You are on page 1of 251

1

2
‫األسود كالسترة الصفراء‬
‫ركاية سوسيونفسية‬

‫فراجي زكرياء‬

‫دار المجدد للطباعة كالنشر كالتوزيع‬

‫‪3‬‬
4
5
‫مقدمة‬

‫تعت ىذه الركاية صورة بديعية في فن الكوميديا‬


‫بر‬
‫السوداء لكونها تمتاز بالذكاء كالمركنة في تفكيك‬
‫العقدة السوسيونفسية للفرد داخل المجتمع ‪ ،‬ككذلك‬
‫يمثل ىذا الكتاب صوت من أصوات المستضعفين‬
‫في العالم العربي كما يعبر عن الواقع المظلم الذم‬
‫يعيشو البائسوف في إفريقيا كباقي الدكؿ المتخلفة‬
‫بآسيا ك أمريكا ‪،‬كما أف ىذا النص يمكن أف نقوؿ‬
‫عنو زادا معرفيا مبسطا لمن يريد أف يوسع مداركو في‬
‫فهم عالقة السياسة بالمجتمع ‪،‬كممثل أيضا رسالة‬
‫كسطية إلى أنظمة الحكم التي ال تشعر بما يتكبده‬
‫الفرد البائس في كاقعو المرىق ‪ ،‬كذلك فمن جهة‬
‫أخرل فإف األفكار التي ما بين السطور تلمح إلى أنو‬

‫‪6‬‬
‫ليس ىناؾ أم مخرج من المأزؽ السياسي إال من‬
‫خالؿ التشبع بقوة الفكر كالثقافة كالتشبث بالمبادئ‬
‫الصادقة ‪ ،‬ؼرغم أف بعض العبارات قد توجو انتقادا‬
‫صريحا لبعض شرائح المجتمع لكن لم تتهاكف في أف‬
‫تمس الحقيقة المرة في اغلب جوانبها أمال في تغيير‬
‫المجتمع إلى األفضل ما يؤكد على أىمية التعمق في‬
‫مجريات الركاية كفهمها جيدا للوصوؿ إلى الفكرة‬
‫التي يريد الراكم بعثها للقارئ كالتي يلخصها في‬
‫سؤاؿ بسيط‪ ،‬كيف تدكر أحواؿ الناس من كراء‬
‫الستار المزخرؼ بالوركد كاألكىاـ الكاذبة ؟‬

‫فراجي زكرياء ‪ 17 /‬جانفي ‪2019‬‬

‫‪7‬‬
‫رسم باألل واف ال زيتية من تصميم الكاتب فراجي زكرياء‬

‫‪8‬‬
‫نقطة مهمة‪:‬‬

‫يمكن القوؿ بأف ىذا الكتاب جاء بقفزة جديدة في‬


‫الطرح الفكرم بأسلوب غير متعود عليو في الساحة‬
‫األدبية نظرا العتماد المحتول على المنهج‬
‫السوسيونفسي في السرد ‪،‬ىذا كمن جهة أخرل فإف‬
‫المحتول يحمل في طياتو جنوف الدراما كالخياؿ أماـ‬
‫مرآة عاكسة للواقع بشكل جرمء كسلس في الوقت‬
‫نفسو ‪ ،‬كما ىو أجمل في عمق ىذه التحفة األدبية‬
‫أف القارئ يجد نفسو مرتبطا مع كل فصوؿ النص من‬
‫حين آلخر لتتلخص القصة في النهاية حوؿ شيء‬
‫كاحد يعبر عن كل شيء تبعا لعبارة الكاتب على‬
‫الخلفية بقولو‪:‬‬

‫"تعتقدكنو شيء كىو أشياء أخرل"‬

‫‪9‬‬
‫صدر ىذا الكتاب في شهر فيفرم ‪ 2019‬تزامنا مع‬
‫حركة السترات الصفراء بفرنسا كفي بعض دكؿ العالم‬

‫‪10‬‬
‫أىدم ىذا الكتاب إلى الذين مازلت‬
‫األحاسيس يقظة في قلوبهم‬

‫‪11‬‬
‫الفاتح من ديسمبر‬

‫في األكؿ من ديسمبر ‪ 2018‬اشتد‬


‫البرد بشماؿ إفريقيا كفي نفس الليلة دخل‬
‫المدعو بوليفيا إلى المنزؿ متأخرا على غير‬
‫العادة ‪،‬انتزع حذاءه األبيض بسرعة كرمى‬
‫جواربو القذرة في الحماـ ‪ ،‬فتح الثالجة فوضع‬
‫بداخلها علبة الحليب ثم توجو إلى الصالوف ‪،‬‬
‫كقف ىنيهة يستحضر نفسو حتى اقترب من‬
‫المائدة ليحط عليها كيس التفاح ‪ ،‬كبعدئذ‬
‫جلس مباشرة على الكرسي يقابل جدتو التي‬

‫‪12‬‬
‫تداعب القط بيديها كتتفرج على التلفاز ‪ ،‬كاف‬
‫في البيت دكما شعورا بالهدكء خاصة كأف أثاث‬
‫البيت من النوع القديم الذم يبعث شيء من‬
‫الحنين إلى القلب ‪،‬فبمجرد أف تدخل غرفة‬
‫الجلوس تستضيفك مركحة جمالية معلقة على‬
‫الحائط المقابل كألنها كبيرة يمكن للمرء أف‬
‫ينتبو إلى كل تفاصيلها ‪ ،‬تزينها سماء زرقاء‬
‫صافية تحمل معها غيوما كردية كأخرل بيضاء‬
‫يتوسطها طائراف عظيماف كأنهما يحوماف أماـ‬
‫شالؿ كبير ينبعث قربا من كوخ صغير يقع‬
‫بأسفل جباؿ ضخمة مغطاة بأكراؽ الشجر‬
‫المتدلية ىنا كىناؾ تترؾ المتأمل يتتبعها حتى‬

‫‪13‬‬
‫يلتفت مباشرة إلى زاكية الجدراف أين توجد‬
‫كركد عباد الشمس بلونها األصفر الزاىي‬
‫ال تبعد كثيرا عن ساعة قديمة بداخلها ميزاف‬
‫كتمثاؿ صغير لرجل يضرب الجرس ‪ ،‬أما على‬
‫الجانب األيمن يشرد الذىن مباشرة نحو تلك‬
‫المطرقة النحاسية المتدلية تحت لوحة آلية‬
‫الكرسي ‪ ،‬يقابلها يسارا رسما مؤثرا لطفل حزين‬
‫يذرؼ دمعة على خده كأنها قطرة ماء تحررت‬
‫من فم حنفية ‪ ،‬أما كسط الغرفة تعلو مائدة‬
‫مستطيلة من اللوح األحمر قريبة تماما من سرير‬
‫الجدة كال تبتعد عن األريكة السوداء كثيرا‪،‬‬
‫كأحيانا من ينظر إلى الجدة كىي جامدة‬

‫‪14‬‬
‫في مكانها يحسبها رسما جميال بتلك العيوف‬
‫الغائرة ملمع بريقها من بعيد ‪ ،‬يترسم سواد‬
‫الكحل تحت حاجبيها ‪ ،‬أنفها كركم جميل‬
‫كتجاعيدىا مخطوطة بإتقاف تضفي نوعا من‬
‫الهيبة على بياض كجهها المنير ‪ ،‬قامتها‬
‫القصيرة تتناسق جيدا مع جسدىا النحيف‪،‬‬
‫امتاز لباسها على الدكاـ بالبساطة ‪ ،‬يسترىا‬
‫فستاف أحمر غليظ كعليو معطف صوفي أبيض‬
‫كأنو مدفأة خاصة بالجدة في فصل الشتاء ‪،‬‬
‫ينتبو بوليفيا إلى كل ىذه التفاصيل عندما يدخل‬
‫إلى البيت مرىقا ‪،‬منظر إلى الجدة بحرقة كأف‬
‫شعر بالغيرة من القط األسود يتودد على عنقها‬

‫‪15‬‬
‫كىي تالطفو بيديها المليحتين‪ ،‬تبتسم كىي‬
‫سعيدة لكونوا تملك حيوانا لطيفا أنيسا لها في‬
‫كحدتها‪...‬تسرد عليو ىمومها كأنو إنساف برمء‬
‫أك مختص نفسي خبير في شؤكف األسرة‬
‫كالمجتمع‬

‫‪...‬أخذت الجدة ىي األخرل تتأمل في‬


‫حفيدىا جيدا ‪ ،‬لقد كاف نسخة مشابهة لها في‬
‫كل مالمح كجهها غير أنو أسمر البشرة كعنقو‬
‫طويل تبعا لطوؿ جسده كأطراؼ ذراعيو ‪ ،‬بدا‬
‫لها بذلك القميص البني كأنو جثة نحيفة تشبو‬
‫رجل الحقوؿ الذم يخوؼ بو الطيور في‬
‫المزارع ‪ ،‬كضعت يدىا على فمها ثم تنهدت‬

‫‪16‬‬
‫تتحسر على تغير أحواؿ حفيدىا ‪ ،‬فمنذ تخرجو‬
‫من الجامعة كىو في حالة غير عادية في سلوكو‬
‫اليومي ‪،‬غرفتو مليئة بالفوضى ‪،‬أكقات نومو غير‬
‫منظمة ‪ ،‬كال يهتم بنفسو كالعادة ‪،‬شعره مجعد‬
‫غير ممشوط ‪ ،‬أسنانو صفراء كيلبس قميصا‬
‫غير مرتب جيدا ‪،‬متأكدة في نفسها أنو مبعثر‬
‫األعصاب ‪،‬يبدك حتما أنو غير مكترث ألم‬
‫شيء في ىذه األياـ األخيرة ‪ ،‬ؼمن يرل‬
‫التوترات المتصادمة في كجهو يشعر أف ىذا‬
‫الفتى يتقلب في الحياة مثل العجينة في يد‬
‫الطباخ ‪ ،‬كألنها عجوز مسنة تحب الكالـ لم‬
‫يعجبها بتاتا ىدكء بوليفيا الغير العادم ىذه‬

‫‪17‬‬
‫الليلة ‪ ،‬تنفست حيرتها كانتظرت بفارغ الصبر‬
‫أف ينطق المدلل بكلمة كاحدة ‪ ،‬فكل يوـ‬
‫تتمنى أف تجد الفرصة السانحة لتدخل في‬
‫أغواره الغامضة فتقبض على الوحش الساكن‬
‫بداخلو‪...‬‬

‫لم تحتمل أكثر من دقيقة كاحدة حتى بدأت‬


‫تسألو مثلما يفعل محقق شرطة‪ :‬كيف كاف‬
‫يومك أيها المعتوه؟‬

‫فرد بوليفيا كأف لم يعجبو السؤاؿ‪ :‬أسودا يا أماه‬


‫‪ ،‬أسود مثل ىذه األريكة كالقط األسود بين‬
‫أحضانك‪...‬الشيء جديد! ‪ ،‬سول أف الهراء‬

‫‪18‬‬
‫يتكاثر علينا يوميا كأنو جراد شارد ضل طريقو‬

‫رفعت الجدة حواجبها‪ :‬الهراء كثيف إلى‬


‫ىذه الدرجة ؟ ‪ ،‬أليس ىناؾ أبدا أشياء‬
‫كمناسبات جميلة مثال؟؟‬

‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬الحظت أنك تمضين كل يومك‬


‫في ىذه الغرفة المعزكلة ‪ ،‬لذلك‬
‫ال أظنك تدركين شيئا من الواقع البائس‬
‫الذم نعيشو في الشارع ‪ ،‬يخيل إلي‬
‫أحيانا أنك ال تعيشين معنا‪...‬األحواؿ‬
‫خارجا ليست جميلة أبدا بينما أنت‬
‫تقولين لي دكما أف ىناؾ أشياء جميلة!‬

‫‪19‬‬
‫‪ ،‬ىل تعتقدين أنني أكذب عليك؟‬
‫‪ -‬الجدة‪ :‬قلت ربما على األقل يمكن أف‬
‫يكوف ىناؾ شيء كاحد يسر القلب‪،‬‬
‫فرحمة اهلل لم ترفع بعد‪ ،‬ثم ما بها‬
‫األحواؿ؟ ‪ ،‬ليس ىناؾ أزمات كثيرة ‪،‬‬
‫كل شيء بخير!‬

‫ضحك بوليفيا سريعا كقاؿ‪ :‬أحقا الحياة بخير؟‬


‫ال ‪ ،‬ال ليست بخير أبدا‪ ،‬الناس فقط يحاكلوف‬
‫العيش كأنهم بخير صدقيني ‪ ،‬منذ متى كانت‬
‫الحياة بخير ىنا؟؟ أخبريني!‬

‫‪20‬‬
‫‪ -‬الجدة‪ :‬نعم! ‪،‬ربما ىناؾ بعض المشاكل‬
‫كلكن األمور تسير بخير ‪،‬ال أدرم أنت بالضبط‬
‫ما الذم يقلقك ؟‬

‫ضحك بوليفيا مرة أخرل ثم انطلق في تعبيره‬


‫عن الوضع كأنو مذياع‪ :‬أتعرفين شيئا؟ أنا‬
‫شخصيا لست بخير! ‪ ،‬لقد ذىبت اليوـ إلى‬
‫الجامعة كلم تجهز كثائقي بعد ‪ ،‬شهاداتنا العليا‬
‫ال تساكم شيئا ‪ ،‬انظرم كيف ىانت قيمة‬
‫الجامعيين باإلدارات كالشركات ‪ ،‬لقد أصبح‬
‫المرء ىنا يبيع نفسو ليحصل على قوت يومو‬
‫‪،‬اذىبي للسوؽ ربما تعرفين كيف تدكر األمور‪،‬‬
‫ألف دينار ال تساكم شيئا مقابل ما كانت‬

‫‪21‬‬
‫تساكيو قبل سنوات ‪ ،‬كاألسوأ من ذلك لقد‬
‫اكتشف الناس من حولي أمرا عظيما ‪ ،‬لقد‬
‫انتبهوا أنني لم ألبس معطفا في ىذا البرد‪...‬‬
‫إال أنا! ‪ ،‬نعم! إال أنا فقط! ‪ ،‬لم انتبو لنفسي ‪،‬‬
‫لقد تنبؤا جميعا بأنني سأسقط مريضا ‪،‬‬
‫يتفلسفوف في كل تفاصيل اإلنساف الشخصية ‪،‬‬
‫إال أنهم ال ينظركف أبدا إلى تلك مشاكل التي‬
‫يصنعونها بأنفسهم ‪ ،‬كال يشموف أبدا رائحة‬
‫الخبث من حولهم ‪ ،‬ينشغلوف فقط بأين اختفى‬
‫معطف بوليفيا؟ كإلى أين ذىبت الجارة سعاد؟؟‬
‫‪ ،‬ثم حين ال يجدكف حديثا يقتلوف بو أكقاتهم‬
‫يختلقوف شجارا في الحي فيهددكف كل‬

‫‪22‬‬
‫من ينصحهم أك يختلف معهم‪..‬ىل ىذا حاؿ‬
‫يسرنا؟ ىل نحن بخير؟‬

‫دفعت الجدة قطها بعيدا ثم قالت‪ :‬أنت ترىق‬


‫نفسك بهذه المشاكل التي ال تتغير ‪،‬ارفع‬
‫يديك إلى السماء كقل ربي ساعدني! ‪،‬‬
‫أنجدني! كستسهل أمورؾ ‪ ،‬أما في ما يخص‬
‫انشغاؿ الناس باألمور الغبية فتلك ىي طباعهم‬
‫التي تربوا عليها ليست كليدة البارحة‪ ،‬ككذلك‬
‫منذ سنوات بعيدة يتولد لنا في كل حي حقير‬
‫يشوه األجواء ‪ ،‬دعك منهم! إنهم مجانين‬
‫اليدركوف أنهم يشبهوف طماطم متعفنة‬

‫‪23‬‬
‫سكن بوليفيا قليال ثم قاؿ‪ :‬أنا لست قلقا أبدا‬
‫من قضاء اهلل في المشاكل التي تخصني‪،‬‬
‫كلكنني استغرب دكما في ىؤالء البشر كيف‬
‫ضاقت عقولهم! ‪ ،‬يوميا ينشغلوف فقط باألمور‬
‫التافهة في حين أف أحوالنا االجتماعية ليست‬
‫على ما يراـ‪...‬لم أعد أطيق التكيف مع ىذا‬
‫اؿغباء الذم نعيش فيو‪...‬أشعر أننا متخلفوف‬
‫جدا‪...‬نتبادؿ نفس الهراء يوميا‪...‬كاألغلبية‬
‫على الدكاـ تنجر مع األفكار المنحطة‪...‬‬
‫ال أحد يبالي ‪ ،‬كقليل من يهتم بما يحدث من‬
‫فساد‪ ،‬كفي الوقت نفسو يود الجميع أف تكوف‬

‫‪24‬‬
‫الحياة طيبة كجميلة‪....‬ىاىاىا! كأف السوبرماف‬
‫في خدمتهم‪....‬اللعنة!!‬

‫لملمت الجدة كجهها كأنها ال تصدؽ ما يحكيو‬


‫بوليفيا عن الواقع ثم قالت‪ :‬ليست األمور سيئة‬
‫إلى ىذا الحد! ‪،‬أنت من عادتك التشاؤـ من‬
‫كل شيء‪...‬ؼمنذ قليل سمعت في األخبار أف‬
‫ىناؾ إصالحات جدية في الحكومة كالعديد‬
‫من المشاريع ستكوف جاىزة عن قريب لفتح‬
‫مناصب جديدة كسمعت بأذني كيف أكد كزير‬
‫العدؿ على ضركرة مكافحة الفساد بواسطة‬
‫آليات حقيقية كمتطورة‬

‫‪25‬‬
‫رد عليها بوليفيا بسرعة‪ :‬ىاىاىا‪...‬ىاىا! ‪،‬‬
‫يا جدتي! أنا كل يوـ أخبرؾ أف اإلعالـ‬
‫ال يصور للجماىير سول األخبار الجميلة كي‬
‫يخدر النفوس كيتالعب على العقوؿ ليعتقد‬
‫العالم أننا نعيش في رفاىية مثل ىولندا كالنركيج‬
‫‪ ،‬من الواضح جيدا أننا في أزمة ‪ ،‬كليس ىناؾ‬
‫إصالحات كال أم شيء‪ ،‬من غير المعقوؿ أف‬
‫تكافح ىذه الحكومة فسادا ينبع من الثقوب‬
‫التي فيها‪...‬الحياة ىنا تسير في االتجاه‬
‫المعاكس للمنطق ‪ ،‬القوم فينا يأكل الضعيف‬
‫كالعال لمن سهر في المالىي ‪ ،‬دائما ما أشعر‬
‫أف مقدمة األخبار تكذب علينا‪...‬فكل يوـ‬

‫‪26‬‬
‫تخبرنا أف ىناؾ مشركع توظيف آلالؼ الشباب‬
‫كإنجازات ضخمة بينما ال أرل في كاقعي أية‬
‫مشاريع حقيقية‪...‬لقد شبعنا من األكاذيب‬
‫‪...‬كفهمنا جيدا أف النجاح في ىذا الوطن‬
‫ال يكوف إال من نصيب الحثالة كالعقي‬
‫األحذية كذكم اإلعاقة الفكرية‬

‫ىدأ قليال ثم قاؿ‪ :‬كإنني ألتعجب كيف تتابعين‬


‫نفس القناة كل يوـ! ‪ ،‬من الواضح جدا أنهم‬
‫ال يقولوف الحقيقة لكنك تصدقين كل شيء ‪،‬‬
‫من المفركض أف تصدقيني أنا فقط‪ ،‬ألنني‬
‫حفيدؾ المبجل الذم ال يكذب عليك أبدا‬

‫‪27‬‬
‫كإنني أفسر لك كل شيء بموضوعية كبصراحة‬
‫تامة ‪ ،‬ىل تعلمين أف السكر الذم نشتريو بمئة‬
‫دينار يباع في السوؽ العالمية عشرين دينار؟؟ ‪،‬‬
‫كنيجريا التي نضحك عليها أنجزت أكبر‬
‫مستشفى في إفريقيا! ‪ ،‬كأخبرؾ أيضا أف القهوة‬
‫المحلية مغشوشة! ‪ ،‬نعم مغشوشة! ‪ ،‬كأنها‬
‫ممزكجة بتراب مطحوف ‪ ،‬كلو نقارنها بالقهوة‬
‫األكربية فقط سنكتشف أف قهوتنا غير صالحة‬
‫للشرب ‪ ،‬لكننا نشربها بكل صبر ألنو ليس‬
‫ىناؾ خيار آخر‬

‫‪...‬بينما يتكلم بوليفيا بغضب عن األشياء التي‬


‫تدكر في رأسو تبين لو أف النعاس قد استرؽ‬

‫‪28‬‬
‫كعي الجدة ككاف يتكلم كحده مثل الببغاء‬
‫أنو يتكلم ؿكحده‪...‬ضحك قائال‪:‬‬
‫‪،‬فلما انتبو ب‬
‫ىاىاىاىا ‪ ،‬لقد نامت! ‪ ،‬المسكينة! تعتقد أف‬
‫كل شيء بخير! ‪ ،‬ما زالت البراءة تلعب على‬
‫عتقدين دكما أف الحياة كما‬
‫قلبك يا أماه! ‪ ،‬ت‬
‫كانت في أياـ السبعينات كالثمانينات ‪ ،‬نحن‬
‫اآلف نعيش حياة أخرل صدقيني! ‪ ،‬ال يمكنني‬
‫أف أفسر لك كل شيء ىذه الليلة ‪ ،‬أحالمك‬
‫سعيدة!‬

‫أطفأ التلفاز ثم أحضر لها غطاءا ‪ ،‬دخل إلى‬


‫غرفتو ‪ ،‬شم قميصو فتقزز من نفسو كقاؿ‪ :‬آه!‬

‫‪29‬‬
‫أنا أسيل عرقا ككذلك رائحة الدخاف في‬
‫المقهى تفوح مني‪...‬اللعنة! يجب أف آخذ‬
‫حماما سريعا‬

‫مباشرة اتجو بوليفيا نحو الحماـ ليسخن‬


‫الماء‪...‬فسمع جدتو توصيو مكررة‪ :‬ال تنسى أف‬
‫تمأل إناء القط بالماء!‪...‬لقد عجزت عن‬
‫النهوض لتفقده‬

‫بوليفيا‪ :‬حسنا!‪...‬حسنا! سأفعل ذلك! ‪،‬‬


‫ال تقلقي!! نوما ىنيئا!‬

‫فتح بوليفيا الحنفية ليمأل الحوض بالماء كلكن‬


‫ال يوجد ماء فقاؿ‪.. :‬تبا!!‬

‫‪30‬‬
‫غلق الحنفية كفتحها مرة أخرل فساؿ قليل من‬
‫الماء كتوقف‪...‬أحس بالبؤس يجرم في‬
‫عركقو‪...‬فأخذ يلعن شركة المياه ‪:‬‬

‫‪...‬اللعنة عليهم ال يقطعوف الماء إال عندما‬


‫اتسخ كاحتاج للنظافة‪...‬كأنهم يشمونني من‬
‫بعيد‪...‬سحقا!!‬

‫في تلك اللحظة جاء القط إلى الحماـ ليطمأف‬


‫على الماء في إناءه‪...‬ضحك بوليفيا كقاؿ لو‪:‬‬
‫ال تقلق عزيزم! سأعوضك بعصير التفاح‬

‫***‬

‫‪31‬‬
‫استرجاع الذك ريات‬

‫لم يكسر بوليفيا رأسو كثيرا فترؾ االستحماـ‬


‫ليوـ غد كفضل أف يختم ليلتو بفنجاف قهوة‬
‫يريح بها أعصابو المتوترة منذ الصباح‪ ،‬من‬
‫الواضح جدا أنو محطم في بدنو كالتعب يكاد‬
‫يمتص ما تبقى من دمو‪ ،‬تحت عينيو ذبوؿ‬
‫شديد‪ ،‬كأنو لم يأخذ راحتو منذ ستين سنة‬
‫‪،‬حمل فنجانو إلى غرفتو الضيقة بجدراف يتيمة‬
‫من الجماليات ك األلواف ‪ ،‬كقف بضعة ثواني‬
‫صورة خريطة‬
‫ثم جلس قرب مكتبو المربع ب‬

