Professional Documents
Culture Documents
مدخل عام إلى الفلسفة المسيحية في العصور الوسطى
مدخل عام إلى الفلسفة المسيحية في العصور الوسطى
:المحاضرة السابعة
إذا كان هذا املقياس يهتم أيضا بدراسة الفلسفة املسيحية فإنه ال يستقيم األمر دون احلديث عن مصطلح
Moyen- مهم يشكل االطار الذي من خالله نفهم روح الفلسفة املسيحية وتوجهاهتا ونقصد به :العصر الوسيط
وأحيان ا ي أيت بص يغة اجلم ع العص ور الوس طى .فبعض الكتاب ات حني تتن اول الفلس فة املس يحية فإهنا توظ ف âge
مصطلح الفلسفة يف العصور الوسطى للتعبري عن الفلسفة املسيحية ،ومن قد تضاف كلمة "أوروبية" للتخصيص
أكثر فتصبح الفلسفة يف العصور الوسطى من أجل متييزها عن باقي الفلسفة اليت سادت يف مرحلة العصور الوسطى
مث ل الفلس فة االس المية والفلس فة اليهودي ة .وينبغي أن نفهم أن احلديث عن الفلس فة يف العص ور الوس طى مرتب ط
بالفلسفة املسيحية أكثر منها بالفلسفة اإلسالمية واليهودية على الرغم من أن هاتان الفلسفتان األخريتان تنتميان
زمنيا إىل مرحلة العصور الوسطى.
زمنيا ،هناك اختالف حول حتديد االطار الزمين للعصور الوسطى ،فهناك بعض الكتابات تعترب أن العصور
الوسطى ،كما تشري يف معناها ،تعين املرحلة الوسطى اليت متتد من هناية احلضارة اليونانية-الرومانية وبداية العصر
احلديث ال ذي ب دأ يتش كل م ع حرك ة االص الح ال ديين والنهض ة األوروبي ة ،أي مرحل ة وس طى بني س قوط روم ا
عاصمة االمرباطورية الرومانية عام 476م ،وسقوط القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية سنة 1453م على أيدي
العثمانيني ،فتارخييا تبدأ إذن مع القرن اخلامس امليالدي إىل غاية القرن اخلامس عشر .وهناك بعض الكتابات جتعل
مرحلة العصور الوسطى أوسع لتشمل بداية املسيحية وبالتحديد مع أباء الكنيسة إىل غاية القرن اخلامس عشر،
وهناك من جيعلها أضيق حيث يعترب بدايتها فقط مع عصر النهضة األوروبية األوىل اليت حدثت يف القرن التاسع مع
اجلهود اليت قام هبا امللك شارملان من أجل بعث روح فكرية جديدة.
إذا كان هناك اتفاق حول هناية العصور الوسطى فإن هناك تباين حول بداياهتا .فالرأي الذي يعرتها تبدأ مع
القرن اخلامس فهذا ألنه يربطها حبدث مهم يتمثل يف هو سقوط االمرباطورية الرومانية واختاذ املسيحية دينا للدولة
ال ذي ك ان م ع هناي ة الق رن الراب ع ،ه ذا التح ول أعلن هناي ة الع امل الق دمي (اليون اين-الروم اين) وبداي ة ع امل جدي د
(مس يحي) .وأم ا ال رأي ال ذي يعت رب ب داياهتا م ع ب القرن التاس ع فه ذا ألن ه يربطه ا حبدث مهم يتمث ل يف النهض ة
.المحاضرة السابعة :مدخل عام إلى الفلسفة المسيحية في العصور الوسطى
الكارولوجنية اليت قام هبا امللك شارملان Charlemagneيف القرن التاسع حينما أنشأ مدارس تعليمية أحدثت هنضة
فكرية كبرية يف العصور الوسطى بعد الركود الفكري الكاسح نتيجة هناية العامل القدمي وغلق املدارس الرومانية
وتراجع اللغة الالتينية .وأما الرأي الذي يعترب بداياهتا مع القرن الثاين فهذا ألنه يربطها مبرحلة آباء الكنيسة اليت
عرفت بدايات تشكل الفلسفة املسيحية ونضجها مع القديس أوغسطني.
