إذا‪.‬‬
‫مبتعدا خلف ٍ‬
‫عدد من األشجارِ وهو يقول‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ثم استدار باماسي‬
‫ٍ‬
‫بلحظات مع نفسي فالعودة إلى ذلك‬ ‫‪-‬اسمح لي صديقي‬
‫ٍ‬
‫لذكريات من العذاب‬ ‫الجحيم لن يكون سه ًلا وسيعود بي‬
‫جاهدت كثي ًرا لنسيانها‪.‬‬
‫ظل نيركا ينظر محاو ًلا تخطي األفق والزمان لينهي ما بدأ منذ‬
‫عامين عندما ظهرت تلك البوابة من داخل الصخورِ وبدأ المجوم‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫بهدف القتل‪ ..‬ويحرقون‬ ‫يهجمون على القرى ويخ ِّربونها‪ ..‬يقتلون‬
‫الزرع‪.‬‬

‫‪- 132 -‬‬


‫أبدا‪ ..‬ولكنه سينجح‪..‬‬
‫أحد في التصدي لهم ً‬
‫لم ينجح ٌ‬
‫هذا ما أخبرت به العرافة‪ ..‬وهذا ما يؤمن به ألنه يعلم‬
‫سر هزيمتهم‪ ..‬يعلم أن االتحاد هو الحل الوحيد لهزيمتهم‪..‬‬
‫وسيوحدهم أو يموت وهو يحاول‪..‬‬
‫إلي وإلى تنين الجوكوا‪.‬‬
‫‪-‬ستحتاجون ّ‬
‫قطعت زينورا أفكار نيركا الشاردة‪:‬‬
‫‪-‬لن نحتاج إلى التنين‪.‬‬
‫ثم استدار ليواجهها‪:‬‬
‫‪-‬لن ندخل من بواب ِة المجوم‪ ..‬هناك ٌ‬
‫شق جبلي كنا هربنا‬
‫منه أنا وباماسي عندما اختطفه المجوم هو وبعض‬
‫محاربي القبائل‪ ..‬هذا الشق ال يتسع لمرورِ المجوم‪..‬‬
‫وهو يؤدي إلى قلب الكهف مباشرة فوق النار التي يخرج‬
‫منها المجوم‪ ..‬وعين الطاقة تقع هناك‪..‬‬
‫‪-‬إذ ًا ستحتاجون ّ‬
‫إلي‪.‬‬
‫عيني زينورا‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫عميقا وهو ينظر إلى‬ ‫ً‬
‫شهيقا‬ ‫أخذ نيركا‬
‫جحيما في الداخل وأنا لن أسامح نفسي‬
‫ً‬ ‫‪-‬زينورا‪ ..‬سيكون‬
‫إذا ما أصابك مكروه‪.‬‬
‫‪-‬ولكنه ليس قرارك‪.‬‬

‫‪- 133 -‬‬


‫ِ‬
‫ورطك بهذا األمر منذ البداية وأعطيتك‬ ‫‪-‬زينورا أنا من‬
‫واحدا وهو ضمان سالمتك حتى ُأسلمك لوالدك‪.‬‬
‫ً‬ ‫وعدا‬
‫ً‬
‫نظرت زينورا إلى األرض‪.‬‬
‫‪-‬ماذا لو لم أود العودة إلى والدي؟‬
‫ثم نظرت إلى عينيه والدموع تتألأل في عينيها‪:‬‬
‫ُ‬
‫وددت البقاء معك‪.‬‬ ‫‪-‬ماذا لو‬
‫‪-‬زينورا إن ما نحن مقبلون عليه أمر عظيم‪ ..‬كنت أتمنى‬
‫شيء اآلن‬
‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫بكل‬ ‫وجودك بحياتي قبل هذا ولكني أغامر‬
‫وربما لن ننجو من هذا‪.‬‬
‫انهمرت دموع زينورا‪:‬‬
‫‪-‬حتى لو متنا أريد الموت بجانبك‪.‬‬
‫ارتسمت ابتسام ٌة حانية على وجه نيركا وهو يمسك بكتفيها‪:‬‬
‫‪-‬ماذا لو وعدتك بأن أعود ِ‬
‫إليك؟‬
‫تهللت أسارير زينورا‪:‬‬
‫دائما تفي بوعدك‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪-‬تذكر أنك‬
‫‪-‬انتظريني هنا وسأعود إليك‪.‬‬
‫مسحت زينورا دموعها‪:‬‬
‫‪-‬ال لن أنتظرك هنا‪.‬‬

‫‪- 134 -‬‬


‫ثم ابتسمت هي األخرى‪:‬‬
‫لدي مهمة أنا األخرى يجب أن أقوم بها‪.‬‬
‫‪َّ -‬‬
‫‪-‬أي مهمة؟‬
‫‪-‬سأخبرك بها عندما تعود‪.‬‬
‫جاء صوت باماسي ليقطع حديثهما وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬أنا جاهز نيركا‪.‬‬
‫خرج باماسي من خلف األشجار متج ًها نحوهما‪ ..‬بينما‬
‫ابتعدت زينورا متجه ًة إلى تنينها‪ ..‬بينما َّ‬
‫حط تنين السامو الصغير‬
‫متن الجوكوا وهي تقول‪:‬‬
‫على كتف نيركا‪ ..‬قفزت زينورا على ِ‬
‫‪-‬هنا سيفترق رفقاء الطريق‪.‬‬
‫ثم وكزت الجوكوا بقدميها فأطلق جناحيه للرياح وبدأ‬
‫يرفرف في حين قال نيركا‪:‬‬
‫‪-‬نعم سنفترق‪ ..‬ولكن على لقاء‪.‬‬
‫بدأت زينورا رحلتها مبتعدة عنهما وهي ال تصدق ما فعلته‬
‫للتو‪.‬‬
‫هل صارحته بحبها لتوها؟!‬
‫كيف سمحت لنفسها بهذا‪ ..‬زينورا أميرة زنديون تصارح‬
‫محار ًبا بحبها‪ ..‬وليس أي محارب‪ ..‬محارب من قبيلة ساب‪ ..‬ألد‬
‫أعداء زنديون‪ ..‬وتقول له أنها تتمنى أن تعيش معه‪..‬‬

‫‪- 135 -‬‬


‫ِ‬
‫فعلت يا زينورا؟‬ ‫ماذا‬
‫هل نسيتي من أنت؟‬
‫نسيتي أن كل رجال ومحاربين قبيلتك تمنوا نظرة رضاء منك‬
‫جميعا‪..‬‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫وتعففت عنهم‬
‫كيف رضيتي أن تكوني أسيرة هذا الحب وهذا المحاربـ‬
‫ولكنه ليس كأي محارب‪ ..‬محارب يرفض الدنيا لينقذ القبائل‪..‬‬
‫ال يهم ما الذي فعلته المهم أنني أشعر بالسعادة‪ ..‬أشعر بأنني‬
‫ُأحلق مع التنين وليس به‪ ..‬وجدت أخي ًرا من يستحق هذا الحب‬
‫ويبادلني به‪..‬‬
‫أشعر بحبه وبعينيه تقولها‪ ..‬ربما هو يخفي شي ًئا‪..‬ولكنها‬
‫ستذهب إلى الوحيدة التي تقول لها ما هذا الشيء‪.‬‬
‫ستذهب إلى العرافة‪ ..‬الوحيدة التي تملك أجوبة كل شيء‪..‬‬
‫يلوح باألفق‪..‬‬
‫ُ‬ ‫وها هو كهفها‬
‫وها هي تحط بتنينها على باب الكهف وتهبط من فوق ِه‬
‫هدوء لتجدها أمامها‪ ..‬مهندمة هي تلك العرافة تجلس‬
‫ٍ‬ ‫وتدخل في‬
‫هدوء وسط كهفها الذي ز َّينت ُه قطع القماش المبهرجة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫في‬
‫‪-‬انتظرتك طوي ًلا أيتها األميرة‪.‬‬
‫‪ِ -‬‬
‫كنت تعلمين بقدومي؟‬
‫‪-‬لن أكون عرافة إذا لم أعلم‪.‬‬

‫‪- 136 -‬‬


‫ثم أشارت إلى صخر ٍة أمامها تُغطيها قطعة من الفرو‪:‬‬
‫‪-‬اجلسي أيتها األميرة‪.‬‬
‫جلست زينورا أمام العرافة وهي تسأل‪:‬‬
‫‪-‬من يكون هذا المحارب؟‬
‫ابتسمت العرافة وهي ترد‪:‬‬
‫ِ‬
‫بالسؤال الخاطئ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بدأت‬ ‫‪-‬لقد‬
‫ثم استطردت‪:‬‬
‫‪-‬ليس المهم من يكون المهم ما هو الذي يستطيع عمله؟‬
‫‪-‬ما الذي يستطيع عمله؟‬
‫‪-‬يستطيع أن ُيصلح ما فعله والدك‪.‬‬
‫انقبضت أسارير زينورا‪:‬‬
‫‪-‬والدي؟‬
‫‪-‬نعم والدك وسوجدو وكارياك أمير ساب والساحر‬
‫األعظم‪.‬‬
‫‪-‬ماذا تقصدين؟‬
‫‪-‬أقصد المجوم‪.‬‬

‫‪- 137 -‬‬


‫ثم نهضت العرافة متجهة إلى قارورة بها سائل لتصب قدحين‬
‫وتتجه إلى زينورا مقدم ًة إليها قدح منهما وتجلس في مكانها‬
‫ترتشف من اآلخر‪.‬‬
‫ِ‬
‫عليك ما فعلوه‪.‬‬ ‫‪-‬بالطبع والدك لم يقص‬
‫‪-‬أنا ال أعلم عم تتحدثين‪.‬‬
‫‪-‬كان هذا منذ بضع ِة أعوام اتفق زعماء القبائل الثالث‬
‫على اللقاء س ًرا إلنها ِء الحروب بينهما وكان هذا برعاية‬
‫الساحر األعظم في منطق ِة الصخور التي ُفتحت فيها بعد‬
‫ذلك نار المجوم‪.‬‬
‫ثم أخذت العرافة رشفة أخرى من قدحها وهي تكمل‪:‬‬
‫جيدا وبدأ ملوك القبائل على‬
‫ً‬ ‫شيء‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬في البداية سار كل‬
‫االتفاق على الهدنة‪ ،‬ولكن كارياك كان قد وجد في‬ ‫ِ‬
‫كرمز للهدنة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫طريق ِه ل ِّلقاء تلك الماسة الملعونة فأخرجها‬
‫ولكن الساحر األعظم َّ‬
‫حذ َر منها وقال أنها ستفتح باب‬
‫ِ‬
‫األزل‬ ‫قديم‬
‫ِ‬ ‫محرم منذ‬
‫ٌ‬ ‫النجوم‬
‫ِ‬ ‫عالما بين‬
‫ً‬ ‫لعن ٍة وأنها ستفتح‬
‫يخرج منه ما يقضي على الحياة في هذا الكوكب‪ ،‬ولكن‬
‫غطرسة الزعماء الثالثة التقت على أن ال شيء يستطيع‬
‫الوقوف في وجههم‪.‬‬

‫‪- 138 -‬‬


‫كانت زينورا تجلس مستمعة وهي ال تكاد تصدق ما تسمعه‬
‫من العرافة التي أخذت تشرب من قدحها وهي تكمل‪:‬‬
‫‪-‬كانت رحلة صعبة قرر الملوك الثالثة المضي فيها حتى‬
‫وصلوا إلى باب نارِ المجوم وما إن استخدموا تلك‬
‫ِّ‬
‫بشق‬ ‫الماسة حتى ُفتح باب الجحيم وهرب الملوك‬
‫األنفس وقد اتفقوا أن تظل تفاصيل تلك الرحلة س ًرا‬
‫ِ‬
‫لألبد واستطاع الساحر أن يهرب بالماسة بعد أن‬ ‫بينهم‬
‫قادر على إظهار جسده‬ ‫ٍ‬
‫إصابات بالغة جعلته غير ٍ‬ ‫ُأصيب‬
‫الحقيقي‪.‬‬
‫ثم مالت نحو زينورا وهي تقول‪:‬‬
‫جيش كامل من المجوم يقف حائ ًلا بينكم‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬واآلن هناك‬
‫وبين باب المجوم والشيء الوحيد الذي يغلق هذا الشيء‬
‫يضعه محاربك على صدره‪.‬‬
‫‪-‬ماسة النجوم؟‬
‫‪-‬الماسة الملعونة‪.‬‬
‫ثم ابتسمت ابتسامة باهتة‪:‬‬
‫‪-‬واآلن إلى سؤالك‪ ..‬من يكون هذا المحارب؟‬
‫‪-‬من يكون؟‬

