You are on page 1of 39

‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫المذهب المالكي باألندلس من الظهور إلى عصر التمكين و السي ــادة‬


‫ جامعة الجلفة‬/‫ قسم العلوم اإلنسانية‬/‫ عبد القادر ربوح‬/‫د‬
Dr.rabouhkader@gmail.com
abstract
Maliki is one of the most Sunni schools of jurisprudence that
has been accepted and spread in the Islamic Maghreb, where the
second century of migration was barely passing until the Maliki
school was flooded with Magreb and Andalusi In this context.
this study comes to the history of the Maliki school in west
magreb in general and Andalousie in particular, so our goal is to
identify one of the episodes of our history, and close to the
observation of the phenomenon, as much as these limite.d
pages, as much as possible sources and references
We have tried what we can to address many problems on top
of what is related to how to enter the Maliki school to the land
of Magreb islamic and explain his uniqueness in this country,
which is characteristic of him
In order to do so, we had to recognize some of the
characteristics of the doctrine through the study of men and
their classes, beginning with the definition of the owner of the
doctrine and those who preceded the establishment of the
students of the owner of God's mercy, who lived him and took
him directly, the extremists to the main sources of the doctrine
and tagged mothers. However, the scope of our topic is about

693 91‫العدد‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫‪the problem of the uniqueness of the doctrine in the Middle‬‬


‫‪East and the role of the state in that. We have expanded‬‬
‫‪somewhat in this, through the analyzes of studies and the‬‬
‫‪opinions of historians and authors of translations and classes.‬‬
‫‪What are its features? Finally, this approach was designed to‬‬
‫‪study the phenomenon of the persistence of the doctrine in‬‬
‫‪front of the intellectual and political challenges presented to it,‬‬
‫‪and it constituted a danger to its present and future.‬‬
‫‪This is the effort of the bastard, but it is from us that it is‬‬
‫‪from God and His help, and that our Palace is the weakness of‬‬
‫‪his leg deficit us, and thank God before and after‬‬

‫ملخص التقديم‪:‬‬
‫يعد التاريخ للحركة العلمية و العقلية ‪ ،‬حلقة مهمة من التاريخ العام ‪ ،‬فالتاريخ ليس‬
‫انتصاب فالن مكان فالن ملكا ‪ ،‬و خلع آخر أو ىالكو ‪ ،‬فحسب كما انو ليس رلرد‬
‫سلسلة من األحداث السياسية ادلمضية إىل نشوء الدول و زواذلا ‪ ...‬انو كل مظاىر‬
‫العمران البشري ‪ ،‬من علوم و اقتصاد و فنون و تفكَت ‪ ،‬وكل ىذا معا يصنع حركة‬
‫التاريخ الدائبة‪.‬‬
‫و يف تارؼلنا اإلسالمي التليد ‪ ،‬فانو من اجل ما صنع مالزلو ‪ ،‬ىو تطور احلرة ادلذىبية‬
‫يف الفقو و االعتقاد ‪ ،‬منذ بدايتها يف عصر الصحابة الكرام رضوان اهلل عليهم إىل ما‬
‫بعدىم ‪.‬إىل يومنا ىذا‪ ،‬و يعترب ادلذىب ادلالكي من أكثر ادلذاىب الفقهية السنية اليت‬
‫القت قبوال و انتشارا يف بالد الغرب اإلسالمي ‪ ،‬حيث مل يكد ؽلر القرن الثاين للهجرة‬
‫حىت كان ادلذىب ادلالكي يغمر بسناه ادلغرب و األندلس‪.‬‬
‫‪693‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫و يف ىذا السياق تأيت دراستنا ىذه لتاريخ ادلذىب ادلالكي يف األندلس ‪ ،‬فهدفنا إذن‬
‫ىو التعرف على إحدى حلقات تارؼلنا ‪ ،‬و االقًتاب من مالحظة الظاىرة ‪ ،‬بقدر ما‬
‫تتيحو ىذه الصفحات احملدودة ‪ ،‬وبقدر ما أتيح لنا من مصادر ومراجع ‪ ،‬و لقد حاولنا‬
‫ما يف وسعنا إن نطرق إشكاليات كثَتة ‪ ،‬على رأسها ما تعلق بكيفية دخول ادلذىب‬
‫ادلالكي إىل ارض األندلس و تعليل انفراده هبذه البالد ‪ ،‬وىي الظاىرة ادلميزة لتاريخ‬
‫األندلس حقا ‪.‬‬
‫و يف سبيل ذلك ‪ ،‬كان لزاما علينا أن نتعرف على بعض مالمح ادلذىب من خالل‬
‫دراسة رجالو و طبقاهتم ‪ ،‬مبتدئُت ٔتن سبقوا إىل التأسيس من تالميذ مالك ‪ ،‬الذين‬
‫عاصروه و اخذوا عنو مباشرة متطرقُت للكتب الرئيسة للمذىب و ادلوسومة باألمهات ‪.‬‬
‫على أن مدار موضوعنا ‪ ،‬ىو حول إشكالية انفراد ادلذىب باألندلس‪ ،‬و دور الدولة‬
‫يف ذلك فتوسعنا بعض الشيء يف ذلك ‪ ،‬من خالال ٖتليالت و طروحات ادلؤرخُت و‬
‫غَتىم‪.‬‬
‫و لكي تكتمل الصورة حالة ادلذىب يف تلك الديار ‪ ،‬عاجلنا أيضا مسالة تقهقر‬
‫ادلذىب و مال إليو من اضلطاط ‪ ،‬و ما علة ذلك ؟ و ما مالزلو ؟‬
‫و أخ َتا كان من ٘تام ىذه ادلقاربة ‪ ،‬أن ندرس ظاىرة ثبات صرح ادلذىب أمام‬
‫التحديات الفكرية و السياسية اليت عرضت لو ‪ ،‬و شكلت طرا على حاضره و مستقبلو‬
‫‪ ،‬مث كيف قدر على ٕتاوزىا‪.‬‬
‫و قد قسمنا عملنا ىذا على اربع مباحث ‪ ،‬جاء أوذلا متناوال للمذىب ادلالكي عموما ‪،‬‬
‫دون غوص يف أعماق ىذا ادلبحث مكتفُت باكتشاف أىم قسماتو‪ .‬و ذلك من خالل‬
‫التعريج على حالة األندلس ادلذىبية بعد الفتح ‪ ،‬و عوامل تغلغل ادلذىب ادلالكي إىل‬
‫تلك الديار ‪ ،‬و الًتكيز على دور السلطة يف تثبيتو ‪ ،‬أما ادلبحث الثاين فتكلم عن مصادره‬

‫‪693‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫و طبقات فقهائو ‪ ،‬و تطوره ‪ ،‬و عاجل ادلبحث الثالث مراحل تطور ادلذىب يف الديار‬
‫األندلسية ‪ ،‬و كذا اضلطاط ادلذىب و تقهقره‪ ،‬و أما رابع ادلباحث فقد عنينا من خالل‬
‫مطالبو ‪ ،‬بدراسة ابرز التحديات اليت واجهها ادلذىب و أصحابو ‪ ،‬وكيف واجهها و‬
‫انتصر فيها‪.‬‬
‫و بعد‪ ...‬فهذا جهد ادلقل ادلعًتف بقصوره و تقصَته ‪ ،‬وتواضع بضاعتو و اهلل نسال‬
‫ان يسدد خللنا‪ .‬و احلمد هلل من قبل و من بعد‪.‬‬
‫أوال‪-‬المذهب المالكي في األندلس‬
‫أ‪-‬الحركة المذهبية في األندلس قبل دخول المذهب المالكي ‪:‬‬
‫بدأت العلوم الدينية يف األندلس بانتقال بعض الصحابة و التابعُت إليها يف طالعة‬
‫موسى بن نصَت ‪ ،‬و من الصحابة ادلنذر أو ادلنذر‪ ،1‬ومن التابعُت موسى بن نصَت نفسو‬
‫‪ ،‬و علي بن رباح وحنش بن عبد اهلل الصنعاين ‪ ،‬وكان ىذا األخَت علم التابعُت ‪ ،‬وكان‬
‫أىل األندلس يفتخرون بوجوده بينهم ‪ ،‬و ىؤالء و أمثاذلم بذروا البذرة األوىل يف العلوم‬
‫الدينية باألندلس‪ ،‬ومل تكن ىذه البذرة يف الواقع إال أصول التشريع األوىل ‪،‬وىي الكتاب‬
‫و السنة و ادلغازي ‪ ،‬و لقد كان ىذا عمال جليال قام بو ىؤالء الصحابة و التابعون ‪ ،‬و‬
‫كانوا يعدون الرعيل األول للعلوم الدينية ‪ ،‬و كان من ىؤالء الرعيل الفقهاء األوائل و‬
‫ادلفتون و القضاة ‪ ،‬وىذا طوال مدة ال تقل عن ستُت سنة من ‪150-95‬ىـ ‪ ،‬أي قبل‬
‫قدوم ما يعرف بادلذاىب‪.‬‬
‫وال ريب أن القضاة األوائل كان لقبهم يف البداية قاضي اجلند كان ذلم دور ىام يف‬
‫نشر العلم و تفقيو الناس سيما أن عددا كبَتا من ىؤالء اجلند كانوا من الرببر و من‬
‫حديثي اإلسالم ‪ ،‬ومن أوائل ىؤالء القضاة مهدي بن مسلم ‪ ،‬و عنًتة بن فالح و‬
‫مهاجر بن نوفل القرشي ‪ ،‬وػلِت بن يزيد التجييب الذي عاصر دخول عبد الرمحان‬

‫‪691‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫الداخل إىل األندلس عام ‪138‬ىـ ‪ ،‬و يف زمنو ٖتول اسم قاضي اجلند إىل قاضي اجلماعة‬
‫‪ ،‬وكان مقره يف قرطبة قبل أن يتخذىا األمويون ‪ ،‬مث جاء بعدىم معاوية بن صالح‬
‫احلضرمي قاضي اجلماعة ‪ ،‬وشلا يدل على مكانتو رواية اخلشٍت(قال يل زلمد بن امحد بن‬
‫خيثمة لوددت أن ادخل األندلس ‪ ،‬حىت أفتش عن أصول الكتب معاوية بن صاحل ‪،‬‬
‫وقال ابن أؽلن فلما انصرفت طلبت كتبو ‪ ،‬فوجدهتا قد ضاعت لسقوط علم أصحاهبا‪،‬‬
‫والشك أن معاوية بن صاحل ىذا ىو من أوائل السلسلة الطويلة اجلليلة من فقهاء‬
‫األندلس‪.2‬‬
‫ومع أن معاوية بن صاحل كان من السائرين يف طريق مالك بن انس ‪ ،‬غَت انو مل يكن‬
‫مالكيا ‪ ،‬الن مذىب مالك مل يكن يومئذ قد تبلور وانتظم ‪ ،‬و لذلك فغاية ما أخذه من‬
‫مالك ىو احلديث‪ .‬و ىكذا كانت صفة من دخل األندلس شلن عاصره أمثال سعيد بن‬
‫أيب ىند ‪ ،‬وعبد الرمحان بن موسى اذلواري ‪ ،‬فهؤالء مجيعا كانوا فقهاء زلدثُت ‪ ،‬و مل‬
‫يضعوا أسس ادلذىب ادلالكي‪.3‬‬
‫على األندلس عرفت ّتانب ىذا الذي ذكرناه انتشار مذىب فقهي آخر ىو ادلذىب‬
‫اإلمام االوزاعي إمام الديار الشامية ‪ ،‬وشلا ساىم يف انتشاره يف األندلس قدوم طالعة بلج‬
‫بن بشر و معو مجوع الشاميُت القيسية عام ‪123‬ىـ ‪ ،‬وقد كان ذلؤالء على مذىبو‬
‫فحملوه معهم و نشروه بالديار األندلسية‪.4‬‬
‫ب‪-‬عوامل تغلغل المذهب المالكي في األندلس ‪:‬‬
‫كان من الطبيعي أن ينتشر ادلذىب ادلالكي يف احلجاز يف بداية أمره ألنو من‬
‫احلجاز نبع ‪ ،‬وفيو تفجر منو وانطلق ضلو اآلفاق ‪ ،‬كماه تالميذه اإلمام الذين‬
‫وقدوا عليو من ادلشرق وادلغرب ‪ ،‬غَت أن ىذا ادلذىب سرعان ما تقلص يف‬

‫‪623‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫احلجاز موطن نشأتو فيما ازداد انتشارا يف ادلغرب حيث توطدت أركانو ‪ ،‬وقويت‬
‫دعائمو حىت ادلذىب يف رقعة تنضد من بريقو شرقا إىل جبال الربانس غربا‪.‬‬
‫ويرى ادلفكر أمحد أمُت فان تفسَت انفراد ادلذىب ادلالكي بالساحة األندلسية يعود‬
‫ألسباب منها ‪:‬‬
‫‪-‬التعلق العاطفي للمغاربة بادلدينة ادلنورة ‪:‬عظم تعلق ادلغاربة بادلدينة ادلنورة ‪ ،‬ويف‬
‫ىذاالشأن قال الشيخ زلمد أبوزىرة ‪(:‬إنطال بالعلم كانوا غلدون يف مالزمة درس مالك‬
‫رلاورة للرسول صلى اهلل عليو وسلم فأقبلوا عليو أؽلا إقبال و لزموه أمت مالزمة)‪.5‬فادلدينة‬
‫تنزل الوحي ‪ ،‬وإليها‬
‫ادلنورة كانت ٘تثل ألىل بالد ادلغرب مركز للتشريع اإلسالمي فيها ّ‬
‫ىاجر رسول اهلل عليو الصالة و السالم ومنها انطلق نور اإلسالم ليضيء للعادلُت‬
‫ظلمتهم وفيها مدفن أصحابو عليو الصالة و السالم ‪ ،‬وىي اليت دعا ذلا رسول اهلل يف‬
‫مكياذلا وصاعها ومدىا‪.‬وقد قيل دلالك اخًتت مقامك بادلدينة وتركت الريف و اخلصب‬
‫‪ ،‬فقال ‪ :‬و كيف ال أختاره وما بادلدينة طريق إالّ سلك عليو رسول اهلل صلى اهلل عليو‬
‫وسلم و جربيل عليو السالم ينزل عليو‪.6‬‬
‫‪ -‬وقد ذكر بأن ادلغاربة أُعجبوا أؽلا إعجاب بشخصية اإلمام مالك وافتتنوا بو ‪ ،‬واٗتذوه‬
‫قدوة يف كل شيء ‪ :‬حىت أحوالو يف معاشو و ملبسو ‪ ،‬وكيفية جلوسو للسماع وطريقتو يف‬
‫احلديث‪.7‬‬
‫وإعجاهبم ْتسن سَتتو ‪ ،‬وموطن نشأتو واستقامة سلوكو وجديتو يف إخالصو يف‬
‫بذل العلم ‪ ،‬التزامو الصادر بإتباع نصوص الكتاب والسنة والقياس الواضح فما‬
‫من م سالة عرضت عليو إال والتمس ذلا حال يف الكتاب والسنة ‪ ،‬فان مل غلد ذىب‬
‫إىل القياس الصحيح ‪ ،‬فإذا مل غلد اعتذر عن اإلفتاء واحلكم ‪ ،‬واكتفى ّتملتو احملببة‬
‫لديو ( ال ادري ) ولألثر الوارد يف شان عامل ادلدينة الذي محلو بعض العلماء عليو‬

