You are on page 1of 14

‫الطـــــــــور‪ :‬ليسانس‬ ‫* جامعـــة أحمد زبانة غليزان‬

‫المستـــــوى‪ :‬ليسانس سنة أولى‬ ‫* كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية‬


‫الميدان‪/‬فرع‪ :‬علوماجتماعية‪.‬‬
‫الفــــــــوج‪ :‬الثالث علوماجتماعية جدع مشترك ‪.‬‬
‫المقيـــــاس‪:‬مدخل الى علم األنثروبولوجيا‬

‫بحث حول‪:‬‬

‫األنثـــروبولوجيا‬
‫في الوطن العربي‬

‫األستاذ ‪ :‬بوبركة مراد‬ ‫الطالب ‪ :‬خليفة ميلود‬


‫األنثروبولوجيا في الوطن العربي‬

‫خطة البحث‬

‫مقدمة‬
‫المبحث األول ‪ :‬مدخل الى االنثروبولوجيا العربية‪.‬‬

‫المطلب االول ‪ :‬االستعمار و األنثروبولوجيا العربية‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬واقع األنثروبولوجيا العربية ‪:‬‬

‫المبحث الثاني األنثروبولوجيا عربية المعاصرة‪.‬‬

‫العنصر االول‪ :‬التحديات التي تواجه األنثربولوجيون العرب‬

‫العنصر الثاني‪ :‬اسهامات األنثربولوجيون العرب‪.‬‬

‫خاتمــــــــــة‬

‫مصادر البحث ومراجعه ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫األنثروبولوجيا في الوطن العربي‬

‫مقدمة‬
‫ان كان نشأة علم األنثروبولوجيا في الغرب األوربي المستعِم ر وتررع في بيئته األولى‪ ،‬فأن‬
‫ميدانه المفضل ك;;ان الُم س;;َتعمرالعالم الث;;الث ومن;;ه الع;;الم الع;;ربي اإلس;;المي‪ ،‬نتيج;;ة للحرك;;ة‬
‫االستعمارية‪ .‬وبذلك تعرف العرب على األنثروبولوجيا مبكرا كغيرها من العل;;وم‪ ،‬ومن;;ذ تل;;ك‬
‫اللحظة عرفت بعض الجامعات العربي;;ة تخص;;ص األنثروبولوجي;;ا كعلم أك;;اديمي ي;;دًّر س في‬
‫الجامعات‪،‬‬

‫‪3‬‬
‫األنثروبولوجيا في الوطن العربي‬

‫المبحث األول ‪ :‬واقع األنثروبولوجيا العربية‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬مدخل الى األنثروبولوجيا العربية‬

‫توطئــة ‪ :‬يطل ق بعض الدارس ين الع رب مص طلح «إناس ة» على األنثربولوجي اء لكنن ا‬
‫سنستخدم أنثربولوجيا في هذا البحث بسبب التصاقها بعنوان الحوارية من ناحي ة» ومج اراة‬
‫للمصطلح األكثر شيوعا وانتشارًا في العالم العربي ‪.‬‬
‫سنقوم به‪.‬مص طاح أنثربولوجي ا ه و مص طلح منح وت من الكلم تين «‪( »Anthropos‬أي‬
‫إنسان) و«‪( »Logos‬أي علم)» ومن ثم فهو علم اإلنسان» ويقصد إذن علم دراسة اإلنس ان‬
‫طبيعيًا واجتماعيا وحضاريا‪ .‬وتؤكد المدرسة البريطانية وج ود ف رعين ‪ -‬على األق ل ‪ -‬له ذا‬
‫العلم‪ :‬األنثربولوجيا الطبيعية واألنثربولوجيا االجتماعية» واألخيرة عند األمريكيين تهتم بما‬
‫عرف باألنثربولوجيا الثقافية» ويهتم المختص ون في ه ذا العلم ‪ -‬باإلض افة إلى ذل ك ‪ -‬بعلم‬
‫اللغات واآلثارء وأبعاد عديدة في حياة المجتمع‪.‬‬
‫ومجال األنثربولوجيا الثقافية واسع» يشمل «دراس ة مخترع ات الش عوب البدائي ة وأدواته ا‬
‫وأجهزتها وأسلحتهاء وطرز مساكنهاء وأنواع األلبسة التي تلبسهاء والزينة ال تي تس تعملهاء‬
‫وفنونها وآدابها وقصصها وخرافاتهاء فهي إذن تدرس اإلنت اج ال روحي والع ادات والتقالي د‬
‫والتطور الحضاري والتغير االجتماعي في تلك الشعوب‪ .‬وتدرس أصول الحضارة وتنوعها‬
‫‪1‬‬
‫وانتشارها»‪.‬‬
‫لكن األنثربولوجيا من ذ خمس ينيات الق رن العش رين» بع د انته اء حقب ة االس تعمار واإلدارة‬
‫المباشرة لبعض الدول الغربية لمقدرات العديد من الشعوب وقع تح ول عن ترك يز االهتم ام‬
‫بالمهمش ين و«الب دائيين» والمع زولين أو المختلفين عن الع الم الغ ربيء وب دء دراس ات‬
‫أنثربولوجية» تستخدم المناهج والمصطلحات نفسها لدراسة ظواهر إنسانية ب دال من دراس ة‬
‫مجتمعات مستعمرة بعينهاء وكذلك التوسع في دراس ة م ا ع رف بدراس ة المن اطق ‪area‬‬
‫‪ studies‬كمجال الهتمام المختصين في هذا الحقل العلمي‪ .‬ومن بين المناطق ال تي درس ها‬
‫هؤالء العالم العربي‪.‬‬

‫‪ 1 1‬راجع‪:‬شاكر مصطفى سليم‪ :‬قاموس األنثربولوجيا‪ ،‬الكويقت‪ :‬جامعة الكويت‪1891 ،‬م‪ ،‬مادة أنثربولوجيا واألنثربولوجيا الثقافية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫األنثروبولوجيا في الوطن العربي‬

