Professional Documents
Culture Documents
الانثروبولوجيا في الوطن العربي
الانثروبولوجيا في الوطن العربي
بحث حول:
األنثـــروبولوجيا
في الوطن العربي
خطة البحث
مقدمة
المبحث األول :مدخل الى االنثروبولوجيا العربية.
خاتمــــــــــة
2
األنثروبولوجيا في الوطن العربي
مقدمة
ان كان نشأة علم األنثروبولوجيا في الغرب األوربي المستعِم ر وتررع في بيئته األولى ،فأن
ميدانه المفضل ك;;ان الُم س;;َتعمرالعالم الث;;الث ومن;;ه الع;;الم الع;;ربي اإلس;;المي ،نتيج;;ة للحرك;;ة
االستعمارية .وبذلك تعرف العرب على األنثروبولوجيا مبكرا كغيرها من العل;;وم ،ومن;;ذ تل;;ك
اللحظة عرفت بعض الجامعات العربي;;ة تخص;;ص األنثروبولوجي;;ا كعلم أك;;اديمي ي;;دًّر س في
الجامعات،
3
األنثروبولوجيا في الوطن العربي
توطئــة :يطل ق بعض الدارس ين الع رب مص طلح «إناس ة» على األنثربولوجي اء لكنن ا
سنستخدم أنثربولوجيا في هذا البحث بسبب التصاقها بعنوان الحوارية من ناحي ة» ومج اراة
للمصطلح األكثر شيوعا وانتشارًا في العالم العربي .
سنقوم به.مص طاح أنثربولوجي ا ه و مص طلح منح وت من الكلم تين «( »Anthroposأي
إنسان) و«( »Logosأي علم)» ومن ثم فهو علم اإلنسان» ويقصد إذن علم دراسة اإلنس ان
طبيعيًا واجتماعيا وحضاريا .وتؤكد المدرسة البريطانية وج ود ف رعين -على األق ل -له ذا
العلم :األنثربولوجيا الطبيعية واألنثربولوجيا االجتماعية» واألخيرة عند األمريكيين تهتم بما
عرف باألنثربولوجيا الثقافية» ويهتم المختص ون في ه ذا العلم -باإلض افة إلى ذل ك -بعلم
اللغات واآلثارء وأبعاد عديدة في حياة المجتمع.
ومجال األنثربولوجيا الثقافية واسع» يشمل «دراس ة مخترع ات الش عوب البدائي ة وأدواته ا
وأجهزتها وأسلحتهاء وطرز مساكنهاء وأنواع األلبسة التي تلبسهاء والزينة ال تي تس تعملهاء
وفنونها وآدابها وقصصها وخرافاتهاء فهي إذن تدرس اإلنت اج ال روحي والع ادات والتقالي د
والتطور الحضاري والتغير االجتماعي في تلك الشعوب .وتدرس أصول الحضارة وتنوعها
1
وانتشارها».
لكن األنثربولوجيا من ذ خمس ينيات الق رن العش رين» بع د انته اء حقب ة االس تعمار واإلدارة
المباشرة لبعض الدول الغربية لمقدرات العديد من الشعوب وقع تح ول عن ترك يز االهتم ام
بالمهمش ين و«الب دائيين» والمع زولين أو المختلفين عن الع الم الغ ربيء وب دء دراس ات
أنثربولوجية» تستخدم المناهج والمصطلحات نفسها لدراسة ظواهر إنسانية ب دال من دراس ة
مجتمعات مستعمرة بعينهاء وكذلك التوسع في دراس ة م ا ع رف بدراس ة المن اطق area
studiesكمجال الهتمام المختصين في هذا الحقل العلمي .ومن بين المناطق ال تي درس ها
هؤالء العالم العربي.
1 1راجع:شاكر مصطفى سليم :قاموس األنثربولوجيا ،الكويقت :جامعة الكويت1891 ،م ،مادة أنثربولوجيا واألنثربولوجيا الثقافية.