واستنادا إىل هذه اآلراء ميكن تقسيم العصور الوسطى إىل مرحلة اآلباء Age patristiqueاليت متتد من القرن
الث اين إىل غاي ة الق رن الس ابق الس ابع ،واملرحل ة الثاني ة املتمثل ة يف املرحل ة االس كوالئية ال يت تب دأ م ع الق رن التاس ع
لتنتهي م ع ب دايات الق رن اخلامس عش رُ .ع رفت مرحل ة اآلب اء باالس تثمار الكب ري يف الفلس فة القدمية لل دفاع عن
املسيحية ضد الوثنية والغنوصية ،ومن أشهر ممثليها القديس أوغسطني الذي تأثر كثريا بأفكار األفالطونية احملدثة.
أما املرحلة الثانية فهي املرحلة اليت بدأت مع القرن التاسع وتنتهي مع بدايات القرن اخلامس عشر ،ويشار إليها
باملرحلة اإلسكوالئية أو املدرسية نسبة إىل التعليم الذي كان يف املدارس اليت أنشأها شارملان.
ويف املرحلة اإلسكوالئية ميكن التمييز بني ثالثة هنضات أو مراحل فكرية األوىل :االسكوالئية املبكرة اليت
تبدأ من القرن احلادي عشر إىل غاية القرن الثاين عشر ويف هذه املرحلة ساد النقاش حول مسألة الكليات ،املرحلة
الثاني ة متت د من الق رن الث اين عش ر إىل غاي ة الق رن الث الث عش ر وهي مرحل ة اكتش اف فلس فة أرس طو وهن ا نش ب
ص راع بني ال دومينيكان ال ذين يناص رون فلس فة أرس طو والفرانسيس كان ال ذين يناص رون فلس فة أفالط ون ،ومن
الفالس فة ال ذين اش تهروا يف ه ذه املرحل ة ن ذكر توم ا االكوي ين ال ذي ح اول التوفي ق بني األرس طية واملس يحية،
واملرحلة األخرية ومتثل االسكوالئية املتأخرة اليت ظهرت يف القرن الرابع عشر ومتيزت بالثورة على النظم الفكرية
القدمية وامليل إىل املعرفة التجريبية ومن أشهر ممثليها جند وليام أوكام.
السمة الرئيسية اليت طبعت العصور الوسطى األوروبية هو طغيان الدين الكنسي على احلياة الفكرية ،حيث
كان الفكر يف هذه املرحلة توجهه الكنيسة بالطريقة اليت ختدم غاياهتا ومصاحلها .يف املرحلة السابقة على العصور
الوسطى ،أي يف الفلسفة اليونانية-الرومانية كان الفكر مستقل عن الدين ومل يكن له سلطة على الفالسفة ،ولكن
طيلة املرحلة املمتدة من سقوط روما إىل غاية هناية العصور الوسطى وبداية عصر النهضة واالصالح الديين كان
الوضع خمتلفا متاما فالفكر يف هذه املرحلة كان ينشط حتت أنظار الكنيسة والذي منح هذه الشرعية هلا هو تبين
املس يحية دين ا رمسيا للدول ة فأص بحت الكنيس ة هي املؤسس ة ال يت تس ري أم ور ال دين والفك ر وإىل اإلم رباطور تع ود
مهمة تسيري شؤون الدنيا ،وأما العقل فلم تكن له غاية أخرى سوى خدمة الكنيسة وتربير سيطرهتا ،وأمام هذا
.المحاضرة السابعة :مدخل عام إلى الفلسفة المسيحية في العصور الوسطى
الوضع اخلاضع متاما لسلطة الكنيسة مل تظهر أية شروط فلسفة اجتماعية متماسكة بإمكاهنا أن تواجه وتثور على
هيمنته ا ،وك ان لزام ا انتظ ار بداي ة عص ر النهض ة ح ىت يتم احي اء ال رتاث الروم اين وتظه ر أفك ارا جدي دة وتنطل ق
حركة االصالح لتعيد رسم عالقة اإلنسان بالرب ويتم حترير الفكر من شراك الكنيسة.
