You are on page 1of 10

‫علم مقارنة األديان ( مفهومه ‪ ،‬نشأته ‪ ،‬مناهجه )‬

‫يختص علم مقارنة األديان بالوقوف على حقيقة المعتقدات الدينّية‪،‬‬


‫والّتعّر ف على مدى صحتها‪ ،‬وما تشابه منها‪ ،‬ومواطن الخالف بينها‪.‬‬

‫من حيث األصل اللغوّي ‪ ،‬تشير قواميس اللغة العربّية إلى أن مادة "َقاَر َن‬
‫ُم َقاَر َنًة وِقراًنا" تعني اقترَن به وَص اَح َبُه‪ ،‬وَقارَن بين القوم أي سّو ى بينهم‪،‬‬
‫وقارن بين الزوجين ِق راًن ا‪ :‬جمع بينهما‪ ،‬وقارن الشيء بالشيء‪ :‬أي وازنه به‪،‬‬
‫وتتضمن المعاني اللغوية لكلمة "المقارنة" هنا عّد ة مفاهيم كالوصل‪ ،‬والجمع‪،‬‬
‫والمصاحبة‪ ،‬والتسوية والربط‪ ،‬وهي مفاهيم تدل على االقتران والمصاحبة‬
‫واالشتراك‪ .‬وفي اللغة اإلنجليزية نجد أّن كلمة (‪ )compare‬تعني الموازنة أو‬
‫الفحص من أجل التعّر ف على التشابه من عدمه‪ .‬وعليه يمكن تعريف المقارنة‬
‫بأنها‪ :‬وسيلة للفصل بين شيئين وصوًال للحكم ‪.‬‬

‫وعند ظهوره في األوساط العلمّية في الغرب‪ ،‬كان هذا اللفظ مرادًفا‬


‫لمصطلح علم األديان‪ ،‬أو ما يعرف في الّثقافة األلمانّية (‬
‫‪ ،)religionswissenschaft‬وما يعرف في الّثقافة الفرنسّية‪ .‬وإ لى جانب لفظ‬
‫الدين المقارن‪ُ ،‬ع ِر َف هذا العلم بمسميات مختلفة مثل تاريخ األديان‪ ،‬وعلم‬
‫األديان‪ ،‬ودراسة األديان‪ ،‬وكلها مسميات تشير‪ ،‬بمستويات متفاوتة‪ ،‬إلى الجهد‬
‫المعرفّي الذي يهدف إلى دراسة الظاهرة الدينّية بشكل مقارن‪.‬‬

‫(‪ )1‬علم مقارنة األديان ونشأته في الفكر اإلسالمي‬

‫لم يظهر علم مقارنة األديان في الفكر اإلسالمي حقًال علميًا مستقال بذاته‪،‬‬
‫مثل أصول الفقه أو الحديث أو التاريخ مثال؛ فهو بطبيعته من العلوم البينية‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫التي تشتبك في الموضوع والقضايا مع غيرها‪ ،‬وإ ن استقل عنها في مناهج‬
‫الدرس والمعالجة ‪.‬‬

‫هذا العلم من الناحّية التاريخّية كان جزءًا من الثقافة اإلسالمّية منذ‬


‫عصورها األولى؛ إذ ظهرت في الدوائر المعرفّية والعلوم اإلسالمية ‪-‬منذ بداية‬
‫القرن الثالث الهجرّي ‪ -‬كتابات علمّية ذات طابع كالمّي ‪ ،‬تهدف إلى دراسة‬
‫أصول األديان وطوائفها المختلفة من حيث معرفة تواريخ نشأتها ومعرفة‬
‫أفكارها العقدّية والفكرّية‪ .‬ويالحظ توظيف علماء المسلمين ألفاًظا تضَّم نت الجهد‬
‫المعرفّي المقارن للدين دون ذكر لفظ المقارنة‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫* النوبختي المتوفى سنة ‪ 202‬هـ ألف كتابه "اآلراء والديانات"‪ ،‬ويعتبر‬


‫الباحثون هذا الكتاب أول كتاب في علم مقارنة األديان‪.‬‬

‫* المسعودي المتوفى سنة ‪ 346‬هـ له كتاب‪" :‬المسائل والعلل في المذاهب‬


‫والملل"‪.‬‬

‫* أبو الريحان البيروني المتوفى سنة ‪ 425‬هـ ألف كتابه "تحقيق ما للهند‬
‫من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة"‪.‬‬

