You are on page 1of 4

‫خرج الّش يخ مبروك يحّث الخطى مولوال‪":‬لقد وجبت هجرتي إذ طغى‬

‫الكفر على العباد وتنّك رت لي األكباد‪....‬أّما الولد فمنكم وإليكم‪،‬وأّما قّفتي‬


‫"‪...‬فلتمائمي ولعوقي‬
‫انطلق إلى وجهة غير معلومة وواصل مسيره إلى أن وصل إلى مدينة‬
‫تبعد عن تلك القرية حيث ال يعرفه أحد وال يعرف أحدا‪.‬وال يمكن أن‬
‫تصل أخباره إلى تلك القرية المشؤومة على حّد تعبيره‪.‬أخذ يتجّو ل في‬
‫أرجائها ويتفّر س الوجوه ويطيل الّن ظر في أزّقتها ومبانيها إلى أن مّر‬
‫‪،‬بأحد الّش وارع حيث رأى شاّبا دميم الخلقة‪،‬أملص الّر أس‪ ،‬غائر العينين‬
‫بارز الّذ قن‪.‬قابعا في الّط ريق فلفتت انتباهه طريقة جلوسه ومكانها‬
‫وأوراقه المتناثرة وحديثه وكأّن ه معتوه‪.‬وسوست له نفسه أن يستغّل‬
‫الفرصة عّل في هذا الّش اّب فسحة أمل ترجعه لسالف عهده وترفع صيته‬
‫وتمّك نه من استغالل سذاجة وحاجة بعض الّن ساء الّالتي ضاقت بهّن الّسبل‬
‫فتوّج ه الّش يخ مبروك نحو ضحّيته وجلس حذوها وأضحى يجذب أطراف‬
‫‪.‬الحديث محاوال إقناع المسكين بسالسة حديثه وعذوبته‬
‫في بداية األمر كان الّش اّب غير مبال بكالم الّش يخ إذ أّن ه سئم الحياة ولم‬
‫يعد يرى إّال الموت سبيال يخّلصه من متاعبها‪.‬لكّن أسلوب الّش يخ‬
‫مبروك في الجدال وحججه المقنعة وإغراءاته جعلت ذلك الّش اب يتخّلى‬
‫عن فكرة االنتحار ويقتنع بفكرة "الّش يخ الجليل"وانطلق في البالد ينشر‬
‫خبر وجود الّش يخ اّلذي يزعم أّن ه ولّي مبارك وأّن ه على عالقة مباشرة‬
‫وقوّية مع هّللا –وما هذا إّال محض خيال‪ -‬وخالل فترة وجيزة انتشر خبر‬
‫الّش يخ المعالج انتشار الّن ار في الهشيم وأضحى أحد أشهر األولياء‬
‫الّصالحين والسّيما أّن جّل الّن سوة الّالتي قصدنه غاية الّش فاء لهّن أو‬
‫لبناتهّن أو ليرزقن بالبنين أو تيسير الّز واج‪...‬وجدن الحّل عنده‪.‬وذاع‬
‫صيته في كّل األصقاع وأصبح حديث كّل مجلس إلى أن وصل الخبر إلى‬
‫مسامع هند ذات يوم وهي في أحد الّد كاكين فقد خرجت آملة عّلها تلتقي‬
‫‪.‬فارس أحالمها توفيق‬
‫قّر رت هند الّلجوء إليه رغم شّك ها في قدراته لرّبما يجمع بينها وبين من‬
‫تحّب ‪.‬سألت إحدى الّن ساء الّالتي قصدنه سابقا فدّلتها على مكانه فعزمت‬
‫الّذ هاب إليه في القريب العاجل‪ .‬وفي الغد توّج هت الفتاة نحو بيت الّش يخ‬
‫‪.‬باغية الّسبيل لوصال من تحب‬
‫وما إن دخلت حّت ى وجدت معشرا من الّن ساء تتجاذبن أطراف الحديث‬
‫عن كرامات الّش يخ وعّما عانينه من ويالت وسوء حّظ وكيف كان الّش يخ‬
‫‪.‬المنقذ لهّن من هذه الويالت‪.‬فأخذت هند مكانا قرب عجوز سبعينّية‬