‫‪32‬‬
‫العالم كعليها قلم أسود متآكل الرأس كجملة‬
‫من الكتب مدفوعة إلى اآلخر كأنها عجوز‬
‫مسنة بأكراقها القديمة التي تبكي من النسياف‪،‬‬
‫بعضها يكاد يسقط لألسفل بمجرة ىزة كاحدة‬
‫‪ ،‬ككعادتو كضع بوليفيا ىاتفو على الطاكلة ثم‬
‫اخرج صرؼ النقود من جيبو كبعثرىا قرب‬
‫الفنجاف‪...‬خمسوف دينار كقطعتين من خمس‬
‫دنانير فقط ‪ ،‬حمل الخمسين دائرية الشكل‬
‫كأخذ يلعب بها فوؽ الطاكلة فال يتركها تبرح‬
‫يده حتى يجعلها ثابتة على القاعدة‪ ،‬كبعد ذلك‬
‫يهبط برأسو يكتفي بالتأمل فيها بحثا عن‬
‫اؿسكينة للتركيز على شيء ما يدكر في رأسو‬

‫‪33‬‬
‫المكدس بالمشاغل ‪ ،‬تنفس ىنيهة ثم ضرب‬
‫القطعة على كجهها الغزالي ليتجو مباشرة نحو‬
‫النافذة بحثا عن متنفس كاسع ‪ ،‬تنصت قليال‬
‫لصراخ أبناء الجيراف كىم يجلسوف على حائط‬
‫عريض مقابل لوجو العمارة ‪ ،‬تصور نفسو بينهم‬
‫كىم يتسامركف على لعبة النرد في كقت متأخر‬
‫من الليل ‪ ،‬لم يلبث طويال حتى عاد إلى كهفو‬
‫ليعلق قميصو البني فوؽ الكرسي األبيض‬
‫المتسخ بآثار قهوة متدفقة كخربشة لكتابات‬
‫غير كاضحة بالقلم األزرؽ ‪ ،‬جلس على سريره‬
‫يتأمل في البلل على ظهر ذلك القميص فإذا بو‬
‫يسبح بحزف في مستنقع عرقو ما جعلو يشرد‬

‫‪34‬‬
‫بنفسو ليسترجع الذكريات السيئة التي مرت‬
‫عليو في ىذا اليوـ النحس ‪ ،‬لقد كاف يوما بائسا‬
‫مظلما ‪ ،‬إلى الحد الذم كصل فيو بوليفيا يفكر‬
‫في أف يناـ كال يستيقظ أبدا‬

‫∆∆∆∆‬

‫‪35‬‬
‫رحل الملعوف بذىنو إلى مجرل األحداث‬
‫كأنو يشاىد فيلما حقيقيا على قميصو القذر‪،‬‬
‫كبينما ىو جالس على سريره بتلك الهيئة كاضعا‬
‫يده على رأسو كجد نفسو يتذكر كيف شعر‬
‫بالملل صباحا عندما كاف جالسا في اإلدارة‬
‫استخراج شهادتو النهائية فعلى‬
‫الجامعية يحلم ب‬
‫الرغم من فوات شهور على تخرجو لم تقدـ لو‬
‫أكراقو الخاصة بكشف النقاط السابقة ‪ ،‬لقد‬
‫كاف غاضبا في تلك اللحظة كيسأؿ في نفسو‬
‫متى يجيء ىذا الموظف القذر إلى المكتب؟ ‪،‬‬
‫قلب صفحات ىاتفو على صفحة األخبار‬
‫كالشيء جديد في ىذه الساعة ‪،‬‬

‫‪36‬‬
‫تأفف كانشغل مرة أخرل بلعبة الكتركنية حتى‬
‫شعر باألرؽ ‪ ،‬كبعد مضي ربع ساعة دخل‬
‫الموظف إلى مكتبو متثاقال لو إذا ما أقبلت‬
‫على كجهو تظهر لك حبات العمش ملتصقة‬
‫برموش عينيو كأنو لم يشبع نوما منذ أف كاف‬
‫صغيرا ‪ ،‬كجهو متداخل بخدكد حمراء ذك أنف‬
‫منطوم على نفسو أكلتو البركدة ‪ ،‬كبمجرد أف‬
‫لمح الموظف كجود بوليفيا تظاىر أنو مشغوؿ‬
‫ببحث عن ملفات مفقودة ‪ ،‬من يراه يحسب‬
‫أنو يقلب على إبرة في كومة قش‪ ،‬كفي الحقيقة‬
‫نعم! ‪ ،‬لقد نسي األبلو حقا أين كضع الملفات‬
‫ألنو ال يؤدم عملو بانتظاـ ‪ ،‬فاكتفى بالوقوؼ‬

‫‪37‬‬
‫يفكر كالذم يعصف عقلو في اختراع قنبلة‬
‫نوكية أك عالم ينوم صناعة دكاء للقضاء على‬
‫مرض السرطاف ‪ ،‬كحين لم يجد شيئا طلب من‬
‫بوليفيا أف يصبر عليو قليال ريثما يصعد إلى‬
‫الغرفة العليا كيعود فورا ‪ ،‬كفي الوقت نفسو‬
‫دخل شاب لم يسبق لبوليفيا رؤيتو في الجامعة‬
‫‪،‬كقف ذلك الشاب منتصبا بقامتو كسط غرفة‬
‫المكتب كيوجو نظرات حازمة نحو الموظف‪،‬‬
‫لم يشأ الشاب أف ينتظر كثيرا ثم قاؿ‬
‫للمتصرؼ‪ :‬ىل عرفتني من أكوف؟‬

‫رفع الموظف بصره يحاكؿ أف يأخذ حكمو‬


‫على الشاب كأف شاىد جنيا خرج من مصباح‬

‫‪38‬‬
‫سحرم ‪ ،‬بحيث يظهر على الشاب من خالؿ‬
‫ىيئتو أنو شخص ىادئ‪ ،‬جسمقمرتاح بقميص‬
‫برتقالي اللوف عليو معطف كالسيكي أزرؽ ‪،‬‬
‫كجو مشدكد بمالمح الثقة ‪..‬لحية مرتبة جيدا‬
‫كيحمل معو محفظة متناسقة مع قامتو المتوسطة‬
‫‪ ،‬أما السركاؿ فقد كاف يبدك المعا بلونو‬
‫الرمادم الفاتح كالذم يظهر كأف قد تم كيو قبل‬
‫دقائق ‪ ،‬كيرتدم أيضا حذاءا أسودا يثير صوتا‬
‫مهما على األرض كأنو تعبير عن مشكلة ما في‬
‫انتظار مناقشتها فورا ‪ ،‬ؼمن خالؿ ىذه‬
‫األكصاؼ تأكد للموظف بأف ىذا الشخص‬

‫‪39‬‬
‫ال يمكن إال أف يكوف رجل منضوم في إحدل‬
‫مؤسسات الدكلة‪..‬‬

‫ارتبك األعمش بعض الشيء كأنو لم يطمئن‬


‫لهذا الشاب أك تذكر مشكلة ما على الهواء‬
‫فرد بشكل مضطرب‪ :‬نعم ‪ ،‬نعم! ‪ ...‬عرفتك!‬
‫‪ ،‬أمهلني دقيقة !‬

‫حاكؿ المتصرؼ أف يربح شيئا من الوقت‬


‫ليفتش في ىذا الشاب المثير للشكوؾ ‪ ،‬رجع‬
‫يتظاىر مرة أخرل بالبحث عن الملفات إلى أف‬
‫كرر لبوليفيا مجددا بأنو سيصعد للطابق العلوم‬
‫كىناؾ سيجد جزء من الملفات ربما يكوف فيها‬
‫بعض الكشوؼ ‪ ،‬فخرج من الباب مسرعا‬

‫‪40‬‬
‫كالذم سرؽ شيئا كتهرب دكف أف يحدث أم‬
‫انتباه‬

‫‪...‬عاد بوليفيا إلى ىاتفو يقلب الصفحات بحثا‬


‫عن أم أخبار جديدة أك منشورات مهمة يصبر‬
‫بها نفسو ‪،‬أما الشاب بقي كاقفا يخرج إلى‬
‫الركاؽ ثم يعود فيرفع رأسو إلى السقف مستغربا‬
‫في التشققات على الركن العلوم‪ ،‬ثم يهدأ‬
‫ىنيهة كيلقي بعينيو إلى الخزانة كينظر بتهكم‬
‫في ذلك المكتب المسكين المنهك باألكراؽ‬
‫المبعثرة قرب الكمبيوتر ‪ ،‬كحين لم يجد شيئا‬
‫مهما ؿيشغل بو كقتو جلس على كرسي كاف‬
‫قريبا من الباب ثم كجو نظره إلى بوليفيا مباشرة‬

‫‪41‬‬
‫كقاؿ‪ :‬أمازالت ىذه اإلدارة تعرقل الطلبة في‬
‫األكراؽ؟؟‬

‫بوليفيا‪ :‬تبا لهم! منذ أف كلدنا كنحن نعاني من‬


‫ىذا العنف اإلدارم‬

‫فقاؿ الشاب‪ :‬نعم! ‪ ،‬ىذا ىو جزاء المواطن‬


‫الصالح لألسف!‪..‬أنا أيضا منذ مدة طويلة‬
‫أبلغتهم عن خطأ في كشف النقاط لكنهم‬
‫ال مىتموف أبدا ‪ ،‬لذلك قررت ىذا اليوـ بأف‬
‫أصعد لهجتي على ذلك الموظف النذؿ علما‬
‫أنني اليوـ عضو في خلية الحزب الديمقراطي‬
‫حل مشكلتي ىذا‬
‫الموالي للحكومة ‪ ،‬فإما أف ت‬

‫‪42‬‬
‫اليوـ أك أضطر إلجراء اتصاؿ مع أحد أكابر‬
‫الحزب كبدكف شك لن يترددكا في التدخل‬
‫لحل ىذه الزبالة ‪ ،‬صدقني صديقي! ‪،‬ليس‬
‫ىناؾ خيار آخر سول االنضماـ ألحزاب‬
‫المواالة ‪ ،‬لقد رأيت أف اعتماد ىذه الطريقة‬
‫تساعدنا بشكل سحرم في قضاء أمورنا‬
‫باإلدارات كالبلديات‪...‬‬

‫توقف الشاب عن الكالـ ثم أضاؼ‪ :‬نعم!‪،‬‬


‫صحيح ىذه الحكومة التي نحن مشاركين فيها‬
‫فاسدة‪...‬لكن ليس ىناؾ حل آخر!‪...‬يجب أف‬
‫نتصرؼ ىكذا‪...‬ؼىذا ىو كاقعنا اليوـ! ‪ ،‬الغاية‬
‫تبرر الوسيلة!‬

‫‪43‬‬
‫صمت بوليفيا مستغربا في ما يسمعو من كالـ‬
‫غير عادم من قبل ىذا الشاب الصريح ‪،‬‬
‫إال أنو باؿرغم من ذلك لم يتردد في طرح‬
‫سؤالو‪ :‬لكن ىل تعتقد أف ىذا األسلوب شيء‬
‫طبيعي بالنسبة لك؟؟ ‪...‬ثم إلى متى سنعيش‬
‫ىكذا بدكف مبادئ على الدكاـ؟ ‪ ،‬كىل تبدك‬
‫لك فكرة جيدة؟‬

‫الشاب‪ :‬نعم!! أنت محق في كالمك‪..‬إننا‬


‫لألسف نعيش مثل الحيوانات المتوحشة في‬
‫غابة األمازكف ك لكن!‪ ، ..‬ال أظن أف ىناؾ‬
‫خيار آخر‪...‬لقد كنت من قبل مواطنا عاديا‬
‫فكنت أتعرض لالحتقار كالظلم في كل‬

‫‪44‬‬
‫مكاف‪...‬لهذا اضطررت اليوـ إلى سلوؾ ىذا‬
‫التصرؼ علما إنني اليوـ احل كل مشاكلي‬
‫بسهولة دكف أية عراقيل ‪،‬ال أكلف نفسي سول‬
‫اتصاؿ كاحد من األمين الوالئي كتسير األمور‬
‫كما تشتهي السفن‬

‫بوليفيا‪ :‬اللعنة على ىذه الحياة!‪ ...‬رغم أني‬


‫اختلف معك ‪ ،‬لكن!‪...‬لكن! ‪ ،‬ال يهم فهذه‬
‫ىي الحقيقة ‪ ،‬أصبحت الحياة تقف مع األقول‬
‫فقط ‪ ،‬كأنو حقا ليس ىناؾ أبدا حل آخر!‬

‫فتح الشاب حقيبتو كقاؿ‪ :‬انظر! أنا اآلف أملك‬


‫عدة بطاقات في النضاؿ مع الحزب ككذلك‬
‫لدم ارتباطات مع عدة مؤسسات في المجتمع‬

‫‪45‬‬
‫المدني كربما أنت تعرؼ جيدا بأف الشهادة‬
‫كحدىا ال تكفي أبدا لفرض كلمتنا‪ ،‬كلكن!‬
‫بنفوذ السلطة سأضغط على الموظف كسترل‬
‫كيف تفك العقدة!‬

‫بوليفيا‪ :‬جميل! ‪ ،‬جميل! ‪ ،‬ممتاز!! ‪ ،‬يبدك أف‬


‫مسارؾ طويل بدكف شك؟؟‬

‫الشاب‪ :‬نعم! ‪ ،‬مسار طويل كمليء بالتعب‪،‬‬


‫لهذا تغير تعاملي مع الواقع فأصبحت ال أبالي‬
‫بالمبادئ ‪ ،‬ما إذا كنت تراني مخطئا يمكن أف‬
‫تقنعني برأيك ‪ ،‬ليس ىناؾ فكرة مجدية أنا‬
‫متأكد! ‪ ،‬مهما عصفت رأسك فليس ىناؾ أم‬
‫فكرة ممكنة لحل ىذه المشكلة‬

‫‪46‬‬
‫بوليفيا‪ :‬ال ادرم! حتى كإف كنت أدرم فأنا لم‬
‫أعد ادرم شيئا!‪ ..‬أرل بأف كل شيء أصبح‬
‫مقلوبا في ىذا الوطن كمن العادم جدا أف‬
‫تمشي مقلوبا أنت أيضا ‪ ،‬ثم إنني لست ىنا‬
‫ألحكم عليك‪...‬‬

‫صمت بوليفيا ثم عاد يقوؿ للشاب‪ :‬لكنني‬


‫جديا أقدر صراحتك كثيرا‪..‬فالغاية تبرر الوسيلة‬
‫ىاىاىا‪...‬ىاىا‬

‫في تلك اللحظة التي ضحك فيها الحائر‬


‫التعيس دخل الموظف يحمل كرقة إثبات‬
‫التخرج قدمها لبوليفيا ؿيمدىا إلى إدارة كريمة‬
‫في جامعة أخرل‬

‫‪47‬‬
‫‪...‬مسك بوليفيا تلك الورقة ثم قاؿ‪ :‬تبا!‬
‫سأمضي حياتي انتقل باألكراؽ بين كريمة كخيرة‬
‫كخالتي الزىرة‪ ،‬فقط من أجل الحصوؿ شهادة‬
‫كرتونية لعينة لم تعد أبدا مهمة في زمن الجهل‬
‫كالغباء‬

‫حمل بوليفيا الورقة كنهض يبتسم في كجو‬


‫الشاب ‪ ،‬شكره على حسن أدبو أثناء الحوار‬
‫ثم انصرؼ إلى مصلحة التدريس ليثبت كجوده‬
‫في العالم‬

‫∆∆∆∆‬

‫‪48‬‬
‫‪...‬بعد أف أثبت بوليفيا كجوده الجامعي‬
‫بالمصلحة أخذ طريقو مباشرة إلى مكتب‬
‫التشغيل أمال منو في العثور على منصب عمل‬
‫ىناؾ‪...‬كما أف كصل إلى المقر الرئيسي كجد‬
‫شعبا غفيرا يطلع على العركض ‪ ،‬كأف تلك‬
‫العركض تحتوم على مناصب متوفرة بالجملة‬
‫في كل مكاف كزماف‪...‬فتسلل بين الجميع كي‬
‫يأخذ نظرة على اللوحة ‪ ،‬كلكن ما أف أدخل‬
‫المسكين رأسو كسط البطالين حتى كجد أغلب‬
‫خبرة تتجاكز‬
‫العركض تطلب منصبين فقط كب‬
‫ثالث سنوات‪...‬ضحك بوليفيا بصوت مرتفع‬
‫حتى التفت إليو الذين كانوا حولو ثم قاؿ‪:‬‬

‫‪49‬‬
‫يا للعجب! ‪ ،‬نفس الهراء على طوؿ‬
‫السنة‪...‬قاؿ تشغيل قاؿ‪...‬بحق الذم خلق‬
‫السموات كاألرض إنهم ليسخركف منا بهذه‬
‫الطريقة‪...‬ىل ىكذا يجب أف يعامل ذكم‬
‫الشهادات؟؟ ‪ ،‬إزدحاـ من اجل مناصب قليلة‬
‫كفوؽ ذلك راتب شهرم زىيد‪...‬كأننا نعود إلى‬
‫عهد االستعباد في زمن "كونتا كينتي" ‪...‬تبا! ‪،‬‬
‫كلدنا ثم أصبحنا رجاؿ فقط لنكدح من أجل‬
‫رفع ثركة البورجوازيين‪ ،‬عليهم اللعنة جميعا ‪،‬‬
‫تبا لها!‬

‫خرج بوليفيا من االزدحاـ تاركا كراءه حزمة من‬


‫البطالين ينتظركف دكرىم لتسجيل أسمائهم عند‬

‫‪50‬‬
‫الكاتب اإلدارم ‪ ،‬عاد إلى الوراء ينظر إليهم‬
‫ثم حدث نفسو‪ :‬يا رب! ‪ ،‬متى تعود الحياة‬
‫إلى مجراىا؟؟ متى يا ترل؟‬

‫أقبل على االنصراؼ دكف أف يبدم أدنى اىتماـ‬


‫بالعركض الشكلية كقبل أف يخرج من المكتب‬
‫قاؿ لبعض الشباب‪ :‬قدموا ألنفسكم قيمة‬
‫عالية! لقد احتقرتم قدراتكم فاحتقرككم بالرغم‬
‫من أنكم تحملوف أعلى شهاداتكم‪ ...‬اللعنة! ‪،‬‬
‫من سيفهمني؟‬

‫شعر بوليفيا بخيبة أمل فاستحوذ عليو اليأس‬


‫كالقنوط من ىذا المجتمع المغيب في كعيو ‪،‬‬

‫‪51‬‬
‫ؼذىب يسب في قلبو كل أشكاؿ االستغالؿ‬
‫التي تحدث في الواقع‪ :‬سحقا!!‬

‫تحسر قائال مرة أخرل‪ :‬مجتمع مريض حقا! ‪،‬‬


‫ترل المرء ىنا يمشي على الجمر بإرادتو‬
‫كيساند سياسة االستعباد بشكل غريب كأنو من‬
‫الضركرم جدا أف يرضى الشباب بهذا النوع من‬
‫التشغيل االستغاللي القذر‪ ،‬ىل ىذا ىو الطريق‬
‫الصحيح الذم يجب أف يتبعو المرء لبناء‬
‫حياتو؟؟‬

‫ىدأ ثانية ثم قاؿ‪ :‬إذا كنا نتعب لنعيش في نفس‬


‫التعب لماذا نتعب أنفسنا إذف؟؟‬

‫‪52‬‬
‫‪...‬كاصل طريقو إلى حيث ال يدرم ثم كقف‬
‫ىنيهة يتساءؿ‪ :‬تبا!!! ‪ ،‬أين يجب أف أذىب‬
‫اآلف؟؟‪ ،‬فتذكر أف اليوـ يصادؼ الفاتح من‬
‫ديسمبر كىو آخر أجل لدفع فاتورة الكهرباء ‪،‬‬
‫لقد مر على الفاتورة شهرين كاملين كلم يدفع‬
‫المبلغ المطلوب حتى اآلف ‪ ،‬قد سبق كتركت‬
‫لو الجدة مبلغا مع الفاتورة يوـ أكصتو بالدفع ‪،‬‬
‫لكنو أسرؼ النقود في مشاغل أخرل كقد كجد‬
‫نفسو اليوـ في السوؽ الكبيرة كاقفا بحزف‬
‫شديد يحمل معطفو الثمين للبيع ‪ ،‬كاف السوؽ‬
‫مكتظا نوعا ما تزامنا مع يوـ السبت أين ينزؿ‬
‫الكثير من الرجاؿ للتسوؽ كمزاكلة البيع‬

‫‪53‬‬
‫كالشراء‪ ،‬كما يميز ذلك السوؽ أنو يمكن للمرء‬
‫أف يجد فيو ما يريد من مالبس مستعملة‬
‫كأدكات إلكتركنية كحتى مواد التنظيف كأشياء‬
‫منزلية مختلفة بكل األنواع كاألثماف ‪ ،‬بدا‬
‫معطف بوليفيا ملفت لالنتباه بلونو األسود‬
‫كاألبيض ألماني الصنع كىو أغلى شيء جلبتو‬
‫لو العمة من الخارج ‪ ،‬لكن أغلبية من يتقدـ‬
‫إليو يكتفي بالنظر أك يقدـ مبلغا بخسا غير‬
‫مجدم كال يساعد بوليفيا البتة ‪ ،‬فاستمر كاقفا‬
‫قرابة ساعتين دكف أم أمل في بيعو بخمسة‬
‫أالؼ دينار‪ ،‬شعر بالبرد يسرم بين عضالتو ‪،‬‬
‫فاختار أف يتحمل ساعة أخرل خير من أف يتم‬

‫‪54‬‬
‫قطع الكهرباء في المنزؿ علما أف الجدة‬
‫ال تحب ذلك أبدا ‪ ،‬دس الغضب في صدره ثم‬
‫شدد في نفسو قائال‪ :‬ال يهم كم سأبيعو اآلف ‪،‬‬
‫المهم أف أبيعو بأم ثمن‪...‬‬

‫كقف صابرا بحزـ شديد‪ ،‬فرغم ضعفو كاف يبدك‬


‫قويا باىيا من خالؿ كقفتو الشامخة بقميصو‬
‫البني كسركالو الجينز األسود متماسك بعضالتو‬
‫جيدا على حذائو األبيض‪ ،‬تشبث بصبره إلى أف‬
‫تقرب منو كهل يبدك عليو أنو ذك خبرة في‬
‫التجارة ‪ ،‬أخذ الرجل يقلب المعطف بعينيو‬
‫الكبيرتين الملتصقتين بأنفو الممدكد فوؽ‬
‫شاربيو‪ ،‬ثم تفقد مقاس المعطف بسرعة ‪،‬‬

‫‪55‬‬
‫كبعد أف تأكد للكهل أنو معطف جيد قاؿ‬
‫لبوليفيا‪ :‬أعطيك ألفاف في ىذا المعطف!‬

‫لم يستحسن بوليفيا ىذا الثمن فاسترجع معطفو‬


‫من يد الزبوف ثم قاؿ لػو‪ :‬انظر معطف غليظ‬
‫كدافئ مثل ىذا تساكمو بألفين فقط ؟؟‬

‫تبسم الرجل كقاؿ‪ :‬ال تنسى أنو مستعمل! ‪،‬‬


‫ىذا ينقص ثمنو بعض الشيء‬

‫حك بوليفيا رأسو ثم قاؿ‪ :‬نعم ىو مستعمل‬


‫لكن ليس أكثر من شهر‪ ..‬ال يبدك قديما ‪،‬‬
‫أنظر!‬

‫‪56‬‬
‫تبسم الرجل كقاؿ‪ :‬أزيدؾ خمس مئة كدعني‬
‫أذىب بو إلى البيت!!‬

‫رد عليو بوليفيا دكف أف يفكر‪ :‬أربعة آالؼ! ‪،‬‬


‫أريد أربعة آالؼ! أظنو ثمن معقوؿ جدا مقارنة‬
‫بسعره الحقيقي‬

‫ضحك الرجل قائال‪ :‬ىا‪..‬ىاىا‪...‬ىاىا! ‪ ،‬أنت‬


‫تريد المحاؿ يا رجل ‪،‬سأعطيك ثالث أالؼ لن‬
‫أزيدؾ فلسا كاحدا!‬

‫بوليفيا‪ :‬ارفع الثمن قليال فقط !! قليال!‬

‫الرجل‪ :‬لن أقدـ لك أكثر من ثالث آالؼ‪ ،‬ثق‬


‫بي! ىذا كل ما لدم !‬

‫‪57‬‬
‫عقد بوليفيا حاجبيو يحاكي نفسو من الداخل‬
‫بألم‪ :‬تبا! ‪ ،‬ال يستحق أبدا أف أبيع ىذا‬
‫المعطف بثالث آالؼ‪ ،‬على األقل أربعة آلف‬
‫ستكوف مقنعة نوعا ما كمجدية‬

‫اعتصر المسكين في قلبو لدرجة أنو عاد يتذكر‬


‫حاجتو للنقود لدفع الفاتورة ‪ ،‬بدا مترددا في‬
‫البداية ثم قاؿ للرجل‪ :‬حسنا ‪ ،‬حسنا! أعطيني‬
‫الثالث آالؼ! كمبركؾ عليك!!‬