4
األنثروبولوجيا في الوطن العربي
1النظرية االنقسامية تؤكد أن المجتمعات ذات التنظيم القبلي القرابي ال يمكنه ا أن تؤس س
لمفه وم أعلى من مجموع ة قبائ ل رابطه ا األساس ي القراب ة ال تي بينه اء وهك ذا ف إن ه ذه
المجتمعات ال تملك القدرة على تكوين تصور يقوم على أساس مجتمع أساسه المواطنة .وق د
طّب ق برتش ارد ه ذا المفه وم على الحرك ة السنوس ية وانطلقت دراس ات فرنس ية لروب رت
مونتاي في الجزائر تدرس العالقة بين مجتمعات القبائل والدولة المركزية موضحة أن هناك
توترا دائما ومستمرًا بين التنظيمين» » وقدم أرنست جيلنر دراساته ح ول مجتم ع الجزائ ر
وش مال إفريقي ا انطالق ا من ه ذه النظري ة؛ انظ ر :جيل نر :مجتم ع مس لم» » ب يروتء دار
الكتاب الجديد» .2005
2
النظرية االنقسامية تؤكد أن المجتمعات ذات التنظيم القبلي القرابي ال يمكنها أن تؤسس لمفهوم أعلى من مجموعة قبائل رابطها األساسي 1
القرابة التي بينهاء وهكذا فإن هذه المجتمعات ال تملك القدرة على تكوين تصور يقوم على أساس مجتمع أساسه المواطنة .وقد طّبق برتشارد هذا
المفهوم على الحركة السنوسية وانطلقت دراسات فرنسية لروبرت مونتاي في الجزائر تدرس العالقة بين مجتمعات القبائل والدولة المركزية
موضحة أن هناك توترا دائما ومستمرًا بين التنظيمين» » وقدم أرنست جيلنر دراساته حول مجتمع الجزائر وشمال إفريقيا انطالقا من هذه
.النظرية؛ انظر :جيلنر :مجتمع مسلم» » بيروتء دار الكتاب الجديد» 2005
3
تردد في األوساط العلمية استعانة بترايوس بعدد كبير من المختصين في األنثربولوجيا حتى يساعدوا إدارته على فهم ثقافة المجتمع العراقي» 2
ومن خالل ذلك التمكن إلدارته والسيطرة عليه كما كان الحال في اإلدارات االستعمارية في تاريخ االستعمار األوروبي 2.تردد في األوساط
العلمية استعانة بترايوس بعدد كبير من المختصين في األنثربولوجيا حتى يساعدوا إدارته على فهم ثقافة المجتمع العراقي» ومن خالل ذلك التمكن
.إلدارته والسيطرة عليه كما كان الحال في اإلدارات االستعمارية في تاريخ االستعمار األوروبي
5
األنثروبولوجيا في الوطن العربي
يؤكد على محورية المسألة وجديتها .ولقد نوقشت هذه القضية بشكل مستفيض ص في كت اب
ح رره طالل أس د بعن وان «األنثروبولوجي ا والمواجه ة االس تعمارية» 4.والدراس ات ال تي
وردت في ذل ك المجل د .تؤك د وج ود ن وع من غم وض في العالق ة» ب ل التأكي د أن بعض
الدراس ات األنثربولوجي ة دعمت وربم ا انطلقت من اعتب ارات ومص الح اس تعمارية؛ لكن
االتجاه العام هو تأكيد رغبة علماء األنثربولوجي ا في إبع اد «حقلهم العلمي» عن اهتمام ات
الدوائر الرسمية وتوجيهاتها قدر االستطاعة» مع أن ج ل ه ذه الدراس ات تحت اج إلى ال دعم
المادي والمعن وي (في ش كل تس هيالت أو س واها) من الجه ات الرس مية .ولع ل م ا ي ذكره
جيرتس حول كيفية قيامه وفريقه بدراسات أوال في أندونيسيا وبعدها في المغرب من وج ود
الدعم المؤسسي األكاديمي» لكن مع ضرورة ضمان احترام خصوص ية الب احث األك اديمي
واستقالليته .وفى ه ذا الس ياق علين ا أال نغف ل أث ر دراس ات إدوارد س عيد ونق ده للدراس ات
«االستشراقية»» وكذلك النزعة النقدية التي عمل في إطارها أصحاب م ا ع رف بالخط اب
ما بعد الكولونيالي من أمثال إعجاز أحمد وهمي بايا وسواهما من الدارسين.2
ومما يزيد األمر تعقيدا الس ؤال اآلخ ر ح ول من ي درس من؟ إذ إن معظم الدراس ات ك انت
دراسات أشخاص من خارج المجتمعات المدروس ة» أغل بيتهم الك برى من الغرب يين»ء ولم
تكن ظاهرة األنثربولوجيين األهليين »6(1131« 3معروفة على اإلطالق.