‫‪- 139 -‬‬


‫حد رغم قوته الجسدية‬ ‫شخص ضعيف إلى أقصى ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫‪-‬هو‬
‫ولكنه ال يجد نفسه وضاقت به الحياة وهو يحاول أن‬
‫يجد هد ًفا لما يعيشه وهذه الرحلة يعتبرها رحلته األخيرة‪.‬‬
‫ثم اتكأت على صخرتها وهي تقول‪:‬‬
‫‪-‬إنه يحتاج إلى مساعدتك‪.‬‬
‫‪-‬مساعدتي أنا؟‬
‫‪-‬نعم رغبته في الحياة انعدمت ولكنه أخي ًرا وجد لنفسه‬
‫أمل سيحتاج ِ‬
‫إليك في كل خطوة‪.‬‬
‫‪-‬وأنا لن أبخل عليه بذلك‪.‬‬
‫‪-‬تحبينه؟‬
‫األرض وهي تقول‪:‬‬
‫ِ‬ ‫أطرقت زينورا بوجهها إلى‬
‫‪-‬بل أعشقه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫للحظات‪:‬‬ ‫سكتت العرافة‬
‫‪-‬في هذه الحالة فإن محاربك وصديقه في هذه اللحظ ِة‬
‫يحتاجانك بشدة‪.‬‬
‫وقفت زينورا مذعورة وهي تصيح‪:‬‬
‫‪-‬ماذا تقصدين؟‬
‫للخروج من الشق بعد‬
‫ِ‬ ‫‪-‬هما مصابان بشد ٍة ويجاهدان‬
‫أن حصال على عين الطاقة وفرقة من المجوم تلتفان‬

‫‪- 140 -‬‬


‫لتنتظرهما عند نهاية الشق ولن يستطيعا الهرب منهم‬
‫بدون مساعدتك‪.‬‬
‫‪-‬ماذا؟! أين يقع هذا الشق؟‬
‫‪-‬إنه عند الجانب الشرقي من نار المجوم‪.‬‬
‫انطلقت زينورا كالسيف نحو مخرج الكهف لتقفز قفزة‬
‫مهولة لتركب بها الجوكوا الذي ينتظرها عند مخرج الكهف‬
‫منطلقة به عائدة نحو نار المجوم وهي تتمتم‪:‬‬
‫‪-‬ما الذي فعلته بنفسك أيها المحارب؟! اصمد من أجلي‬
‫أنا قادم ٌة إليك‪.‬‬
‫ِ‬
‫كالسيف يشق الرياح وعلى متنه زينورا‬ ‫انطلق تنين الجوكوا‬
‫المذعورة التي أخذت تسبق األفق بنظرها محاول ًة أن تتبين الطريق‬
‫وقد هبط الليل بالفعل‪.‬‬
‫ومن بعيد ظهرت أجساد المجوم المشتعلة وهي تتجه نحو‬
‫شق بالجبل فوجهت زينورا تنينها نحو ذلك الشق وأخذت تقترب‬
‫ٍ‬
‫بالتنين حتى لمحت نيركا وباماسي واألول يتكأ على الثاني وقد‬
‫أثخنتهما الجراح وامتلئا بالحروق‪.‬‬
‫َّ‬
‫فانقض‬ ‫وما إن لمحتهما حتى وكزت تنينها ليزيد من سرعته‬
‫بجناحيه مقتر ًبا منهما وما إن اقترب منهما حتى هتفت زينورا وهي‬
‫تمد ذراعها نحو األسفل والتنين يميل بجسده‪:‬‬
‫‪-‬باماسي‪ ..‬ه َّيا‪.‬‬

‫‪- 141 -‬‬


‫رفع باماسي رأسه ليفاجأ بزينورا على متن تنينها ولكنها كانت‬
‫ِ‬
‫الوقت وعلى الفور رفع ساعده ليتعلق بذراع‬ ‫أجمل مفاجأة في هذا‬
‫حال ُيرثى لها‪.‬‬ ‫ً‬
‫ممسكا بنيركا الذي كان في ٍ‬ ‫زينورا‬
‫وعلى الفور ضرب التنين الهواء بجناحيه ليرتفع بقو ٍة في‬
‫حين رفعت زينورا باماسي الذي وضع نيركا بينه وبين زينورا‬
‫وعينيه زائغتين وقد أنهكته الجراح وإن كان لم يفقد الوعي بعد‪.‬‬
‫قال باماسي‪:‬‬
‫ِ‬
‫عثرت علينا؟‬ ‫‪-‬كيف‬
‫‪-‬إنها قصة طويلة‪ ..‬ماذا حدث لكما؟‬
‫ِ‬
‫الحصول على عين‬ ‫‪-‬كان عددهم كبي ًرا ولكننا نجحنا في‬
‫الطاقة والخروج بها وهذا هو المهم‪.‬‬
‫قالت زينورا‪:‬‬
‫‪-‬إنه يحتاج إلى العناية سأتوجه به نحو‪..‬‬
‫قاطعها نيركا‪:‬‬
‫قسط من النوم بعدها‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬بل إلى الوادي الكبير سأحتاج إلى‬
‫سأكون بخير‪ ..‬القبائل تتوجه نحو الوادي وكذلك‬
‫المجوم بعد أن استشاطوا غض ًبا‪.‬‬

‫‪- 142 -‬‬


‫ثم أخذ نفسا طوي ًلا وهو يقول‪:‬‬
‫غدا ستكون معركة كبرى‪.‬‬
‫‪ً -‬‬
‫قالها وأراح رأسه مرة أخرى على كتف زينورا التي اتجهت‬
‫نحو الوادي لتهبط بتنينها وتضع نيركا ليتكأ بظهر ِه على شجر ٍة ثم‬
‫قال وهو يكتم تأوهاته‪:‬‬
‫بعين الطاقة ويمكنك أن‬
‫ِ‬ ‫‪-‬باماسي‪ ..‬اذهب إلى الجنداي‬
‫تأخذ زينورا والتنين وأنا سأختبئ بين األشجار‪.‬‬
‫قالت زينورا معترض ًة‪:‬‬
‫‪-‬بل سأبقى معك وليأخذ باماسي التنين وسيتوجه به نحو‬
‫ما يريد فهو يمتثل ألوامري‪.‬‬
‫لم يجد في نيركا القوة ليعترض فقد سقط في غيبوبت ِه على‬
‫الفور فاقتربت منه زينورا لتطمئن عليه ولكن باماسي ابتسم رغم‬
‫جروح ِه وهو يقول‪:‬‬
‫العالم اآلخر‪ ..‬لقد‬
‫ِ‬ ‫‪-‬ال تقلقي‪ ..‬هناك من يهتم ب ِه في‬
‫أخبرني بذلك مرا ًرا‪.‬‬
‫نظرت إليه زينورا والدموع تُغرق عينيها وهي تقول‪:‬‬
‫‪-‬ال بأس‪ ..‬سأنتظر معه ألعتني به وخذ أنت الجوكوا‬
‫واذهب للجنداي‪.‬‬

‫‪- 143 -‬‬


‫ً‬
‫موافقا ليمتطي الجوكوا ويبتعد به نحو‬ ‫أومأ باماسي برأسه‬
‫األفق في حين جلست زينورا لتضع رأس حبيبها على قدميها وهي‬
‫تمرر يدها بين خصالت شعره وتمسح الدماء عن وجه ِه بمالبسها‬
‫والدموع تنهمر من عينيها وهي تقول في نفسها‪.‬‬
‫ِ‬
‫الموت كما‬ ‫فعلت يا زينورا حتى تُحبي رج ًلا ُ يقبل على‬
‫ِ‬ ‫ماذا‬
‫ُيقبل الجميع على الحياة‪.‬‬
‫ِ‬
‫فعلت؟‬ ‫ماذا‬

‫‪- 144 -‬‬


‫بئر الفساد‬

‫‪-‬للمر ِة األخيرة يا قدري ال أنصحك بمغادر ِة المستشفى‬


‫ً‬
‫ضعيفا‪.‬‬ ‫جسدك ما زال‬
‫وقف أكرم خلف قدري مترج ًيا إياه في غرفت ِه بالمستشفى‬
‫هدوء واإلنهاك واإلرهاق يبدوان‬
‫ٍ‬ ‫واألخير ُيكمل ارتداء مالبسه في‬
‫ِ‬
‫قسمات وجهه الشاحب والتأوهات تكتم في فمه مع كل حرك ٍة‬ ‫على‬
‫يقوم بها‪.‬‬
‫جيدا يا أكرم منذ الفجر‪ ،‬واعتنيت‬
‫ً‬ ‫‪-‬لقد اعتنيت بي‬
‫لتر‬
‫بجروحي وتم حجزي بالمستشفى ونقلت لي نصف ٍ‬
‫الدم غير المحاليل ومضادات االلتهاب والمضادات‬
‫من ِ‬
‫الحيوية‪ ..‬أعتقد أن هذا يكفي‪.‬‬
‫ً‬
‫ضعيفا وتحتاج‬ ‫‪-‬ال‪ ..‬ال يكفي يا قدري ما زال جسدك‬
‫ٍ‬
‫مزيد من العناية والمحاليل والمضادات الحيوية‬ ‫إلى‬
‫نقل الدم‪.‬‬
‫وربما المزيد من ِ‬

‫‪- 145 -‬‬


‫انتهى قدري من ارتدا ِء مالبسه فنظر نحو أكرم‪.‬‬
‫ً‬
‫الحقا‪.‬‬ ‫‪-‬ربما‬
‫ٍ‬
‫بمعدل أعلى حتى من معدلك‬ ‫بالجروح‬
‫ِ‬ ‫‪-‬أصبحت تصاب‬
‫جسد يتحمل هذا‪ ..‬إنني‬
‫ٌ‬ ‫الذي اعتدت عليه‪ ..‬ال يوجد‬
‫أخشى عليك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫سنوات‬ ‫أمر خطير أنتظره منذ‬
‫‪-‬أعلم أكرم ولكنني وسط ٍ‬
‫شخص يمكن أن أنقذ حياته اليوم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وهناك‬
‫متفهما وهو يقول‪:‬‬
‫ً‬ ‫ه َّز أكرم رأسه‬
‫‪-‬لن أقف في طريقك ولكن بوصفي طبيبك فإنني أنصحك‬
‫باستكمال عالجك‪.‬‬
‫ابتسم قدري رغم الضعف الذي يبدو عليه‪:‬‬
‫‪-‬شك ًرا للنصيحة ولكنني لألسف سأختار أن أتجاهلها‬
‫رغم أهميتها فإنني بالفعل تأخرت عن عملي وقد اقترب‬
‫النهار من منتصفه‪.‬‬
‫لم يتخيل قدري وهو يقول هذه الكلمات أن أيمن كان يقف‬
‫منتظ ًرا إياه حتى منتصف النهار عند بوابة المديرية‪.‬‬
‫يوم من األيام لرؤيت ِه‬
‫لم يتخيل أن أسارير أيمن ستتهلل في ٍ‬
‫وسيهتف مرح ًبا به ولن يبالي لسماع سبب تأخره وسيصحبه عبر‬

‫‪- 146 -‬‬


‫أروق ِة المديرية حتى مكتبه حتى يدخل معه المكتب ويتأكد أيمن‬
‫بإحكام ولكن قدري يبادر بالحديث‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫من غلق الباب‬
‫‪-‬هناك شبهة ترصد وقتل‪.‬‬
‫‪-‬بالطبع هي كذلك فالسارق كان يترصد بالقتيل‪.‬‬
‫‪-‬ليس هذا يا أيمن‪ ..‬عملية السرقة نفسها كانت لتغطي ِة‬
‫السبب الرئيسي وراء القتل‪.‬‬
‫نفسا يداري به اآلالم التي يشعر بها‪.‬‬
‫ثم أخذ قدري ً‬
‫‪-‬أعتقد أن الموضوع له عالقة بابن ِه وهناك شبهة عصابات‬
‫تهريب ألماس وأحجار كريمة وهذه تصفية حسابات‪..‬‬
‫ٌ‬
‫خيط أتبعه ربما يؤدي البنه‪.‬‬ ‫وهناك‬
‫شحب وجه أيمن بعد تلك الكلمات وأطرق بوجه ِه إلى األرض‬
‫لبره ٍة سكت فيها قدري عن الكالم وهو ينظر نظرة متفحصة لرد‬
‫فعل أيمن الذي رفع رأسه بعد ذلك نحو قدري وهو يسأل‪:‬‬
‫‪-‬هل أنت متأكد مما تقول؟ ألن اللواء إبراهيم يعتقد أن‬
‫القضية أبسط من ذلك‪.‬‬
‫‪-‬اللواء إبراهيم ليس لديه المعلومات التي أملكها‪.‬‬
‫ومرة أخرى يسود الصمت قبل أن يسأل أيمن‪:‬‬
‫أحدا بشكوكك؟‬
‫‪-‬هل أخبرت ً‬
‫‪-‬ليس بعد أنت أول من ُأخبره‪.‬‬