‫دفع بوليفيا ألفي دينار للفاتورة كاحتفظ بألف‬


‫في جيبو ‪ ،‬شعر براحة كبيرة في قلبو بعد‬
‫تخلصو من ىموـ الكهرباء ‪ ،‬كرغم أف األلم‬

‫‪58‬‬
‫فتت قلبو في السوؽ كقد جمد البرد أطرافو‬
‫إال أنو تصور في خيالو أف يكوف المساء‬
‫جميال‪...‬سيمر على الحالؽ ثم يشترم فواكو‬
‫لذيذة للجدة‪...‬كلكن ما أف قطع الطريق حتى‬
‫تصادؼ فجأة بثالث من أصدقاءه المقربين‬
‫متجهوف نحو المقهى ‪ ،‬التفت إليهم دكف‬
‫يحدث أم انتباه ‪ ،‬فتأكد أنهم لمحوه من بعيد‬
‫‪ ،‬لم يجد أية طريقة يتهرب بها منهم‪ ،‬تكمش‬
‫في كجهو اللحظة كىو يقوؿ في نفسو‪ :‬تبا لهم!‬
‫‪ ،‬لقد رأكني !‬

‫‪59‬‬
‫‪..‬لم يشأ بوليفيا أف يظهر ضعيفا أماـ أصحابو‬
‫خاصة كأنو لم يلتقي بهم منذ مدة طويلة‪،‬‬
‫استجمع قوتو كتقدـ نحوىم ثم سلم عليهم‪:‬‬
‫أىال!‪...‬كيف حالكم أصدقائي؟‬

‫‪ -‬كيف حالك بوليفيا؟؟ ‪ ،‬لم نراؾ منذ مدة؟ ‪،‬‬


‫قيل لنا أنك ىاجرت ألكركبا كتتضامن مع‬
‫السترات الصفراء!!‬

‫‪ -‬ىاىاىا بخير!‪...‬بخير!‪ ،‬في أحسن األحواؿ‬


‫‪ ،‬لقد ىاجرت إلى الموزمبيق فقط ‪ ،‬ىذ كل‬
‫شيء!‬

‫‪60‬‬
‫‪ -‬ىا‪..‬ىاىاىا‪...‬ىاىا !‪ ،‬جميل جدا نحن‬
‫سعداء بلقائك!‬

‫تبسم بوليفيا ثم قاؿ‪ :‬كأنا سعيد جدا! ‪ ،‬أنتم‬


‫تعرفوف!‪ ..‬فالقلوب عند بعضها ىاىاىا‬

‫صمتوا ثانية ثم قاؿ أحدىم ‪ :‬إنها فرصتنا‬


‫لنتبادؿ الحديث معا ‪ ،‬منذ مدة طويلة لم‬
‫نجتمع ىكذا يا أصدقاء ‪ ،‬ال تقل لي أنك‬
‫مشغوؿ بوليفيا! ‪ ،‬إنو يوـ سبت ‪ ،‬ليس ىناؾ أية‬
‫أشغاؿ ىذا المساء ‪ ،‬ستشاركنا القهوة ىيا‪ ،‬ىيا‬
‫بنا !‬

‫‪61‬‬
‫ابتسم بوليفيا يخبأ ىمومو كاستغرؽ يحاكي‬
‫نفسو بغضب‪ :‬اللعنة! لقد تهربت منهم كثيرا‬
‫‪...‬ال علينا سأجلس معهم ىذه المرة‪...‬ليس‬
‫ىناؾ أم عذر‪..‬ستحترؽ األلف في المقهى‬
‫بدكف شك‪...‬ليس ىناؾ خيار آخر‬

‫رد بوليفيا كىو يحافظ بإحكاـ على ابتسامتو‬


‫فقاؿ‪ : :‬نعم! نعم! ‪ ،‬ليس ىناؾ ما يشدني ‪،‬‬
‫لندخل ىذه المقهى!‬

‫جلس بوليفيا مع أصدقاءه في المقهى يتبادلوف‬


‫أطراؼ الحديث عن صدفة ىذا اللقاء كآخر‬
‫مستجدات ىذا األسبوع علما أف عبد القادر‬

‫‪62‬‬
‫شاب جامعي ذك لحية كثيفة سمين الجسد‬
‫ناشط في جمعية اإلصالح أما أحمد فهو‬
‫متزكج كموظف تقني بشركة لالتصاالت يقارب‬
‫سن األربعين كفي ظاىره تحسبو مسنا بنظاراتو‬
‫كشاربيو الطويلين ‪ ،‬في حين أف خالد ثالثيني‬
‫كلكن يبدك صغيرا جدا بوجهو البشوش كصوتو‬
‫الرقيق ‪ ،‬كشاءت الصدفة أف يكوف ىؤالء‬
‫األصدقاء متشابهوف في حبهم للمعرفة‬
‫كتجاذب الحديث في الواقع كالسياسة كالتغيير‬
‫كالصراع الفكرم الدائر في المجتمع‪....‬‬

‫‪63‬‬
‫أحضر النادؿ الطلبات لألصدقاء فأخذ أحمد‬
‫السكرية لتحلية قهوتو ثم قاؿ‪ :‬كيف تدكر‬
‫السياسة من حولك بوليفيا؟؟‬

‫رد بوليفيا قائال‪ :‬ىاىاىا! نفس الشيء‪...‬نفس‬


‫الكالـ‪...‬نفس الهراء‪...‬نفس الخرافات‬
‫كالترىات‪...‬نفس األنفاس‪...‬نفس‬
‫االستبداد‪...‬نفس الشقاء‪...‬أال لعنة اهلل على‬
‫ىذا الموقع الذم نحن فيو‪...‬تبا لها!‬

‫قاؿ احمد‪ :‬ما بك؟ يبدك أنك متوتر جدا ىذه‬


‫األياـ !‬

‫‪64‬‬
‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬ليس توتر بقدر ما ىو ضياع في‬
‫كسط مجتمع مدجج بالغباء كالالكعي ‪ ،‬ثم ماذا‬
‫تريدني أف أقوؿ لك بعد كل الذم نراه‬
‫كنسمعو؟ ‪ ،‬ال يمكننا سول التعليق على‬
‫األحداث ثم العودة إلى كهوفنا في الليل دكف‬
‫أف يتغير شيء‪...‬‬

‫‪ -‬خالد‪ :‬يبدك أف ىذا قدرنا! ‪ ،‬أف نعيش تحت‬


‫القهر إلى أف يسقط علينا نيزؾ كيأخذ األرض‬
‫كما عليها‬

‫‪65‬‬
‫ضحك احمد كعبد القادر ثم قاؿ ىذا األخير‪:‬‬
‫ليس ىناؾ حل يا صديقي سول أف نتأقلم مع‬
‫الوضع كنحاكؿ تغيير األمور على قدر طاقتنا‬

‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬تأقلم مع الواقع لوحدؾ عزيزم! ‪،‬‬


‫فالشيء سيتغير بهذه الطريقة التي تحلم بها في‬
‫رأسك‪...‬التأقلم لم يكن أبدا الحل المناسب‬
‫لمشاكلنا العفنة‬

‫‪ -‬أحمد‪ :‬إذا لم نتكيف مع الوضع ما الذم‬


‫سنفعلو غير ذلك؟‬

‫رد بوليفيا مباشرة‪ :‬تكيفنا فتألمنا كال نشهد أم‬


‫تغيير سول أف يتسع المستنقع لمفاسد جديدة‬

‫‪66‬‬
‫كنعيش كالضفادع نقفز في الحياة من كذبة إلى‬
‫أخرل كنجرم كراء أطياؼ الحظ كأننا جراد‬
‫ضل طريقو‪...‬إنو لوضع حقير جدا‪...‬كألننا‬
‫ضعفاء في قلوبنا عدنا نتعمد أف ال نرل‬
‫كال ننتبو كنقوؿ كل شيء بخير‬

‫يضيف خالد مدعما قوؿ بوليفيا‪ :‬كلما تكيفنا‬


‫مع الواقع األعرج تبين كم نحن أغبياء‬
‫كجبناء‪...‬نعيش محتقرين في كجودنا الكوني‬
‫كالعالم‪...‬رضينا بموقعنا الضعيف كنربط ضعفنا‬
‫بانتظار تدخل دكر اإللو‪...‬في حين أف اهلل‬
‫ال يبارؾ قوما يتراجعوف للوراء‪...‬ىذا غير‬
‫ممكن!‬

‫‪67‬‬
‫‪ -‬عبد القادر‪ :‬ىل ىناؾ حل آخر غير النضاؿ‬
‫في الجمعيات كاألحزاب ؟؟ ليس ىناؾ سول‬
‫ىذا الحل السلمي الذم يمكننا من بعث‬
‫الوعي كالدفاع عن حقوؽ المواطن‬

‫‪ -‬خالد‪ :‬كماذا قدمت ىذه األحزاب‬


‫كالجمعيات للمجتمع سول النفاؽ كالنهب‬
‫كالوعود الكاذبة؟؟‬

‫‪ -‬عبد القادر ‪ :‬كأنت بصفتك مواطن ماذا‬


‫قدمت للجمعيات ك األحزاب سول أنك بعيد‬
‫عن الميداف؟‬

‫‪68‬‬
‫‪ -‬خالد‪ :‬كىل يتركوننا نعمل بحريتنا في داخل‬
‫أحزابهم‪...‬إنهم ال يريدكف من المناضل سول‬
‫االنتماء ثم االنقياد بالطاعة الكاملة للقيادة‬
‫العليا في التنظيم الحزبي‪...‬ىل تعتقد أننا أغبياء‬
‫أك عاجزين لدرجة أننا ال نريد المشاركة في‬
‫التنظيمات المدنية ‪ ،‬ىا قد اقتربت الرئاسيات!‬
‫‪ ،‬ألم ترل أف جل األحزاب كانت غائبة عن‬
‫المشهد السياسي!؟ ال يظهركف إال حين تقترب‬
‫االنتخابات‬

‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬خالصة القوؿ كل شيء يدكر حوؿ‬


‫نفسو داخل متاىة مغلقة بالفساد كالتشرذـ‬

‫‪69‬‬
‫كالالمباالة‪ ...‬ال أدرم كم سنحتاج للوقت حتى‬
‫نخرج من ىذا المأزؽ‬

‫‪ -‬احمد‪ :‬لكن المسؤكلية األكلى ستبقى على‬


‫عاتق المثقف كالنخبة التي تملصت من خدمة‬
‫المجتمع كراحت تجرم كراء مصلحتها‬
‫الشخصية فقط‬

‫‪ -‬خالد‪ :‬المثقف غير مرغوب فيو داخل‬


‫مجتمعو كما يمارس عليو اإلقصاء كالتهميش ‪،‬‬
‫كحتى القمع في بعض األحياف مما يدفعو‬
‫للهجرة إلى الخارج مباشرة كىناؾ يقدـ‬
‫خدماتو ببراعة لصالح دكؿ أخرل ‪ ،‬فمن‬
‫الداني؟‬

‫‪70‬‬
‫ضحك بوليفيا فقاؿ ‪ :‬ىاىا‪..‬ىاىاىا ‪ ،‬ىي في‬
‫الحقيقة معادلة صعبة فالجماىير تخذؿ النخبة‬
‫الراشدة لما يكوف ىناؾ معارضة حقيقية‪...‬ثم‬
‫ىذه الجماىير نفسها تلوـ النخبة حين تترؾ‬
‫السياسة ‪ ،‬كالىما يعيشاف أزمة سوء ظن ‪ ،‬إنها‬
‫حالة من الوسواس بين اؿجماىير كالمثقفين في‬
‫ىذا الفضاء السياسي‬

‫‪ -‬خالد‪ :‬كلو أنك تحلل نفسية الجماىير من‬


‫ناحية معارضة الفساد ستصل إلى نتيجة مفادىا‬
‫أف االنهزامية ىي أكبر مسيطر على‬
‫األفراد‪...‬كلكن من ناحية أخرل إذا قمت‬

‫‪71‬‬
‫بمقارنة بين نسبة التفاؤؿ كالتشاؤـ‬
‫في المجتمع‪..‬ستجد أف التفاؤؿ غالب على‬
‫كثير من األفراد‪...‬يعتبركف ىذه الحالة السيئة‬
‫أفضل مما ىو أسوأ‬

‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬إذف لم تكذب السلطة حين أعلنت‬


‫في الجريدة بأننا أسعد شعب في العالم؟‬

‫‪ -‬احمد‪ :‬ال ينبغي أف نلوـ الجماىير فهي‬


‫بطبعها ضعيفة كتحتاج دكما لنخبة تقودىا إلى‬
‫الطريق المناسب من اجل التغيير الناجح‬

‫انفعل بوليفيا قليال فأدار كأسو بقلق فقاؿ‪:‬‬


‫كيف ال نلوـ الشعب؟ ‪ ،‬أليس ىو الحكومة ؟‬

‫‪72‬‬
‫‪...‬حسنا باهلل عليك أخبرني !‪..‬من ىم‬
‫الفاسدكف الذين نجدىم اليوـ في كل‬
‫مكاف؟‪...‬لم يسقطوا علينا من المريخ!!‪...‬إنهم‬
‫من الشعب ‪ ،‬في رأيك من يصفق للمستبد؟‬
‫من يبجل الفاسقين في الصحافة‬
‫كاإلعالـ؟‪...‬من يحب التذلل كيرضى بهذا‬
‫الشكل الدنيء من نمط الحياة‪..‬من أين جاء‬
‫االستغالليوف؟ ‪ ،‬من الذم يقزـ العلم؟ من الذم‬
‫ينهب من أمواؿ الدكلة؟‬

‫تنهد كأضاؼ‪ :‬ثم أين ىو الذم؟؟ يقوؿ ال ‪،‬‬


‫ال للغش‪...‬ال للظلم مهما كانت العركض؟؟ ‪،‬‬

‫‪73‬‬
‫بكل صراحة لقد غلبت علينا اإلغراءات‬
‫كاألنانية ‪ ،‬كعندما يرتفع صوت الحق الكل‬
‫يحاكؿ التستر على نفسو بتبرير الخراب ‪،‬‬
‫لذلك نحن نستحق العيش في ىذا الهراء ألننا‬
‫نعرؼ جيدا كاجبنا اتجاه األرض كاإلنساف ‪،‬‬
‫إال أننا نحن من يتعمد التفكير بشكل معاكس‬
‫إال من رحم ربي ‪ ،‬كإف دنيا اليوـ ىي دنيا‬
‫المصالح كالطمع‪...‬ال مبادئ عند كثير من‬
‫البشر صدقوني! ‪ ،‬كما يقاؿ في المثل‪:‬‬
‫"الجميع يعرؼ الحقيقة كلكن نحب سماع‬
‫األكاذيب"‬

‫‪74‬‬
‫_ خالد‪ :‬نعم بوليفيا محق!‪...‬نسبة كبيرة من‬
‫اؿجماىير تشارؾ في ىذه المهزلة بدرجة‬
‫كبيرة‪...‬لقد اندمج الكثير من األنذاؿ مع‬
‫سياسة الفساد كالجريمة المنظمة ‪،‬كلو أف أفراد‬
‫المجتمع التفوا جميعا حوؿ الرجل المناسب‬
‫كساندكه بجدية لخفت الهموـ كتيسرت األمور‬
‫‪ ،‬كلكن! األغلبية اتفقت على أف ال تبالي‬
‫بشؤكف المجتمع اعتقادا منهم أف الفساد أصبح‬
‫إلها ال يقدر عليو أحد‬

‫_ عبد القادر‪ :‬لهذا إنني كعضو في جمعية‬


‫اإلصالح أدعو دائما إلى نشر الوعي‬
‫االجتماعي كتشجيع ثقافة المطالعة‬

‫‪75‬‬
‫كأظنو الحل المناسب إلعادة العقوؿ إلى‬
‫صوابها من حالؿ توعيتها بالواقع السياسي‬
‫ترشيدىا نحو األخالؽ كالمبادئ ‪ ،‬ثم إف ىذا‬
‫كب‬
‫ما نعوؿ عليو في تنمية الفرد كإشراكو في بناء‬
‫الحياة السياسية بين معرفة حقوقو كتطبيق‬
‫كاجباتو دكف أم تعدم على حقوؽ اآلخر‬

‫_ احمد‪ :‬نعم! ‪ ،‬إنها لفكرة جيدة! ‪ ،‬كما أنو‬


‫مشركع حقيقي يستحق الدعم كالتشجيع لكونو‬
‫طريقة مثمرة بدكف شك‬

‫_ خالد متهكما ‪ :‬ىاىاىا ‪ ،‬مازلتم تدكركف في‬


‫نفس البؤرة! ‪ ،‬ال احد يطالع في ىذا‬
‫الوقت‪...‬ؼأغلب الناس مشغوؿ بهمومو في‬

‫‪76‬‬
‫األسرة كالعمل كالجامعة كالموضة الجديدة‬
‫ككذلك ترل اآلباء يتعذبوف من أجل الحصوؿ‬
‫على حليب "أكبي" ألكالدىم‬

‫_ بوليفيا‪ :‬خاصة عندما أصبحت اليوـ المطالعة‬


‫شوفونية اجتماعية فايسبوكية ‪...‬حيث لم نعد‬
‫نقرأ من أجل تطوير العقل‪...‬بل عدنا نقرأ لنبيع‬
‫األكىاـ لبعضنا‪...‬نقرأ الترىات فقط لنراكغ‬
‫بالسفسطة على من يذكرنا بالحقائق‬
‫المهمة‪...‬معادلة عكسية ضد الحقيقة ‪ ،‬لهذا‬
‫السبب ال أظن أنها فكرة ناجعة ىذا الزماف‬
‫فرغم أني من الذين يحبوف الفكر كالفلسفة ‪،‬‬
‫لكنني استبعد ىذا االحتماؿ في تغيير أفكار‬

‫‪77‬‬
‫الناس ‪ ،‬إال في حالة كاحدة ‪ ،‬عندما نتدرب‬
‫على القراءة بمنهجية موضوعية بعيدا عن‬
‫التعصب كاألدلجة‬

‫_ أحمد‪ :‬لألسف! ‪ ،‬مهما تفلسفنا‪...‬فهو أمر‬


‫معقد بامتياز!‬

‫_ بوليفيا‪ :‬أحيانا أعتقد أف الذين لم يفهموا‬


‫شيئا عن حقيقة الوجود كاإلنساف كالسياسة ىم‬
‫الذين فهموا كل شيء في زمن أصبح المجد‬
‫فيو لمن ال يعرفوف‬

‫_ عبد القادر‪ :‬ال تتركوا األمل يموت فيكم يا‬


‫أصدقاء!‬

‫‪78‬‬
‫‪ -‬خالد‪ :‬مات كالسالـ!‬

‫‪ -‬عبد القادر‪ :‬كىل ستمضي ما تبقى من‬


‫حياتك على ىذا النحو من اليأس؟ ‪،‬‬
‫ستصاب بالجنوف! ‪ ،‬يجب أف يكوف‬
‫لديك أمل كي تستمر!‬

‫‪ -‬خالد‪ :‬نحن نستمر شئنا أـ أبينا! ‪،‬‬


‫كلكن لم يعد لدم رغبة في أم شي‪،‬‬
‫عدت أكره كجودم ىنا‪ ،‬لم أعد أطيق‬
‫ىذا النمط البائس من العيش!‬

‫‪79‬‬
‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬المشكلة ليست في البؤس‬
‫كلكن لألسف عقولنا تصحرت فال نحن‬
‫نعرؼ من نحن كال ندرم حتى ماذا نريد‬

‫‪ -‬أحمد‪ :‬دعونا نغير الموضوع! لطالما‬


‫تحدثنا كثيرا في ىذه المسائل كال شيء‬
‫تغير حتى اآلف ‪ ،‬لقد تعبنا من ىذا‬
‫الهراء‪ ...‬أخبرني! ‪،‬أخبرني بوليفيا ىل‬
‫لديك فكرة عن معهد لتعلم اللغة‬
‫اإلنجليزية ؟‬

‫‪80‬‬
‫بدؿ األصدقاء حديثهم فذىبوا يتكلموف طويال‬
‫عن اللغات كخدمات جديدة في اإلنترنت كغير‬
‫ذلك من التقنيات المهمة في الكمبيوتر حتى‬
‫ساد الظالـ في المدينة ‪ ،‬ثم ارتفعت أصوات‬
‫الزبائن في المقهى كىم يهتفوف بهدؼ أكؿ‬
‫لفريق برشلونة ضد فريق مدريد في كالسيكو‬
‫الليغا االسبانية‬

‫ضحك خالد حينها ثم قاؿ‪ :‬ىذا ىو التغيير‬


‫االجتماعي! ‪ ،‬ىاىاىا ىاىا !‬

‫نظر عبد القادر إلى ساعتو فقاؿ‪ :‬استسمحوني!‬


‫‪ ،‬سأذىب اآلف! ‪ ،‬تأخر الوقت نلتقي في فرصة‬
‫أخرل إف شاء اهلل‬

‫‪81‬‬
‫فنهض الجميع ك قاؿ خالد‪ :‬نعم ‪ ،‬نعم!‬
‫سننصرؼ جميعا!‬

‫لم ينتظر بوليفيا من أصدقاءه أف يدفعوا ‪ ،‬كحتى‬


‫ال يجلب الحرج لنفسو تقدـ إلى النادؿ كسألو‬
‫عن الحساب فكاف أربعمائة كتسعوف دينار‪،‬‬
‫ىنالك تقطع نصف قلب بوليفيا ‪ ،‬لكنو لم‬
‫يتوانى عن التبسم حتى يؤكد للجميع أف األمور‬
‫على ما يراـ‬

‫∆∆∆∆‬

‫‪82‬‬
‫تفرؽ بوليفيا عن أصدقاءه في منتصف الشارع‬
‫‪ ،‬كما أف أخذ طريقو بمفرده ىب يلعن نفسو‪:‬‬
‫"اللعنة عليك بوليفيا! ىل كاف يجب أف تشرب‬
‫معهم قهوة أيها الغبي‪.‬؟ ‪ ،‬ىل كاف يجب أف‬
‫تدفع أنت؟ تبا لهم جميعا! انظر لنفسك أنت‬
‫اآلف! ال تحمل معك سول خمسمائة كعشر‬
‫دنانير ‪ ،‬ىل تدرؾ انك في حاؿ ال يحسد‬
‫عليها؟؟ ‪ ،‬سحقا سحقا! إنها اللعنة!"‬

‫أخذ نفسا عميقا ثم قاؿ‪ :‬ال يهم‪ ،‬ال يهم !!‬

‫دخل بوليفيا إلى الحانوت القريب من البيت ‪،‬‬


‫فلما الحظو البائع صرخ قائال‪ :‬أككك!! بوليفيا‬
‫كيف حالك ؟؟‬

‫‪83‬‬
‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬بخير! ‪ ،‬بخير عمي العربي!‬
‫‪ -‬العربي‪ :‬أخبرنا أين كنت ؟؟ منذ مدة لما‬
‫نسمع لك حسا! ‪ ،‬لم تعد تظهر للعياف‬
‫أبدا!‬
‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬آآآ فقط إنها الدراسة! ‪،‬‬
‫الدراسة تشغلني ‪ ،‬ال غير!‬
‫‪ -‬العربي‪ :‬ىاىاىا‪...‬ىاىاىا‪..‬ىاىا! ‪ ،‬ىذه‬
‫الدراسة ستأخذكم إلى جهنم‪...‬إف جيل‬
‫اليوـ ليتعذب في الجامعة ثم في النهاية‬
‫يتخرج من أجل الجلوس في البيت‬

‫‪84‬‬
‫تجنب بوليفيا الحديث في الموضوع ألف ىذا‬
‫األمر يثير أعصابو فقاؿ‪ :‬نعم‪...‬نعم! ‪ ،‬أعطيني‬
‫كيس حليب ككيلو تفاح!‬

‫‪ -‬العربي‪ :‬على الرأس حبيبي!! كلكن!‬


‫‪..‬أعتقد أف أكياس الحليب نفذت‬
‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬حسنا! ‪ ،‬أعطيني حليب علبة!‬

‫قدـ بوليفيا خمسمائة دينار كلم يرد لو البائع‬


‫سول خمسين دينار ثم قاؿ لو العربي‪ :‬ال تنسى‬
‫أف تلبس معطفك! ‪ ،‬ىذا البرد ال يمزح ‪،‬‬
‫ستمرض كأنت ترتدم قميصا كاحدا فقط‬

‫‪85‬‬
‫‪...‬كفي اللحظة نفسها دخل كهل إلى الحانوت‬
‫كقاؿ‪ :‬نعم! ‪ ،‬نعم سيصاب بنوبة برد تبقيو في‬
‫الفراش كيندـ‬