يق ول جم ال ال دين الش ّيال ” : /انقلب األوروبي ون إلى دي ارهم بع دما من وا بالهزيم ة في
الحروب الصليبية ،وقد بهرتهم أن وار الحض ارة العربي ة /اإلس المية ،وأخ ذوا مف اتيح تل ك
الحضارة ،فتفّر غوا لها … يقتبس ون من آللئه ا وينقل ون آثاره ا ،ويدرس ون توليفاته ا .وق د
س اعدتهم عوام ل أخ رى ،جغرافي ة وتاريخي ة واجتماعي ة واقتص ادية ،على أن يس يروا
بالحضارة في طورها الجديد ،على طريقة جديدة تعتمد أك ثر م ا تعتم د ،على التفك ير الح ّر
أّو ًال وعلى المالحظة والتجربة واالستقراء ثانيًا .فمّهد هذا كّله لهم السبيل إلى كشوف علمي ة
جدي دة ش ّك لت الطالئ ع لحض ارة الق رنين ،التاس ع عش ر والعش رين ، ”.أال يح ّق لن ا أن
نتس اءل :أين ه و المجتم ع الع ربي من الدراس ات األنثروبولوجي ة ،ب ل أين األنثربولوجي ا
العربي ة ذاته ا ،إذا ك ان ثّم ة أنثروبولوجي ا عربي ة خاص ة بطبيع ة األّم ة العربي ة وثقافته ا
التاريخية /الحضارية؟
قد تكون اإلجابة عن هذا السؤال من الصعوبة بمكان ،حيث ال توجد معطيات ج;;اهزة وكامل;;ة
لهكذا إجابة ،على الرغم من وجود محاوالت ألنثربولوجيا عربية ،س;;واء في الماض;;ي أو في
الحاض;;;ر .وه;;;ذا م;;;ا س;;;نحاول تبيان;;;ه و الوص;;;ول من خالل;;;ه إلى تص;;;ّو ر – إن أمكن –
ألنثروبولوجيا عربية معاصرة .
إّن كون األنثروبولوجيا كعلم لـه خصوصيته وطرائقه ،غربي المنشأ والتطّو ر ،فه;;ذا ال يع;;ني
تجاه;;ل أو إنك;;ار ،أّن الع;;رب ك;;انوا أس;;بق من الغ;;رب (األوروب;;يين) في دراس;;ة الثقاف;;ات
األخرى ،وصفًا ومقارنة ،وفي وضع المبادىء واألسس المنهجّية للبحث والدراسة في العلوم
4
االستعمارية - .طالل أسد :األنثربولوجيا والمواجهة
6
األنثروبولوجيا في الوطن العربي
االجتماعية والطبيعّية .وإذا ما عدنا إلى الف;;ترة الممت;ّد ة من منتص;;ف الق;;رن الث;;امن الميالدي
إلى نهاية الق;;رن الح;;ادي عش;;ر الميالدي ،نج;;د أّن الع;;رب ك;;انوا – على م;;دى أربع;;ة ق;;رون
ونصف القرن " عباقرة الشرق " في علوم الفلك والطّب واالجتماع والفلسفة وغيره;;ا ،بينم;;ا
كانت اللغة العربية ،هي اللغة األساسية في العلوم اإلنسانية .
ولكّن هذه العلوم كّلها ذهبت إلى الغرب بعد سقوط الدولة العربية (العباسية( وتتالي الغ;;زوات
االحتاللية واالستعمارية على الوطن الع;;ربي ،وال;;تي أس;;همت في إض;;عافه اجتماعي ;ًا وثقافي ;ًا
وعلميًا ،بينما راح الغرب يستفيد من علوم العرب ويطّو رها ،منذ فج;;ر نهض;;ته وح;;تى يومن;;ا
هذا.