‫‪629‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫قولو صلى اهلل عليو وسلم‪ ( :‬يوشك أن يضرب الناس أكباد اإلبل يف طلب العلم ‪،‬‬
‫فال غلدون عادلا اعلم من عامل ادلدينة)‪ ،‬قال سفيان بن عيينة ‪ :‬كنا نسمع أىل‬
‫ادلدينة يقولون انو مالك بن انس‪. 8‬‬
‫‪-‬إن مذىب مالك حسبو اقرب دلزاجهم ‪ ،‬فهو يعتمد على احلديث و على إمجاع أىل‬
‫ادلد ينة‪ ،‬و ىي أمور واضحة ال لبس فيها ‪ ،‬بعكس ادلذىب احلنفي القائم عل القياس و‬
‫التعليل و العقل ‪ ،‬و ىذا ادلنهج أوفق لعقلية األندلسيُت الذين كان اغلبهم من اجلند‬
‫العرريب البسيط ‪ ،‬ومن الرببر حديثي اإلسالم‪(. .‬شوقي ‪ ،‬ص )‪ ،‬فادلغاربة بطبعهم ػلبون‬
‫أن يعيشوا البساطة والوضوح وينفرون من كل ما ىو غامض ومعقد‪ ،‬ولعلو السبب يف‬
‫رفضهم لفكر اخلوارج وعقيدة الشيعة رغم احملاوالت ادللّحة اليت بذذلا أنصار ىاتُت‬
‫العقيدتُت ردحا من الزمن‪.9‬‬
‫ويف ذلك جاء ادلذىب ادلالكي مسايرا لعقليتهم و ذلك باعتماده على النص والنقل‬
‫وعلى األثر والرواية أكثر من اعتماده على الرأي واجلدل‪ ،‬باإلضافة إىل أنّو يتميز بكثرة‬
‫مراعاتو ألعراف النّاس وعاداهتم‪ ،‬فهو عملي أكثر منو نظري ‪ ،‬لذلك وجد فيو ادلغاربة‬
‫من خالل مرونتو وواقعيتو واستقاء مجيع أصولو من النص الشرعي ما أغراىم بو‪ ،‬فاتبعوه‬
‫وفضلوه على ما سواه‪ ،‬فصار عندىم عادة وفطرة ال ٖتتاج إىل دليل‪.10‬‬
‫‪-‬كما أضاف ابن خلدون عامل الًتابط البيئي بُت احلجاز وبالد ادلغرب من حيث‬
‫الرحلة ‪ ،‬حيث كانت الرحلة إىل احلجاز ىي غالب رحلة أىل ادلغرب ضلو بالد ادلشرق‬
‫ويف ذلك قال‪ ... ( :‬مل يقلدوا غَته إالّ يف القليل ألن رحلتهم كانت غالبا إىل احلجاز ‪،‬‬
‫وىو منتهى سفرىم ‪ .‬وادلدينة يومئذ دار العلم ومنها خرج إىل العراق ‪ ،‬ومل يكن العراق يف‬
‫طريقهم فاقتصروا عن األخذ عن علماء ادلدينة ‪ ،‬وشيخهم يومئذ و إمامهم مالك‬

‫‪622‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫وشيوخو من قبلو وتلميذه من بعده ‪ .‬فرجع إليو أىل ادلغرب و األندلس وقلدوه دون غَته‬
‫شلن مل تصل إليهم طريقتو )‪.11‬‬
‫و يبدو أن ىذا التفسَت البيئي الذي يرى كما ذكرنا أن األقاليم اليت ظهرت أو وفدت‬
‫إليها ادلذاىب الفقهية تأثَتا على ادلذاىب من ناحية ادلسائل ادلتجددة او التعريفات أو‬
‫الًتجيح أو التعقيد ‪ ،‬أي ٔتعٌت آخر أن مناىج ادلذاىب الفقهية قد تأثرت بالطابع احمللي‬
‫لألقاليم‪. 12‬‬
‫‪-‬خلو األندلس من ادلنازعات ادلذىبية عموما ‪ ،‬إذ عدى وجود العصبيات ادلضرية منها و‬
‫اليمنية ‪ ،‬و ما صلم عنهما من أحزاب و اضطرابات فان األندلسيُت خلت إىل غاية القرن‬
‫‪2‬ىـ من أي تأثَتات مذىبية مشرقية سواء كانت فقهية أو عقدية‪ ،‬و لذا يقول مصطفى‬
‫الشكعة ‪ :‬و ليس من ش ك أن كثرة تالميذ مالك و انتشارىم يف األصقاع اإلسالمية ‪،‬‬
‫كان سببا رئيسا يف انتشار ادلذىب و غلبتو على ادلذاىب أخرى ‪ ،‬غَت أن ىناك عامال‬
‫ىاما أيضا و ىو السبق الزماين الذين كان لصاحل مذىب مالك ‪ ،‬و كذا القرب ادلكاين‬
‫أي قرب احلجاز من األندلس و إمكانية االتصال هبا بشكل دوري بعكس العراقيل‬
‫حيث كان مذىب األحناف‪.‬‬
‫‪-‬عقد ادلغاربة العزم على الرحلة إىل ادلشرق فقصدوه زرافات ووحدانا ‪ ،‬ينهلون و يكرعون‬
‫من علومو ومعارفو و آدابو ‪ ،‬غَت أن رحالهتم تلك مل تكن على قدر متساو من حيث‬
‫القصد ‪ ،‬وال من حيث الزمن ‪ ،‬وال من حيث احملتوى‪ .13‬وحسب العالمة بن خلدون‬
‫أن سبب انتشار ادلذىب ادلالكي يرجع أساس إىل رحلة ادلغاربة إىل احلجاز غالبا‬
‫فنقول (( مذىب مالك رمحو اهلل فاختص ٔتذىب أىل ادلغرب واألندلس وان كان‬
‫يوجد يف غَتىم إال انو مل يقلدوا غَته إال يف القليل‪.14‬‬

‫‪626‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫كماأن رحلة ادل غاربة إىل اإلمام مالك واألخذ عنو ‪ ،‬قال ابن خلدون‪ ( :‬وأما مالك‬
‫رمحو اهلل تعاىل فاقتضى بأىل ادلغرب واألندلس وان كان يوجد يف غَتىم إال إهنم‬
‫مل يقلدوا غَته إال يف القليل دلا أن رحلتهم كانت غالبا إىل احلجاز وىو منتهى‬
‫سفرىم )‪.15‬‬
‫‪ -‬رسالة علم اإلمام مالك‪ :‬لقد اصلذب أىل بالد ادلغرب لعلم اإلمام مالك ألنو نبت‬
‫وترعرع يف مدينة رسول اهلل صلى اهلل عليو وسلم وقد سقي بعلم أتباعو الذين أخذ عنهم‬
‫اإلمام مالك واستفتاىم يف ادلسائل ‪ ،‬ومجع عنهم احلديث ونظر يف أعماذلم اليت رآىا‬
‫اإلمام مالك مصدر الستنباط األحكام ألهنا ال تعدوا أن تكون إالّ من عمل أقره أو‬
‫سكت عنو النيب عليو الصالة و السالم ‪ ،‬وقال فيو مشس الراعي األندلسي وىو يتحدث‬
‫عن مذىب اإلمام مالك ‪ ( :‬ومن وجوه الًتجيح دلذىب مالك كونو مذىب أكثر‬
‫أصحاب رسول اهلل والتابعُت لو يف مدينتو عليو الصالة والسالم أل ّهنا مهبط الوحي ودار‬
‫العلم)‪.16‬‬
‫فكان ينظر أىل بالد ادلغرب إىل مذىبو بأنو أصل ادلذاىب ألن جلّة أئمة ادلذاىب‬
‫تعلموا على يديو و أخذوا منو احلديث ‪ ،‬كما أن بيئة ىذا ادلذىب ىي البيئة اليت انتشر‬
‫منها نور العلم لكامل األصقاع و أهنا كانت مركز الفتوى يف رلمل مراحل العهد الراشدي‬
‫خاصة مرحلة أيب بكر وعمر بن اخلطاب رضي اهلل عنهما و أهنا كانت أكثر ادلناطق إيواء‬
‫للتابعُت يف عصر اإلمام مالك الذي كان أقرب األئمة إىل مصادر العلم ‪.‬‬
‫فمالئمة مذىبو لطبيعة ادلغاربة ‪:‬ذلك أن ادلذىب ادلالكي – كما ىو معروف عنو‬
‫– مذىب علمي يعتد بالواقع ‪ ،‬ويأخذ بأعراف الناس وعاداهتم ‪ ،‬ففقهو عملي‬
‫أكثر منو نضري ‪ ،‬يتماشى مع طبيعة الفطرة يف بساطتها وطموحها ‪ ،‬دون تكلف‬
‫أو تعقيد ‪ ،‬وأىل ادلغرب بطبعهم ؽليلون إىل البساطة والوضوح ويفرون من‬

‫‪623‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫النظريات ادلتطرفة الن بلدىم لقيت ادلتاعب واألىوال بسبب أصحاب اآلراء ادلتطرفة‬
‫‪ ،‬واألفكار الشاذة ‪ ،‬ما جعلهم يوقنون أن الدين إظلا ىو القرآن والسنة ‪ ،‬وال شيء‬
‫بعد ذلك ‪ ،‬زيادة منهم على احلرص على دينهم ‪ ،‬والتمسك بأصولو ‪ ،‬خوفا من‬
‫االنزالق يف مهاوي الضالالت ‪ ،‬ومن مث وضعوا ادلعتزلة واخلوارج يف كفة الزنادقة‬
‫وانتقدوا األحناف ‪ ،‬وجاىروىم بالعداء الصريح‪.‬‬
‫‪ -‬قوة عارضة اإلمام مالك وتالميذه ومن تبعهم من أئمة ادلذىب على اختالف‬
‫درجاهتم العلمية واالجتماعية وقد قيل (( الليث افقو من مالك لوال أن تالمذتو‬
‫ضيعوه )) فقد حزم ىؤالء ادلذىب تأصيال وتفريعا وتأليفا ومناظرة ‪.17‬‬
‫‪ -‬ما يرجع إىل موقف بعض السالطُت الذين كانوا يالزمون رعاياىم بالتشبث هبذا‬
‫ادلذىب‪ .18‬وقد كان ذلذا العامل دور جبار يف ترسيخ جذور ادلذىب هبذه البالد ‪،‬‬
‫وىيمنتو عليها ‪ ،‬وىو عامل تأييد السلطة ‪ ،‬وسنفرد ذلذا مطلبا خاصا‪.‬‬
‫ج‪-‬دور السلطة في التمكين للمذهب المالكي‪:‬‬
‫كان للسلطان باألندلس دور يف التمكُت للمذىب ‪،‬ن وجعلو ينفرد بالساحة‬
‫األندلسية دون غَته ‪ ،‬و تتفق الروايات التارؼلية ذلذا الشأن ‪ .‬و يرى األستاذ مصطفى‬
‫الشكعة نقال عن إخباري األندلس ‪ :‬أن فريقا من حجاج األندلس زار شيخ علماء‬
‫ادلدينة مالك ‪ ،‬و جرى احلديث مبسطا فيو بينو و بينهم ‪ ،‬فسأذلم عن أحواذلم و سَتىم‬
‫‪ ،‬و سَتة حكامهم فيهم –وكان آنذاك – ىشام بن عبد الرمحان ‪ ،‬ويف رواية عبد الرمحان‬
‫نفسو ‪ ،‬فامتدح األندلسيون حاكمهم ‪ ،‬و قالوا انو يأكل اخلبز الشعَت و يلبس الصوف ‪،‬‬
‫وغلاىد يف سبيل اهلل ‪ ،‬واخذوا يعددون مناقبو ‪ ،‬و ىي مناقب مفقودة يف خليفة بغداد ‪،‬‬
‫فلم يكن من مالك إال انو امتدح أمَتا على ىذا القدر من الصفات ‪ ،‬فقال ‪ :‬ليت أن‬
‫اهلل زين حرمنا ٔتثلو ‪ ،‬وحُت عاد القوم إىل األندلس ابلغوا األمَت ٔتا قالو مالك ‪ ،‬و مل‬

‫‪623‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫يكن مالكا جديدا على األمَت ‪ ،‬فقد كانت مسعتو تطبق أضلاء البالد ‪ ،‬كما أن كتابو‬
‫ادلوطأ قد انتقل إىل األندلس ‪ ،‬فبدأ يقتنع بشخصية مالك ‪ ،‬ومن مث التفكَت يف اٗتاذ‬
‫مذىبو مذىبا لألندلس‪.19‬‬
‫و ىكذا فان ىشام بن عبد الرمحان الداخل الذي توىل اإلمارة األموية األندلسية عام‬
‫‪ 172‬ىـ ‪ ،‬يكون ىو الذي اخذ الناس مجيعا يف األندلس‪ ،‬بالتزام مذىب مالك ‪ ،‬و صَت‬
‫الفتيا و القضاء‪ ،‬و ذلك خالل العقد الثامن من ادلائة الثانية للهجرة أي قبل وفاة مالك‬
‫بقليل‪.‬‬
‫و ىكذا استوثق ادلذىب من أمر الدولة ‪ ،‬سيما أن ػلِت بن ػلِت الليثي كان مكينا‬
‫مؤ٘تنا عن ىشام ‪ ،‬فكان قاضي اجلماعة‪ ،‬و ىو منصب يعُت يف األندلس يعٍت قاضي‬
‫القضاة ‪ ،‬وكان ىشام ال يويل القضاء إال من أشار بو ‪ ،‬فانتشر ادلذىب يف القضاء كما‬
‫يف الفتيا‪.‬‬
‫و أمر يف البالد أال يقضى إال ٔتذىب مالك ‪ ،‬بل و بلغ األمر يف زمن احلكم بن‬
‫ىشام أن اقتصر على ما رجحو ابن القاسم تلميذ مالك من أقوالو وفال يتجاوز إىل غَتىا‬
‫‪ ،‬و يعترب البعض أن ىذا الصنيع من أموية األندلس دليال على أن مالك كان أمويا سيما‬
‫و انو أفىت ببطالن بيعة العباسُت إذ كانت باإلكراه‪.‬‬
‫و بعلمهم توس لوا يف ذلك بقصة ليس على مستكره طالق ‪ ،‬اليت اشتهرت و اليت‬
‫اضطهد بسببها مالك ‪ ،‬و لكن البعض ينفي ذلك ‪ ،‬و يقول أن إدريس األول بن عبد‬
‫اهلل الكامل مؤسس دولة األدارسة قد تبٌت مذىبو ‪ ،‬فهل يف ذلك داع الن يقال أن مالك‬
‫حسٍت الًتوعي‪.20‬‬
‫و لذا تعترب الصلة القوية اليت كانت ٘تيز عالقة اإلمام مالك بن أنس بالبيت العلوي‬
‫عامل من عوامل تغلغلو يف قلوب ادلغاربة الذين كانوا ػلبون البيت العلوي ويعلون من‬