‫لم يبالي بوليفيا بنصيحة العربي ‪ ،‬انصرؼ‬


‫يحمل كيس التفاح كعلبة الحليب ثم أخذ‬
‫يسأؿ عقلو‪ :‬كيف سيستطيع المرء ىنا أف‬
‫يؤسس أسرة ك يتزكج كيعيش أياـ سعيدة؟ كيف‬
‫يريدكف من اإلنساف ىنا أف يكوف كائنا طبيعيا‬
‫في ظل ىذا الغالء الفاحش‪...‬تبا!! ‪ ،‬حقا ىذا‬
‫ىراء كبير!‬

‫قلب رأسو باألسئلة إلى أف كصل مدخل الشارع‬


‫الذم يسوقو نحو المنزؿ فوجد مباشرة جملة‬

‫‪86‬‬
‫من السيارات متوقفة على الطريق كأف ىناؾ‬
‫مشكلة ما ‪ ،‬ؼما الذم يحدث؟‬

‫ىركؿ بوليفيا مسرعا كسط السيارات فإذا بو‬


‫يرل الجار "حاج عيسى" بلحيتو البيضاء‬
‫كنظاراتو البنية يصرخ غاضبا كيتعارؾ مع‬
‫المدعو "باجيو" ‪ ،‬جاء الناس مسرعين كسبقهم‬
‫بوليفيا فتوسط بين الرجلين فقاؿ الحاج عيسى‬
‫غاضبا‪ :‬تبا لهذا الحقير "باجيو" ‪ ،‬اليوـ سأعلمو‬
‫كيف يحترـ الرجاؿ‪ ،‬كيف ال يخجل من نفسو‬
‫فيشرب الخمر مع أصحابو أماـ البيت كل ليلة‬
‫ك فوؽ ذلك يهددني حياتي!‬

‫‪87‬‬
‫أما المدعو "باجيو" ذك الشعر المشدكد‬
‫كالعينين النائمتين أخذتو العزة باإلثم فراح‬
‫يستعرض عضالتو بجسده القوم فيشتم السيد‬
‫عيسى بأشنع األلفاظ‪...‬‬

‫عندئذ غضب بوليفيا أيضا كقاؿ‪ :‬عار عليك! ‪،‬‬


‫انتبو لنفسك أيها القذر!‪ ،‬أال ترل أنو مريض‬
‫ككبير؟؟ ‪ ،‬ثم إنك تبالغ كثيرا في خلق المشاكل‬

‫كاف باجيو تحت تأثير األقراص فلم يعجبو‬


‫كالـ بوليفيا فقاؿ لو‪ :‬كأنت أيضا ما دخلك في‬
‫شأني أفعل ما أريد كأنا الذم احكم العمارة ىنا‬
‫‪ ،‬تبا لكم جميعا!!‬

‫‪88‬‬
‫فقاؿ بوليفيا منفعال‪ :‬عليك اللعنة إلى يوـ‬
‫الدين! ‪ ،‬تبا لك أيضا!!‬

‫شعر الشاب بالغضب أكثر كأف لم محتمل‬


‫تدخل بوليفيا في الموضوع فأخرج من جانب‬
‫سركالو خنجرا يهدد بو طعن بوليفيا‪...‬‬

‫لمس الفزع قلب بوليفيا ‪ ،‬لكنو تماسك بعض‬


‫الشيء كحاكؿ أف يجد شيئا ما ليدافع بو عن‬
‫نفسو فلمح عن قرب منو حجرة سوداء ‪ ،‬توجو‬
‫إليها مسرعا فوضع الكيس أرضا ثم حمل‬
‫الحجرة قائال‪ :‬عليك اللعنة!‪ ،‬اقترب فقط‬
‫كسأدفنك حيا!!‬

‫‪89‬‬
‫فكر الشاب قليال فتراجع عن تهجمو ‪ ،‬كفي‬
‫الوقت نفسو تدخل بعض الشباب الذين كانوا‬
‫يلعبوف الكرة ‪ ،‬حيث نزلوا مسرعين إلى الشارع‬
‫من أجل فك الشجار كىكذا ساىموا في تفرقة‬
‫المشكلة بسالـ قبل أف يسوء األمر أكثر‬

‫كضع بوليفيا الحجرة جانبا ‪ ،‬حمل كيسو‬


‫كذىب متجها مع الحاج عيسى إلى العمارة‬
‫فقاؿ ىذا األخير‪ :‬تبا لو!! لقد عكر علينا‬
‫األجواء‪ ،‬سامحني يا كلدم! لم أشأ كضعك في‬
‫ذلك الموقف‬

‫‪90‬‬
‫ابتسم بوليفيا ثم قاؿ ‪ :‬ال عليك عمي! ‪ ،‬أنت‬
‫جار كريم! ‪ ،‬كيف ال أتحرؾ كاألمر يخصنا‬
‫جميعا في العمارة؟‬

‫‪ -‬الحاج عيسى‪:‬ال أحد يبالي باألمر لألسف! ‪،‬‬


‫كخشيت أف أتصل بالشرطة فتتأزـ األمور أكثر‬
‫أك أتعرض لالعتداء غدرا من قبل ىؤالء‬
‫المغفلين‬

‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬نعم لألسف ىذه مشكلتنا! ‪ ،‬كل‬


‫جار أصبح يغلق على نفسو ؿيتجنب الخصاـ‬
‫مع اآلخرين‪ ،‬أصبح الوضع مريعا لدرجة أف‬
‫الجميع يخشى النهي عن المنكر فيقوموف‬
‫بضربو أك االعتداء على بيتو‬

‫‪91‬‬
‫‪ -‬الحاج عيسى‪ :‬أنا كبرت كلم أعد أقدر على‬
‫شيء‪ ،‬سأككل أمرم هلل كإذا مكنني اهلل فإني‬
‫سأفكر في الرحيل قريبا‪ ،‬ال أجد األماف في ىذا‬
‫الحي‬

‫مسح بوليفيا رأسو ثم قاؿ‪ :‬ىوف عليك عمي! ‪،‬‬


‫سيمر كل شيء!‬

‫رد الحاج عيسى متأسفا‪ :‬إلى متى أصبر؟؟ لقد‬


‫مللت! ‪ ،‬مللت كثيرا ‪ ،‬لقد تغيرت كثير من‬
‫األشياء ىنا كلم أعد أتحمل‪..‬‬

‫‪92‬‬
‫سكت الحاج ىنيهة ثم قاؿ‪ :‬دعنا منهم اآلف!‬
‫أستضيفك لتناكؿ العشاء معي ‪ ،‬الطعاـ جاىز‬
‫بدكف شك!‬

‫شعر بوليفيا بالخجل فقاؿ لجاره بأنو يريد أف‬


‫يرتاح قليال ‪ ،‬فلم يشدد الحاج عيسى عليو‬
‫فدخل بيتو ممتنا كىو يدعو اهلل لو بالسعادة‬
‫كالحياة الواسعة‬

‫مشى بوليفيا إلى البيت سعيدا بالموقف‬


‫المشرؼ الذم تصرفو الليلة كما أف صعد‬
‫الدرج في العمارة انطفأت األضواء ‪ ،‬فقاؿ‪ :‬لم‬
‫يبقى إال ىذه المصابيح كي تأخذ نصيبها مني‬
‫‪،‬تبا لها!‬

‫‪93‬‬
‫لكن عندما كصل إلى الطابق الثاني اشتعلت‬
‫األضواء مرة أخرل ليظهر فجأة أماـ بوليفيا‬
‫شخصا كاقفا مقابال لركن الجدراف ‪ ،‬فمن‬
‫خالؿ مظهره الخلفي يتبين أنو مجهوال‬
‫أك مجنوف نظرا ألنو ال يتحرؾ كال يتكلم ‪،‬يضع‬
‫رأسو أرضا تماما مثلما يفعل اللص حين تقبض‬
‫عليو الشرطة ‪ ،‬تساءؿ بوليفيا في رأسو من قد‬
‫يكوف ىذا الشخص ؟ ‪ ،‬كبمجرد أف اقترب منق‬
‫كلى إليو الرجل بوجهو األسود المريع كبأنياب‬
‫مكشرة مع عينين بيضاكيتين كالسكر ‪ ،‬تقابض‬
‫معو بوليفيا كاستطاع أف يدفعو بعيدا عنو ‪،‬إال أف‬

‫‪94‬‬
‫الرجل تشجع مجددا كتهجم على بوليفيا‬
‫فتلبسو كأصبح بوليفيا ىو ذلك الرجل‬

‫‪95‬‬
‫االستيقاظ من الحلم‬

‫استيقظ بوليفيا مهلوعا‪ :‬تبا!! تبا!! إنو كابوس‬


‫يا إلهي! ما ىذه الرؤيا السوداء ؟؟‪...‬كيف‬
‫نمت البارحة؟؟ ‪ ،‬يا اهلل!! لقد مر الليل بسرعة!‬

‫مسح كجهو بيده ليهدأ من ركع نفسو ثم شغل‬


‫ىاتفو كعادتو ككل صباح يتطلع على آخر‬
‫المستجدات في الفايسبوؾ فظهرت لو بعض‬
‫األخبار الجديدة‪( :‬السترات الصفراء تقلب‬
‫األجواء في باريس ‪ ،‬كرئيس الحكومة يعلن‬
‫أف المرحلة المقبلة ستكوف صعبة على الشعب‪،‬‬

‫‪96‬‬
‫نجاة سبعة من الشباب المهاجر في القوارب‬
‫كفقداف عشر آخركف‪)...‬‬

‫قاؿ بوليفيا في نفسو‪ :‬يا رباه! في ىذه البالد‬


‫ال نسمع سول األخبار السيئة!‬

‫بينما ىو يقلب صفحات الهاتف حتى شاىد‬


‫شيئا غريبا في الشاشة ‪،‬يظهر على كجهو أنو‬
‫غير طبيعي ‪ ،‬نهض مسرعا إلى المرآة‪ :‬يا‬
‫للهوؿ! إنها بقع سوداء في كجهي! ما الذم‬
‫حدث‪.‬؟‬

‫‪..‬تذكر بوليفيا رؤيا الرجل األسود التي استيقظ‬


‫عليها قبل قليل‪...‬شمر على ذراعيو فوجد‬

‫‪97‬‬
‫السواد منتشرا في كل مكاف بجسده‪...‬رفع كم‬
‫سركالو قليال فقاؿ‪ :‬تبا!!‬

‫إنو سواد غريب لم يسبق أف شاىده في حياتو ‪،‬‬


‫كأنو حبر متدفق تحت جلده ‪ ،‬ارتبك بوليفيا‬
‫من نفسو فلم يجد كيف يتصرؼ سول أنو عاد‬
‫جالسا على سريره يشد رأسو كيخمن في ما‬
‫الذم يدكر من حولو؟ ‪ ،‬تنهد كقاؿ‪ :‬ال ينقصني‬
‫سول ىذه المصيبة ‪ ،‬ما ىذا الوباء؟ يجب أف‬
‫أزكر الطبيب فورا!‪...‬أنا ؿـ افهم شيئا !؟ ‪،‬‬
‫يجب أف ال تراني جدتي في ىذا الحاؿ‬
‫فتصاب بالدىشة‬

‫‪98‬‬
‫ارتدل معطفا أحمرا غليظ الجلدة كقديم اللوف‬
‫‪ ،‬أخذ أيضا قبعة سوداء جميلة لم يلبسها من‬
‫قبل‪ ،‬ارتدل نظارات سوداء ‪ ،‬كرغم كل ىذا‬
‫التنكر إال أف البقع الداكنة ال تزاؿ بارزة على‬
‫خده األيسر كيديو‬

‫حرؾ رأسو مستغربا ثم قاؿ‪ :‬ال يهم! ‪،‬سأتكفل‬


‫باألمر! ‪ ،‬ؼفي حاؿ كجدت مشكلة مع الناس‬
‫في الشارع‪ ،‬سأقوؿ لهم أنني كنت أدىن باب‬
‫البيت باألسود كتلطخت‪...‬‬

‫حمل ىاتفو كالخمسين دينار التي كانت على‬


‫الطاكلة‪...‬لم يفكر حتى في أف يشرب قهوة‬
‫الصباح‪....‬كقبل أف يخرج بوليفيا من المنزؿ‬

‫‪99‬‬
‫حاكؿ التأكد من أف جدتو منشغلة‪...‬فتح الباب‬
‫دكف أف يحدث أم ضجيج كلكن لسوء الحظ‬
‫لحقو القط األسود إلى الباب كأخذ يموء‬
‫عليو‪...‬ضربو بوليفيا برجلو كخرج مسرعا‬

‫اخذ المشوش طريقو متنكرا دكف أف يلتفت‬


‫يمينا أكشماال حيث أصبح كل ىمو أف يصل‬
‫إلى المستشفى بسرعة كىو يأمل في أف يخرج‬
‫من ىذا الكابوس بسالـ‪...‬كاف بوليفيا يمشي‬
‫لألماـ كىو يفكر في كيف يسدد مبلغ التذكرة‬
‫الخاصة بالعيادة‪...‬كبينما ىو شارد الذىن سمع‬
‫صوتا ينادم من بعيد‪...‬محمد ‪ ...‬يا محمد!!‬

‫‪100‬‬
‫‪...‬التفت كراءه فشاىد من بعيد رجال كاقفا‬
‫قرب شاحنتو ينادم على بوليفيا ‪ ،‬تظاىر ىذا‬
‫األخير انو لم يسمع شيء كأخذ يقوؿ في قلبو‪:‬‬
‫من الواضح أف شاحنتو توقفت كيريد مني‬
‫مساعدتو! ‪ ،‬تبا لو لماذا أساعده أنا بالضبط؟ ‪،‬‬
‫كىل سأساعده اآلف؟ ىاىاىا! ‪ ،‬ثم إنني في‬
‫حالة سيئة ‪ ،‬لست في مزاج جيد يسمح لي‬
‫بالعودة كراءا‬

‫‪...‬كاصل بوليفيا مسيره كالرجل يناديو من‬


‫بعيد‪...‬توقف ىذه المرة في منتصف‬
‫الطريق‪...‬خاطب ضميره مرة أخرل‪ :‬يبدك‬
‫أف ال أحد في الشارع ليساعده!‬

‫‪101‬‬
‫فكر قليال ثم قاؿ‪ :‬نعم !! يجب أف استجيب‬
‫لو! ‪ ،‬ال يجوز أف أتركو!‬

‫عاد بوليفيا طريقو للوراء كأشار للرجل من بعيد‬


‫بأنو قادـ فركب الرجل في شاحنتو كطلب من‬
‫بوليفيا أف يدفع المركبة من الخلف‬

‫‪...‬نظر بوليفيا إلى تلك الشاحنة مستغربا في‬


‫أمرىا‪ ،‬بدت قديمة جدا كأنها غير صالحة أبدا‬
‫لالستعماؿ فضحك كقاؿ في نفسو‪ :‬ىذه‬
‫شاحنة ضخمة كيف سأدفعها كحدم؟؟ ‪،‬‬
‫ال يهم‪،‬ال بأس بالمحاكلة!‬

‫‪102‬‬
‫استعصت الحافلة على اإلقالع فاستجمع‬
‫بوليفيا كامل قواه كدفعها لألماـ فكانت‬
‫المعجزة أف تحركت كذىب الرجل سعيدا كىو‬
‫يشكر بوليفيا على المساعدة ‪ ،‬لقد شعر ىذا‬
‫األخير بسعادة كبيرة في قلبو لدرجة انو تصور‬
‫نفسو باتماف حقيقي‪ ،‬لكنو لم يلبث حتى شعر‬
‫باضطراب في نبضات قلبو كسيطر عليو‬
‫اإلرىاؽ بشكل غير مسبوؽ فركع بجسمو إلى‬
‫األسفل يحاكؿ الصمود ‪ ،‬كبينما ىو ينظر‬
‫لألرض كقعت عيناه على مئتا دينار تلمع على‬
‫األرض ‪ ،‬فاختفى عليو األلم فجأة كعادت‬
‫مزقو ىذه القطعة‬
‫الركح لبدنو‪ ،‬شاء القدر أف ر‬

‫‪103‬‬
‫ليستطيع دفع تذكرة العالج ‪ ،‬يا للعجب!‬
‫‪،‬استقول األسود من جديد كأخذ يدفع نفسو‬
‫خطوة بعد خطوة حتى كصل إلى المحطة‬

‫‪...‬انتظر قرابة ربع ساعة كلم تأتي الحافلة ‪،‬‬


‫ثم كقفت بجانبو امرأة تبدك على كجهها‬
‫األصفر أنها متعبة ككبيرة في السن ‪،‬سألتو عن‬
‫سبب غياب الحافالت فقاؿ لها‪ :‬أعتقد أف‬
‫العماؿ في إضراب بسبب اصطداـ الخطوط‪،‬‬
‫كألف المرأة لم تفهم شيئا مما قالو بوليفيا غيرت‬
‫الموضوع كبدأت تحكي لو عن قلقها على‬
‫زكجها في المستشفى ككم ىي متشوقة لزيارتو‬
‫ثم راحت تسرد المشاكل التي يسببها أكالدىا‬

‫‪104‬‬
‫يوميا ككيف تغيرت أحواؿ األسرة بين قديم‬
‫الزماف كالوقت المعاصر ‪ ،‬لم يكن بوليفيا‬
‫مكترث أبدا لحديثها سول أنو كاف يهز رأسو‬
‫كيقوؿ لها نعم! ‪ ،‬نعم ‪..‬معك حق‬

‫لقد حاكؿ السيطرة على ارتباكو قدر المستطاع‬


‫كيتساءؿ في نفسو كل دقيقة عن ماىية المرض‬
‫الذم انتشر في جسمو ‪ ،‬ؼينتظر في أم لحظة‬
‫أف تسألو المرأة عن تلك اؿبقع السوداء في‬
‫كجهو‬

‫‪...‬عندما تبين أف الحافالت غير ممكنة ىذا‬


‫الصباح أكقفت المرأة سيارة أجرة‪ ،‬ركب معها‬

‫‪105‬‬
‫بوليفيا كأنو قريب إليها في محاكلة للتهرب من‬
‫الدفع ‪ ،‬كالغريب أف السائق لم يشك في أم‬
‫شيء ‪،‬راحت المرأة بعدئذ تواصل توضيح‬
‫قصتها لبوليفيا ‪،‬فشرحت لو أسباب دخوؿ مياه‬
‫األمطار إلى بيتها ككيف استيقظت ليال فقامت‬
‫بتنظيف البيت ‪،‬كانت حكايتها محزنة إلى أف‬
‫قاطعها صوت المذياع بعدما شغلو السائق‪،‬‬
‫فاستفتحت مقدمة األخبار نشرتها بوفاة دكتورة‬
‫في المستشفى بسبب لسعة عقرب بعد ثالث‬
‫أياـ من المعاناة ‪ ،‬كفي خبر آخر تم القبض‬
‫على امرأة بحوزتها بندقية كمخدرات ‪ ،‬ثم تتابع‬

‫‪106‬‬
‫بعد ىذه األخبار تصريح للوزير األكؿ يقوؿ بأف‬
‫األياـ المقبلة ستكوف صعبة على المواطنين‬

‫الشيء ىز مشاعر بوليفيا من ىذه األخبار‬


‫سول تلك الدكتورة المسكينة التي لم تلقى أم‬
‫اىتماـ منذ أف دخلت المستشفى ‪ ،‬فقاؿ في‬
‫قلبو متحسرا‪ :‬من المحزف جدا أف تنتهي حياة‬
‫الدكتورة عائشة بذلك الشكل من الالمباالة ‪،‬‬
‫ىل ىكذا نحترـ المثقفين؟ ‪ ،‬لألسف!! كل يوـ‬
‫أتقزز مما يحدث في ىذه البقعة الفاسدة‪...‬‬

‫ثم قاؿ بأعلى صوتو ‪ :‬ىذا خبث شنيع الذم‬


‫نعيش فيو!‬

‫‪107‬‬
‫فردت المرأة قائلة‪ :‬سحقا لهذا الوزير! ‪،‬نحن‬
‫نعيش في أياـ أشد صعوبة فكيف يتحدث عن‬
‫صعوبة األياـ القادمة ‪ ،‬تبا لهم جميعا! ‪ ،‬أكلوا‬
‫كل شيء كيريدكف نهب ما تبقى للمواطن في‬
‫جيبو ‪ ،‬اللعنة!‬

‫فقاؿ السائق ‪ :‬نحن شعب مكسور! ‪ ،‬ننشغل‬


‫بترميم حياتنا يوميا‪...‬حتى أنو لم يعد لنا في‬
‫دنيانا أحالـ كأىداؼ‪...‬فغايتنا الكبرل ىي أف‬
‫نأكل‪...‬نلبس كنسكن فقط ‪.‬‬

‫‪...‬ثم أضاؼ‪ :‬لقد نسي ىؤالء القوـ أف الدنيا‬


‫دار فناء ك طغوا في البالد ‪ ،‬لكن سيكوف لهم‬

‫‪108‬‬
‫مكاف جميل في جهنم ‪،‬الجحيم ـصير مناسب‬
‫لكل فاسد قذر!‬

‫‪...‬كعلى ىذه العبارة توقف التاكسي أماـ‬


‫المستشفى فنزلت المرأة كنزؿ بعدىا بوليفيا‬
‫فكاف حساب العداد مائة دينار ‪ ،‬قدـ بوليفيا‬
‫النقود للسائق كفرحت المرأة بهذه المبادرة ‪،‬‬
‫انصرفت ىي إلى اليمين ك ذىب ىو إلى طريق‬
‫آخر ‪ ،‬كاف يريد التهرب من الدفع في أكؿ‬
‫األمر لكنو الحظ أف ىموـ المرأة تبدك أشد من‬
‫ىمومو ‪ ،‬تنهد بعمق ثم قاؿ‪ :‬الحمد هلل! لم‬
‫يسألني أحد عن ىذا السواد في كجهي ‪ ،‬أتمنى‬
‫أف ال ألقى إزعاج من أم أحد!‬

‫‪109‬‬
‫∆∆∆‬
‫دفع بوليفيا مئة دينار أخرل عند الكشك‬
‫كاستلم تذكرة رقم ‪ 17‬في انتظار دكره‬
‫للعالج‪...‬ثم جلس يتأمل في أحواؿ المرضى‬
‫المساكين كيحسب في عقلو كم بقي لو من‬
‫النقود في جيبو‪...‬فسائق األجرة أخذ مئة‬
‫كتذكرة العالج مئة‪ ...‬قلم يبقى معو سول‬
‫خمسوف دينار التي ردىا لو الحانوت ليلة‬
‫البارحة ‪،‬كبعدما انتهت الحسابات في رأسو‬
‫ذىب يتخيل كيحلم بتغير حياتو من السيئ إلى‬
‫األفضل في يوـ ما‪...‬لقد كاف الجميع يتبادلوف‬
‫الحديث حوؿ ىمومهم ‪ ،‬كيتذمركف من سوء‬

‫‪110‬‬
‫التعامل في المستشفيات‪ ،‬إال بوليفيا لم يحرؾ‬
‫ساكنا كأنو حجرة سوداء ثابتة ما لها مع البشر‬
‫أية عالقة ‪ ،‬فبعد دقائق قليلة فقط نادت‬
‫الممرضة على الرقم ‪ 16‬فلم يجب عليها احد‬
‫‪..‬أعادت النداء‪ :‬رقم ‪ ، 16‬كال احد يرد‬

‫فقالت‪ :‬يبدك أف صاحب ىذا الرقم كاف ىنا‬


‫كانصرؼ‪...‬إذا! ليتفضل رقم ‪ ، 17‬ليتفضل‬
‫مباشرة!‬

‫لم يكن يتوقع بوليفيا أف دكره سيأتي بهذه‬


‫السرعة ‪ ،‬نهض دكف أف يلتفت ألم أحد كدخل‬

‫‪111‬‬
‫غرفة الكشف ‪،‬كضع قبعتو جانبا ثم مد ذراعو‬
‫للطبيب كفتح أعلى قميصو ثم قاؿ‪:‬‬
‫أنا استيقظت ىذا الصباح فوجدت لوف جلدم‬
‫غير طبيعي كىو يتغير إلى سواد عجيب بملمس‬
‫غريب كرطب جدا ‪ ،‬لم أفهم شيئا!‬

‫كقف الطبيب ـقلوعا بعدما شاىد ذراعي‬


‫بوليفيا سوداء بشكل غريب ‪ ،‬تحكم الطبيب‬
‫في نفسو ثم قاؿ سحقا!! ‪،‬جلدؾ غير طبيعي‪،‬‬
‫ال أدرم؟؟؟ كأف جلدؾ يتآكل ليتحوؿ إلى حالة‬
‫ما! ‪ ،‬ىل تتألم ؟‬

‫بوليفيا‪ :‬نعم! ‪ ،‬أشعر بألم شديد من حين آلخر‬

‫‪112‬‬
‫الطبيب‪ :‬يا للهوؿ! ‪،‬ىذه أكؿ مرة يزكرني مريض‬
‫بهذه لحالة ‪ ،‬كأنو كباء نادر يسبب تشققات!‬