المطلب الثاني :واقع األنثروبولوجيا العربية :
وثّم ة بعض الباحثين (األكاديميين( العرب يشيرون إلى أّن األنثروبولوجي;;ا ،دخلت إلى الع;;الم
العربي ،في الثالثينات من الق;رن العش;رين تحت اس;م " علم االجتم;اع المق;ارن" وذل;ك على
أيدي عدد كبير من علماء األنثروبولوجيا البريطانيين ،مثل ( :إيفانز بريتش;;ارد – ه;;و ك;;ارت
– وبريستافي( مّم ن توّل وا الت;;دريس في الجامع;;ة المص;;رية (جامع;;ة الق;;اهرة اآلن ( .ثّم ج;;اء
بعدهم في األربعينات ،عمي;;د األنثروبولوج;;يين في ذل;;ك الحين ،األس;;تاذ /رادكلي;;ف ب;;راون /
ال;;;ذي ق;;;ام بت;;;دريس األنثروبولوجي;;;ا في جامع;;;ة اإلس;;;كندرية ،تحت اس;;;م (علم االجتم;;;اع
المقارن( أيضًا ،وذلك لعدم احتواء ب;;رامج الت;;دريس الج;;امعي – في ذل;;ك الحين – على م;;ادة
األنثربولوجيا (.فهيم ،1986 ،ص.)260
إّن التوّقف قليًال عند التصويرات التي تّم تشييدها مثّال ،عن الثقافة والمجتمع العربي في الفكر
األنثروبولوجي ،وال سّيما تلك التص;;ويرات الناتج;;ة عن عالق;;ة األنثروبولوجي;;ا بالمجتمع;;ات
العربية ،لهو أمر على غاية من األهمية .ولذلك ،فإذا أردنا القيام بمحاولة تأريخ لعالقة الفك;;ر
األنثروبولوجي الغربي ،بالمجتمع والثقافة في العالم العربي ،ف;إّن إيف;;انز بريتش;ارد وإرنس;ت
غيل;;نر ،سيتص ;ّد ران ليس فق;;ط قائم;;ة ع;;دد من األنثروبولوج;;يين ال;;ذين تع;;املوا م;;ع ثقاف;;ات
ومجتمعات العالم العربي واإلسالمي ،وإّنما أيضًا ألّن تجربة االثنين معًا تعّبر عن أحد أشكال
تجليات هذه العالقة ،في جانبها األوروبي على األقل .فقد حاول كّل من بريتش;;ارد و غيل;;نر،
ومن واق;;ع انتمائهم;;ا للثقاف;;ة األوربي;;ة المعاص;;رة ،أي باعتبارهم;;ا مثقفين قب;;ل أن يكون;;ا
أكاديميين ،فهم هذا الواقع االجتماعي والثقافي ذي الخاص;;ية العربي;;ة اإلس;;المية ،ه;;ذا الواق;;ع
الذي يقع في مقابل الغرب الثقافي واالجتماعي .وكان الهاجس األهم الذي يشّك ل صلب اهتمام
غيلنر في هذا الجانب – وم;;ا زال ،-ليس التفص;;يالت األثنوغرافي;;ة الممّي زة للثقاف;;ة العربي;;ة
والمجتمع العربي ،وإّنما هي البحث في اآلليات والقوانين المنطقية ،التي يعم;;ل وفقه;;ا النظ;;ام
االجتماعي في هذه البقعة من العالم( .يتيم ،2001 ،ص .)125
7
األنثروبولوجيا في الوطن العربي
لق;;د ق;;ام /إرنس;;ت غيل;;نر /األن;;ثروبولوجي والفيلس;;وف ،وع;;بر دراس;;اته اإلثنولوجي;;ة أوًال
واألنثروبولوجية ثانيًا ،بتحليل جانبين على غاي;;ة من األهمّي ة ،يكّو ن;;ان من الث;;وابت الرئيس;ة
الب;;ارزة في الب;;نى االجتماعي;;ة العربي;;ة ،أال وهم;;ا :اإلس;;الم والقبلي;;ة .فق;;د قادت;;ه محاولت;;ه
االستقرائية إلى عمله الحقلي (الميداني( األنثروبولوجي في جبال األطلس في الغرب العربي،
بقصد اختبار مفهوم " االنقس;;امية " مث;;ال :األس;;رة /العش;;يرة ،الب;;داوة /الحض;;ر ،الش;;عبي /
الرسمي ،وغيرها من الثنائيات .وذلك باعتبار أّن االنقسامية هي السنة البنيوية البارزة للنظم
القرابية والسياسية في المجتمعات العربية القبلية .
ومثلما ذهب المعّلم /إيفانز بريتش;;ارد /إلى البحث في العوام;;ل المحلّي ة المس;;اعدة في إع;;ادة
التوازن في االنقسامية القبلية ،أي فيما رآه المعّلم من دور لإلسالم باعتباره نظامًا أيديولوجيًا،
تجّسد في التنظيم االجتماعي ألبناء برقة (في ليبي;;ا( وفي الحرك;;ة الص;;وفية السنوس;;ية ،هك;;ذا
أيضًا سعى /غيلنر . /وهذا ما أوضحه في كتابه " أولياء األطلس " حين حاول إيضاح كيف
كان التصّو ف اإلسالمي ،يؤّد ي عبر نظام الزوايا واألولياء ،أدوارًا تعت;;بر مفص;;لية في إع;;ادة
التوازن إلى بنى اجتماعية ،ي;;دفع به;;ا نظامه;;ا اإليكول;;وجي (البي;;ئي( نح;;و االنقس;;ام المتت;;الي.