‫* أبو منصور البغدادي المتوفى سنة ‪ 429‬هـ ألف كتابه "الملل والنحل"‬
‫رد فيه على الملل والنحل مدافًع ا عن اإلسالم‪.‬‬

‫* ابن حزم األندلسي المتوفى سنة ‪ 456‬هـ ألف كتابه "الفصل في الملل‬
‫واألهواء والنحل"‬

‫* الشهرستاني المتوفى سنة ‪ 458‬هـ ألف كتابه "الملل والنحل"‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫* أبو البقاء صالح بن الحسين الجعفري المتوفى سنة ‪ 661‬هـ ألف كتابه‬
‫"تخجيل من حرف التوراة واإلنجيل"‪.‬‬

‫* أحمد بن تيمية المتوفى سنة ‪ 628‬هـ ألف كتابه "الجواب الصحيح لمن‬
‫بدل دين المسيح"‪.‬‬

‫بمعنى أنهم وّظفوا مفهوم علم مقارنة األديان دون ذكر المصطلح‪.‬‬
‫وهؤالء وإ ن لم يذكروا لفظ المقارنة‪ ،‬فإنهم درسوا األديان والمعتقدات‪ ،‬عبر‬
‫تطبيق مناهج وصفّية وتحليلّية نقدّي ة‪ ،‬من خالل اإلشارة إلى الفروق الجوهرّية‬
‫والشكلّي ة بين تلك األديان وتعاليم اإلسالم‪ .‬وظهرت المالمح األولى لعلم مقارنة‬
‫األديان في الفكر اإلسالمّي من الناحية التاريخّية ضمن علم الكالم‪ ،‬الذي كانت‬
‫وظيفته بيان المعتقدات الدينّي ة والدفاع عنها‪ .‬لكننا نالحظ أن هذا العلم اكتسب‬
‫استقالليته وبدأ يأخذ مكانته العلمّية على يد العامرّي (ت‪381:‬ﻫ) والبيروني (ت‪:‬‬

‫‪440‬ﻫ) وغيرهم من عمالقة تاريخ الفكر اإلسالمّي‬


‫أما األستاذ إيريك ج‪ .‬شارب ‪ Eric J. Sharps‬فيرى أن شرف كتابة‬
‫أول تاريخ لألديان في العالم يختص به الشهرستاني‪ ،‬الذي صنف أديان العالم‬
‫العشرة المعروفة في العالم آنئذ‪ ،‬إلى حدود الصين‪ ،‬اعتمادًا على منهج تاريخي‬
‫وعلمي دقيق‪.‬‬

‫يعترف الغرب اليوم صراحة بأن الدراسة المقارنة لألديان تعُّد واحدة من‬
‫اإلنجازات العظيمة للحضارة اإلسالمية‪ ،‬أسهمت في التقدم الفكري لإلنسانية‬
‫كلها‪ ،‬وأقرت بذلك دائرة المعارف البريطانية‪.‬‬

‫لقد كان وراء نشأة هذا العلم في الفكر اإلسالمي بواعث ودوافع كثيرة‪،‬‬
‫تآزرت وتساندت في توجيه العلماء‪ ،‬وحثهم نحو وضع هذا الحقل العلمي الجديد‬

‫‪3‬‬
‫وتنميته وتطويره موضوعًا ومنهجًا‪ .‬ويجئ حديث القرآن الكريم وإ شاراته‬
‫المتكررة إلى األديان والعقائد األخرى في مقدمة هذه الدوافع‪ .‬ومنها تسامح‬
‫المسلمين وترحيبهم باالنفتاح والحوار والمناقشة واالحتكاك‪.‬‬

‫(‪ )2‬علم مقارنة األديان ونشأته في الفكر الغربي‬

‫إَّن مصطلح مقارنة األديان لم يكن حاضًر ا في علوم األوروبيين في‬


‫العصور القديمة‪ ،‬ولم يظهر في كتابات الباحثين األوروبيين الذين درسوا الفكر‬
‫الدينّي في العصور الوسطى‪ ،‬حتى نهاية القرن التاسع عشر الميالدّي ؛ إذ أطلقها‬
‫ألّو ل مرة ماكس ميلر بقوله‪ :‬لماذا نتردد عن تطبيق منهج مقارن لدراسة الدين؟‬
‫وهذا معناه غياب رؤية علمّية ذات أسس منهجّية لدراسة األديان عن األوساط‬
‫العلمية والمعرفية في أوروبا‪.‬‬