مل تكن عالقة العقل باإلميان عالقة بسيطة يف العصور الوسطى حبيث ميكن أن يتفقا أو خيتلفا دون أن حيدث
ذل ك ص داما عنيف ا بينهم ا ألن الكنيس ة يف واق ع األم ر مل تكن تف رض ذاهتا باعتباره ا منظوم ة من احلق ائق ميكن
مناقشتها أو رفضها أو تأكيدها علميا وعقليا وإمنا تفرض ذاهتا فرضا على حنو ما يفعل الكيان السياسي أو القواعد
القانوني ة ال يت ينبغي الرض وخ هلا وتطبيقه ا .فلم تكن هن اك امكاني ة ملعارض ة أفك ار الكنيس ة أو ح ىت مناقش تها
واملوقف الوحيد املتاح هو تأييد مصاحلها اعالء الوالء هلا.
وك ان التعليم يف العص ور الوس طى يش تغل بالطريق ة ال يت ختدم ال دين وتؤك د حقائق ه .وك انت العل وم ال يت
ت درس تس مى ب الفنون احلرة وتنقس م إىل قس مني ثالثي ة ورباعي ة ،أم ا األوىل فهي :النح و والص رف واخلطاب ة
(اجلدل) ،أما الرباعية فتشمل احلساب واهلندسة والفلك واملوسيقى .وهذه العلوم مل تكن هلا غاية يف ذاهتا وإمنا يتم
تعليماها بالقدر الذي تشكل فائدة يف علم االهليات فاألوىل جتد مربرها يف ضرورهتا لقراءة الكتاب املقدس وتعاليم
آباء الكنيسة وشرحها وفهمها ،وأما الرباعية فهي ضرورية حلساب مواقيت الطقوس واألعياد الدينية ،هلذا مل تكن
هناك مساعي لتطوير هذه العلوم ونشرها يف العصور الوسطى ألن الغاية منها حمددة سلفا وبالقدر الذي تسهم يف
خدمة الكنيسة.
إذا كان العلوم يف العصور الوسطى موجهة بالطريقة اليت ختدم الدين فإن منهج املعرفة نفسه كان خيضع
بوليتزر Georges Politzer لتوجيه الكنيسة حيث كان كل شيء يفسر عن طريق الدين ويف ذلك يقول جورج
»تفسر الكنيسة القروسطية اجملتمع والدولة باهلل ،كذلك كانت تفسر باهلل علمها .فنظرياهتا كافة حتيط هبا "هالة
التكريس اإلهلي" .وتعاليم الدين األساسية ،العقائد ،موحى هبا من اهلل ،وهذا الوحي حجة قاهرة يف تأييد صحتها
( )...ومنهج الوص ول إىل احلق ائق ليس دراس ة الوق ائع(الطبيع ة)وإمنا دراس ة النص وص « وب ذلك ف إن املعرف ة
القروس طية جتد ص دقها مبدى تش بثها احلريف باحلق ائق ال يت أوحى هبا اهلل حيث ك ان اجله د الفك ري يف العص ور
الوسطى يتجه إىل شرح النصوص وتأويلها وليس إىل الطبيعة وتفسريها ،حىت عملية دراسة هذه النصوص وتأويلها
كان يقوم هبا أهل الثقات الذين ميزهم اهلل بكرامات متكنهم من بلوغ بعض احلقائق اليت عرضها على البشر ومل
يكن الـتأويل أبدا متاحا للجميع ،ويف تأويلهم كانوا يسريون على خطى من سبقوهم من الشراح الثقات .ما يعين
.المحاضرة السابعة :مدخل عام إلى الفلسفة المسيحية في العصور الوسطى
أن املعرفة يف العصور الوسطى كانت يف أحسن أحواهلا إعادة إنتاج ما مت إنتاجه من قبل .مل تكن هناك أية حرية