‫‪- 147 -‬‬


‫َ‬
‫يخف عن قدري تلك الراحة التي بدت على وجه أيمن‬ ‫لم‬
‫وهو ينهض من مكانه ويستأذن للخروج‪ ..‬بل على الرغم من اآلالم‬
‫التي كان يشعر بها إال أن قدري كان يتخيل البريق الذي يلمع‬
‫بعيني أيمن بعد أن وجد صيده الثمين وهو يتجه إلى مكتب اللواء‬
‫إبراهيم مدير اإلدارة بذاته وهو يدخل إلى مكتبه ويغلق الباب‬
‫خلفه‪.‬‬
‫وواثقا من نفس ِه إ َّلا أن‬
‫ً‬ ‫وكعادته بدا اللواء إبراهيم هاد ًئا‬
‫االضطراب بداخله‪:‬‬
‫ِ‬ ‫االبتسامة الظافرة على وجه أيمن بعثت بعض‬
‫‪-‬ماذا وراءك يا أيمن؟‬
‫أكثر‬
‫ِ‬ ‫معا في‬
‫‪-‬سيادة اللواء أنت تعلم أننا سبق لنا التعاون ً‬
‫من قضية وأعتقد أن النتائج كانت كما طلبتها بالضبط‪.‬‬
‫رد عليه اللواء إبراهيم‪:‬‬
‫‪-‬نعم يا أيمن وفي كل مر ٍة مجهودك يكون مشكو ًرا ويصل‬
‫إليك هذا الشكر‪.‬‬
‫‪-‬نعم سيدي ولكن هذه المرة الوضع يختلف‪.‬‬
‫انعقدت أسارير اللواء إبراهيم وهو يتساءل‪:‬‬
‫‪-‬وكيف هذا؟‬
‫‪-‬أنت لم تخبرني بتورط عصابات تهريب ألماس بهذا‬
‫الموضوع‪.‬‬

‫‪- 148 -‬‬


‫ثم مال بجسد ِه إلى األمام‪:‬‬
‫‪-‬في هذه الحالة الوضع يختلف‪.‬‬
‫أط َّلت نظرة متفحصة من عيني اللواء إبراهيم محاول ًة تجاوز‬
‫مالمح أيمن لتصل إلى تفكيره ثم قال‪:‬‬
‫‪-‬ماذا تريد يا أيمن؟‬
‫اعتدل أيمن في مجلس ِه وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬إن المبلغ الذي اعتدنا عليه قليل أريد خمسة أضعافه‪.‬‬
‫‪-‬األمر ليس بيدي يا أيمن هناك من يجب‪...‬‬
‫قاطعه أيمن‪:‬‬
‫ِ‬
‫فائق االحترام إلى من تعود إليه ولكن‬ ‫‪-‬سيادة اللواء مع‬
‫الوقت ليس في صالحنا‪ ..‬كما أن قدري يقترب بشد ٍة من‬
‫فإما أن‬
‫معرفة الحقيقة‪ ..‬يجب أن ننهي تلك المسألة اآلن َّ‬
‫يكون قدري معنا أو يكون ضدنا‪.‬‬
‫استدار اللواء إبراهيم بكرسي ِه لدقيقتين ل ُيعطي ظهره أليمن‬
‫الذي شعر بالدقيقتين تمران عليه كالدهر وهو ال يرى إال َطرف‬
‫رأس اللواء الذي بدت عالمات التفكير العميق عليه قبل أن يعود‬
‫بكرسي ِه مواج ًها أيمن‪:‬‬
‫‪-‬ال بأس يا أيمن‪ ..‬أعتقد أنني أستطيع تأمين المبلغ الذي‬
‫طلبته‪.‬‬

‫‪- 149 -‬‬


‫‪-‬وقدري؟‬
‫جاء الدور على اللواء ليبتسم وهو يقول‪:‬‬
‫ً‬
‫سابقا إما أن يكون معنا أو ضدنا‪.‬‬ ‫‪-‬كما قلت‬
‫جرسا على مكتبه ليدخل عواض مؤد ًيا التحية‬‫ً‬ ‫ثم قرع‬
‫العسكرية فيقول له اللواء‪:‬‬
‫‪-‬أريد قدري من مكتبه حا ًلا‪.‬‬
‫ً‬
‫مغلقا‬ ‫فيؤدي عواض التحية العسكرية مرة أخرى ويخرج‬
‫ِ‬
‫الصمت على جدران المكتب‬ ‫الباب خلفه ليسود بعده دقائق من‬
‫الباب ويدلف قدري‬
‫ِ‬ ‫قبل أن تتعالى تلك الطرقات المنتظمة على‬
‫هدوء‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫بعد أن يسمح له اللواء في‬
‫‪-‬ما الذي حدث يا قدري لماذا خالفت تعليماتي؟‬
‫‪-‬سيدي إن لدي من المعلومات ما يجعلني أعتقد‪..‬‬
‫قاطعه اللواء بنبر ٍة غاضبة‪:‬‬
‫‪-‬تعتقد؟‬
‫‪-‬سيدي لو سمحت لي أن أكمل ربما أشرح لسيادتك‪..‬‬
‫ِ‬
‫بالسكوت من يد اللواء إبراهيم‬ ‫هذه المرة قاطع قدري إشار ًة‬
‫كالثلج جعلت الكلمات تتجمد في ِ‬
‫حلق‬ ‫ِ‬ ‫مصاحبة إياها نظرة باردة‬
‫قدري‪ ..‬بعدها نهض اللواء بطول ِه الفارع وجسده النحيل ليواجه‬

‫‪- 150 -‬‬


‫قدري‪ ..‬بينما نهض أيمن من مجلس ِه‪ ..‬بينما وقف اللواء أمام‬
‫قدري وعينيه الثاقبتين مركزتين على عينيه ثم قال فجأة‪:‬‬
‫‪-‬إنني أراقبك منذ فتر ٍة وأعلم ما أنت عليه‪.‬‬
‫‪-‬ماذا تقصد يا سيدي؟‬
‫‪-‬أقصد إنك فاسد ومرتشي‪.‬‬
‫‪-‬هذه مجرد إشاعات يا سيادة اللواء ولم يثبت قط‪..‬‬
‫قاطعه اللواء إبراهيم وهو يقول‪:‬‬
‫دفاعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫بتحقيق رسمي ولم أطلب منك‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬هذا ليس‬
‫ثم أتبعها بقوله‪:‬‬
‫‪-‬اعتبر هذه صفقة العمر بالنسب ِة لك ماذا تريد؟‬
‫ٍ‬
‫بصوت متشكك‪:‬‬ ‫حاجبي قدري وهو يقول‬
‫ّ‬ ‫انعقد‬
‫‪-‬ماذا تقصد يا سيدي؟‬
‫‪-‬أنت تفهم ما أعنيه‪ ..‬ماذا تطلب ل ُتقيد تلك القضية‬
‫اقتحام وسرقة؟‬
‫عيني قدري وهو ينظر إلى أيمن‬
‫ّ‬ ‫ظلت نظرات التشكك في‬
‫يطلب منه النصح فبادر أيمن مطمئ ًنا إياه‪:‬‬
‫‪-‬ال تخش شي ًئا يا قدري اللواء إبراهيم يريد مصلحتك‪.‬‬

‫‪- 151 -‬‬


‫عاد قدري بنظر ِه لسيادة اللواء ولغة الصمت هي التي تنطلق‬
‫ِ‬
‫قسمات وجه ِه على العكس من نظر ِة‬ ‫من عينيه والتوتر يبدو على‬
‫الهدوء واالبتسامة الواثقة التي تبدو على وجه اللواء إبراهيم الذي‬
‫ٍ‬
‫بخطوات بطيئة‪:‬‬ ‫بدأ يسير في مكتب ِه‬
‫بعيدا عن متناول يدي‬
‫ً‬ ‫‪-‬ال تتخيل يا قدري أنك كنت‬
‫طوال الوقت أو أنني لم أكن أعلم بإدمانك للهيروين‬
‫واألموال التي تتدفق بين يديك وشراءك المخدر من‬
‫سليم وقطرات الهيروين المتناثرة على مكتبك‪.‬‬
‫َّ‬
‫ظل قدري صام ًتا وهو يتابع اللواء إبراهيم الذي استطرد‪:‬‬
‫‪-‬كل ما هنالك أنني كنت أقول أنني سأحتاج قضية منك‬
‫يوم من األيام وعندما أسندت تلك القضية إليك لم‬
‫في ٍ‬
‫أتصور لبره ٍة أن تلك القضية ستكون هي‪.‬‬
‫ثم اتجه نحو كرسيه ليجلس عليه وهو يكمل‪:‬‬
‫وسيط أعتمد عليه قلت أن أسلم‬
‫ٍ‬ ‫ٌ‬
‫اتصال من‬ ‫‪-‬حتى جاءني‬
‫طريقة إشراك أيمن معك ليغلق القضية كما نريدها فقد‬
‫سبق لي التعامل مع أيمن‪ .‬وعندما أخبرني أيمن اليوم أن‬
‫تلك القضية تخص عصابة لتهريب األحجار الكريمة‬
‫قلت هي فرصة العمر التي أنتظرها منذ فتر ٍة ولن أسمح‬
‫ِ‬
‫بالوقوف بوجهي‪.‬‬ ‫لعنادك‬

‫‪- 152 -‬‬


‫بحزم‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ثم نهض مرة أخرى وهو يقول‬
‫‪-‬واآلن إما أن تكون معنا وإما سنداهم بيتك ومكتبك‬
‫بقي من‬
‫لنخرج ما به من هيروين ونضعك بالسجن ما َ‬
‫عمرك‪.‬‬
‫ببطء على الكرسي‬
‫ٍ‬ ‫ساد التجهم مالمح قدري وهو يجلس‬
‫الذي وراءه ومالمح الصدمة تبدو عليه فاقترب منه أيمن يربت‬
‫على كتف ِه وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬االختيار سهل يا قدري إما المال وإما السجن وال أظنك‬
‫تفضل الثاني‪.‬‬
‫رفع قدري نظره إلى أيمن وهو يهز رأسه نف ًيا فأكمل أيمن‪:‬‬
‫‪ً -‬‬
‫إذا أنت معنا‪.‬‬
‫أطرق قدري بنظر ِه إلى األرض وهو يتمتم‪:‬‬
‫‪-‬كما تأمران ستجدانني طوع أمركما‪.‬‬
‫تبادل أيمن واللواء إبراهيم نظرات االرتياح واالبتسامة تمأل‬
‫وجهيهما‬
‫‪-‬ماذا تطلب؟‬
‫ٍ‬
‫بصوت خافت‪:‬‬ ‫فرد عليه قدري‬
‫سأله أيمن َّ‬
‫‪-‬لن أطلب شي ًئا‪ ..‬كما طلبت أنت لنفسك سآخذ مثله‪.‬‬

‫‪- 153 -‬‬


‫َ‬
‫وربت على كتف قدري وهو‬ ‫َّ‬
‫التف اللواء حول المكتب‬
‫يقول‪:‬‬
‫‪-‬ال تُقلق نفسك أنت بالتفاصيل‪ ..‬س ُينهي أيمن التحقيق‬
‫مطلوب‬
‫ٌ‬ ‫وستصلك أموالك حتى باب بيتك كل ما هو‬
‫منك التوقيع على تقرير أيمن‪.‬‬
‫ً‬
‫موافقا فاتسعت ابتسامة اللواء وهو يقول‪:‬‬ ‫أومأ قدري برأس ِه‬
‫‪-‬يمكنك االنصراف اآلن‪.‬‬
‫بتثاقل من فوق كرسيه تَزيده جراحه التي في‬
‫ٍ‬ ‫وقف قدري‬
‫ٍ‬
‫بخطوات متثاقلة وهو يشق طريقه عبر الجميع‬ ‫جسده وخرج‬
‫تماما حتى اقترب من سيارت ِه فأخذت‬
‫ً‬ ‫مغاد ًرا اإلدارة والمديرية‬
‫رويدا ومالمحه تتبدل من االستسالم واأللم‬
‫ً‬ ‫رويدا‬
‫ً‬ ‫خطواته تتسارع‬
‫ٍ‬
‫بعنف‬ ‫غضب مكبوت حتى دخل إلى سيارته وأغلق بابها وراءه‬
‫ٍ‬ ‫إلى‬
‫وهو يتمتم وقد احمرت عيناه ووجنتاه من الغضب‪:‬‬
‫سأرد لهما الصاع صاعين وسأريهما‬
‫َّ‬ ‫‪-‬يهدونني أنا‪ ..‬اآلن‬
‫من هو قدري سليمان‪.‬‬
‫ثم تناول جواله وأخرج رقم أنور ثم وضع الهاتف على أذنه‬
‫سريعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫منتظ ًرا الرد الذي أتاه‬
‫بالفعل إلسدا ِء‬
‫ِ‬ ‫مستعد‬
‫ٌ‬ ‫أنور‪ ..‬كيف حالك‪ ..‬قل لي هل أنت‬
‫خدم ٍة لي‪..‬ثم ارتسمت ابتسامة راحة على شفتيه وهو يكمل‪:‬‬

