Professional Documents
Culture Documents
رواية
I.S.B.N : 978-977-6555-88-4
رقــم اإليــــداع2019 /2244 :
تصميم الغـالف :أحمد فرج
املراجعة اللغوية :أمرية أسامة
اإلخراج الفنـــي :ضياء فريد
املـديـــر العــام :سيد شعبان
فلتبدأ الملحمة
-3-
قدري
-5-
وعلى ُبعد خطو ٍة واحدة كان ذلك السرير الصغير حيث
ُألقيت بجانبه بواقي وجبة سريعة ،في حين يرقد ذلك الجسد
القوي البنية الحاد المالمح وإن كان ال يخلو من بعض
ّ األسمر
الوسامة ،في حين أغرق العرق جسده الممشوق شبه العاري إ َّلا
وامتد العرق ل ُيغطي وجهه
َّ من قطع ٍة صغيرة من مالبس ِه الداخلية
الذي اكتنفه جمودٌ يشبه جمود الموتى لوال األنفاس المنتظمة
التي تُحرك صدره َ
لظ َّن من يراه أن ُه جثة.
صباحا ليتحرك
ً تحركت عقارب الساعة لتشير إلى السابعة
ذلك الجسد في نفس اللحظة معتد ًلا وتتغير مالمح وجهه إلى
ُ
الذعر في حين ازداد عرقه وتعالت أنفاسه.
استمر ذلك الوضع ما يقرب من دقيقة استغلها صاحب الجسد
الممشوق ليهدئ من أنفاسه وان كان اإلرهاق الشديد يعتصر كل
خلي ٍة من قسمات وجهه الذي تز َّين بهالتين سوداويتين حول عينيه
في حين بدأت مالمح الذعر تتبدل إلى الهدوء وهو ينهض من
فراشه ليتوجه إلى الحمام حيث ألقى بجسد ِه تحت المياه المتدفقة
ً
منطلقا بعد ذلك إلى غرفت ِه من الدش كأنما يمحو ما كان يحلم به
من جديد ليلتقط بعض المالبس من أرضية الغرفة ويرتدي إياها
ويلتقط جراب مسدسه ويضعه فوق حزامه وينطلق مغاد ًرا منزله.
ما كاد ذلك الشخص يهبط إلى الدور األرضي حتى وجد
ً
ناهضا وهو يرفع يده بالتحية. بواب العمارة ُيسرع
-6-
-قدري باشا ...تمام في موعدك اليومي.
لم يتوقف قدري عن خطواته الثابتة ولم يلتفت حتى لصاحب
الصوت وهو يكمل طريقه قائ ًلا:
-شعبان كيف حالك...؟
ثم ألقى إليه بمفتاح الشقة.
-شقتي أصبحت مكب للنفايات.
-ال تقلق قدري باشا.
هكذا رد شعبان البواب قبل أن ينطلق قدري بسيارته متوج ًها
إلى مديرية األمن حيث يعمل في إدارة البحث الجنائي.
قطعت السيارة الصغيرة شوارع القاهرة حتى وصلت إلى
وجهتها أمام مديرية األمن ولم يكد قدري يطأ بقدم ِه ساللم
المديرية حتى ارتفعت له األيدي بالتحي ِة العسكرية في حين أخذ
متقدما حتى وصل إلى الدور الثالث حيث
ً قدري يرد التحية وهو
ٌ
صوت ساخ ٌر: يقع مكتبه ولم يكد يقترب منه حتى ارتفع من خلف ِه
-أخي ًرا ظهر قدري باشا.
استدار قدري ليجد زمي ًلا له يقف في الردهة وعلى وجهه
ابتسامة عريضة ساخرة.
-كيف حالك يا أيمن؟
-7-
هكذا رد قدري.
-أكيد أفضل منك ..إن عالمات اإلرهاق تعلو وجهك..
أين ذهبت مساء أمس لقد حاولت االتصال بك؟
-قلت لك مرا ًرا أن الليل لي وحدي وأنني ال أرغب في أي
ٍ
اتصال بالليل.
الغضب وهو يصيح:
ِ تغيرت نبرة أيمن إلى
جرائم بالليل حتى تستطيع
َ للناس أال يرتكبوا
ِ ً -
إذا نقول
اللهو كما يحلو لك.
شفتي قدري وهو يقول:
ّ ارتسم شبح ابتسام ٍة ساخرة على
-اللهو! ...أنا لم أغادر منزلي منذ البارحة ...ثم أنني
عرضت عليكم مرا ًرا وتكرا ًرا أنني مستعد لتحمل العمل
وحدي في الصباح ،وبالليل أحدكم يفحص القضايا
حتى اليوم التالي فقط.
ارتفع صياح أيمن وهو يقول:
ُ
قدمت مذكرة رسمية بأسلوب للعمل ولقد
ٍ -هذا ليس
ضدك بهذا.
تنهد قدري وقد نفذ صبره:
-أيمن ...لماذا كنت تبحث عني أمس؟
-8-
ً
عميقا كأنما يبتلع غضبه: نفسا
أخذ أيمن ً
-جريمة قتل ...في الزمالك...
-تمام سأحتسي قهوتي ثم أحصل على التفاصيل وأنطلق
مباشرةً.
ٍ
بخطوات قاطعا الردهة
ً قالها قدري والتفت متج ًها إلى مكتبه
واسعة ودلف إلى المكتب ليغلق الباب خلفه.
تمض دقائق
ِ جلس قدري على المكتب ليطلب قهوته ولم
حتى دخل رجل في أواخر العقد الخامس من العمر ومعه قهوة
قدري المعتادة.
-اإلرهاق الشديد يبدو عليك ...يجب أن تحصل على
قسط من الراحة لتنام.
ٍ
-ماذا لو كان النوم ال يعني الراحة؟
وضع الرجل القهوة على المكتب وهو يقول:
-أنا ال أفهم ألغازك قدري باشا.
ثم وضع ورق ًة صغيرة أمامه.
-بيانات عنوان جريمة القتل التي طلبتها ...هناك أمين
يؤمن موقع الحادث ُيدعى أنور وهو في انتظار
شرطة ِّ
سيادتك.
-9-
قالها وترك المكتب وانصرف ليترك قدري وراءه يتأمل
ٍ
لحظات قليلة بدا المشهد المنظر من مقعده خالل النافذة وخالل
ثاب ًتا ثم أسند قدري رأسه إلى الخلف وأغمض جفنيه إال أنه
ثوان قليلة وهو يتمتم
انتفض بعد ٍ
-ال ليس هذا وقته.
نهم كأنما ُيجبر نفسه على َّ
وانقض على قهوت ِه يلتهمها في ٍ
يمض الكثير من الوقتِ مسرعا ولم
ً ً
مستيقظا ،ثم ينطلق البقاء
حتى وصل قدري إلى مكان الحدث ليجد أنور في انتظاره.
ألمين الشرطة بجسد ِه الضخم وشاربه الكثيف
ِ كان أنور مثا ًلا
فرد عليه
هب مؤد ًيا التحية العسكريةَّ ،
وما أن رأى قدري حتى َّ
األخير التحية وهو يقول:
-هات ما عندك ...كل ما تعرفه عن الحادث.
رد أنور وهو يقود قدري عبر الردهات:
ِ
العقد السادس من -القتيالن رجل وزوجته كالهما في
العمر يسكنان الشقة بمفردهما؛ لديهما ابن واحد يعيش
في الخارج ...الرجل ميسور الحال وزوجته ربة منزل.
وصل قدري وأنور إلى غرفة المعيشة حيث تبعثرت محتويات
الغرفة على األرض وانتشرت بقايا حطام بعض المقتنيات في
دماء كبيرة.
ٍ رسمين لموقع الجثتين على األرض مع بقع ِة
َ حين يقبع
-ما هو عمل الرجل؟
- 10 -
هكذا سأل قدري.
لبيع المشغوالت الذهبية.
-لديه محل ِ
-فقد شي ًئا؟!
لي وفي األغلب ُسرقت.
-لم نعثر على أي أموال أو ُح ّ
تجوَّلت عينا قدري عبر الغرف ِة وهو يسأل:
شيء آخر؟!
ٌ -أهناك
-نعم ..هناك شاهدة.
اقتضبت أسارير قدري وهو يقول:
-شاهدة؟
-نعم ..إنها تعيش بالعمار ِة المقابلة ورأت الحادثة وهي
التي أبلغت النجدة وتم استجوابها.
ثم مرر أنور ورقة إلى قدري:
-هذه أقوال الشاهدة.
-هل أنهى رجال المعمل عملهم هنا؟
-نعم قدري باشا ..ال توجد أي ِة بصمات ..وهناك آثار
اقتحام ..وتم نقل الجثتين إلى الطب الشرعي وبهما
عدة طعنات وفي انتظار تقريره المبدئي.
- 11 -
انطلق قدري مغاد ًرا الشقة فهتف به أنور:
-إنها قضية سهلة أليس كذلك؟ اقتحام وسرقة.
-ليتها كذلك ..ولكنها ليست.
ترك بعدها قدري أنور في حيرت ِه وتوجه إلى العمارة المقابلة
حيث توجد الشاهدة ،وما أن وصل إلى باب الشقة وقرع الجرس
ِ
قسمات وجهها والذي حتى فتحت له سيدة ترك الزمان آثاره على
غ َّلفت ُه بطرح ٍة بيضاء.
-قدري سليمان ..مباحث جنائية.
ثم نظر إلى الورقة التي أخذها من أنور وهو يستطرد:
-أتعيش هبة منصور هنا؟
ٍ
بلطف: تحركت العجوز ل ُتخلي له الطريق وهي تقول
-تفضل يا ولدي ..إنها بالداخل.
دلف قدري إلى الشق ِة حيث جلس منتظ ًرا الشاهدة التي
دخلت السيدة ل ُتحضرها ولم تكد تمضي دقيقتين حتى خرجت
إليه سيدة متوسطة الطول متناسقة القوام في أوائل الثالثينات من
العمرشعرها أسود اللون.
وقف قدري مستقب ًلا إياها ولكنها أشارت إليه بالجلوس
وهي تقول:
- 12 -
َّ -
تفضل ..أنا ال أفهم ما كل تلك االستجوابات ..لقد
أدليت بأقوالي للشرط ِة أكثر من مرة.
عليك ولكنني سأحاول أ َّلا آخذ من
ِ -أعلم أن األمر صعب
ِ
وقتك الكثير
قالها قدري ونظر إلى الورق ِة التي في يد ِه وهو يقول:
ِ
سمعت -حسب أقوالك أنك ِ
كنت تقفين في الشرف ِة حين
أصواتًا تتعالى من الشق ِة المقابلة والتي كان يقطنها
نظرت وجدتي الرجل يحاولِ المجني عليهما ،وحين
الهروب والمعتدي يطعنه عدة طعنات في ظهره في حين
وجه إليها بعض
هجم آخر على الزوج ِة وأمسك بها ثم َّ
اللكمات وأخي ًرا قام بطعنها ،ثم نظر األول إلى زمالئه
لي.
والح ّ
ُ وتوجهوا صوب الغرف ثم خرجوا ومعهم المال
ثم ترك الورقة وهو ينظر إلى هبة ويقول:
-ما المدة التي أمسك بها المعتدي الزوجة؟
-أكثر من دقيقة بقليل.
-أيمكنك التعرف على الجناة.
-ال لقد كانوا ملثمين.
- 13 -
وقف قدري وهو يقول:
شيء غريب
ٍ -سؤال أخير سيدتي ..هل جذب انتباهك أي
بالشارع بينما ِ
كنت تنظرين من الشرفة؟ ِ
شيء غريب.
ٌ -ال ..ال يوجد
-عالم ِ
كنت تنظرين؟
-ال شيء محدد مجرد أنظر إلى المار ِة وأتجول بين
شخص أجنبي عند أول الشارع.
ٌ الوجوه ..وكان هناك
كان قدري يهم بالرحيل حين استوقفته كلمة هبة.
-أجنبي؟ ِ
أنت واثقة من هذا؟
-نعم.
-هل شاهدك؟
-ال أعلم لقد انشغلت بالحادث واستدعاء الشرطة ودخلت
وخرجت إلى الشرفة بضع مرات.
هنالك ظهرت العجوز تحمل كو ًبا من الشاي لتقدمه إلى
قدري.
-تفضل يا ولدي.
عيني المرأة
ّ وهم باالعتذار ..ولكن شيء ما في
ابتسم قدري َّ
استوقفه فلم يدرِ إ َّلا ويده تمتد إلى ِ
كوب الشاي لتأخذه.
- 14 -
-شك ًرا سيدتي ..هل يمكنك أن تدليني على مكان
الهاتف؟
أشارت المرأة إلى غرف ٍة ملحقة وهي تردف:
-عندما تتم اتصالك يكون الغداء جاهزًا.
قالتها السيدة ودلفت من حيث أتت تارك ًة قدري يقول:
-سيدتي لن أستطيع..ثم أدرك أن السيدة رحلت فنظر إلى
هبة.
-هل يمكنك االعتذار لها فأنا وقتي....
قاطعته هبة وهي تومئ برأسها متفهم ًة.
-بالطبع سأعتذر لها.
ثم أشارت إلى غرف ِة الهاتف.
-تفضل.
توجه قدري صوب غرفة الهاتف ،بينما دلفت هبة إلى والدتها
َّ
في المطبخ وهي تهمس:
ِ
عرضت عليه البقاء للغداء؟ -لماذا
ِ
بالد ردت عليها السيدة هامس ًة بلكن ٍة تدل على أنها من
المغرب العربي:
شيء غريب بخصوص هذا الشاب ..أستطيع
ٌ -هناك
الشعور ب ِه.
- 15 -
ِ
لخرافات السحر؟! -أستعودين
-ليست خرافات وأنا غير مجبرة إلقناعك ولكن هذا
الشاب روحه أكبر من عمره كما لو أنه يعيش عمره
شخص مثل هذا.
ٍ مرتين ..أنا لم أ َر في حياتي أي
ازداد همس هبة حدة وهي تقول:
-ماذا تقصدين؟
-أقصد...
قاطعها صوت قدري من الخارج وهو يهتف:
-سيدتي أنا مضطر لالنصراف.
همهمت العجوز وهي تخرج من المطبخ:
-وكأنني سأترك تلك الفرصة تهرب من يدي.
وتحولت لهجتها إلى المصرية عندما رأت قدري.
ستتحمل أن تكسر بخاطر سيدة
َّ -لن يحدث هذا ..هل
مثل والدتك؟
-ال يا سيدتي ولكنها مهام العمل.
اقتربت منه المرأة وهي تحدق في عينيه:
-ماذا بك يا ولدي ..ما الذي تخفيه عن العالم ..ما الثقل
الذي تحمله على كاهلك؟
- 16 -
فوجئ قدري بقول المرأة مما جعله يرتبك قلي ًلا ولكنه
سرعان ما تمالك نفسه:
-ال شيء له عالقة بما ِ
قد ُ
مت ألجله.