يف التفكري يف العصور الوسطى ألن املنهج السائد آنذاك كان يلغي أية حماولة يف اإلبداع أو حىت االعرتاض عما ه و
سائد ،أو وضع ما أسسه السابقون من الثقات (رجال الدين) موضع مسائلة ،وكانت الكنيسة تفرض رقابتها على
العق ول وتقم ع ك ل فك ر ح ر .هلذا ف إن دور العق ل ه و خدم ة ال دين والتأكي د على احلق ائق ال يت أنزهلا اهلل بطريق ة
عقلية فكانت بذلك» :مهمة العقل أن يثبت ذلك على وجه التحديد وأن يكدس األدلة يف صاحل الالهوت « وإذا
وصل العقل إىل شيء آخر غري هذه احلقائق فمعىن ذلك أنه قد ضل الطريق.
يف العص ور الوس طى» :ك انوا مييل ون للش روحات والش روحات على الش روحات إىل م ا الهناي ة « وب ذلك
أغرقوا العامل باستدالالت وحتليالت عقلية تدور حول الهوت عقيم ال يؤدي إىل أي مضمون جديد سوى تنقية
وهتذيب منهج االس تدالالت وال رباهني الص ورية .وق د س اورا يف ه ذا الطري ق أمي اال تق در أل ف س نة أو تزي د.
وباالستناد إىل هذا الوضع الفكري واأليديولوجي الذي ساد يف العصور الوسطى املسيحية جاءت األطروحة اليت
تعترب العصور الوسطى هي عصور ظالم ألن العقل مل يكن يشتغل بشكل مستقل بل كان موجها من طرف رجال
الدين بالطريقة اليت خيدم االميان الكنسي.
وباملقابل هناك موقف آخر يقدم قراءة متفهمة للعصور الوسطى املسيحية وال يتبىن موقفا معاديا هلا حيث
يذهب هذا املوقف إىل ضرورة التمييز يف العصور الوسطى بني املرحلة املبكرة ( من القرن اخلامس إىل غاية القرن
العاشر) اليت شهدت ركودا فكريا وانتشار اجلهل نتيجة غلق املدارس القدمية وانكماش الثقافة الرومانية وتراجع
اللغة الالتينية ،واملرحلة املتأخرة اليت امتدت( من القرن احلادي عشر إىل القرن الرابع عشر) اليت عرفت انتعاشا
فكري ا نتيج ة اكتش افه العقالني ة األرس طية من خالل الفالس فة املس لمني ،حيث مت تأس يس اجلامع ات( الس وربون،
اكسفورد بولونيا )...وتـأسست مراكز ترمجة لنقل علوم املسلمني وفلسفتهم فبدأت تتشكل العقالنية املسيحية اليت
ت دعوا إىل تأوي ل النص وص املقدس ة بطري ق عقلية وظه رت ه ذه العقالنية بش كل واض ح يف فلسفة الق ديس أبيالر
وبلغت قمته ا يف فلس فة الق ديس توم ا اإلكوي ين .إن اكتش اف فلس فة أرس طو أح دث ه زة فكري ة يف معتق دات
العصور الوسطى املسيحية ،حيث أصبح العقل وألول مرة يطالب اإلميان تربير صحة مقوالته وحقائقه ،وهو واقع
مل يكن قبل ذلك ممكنا .مساعي التوفيق بني الدين املسيحي والفلسفة اليونانية كانت مع بداية ظهور املسيحية أي
مع عصر اآلباء وتعد فلسفة القديس أوغسطني أحسن معرب عن مساعي هذا التوفيق ،وكانت فلسفة أوغسطني
األفالطوني ة هي املهيمن ة على فك ر العص ور الوس طى ح ىت اكتش اف فلس فة أرس طو ،حيث مت االبتع اد عن فلس فة