‫جلس الطبيب في مكتبو يفكر ثم قاؿ‪ :‬أتعرؼ‬


‫شيئا؟؟ لم اعرؼ مرضك! ‪ ،‬إنها تبدك حالة‬
‫خطيرة كغير عادية ‪ ،‬سأكتب لك رسالة عاجلة‬
‫إلى مصلحة العالج لتحجز لك غرفة في العناية‬
‫إلى غاية كشف مرضك‪ ،‬ربما يكوف طاعونا‬
‫معديا أك شيء ىكذا ‪ ،‬أنا لست ادرم ما ىذا‬
‫الذم يحدث معك؟ ‪ ،‬إنو غريب! غريب جدا!‬
‫‪ ،‬آسف ‪ ،‬ال استطيع التصرؼ!‬

‫‪113‬‬
‫نطق بوليفيا مرتبكا كأنو لم يعجبو تفسير‬
‫الطبيب ‪ ،‬فقاؿ‪ :‬حسنا!‪...‬حسنا! ‪ ،‬سأزكر‬
‫عيادة أخرل‬

‫لم يترؾ بوليفيا للطبيب أية فرصة ليرد عليو‬


‫كانصرؼ مسرعا إلى الخارج ‪ ،‬حاكؿ الطبيب‬
‫أف يلحقو ‪،‬لكن المريض ىرب بخطوات‬
‫متسارعة جدا‬

‫نزؿ بوليفيا الدرج قائال‪ :‬اللعنة!‪ ،‬كنت اشعر‬


‫بذلك ‪ ،‬انو أمر غير عادم! ‪ ،‬يجب اف أعود‬
‫إلى غرفتي اآلف كبأسرع ما يمكن ‪...‬زاد من‬
‫حدة سرعة أقدامو حتى بدا مضطربا في مشيتو‬

‫‪114‬‬
‫‪،‬التفت الناس ينظركف إليو لكنو لم ينتبو لهم‬
‫إلى غاية أف كجد نفسو يقف أماـ محطة‬
‫التراموام ‪،‬كألنو لم يشترم تذكرة الذىاب كقف‬
‫ينتظر كيفكر‪ ،‬فما أف نزلت فتاة شابة تبدك‬
‫جامعية تتبعها بوليفيا بعينيو حتى رمت التذكرة‬
‫في السلة ىناؾ ‪،‬فأخذ تذكرتها كصعد مسرعا ‪،‬‬
‫ثم جلس في اقرب مكاف فارغ أمامو‬

‫‪..‬نزلت أمطار غزيرة في تلك الساعة كأخذ‬


‫بوليفيا ينظر من النافذة ‪،‬كأف الجو يعبر عن‬
‫سوء أحوالو ىذه األياـ ثم سمع عجوزا يقوؿ‪:‬‬
‫برؾ مائية في كل مكاف‪...‬كأنو فاض علينا‬

‫‪115‬‬
‫تسونامي‪ ،‬كىي ليست إال أمطار فقط !‬

‫كبينما السكوف يسود التراـ صعد متشرد في‬


‫المحطة التالية يبدكا من خالؿ عينيو كاحمرار‬
‫كجهو أنو سكير ‪،‬يمضي كيتسلل بين الركاب ‪،‬‬
‫يتسوؿ الناس نقودا بينما ىم يشعركفقبالتقزز‬
‫لما يقترب منهم ‪،‬كعلى المباشر أيضا ظهر من‬
‫كراء نفس المتشرد متشرد آخر يحمل منشفة‬
‫قذرة يمسح بها نوافذ التراـ كأنو يقوـ بتنظيفها‬

‫ىز بوليفيا رأسو ثم قاؿ بصوت خافت‪ :‬كيف‬


‫لك أف تعيش بشكل متوازف مع ىذا الهراء؟‬

‫‪116‬‬
‫كعندما اقترب المتشرد من بوليفيا صرخ ىذا‬
‫األخير بصوت شرس‪ :‬اذىب إلى جهنم تبا‬
‫لك!‬

‫تزامنا مع ىذا الغضب لمح بوليفيا من بعيد‬


‫امرأة حامل كاقفة أمامو فراح يسأؿ في رأسو‪:‬‬
‫تبا لهؤالء الركاب! لماذا ال يتركوف لها مكانا‬
‫لتجلس؟‬

‫حتى انتبو لنفسو انو من اؿجالسين ‪ ،‬فقاؿ‪ :‬اه!‬


‫اللعنة! لقدت فقدت صوابي!‬

‫تقرب قليال من الباب كترؾ المرأة تجلس‬


‫مكانو ثم أخذ ينظر إلى كجهو على بوابة التراـ‬

‫‪117‬‬
‫فقاؿ في نفسو ‪ :‬جيد! ‪ ،‬لست أسودا بالكامل‬
‫‪ ،‬علي التحكم في غضبي إلى غاية الوصوؿ‬
‫إلى البيت‬

‫مرت بضعة دقائق حتى دخل المراقبوف‬


‫يراجعوف تذاكر الركاب ‪ ،‬نظر إليهم بوليفيا‬
‫ثم بدأ يقوؿ في نفسو‪ :‬تبا لهم! يلعبوف دكر‬
‫االستخبارات على الركاب كأنهم يبحثوف عن‬
‫مجرـ حرب‬

‫كطبعا في نفس اللحظة قاموا بالقبض على‬


‫شاب ال يحمل تذكرة فقاؿ لهم ذلك الشاب‪:‬‬
‫ال املك ثمن التذكرة! ‪ ،‬فاجتمعوا عليو يوبخونو‬

‫‪118‬‬
‫كيهددكف بنقلو إلى الشرطة‪ ،.‬فقاؿ لهم‪ :‬أنتم‬
‫سافلين تمارسوف القوة دائما ضد الضعيف‬
‫فقط ‪ ،‬ىيا خذكني إلى الشرطة! ‪ ،‬كال تنسوا‬
‫أيضا أف تراقبوا االختالسات في البنوؾ كالتي‬
‫يدفعها المواطن من جيبو ‪ ،‬مالعين كمعتوىين‬
‫أنتم! !‬

‫‪...‬نزؿ بوليفيا كترؾ المراقبوف مع الرجل‬


‫يأكلوف بعضهم ليدخل بسرعة إلى الشارع‬
‫الرئيسي الذم يقود إلى الحي ‪ ،‬أصابو السعاؿ‬
‫ؼشعر ببعض التعب كأف التشققات تنخر‬
‫جسده من الداخل فما أف كجد قاركرة أمامو‬
‫ضربها بكل غضب‬

‫‪119‬‬
‫∆∆∆‬
‫توترت أعصاب بوليفيا فضرب قاركرة مياه‬
‫معدنية كانت عن قرب من رجلو فاصطدمت مع‬
‫الجدار بقوة شديدة حتى ارتفع صوتها كأنها‬
‫قالت لبوليفيا‪" :‬ما ذنبي أنا أيها األسود‬
‫اللعين!"‬

‫في الوقت نفسو تقدـ أحدىم إلى القاركرة‬


‫كتعمد ردىا برجلو إلى بوليفيا‬

‫فقاؿ بوليفيا في نفسو‪ :‬تبا! إنو صديقي القديم‬


‫‪ ،‬فريد المجنوف! ‪ ،‬أصبح مختال كمزعجا‬

‫‪120‬‬
‫بشكل مقزز ‪،‬لو يطلب مني نقودا ىذه المرة‬
‫سأغرس رأسو في النفايات!‬

‫تقدـ فريد قليال كىو يرد شعره الرطب إلى‬


‫الوراء ‪ ،‬تفتحت عيناه الكبيرتين جيدا ثم أخذ‬
‫يصطك أسنانو كمن يفكر في شيء يريد‬
‫الحصوؿ عليو فورا ‪ ،‬لقد أحس فريد في‬
‫اللحظة بأف بوليفيا غاضب فعانقو ثم ا خذ‬
‫يراكغو في كالمو‪" :‬كيف حالك أيها الفناف!؟‬
‫تبدك قلقا كأسودا في كجهك! ‪ ،‬ال تقلق‬
‫بوليفيا!! فالحياة ىنا ال تحبنا أف نقلق أبدا‪،‬‬
‫ابتسم للدنيا تبتسم إليك حبيبي! "‬

‫‪121‬‬
‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬نعم! ‪ ،‬نعم!! انظر أنا أضحك‬
‫معك! ىاىاىا‪...‬ىاىا‪...‬ىاىاىا!‬
‫‪ -‬فريد‪ :‬جميل!‪ ،‬جميل ‪ ،‬أحب أف أراؾ‬
‫ىكذا‬
‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬كأنا أيضا أحب أف أرل نفسي‬
‫أضحك ىاىاىا ‪،‬انظر تبا لك! ‪،‬أنا‬
‫ابتسم ما الذم يبتسم لي؟ أخبرني؟‬

‫‪...‬أضاؼ بوليفيا‪ :‬خسئت يا فريد! أنا أعرؼ‬


‫بالضبط ما الذم تريده ‪ ،‬قل لي انك تريد‬
‫نقودا! كسأعطيك نقودم‪...‬‬

‫‪122‬‬
‫أخرج بوليفيا شيئا من جيبو ثم قاؿ‪ :‬خذ ىذه‬
‫خمسوف دينار! ىذا كل ما لدم اليوـ ‪،‬‬
‫ال تقلقني!‬

‫شعر فريد بالغضب ألنو يريد مئتا دينار‬

‫فقاؿ لو بوليفيا‪ :‬تبا لك! ‪،‬أنا لست كالدؾ ‪،‬‬


‫ىاؾ خمسوف كابحث عن مئة كخمسوف سحقا‬
‫لك! ‪ ،‬اغرب عن كجهي!‬

‫تخاصم بوليفيا مع صديقو حتى فك الناس‬


‫بينهما‬

‫‪...‬رمى فريد الخمسوف دينار على األرض‬

‫‪123‬‬
‫كذىب يشتم بوليفيا ثم قاؿ‪" :‬إنكم جميعا‬
‫ستذىبوف إلى الجحيم " عليكم اللعنة!!‬
‫ىاىاىا!‬

‫رتب بوليفيا قميصو كنفض سركالو‪ ،‬ثم حمل‬


‫الخمسوف دينار كانصرؼ حزينا على ىذا‬
‫الوضع السيئ الذم انقلب عليو صديقو‬

‫‪...‬حقن المسعوؿ كل الغضب في صدره إلى‬


‫أف مر بقرب من مخبزة على بعد خطوات فقط‬
‫‪ ،‬توقف ليشترم خبزتين فوجد جمهورا غفيرا‬
‫يكتظ على مدخل المخبزة ‪ ،‬انتصب في مكانو‬
‫ينظر إلى الطابور ثم ضحك قائال‪:‬‬
‫ىاىا‪...‬ىاىاىا‪....‬تبا لكم جميعا!‪ .‬نعم تبا‬

‫‪124‬‬
‫لكم! ‪ ،‬ال ادرم متى سأحضى بفرصة لشراء‬
‫الخبز معكم؟ ‪ ،‬إذىبوا إلى جهنم!‬

‫لمحوا فيو بشفقة ظنا منهم انو مصاب بجنوف‬


‫مؤقت أما بعضهم رد عليو قائال‪ :‬تبا لك أنت‬
‫كحدؾ أيها المغفل!‬

‫فيرد بوليفيا مستهزءا‪ :‬نعم أنا مغفل! ثم ماذا تبا‬


‫لكم‪!.‬‬

‫‪...‬أعاد ترتيب قميصو ثم اختفى كأنو لم يكن‬


‫شيئا‬

‫∆∆∆‬

‫‪125‬‬
‫استقر بوليفيا في غرفتو منظر كل دقيقة إلى‬
‫نفسو على المرآة يتأمل في ىذا السواد األملس‬
‫الذم يسيطر عليو كيحاكؿ في كل ثانية فهم‬
‫تلك التشققات التي تتفتح أكثر بعد كل ساعة‬
‫‪،‬لم يجد أم حل سول أنو يجلس من حين‬
‫آلخر ؿيلعن ىذه المصيبة التي حلت بو ‪.‬‬

‫ليس ىناؾ أم تفسير لما حدث لو ‪ ،‬انو ليس‬


‫مرض كليس ىنالك دكاء‪ ،‬ذىب يفكر في‬
‫األسباب فيعتقد تارة أف األمر ربما يتعلق بذلك‬
‫الحلم السيئ الذم شاىده في المرة الماضية‬
‫كإما تلبسو جن أسود أك أف دماغو افرز موجات‬
‫سوداء نتيجة لضغط على عقلو المكدس‬

‫‪126‬‬
‫باألفكار المظلمة عن السياسة كالمجتمع ‪،‬‬
‫كل ىذه االحتماالت حاكؿ الحائر المسكين‬
‫تفسيرىا كىو متأكد أف األمر لم يحدث معو‬
‫صدفة كالبد أف يكوف ىناؾ شيء ما غامض‪،‬‬
‫شيء غريب يجب معرفتو‬

‫***‬

‫‪127‬‬
‫بعد ثالثة أياـ من الع زلة‬

‫مضى على بوليفيا ثالثة أياـ على سكونو‬


‫في الغرفة دكف أف يخرج إلى الشارع خوفا من‬
‫نظرة الناس إليو كتجنبا ألم كالـ سيء يشاع‬
‫عنو خاصة كأنو لم يفهم بعد ما الذم أصابو !‬

‫صباح يوـ الثالثاء استيقظ مهلوعا مرة أخرل‬


‫مستغربا في نفسو كيتكرر في ذىنو كيف أصبح‬
‫مظهره غريبا كمقززا بعض الشيء ‪ ،‬تصور نفسو‬
‫شبيها ألحجار الفحم أك خلقة النملة ‪،‬‬

‫‪128‬‬
‫الحظ أف التشققات يبست كلم تعد تؤلمو‬
‫كالساعات الفائتة‪ ،‬كالمؤسف أف الشيء‬
‫كشف عن حالتو حتى اآلف ‪،‬شعر بدكار خفيف‬
‫في رأسو‪ ،‬فذىب إلى المطبخ يحضر فنجاف‬
‫قهوة ‪ ،‬ؿحسن حظو أف جدتو ليست في البيت‬
‫ىذا األسبوع فقدل سمعها أمسية البارحة‬
‫تتحدث في الهاتف عن زيارتها ألختها بتونس‬

‫لقد سافرت جدتو كلم يتحدث معها أك يقابلها‬


‫‪ ،‬لكوفق كجد صعوبة في تفسير األمر لها‬
‫‪،‬كبينما ىو يبحث عن فنجانو إذا بالقط فجأة‬
‫يتحكك على رجليو كيموء تعبيرا عن شعوره‬
‫بالجوع أك ينادم ليأكل شيئا‬

‫‪129‬‬
‫‪...‬بحث بوليفيا ؼم الثالجة عن جبن أك لحم‬
‫مقدد يعطيو للقط فلم يجد أم شيء ‪،‬ىناؾ‬
‫فقط حبة تفاح مائلة كحشيش‪..‬طماطم مصبرة‬
‫‪ ،‬زبدة كمربى ‪ ،‬كعلبة حليب كانت على‬
‫الجانب لم تفتحها الجدة‬

‫حمل بوليفيا تلك العلبة كقبل أف يقدـ للقط‬


‫بعضا منها تذكؽ الحليب حتى تأكد من سالمتو‬
‫فلربما يكوف حامضا ‪ ،‬تناكؿ بوليفيا القليل منو‬
‫ثم قاؿ‪ :‬مممم ىو جيد!! تعاؿ!‪ ،‬تعاؿ لتشرب‬
‫الحليب في إناءؾ أيها المغفل!‬

‫‪130‬‬
‫‪...‬بعدئذ أخذ بوليفيا فنجاف قهوتو كعاد‬
‫إلى الغرفة‪...‬كضع فنجانو على المكتب‬
‫كالعادة‪...‬إال أنو تذكر فجأة أنو قد الحظ شيئا‬
‫غريبا في المرآة كىو يمر بركاؽ‬
‫المنزؿ‪...‬اللعنة!‬

‫عاد إلى الركاؽ سريعا‪ ،‬كقف أماـ المرآة‬


‫بسرعة ثم قاؿ‪ :‬يا إلهي أنا بخير ‪ ،‬أنا بخير !‬

‫بدا كجهو صافيا كلوف يديو طبيعي إال أف‬


‫السواد على جسده كرجليو لم يختفي‬

‫تأمل في نفسو جيدا مرة أخرل ثم قاؿ‪:‬‬


‫ال يهم‪ ،‬ال يهم!!‬

‫‪131‬‬
‫عاد بوليفيا إلى غرفتو كاستغرؽ يفكر في الشيء‬
‫الذم أعاد لوف بشرتو لحالتها الطبيعية ‪ :‬ـؿ‬
‫أتناكؿ شيئا حتى اآلف! ‪ ،‬لم أتذكؽ القهوة بعد!‬

‫إال أنو تأكد من شيء ما‪...‬اللعنة!! إنو األبيض!‬


‫‪ ،‬نعم إنو األبيض ‪ ،‬إنو الحليب!‬

‫تناكؿ كل ما تبقى من الحليب في العلبة فتأكد‬


‫من فعاليتو تماما ‪ ،‬كحين لم يصدؽ ىذه النتيجة‬
‫قاؿ مستغربا‪ :‬يا للعجب ما ىذا الهراء!‪،‬‬
‫ما ىذه الصدفة!‬

‫‪132‬‬
‫قضى بوليفيا ساعات صباحو سعيدا إال أف ىذه‬
‫السعادة سرعاف ما اختفت عندما تبين لو أف‬
‫السواد لم يختفي نهائيا كىا ىو يعود مرة أخرل‬
‫إلى شكلو الرطب الغير عادم أبدا‬

‫لم يبقى أماـ بوليفيا سول تناكؿ المزيد من‬


‫الحليب كلكن العلبة نفذت كلم يبقى فيها‬
‫الشيء الكثير‬

‫∆∆∆∆‬

‫‪133‬‬
‫بعد الظهيرة صعد بوليفيا إلى الحافلة فجلس‬
‫بجانب كهل يضع قبعة على رأسو بشكل‬
‫مقلوب ‪ ،‬التفت الرجل إلى بوليفيا كأنو يريد أف‬
‫يتكلم معو‬

‫فقاؿ الرجل‪ :‬كم الساعة؟‬

‫اخرج بوليفيا ىاتفو ليطلع على الساعة فلم‬


‫تشتغل الشاشة بسبب نفوذ البطارية‬

‫فقاؿ لصاحب القبعة‪ :‬أعتذر ليس لدم ساعة!‬

‫قاؿ الكهل‪ :‬ال يهم يا رجل‪ ،‬فنحن أصال‬


‫ال نحتاج للوقت في ىذه البالد ‪،‬حتى لو كاف‬
‫لدينا الوقت سيهرب الوقت منا‬

‫‪134‬‬
‫ضحك بوليفيا كلم يقل أم شيء لكونو اكتفى‬
‫ينظر إلى الطريق مغلقة ‪ ،‬فبسبب األمطار ككثرة‬
‫السيارات اتضح أف الحافلة ستستغرؽ كقتا‬
‫طويال للتحرؾ‬

‫بعد مدة قليلة تنهدت فتاة كانت جالسة أماـ‬


‫بوليفيا فقالت لصاحبتها‪ :‬سوؼ أصبح عجوزا‬
‫في ىذه الحافلة الثقيلة!‬

‫ثم مزؽ السائق السكوف بصراخو يقوؿ لسيارة‬


‫بقربو‪ :‬يا حمار! ‪ ،‬افتح المجاؿ لتتسع الطريق‬
‫!!‬

‫‪135‬‬
‫فرد عليو سائق السيارة‪ :‬أنت البغل عد إلى‬
‫الوراء قليال!‬

‫فقاؿ الكهل‪ :‬تبا لهم جميعا! ىؤالء الزكاحف‬


‫ال يستحيوف أبدا!‬

‫رد بوليفيا‪ :‬لألسف!! ‪ ،‬فمجتمعنا من الطوؿ‬


‫إلى العرض مريض نفسيا‪ ،‬ربما حتى لو جئت‬
‫لو بخبراء كعلماء إلعادة ترتيب حياتو سيبقى‬
‫ىناؾ اضطراب يتسرب في نفوس الجماىير‬
‫أك ربما لن يتقبل الناس فكرة المجتمع المنظم‬
‫‪ ،‬نسبة كبيرة من السكاف اعتادت على ىذه‬
‫الحياة المخدكعة‪ ،‬نحن ندفع الثمن ألننا نريد‬
‫ذلك!‬

‫‪136‬‬
‫كأف لم يستحسن الكهل كالـ بوليفيا فقاؿ‬
‫لو‪ :‬بل إف الحياة تعلمنا كيف نعيش أشداء على‬
‫البؤس كالتأقلم مع األزمات‬

‫ضحك بوليفيا بسرعة ثم قاؿ‪ :‬أنا شخصيا كنت‬


‫أظن أف الحياة علمتني ‪،‬لكنها في الحقيقة لم‬
‫تعلمني أم شيء كما ينبغي ‪ ،‬لقد دفعتني في‬
‫الحقيقة إلى مجتمع غريب األطوار ‪ ،‬جعلتني‬
‫أعيش تحت نظاـ حكم ال يريد أف يتغير ‪،‬‬
‫ككل يوـ اضطر لمصارعة الوحوش التي تفسد‬
‫الوجود ‪ ،‬أنا لم أتعلم أم شيء سيدم ‪ ،‬إنني‬
‫كل يوـ ازداد جهال داخل ىذه القوقعة‬

‫‪137‬‬
‫المظلمة ‪ ،‬مللت البقاء في ىذا العالم البارد ‪،‬‬
‫بدأت أخشى الخركج إلى الشارع ‪ ،‬فاألحواؿ‬
‫ىنا قذرة كأنا جميل ‪ ،‬لقد اكتشفت في كقت‬
‫متأخر أنني أتخبط في كاقع ال يستحق أبدا أف‬
‫أكوف فيو!‬
‫تعجب الكهل من كالـ ىذا الشاب الغريب في‬
‫أمره ‪ ،‬كفي تلك األثناء الحظ بوليفيا خركج‬
‫شيء يشبو الدخاف من كم معطفو‪ ،‬فاعتقد أف‬
‫ىناؾ سيجارة تحترؽ بداخلو ‪،‬أخذ يقلب نفسو‬
‫بهدكء تاـ حتى ال ينتبو لو أحد ‪ ،‬كالمدىش من‬
‫ذلك أنو لم يكن دخانا كإنما ىو بخار كثيف‬
‫يتشكل بفعل تلك التشققات في جسده‬

‫‪138‬‬
‫‪...‬لم يجد بوليفيا كيف يتصرؼ في ىذا‬
‫الموقف الحرج ‪ ،‬كمعضلة األمر أف الكهل‬
‫الحظ ذلك البخار يتصاعد في الهواء ‪ ،‬فقاؿ‪:‬‬
‫تبا ما ىذا الدخاف؟‬

‫رد بوليفيا‪ :‬ربما أحدىم يدخن في الحافلة!‬

‫استغرب الرجل ‪ ،‬حيث لم يكن في الحافلة‬


‫سول ثالث نساء يركبن باألماـ ‪،‬كمن خلفو‬
‫ال يوجد أحد‪ ،‬رفع الرجل حاجبيو كلم يبالي‬
‫كثيرا ‪ ،‬خبأ كجهو لألسفل ‪ ،‬حضر التبغ في‬
‫كرقة رقيقة ثم كضعها تحت شاربو األعلى‬
‫‪،‬كبعد ثواني قليلة عاد إلى ىيئتو كىو يبتسم‬

‫‪139‬‬
‫كلكي يخرج بوليفيا من ىذا المأزؽ انتظر قليال‬
‫فبمجرد أف فتح السائق باب الحافلة نزؿ‬
‫مسرعا إلى الطريق ‪ ،‬كىناؾ كاصل مسيره على‬
‫األقداـ يكاد يصاب بالجنوف من ىذه المحنة‬
‫التي تمر بو كال يكاد يصدقها عقلو‬

‫∆∆∆∆∆‬
‫بعدما قطع المتشقق مسافات طويلة في المشي‬
‫تحت األمطار اختفى البخار بسرعة ‪ ،‬عندئذ‬
‫أخذ مكانا جانبيا بأحد الزقاؽ فأخرج من سترتو‬
‫مرآة صغيرة ليتابع بها التغيرات في كجهو‬