ابتسمت المرأة:
-جيد أنك لم تستطع الكذب.
لسبب واحد وهي جريمة القتل.
ٍ -سيدتي لقد قدمت
-ربما أستطيع مساعدتك.
ِ
الصمت بينهما قطعها صوت جوال قدري سادت فترة من
باهتمام إلى محدث ِه قبل أن يشكره
ٍ الذي سارع بالرد وهو يستمع
منه ًيا المحادثة.
خرجت هبة في هذه اللحظة لتنضم إليهما فبادر قدري بقوله:
-المكان هنا أصبح غير آمن لكما.
تشبثت هبة في ذراع والدتها وهي تهتف به:
-ماذا تقصد؟
ِ
وأنت تُبلغين الشرطة -أقصد أن قاتل العجوزين شاهدك
ِ
وأنت رأيته ويمكن أن يعود لك.
ٍ
بصوت شاحب: نظرت هبة إلى والدتها وهي تقول
-إلى أين يمكننا الذهاب؟
- 17 -
تماما وعالمات الحيرة تبدو عليها فتدخل
ً صمتت والدتها
قدري:
-ربما يمكنكما الذهاب إلى أحد األقارب.
نقلت إليه هبة نظرها:
-ليس لنا أقارب هنا؛ والدتي ليست مصرية ووالدي
مصري وكنا نعيش بلبنان وال نعلم لنا أقارب في مصر.
ٍ
طرقات قوية باقتراح جديد حين قاطع ُه صوت ٍ هم قدري
َّ
باب الشقة وتحركت هبة لتفتح الباب إ َّلا أن يد قدري منعتهاعلى ِ
وهو يقول:
-اسمحي لي..
بهدوء ليقف خلف البابل ُيصيح:
ٍ وتحرك
-من؟!
أتاه صوت أجش من خلف الباب:
-مباحث.
انقبضت أسارير قدري الذي نظر إلى هبة ووالدتها مشي ًرا
بهدوء شديد
ٍ إليهما باالختبا ِء بالداخل ،ثم امتدت يده لتفتح الباب
لينظر إلى ثالثة رجال ممشوقي القوام ضخام الجسد فبادر أحدهم
بالسؤال:
-أين السيدتان اللتان تعيشان في تلك الشقة؟
- 18 -
-من يسأل؟
رد عليه قدري وابتسامة باهتة تظهر على شفتيه فرد آخر
بغلظ ٍة:
-أخبرناك ..مباحث ..ونريدهما معنا.
لتعرفت عليكم و َل ُك َّنا نعمل في نفس
ُ -لو كنتم مباحث
المكان.
نظر الثالثة إلى بعضهم البعض ثم امتدت يد أضخمهم
بعيدا عن الباب ،في حين اندفع زمياله نحو
ً لتسحب قدري
الداخل ،ولكن فوجئ المهاجم ٍ
بيد من فوالذ تقبض على معصم ِه؛
لتلويه بقو ٍة وتدفعه ليسقط عبر الدرج في حين انفجرت قنبلة في
بطن الثاني إثر ركل ٍة من قدم قدري ،في حين امتدت يد قدري ِ
ٍ
بشالل من الدماء اليسرى لتسحب األخير من مالبس ِه قبل أن ُيفاجأ
عبر أنفه إثر رأسية موجهة من قدري ألقت ُه ً
أرضا.
ِ
صعود درجات الدرج من جديد ،ولكن كان األول قد بدأ في
قدم قدري استقبلت ُه لتعيده من حيث أتى؛ قبل أن ُيجبر الثاني
النهوض قبل أن تحتضن
ِ الذي كانت معدته ما زالت تؤلمه على
بطنه ركبة قدري الفوالذية ،وقبل أن ينحني جسده يتبعها قدري
بقنبل ٍة من قبضت ِه على مؤخرة عنقه؛ فيهوي على األرض ثم ينقض
قدري على زميله على األرض وشالل الدماء ما زال يصب من أنف ِه
ل ُيكيل إليه لكمتين؛ لتغيم الدنيا أمام عينيه ولكن زميلهما تمكن
- 19 -
ِ
صعود الدرج في هذا الوقت؛ ليدفع قدري بكل قوته ليسقط من
داخل الشقة ،ثم ساعد زميليه على النهوض وانطلق ثالثتهم في
ِ
سباق الهروب.
ً
واقفا داخل الشقة وهرعت إليه السيدتان انتصب قدري
َ
والعجوز تهتف:
-أأنت بخير يا ولدي؟
-نعم سيدتي ..ولكن كما كنت أقول المكان ليس آم ًنا.
تبادلت السيدتان النظرات في حين قالت هبة:
المعضلة إلى أين نذهب؟
-تبقى نفس ُ
-ربما إلى أحد الفنادق.
قاطعها قدري:
-هذا ليس آم ًنا ً
أيضا ..ولكن ربما أي ِة شقة مفروشة.
ً -
إذا فلنبحث عن واحدة.
-هذا ليس ضرور ًيا يا سيدتي ..أعلم واحدة في العمار ِة
التي أقطن بها.
بعيني
ّ لم قال هذا ..ولم يدرِ كيف ارتبط
لم يعلم قدري َ
ِ
ألول مرة هناك من يشعر تلك العجوز المغربية ،ولكنه شعر أنه
ب ِه وهناك من سيفهم مشكلته وربما سيساعده على حلها ،حتى
أن قدري نفسه لم َيعلم كيف اتصل بمكتبه وأخبرهم أنه سيذهب
- 20 -
ببعض المهام بعد أن
ِ ف أنور إلى بيت ِه بعد المأمورية ،وكيف ك َّل َ
طلب انتدابه من قسم ِه إلى المباحث ،وال كيف اصطحب المغربية
وابنتها معه بالسيارة ،وال كيف ومتى َق ِبل دعوتهما للعشاء؟!
بأجمل
ِ ِ
ألول مرة من فتر ٍة طويلة كل ما أدرك ُه أنه استمتع
زمن طويل ،واستمتع أكثر بثرثر ِة العجوز والحديث
وجبة منزلية منذ ٍ
الشيق البنتها عن رحلتهما في البالد العربية.
وما أن انتهى العشاء حتى اصطحبته العجوز حتى باب المنزل
وفتحت ُه وقالت لقدري:
-ألم يأن األوان لتصارحني بسرك؟
رد عليها قدري:
-كنت أتمنى ..ولكنني جربت أكثر من مرة ولم أجد
ً
تصديقا من أحد
-ج ِّرب ولن تندم.
موعد
ٌ -ربما في ٍ
وقت الحق فلقد حان موعد نومي وهو
مقدس.
ً -
إذا سأنتظرك عندما تريد.
نزل قدري درجات السلم حتى وصل إلى شقت ِه ودلف داخلها
للنوم بعد أن خلع مالبسه واستلقى
ِ وتوجه إلى غرفته وجهز نفسه
على سريره
- 21 -
وأغلق عينيه..
وراح في ٍ
ثبات عميق..
جدا.
عميق ً
ولكن تحت هذا الثبات بدأت حياة جديدة.
بكل جوراحه.
حياة يعيشها قدري ِ
عالم آخر.
ٍ حياة في
- 22 -
نيركا
فتح نيركا عينيه ليجد نفسه بجانب صديق درب ِه باماسي وَ سط
ٍ
حقول شاسعة من الخضرة التي تنتشر بها بعض األشجار ،كانا
قطعا بسيطة من القماش بدائي الصنع،
ً نيركا وباماسي يرتديان
في حين استق َّر رمحان معدنيان بجانبهما وسيفان صغيران داخل
جراب جلدي سميك.
بالليل للتدفئة،
ِ كان باماسي منشغ ًلا بإطفا ِء النار التي أشعالها
مبتسما:
ً ولكنه شعر بصديق ِه فقال
-إنك تنام كالقتيل.
نهض نيركا من مرقد ِه وهو يرد:
-وكيف ال وأنا أعلم أنك تحميني؟
- 23 -
َ
ومأل سريعا وشرب
ً أقرب قناة مياه واغتسل
ِ ذهب نيركا إلى
وعائه الجلدي وهو يستعد للترحال ،ثم عاد حيث ترك صديق ُه
أعد عدت ُه هو اآلخر.
باماسي وقد انتهى من إطفا َء شعل ِة النار وقد َّ
-أنا جاهز للرحيل.
هكذا قال باماسي عندما رأى نيركا.
-وأنا كذلك.
قالها نيركا وهو يرتدي سيفه ويمسك رمحه في يده وينطلق
مع صديق ِه نحو وجهتهما.
-ألن تقول لي ماذا قالت لك العرافة؟
قال باماسي لنيركا الذي أجاب:
-قالت أنني سأوحد الثالث قبائل.
-كيف وأنت لست أحد قادتها حتى؟
ِ
متطلبات المهمة. -تلك لم تكن من
هكذا قال نيركا وهو ُيكمل مسيرته التي امتدت طوال اليوم
مع صديق ِه ولقاء العرافة يتردد في عقل ِه وكلماتها ترن في أذنيه:
َ -
أنت من تنطبق عليه الشروط.
بجزء من روحك لصالح القبائل.
ٍ -س ُتضحي
-هكذا تقول النبوءة ...لن يقضي على كائنات المجوم إ َّلا
صاحب حياتين يأتي لتوحيد القبائل.
- 24 -
-يجب أن تختار بين سعادتك وحياة كل من تحب.
عقل نيركا طول مسيرته
ِ كل تلك الكلمات أخذت تتردد في
وهو ُيفكر في الطريقة التي سيوحد بها القبائل التي قاتلت بعضها
ٍ
لسنوات طويلة. البعض
واآلن يجب أن يتحدوا ..كائنات المجوم لن ترحمهم.
-لقد وصلنا.
قالها باماسي بعد أن وصال إلى ذلك المستنقع المظلم المليء
باألشجار الجافة والتي يبلغ عمق الماء بها حوالي نصف المتر وقد
وصلت الشمس إلى مغيبها.
-هنا نفترق.
هكذا قال نيركا.
-ال أظن هذا ..نحن لم نفترق قط.
-األمر مختلف هذه المرة ..يجب أن أجتاز هذا وحدي.
معا كل الصعاب ولن
-نيركا ..لن أتركك لقد واجهنا ً
أتخلى عنك هذه المرة ثم إنك لن تستطيع ردعي.
ضحك نيركا:
-بل أستطيع ولكني لن أضيع مجهودي في قتالك.
- 25 -
ضحكا االثنان قبل أن يرفعا رمحيهما ويبدئا رحلتيهما عبر
المستنقع والتحفز يظهر على كل قطع ٍة من جسدهما ،ولم يكادا
ٍ
خطوات داخل المستنقع حتى بدأت مياه المستنقع يخطوان بضع
سريعا.
ً الهادئة في التحرك
َّ
استل باماسي ونيركا سيفيهما وهما يجريان مفترقين ونيركا
يهتف:
-انتبه باماسي إنه هو.
-نعم بالتأكيد إنه هو ثعبان الدرنكون.
شكل يشبه نصف
ٍ قالها باماسي وهو يجري عكس نيركا في
ثعبان
ٍ الدائرة حول تموجات الماء التي ما لبثت أن انشقت عن
ِ
نصف ضخم يتعدى طوله الخمسة أمتار ،في حين يصل عرضه إلى
ٍ
المتر ويبرز نابان طويالن من فم ِه الضخم.
كان رد فعل الصديقين يدل على مهار ٍة وخبرة في المعارك
والمغامرات ،فليس فقط أنهما لم يفاجئا بالكائن الضخم بل
بالهجوم عليه ً
أيضا؛ فبمجرد خروج الثعبان من الما ِء ِ أنهما بدءا
فاجأ ُه باماسي بإلقا ِء رمح ِه بسرع ِة الصاروخ لينغرس في جسد ِه
الضخم ،في حين انطلق نيركا نحو الثعبان ثم قفز بكل عزم ِه
لينقض عليه بسيفه ،ولكن الثعبان تراجع بجسده ليتفادى سيف َّ
نيركا ثم يرتد في حرك ٍة سريعة محاو ًلا أن يصيب نيركا بنابه ،ولكن
األخير كان مقات ًلا بحق؛ فبمجرد أن المست قدمه أرض المستنقع
- 26 -
لتصد ناب الدرنكون ثم غطس
َّ بالرمح
ِ حتى ارتفعت يده األخرى
في المياه بجسده المفتول ليبتعد بجسد ِه عن الثعبان بينما كان
َّ
ينقض بدور ِه على الدرنكون بسيفه ،لكن الثعبان تفادى باماسي
أيضا ،ولكن باماسي قفز مرة أخرى بسيفه في حين تلك الضربة ً
انخفض نيركا موج ًها نصل رمحه إلى جسد الثعبان وأصابت
الضربتين هدفهما؛ حيث أصاب السيف رأس الثعبان في حين
انغرس الرمح ف جسده ،ولكن الثعبان كان قو ًيا بحق؛ فلقد غطس
في المياه مرة أخرى في حين بر َز ذيله من الماء ليضرب باماسي
مطيحا به أربعة أمتار إلى الخلف ليسقط في المياه.
ً في صدره
ورغم أن باماسي شعر بالذيل كأنه قنبلة تنفجر في صدر ِه؛
إال أنه كان يعلم أنهما فريسة سهلة للدرنكون في مياه المستنقع؛
فتحامل على نفسه ً
واقفا وهو يتحرك نحو صديقه ليقف الصديقان
متأهبين وظهريهما متالصقين يراقبان مياه المستنقع التي ما لبثت
أن بدأت في الحركة من جديد.
-ها هو آت ..استعد
هكذا هتف نيركا بصديق ِه وهما يراقبان التموجات التي
متر منهما فهتف
أخذت تقترب بسرعة حتى أصبحت على بعد ٍ
نيركا:
-اآلن.
- 27 -
َّ
انقض الصديقان على المياه بسيفهما فتلون الماء هنالك
باللون األحمر ولم يتوقف الصديقان حتى طفت جثة الثعبان على
السطح.
اقترب نيركا من الثعبان ثم قطع نابيه بالسيف ووضعه في
جلدي يحمله ،ولم يكد يفعل ذلك حتى ارتفعت أصوات
ّ جراب
ٍ
في السماء.
نظر الصديقان نحو مصدر الصوت قبل أن يقول باماسي:
-إنها طيور الصنار المفترسة.
ٍ
كهف يلوح في األفق. أشار نيركا نحو
-هيا لقد اقتربنا.
أطلق نيركا وباماسي العنان لساقيهما تصارعان داخل المياه
الهجوم عليهما.
