You are on page 1of 18

‫ُ‬

‫جن بليلى الدمشقية‬

‫إسراء حسي‬
‫قالت‪ :‬سوف أقص عليكم قصة‪ ،‬قصة للزمان يختلف فيها المكان‪.‬‬

‫قصتي‪ ،‬قصته‪ ،‬قصة كل من خانته األوطان‪.‬‬

‫رغم اختالف األماكن والمواطن والجنسيات تقابلنا‪.‬‬

‫جمعتنا الحروب ورغم اجتماعنا فرقتنا أ يضا الحروب‬

‫قاطعها أحد الجالسين ‪ :‬يبدو أنها مأساة يا ليلى‬

‫ليلى ‪ :‬وأي مأساة نحن من عانينا الحرب نشتاق دوما ليوم عادي‪ ،‬على‬

‫كل قصتي قد تبدو مبتذلة لكنها حقيقة باختالف األسماء واألماكن‬

‫هي قصة كل من عانى الحرب‪.‬‬

‫أنا لست لبنانية األصل فقط ‪،‬أنا والدي لبناني وأمي سورية ولدت‬

‫بدمشق‪ .‬ترعرعت بدمشق أحيانا كنا نذهب لحلب نقضي الشتوية‬

‫ونعود لدمشق في الصيفية مرة أخرى ‪،‬انتقلت لألردن أللتحق‬


‫بالجامعة ‪،‬أ كملت المسيرة المهنية باألردن فأنا مراسلة بقناة إخبارية‬

‫كنت أغطي األخبار ‪،‬ولم أ كن أعلم يوما أنني سأكون جزء من هذه‬

‫األخبار‪..‬‬

‫بدأ قصتي معه (عمر) حين آتتني رسالة تخبرني فيها والدتي أن جدتي‬

‫تريد لقائي على الفور‪.‬‬

‫حينها اندهشت ماكنت أنا بدمشق ذاتا قبل أسبوع ثم أ كملت قراءة‬

‫الرسالة وعرفت أن جدتي تريد اللقاء األخير‪.‬‬

‫أحزمت متاعي ويبدو أنها كانت المرة االخير التي احزم فيها متاعي‬

‫وأنا أعرف الوجهة‪ ،‬توجهت للمطار وذهبت لدمشق وصلت منزلنا‬

‫‪،‬صعدت لغرفة جدتي وجدتها مضجعة على فراشها كالمالئكة نائمة‬

‫كالطفل الصغير همست في أذنها لقد جاءت وردتك يا جدتي ابتسمت‬

‫ابتسامة خفيفة وخرجت لتوي ألفرغ متاعي وكانت المرة األخيرة التي‬

‫أفرغ فيها متاعي بمنزلي بعدها صرت ضيفة متاعي دائما بحقيبتي ‪..‬‬
‫لم أ كمل ما بيدي حتى سمعت صراخ أمي حينها علمت أنها فارقتنا‬

‫تركتنا رحلت عن الدنيا لكنها لم ترحل عني يوما‪ ،‬لم تفارق قلبي‬

‫لحظة‪..‬‬

‫بدأ مرض جدتي مع إرهاصات الحرب وانتهى مرضها قبل أن تشن‬

‫الحرب بيوم‪.‬‬

‫اليوم التالي لدفنها كنا جالسين بمنزلنا تخبرني أمي أن فراق جدتي كان‬

‫منتظر صوتي حينها أحسست أن وقتها كان مع مجيئي أنبت نفسي‬

‫لوهلة وقلت يا ليتني تأخرت ثم أدركت أنها الحياة وما هذا الغباء الذي‬

‫أقوله! وقتها سمعنا صوتا مبالغ فيها وضرب ناري يهز أرجاء المكان‬

‫نظرت ألمي ونظرت لي فهمنا من نظراتنا أن الحرب قد بدأت وأن ما‬

‫هو قادم لن نقدر على تحمله سوى سويا‪.‬‬

‫أتصلت بالقناة قال لي المحرر‪ :‬خيرا أ ِ‬


‫نك بدمشق أريد تغطية لألخبار‪.‬‬
‫كنت على حيرة من أمري أهذا خير أنه لن ينقطع رزقي فنحن في أمس‬