(يتيم ،ص )126
ه;;ذا من جه;;ة ،أّم ا من الجه;;ة األخ;;رى ،فق;;د ع;;زا معظم الب;;احثين الع;;رب ع;;دم ال;;ترحيب
باألنثروبولوجيا وانتشارها في العالم العربي ،إلى سببين أساسيين :
أولهما :عدم تقّبل فكرة التطّو ر الحيوي عن;;د اإلنس;;ان ،ب;;النظر لتعارض;;ها م;;ع الفك;;ر ال;;ديني
وتفسيراته التي تؤّك د أّن اإلنسان مخلوق من عمل هللا ،وليس نت;;اج حلق;;ة تطّو ري;;ة ذات أص;;ل
حيواني .ولكن ثّم ة بعض المفّك رين العرب من دعا إلى التوفيق بين الفك;;رتين ،واألخ;;ذ منهم;;ا
ما يفيد العلم.
فبينما يقول الباحث الجيولوجي ال;;دكتور /عب;;د هللا نص;;يف /في كت;;اب " العل;;وم االجتماعي;;ة
والطبيعّية " :ليس ثّم ة تعارض – مطلقًا-بين اإليمان ومعرفة اإلنسان عن الكون ،واستخدامه
هذه المعرفة للخير ..نج;د أّن المفّك ر /زكي نجيب محم;;ود /يق;;ول في كتاب;;ه " ه;;ذا العص;;ر
وثقافته " :ليست الشطارة في تخريج المعاني التي تجعلنا نتصّو ر أّن م;;ا ج;;اء ب;;ه ال;;دين ،ه;;و
نفس;;ه م;;ا يجيء ب;;ه العلم في عص;;رنا ..وإّنم;;ا المه;;ارة ك;;ّل المه;;ارة ،هي في أن تبص;;رني
بالطريق الذي أعرف منه كيف آخذ من ال;;دين ح;;افزًا ،يح;;ّر ك اإلرادة إلى (ص;;نع( علم جدي;;د
أقّد مه لنفسي ولإلنسانية جمعاء (.محمود ،1980 ،ص ) 242
وثانيهما :ارتباط نشأة األنثربولوجيا وبداياتها التاريخي;;ة باالس;;تعمار ،حيث ك;;انت الدراس;;ات
تتّم على المجتمعات البدائية والمتخّلفة ،بهدف معرفة بنيتها التركيبية وطبيعته;;ا الثقافي;;ة ،مّم ا
يسّهل استعمارها ،في الوقت الذي كان فيه المجتمع العربي يع;;اني من االحتالل واالس;;تعمار،
ويسعى للتحّرر والتقّد م .
8
األنثروبولوجيا في الوطن العربي
فكما ارتبطت الجغرافيا مثًال ،بمشاريع علمية كانت تهدف إلى تحقيق كش;;وفات جدي;;دة تتعّل ق
بتحديد طبيعة الكرة األرضية ،أي التخوم اليابسة منها وأقاليمها وبيئاتها والجغرافي;;ة ،وك;;ذلك
توزيع البحار والمحيطات ،وكذلك ارتبطت األنثروبولوجيا واهتماماتها (البيولوجية والثقافي;;ة
واالجتماعية( بمشاريع اس;تكمال معارفه;;ا ح;ول اإلنس;ان ،وبيئات;;ه االجتماعي;;ة والثقافي;;ة ،أي
بتلك المشاريع األنثروبولوجي;;ة ال;;تي ب;;دأت في الغ;;رب ،وال;;تي آن األوان الس;;تكمالها خ;;ارج
أوروبا .وقد أتت ظروف االستعمار في القرن التاس;;ع عش;;ر ،لتمّه د الطري;;ق لتل;;ك المش;;اريع
العلمية ،وبذلك ارتبط تاريخ الفكر الجغرافي واألن;;ثربولوجي ب;;الخبرة االس;;تعمارية ،وبأق;;اليم
ومجتمعات وثقافات غير غربية( .يتيم ،2001 ،ص.)134
وكان أن أّد ت هذه العقلية االختزالية والروح المتحاملة ،إلى الس;;يادة مي;;ل هائ;;ل نح;;و تس;;ييس
المعارف والعلوم ،وكذلك المؤّسسات والعالقات الناتج;;ة عنه;;ا .وك;;ان من أب;;رز ض;;حايا تل;;ك
العلوم :الجغرافيا واألنثروبولوجيا .وإذا كانت الجغرافيا قد سلمت بجلدها ،ألسباب تعود مثًال
إلى ترّسخ هذا العلم في األكاديميات العربية ،منذ األربعينات من القرن العشرين ،وإلى إسهام
العرب المسلمين ،البارز في هذا العلم منذ القدم ،األمر الذي جع;;ل الع;;رب المعاص;;رين أك;;ثر
ألفة معه ،فإّن األنثروبولوجيا لم تحَظ بهذا القبول ،حيث كان نصيب األنثروبولوجيين الع;;رب
األوائل ،أقّل بكثير – إن لم يكن معدومًا -عند مجاراتهم باألوروبيين.