أوغس طني ومع ه فلس فة أفالط ون وح ل مكاهنا فلس فة أرس طو .ولكن فلس فة أوغس طني ك انت افالطوني ة بامتي از
.المحاضرة السابعة :مدخل عام إلى الفلسفة المسيحية في العصور الوسطى
وكان من السهل حتقيق التوافق بني الفلسفة املثالية األفالطونية واملسيحية بسبب التقارب بينهما ،أما فلسفة أرسطو
فك انت فلس فة عقلي ة منطقي ة وواقعي ة تتع ارض م ع احلق ائق االمياني ة املس يحية .هلذا ينبغي التمي يز بني عقلن ة االميان
املسيحية اليت أسسها أوغسطني وعقلنة االميان املسيحي اليت أسسها توما االكويين ،األوىل كانت يف مقابل فلسفة
أفالطون املثالية والثانية يف مقابل فلسفة أرسطو الواقعية.
وعندما نتحدث عن العقالنية يف العصور الوسطى بفعل تأثري فلسفة أرسطو ينبغي أن نضع هذه الصفة يف
معناها الداليل اخلاص هبذه املرحلة ،فال ميكن املقارنة بني العقالنية يف املرحلة احلديثة والعقالنية يف العصور الوسطى
وق د أش ار أرنس ت كاس رير إىل ذل ك بقول ه» :وال زعم بوج ود عقالني ة وس يطة ي دل على ع دم الدق ة والكفاي ة يف
القول .فلم تتسع املذاهب الوسيطة ألي مكان لنوع مذهبنا العقالين احلديث أي للنزعة الفكرية اليت نصادفها عند
ديك ارت وس بينوزا و ليبني تز ،أو عن د فالس فة الق رن الث امن عش ر .فلم يتش كك أي فيلس وف مدرس ي يف املكان ة
الس امية ألي ة حقيق ة م وحى هبا ( )...ومل يكن مب دأ اس تقالل العق ل معروف ا يف الفك ر الوس يط .فالعق ل ال يس تمد
نوره من نفسه بل يلزمه منبع أعظم يستنري به ،كي يقوم بعمله « هلذا ال ميكن املقارنة بني النور الذي ينبعث من
مشوع الكنائس واألنوار اليت يكون منبعها العقل.
ميكن تقسيم مص ادر الفلسفة املس يحية إىل قسمني مصادر دينية ممثلة يف العهد القدمي والعهد اجلديد،
ومصادر فكرية فلسفية يونانية ،اسالمية عربية ويهودية.
أ-المصادر الدينية:
يعد الكتاب املقدس املصدر الديين الرئيسي للفلسفية املسيحية ،حيث يقول ف ":لو سألنا مفكرا من القرن
الوسيط أن يسمي ،وفقا لتسلسل األمهية ،منابع فلسفته ،ألعطى بكل تأكيد املقام األول للكتاب املقدس ،لكالم
اهلل كما وجده مودعا يف أسفار العهدين القدمي واجلديد" .ويتألف الكتاب املقدس عند املسيحيني من العهد القدمي
والعه د اجلدي د ،أم ا العه د الق دمي فه و ذل ك الكت اب ال ذي ينظم عالق ة ب ين اس رائيل باهلل ،ويش مل يش مل أس فار
التوراة واألنبياء وأسفار الكتابات ،أما العهد اجلديد فهو خاص باملسيحيني ويظم أربعة أسفار وتسمى باألناجيل،
أثنني منها حتمل اسم تالميذ اليسوع مها "مىت" و"يوحنا" وأثنني من معاوين القديس بولس مها "مرقس" و"لوقا"،
وموضوع كل هذه األناجيل رواية السرية الذاتية لليسوع .وكتابة هذه األناجيل على املرجح ابتدأت قبل عام 70
ميالدي وانتهت مع هنية القرن امليالدي األول أو بداية الثاين.