‫الحاجة للمال لن تقدر أمي على مصاريفنا معا بعد استقالتي إذا فهذا‬

‫حتما خير أمسكت يدها واخبرتها أن كل شيء سيكون على ما يرام‪.‬‬

‫في اليوم التالي ذهبت لتغطية األخبار وسط الضرب الناري ارتديت‬

‫السترة المضادة للرصاص للحماية من أي طلقات حين نزلت لميدان‬

‫المعركة لتغطية الخبر علمت حينها أنها بداية النهاية رأيت مالم‬

‫أتصوره يوما رأيت جثث لألطفال بمدارسهم لم تكن أمهاتهم تدرين‬

‫أن علمهم هو الجاني عليهم رأيت العجزة متناثرين على الطرق وكأنهم‬

‫قطع متأصلة من المكان شنت الحرب على البالد ال بل شنت على‬

‫الشعوب ‪.‬‬

‫غطيت الخبر؛ وهناك عدد ال يقل عن السبعين من القتلى من‬

‫المدنيين وأفراد الجيش السوري‪ ،‬ومئة وخمسون جريح‪.‬‬


‫ثم هرعت مسرعة إلى الديار وجدت ما هو أشد وطئة لقلبي وجدت‬

‫أن الحرب قد وصلت ألول الحي الذي نقطن به تالهفت انفاسي وأنا‬

‫أدعو هللا أن يكون منزلنا بخير‪.‬‬

‫وجدت المنزل صامد من الخارج اطمئن قلبي قليال دخلت المنزل‬

‫وجدت بعض براويز الحائط متناثرة على االرض وأمي تبكي لجوارها‬

‫هدأت كثيرا ألنها بخير‪ ،‬رأيت صور أبي‪ ،‬جدتي أخي الذي استشهد على‬

‫مرتفعات الجوالن في فترة خدمته العسكرية رحمهم هللا جميعا‪ ،‬بكت‬

‫أمي كثيرا وكانت تقول‪ :‬سنأتي لكم قريبا سنرا كم قريبا‪.‬‬

‫علي قرابة األسبوعين كنا خاللهم أعددنا قبو المنزل‬


‫ّ‬ ‫توالى الموقف‬

‫للطوارئ التي أصبحت العادي والغير عادي أن ننام بطوابق المنزل‬

‫أ يصبح العادي غير مألوف أ يصبح المألوف ظاهرة غريبة‪.‬‬

‫الى يوم أن قابلته خرجت لتغطية االخبار كعادتي يومها ودعتني امي‬

‫وداع غريب حار وكأنها تشعر أنني لن أعود للمنزل مجددا لكن ما‬
‫حدث عكس ذلك‪ ،‬خرجت لتغطية األحداث‪ :‬اليوم األثنين الحادية عشر‬

‫صباحا قد شن ليلة أمس هجوم على قاعدة عسكرية وصباح اليوم قد‬

‫قصفت العديد من المنازل بحي البرامكة بدمشق وقد سمعنا أن‬

‫الخالدية والفرقان بحلب قد قصفوا أ يضا راح ضحية ذلك قرابة المئة‬

‫وخمسون قتيل وثالث مائة من الجرحى التاريخ‪ ،‬ما عادت تفرق‬

‫فباتت االيام تتكرر والموتى يزيدون المكان دمشق سوريا الحبيب‬

‫وسنوافيكم باألخبار كانت معكم ليلى سعدون قناة لم أ كمل الجملة‬

‫حتى سمعت دوي انفجارات قريبة وقال لي المحرر عبر الهاتف أن‬

‫أتوجه ألقرب ملجأ ألن آتته أخبار أن ميليشيات االنقالب االرهابي قد‬

‫عزمت على إنهاء دمشق حينها هرعت إلى المنزل نسيت ألمر المصور‬

‫والكاميرات والمراسلة نسيت ألمر الحدث ألني حينها أصبحت أنا‬

‫الحدث ذاته نحن من سيقصف هذه المرة توجهت إلى المنزل وحينها‬

‫فقط أدركت أنني فقدت آخر أمل للتمسك بالمنزل ‪،‬بدمشق ‪،‬بسوريا‬
‫‪،‬بالحياة كلها وجدت جدران المنزل ‪،‬منزلنا جاثية على االرض وجدت‬

