Professional Documents
Culture Documents
إسراء حسي
قالت :سوف أقص عليكم قصة ،قصة للزمان يختلف فيها المكان.
ليلى :وأي مأساة نحن من عانينا الحرب نشتاق دوما ليوم عادي ،على
أنا لست لبنانية األصل فقط ،أنا والدي لبناني وأمي سورية ولدت
كنت أغطي األخبار ،ولم أ كن أعلم يوما أنني سأكون جزء من هذه
األخبار..
بدأ قصتي معه (عمر) حين آتتني رسالة تخبرني فيها والدتي أن جدتي
حينها اندهشت ماكنت أنا بدمشق ذاتا قبل أسبوع ثم أ كملت قراءة
أحزمت متاعي ويبدو أنها كانت المرة االخير التي احزم فيها متاعي
ابتسامة خفيفة وخرجت لتوي ألفرغ متاعي وكانت المرة األخيرة التي
أفرغ فيها متاعي بمنزلي بعدها صرت ضيفة متاعي دائما بحقيبتي ..
لم أ كمل ما بيدي حتى سمعت صراخ أمي حينها علمت أنها فارقتنا
تركتنا رحلت عن الدنيا لكنها لم ترحل عني يوما ،لم تفارق قلبي
لحظة..
الحرب بيوم.
اليوم التالي لدفنها كنا جالسين بمنزلنا تخبرني أمي أن فراق جدتي كان
لوهلة وقلت يا ليتني تأخرت ثم أدركت أنها الحياة وما هذا الغباء الذي
أقوله! وقتها سمعنا صوتا مبالغ فيها وضرب ناري يهز أرجاء المكان
الحاجة للمال لن تقدر أمي على مصاريفنا معا بعد استقالتي إذا فهذا
في اليوم التالي ذهبت لتغطية األخبار وسط الضرب الناري ارتديت
المعركة لتغطية الخبر علمت حينها أنها بداية النهاية رأيت مالم
أن علمهم هو الجاني عليهم رأيت العجزة متناثرين على الطرق وكأنهم
الشعوب .
أن الحرب قد وصلت ألول الحي الذي نقطن به تالهفت انفاسي وأنا
وجدت بعض براويز الحائط متناثرة على االرض وأمي تبكي لجوارها
هدأت كثيرا ألنها بخير ،رأيت صور أبي ،جدتي أخي الذي استشهد على
الى يوم أن قابلته خرجت لتغطية االخبار كعادتي يومها ودعتني امي
وداع غريب حار وكأنها تشعر أنني لن أعود للمنزل مجددا لكن ما
حدث عكس ذلك ،خرجت لتغطية األحداث :اليوم األثنين الحادية عشر
صباحا قد شن ليلة أمس هجوم على قاعدة عسكرية وصباح اليوم قد
الخالدية والفرقان بحلب قد قصفوا أ يضا راح ضحية ذلك قرابة المئة
حتى سمعت دوي انفجارات قريبة وقال لي المحرر عبر الهاتف أن
أتوجه ألقرب ملجأ ألن آتته أخبار أن ميليشيات االنقالب االرهابي قد
عزمت على إنهاء دمشق حينها هرعت إلى المنزل نسيت ألمر المصور
الحدث ذاته نحن من سيقصف هذه المرة توجهت إلى المنزل وحينها
فقط أدركت أنني فقدت آخر أمل للتمسك بالمنزل ،بدمشق ،بسوريا
،بالحياة كلها وجدت جدران المنزل ،منزلنا جاثية على االرض وجدت
أحد هناك على قيد الحياة ويشير لهم بأن يزيحوا تلك االحجار من
فوق أمي نعم إنها امي ال أحد بالبيت سواها أخرجوها أنتفض جسدي
تشنج قلبي وعقلي أحسست أنها نهايتها نهايتي نهاية األمل توجهت
لها وكنت أتمنى لو تكون أحدا غير أمي أتمنى لو تكون أمي غيرها
لكن شتان بين مرادك والقدر ،ابتسمت لي وذهبت لجدتي وأبي وأخي
نفس اليوم ليال كنت أجمع ما يمكن جمعه من أنقاض منزلنا قد يبدو
األمر وكأنه خرافي ماتت أمي صباحا ودفنت وأنا هنا أجمع أوراقا وجدت
صورة لها تركت كل شيء وأخذت صورتها هاتفت أحد مسؤولي القناة
وأخبرتهم أني ال أملك مكانا للنوم دبروا أمري ولكن كان على أن أغطى
حدث أوال فقد وصل دوي هجوم اإلرهابيين على أحد المستشفيات
الي مدير القناة وما كان علي سوى أن أغطي الحدث وأتمسك
علينا سوى أن نجري جريت ألتخبى بأي مكان وفجأة وجدت يدا
وفي تلك اللحظة لم أفكر سوى في أمي قلت :أمي ،القصف ،حينها
تذكرت أنها لقت حتفها صباحا وأخذت في البكاء ثم بدأ عمر في تهدئتي
عمر :كفى بكاء سننفضح ،لكن لما تبكين اآلن ،فقد نجونا؟.