ِ الموحلة للمستنقع وقد بدأت الطيور في
ومرة أخرى يثبت الصديقان أنهما مقاتالن بحق؛ فقد أخذا
طائر يقترب
ٍ يديران سيفهما رأس ًيا حول جسدهما مطيحان بأي
بكل سرعتهما والكهف
منهما وكثافة الطيور تزداد وهما يجريان ِ
رويدا حتى وصال إلى باب الكهف ..هنالك انقشعت
ً رويدا
ً يقترب
غيامة الطيور.
وقف الصديقان يلهثان على باب الكهف ولكنهما فوج َئا
بأنفاس ساخنة تلسع ظهريهما وأصوات زمجرة تأتي من خلفهما
ٍ
من ظالم الكهف.
- 28 -
استعد باماسي بسيف ِه المخضب بالدماء ،ولكن نيركا استوقفه
وهو يرمي بسيفه على األرض ويقول:
-لقد وصلنا إلى كهف السالم ولن نقاتل.
ثم أشار إلى باماسي ليفعل المثل ،ولكن باماسي تشبث بسيف ِه
أكتر ،ولكن نظرة واحدة من عيني نيركا الذي يثق به جعلته ُيلقي
بسيف ِه جانبا ونيركا يقول:
-لقد ألقينا أسلحتنا.
ضخم ُيشبه النمر ولكنه ضعف
ٌ كائن
ٌ ظالم الكهف
ِ خرج من
جدا واألسنان الحادة تلمع في فم ِه بينما يبرز
حجمه؛ فروته كثيفة ً
ناباه العلويان من فمه.
ْ -
اشكر صديقك فقد أنقذ حياتك من أن يكون مصيرك
كهؤالء.
هكذا قال الحيوان الضخم موج ًها حديثه إلى باماسي مشي ًرا
برأس ِه إلى كومة ضخمة من الهياكل العظمية الملقاة في أحد
جوانب الكهف.
اتسعت عينا باماسي وهو يرى الكائن يتكلم ولكن لم يلبث
أن تمالك نفسه وكرامة المحارب داخله قد ُجرحت:
-ومن قال لك يا هذا أن ذلك سيكون مصيرنا ..ربما كنت
الم َ
لقى على ظهر ِه إذا تواجهنا. أنت ُ
- 29 -
بشكل حاد نحو
ٍ عال وهو يحرك رأسه ٍ
بصوت ٍ زمجر الكائن
رافعا يديه مهد ًئا الكائن،
باماسي ولكن نيركا تحرك ل َي ُحول بينهما ً
لكن ناب الكائن أصابت يد نيركا لتتساقط قطرات الدماء على
أرض الكهف.
-لقد جئنا في سالم.
قالها نيركا في حين تطايرت شظايا التحدي بين عيني الكائن
وباماسي ونيركا يقول:
-كل ما نريده هو أن نمنع الفساد أن ينتشر ..أنت تعلم أن
كائنات المجوم ستقضي على كل من يقابلها ولن تترك
أخضر وال يابس.
ثوان ثم
ٍ لبضع
ِ ٍ
تحد ظل الكائن ينظر إلى عيني باماسي في
أشاح بوجه ِه مستدي ًرا وهو يقول:
-وأنت تظن أنك يمكن أن تقضي على المجوم.
قال نيركا:
-أنا ال ..ولكن القبائل تستطيع إذا اتحدت.
-وأنت من ستوحدها؟
-سأموت وأنا أحاول.
هكذا قال نيركا فالتفت إليه الكائن:
-وما عالق َة هذا بي؟
- 30 -
-أريد ماسة النجوم.
ٍ
صوت له: زمجر النمر بأعلى
-أنت تهزي يا هذا.
-ال ..وأعلم أنك ستساعدني فأنت تعلم أن المجوم إذا
هزمت القبائل ستكون نهاية الحياة على كوكبنا هذا.
ِ
المكان والكائن يتحرك ذها ًبا وإيا ًبا سكون على
ٌ خ َّيم
ويزمجر وهو ُيفكر فقاطع نيركا تفكيره:
-أعدك أنني س ُأعيدها عندما أنتهي.
أطلق الكائن زئي ًرا ه َّز جدران الكهف.
-هل ستضمن حياتك بعد ما ستفعله؟
-لألسف ال.
تجوَّل الكائن يمي ًنا و يسا ًرا ثم وقف أمام نيركا مركزًا نظريه
في عينيه
لم سأساعدك؟
-هل تعلم َ
ه َّز نيركا رأسه:
-ال.
-ألن هذا ما انتظرته منذ زمن ..هذه هي وظيفة الماسة أن
توحد البشر ..س ُأساعدك وسأعطيك الماسة وسأعيدك ِّ
إلى قبيلتك ..أنت من قبيلة ساج أليس كذلك؟
- 31 -
-نعم ولكنني لن أعود إلى القبيلة اآلن فإنهم يطاردونني..
لدي مهمة بعد الماسة.
ولكن َّ
نظر إليه باماسي متعج ًبا ولكن الكائن سأله:
-إلى أين تريد الذهاب ً
إذا؟
-قبيلة زنديون ..خيمة األميرة نفسها.
فم
اتسعت عينا باماسي في حين ارتسمت ابتسامة خبيثة على ِ
الكائن وهو يقول:
-هذه لعبة خطرة التي تلعبها يا هذا ..ولكنني سأساعدك..
الماسة لك وسأعطيك معها تنين السامو الصغير ..لكنه
لن يساعدك ..هو فقط ِلحماية الماسة وليعيدها لي بعد
انتهاء المهمة ..واآلن َأمسك يد صاحبك فستنتقالن إلى
زنديون.
ِ
الخلف متراجعا إلى
ً قالها الكائن ثم أطلق ضحك ًة طويلة
ظالم الكهف ،في حين اقترب نيركا وباماسي وأمسكا
ِ مختف ًيا في
يدي بعضهما البعض ولم تكد ضحكة الكائن تسكت؛ حتى
ّ
حجم الصقر ومعه قالدة في منتصفها الماسة
ِ خرج تنين صغير في
ووضعها حول رقبة نيركا ووقف على كتفه ،وفي لحظ ٍة واحدة
تبدل الكهف حول الصديقين؛ ليجدا نفسيهما في خيم ٍة بها شابة
َ
جميلة سمراء البشرة شديدة سواد الشعر ناعم ينساب بجانب
- 32 -
بدائي من أغصان األشجار
ّ سرير
ٍ وجهها المالئكي وهي تنام على
تُغطيه قطعة من القماش وتلبس قطعة أخرى مثلها.
-ما الخطة؟
هكذا هتف باماسي ليقطع تأمل نيركا الذي كان يقف ثاب ًتا
وعلى كتف ِه يقف السامو.
-سنخطفها.
حدق باماسي به وهو يهتف:
َّ
-ماذا؟! هل ُجننت ستخطف أميرة زنديون؟
-نعم وسنجعلهم يتعقبونا ً
أيضا.
ثم تحرك نيركا نحو األميرة النائمة وهو يهتف بباماسي:
-ه َّيا قبل أن نثير جلبة.
لم يجد نيركا أي صعوب ٍة في إفقاد األميرة وعيها بعد أن
أيقظها،
بل لم يجد صعوبة مع صاحبه في إفقاد حراس الخيمة وعيهم؛
بعد أن فوجئوا بهم يخرجون من الخيمة ونيركا يحمل األميرة على
ٍ
كتف ويقف التنين على اآلخر.
ظالم
ِ ولم يجدا صعوبة في التسلل عبر القبيلة النائمة في
الليل وسرقة فرسين واالنطالق نحو الغابات.
- 33 -
شيء
ٍ -اتبعتك كل تلك المسافة بدون أن أسألك عن
وأعتقد أن من حقي أن توضح لي ما خطتك على األقل؟
قالها باماسي وهو يقود فرسه خلف نيركا الذي يحمل األميرة
أمامه.
-الخطة لن تعجبك.
معا.
نعدلها ً
-ربما ِّ
منطق أو عقل.
ٍ -الخطة ال تخضع ألي
-ومنذ متى نخضع نحن أليهما؟!
إما أن
-هذه المرة باماسي يجب أن تتتبعني بال تفاصيلَّ ..
تثق بي أو ال.
-لو لم أثق بك ما اجتزت معك الصعاب وما وقفت معك
أمام الكائن.
ضحك نيركا ضحكة قصيرة ثم قال:
كائن تقصد؟
ٍ -أي
اقتضبت أسارير باماسي بضحكة نيركا وهو يرد:
-الكائن الذي تكلم معنا داخل الكهف.
ضحك نيركا مرة أخرى وهو يقول:
صدقت وجود ذلك الكائن؟
-وهل َّ
-ماذا تقصد؟
- 34 -
-إنه الساحر األعظم وكل ما كان داخل الكهف هو وهم.
وهم ويدك ما زالت تنزف؟
-أي ٍ
-ربما أحدث الجرح بسيفه ولكن الكائن وهم.
مكان مليء باألغصان ونزل وهو يقول
ٍ أوقف نيركا فرسه في
لباماسي:
-سنبيت هنا الليلة.
جاء الدور على باماسي ليضحك وهو يقول:
-موعد نومك المقدس قد حان.
ابتسم نيركا:
-نعم صديقي.
نزل باماسي بدوره:
-استرح صديقي سأشعل أنا النار وسأوثق األميرة وستجد
طعاما باك ًرا عند استيقاظك.
ً
نظر نيركا إلى باماسي:
-ال أعلم كيف كنت ألعيش بدونك؟
-لم تكن لتحيا صديقي ولكننا ُخلقنا لنعتني ببعضنا
البعض.
- 35 -
سريعا من أغصان األشجار..
ً مرقدا
ً جهز نيركا
ووضع جسده..
وذهب في ٍ
ثبات سريع..
عالم آخر.
ٍ إلى
صراع الزمالء
- 37 -
هم ربما كنت ألصمت
أنك ُجرحت أثناء مواجهة مع م َّت ٍ
وقتها.
-حس ًنا ..لقد حدث أثناء مواجه ٍة مع متهم.
ِ
إغالق الجرح ببعض الغرز الطبية: ابتسم أكرم وقد انتهى من
-المرة القادمة س ُأصر أن أحرر محضر بالواقعة.
وقف قدري يرتدي معطفه:
-لن أهون عليك.
ٍ
استغالل قدري. -إنك تستغل صداقتنا أسوء
ضحك قدري وهو يقول منصر ًفا:
-أليس لذلك خلق األصدقاء؟
ترك قدري صديقه ل ُيصلح الفوضى التي صنعاها وانطلق
ليركب سيارته متج ًها إلى مديري ِة األمن مباشرة ..وهناك وجد أنور
في انتظاره على باب مكتبه.
المكتب حيث وضع أنور ورقة أمام قدري
ِ دلف االثنان إلى
وهو يقول:
-المعلومات التي طلبتها.
ألقى قدري نظر ًة مطولة إلى الورقة ثم قال:
ً -
إذا هو في مصر.
- 38 -
أومأ أنور برأسه إيجا ًبا:
-نعم ابنهما في مصر ُيدعى جان كيرلس منير ..مصري
كندي مقيم بكندا ونزل إلى مصر منذ يومين.
-عنوانه في مصر؟
-نفس عنوان والديه.
اتكأ قدري على كرسيه:
-هو مختفي ً
إذا.
ثم نهض ليقف أمام النافذة ثم استدار جهة أنور وهو يقول:
ٍ
معلومات كاملة عنه ..اتصل بسفارتنا في كندا أريد -أريد
أن أعرف طبيعة عمله وصالته وعائلته كل المعلومات
التي تستطيع أن تأتي بها.
بشكل تلقائي:
ٍ أدى أنور تحية عسكرية
َّ
-تمام يا افندم.
ثم انصرف ليدخل العامل ومعه كوب القهوة ليضعه على
مكتب قدري:
-ما زالت عالمات اإلرهاق تبدو عليك.
ابتسم قدري وهو يرد:
زمن ولن يتحسن بالزمن.
-ال تُشغل بالك بي إن ما بي ُم ٌ
- 39 -
-أكره أن أراك هكذا ..وأكره أن أزيد مشاكلك ولكنك
ُمحول للتحقيق.
ازدادت ابتسامة قدري:
-مذكرة أيمن أليس كذلك؟
-ال أعلم لما يكرهك بهذا القدر؟!
دائما أتوصل للجاني.
ً -هو يعلم أنني أكفأ منه وأنني
ٍ
بخبث وهو يقول: جاء دور العامل ليبتسم
-نعم بينما قضاياه تُقيد ضد مجهول.
-ال بأس يا عم عواض سأذهب للتحقيق باك ًرا ..هل تعلم
من س ُيجري التحقيق؟
-أمام رئيس الشئون الداخلية ورئيس المباحث.
-اللواء نشأت؟
-نعم.
باالستمتاع بقهوت ِه حتى
ِ غادر عواض الغرفة بينما َّ
تلذذ قدري
انتهى منها وغادر المديرية بعدها ليقود سيارته متوج ًها إلى أحد
أحياء القاهرة الشعبية ويسير في شوارعها الضيقة حتى يصل إلى
حار ٍة ضيقة؛ ليترك سيارته عند مدخلها ويسير بين بيوتها الضيقة
حتى يصل إلى شق ٍة صغيرة؛ هي عبارة عن غرف ٍة واحدة معتمة
ضوء خافت َيصدر من لمب ٍة صغيرة تُغطيها األتربة ،في
ٍ إ َّلا من
- 40 -
حين تسللت أشعة الشمس الخافتة وقد اقتربت الشمس من مغربها
رجل نحيل يجلس على
ٍ من بين البيوت المتالصقة لتكشف عن
مدخل هذا البيت و ُيمسك سيجارته يلتهما بشراهة ولم يكد يرى
قدري حتى ابتسم:
ريح طيبة ألقت بك إلينا؟
-قدري باشا أي ٍ
ريح خبيثة وأنت تعلم ما الذي يؤدي بي إليك.
-بل هي ٍ
أطلق النحيل ضحكة مجلجلة دوت في الحواري الضيقة ثم
قال:
-مخزونك انتهى أليس كذلك؟
-نعم يا سليم.
-وأنا ً
أيضا.
ثم أطلق سليم ضحكة أخرى أو هذا ما كان ينتويه ولكن
مع بداية ضحكته انتزعته يدا قدري من مجلس ِه لتلصقه بالحائط
فهتف سليم:
-أنت تعلم أن مسدسك الميري لن يحميك هنا.
رد قدري بغلظ ٍة:
أحدا من رجالك لن يجرؤ على التدخل
ً -وأنت تعلم أن
من بعد ما رأوه المرة السابقة.
- 41 -
كان رجال سليم قد بدأوا في الظهورِ من بين البيوت يحملون
أسلحة بيضاء وهراوات ..ولكن نظرة واحدة من قدري جعلت كل
احب هذا إشارة من يد سليم نفسه
وص َ ٍ
واحد منهم يثبت في مكانه َ
جعلت الرجال يتراجعون.