‫‪623‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫شأهنم ‪ ،‬فاإلمام مالك تلقى جزءا من علومو على يد عبد اهلل الكامل بن احلسُت بن‬
‫احلسن بن علي بن أيب طالب والد إدريس مؤسس الدولة اإلدريسية (‪172‬ه) ‪ ،‬مث إن‬
‫مالكا كان يناصر زلمدا النفس الزكية شقيق إدريس ‪ ،‬لذلك صلد بأن األدارسة‪ 21‬مل‬
‫يعارضوا وجود ادلذىب ادلالكي يف ادلغرب األقصى ‪ ،‬بل أقروه ىناك ‪ ،‬حىت أن إدريس بن‬
‫يصرح بأنو أوىل بادلذىب ادلالكي يف ادلغرب دون غَته‪ ، 22‬و ذلك‬
‫عبد اهلل نفسو كان ّ‬
‫لعدة اعتبارات منها ‪:‬‬
‫أن اإلمام مالك يروي يف موطأه عن عبد اهلل الكامل والد إدريس ‪ ،‬باإلضافة إىل‬
‫موقفو من العباسيُت لصاحل أخ إدريس ادلسمى زلمدا و ادلعروف بالنفس الزكية ‪ ،‬حيث‬
‫أفىت عند قيام ىذا األخَت بأن بيعة أيب جعفر ال تلزم ألهنا كانت على اإلكراه ‪ ،‬و ضرب‬
‫يف ذلك كما ىو معروف ‪ ،‬وكان قد أفىت ببطالن الطالق ادلكره و سقوط ؽلُت اإلكراه‬
‫على العموم ‪ ،‬اعتمادا على قولو صلى اهلل عليو و سلم ‪ ( :‬ليس على مستكره ؽلُت )‪.23‬‬
‫و بالعموم فإن ارتباط ادلذىب ادلالكي بعقيدة السنة من أىم عوامل تشبث الناس بو‬
‫يف ىذه الربوع من علماء و عامـ ــة و حكــام وزلكومُت ألهنم رأوا في ــو ما يوحدىم فكريـ ــا‬
‫و سياسيا ‪ ،‬وكانوا قد خربوا قبلو من مذاىب الفقو كمذىب أيب حنيفة و الشافعي و‬
‫األوزاعي ‪ ،‬ومن ادلذاىب الفكرية كادلعتزلة و اخلوارج و الشيعة ‪ ،‬و مل غلدوا مذىبا‬
‫يوحد ىم أفضل من مذىب اإلمام مالك بن أنس رضي اهلل عنو ألنو شديد احلرص على‬
‫إتباع السنة و مقاومة البدع ‪ ،‬باإلضافة إىل قدرة ادلذىب ادلالكي على اإلجابة عن النوازل‬
‫و ادلستجدات ألنو يقوم على ضلو ستة عشر أصال من أصول االجتهاد و االستنباط ‪،‬‬
‫توسعو يف األخذ بادلصلحة و العرف و س ّد الذرائع شلا أتاح لو ادلرونة يف‬
‫باإلضافة إىل ّ‬
‫التشريع شلا جعل علماؤه ال غلدون مشكال يف إغلاد احللول يف ادلسائل ادلستجدة باعتبار‬

‫‪623‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫أنو مذىب واقعي بعيدا عن اخلوض يف الفرضيات و التوقعات مثلما ىو عليو الشأن عند‬
‫األحناف‪.‬‬
‫أما الشيخ العالمة أبو زىرة فلو رأي آخر يف ادلوضوع ‪ ،‬إذ يعترب أن األمويُت و ىم‬
‫حديثو عهد باإلسالم بالبالد األندلسية ‪ ،‬وىي ٘توج بالعواصف و األنواء السياسية ‪،‬‬
‫كانوا يف حاجة إىل عامل تثبيت ملكهم ‪ ،‬فوجدوه يف ادلذىب ادلالكي ‪ ،‬يقول رمحو اهلل ‪:‬‬
‫و لعل ذلك كان من الزلفى للجمهور إذ قدروه ‪ ،‬أو زلفى لو – اي مالك –ليذكرىم‬
‫باخلَت ‪ ،‬أو يستثمر ذكرىم بو "‪.24‬‬
‫و أيا ما كان األمر فان دور السلطان يف حد ذاتو ‪ ،‬بغض النظر عن النزعة السياسية‬
‫للملك ‪ ،‬أو عن دوافع السلطان ‪ ،‬كان لو اثر بالغ يف التمكُت للمذىب بالشكل الذي‬
‫جعلو يهيمن على مؤسسات األندلس الرمسية و الشعبية ‪ ،‬و الناس على دين ملوكهم‪.‬‬
‫ويعلق ابن حزم الظاىري على ىذا الوضع قائال ‪ :‬أن مذىبُت انتشرا يف بادئ أمرعلا‬
‫بالرياسة و السلطان ‪ ،‬مذىب أيب حنيفة و مذىب مالك باألندلس‪.25‬‬
‫وىذا يدفعنا للكالم عن ادلغرب ‪ ،‬وذلك لوثاقة صلتو بادلغرب ‪ ،‬ومن خالال مرحلتُت‬
‫اثنُت‪ :‬احداعلا باكرة جدا أي يف عصر مالك ‪ ،‬وىي من خالل دولة االدارسة و الثانية‬
‫الحقة من ذلا خالل القرن ‪5‬ىـ ‪ ،‬يف دولة ادلرابطُت ‪ ،‬ففي نفس الوقت الذي كان ىشام‬
‫بن عبد الرمحان يف األندلس ‪172‬ىـ ؽلكن للمذىب ادلالكي ‪ ،‬كان إدريس األول يف‬
‫ادلغرب األقصى ‪ ،‬و كذا الوسط ‪172‬ىـ ‪ ،‬ؽلكن لو أيضا ‪ ،‬إذ ٔتجرد أن اطمأن إدريس‬
‫لتدعيم أركان دولتو ‪ ،‬ناىض العقائد ادلوجودة كادلعتزلة و اخلوارج ومذاىبهما ‪ ،‬و مجع‬
‫الناس على عقيد السلف ‪ ،‬و دعاىم إىل االنتصار على مذىب مالك‪ ،‬و جاءىم بادلوطأ‬
‫فنشره بينهم ‪ ،‬و كانت نسخة على بن زياد التونسي ت ‪183‬ىـ ‪ ،‬موجودة بافريقية‬
‫وقتذاك ‪ ،‬و كان إدريس يقول ‪ :‬ضلن أحق بإتباع مذىب مالك و قراءة كتابو "‪ ،‬و ذلك‬

‫‪623‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫لرواية مالك يف موطأه عن والده عبد اهلل الكامل بن احلسن‪.‬و رٔتا دلا كان مالك يفيت‬
‫ببطالن بيعة ادلنصور أيب جعفر العباسي ‪ ،‬وصحة البيعة حملمد النفس الزكية ‪ ،‬أخوه‬
‫إدريس األول ‪ ،‬وقد حلق مالكا يف ذلك ما حلقو من األذى‪.26‬‬
‫فانتشر ادلذىب لذلك بقوة السلطان يف ادلغرب األقصى و الوسط ‪ ،‬كما انتشر يف‬
‫ادلغرب األدىن ‪ ،‬بقوة عارضة تالمذة مالك ‪ ،‬كاسد بن الفرات ‪ ،‬وسحنون وغَتعلا ‪،...‬‬
‫و استمر احلال على ذلك حىت جاء ادلرابطون يف القرن ‪5‬ىـ ‪ ،‬و يف ىذا الشأن يقول‬
‫ادلستشرق ألفرد بل ‪ :‬وكان األمراء ادلرابطون مستمسكُت بشعائر اإلسالم السٍت على‬
‫مذىب مالك ‪ ،‬وىو الذي فرضوه على رعاياىم ‪ ،‬و الشاىد يف ذلك صلده يف سَت‬
‫زعمائهم ‪ ،‬و على رأسهم يوسف بن تاشفُت الذي ملك حوايل مخسُت سنة ‪ ،‬وسار‬
‫على طريقة أستاذه عبد اهلل بن ياسُت ادلالكي ‪ ،‬فلم يكن يثق يف غَت فقهاء ادلالكية‪.27‬‬
‫و األمر ذاتو يؤكده عبد الواحد ادلراكشي يف كتابو ادلعجب ‪ :‬قائال عنو ‪ ":‬و اشتد‬
‫إيثاره ألىل الفقو و الدين ‪ ،‬فكان ال يتقطع أمرا يف مجيع شللكتو دون مشاورة الفقهاء ‪،‬‬
‫وىم من ادلالكية دون سواىم ‪ ،‬فكا ن إذ وىل أحدا من قضاتو ‪ ،‬كان فيما يعهد بو إليو ‪،‬‬
‫ال يقطع أمرا ‪ ،‬وان ال يبت حكومة يف صغَت أو كبَت إال ٔتحضر من أربعة فقهاء‪ ،‬فبلغ‬
‫الفقهاء يف أيامو مبلغا عظيما ‪ ،‬مل يبلغوا مثلو يف الصدر األول من تاريخ األندلس ‪ ...‬ومل‬
‫يكن يقرب من أمَت ادلسلمُت ‪ ،‬إذ ال ػلض عنده ال من علم الفروع ‪ ،‬اعٍت فروع مذىب‬
‫‪28‬‬
‫مالك‪ ،‬فنفقت يف ذلك الزمان كتب ادلذاىب و عمل ٔتقتضاه"‪.‬‬
‫و ال ريب أن شهادة ىذا ادلؤرخ هبذه العبارة ‪ ،‬وهبذا التعبَت اصدق بيان على دور‬
‫السلطان يف التمكُت للمذىب ‪ ،‬و ذلك بعد قرون من ترسخو األول ‪ ،‬و من طرائف ما‬
‫تولد عن ىذا الوضع ما ذكره ادلراكشي يف كتابو األنف ‪ ،‬من أن ىذه احلظوة أدت إىل‬

‫‪621‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫اتساع مكاسب الفقهاء‪ ،‬ورخاء أحواذلم ‪ ،‬وكثرة أمواذلم ‪ ،‬حىت حسدىم غَتىم يف ذلك‬
‫‪ ،‬ورماىم باالنتهازية ‪ ،‬وقد عرب عن ىذا احد الشعراء قائال‪:‬‬
‫كالذئب ادجل يف الظالم العامت‬ ‫أىل الرياء لبستم ناموسكم‬
‫فملكتم الدنيا ٔتذىب مالك و قسمتم األمـ ـ ـ ـ ـ ـوال بان‬
‫القاس ـ ـ ــم‬
‫‪29‬‬
‫صبغت لكم يف العامل‬
‫و ركبتم شهب الدواب بأشهب و باصبغ ُ‬
‫و لقد أسهبنا يف الكالم عن دور ادلرابطُت يف تثبيت مذىب مالك ‪ ،‬ألهنم حكموا‬
‫العدوتُت معا ‪ ،‬فكانت سنتهم ىذه شاملة لألندلس أيضا‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬المذهب المالكي في األندلس (رجاله و مصادره )‬
‫أ‪ /‬مشاهير طبقات الفقهاء المالكيين باألندلس‪:‬‬
‫كان تالميذ مالك يف األقطار من الكثرة ٔتكان ‪ ،‬حيث كانت ادلدينة ادلنورة مقصدا‬
‫للزائرين ‪ ،‬يلتقي فيها طلبة العلم من كافة البلدان اإلسالمية ( القطان )‪ ،‬وأكثر من رحل‬
‫إليو ادلصريون و ادلغاربة من أىل افريقية و األندلس ‪ ،‬وىؤالء ىم الذين تولوا نشر مذىبو‬
‫بتلك األصقاع ‪ ،‬مث فشا ادلذىب بعد ذلك يف البصرة و العراق و خراسان‪. 30‬ومنذ‬
‫منتصف القرن الثاين للهجرة ‪ ،‬غدت األندلس معقال للمذىب ادلالكي بفضل تالميذ‬
‫مالك الكبار القاطنُت هبا ‪ ،‬و إظلا قلنا مشاىَت الطبقات لتعذر اإلحاطة بكل طبقات‬
‫الفقهاء يف ىذه الدراسة ادلوجزة‪.‬‬
‫يف الطبقة األوىل و يف غرهتا ‪:‬‬
‫‪-‬زياد بن عبد الرمحان ‪ :‬و كنيتو أبو عبد اهلل ‪ ،‬ويلقب عند أىل األندلس بشبطون ‪ ،‬وقد‬
‫مسع من مالك موطأه ‪ ،‬كما اتصل بالليث بن سعد و أيب عيينة ‪ ،‬و كانت لو إىل مالك‬