وهك;;ذا تّم التع;;اطي م;;ع أي اهتم;;ام أوروبي أو غ;;ربي ،بالمجتمع;;ات العربي;;ة أو اإلس;;المية
وثقافاته;;ا ،على أّن ه يق;;ع في دائ;;رة األطم;;اع االس;;تعمارية أو الت;;آمر على الع;;رب واإلس;;الم.
وأصبح كّل إنسان غربي (يبدي شيئًا من االهتمام بهذه الموضوعات( موضع شبهة وريبة في
العالم العربي( .يتيم ،ص .)136
وعلى الرغم من اتساع الدراسات األنثربولوجية لتشمل المجتمعات البش;;رية المختلف;;ة ،س;;واء
في تكوينه;;ا أو في درج;ة تطّو ره;;ا ،فم;;ا زالت ثّم ة رواس;ب تع;ّو ق اعتماده;;ا كعلم يبحث في
مشكالت المجتمع العربي وإيجاد الحلول المناسبة لها ،وال سّيما القضايا االجتماعية والثقافي;;ة
واالقتصادية.
9
األنثروبولوجيا في الوطن العربي
ويتض;;ح ك;;ذلك ،ال;;دور الفّع ال ال;;ذي يمكن أن يؤّد ي;;ه األن;;ثربولوجيون الع;;رب ،في مج;;ال
مشروعات التنمية ،وذلك من خالل تحليل مفهومات األنثروبولوجيا الثقافية ودراستها دراس;;ة
(حقلية( ميدانية ( .فهيم ،1986 ،ص ) 268
فإذا تفحصنا مفهوم القبيلة – مثًال -نجده يحت;;ّل موقع ;ًا مركزي ;ًا في األنثروبولوجي;;ا اإلس;;المية
التي يطرحها /إرنست غيلنر ،/ويستخدمه الكث;;يرون من كّت اب (الش;;رق األوس;;ط( لإلش;;ارة
إلى كينون;;ات اجتماعي;;ة ذات ب;;نًى وأش;;كال عيش مختلف;;ة .وانطالق;;ًا من ال;;رؤى لتص;;ّو ر
أنثروبولوجيا عربية ،فإّن ثّم ة أسئلة مطروحة أمام األنثروبولوجيين العرب ،ال بّد من اإلجابة
عنها وتطويرها ،من خالل تفّهم النقاط التالية المترابطة ( :أسد ،2001 ،ص. )149
-1أن تعمل الروايات األنثروبولوجي;;ة المتعّلق;;ة ب;;المثقفين الف;;اعلين ،على ترجم;;ة الخطاب;;ات
التاريخية لهؤالء المثّقفين ،وتمثيلها على أّنها استجابات لخطابات اآلخ;رين ،ب;دًال من محاول;ة
التخطيط واالنتزاع التاريخي ألفعالهم .
-2أّال ترّك ز التحليالت األنثروبولوجية للبنية االجتماعية على الفاعلين النموذج;;يين ،ب;;ل على
النماذج المتغّيرة للعالقات والظروف المجتمعّية ،وال سّيما ما يدعى (باالقتصاديات السياس;;ية
(.