‫‪140‬‬
‫خاصة ‪،‬اطمػأف عندما لم يجد أم سواد في‬
‫ىذه اآلكنة مركزا على أف كمية الحليب التي‬
‫شربها مؤخرا تحفظ مظهره كما ىو على األقل‬
‫قرابة ساعة كاملة ‪،‬خبأ المرآة ثم أخرج من‬
‫جيبو محفظتو كثائق كبدأ يبحث عن شيء ما ‪،‬‬
‫بطاقة كطنية قلبها ثم قاؿ‪ :‬اللعنة! كطنية بدكف‬
‫حقوؽ ىاىاىا! ‪ ،‬عثر أيضا على صور شمسية‬
‫فابتسم ثم قاؿ‪ :‬كم كنت جميال فيما مضى! ‪،‬‬
‫فتح كرقة قديمة خاصة بدعوة لحضور محاضرة‬
‫في التنمية البشرية ‪ ،‬مزقها كتكلم بصوت‬
‫متحسر‪ :‬الحقوؽ المدنية ىي التنمية تبا لهم‬
‫جميعا!!‬

‫‪141‬‬
‫كأخيرا اخرج كرقة ألف دينار ممزقة ‪ ،‬ثم قاؿ‪:‬‬
‫يجب أف ال أتأخر!‬

‫اتجو مسرعا نحو البنك المركزم ليقوـ‬


‫بتغييرىا‪ ،‬كلسوء الحظ تعثر فجأة كشعر بأف‬
‫ىناؾ لعنة أخرل ستحطمو أكثر‪ ،‬ؼحذاءه‬
‫المسكين قد تعب من الصبر كتمزؽ على‬
‫مقدمتو‪ ،‬تأمل فيو بوليفيا جيدا ‪ ،‬شدد على‬
‫أسنانو كمسح بيده على كجهو ‪ ،‬ثم لم يبالي ‪،‬‬
‫فواصل مسيره كقاؿ في نفسو‪ :‬ال يهم اآلف! ‪،‬‬
‫يجب أف أصبر حتى أصل إلى البنك ثم أتفاىم‬
‫مع ىذا الحذاء اللعين ‪ ،‬ليس مهما أبدا!!‬

‫‪142‬‬
‫كبالفعل كصل بوليفيا إلى البنك كلكن لألسف‬
‫مرة أخرل اصطدـ بمشكلة مخيبة‬
‫عندما لمح من بعيد باب المصرؼ‬
‫مغلقا‬

‫‪ ،‬كقف أماـ الباب يشعر باألشواؾ توخز حلقو‬


‫إلى أف ترقبو الحارس من نافذة المراقبة‬
‫فخرج إليو قائال‪:‬‬

‫‪ -‬نعم سيدم ماذا تريد؟‬


‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬اه‪...‬أريد استبداؿ كرقة ممزقة!‬
‫‪ -‬الحارس‪ :‬يمكنك اف تعود غدا ‪ ،‬ليس‬
‫ىناؾ موظفوف ىذا المساء!!‬

‫‪143‬‬
‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬ىل ترل أنو من اؿمنطقي كمن‬
‫العادم أف أعود غدا؟‬

‫‪ -‬الحارس‪ :‬نعم! غدا سيكوف البنك مفتوحا‬

‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬ىل تعرؼ شيئا؟ أرل أنك رجل‬


‫طيب يمكنك أنت شخصيا أف تستبدلها لي‬

‫ضحك الحارس قائال‪ :‬أنا ال يمكنني أف افعل‬


‫شيئا‪ ،‬كل الشبابيك مغلقة‬

‫اخرج بوليفيا كرقتو ثم قاؿ مضطربا‪ :‬أنظر! ‪،‬‬


‫ىي ليست ممزقة كثيرا سأستبدلها معك كأنت‬
‫تكفل باألمر بعد ذلك!‬

‫‪144‬‬
‫الحارس يضحك مرة أخرل ثم قاؿ‪ :‬ىل أنت‬
‫مختل؟؟!!‬

‫_ بوليفيا‪ :‬لو كنت مكانك لفعلت ذلك‬


‫كؿقمت بم ساعدتك! ‪ ،‬إنو ليس باألمر العسير‬
‫عليك أبدا‬

‫فكر الحارس قليال ‪،‬نظر إلى بوليفيا جيدا‬


‫كالحظ أف حذاءه ممزؽ كأنو تمساح يفتح فاه‪،‬‬
‫شعر بالحرج فقاؿ‪ :‬حسنا! ‪ ،‬ىات الورقة !‬

‫تخلص بوليفيا من كرقتو الممزقة كحضي‬


‫بواحدة جيدة من الحارس فشكره كأخذ يقبل‬

‫‪145‬‬
‫كرقة األلف دينار ‪ ،‬انصرؼ بوليفيا سعيدا ثم‬
‫قاؿ للحارس‪ :‬اللهم ارزقو زكجة صالحة! ىاىاىا‬

‫ؼىز األخير رأسو كدخل إلى غرفة الحراسة‬


‫ضاحكا ‪ ،‬فما بقي على بوليفيا إال أف يقتني‬
‫الحليب فورا‬

‫∆∆∆‬
‫بعد أف اطلع بوليفيا على أنواع الحليب‬
‫كأفضلها للجسم اختار اقتناء حليب خاص‬
‫باألطفاؿ ألنو أقول من المنتوجات األخرل‬

‫فتح باب الصيدلية فاصطدـ برجل يصرخ أماـ‬


‫المدخل‬

‫‪146‬‬
‫قاؿ الرجل‪ :‬تبا لكم! صيدلية بدكف دكاء؟؟‬
‫لماذا نحن موجودكف إذف؟‬

‫كضع الرجل الوصفة تحت عيوف بوليفيا كقاؿ‪:‬‬


‫انظر يا صديقي!! ىذا دكاء ؿداء القلب‬
‫كال يمكنني العثور عليو ‪،‬اللعنة! سنموت جميعا‬
‫كفي قادـ األياـ لن يجد ىؤالء الطغاة مستقبال‬
‫سول الحشرات كالبراغيث‪ ،‬نحن لم نعد بشرا!‬
‫‪ ،‬اللعنة!!‬

‫لم يحتمل الرجل كجوده في الصيدلية ‪ ،‬كضع‬


‫يده على رأسو فاقدا لألمل ثم انصرؼ‬

‫‪147‬‬
‫تقدـ بوليفيا إلى البائعة ؼقدـ لها األلف دينار‬
‫كطلب علبتين حليب أطفاؿ‬

‫فقالت لو البائعة‪ :‬ألف دينار ال تكفي علبتين‬


‫‪...‬فرد عليها دكف أف يفكر كثيرا‪ :‬حسنا ‪،‬‬
‫حسنا أعطني علبة كاحدة!!‬

‫اخذ بوليفيا علبة الحليب كانصرؼ ‪ ،‬كقبل‬


‫خركجو قاؿ متمتما‪ :‬سحقا! ىل ستكفي ىذه‬
‫ليوـ كاحد؟‬

‫رفعت الفتاة حواجبها ثم قالت‪ :‬يا إلهي ما ىذا‬


‫الشعب!!!‬

‫‪148‬‬
‫مكز بوليفيا على العودة بسرعة‬
‫كبينما ر‬
‫إلى البيت ليجرب فعالية ىذا الحليب‬
‫‪،‬كإذا بكرة قدـ قوية تتجو نحوه كادت أف تأخذ‬
‫بوجهو لألبد فحملها كاقترب بها إلى األطفاؿ‬
‫لكي يردىا إليهم ‪ ،‬كلكن كانت المفاجأة أف‬
‫ىربوا منو كىم يقولوف‪ :‬إنو الغوؿ األسود!!‬
‫إنو الغوؿ األسود! ثم دخلوا فارين إلى إحدل‬
‫العمارات المطلة على الشارع الطويل ‪،‬كاصل‬
‫طريقو كأف الشيء حدث كىو يقوؿ في قلبو‪:‬‬
‫تبا لهؤالء األطفاؿ المغفلين !‬

‫‪149‬‬
‫رمى األسود الكرة جانبا كانتبو إلى أف السواد‬
‫قد عاد مرة أخرل‪ ،‬شعر بالغيظ كأخذ يوبخ‬
‫نفسو ألنو لم يرتدم نظاراتو ‪،‬لحسن حظو‬
‫كانت الثلوج تتساقط فلم يكن ىناؾ كثير‬
‫من الناس في الشارع ؼأكمل طريقو بهدكء‬
‫حتى كصل إلى غرفتو ‪ ،‬تناكؿ الحليب كانتظر‬
‫دقائق فلم يحدث أم تغير ىذه المرة‬

‫ىدأ ثانية ثم قاؿ‪ :‬اللعنة لماذا لم أتغير؟؟ ‪،‬‬


‫أنا متأكد أف الحليب ىو الحل!‬

‫غضب بوليفيا فكسر تلفازه كبعثر كل كتبو ‪،‬‬


‫حتى المرآة التي يحتاج رؤية نفسو عليها جعلها‬
‫حطاما‬

‫‪150‬‬
‫جلس على أريكتو فجاء القط إليو كأنو يواسيو‬
‫في محنتو‪ ،‬تأثر بوليفيا كراح يمسح على رأس‬
‫القط كإذا بو يالحظ تحوؿ يده إلى لونها‬
‫العادم فقاؿ‪ :‬إنو يعمل! ‪ ،‬إنو يعمل! نجحنا‬
‫صديقي نجحنا!!‬

‫كاد القط أف يختنق لشدة ما عانقو بوليفيا‬


‫سعيدا بعودتو إلى طبيعتو األكلى‪ ،‬فأعطى للقط‬
‫بعض اللحم المقدد كإناء ممتلئ بالحليب‬

‫‪151‬‬
‫يوـ األربعاء‬

‫إنو يوـ األربعاء ‪ ،‬بوليفيا في حالة‬


‫ال يرثى لها كأنو تخمر بفعل الملل كالركتين‬
‫اليومي أك بسبب حالتو النفسية الحزينة ‪،‬‬
‫الوقت يمر عليو دكف أف يعمل شيئا مهما ‪،‬‬
‫ينظر إلى سواده فقط كال يدرم كيف سيخرج‬
‫إلى الشارع ليجد عمال‪ ،‬كليس ىناؾ حتى‬
‫حليب كافي لبقية األياـ‬

‫استفتح صفحة األخبار المحلية بخبر خاص‬


‫بعماؿ النظافة ‪ ،‬إنهم يطالبوف بتدخل العدالة‬

‫‪152‬‬
‫بعد أف تم تهميشهم كلم محصلوا على الراتب‬
‫منذ شهرين ‪،‬ثم قرأ مستغربا في ثاني‬
‫خبر‪...‬ككالة الفضاء الدكلية تكتشف حجرا‬
‫أسودا بكوكب زمردة كيحمل بداخلو قوة‬
‫غامضة؟‬

‫اعتقد بوليفيا أف الخبر كذبة يركج لها احدىم‬


‫إلضحاؾ كجلب المتابعين فقط ‪ ،‬كإذا بو يجد‬
‫نفس الخبر منتشرا عند بقية األصدقاء في‬
‫الصفحة‬

‫انتقل مباشرة إلى القناة اإلخبارية الخارجية‬


‫فتأكد جيدا أف المعلومة صحيحة كليست‬
‫إشاعة ‪ ،‬ما ىذا الهراء ؟؟‬

‫‪153‬‬
‫في الوقت نفسو قابل المرآة ينظر إلى سواده‬
‫كيفكر في الخبر الجديد كأف لو عالقة مرتبطة‬
‫بهذا السواد الغريب الذم يعيشو ‪،‬حرؾ رأسو‬
‫مضطربا كعاد يقلب صفحات األخبار في ىاتفو‬
‫أنو قد سبق تجريب قوة الحجرة على‬
‫فقرأ ب‬
‫أحد المتطوعين في مخبر التجارب األمريكية ‪،‬‬
‫كلكن حدث أف مات ذلك المتطوع بعد‬
‫ساعتين من ربط جسمو بتلك الطاقة ‪،‬‬
‫كالعجيب أف ىناؾ حجرة أخرل من نفس النوع‬
‫سقطت بالجزائر كلكن لم يحدد مكانها بعد‬

‫رفع بوليفيا حاجبيو كأنو ال يصدؽ ىذا الشيء‪،‬‬

‫‪154‬‬
‫كبينما ىو يتعمق في موضوع الخبر عاد بنفسو‬
‫إلى الذكريات السابقة (حانوت كشجار ‪ ،‬باجيو‬
‫‪ ،‬حاج عيسى ‪ ،‬خنجر ‪ ،‬حجرة سوداء)‬

‫ليتذكر شيئا فقاؿ‪ :‬اللعنة! إنها ىي! ‪ ،‬لقد‬


‫لمستها تبا!!‬

‫شرب بوليفيا ما تبقى من حليب في العلبة ‪،‬‬


‫حمل قفة كنزؿ مباشرة إلى مدخل الشارع‬
‫يقلب عن تلك الحجرة السوداء ‪ ،‬كزع عينيو‬
‫في كل مكاف بتلك الجوانب إلى أف شعر بها‬
‫موجودة من حولو ‪،‬غير انو عجز عن العثور‬
‫عليها لكونها متخفية بشكل ما‬

‫‪155‬‬
‫‪..‬الحظ بعض الجيراف أف ىذا البوليفيا يبحث‬
‫عن شيء ما فراحوا يسألونو عن الذم ضاع منو‬
‫فيجيبهم بأنو يبحث عن كرقة خمسمائة دينار‬
‫ضاعت منو قريبا من ىنا‪...‬فأخذكا يبحثوف معو‬
‫كعندما لم يجدكا شيئا شعركا بالملل فانصرفوا‪،‬‬
‫إال ىو استقر كاقفا يشد نظره إلى حجرة معينة‬
‫ىناؾ ‪،‬حجرة سوداء على ظهرىا كرتوف كجريدة‬
‫‪ ،‬كأف احدىم كاف جالسا عليها قبل قليل كىو‬
‫يطالع تلك الجريدة ‪،‬حمل بوليفيا الصحيفة‬
‫كعلى عنوانها حجرة سوداء مفقودة‪ ،‬التفت‬
‫يمينا كشماال ‪ ،‬استدار إلى الوراء ‪ ،‬ثم قاؿ‬
‫بصوت خافت‪ :‬المكاف آمن!‬

‫‪156‬‬
‫تأمل في الحجرة‪ ،‬حملها في القفة كانصرؼ‬
‫كأنو جن في سرعتو ‪ ،‬كضعها على مكتبو كأخذ‬
‫يقلبها من كل الجوانب قائال‪ :‬إنها ىي ‪ ،‬أنا‬
‫متأكد من ذلك ‪ ،‬إنها رطبة الملمس كعلى‬
‫سطحها قطعة حديدية غير كاضحة ‪ ،‬أذكر‬
‫جيدا أفم تلمستها في تلك الليلة ‪ ،‬ؼما قصة‬
‫ىذه الحجرة يا ترل؟ إنها ليست سحرية‬
‫أك مختلفة كثيرا عن بقية األحجار المبعثرة في‬
‫الشارع ‪ ،‬خبأىا تحت السرير ثم كقف يفكر‬
‫في طبيعة الحجر ‪ ،‬يتساءؿ‪" :‬ما ىي القوة‬
‫الغامضة التي يتحدثوف عنها ؟ ‪ ،‬إنها لم تجلب‬

‫‪157‬‬
‫إلي سول الهم كالغم ‪،‬منظرم مظلم كال يمكن‬
‫أف أكاجو الناس بهذا المظهر أبدا‬

‫‪...‬ثم إنني كل يوـ يجب أف أشرب كأسين‬


‫حليب صباحا كمساءا‪ ،‬كحتى ىذا الحليب‬
‫ال يسيل من الحنفية ‪،‬سأحتاج لكمية كبيرة كي‬
‫أخفي عن الناس ىذا السواد! فأين ىي ىذه‬
‫القوة تبا لهم!!؟‬

‫شغل موسيقى حزينة تعبر عن حالو األسود ثم‬


‫كجو أنظاره إلى النافذة نحو السماء كقاؿ‪ :‬أين‬
‫الحل يا ترل؟ ىل أكاجو الناس بحقيقتي أـ من‬
‫األفضل التخفي حتى ال أتعرض للمتابعة‬
‫كالتحقيق؟‬

‫‪158‬‬
‫بعد تفكير طويل ألقى بوليفيا نظرة على رزنامة‬
‫األياـ ثم قاؿ‪ :‬جيد! جيد! ‪ ،‬إنو يوـ األربعاء‬
‫كمن المفركض أف تصلني في الحساب منحة‬
‫الدراسة األخيرة ‪ ،‬ستمكنني ىذه المنحة من‬
‫شراء علب حليب كافية لألياـ القادمة‬

‫∆∆∆∆‬

‫‪159‬‬
‫توجو بوليفيا مسرعا إلى مركز البريد فالحظ أف‬
‫ليس ىناؾ طوابير كالعادة ‪ ،‬اقترب من كشك‬
‫االستالـ البريدم فلم يجد أم موظف في‬
‫الخدمة ‪ ،‬توتر فقاؿ‪ :‬اللعنة! أين ىي الموظفة؟؟‬
‫‪ ،‬بدأ بوليفيا يبحث يمينا كشماال عن الموظفة‬
‫كيسأؿ عنها لكن ال أحد يجيبو‬

‫انتظر قليل ثم قاؿ‪ :‬تبا! ال يوجد سول الجن‬


‫كالعفاريت ىنا!‬

‫في تلك اللحظة جاء رجل عجوز كاستغرب‬


‫أيضا في غياب الموظفة‪ ،‬فقاؿ ‪" :‬ىؤالء السفلة‬
‫اتعبوا قلوبنا ‪ ،‬األمم في الغرب تصعد إلى‬
‫الفضاء كنحن ىنا مازلنا نبحث عن موظفة! "‬

‫‪160‬‬
‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬لقد مللنا من ىذه الحياة حقا‬
‫كأف لم يعد ىناؾ أم أمل في تغيير ىذا‬
‫الواقع المر‬

‫ضحك العجوز كقاؿ‪ :‬عن أم تغيير تتحدث‬


‫يا كلدم؟؟ ‪،‬ليس ىناؾ حل أبدا لهذا المجتمع‬
‫‪ ،‬ىل تعتقد أننا سنتغير؟ ‪ ،‬تأمل في البشر‬
‫جيدا! ستكتشف أنهم يعقدكف كل شيء‬
‫كيستمتعوف باأللم ‪ ،‬يعقدكف العلم بالدركس‬
‫المكثفة حتى يبقى الجهل سيدا كيعقدكف‬
‫السياسة بالتخويف كاإلرىاب من أجل أف‬
‫يستمر الفساد طوال ‪ ،‬يعقدكف الحب بأفكار‬

‫‪161‬‬
‫كىمية تجلب الكراىية ‪،‬يربطوف العمل بشركط‬
‫فوؽ القدرة لتعجز ‪... ،‬اللعنة!! لقد رضي‬
‫الناس بهذا الهراء عن قناعة ألنهم يعتقدكف أف‬
‫ىذا القدر حالة محتمة ال تتغير أبدا‪...‬‬

‫صمت ثانية ثم أضاؼ‪ :‬أظن أف الحل الوحيد‬


‫ىو أف نمتهن الفساد جميعا كىكذا ستسير‬
‫أمورنا جيدا‬

‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬نعم ىذه ىي الحقيقة المرة التي‬


‫نهرب منها ‪ ،‬فحتى الحكومة الحالية مغيبة‬
‫كتترؾ األمور تسير كفق قانوف الغابة 'كل‬
‫إنساف ذئب ألخيو اإلنساف '‬

‫‪162‬‬
‫‪-‬العجوز‪ :‬ىذا كاضح! ‪ ،‬يمكن ألم حكومة‬
‫في العالم أف توجو المجتمع نحو التقدـ‬
‫كاالزدىار‪...‬لكنها لألسف ال تفعل ذلك ‪،‬‬
‫ألنها في الحقيقة ىي موجودة كي تسيطر ‪،‬‬
‫تحكم لتنهب الثركات كال يخدمها أبدا بناء فرد‬
‫مثقف كفاىم ‪ ،‬كلما كاف الناس أغبياء كانت‬
‫ىي أقول في التسلط على األفراد‬

‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬عندما يكثر الغباء كالجهل نعيش في‬


‫فوضى كىذا ما يحدث معنا‬

‫‪ -‬العجوز‪ :‬الجهل الذم يستقر في العقل‬


‫الباطني من الصعب القضاء عليو ألنو عاش في‬
‫صاحبو سنين طويلة‪...‬كم ىو سيء أف يعيش‬

‫‪163‬‬
‫المرء جاىال في عقلو كأسلوب حياتو كىو‬
‫ال يدرؾ ذلك !‬

‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬خاصة! كنحن اآلف متفرقوف‪..‬أغلبية‬


‫الناس ال يهمهم التغيير الجذرم‬
‫للمجتمع‪...‬ككذلك فإف البعض يشعركف‬
‫بالضعف أماـ السلطة‪...‬إنهم ال يريدكف الوقوع‬
‫في صداـ عنيف مع الحكومة‬

‫قاطع العجوز بوليفيا قائال‪ :‬نعم!‪ ،‬كحتى‬


‫ال تتكرر تلك األحداث المؤلمة يختار الناس‬
‫دكما حياة آمنة كمستقرة ‪ ،‬حتى لو أصابهم‬
‫البؤس سيصبركف ألنهم ضعفاء! ‪،‬‬

‫‪164‬‬
‫ضعفاء يتحملوف فوؽ طاقتهم فقط كي يبقوا‬
‫على قيد الحياة‪...‬كي ال يتألموا‪...‬كي‬
‫ال تشتعل الحركب‪...‬كي ال يغضب‬
‫النظاـ‪...‬كي ال ندخل في صدمات جديدة‪،‬‬
‫نتحمل كل شيء من أجل أف نعيش في بؤس‬
‫كسالـ‬

‫بعد أف تأكد للعجوز أف الموظفة لن تحضر‬


‫اليوـ اقبل على االنصراؼ ثم قاؿ‪ :‬يا كلدم‬
‫الشيء يستحق! إذا ما استطعت السفر أىرب‬
‫بنفسك من ىنا! ‪ ،‬كأف لم يعد ىنالك حياة مع‬
‫ىؤالء الوحوش!!‬

‫‪165‬‬
‫كقف بوليفيا حائرا في ما آؿ إليو حاؿ المجتمع‬
‫‪،‬ليخرج بعدئذ إلى حديقة األطفاؿ فجلس‬
‫ىناؾ ليرتاح قليال ‪ ،‬ثم رفع رأسو للسماء كقاؿ‪:‬‬
‫يا اهلل كيف السبيل؟‬

‫بعد دقائق فقط ‪ ،‬جاءت عجوز مسنة مع‬


‫حفيدتها ‪ ،‬جلست قرب بوليفيا بينما الطفلة‬
‫راحت تعلب على األرجوحة فقالت العجوز ‪:‬‬
‫أنا مريضة كأكصاني الطبيب بالمشي قليال كىا‬
‫قد أحضرت الطفلة إلى ىنا كي أغير األجواء‬

‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬جميل!‪ ،‬جميل! فاألطفاؿ يحبوف‬


‫اللعب كتجديد المكاف ‪،‬إنهم يمثلوف رمزا‬
‫للرحمة كالحياة‬

‫‪166‬‬
‫‪ -‬العجوز‪ :‬نعم يا كلدم بمجرد أف ىكذا‬
‫يلعبوف أمامك ينشرح صدرؾ بالرحمة‪ ،‬كعليو‬
‫ينبغي للبشر جميعا أف يكونوا رحماء حتى يعود‬
‫الخير كالصالح للحياة ‪ ،‬ربما أنت ترل لألسف‬
‫كيف تفرقت ركابطنا كعاد الناس اليوـ‬
‫ال يشموف بعضهم‪ ،‬حتى أنهم لم يعودكا يؤمنوا‬
‫أف العمل الصالح كدعوات الخير أمور ا مقدسة‬
‫ب‬
‫في العالقات اإلنسانية كتلعب دكرا مهما في‬
‫حياتنا‪.‬‬

‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬نعم! ‪ ،‬نعم ىذا صحيح!‪ ،‬فكرة‬


‫الخير ال تحتاج لمعجزة ‪ ،‬إنها فقط تحتاج‬

‫‪167‬‬
‫لبشر يؤمنوف بالخير كما يؤمن أىل الشر بالشر‬
‫‪ ،‬كىذه ىي المفارقة العميقة التي ال نركز عليها‬
‫في أدائنا اليومي ‪ ،‬لألسف!‬

‫سكتت العجوز ىنيهة ثم قالت‪ :‬كأنت أليس‬


‫لديك أطفاؿ؟؟‬

‫ضحك بوليفيا ثم قاؿ‪ :‬لم أفكر بعد بالزكاج في‬


‫ىذه البقعة‬

‫ردت العجوز‪ :‬أفهمك جيدا يا كلدم! ‪،‬‬


‫الظركؼ أصبحت صعبة كلم يعد الزكاج سهال‬
‫للشباب مثلك ‪ ،‬خاصة كأف الوقت الحالي‬
‫يتطلب الكثير من التكاليف ك ليس من السهل‬