ترك قدري مالبس سليم الذي وقف ُيهندم ثيابه وهو يقول:
-أصبحت سريع الغضب قدري باشا ..أنا فقط أمزح معك.
-إن ما بيننا تجارة فقط أنت توفر بضاعة وأنا أشتريها ال
أكثر وال أقل.
ابتسم سليم ابتسام ًة خبيثة:
-ولكنها تجارة غير مشروعة.
-كالنا مخطئ سليم ..أنت تبيع المخدرات وأنا أشتريها..
وليس من مصلحة أحدنا تهديد اآلخر؛ فأنت تستطيع
الوشاي َة بي وأنا أستطيع القبض عليك ..واآلن هات ما
ألسبوع وها هي أموالك.
ٍ يكفيني
ِ
المال إلى سليم الذي التقطها قالها قدري وألقى رزم ًة من
وهو يتفحصها ،ثم نهض متوج ًها إلى داخل المنزل ل ُيحضر لف ًة
ليلقيها بدور ِه إلى قدري.
-هل أفتحها؟
هكذا قال قدري لسليم الذي رد:
- 42 -
-ال تقلق قدري باشا ..كالعادة أجود أنواع الهيروين
ستجدها عند سليم.
استدار قدري ليهم بالرحيل ولكنه وقف من جديد وهو
يسأل:
بشخص يؤجر رجال
ٍ -بالمناسبة يا سليم ..ألم تسمع
يتكلمون لغة إنجليزية أو فرنسية ويجزل لهم العطاء؟
أطلق سليم ضحكة مجلجلة ثم قال:
أحدا هنا ُيجيد
ً ً
محظوظا لو وجدت -لغة هنا؟! ستكون
القراءة والكتابة.
مثل
-ال أتكلم عن هنا وأنت تعلم أين يمكن العثور على ِ
هؤالء الرجال.
سكت سليم لبره ٍة ثم قال:
-أنا لم أسمع شي ًئا عن هذا ولكن...
مبتعدا:
ً قاطع ُه قدري وهو يستدير
جدا لك في المر ِة
-سأنتظر ردك يا سليم وسأكون شاك ًرا ً
القادمة.
وبدون أن يلتفت استكمل قدري طريقه بين المنازل حتى
وصل إلى سيارته ،ولكنه فوجئ بأيمن يجلس على مقدمة سيارته
في حين تقف سيارة أيمن خلف سيارة قدري:
- 43 -
-هذا هو المكان الذي تختفي به بالليل ً
إذا.
-أتتبعني يا أيمن؟
نهض أيمن من مجلس ِه متج ًها نحو قدري:
-ولكنني لم أستطع اللحاق بك بين البيوت.
ثم تأمل اللفة التي يحملها قدري:
-ما الذي تحمله؟
-هل تحمل إذنًا من النيابة سيادة الضابط؟
مد أيمن يده محاو ًلا الوصول إلى اللف ِة التي يحملها قدري
َّ
ولكن يد قدري كانت أسرع لتبعد ما يحمله ..في حين امتدت
يده األخرى لتقبض على معصم أيمن وتلويه بشد ٍة ليطلق األخير
صيحة مكتومة قبل أن يلوي قدري يده خلف ظهره ويدفعه ليجبره
على االنحناء على مقدمة سيارته وهو يصيح في أذنه:
-آلخر مرة يا أيمن أحذرك ابتعد عن طريقي.
ثم أفلت معصم أيمن الذي تأوه بشد ٍة وتوجه نحو سيارته
كأس المهانة.. مبتعدا ً
تاركا أيمن ورائه يتناول نصيبه من ِ ً ليقودها
ً
متأكا على سيارته وذراعه تكاد تقتله من األرض
ِ بينما انحنى على
األلم وهو يتمتم:
-لن أتركك يا قدري ..أقسم لك لن أتركك.
- 44 -
ً
واقفا ويدلف إلى سيارت ِه ثم استجمع أيمن قواه لينتصب
ويتناول جواله ويجري اتصا ًلا تليفون ًيا ظهر به انفعاله الشديد وهو
يتحدث عبر الهاتف:
أماكن مشبوهة ..ال سيدي لم
ٍ -سيدي إنه يتردد على
نشاط مشبوه ..سيدي
ٍ أستطع اللحاق به ..ال لم أر ُه في
إنه ..سيدي ..ال ال أستطيع إثبات شيء ..ولكنه يتردد..
وهو ..سيدي ..نعم ..نعم ..حس ًنا يا سيدي ..سأحضر
الدليل أو ًلا ..شك ًرا سيادة اللواء ..في ِ
أمان الله.
ثم وضع الهاتف جان ًبا وهو يتمتم مرة أخرى:
-ربما أف َلت هذه المرة ولكنك لن تفلت مني المرة القادمة
يا قدري.
َّ
ظل بركان الغضب يشتعل داخل أيمن وهو يقود سيارته بين
شوارع القاهرة والجيزة حتى وصل إلى تلك الكافتيريا الفاخرة
بالجيزة؛ التي تسمح بتقديم المشروبات الكحولية حيث التحق
بمجموع ٍة من الشباب وما إن جلس حتى هتف أحدهم:
-تبدو كما لو أنك خرجت من مشاجر ٍة لتوك.
أشار أيمن إلى الساقي وهو يقول:
-مشروبي يا إسالم.
- 45 -
ثم استدار نحو صديقه:
فاسد وأنا أعلم هذا ولكنه
ٌ -إنه قدري مرة أخرى ..هو
فرصا باآلالف؛ عندما عرضت عليه أن يمرر
علي ً
أضاع َّ
قضية لرجل أعمال فرفض.
-لماذا ال تخرجه من حساباتك؟
سأله صديقه بينما كان النادل يضع المشروب أمامه ليحتسي
أيمن منه رشفة ثم يقول:
-ال ..سأكشف فساده ..صورة الضابط الشريف التي
يضعها يجب أن تُشوَّه ..يجب أن تعلم اإلدارة جميعها
أنه فاسد.
ثم يتجرع أيمن باقي المشروب دفع ًة واحدة ليكمل بعد ذلك
سهرته محاو ًلا نسيان ما فعله قدري به ..ولم يكن يعلم أن قدري
نفسه لم يكن يضعه بحساباته وهو يصعد سلم بيته محاو ًلا بلوغ
شقت ِه إ َّلا أنَّه فوجئ بالسيدة العجوز تقف على درجات السلم:
-ما الذي أصاب يدك؟
ُ
كسرت كو ًبا أثناء تحضيري للشاي جرح صغير..
ٌ -إنه
صباحا.
ً
تأملت العجوز رباط الشاش وهي تقول:
َّ
دما.
-إنه ينزف ً
- 46 -
نظر قدري إلى الغيارِ الممتلئ بالدماء:
-لقد قام الطبيب بتقطيبه ولكنها لويت مني أثناء القيادة.
توج َهت العجوز نحوه لتمسكه من يده وهي تصعد الساللم:
َّ
-تعالى معي ابنتي ماهرة في االعتنا ِء بالجروح.
حاول قدري أن يعترض ،ولكن السيدة تشبثت بيد ِه وهي
باب الشقة؛ ٍ
بخطوات رتيبة حتى وصلت إلى ِ تصعد درجات السلم
ففتحت ُه ثم بدأت تُنادي على ابنتها التي ظهرت من إحدى الغرف.
-ماذا يا أمي؟
أشارت العجوز إلى يد قدري:
-إن جارنا يحتاج إلى عناي ٍة لجرحه.
أسرعت هبة إلحضار حقيبة اإلسعافات األولية ..في حين
اصطحبت العجوز قدري لتجلسه على األريكة ..وما إن جاءت
ابنتها حتى انسحبت العجوز وهي تقول:
-اسمح لي فقلبي لن يتحمل رؤية الدماء ..سأذهب ألجهز
كو ًبا من الشاي.
-سيدتي هذا ليس ضرور ًيا سأعود إلى شقتي بمجرد أن
ننتهي من الغيار على الجرح.
تدخلت هبة وهي تنزع الضمادة المليئة بالدماء:
كوب من الشاي.
-نحن لسنا بخالء لهذا الحد هو مجرد ٍ
- 47 -
دلفت العجوز نحو المطبخ ..في حين انشغلت هبة باالعتنا ِء
بالجرح ..في حين بدأت مالمح األلم تظهر على وجه قدري ولكن
لوهل ٍة ِ
نس َي قدري جرح ُه وأنامل هبة تمر على جرحه ..في حين تمسك
يد هبة براح ِة يد قدري وهي تحاول تنظيف الدماء ما بين القطب..
بعيني هبة المثبتان على الجرح.
ّ في حين سافرت عينا قدري
-جرح سكين أليس كذلك؟
انتزع سؤال هبة قدري من شرود ِه ليعيده إلى عالم الواقع:
كوب من الزجاج.
ٌ -
نصل حاد.
ٍ -استحالة هذه عالمة
تماما في حين أكملت هبة عملها:
ً سكت قدري
-إن والدتي مقتنعة تمام االقتناع أنك تُخفي شي ًئا.
لكل أسراره.
ٍ -
-لم أتعود منها أن تخطئ ..لقد عاشت لفتر ٍة ليست
بالقصيرة مع من تسمونهم سحرة صحراء المغرب ..وهي
بالفعل تستطيع فعل أشياء ال أفهمها.
-أنا ال أؤمن بالسحر.
جرح قدري:
ِ لم تُحرك هبة نظرها عن
بعلوم الميتافيزقا وعلوم
ِ -لم أقل إنها ساحرة ولكنها خبيرة
ما وراء الطبيعة.
- 48 -
ابتسم قدري ابتسام ًة ساخرة:
-عالم األرواح ..لقد جربت هذا ً
أيضا ..وكل من يعملون
به وال تؤاخذيني فيما سأقول ..نصابون.
-لم أقل قط أنها تعمل بهذا المجال ولن أحاول إقناعك
ِ
بوجود هذا العالم ولكنني لم أتعود منها أن تخطئ.
شيء ولكن هبة قالت وهي تلملم أدواتها:
ٍ هم قدري بقول
َّ
-لقد انتهيت.
نفس الوقت الذي خرجت فيه والدتها من المطبخ
ِ في
أقداح من الشاي؛ تناول ُه ثالثتهم وهم يتبادلون
ٍ وهي تحمل ثالثة
عيني العجوز محاول ًة اقتحام
ّ أطراف الحديث في حين غاصت
مستأنسا
ً ً
متعلقا بعيني هبة؛ عقل قدري ،ولكن قدري نفسه كان
ٍ
لحديث سلس يخرج عبر شفاهها ولم يشعر كيف مر الوقت ب ِه
ولم يشعر حتى كيف استأذن ووصل إلى شقته وإلى سريره ،ولكنه
عالم
ٍ وألول مرة منذ الصغر يذهب إلى فراش ِه وهو ال يفكر في
جديد..
بل يفكر بلحظ ٍة جميلة..
وعينان ارتسما بعقله..
عيناها..
هبة.
- 49 -
الجنداي
- 51 -
متراجعا إلى مضجع ِه مرة أخرى..
ً تجاهلها نيركا وهو ينهض
ولكنها أكملت:
-ما هبة؟
اتسعت عينا نيركا:
-ماذا؟
-هبة لقد قلت تلك الكلمة وأنت تستيقظ ..هل هو اسم؟
عيني نيركا وهو ُيحدق في تلك العينين
ّ ازداد اتساع
الرماديتين وهو يتمتم:
-من ِ
أنت؟
بهدوء:
ٍ قالت األميرة
-أنا زينورا أميرة زنديون ..لكن السؤال هو من أنت؟
-أنا نيركا محارب قبيلة ساج.
قالها نيركا في نفس الوقت الذي َّ
حط فيه التنين على كتفه
فابتسمت زينورا:
-أعلم أنك محارب من قبيلة ساج ..ولكن من أنت ً
حقا؟
ً -
إذا فقد استيقظت.
ٌ
صوت من بين األشجار في حين ظهر باماسي بجسد ِه ارتفع
الضخم ولكن لم يلتفت أي منهما إليه وظل كالهما يحدق في
اآلخر فقال باماسي:
- 52 -
-أرى أنكما تعارفتما فيما بينكما ولكن أمامنا طريق
صعب حتى ساج.
استمر الصمت ُيخيم على المكان ونيركا وزينورا ُيحدقان
ببعضهما حتى قطعه باماسي مرة أخرى:
-يجب أن ننطلق حتى نصل ساج قبل الليل.
للرحيل وهو
ِ انتبه نيركا لقول باماسي وأخذ ُيحضر نفسه
يقول:
ٌ
طويل ولكن ليس نحو ساج ..سنذهب ٌ
طريق -نعم أمامنا
رأسا إلى قبيلة هنتارو ..نحو الجبال مباشرةً.
ً
أطلق التنين صيحة ..في حين جاء الدور على زينورا لتتسع
عيناها على آخرهما ..في حين ارتسمت عالمات الدهشة على
لثوان قليلة قبل أن يقول:
ٍ وجه باماسي
-ال بأس لقد عاهدتك أال أناقشك.
أدارت زينورا عينيها نحو باماسي وهي تصيح:
ِ
بخطف أميرة -أنتما مجنونان ً
إذا ..فأنتما لم تكتفيان
عدو مشترك ..هل تنويان
زنديون بل ستتوجهان بها إلى ٍ
تسليمي لهم؟
- 53 -
قال نيركا:
لست طر ًفا في هذا الموضوع ..ولكن
ِ ِ
فأنت -ال تقلقي..
باماسي محق يجب أن نتحرك على الفور.
ارتفع حاجب زينورا إعجا ًبا:
ً -
إذا فأنت باماسي األسطوري ..الوحيد الذي دخل نار
المجوم وخرج منها ح ًيا.
ً
عميقا: نفسا
أخذ باماسي ً
الجحيم وأعتقد أن تلك
ِ فخر لقد ُعدت من
ٍ -نعم بال
الكائنات لم تكن سعيدة بوجودي معها.
أطلق نيركا ضحك ًة قصيرة:
-هذا هو صديقي قاهر المجوم.
ثم توجه نيركا نحو زينورا ليفك عنها األغصان التي تربط
ساقيها لتعتدل واقف ًة وهو يستطرد:
-أرجو أال تحاولي الهرب فنحن ال نضمر ِ
لك أي سوء.
ً
ممسكا نفس الوقت الذي امتطى فيه باماسي جواده
ِ في
بلجام جواد نيركا ليق ِّر َبه إليه ،وما لبث أن امتطى األخير جواده
ِ
بينما جلست األميرة أمامه وانطلق ثالثتهم يشقون الغابة متوجهين
نحو الجبال ..في حين حرص باماسي طوال الطريق أن يقطع
بعض االشجار بسيفه مما دفع زينورا أن تسأل نيركا:
- 54 -
-ما الذي يفعله؟
أجابها نيركا:
-إنه يترك أث ًرا لقومك حتى يستطيعوااللحاق بنا.
