Professional Documents
Culture Documents
من حيث األصل اللغوّي ،تشير قواميس اللغة العربّية إلى أن مادة "َقاَر َن
ُم َقاَر َنًة وِقراًنا" تعني اقترَن به وَص اَح َبُه ،وَقارَن بين القوم أي سّو ى بينهم،
وقارن بين الزوجين ِق راًن ا :جمع بينهما ،وقارن الشيء بالشيء :أي وازنه به،
وتتضمن المعاني اللغوية لكلمة "المقارنة" هنا عّد ة مفاهيم كالوصل ،والجمع،
والمصاحبة ،والتسوية والربط ،وهي مفاهيم تدل على االقتران والمصاحبة
واالشتراك .وفي اللغة اإلنجليزية نجد أّن كلمة ( )compareتعني الموازنة أو
الفحص من أجل التعّر ف على التشابه من عدمه .وعليه يمكن تعريف المقارنة
بأنها :وسيلة للفصل بين شيئين وصوًال للحكم .
لم يظهر علم مقارنة األديان في الفكر اإلسالمي حقًال علميًا مستقال بذاته،
مثل أصول الفقه أو الحديث أو التاريخ مثال؛ فهو بطبيعته من العلوم البينية،
1
التي تشتبك في الموضوع والقضايا مع غيرها ،وإ ن استقل عنها في مناهج
الدرس والمعالجة .
* أبو الريحان البيروني المتوفى سنة 425هـ ألف كتابه "تحقيق ما للهند
من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة".
* أبو منصور البغدادي المتوفى سنة 429هـ ألف كتابه "الملل والنحل"
رد فيه على الملل والنحل مدافًع ا عن اإلسالم.
* ابن حزم األندلسي المتوفى سنة 456هـ ألف كتابه "الفصل في الملل
واألهواء والنحل"
2
* أبو البقاء صالح بن الحسين الجعفري المتوفى سنة 661هـ ألف كتابه
"تخجيل من حرف التوراة واإلنجيل".
* أحمد بن تيمية المتوفى سنة 628هـ ألف كتابه "الجواب الصحيح لمن
بدل دين المسيح".
بمعنى أنهم وّظفوا مفهوم علم مقارنة األديان دون ذكر المصطلح.
وهؤالء وإ ن لم يذكروا لفظ المقارنة ،فإنهم درسوا األديان والمعتقدات ،عبر
تطبيق مناهج وصفّية وتحليلّية نقدّي ة ،من خالل اإلشارة إلى الفروق الجوهرّية
والشكلّي ة بين تلك األديان وتعاليم اإلسالم .وظهرت المالمح األولى لعلم مقارنة
األديان في الفكر اإلسالمّي من الناحية التاريخّية ضمن علم الكالم ،الذي كانت
وظيفته بيان المعتقدات الدينّي ة والدفاع عنها .لكننا نالحظ أن هذا العلم اكتسب
استقالليته وبدأ يأخذ مكانته العلمّية على يد العامرّي (ت381:ﻫ) والبيروني (ت:
يعترف الغرب اليوم صراحة بأن الدراسة المقارنة لألديان تعُّد واحدة من
اإلنجازات العظيمة للحضارة اإلسالمية ،أسهمت في التقدم الفكري لإلنسانية
كلها ،وأقرت بذلك دائرة المعارف البريطانية.
لقد كان وراء نشأة هذا العلم في الفكر اإلسالمي بواعث ودوافع كثيرة،
تآزرت وتساندت في توجيه العلماء ،وحثهم نحو وضع هذا الحقل العلمي الجديد
3
وتنميته وتطويره موضوعًا ومنهجًا .ويجئ حديث القرآن الكريم وإ شاراته
المتكررة إلى األديان والعقائد األخرى في مقدمة هذه الدوافع .ومنها تسامح
المسلمين وترحيبهم باالنفتاح والحوار والمناقشة واالحتكاك.