‫ومن حيث التعريف العلمّي لهذا العلم في الغرب‪ ،‬يشير إيريك ج‪ .‬شارب‬
‫‪ Eric J. Sharps‬في مدونته تاريخ مقارنة األديان‪ ،‬إلى أن مفهومه‬
‫االصطالحّي لم َيحَظ بتعريف علمّي جامٍع ومانٍع ‪ ،‬إال في بداية القرن العشرين‬
‫الميالدّي ‪ ،‬خاّص ة في مدونة جوردن "مقارنة األديان‪ :‬جذورها وتطورها"‪ ،‬التي‬
‫طبعت عام ‪1905‬م‪ ،‬وفيها عَّر ف جوردن علَم مقارنة األديان‪ ،‬بأنه‪" :‬الدرس‬
‫العلمّي الذي يقارن بين أصول المعتقدات وأشكال الطقوس والعبادات ألديان‬
‫العالم‪ ،‬لمعرفة أوجه التشابه والتباين بينهم‪ ،‬وتحديد القواسم المشتركة وعالقة‬
‫بعضها ببعض‪ ،‬ومعرفة مواطن القوة والّض عف فيما بينهم من خالل المقابلة‬
‫والموازنة‪ ،‬كأجناس‪".‬‬

‫وعلى سبيل المثال ال الحصر‪ ،‬نجد تعريفًا مشابهًا له في الموسوعة‬


‫اإللكترونّية ويكيبيديا‪ ،‬مفاده‪ ،‬أن مقارنة األديان هي‪" :‬مجال دراسة الدين‪ ،‬الذي‬

‫‪4‬‬
‫يقوم بتحليل أوجه التشابه واالختالف بين الموضوعات‪ ،‬واألساطير‪ ،‬والطقوس‬
‫والمفاهيم بين أديان العالم‪".‬‬

‫ونالحظ أن هذين التعريفين اتفقا على أن موضوع علم مقارنة األديان هو‬
‫المعتقدات الدينّية‪ ،‬وأن وظيفته هي المقارنة الموضوعّية للدين‪ ،‬التي تتوقف عند‬
‫وصف المبادئ والقيم الدينّي ة وتحليلها‪ ،‬وتحليل تواريخها‪ ،‬وتحديد مدى التشابه‬
‫والتباين بينها‪ .‬إال أن تعريف ويكيبيديا أضاف "األساطير أو الخرافة" بوصفها‬
‫جزءًا من مادة الدرس العلمّي لمقارنة األديان؛ أي إن التعريف األخير لعلم‬
‫مقارنة األديان لم يفّر ق بين الدين واألسطورة‪ .‬ونالحظ أمرًا مهمًا غاب (أو‬
‫ُغ ِّيَب ) عن هذين التعريفين‪ ،‬وهو عدم تضمنهما العنصر المعيارّي لهذا العلم (‬
‫‪ ،)judgments‬الذي به تتمّيز المعتقدات إلى حّق وباطل؛ حّق يجب األخذ به‪،‬‬
‫أو باطل ال قيمة له‪ .‬ولم يصّر ح كل من هذين التعريفين ما إذا كان يحّق‬
‫لمؤّر خة األديان تمييز المعتقدات إلى حّق وباطل أم ال‪.‬‬

‫وقد تعرض علم مقارنة األديان في الغرب لمقاومة شديدة من التيار‬


‫الالهوتي المسيحي ومن بعده الماركسي يقول مؤرخ األديان شاربي ‪E.‬‬
‫‪" Sharpe‬إن االنغالق الصارم والتعصب كانا وراء االعتقاد بأن أي دراسة‬
‫لألديان األخرى لن تقود إال إلى تناقض حاد مع المسيحية‪ .‬لكن بالرغم من هذه‬
‫المقاومة‪ ،‬فلم يمنعا نمو علم مقارنة األديان نموًا واسعًا‪ ،‬والسيما منذ مطلع‬
‫القرن العشرين‬