‫المطلب االول ‪ :‬االستعمار و األنثروبولوجيا العربية‬


‫المصالح االستعمارية والتقدم العلمي ‪ :‬تعد دراسات إيفائز برتشارد المهم ة ج دًا عن الن وير‬
‫في جنوب السودان» والتي نتج عنه ا العدي د من النظري ات والمص طلحات ال تي ك ان» وال‬
‫يزالء لها تأثير كبير على األنثربولوجيا مثل النظرية االنقسامية» ذات ارتباط واسع وكب ير‬
‫باالستعمار» بل إن إيفائز برتش ارد نفس ه» اس تخدم مفه وم النظري ة االنقس امية في دراس ة‬
‫كلفته بها اإلدارة االستعمارية لدراسة الحركة السنوسية‪ »2‬أو آثار نظريته هذه؛ المنطلقة من‬
‫المبدأ االستعماري؛ والتي على األقل تتوافق مع مبدأ «فرق تسد»»‪ .‬على أفك ار جيل نر وقبل ه‬
‫‪3‬‬
‫ترايوس ‪-‬‬ ‫المدرسة األنثربولوجية االستعمارية الفرنسية في أعمال مونتاي‪ .‬وإن (اس تعانة) ب‬
‫وهو من أهم مهندسي هيمنة الواليات المتحدة األمريكية حديثا على العراق واستعماره ‪ -‬بأعداد‬
‫من علماء األنثربولوجيا للسيطرة» أو ‪ -‬بحسب ما ذكر ‪« -‬لمعرفة وفهم» ثقاف ة الع راق»‬
‫لتعيد التساؤل حول هذا االرتباط‪ .‬علينا أن نوضح ‪ -‬مع ذلك ‪ -‬أن مس ألة العالق ة بين الفض ول‬
‫العلمي الموضوعي وأساليب استخدام هذا الفضول لغاي ات أخ رىء مس ألة تتعل ق بموض وعات‬
‫األخالق والعلم» وهناك العديد من علماء األنثربولوجيا من ق اوموا ب ل عارض وا ه ذا الرب ط‬
‫مهنيا وواقعا‪ .‬ولعل الجدل الدائر في أوساطهم‪ :‬وهو جدل ساخن» ما‬

‫‪ 1‬النظرية االنقسامية تؤكد أن المجتمعات ذات التنظيم القبلي القرابي ال يمكنه ا أن تؤس س‬
‫لمفه وم أعلى من مجموع ة قبائ ل رابطه ا األساس ي القراب ة ال تي بينه اء وهك ذا ف إن ه ذه‬
‫المجتمعات ال تملك القدرة على تكوين تصور يقوم على أساس مجتمع أساسه المواطنة‪ .‬وق د‬
‫طّب ق برتش ارد ه ذا المفه وم على الحرك ة السنوس ية وانطلقت دراس ات فرنس ية لروب رت‬
‫مونتاي في الجزائر تدرس العالقة بين مجتمعات القبائل والدولة المركزية موضحة أن هناك‬
‫توترا دائما ومستمرًا بين التنظيمين» » وقدم أرنست جيلنر دراساته ح ول مجتم ع الجزائ ر‬
‫وش مال إفريقي ا انطالق ا من ه ذه النظري ة؛ انظ ر‪ :‬جيل نر‪ :‬مجتم ع مس لم» » ب يروتء دار‬
‫الكتاب الجديد» ‪.2005‬‬

‫‪ 2‬تردد في األوساط العلمية استعانة بترايوس بع دد كب ير من المختص ين في األنثربولوجي ا‬


‫ح تى يس اعدوا إدارت ه على فهم ثقاف ة المجتم ع الع راقي» ومن خالل ذل ك التمكن إلدارت ه‬
‫والسيطرة عليه كما كان الحال في اإلدارات االستعمارية في تاريخ االستعمار األوروبي‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫النظرية االنقسامية تؤكد أن المجتمعات ذات التنظيم القبلي القرابي ال يمكنها أن تؤسس لمفهوم أعلى من مجموعة قبائل رابطها األساسي ‪1‬‬
‫القرابة التي بينهاء وهكذا فإن هذه المجتمعات ال تملك القدرة على تكوين تصور يقوم على أساس مجتمع أساسه المواطنة‪ .‬وقد طّبق برتشارد هذا‬
‫المفهوم على الحركة السنوسية وانطلقت دراسات فرنسية لروبرت مونتاي في الجزائر تدرس العالقة بين مجتمعات القبائل والدولة المركزية‬
‫موضحة أن هناك توترا دائما ومستمرًا بين التنظيمين» » وقدم أرنست جيلنر دراساته حول مجتمع الجزائر وشمال إفريقيا انطالقا من هذه‬
‫‪.‬النظرية؛ انظر‪ :‬جيلنر‪ :‬مجتمع مسلم» » بيروتء دار الكتاب الجديد» ‪2005‬‬
‫‪3‬‬
‫تردد في األوساط العلمية استعانة بترايوس بعدد كبير من المختصين في األنثربولوجيا حتى يساعدوا إدارته على فهم ثقافة المجتمع العراقي» ‪2‬‬
‫ومن خالل ذلك التمكن إلدارته والسيطرة عليه كما كان الحال في اإلدارات االستعمارية في تاريخ االستعمار األوروبي‪ 2.‬تردد في األوساط‬
‫العلمية استعانة بترايوس بعدد كبير من المختصين في األنثربولوجيا حتى يساعدوا إدارته على فهم ثقافة المجتمع العراقي» ومن خالل ذلك التمكن‬
‫‪.‬إلدارته والسيطرة عليه كما كان الحال في اإلدارات االستعمارية في تاريخ االستعمار األوروبي‬

‫‪5‬‬
‫األنثروبولوجيا في الوطن العربي‬

‫يؤكد على محورية المسألة وجديتها‪ .‬ولقد نوقشت هذه القضية بشكل مستفيض ص في كت اب‬
‫ح رره طالل أس د بعن وان «األنثروبولوجي ا والمواجه ة االس تعمارية»‪ 4.‬والدراس ات ال تي‬
‫وردت في ذل ك المجل د‪ .‬تؤك د وج ود ن وع من غم وض في العالق ة» ب ل التأكي د أن بعض‬
‫الدراس ات األنثربولوجي ة دعمت وربم ا انطلقت من اعتب ارات ومص الح اس تعمارية؛ لكن‬
‫االتجاه العام هو تأكيد رغبة علماء األنثربولوجي ا في إبع اد «حقلهم العلمي» عن اهتمام ات‬
‫الدوائر الرسمية وتوجيهاتها قدر االستطاعة» مع أن ج ل ه ذه الدراس ات تحت اج إلى ال دعم‬
‫المادي والمعن وي (في ش كل تس هيالت أو س واها) من الجه ات الرس مية‪ .‬ولع ل م ا ي ذكره‬
‫جيرتس حول كيفية قيامه وفريقه بدراسات أوال في أندونيسيا وبعدها في المغرب من وج ود‬
‫الدعم المؤسسي األكاديمي» لكن مع ضرورة ضمان احترام خصوص ية الب احث األك اديمي‬
‫واستقالليته‪ .‬وفى ه ذا الس ياق علين ا أال نغف ل أث ر دراس ات إدوارد س عيد ونق ده للدراس ات‬
‫«االستشراقية»» وكذلك النزعة النقدية التي عمل في إطارها أصحاب م ا ع رف بالخط اب‬
‫ما بعد الكولونيالي من أمثال إعجاز أحمد وهمي بايا وسواهما من الدارسين‪.2‬‬

‫ومما يزيد األمر تعقيدا الس ؤال اآلخ ر ح ول من ي درس من؟ إذ إن معظم الدراس ات ك انت‬
‫دراسات أشخاص من خارج المجتمعات المدروس ة» أغل بيتهم الك برى من الغرب يين»ء ولم‬
‫تكن ظاهرة األنثربولوجيين األهليين‪ »6(1131« 3‬معروفة على اإلطالق‪.‬‬