ومن حيث التعريف العلمّي لهذا العلم في الغرب ،يشير إيريك ج .شارب
Eric J. Sharpsفي مدونته تاريخ مقارنة األديان ،إلى أن مفهومه
االصطالحّي لم َيحَظ بتعريف علمّي جامٍع ومانٍع ،إال في بداية القرن العشرين
الميالدّي ،خاّص ة في مدونة جوردن "مقارنة األديان :جذورها وتطورها" ،التي
طبعت عام 1905م ،وفيها عَّر ف جوردن علَم مقارنة األديان ،بأنه" :الدرس
العلمّي الذي يقارن بين أصول المعتقدات وأشكال الطقوس والعبادات ألديان
العالم ،لمعرفة أوجه التشابه والتباين بينهم ،وتحديد القواسم المشتركة وعالقة
بعضها ببعض ،ومعرفة مواطن القوة والّض عف فيما بينهم من خالل المقابلة
والموازنة ،كأجناس".
4
يقوم بتحليل أوجه التشابه واالختالف بين الموضوعات ،واألساطير ،والطقوس
والمفاهيم بين أديان العالم".
ونالحظ أن هذين التعريفين اتفقا على أن موضوع علم مقارنة األديان هو
المعتقدات الدينّية ،وأن وظيفته هي المقارنة الموضوعّية للدين ،التي تتوقف عند
وصف المبادئ والقيم الدينّي ة وتحليلها ،وتحليل تواريخها ،وتحديد مدى التشابه
والتباين بينها .إال أن تعريف ويكيبيديا أضاف "األساطير أو الخرافة" بوصفها
جزءًا من مادة الدرس العلمّي لمقارنة األديان؛ أي إن التعريف األخير لعلم
مقارنة األديان لم يفّر ق بين الدين واألسطورة .ونالحظ أمرًا مهمًا غاب (أو
ُغ ِّيَب ) عن هذين التعريفين ،وهو عدم تضمنهما العنصر المعيارّي لهذا العلم (
،)judgmentsالذي به تتمّيز المعتقدات إلى حّق وباطل؛ حّق يجب األخذ به،
أو باطل ال قيمة له .ولم يصّر ح كل من هذين التعريفين ما إذا كان يحّق
لمؤّر خة األديان تمييز المعتقدات إلى حّق وباطل أم ال.
يظهر جليًا أّن الفكر اإلسالمي هو السّباق لهذا العلم ولكن بعد ضعف
المسلمين واستسالمهم ألدبيات التخلف اّتجه الفكر الغربي نحو هذا العلم مبرزه
من جديد ،فأصبحت كبريات الجامعات الغربية كجامعة شيغاغو()Chicago
التي فتح فيها قسم خاص سمي(األديان المقارنة) سنة 1893م ،وجامعة
5
مانشستر( )Manchesterسنة1904م ،وجامعة السربون( )Sorbonneوبها
قسم سمي(علم األديان)،
إن علم مقارنة األديان يقوم باألساس على المنهج المقارن" .وال شك أن
المقارن يهدف من المقارنة معرفة أعمق بموضوع المقارنة من باب "وبضدها
تتمايز األشياء" فيركز على ما بين موضوعي المقارنة من اتفاق أو اختالف ،أو
متشابهات ومغايرات
6
ومما تجدر اإلشارة إليه ،أن المقارنة عندهم لم تتخذ صورة واحدة أو
شكًال واحدًا ،وإ نما اتسع مفهوم المقارنة لديهم وتمثل في صور متنوعة ،منها
على سبيل المثال :أن يدرس الباحث جانبًا أو أكثر من ديانتين أو أكثر ثم يقارن
بينهما ،ومنها أن يتناول الدارس ديانة واحدة ويدرسها دراسة عميقة ،من كل
جوانبها ،أو بعضها في خطوة منهجية تمهيدية لباحث آخر ويدرس ديانتين أو
أكثر دراسة مقارنة .ومن صور المقارنة كذلك دراسة شخصية مؤسس الديانة،
أو رسلها ،مثل المقارنة بين المسيح عليه السالم ،وشخص بوذا أو كرشنا ،ومنها
دراسة األسفار التي يقدسها أصحاب الديانات ،وعلماء األديان الغربيون.
وعلى العموم ،طريقة المقارنة تهتم بدراسة مختلف أنواع الظواهر
الدينية على الخصوص بتعيين وتحليل العوامل التي تؤدي إلى التشابه والفروق
في األنواع المعينة.
7
وعند التفضيل فال بد أن يبين المقارن سبب التفضيل ،األمر الذي يؤدي
به إلى االستعانة بالمنهج النقدي لبيان المآخذ التي يراها في الديانة األخرى التي
يقارنها باإلسالم.