ارتفع حاجبا زينورا دهش ًة وهي تسأل:
جيش بكامله؟
ٍ حرب مع
ٍ -لماذا أتريدون دخول
ابتسم نيركا ابتسام ًة خبيثة:
-ال لن يحاربونا نحن.
للزعر وهو يصيح:
ِ ثم تغيرت نظرته
-باماسي احترس.
في نفس اللحظ ِة التي تحركت فيها مجموعة أغصان من
ِ
تحت جواد باماسي لتجبر ُه على الوقوع ،وما إن المس جسد
ً
معلقا في َّ
ليظل جسده باماسي األرض حتى طار جسده في الهواء
الهوا ِء تحت األشجار ،بينما قفز نيركا من فوق جواده مست ًلا سيفه
فزع:
تاركا األميرة زينورا وحدها فوق الجواد مما جعلها تسأل في ٍ ً
-ماذا يحدث؟
أجاب نيركا الذي تركه تنين السامو ونظره يجول بين األشجار
ً
معلقا في الهواء. بينما باماسي ما زال
-إنهم الجنداي.
- 55 -
تمتمت زينورا:
-المختفون.
نور
أتاها الجواب هذه المرة من بين األشجار حيث ظهر ٌ
قرمزي خافت.
-بالضبط.
ٍ
واحد بين بدأ النور الخافت في التعدد؛ حيث ظهر أكثر من
األشجار ،ثم بدأ أحدهم في التقدم وسرعان ما بدأ يتضح من
لشيخ طويل الذقن يشع جسده
ٍ قرمزي
ّ ٍ
جسد خالل النور مالمح
بذلك النور القرمزي ،بينما ظهرت شبكة من نفس الضوء حول
جسد باماسي.
ً -
إذا فأنتم تعلمون أن الجنداي يسكنون تلك الغابات ومع
ذلك سمحتم ألنفسكم باقتحامها.
هكذا قال الشيخ بينما هدأ تحفز نيركا قلي ًلا وإن كان لم
يتخل عن سيفه.
-نعم ونطلب اإلذن للسماح لنا بالمرور.
-كان يجب أن تطلب هذا قبل أن تدخل غاباتنا.
-هذا ليس وقت اتباع القواعد.
المد َّلى في الهوا ِء قبل أن يردف:
ُ ثم نقل نظره نحو باماسي
-نحاول إيقاف المجوم.
- 56 -
ضحك الشيخ:
-ليس لنا أية عالقة بحربكم مع المجوم ..نحن نعيش في
التعرض لنا.
ُّ منأى عنكما ولن يستطيعوا
مقابل
ِ -نعلم هذا ولكن كنا نتمنى أن نُقدم شي ًئا لكم في
وقوفكم معنا.
ضحك الشيخ مرة أخرى:
-وما الذي يمكنكم تقديمه لنا وال نستطيع نحن الوصول
إليه؟
وما إن انتهى من كالمه حتى تناول نيركا من جرابه مادة
بحجر
ٍ لينشرها على سيفه ثم يستدير في حرك ٍة دائرية ليصدم سيفه
صلب ،وما إن تالمسا حتى انطلق شرر شديد واشتعل السيف ،وما
إن اعتدل نيركا حتى أطلق لسيف ِه العنان ليخترق الشبكة القرمزية
التي تحيط بباماسي ونيركا يصيح:
-اآلن باماسي.
انقطعت الشبكة القرمزية ووقع باماسي على األرض إ َّلا أنه
أدار جسده في الهوا ِء كالقطط؛ ليهبط على قدمي ِه اللتين لم تكادا
أن تلمسا األرض حتى ألقى بجسده الضخم ليدور بجسد ِه على
نفس الوقت الذي تناول من حزامه مادة تشبه التي
ِ األرض في
استخدمها نيركا؛ لينشرها على سيفه الذي استله وقبل أن ينهض
- 57 -
بحجر صلب هو اآلخر ،ثم يستقيم ليحيط الشيخ
ٍ كان يصدم سيفه
بذراع في حين قرب السيف المشتعل من جسد الشيخ.
ٍ القرمزي
ما إن حدث هذا حتى اختفت جميع األنوار القرمزية ما
ٍ
عنف ..في عدا الصادرة من الشيخ الذي أخذت أضوائه تهتز في
حين وصل نيركا إلى سيفه فاستله مرة أخرى ثم توجه إلى الشيخ
المحاط بذراعي باماسي وهو يبتسم:
-نعم ..نعلم بنقطة ضعفكم.
ثم ازدادت ابتسامته:
-ونعلم أنكم تعلمون الحل.
هدأ اهتزاز أضواء الشيخ الذي توقف عن مقاومة ذراع
باماسي الحديدية.
-ما الذي تعلمانه بالتحديد؟
ِّ
يمكنكم من الظهور -نعلم أن مصدر طاقتكم الذي
ِ
وجود النار. تماما في
ً واالختفاء يتوقف
ابتسم الشيخ وهو يقول:
-أتعلم ما الحل إذا؟
تدخل باماسي في الحوار:
-إنها عين الطاقة.
- 58 -
ازدادت ابتسامة الشيخ التي تحولت إلى السخرية:
-أتعلمان أين توجد؟
رد باماسي:
بعيني.
ّ -نعم نعلم ..لقد رأيتها
وأردف نيركا:
ٍ
استعداد بإحضارها إليكم إذا ما وافقتم على -ونحن على
الوقوف معنا ضد المجوم.
سكت الشيخ ليفكر ولكن نيركا أراد أن يضرب الحديد وهو
ساخن ولم يمهله:
ٍ
لفترات -سنعطيكم مصدر طاقة لتتمكنوا من الظهور
طويلة ومقاوم للنارِ بشرط أن تحاربوا معنا.
نظر إليه الشيخ في ٍ
شك:
-لن نحارب معكم إال من بعد أن نأخذ عين الطاقة.
ابتسم نيركا وكأنما حصل على مبتغاة:
-ستكون معنا في المعركة ..ال تظهروا أنفسكم إال من بعد
حصولكم عليها.
- 59 -
الشيخ ليبتسم:
ِ جاء الدور على
-حس ًنا بما أننا اتفقنا وحصل ُّ
كل منا على مبتغاه فإنني
ِ
باللحاق بأسيرتكما فلقد هربت من هذا أنصحكما
االتجاه.
ورفع ذراعه مشي ًرا ما بين األشجار في حين التفت باماسي
الفراغ حيث كانت زينورا التي استغ َّلت انشغالهما
ِ ونيركا لينظرا في
وهربت بفرسها.
ترك باماسي سراح الشيخ واقترب من نيركا الذي ظل يمد
بصره ما بين األشجار وهو يقول:
-إنها ال تعلم ما تورط نفسها به.
رد باماسي:
-خذ فرسي والحق بها وأنا سأتبع أثركما.
الشيخ:
ِ نظر نيركا إلى
-أم ٌر أخير ..ستأتي قبيلتها بحثًا عنها أرجو أن تسمحوا لهم
بالمرور ..فحربنا لن تكتمل إال بهم.
-ال مانع من ذلك.
انطلق نيركا ليقفز فوق الجواد ..بينما َّ
حط تنين السامو رفيقه
ِ
للوصول لألميرة.. الجديد على كتفه وانطلق الجواد يسابق الزمن
سريعا ونيركا ينزل من على صهو ِة جواده
ً في حين أخذ الليل يهبط
- 60 -
كل بره ٍة ليتتبع أثر األميرة حتى سمع صرخة مرة واحدة؛ فوكز
جواده ليزيد من سرعته ليقترب من مصدر الصوت ،ولم يكد
يفعل حتى فوجئ بزينورا تقف متأهب ًة وفي يدها جزع شجرة في
صخور
ٍ حين أحاطت بها خمس ِة أجساد من كائنات ضخمة من
ملتهبة تَخرج ألسنة النار منها يبلغ طول الواحد منهم المترين ،في
بأصابع طويلة
ٍ حين يزيد طول ذراعي كل كائن فوق المتر لتنتهي
تخرج منها مخالب حادة ،في حين احتوت الرأس على ثالث
عيون نارية؛ واحدة في منتصف الجبهة وعينان على جانبي الوجه،
ٍ
َّ
احتل الفم في حين زادت األسنان الحادة من شراس ِة الوجه الذي
ذعر وهو
نصفه السفلي وما إن رآها نيركا حتى اتسعت عيناه في ٍ
يتمتم:
-كائنات المجوم.
الخشبي بينما تقترب منها
ّ بالجزع
ِ وقفت زينورا تُلوِّح
الكائنات ،وما لبث أن تالمس جسد كائنين منهم ،وما إن
تنازع عنيف على فريستهم
ٍ حدث هذا؛ حتى اشتبك االثنين في
مستخدمين األيدي والمخالب وحتى األنياب وفي بعض األحيان
ً
أرضا ،بينما ِ
شرارات اللهب منهما ويسقطان األقدام لتتطاير
استكمل الثالثة اآلخرين هجومهم إ َّلا أن صيح ًة من فم نيركا وهو
يهجم عليهم بشجاع ٍة منقطعة النظير ويلوِّح بسيفه من بعيد وهو
ينطلق فوق صهوة جواده ،في حين تخ َّلى عنه السامو كعادته في
المعارك ليقف مترق ًبا فوق أحد األشجار؛ ليباغت نيركا الكائنات
- 61 -
ويقف فوق ظهر الجواد ثم ُيطلق لجسد ِه العنان؛ ليطير في الهوا ِء
ويدور جسده دور ًة كاملة ليصدم أقرب الكائنات لزينورا بقدمي ِه
في صدره الضخم ليدفع الكائن إلى الخلف في حين هبط هو على
األرض بين زينورا والكائنات التي وقفت غير مصدقة أن فردً ا
من بين البشريين يهاجمهم منفردً ا لدرجة أن الكائنين المتنازعين
توقفا عن معركتهما.
وتجمد المشهد لمدة لحظات ..زينورا تمسك بجذعها
الخشبي ويقف أمامها نيركا بسيفه وأمامه ثالثة من المجوم
وخلفهم يرقد اثنان آخران يمسكان ِ
بعنق كل منهما اآلخر وينظران
لنيركا الذي سأل زينورا:
-أتعرفين كيف تقتلي كائنات المجوم؟
-وهل يعرف أحد؟!
ابتسم نيركا وهو يقول:
-نعم ..أنا وباماسي ..انظري وتعلمي.
جميعا صوب
ً بدأ المجوم يفيقون من صدمتهم وانطلقوا
نيركا حيث وصل إليه أول كائنان؛ فأطاح أحدهما بمخالب ِه في وجه
نيركا ،إ َّلا أن األخير انحنى ليتفاداها وضرب اآلخر بسيف ِه في بطنه
لهب كبيرة ،في حين وصل الثالث وحاول الوصول لتنطلق ألسنة ٍ
إلى نيركا كصاحبه ولكن نيركا راوغه ايديك ثم قفز ليهبط بسيف ِه
ِ
المنتصف ويقع على رأس األول ليشقها طول ًيا حتى العين التي في
- 62 -
نفس الوقت الذي وصل فيه االثنان المتنازعان صاحبها ً
أرضا ،في ِ
ليصيب أحدهما نيركا بمخالب ِه في صدره بينما ركله اآلخر بقدم ِه
ل ُيطيح بنيركا في الهواء ويسقط بجانب زينورا التي نظرت إليه
قائل ًة:
-أرى أنك قتلت أحدهم ولكن خطتك لن تنجح.
ثم مدت يدها إليه لتساعده على النهوض وهي تقول:
-دعني أقدم لك المساعدة.
وقبل أن ت ِ
ُعطي الفرصة لنيركا ليوافق أو يعترض انطلقت
بالجزع في وجهه،
ِ زينورا بجزعها الخشبي بمهار ٍة لتضرب أولهم
ثم تنحني لتتفادى يد الثاني ثم تقفز لتوجه ركلة في بطن الثالث
معتقدا أنه حصل عليها
ً قبل أن ينقض الرابع عليها بكلتي يديه
ولكنها انزلقت من بين يديه ثم دارت على األرض بجسدها
لتنتصب أمام الثاني ثم تقفز لتضرب وجهه بالجزع الخشبي ثم
تهبط بين الكائنات وهي تنظر إلى نيركا وتقول:
-أتحتاج دعوة ملكية للمشاركة؟
بالفعل تلك الدعوة فقد انطلق بسيف ِه
ِ وكأن نيركا كان يحتاج
لينزل فوق رأس أقربهم إليه ليشقها نصفين؛ ثم ينضم إلى زينورا
بين الثالث كائنات قبل أن ُيطلق لسيف ِه العنان ليخترق بطن كائن
يبال بطعنته في حين انحنت زينورا متفادي ًة
ثاني ولكن الكائن لم ِ
مخالب أحد المجوم الثالثة الباقين قبل أن يلتفت إليه نيركا
- 63 -
ويضربه بسيفه ولكن الثالث ركل نيركا ليرجعه إلى الخلف؛ في
حين أطاحت يد األول بزينورا لتسقط ً
أرضا بجانب نيركا.
أخذت زينورا تلهث وهي تقول لنيركا:
-هزيمتهم صعبة.
قال نيركا وهو يقف معتدال:
-قضينا على اثنين باقي ثالثة ..كل ما هو مطلوب أن نشق
رؤوسهم.
هنالك بدأ المجوم هجومهم من جديد ولكن نيركا قفز
ِ
الخلف لتتفادى متفاد ًيا أحدهم في حين تدحرجت زينورا إلى
ِ
الخلف؛ في الثاني في حين دفع نيركا الثالث بقدمي ِه ليسقط إلى
حين انتبهت زينورا لتدفع أقرب الكائنات إليها نحو نيركا الذي
َّ
ليشق رأس ُه نصفين ثم ألقى سيفه في استغل الفرصة وضربه بسيف ِه
الهوا ِء نحو زينورا وهو يصيح:
-انتبهي خلفك.
قفزت زينورا برشاق ٍة لتلتقط السيف ثم تستدير وهي في
رأس المجوم وتشقها
الهوا ِء بحرك ٍة بهلوانية لتهبط بسيفها على ِ
نصفين في حين هجم آخرهم على نيركا الذي تفادى هجمت ُه ثم
وجه ركل ًة كالقنبل ِة إلى خلف ركبته لينحني ً
أرضا أمام زينورا التي َّ
تتوان عن ضرب رأس ِه بالسيف ليسقط آخر المجوم.