‫يظهر جليًا أّن الفكر اإلسالمي هو السّباق لهذا العلم ولكن بعد ضعف‬
‫المسلمين واستسالمهم ألدبيات التخلف اّتجه الفكر الغربي نحو هذا العلم مبرزه‬
‫من جديد‪ ،‬فأصبحت كبريات الجامعات الغربية كجامعة شيغاغو(‪)Chicago‬‬
‫التي فتح فيها قسم خاص سمي(األديان المقارنة) سنة‪ 1893‬م‪ ،‬وجامعة‬
‫‪5‬‬
‫مانشستر(‪ )Manchester‬سنة‪1904‬م ‪ ،‬وجامعة السربون(‪ )Sorbonne‬وبها‬
‫قسم سمي(علم األديان)‪،‬‬

‫(‪ )3‬مناهج دراسة األديان في الفكر اإلسالمي‬

‫‪ .1‬منهج التاريخ والوصف‬

‫شغل تأريخ األديان ووصفها مساحة واسعة من فكر المسلمين‪ ،‬حيث‬


‫أَّص ل علماء اإلسالم هذا المنهج‪ ،‬ثم طبقوه بموضوعية ونزاهة على أديان العالم‬
‫المختلفة‪ ،‬فكان لهم سبق كتابة تاريخ لألديان في الفكر اإلنساني كله‪ ،‬قبل أوروبا‬
‫بأكثر من عشرة قرون‪ .‬مثل أبى عيسى الوراق (من مفكري القرن الثالث‬
‫الهجري) الذي كتب في الوصف والتأريخ كتابه (مقاالت الناس واختالفهم)‪،‬‬
‫والنوبختي في كتابه (اآلراء والديانات) ‪ ،‬وأبو المعالي العلوي في كتابه (بيان‬
‫األديان)‪ ،‬وكتب كثيرون كتبًا بعنوان (الملل والنحل)‪ ،‬مثل البغدادي أبى‬
‫منصور‪ ،‬والشهرستاني وغيرهم‪ ،‬وكتب بعضهم في (البرهان في معرفة‬
‫األديان)‪.‬‬

‫‪ .2‬منهج التحليل والمقارنة‬

‫إن علم مقارنة األديان يقوم باألساس على المنهج المقارن‪" .‬وال شك أن‬
‫المقارن يهدف من المقارنة معرفة أعمق بموضوع المقارنة من باب "وبضدها‬
‫تتمايز األشياء" فيركز على ما بين موضوعي المقارنة من اتفاق أو اختالف‪ ،‬أو‬
‫متشابهات ومغايرات‬

‫‪6‬‬
‫ومما تجدر اإلشارة إليه‪ ،‬أن المقارنة عندهم لم تتخذ صورة واحدة أو‬
‫شكًال واحدًا‪ ،‬وإ نما اتسع مفهوم المقارنة لديهم وتمثل في صور متنوعة‪ ،‬منها‬
‫على سبيل المثال‪ :‬أن يدرس الباحث جانبًا أو أكثر من ديانتين أو أكثر ثم يقارن‬
‫بينهما‪ ،‬ومنها أن يتناول الدارس ديانة واحدة ويدرسها دراسة عميقة‪ ،‬من كل‬
‫جوانبها‪ ،‬أو بعضها في خطوة منهجية تمهيدية لباحث آخر ويدرس ديانتين أو‬
‫أكثر دراسة مقارنة‪ .‬ومن صور المقارنة كذلك دراسة شخصية مؤسس الديانة‪،‬‬
‫أو رسلها‪ ،‬مثل المقارنة بين المسيح عليه السالم‪ ،‬وشخص بوذا أو كرشنا‪ ،‬ومنها‬
‫دراسة األسفار التي يقدسها أصحاب الديانات‪ ،‬وعلماء األديان الغربيون‪.‬‬
‫وعلى العموم ‪ ،‬طريقة المقارنة تهتم بدراسة مختلف أنواع الظواهر‬
‫الدينية على الخصوص بتعيين وتحليل العوامل التي تؤدي إلى التشابه والفروق‬
‫في األنواع المعينة‪.‬‬