‫‪663‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫رحلتان ‪ ،‬ومساه أىل ادلدينة فقيو األندلس‪ ،‬و ىو أول من ادخل ادلوطأ إىل األندلس و قد‬
‫تويف سنة ‪193‬ه‪31‬ـ‪.‬‬
‫‪-‬عيسى بن دينار األندلسي ‪ ،‬لرحل فسمع من ابن القاسم ‪ ،‬وعول عليو و انصرف إىل‬
‫األندلس ‪ ،‬و كانت الفتيا تدور حولو ‪ ،‬و ال يتقدم احد يف قرطبة ‪ ،‬وىي حاضرة‬
‫األندلس ‪،‬يومها كما أسلفنا – و كانت لو رياسة بعد انصرافو من ادلشرق‪ ،‬وكان ابن‬
‫القاسم تلميذ مالك يعظمو ‪ ،‬و يصفقو بالفقو و الورع ‪ ،‬قال عنو انو علم أىل مصرنا –‬
‫أي األندلس‪ -‬ادلسائل ‪ ،‬وكان افقو من ػلِت الليثي على جاللتو و عظم قدره ‪ ،‬و شيعو‬
‫ابن القاسم عند انصرافو من مصر ثلثا فراسخ ‪ ،‬فعوقب فيذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬تلومنٍت أن‬
‫شيعت رجال ‪ ،‬مل ؼللف بعده افقو و ال أورع ‪ ،‬و قد تويف رمحو اهلل بطليطلة سنة‪212‬ىـ‪.‬‬
‫ػلِت بن ػلِت الليثي ‪ :‬و جده يدعى وسالس و ىو من مصمودة الرببرية ‪ ،‬ولد سنة‬
‫‪151‬ىـ ‪ ،‬تلقى العم عن شبطون ‪ ،‬مث اتصل ٔتالك سنة ‪179‬ىـ ‪ ،‬سنة قبل وفاتو‪،‬‬
‫فسمع منو موطأه ‪ ،‬وعنو اخذ الرواية ادلشهورة عنو ادلوطأ ‪ ،‬و لو رحلة أخرى تفقو فيها‬
‫على ابن القاسم ٔتصر ‪ ،‬و قدم األندلس بعلم كثَت ‪ ،‬فعادت فتيا األندلس بعد عيسى‬
‫بن دينار الرأى رأيو ‪ ،‬و يعترب ػلِت بن ػلِت الليثي ‪ ،‬من أكابر أصحاب مالك عموما ‪ ،‬و‬
‫كان مالك يعجبو مستو و عقلو‪.32‬‬
‫وىناك قصة تدل على حالو و مستو أوردىا ابن فرحون ‪ ،‬كما أثبتها الشَتازي ‪ ،‬و‬
‫مفادىا انو كان عند مالك يوما أصحابو ‪ ،‬إذ قال قائل ‪ ،‬قد حضر الفيل ‪ ،‬فخرج‬
‫أصحاب مالك لينظروا إليو كلهم ‪ ،‬إال ىو‪ ،‬فقال لو مالك ‪ ،‬مل ٗترج لًتى الفيل ‪ ،‬ألنو‬
‫ال يكون باألندلس ؟ فأجابو ػلِت ‪ :‬إظلا جئت من بلدي ألنظر إليك فأتعلم من ىديك‬
‫و علمك ‪ ،‬و مل اجيئ ألنظر إىل الفيل ‪ ،‬فأعجب بو مالك و مساه عاقل األندلس‪.‬‬

‫‪669‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫و قد انتهت إليو الرياسة يف الفقو و الفتيا و القضاء ‪ ،‬و لقي قبوال ‪ ،‬وحصل جاىا عند‬
‫أموية األندلس ( ىشام من بعده احلكم ) ‪ ،‬تويف سنة ‪234‬ىـ‪.‬‬
‫‪--‬عبد ادللك بن حبيب السلمي ‪ :‬أصلو من طليطلة و انتقل جده سليمان إىل قرطبة ‪،‬‬
‫مث غادرىا أبوه يف فتنة الربض إىل البَتة ‪ ،‬تعلم باألندلس على ػلِت بن ػلِت الليثي و‬
‫عيسى بن دينار و احلسُت بن عاصم ‪ ،‬مث رحل سنة ‪208‬ىـ فسمع ابن ادلاجشون و‬
‫مطرفا ‪ ،‬و عبد اهلل بن احلكم ‪ ،‬واسد بن موسى و غَتىم وعاد إىل بلده سنة ‪216‬ىـ ‪،‬‬
‫و استقر بالبَتة ‪ ،‬مث نزح عنها بطلب من عبد الرمحان بن احلكم األموي إىل قرطبة ‪ ،‬وكان‬
‫إىل جانب ػلِت بن ػلِت الليثي يف ادلشاورة و ادلناظرة ‪ ،‬و انتقلت إليو الرياسة من بعده ‪،‬‬
‫وكان حافظا للفقو ادلالكي ‪ ،‬غَت انو كان غَت عامل باحلديث‪ ،‬وال لو معرفة بصحيحو من‬
‫سقيمو ‪ ،‬و قد مجع ابن حبيب إىل الفقو معرفة يف األدب ‪ ،‬و أثٌت عليو ابن ادلواز ‪،‬‬
‫فوصفو بالفقو و العلم ‪ ،‬و ىو مؤلف كتاب الواضحة الذي ىو من أمهات ادلذىب‪-‬‬
‫كما أثبتناه يف موضعو ‪،-‬وقد تويف سنة ‪238‬ه‪ .‬و بعد ىذه الطبقة ادلؤسسة يأيت ‪:‬‬
‫‪-‬قاسم بن اصبغ ‪ :‬من أىل قرطبة ولد سنة ‪244‬ىـ‪ ،‬سح ٔتصر و القَتوان و العراق ‪،‬‬
‫ألف كتابا طويال ‪ ،‬مث اختصره اجملتٌت و قدمو للحكم ادلستنصر ‪ ،‬وفيو ألف و اربعمئة و‬
‫تسعون حديثا مبوبة على أبواب الفقو ‪ ،‬وكان هلل الفضل يف نشر العلم باألندلس على‬
‫ىذه الطريقة‪.‬‬
‫‪-‬بقي بن سللد ‪ :‬و قد ساعد عل تدعيم مذىب مالك باألندلس ‪ ،‬وكانت كتبو كتب‬
‫حديث و فقو ‪ ،‬و دلا أراد ابن حزم أن يفخر ٔتا يف األندلس من علماء ‪ ،‬كان بقي ىذا‬
‫من احد الذين افتخر هبم ‪ ،‬و قد ألف تفسَتا كبَتا ‪ ،‬قطع ابن حزم بأنو مل يؤلف مثل‬
‫تفسَته‪ ،‬و ال تفسَت ابن جرير الطربي ‪ ،‬و غَته ‪...‬‬

‫‪662‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫و يبدو أن بقي بن سللد ىذا ‪ ،‬حاول أن غلدد يف طرائق العلم و مناىجو بكيفية مل‬
‫ترض آىل األندلس‪ ،‬فاٗتذوا منو موقفا على النحو الذي ذكر صاحب االعتصام‬
‫الشاطيب إذ قال ‪ ":‬و لقد لقي اإلمام بقي بن سللد حُت دخل األندلس آتيا من ادلشرق ‪،‬‬
‫من ىذا الصنف األمرين ‪ ،‬حىت اصاروه مهجورا الفناء ‪ ،‬مهتظم اجلانب ‪ ،‬ألنو من العلم‬
‫ٔتا ال يد ذلم بو ‪ ،‬إذ لقي بادلشرق امحد بن حنبل ‪ ،‬و اخذ عنو مصنفو ‪ ،‬وتفقو عليو ‪ ،‬و‬
‫لقي أيضا غَته ‪ ،‬و كان ىؤالء ادلقلدة قد صمموا على مذىب مالك ‪ْ ،‬تيث انكروا ما‬
‫عداه ‪ ،‬و ىذا ٖتكيم الرجال على احلق ‪ ،‬و الغلو يف زلبة أىل ادلذىب و عُت اإلنصاف‬
‫أن ترى اجلميع فضالء"‪.‬وىذا النص ينب لنا أن التعصب ادلذىيب قدًن الشأن باألندلس‪.‬‬
‫و يف الطبقة ادلوالية ( وفيات القرن ‪4‬ىـ )‪:33‬‬
‫‪-‬زلمد بن ػلِت بن لبابة األندلسي ‪ :‬و لو اختيارات يف الفقو خارجة عن ادلذىب ‪ ،‬و لو‬
‫تآليف يف الفقو منو ادلنتخبة ‪ ،‬قال ابن حزم الفارسي‪ :‬كتابة ادلنتخبة ليس ألصحابنا مثلو‪،‬‬
‫تويف سنة ‪336‬ىـ‪.‬‬
‫‪-‬زلمد بن حارث اخلشٍت ‪ :‬تفقو بالقَتوان ‪ ،‬مث قدم األندلس ‪ ،‬ألف كتابا يف االختالف‬
‫‪ ،‬وكان يستعمل القياس ‪ ،‬تويف سنة ‪361‬ىـ‪.‬‬
‫‪-‬عبد اهلل بن إبراىيم االصيلي ‪ :‬و كنيتو أبو زلمد ‪ ،‬تفقو باألندلس ‪ ،‬و بالقَتوان ‪،‬‬
‫ودخل مصر و العراق ‪ ،‬و صنف كتاب اآلثار و الدالئل ‪ ،‬و ىو شلن انتهى إليو ىذا‬
‫األمر بالعدوة األندلسية ‪ ،‬تويف ‪342‬ىـ‪.‬‬
‫‪ -‬يوسف بن عمر بن عبد الرب ‪ :‬ادلعروف عند أىل العلم بابن عبد الرب ادلالكي ‪ ،‬شيخ‬
‫علماء األندلس‪ ،‬و كبَت زلدثيها ‪ ،‬وشلا يدل على رسوخو كتابو االستيعاب و كتاب‬
‫االستذكار ٔتذاىب علماء األمصار فيما ضمنو ادلوطأ من معاين األثار ‪ ،‬تويف عام‬
‫‪380‬ىـ‪.‬‬

‫‪666‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫و نكتفي هبذه الطبقة الثالثة خشية اإلطالة ‪ ،‬على أن يف غَتىا من الطبقات ادلوالية من‬
‫ٖتول علماء ادلذىب و أعيالو الكثَت ‪ ،‬كايب سعيد الربادعي ‪،‬و أبو الوليد الباجي ‪ ،‬و ابن‬
‫رشد و ادلازري ‪ ،‬وأيب بكر بن العريب ادلالكي ‪ ،‬و القاضي عياض صاحب ادلدارك وغَتىم‬
‫من أساطُت ادلذىب شلن كانت ذلم دلساهتم يف مسَت تطور ادلذىب ادلالكي باألندلس‪.‬‬
‫ب‪/‬األمهات األربع للمذهب المالكي ‪:‬‬
‫تشتهر يف الفقو ادلالكي عبارة األمهات أربع و ىي ادلدونة و ادلوازية و العنبية و‬
‫الواضحة ‪ ،‬و ىذه العبارة تشَت إىل مصادر الفقو ادلالكي ‪ ،‬بعد ادلوطأ ‪ ،‬وىي اليت‬
‫مجعت مسائلو و فروعو و أدلتو ‪ ،‬و سنبسط القول يف ىذا ‪:‬‬
‫‪-‬ادلدونة ‪ :‬لصاحبها عبد السالم بن سعيد التنوخي ‪ ،‬ادلعروف بسحنون ‪ ،‬و ادلدونة‬
‫كتاب مجعو سحنون ضم فيها مسائل الفقو ادلالكي ‪ ،‬وقد غدت أىم كتب الفقو‬
‫ادلالكي بعد ادلوطأ ‪ ،‬و سحنون ( الذي لعلو ولد عام ‪160‬ىـ ) كان قد أعجزه الفقر من‬
‫السفر إىل ادلدينة ‪ ،‬فاكتفى بتالميذ مالك ٔتصر ‪ ،‬ابن القاسم و أشهب وابن وىب ‪ ،‬ز‬
‫عبد اهلل بن احلكم ‪ ،‬فتتلمذ عليهم ‪ ،‬ومحل معو االسدية فعرضها على ابن القاسم‬
‫العتقي ‪ ،‬و كان قد أمر ابن الفرات على ما فيها من قبل ‪ ،‬فرجع عن ذلك بعض ما‬
‫فيها ‪ ،‬وزاد فكتب إىل اسد بن الفرات ‪ ،‬إين أعارض كتبك أي االسدية – بكتب‬
‫سحنون ‪ ،‬فاين رجعت عن أشياء شلا رويتها عٍت "‪ .‬وادلدونة ىي أصل ادلذىب ادلالكي‬
‫وعمدة الفقهاء يف القضاء واإلفتاء وادلرجع روايتها على سائل األمهات وىي‬
‫األصل الثاين بعد ادلوطأ يف الفقو ادلالكي‪.34‬‬
‫وشلن اعتٌت بدراستها الفقيو ابن رشد يف كتابو الطويل ادلقدمات ادلمهدات لبيان ما اقتضتو‬
‫رسوم ادلدونة من األمهات الشرعية و التحصيالت احملكمات‪.35‬‬

‫‪663‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫‪-‬الواضحة‪ :‬وىي من أمهات مصادر الفقو ادلالكي ألفها عبد ادللك بن حبيب األندلسي‬
‫ت ‪ 238‬ىـ ‪ ،‬وقد تتلمذ لعبد اهلل بن احلكم وعبد ادللك ابن ادلاجشون بادلدينة ‪ ،‬وعاد‬
‫لقرطبة سنة ‪216‬ىـ ‪ ،‬و ذاع أمره فقربو األمَت إليو و انفرد بادلشاورة بعد ػلِت بن ػلِت‬
‫الليثي ‪ ،‬مث ألف كتابو الواضحة ‪ ،‬و يتميز عن ادلدونة باعتنائو باستخراج ادلعاين و بيان‬
‫األصول اليت قامت عليها الفروع ‪ ،‬و من مث كان مقصده ادلعاين دون احلكام بعكس‬
‫ادلدونة سحنون اليت عنيت بتصحيح الرواية‪ .‬وىو كتاب جليل القدر ‪ ،‬كبَت النفع ‪،‬‬
‫‪36‬‬
‫عظيم ادلنزلة يف قلوب الفقهاء ‪ ،‬وظل مرجعا أساسيا ذلم وقتا طويال من الزمن‬
‫‪ -.‬العتبية ‪ :‬و تسمى أيضا ادلستخرجة ‪ ،‬وىي امل الثالثة للمذىب و تتنسب إىل مؤلفها‬
‫زلمد بن امحد بن عبد العزيز العتيب ت ‪255‬ىـ و تلميذ سحنون و عبد ادللك‬
‫ادلاجشون ‪ ،‬يقول ابن فرحون ‪ :‬ولذلك مسيت بادلستخرجة ‪،‬ألنو استخرجها من األمسعة‬
‫(الواضحة ) اليت رويت عن اإلمام مالك بواسطة تالميذه ‪ ،‬وتالميذىم وقد أكثر‬
‫فيها من الروايات الغريبة وادلسائل الشاذة شلا جعل العلماء يقون منها مواقف‬
‫متباينة إذ ذمها قوم ومدحها قوم آخرون كنا ذكر ابن رشد ا ناىل األندلس اعتمدوا‬
‫على العتبية و ىجروا الواضحة‪.37‬‬
‫‪ -‬ادلوازية ‪ :‬و ىي األم الرابعة من مصادر الفقو ادلالكي ‪ ،‬ومؤلفها زلمد ابن إبراىيم بن‬
‫زياد االسكندراين ت ‪269‬ىـ ‪ ،‬وىو ادلعروف بان ادلواز ‪ ،‬وىو من فقهاء ادلذىب ٔتصر ‪،‬‬
‫ولقد رجحها القاضي عياض على غَتىا من األمهات لصحة مسائلها و بساطة أسلوهبا‪.‬‬
‫ثالثا‪ /‬مراحل تطور المذهب المالكي‬
‫من خالل استقراء ادلصادر التارؼلية يتضح لنا بأن ادلذىب ادلالكي مر يف تطوره‬
‫باألندلس ٔتراحل متتالية و متدرجة إىل أن حقق السيادة فيها و ؽلكن أن ضلدد ىذه‬
‫ادلراحل‪:38‬‬