‫‪- 154 -‬‬


‫قسم الجمالية من‬
‫ِ‬ ‫‪-‬عظيم‪ ..‬ما مدى معرفتك بزمالئك في‬
‫ضباط وأمناء شرطة‪..‬‬
‫هنا زادت االبتسامة وقدري يقول عبر الهاتف‪:‬‬
‫ِ‬
‫بالحرف‬ ‫جيدا ونفذ ما سأقوله‬
‫جدا يا أنور‪ ..‬اسمعني ً‬
‫‪-‬جيد ً‬
‫الواحد‪.‬‬
‫َّ‬
‫وظل قدري على مدار الدقيقتين يملي أوامره ألنور الذي كان‬
‫بالفعل أهال لها‪.‬‬
‫وفي نفس الوقت كان اللواء إبراهيم يجري اتصا ًلا من مكتب ِه‬
‫رح ًبا به قبل أن يقول معات ًبا‪:‬‬
‫بصفوت ُم ِّ‬
‫‪-‬لم أكن أظن أنه سيأتي اليوم الذي ستحاول فيه خداعي‬
‫صفوت‪.‬‬
‫أتاه الصوت من الجه ِة األخرى‪:‬‬
‫‪-‬خداعك أنت؟ أنت مخطئ سيادة اللواء‪.‬‬
‫‪-‬ال تحاول معي صفوت لقد علمت أن عصابات الماس‬
‫متورطة في عملية القتل‪.‬‬
‫انطلقت ضحكة خفيفة من سماعة الهاتف وصفوت يقول‪:‬‬
‫‪-‬وما عالقة هذا بالقتل؟ الهدف واحد سواء كان القاتل‬
‫عام ًلا أو وزي ًرا‪.‬‬
‫‪-‬األمر يختلف هذه المرة فاألتعاب لن تكون واحدة‪.‬‬

‫‪- 155 -‬‬


‫ساد الصمت لبره ٍة قبل أن يقول صفوت‪:‬‬
‫‪-‬يجب أن تعطيني ما هو أكثر من التستر على عملي ِة القتل‬
‫إذا كنت تريد المزيد سيادة اللواء‪.‬‬
‫‪-‬ماذا تريد؟‬
‫‪-‬نريد أن نصل البن القتيل‪.‬‬
‫ردد اللواء إبراهيم وراءه‪:‬‬
‫‪-‬ابن القتيل!‬
‫هنا انتفض أيمن من مجلس ِه أمام اللواء وهو يهتف‪:‬‬
‫ً‬
‫خيطا ربما يؤدي إليه‪.‬‬ ‫‪-‬لقد قال قدري أنه يتتبع‬
‫وبحرك ٍة غريزية قرعت يد اللواء جرس المكتب وسرعان ما‬
‫دلف عواض‪.‬‬
‫‪-‬أريد قدري مرة أخرى‪.‬‬
‫ارتبك عواض وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬سيدي لقد خرج من عندك مغاد ًرا المبنى في الحال‪.‬‬
‫ِ‬
‫باالنصراف‬ ‫سكت اللواء إبراهيم بينما أشار أيمن لعواض‬
‫قبل أن يقول إبراهيم لصفوت‪:‬‬

‫‪- 156 -‬‬


‫‪-‬ال بأس يا صفوت قدري يملك معلومات قد تؤدي إليه‬
‫ولكنه غادر منذ قليل سأستدعيه‪..‬‬
‫قاطعه صوت صفوت‪:‬‬
‫‪-‬ال تفعل يا سيادة اللواء إذا كانت المعلومات لدى قدري‬
‫سنحصل عليها‪ ..‬أما بخصوص أموالك فسنتفاوض على‬
‫ً‬
‫الحقا‪.‬‬ ‫ذلك‬
‫بالمفاوض السهل وكان إبراهيم ُيدرك‬
‫ِ‬ ‫أبدا صفوت‬
‫لم يكن ً‬
‫تماما والطريقة التي قاطع ُه فيها صفوت وإغالق الهاتف بتلك‬
‫ً‬ ‫ذلك‬
‫ِ‬
‫بالمال جعل اللواء إبراهيم‬ ‫صريح‬
‫ٍ‬ ‫الفجة بدون إعطاء ٍ‬
‫وعد‬ ‫َّ‬ ‫الطريقة‬
‫يبحث عن نمرة قدري بجواله ويتصل به‪.‬‬
‫ومن سيارته الحظ قدري رقم اللواء إبراهيم يتصل به ولكنه‬
‫اختار أن يتجاهلها وهو يقطع الشوارع بسيارت ُه وما ان اقترب من‬
‫شارع الصاغة حتى تعالى صوت الجوال مرة أخرى ولكن هذه‬
‫المرة كان أنور فسارع قدري بالرد على الهاتف فجاءه صوت أنور‪:‬‬
‫‪-‬لقد وصل الهدف سيد قدري‪.‬‬
‫ضغط قدري دواسة الوقود عن آخرها وهو يمر بسيارت ِه‬
‫ِ‬
‫كالمجنون بين السيارات ويقول‪:‬‬

‫‪- 157 -‬‬


‫‪-‬أنا على ُبعد دقيق ٍة منك يا أنور‪ ..‬ال تجعلوه يغيب عنكم‬
‫ثانية واحدة‪ ..‬هل نفذت ما طلبته منك؟‬
‫‪-‬نعم يا سيد قدري هناك قوة كاملة منتشرة بالشارع من‬
‫قسم الجمالية من ضباط وأمناء شرطة وأنا أجلس على‬
‫القهوة قبل الورشة بعشر ِة أمتار وجان داخل الورشة ولم‬
‫أحد كما طلبت‪.‬‬‫يتع َّرض له ٌ‬
‫‪-‬جيد يا أنور‪ ..‬انتظرني فقد وصلت تقري ًبا‪.‬‬
‫قالها قدري وهو على مشارف الشارع يوقف سيارته ويقفز‬
‫بخطوات متسارعة حيث يجلس أنور متسائ ًلا‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫منها ثم يتجه‬
‫‪-‬هل الجميع في أماكنهم؟‬
‫‪-‬نعم يا سيد قدري‪.‬‬
‫جلس قدري بجانب أنور مواج ًها للشارع يراقب الورشة‪..‬‬
‫بشيء ما‬
‫ٍ‬ ‫هامسا في أذن ِه‬
‫ً‬ ‫أحد من أنور‬
‫مرت دقيقتان قبل أن يقترب ٌ‬
‫ثم ابتعد فقال أنور‪:‬‬
‫‪-‬هناك من كان يتبعك قدري باشا‪ ..‬سيارة بها بضعة‬
‫شخص أجنبي‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أشخاص منهم‬
‫اتسعت عينا قدري عن آخرهما‪ ..‬كيف لم ينتبه لهذه‬
‫بإصرار وسرع ٍة جنونية من لحظ ِة خروجه‬
‫ٍ‬ ‫السيارة التي كانت تتبعه‬

‫‪- 158 -‬‬


‫من المديرية‪ ..‬بل أنه يكاد يتخيل أنها وراءه منذ أن ترك سليم‬
‫البارحة‪ ..‬بل يظن أنها تحمل ستيفان وسليم وبعض رجالهما‪.‬‬
‫‪-‬ت ًبا لقد أرشدتهم بنفسي لمكان جان‪.‬‬

‫نفس اللحظة التي خرج فيها جان من‬


‫هكذا هتف قدري في ِ‬
‫داخل الورشة وهو يحمل في يد ِه حقيبة محكمة الغلق‪.‬‬
‫ِ‬
‫انتفض قدري من مكانه وهو ينظر إلى جان ثم أدار عينيه في‬
‫أرجاء الشارع؛ فإذا به يلمح سليم يتجه نحو جان كما الحظ أن‬
‫هناك بعض األشخاص الذين بدأت حركتهم في اتجا ِه جان وفي‬
‫لحظ ٍة واحدة أخرج قدري مسدسه وهو يهتف‪:‬‬
‫‪-‬جان‪ ..‬انتبه‪.‬‬
‫الركض نحو جان شاه ًرا مسدسه وفي لحظ ٍة‬
‫ِ‬ ‫وبدأ قدري في‬
‫توتر الموقف؛‬
‫ستيفان وسليم ورجالهما ُيخرجان أسلحتهما ورجال قسم‬
‫وتسمر جان في مكان ِه‬
‫َّ‬ ‫الجمالية ُيحيطون بالمكان من كل جانب‬
‫على باب الورشة وقدري يركض في اتجا ِه جان‪.‬‬
‫بدأ إطالق الرصاص وكانت أول رصاصة من مسدس قدري‬
‫وهو يركض وأطلقها باتجا ِه سليم وهو ُيخرج مسدسه وبعدها بدأ‬
‫ِ‬
‫فوهات المسدسات حتى‬ ‫سيل من الرصاص والدخان يتصاعد من‬

‫‪- 159 -‬‬


‫وصل قدري إلى جان ليحتضنه ويطير به ً‬
‫أرضا أمام الورشة وما‬
‫كاد ينقشع الدخان حتى كان رجال البوليس يسيطرون على الوضع‬
‫حيث سقط ستيفان وسليم مخضبان بدمائهما‪.‬‬
‫في حين ألقا رجالهما أسلحتهما وأمناء وضباط الشرطة‬
‫بحذر شاهرين أسلحتهم في حين ُملئ الشارع بالمار ِة‬
‫ٍ‬ ‫يقتربون منهم‬
‫أرضا في حين انطلق أنور باتجاه قدري‬ ‫المذعورين المنبطحين ً‬
‫وجان فوجد قدري مستلق ًيا فوق جان وتحتهما بقعة دماء؛ فانحنى‬
‫أنور ليرفع قدري فوجد جان تحته مذعو ًرا وهو ال يكاد ُيصدق‬
‫تماما وبقعة الدماء تلون‬
‫ً‬ ‫أنه نجا‪ ،‬في حين لم يكن قدري يتحرك‬
‫تماما‪.‬‬
‫ً‬ ‫مالبسه في منطق ِة الصدر‬
‫وجمود الموتى يتغمده‪.‬‬
‫تماما‪..‬‬
‫ً‬

‫‪- 160 -‬‬


‫الملحمة‬

‫ٍ‬
‫مصدق‬ ‫فتح نيركا عينيه مذعو ًرا وهو يتحسس صدره غير‬
‫لما حدث‪.‬‬
‫عاد ًة ما كان يصاب هو ليسعفه قدري هذه أول مرة يحدث‬
‫العكس‪.‬‬
‫ولكن في هذه اللحظة انتبه نيركا أنه يرقد على ساق زينورا‬
‫ِ‬
‫وألول مرة ينتبه‬ ‫وهي تجلس مريح ًة ظهرها على جذع الشجرة‬
‫للشب ِه بينها وبين هبة‪..‬‬
‫نفس المالمح ونفس لون البشرة ونفس الشعر‪.‬‬
‫لقد تع َّلم منذ فتر ٍة أن يفصل مشاعر نيركا عن قدري‬
‫والعكس‪ ..‬ولكن في هذه الوهلة علم لماذا وقع في غرامها في‬
‫نفس الوقت الذي أحب به قدري هبة‪.‬‬

‫‪- 161 -‬‬


‫فتحت زينورا عينيها لتفاجأ بنيركا ينظر إليها تلك النظرة‬
‫المحبة وابتسامة خفيفة مرسومة على وجهه‪.‬‬
‫ِ‬
‫خصالت شعر نيركا وهي تسأله‪:‬‬ ‫مررت زينورا أناملها عبر‬
‫‪-‬أأنت بخير اآلن؟‬
‫ابتسم نيركا بصعوب ٍة وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬أفضل‪ ..‬آالم بصدري وصعوبة بالتنفس‪ ..‬ولكن الجراح‬
‫أفضل‪.‬‬
‫ثم نهض موج ًها نظره نحو الوادي ليفاجأ بالوادي يصطف‬
‫به الثالثة جيوش‪.‬‬
‫‪ً -‬‬
‫إذا فقد وصل الجميع‪.‬‬
‫نهضت زينورا بدورها وهي تقول‪:‬‬
‫نائما‪ ..‬في البداية وصلت قبيلتك ثم قبيلة‬
‫‪-‬نعم بينما كنت ً‬
‫هنتارو وفي النهاية وصل أبي‪.‬‬
‫‪-‬إنهم يصطفون لمواجه ِة بعضهم البعض‪.‬‬
‫ابتسمت زينورا ساخرةً‪:‬‬
‫‪-‬كالمعتاد‪.‬‬
‫‪-‬ليس هذه المرة‪.‬‬