‫يق ول جم ال ال دين الش ّيال ‪ ” : /‬انقلب األوروبي ون إلى دي ارهم بع دما من وا بالهزيم ة في‬
‫الحروب الصليبية‪ ،‬وقد بهرتهم أن وار الحض ارة العربي ة ‪ /‬اإلس المية‪ ،‬وأخ ذوا مف اتيح تل ك‬
‫الحضارة‪ ،‬فتفّر غوا لها … يقتبس ون من آللئه ا وينقل ون آثاره ا‪ ،‬ويدرس ون توليفاته ا‪ .‬وق د‬
‫س اعدتهم عوام ل أخ رى ‪،‬جغرافي ة وتاريخي ة واجتماعي ة واقتص ادية‪ ،‬على أن يس يروا‬
‫بالحضارة في طورها الجديد‪ ،‬على طريقة جديدة تعتمد أك ثر م ا تعتم د‪ ،‬على التفك ير الح ّر‬
‫أّو ًال وعلى المالحظة والتجربة واالستقراء ثانيًا‪ .‬فمّهد هذا كّله لهم السبيل إلى كشوف علمي ة‬
‫جدي دة ش ّك لت الطالئ ع لحض ارة الق رنين‪ ،‬التاس ع عش ر والعش رين‪ ، ”.‬أال يح ّق لن ا أن‬
‫نتس اءل ‪ :‬أين ه و المجتم ع الع ربي من الدراس ات األنثروبولوجي ة‪ ،‬ب ل أين األنثربولوجي ا‬
‫العربي ة ذاته ا‪ ،‬إذا ك ان ثّم ة أنثروبولوجي ا عربي ة خاص ة بطبيع ة األّم ة العربي ة وثقافته ا‬
‫التاريخية ‪ /‬الحضارية؟‬
‫قد تكون اإلجابة عن هذا السؤال من الصعوبة بمكان‪ ،‬حيث ال توجد معطيات ج;;اهزة وكامل;;ة‬
‫لهكذا إجابة‪ ،‬على الرغم من وجود محاوالت ألنثربولوجيا عربية‪ ،‬س;;واء في الماض;;ي أو في‬
‫الحاض;;;ر‪ .‬وه;;;ذا م;;;ا س;;;نحاول تبيان;;;ه و الوص;;;ول من خالل;;;ه إلى تص;;;ّو ر – إن أمكن –‬
‫ألنثروبولوجيا عربية معاصرة ‪.‬‬

‫إّن كون األنثروبولوجيا كعلم لـه خصوصيته وطرائقه‪ ،‬غربي المنشأ والتطّو ر‪ ،‬فه;;ذا ال يع;;ني‬
‫تجاه;;ل أو إنك;;ار‪ ،‬أّن الع;;رب ك;;انوا أس;;بق من الغ;;رب (األوروب;;يين) في دراس;;ة الثقاف;;ات‬
‫األخرى‪ ،‬وصفًا ومقارنة‪ ،‬وفي وضع المبادىء واألسس المنهجّية للبحث والدراسة في العلوم‬

‫‪4‬‬
‫االستعمارية ‪-‬‬ ‫‪ .‬طالل أسد‪ :‬األنثربولوجيا والمواجهة‬
‫‪6‬‬
‫األنثروبولوجيا في الوطن العربي‬

‫االجتماعية والطبيعّية‪ .‬وإذا ما عدنا إلى الف;;ترة الممت;ّد ة من منتص;;ف الق;;رن الث;;امن الميالدي‬
‫إلى نهاية الق;;رن الح;;ادي عش;;ر الميالدي‪ ،‬نج;;د أّن الع;;رب ك;;انوا – على م;;دى أربع;;ة ق;;رون‬
‫ونصف القرن " عباقرة الشرق " في علوم الفلك والطّب واالجتماع والفلسفة وغيره;;ا‪ ،‬بينم;;ا‬
‫كانت اللغة العربية‪ ،‬هي اللغة األساسية في العلوم اإلنسانية ‪.‬‬

‫ولكّن هذه العلوم كّلها ذهبت إلى الغرب بعد سقوط الدولة العربية (العباسية( وتتالي الغ;;زوات‬
‫االحتاللية واالستعمارية على الوطن الع;;ربي‪ ،‬وال;;تي أس;;همت في إض;;عافه اجتماعي ;ًا وثقافي ;ًا‬
‫وعلميًا‪ ،‬بينما راح الغرب يستفيد من علوم العرب ويطّو رها‪ ،‬منذ فج;;ر نهض;;ته وح;;تى يومن;;ا‬
‫هذا‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬واقع األنثروبولوجيا العربية ‪:‬‬
‫وثّم ة بعض الباحثين (األكاديميين( العرب يشيرون إلى أّن األنثروبولوجي;;ا‪ ،‬دخلت إلى الع;;الم‬
‫العربي‪ ،‬في الثالثينات من الق;رن العش;رين تحت اس;م " علم االجتم;اع المق;ارن" وذل;ك على‬
‫أيدي عدد كبير من علماء األنثروبولوجيا البريطانيين‪ ،‬مثل ‪( :‬إيفانز بريتش;;ارد – ه;;و ك;;ارت‬
‫– وبريستافي( مّم ن توّل وا الت;;دريس في الجامع;;ة المص;;رية (جامع;;ة الق;;اهرة اآلن (‪ .‬ثّم ج;;اء‬
‫بعدهم في األربعينات‪ ،‬عمي;;د األنثروبولوج;;يين في ذل;;ك الحين‪ ،‬األس;;تاذ ‪ /‬رادكلي;;ف ب;;راون ‪/‬‬
‫ال;;;ذي ق;;;ام بت;;;دريس األنثروبولوجي;;;ا في جامع;;;ة اإلس;;;كندرية‪ ،‬تحت اس;;;م (علم االجتم;;;اع‬
‫المقارن( أيضًا‪ ،‬وذلك لعدم احتواء ب;;رامج الت;;دريس الج;;امعي – في ذل;;ك الحين – على م;;ادة‬
‫األنثربولوجيا ‪ (.‬فهيم‪ ،1986 ،‬ص‪.)260‬‬
‫إّن التوّقف قليًال عند التصويرات التي تّم تشييدها مثّال‪ ،‬عن الثقافة والمجتمع العربي في الفكر‬
‫األنثروبولوجي‪ ،‬وال سّيما تلك التص;;ويرات الناتج;;ة عن عالق;;ة األنثروبولوجي;;ا بالمجتمع;;ات‬
‫العربية‪ ،‬لهو أمر على غاية من األهمية‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإذا أردنا القيام بمحاولة تأريخ لعالقة الفك;;ر‬
‫األنثروبولوجي الغربي‪ ،‬بالمجتمع والثقافة في العالم العربي‪ ،‬ف;إّن إيف;;انز بريتش;ارد وإرنس;ت‬
‫غيل;;نر‪ ،‬سيتص ;ّد ران ليس فق;;ط قائم;;ة ع;;دد من األنثروبولوج;;يين ال;;ذين تع;;املوا م;;ع ثقاف;;ات‬
‫ومجتمعات العالم العربي واإلسالمي‪ ،‬وإّنما أيضًا ألّن تجربة االثنين معًا تعّبر عن أحد أشكال‬
‫تجليات هذه العالقة‪ ،‬في جانبها األوروبي على األقل‪ .‬فقد حاول كّل من بريتش;;ارد و غيل;;نر‪،‬‬
‫ومن واق;;ع انتمائهم;;ا للثقاف;;ة األوربي;;ة المعاص;;رة‪ ،‬أي باعتبارهم;;ا مثقفين قب;;ل أن يكون;;ا‬
‫أكاديميين‪ ،‬فهم هذا الواقع االجتماعي والثقافي ذي الخاص;;ية العربي;;ة اإلس;;المية‪ ،‬ه;;ذا الواق;;ع‬
‫الذي يقع في مقابل الغرب الثقافي واالجتماعي‪ .‬وكان الهاجس األهم الذي يشّك ل صلب اهتمام‬
‫غيلنر في هذا الجانب – وم;;ا زال ‪ ،-‬ليس التفص;;يالت األثنوغرافي;;ة الممّي زة للثقاف;;ة العربي;;ة‬
‫والمجتمع العربي‪ ،‬وإّنما هي البحث في اآلليات والقوانين المنطقية‪ ،‬التي يعم;;ل وفقه;;ا النظ;;ام‬
‫االجتماعي في هذه البقعة من العالم‪( .‬يتيم‪ ،2001 ،‬ص ‪.)125‬‬