‫‪663‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫‪-‬ادلرحلة األوىل ‪ :‬و ىي مرحلة نشر العلم يف القرن ‪2‬ىـ ‪ ،‬على اختيارات مالك الفقهية‪،‬‬
‫يف موطأه ‪ ،‬من احلديث ‪ ،‬و ىذه ادلرحلة ىي اليت توالىا مؤسسو ادلذىب ادلالكي‬
‫باألندلس ‪ ،‬من أمثال زياد بن عبد الرمحان و الغازي بن قيس ‪ ،‬و عيسي بن دينار ‪،‬‬
‫وػلِت بن ػلِت الليثي ‪.‬‬
‫و إننا لنذكر ىنا ‪-‬بإعجاب‪ -‬ما فعلو ىذا االخَت مـن تأسيسـو جمللـس شـورى العلمـاء ‪،‬‬
‫وىو خاص بفقهاء ادلالكية ‪ ،‬يتشاورون فيو و يتناظرون يف شؤون العلم ‪ ،‬وىـو أشـبو شـيء‬
‫يف عصرنا باجملامع العلمية‪.‬‬
‫ولقــد وجــدنا نصــا صــغَتا بــُت ثنايــا ترمجــة الفقيــو أبــو ادلطــرف عبــد الرمحــان بــن بشــر روايــة‬
‫لتلميذه ايب عبد اهلل عتاب ‪ ،‬قال ‪ :‬كنـا صلتمـع عنـده مـع شـيوخ الفتـوى يف ذلـك ‪ ،‬فيشـاور‬
‫يف ادلســالة ‪ ،‬فيختلف ــون فيه ــا‪ ،‬و ؼل ــالفون مذىب ــو ‪ ،‬ف ــال ي ـزال ػل ــاجهم و يس ــتظهر عل ــيهم‬
‫بالروايات و الكتـب حـىت ينصـرفوا و يقولـوا بقولـو‪ ،.39‬فقـد ذكـر القاضـي عيـاض يف ترمجتـو‬
‫للفقيو اسحاق بن ابراىيم بن مسرة ت ‪354‬ى ـ ـ أنو ‪ ":‬انو قـدم للشـورى علـى يـد القاضـي‬
‫ابــن ايب عيســى ‪ ،‬دل عليــو ويل العهــد ‪ ،‬يف عــدة اريــد ذلــا ‪ ،‬فكملــت عــدهتم إذ ذاك ســتة‬
‫عشــر مشــاورا ‪ .40‬و يرجــع كثــرة عــدد ادلشــاورين يف قرطبــة اىل كثــرة االعبــاء الــيت كــانوا‬
‫يكلف ــون هب ــا و ى ــي مش ــاورة قاش ــي اجلماع ــة ‪ ،‬واص ــحاب االحك ــام هب ــا وى ــم‪ :‬ص ــحاب‬
‫الش ــرطة ‪ ،‬وص ــاحب الس ــوق ‪ ،‬وص ــاحب ادلدين ــة ‪ ،‬ص ــاحب ال ــرد‪ ،‬وص ــاحب االحب ــاس ‪،‬‬
‫وصاحب ادلظامل ادلواريث‪. 41‬‬
‫ومن صالحية النظر يف الفتيا و النوازل و احلوادث الفقهية‪.‬ويف ىذه ادلرحلة انتشر‬
‫ادلذىب ادلالكي باألندلس و امتد يف أضلائها و ساد‪ ،‬فهي مرحلة االنتشار‪.‬‬
‫ومنهم القاضي منذر بن سعيد البلوطي ‪ :‬كان ال ؼلاف يف اهلل لومة الئم ‪ ،‬و وقف وقفة‬
‫مشهورة ‪ ،‬وىي وقفتو أمام عبد الرمحان الناصر الذي احتاج إىل شراء رلشر من أحباس‬

‫‪663‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫(أوقاف) ادلرضى لقرطبة دلقابلة ذلك دلنزىو وتأذيو برؤيتهم‪ ،‬وبذكر القاضي عياض ىاتو‬
‫القصة عند ترمجتو حملمد بن ػلي بن عمر بن لبابة‪(42‬ت‪331‬ىـ‪941/‬م) حيث قال‪":‬‬
‫يكٌت أبا عبد اهلل وكان من أحفظ زمانو للمذىب‪ ،‬عادلا بعقد الشروط‪ ،‬وبصَتا بعللها ولو‬
‫اختيارات يف الفتوى والفقو‪ ،‬ولو يف الفقو كتب مؤلفة‪ ،‬وىل قضاء البَتة والشورى بقرطبة‬
‫يف عهد الناصر‪ ،‬وقد رفع أىل البَتة عليو فعزل عنها‪ ،‬وعزل بعد ذلك عن الشورى وقد‬
‫رفع بعض العلماء عنو‪ ،‬فأمر بإسقاط منزلتو من الشورى‪ ،‬ومنعو أن يفيت فأقام عليو ذلك‬
‫وقتا‪ ،‬مث إن الناصر‪ ،‬احتاج إىل شراء اجملشر من أحباس ادلرضى بقرطبة عدة النهر‪ ،‬فتشكر‬
‫إىل القاضي ابن بقي فقال لو ابن بقي‪( 43‬ت‪324‬ىـ‪935/‬م)‪ :‬ال حيلة عندي‪ ،‬وىو‬
‫أوىل ْتفظ حرمو احلبس‪ ،‬فقال لو ‪ :‬تكلم مع الفقهاء فيو‪ ،‬وعرفهم رغبيت وما أبذلو من‬
‫أضعاف القيمة فيو‪ ،‬فلعلهم غلدوا يف ذلك رخصة فتكلم ابن بقي معهم ومل غلعلوا إليو‬
‫سبيال‪ ،‬وغضب الناصر عليهم‪ ،‬وأمر الوزراء بالتوجيو إليو إىل القصر وتوبيخهم‪ ،‬ففعلوا‪،‬‬
‫فلما وصلوا إىل بيت الوزارة بالقصر‪ ،‬وأفحش يف خطاهبم‪ ،‬وقال ذلم‪ :‬يقول لكم أمَت‬
‫ادلؤمنُت يا مشيخة السوء‪ ،‬يا مستحلي أموال الناس‪ ،‬يا آكلي أموال اليتامى ظلما‪ ،‬يا‬
‫شهداء الزور‪ ،‬يا آخذي الرشا وملقٍت اخلصوم‪ ،‬وملحقي الشرور‪ ،‬وملتبسي األمور‪،‬‬
‫‪44‬‬
‫وملتمسي الروايات إلتباع الشهوات‪ ،‬تبا لكم ولرأيكم‪"..‬‬
‫‪ -‬ادلرحلة الثانية ‪ ،‬و يف ىذه ادلرحلة برز فقهاء الطبقة الثانية ‪ ،‬أمثال قاسم بن اصبغ الذي‬
‫ألف كتابا طويال مساه اجملتٌت‪ ،‬قدمو للمستنصر ‪ ،‬كما ألف يف أحكام القرآن ‪ ،‬و من ىذه‬
‫الطبقة بقي بن سللد ‪ ،‬وقد نقل فقو مالك نقلة نوعية ‪ ،‬إذ مجع أحاديث ككثَتة ‪ ،‬وبوهبا‬
‫على طريقة أمحد بن حنبل يف مسنده ‪ ،‬و من أوجو االستنباط ‪ ،‬فكانت كتبو كتب‬
‫حديث و فقو ‪ ،‬و يف ىذه الطبقة غزرت التآليف ووضح ادلذىب ‪ ،‬فهي إذن مرحلة‬
‫اجلمع‪.‬‬

‫‪663‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫و انطلق ذلك كلو من خالل الدور الكبَت الذي كان يقوم بو ىؤالء الطالب الذين‬
‫تعرفوا على رؤية اإلمام مالك الفقهية ‪ٔ ،‬تا كانوا يقومون بو من تعليم من خالل الدروس‬
‫و الفتوى إتاه طالّب و رلتمع افريقية ‪ ،‬ومن تنقل عرب مناطق أفريقية و أربطتها إلشباع‬
‫حاجة الناس من أجل التفقو يف الدين ومن خالذلا كانت رؤية مالك الفقهية غالبة يف‬
‫الفتوى شلا جعلها األقرب إىل عقول اجملتمع ‪ ،‬مساعلُت يف ذلك بنشر ادلذىب ادلالكي يف‬
‫تشربوىا يف ادلشرق‬
‫بالد ادلغرب ‪ ،‬ومن أبرز ىؤالء الذين تعرفوا على رؤية مالك الفقهية و ّ‬
‫‪ ،‬و ش ّكلت ذلم قاعدة الفهم الفقهي‪. 45‬‬
‫‪ -‬ادلرحلة الثالثة ‪ :‬و ىي مرحلة التوسع يف االستنباط من القران ‪ ،‬و األحاديث ‪ ،‬و ؽلثلها‬
‫ابن عبد الرب الذي انشأ مدرسة التوسع يف االستنباط ‪ ،‬و سار على هنجو تالميذتو من‬
‫بعده ‪ ،‬و يظهر ىذا يف كتابو الشهَت التمهيد ‪ ،‬وكان كتابا واسعا مأله بالكالم على فقو‬
‫احلديث ‪ ،‬كما ألف الكايف يف الفقو ‪ ،‬على مذىب مالك ‪ ،‬وكتاب االستيعاب يف تراجم‬
‫الصحابة سبق ابن حجر العسقالين ‪ ،‬الذي ألف بعده كتاب التهذيب ‪ ،‬فهذه إذن‬
‫مرحلة التخصص ‪.‬‬
‫‪ -‬ادلرحلة الرابعة ‪ :‬و ىي مرحلة تقعيد قواعد ادلذىب و تأصيل أصولو و االىتمام بفقو‬
‫ادلقارنات ‪ ،‬وكان م ن فقهائها الشاطيب صاحب ادلوافقات و االعتصام ‪ ،‬و أبو الوليد‬
‫الباجي احملقق األصويل ادلالكي صاحبأصول األحكام ‪ ،‬وابن رشد الفقيو الذي ألف‬
‫كتاب بداية اجملتهد و هناية ادلقتصد يف فقو اخلالف ‪ ،‬و أوضح فيو أسباب اخلالف و‬
‫عللو و قواعده‪.46‬‬
‫ب‪-‬المذهب في عصر التقهقر ‪:‬‬
‫ؽلكننا أن ضلدد هناية القرن ‪6‬ىـ ‪ ،‬و ودخول القرن ‪7‬ىـ تاريخ التقهقر ادلذىب ادلالكي ‪ ،‬و‬
‫بداية مجوده ‪ ،‬ولقد كان من معامل ذلك ‪:‬‬

‫‪663‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫‪-‬الغلبة التامة للتقليد ‪ ،‬واختفاء روح اإلبداع االجتهاد‪.‬‬


‫‪-‬عدم االىتمام بعلم األصول و انكباب عامة الفقهاء على الفروع‪.‬‬
‫‪-‬االٕتاه إىل ادلختصرات ‪ ،‬أي باختصار ما ىو موجود من كتب ادلذاىب‪ ،‬وإنشاء‬
‫ادلنظومات الفقهية‪ ،‬مث القيام بشرحها ‪ ،‬و التعليق عليها على شروحها يف حواشي‬
‫الواضحة و العتبية بل ادلوطأ نفسو ‪ ،‬و االكتفاء برسالة أيب زيد و سلتصر خليل‪.‬‬
‫‪-‬تنامي روح التعصب ادلذىيب ‪ ،‬و العدوان على كل منتصب للتجديد ‪ ،‬و ىو ما سوف‬
‫نبسك الكالم فيو يف الصفحات ادلتتالية‪.‬‬
‫‪-‬إحدى مالمح ىذا االضلطاط الذي حلق بادلذىب ‪ ،‬و ىي قضية االختصار ‪ ،‬و‬
‫ادلقصود بو اختصار الكتب الفقهية ادلطولة ‪ ،‬و قد يكون ذلك عن طريق ادلنظومات‬
‫الفقهية ‪ ،‬وىذا األمر مل يكن يف الواقع بدعة أندلسية ‪ ،‬بل كان عاما للعامل اإلسالمي‪،‬‬
‫غَت انو سار يف وجهة غريبة ‪ ،‬و ىي االجتهاد يف مجع كثَت من ادلسائل الدقاق يف القليل‬
‫من األلفاظ‪ ،‬و دلا كانت السليقة العربية ‪ ،‬عند أىل تلك األمصار ‪ ،‬قد ضعفت ٖتول‬
‫ىذا الكالم إىل ادلختصرات ‪ ،‬إىل ما يشبو األلغاز ‪ ،‬فكان ادلؤلف مل يكتبو ليفهم بل‬
‫ليجمع‪.47‬‬
‫وقد نقل الشيخ العالمة زلمد اخلضر بك يف كتابو ادلربز (تاريخ التشريع اإلسالمي )‬
‫‪ ،‬ظلوذجا عن ىذا النوع من االختصار ‪ ،‬ننقلو عنو ‪ ،‬قال رمحو اهلل ‪ ":‬قال خليل يف‬
‫سلتصره ‪ ،‬يرفع احلدث و حكم اخلبث بادلطلق و ىو ما صدق عليو اسم ماء بال قيد و‬
‫إن مجع من ندى أو ذاب ب عد مجوده أو كان سؤر هبيمة أو حائض أو جنب أو فضلة‬
‫طهارهتا أو كثَتا خلط ّتنس مل يغَت شك يف مغَته ىل يضر أو تغَت ٔتجارة دىن الصق‬
‫أو بقطران ووعاء مسافر أو ٔتتولد عنو أو بقراره أو ٔتطروح ولو قصدا من تراب أو ملح و‬
‫األرجح السلب بادللح ال ٔتتغَت لونا أو طعما أو رػلا ٔتا يفارقو غالبا ‪ ،‬أو صلس كدىن‬