‫سيارات اإلسعاف وجدت مسعفين اإلنقاذ سمعت أحدهم يقول‪ :‬ثمة‬

‫أحد هناك على قيد الحياة ويشير لهم بأن يزيحوا تلك االحجار من‬

‫فوق أمي نعم إنها امي ال أحد بالبيت سواها أخرجوها أنتفض جسدي‬

‫تشنج قلبي وعقلي أحسست أنها نهايتها نهايتي نهاية األمل توجهت‬

‫لها وكنت أتمنى لو تكون أحدا غير أمي أتمنى لو تكون أمي غيرها‬

‫لكن شتان بين مرادك والقدر‪ ،‬ابتسمت لي وذهبت لجدتي وأبي وأخي‬

‫لكنها لم ترحل عني يوما ‪.‬‬

‫نفس اليوم ليال كنت أجمع ما يمكن جمعه من أنقاض منزلنا قد يبدو‬

‫األمر وكأنه خرافي ماتت أمي صباحا ودفنت وأنا هنا أجمع أوراقا وجدت‬

‫صورة لها تركت كل شيء وأخذت صورتها هاتفت أحد مسؤولي القناة‬

‫وأخبرتهم أني ال أملك مكانا للنوم دبروا أمري ولكن كان على أن أغطى‬

‫حدث أوال فقد وصل دوي هجوم اإلرهابيين على أحد المستشفيات‬
‫الي مدير القناة وما كان علي سوى أن أغطي الحدث وأتمسك‬

‫ببصيص أمل ال يوجد له حتى مالمح وفجأة ونحن أمام المشفى‬

‫سمعنا تكبيرات بصوت عال عرفنا أن اإلرهابيين قد عادوا وما كان‬

‫علينا سوى أن نجري جريت ألتخبى بأي مكان وفجأة وجدت يدا‬

‫تسحبني من كتفي ألدخل ألحد البيوت المعتمة و أحدا يقول لي‬

‫‪:‬شششششش في محاولة منه لتهدئتي لم أرى منه سوى بريق عينيه‬

‫عرفت حينها أنه هارب مثلي ابتسمت‪.‬‬

‫قاطعها أحد الجالسين‪ :‬ومن كان ذلك؟‬

‫ليلى‪ :‬عرفت بعدها أنه عمر ‪.‬‬

‫وفي تلك اللحظة لم أفكر سوى في أمي قلت‪ :‬أمي‪ ،‬القصف ‪ ،‬حينها‬

‫تذكرت أنها لقت حتفها صباحا وأخذت في البكاء ثم بدأ عمر في تهدئتي‬

‫عمر‪ :‬كفى بكاء سننفضح ‪ ،‬لكن لما تبكين اآلن‪ ،‬فقد نجونا؟‪.‬‬
‫ليلى‪ :‬نجوت لكنها لم تنج لقت حتفها صباحا لم أستطع حتى أن‬