10
األنثروبولوجيا في الوطن العربي
-3إّن تحليل االقتصاديات السياسية (الشرق أوسطية( وتمثيل الواقع اإلس;;المي ،هم;;ا نوع;;ان
من الممارسة المتعّد دة األوجه ،وهما مختلف;;ان جوهري;ًا ،وال يمكن اس;;تبدال أح;;دهما ب;;اآلخر،
على الرغم من إمكانية تجسيدهما بصورة معقولة في البحث نفسه ،إذا ما أخذا – بدّق ة – على
أّنهما خطابان.
-4إّنه لمن الخطأ تمثيل نماذج اإلسالم ،على أّنها مترابطة مع نماذج البنية االجتماعي;ة ،ع;بر
قياس ضمني على البنية الفوقية (األيديولوجية( واألساس االجتماعي .
-5وأخ;;يرًا ،يجب أن ي;;درس اإلس;;الم في المجتم;;ع الع;;ربي ،باعتب;;اره موض;;وعًا للمعرف;;ة
األنثروبولوجية ،وأّن ه ت;;راث متع ;ّد د األوج;;ه ،يرتب;;ط بترس;;يخ األخالق في النف;;وس ،وبتالؤم
الناس أو معارضتهم ،وبإنتاج معارف مناسبة.
إّن مج;;ال األنثروبولوجي;;ا واس;;ع س;;عة الحي;;اة ،ويش;;مل الكث;;ير من مظ;;اهر الحي;;اة الفكري;;ة
باّتجاهاته;;;ا وتياراته;;;ا وم;;;ذاهبها العدي;;;دة ،وه;;;و األم;;;ر ال;;;ذي لم يفهم;;;ه الكث;;;يرون من
األنثروبولوجيين في العالم العربي ،مّم ن ضاقت آفاق أفك;;ارهم بحيث انحص;;رت في ع;;دد من
الموضوعات التقليدية ،ال يكادون يخرجون عنه;ا ،دون أن يج;دوا في أنفس;هم الج;رأة الكافي;ة
على ارتياد ميادين المعرفة المختلفة ،المتنّو عة والمتباينة ..وقد يكون ذلك راج;;ع إلى ض;;عف
في اإلعداد العلمي والتكوين الثقافي ،وع;;دم إدراك م;;دى اتس;;اع البحث ..ولكّن ه يرج;;ع – بال
شك – وفي المقام األّو ل ،إلى قصور في ملكة التخّي ل وإلى الخ;;وف من االنطالق والمب;;ادرة.
(أبو زيد ،2001 ،ص )7
ومهما كان واقع األنثروبولوجيا في العالم العربي ،فقد اكتسبت أرض;;ّية جدي;;دة من;;ذ الس;;تينات
من القرن العشرين ،حيث حظيت بتفّهم أفضل إلمكانيات استخدامها ،لما يحّقق أه;;داف الع;;الم
العربي في التقّد م واالزدهار .وقد تجّلى االهتمام العربي باألنثروبولوجيا ،من خالل اعتمادها
كتخّصصات ومقّر رات دراسية في الجامعات العربية (جامع;;ة الق;;اهرة ،جامع;;ة االس;;كندرية،
جامعة دمشق ،الجامعة اللبنانية ،جامعة البحرين ...وغيرها).
11
األنثروبولوجيا في الوطن العربي
إّن هذه التوّجهات ،تبّش ر – دون شك – بأن لألنثروبولوجيا العربية مس;;تقبًال زاه;;رًا ،ش;;ريطة
أن تعّم ق هويتها العربية ،سواء في منطلقاته;;ا النظري;;ة ،أو في أه;;دافها التطبيقّي ة ،وأن تبتع;;د
مادتها عن النقل من دون نقد أو تطوير .وإذا ما تّم لها ذلك ،يمكن أن تتعّز ز أص;;التها العربي;;ة
وإسهاماتها العالمية ،في هذا الميدان .وهذا ما أّك ده /ك;;ارلتون ك;;وون /من;;ذ ع;;ام ،1953في
مقالة لـه بعنوان " أنثروبولوجيا العرب " حيث قال :
" من األمور الحيوية ،أن تقوم الشعوب التي تقطن البالد العربية بالمشروعات الخاص;;ة به;;ا،
وأن تجد الوسائل ال;تي ترف;ع مس;تويات المعيش;ة لس;كان جميعهم ،ال لمص;لحة ه;ذه الش;عوب
فحسب ،ولكن لصالح العالم كّله ...فعلى الع;;رب أن يعن;;وا باألنثروبولوجي;;ا ويدرس;;وها أك;;ثر
مّم ا درسوها ،مدركين تلك الحقيق;;ة ال;;تي تتلّخ ص في أّن خ;;ير طري;;ق يتبع;;ه أي إنس;;ان أو أي
شعب ،إذا أراد أن يصنع أي شيء من األشياء ،هو أن يحزم أمره ويصنعه بنفسه " (نقًال عن
:فهيم ،1986 ،ص )269
12
األنثروبولوجيا في الوطن العربي
ال شّك إّن في ذلك تحف;;يزًا على إيج;;اد أنثروبولوجي;;ا عربي;;ة ،تّتج;;ه دراس;;اتها نح;;و مش;;كالت
المجتمع العربي ،وتسهم في تقّد مه بما يتناس;;ب م;;ع معطي;;ات العل;;وم اإلنس;;انية المختلف;;ة ،ألّن
الجه;;ل به;;ذه العل;;وم ،وال س;ّيما علم األنثروبولوجي;;ا ،م;;ا زال س;ائدًا – إلى ح;ّد م;;ا – ويع;ّو ق
الدراسات الجدّية والموضوعية لطبيع;ة الثقاف;ات األخ;رى وإس;هاماته اإلنس;انية ،ال;تي ت;ؤّد ي
بالتالي إلى فهم حقيقي لطبيعة المساهمة العربية في الثقافة اإلنسانية ،وحجم هذه المساهمة .