‫‪168‬‬
‫على كل رجل توفيرىا ‪،‬حتى المرأة لم تعد تغامر‬
‫بالزكاج مع رجل ؼقير‬

‫رد بوليفيا ساخرا من الوضع‪ :‬نعم! ‪ ،‬نعم! ىذه‬


‫ىي المشكلة ‪ ،‬بعد عشر سنوات من الممكن‬
‫جدا أف ال يكوف ىناؾ زكاج ‪ ،‬سنعيش جميعا‬
‫عزبا حتى نموت ىاىاىا ‪ ،‬ىاىا!‬

‫ضحكت العجوز ثم طلبت من حفيدتها أف‬


‫ال تبتعد كثيرا عن األرجوحة ‪ ،‬في حين أف‬
‫بوليفيا مالحظ عودة السواد إلى يديو ‪ ،‬كحتى‬
‫ال يتسبب في إحراجو للعجوز‪ ،‬قبل رأسها‬
‫كتعبيره عن االحتراـ ثم انصرؼ‬

‫‪169‬‬
‫∆∆∆∆‬
‫حمل الشقي نفسو بعيدا حتى ال يحرج العجوز‬
‫‪ ،‬فذىب مسرعا كي ال تخاؼ منو أك تشكك‬
‫في أنو لص أك شيء من القبيل‬

‫‪...‬ذىب يمشي على أكراؽ الشجر المتساقطة‬


‫كيستمتع بأصواتها تحت رجليو ‪ ،‬كتزامنا مع‬
‫غركب الشمس ذىب في كل خطوة يحاكؿ‬
‫الهركب من ألمو ‪ ،‬في كل مسافة كانت ىناؾ‬
‫حكايات ضخمة يتركها تسقط من كراءه‪،‬‬
‫فالمسكين لقد أصبح كائنا غريبا كليس ىناؾ‬
‫فهمو ليقف بجانبو‪ ،‬إنو لم يعد يشبو‬
‫أحد مت‬
‫اآلخرين أبدا ‪ ،‬حياتو سوداء مثل بؤبؤ عينيو‬

‫‪170‬‬
‫كلوف بشرتو الملساء ‪،‬كأف اللعنة اختارتو ليكوف‬
‫ضحيتها الكبرل‬

‫‪...‬صرخ بوليفيا في كتماف يعبر عن الغضب في‬


‫داخلو‪ :‬سحقا! ‪ ،‬لماذا أنا بالضبط؟ ‪ ،‬لماذا؟‬
‫ىل ألنني الوحيد الذم يدرؾ في نفسو أننا‬
‫نعيش حياة سوداء من كل الجوانب؟ ىل ىو‬
‫األلم الذم يعتصر بداخلي؟ أـ ىي األفكار‬
‫الظالمية التي أرل بها العالم؟ ‪ ،‬أنا لست أبدا‬
‫مخطئا في تحليل ىذا الواقع األسود ‪ ،‬إنها‬
‫الحقيقة! ‪ ،‬األحواؿ ىنا سوداء كمهما قلنا غير‬
‫ذلك‪ ،‬فأنا شخصيا أينما كليت كجهي أرل كل‬
‫شيء مظلم‪...‬الشيء يعجبني في ىذهاألرض‬

‫‪171‬‬
‫‪..‬مشاكل متكاثرة كأزمات منتفخة‪...‬ظلم في‬
‫كل مكاف كحقوقنا مهضومة ‪ ،‬أشعر أف الحياة‬
‫التي نعيشها ليس فيها حياة‪...‬أنا متأكد!‪...‬‬
‫ال تدكر األشياء من حولنا كما ينبغي‪...‬منذ أف‬
‫أصبحت شابا عدت استيقظ مخنوقا ال أفهم‬
‫كيف سأعيش سعيدا في كسط الهموـ التي‬
‫تدكر بنا أماـ كل اتجاه‪...‬عندما أتفكر في‬
‫األحداث التي مرت علي ىذه السنوات األخيرة‬
‫يتصور لي كأنني زامبي ضائع في غابات‬
‫زامبيا‪...‬أما الذين حولي ال يختلفوف عني‬
‫أبدا‪...‬ىم كذلك زامبيوف غارقوف في المدينة‬
‫كلكن أغلبهم ال يشعركف ‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫كقف بوليفيا أماـ الطريق ليمر إلى شارع آخر‬
‫فإذا بسيارتين تصطدماف أمامو بعنف شديد ‪،‬‬
‫ظهرت على اليمين سيارة أجرة حمراء اللوف‬
‫طويلة بأربعة أبواب ‪ ،‬أما على اليسار سيارة‬
‫رباعية الدفع سوداء مثل صاحبها األسود أصلع‬
‫الرأس كخشين الجسد‬

‫كقف بوليفيا مندىشا يسأؿ في نفسو كيف‬


‫حدث ذلك أمامو بتلك السرعة كأف لم يكن‬
‫شيئا كظهركا فجأة‪...‬في تلك اللقطة الساخنة‬
‫خرج السائقين من مركبتهما يتأمالف في‬
‫الحدث المريب ‪ ،‬تقابضا مع بعضهما ثم خنق‬

‫‪173‬‬
‫احدىما اآلخر كذىبا يشتماف بعضهما فيوجهاف‬
‫اللكمات كأنهما في حلبة البوكس‪..‬‬

‫لم يكن كسط الحادثة سول بوليفيا كنساء في‬


‫السيارة الحمراء يصرخاف‪ ،‬تدخل األسود في‬
‫كسط الشجار كبدأ يدفع ىذا كذاؾ ‪ ،‬لكن دكف‬
‫جدكل‪..‬ؼكال الشخصين يتمتعاف بأجساد‬
‫البغاؿ ‪ ،‬أما بوليفيا كاف يشعر بالضعف لكونو‬
‫لم يأكل شيئا منذ الصباح فتردد في فك‬
‫الشجار بينهما ‪ ،‬ابتعد ىنيهة حتى استجمع‬
‫قواه ثم عاد كدفع أحدىما إلى الخلف ‪،‬‬

‫‪174‬‬
‫توقفوا كاستغربوا فيو لدرجة أنو بقي مستجمعا‬
‫لقوتو يمنع الثاني من التقدـ إلى أف جاء الناس‬
‫كفرقوا بينهم‬

‫لم يفكر بوليفيا بعد ذلك أف يطمئن على‬


‫الحادث‪...‬أكمل طريقو كقاؿ‪ :‬تبا لهم جميعا!‬

‫∆∆∆∆‬
‫لم يمشي المنهك سول ثمانية أمتار حتى شعر‬
‫باإلرىاؽ يشق جسمو المتشقق ‪ ،‬لقد ضعفت‬
‫معنوياتو كخارت قواه بعد أف فشل في الحصوؿ‬
‫على فرنك كاحد من اجل شراء الحليب بتلك‬
‫الكمية‪ ،‬لحسن حظو أف حليب األطفاؿ كانت‬

‫‪175‬‬
‫نتيجتو مبهرة تساعد بوليفيا على االستقرار في‬
‫حالتو العادية لمدة تتجاكز أربع ساعات ‪ ،‬كلكن‬
‫لم يبقى أكثر من ساعة كسيتحوؿ أسودا في‬
‫كامل كجهو كأطرافو ‪ ،‬كحين لم يجد أين‬
‫يستريح اضطر لالتكاء على شباؾ البلدية ليجد‬
‫نفسو أماـ باب الملعب مفتوحا فدخل إلى‬
‫المدرجات كأخذ مكانا في زاكية معزكلة عن‬
‫بقية الجماىير ‪،‬حاكؿ أف يشغل نفسو عن‬
‫المصيبة السوداء بالتأمل في الكرة تذىب يمينا‬
‫كشماال بين الالعبين ‪ ،‬ظل يترقب حارس‬
‫المرمى كيف يقفز لقبض الكرة كفي الوقت‬
‫نفسو يتخيل أنو العب مع الشباب ‪،‬استمتع‬

‫‪176‬‬
‫أيضا بالنظر إلى حكم المباراة كيف يخرج‬
‫البطاقة الحمراء من جيبو كيسحق بها الالعب‬
‫الذم يتصرؼ كأنو دبابة على األرضية‪...‬‬

‫انتهى الشوط األكؿ بدكف أىداؼ فذىب‬


‫بوليفيا يشاىد ىناؾ أب يصرخ على أكالده عند‬
‫الجانب أمف األكالد يتخاصموف كلما حدث‬
‫سوء فهم بينهم ‪ ،‬كلكي يفك األب ذلك‬
‫الخصاـ بين أبناءه مبصق على ابنو األكبر ثم‬
‫يقوؿ لو‪ :‬ليس ىكذا تعامل أخاؾ الصغير يا‬
‫كلدم!‬

‫‪177‬‬
‫‪...‬عاد الالعبوف إلى أرضية الميداف كلم يكن‬
‫ىنالك أم لقطات تجلب االنتباه ‪ ،‬كفي كرة‬
‫ثابتة خطيرة استقر بوليفيا ينتظر دخوؿ الكرة‬
‫في الشباؾ حتى قاطعو أحدىم‪ :‬أخي!‬

‫بوليفيا‪ :‬نعم صديقي ؟؟‬

‫‪ -‬ىل يقلقك أنني سأجلس ىنا بقربك لتعاطي‬


‫المخدرات؟‬

‫بوليفيا يستغرب‪ :‬نعم‪ ،‬نعم ال مانع لذلك!‬

‫‪ -‬الشاب ‪ :‬نعم! ‪ ،‬أعرؼ إني أحرجتك ‪،‬كاف‬


‫يمكنني أف أدخن سجائرم دكف أف أبالي بك‬
‫كلكنني أحب احتراـ اآلخرين ‪ ،‬قلت ربما‬

‫‪178‬‬
‫تزعجك الرائحة أك قد تكوف أنت كاحدا من‬
‫أفراد الشرطة المدنية ‪ ،‬لذلك من كاجبي اخذ‬
‫حذرم فال تتعجب!‬

‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬جميل ‪ ،‬جميل! ‪ ،‬إذف أنت معتاد‬


‫على القدكـ إلى ىنا؟؟‬

‫‪ -‬الشاب‪ :‬نعم! ‪ ،‬أنا كريم"مافيا" ‪ ،‬الجميع‬


‫يعرفني ‪ ،‬اسكن فقط بالقرب من اؿسكنات‬
‫المقابلة ‪ ،‬لقد كنت أقول رجل في الحي ‪،‬‬
‫ارتبكت العديد من الجرائم سابقا ‪ ،‬كلكنني‬
‫اآلف قد كضعت أرجلي في ماء بارد كتوقفت‬
‫عن كل ذلك الهراء الذم كنت افعلو ‪ ،‬كنت‬
‫شبيها‬

‫‪179‬‬
‫بالكانيباؿ المتوحشة في الغابات المهجورة‪،‬‬
‫لم أدرؾ ذلك إال في كقت متأخر ‪ ،‬كأنا اليوـ‬
‫نادـ جدا ‪ ،‬انظر إلي! أنا فقط أدخن سجائر‬
‫بالحشيشة ىذا كل شيء !!‬

‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬جميل جدا! أنا أقدر كثيرا أنك‬


‫اجتهدت في الخركج من ذلك المستنقع ‪،‬‬
‫اعرؼ! لقد كاف ذلك صعبا عليك‬

‫‪ -‬الشاب‪ :‬نعم! ‪ ،‬نعم صعب كثيرا! ‪،‬ليس‬


‫ىناؾ ما نفعلو في أكقات فراغنا ‪ ،‬لألسف! فأنا‬
‫لم أكمل دراستي كذىبت مع الرياح دكف أف‬
‫أنتبو إلى أين تقودني أفكارم ‪ ،‬دخلت‬

‫‪180‬‬
‫في الظلمات دكف أف أدرؾ ذلك كأعجبتني‬
‫الحياة مع الخمر كالسهرات‪ ،‬كنت أقبض ماال‬
‫كبيرا مقابل بعض الجرائم ‪ ،‬ثم لما دخلت‬
‫السجن استحييت من رؤية كجو أمي في الزيارة‬
‫‪ ،‬لقد عاىدتها أف ال أتورط في أم جريمة بعد‬
‫نهاية مدتي كراء القضباف ‪ ،‬سأحاكؿ مع مركر‬
‫الوقت التخلص من المخدرات‪ ،‬فأنا ال أريد أية‬
‫مشاكل مع الدكلة‬

‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬جميل ‪ ،‬ذلك رائع!‬

‫في الوقت نفسو حضر إلى الملعب شباف‬


‫آخركف جلسوا بقرب صاحبهم كبعد‬

‫‪181‬‬
‫أف تحسسوا المكاف جيدا أخرجوا سجائرىم‬
‫ثم تقاسموا الحشيشة‬

‫‪...‬كاف الشاب األكؿ اسمرا كنحيفا يلبس بزة‬


‫سوداء يظهر عليو أنو يدخن كثيرا كيعاني من‬
‫ىموـ ثقيلة‪ ،‬أما الثاني قوم البنية أشقرا ‪ ،‬بعض‬
‫الندبات خطها على حاجبيو‪ ،‬كأنو من عائلة ثرية‬
‫كيريد أف يعيش تجربة المخدرات ألكؿ مرة‬
‫أك أنو ليس راضيا على مظهره الذم عادة ما‬
‫يلقى سخرية من الرجاؿ ‪ ،‬بينما المسمى كريم‬
‫كاف أيضا قوم البنية أحوؿ العينين بشعره‬
‫األسود المرطب بالمرىم جيدا ‪ ،‬رياضي في‬
‫ملبسو كرجل عصابة في حديثو‬

‫‪182‬‬
‫عمت رائحة المخدرات في ذلك المكاف فلم‬
‫تمضي دقيقة حتى قاؿ احدىم‪ :‬اللعنة! أنا أتألم‬
‫في معدتي من حين آلخر‬

‫فرد عليو صاحبو النحيف‪ :‬ربما أنت تشرب‬


‫غازات كثيرة أك أف أمعائك ملتوية بالعجين؟‬

‫قاؿ لو كريم‪ :‬ال تقلق! ربما ىي أكجاع موسمية‬


‫فقط‬

‫فقاؿ األشقر‪ :‬ال ادرم! ممكن أف يكوف‬


‫القولوف العصبي‬

‫‪ -‬النحيف‪ :‬نعم! ‪،‬ربما أنت تتوتر كثيرا كيعود‬


‫ذلك بالسلب على أمعاءؾ‬

‫‪183‬‬
‫‪ -‬األشقر‪ :‬لست أتوتر كثيرا ىذه األياـ‪...‬‬
‫ال ادرم! ‪،‬عندما ازكر الطبيب سيخبرني بما‬
‫يحدث‬

‫‪ -‬كريم‪ :‬لماذا ستزكر الطبيب؟ ‪ ،‬قل ألمك أف‬


‫تحضر لك "تيزانة" جيدة في الليل كستتحسن‬
‫(يقصد بالتيزانة كاحدة من األعشاب العربية‬
‫التي كاف يستعملها الناس منذ القدـ)‬

‫‪ -‬األشقر‪ :‬ما دخل التيزانة في المعدة؟‬

‫‪ -‬النحيف‪ :‬ما بك أنت؟ أال تعرؼ أف التيزانة‬


‫مفيدة للصحة ؟‬

‫‪ -‬األشقر‪ :‬أنت بدأت تخلط علينا!‬

‫‪184‬‬
‫‪ -‬النحيف‪ :‬دعني أعطيك نصيحة! ‪،‬ال تشرب‬
‫الغازات كتوقف عن أؾؿ السالطة كالطمامم‬
‫كالجزر ألنها تحتوم على غازات تتهجم على‬
‫المعدة‬

‫‪ -‬األشقر‪ :‬كلكن كيف تعرؼ أنت بأف ىذه‬


‫الخضر تحتوم على غازات؟‬

‫‪ -‬النحيف‪ :‬مخلوقات العالم كلو فيها غازات‬

‫‪ -‬كريم‪ :‬تبا لكم!أصبحتم جميعا أطباء ىذا‬


‫المساء ‪ ،‬اسكتوا علينا! لقد صدعتم رأس‬
‫الشاب قربنا (بوليفيا)‬

‫‪185‬‬
‫ضحك بوليفيا كقاؿ‪ :‬ال يهم على األقل أنتم‬
‫تنصحوف بعضكم البعض ‪ ،‬ىذا شيء جميل في‬
‫زمن لم يعد يهتم الناس لبعضهم البعض ‪،‬‬
‫ضحكاتكم تغير األجواء السوداكية قليال‬

‫‪ -‬األشقر‪ :‬كراء ضحكاتنا الجميلة دماغ تضرب‬


‫فيو زالزؿ كأمواج ‪ ،‬كقلب ينتفخ إلى حد انو قد‬
‫ينفجر في أم كقت‪ ،‬ضحكاتنا ليست سعادة‬
‫كما يبدك‪...‬إنها حالة ىيستيرية للتخفيف‬
‫عن النفس كالجسد كلكن قليل من الناس‬
‫من يفهمنا !‬

‫‪186‬‬
‫‪ -‬النحيف‪ :‬نعم! ‪ ،‬نحن نأتي إلى ىنا يوميا‬
‫لتبادؿ ىمومنا ليس ىناؾ ما يلفت انتباىنا في‬
‫الشارع‪...‬كل شيء ممل! ‪،‬نحن ندفع أيامنا‬
‫كنأكل الوقت حتى ال تأكلنا األياـ بأزماتها‬
‫المندفعة علينا كالسيل ‪ ،‬لم يعد ىناؾ أمل‬
‫في ىذه البالد!‬

‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬صدقت يا رجل! ‪ ،‬عادة عندما أتأمل‬


‫في ىذا الوضع السافل الذم يدكر من حولنا ‪،‬‬
‫أعتقد أحيانا أف العقالء في ىذا الكوف ال كجود‬
‫لهم أبدا ‪ ،‬حتى أنا أعتبر نفسي مجرد كتلة غبية‬
‫تحاكؿ التكيف مع ىذه الزبالة المعيشية البشعة‬

‫‪187‬‬
‫‪،‬أصبحنا نعيش كفقط ‪ ،‬نتألم ‪ ،‬نصبر كنبتسم‬
‫قليال ليستمر كجودنا بينما الكلب مازاؿ في‬
‫عادتو القديمة كيفعل ما يشاء في حديقتنا‬
‫الجميلة‬

‫‪ -‬األشقر‪ :‬نعيش في الحياة لمطاردة أشياء‬


‫كىمية تستغرؽ منا سنوات من أعمارنا كال ننتبو‬
‫إال بعد فوات األكاف‬

‫‪ -‬كريم‪ :‬تولد حياتنا مربوطة بأمهاتنا ‪ ،‬ثم تربط‬


‫مباشرة مع سياسة النظاـ االستغاللي‬

‫‪ -‬األشقر‪ :‬ن ّدعي جميعا أننا نحب الصالح‬


‫لكن أغلبنا يُمارس الغش في أكؿ فرصة متاحة‬

‫‪188‬‬
‫‪ -‬النحيف‪ :‬لم نعد ندرم حتى كيف نتصرؼ‬
‫في حياتنا كأحوالنا؟ ‪ ،‬إنها الفوضى التي‬
‫أصبحت ترىق كاحلنا ‪،‬حتى المثقفوف لم يعد‬
‫لهم صوت في المجتمع‬

‫‪ -‬األشقر‪ :‬تبا للمثقفين! ‪ ،‬ىم أيضا يحتاجوف‬


‫ثقافة جديدة ‪ ،‬لقد صدعوا رؤكسنا بالنصائح‬
‫كاإلرشادات االجتماعية ثم يختفوف فجأة‬
‫كال يتحدثوف أبدا عن الحقوؽ التي تنهب‬
‫كالفساد الحاصل في السياسة‬

‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬نعم! ‪ ،‬جميع الناس يقدـ تحليالت‬


‫طويلة‪...‬لكن قليلهم من يفهم الشيء الذم‬
‫نحن بحاجة إليو بالضبط‬

‫‪189‬‬
‫‪ -‬األشقر‪ :‬كىؤالء اؿسوسيولوجيوف المزيفوف‬
‫ال يعجبهم الحاؿ عندما نتحدث بكل صراحة‬
‫عن الخراب الذم يدكر في المجتمع ‪،‬‬
‫بل يريدكف منا ف نكتم أفكارنا كنستمر‬
‫في االرتباؾ من الداخل كنصمت حتى يعتقد‬
‫الناس أننا بخير كأقوياء ‪ ،‬كمن يتكلم يعايركنو‬
‫بالمجنوف كغريب األطوار ‪،‬اللعنة! على ىذا‬
‫الهراء إلى يوـ دين!‬

‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬ال أدرم لماذا اعتقد أننا جميعا‬


‫غائبوف عن الوعي؟ ال أحد فينا يدرؾ ما الذم‬
‫يحدث؟ سول أننا نواصل العيش بسخرية ‪،‬‬

‫‪190‬‬
‫كنتهكم من بعضنا بأفكار متضاربة فقط لنظهر‬
‫علماء فيما بيننا ال أكثر!! ‪ ،‬ترانا ندخل في‬
‫مواضيع جدالية عميقة لنتهرب من الحقيقة ‪،‬‬
‫أكقعنا أنفسنا في خندؽ التعقيد كالقيل كالقاؿ‪،‬‬
‫كنحن ببساطة لسنا بحاجة إلى كثير من‬
‫التفلسف بقدر حاجتنا إلى ضمير حي ‪ ،‬ىذا‬
‫كل شيء! ‪ ،‬كلكن! ‪...‬حتى الضمير مات!‬

‫‪ -‬النحيف‪ :‬الحياة ىنا تمشي عكس ما نحلم‬


‫بو كنتمناه ‪ ،‬كل يوـ يتكاثر علينا الػأغبياء الذين‬
‫يصفقوف في األحزاب كالمهرجانات ‪ ،‬ال ادرم‬
‫متى ينتهوف؟ ‪،‬لو كنا صادقين في مبادئنا كاف‬

‫‪191‬‬
‫يمكن أف نعيش بخير مثل بقية األجناس في‬
‫العالم‬

‫‪ -‬كريم‪ :‬األنذاؿ يصفقوف الستمرار الفساد‬


‫كنحن ندفع الثمن‪..‬‬

‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬من سيصدقنا إذا قلت للعالم أننا‬


‫جميعا نعيش بطريقة خاطئة؟‬

‫قاؿ كريم‪ :‬نحن نصدقك ‪ ،‬إنو الهراء!‬

‫ك فجأة الحظ النحيف تغير لوف بوليفيا فقاؿ‬


‫مستغربا‪ :‬ىام أنت! مابك؟؟ أنظر إلى يديك! ‪،‬‬
‫أصبحت أسودا!‬

‫‪192‬‬
‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬ال تقلقوا‪ ...‬ال تقلقوا! أنا مريض ‪،‬أنا‬
‫مريض! ‪ ،‬سأترككم اآلف!‬

‫‪ -‬األشقر‪ :‬عافاؾ اهلل تبدك مريعا!‬

‫‪-‬بوليفيا‪ :‬ال يهم ! ‪ ،‬ال يهم! اعتنوا بأنفسكم‬


‫سالـ! ‪ ،‬إلى اللقاء!!‬

‫‪-‬كريم‪ :‬ال تنسى زيارتنا مرة أخرل!‬

‫‪ -‬بوليفيا‪ :‬نعم صديقي ‪ ،‬شكرا لكم!!‬

‫خرج بوليفيا مسرعا من الملعب كلما كصل إلى‬


‫المخرج كجد شيئا لألطفاؿ على األرض ‪ ،‬لقد‬
‫كانا قناعين مربوطين مع بعضهما ‪،‬أحدىما‬

‫‪193‬‬
‫لباتماف كاآلخر للجوكر ‪ ،‬يبدك أنها لألكالد‬
‫الذين كانا في الملعب قبل مدة ‪،‬حاكؿ بوليفيا‬
‫التفتيش عنهم كلكن لم يجد احد ‪،‬فقد اشرؼ‬
‫الظالـ كيبدك أف الجميع قد رحل ‪ ،‬حمل‬
‫األقنعة في يدمقكأخذ ينظر إليها ثم ذىب‬
‫يتذكر حلقات باتماف كالجوكر كيف كانت مثيرة‬

‫***‬

‫‪194‬‬
‫ليلة مثيرة‬
‫مشى بوليفيا خطوات ضائعة إلى حيث‬
‫ال يدرم‪ ،‬مضى يفكر في العودة إلى المنزؿ‬
‫حتى اتجو سمعو إلى صوت ضحكات‬
‫كموسيقى من بعيد ‪ ،‬فما إف التفت رأسو إلى‬
‫الصوت علقت عيناه على لوحة معلقة بمنارة‬
‫كهربائية ‪ ،‬تشهد ىذه الليلة مهرجاف كبير بقاعة‬
‫الحفالت مقابل الملعب ‪ ،‬أما اإلعالف الثاني‬
‫مرحب بجميع الموىوبين للمشاركة في السهرة‬
‫حصل على جائزة‬
‫للعلم أف العرض األفضل سمت‬
‫خمس ماليين دينار‬