‫‪- 162 -‬‬


‫ٍ‬
‫بخطوات سريعة ليخرج‬ ‫قالها نيركا وهو يستل سيفه ويتجه‬
‫من بين األشجار متج ًها إلى الساح ِة الخالية بين الثالث ِة جيوش‬
‫بكامل عدتهم‬
‫ِ‬ ‫وهو يلمح الثالثة ملوك يقفون على رأس جيوشهم‬
‫رافعا سيفه ووراءه‬
‫تماما وقف نيركا ً‬
‫ً‬ ‫وعتادهم وفي منتصف الساحة‬
‫تقف زينورا واألول يصيح‪:‬‬
‫‪-‬اآلن تقابلتم أخي ًرا‪ ..‬الثالثة جيوش العظيمة ألكبر ثالث‬
‫قبائل والثالثة ملوك‪ ..‬أرى أنكم استعددتم للقتال‪..‬‬
‫ولكن الخبر السيء أنكم لن تقاتلوا بعضكم البعض‬
‫اليوم‪ ..‬ستقاتلون عدو مشترك‪ ..‬عدو يأكل األخضر‬
‫ٍ‬
‫لسنوات‬ ‫أليام عديدة‪ ..‬وحاربت‬
‫ٍ‬ ‫واليابس‪ ..‬لقد سافرت‬
‫أكبر ألصل لهذه اللحظة‪ ..‬إن المجوم في طريقهم إلى هنا‪.‬‬
‫سادت موجة من الصخب بين الجيوش في حين رفع نيركا‬
‫سن ثعبان الدرنكون من حزامه‪:‬‬
‫‪-‬لقد قاتلت ثعبان الدرنكون وهزمته‪.‬‬
‫ثم رفع ماسة النجوم‪:‬‬
‫‪-‬وقابلت الساحر األعظم وأعطاني تلك الماسة مع تنين‬
‫السامو‪.‬‬

‫‪- 163 -‬‬


‫ثم رفع تاج الملك سوجدو نحو التنين‪:‬‬
‫أحد غيرك‪.‬‬
‫‪-‬تاجك أيها الملك العظيم سوجدو لن يرتديه ٌ‬
‫فأخذه التنين وذهب به إلى الملك ليلقيه إليه ويعود إلى ِ‬
‫كتف‬
‫نيركا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ملوك‬ ‫واحدا كبي ًرا وثالث ِة‬
‫ً‬ ‫‪-‬أتدرون ماذا أرى؟ أرى جيشً ا‬
‫ألحد أن يقهره وال حتى المجوم‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬
‫جيش ال يمكن‬ ‫عظام‪..‬‬
‫لقد تع َّلمت كيف أقتلهم‪ ..‬فقط تفادوا مخالبهم وأيديهم‬
‫الطويلة ُ‬
‫وشقوا رؤوسهم رأس ًيا حتى منتصفها حيث يقع‬
‫جميعا‬
‫ً‬ ‫مكان وأسرعه‪ ..‬لقد أتيتم‬
‫ٍ‬ ‫العقل؛ فهذا أضعف‬
‫ِ‬
‫للحاق بي وقتالي‪ ..‬ولكنني لست بعدوكم‪ ..‬ولم أكن‬
‫أبدا كذلك‪ ..‬ولكن هذا الخطر اآلن يقترب م َّنا وجاء‬
‫ً‬
‫وقت الوقوف جن ًبا إلى جنب‪.‬‬
‫كان صوت جيوش المجوم قد بدأ يعلو وبدأت األرض تهتز‬
‫فرفع نيركا سيفه عال ًيا وقال‪:‬‬
‫كجيش واحد في مواجه ِة العدو‬
‫ٍ‬ ‫إما أن تصطفوا‬ ‫‪-‬واآلن َّ‬
‫وإما أن نباد اليوم عن بكر ِة أبينا‪.‬‬
‫وفجأة بدأ نيركا في الترنح فهرعت إليه زينورا ولكن غامت‬
‫الدنيا في عينيه وصوتها يبتعد‪.‬‬

‫‪- 164 -‬‬


‫‪-‬نيركا‪....‬‬
‫‪-‬قدري‪ ..‬إنه يفتح عينيه‪.‬‬
‫راقدا في سريره ويقف أنور وهبة وأكرم‬
‫ً‬ ‫وجد قدري نفسه‬
‫ِ‬
‫طرف السرير واألخير يبتسم وهو يقول‪:‬‬ ‫عند‬
‫‪-‬لقد أفاق أخي ًرا‪.‬‬
‫قدر كبير من الذكاء ليفهم أكرم أنه‬
‫لم يكن األمر يحتاج إلى ٍ‬
‫بالمستشفى ولكنه نظر إلى أنور وهو يتساءل‪:‬‬
‫‪-‬ماذا حدث؟‬
‫تم القبض على الجميع ومات القاتل المحترف القادم من‬
‫ِ‬
‫بشأن تهريب‬ ‫الخارج وتم القبض على جان نفسه ويحققون معه‬
‫األلماس واألحجار الكريمة إلى مصر وفي المعركة أصبت سيادتك‬
‫ناري في الصدر وتم تحويلك إلى القصر العيني حيث‬
‫ّ‬ ‫بطلق‬
‫ٍ‬
‫فوجئت بصديقك هذا‪:‬‬
‫قالها ووهو يشير إلى أكرم الذي ابتسم وقال‪:‬‬
‫وقت قبل أن تأتي محمو ًلا‪.‬‬
‫‪-‬كنت أعلم أنها مسألة ٍ‬
‫الدم يتم نقله إليه وأنبوبة‬
‫ِ‬ ‫كيسا من‬
‫ً‬ ‫نظر قدري حوله فوجد‬
‫تخرج من جانب صدره متصلة بقارورة بجانب السرير فسأل‪:‬‬
‫‪-‬ماذا أصابني؟‬

‫‪- 165 -‬‬


‫رد أكرم‪:‬‬
‫‪-‬لقد أصابت الرصاصة صدرك واخترقت الرئة اليمنى‬
‫وهبوط حاد في الضغط‪..‬‬
‫ٍ‬ ‫دموي‬
‫ّ‬ ‫هوائي‬
‫ّ‬ ‫ارتشاح‬
‫ٍ‬ ‫وأدت إلى‬
‫ولكننا أعطيناك بعض المحاليل والدم وتم تركيب أنبوبة‬
‫صدر لك‪.‬‬
‫‪-‬متى يمكنني الخروج؟‬
‫‪-‬األمر ليس بهذه البساطة يا قدري ما زالت كمية الدماء‬
‫التي تخرج من األنبوبة كبيرة‪ ..‬ستحتاج لدخول غرفة‬
‫العمليات‪.‬‬
‫حاجبي قدري‪:‬‬
‫ّ‬ ‫انعقد‬
‫‪-‬ماذا؟‬
‫‪-‬آسف يا صديقي ولكننا سنستدعيك إلى غرف ِة العمليات‬
‫فور أن نجهز المزيد من أكياس الدم لك‪ ..‬واآلن اعذرني‬
‫فإنني مضطر إلى مباشرة عملي ولقد اتصلت بجارتك‬
‫وحيدا منذ وفاة والديك‪.‬‬
‫ً‬ ‫لترعاك فإنني أعلم أنك تعيش‬
‫ثم نظر إلى أنور وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬تعالى معي سأحتاج إليك لتنهي بعض األعمال الورقية‪.‬‬
‫بعد ذلك اصطحب أكرم أنور خارج الغرفة بينما وقفت هبة‬
‫تجهم على وجهها‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫ونظرة‬

‫‪- 166 -‬‬


‫‪-‬في البداية ظننت أن نيركا هو الذي أصيب ولكن من‬
‫الواضح أنك تطور من نفسك يا قدري‪.‬‬
‫متزوجا‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪-‬أنا لست‬
‫ِّ‬
‫الشك وهي تقول‪:‬‬ ‫تغيرت نظرة هبة إلى‬
‫‪-‬لقد قالت أنها زوجتك أمامك وأنت لم تعترض‪.‬‬
‫‪-‬أنت لم تمنحيني فرصة للشرح‪.‬‬
‫ً‬
‫عميقا ازداد معها فقاعات الهواء التي تخرج‬ ‫نفسا‬
‫ثم أخذ ً‬
‫في المياه الراكدة في القنينة المتصلة بأنبوب ِة الصدر ثم أكمل‪:‬‬
‫‪-‬لقد كانت خطيبتي وقد عقدنا القران ولم نتزوج بعد ولم‬
‫تحتمل رؤية ما يحدث لي وبالطبع لم تصدقني فاتفقنا‬
‫على االنفصال‪.‬‬
‫تهللت أسارير هبة قلي ًلا‪:‬‬
‫‪ً -‬‬
‫إذا فهي ليست زوجتك‪.‬‬
‫ابتسم قدري بصعوب ٍة وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬ليس بعد اليوم‪ ..‬فبمجرد خروجي من هنا س ُأنهي‬
‫إجراءات الطالق‬
‫نفسا آخر لتزداد فقاعات الهواء من جديد‪:‬‬
‫ثم أخذ ً‬
‫‪-‬واآلن السؤال ِ‬
‫لك يا آنسة هبة‪ ..‬هل تقبلي أن تتزوجي‬
‫ً‬
‫مطلقا‪.‬‬

‫‪- 167 -‬‬


‫ارتبكت هبة وظهرت حمرة الخجل على وجنتيها ثم نظرت‬
‫األرض فوجدت قميصه المخضب بدمائ ِه فالتقطته وخرجت‬
‫ِ‬ ‫إلى‬
‫مسرع ًة وهي تقول‪:‬‬
‫ِ‬
‫للتحدث إلى صديقك الطبيب‪.‬‬ ‫‪-‬سأذهب‬
‫وخرجت من الغرفة لتجد والدتها أمامها فقالت األخيرة‪:‬‬
‫‪-‬هل جلبت ما طلبت منك؟‬
‫‪-‬نعم قميصه وعليه دمائه‪.‬‬
‫ابتسمت العجوز وهي تقول‪:‬‬
‫‪-‬جيد‪ ..‬نحن سنجلس بالقرب ِ‬
‫منك ولكننا لن نعدك‬
‫بشيء فالساحر قال لي أنه سيجرب تعويذة لفصل الروح‬
‫ٍ‬
‫عن عالم الحلم ولكنه لم يفعلها من قبل‪.‬‬
‫شيء يا أمي‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬حاولي أي‬
‫التفتت هبة لتعود إلى غرفت ِه ولكنها فوجئت بأكرم أمامها‬
‫‪ً -‬‬
‫إذا فقد قال لك وصدقتيه‪.‬‬
‫‪-‬أنت تعلم ما به؟‬
‫‪-‬لقد حكي لي أكثر من مرة ولكنني لم أصدقه‪ ..‬ما يقوله‬
‫ال عالقة له بالعلم‪..‬‬
‫‪-‬ولكنه يصاب جسد ًيا‪.‬‬

‫‪- 168 -‬‬


‫‪-‬ربما يفتعلها‪ ..‬لقد أجريت له تحالي ًلا كاملة ورني ًنا على‬
‫المخ ورسم مخ وحتى تحاليل مخدرات بالدم وجميعها‬
‫جاءت سلبية وعندما رفضت تصديقه توقف عن قول‬
‫أسباب إصاباته لي‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بصوت خافت‪:‬‬ ‫تركته هبة وهي تهم بدخول الغرفة وهي تقول‬
‫‪-‬ربما كان من األفضل أن تصدقه فقط‪.‬‬
‫نائما‪:‬‬
‫دلفت هبة إلى الغرفة لتجد قدري ً‬
‫‪-‬نيركا‪ ..‬استيقظ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بأعداد مهولة من المجوم تجتاح الجيوش‬ ‫أفاق نيركا ليفوجأ‬
‫بكل ضراوة وزينورا تقف أمام جسده‬ ‫ِّ‬ ‫والمحاربين يقاتلونهم‬
‫لتدافع عنه‪.‬‬
‫واقفا مست ًلا سيفه ليضرب أقرب كائنات‬
‫ً‬ ‫انتفض نيركا‬
‫المجوم إليه فيندفع إلى الخلف ليصطدم بصديق ِه الذي يحارب‬
‫زينورا ويسقطان أرضا إال أنهما سرعان ما يقفان ويعاودان الهجوم‬
‫وسط ساحة المعركة‬
‫ِ‬ ‫ونيركا وزينورا يقفان جن ًبا إلى جنب في‬
‫ُيطيحان برؤوس بعض المجوم ويشقان البعض اآلخر وحشود‬
‫ِّ‬
‫بكل قوتهم‬ ‫بالهجوم ومحاربي القبائل يحاولون‬
‫ِ‬ ‫المجوم تستمر‬
‫رؤوس تلك الكائنات‬
‫ِ‬ ‫لصد الهجوم ويشقون ما يستطيعون من‬
‫القبيحة‪ ..‬ومن مكانه استطاع نيركا أن يرى ملك زنديون يصول‬
‫ويجول وجنزوا محاربه الصنديد يمسك بسيفين طويلين يضرب‬