َ لم
- 64 -
وقف نيركا وزينورا يلتقطان أنفاسهما ثم قالت زينورا:
-كيف تعلمت طريقة قتلهم؟
التفت إليها نيركا:
-بالتجربة ..عندما أخذوا باماسي إلى نارِ المجوم حاربت
وحارب كي يهرب منهم ومن كثرة قتالنا
َ كي أصل إليه
معهم ع ِلمنا كيف نقتلهم.
ً
باسطا إياها إلى زينورا: مد نيركا يده
ثم َّ
-السيف إذا سمحتي.
ولكن زينورا أدارت السيف بمهار ٍة ثم رفعت ُه على ِ
عنق نيركا:
-قل لي سب ًبا يمنعني من قتلك والعودة إلى قبيلتي.
وضع نيركا يديه بجانب ِه وهو ينظر إلى عيني زينورا الرماديتين:
-ال أستطيع ..أنا فقط أحاول إنقاذك وإنقاذ أهلي وقبيلتي
خطر يهدد وجودنا وال أعلم
ٍ وقبيلتك وقبيلة هنتارو من
ِ
للموت وأنا أحاول. إن كنت سأنجح ولكنني مستعد
ِ
بالسيف الموجه إلى عنقه: ثم اقترب من زينورا غير ٍ
مبال
-أميرتي لقد خطفتك وصدقيني عندما أقول أنني أستطيع
منك متى شئت ولديك كل الحق لتكرهينني نزع السيف ِ
ولكن هدفي سيكون أو ًلا وأخي ًرا سالمتك.
- 65 -
آخر حروف كلماته لمح نيركا حركة ما بين األشجار؛
مع ِ
فمد يد ُه ليخطف السيف من ِ
يد زينورا ويقف متأه ًبا لما سيخرج َّ
من بين األشجار ولم يطل انتظاره فقد ظهر فارس ضخم الجثة
حاد المالمح مفتول العضالت على صهو ِة جواده ،ثم بد َأ المزيد
تباعا حتى أحاط نيركا وزينورا
ً ِ
الفرسان في الظهور والمزيد من
ِ
الفرسان وما لبث أن ظهر فارس أشيب ذو لحية جيشً ا صغي ًرا من
كثيفة بيضاء ويحيط به عددٌ آخر من الفرسان ..وما إن رأته زينورا
حتى هتفت:
-أبي.
نزل الملك من فوق صهوة جواده متوج ًها إلى زينورا في حين
توجه الفارس الضخم نحو نيركا ومعه مجموعة من الفرسان ثم
وجه نصل رمحه نحو عنق نيركا.
-ابنتي هل أنت بخير؟
هكذا قال الملك.
-نعم أبي إنني بخير.
ثم احتضنت والدها وما كادا ينفصال حتى قال الفارس:
-أأقتله يا سيدي؟
ولكن زينورا تحركت لتقف أمام رمح الفارس أمام نيركا:
-جنزوا توقف.
- 66 -
ولكن جنزوا لم يخفض رمحه وهو يقول بحد ٍة:
-لقد خطفك ويستحق ما سيحدث له.
نظرت زينورا نحو والدها وهي تستعطفه:
-أبي.
نظر الملك نحو نيركا:
لقبيلتي هنتارو وساج
ّ -جنزوا محق ..يجب أن يكون عبر ًة
-ولكنه لم يخطفني يا أبي.
ثم وقفت معتدلة وهي تقول:
-لقد تزوجنا.
خيمت الصدمة على المكان وصاحبها السكوت والكل ينظر
نحو زينورا في دهش ٍة حتى نيركا نفسه لم يكن أقلهم دهشة ،ولكن
جنزوا قطع الصمت وهو يستل قوسه من فوق الفرس ويهبط به
وهو ُيطلق صيحة طويلة فوق رأس نيركا الذي غامت الدنيا في
عالم آخر.
ٍ عيني ِه واهتزت األرض من تحت ِه ثم سقط في
- 67 -
بائع الذهب
- 69 -
-ال تقلقي سأكون بخير اآلن.
ٍ
لحظات من قدري حتى تهدأ أنفاسه وهرعت هبة استغرق
سريعا إلى شقته؛
ً َ
صندوق اإلسعافات وتنزل إلى شقتها ل ُتحضر
جرح الرأس ثم
ِ لتجلس تُضمد جروح قدري فأوقفت النزيف من
نزلت على جروح صدره الممشوق:
-هل قابلت مذئو ًبا أم كنت تحارب وولفرين نفسه؟
أطلق قدري ضحك ًة قصيرة أوقفها ألم صدره قبل أن يسود
الصمت بينهما ولكن هبة قطعت هذا الصمت:
-إنها جروح غريبة واألغرب أنها تبدو مثل الحروق.
نظر قدري إلى عينيها:
ِ
عليك ولكني ال أريد شرح األمر الكذب
ِ -ال أرغب في
وفي نفس الوقت ال أرغب في إغضابك.
نظرت إليه هبة وابتسامة مريحة تمأل وجهها:
-إنها حياتك يا سيدي إنما نتبادل أطراف الحديث ولن
أغضب منك فقد أنقذت حياتي وحياة والدتي والفضول
وحده ما دفعني لمعرف ِة سبب تلك الجروح الغريبة وكيف
لم تفقد وعيك مع كل هذا األلم.
ابتسم قدري رغم جروحه:
-هذه نسختي الفاقدة الوعي ً
إذا.
- 70 -
ابتسمت هبة وهي تنهض تُلملم أشيائها بعد أن انتهت من
باب الشقة
بالرحيل ولكنها وقفت عند ِ
ِ وهمت
َّ ِ
تضميد جروحه
ونظرت نحو قدري:
-هل ستكون بخير؟
ابتسم قدري مر ًة أخرى:
-أنا بخير ال تقلقي فهذه ليست أسوء حوادثي.
أغلقت هبة الباب خلفها وصعدت درجات السلم في خف ٍة
ودلفت إلى شقتها لتجد والدتها في انتظارها.
-أين ِ
كنت يا بنيتي؟
ُ -
كنت عند جارنا لقد سمعت صوت صرخاته وعندما
مجروحا فضمدت جراحه.
ً ذهبت إليه وجدته
ثم سكتت بره ًة:
كنت محق ًة بشأنه.
وجراح ُه غريبة ..ربما ِ
َ -إنه غريب يا أمي
ابتسمت والدتها ابتسامة الواثق:
-بالطبع محقة ولن أيأس قبل أن أعلم ما به.
قالتها العجوز ودلفت إلى غرفتها تارك ًة هبة خلفها وبركان
عاطفة يتفجر بداخلها.
لم تكن بجانبه فقط.
- 71 -
لقد لمسته.
شَ َعرت بدقات قلبه وغاصت في عينيه
وشعرت بوحدته.
-إنه يبحث عنك.
قالها بلغ ٍة إنجليزية ذلك الرجل البدين األصلع الذي تنم كل
قطع ٍة في مكتبه وحتى مالبسه على الثرا ِء الفاحش في حين ز َّينت
لي المرصع بأندرِ األحجار الكريمة في حين
الح ّ
قطع من ُ
ٌ أصابعه
َ
أبيض البشرة أشقر ٌ
رجل في العقد الرابع من عمره جلس أمامه
الشعر.
-من؟
-ذلك الضابط في المباحث الجنائية.
نهض األشقر من خلف المكتب ليقف خلف نافذ ِة الحجرة
لينظر نحو حمام سباح ٍة فاخر يقع في الفيال الفاخرة في المدين ِة
الجديدة الواقعة على أطراف مدينة القاهرة.
-وكيف يعلم من أنا؟
رد عليه البدين من خلف المكتب:
-إنه ال يعلم من أنت حتى هذه اللحظة ..ولكنه يعلم أنك
كنت موجودً ا في موقع حادث مقتل والد جان ويعلم
ِ
للشهود لتقتلهم. أنك بعثت
- 72 -
خ َّي َم الصمت على الغرف ِة قبل أن يسأل األشقر:
-هل نقتله؟
ضحك الثري:
-إنك ال تعلم غير لغة القتل ستيفان.
-إنه عملي مستر صفوت.
ِ
للبحث عن جان وطلبوا مني -نعم ولهذا تم استخدامك
مساعدتك.
سطح
ِ أخرج صفوت سيجا ًرا فاخ ًرا من علب ٍة فض َّية توجد على
المكتب وأخذ ُيهذب طرفه وهو يقول:
ٌ
طرق أخرى ونحن لنا ِصالت داخل أجهزة األمن. -هناك
هدوء وهو يستطرد:
ٍ ثم أشعل سيجاره في
-هناك لغ ٌة تكلفتها أرخص من لغة الدم ..هذه اللغة تدعى
المال.
ثم ابتسم ابتسام ًة واثقة وهو يتلذذ بسيجار ِه وباليد األخرى
ٍ
لحظات قليلة حتى وضعه على أذنه وهو تمض ِ تناول جواله ولم
يقول:
-إبراهيم باشا ..نعم صفوت يا سيدي ..نعم لدينا خدمة
نريدها منك ..نعم أحد ضباط إدارتك ..ال يا سيدي..
ُيدعى قدري ..نعم هو ..هناك قضية يتوالها ..نعم قضية
- 73 -
بشكل ربما ُيؤدي إلينا بطريق ٍة أو
ٍ قتل ..هو يحقق بها
ُسجل اقتحام وسرقة ..نعم إبراهيمبأخرى ..نريدها أن ت َّ
باشا مستعدون للمقابل الذي تريده.
ثم أطلق ضحكة قصيرة:
-ال سيدي ال يوجد فصال هذه المرة ..الثمن الذي تُريده..
شك ًرا إبراهيم باشا.
ثم وضع هاتفه جان ًبا وهو يقول:
-ال تقلق لقد انتهى بحثه عنك.
التفت إليه ستيفان بهدوء:
أبدا ..بل ال تقلق أنت فإن لم تنجح لغة المال
-أنا ال أقلق ً
هناك لغة صوتها أعلى وأجمل في األذن ..لغة الرصاص
أو كما سميتها أنت لغة الدم.
ثم أشاح بنظر ِه خارج النافذة..
وكأنه يبحث عن ضالته..
ضالته الذي قدم ألجله من كندا..
وكان اسم ضالته جان.
ً
الحقا في ظهير ِة ذلك اليوم خرج قدري من غرفة رئيس
ِ
درجات ً
مختلطا بأقصى المباحث وعالمات اإلرهاق الشديد
الضيق واأللم تعتصر كل خلي ٍة من قسمات وجهه وهو يتوجه إلى
- 74 -
ٍ
بخطوات سريعة ولم يكد يدلف ذلك المكتب حتى مكتب ِه مباشر ًة
أمسك جرح صدره واأللم يعتصره من الداخل ولكن قبل حتى أن
ٍ
طرقات على الباب قبل أن يصل إلى كرسي مكتبه تعالت أصوات
يدخل عواض:
-ما الذي جرى ياسيدي ،كيف سار التحقيق؟
تجاوز قدري كرسيه محاو ًلا أن ُيخفي آثار األلم التي تبدو
عيني عواض وهو ينظر من النافذة.
ّ على مالمحه من
جيدا يا عواض هذا اللواء نشأت لم يترك لي أي
ً -ليس
منفذ.
-إنه شديد قلي ًلا قدري باشا.
-بل كثي ًرا عواض.
اقترب عواض ل ُينظف المكتب ..في حين ظل قدري يراقب
العاصمة من نافذته وما إن اقترب عواض حتى الحظ تلك البودرة
أحدا كان يحاول
البيضاء التي تبعثرت حبيبات صغيرة منها وكأن ً
محو آثارها ولم يكد يلمحه قدري حتى سارع بالقول:
-أكاد أموت بدون فنجان قهوتك يا عواض.
ً
مشفقا. الحظ عواض ارتباك قدري فابتسم
-سأسارع آلتيك بها.
- 75 -
ثم أدار ظهره ليفتح الباب ولم يكد يفعل حتى وجد أنور
سريعا.
ً أمامه الذي دلف
-إن قصة جان كيرلس مثيرة.
ً
منهكا ثم ألقى بجسد ِه على كرسي نفسا طوي ًلا
أخذ قدري ً
ً
ملتقطا قطعة صغيرة من القماش الذي بدأ يمسح به زجاج مكتبه
مكتبه.
-أتعلم لم طلبت انتدابك من قسم الشرطة يا أنور؟
-ال يا سيدي.
ابتسم قدري ابتسام ًة خبيثة غلب عليها الوهن وهو يقول:
-ألنك من خارج اإلدارة وستكون على الحياد ..كل
اهتمامك سينصب على القضية.
اقتضبت أسارير أنور وهو يفكر:
ً -
إذا هناك صراع آخر بجانب القضية.
هامسا.
ً ثم مال بجسد ِه نحو قدري وقال
بأمر ما يا سيدي؟ ،صارحني وستجدني ٌ
متورط ٍ -هل أنت
عون لك بإذن الله تعالى ..إن لي أصدقاء بأماكن ال
خير ٍ
يمكن أن تتخيلها من المجرمين ومن الوزراء.
- 76 -
ازدادت ابتسامة قدري وهو ينظر نحو أنور:
ِ
لوقت الشدة ولكن هذا ما كنت أود سماعه -إنني أدخرك
منك.
ثم أسند ظهره على مقعده:
-واآلن هات ما لديك.
ً
واقفا: جاء الدور على أنور أن يبتسم وهو يعتدل
-جان ووالده لم يكونا بهذا الثراء طوال حياتهما.
شهيقا طوي ًلا وأردف:
ً ثم أخذ
شعبي داخل
ّ حي
-جان ووالده كيرلس كانا يعيشان في ٍ
شبرا وكان والده يمتلك مح ًلا صغي ًرا إلصالح الدراجات
في ذلك الحي حتى تخرج جان من كليته بأعجوبة بعد
أن رسب في آخر سنة مرة.
التقط أنور أنفاسه قبل أن يستطرد:
-ولكن هذا قبل أن يسافر جان ..في البداية سافر إلى تركيا
ثم إلى إيطاليا ولكنه لم يو َّفق في المرتين ،ولكن بعد أن
عاد من إيطاليا سافر إلى أثيوبيا وكينيا ثم إلى كندا حيث
أقام بها وبدأت مالمح الثروة تظهر على والده؛ حيث غير
- 77 -
نشاطه إلى بيع المشغوالت الذهبية وجان نفسه حصل
على الجنسية الكندية.
-ما كانت طبيعة عمل جان؟
هكذا سأل قدري.
-جان عمله غير معروف ولكنه يمتلك كافيتريا صغيرة
في مونتريال ولكنها ال تفسر ذلك الثراء الذي ظهر على
العائلة.
ٍ
طرقات على الباب قبل أن يدخل عواض: ارتفعت أصوات
-مدير إدارة البحث الجنائى يطلبك.