ليلى :نجوت لكنها لم تنج لقت حتفها صباحا لم أستطع حتى أن
كانت خالتي على قيد الحياة أم أنها تجاور أمي ،أنا أ كره الحرب
مرة حينها كانت أمي قد دبرت لي أوراق للسفر لكن كانت غير شرعية
ألخرج من فلسطين وحين جاء موعد السفر اجتمعنا أنا وأمي وأبي
على مائدة الطعام وكان االجتماع األخير أخبرتني أمي أن أترك البلد
أنني سأعود بأقرب فرصة حالما تتحسن أوضاع البالد كنت بالثامنة
عشر كنت مخبول كنت أظن أنه يمكن للصهيون أن يتركوا وطننا بيوم
وليلة ثم بعد قرابة الشهر وانا باليمن سمعت باألخبار أن مدينة دير
البلح دكت وبعض المدن األخرى لكن كنا نسكن دير البلح ومعنى
أن دير البلح دكت بالطبع تعرفين البقية ،بعدها شعرت وكأني كبرت
كان الظالم دامس لكن يمكن أن نرى بعضنا البعض إلى حد ما ثم مد
بعدها تقابلنا صدفه في وضح النهار بعد قرابة أسبوعين على نفس
عرفته من بريق عينيه كذبت نفسي لكن نبرة صوته أ كدت لي أنه هو
كل من أرى ألنني كنت أرغب بلقائه ثم حدث البائع وعرفت أنه هو
إذا كانت عيناي تكذب فأذني ال تكذب تعمدت ان امد يدي للبائع وهو
يعطيه المال حتى تتالمس أ يدينا حينها أ كدت لي يدي كالم عيناي
كانت أول مرة أحد يصف ابتسامتي بهذا الشكل لذا ابتسمت
تجمع بيتي وبيته بنفس الشارع كان يقطن الشقة المقابلة لشقتي
ومع مرور الوقت أصبحت أقطن أنا صوته أحيانا أتمنى لو أن الحي
من األوراق ومعدات المراسلة كنا نتقاسم الخبز حين تجف معيشتنا
كان يحب القهوة كان يشبه الهدهد في الصباح الباكر عندما يقف على
عاد لوطنه لكنه وجده على غير ما تركه أخبرني ذات مرة أن الصور عبر
التلفاز التصف شيء من الحقيقة وأن الحقيقة أعتم أقبح أ كثر سوادا
ثم لم يطق العيش في غزة حتى قرر الفرار قبل سنتين إلى دمشق أتى
إلى دمشق قضى سنة وأخبرني أن الوضع كان جيد إلى حد ما أحيانا
وقال :كنا ذات مرة نتحادث مع أصدقاء لنا وفي منتصف الحديث
الكوب .
ضحك الجميع ساخرين منه وقال أحدهم لقد أصبحت فعال مجنونها،
تنهدت ليلى وقالت :كان فقد كان أنا أ كره الحروب الحرب عبارة عن
خدعة ابتدعها الكبار ويذهب هباء ضحيتها من ال ذنب لهم سوى أنهم
اتفقت أنا وعمر ونادر وبعض األصدقاء اآلخرين أن نفر للقاهرة لكن
كان عمر يهاب المياه ولن يقدر على الذهاب عبر البحر لذا قررنا أن
يذهب نادر عبر البحر وأنا وعمر نذهب عن طريق االنفاق الغير شرعية
نذهب أوال إلى فلسطين ومن فلسطين لسيناء ومن سيناء نتدبر األمر
للقاهرة على الرغم إصراره الشديد أن أذهب واتركه يتدبر أمره لكنني
رفضت ظللت معه حينها أخبرته أنني سأرافقه لكي اعرف المزيد من
األنفاق ال أعرف لم لم أخبره أنني كنت معه ألنني احبه وصلنا الحدود
لمقاطعة ومن مدينة لمدينة حتى ذلك اليوم كان اسعد يوم قد مر
ي منذ أن قابلته اليوم الموافق ٢٥من سبتمبر ٢٠١١حين وصلنا
عل ّ
عيناي تشبه خضرة ورق المسيم وأن قلبه أنا اتذكر ما قاله حرف،
أعينك أتدرين أن قهوة شعرك عندما تأخذينه وراء أذنك تذهب عقلي
أتعلمين أنني اود أال يعود عقلي لي مجددا أتعلمين أنني أعشق ذلك
النرجس الذي يرتسم على وجهك حين تبتسمين أتدرين أنني أرى
المدينة استراحة ثم نتوجه إلى سيناء ويبدو أنها كانت استراحته األبدية
وصلنا بئر السبع وهناك كانت نهايته وبداية عزوفي عن الحياة قطعنا
نصف المدينة ثم ونحن بين الطرقات بدأ الطلق الناري من األعلى من
السماء وكأن صياد ماهر ينشن على الصقور لم يكن منه سوى أنه
ألقى بجسده فوقي حتى ال تصلني أي طلقة لم يفلح األبله فقد مات
ثم تنهدت ليلى وقالت :لم أستطع أن أخبره يوما أني أحبه فكتبت له
على قبره ،لم أستطع قولها لك يوما ،لكن الكلمات تفعل :أحبك حد
السماء ..وحتى تتفتت خاليا مخي ..وحتى آخر نبضة لقلبي ..وحتى
تشيب االرض ..وحتى ينصهر القمر ..أحبك على قدر عدد مجرات
األكوان ..وحتى يفنى الزمان ..وحتى يقال أحبت فجنت ..وحتي يختم
أحيانا أتمنى لو كنت مت بجواره لكنت اآلن معه وجوار أمي وجدتي
لكنت مع كل أحبتي..
أتدرون؟ الغربة ليست غربة االوطان إنما غربة األحبة غربة الرفاق
أ كملت مسيرتي وحدي حتى سيناء حينها تواصلت مع نادر وأتى بي
الى هنا.
أنا هنا ليلى الدمشقية ذات األصل اللبناني التي احبت فلسطيني
له .صدقوني القصة ليست كما حكيت أبدا بل كما عِ يشت ال شيء