‫‪- 169 -‬‬


‫بهما ذات اليمين وذات الشمال وها هو كارياك مليكه يحارب‬
‫وسط زمرة من خيرة شباب ساج وها هو سوجدو ومحاربيه ويا له‬
‫ملك تهتز األرض من تحت قدميه وهو يقاتل ويقتل المجوم‬ ‫من ٍ‬
‫وها هو كبير وزرائه هيجنزاي يجثو على ركبته حام ًلا قوسه و‪...‬‬
‫ولكن مهال هل ُيصوِّب نحو سوجدو؟‬
‫إنه بالفعل يفعل هذا‪.‬‬
‫‪-‬نيركا احترس‪.‬‬
‫‪-‬فوجئ نيركا بصرخ ِة زينورا فالتفت وراءه ليفاجأ ِ‬
‫بيد أحد‬
‫ٍ‬
‫بعنف ليطير إلى الوراء‬ ‫كائنات المجوم تصدمه برأس ِه‬
‫ويقع على ظهره مغش ًيا عليه‪.‬‬
‫األلم فتهرع إليه‬
‫ِ‬ ‫فجأة يقفز قدري في سرير ِه وهو يصيح من‬
‫هبة‪:‬‬
‫‪-‬ال بأس‪ ..‬ال بأس أنت هنا اآلن‪.‬‬
‫ينظر إليها قدري الهثًا‪.‬‬
‫سريعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪-‬أريد أكرم‬
‫بكامل طاقتها لتعود بعد دقيقة ومعها أكرم الذي‬
‫ِ‬ ‫تجري هبة‬
‫سأل‪:‬‬
‫‪-‬ماذا يجري؟‬
‫‪-‬أريد حقنة منومة اآلن‪.‬‬

‫‪- 170 -‬‬


‫‪-‬ماذا؟ لماذا يا قدري؟‬
‫‪-‬أكرم ثق بي هناك من س ُيقتل بالعالم اآلخر‪.‬‬
‫‪-‬ستعود إلى خرافاتك هذه‪.‬‬
‫هنا تدخلت هبة بالحوار‪:‬‬
‫ليدعي ما به أعطه ما‬
‫سبب َّ‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬أرجوك صدقه‪ ..‬ال يوجد‬
‫يريد‪.‬‬
‫‪-‬حس ًنا يا قدري سآمر بحقن ٍة مهدئة لك اآلن لتنام ولكنها‬
‫ستكون األخيرة فعمليتك ستبدأ بعد قليل‪.‬‬
‫قالها وخرج من الغرف ِة ولم تمض الدقيقة حتى دخلت ممرضة‬
‫عيني قدري وينتقل إلى‬
‫ّ‬ ‫لتضخ الحقنة عبر دمائه لتغيم الدنيا في‬
‫عالم آخر‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫بجثث المحاربين‬ ‫فتح نيركا عينيه ليجد األرض مفترشة‬
‫وبعض المجوم فنهض وأخذ يجوب بين أجساد ووجوه المحاربين‬
‫حتى وجد الملك سوجدو ووجد هيجنزاي ما زال يحوم حول‬
‫الملك ليتح َّين الفرصة لقتله وهو يعلم أنها فرصة واحدة ولن ُيتاح‬
‫غيرها‪.‬‬
‫ِ‬
‫الصفوف يدفع هذا ويطعن‬ ‫ِّ‬
‫وبكل قوته انطلق نيركا بين‬
‫المجوم ويشق رأسه ويتلقى ضربة في بطنه‬
‫ِ‬ ‫واحدا من‬
‫ً‬ ‫هذا ويقاتل‬
‫كل هذا يسلك طريقه نحو سوجدو‬ ‫ويقف بعدها ويقاتل وهو في ِّ‬

‫‪- 171 -‬‬


‫ِ‬
‫الوقت المناسب وما إن رآه سوجدو حتى تعرف‬ ‫ووصل إليه في‬
‫عليه‪:‬‬
‫‪-‬أنت السبب في كل هذا أنت من استدرجتنا واستدرجت‬
‫المجوم‪...‬‬
‫لسماع ما يقول وما إن شق رأس‬
‫ِ‬ ‫ولم يتوقف نيركا لحظ ًة‬
‫ً‬
‫سيفا من األرض و ُيلقيه‬ ‫أقرب المجوم إليه حتى انحنى ليلتقط‬
‫في الهواء ليمرق بجانب جسد سوجدو ويستقر في صدرِ هيجنزاي‬
‫الذي كان قد رفع قوسه ليقتله‪.‬‬
‫تسمر سوجدو في مكانه للحظة وقد جمدته المفاجأة فاقترب‬
‫منه نيركا وهو يلهث‪:‬‬
‫‪-‬لقد كان يستهدفك‪.‬‬
‫وقف نيركا بجانب سوجدو في حين هبط تنين السامو‬
‫ٍ‬
‫للحظات فوق كتف نيركا‪.‬‬
‫‪-‬ال أرى نص ًرا هنا بدون الكثير من الدماء‪.‬‬
‫ِ‬
‫أعداد المجوم الضخمة وجيوشهم‬ ‫قالها سوجدو وهو ينظر إلى‬
‫المجوم‬
‫ِ‬ ‫التي فقدت ثلث رجالها والجثث التي تمأل الساحة من‬
‫والمحاربين‪.‬‬
‫‪-‬هكذا هي الحروب التي تُحدد المصير‪ ..‬ال نصر بدون‬
‫دماء‪.‬‬

‫‪- 172 -‬‬


‫وفجأة ته َّل َلت أساريره وهو ُيشير إلى السماء‪:‬‬
‫‪-‬ها قد جاء المدد‪.‬‬
‫كان هذا صديقه باماسي يمتطي تنين الجوكوا وهو يبحث‬
‫عن صديق ِه بين الصفوف وما إن رآه بجانب سوجدو حتى اتجه‬
‫بالتنين مباشر ًة إليه وكذلك فعلت زينورا التي تتبعت التنين بنظرها‬
‫ِ‬
‫وقفز باماسي من فوق صهوة تنينه ليهبط بجانب نيركا في حين‬
‫ضربت زينورا رأس كائن وهي تقترب منهم‪.‬‬
‫‪-‬هل فاتني الكثير‪.‬‬
‫‪-‬ال باماسي فقط بعض الرؤوس التي تحتاج إلى القتل‪..‬‬
‫أين المدد؟‬
‫‪-‬انظر حولك لقد وصل بالفعل‪.‬‬
‫أدار نيركا رأسه لينظر إلى الساح ِة مرة أخرى فإذا باألجساد‬
‫المضيئة تظهر وتختفي وتجول بين الصفوف وهي تقتل المجوم‪.‬‬
‫ِ‬
‫لحصد بعض‬ ‫‪-‬اسمحوا لي فإنني ال أود أن أفوِّت الفرصة‬
‫الرؤوس‪.‬‬
‫مطيحا بسيف ِه يأخذ ثأره‬
‫ً‬ ‫قالها باماسي وهو يشق الصفوف‬
‫ممن أسروه وعذبوه في حين ات ََّجه جنزوا مع ملك ِه نحو زينورا‬
‫جميعا وقد تناثرت‬
‫ً‬ ‫واقترب كارياك من نيركا والدماء تغطيهم‬
‫بعض الجروح والحروق في أجسادهم قالت زينورا‪:‬‬

‫‪- 173 -‬‬


‫‪-‬لقد أوشك األمر أن ينتهي‪.‬‬
‫ه َّز نيركا رأسه نف ًيا‪.‬‬
‫‪-‬ال‪ ..‬ليس بعد‪ ..‬لقد هزمنا جيشهم ولكن البوابة ما زالت‬
‫مفتوحة وسيأتي المزيد‪.‬‬
‫أشارت زينورا نحو الماسة التي تقع على صدره‪:‬‬
‫‪-‬هذه الماسة تغلقها كما فتحتها أول مرة‪.‬‬
‫قال جنزوا بصوته األجش‪:‬‬
‫‪-‬الذهاب إلى نار المجوم لن يكون بالرحلة‪.‬‬
‫قال نيركا‪:‬‬
‫‪-‬إن معنا الجنداي سيقاتلون معنا‪.‬‬
‫ِ‬
‫الصمت بين الجميع فقطعتها زينورا وهي‬ ‫سادت لحظة من‬
‫تنظر إلى أبيها‪:‬‬
‫‪-‬أال تودون إصالح أخطاء الماضي؟‬
‫تبادل والدها وكارياك وسوجدو النظر فيما بينهما فقال‬
‫سوجدو‪:‬‬
‫‪-‬أنت تعلمين ً‬
‫إذا؟‬
‫أحدا إذا قررتم الوقوف جن ًبا إلى جنب إلغالق‬
‫‪-‬ولن أخبر ً‬
‫تلك البوابة الملعونة‪.‬‬

‫‪- 174 -‬‬


‫قال كارياك‪:‬‬
‫‪-‬ال أجد مهر ًبا من ذلك‪ ..‬إنها الفرصة الوحيدة التي ُسنحت‬
‫لنا إليقاف ذلك الجنون‪.‬‬
‫َّ‬
‫استل سوجدو سيفه وهو يقول ماذا ننتظر ً‬
‫إذا؟‬
‫اقترب منهم شيخ الجنداي وهو ينظر نحو نيركا‪:‬‬
‫‪-‬لقد وفينا بوعدنا معك‪.‬‬
‫‪-‬وأنا ً‬
‫أيضا‪ ..‬ولكن هناك معركة أخيرة‪.‬‬
‫‪-‬لم نتفق سوا على معرك ٍة واحدة‪.‬‬
‫‪-‬يجب إنهاء ذلك الخطر‪ ..‬يجب غلق البوابة‪.‬‬
‫‪-‬قلنا لكم هذه حربكم وليست حربنا وقد قاتلنا معكم‬
‫ِ‬
‫اختراق تلك‬ ‫الجيش الكبير ولن تجدوا صعوبة في‬
‫األعداد الصغيرة التي تحرس البوابة وعهدنا معك انتهى‪.‬‬
‫قالها الشيخ ثم أشار بيده عال ًيا لتبدأ تلك األلوان القرمزية‬
‫تماما قبل أن يتالشى هو نفسه في حين‬
‫ً‬ ‫في االختفا ِء حتى تالشت‬
‫ملك نحو جيشه ِّ‬
‫لينظمهم بعد أن ُأبيد المجوم بالكامل‪.‬‬ ‫ات ََّجه كل ٍ‬
‫أخذت الجيوش بعض الوقت لتلتقط أنفاسها ول ُتنظم‬
‫صفوفها ثم انطلقت صوب بوابة النار‪.‬‬

‫‪- 175 -‬‬


‫كانت البوابة أشبه بصخر ٍة ضخمة بين الجبال‪ ..‬وهناك‬
‫منحدر جبلي ضخم بينها‪ ..‬وهناك بدأت الجيوش تستعد وبدأت‬
‫ٌ‬
‫قوات المجوم في الخروج‪.‬‬
‫يمض الكثير حتى التحم الجيشان‪.‬‬
‫ِ‬ ‫لم‬
‫كان المجوم بدون جيشهم األكبر وكان جيش القبائل‬
‫متعطشً ا للدما ِء فكانت الكلمة األكبر في ساحة المعركة ومنذ‬
‫اللحظة األولى لجيوش القبائل‪.‬‬
‫صال جنزوا وقتل الكثير وكذلك فعل سوجدو وكارياك‬
‫تماما‪.‬‬
‫ً‬ ‫أما باماسي فقد أخذ ثأره منهم‬
‫وكذلك فعلت زينورا َّ‬
‫ِ‬
‫القتال‬ ‫تماما ولكن هذا لم يمنعه من‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫منهكا‬ ‫أما نيركا فكان‬
‫بل إنه قتل منهم الكثير وزينورا وباماسي يقاتالن بجانب ِه وتنين‬
‫عيني نيركا‬
‫ّ‬ ‫السامو الصغير ما بين لحظ ٍة وأخرى على كتفه ولكن‬
‫ظلت مركزة على تلك الفجوة الصغيرة التي تحمل نقشً ا بجانب‬
‫تماما القالدة التي يحملها‪.‬‬
‫ً‬ ‫البوابة والتي تسع‬
‫ظل نيركا يقترب من البوابة وبجانبه صديقه وحبيبته وهو‬
‫يرى نهاية الحرب في تلك الفجوة ولكن فجأة خرج من البوابة‬
‫ذلك الكائن الضخم نفس هيئة المجوم بأطراف ِه الطويلة ومخالبه‬
‫الحادة والرأس ذو الثالث عيون والجسد الصخري المتوهج‬
‫ولكن هذا الكائن تعدى طوله المترين والنصف وظل يقف أمام‬
‫تلك الفجوة وهو ينظر إلى نيركا وقالدته وما إن اقترب نيركا حتى‬