‫‪661‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫خالط أو ٓتار مصطلى و حكمو دلغَته ‪ ،‬و يضر بُت متغَت ْتبل سانية كغدير وروث‬
‫ماشية أو بئر يؤرق شجر أو تنب و األطهر يف بيئة البادية ذلما اجلواز و يف جعل ادلخالط‬
‫ادلوافق كادلخالف نظر ‪ ،‬و يف التطهَت ٔتاء جعل يف الفم قوالن ‪ :‬و كره مستعمل يف‬
‫احلدث و يف غَته تردد‪ ،‬و يسَت كآنية وضوء وغسل بنجس مل يغَت أو ولغ فيو الكلب و‬
‫راكد يغتسل فيو وسؤر شارب مخر وما ادخل يده فيو‪ ...‬و إن زال تغَت لنجس ال بكثره‬
‫مطلق فاستحسن الطهورية و عدمها أرجح و قبل خرب الواحد أن بُت وجهها أو اتفقا‬
‫‪48‬‬
‫مذىبا ‪ ،‬إال فقد يستحسن تركو وورود ادلاء على النجاسة كعكسو‪."...‬‬
‫فهذا ظلوذج لالختصار ادلخل ‪ ،‬الركيك يف لفظو الغامض يف معناه ‪ ،‬و ىكذا كان‬
‫طلبة العلم ‪ ،‬غلتهدون يف اكتساب معارفهم من ىذا النوع من ادلختصرات وكذا‬
‫ادلنظومات ‪ ،‬فال عجب بعد ذلك أن اختفى يف األجيال الالحقة أمثال ابن عبد الرب و‬
‫ابن العريب و الباجي إذ ال ؽلكن للمناىج مؤسسة على ىذا الضرب من الفجاجة و‬
‫الرداءة ان تنتج لنا مثل ىؤالء الفطاحل‪.‬‬
‫و ملمح آخر من ىذا االضلطاط ىو عدم االىتمام باخلالف ‪ ،‬و نشأ من ذلك علم‬
‫يسمى بعلم اخلالفيات ‪ ،‬كان ول نشوئو بادلشرق و قد نقل لنا ذلك إىل األندلس فزاد‬
‫من نشاط أصحاهبا يف البحث و الناظرة ‪ ،‬ونشأت ادلناظرة بتطور علة اخلالفيات يف‬
‫األندلس أسواق ‪ ،‬حىت حكم بعضهم على أهنم كانوا كثَتا ما يتناظرون يف رلالس‬
‫الغواء‪.49‬‬
‫و يف ظل تطور ىذا الوضع نشأ سلوك ال ؼلدم العلم ‪ ،‬بقدر ما يكرس التعصب و‬
‫اجلمود و التقهقر‪.‬‬
‫وطلتم ما قالو أمحد أمُت ‪ ":‬و قد رأينا أن تاريخ العلم كتاريخ األفراد ‪ ،‬لو صبا و‬
‫شيخوخة ورىم ‪ ،‬فالم انتهى ىؤالء األعالم ‪ ،‬كابن حزم و الباجي و النب العريب ‪ ،‬وصل‬

‫‪633‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫العلم إىل دور اذلرم ‪ ،‬فأصبح كالرجل اذلرم ‪ ،‬ال يقوى على ادلسَت ‪ ،‬حىت انتهى الفقو‬
‫"‪.50‬‬
‫رابعا‪/‬المذهب المالكي في وجه العواصف‬
‫مل تكن الساحة األندلسية صافية رائقة ‪ ،‬على الدوام للمذىب ادلالكي ‪ ،‬و ألصحابو‬
‫فلقد مرت عليو ‪ ،‬و على أصحابو سنة االبتالء على مدار التاريخ‪.‬‬
‫غَت أننا يف ىذا ادلبحث ‪ ،‬وقبل أن نتعرض لو بالدراسة ‪ ،‬نود أن نقف على واحدة‬
‫من أىم خصائص األندلس يف عالقتها بادلذىب ‪ ،‬وىي خلوصها لو دون غَتىا تقريبا ‪،‬‬
‫و تعلق أىلها بو ‪ ،‬تعلقا تعدى حدود القناعات إىل التعصب الشديد الذي حوذلا إىل‬
‫قلعة حصينة ضد أي ٕتديد ‪ ،‬ولو كان يف قوة إقبالو كالعواصف العاتية ‪ ،‬فجدير بنا أن‬
‫نقف أوال على ىذه النقطة ‪ ،‬لنرى ما ورائها‪.‬‬
‫أ‪-‬تعصب األندلسيين للمذهب المالكي ‪:‬‬
‫التعصب ىو التشدد يف ادلتابعة ‪ ،‬و اجلمود عليها دون دليل ‪ ،‬و ٗتطئة ادلخالفُت ‪،‬‬
‫دون معرفة وجهات نظرىم‪ ،‬وقد شاع ىذا السلوك يف العلم اإلسالمي يف إعصاره األخَتة‬
‫‪ ،‬بل إن بداياتو كانت يف القرنُت ‪5-4‬ىـ‪.‬‬
‫و مل يلبث أن سرى التعصب ادلذىيب يف العال اإلسالمي سريان النار يف اذلشيم ‪،‬‬
‫حيث كانت الصالة تقام يف ادلسجد الواحد أربع مرات ‪ ،‬بأربع مجاعات صالة لكل‬
‫مذىب‪ ...‬وحىت بلغ األمر يف آخر عصور االضلطاط ‪ ،‬أن سئل احد ادلفتُت األحناف ‪،‬‬
‫ىل غلوز للحنفي أن يزوج شافعية ‪ ،‬فقال ‪ :‬ال يصح‪ ...‬ألهنا تشك يف إؽلاهنا ‪،‬‬
‫فالشافعية غليزون أن يقول ادلسلم ‪ :‬أنا مؤمن إن شاء اهلل ‪ ،‬وىذا يدل على عدم تيقنها‬
‫من إؽلاهنا ‪ ،‬و اإلؽلان البد فيو من اليقُت‪.51‬‬

‫‪639‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫ولقد كان لألندلسيُت نصيبها من ىذا اجلمود و التعصب ادلذىيب ‪ ،‬و ىذا بشكل‬
‫مبكر ‪ ،‬ولقد رأينا قصة بقي بن سللد حينما أراد أن يدخل أشياء من التجديد يف مناىج‬
‫العلم ‪ ،‬دون أن غلاوز ادلذىب ادلالكي ‪ ،‬إذ وصف الشاطيب ما حدث مع ادلقلدة كما‬
‫وصفهم الشاطيب ‪ ،‬قال ‪ :‬و لقد لقي اإلمام بقي بن سللد حُت دخل األندلس آتيا من‬
‫االمرين ‪ ،‬حىت اصاروه مهجور ِ‬
‫الفناء ‪ ،‬مهتضم اجلانب "‪.52‬‬ ‫ادلشرق ىذا الصنف َّ‬
‫واسوا مظاىر التعصب ‪ ،‬ىو تعصب العامة ‪ ،‬اذ ىو متعصب جاىل ‪ ،‬ال إثارة من علم‬
‫معو ‪ ،‬وىذا ما أصاب األندلس ‪ ،‬و من صور ىذا ان العامة كانوا ػلضرون مناظرات‬
‫الباجي ادلالكي ‪ ،‬مع ابن حزم الظاىري ( و سنبسط القول أكثر يف ادلطلب الثاين ) ‪،‬‬
‫فإذا غلب الباجي ىلل العامة وكربوا ‪ ،‬فان غُلب ابن حزم سكتوا‪ ...‬وْتسبك من ىذا‬
‫جوا قاتال للتجديد و لإلبداع‪.‬‬
‫ب‪-‬أولى العواصف ‪ :‬انتشار المذهب الظاهري باألندلس‬
‫ادلذىب الظاىري احد ادلذاىب الفقهية اليت عرفها ادلسلمون ‪ ،‬و ؽلتاز باعتماده على‬
‫ظاىر النصوص من الكتاب و السنة ‪ ،‬فهو يأخذىا كما ىي ‪ ،‬ال يرتضي ذلا تعليال ‪ ،‬اال‬
‫إذا وردت علة النص معو ‪ ،‬أو جاء اإلمجاع دليال عليها‪ .‬و مل يكن ابن حزم الظاىري‬
‫األندلسي أول من انتحل ىذا ادلذىب ‪ ،‬فقد سبقو اليو داود بن علي ادلكٌت بايب سليمان‬
‫ادلولود بالكوفة سنة ‪202‬ىـ الذي كان شافعيا ‪ ،‬مث انتحل لنفسو ىذا ادلذىب ‪ ،‬و ىو‬
‫يرتضي القياس الن القياس يف نظره يسرف يف تعليل األحكام ‪ ،‬وىو ما ال يرتضيو‪.‬‬
‫و قد بقي ذلذا ادلذىب أنصار و أتباع منذ القرن ‪ 3‬ىـ ‪ ،‬و لكن من أبرزىم ابن‬
‫ادلغلس ت ‪ 324‬ىـ ‪ ،‬حىت كاد أن ينقرض لوال تبٍت ابن حزم األندلسي لو وإحياؤه بعدما‬
‫عفت معاملو‪.53‬‬

‫‪632‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫و ابن حزم من العلماء األندلس يف القرن ‪5‬ىـ ‪ ،‬كان واسع االطالع قوي النفس يف‬
‫اجلدل ‪ ،‬يهاجم من ؼلالفو ‪ ،‬وكان نابغة يف علوم عدة منها احلديث ‪ ،‬و أصول الفقو ‪،‬‬
‫و األدب ‪ ،‬ومقارنات بُت ادلذاىب و الفرق و يف ادلنطق و الفلسفة و علم الكالم‪.‬‬
‫و قد كان شافعيا أول أمره ‪ ،‬و ىذا يدل على خروجو ادلبكر عن إمجاع أىل األندلس‬
‫على مذىب مالك ‪ ،‬مث انتقل إىل ادلذىب الظاىري بتأثَت من أستاذه أيب اخليار ‪ ،‬وقد قد‬
‫بُت ابن حزم أصول مذىبو بالتفصيل يف كتابو اإلحكام يف أصول األحكام‪.‬‬
‫و قد دافع ابن حزم عن مذىبو حىت مات ‪ ،‬واحتاج ابن حزم إىل علم احلديث فأتقنو‬
‫و برع فيو ‪ ،‬و قد اتبعو كثَتون يف األندلس يف مذىبو ‪ ،‬ويف صفاتو ‪ ،‬و خرجوا عن‬
‫مذىب مالك ‪ ،‬و ضاق بو أىل األندلس ذرعا ‪ ،‬وأنكروا عليو صراحتو ‪ ،‬و أعلنوا احلرب‬
‫على كتبو ‪،‬حىت بلغ هبم الغي ضان احرقوا كتبو يف اشبيلية ‪ ،‬بعدما مجعت من أقطار‬
‫‪54‬‬
‫األندلس ‪ ،‬فأعاد ابن حزم تأليفها من جديد‪"...‬‬
‫و تصدى لو معارضو زعيم ادلالكية يف ذلك العهد أبو الوليد الباجي و كان بينهما‬
‫مناظرات و مساجالت ‪ ،‬ينتصر فيها ىذا مرة و اآلخر أخرى ‪ ،‬و استطاع ادلذىب‬
‫الظاىري بقوة صاحبو ان ينتشر يف األندلس ‪ ،‬خصوصا بعد أن دعمتو دولة ادلوحدين ‪،‬‬
‫بعد وفاة ابن حزم ‪ ،‬اليت كان ابن تومرت زعيمها الروحي مقتنعا بادلذىب الظاىري كارىا‬
‫للمالكيُت‪.‬‬
‫حىت جاء بعد قرن تقريبا من ذلك الفقيو ادلالكي أبو بكر بن العريب صاحب أحكام‬
‫القران ‪ ،‬وكان ذا عقلية علمية جبارة ‪ ،‬و قد تتلمذ على الغزايل ‪ ،‬فتصدى ذلذا ادلذىب ‪،‬‬
‫و كان حبا على الظاىرية‪.‬‬
‫و ننقل هبذا الصدد من قول أمحد أمُت ‪ :‬كالما الن العريب يف معرض نقده للظاىرية‬
‫و ابن حزم ‪ ،‬يقول و الكالم البن العريب ‪ ":‬وكان أول بدعتو لقيت يف رحليت –أي إىل‬

‫‪636‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫ادلشرق –القول بالباطن ‪ ،‬فلما عدت وجدت القول بالظاىر قد مالء بو ادلغرب سخيف‬
‫كان من بادية اشبيلية يعرف بان حزم ‪ ،‬نشا و تعلق ٔتذىب الشافعي ‪ ،‬مث انتسب إىل‬
‫داود ‪ ،‬مث خلع الكل ‪ ،‬وانتقل بنفسو ‪ ،‬وزعم انو إمام األمة ‪ ،‬يضع ويرفع ‪ ،‬و ػلكم و‬
‫يشرع ‪ ،‬و ينسب إىل دين اهلل ما ليس فيو ‪ ،‬ويقول عن العلماء ما مل يقولوا ‪ ،‬تنفَتا‬
‫للقلوب‪ ،‬عضدتو الرياسة ‪ ،‬فحُت عودي من الرحلة ‪ ،‬ألفيت حضريت منهم طافحة ونار‬
‫ضاللتهم الفحة" ‪.55‬‬
‫وىذا التح امل من أيب بكر على ابن حزم و مذىبو ‪ ،‬وان كان فيو من التجٍت ما ىو‬
‫جلي‪ ،‬كوصفو بالسخف وىو غَت صحيح ‪ ،‬إال انو يدلنا على ما أصبحت عليو األندلس‬
‫عند انتشار ادلذاىب الظاىري ‪ ،‬و مقدار الشحناء اليت أصبحت بُت عامة ادلالكية و‬
‫أتباع ابن حزم‪.‬‬
‫على أن غضب علماء ادلالكية على ابن حزم و أتباعو ال يعود فقط إىل ابتداعو‪ ،‬ذلذا‬
‫ادلذىب بل األمر صلة وثيقة بطبيعة ابن حزم و صفاتو الشخصية فهو إىل جانب علمو‬
‫الغزير الذي وصفو ابن حيان فقال ‪ :‬كان إذا حرك بالسؤال ينفجر معو ْتر علم ال‬
‫تكدره الدالء"‪.56‬‬
‫كما وصف و الذىيب يف سَت العالم النبالء ‪ :‬وكان إليو ادلنتهى يف الذكاء و حدة الذىن‬
‫‪ ،‬و سعة العم بالكتاب و السنة ‪ ،‬و ادلذاىب و ادللم و النحل ‪ ،‬و العربية ‪ ،‬و اآلداب و‬
‫ادلنطق و الشعر ‪ ،‬مع احلدث و الديانة و احلشمة ‪ ،‬و السؤدد و الرياسة و الثروة "‪ .‬إىل‬
‫جانب ىذا كانت لو طبيعة حادة يف التعامل مع ادلخالفُت من العلماء لرأيو ‪ ،‬فابن حيان‬
‫الذي امتدح علمو ‪ ،‬عاب عليو أسلوبو حينما قال ‪ :‬انو يصك معارضو صك اجلندل "‪،‬‬
‫فكان ال يأبو ٔتن يعارضو عظيما أو غَت عظيم ‪ ،‬مبجال أو غَت مبجل ‪ ،‬كاألشعري و أيب‬
‫حنيفة و مالك و غَتىم‪.‬‬