‫‪7‬‬
‫األنثروبولوجيا في الوطن العربي‬

‫لق;;د ق;;ام ‪ /‬إرنس;;ت غيل;;نر ‪ /‬األن;;ثروبولوجي والفيلس;;وف‪ ،‬وع;;بر دراس;;اته اإلثنولوجي;;ة أوًال‬
‫واألنثروبولوجية ثانيًا ‪ ،‬بتحليل جانبين على غاي;;ة من األهمّي ة‪ ،‬يكّو ن;;ان من الث;;وابت الرئيس;ة‬
‫الب;;ارزة في الب;;نى االجتماعي;;ة العربي;;ة ‪ ،‬أال وهم;;ا‪ :‬اإلس;;الم والقبلي;;ة‪ .‬فق;;د قادت;;ه محاولت;;ه‬
‫االستقرائية إلى عمله الحقلي (الميداني( األنثروبولوجي في جبال األطلس في الغرب العربي‪،‬‬
‫بقصد اختبار مفهوم " االنقس;;امية " مث;;ال ‪:‬األس;;رة ‪ /‬العش;;يرة‪ ،‬الب;;داوة ‪ /‬الحض;;ر‪ ،‬الش;;عبي ‪/‬‬
‫الرسمي ‪ ،‬وغيرها من الثنائيات‪ .‬وذلك باعتبار أّن االنقسامية هي السنة البنيوية البارزة للنظم‬
‫القرابية والسياسية في المجتمعات العربية القبلية ‪.‬‬

‫ومثلما ذهب المعّلم ‪ /‬إيفانز بريتش;;ارد ‪ /‬إلى البحث في العوام;;ل المحلّي ة المس;;اعدة في إع;;ادة‬
‫التوازن في االنقسامية القبلية‪ ،‬أي فيما رآه المعّلم من دور لإلسالم باعتباره نظامًا أيديولوجيًا‪،‬‬
‫تجّسد في التنظيم االجتماعي ألبناء برقة (في ليبي;;ا( وفي الحرك;;ة الص;;وفية السنوس;;ية‪ ،‬هك;;ذا‬
‫أيضًا سعى ‪ /‬غيلنر ‪ . /‬وهذا ما أوضحه في كتابه " أولياء األطلس " حين حاول إيضاح كيف‬
‫كان التصّو ف اإلسالمي‪ ،‬يؤّد ي عبر نظام الزوايا واألولياء‪ ،‬أدوارًا تعت;;بر مفص;;لية في إع;;ادة‬
‫التوازن إلى بنى اجتماعية‪ ،‬ي;;دفع به;;ا نظامه;;ا اإليكول;;وجي (البي;;ئي( نح;;و االنقس;;ام المتت;;الي‪.‬‬
‫(يتيم‪ ،‬ص ‪)126‬‬
‫ه;;ذا من جه;;ة‪ ،‬أّم ا من الجه;;ة األخ;;رى‪ ،‬فق;;د ع;;زا معظم الب;;احثين الع;;رب ع;;دم ال;;ترحيب‬
‫باألنثروبولوجيا وانتشارها في العالم العربي‪ ،‬إلى سببين أساسيين ‪:‬‬
‫أولهما ‪ :‬عدم تقّبل فكرة التطّو ر الحيوي عن;;د اإلنس;;ان‪ ،‬ب;;النظر لتعارض;;ها م;;ع الفك;;ر ال;;ديني‬
‫وتفسيراته التي تؤّك د أّن اإلنسان مخلوق من عمل هللا‪ ،‬وليس نت;;اج حلق;;ة تطّو ري;;ة ذات أص;;ل‬
‫حيواني ‪.‬ولكن ثّم ة بعض المفّك رين العرب من دعا إلى التوفيق بين الفك;;رتين‪ ،‬واألخ;;ذ منهم;;ا‬
‫ما يفيد العلم‪.‬‬
‫فبينما يقول الباحث الجيولوجي ال;;دكتور ‪ /‬عب;;د هللا نص;;يف ‪ /‬في كت;;اب " العل;;وم االجتماعي;;ة‬
‫والطبيعّية " ‪ :‬ليس ثّم ة تعارض – مطلقًا‪-‬بين اإليمان ومعرفة اإلنسان عن الكون‪ ،‬واستخدامه‬
‫هذه المعرفة للخير ‪ ..‬نج;د أّن المفّك ر ‪ /‬زكي نجيب محم;;ود ‪ /‬يق;;ول في كتاب;;ه " ه;;ذا العص;;ر‬
‫وثقافته "‪ :‬ليست الشطارة في تخريج المعاني التي تجعلنا نتصّو ر أّن م;;ا ج;;اء ب;;ه ال;;دين‪ ،‬ه;;و‬
‫نفس;;ه م;;ا يجيء ب;;ه العلم في عص;;رنا ‪ ..‬وإّنم;;ا المه;;ارة ك;;ّل المه;;ارة‪ ،‬هي في أن تبص;;رني‬
‫بالطريق الذي أعرف منه كيف آخذ من ال;;دين ح;;افزًا‪ ،‬يح;;ّر ك اإلرادة إلى (ص;;نع( علم جدي;;د‬
‫أقّد مه لنفسي ولإلنسانية جمعاء ‪(.‬محمود‪ ،1980 ،‬ص ‪) 242‬‬
‫وثانيهما ‪ :‬ارتباط نشأة األنثربولوجيا وبداياتها التاريخي;;ة باالس;;تعمار‪ ،‬حيث ك;;انت الدراس;;ات‬
‫تتّم على المجتمعات البدائية والمتخّلفة‪ ،‬بهدف معرفة بنيتها التركيبية وطبيعته;;ا الثقافي;;ة‪ ،‬مّم ا‬
‫يسّهل استعمارها‪ ،‬في الوقت الذي كان فيه المجتمع العربي يع;;اني من االحتالل واالس;;تعمار‪،‬‬
‫ويسعى للتحّرر والتقّد م ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫األنثروبولوجيا في الوطن العربي‬