‫‪- 176 -‬‬


‫اتجه الكائن نحوه وأخذ ُيكيل إليه اللكمات إ َّلا أن نيركا كان‬
‫ماه ًرا بحق فأخذ يتفاداها يمي ًنا ويسا ًرا وهو يحاول أن يقفز مسددً ا‬
‫سيفه نحو ذلك الرأس ولكن طول الكائن والحالة الجسدية السيئة‬
‫يمض الكثير حتى‬
‫ِ‬ ‫لنيركا حالتا دون أن ِّ‬
‫ينفذ نيركا مبتغاه ولم‬
‫النيل من‬
‫ِ‬ ‫انضم له صديقه باماسي في تلك المحاولة اليائسة من‬
‫الكائن ولكن الكائن أطاح يده في حرك ٍة مفاجأة أطاحت نيركا إلى‬
‫الخلف ليصطدم رأسه بصخر ٍة و‪...‬‬
‫‪-‬جيد أنك أفقت قدري فقد حان موعد دخولك العمليات‬
‫نائم‪.‬‬
‫وطبيب التخدير لن يرضى أن يبدأ العملية وأنت ٌ‬
‫انتفض قدري عندما وجد أكرم أمامه‪:‬‬
‫‪-‬يجب أن أعود ثاني ًة يا أكرم‪.‬‬
‫ابتسم أكرم‪:‬‬
‫‪-‬ال تقلق ستنام بعد قليل‪.‬‬
‫أدار قدري نظره فإذا بهبة تقف أمامه‪:‬‬
‫‪-‬إن والدتي تفعل ما بوسعها‪.‬‬
‫‪-‬ال بأس يا هبة في كلتى الحالتين سأكون شاك ًرا لها‪.‬‬
‫دخلت ممرضة وعامل الغرفة ومعهم ناقلة حديدية متحركة‬
‫والممرضة تقول ألكرم‪:‬‬
‫‪-‬العمليات جاهزة َ‬
‫وط َل َبت صديقك يا دكتور أكرم‪.‬‬

‫‪- 177 -‬‬


‫تحرك قدري بصعوب ٍة متك ًئا على أكرم والعامل وهبة‬
‫تساعدهما حتى استلقى على الناقلة وبدأت الرحلة إلى العمليات‪..‬‬
‫في البداية كانت الرؤية ضبابية ورهبة غرفة العمليات المهيبة انتابته‬
‫إال أن ابتسامة من طبيب التخدير ومزحة من طبيب جراحة القلب‬
‫والصدر أزالتا التوتر من قدري‪.‬‬
‫وأشار طبيب التخدير لمساعدته‪:‬‬
‫‪-‬هيا أعط ِه أمبول البروبوفول المخدر‪.‬‬
‫‪-‬كله؟‬
‫‪-‬نعم فجسده ضخم سيحتاجه كله‪.‬‬
‫وما إن سرى الدواء في عروق قدري حتى أفاق نيركا‪.‬‬
‫فتح نيركا عينيه ليفاجأ بسوجدو وجنزوا وزينورا يساعدون‬
‫باماسي في محاربة كائنين من المجوم تعديا المترين والنصف‪.‬‬
‫تحسس نيركا مكان القالدة ليجدها اختفت فإذا ب ِه يتلفت‬
‫حوله فإذا بتنين السامو يحمل القالدة بقدم ِه وهو يقف على صخر ٍة‬
‫فوقه‪.‬‬
‫‪-‬لقد انتهت مهمتك نيركا‪ ..‬جاء الوقت ألنهي ما بدأناه‪.‬‬
‫هكذا قال التنين الصغير والدهشة تغلب نيركا‪:‬‬
‫‪-‬من أنت؟‬
‫‪َّ -‬‬
‫حذر‪.‬‬

‫‪- 178 -‬‬


‫‪-‬أنت الساحر األعظم‪.‬‬
‫ابتسم التنين وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬نعم ولدي مهمة يجب إنهائها وقد ساعدتني كثي ًرا بنقلي‬
‫حتى هنا وبتصفية قوات المجوم وجاء الوقت إلغالق‬
‫تلك البوابة‪.‬‬
‫لم ينتظر الساحر بعد ذلك طوي ًلا فقد انطلق يطير حتى‬
‫ٍ‬
‫لحظات انهارت البوابة‬ ‫وضع القالدة في التجويف الصخري وفي‬
‫وتحطمت القالدة ِ‬
‫وبق َي القليل من المجوم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لحظات قرر االنضمام لزمالئه‬ ‫مترنحا وبعد‬
‫ً‬ ‫وقف نيركا‬
‫المجومي‬
‫ّ‬ ‫وبالفعل انضم إلى سوجدو وباماسي في محارب ِة ذلك‬
‫الضخم ولكن صدمة جديدة على رأسه أعادته إلى قدري‪.‬‬
‫‪-‬إن المريض يستيقظ يا دكتور‪.‬‬
‫كذلك هتف جراح القلب والصدر بزميله طبيب التخدير‪.‬‬
‫‪-‬نعم ولكني ال أفهم لماذا؟ لقد أعطيته مخد ًرا وريد ًيا‬
‫كام ًلا والمخدر التنفسي على أعلى معدل‪.‬‬
‫‪-‬ال يهمني لماذا؟ يهمني أن ينام‪.‬‬
‫أشار طبيب التخدير لمساعدته‪:‬‬
‫ٍ‬
‫أمبول آخر‪.‬‬ ‫‪-‬نصف‬

‫‪- 179 -‬‬


‫وسرى المخدر بدمائه وها هو نيركا يعود وما كاد أن يقف‬
‫حتى عاجله الكائن بلطم ٍة أخرى و‪...‬‬
‫‪-‬إنه يستيقظ مجددً ا أيها الطبيب افعل شي ًئا‪.‬‬
‫‪-‬أعطه ما تبقى من األمبول‪.‬‬
‫و‪....‬‬
‫ظالم‪..‬‬
‫هدوء‪..‬‬
‫ِ‬
‫ألول مرة يميز قدري هذا الهدوء‪ ..‬مكان غريب ليس به‬
‫نيركا وربما ليس به قدري‪.‬‬
‫ظالم وراحة دامتا لدقائق‪.‬‬
‫و‪...‬‬
‫ها هو نيركا يفيق‪.‬‬
‫لقد نجح سوجدو وباماسي في قتل أحد الكائنات وما زالت‬
‫زينورا وجنزوا يناوشان اآلخر‪.‬‬
‫ٍ‬
‫صدمات على‬ ‫وقف نيركا برؤيت ِه الضبابة بعد أن تلقى ثالث‬
‫الرأس وأخذ يراقب المنحدر بعد أن نجح الجيش في القضا ِء على‬
‫المجوم‪.‬‬
‫لم َ‬
‫يتبق سوى ذلك الكائن الضخم‪.‬‬
‫‪-‬زينورا احترسي‪.‬‬

‫‪- 180 -‬‬


‫في لحظ ٍة خاطفة ضربت يد الكائن صدر زينورا لتسقط أمامه‬
‫فريسة سهلة بينما تلقى جنزوا ضربة هو اآلخر ألقته المترين إلى‬
‫صيدا ثمي ًنا وحدها ورفع الكائن مخالبه وهبط‬
‫ً‬ ‫الوراء ليترك زينورا‬
‫بها على زينورا‪..‬‬
‫شيء في عقل نيركا‪..‬‬
‫ٍ‬ ‫وللحظة م َّر كل‬
‫تذكر جمالها في تلك الخيمة أول مرة رآها‪..‬‬
‫تذكرها وهي تنقذه أمام أبيها وجنزوا‪..‬‬
‫وعندما أخرجته من وسط جيشها‪..‬‬
‫وعندما صارحته بحبها‪..‬‬
‫نائما على ساقيها‪..‬‬
‫وعندما كان ً‬
‫ال لن يسمح بهذا‪..‬‬
‫لن تموت حبيبته لن يكون هو من جلب لها هذا‪..‬‬
‫وبكل قوته ألقى نيركا جسده أمام زينورا‪..‬‬
‫واخترقت المخالب صدره‪.‬‬
‫‪-‬ال‪ ..‬نيركا‪.‬‬
‫َّ‬
‫لينقضا على الكائن‬ ‫هتفت زينورا التفت باماسي وسوجدو‬
‫ويكيالن له الطعنات ومن وراءهما قفز جنزوا بجسد ِه المفتول‬
‫ليشق رأس المجومي األخير ويسقط جث ًة هامدة‪.‬‬
‫َّ‬

‫‪- 181 -‬‬


‫جلست زينورا محتضن ًة نيركا وهو يأخذ أنفاسه بصعوبة‪.‬‬
‫‪-‬نيركا اصمد أرجوك‪.‬‬
‫عيني نيركا المنهكتين وأنفاسه تتسارع قبل‬
‫ّ‬ ‫نزلت دمعتان من‬
‫أن يقول بصعوب ٍة‪:‬‬
‫‪-‬أحبك زينورا‪.‬‬
‫وانقطعت أنفاسه‪.‬‬
‫‪-‬أيها الطبيب لقد توقف القلب‪.‬‬
‫قالها جراح القلب والصدر مخاط ًبا طبيب التخدير الذي‬
‫هتف بمساعدت ِه على الفور‪:‬‬
‫سريعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪-‬أدرينالين وأتروبين‬
‫أحضرت المساعدة الحقنتين وضختهما في دما ِء قدري‬
‫تغيير فقال الجراح‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫والجميع يراقبون الموقف ولم يحدث أي‬
‫‪-‬أريد جهاز الصعق الكهربائي‪ ..‬وأمبول أدرينالين سأحقنه‬
‫بالقلب مباشرةً‪ ..‬هيا‪.‬‬
‫ومن مكانه خلف زجاج باب العمليات لم يتحمل أكرم‬
‫المشهد‪.‬‬
‫لم يتحمل رؤية صديقه هكذا‪.‬‬
‫فخرج خارج حيز العمليات ليجد هبة أمامه وبدون أن يشعر‬
‫انهمرت دموعه أمامها فسألته‪:‬‬

‫‪- 182 -‬‬


‫‪-‬ماذا حدث؟‬
‫‪-‬ادعي له يا آنسة هبة إن الموقف عصيب بحق‪ ..‬لقد‬
‫توقف قلبه ويحاولون انعاشه‪.‬‬
‫ِّ‬
‫بكل قوتها‬ ‫وبدون كلم ٍة أخرى استدارت هبة وهي تعدو‬
‫ركن‬
‫ٍ‬ ‫والدموع بدأت تُغرق وجهها هي األخرى حتى وصلت إلى‬
‫جلست به والدتها ومعها رجل مسن أعمى وقميص قدري بينهما‬
‫وهناك رسومات غريبة على األرض وترانيم أغرب تُقال‪.‬‬
‫ِ‬
‫أرجوك يا أمي افعلي شي ًئا لقد توقف قلبه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫يبد أنهما سمعاها‬
‫ولكن والدتها والمسن لم يلتفتا إليها ولم ُ‬
‫من األصل وظال ينشدان ترانيمهما وصوتهما يعلو‪.‬‬
‫وجلست هبة على األرض وقدماها ال تملكان من القوة‬
‫لحملها ودموعها تنهمر في غزار ٍة‪:‬‬
‫ِ‬
‫أرجوك‪..‬لقد توقف قلب حبيبي‪..‬‬ ‫ِ‬
‫أرجوك يا أمي‬‫‪-‬‬
‫إلي‪..‬‬ ‫ِ‬
‫أرجوك يا أمي أعيديه ّ‬ ‫‪-‬‬
‫‪-‬أتوسل ِ‬
‫إليك‪..‬‬