‫أودعها لم أستطع أن أخبر خالتي لتحضر العزاء ال أعلم في األساس إذا‬

‫كانت خالتي على قيد الحياة أم أنها تجاور أمي‪ ،‬أنا أ كره الحرب‬

‫حينها ضحك عمر مستسخرا من كالمي وكأني أبتدع النكات‪ ،‬ثم‬

‫انفعلت وقلت‪ :‬أترى مهرجا أمامك!‬

‫عمر‪ :‬ال بل ما تقصيه وكأنه ما عشته حين هربت من المقدس أول‬

‫مرة حينها كانت أمي قد دبرت لي أوراق للسفر لكن كانت غير شرعية‬

‫ألخرج من فلسطين وحين جاء موعد السفر اجتمعنا أنا وأمي وأبي‬

‫على مائدة الطعام وكان االجتماع األخير أخبرتني أمي أن أترك البلد‬

‫دون النظر ورائي شد أبي على يدي ونظر إل ّ‬


‫ي مؤيدا كالم أمي أخبرتهم‬

‫أنني سأعود بأقرب فرصة حالما تتحسن أوضاع البالد كنت بالثامنة‬

‫عشر كنت مخبول كنت أظن أنه يمكن للصهيون أن يتركوا وطننا بيوم‬

‫وليلة ثم بعد قرابة الشهر وانا باليمن سمعت باألخبار أن مدينة دير‬
‫البلح دكت وبعض المدن األخرى لكن كنا نسكن دير البلح ومعنى‬