‫فكما ارتبطت الجغرافيا مثًال‪ ،‬بمشاريع علمية كانت تهدف إلى تحقيق كش;;وفات جدي;;دة تتعّل ق‬
‫بتحديد طبيعة الكرة األرضية‪ ،‬أي التخوم اليابسة منها وأقاليمها وبيئاتها والجغرافي;;ة‪ ،‬وك;;ذلك‬
‫توزيع البحار والمحيطات‪ ،‬وكذلك ارتبطت األنثروبولوجيا واهتماماتها (البيولوجية والثقافي;;ة‬
‫واالجتماعية( بمشاريع اس;تكمال معارفه;;ا ح;ول اإلنس;ان‪ ،‬وبيئات;;ه االجتماعي;;ة والثقافي;;ة‪ ،‬أي‬
‫بتلك المشاريع األنثروبولوجي;;ة ال;;تي ب;;دأت في الغ;;رب‪ ،‬وال;;تي آن األوان الس;;تكمالها خ;;ارج‬
‫أوروبا‪ .‬وقد أتت ظروف االستعمار في القرن التاس;;ع عش;;ر‪ ،‬لتمّه د الطري;;ق لتل;;ك المش;;اريع‬
‫العلمية‪ ،‬وبذلك ارتبط تاريخ الفكر الجغرافي واألن;;ثربولوجي ب;;الخبرة االس;;تعمارية‪ ،‬وبأق;;اليم‬
‫ومجتمعات وثقافات غير غربية‪( .‬يتيم‪ ،2001 ،‬ص‪.)134‬‬

‫وكان أن أّد ت هذه العقلية االختزالية والروح المتحاملة‪ ،‬إلى الس;;يادة مي;;ل هائ;;ل نح;;و تس;;ييس‬
‫المعارف والعلوم‪ ،‬وكذلك المؤّسسات والعالقات الناتج;;ة عنه;;ا‪ .‬وك;;ان من أب;;رز ض;;حايا تل;;ك‬
‫العلوم ‪ :‬الجغرافيا واألنثروبولوجيا‪ .‬وإذا كانت الجغرافيا قد سلمت بجلدها‪ ،‬ألسباب تعود مثًال‬
‫إلى ترّسخ هذا العلم في األكاديميات العربية‪ ،‬منذ األربعينات من القرن العشرين‪ ،‬وإلى إسهام‬
‫العرب المسلمين‪ ،‬البارز في هذا العلم منذ القدم‪ ،‬األمر الذي جع;;ل الع;;رب المعاص;;رين أك;;ثر‬
‫ألفة معه‪ ،‬فإّن األنثروبولوجيا لم تحَظ بهذا القبول‪ ،‬حيث كان نصيب األنثروبولوجيين الع;;رب‬
‫األوائل‪ ،‬أقّل بكثير – إن لم يكن معدومًا‪ -‬عند مجاراتهم باألوروبيين‪.‬‬

‫وهك;;ذا تّم التع;;اطي م;;ع أي اهتم;;ام أوروبي أو غ;;ربي‪ ،‬بالمجتمع;;ات العربي;;ة أو اإلس;;المية‬
‫وثقافاته;;ا‪ ،‬على أّن ه يق;;ع في دائ;;رة األطم;;اع االس;;تعمارية أو الت;;آمر على الع;;رب واإلس;;الم‪.‬‬
‫وأصبح كّل إنسان غربي (يبدي شيئًا من االهتمام بهذه الموضوعات( موضع شبهة وريبة في‬
‫العالم العربي‪( .‬يتيم‪ ،‬ص ‪.)136‬‬

‫وعلى الرغم من اتساع الدراسات األنثربولوجية لتشمل المجتمعات البش;;رية المختلف;;ة‪ ،‬س;;واء‬
‫في تكوينه;;ا أو في درج;ة تطّو ره;;ا‪ ،‬فم;;ا زالت ثّم ة رواس;ب تع;ّو ق اعتماده;;ا كعلم يبحث في‬
‫مشكالت المجتمع العربي وإيجاد الحلول المناسبة لها‪ ،‬وال سّيما القضايا االجتماعية والثقافي;;ة‬
‫واالقتصادية‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫األنثروبولوجيا في الوطن العربي‬

‫المبحث الثاني ‪ -‬نحو أنثروبولوجيا عربية معاصرة‬


‫إّن ت;;وافر المناخ;;ات األساس;;ية لحري;;ة الفك;;ر والج;;دل والمناقش;;ة الموض;;وعية‪ ،‬تع;;ّد من‬
‫الض;;روريات الالزم;;ة لالنطالق بالدراس;;ات األنثروبولوجي;;ة العربي;;ة‪ ،‬وذل;;ك ألّن الع;;رب‬
‫يحتاجون إلى دراسة معّم قة لثقافتهم‪ ،‬كما أّنهم في ال;;وقت ذات;;ه‪ ،‬يحت;;اجون إلى دراس;ة ثقاف;ات‬
‫الشعوب األخرى ‪ .‬فمفهوم الثقافة – بحّد ذاته – رّبما يعّد من أهّم الم;;داخل واإلس;;هامات ال;;تي‬
‫قّد متها األنثروبولوجيا للفكر والعمل اإلنس;انيين‪ .‬فمن خالل الثقاف;ة – وعلى ح;ّد تعب;;ير كالي;د‬
‫كلوكهون‪ -‬تضع األنثروبولوجيا أمام اإلنس;;ان‪ ،‬م;;رآة تمنح;;ه ص;;ورة أوض;;ح لنفس;;ه وأقران;;ه‪،‬‬
‫وتسهم في نشأة المجتمع وطبيعة وظائفه ومنّظماته‪ .‬كما توضح دوافعنا وسلوكاتنا‪ ،‬فضًال عن‬
‫دواف;;ع اآلخ;;رين وس;;لوكاتهم ‪ ..‬وي;;زداد ت;;أثير األنثروبولوجي;;ا وض;;وحًا في مي;;ادين الفلس;;فة‬
‫واآلداب والسياسة ‪ .‬وفي إطار االّتج;;اه الح;;الي‪ ،‬في كث;;ير من البل;;دان العربي;;ة نح;;و التح;;ديث‬
‫واالرتق;;اء‪ ،‬بالمس;;توى االقتص;;ادي واالجتم;;اعي والتكنول;;وجي‪ ،‬دون إح;;داث أض;;رار ب;;القيم‬
‫والتعاليم الدينية‪ ،‬وأسس التراث االجتماعي والتقاليد األصيلة‪ ،‬فإّن لألنثروبولوجيا دورًا كبيرًا‬
‫في إبراز هذا التراث‪ ،‬ودراسة تلك التقاليد وإحياء الحضارة العربية‪.‬‬