‫‪ .3‬المنهج التحليلي النقدي‬


‫يركز على ما بين موضوعي المقارنة من اتفاق أو اختالف‪ ،‬أو متشابهات‬
‫ومغايرات‪ ،‬بدون أن يتجاوزها‪ .‬وهذا في الواقع ما يسعى إليه الفكر الغربي‬
‫الحديث في مجال مقارنة األديان‪ ،‬وهو أمر ال بأس عليه إطالقا‪ ... .‬لكن‬
‫المشكلة عندما يلح هذا الفكر الغربي على وجوب تجنب الوصول إلى نتيجة من‬
‫مثل تفضيل دين على آخر كنتيجة من نتائج المقارنة ويصر عليه ‪ ،‬فالمقارن‬
‫بين دينين إما أن يقصد مجرد التعرف أو يتجاوزه إلى اختيار األقوم واألرشد أو‬
‫يزداد إيمانا بدينه وما إلى ذلك من األهداف‪ .‬فالفكر الغربي اختار األول‪ ،‬والفكر‬
‫اإلسالمي قرر الثاني‪ .‬وهو في موقفه هذا ينسجم مع فكرة " الدعوة " ‪ ،‬ويتفق‬
‫مع طبيعة المسئولية التي أنيطت باإلنسان المسلم ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫وعند التفضيل فال بد أن يبين المقارن سبب التفضيل ‪ ،‬األمر الذي يؤدي‬
‫به إلى االستعانة بالمنهج النقدي لبيان المآخذ التي يراها في الديانة األخرى التي‬
‫يقارنها باإلسالم‪.‬‬

‫درس المسلمون األديان‪ ،‬أو جوانب منها‪ ،‬دراسة نقدية في كثير من‬
‫أعمالهم العلمية التي حللوا فيها جانبًا معينًا أو جوانب في ديانة أخرى‪ ،‬تحليًال‬
‫نقديًا‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬دراسة ابن حزم األندلسي لنص العهدين القديم والجديد‪،‬‬
‫ودراسة أبي حامد الغزالي‪ ،‬وكذلك تحليل المسلمين النقدي لدعوى التثليث‪،‬‬
‫والصلب‪ ،‬والقيامة‪ ،‬والخطيئة‪ ،‬والكفارة‪ ،‬في المسيحية‪ ،‬والتناسخ في أديان الهند‪،‬‬
‫والنسخ في اليهودية‪ ،‬ولجوانب مهمة في الزرادشتية والمانوية إلخ‪.‬‬

‫‪ .4‬منهج الحوار والرد والمجادلة‬

‫عرف الفكر اإلسالمي شكل المناظرات الحية‪ ،‬التي كانت تتم في مجالس‬
‫عامة‪ ،‬أو خاصة بين علماء مسلمين وغير مسلمين‪ ،‬من أصحاب الملل المختلفة‪،‬‬
‫تطبيقا لقول الحق تبارك وتعالى‪} :‬اْدُع ِإَلى ِبيِل ِّبَك ِباْلِح ْك ِة اْل ِع َظِة‬
‫َم َو َمْو‬ ‫َس َر‬
‫اْلَح َس َنِة َو َج اِد ْلُهْم ِباَّلِتي ِه َي َأْح َس ُن { (سورة النحل‪ :‬اآلية ‪.)125‬‬

‫وهناك‪ ،‬كذلك‪ ،‬المناظرات المدونة في رسائل أو في كتب؛ منها رسالة‬


‫راهب كلونى ‪ Cluny‬في جنوب فرنسا إلى أمير سرقسطة في األندلس‪ ،‬وجواب‬
‫القاضي أبي الوليد الباجي عليها‪.‬‬

‫وهناك‪ ،‬كذلك‪ ،‬الدراسات الجدلية المتعلقة بالرد على قضية‪ ،‬أو مسألة‬
‫بعينها‪ ،‬أو أكثر مثل كتاب أبى عيس الوراق (الرد على فرق النصارى الثالث)‪،‬‬
‫ورسائل الجاحظ (المختار في الرد على النصارى)‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫وبناًء على هذه األطر المنهجّية والمعرفّية‪ُ ،‬ع ِّر َف علم دراسة األديان في‬
‫الفكر اإلسالمّي الحديث‪ ،‬بأنه‪" :‬علم يبحث في الملل من حيث منشأها وتطورها‬
‫وانتشارها‪ ،‬وأتباعها‪ ،‬وفي العقائد واألصول التي تتركز عليها الملل المختلفة‪،‬‬
‫وفي أوجه االختالف واالتفاق فيما بينهما‪ ،‬مع المقارنة والمناقشة والرد‪ ".‬وهنا لم‬
‫يعد مفهوم هذا العلم مقصورًا على عمليتي "الوصف والّتحليل"‪ ،‬كما هو الحال‬
‫في تعريف علماء الغرب له‪ ،‬بل تضّم ن عناصر إضافّية مثل "المناقشة والرّد "‪،‬‬
‫وهي عناصر ذات طابع معيارّي يتجاوز بها هذا العلم من كونه أداة وصف‬
‫وتحليل‪ ،‬إلى أداة تصويب وتمحيص‪ .‬وعليه فإن علم مقارنة األديان‪ ،‬في هذا‬
‫المفهوم هو فن علمّي ‪" :‬يقارن بين األديان الستخالص أوجه الشبه واالختالف‬
‫بينهم‪ ،‬ومعرفة الصحيح منها والفاسد؛ إظهاًر ا للحقيقة [الدين] بأدلة يقينية‪ "،‬من‬
‫حيث معرفة تواريخ نشأتها وتكوينها‪ ،‬ومن حيث تحليل مكونتها الفكرّية‬
‫والعقدّية‪ ،‬وتأثيرها االجتماعّي ‪ ،‬ومواطن انتشارها وأتباعها‪.‬‬