‫‪633‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫ومن األقوال الشائعة أن قلم ابن حزم كسيف احلجاج ‪ ،‬كالعلا ماض و حاد ‪ ،‬و قد‬
‫اعتذر يف بعض كتبو عن حدتو ‪ ،‬بأهنا كانت ترجع إىل مرض يالزمو‪.‬و لقد وصف‬
‫الذىيب ىذه الطبيعة احلادة عنده فقال ‪ :‬و قد امتحن ىذا الرجل وشدد عليو ‪ ،‬و شرد‬
‫من وطنو ‪ ،‬و رجت عليو أمور لطول لسانو ‪ ،‬و استخفافو بالكبار ووقوعو يف أئمة‬
‫االجتهاد ‪ ،‬بأقبح عبارة ‪ ،‬و أفظ زلاورة وامنع رد‪.‬‬
‫ونكتفي هبذه النماذج من أراء العلماء فيو و توصيفات ادلؤرخُت ‪ ،‬ويكاد يكون إمجاع‬
‫ادلؤرخُت تاما ٓتصوص ىذه الناحية من شخصيتو ‪ ،‬و قد كان من وراء رد الفعل العنيف‬
‫على مذىبو يف األندلس ‪ ،‬و على شخصو أيضا فقد شرد و صودر و نفي ‪ ،‬و اضطهد‪،‬‬
‫و صرب و احتسب ‪ ،‬ومل ؼلالف مذىبو قيد أظللو‪.‬‬
‫وكان ىذا األسلوب من طرفو يف إثبات وجود مذىبو قاضيا على ىذا ادلذىب ‪ ،‬رغم‬
‫تبٍت دولة ادلوحدين لو ردحا من الزمن ‪ ،‬قبل أن ينقلب عليو إدريس ادلأمون ليعيد الدولة‬
‫إىل كنف اجمل د ادلالكي من جديد ‪ ،‬وىكذا مرت أوىل العواصف على ادلذىب ادلالكي‬
‫باألندلس ‪ ،‬و لقد كانت عاتية فعال‪ ...‬و لكن ادلذىب خرج من تضاعيفها منتصرا‪.‬‬
‫ج‪-‬ثاني العواصف ‪ :‬الموحدون و خذلهم للمذهب المالكي‬
‫يف سنة ‪ 540‬ىـ قامت دولة ادلوحدين بادلغرب ‪ ،‬و كانت كما يعرف عنها دولة‬
‫مذىبية بامتياز‪ ،‬فقد كانت من اختيارات زعيمها الروحي ادلهدي زلمد بن تومرت ‪،‬‬
‫إحياء عقيدة السلف يف األمساء و الصفات ‪ ،‬و التمذىب ٔتذىب الظاىري يف الفقو ‪،‬‬
‫وطرح ادلذاىب الفقهية األخرى و يف مقدمتها ادلذىب ادلالكي‪.‬‬
‫و قد جاء أخالف ابن تومرت فيما بعد ‪ ،‬ويف مقدمتهم عبد ادلؤمن بن علي فشرعوا‬
‫يف ٕتسيد ىذا على ارض الواقع ‪ ،‬مع ما يكلفهم ىذا من الناحية السياسية خاصة مع‬
‫عامة الرعية ‪ ،‬شلا يدل داللة بينة على طبيعة ادلذىبية الصارمة للدولة‪.57‬‬

‫‪633‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫ففي سنة ‪550‬ىـ أمر عبد ادلؤمن بن علي ادلوحدي بإحراق كتب الفروع من ادلذىب‬
‫ادلالكي ‪ ،‬فخافو الفقهاء ‪ ،‬وأمر مجاعة شلن كان عنده من العلماء ّتمع األحاديث من‬
‫ادلصنفات العشرة ادلشهورة و ىي الصحاح و ادلسانيد ‪ ،‬ونشر ىذا اجملموع يف ادلغرب و‬
‫األندلس‪.‬و يروى يف ىذا الشأن امحد أمُت عن مؤرخي تلك احلقبة ىذا اخلرب ‪ ،‬قال‬
‫‪:‬بعضهم ‪ :‬دلا دخلت على أمَت ادلؤمنُت يعقوب و جدت بُت يديو كتاب ابن يونس ‪،‬‬
‫وىو من كتب الفقو ادلالكي ‪ ،‬فقال يل يا أبا بكر أن انظر يف ىدده اآلراء ادلتشعبة اليت‬
‫أحدثت يف دين اهلل ‪ ،‬فادلسالة الواحدة على أربعة أقوال أو مخسة أو أكثر ‪ ،‬فأي ىذه‬
‫األقوال ىي احلق ‪ ،‬و أيها غلنب أن يأخذ هبا ادلقلد ‪ ،‬يا أبا بكر ؟ ليس إال ىذا و أشار‬
‫‪58‬‬
‫إىل ادلصحف أو ىذا وأشار إىل سنن أب ـ ـ ـي داود ‪ ،‬أو ىذا و أشـ ـ ـار إىل الس ـ ـ ـ ـيف "‪.‬‬
‫و أمر الفقهاء أال يفتوا إال من الكتاب و السنة ‪ ،‬و أال يقلدوا أحدا ‪ ،‬بل تكون‬
‫أحكامهم باالجتهاد ‪ ،‬و سار الناس على ىذه الطريقة ‪ ،‬وكان من ىؤالء الفقهاء ابن‬
‫أيب اخلطاب و زلي الدين بن العريب و غَتعلا ‪ ،‬وبذلك نصر ادلوحدون مذىب الظاىرية و‬
‫منهم ابن حزم ‪.‬‬
‫و يبدو أن ىذا العمل بلغ أوجو خالل العهد ادلوحدي يف زمن ادلنصور أيب يعقوب‬
‫أكثر شلا حدث قبلو ‪ ،‬وتؤكد ىذا رواية عبد الواحد ادلراكشي ‪ ":‬و يف عهده –اي يف‬
‫عهد أيب يوسف يعقوب – ‪1198-1184‬م انقطع علم الفروع و أمر بإحراق كتب‬
‫ادلذىب بعد أن غلرد ما فيها من حديث رسول اهلل ‪ ،‬و آي القرآن ‪ ،‬ففعل ذلك فاحرق‬
‫منها مجلة يف سائر البالد كمدونة سحنون و كتاب ابن يونس و النوادر أيب زيد وسلتصر‬
‫خليل ‪ ،‬وواضحة ابن حبيب و ما جانس ىذه الكتب و ضلا ضلوىا‪.59‬‬

‫‪633‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫و كان قصده على اجلملة زلو مذىب مالك ‪ ،‬وإزالتو من ادلغرب (و معها األندلس‬
‫مرة واحدة )‪ ،‬و محل الناس على الظاىر من احلديث و الرقان ‪ ،‬وىذا ادلقصد بعينو ‪،‬‬
‫كان مقصد أبيو و جده ‪ ،‬إال أهنما مل يظهرا إال ما أظهره يعقوب ادلوحدي ىذا‪.‬‬
‫لكن ىذا الصنيع – الثوري يف طبيعتو – مل يتقبلو أىل األندلس و رفضوه ‪ ،‬وانذرات‬
‫األوضاع بانقالب االمورعلى ادلوحدين يف عدوة األندلس ‪ ،‬إذ ثارت أصقاع كثَتة يف‬
‫األندلس ‪ ،‬و انتفضت مدن عديدة على رأسها اشبيلية اليت طرد أىلها وايل ادلوحدين‬
‫منها ‪ ،‬وولوا عليهم القاضي الفقيو امحد الباجي ابن أيب الوليد الباجي ‪ ،‬وىو الذي والده‬
‫كان خصما عنيدا للظاىرية ‪ ،‬وإمامهم ابن حزم‪.‬‬
‫و قد بقي األمر على ىذا النحو بُت شد وجذب ومد وجزر ‪ ،‬حىت كان سنة ‪624‬ىـ‬
‫عند تويل اخلليفة الثامن من ملوك الدولة ادلوحدية‪ ،‬و ىو إدريس ادلأمون فاحدث انقالبا‬
‫مذىبيا يف الدولة ‪ ،‬وعارض صراحة مذىب أبائو ادلوحدين ‪ ،‬واكر مهداوية ادلهدي و‬
‫ادعائو العصمة ‪ ،‬وأمر يف مج يع البالد ٔتحو اسم ادلهدي من النقود وال يذكر يف خطبة‬
‫اجلمعة كما يقول ابن خلدون‪.‬‬
‫و ىكذا فان مسلك إدريس ادلأمون كان سبيال لعودة مذىب مالك بادلغرب و‬
‫األندلس ‪ ،‬وكان يف ذلك إرضاء لعامة األندلس ‪ ،‬و مجاىَتىم ‪ ،‬مث جاءت من بعدىم‬
‫دولة بٍت مرين فعادت عودة قوية إىل ادلذىب ادلالكي شلا دعم صروح ادلذىب مرة أخرى‪.‬‬
‫وىكذا مرت ىذه العاصفة القوية اليت امتحنت ثبات ادلذىب ادلالكي ‪ ،‬وترسخ جذوره ‪،‬‬
‫وخرج ادلذىب منتصرا من جديد ( كما فصلناه سابقا )‪.‬‬
‫خاتم ـ ـة‬

‫وبعد فهذه ملحمة تارؼلية داوية حقا ‪،‬ىذه الذي اكتشفناىا من خالل عصورىا‬
‫ادلنصرمة ‪ ،‬رحلة ادلذىب ادلالكي عرب العصور يف فردوس ادلسلمُت ادلفقود األندلس ‪.‬‬

‫‪633‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫والن كان ْتثنا ىذا ادلختصر‪ ،‬غَت شامل لكل تاريخ ادلذىب ادلالكي باألندلس لتعذر‬
‫ذلك ‪ ،‬فإننا برغم ذلك ؽلكننا أن طللص من خالل اسطره إىل نتائج بالغة األعلية ‪ ،‬من‬
‫أبرزىا‪:‬‬
‫‪-‬ان أئمة ادلذىب باألندلس كانوا حقا من الرواد األوائل للمذىب ادلالكي عموما ‪،‬‬
‫فحفظوا ادلوطأ و رووه‪ ،‬و ساعلوا يف ازدىار احلركية العلمية للمذىب ‪ ،‬ويكفي أن اثنتُت‬
‫من أمهات مصادر ادلذىب كانتا أندلسيتُت بال منازع‪ ،‬ويتعلق األمر بالعتبية و الواضحة‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬إن ادلذىب ادلالكي بفضل األندلس تطور يف فروعو و أصولو وان ادلدرسة األندلسية‬
‫جعلت ادلذىب ادلالكي صرحا بُت ادلذاىب بفضل علمائها وجهابذهتا ‪.‬‬
‫‪ -‬أن ادلذىب ادلالكي وجد يف ارض األندلس أرض خصبة خالية من ادلزامحُت فتمكن‬
‫وٕتذر ‪ .‬كما كان احلصن الذي اعتصم بو أىل بالد ادلغرب حينما دعلتهم حركات‬
‫اخلوارج و الفوراق السياسية ‪ ،‬و السياج الذي صان اجملتمع اإلفريقي من التفرد و التبدد‬
‫يف تلك العصور اليت ٕتاذبتو خالذلا مطامع العرب احملليُت أو الواردين من الشرق ‪ ،‬و‬
‫مطامع العبيديُت الذين كادوا بدعوهتم ادلذىبية السياسية أن يزيلوا كيان ادلغرب كلو من‬
‫أحواز قفصة إىل ساحل األطلس ‪ ،‬و كيف أصبح ىذا ادلذىب ( قومية ) مغربية ‪ ،‬فمن‬
‫كان مالكيا قبلتو اجلماعة اإلفريقية ‪ ،‬ومن مال إىل غَتىا نبذتو و عادتو ‪ ،‬و من آزر‬
‫ػلل للناس طرده من رلتمعهم أو‬
‫ادلالكية ورجاذلا فهو صديق ‪ ،‬و من عاداىا فهو عدو ّ‬
‫قتلو )‪.60‬‬
‫‪ -‬من أكثر ادلذاىب الفقهية السنية اليت القت توسعا و انتشارا مع الفرق بينها من حيث‬
‫التوسع و االنتشار أيضا ‪ ،‬و أن التجاذب ادلستمر بينهما خلص يف هناية ادلشهد مع‬

‫‪633‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫توسعو فيها حىت اكتست يف‬‫هناية القرن اخلامس اذلجري إىل سواد ادلذىب ادلالكي و ّ‬
‫رلملها حلّتو وأصبح يشكل ميزة للوحدة يف ىذه البالد ‪.‬‬
‫‪ -‬أما انتشار ادلذىب ادلالكي يف بالد ادلغرب عموما و ادلغرب األوسط خصوصا‪،‬‬
‫وٕت ّذره فيها فقد أملتو عوامل متعددة مثلما ذكرنا ‪ ،‬لكن ىناك عامل مهم كثَتا ما تغفل‬
‫مهدت ذلا مرحلة ما قبل انتشار ادلذاىب‬ ‫الدراسات عنو أال و ىو تلك البيئة الفكرية اليت ّ‬
‫رسخو الصحابة و‬ ‫الفقهية و اليت انتشر و ساد فيها رأي أىل احلديث من خالل ما ّ‬
‫التابعُت و العلماء الذين جاءوا عرب البعثات العلمية ادلتتابعة إىل بالد ادلغرب ‪ ،‬ويعد ىذا‬
‫تطورت إىل مذىب‬ ‫الواقع مناخ فكري مالئم لتقبل رؤى اإلمام مالك الفقهية و اليت ّ‬
‫مهدت النتشار ادلذاىب الفقهية‬
‫فقهي يتّبع ‪ ،‬وقد أشار ادلقريزي إىل تلك البيئة اليت ّ‬
‫حينما قال ‪ (:‬و كانت أفريقية الغالب عليها السنن و اآلثار) ‪ ،‬لذلك فإن احلديث عن‬
‫انتقال ادلذىب ادلالكي و انتشاره و ٕت ّذره يف بالد ادلغرب مل يكن بُت عشية و ضحاىا‬
‫بل جاء عرب فًتات و زمن طويل بناء على ادلتغَتات و ادلستجدات اليت تطرأ على ىذه‬
‫البالد خاصة ما تعلق باجلاين السياسي‪.‬‬
‫‪-‬ساعلت مدرسة مالكية ادلغرب األوسط يف تثبيت مقومات ادلذىب ادلالكي ‪ ،‬فظهر‬
‫رجاالهتا ادلشهورين ‪ ،‬فكان منهم الونشريسي الذي ارتبطت شهرتو بكتاب ادلعيار ادلغرب‬
‫واجلامع ادلعرب عن فتاوى أىل إفريقية واألندلس وادلغرب ‪ ،‬الذي يعترب أبرز كتب‬
‫الونشريسي ‪ ،‬وقد مجع فيو النوازل الفقهية يف شكل أبواب تتصل بتعامل األفراد وفهم‬
‫شؤون اجملتمع ‪ ،‬وقد أثار فيو مسائل ثقافية وعقائدية مثل التعليم والقضاء والتصوف‬
‫والسلوك واالجتهاد وادلعاملة وغَتىا ‪ ،‬ومل يهمل الواقع ادلعايش الذي يتصل باللباس‬
‫والطعام والشراب وادلسكن وما يتعلق باألفراح واألقراح ‪ ،‬والغرض منو احملافظة على الًتاث‬
‫الفقهي لرجال القضاء واإلفتاء والتشريع‪.‬‬