‫أن دير البلح دكت بالطبع تعرفين البقية‪ ،‬بعدها شعرت وكأني كبرت‬

‫ما يقرب القرن من الزمان‪.‬‬

‫ليلى‪ :‬أنا اسفة علهم في الفردوس األعلى‬

‫ثم هدأت األرجاء بالخارج وعلمنا أن القوات قد تقهقرت خرجنا للشارع‬

‫كان الظالم دامس لكن يمكن أن نرى بعضنا البعض إلى حد ما ثم مد‬

‫عمر يده لي معرفا نفسه ‪ :‬أنا عمر‬

‫قبضت على يده وأنا ليلى‪.‬‬

‫بعدها تقابلنا صدفه في وضح النهار بعد قرابة أسبوعين على نفس‬

‫المنوال أغطى الخبر نهرع من قوات اإلرهابيين نعود لتغطية األخبار‪:‬‬

‫وقع ضحية الهجوم عدد من القتلى من قوات األمن والمدنيين‪ ،‬حينها‬

‫عرفته من بريق عينيه كذبت نفسي لكن نبرة صوته أ كدت لي أنه هو‬

‫تقابلنا في موقف قد يبدو عادي لألشخاص العاديين كنت أشتري‬


‫الخبز رأيته قادم ليشتري الخبز حينها تسائلت أهو أم أنني أشبه به‬

‫كل من أرى ألنني كنت أرغب بلقائه ثم حدث البائع وعرفت أنه هو‬

‫إذا كانت عيناي تكذب فأذني ال تكذب تعمدت ان امد يدي للبائع وهو‬

‫يعطيه المال حتى تتالمس أ يدينا حينها أ كدت لي يدي كالم عيناي‬

‫وأذناي ثم قال ليلى! وقلت عمر!‬

‫قلت له‪ :‬عرفتك من نبرة صوتك‪.‬‬

‫وعرفتك من ابتسامتك التي تشبه النرجس في الصيف‪.‬‬


‫ِ‬ ‫عمر‪:‬‬

‫كانت أول مرة أحد يصف ابتسامتي بهذا الشكل لذا ابتسمت‬

‫كالمعتوهة وتكاد ابتسامتي تخرج عن وجهي من شدة االبتسام‪.‬‬

‫سألني عن الطريق شاورت له وكان نفس طريقي والصدفة الجميلة‬

‫تجمع بيتي وبيته بنفس الشارع كان يقطن الشقة المقابلة لشقتي‬

‫ومع مرور الوقت أصبحت أقطن أنا صوته أحيانا أتمنى لو أن الحي‬

‫الذي كنا نسكن به الزال باقيا كي أرى وجهه صباحا‬


‫عرفنا بعض كان يسكن وحده كنت أعيش وحدي تجاورني فقط حزمة‬

‫من األوراق ومعدات المراسلة كنا نتقاسم الخبز حين تجف معيشتنا‬

‫كان يحب القهوة كان يشبه الهدهد في الصباح الباكر عندما يقف على‬

‫شرفتنا في حلب كان يشبه القمر كان لذاته قمر‪.‬‬

‫أخبرني قصته أنه هرب من فلسطين وذهب إلي اليمى ثم حدثت‬

‫بعض المشاكل وتم ترحيله من جديد بعد خمس سنوات لفلسطين‬

‫عاد لوطنه لكنه وجده على غير ما تركه أخبرني ذات مرة أن الصور عبر‬

‫التلفاز التصف شيء من الحقيقة وأن الحقيقة أعتم أقبح أ كثر سوادا‬

‫ثم لم يطق العيش في غزة حتى قرر الفرار قبل سنتين إلى دمشق أتى‬

‫إلى دمشق قضى سنة وأخبرني أن الوضع كان جيد إلى حد ما أحيانا‬

‫يهرب من األمن أحيانا يختبئ أحيانا ال يخرج من بيته حتى قابلني‬

‫أصبح ال يطيق األمن وال البيت‪.‬‬


‫قاطعها نادر وهو صديق مشترك بينها وبين عمر كان يعمل معه‬

‫وقال‪ :‬كنا ذات مرة نتحادث مع أصدقاء لنا وفي منتصف الحديث‬

‫ل حكى عن أخباره مع الحب حينها لم يطق‬


‫جاءت سيرة الحب وك ٌ‬

‫عمر أن ينتظر دوره في الكالم ليتكلم عن ليلته حتى اقتحم الحديث‬

‫وقال ‪ :‬ليلتي هي أشبه بكوب من السحلب في إحدى ليالي ديسمبر‬

‫المطيرة هي باألحرى الدفء الذي تشعر به بعد احتسائك لذلك‬

‫الكوب ‪.‬‬

‫ضحك الجميع ساخرين منه وقال أحدهم لقد أصبحت فعال مجنونها‪،‬‬

‫يعشقك حقا يا ليلى‪.‬‬


‫ِ‬ ‫عمر كان‬

‫تنهدت ليلى وقالت‪ :‬كان فقد كان أنا أ كره الحروب الحرب عبارة عن‬

‫خدعة ابتدعها الكبار ويذهب هباء ضحيتها من ال ذنب لهم سوى أنهم‬

‫ال يملكون سلطة رغما عن دينهم او طائفتهم او لونهم أو حتى‬

‫جنسيتهم ‪ ..‬الحرب ماهي اال جاثوم يحتل اركان االوطان ‪..‬‬


‫على كل بعد ثالثة أشهر انقضت من الصيف وجاء الشتاء وبدأ الوضع‬

‫يستحيل أن يطاق حينها قررنا أن نفر للقاهرة‬

‫اتفقت أنا وعمر ونادر وبعض األصدقاء اآلخرين أن نفر للقاهرة لكن‬

‫كان عمر يهاب المياه ولن يقدر على الذهاب عبر البحر لذا قررنا أن‬

‫يذهب نادر عبر البحر وأنا وعمر نذهب عن طريق االنفاق الغير شرعية‬

‫نذهب أوال إلى فلسطين ومن فلسطين لسيناء ومن سيناء نتدبر األمر‬

‫للقاهرة على الرغم إصراره الشديد أن أذهب واتركه يتدبر أمره لكنني‬

‫رفضت ظللت معه حينها أخبرته أنني سأرافقه لكي اعرف المزيد من‬

‫األحداث حتى عندما نصل للقاهرة سأدشن سبق صحفي عن تلك‬

‫األنفاق ال أعرف لم لم أخبره أنني كنت معه ألنني احبه وصلنا الحدود‬

‫الفلسطينية لطالما أراد دوما أن يكمل بقية عمره بوطنه ومكثنا‬

‫بفلسطين قرابة الستة أشهر ننتقل من حي لحي ومن مقاطعة‬

‫لمقاطعة ومن مدينة لمدينة حتى ذلك اليوم كان اسعد يوم قد مر‬
‫ي منذ أن قابلته اليوم الموافق ‪ ٢٥‬من سبتمبر ‪ ٢٠١١‬حين وصلنا‬
‫عل ّ‬