.المحاضرة السابعة :مدخل عام إلى الفلسفة المسيحية في العصور الوسطى
يف البداية كان يعتقد أن ابن جربول عريب مسلم ومل يتم التحقق من هويته اليهودية إال مع القرن .19
.المحاضرة السابعة :مدخل عام إلى الفلسفة المسيحية في العصور الوسطى
بالعربية وترجم إىل العربية مث إىل الالتينية قبل ،1230فقد أثر مبقاربته التوفيقية بني األرسطية والرتاث اليهودي يف
كل من توما االكويين واكهارت
- 3إشكالية الفلسفة المسيحية:
هل ميكن احلديث عن "فلسفة مسيحية" دون أن يثري ذلك إشكاال فلسفيا؟ سؤال طرحه اتيان جيلسون يف
كتاب ه روح الفلس فة املس يحية ،كطري ق ملعاجلة طبيع ة العالق ة ال يت ترب ط بني الفلس فة وال دين عموم ا والفلس فة
واملسيحية بشكل خاص .هذه العالقة تطرح بإحلاح بطبيعة الفكر الذي ساد يف مرحلة العصور الوسطى ألن روح
هذه املرحلة ووعيها كان يتمثل يف الدين وانسان هذه املرحلة حينما فكر وأعمل دواليب عقله كان جل تفكريه
مرتبط باملسائل الدينية ،فانتج لنا ما ميسى بالفلسفة االسكوالئية فهل هذه الفلسفة املرتبطة بالدين تستحق أن نطلق
عليها لقب "الفلسفة"؟ لإلجابة عن هذه االشكالية أورد اتيان جيلسون ثالثة مواقف متباينة.
األول :ذل ك ال ذي أورده املؤرخ ون ،والث اين يتمث ل يف موق ف الفالس فة ،والث الث وه و موق ف ميثل ه
االس كوالئيني .أم ا املوق ف األول ف ريى أن ال يوج د ش يء ميكن أن نس ميه فلس فة يف العص ور الوس طى وم ا ه و
موجود إمنا هو جمرد الهويت مت مزجه بالفلسفة اليونانية .فكل ما يسمونه فلسفة هو جمرد أفكار أفالطونية وأرسطية
مت تطبيقه ا على ال دين ،ويف أحس ن أح واهلم هي حماول ة اجلم ع بني أفالط ون وأرس طو .إن ه ذا املوق ف ينفي نفي ا
مطلقا أن تكون للعصور الوسطى فلسفة خاصة هبا ،نابعة من داخلها ومن ابداعها بل كل ما نسميه فلسفة هي
من لدن الفكر اليوناين.
أما املوقف الثاين فيمثله العقليون اخللص وهو موقف نابع من تشريح طبيعة العالقة اليت تربط بني الفلسفة
باعتباره ا مي داين التفك ري العقلي وال دين مي دان االميان ،والعق ل واالميان حس ب ه ذا املوق ف متناقض ان وال ميكن
اجلمع بينهما ألنه ال ميكن اجلمع والتوفيق بني الفلسفة اليت تقوم على العقل والوحي الذي قوامه الالمعقول ومنه
فإنه مصطلح الفلسفة املسحية ال يستقيم منطقيا ألهنا متناقضان جذريا.