‫ويتض;;ح ك;;ذلك‪ ،‬ال;;دور الفّع ال ال;;ذي يمكن أن يؤّد ي;;ه األن;;ثربولوجيون الع;;رب‪ ،‬في مج;;ال‬
‫مشروعات التنمية‪ ،‬وذلك من خالل تحليل مفهومات األنثروبولوجيا الثقافية ودراستها دراس;;ة‬
‫(حقلية( ميدانية ‪( .‬فهيم‪ ،1986 ،‬ص ‪) 268‬‬

‫فإذا تفحصنا مفهوم القبيلة – مثًال‪ -‬نجده يحت;;ّل موقع ;ًا مركزي ;ًا في األنثروبولوجي;;ا اإلس;;المية‬
‫التي يطرحها ‪ /‬إرنست غيلنر ‪ ،/‬ويستخدمه الكث;;يرون من كّت اب (الش;;رق األوس;;ط( لإلش;;ارة‬
‫إلى كينون;;ات اجتماعي;;ة ذات ب;;نًى وأش;;كال عيش مختلف;;ة‪ .‬وانطالق;;ًا من ال;;رؤى لتص;;ّو ر‬
‫أنثروبولوجيا عربية‪ ،‬فإّن ثّم ة أسئلة مطروحة أمام األنثروبولوجيين العرب‪ ،‬ال بّد من اإلجابة‬
‫عنها وتطويرها‪ ،‬من خالل تفّهم النقاط التالية المترابطة ‪( :‬أسد‪ ،2001 ،‬ص‪. )149‬‬

‫‪ -1‬أن تعمل الروايات األنثروبولوجي;;ة المتعّلق;;ة ب;;المثقفين الف;;اعلين‪ ،‬على ترجم;;ة الخطاب;;ات‬
‫التاريخية لهؤالء المثّقفين‪ ،‬وتمثيلها على أّنها استجابات لخطابات اآلخ;رين‪ ،‬ب;دًال من محاول;ة‬
‫التخطيط واالنتزاع التاريخي ألفعالهم ‪.‬‬
‫‪ -2‬أّال ترّك ز التحليالت األنثروبولوجية للبنية االجتماعية على الفاعلين النموذج;;يين‪ ،‬ب;;ل على‬
‫النماذج المتغّيرة للعالقات والظروف المجتمعّية‪ ،‬وال سّيما ما يدعى (باالقتصاديات السياس;;ية‬
‫(‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫األنثروبولوجيا في الوطن العربي‬

‫‪ -3‬إّن تحليل االقتصاديات السياسية (الشرق أوسطية( وتمثيل الواقع اإلس;;المي‪ ،‬هم;;ا نوع;;ان‬
‫من الممارسة المتعّد دة األوجه‪ ،‬وهما مختلف;;ان جوهري;ًا‪ ،‬وال يمكن اس;;تبدال أح;;دهما ب;;اآلخر‪،‬‬
‫على الرغم من إمكانية تجسيدهما بصورة معقولة في البحث نفسه‪ ،‬إذا ما أخذا – بدّق ة – على‬
‫أّنهما خطابان‪.‬‬
‫‪ -4‬إّنه لمن الخطأ تمثيل نماذج اإلسالم‪ ،‬على أّنها مترابطة مع نماذج البنية االجتماعي;ة‪ ،‬ع;بر‬
‫قياس ضمني على البنية الفوقية (األيديولوجية( واألساس االجتماعي ‪.‬‬
‫‪ -5‬وأخ;;يرًا‪ ،‬يجب أن ي;;درس اإلس;;الم في المجتم;;ع الع;;ربي‪ ،‬باعتب;;اره موض;;وعًا للمعرف;;ة‬
‫األنثروبولوجية‪ ،‬وأّن ه ت;;راث متع ;ّد د األوج;;ه‪ ،‬يرتب;;ط بترس;;يخ األخالق في النف;;وس‪ ،‬وبتالؤم‬
‫الناس أو معارضتهم‪ ،‬وبإنتاج معارف مناسبة‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬التحديات التي تواجه األنثربولوجيون العرب‬


‫إّن من بين مهام األنثروبولوجيين العرب إذن‪ ،‬في الوقت الحاضر‪ ،‬أّال تقتص;;ر جه;;ودهم على‬
‫إب;;راز النس;;ق الع;;ربي على الغ;;رب بص;;دد بعض المف;;اهيم النظري;;ة فحس;;ب‪ ،‬أو جم;;ع الم;;ادة‬
‫األثنوجرافية‪ ،‬وإّنما ال بّد أن تتضّم ن دراساتهم أيضًا‪ ،‬الفحص الدقيق لألعمال التراثية به;;دف‬
‫الكشف عن الجوانب المنهجّية المشتركة بين الكّتاب‪ ،‬والتي يكونون قد اس;;تمّد وا من مع;;ارفهم‬
‫وتربيتهم الدينية أساسًا لها‪ .‬وذلك ألّن الحياة العقلية عند الشرقيين – كما يقول توفي;;ق الطوي;;ل‬
‫– كانت أوثق اتصاًال بحياتهم الدينية منها بالتفكير الفلسفي الخالص ‪ .‬فقد امتزج ه;;ذا التفس;;ير‬
‫بالتفكير الديني في شتى العصور اإلنس;;انية‪ ،‬ح;;تى ليمكن الق;;ول ب;;أّن ك;;ل محاول;;ة ته;;دف إلى‬
‫الفصل بينها‪ ،‬تنتهي –ال محالة‪ -‬إلى العجز عن فهم كليهما‪( .‬فهيم‪ ،1986 ،‬ص ‪.)72‬‬