‫‪631‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫‪-‬ساعلت السلطة يف التمكُت للمذىب على الساحة ادلغربية رمسيا و شعبيا ‪ ،‬فوجد يف‬
‫أرض الغرب األوسط خصوصا أرضا خصبة ‪ ،‬خالية من ادلزامحُت ‪ ،‬فتمكن و ٕتذر‪،‬‬
‫فنجد أن ادلعز ابن باديس الصنهاجي الذي حكم بُت سنوات ( ‪ 406‬ـ ـ ‪454‬ه‪/‬‬
‫‪ 1016‬ـ ـ ‪1062‬م ) ‪ ،‬ىو الذي محل مجيع أىل ادلغرب على التمسك ٔتذىب اإلمام‬
‫مالك رضي اهلل عنو‪.‬‬
‫و أخي ـ ـ ـرا فان ارتباط العامل اإلسالمي ببعضو البعض حضاريا و فكريا ‪ ،‬جعل من‬
‫فينحط كنتيجة ذلذا الوضع العلمي‪،‬‬
‫موجة االضلطاط العملي ‪ ،‬تبلغ شواطئ ادلغرب ‪َّ ،‬‬
‫ويتقهقر ادلذىب ‪ ،‬ويفقد إشعاعو ‪ ،‬وقدرتو على اإلبداع ‪ ،‬و ينكفئ على نفسو يف هناية‬
‫ادلطاف ‪.‬‬
‫هوامش الدراس ـة ‪:‬‬

‫‪- 1‬أمحد أمُت ‪ ،‬ظهر االسالم ‪ ،‬دار الكتاب العريب ‪ ،‬بَتوت ‪ ،‬دت ‪،‬ج‪ ،3‬ص‪111‬‬
‫‪ -2‬حسسن مؤنس ‪ ،‬فجر األندلس ‪ ،‬ط‪ ،2‬دار السعودية للنشر ‪1985 ،‬‬
‫‪- 3‬نفس ادلرجع ‪ ،‬نفس الصفحة‬
‫‪-‬انظر كتب الًتاجم األندلسية اليت توضح ىاتو الطوالع مثل الصلة البن بشكوال ‪ ،‬تاريخ العلماء‬
‫‪4‬البن الفرضي وغَتىا‬
‫‪- 5‬داودي مصطفى ‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 214‬زلمدأبوزىرة‪ ،‬تاريخ ادلذاىب االسالمية‪ ،‬دار الفكر‬
‫العريب‪ ،‬القاىرة ‪ ،‬دت‪،‬ص‪14‬‬
‫‪ - 6‬عياض ‪ ،‬ادلصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ .18‬مصطفى داودي ‪ ،‬ادلرجع السابق ‪ ،‬ص‪214‬‬
‫‪ - 7‬يوسف بن أمحد حوالة ‪ ،‬ادلرجع السابق ‪ ،‬ج ‪ ،‬ص‪277‬‬
‫‪ - 8‬عمر اجليدي ‪ ،‬مباحث‪ ،‬ص ‪35-30‬‬
‫‪ - 9‬زلمد فاروق النبهان ‪،‬أْتاث اسالمية يف التشريع والفكر واحلضارة ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪،‬‬
‫ص‪ .231.‬مصطفى داودي ‪ ،‬ادلرجع السابق ‪ ،‬ص‪219‬‬

‫‪633‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫‪ - 10‬الونشريسي ‪ ،‬ادلعيار ادلعرب و اجلامع ادلغرب عن فتاوى أىل افريقية و األندلس و ادلغرب ‪،‬‬
‫ٖتقيق زلمد حجي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي ‪ ،‬بَتوت ‪ ، 1981 ،‬ج‪ ، 2‬ص‪ . 169.‬صحراوي‬
‫خلوايت ‪،‬أسباب انتشار ادلذىب ادلالكي بادلغرب االسالمي ‪ ،‬رللة الفقو و القانون ‪ ،‬ادلغرب‪ ،‬ص‪.3.‬‬
‫مصطفى داودي ‪ ،‬ادلرجع السابق ‪ ،‬ص‪219‬‬
‫‪ - 11‬مصطفى داودي ‪ ،‬ادلرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .219‬ابن خلدون ‪ ،‬ادلصدر السابق ‪ ،‬ص ‪568‬‬
‫‪ - 12‬يوسف بن أمحد حوالة ‪ ،‬ادلرجع السابق ‪ ،‬ص‪296‬‬
‫‪ - 13‬نفس ادلرجع ص‪119‬‬
‫‪ - 14‬عبد العزيز اجملذوب ‪ ،‬ادلرجع السابق ‪ ،‬ص ‪37‬‬
‫‪ - 15‬عبد اهلل نصر العلوي ‪ ،‬ادلرجع السابق ‪ ،‬ص‪79‬‬
‫‪ - 16‬مصطفى داودي ‪ ،‬ادلرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .218‬زلمد الروكي ‪ ،‬ادلرجع السابق ‪ ،‬ص‪ 16.‬وما‬
‫بعدىا‬
‫‪ْ - 17‬توث ادللتقى الوطٍت بادرار ‪ ، 11/ 10 ،‬ص ‪1431 ،‬ىــ‪ 23 .24 /.‬جوان ‪، 2010‬‬
‫الفقو ادلالكي يف بالد توات‪ ،‬ادرار ‪ ،‬ص ‪15.14‬‬
‫‪- 18‬نفس ادلرجع ‪ ،‬ص ‪36‬‬
‫‪- 19‬للمزيد انظر ‪ ،‬مصطفى الشكعة ‪ ،‬ادلرجع السابق‬
‫‪ - 20‬نفس ادلرجع‬
‫‪21‬ـ ـ األدارسة ( ‪172‬ىـ ـ ـ ‪375‬ىـ ‪ 788/‬ـ ـ ‪991‬م ) ‪ :‬تُـ َع ّد دولة األدارسة أول دولة علوية ىامشية‬
‫سنية تقوم يف التاريخ اإلسالمي‪ ،‬وتعود نسبتها إىل مؤسسها إدريس بن عبد اهلل بن حسن بن احلسن‬
‫بعيدا عن أيدي‬
‫بن علي بن أيب طالب‪ ،‬الذي ىرب من ادلشرق إىل مصر مث إىل ادلغرب األقصى ً‬
‫العباسيُت و استقر يف وليلي ادلغربية ‪ ،‬و ىناك استطاع كسب مناصرة أىل ادلغرب ‪ ،‬و تأسيس ما‬
‫يعرف بدولة األدارسة و اليت امتد نفوذىا إىل أجزاء من ادلغرب األوسط ‪.‬أنظر‪ :‬ابن عذاري‪ :‬البيان‬
‫ادلغرب يف أخبار الندلس و ادلغرب ‪ٖ ،‬تقيق ليفي بروفنسال ‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية ‪ ،‬بَتوت ‪،‬‬
‫‪ ، ،1983‬ج‪ ، 1‬ص‪ ،91‬القاضي عياض‪ :‬ترتيب ادلدارك ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪.115‬حسُت مؤنس‪ ،‬معامل‬
‫تاريخ ادلغرب واألندلس ‪ ،‬ص‪123‬‬

‫‪639‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫‪ - 22‬مصطفى داودي ‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص‪223‬‬


‫‪ 23‬ـ ـ نفس ادلرجع‪ ،‬ص‪ .223‬عباس اجلراري ‪ ،‬أسباب انتشار ادلذىب ادلالكي و استمراره يف ادلغرب‬
‫‪ ،‬ندوة اإلمام مالك ‪ ،‬ج‪ ، 1‬وزارة األوقاف و الشؤون اإلسالمية ‪ ،‬فاس ‪ ، 1980 ،‬ص‪.180‬‬
‫‪ 24‬زلمد أبو زىرة ‪ ،‬مالك حياتو و عصره ‪،‬ط‪ ،2‬دار الفكر العريب ‪ ،‬القاىرة ‪ ،2002 ،‬ص‬
‫‪ - 25‬ادلقري ‪ ،‬ادلصدر السابق‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪ ، 218‬وقد ذكر بأنو يف األندلس يف عهد األمَت‬
‫ىشام بن عبد الرمحان ( ‪ 171‬ـ ـ ـ ‪180‬ه‪ 788/‬ـ ـ ‪796‬م) ‪ ،‬والذي أخذ الناس مجيعا بالتزامهم‬
‫مذىب مالك ‪ ،‬وصَت القضاء و الفتيا عليو‪ ،‬وذلك يف عشرة السبعُت و مائة من اذلجرة يف حياة‬
‫مالك (القاضي عياض ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ج‪ ، 1.‬ص ‪ .) 55‬مصطفى داودي ‪ ،‬ادلرجع السابق ‪،‬‬
‫ص‪235‬‬
‫‪ -26‬للتفصيل يف ذلك ‪ :‬عبد الرمحان اجلياليل ‪ ،‬تاريخ اجلزائر العام ‪،‬ج‪ ،1‬مكتبة الشركة اجلزائرية ‪،‬‬
‫اجلزائر‬
‫‪ -27‬الفرد بل ‪ ،‬الفرق اإلسالمية يف الشمال اإلفريقي من الفتح العريب إىل اليوم ‪ ،‬ترمجة عبد الرمحان‬
‫البدوي ‪،‬ط‪ ،3‬دار الغرب اإلسالمي ‪ ،‬بَتوت ‪،1989 ،‬‬
‫‪- 28‬االشقر عمر سليمان ‪ ،‬تاريخ الفقو اإلسالمي ‪ ،‬دار الشريعة ‪ ،‬اجلزائر ‪ ،‬دت ‪ ،‬ص‪156-154‬‬
‫‪ -29‬أمحد أمُت ‪ ،‬ادلرجع السابق ‪،‬ج‪ ،3‬ص‪38‬‬
‫‪ -30‬توسع يف كتاب ‪ :‬اخلضر بك زلمد ‪ ،‬تاريخ التشريع اإلسالمي ‪ ،‬دار شريفة للطباعة و النشر ‪،‬‬
‫اجلزائر ‪ ، 1990 ،‬ص‪369‬‬
‫‪ - 31‬ادلقري‪ ،‬نفح الطيب ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪46‬‬
‫‪ -32‬الصيب ‪ ،‬بغية ادللتمس‪ ،‬ترمجة ‪ ،1502‬ص‪687-685‬‬
‫‪ 33‬انظر كتب الًتاجم االندلسية‬
‫‪ - 34‬نفس ادلرجع ‪ ،‬ص ‪66‬‬
‫‪ 35‬مصطفى الشكعة ‪ ،‬األئمة االربعة ‪ ،‬ط‪ ،3‬دار الكتاب ادلصري و اللبناين ‪ ،‬مصر ولبنان ‪،‬‬
‫‪ ،1991‬ص‪29‬‬
‫‪ - 36‬نفس ادلرجع ‪ ،‬ص ‪69‬‬

‫‪632‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫‪ - 37‬اجليدي ‪ ،‬مباحث ‪ ،‬ص ‪69‬‬


‫‪ - 38‬عمر اجليدي ‪ ،‬مباحث‪ ،‬ص ‪47‬‬
‫‪-39‬ابن بشكوال ‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬تر‪ ،704‬ص‪486-485‬‬
‫‪-40‬عياضن ‪ ،1968‬ج‪،4‬ص‪.425‬الكبيسي‪ ،‬ادلرجع السابق ‪ ،‬ص‪172‬‬
‫‪-41‬نفس ادلرجع ‪ ،‬ص‪360‬‬
‫‪- 42‬فقيو مقدم‪ ،‬ؽليل إىل مذىب مالك صاحب ادلنتخب‪ ،‬كان شلن برع يف احلفظ للرأي‪،‬وكان شلن‬
‫دارت عليو األحكام ‪60‬سنة‪ ،‬راجع تر‪:‬احلميدي‪ ،‬ادلصدر السابق‪،‬ج‪ ،1‬ترمجة‪ ،163‬ص‪،156‬‬
‫الضيب‪ ،‬ادلصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ترمجة‪،311‬ص‪ ،186‬القاضي عياض‪ ،‬ترتيب ادلدارك‪ ،‬رللد‪ ،2‬ص‬
‫‪.83-80‬‬
‫‪ -43‬ىو أمحد بن بقي بن سللد‪،‬يكٌت أبا عمر‪ ،‬أبو عبد اهلل قاضي اجلماعة باألندلس‪،‬زلدث‬
‫(ت‪ 324‬ىـ‪935/‬م)‪ ،‬أيام الناصر‪،‬راجع تر‪:‬احلميدي‪ ،‬ادلصدر نفسو‪،‬ترمجة ‪ ،197‬ص‪،188‬‬
‫الزركلي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.104‬‬
‫‪ -44‬القاضي عياض‪ ،‬ترتيب ادلدارك‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪81-80‬‬
‫‪ - 45‬داودي ‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص ‪236-235‬‬
‫‪ - 46‬أمحد أمُت ‪ ،‬ادلرجع السابق‬
‫‪ -47‬زلمد اخلضر بك ‪ ،‬ادلرجع السابق‪ ،‬ص‪370‬‬
‫‪- 48‬نفسو ‪ ،‬ص‪370‬‬
‫‪ -49‬أمحد أمُت ‪ ،‬ادلرجع السابق ‪،‬ج‪ ،3‬ص‪68‬‬
‫‪ -50‬نفس ادلرجع ‪ ،‬ص‪70-69‬‬
‫‪ -51‬االشقر‪ ،‬ادلرجع السابق ‪ ،‬ص‪167‬‬
‫‪ -52‬الشاطيب ‪ ،‬االعتصام ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪،‬بَتوت ‪ ،‬دت ‪ ،‬ص‪223‬‬
‫‪- 53‬اخلضر بك ‪ ،‬ادلرجع السابق‬
‫‪ - 54‬أمحد أمُت ‪ ،‬ادلرجع السابق ‪،‬ج‪ ،3‬ص‪59‬‬
‫‪ -55‬نفسو ‪ ،‬ص‪59‬‬

‫‪636‬‬ ‫العدد‪91‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫‪ -56‬نفسو ‪،‬ص‪59‬‬
‫‪ -57‬نفس ادلرجع‬
‫‪ -58‬نفس ادلرجع‬
‫‪- 59‬الفرد بل ‪ ،‬ادلرجع السابق‬
‫‪ 60‬ـ ـ ـ ادلالكي ‪ ،‬ادلصدر السابق ‪ ،‬ص‪23‬‬

‫‪633‬‬ ‫العدد‪91‬‬

You might also like