‫(‪ )4‬مناهج دراسة األديان في الفكر الغربي‬

‫إذا كان الدافع إلى دراسة األديان عند المسلمين الدين نفسه‪ ،‬ففي الفكر‬
‫الغربي الدافع ليس دينيا أبدا‪ ،‬فال َج َر م أن ال اعتبار لعنصر القداسة؛ إال وصفا‪.‬‬
‫ولعل العامل في هذا معروف عندنا جميعا؛ فالغرب وضعوا أصول هذه الدراسة‬
‫في حضارة لم تقم إال بعد أن ُأقصي الدين؛ وبعد أن أتعبهم الدين بقيادة رجال‬
‫الكنيسة‪ ،‬وأثقلوهم بالتخلف والظلم والحرمان‪( .‬ومن هنا ال غرابة في الكتابة‬
‫والقراءة عن مثل‪ :‬موت اإلله‪ ،‬ومستقبل الدين‪ ،‬ونهاية الدين‪ ،‬وتأليه اإلنسان‪ ،‬أو‬
‫استغناء العلم عن الدين)‪ .‬لذا تباينت مناهج دراسة األديان في الغرب عنها في‬
‫الفكر اإلسالمي‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ -1‬المنهج الظاهراتي‪ :‬وفيه يتم وصف الدين كما هو ظاهر في األعمال‬
‫اليومية وطريقة العبادة والطقوس الدينية في األفراح واألتراح‪ .‬ومن الذين‬
‫انتهجوا هذا المنهج عمانوئيل كانط في مواقفه الفلسفية ورؤيته إلى الدين‪،‬‬
‫ونينيان سمرت في ‪.The Phenomenon Of Religion‬‬

‫‪ - 2‬المنهج الفلسفي‪ ،‬ومن منتهجيه نينيان سمرت في كتابه ‪world‬‬


‫‪ ،philosophies‬وإ يريك شارب في ‪.understanding Religion‬‬

‫‪ -3‬المنهج األنثربولوجي أو علم االجتماع الديني‪ ،‬ومن علمائه سير إدوارد‬


‫بيرنت تايلور في كتابه ‪ ،Primitive Culture‬وسير جيمس فريزر في كتابه‬
‫‪ ،The Golden Bough‬و إيمانويل دوركايم في ‪The Elementary Forms‬‬
‫‪ ،Of The Religious Life‬ومنهم كليفورد غريتز في كتابه ‪The‬‬
‫‪.Interpretation Of Cultures‬‬

‫‪ -4‬المنهج االجتماعي‪ ،‬وهو قرين الصلة بالمنهج األنثربولوجي من حيث‬


‫النظر إلى الدين كعامل أوجده المجتمع‪ ،‬ولذا يذكر من علماء هذا المنهج من‬
‫ذكر هناك‪ ،‬إضافة إلى نظرية كارل ماكس‪ ،‬وماكس ويبر في ‪The‬‬
‫‪ ،Protestant Ethic And The Spirit Of Capitalism‬وكتابه اآلخر ‪The‬‬
‫‪.Religion Of India‬‬

‫‪ -5‬المنهج النفسي‪ ،‬ومن رواد هذا المنهج سيجموند فرويد في كتابه ‪Totem‬‬
‫‪ ،And Taboo‬وكتابه اآلخر ‪The Future of An Illusion‬‬

‫‪10‬‬

You might also like