‫كانت مستغربة‪ :‬الّن اس من مختلف البقاع واألعراق أتوا أمال في إيجاد‬


‫حّل لمصائبهم‪.‬انتظرت ساعات حّت ى حان دورها فدخلت إلى غرفة حيث‬
‫كان الّش يخ جالسا في صحنها ‪.‬ألقت الّتحّية وأخذت مكانا لها في ذلك‬
‫‪.‬المجلس الغريب‬
‫بادرها الّش يخ بالسؤال عن مشكلتها وعّما تريده فأخبرته المسكينة بكّل ما‬
‫يختلج في قلبها آملة الخالص ونيل مبتغاها‪.‬أخبرها الّش يخ الخّد اع أن الحّل‬
‫لديه وأخذ يتلّمس جسدها متمتما ببعض الكلمات المبهمة ثّم أخذ بعض‬
‫األعشاب ووضعها بين كّفيه وغمغم بطالسم وأخبرها أن تبقي هذا الحرز‬
‫‪.‬معها وبإذن هّللا ستلتقي بتوفيق عاجال غير آجل‬
‫انصرفت هند ولم تكن مرتاحة البال وتراودها هواجس جّمة فقد أحّست‬
‫بغّص ة في قلبها وضيقا بصدرها فهي لم تكن يوما تؤمن بهذه الّتّر هات‬
‫‪.‬ولكن انظروا ألى أّي حّد من الجنون قادها العشق‬
‫استعاذت من الّش يطان ورمت الحرز وعزمت أّن ها ستترك األمر هّلل وحده‬
‫فهو القادر على تلبية رغباتها وأّن ها ستدعوه مباشرة وال حاجة لها بأّي‬
‫‪.‬واسطة بينها وبين رّبها‬
‫في شّقتها أّد ت فريضتها ودعت هّللا بقلب خاشع صادق بأن ييّسر أمرها‬
‫وأن يقّد ر لها ما فيه الخير ثّم أغرقت في نوم عميق نهضت بعده بنشاط‬
‫وتفاؤل غير معهودين‪.‬خرجت من المنزل لقضاء بعض حوائجها وما إن‬
‫وصلت إلى باب العمارة حّت ى وجدت توفيق أمامها فبادرها بالّت حّية وأخذا‬
‫يتجاذبان أطراف الحديث ومنذ ذلك اليوم تكّر رت الّلقاءات إلى أن حّقق‬
‫‪.‬هّللا مبتغاهما‬
‫‪.‬أّما عن ذلك الّش اب فقد استغّله الّش يخ أّيما استغالل بلغ االستعباد أحيانا‬
‫لم تعد الحياة بالّن سبة إليه إّال أوامر ونواهي من الّش يخ الجليل وشتائم‬
‫ونعوت ال تليق باإلنسان‪.‬من هنا عاودته فكرة االنتحار وتوّج ه نحو‬
‫الميناء محاوال الخالص ووضع حّد لحياته ولكّن ه لم يفلح فقد صادف‬
‫وجوده هناك مرور شرطّي شاّب أخذ يحّد ثه ويثنيه عن عزمه ويحّد ثه‬
‫عن حالوة الحياة وأّن ه عليه االستمتاع بها فالموت آت ال محالة وأّنه‬
‫‪.‬يجب أن ال نسعجل أجلنا فكّل شيء مقّر ر بدّقة‬
‫فّك ر الّش اّب ملّيا واقتنع بجدوى كالم الّش رطّي فعدل عن فكرة االنتحار‬
‫وقّر ر أن يقبل على الحياة ويتجاوز كّل العراقيل وأّو لها عالقته بذلك‬
‫‪ .‬المشعوذ الّد ّج ال‬
‫كان صديقنا يخرج كل يوم للّت جّو ل في أنحاء المدينة موّز عا االبتسامات‬
‫وناشرا األمل مستبشرا إلى أن مّر ذات مّر ة تحت شرفة منزل هند‬
‫وتوفيق حيث كانت تسقي األزهار وتسترجع الّذ كريات في شّقتهما الجديدة‬
‫حانت منها التفاتة تسّببت في سقوط أحد األصص عليه فهّش مت رأسه‬
‫وأردته قتيال ‪.‬هرع الّن اس إليه وكان من بينهم ذلك الّش رطّي الّش اب فوقف‬
‫متعجبا من األمر وهو يقول ‪":‬كنت تهرب من الحياة فأقبلت عليك ولّما‬
‫" أقبلت عليها فّر ت منك‬

You might also like