‫إّن مج;;ال األنثروبولوجي;;ا واس;;ع س;;عة الحي;;اة‪ ،‬ويش;;مل الكث;;ير من مظ;;اهر الحي;;اة الفكري;;ة‬
‫باّتجاهاته;;;ا وتياراته;;;ا وم;;;ذاهبها العدي;;;دة‪ ،‬وه;;;و األم;;;ر ال;;;ذي لم يفهم;;;ه الكث;;;يرون من‬
‫األنثروبولوجيين في العالم العربي‪ ،‬مّم ن ضاقت آفاق أفك;;ارهم بحيث انحص;;رت في ع;;دد من‬
‫الموضوعات التقليدية‪ ،‬ال يكادون يخرجون عنه;ا‪ ،‬دون أن يج;دوا في أنفس;هم الج;رأة الكافي;ة‬
‫على ارتياد ميادين المعرفة المختلفة‪ ،‬المتنّو عة والمتباينة ‪ ..‬وقد يكون ذلك راج;;ع إلى ض;;عف‬
‫في اإلعداد العلمي والتكوين الثقافي‪ ،‬وع;;دم إدراك م;;دى اتس;;اع البحث ‪ ..‬ولكّن ه يرج;;ع – بال‬
‫شك – وفي المقام األّو ل‪ ،‬إلى قصور في ملكة التخّي ل وإلى الخ;;وف من االنطالق والمب;;ادرة‪.‬‬
‫(أبو زيد‪ ،2001 ،‬ص ‪)7‬‬
‫ومهما كان واقع األنثروبولوجيا في العالم العربي‪ ،‬فقد اكتسبت أرض;;ّية جدي;;دة من;;ذ الس;;تينات‬
‫من القرن العشرين‪ ،‬حيث حظيت بتفّهم أفضل إلمكانيات استخدامها‪ ،‬لما يحّقق أه;;داف الع;;الم‬
‫العربي في التقّد م واالزدهار‪ .‬وقد تجّلى االهتمام العربي باألنثروبولوجيا‪ ،‬من خالل اعتمادها‬
‫كتخّصصات ومقّر رات دراسية في الجامعات العربية (جامع;;ة الق;;اهرة‪ ،‬جامع;;ة االس;;كندرية‪،‬‬
‫جامعة دمشق‪ ،‬الجامعة اللبنانية ‪،‬جامعة البحرين ‪ ...‬وغيرها)‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫األنثروبولوجيا في الوطن العربي‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬اسهامات األنثربولوجيون العرب‪.‬‬


‫وتتجلّى أيض ;ًا في قي;;ام الكث;;ير من الب;;احثين األنثروبولوج;;يين الع;;رب‪ ،‬بت;;أليف الكتب ح;;ول‬
‫اإلنس;;ان وأص;;وله وحض;;ارته‪ ،‬مف;;اهيم األنثروبولوجي;;ا وتطبيقاته;;ا في الدراس;;ات الثقافي;;ة‬
‫واالجتماعية‪ ،‬منها على سبيل المثال ‪ :‬كتاب (األنثروبولوجي;;ا( ت;;أليف اب;;راهيم زرقان;;ة‪ ،‬ع;;ام‬
‫‪ .1958‬وكتاب (اإلنسان – دراسة في النوع والحضارة( ت;;أليف محم;;د ري;;اض‪ ،‬ع;;ام ‪.1974‬‬
‫وكتاب (الحضارة‪ -‬دراسة في أصولها وقيامها‪ ،‬وعوامل تدهورها( تأليف حسين مؤنس عام‬
‫‪ .1978‬وكتاب (البن;;اء االجتم;;اعي – م;;دخل لدراس;;ة المجتم;;ع( ت;;أليف أحم;;د أب;;و زي;;د‪ ،‬ع;;ام‬
‫‪ .1980‬وكتاب (األنثروبولوجيا االجتماعي;;ة( ت;;أليف ص;;فوح األخ;رس‪ ،‬ع;;ام ‪ .1984‬وكت;;اب‬
‫(األنثروبولوجيا‪ -‬علم اإلناسة( تأليف علي الجباوي‪ ،‬عام ‪ .1997‬وغيرها ‪.‬‬
‫وثّم ة بعض الدراسات الميدانية التي قام بها عدد من الباحثين الع;رب‪ ،‬في من;اطق متع;ّد دة من‬
‫الوطن العربي‪ ،‬ونشرت هذه الدراسات في الدوريات (المجالت( العلمية العربية‪ ،‬ومنه;;ا على‬
‫سبيل المثال ‪( :‬مجّلة ع;;الم الفك;;ر‪ ،‬ال;;تي تص;;درها وزارة اإلعالم الكويتي;;ة‪ ،‬ومجّل ة المس;;تقبل‬
‫العربي‪ ،‬التي تصدر عن مركز دراسات الوح;;دة العربي;;ة في ب;;يروت‪ ،‬ومجل;;ة الفك;;ر الع;;ربي‬
‫المعاصر‪ ،‬التي تصدر عن مركز اإلنماء العربي في ب;;يروت وب;;اريس‪ ،‬إض;;افة إلى المجَالت‬
‫ال;;تي تص;;در عن كلّي ات اآلداب والعل;;وم اإلنس;;انية‪ ،‬في الجامع;;ات العربي;;ة‪ .‬إلى الن;;دوات‬
‫واالجتماع;;;ات‪ ،‬على غ;;;رار االجتم;;;اع التحض;;;يري ال;;;ذي عق;;;ده االتح;;;اد ال;;;دولي للعل;;;وم‬
‫األنثروبولوجية في مصر‪( ،‬كانون الثاني ‪)1986 /‬‬

‫إّن هذه التوّجهات‪ ،‬تبّش ر – دون شك – بأن لألنثروبولوجيا العربية مس;;تقبًال زاه;;رًا‪ ،‬ش;;ريطة‬
‫أن تعّم ق هويتها العربية‪ ،‬سواء في منطلقاته;;ا النظري;;ة‪ ،‬أو في أه;;دافها التطبيقّي ة‪ ،‬وأن تبتع;;د‬
‫مادتها عن النقل من دون نقد أو تطوير‪ .‬وإذا ما تّم لها ذلك‪ ،‬يمكن أن تتعّز ز أص;;التها العربي;;ة‬
‫وإسهاماتها العالمية‪ ،‬في هذا الميدان‪ .‬وهذا ما أّك ده ‪ /‬ك;;ارلتون ك;;وون ‪ /‬من;;ذ ع;;ام ‪ ،1953‬في‬
‫مقالة لـه بعنوان " أنثروبولوجيا العرب " حيث قال ‪:‬‬
‫" من األمور الحيوية‪ ،‬أن تقوم الشعوب التي تقطن البالد العربية بالمشروعات الخاص;;ة به;;ا‪،‬‬
‫وأن تجد الوسائل ال;تي ترف;ع مس;تويات المعيش;ة لس;كان جميعهم‪ ،‬ال لمص;لحة ه;ذه الش;عوب‬
‫فحسب‪ ،‬ولكن لصالح العالم كّله ‪ ...‬فعلى الع;;رب أن يعن;;وا باألنثروبولوجي;;ا ويدرس;;وها أك;;ثر‬
‫مّم ا درسوها‪ ،‬مدركين تلك الحقيق;;ة ال;;تي تتلّخ ص في أّن خ;;ير طري;;ق يتبع;;ه أي إنس;;ان أو أي‬
‫شعب‪ ،‬إذا أراد أن يصنع أي شيء من األشياء‪ ،‬هو أن يحزم أمره ويصنعه بنفسه " (نقًال عن‬
‫‪ :‬فهيم‪ ،1986 ،‬ص ‪)269‬‬