انقبضت أسارير قدري وهو يتساءل:
-اللواء إبراهيم شلبي؟ ما الذي يريده؟
ثم نهض من خلف مكتبه وهو يقول ألنور:
ٍ
معلومات أخرى؟ ٌ -
عمل رائع يا أنور هل هناك أية
-ليس بعد يا سيدي.
خرج قدري ومعه أنور من الغرف ِة واألول ُيسرع في خطواته
بينما ُيغلق عواض الباب وراءهما وقدري يقول:
-حس ًنا يا أنور استمر في جمع المعلومات وبلغني بالجديد.
ٍ
بخطوات قالها قدري وقطع الطرقة إلى مكتب مدير اإلدارة
مكتب كبير بآخر الردهة ،ثم طرق
ٍ واسعة حتى وقف أمام باب
- 78 -
ٍ
بطرقات منتظمة خفيفة قبل أن يأتيه الرد بالدخول ،ففتح الباب
ليجد نفسه أمام رجل أشيب نحيل طويل القامة يرتدي بدلة بوليسية
ً
رامقا قدري بنظر ٍة ثاقبة. تظهر رتبته على كتفيه وقف خلف مكتبه
-صباح الخير إبراهيم باشا.
-صباح الخير يا قدري.
-لقد طلبتني.
جلس النحيل خلف مكتبه وهو ُيشير إلى قدري بالجلوس:
-لماذا لم تخبرني بأنك كنت محو ًلا للتحقيق؟
-إبراهيم باشا ..إن الشكوى كانت من أحد ضباط إدارتك
وكانت أمام اللواء نشأت رئيس المباحث فتخ َّيلت أن
لديك علم.
ارتفعت طرقات مرة أخرى على الباب فقال اللواء إبراهيم:
-ادخل.
فتح باب الغرفة ليدخل أيمن وسرعان ما توتر قدري وهو
ينهض وينظر إلى اللواء:
-سيادة اللواء اسمح لي باالنصراف.
أشار له ابراهيم بالجلوس مرة أخرى:
-اهدأ يا قدري أنا الذي طلبت حضوره.
- 79 -
ثم أشار إلى أيمن بالجلوس:
-اجلس يا أيمن.
ً
عميقا وهو يقول: نفسا
ثم أخذ ً
-ال يعجبني ما يحدث بينكما.
ثم نظر نحو أيمن:
إلي وقدمت مذكرتك إلى مدير المباحث
-لماذا لم تلجأ ّ
مباشرةً.
-سيدي إن...
هم أيمن بالرد ولكن اللواء إبراهيم قاطع ُه مشي ًرا بيده ليتوقف:
َّ
-أنا لم أطلب ردك وال يهمني أسبابك ستخرج من هنا
مباشر ًة لتسحب مذكرتك وستتعاونان ً
معا في قضاياكما
وهذا أمر.
نظر أيمن إلى قدري ثم قال:
-تمام يا سيدي ُع ِلم وينفذ.
ثم نهض وهو يقول:
بشيء آخر.
ٍ -أتأمرني
-ال يا أيمن اخرج أنت.
- 80 -
بالنهوض ولكن إشارة من يد اللواء إبراهيم أوقفته:
ِ هم قدري
َّ
-انتظر أنت يا قدري.
َ
وأغلق الباب خلفه. خرج أيمن من الغرف ِة
-لماذا لم تلجأ إلي؟
يتعمد مضايقتي.
َّ -إن أيمن
-إنني أشعر أنني ُأدير رياض أطفال وليس إدارة بحث
جنائي ..ال أريد أن يتكرر هذا واترك أمر أيمن لي.
ثم أشار إليه بيد ِه للخروج فوقف قدري مؤد ًيا التحية
العسكرية واستدار ليخرج.
-ما أخبار قضية الزمالك؟
فوجئ قدري بسؤال اللواء:
خيط وربما..
ٍ -لقد وصلت إلى
قاطعه اللواء إبراهيم:
-إنها قضية اقتحام وسرقة وقتل وأنت تُض ِّيع وقتك.
انقبضت أسارير قدري:
-ولكن ابنهما مختفي.
-مخطوف؟!
معلوم مكانه.
ٍ -ال يا سيدي بل غير
- 81 -
-هو ليس طر ًفا في القضية ً
إذا.
ثم وقف من خلف مكتبه:
-أشرك أيمن معك وأريد أوراق تلك القضية على مكتبي
في أقرب فرصة.
وقف قدري ال يدري ماذا يقول حتى انتزعته كلمات اللواء
إبراهيم من صدمته:
-يمكنك االنصراف اآلن.
ً
مغلقا وعلى الفور أدى قدري التحية العسكرية وانصرف
خلفه باب المكتب ولم يكد يفعل حتى فوجئ بأيمن يقف متك ًئا
بظهر ِه بجانب الباب وهو يقول له:
مستعد لفتح صفحة جديدة معك يا قدري.
ٌ -أنا
تخطاه قدري متج ًها إلى مكتب ِه عبر الرواق الطويل وهو يرد:
-وأنا ال أريدك أن تفتح صفحة جديدة كل ما أريده أن
تبتعد عني
انطلق أيمن يلحق به وهو يقول:
معا في نفس المكان ولن يكون من السهل
-إننا نعمل ً
تجاهل ِّ
كل منا اآلخر ثم انك تحتاجني لغلق قضية
الزمالك.
- 82 -
مقتضب األسارير:
َ تسمر قدري في مكانه ثم التفت إلى أيمن
َّ
ً -
إذا أنت تعلم.
وقف أيمن بدور ِه واالبتسامة تمأل وجهه:
-نعم لقد أخبرني اللواء منذ قليل.
ٍ
لحظات واألفكار تتالحق في رأس ِه قبل سكت قدري بضع
أن يقطعها أيمن:
-ما الذي تفكر به؟
انبسطت أسارير قدري مرة أخرى وابتسامة مصطنعة ترتسم
على وجهه
بالطبع مشاركتك أحد قضاياي
ِ -ال شيء يا أيمن سيسعدني
إذا كانت األوامر هكذا.
ثم استأنف طريقه نحو مكتبه ً
تاركا أيمن وهو يستطرد:
غدا ألطلعك ِ
فلنلتق ً جدا لي ً
مرهقا ً -ولكن هذا اليوم كان
على المستجدات.
هتف أيمن:
غدا الجمعة.
-ولكن ً
-السبت ً
إذا يا أيمن.
- 83 -
ٍ
لحظات حتى قرع تمض
ِ قالها قدري ودلف إلى مكتب ِه ولم
سريعا.
ً جرس مكتبه ليدلف عواض
-أحضر لي أنور ..حا ًلا.
تمض الدقيقة حتى كان أنور يقف أمام
ِ وخرج عواض ولم
قدري الذي قال له:
-إن أمر تكليفك في القضية ما زال سار ًيا ولكنني ال أود
أن أراك في المديرية منذ هذه اللحظة استمر في بحثك
وأي جديد تصل إليه بلغني به عن طريق الهاتف.
ُ -ع ِلم وسينفذ.
-أمر أخير ..أريد اسم ورشة الذهب التي كان يتعامل معها
القتيل.
-سيكون اسمها باك ًرا بين يديك.
فأدى أنور التحية العسكرية وهو
أشار إليه قدري بالخروج َّ
يخرج من مكتب قدري الذي خرج بدور ِه بعده مباشر ًة متج ًها إلى
سيارته وهو يخرج من المديرية متج ًها إلى شوارع القاهرة.
َّ
ظل قدري يتجول بسيارت ِه في شوارع المدينة واألفكار
تتخبط في رأسه
لم تكن القضية هي الشيء الوحيد الذي يشغل بال قدري بل
كان ما يشغله أكثر طبيعة حياته التي يعيشها بين عالمين.
- 84 -
ومع ذلك يشعر بالوحدة ال أحد يستطيع أن يشرح له ما به.
ال أحد سيصدقه.
وبدون أن يدري وجد قدري نفسه يتجه إلى منزله ،ولكنه لم
يتجه إلى شقته.
اتجه مباشر ًة إلى شقة هبة وقرع الجرس.
فتحت هبة الباب كعادتها بابتسام ٍة عريضة تمأل وجهها
المتجهم الذي تكسوه
ِّ ولكن ابتسامتها اصطدمت بوجه قدري
ِ
اإلرهاق واإلعياء. ِ
عالمات
-أريد مقابلة والدتك.
تغيرت مالمح هبة وهي تفسح الطريق لقدري:
-بالطبع ..تفضل.
دخل قدري الشقة فوجد والدة هبة أمامه مباشر ًة تجلس على
األريكة تنظر مباشر ًة نحوه.
-سيدتي ..هل تستطيعين بالفعل مساعدتي؟
-ربما يا ولدي ..إذا ما علمت مشكلتك.
كرسي أمامها.
ٍّ ألقى قدري بجسد ِه على
-ال بأس يا سيدتي سأحكي لك.
- 85 -
مقعدا لتستمع إلى قدري الذي َّ
ظل ً اتخذت هبة هي األخرى
على مدار الساعة يحكي قصة حياته والذهول والدهشة يكتنفان
كل خلي ٍة من خاليا العجوز وابنتها لدرجة أن الصمت خ َّيم على
تماما مدة تزيد عن الدقيقتين بعد أن انتهى قدري من
ً ِ
المكان
كالمه حتى استطاعت العجوز أن تستجمع أفكارها وهي تسأل:
حقيقي؟
ّ -أنت تشعر أن كال الحياتين
-نعم يا سيدتي ..بالنسب ِة لي عندما أنام يستيقظ نيركا
وعندما ينام نيركا أكون قدري من جديد ..كل ما يحدث
لنيركا يؤثر في جسد قدري والعكس صحيح.
عاد الصمت ُيخيم على المكان مرة أخرى قرب الدقيقة قبل
أن يقطعه قدري:
-سيدتي هل تستطيعين مساعدتي أم ال؟
أطرقت العجوز برأسها إلى األرض:
شيء مثل
ٍ -ال أعلم يا بني ..أنا لم أسمع في حياتي عن
هذا ..سمعت عن تعايش األحالم ..أعني أن تختنق
في الحلم وتستيقظ وأنت ال تستطيع التنفس ولكن
حياتين...
ثم سكتت مرة أخرى مما دفع قدري إلى النهوض:
-ال بأس يا سيدتي.
- 86 -
قاطعته العجوز:
شخص موجودٌ في مصر يستطيع التحكم في ٌ -هناك
األحالم ..يستطيع التحكم في ما تحلم به ولكن ال أعلم
إذا كان يستطيع مساعدتك.
مستعد لمقابلته.
ٌ -أنا
أبدا ..سأذهب إليه باك ًرا ألرى إذا
-هو ال يقابل ضحيته ً
كان يستطيع مساعدتك.
-حس ًنا سيدتي ..سأنتظر ردك ولكن جفناي يتثاقالن
بشدة أعتقد أن نيركا بدأ يفيق من غيبوبته يجب علي
االستئذان.
قالها قدري واتجه إلى الباب ليفتحه ويهبط درجات السلم
فنهضت هبة لتلحق به وهي تهتف:
-قدري.
التفت إليها قدري وابتسامة واهنة تسيطر عليه:
-نعم يا هبة.
ِ
ألول مرة تناديه باسمه: ارتبكت هبة بعد أن أدركت أنها
-أقصد سيد قدري ..إن حياة نيركا تلك تبدو خطر وكل ما
يحدث له يؤثر بك.
- 87 -
ازدادت ابتسامة قدري وهو يتأمل ارتباك هبة:
-هذا ما يبدو.
جيدا.
ً -احترس لنفسك
هبط بعدها قدري إلى شقت ِه في حين اتجهت هبة إلى غرفتها،
وطوال تلك الليلة أخذ القلق يعتصر قلب ووجدان هبة..
ولقد كانت محقة في قلقها هذا..
إلى أقصى حد..
- 88 -
مملكة الجبال
أبدا
-ربما المجوم خط ٌر علينا ولكن هذا ال يعني التعاون ً
مع أعداءنا
قالها كبير وزراء قبيلة هنتارو داخل ذلك الكهف الجبلي
لملك القبيلة.
للمجوم ولم ينجحوا حتى
ِ -لم ينجح أي ٍ
قائد في التصدي
َ
يتبق سوى في قتلهم حتى انقرضت القرى الصغيرة ولم
الثالث قبائل الكبرى.
أسود البشرة
َ تعدى طوله المترين
رد عليه ملك الهنتارو الذي َّ
َّ
حاد المالمح حليق الرأس يستقر تاج ذهبي يتوسطه حجر كريم
على رأسه وتظهر قوة بدنية عليه رغم أن عمره تعدى العقد الرابع
بأفتح منه لونًا ولكن طوله كان أقرب
َ في حين لم يكن كبير وزراءه
إلى المترين.
- 89 -
أحد في اختراقها
ٌ -سيدي إن الجبال محصنة ولم ينجح
منذ والدك الملك ريكار المعظم وقوتنا البدنية مشهودٌ
ِ
الجبال بيوتًا. لها وخير شاهد لهذا أننا اتخذنا من
جلس ملك القبيلة على تلك الصخرة الضخمة التي نُحتت
لتأخذ شكل عرش صخري بدائي الصنعة في حين زينته قطعة فرو
لكائن مجهول:
ٍ ضخمة
-لقد وصلتني رسالة من قبيلة ساج من أحد محاربيها
ِ
للوقوف في وجه المجوم محذ ًرا ُيطالب القبائل الثالث
الجميع من ذلك الخطر الذي ُيهدد بقاء جنسنا كله.
أطلق كبير الوزراء ضحكة مجلجلة مما أثار حفيظة الملك
الذي بدت عليه عالمات الضيق مما دفع كبير الوزراء لالنحناء:
-سيدي الملك العظيم سوجدو ..لم أقصد التقليل من
ِ
خوف ذلك المحارب على اهتمامك ولكنني أضحك من
قبيلته مما اضطره إلى طلب العون منكم.
َّ
وظل يتجول داخل الكهف وقف الملك سوجدو مرة أخرى
الجبلي حتى قال له كبير وزرائه:
اقتراحا:
ً سيدي هل ُأقدم لك
-قل يا هيجنزاي.
ِ
بالجبال وننتظر عما س ُتسفر عنه المعركة ..إذا -نتحصن
كانت الغَ لبة لصالح الساج والزندييون انضممنا لهم ،وإذا
- 90 -
كانت الغلبة للمجوم فسننتظر حتى تضعفهم المعركة
وننتظرهم في جبالنا فطبيعة الجبال ليست بالسهلة ونحن
بأس وقوة؛ فإذا تعبوا من الحصار انقضضنا قوم ُأو ِلي ٍ
عليها وقطعنا رقابهم وأوصالهم ولنرى حينئذ إذا كان
هذا يكفي لقتلهم أم ال.