‫لمدينة الخليل وقفنا تحت شجرة مسيم حينها أخبرني أن خضرة‬

‫عيناي تشبه خضرة ورق المسيم وأن قلبه أنا اتذكر ما قاله حرف‪،‬‬

‫عيناك تشبه خضرة أوراق‬


‫ِ‬ ‫حرف فقد قال ‪ :‬أتعرفين يا ليلى أن خضرة‬

‫يديك وانني اتوه بين غابات‬


‫ِ‬ ‫المسيم وأن قلبي كأوراقه يتساقط بين‬

‫أعينك أتدرين أن قهوة شعرك عندما تأخذينه وراء أذنك تذهب عقلي‬

‫أتعلمين أنني اود أال يعود عقلي لي مجددا أتعلمين أنني أعشق ذلك‬

‫النرجس الذي يرتسم على وجهك حين تبتسمين أتدرين أنني أرى‬

‫النجوم ليال بأعينك عندما يشن هجوم ونطفئ األنوار ‪.‬‬

‫قال كل هذا وتسارعت أنفاسي أحسست أن الحرب قامت على قلبي‬

‫أحسست وكأني اجاور النجوم ثم فجأة استيقظنا من تلك الغفوة حين‬

‫رأينا بعض األطفال تهرول من بعض جنود االحتالل اإلسرائيلي‪.‬‬


‫ثم أ كملنا مسيرتنا حتى وصلنا قرابة بئر السبع كنا سنتخذ من تلك‬

‫المدينة استراحة ثم نتوجه إلى سيناء ويبدو أنها كانت استراحته األبدية‬

‫وصلنا بئر السبع وهناك كانت نهايته وبداية عزوفي عن الحياة قطعنا‬

‫نصف المدينة ثم ونحن بين الطرقات بدأ الطلق الناري من األعلى من‬

‫السماء وكأن صياد ماهر ينشن على الصقور لم يكن منه سوى أنه‬

‫ألقى بجسده فوقي حتى ال تصلني أي طلقة لم يفلح األبله فقد مات‬

‫وأصبت أنا بموته مات هو وعشت أنا أعاني ‪..‬‬

‫لطالما أراد دوما أن يدفن في وطنه الحبيب فلسطين‪.‬‬

‫ثم تنهدت ليلى وقالت‪ :‬لم أستطع أن أخبره يوما أني أحبه فكتبت له‬

‫على قبره‪ ،‬لم أستطع قولها لك يوما‪ ،‬لكن الكلمات تفعل‪ :‬أحبك حد‬

‫السماء‪ ..‬وحتى تتفتت خاليا مخي‪ ..‬وحتى آخر نبضة لقلبي‪ ..‬وحتى‬

‫تشيب االرض‪ ..‬وحتى ينصهر القمر‪ ..‬أحبك على قدر عدد مجرات‬
‫األكوان‪ ..‬وحتى يفنى الزمان‪ ..‬وحتى يقال أحبت فجنت‪ ..‬وحتي يختم‬

‫على قبري دفن معها حبها‪ ..‬أحبك يا عمر ‪.‬‬

‫أحيانا أتمنى لو كنت مت بجواره لكنت اآلن معه وجوار أمي وجدتي‬

‫لكنت مع كل أحبتي‪..‬‬

‫أتدرون؟ الغربة ليست غربة االوطان إنما غربة األحبة غربة الرفاق‬

‫غربة األهل الغربة ‪ ..‬غربة االرواح‪.‬‬

‫أ كملت مسيرتي وحدي حتى سيناء حينها تواصلت مع نادر وأتى بي‬

‫الى هنا‪.‬‬

‫أنا هنا ليلى الدمشقية ذات األصل اللبناني التي احبت فلسطيني‬

‫أحكي عنه من القاهرة جوار النيل من مصر الحبيبة ملجأ من ال ملجأ‬

‫له‪ .‬صدقوني القصة ليست كما حكيت أبدا بل كما عِ يشت ال شيء‬

‫مما قيل يساوي ما حدث بالحقيقة‪...‬‬

You might also like