‫‪- 183 -‬‬


‫الخاتمة‬

‫‪-‬لماذا أنا أيها اللواء نشأت؟‬


‫‪-‬ألنك تستطيع أن تتحمل يا قدري‪.‬‬
‫‪-‬ولكن ما تطلبه مني صعب‪.‬‬
‫‪-‬بل هو مستحيل على غيرك‪.‬‬
‫‪-‬أنت تطلب مني أن أكون ما لست عليه‪ ..‬تريدني أن‬
‫أتظاهر بالفساد‪.‬‬
‫فاسدا‪ ..‬ستأخذ‬
‫ً‬ ‫‪-‬ال يا قدري‪ ..‬لن تتظاهر‪ ..‬بل ستكون‬
‫الوحل‬
‫ِ‬ ‫الرشاوي وستشتري المخدرات وستتوغل في‬
‫حتى أذنيك‪.‬‬
‫‪-‬سيادة اللواء نشأت‪...‬‬

‫‪- 185 -‬‬


‫‪-‬هناك فساد داخل إدارة البحث الجنائي ولن تسمح‬
‫الداخلية بهذا‪ ..‬يجب أن نوقع بالفسدة ويجب أن يكون‬
‫واحدا منهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫الفخ عن طريق أحدهم‪ ..‬يجب أن تُصبح‬
‫‪-‬لما أنا؟‬
‫‪-‬إنك وحيد وليس لديك أصدقاء وأنا كنت على صل ِة‬
‫صداقة بوالدك اللواء سليمان‪.‬‬
‫‪-‬ستسوء سمعتي وس ُألطخ اسم والدي‪.‬‬
‫‪-‬نعم‪ ..‬وسنطاردك‪ ..‬ولكن في النهاية ستكون بط ًلا‪.‬‬
‫تذكر اللواء نشأت تلك المقابلة وهو يقف خارج غرفة قدري‬
‫بجانب هبة واألخيرة تقول‪:‬‬
‫‪ً -‬‬
‫إذا كل هذا كانت مهمة لقدري وسمعته السيئة باإلدارة‬
‫كل ذلك كانت تعليمات‪.‬‬
‫قال اللواء نشأت‪:‬‬
‫‪-‬كنا نشك في اللواء إبراهيم فقررنا زرع عميل داخل‬
‫إدارته منذ أكثر من عامين وكان يشتري المخدرات‬
‫ويسلمها لنا‪ ..‬وليلة إصابته بالرصاص اتصل بي وأخبرني‬
‫عما حدث من اللواء إبراهيم وأيمن وأخبرني أن جان‬
‫َّ‬
‫سيكون في الصاغة وأنه سيستفز أيمن واللواء إبراهيم‬
‫إلى أقصى ٍ‬
‫حد ووضعنا معه أجهزة تصنت وسجلنا ما‬

‫‪- 186 -‬‬


‫دار وسجلنا حتى مكالمة اللواء مع وسيط ُيدعى صفوت‬
‫وداهمنا مكتب اللواء وقبضنا عليه مع أيمن‪.‬‬
‫جدا مع قدري‪.‬‬
‫‪-‬لقد كنت قاس ًيا ً‬
‫‪-‬هو يستطيع تحمل أكثر من ذلك‪.‬‬
‫قالها اللواء نشأت ودخل إلى الغرفة حيث يرقد قدري موص ًلا‬
‫ٍ‬
‫بأسالك وأنابيب عديدة‪.‬‬
‫حمدا لله على سالمتك يا بطل‪ ..‬لقد أخبرني صديقك‬
‫‪ً -‬‬
‫أنك نجوت بأعجوب ٍة بعد أن توقف قلبك‪.‬‬
‫حمدا لله‪.‬‬
‫‪ً -‬‬
‫‪-‬نحن ننتظر عودتك بفارغ الصبر يا قدري‪.‬‬
‫ابتسم قدري بصعوب ٍة‪:‬‬
‫‪-‬ولكنني لن أعود يا سيدي‪.‬‬
‫‪-‬ماذا؟!‬
‫‪-‬لقد تعبت من كل هذا‪.‬‬
‫‪-‬ستعود كضابط وليس كعميل‪.‬‬
‫‪-‬سيدي ماذا تعتقد أنه سيحدث للواء إبراهيم؟‬
‫‪-‬سيحاكم ويسجن‪.‬‬
‫مخرجا قانون ًيا وهذا‬
‫ً‬ ‫‪-‬لن يكون سجنه لفتر ٍة كافية سيجد‬
‫الوسيط صفوت هل قبضتم عليه؟‬

‫‪- 187 -‬‬


‫‪-‬لألسف لقد هرب‪.‬‬
‫‪-‬ربما سيأتي من بعد اللواء إبراهيم من يكون في فساده‪.‬‬
‫‪-‬سنبحث خلفه ونعزله ونحبسه ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫‪-‬لقد تعبت من كل هذا سيادة اللواء إنني في الجانب‬
‫الخاطئ من العدالة‪.‬‬
‫مجرما؟‬
‫ً‬ ‫‪-‬تريد أن تصبح‬
‫ابتسم قدري وهو يقول‪:‬‬
‫‪-‬بل محام ًيا يا سيدي‪.‬‬
‫‪-‬أنت ال تقصد ما تقوله ولكنني سأتركك اآلن وأعلم أنك‬
‫ستعود لرشدك‪.‬‬
‫ولكن قدري كان بالفعل يقصد كل كلم ٍة مما قالها‪..‬‬
‫قدم أوراق استقالته‬
‫بل إنه لم يكد يفارق المستشفى حتى َّ‬
‫وبدأ في إجراءات قيده بنقاب ِة المحامين‪..‬‬
‫ولم يكن هذا قراره الوحيد الذي أخذه بالمستشفى َّ‬
‫ونفذ ُه‪..‬‬
‫قرار بحياته‪.‬‬
‫لقد أخذ أجمل ٍ‬
‫لقد تزوج تلك الفتا ِة التي أحبها‪.‬‬
‫تزوج هبة‪.‬‬
‫ِ‬
‫ألول مرة لم أكن أتخيل أنني سأكون زوجة‬ ‫‪-‬عندما رأي ُت َك‬
‫ذلك الضابط الذي أتى يستجوبني‪.‬‬

‫‪- 188 -‬‬


‫قالتها هبة وهي تجلس بجانب زوجها قدري على السرير‪.‬‬
‫‪-‬أنتي لم تتزوجي ذلك الضابط لقد تزوجتي محام ًيا‪.‬‬
‫‪-‬هل تعتقد أن أمي هي من أنقذت حياتك؟‬
‫‪-‬صدقيني ال أعلم هل هي من فعل هذا؟ هل األدوية‬
‫معا؟‬
‫والصعق الكهربي هل كل ذلك ً‬
‫‪-‬ال أعلم ولكن هناك من فصل قدري عن نيركا‪ ..‬حتى‬
‫نيركا نفسه ال أعلم مصيره هل مات؟ هل هو حي يتمتع‬
‫بحياته مع زينورا؟‬
‫‪-‬كل تلك التساؤالت ستبقى بال جواب‪.‬‬
‫حمدا لله أن حياتكما انفصلت فإنني لم أكن ألتحمل أن‬
‫‪ً -‬‬
‫ِ‬
‫أحضان تلك المرأة زينورا‪.‬‬ ‫تنام لتحلم أنك في‬
‫أطلق قدري ضحكة قصيرة قبل أن يستلقي في سريره وهو‬
‫يقول‪:‬‬
‫‪-‬ال تقلقي زوجتي العزيزة فاآلن ال أحلم سوى بالظالم‬
‫كل جانب‪.‬‬
‫يحيط بي من ِ‬
‫أعطته زوجته قبلة حانية وهي تقول‪:‬‬
‫نوما هان ًئا يا زوجي العزيز‪.‬‬
‫‪ً -‬‬
‫يمض الكثير حتى نام قدري‪..‬‬
‫ِ‬ ‫لم‬

‫‪- 189 -‬‬


‫ها هو الظالم الدامس الذي اعتاده منذ شهور‪..‬‬
‫هدوء شديد يستمر لساعات‪..‬‬
‫ولكن هذه المرة األمر يختلف‪..‬‬
‫همهمات يسمعها حوله‪..‬‬
‫وضوء خافت‪..‬‬
‫وتتحول الهمهمات إلى كالم‪..‬‬
‫ويزيد الضوء ليتحول إلى صور‪..‬‬
‫‪-‬لقد عدت يا سيدي‪.‬‬
‫فوجئ قدري بالمالبس الذهبية التي انتشرت بغرف ٍة تعج‬
‫بالبشر‪.‬‬
‫‪-‬أين أنا ومن أنتم؟‬
‫‪-‬أنت ال تتذكر‪.‬‬
‫‪-‬ال‪ ..‬ال أتذكر شي ًئا‪.‬أنت شويندوق ملكنا وملك تلك‬
‫شهور بعد أن‬
‫ٍ‬ ‫المجرة‪ ..‬ولقد دخلت في غيبوبة منذ‬
‫تعرضت لصدم ٍة على رأسك ومجرة ديجا تهجم علينا‬
‫اآلن ونحن في انتظارِ أوامرك‪.‬‬
‫‪-‬ماذا؟‬
‫‪-‬أنا‪......‬‬

‫‪- 190 -‬‬


‫ما بعد النهاية‬

‫وقفت والدة هبة مع الساحر العجوز األعمى أمام مستشفى‬


‫القصر العيني واالبتسامة تمأل وجهها‪:‬‬
‫‪-‬ال أدري كيف أشكرك أيها الساحر جاد‪.‬‬
‫‪-‬ال شكر بيننا‪ ..‬يكفي أنك أخت معلمي المغربي الحاجي‬
‫مصطفى ومهما فعلت فلن أستطيع رد جميله علي‪.‬‬
‫عظيما‪ ..‬على األقل بالنسبة‬
‫ً‬ ‫‪-‬بالعكس ما فعلته اليوم كان‬
‫للشاب‪.‬‬
‫ً‬
‫معترضا‪:‬‬ ‫هز العجوز رأسه‬
‫‪-‬لقد كسرت فقط العالقة بين قدري ونيركا ولكن هذا‬
‫الشاب يحمل بداخله قدرات ال أفهمها وال هو كذلك‪.‬‬
‫‪-‬المهم أنك أنقذت حياته‪ ..‬واآلن كيف أرد لك الجميل؟‬
‫‪-‬ال شيء‪ ..‬فقط سيارة أجرة تعيدني إلى شقتي‪.‬‬

‫‪- 191 -‬‬


‫ابتسمت السيدة المغربية متفهمة وهي تشير نحو سيارة أجرة‬
‫قادمة من بعيد ولكنها فوجئت بأخرى كانت متوقفة بالقرب منهما‬
‫تأتي مسرعة نحوهما وتقف أمامها فانحنت العجوز وهي تقول‬
‫للسائق‪:‬‬
‫‪-‬الهرم‬
‫فقال السائق الضخم‪:‬‬
‫‪-‬تفضلي‬
‫فتحت السيدة الباب للعجوز الذي ركب برشاقة ال تتناسب‬
‫مع سنه وال مع عجز بصره‪ .‬وسرعان ما كنت السيارة تسير مبتعدة‬
‫ومرت الدقائق ساد فيها الصمت أرجاء السيارة حتى قال العجوز‬
‫جاد‪:‬‬
‫‪-‬لماذا تحدق بي أيها السائق؟‬
‫انطلقت ضحكة من فم السائق‪:‬‬
‫‪-‬لن أتفاجأ بما تقول أيها العجوز األعمى فأنا أعلم من‬
‫أنت‪.‬‬
‫‪-‬لقد كنت تتبعني منذ صباح اليوم‪.‬‬
‫‪-‬اسمي آدم ‪..‬ولكنني ال أريدك أنت‪ ..‬أريد تلميذك زياد‪..‬‬
‫أريد ساحر بابل‪.‬‬
‫إلى اللقاء مع ساحر بابل‬

‫‪- 192 -‬‬


‫‪‬‬

‫‪3‬‬ ‫إهداء‬
‫‪5‬‬ ‫قدري‬
‫‪23‬‬ ‫نيركا‬
‫‪37‬‬ ‫صراع الزمالء‬
‫‪51‬‬ ‫الجنداي‬
‫‪69‬‬ ‫بائع الذهب‬
‫‪89‬‬ ‫مملكة الجبال‬
‫‪109‬‬ ‫الصاغة‬
‫‪127‬‬ ‫العرافة‬
‫‪145‬‬ ‫بئر الفساد‬
‫‪161‬‬ ‫الملحمة‬
‫‪185‬‬ ‫الخاتمة‬
‫‪191‬‬ ‫ما بعد النهاية‬

You might also like