درس المسلمون األديان ،أو جوانب منها ،دراسة نقدية في كثير من
أعمالهم العلمية التي حللوا فيها جانبًا معينًا أو جوانب في ديانة أخرى ،تحليًال
نقديًا ،ومن ذلك :دراسة ابن حزم األندلسي لنص العهدين القديم والجديد،
ودراسة أبي حامد الغزالي ،وكذلك تحليل المسلمين النقدي لدعوى التثليث،
والصلب ،والقيامة ،والخطيئة ،والكفارة ،في المسيحية ،والتناسخ في أديان الهند،
والنسخ في اليهودية ،ولجوانب مهمة في الزرادشتية والمانوية إلخ.
عرف الفكر اإلسالمي شكل المناظرات الحية ،التي كانت تتم في مجالس
عامة ،أو خاصة بين علماء مسلمين وغير مسلمين ،من أصحاب الملل المختلفة،
تطبيقا لقول الحق تبارك وتعالى} :اْدُع ِإَلى ِبيِل ِّبَك ِباْلِح ْك ِة اْل ِع َظِة
َم َو َمْو َس َر
اْلَح َس َنِة َو َج اِد ْلُهْم ِباَّلِتي ِه َي َأْح َس ُن { (سورة النحل :اآلية .)125
وهناك ،كذلك ،الدراسات الجدلية المتعلقة بالرد على قضية ،أو مسألة
بعينها ،أو أكثر مثل كتاب أبى عيس الوراق (الرد على فرق النصارى الثالث)،
ورسائل الجاحظ (المختار في الرد على النصارى).
8
وبناًء على هذه األطر المنهجّية والمعرفّيةُ ،ع ِّر َف علم دراسة األديان في
الفكر اإلسالمّي الحديث ،بأنه" :علم يبحث في الملل من حيث منشأها وتطورها
وانتشارها ،وأتباعها ،وفي العقائد واألصول التي تتركز عليها الملل المختلفة،
وفي أوجه االختالف واالتفاق فيما بينهما ،مع المقارنة والمناقشة والرد ".وهنا لم
يعد مفهوم هذا العلم مقصورًا على عمليتي "الوصف والّتحليل" ،كما هو الحال
في تعريف علماء الغرب له ،بل تضّم ن عناصر إضافّية مثل "المناقشة والرّد "،
وهي عناصر ذات طابع معيارّي يتجاوز بها هذا العلم من كونه أداة وصف
وتحليل ،إلى أداة تصويب وتمحيص .وعليه فإن علم مقارنة األديان ،في هذا
المفهوم هو فن علمّي " :يقارن بين األديان الستخالص أوجه الشبه واالختالف
بينهم ،ومعرفة الصحيح منها والفاسد؛ إظهاًر ا للحقيقة [الدين] بأدلة يقينية "،من
حيث معرفة تواريخ نشأتها وتكوينها ،ومن حيث تحليل مكونتها الفكرّية
والعقدّية ،وتأثيرها االجتماعّي ،ومواطن انتشارها وأتباعها.
إذا كان الدافع إلى دراسة األديان عند المسلمين الدين نفسه ،ففي الفكر
الغربي الدافع ليس دينيا أبدا ،فال َج َر م أن ال اعتبار لعنصر القداسة؛ إال وصفا.
ولعل العامل في هذا معروف عندنا جميعا؛ فالغرب وضعوا أصول هذه الدراسة
في حضارة لم تقم إال بعد أن ُأقصي الدين؛ وبعد أن أتعبهم الدين بقيادة رجال
الكنيسة ،وأثقلوهم بالتخلف والظلم والحرمان( .ومن هنا ال غرابة في الكتابة
والقراءة عن مثل :موت اإلله ،ومستقبل الدين ،ونهاية الدين ،وتأليه اإلنسان ،أو
استغناء العلم عن الدين) .لذا تباينت مناهج دراسة األديان في الغرب عنها في
الفكر اإلسالمي.
9
-1المنهج الظاهراتي :وفيه يتم وصف الدين كما هو ظاهر في األعمال
اليومية وطريقة العبادة والطقوس الدينية في األفراح واألتراح .ومن الذين
انتهجوا هذا المنهج عمانوئيل كانط في مواقفه الفلسفية ورؤيته إلى الدين،
ونينيان سمرت في .The Phenomenon Of Religion
-5المنهج النفسي ،ومن رواد هذا المنهج سيجموند فرويد في كتابه Totem
،And Tabooوكتابه اآلخر The Future of An Illusion
10