أم ا املوق ف الث الث فه و ال ذي متثل ه االس كوالئية اجلدي دة .وينقس م إىل ثالث ة آراء .رأي يعتق د أن الفلس فة
وس يلة تس اعد اإلنس ان لقب ول بعض احلق ائق الديني ة ،ويف ه ذه احلال ة ال توج د فلس فة مس تقلة ب ذاهتا وإمنا تابع ة
لالهوت ،ويتجلى هذا الرأي يف األوغسطينية اليت تعترب أن اإلميان هو الذي يقود إىل التعقل(أؤمن ألتعقل) ،وال رأي
الثاين والذي متثله الفلسفة التوماوية يعترب أن الفلسفة جزء من الالهوت وتابع ة له ،ولكن يؤمنون أن العقل هو
الذي يقود إىل اإلميان( ،أتعقل ألؤمن) ،وما مييز الرأي األول والثاين هو أن ليس هناك فلسفة مسيحية فاألول مبا
أنه مينح األولوية لإلميان على العقل فهو يف النهاية ال يؤمن سوى بالالهوت املسيحي ،أما الرأي الثاين فهو يعترب أن
.المحاضرة السابعة :مدخل عام إلى الفلسفة المسيحية في العصور الوسطى
اإلميان ال ميكن الغائ ه ولكن مينح األولوي ة للعق ل على اإلميان ،ولكن ،يف النهاي ة ،وه و مينح األولوي ة للعق ل فإن ه ال
ش يء مييزه عن موق ف املؤرخني والفالس فة الل ذين يؤمن ون بالعق ل فق ط وب ذلك ينفي ض منيا وج ود "فلس فة
مسيحية" ،ألنه يف النهاية ال يعرتف سوى بالعقل .ورأي ثالث يؤمن بوجود "فلسفة مسيحية حق ة" هلا أصالتها
وإبداعاهتا .وهذا الرأي األخري هو الذي يدعمه اتيان جيلسون ويدافع عنه ،ويف احلقيقة فإن هذا الرأي هو حماولة
للتوفي ق ال رأي األول وال رأي الث اين .وذل ك من خالل توف ري حتلي ل طبيع ة العالق ة ال يت مجعت الفك ر الفلس في م ع
املس يحية وم ا هي األش ياء ال يت أخ ذهتا من الفلس فة وم اهي األم ور ال يت أض افتها مبع ىن حماول ة القبض على روح
الفلسفة املسيحية هذه الروح اليت ال توجد يف أي فلسفة أخرى .حيث يعترب أتيان جيلسون ان الفلسفة احلديثة من
ديكارت إىل غاية كانط وحىت فالسفة القرن التاسع عشر مدينة للفلسفة الوسيطية وهناك ـفكار طرحتها الفلسفة
احلديثة العقالنية ال يتاح تفسريها إال بالعودة إىل الرتاث الفلسفي الوسطي ،مثل براهني وجود اهلل وفكرة خلود
النفس ال يت جتدها يف لفلس فة ديك ارت فهي يف األص ل موج ودة يف ال رتاث املس يحي ،كم ا أن واحدي ة اهلل واخلل ق
املستمر واخللق من العدم والعناية االهلية اليت طرحتها املسيحية واليت تداولتها الفلسفة احلديثة مل تكن معروفة يف
الرتاث اليوناين ،هلذا ال ميكن فهما يف الفلسفة احلديثة دون العودة إىل الفلسفة الوسيطية .هناك العديد من فالسفة
احلداثة ممن تأثروا بالفلسفة الوسيطية مثل مالربانش وباسكال وليبنيتز وكانط ،حىت بعض اعداء العصور الوسطى
يعرتفون بفضل الفلسفة الوسيطية يف اضاءة بعض األفكار امليتافيزيقية .كل كتاب اتيان جيلسون "روح الفلسفة
املس يحية" يس ري يف ه ذا االجتاه ال ذي يؤك د على أص الة الفلس فة املس حية واالش ادة باس هاماهتا يف ت اريخ الفك ر
البشري ،وهو يرد يدافع عن الفلسفة املسيحية فإنه أيضا ساهم يف رد االعتبار ملرحلة العصور الوسطى ككل اليت
كثريا ما مت وصفها بعصور الظالم.