وفي ذلك دعوة إلى فتح النوافذ الثقافية العربية على الثقافات األخرى ،وال سّيما تل;;ك الثقاف;;ات
التي يمكن االستفادة منها في التعّر ف إلى ثقافة العصر ودراستها واالقتداء بها ،بما ينسجم مع
جوهر الشخص;;ّية العربي;;ة المتم;;ايزة ،وم;;ع مقّو م;;ات الثقاف;ة العربي;;ة ،بم;;ا في ذل;;ك التي;;ارات
الفكرية واالتجاهات والمذاهب األدبية والفنية ،واالنتقاء منها واإلغضاء عن أس;;طورة الغ;;زو
الثقافي .فالثقافات كّلها – ومنها الثقافة العربية – تنمو وتزدهر وتتقّد م ،باالّتص;;ال واالحتك;;اك
والتأثير المتبادل ،واالستعارة واالستيعاب( .أبو زيد ،2001 ،ص(10
وه;ذا م;;ا يجب أن تؤّس س لـه الدراس;ات األنثروبولوجي;;ة العربي;;ة المعاص;;رة ،بحيث تظه;;ر
بجالء تلك العالقة بين الحضارة العربية والحضارة اإلنسانية ،ومن جوانبه;;ا المختلف;;ة ،بعي;;دًا
عن األحك;;ام المس;;بقة ،واألخ;;ذ ب;;الفكر األن;;ثروبولوجي النق;;دي والمق;;ارن ،وتط;;بيق م;;ا يمكن
تطبيق;;ه من نظري;;ات األنثروبولوجي;;ا ،بم;;ا يتناس;;ب م;;ع طبيع;;ة المجتم;;ع الع;;ربي ،وتركيبت;;ه
التاريخية (الديمغرافية والثقافية (..
خاتمة :
إن االنتروبولوجيا باعتبارها معرفة أكاديمية ،ظهرت "رقم;;ا مجه;;وال" في الفك;;ر الجزائ;;ري
خالل العقود األربعة التي تلت االستقالل ،وهذا لمكانتها الهشة داخل الجامعة الجزائري;;ة ،ب;;ل
وحتى لمكانتها المتواضعة داخل المؤسسات العلمية الغربية ....وم;;ع ذل;;ك ب;;دأ ه;;ذا العلم يث;;ير
اهتم;;ام المجتم;;ع العلمي الجزائ;;ري بش;;كل موس;;ع ،وذل;;ك لم;;ا يتيح;;ه من مم;;يزات في مج;;ال
الدراسة الميدانية وأيضا فيما يخص تكوين الشخصية العلمي;;ة ...ول;;ذلك أص;;بح االلح;;اح قوي;;ا
لتجاوز هشاشة هذه المعرفة العلمية والعمل على تعزيز دعائمها في المجتمع الجزائ;;ري نح;;و
أف;;اق مس;;تقبلية واع;;دة ....وه;;ذا لن يت;;أتى إال بإع;;ادة بعث ه;;ذا العلم بأص;;ول نظري;;ة منقح;;ة
ومنهجية جديدة...
13
األنثروبولوجيا في الوطن العربي
14