‫‪12‬‬
‫األنثروبولوجيا في الوطن العربي‬

‫ال شّك إّن في ذلك تحف;;يزًا على إيج;;اد أنثروبولوجي;;ا عربي;;ة‪ ،‬تّتج;;ه دراس;;اتها نح;;و مش;;كالت‬
‫المجتمع العربي‪ ،‬وتسهم في تقّد مه بما يتناس;;ب م;;ع معطي;;ات العل;;وم اإلنس;;انية المختلف;;ة‪ ،‬ألّن‬
‫الجه;;ل به;;ذه العل;;وم‪ ،‬وال س;ّيما علم األنثروبولوجي;;ا‪ ،‬م;;ا زال س;ائدًا – إلى ح;ّد م;;ا – ويع;ّو ق‬
‫الدراسات الجدّية والموضوعية لطبيع;ة الثقاف;ات األخ;رى وإس;هاماته اإلنس;انية‪ ،‬ال;تي ت;ؤّد ي‬
‫بالتالي إلى فهم حقيقي لطبيعة المساهمة العربية في الثقافة اإلنسانية‪ ،‬وحجم هذه المساهمة ‪.‬‬
‫وفي ذلك دعوة إلى فتح النوافذ الثقافية العربية على الثقافات األخرى‪ ،‬وال سّيما تل;;ك الثقاف;;ات‬
‫التي يمكن االستفادة منها في التعّر ف إلى ثقافة العصر ودراستها واالقتداء بها‪ ،‬بما ينسجم مع‬
‫جوهر الشخص;;ّية العربي;;ة المتم;;ايزة‪ ،‬وم;;ع مقّو م;;ات الثقاف;ة العربي;;ة‪ ،‬بم;;ا في ذل;;ك التي;;ارات‬
‫الفكرية واالتجاهات والمذاهب األدبية والفنية‪ ،‬واالنتقاء منها واإلغضاء عن أس;;طورة الغ;;زو‬
‫الثقافي‪ .‬فالثقافات كّلها – ومنها الثقافة العربية – تنمو وتزدهر وتتقّد م‪ ،‬باالّتص;;ال واالحتك;;اك‬
‫والتأثير المتبادل‪ ،‬واالستعارة واالستيعاب‪( .‬أبو زيد‪ ،2001 ،‬ص‪(10‬‬
‫وه;ذا م;;ا يجب أن تؤّس س لـه الدراس;ات األنثروبولوجي;;ة العربي;;ة المعاص;;رة‪ ،‬بحيث تظه;;ر‬
‫بجالء تلك العالقة بين الحضارة العربية والحضارة اإلنسانية‪ ،‬ومن جوانبه;;ا المختلف;;ة‪ ،‬بعي;;دًا‬
‫عن األحك;;ام المس;;بقة‪ ،‬واألخ;;ذ ب;;الفكر األن;;ثروبولوجي النق;;دي والمق;;ارن‪ ،‬وتط;;بيق م;;ا يمكن‬
‫تطبيق;;ه من نظري;;ات األنثروبولوجي;;ا‪ ،‬بم;;ا يتناس;;ب م;;ع طبيع;;ة المجتم;;ع الع;;ربي‪ ،‬وتركيبت;;ه‬
‫التاريخية (الديمغرافية والثقافية (‪..‬‬

‫خاتمة ‪:‬‬
‫إن االنتروبولوجيا باعتبارها معرفة أكاديمية‪ ،‬ظهرت "رقم;;ا مجه;;وال" في الفك;;ر الجزائ;;ري‬
‫خالل العقود األربعة التي تلت االستقالل‪ ،‬وهذا لمكانتها الهشة داخل الجامعة الجزائري;;ة‪ ،‬ب;;ل‬
‫وحتى لمكانتها المتواضعة داخل المؤسسات العلمية الغربية‪ ....‬وم;;ع ذل;;ك ب;;دأ ه;;ذا العلم يث;;ير‬
‫اهتم;;ام المجتم;;ع العلمي الجزائ;;ري بش;;كل موس;;ع‪ ،‬وذل;;ك لم;;ا يتيح;;ه من مم;;يزات في مج;;ال‬
‫الدراسة الميدانية وأيضا فيما يخص تكوين الشخصية العلمي;;ة‪ ...‬ول;;ذلك أص;;بح االلح;;اح قوي;;ا‬
‫لتجاوز هشاشة هذه المعرفة العلمية والعمل على تعزيز دعائمها في المجتمع الجزائ;;ري نح;;و‬
‫أف;;اق مس;;تقبلية واع;;دة ‪ ....‬وه;;ذا لن يت;;أتى إال بإع;;ادة بعث ه;;ذا العلم بأص;;ول نظري;;ة منقح;;ة‬
‫ومنهجية جديدة‪...‬‬

‫‪13‬‬
‫األنثروبولوجيا في الوطن العربي‬

‫مصادر البحث ومراجعه ‪:‬‬


‫‪ -‬أبو زيد‪ ،‬أحمد (‪ (2001‬الطريق إلى المعرفة‪ ،‬كتاب العربي ‪ ،46‬مجّلـة العربي‪ ،‬الكويت ‪.‬‬
‫‪ -‬أس;;د‪ ،‬طالل (‪ (2001‬فك;;رة أنثروبولوجي;;ا اإلس;;الم‪ ،‬تع;;ريب ‪ :‬سامــر رش;;واني‪ ،‬مجّل ة‬
‫االجتهاد‪ ،‬عدد ‪ ،55‬السنة ‪ ،13‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬الشيال‪ ،‬جمال الدين (‪ (1958‬رفاعة الطهطاوي‪ ،‬دار المعرف بمصر ‪.‬‬
‫‪ -‬فهيم‪ ،‬حسين (‪ (1986‬قّص ة األنثروبولوجيا – فصول في تاريخ اإلنسان‪ ،‬عالم المعرفة‬
‫(‪ ،( 198‬الكويت‬
‫‪ -‬محم;;ود‪ ،‬عب;;د الحليم (‪ (1968‬التفك;;ير الفلس;;في في اإلس;;الم‪ ،‬مكتب;;ة األنجل;;و المص;;رية‪،‬‬
‫القاهرة ‪.‬‬
‫‪ -‬يتيم‪ ،‬عبد هللا عبد ال;رحمن (‪ (2001‬من المح;راث إلى الكت;اب‪ ،‬مجّل ة االجته;اد‪ ،‬ع;دد ‪،55‬‬
‫السنة ‪ ،13‬بيروت ‪.‬‬

‫‪14‬‬

You might also like