وقف بعدها هيجنزاي ينتظر رد ملكه عليه ولكن لم َ
يتلق إال
الصمت فتنحنح هيجنزاي:
-سيدي سوجدو.
نظر إليه الملك:
-هذا األمر خطير هيجنزاي.
ثم جلس على عرشه الحجري:
-اتركني اآلن هيجنزاي وشدد الحراسة على الجبال ال
أريد أن ُأفاجأ بالمجوم يجيثون خالل ديارنا.
انحنى هيجنزاي وهو يتراجع حتى خرج من الكهف الملكي
مبتعدا وعيناه
ً إلى ذلك الممر الجبلي ..حينها انتصب واستدار
تلمعان بين الصخور.
-أخي ًرا اقترب حلمه من التحقق.
-لقد انتظر المعركة الكبرى طوي ًلا.
- 91 -
-سيحارب ..وسيبلي حس ًنا وسيجعل القبيلة كلها ترى
ذلك
-ولن يكون هناك ٌ
شك إذا مات الملك في المعركة..
أبدا..
شك ً-لن يكون هناك ٌ
وعند هذه النقطة بالتحديد لمعت عينيه بشدة ..لمعة ٍ
ملك
منتظر..
-إن الملك لن يتركه يعيش طوي ًلا.
الخشبي حيث يتم احتجاز
ّ القفص
ِ قالها أحد الحارسين على
مقيدا اليدين والقدمين فرد عليه اآلخر:
ً نيركا
-انظر لقد بدأ يستعيد وعيه.
كان نيركا بالفعل قد بدأ يفيق من غيبوبته وبدأ في محاولة
التخلص من قيوده ولكن أحد الحارسين قال وهما يقهقهان:
-إن التخلص من قيود جنزوا مستحيل أيها المحارب.
فرد عليه اآلخر:
ً
محظوظا لكونك ح ًيا -في الواقع يمكنك أن تعتبر نفسك
حتى هذه اللحظة؛ فأنت لم تتزوج وتهرب بابنة الملك
وحسب ..بل إنك قضيت على أمل جنزوا في أن يتزوجها
ويصبح الملك القادم.
- 92 -
فقال له اآلخر:
-فأنت ال تعدو اآلن سوى عقب ٍة في طريق جنزوا فإذا
عقاب الملك فلن تنجو من سيف جنزوا.
ِ هربت من
ثم أطلقا ضحك ًة مجلجلة:
-لألسف لن تستمر تلك األوهام كثي ًرا.
كذلك قال نيركا قبل أن يستطرد:
-سواء كنت ح ًيا أم مي ًتا وسواء كان الملك في موقع ِه
ملكا لن يكون هناك ٌ
أمل للقضا ِء على أو أصبح جنزوا ً
المجوم بدون اتحاد القبائل.
-أنت تهذي يا هذا أنت تعرف أن حروب القبائل مست ِعرة
منذ ِقبل حتى مجيئنا للحياة واتحاد القبائل أمر مستحيل.
هكذا رد أحد الحارسين.
-إن الخطر ُيحيط بالجميع ..بكما وقبيلتكما وبأسرتيكما..
وأنا لدي خطة ..أطلقا سراحي فربما كانت تلك الفرصة
األخيرة لبني جنسنا ليتخطوا تلك األزمة.
-هذا لن يحدث فإذا حتى أطلقنا سراحك فلن يرحمنا
الملك أو جنزوا
- 93 -
برأس الحارس
ِ ِ
آخرحروف كلماته انطلق حجر ليصطدم ومع
اآلخر مسددً ا لكمة صاروخية نحو
ِ َّ
ينقض باماسي على قبل أن
وجهه لتنفجر الدماء من أنف ِه ويسقط بجانب صديقه مغش ًيا عليه.
ابتسم نيركا من محبس ِه:
-أنت ال تدري مدى سعادتي لرؤيتك.
ابتسم باماسي بدوره:
-أعلم هذا ..ولكن لنتخلص من ذلك القفص أو ًلا.
تقطيع غصون
ِ قالها باماسي وهو يستل سيفه ويبدأ في
األشجار التي تربط أطراف القفص مع بعضها البعض حتى وصل
إلى نيركا وحل وثاقه فنهض على الفور وسأل باماسي:
-كيف وصلت إلى هنا؟
-تتبعت أثرك.
أمسك باماسي بمعصم نيركا:
-هيا بنا نرحل قبل أن ينهض الجميع نحن وسط الجيش
الزنديوني بكامل عدته وعتاده.
سحب نيركا معصم ِه من باماسي:
-ال يمكنني الرحيل بدون زينورا.
-إن فكرة االقتراب من خيمتها تلك الليلة مستحيل وقد
قاربت الشمس على البزوخ.
- 94 -
-بدونها لن يلحق بنا جيش زنديون.
ِ
النفاذ ثم أطلق باماسي زفي ًرا طوي ًلا وقد أوشك صبره على
قال:
-حس ًنا لقد عاهدتك على مجاراتك حتى نهاية األمر..
أحضر عدتك ودعنا نتوجه إلى خيمة األميرة.
َّ
تلف َت نيركا حوله وأخذ يبحث في أرجا ِء المكان حتى قال
له باماسي:
-ما الذي تبحث عنه؟
-أدواتي وسيفي والقالدة ال أجد أث ًرا لهم.
-أين وضعوهم؟
فاقدا للوعي.
ً -ال أعلم ..كنت
-أضعت ماسة النجوم؟!
فاقدا للوعي قلت لك.
ً -كنت
تنهد باماسي ثم نظر إلى األعلى وابتسم:
َّ
لدي فكرة.
َّ -
ثم أشار إلى تنين السامو الذي ُيحلق قري ًبا منهم:
-فلنتبع التنين فهو لن يفارق الماسة.
- 95 -
أنثوي خافت بجانبهما:
ّ ٌ
صوت انطلق
-ال داعي لهذا ..لقد أحضرتهم.
التفت الصديقان ليفاجآ بزينورا تقف بجانبهما وهي تمسك
بحزام نيركا.
ِ
ٍ
للحظات قبل أن ُيشير إليها نيركا ِ
المكان خ َّي َم الصمت على
هامسا محد ًثا باماسي:
ً وهو يصيح
ادعت أنني تزوجتها.
-إنها مجنونة ..لقد َّ
اتسعت عيني باماسي بينما ابتسمت زينورا:
-ماذا؟! ،أترفض؟
ارتبك نيركا وهو يقول:
ِ
كدت -المسألة ليست لها عالقة بقبولي أو رفضي لقد
تقتلينني.
اقتربت منه زينورا:
كم عليك
لح َ-بل أنقذت حياتك ..فلوال أنني قلت هذا؛ ُ
ولنف َذ ُه جنزوا على الفور.
الفوري َّ
ّ ِ
بالموت الملك
بعيني زينورا الرماديتين لفتر ٍة حتى
ّ حدق َّ -
ظل نيركا ُي ِّ
قاطعهما باماسي.
-كالمها منطقي نيركا ..ولكن ِل َم تساعديننا اآلن؟
- 96 -
ٍ
بتحد وهي تقول: بعيني نيركا
ّ ظ َّلت زينورا ت ِّ
ُحدق
-ألنني صدقتكما وألنني ذكية وأعرف أن مواجهة المجوم
لقبيل ٍة منفردة سيؤدي إلى هالكها.
خفض نيركا عينيه وهو يأخذ حزامه من يد زينورا ويربطه
حول خصره ثم يتق َّلد ماسة النجوم في حين قال باماسي:
-حس ًنا لقد شققت طريقي عبر الجيش بصعوب ٍة للوصول
لهنا ،وأعتقد أن الخروج باألميرة لن يكون سه ًلا ..لذا
أقترح أن نسارع في الخروج فقد بدأت أشعة الصباح في
الظهورِ بالفعل.
ابتسمت زينورا مرة أخرى:
-لن نضطر أن نشق طريقنا وسط الجيش فقد أحضرت
وسيلة نقل أسرع قلي ًلا.
ْ
أطلقت صفي ًرا عبر شفتيها ليظهر تنين من وسط األشجار ثم
أكبر قلي ًلا من الحصان ويتجه نحو زينورا مباشر ًة فرتبت األخيرة
على رقبت ِه وهي تقول:
ٍ
واحد من نوعه أهداه لي -تنين الجوكوا ..هذا هو آخر
والدي ..وهو رفيقي منذ والدتي.
ابتسم نيركا قائ ًلا:
أمر واحد. -هذا جيد لم َ
يبق سوى ٍ
- 97 -
ثم اتجه نحو أحد الحارسين الفاقدي الوعي وأخذ يهز ُه
ً
معلقا في ٍ
بعنف ،ثم سكب على وجه ِه جراب الماء الذي كان
ثوان قليلة بدأ الحارس يتأوه وهو يفتح عينيه
خصر ِه وبالفعل بعد ٍ
ً
ممسكا به حتى بصعوب ٍة شديدة ،ولم يكد يفتح عينيه ويجد نيركا
َّ
يستل سيفه ولكن نيركا أمسك يده وقال له: مد يد ُه محاو ًلا أن
َّ
لدي رسالتان أريدك أن توصلهما ..األولى
-اسمع يا هذاَّ ..
ِ
فليأت إلى للملك قل له إذا أراد أن يحصل على ابنته
الوادي الكبير ويأخذها بنفسه وليواجه جيش ساب إن
استطاع ..الثانية لجنزوا قل له أن محارب ساج يتحداك
شخص ًيا.
ثم أطاح نيركا برأس ِه لتنفجر في وجه الحارس كالقنبلة وتعيده
إلى غيبوبته ..فنهض نيركا على الفورِ فسألته زينورا:
-ما الذي تحاول فعله؟
-أحاول أن أستفز والدك وقائد جيوشه إلى أقصى ٍ
حد
ِ
للحاق بنا.
ابتسمت زينورا وهي تقول:
-اعتبر نفسك نجحت في هذا.
ثم وثبت في قفز ٍة مدهشة فوق تنين الجوكوا ثم نظرت إلى
باماسي ونيركا:
-ه َّيا لقد طلع النهار بالفعل.
- 98 -
وبالفعل قفز نيركا وباماسي خلفها في حين تع َّل َقت زينورا
جلدي حول رقبة التنين ووخزته بقدميها وهي تصيح:
ّ ٍ
بطوق
-هيا.
ولم ت ََكد تُطلق صيحتها حتى َف َرد التنين جناحيه على
مرتفعا عن األرض في حين طار تنين
ً مصراعيهما وهو ينطلق
السامو بجانبهم.
تتعد سرعتهَّ لم تكن سرعة تنين الجوكوا بالكبيرة بل لم
ٍ
جواد منطلق ،ولكن في الحقيقة كان على صهو ِة التنين سرعة
ِ
ألول مرة بأن هناك من يصدقه ..من يؤمن ب ِه..؟ شاب شعر
ِ
بتوحيد القبائل وساعدت ُه في صدقت حلمه وجد من ََّ أخي ًرا
تماما كما كان يتمناها.
ً تنفيذه ..رائعة تلك األميرة وقوية..
لم يدرك نيركا أن زينورا نفسها كانت هي األخرى تطير من
السعادة بعد أن وجدت أخي ًرا من يسبح عكس التيار..
سبيل حلمه..؟
ِ من يقف أمام ملوك القبائل في
مستعدا للتضحي ِة بنفسه من أجل اآلخرين..؟
ً من كان
أسر
محارب قبيلة ساج ..هو لم يستطع أسرها فحسب ..بل َ
قلبها ً
أيضا.
استغرقت الرحلة إلى منطق ِة الجبال معظم اليوم تخللتها
بعض فترات الراحة واألكل.
- 99 -
والحقيقة أن ثالثتهم كانوا في قم ِة السعادة من الرحلة ..لقد
شعروا أخي ًرا بقيم ٍة لحياتهم ..لقد شعروا أنهم يؤدون واج ًبا تجاه
أدى ذلك لمقتلهم ..جميعهم ال يكترثون بني جنسهم حتى لو َّ
لذلك األمر..
ِ
حدود جبال الهنتارو مع بداية أخي ًرا وصلت الرحلة إلى
دخول الليل وطلب َ
نيركا من زينورا أن تُوقف تنين الجوكوا على
فنف َذت طلبه ونزل الجميع.
تل ٍة منخفضة نسب ًيا َّ
جبل أمامه:
وقف نيركا وهو يشير إلى أعلى ٍ
-هنا كهف الملك سوجدو ملك قبيلة هنتارو ..كانت الخطة
أن نتسلق أنا وباماسي الجانب المستقيم من الجبل حيث
هجوما منه حتى نصل إلى كهف الملك
ً أحد
ٌ لن يتوقع
ِ
وجود تنين الجوكوا فلن تكون هناك مشكلة. ولكن في
قال باماسي:
-الملك سوجدو العظيم بنفسه؟ تريد مواجهة ملك لم
أحد في هزيمته؟
ينجح ٌ
-نعم.
نظر باماسي إلى زينوا التي سألت:
-وماذا بعد مواجهته؟
عائد بعد
ٌ ِ
بنظرات اللهفة والقلق وهو استقبلت هبة قدري
صال ِة الجمعة متك ًئا على صديق ِه دكتور أكرم وأنفه تحتوي على
ضمادتين قطنيتين تمنعان النزيف.
-هل َ
أنت بخير؟
هكذا سألته هبة:
-إنني بخير ..وقعت على أنفي ُ
فكسرت.
تغيرت نظرة أكرم وهو يقول:
-للمر ِة األخيرة هذه ليست بصدم ٍة على األرض ولكنها
شيء صلب.
ٍ اصطدام مباشر ربما بهراو ٍة أو
ثم نظر إلى هبة وهو يقول:
-أكرم مرسي ..أخصائي الطوارئ بالقصر العيني.
ٍ
مصدق فتح نيركا عينيه مذعو ًرا وهو يتحسس صدره غير
لما حدث.
عاد ًة ما كان يصاب هو ليسعفه قدري هذه أول مرة يحدث
العكس.
ولكن في هذه اللحظة انتبه نيركا أنه يرقد على ساق زينورا
ِ
وألول مرة ينتبه وهي تجلس مريح ًة ظهرها على جذع الشجرة
للشب ِه بينها وبين هبة..
نفس المالمح ونفس لون البشرة ونفس الشعر.
لقد تع َّلم منذ فتر ٍة أن يفصل مشاعر نيركا عن قدري
والعكس ..ولكن في هذه الوهلة علم لماذا وقع في غرامها في
نفس الوقت الذي أحب به قدري هبة.
3 إهداء
5 قدري
23 نيركا
37 صراع الزمالء
51 الجنداي
69 بائع الذهب
89 مملكة الجبال
109 الصاغة
127 العرافة
145 بئر الفساد
161 الملحمة
185 الخاتمة
191 ما بعد النهاية