‫‪195‬‬
‫تفتحت أعين بوليفيا قائال‪ :‬ماذا! خمسة‬
‫ماليين؟؟‬

‫عاد بوليفيا مباشرة يتأمل في قناع الجوكر بيده‬


‫ثم قاؿ في نفسو‪ :‬ربما ىذه فرصتي التي ليست‬
‫فرصتي كلكنني مضطر الف افعل ذلك ‪،‬‬
‫تبا لها! ليحدث ما ينبغي لو أف يحدث!‬

‫كقف أماـ مدخل القاعة‪ ،‬تنهد بعمق كارتدل‬


‫القناع حتى ال يكتشف احد السواد المتشقق‬
‫على كجهو ثم دخل البوليفيا قاعة االستقباؿ‬
‫كىو عازـ على إحداث المفاجأة‬

‫∆∆∆∆∆‬

‫‪196‬‬
‫تقدـ األسود إلى غرفة االستقباؿ الملونة‬
‫باألصفر كاألحمر فشعر فجأة بالحنين إلى أياـ‬
‫طفولتو لما كاف يذىب إلى المسرح لمشاىده‬
‫المهرجين كاأللعاب السحرية‪ ،‬لم يلبث دقيقة‬
‫حتى ناكلو أحد األعواف بطاقة دخوؿ ‪،‬كألنو‬
‫متأخر حصل على الرقم ‪17‬‬

‫‪...‬تقدـ قليال ثم كقف يسمع فتاة تغني بصوت‬


‫ردمء فتخيل نفسو شبيها لها على المنصة‪،‬‬
‫فجعلو ذلك يشعر بالقلق نوعا ما‬

‫اضطرب قليال في كقفتو ثم كجو فظرقإلى‬


‫الموظفة مترددا في إخبارىا بدكره على المنصة‬

‫‪197‬‬
‫‪ ،‬لكنها بمجرد أف رأت قناعو قالت‪ :‬رقم ‪17‬‬
‫ستؤدم دكر المهرج أليس كذلك ؟ ‪ ،‬لقد‬
‫سجلتك! ‪ ،‬لحسن حظك لم أف عركض‬
‫عركض المسرح لم تنتهي بعد‬

‫رد بوليفيا‪ :‬نعم ‪ ،‬نعم سيدتي‪ ،‬مهرج!‪،‬‬


‫ىاىاىا‪..‬ىاىا! ‪ ،‬كما تريدين!‬

‫ضحكت الموظفة ثم قالت بصوت خافت‪:‬‬


‫تبا لو! ‪،‬ىذا الجوكر يبدك مريعا!‬

‫جلس في الغرفة كحيدا ينتظر‪ ،‬ال يحمل معو‬


‫أم تحضير للعرض سول أنو كاف يفكر في‬
‫تناكؿ الحليب بأية طريقة ‪ ،‬ؼنهض بقرب من‬

‫‪198‬‬
‫المدرجات يبحث عن أم طفل يحمل بيده‬
‫حليب ‪،‬كلحسن حظو لفتت انتباىو رضيعة‬
‫لمح‬
‫بقرب كالدىا متدلية لألسفل كت‬
‫في الهتافات إلى الخلف فجلس الجوكر‬
‫األسود كراءىا ‪ ،‬اخذ الحليب كاختفى ‪،‬‬
‫كلما حاكؿ األب ترتيب رضيعتو على ذراعو لم‬
‫يجد قاركرة الحليب البنتو كلما بحث عنها‬
‫أسفل المدرج لكن لم يجد شيئا‪ ...‬لقد كجد‬
‫بيدىا قناع باتماف بدال من رضاعتها!‬

‫عاد بوليفيا إلى مكانو‪ ،‬حاكؿ فتح القاركرة‬


‫لكنها استعصت على االنفتاح كألف الوقت‬

‫‪199‬‬
‫ال يكفيو اضطر لشرب الحليب من مصاصة‬
‫القاركرة كاألطفاؿ كفجأة سمع صوت مرتفع‪:‬‬
‫رقم ‪ 17‬يتفضل معنا! ‪ ،‬رقم ‪ 17‬ليتفضل!!‬

‫تجمد بوليفيا في مكانو كقاؿ‪ :‬اللعنة!‬

‫نظرت إليو الموظفة فنظر إليها كىو يشرب‬


‫الحليب‪...‬فوقف متوترا كقاؿ لها ‪:‬‬
‫ىاىاىا‪...‬ىاىا! ‪ ،‬ال تقلقي إنها جزء من‬
‫المسرحية ىاىاىا!‬

‫∆∆∆∆∆‬

‫‪200‬‬
‫كقف الجوكر األسود على المنصة الخشبية‬
‫كاإلزار األحمر من كراءه ‪ ،‬لقد كاف يرتعد‬
‫في قلبو ‪ ،‬فهو اآلف يقابل شعبا غفيرا من‬
‫الحضور كال يملك أية فكرة عن ماذا سيقدمو‬
‫ىذه الليلة‬

‫إف البائس األسود كضع نفسو في كرطة ليخرج‬


‫من أزمتو‬

‫ضحك ضحكة ىستيرية ‪ ،‬حيا الجماىير بيديو‬


‫كأنو متمكن من عملو ‪ ،‬لقد بدا متحكما‬
‫في نفسو كغير مضطرب ‪،‬انطفأت األضواء‬
‫كلم يبقى سول نور خفيف ينبعث فوقو ليتمكن‬
‫الناس من رؤمتو ‪،‬انتزع معطفو األسود ثم كضعو‬

‫‪201‬‬
‫على األرض ‪ ،‬كاف مظهره أكثر من رائع بسترتو‬
‫السوداء على قميصو األبيض ‪ ،‬حتى سركالو‬
‫األسود تناسق جيدا مع حذاءه الكالسيكي‬
‫الطويل‪ ،‬شاءت الصدفة أف يلبس ىكذا في‬
‫ىذا اليوـ ‪ ،‬إنها مالبس مخصصة فقط‬
‫لمقابالت في العمل أك مناسبات مميزة ‪،‬‬
‫كىذه ربما أجمل مناسبة لبوليفيا على ما‬
‫يبدك‪...‬‬

‫فكر بوليفيا قليال ثم أحضر كرسيا خشبيا كبدأ‬


‫يقلبو يمينا كشماال يحاكؿ أف يربح بعض الوقت‬
‫كي يفكر في ما يجب أف يقولو ثم حدث نفسو‬

‫‪202‬‬
‫قائال‪ :‬اللعنة! لقد حل الصمت على المسرح‬
‫يجب أف أبدأ‪!...‬‬

‫التول لسانو فاكتفى بمشاىدة الجماىير تتأمل‬


‫فيو كتنظر إلى شخصو المثير للجدؿ‪...‬‬

‫شخص نحيف‪...‬يضع قناع الجوكر كال يبدك‬


‫عليو أنو مهرج نظرا لمظهره الذم يدخل الريبة‬
‫كالقلق في النفوس‬

‫ارتبك بداية فقاؿ لهم‪ :‬شاىدت الكثير من‬


‫األفالـ كاعتقد شخصيا أف أجمل األفالـ ىي‬
‫التي كانت قصصها تدكر بين الهنود الحمر‬

‫‪203‬‬
‫السكاف األصليين ألمريكا كرعاة البقر‬
‫المستعمرين‬

‫صمت كقاؿ في نفسو‪ :‬تبا! ىذه ليست أبدا‬


‫فكرة مهمة‪...‬ماذا سأفعل بالهنود كرعاة البقر؟؟‬
‫يجب أف أجد فكرة أخرل !‬

‫ىل تعرفوف من ىي أكؿ مرأة غسلت شعرىا‬


‫بالشومبواف ؟؟‬

‫فرد عليو صنف من الجماىير المتشوقة‪ :‬ال!‬


‫ال ال!!‬

‫تبسم كقاؿ‪ :‬ىاىا! ‪ ،‬أنا أيضا ال اعرفها!!‬

‫‪204‬‬
‫لقد كانت بداية مرتبكة للمهرج الجديد ‪،‬‬
‫يبدك عليو أنو مشوش ‪ ،‬فضحكاتو توحي أنو في‬
‫أسوأ ساعات حياتو‪..‬‬

‫تنفس بعمق ثم قاؿ‪ :‬ىل تعرفوف شيئا آخر؟؟‬


‫‪..‬نحن نكبر كي ال نبقى صغارا!‬

‫ثم راح يضحك كحده‪ :‬ىاىاىا‪....‬ىاىاىا!‬

‫لم تكن الجملة السابقة مضحكة أبدا‪،‬‬


‫إال بعض األصوات المعجبة كانت تسترؽ من‬
‫بعيد‪ ...‬لم يجد المسكين بعد ىذه العبارات‬
‫كلمات ملفتة فاختار أف يحكي لهم‬
‫عن الجوكر فقاؿ‪ :‬ربما تعتقدكف كجو الجوكر‬

‫‪205‬‬
‫قناع للتسلية؟؟‪ ...‬ال ال! ‪ ،‬ىو ليس كذلك أبدا‬
‫‪ ،‬فوجو الجوكر يعبر عن الغموض النفسي في‬
‫شخصية اإلنساف الباطنية‪...‬لقد رأيت شخصيا‬
‫مالمحي في مرآة الجوكر ‪ ،‬ىذا الجوكر رجل‬
‫يدرؾ جيدا أنو على خطأ في كثير من أفكاره‬
‫كلكنو في الواقع ذكي جدا‪ ...‬كاف يكافح على‬
‫طوؿ الزمن من أجل أف يتغلب على خصمو‬
‫كلو لمرة كاحدة فقط‪...‬ىذا حتى ال يعتقد‬
‫الناس دكما أف باتماف ىو كحده البطل الذم‬
‫يمثل الحق المطلق في األرض‪...‬‬

‫لم يشعر الناس بأية إثارة فكاىية كاستمركا في‬


‫صمتهم ينظركف إلى بوليفيا مستغربوف‬

‫‪206‬‬
‫في حديثو المنقطع‪ ،‬حاكؿ المقنع التحكم في‬
‫نفسو فواصل حديثو كىو يتسارع بعض الشيء‬
‫قائال‪ :‬ؿك أنكم تشاىدكف كيف احرؽ الجوكر‬
‫كل تلك األمواؿ التي سرقها ستشعركف باأللم‬
‫بدكف شك ‪...‬نعم أحرقها! أحرقها كىو سعيد‬
‫جدا‪...‬لقد استمتع بذلك كثيرا‪...‬لم يفعل ذلك‬
‫لجنوف أك ىلوسة في رأسو كإنما ليخبر العالم‬
‫أف الماؿ الذم نكاد نعبده ال ينبغي لو أف‬
‫يسيطر على حياتنا إلى ىذه الدرجة‬

‫‪...‬لم تفهم الجماىير بعد ما ىي الفكرة‬


‫األساسية لهذا المهرج‪...‬‬

‫‪207‬‬
‫لقد دخل المهرج بالجميع في متاىة‬
‫جديدة فيها نوع من الغموض كالجدية‬
‫مع الواقع ‪ ،‬إلى أين سيذىب الجوكر‬
‫في كالمو بعد ذلك؟؟‬

‫‪...‬تنهد بوليفيا كأنو يسترجع أنفاسو الضائعة ثم‬


‫قاؿ‪ :‬نعم لقد كاف الجوكر محقا ‪ ،‬ربما لو كنت‬
‫معو كنت سأساعده على حرؽ كل تلك‬
‫األمواؿ‪ ،‬فهي ليست لنا نحن المساكين ‪،‬‬
‫إنها فقط ملك ؿألغنياء كالبورجوازيين كمافيا‬
‫السياسة‪...‬ماذا ربحنا نحن من كل ىذه األمواؿ‬
‫التي يضخها البنك؟‪...‬لم نربح شيئا! ‪،‬‬

‫‪208‬‬
‫‪ ...‬كثير من الناس يعملوف ليال نهارا ليتقاضوا‬
‫راتبا شهريا زىيدا ال يغير شيئا من حياتهم ‪،‬‬
‫إننا نعيش فقط لخدمة ىؤالء األغنياء‬
‫المتوحشين ‪ ،‬أما نحن الفقراء ترانا ندكر حوؿ‬
‫نفس نقودنا‪ ،‬نعم! ‪ ،‬نعم! ‪ ،‬نقودنا تبقى كما ىي‬
‫أك تنقص‪ ،‬تخرج كتدخل إلى جيوبنا ال تزيد‬
‫فينا شيئا ‪ ،‬يجب أف نعترؼ بأنها نقود قليلة‬
‫ال نستطيع بها تحقيق أحالمنا‬

‫كبينما ىو يواصل كالمو حوؿ ىذا الموضوع‬


‫الحساس في المجتمع ظهر عبوس شرس‬
‫في كجو بعض الحاضرين من الطبقة العليا‬
‫ؼأخذكا يسبوف بوليفيا كبعضهم ألقى عليو‬

‫‪209‬‬
‫سندكيتشات كرقائق البطاطا‪...‬كمن ىنالك‬
‫صافرات ساخرة تحتد على أذنيو بشدة ‪ ،‬فهل‬
‫سيواصل بوليفيا حديثو ىكذا أـ سيغير المقاؿ‬
‫كيستسلم؟‬

‫بعد كل ذلك الضجيج حل الصمت مرة أخرل‬


‫‪ ،‬فوضع بوليفيا ركبتيو على األرض ثم حمل‬
‫سندكيتشا في يده ‪ ،‬كقاؿ‪ :‬أنا سعيد جدا ألنكم‬
‫جازيتموني بهذا الساندكيتش! ‪ ،‬إنو البرغر‬
‫الذم كنت أبحث عنو طواؿ حياتي! ‪،‬‬
‫ليس من السهل جدا أف نحضى نحن‬
‫المساكين بهذه المأكوالت‬

‫‪210‬‬
‫أخذ عضة منها ثم قاؿ‪ :‬مممم لذيذة! ‪ ،‬شكرا‬
‫لكم ‪ ،‬ىل تريدكف مشاركتي؟‬

‫ساد بعض الحزف على الوجوه التي كانت‬


‫غاضبة ‪ ،‬ك جل الذين كانوا سيخرجوف‬
‫من المسرح عادكا إلى أماكنهم‪..‬‬

‫ضحك بوليفيا فقاؿ‪ :‬يبدك أنكم تأثرتم!‬


‫ىاىاىا‪...‬نعم ىذه ىي الحقيقة!‪...‬الفقراء‬
‫ال يقدركف على شراء ساندكيتش ‪ ،‬إنهم فقط‬
‫يستحيوف من قوؿ ذلك أمامكم ‪ ،‬أنتم تعلموف‬
‫كيف أصبح الجميع يتعفف كيتظاىر على انو‬
‫غني سواء في الشارع كالمقاىي كالمطاعم ‪،‬‬

‫‪211‬‬
‫ىذا حتى ال يعايره الناس بالفقر ‪ ،‬نعم! عاد‬
‫المرء يقترض الماؿ كيسرؽ كيكذب فقط‬
‫كي يقوؿ الناس عنو فالف يلبس ماركة عالمية‬
‫كيأكل بيتزا بسمك التونة‪...‬اه خاصة! إذا كاف‬
‫معو فتيات كأصدقاء‪...‬سيصرؼ في المطعم كل‬
‫ما لديو‪...‬ثم! ‪ ،‬ثم عندما يمر بالقرب‬
‫من الحانوت يبدؿ طريقو حتى ال يتذكر الديوف‬
‫المكدسة في كناش التاجر‪...‬إننا جميعا نتظاىر‬
‫بأننا أغنياء لكوف الفقر أصبح عيبا بينما‬
‫االحتياؿ أصبح فطنة ‪ ،‬ربما أنا الفقير الوحيد‬
‫بينكم أليس كذلك ؟؟ ىاىاىا!‬

‫‪212‬‬
‫سكت قليال كتعبير عن حزف في قلبو ثم‬
‫أضاؼ‪ :‬نعم ‪ ،‬نعم! ‪ ،‬الفقر عيب كبير !‬

‫‪....‬صدقوني! ىذه ىي الحقيقة في زماننا ‪،‬‬


‫لذلك شباب اليوـ لم يعد يتحمل بقاءه في ىذه‬
‫األرض ‪،‬شباب الغد يفعل أم شيء ليحصل‬
‫على الماؿ ‪ ،‬يبيع ذمتو في األحزاب بل‬
‫كيتحمل الذؿ في المحالت كيكذب في‬
‫التجارة ‪ ،‬ككثير منهم اختار عدة طرؽ المحرمة‬
‫ليربح الماؿ كيأخذ مكانا لو مع‬
‫األغنياء‪...‬كالذم لم يكن محتاال مات بالغيظ‬
‫في قلبو ‪ ،‬كربما أكلتو األسماؾ كىو يقطع‬
‫البحور السبعة أمال في تجديد حياتو‬

‫‪213‬‬
‫‪...‬ىاىاىا ‪ ،‬نعم! ‪ ،‬يجب أف تكوف فاسدا‬
‫لتعيش في رفاىية‪...‬أغلب الذين اختاركا‬
‫الحالؿ منهجا يعيشوف في بؤس ‪ ،‬اسألوا‬
‫المعلمين كالموظفين العاديين كحتى الطلبة‬
‫الجامعيين في المحالت ‪ ،‬إنهم ال يعرفوف حتى‬
‫كيف يتصرفوف بأموالهم في يوـ حصولهم على‬
‫الػأجرة ‪ ،‬فالحياة مطالب كنحن الوسيلة البائسة‬
‫لتحقيق كل مطلوب ‪ ،‬كحياتنا لسوء الحظ‬
‫مبرمجة سياسيا على السير كراء مطالب‬
‫ال تنتهي ‪ ،‬نحن ركبوتات تعيسة! ‪ ،‬ال أرل أبدا‬
‫بأنو الوقت المناسب لنتفاءؿ!‬

‫‪214‬‬
‫جلس على أرضية الخشبة كأنو متشرد ثم قاؿ‪:‬‬
‫إنكم ال تعرفوف أبدا ما الذم حدث معي قبل‬
‫أياـ ‪ ،‬لقد بعت أجمل معطف حصلت عليو في‬
‫حياتي !‬

‫ثم ضحك قائال‪ :‬ىاىاىا‪..‬ىاىا ‪ ،‬ىل؟ ‪ ،‬ىل‬


‫تشعركف بما أشعر بو؟‬

‫عاد إلى كرسيو ‪ ،‬جلس منحنيا مائال بظهره‬


‫ككضع يده على جبينو ثم قاؿ بهدكء‪ :‬إنو‬
‫لمؤسف جدا الذم يحدث معنا‪ ،‬ترل الجميع‬
‫صابر كيخجل من قوؿ الحقيقة‪...‬لكن!‪ ..‬لكن‬
‫ال تقلقوا أبدا‪ ،‬أنا ىنا! ‪ ،‬نعم أنا ىنا ألخبركم‬
‫بكل شيء ك دكف تحفظ‪...‬كتبا للجميع‬

‫‪215‬‬
216
217
‫بجدارة نجح بوليفيا في احتواء الجماىير‬
‫كجذب قلوبهم إليو ‪ ،‬كىم أيضا بنظراتهم‬
‫المعجبة إليو أعطوه دافعا قويا لمواصلة عرضو‬
‫حتى تجمعت دمعة في عينيو كسقطت على‬
‫المنصة‬

‫فقاؿ كأف الغيظ يمتزج مع كلماتو‪ :‬أنتم‬


‫تعرفوف جيدا أنو ال ينبغي لنا أف نتحدث بكل‬
‫صراحة داخل ىذا المجتمع المغفل االنتهازم ‪،‬‬
‫بل يجب أف نكتم أفكارنا كنستمر في االرتباؾ‬
‫من الداخل كنصمت حتى يعتقد الناس أننا‬

‫‪218‬‬
‫بخير كأقوياء ‪ ،‬كمن يجرأ فيتكلم عن الواقع‬
‫المقلوب ننعتو بالجنوف كغريب األطوار‪،‬‬
‫إال أنني أنا أصر كل مرة على أف أقوؿ األشياء‬
‫التي تقلقني في قلبي‪ ،‬كنت أكره كثيرا‬
‫أف يسكت المرء في الوقت الذم يجب فيو أف‬
‫يتكلم‪ ،‬كلهذا أقوؿ دكما اللعنة على ىذا الهراء‬
‫الذم نحن فيو إلى يوـ دين !‬

‫‪...‬من الواضح جيدا أننا نحن نعيش بشكل‬


‫مكذكب كال نريد أف نعترؼ بذلك‪ ،‬نحن‬
‫نخشى نظرة الناس إلينا‪...‬ألف نظرتهم حقيرة‬
‫كتضرنا‪...‬تبا لهم!‬

‫‪219‬‬
‫توقف ىنيهة كأكمل حديثو ‪ :‬كبسبب ذلك! ‪،‬‬
‫عندما لم يجد الناس مخرجا من ىذا البؤس‬
‫اختاركا أف يعيشوا بشكل مرقع ‪ ،‬فالمساكين‬
‫لما يتملكهم الضعف في أنفسهم يقوموف‬
‫بصناعة أكاذيب من حولهم يقولوف لبعضهم ‪:‬‬
‫كن قويا! ‪ ،‬انهض بنفسك! ‪،‬اعتمد على‬
‫قدراتك!‪...‬أنت تستطيع! ‪ ،‬كفي الحقيقة يكوف‬
‫اإلنساف أمامهم مدمرا من كل الجوانب ‪،‬‬
‫لم يبقى لو سول نفس أخير يقف بو ‪ ،‬الشقي‬
‫يكوف حالو في تلك اللحظة كحاؿ المقتوؿ‬
‫الذم يطلبوف منو إحياء نفسو من جديد‬

‫‪220‬‬
‫ضحك بوليفيا بهستيريا شديدة فاتحا ذراعيو‬
‫كقاؿ‪ :‬ىاىاىا‪...‬ىاىا! أبدك لكم مجنونا ؟؟‬
‫ىاىاىا‪...‬ىاىا! سحقا إنها الحقيقة !‬

‫حرؾ رأسو كأنو متحسر على الوضع االجتماعي‬


‫فأضاؼ قائال‪ :‬انظركا! انظركا فقط إلى‬
‫أنفسكم! ‪ ،‬ألستم تعانوف من اإلدماف على‬
‫الفايسبوؾ؟؟ ‪ ،‬ليس األمر غريبا أبدا ‪ ،‬بل ىو‬
‫دليل كاضح على أف الواقع ليس في أحسن‬
‫األحواؿ ‪ ،‬كىناؾ خلل كبير في تسيير المجتمع‬
‫‪،‬ىي صورة صارخة تصور لنا ارتفاع نسبة الفراغ‬
‫عند األفراد‪...‬كالفراغ دليل على البطالة‬

‫‪221‬‬
‫كالتفكك االجتماعي‪ ،‬إف األمر ليوحي لنا‬
‫أف ىناؾ مشاكل جمة تحدث في الواقع ‪،‬‬
‫كالمؤسف انو ليس ىناؾ منابر حقيقية ؿتحاكؿ‬
‫عالج ىذه األزمات الخطيرة ‪ ،‬فحتى بعض‬
‫األحزاب كالجمعيات خانت ثقة الناس ‪،‬‬
‫كالناس كذلك خانوا بعضهم ‪ ،‬إال أنا!‪ ،‬نعم‬
‫إال أنا ‪ ،‬قررت أف أكوف مهرجا كجئت ىنا كي‬
‫اعرم كل شيء‪...‬‬

‫أخذ األمر بجدية كأضاؼ مباشرة بصوت‬


‫غليظ‪ :‬لقد مللت من التزييف!‬

‫‪222‬‬
‫غلظ صوتو أكثر كأنو كحش ثم صرخ‪:‬‬
‫ال يبدك بتاتا أف الحياة جميلة في إفريقيا‬
‫كالشرؽ األكسط!‪...‬كال يمكن للتفاؤؿ أبدا أف‬
‫يحل مشاكلنا في زامبيا‪...‬فنحن نولد في كسط‬
‫متعفن مليء بالهراء‪...‬لهذا السبب نشهد‬
‫كراىية مستمرة على المدل الطويل‪...‬حتى‬
‫ذلك الحب األحمر المزخرؼ ليس بتلك‬
‫الصورة التي نحلم بها في خيالنا المتصوؼ‬

‫ضحك بجنوف مرة أخرل كقاؿ‪ :‬إنني أذكر‬


‫جيدا‪ ،‬نعم أنا أذكر ذلك لما أخبرتني جدتي‬
‫قبل عشر سنوات أنو سيتغير كل شيء ‪،‬‬

‫‪223‬‬
‫كلكنني أصبحت شابا كالشيء تغير حتى اآلف ‪،‬‬
‫إننا نعيش نفس المعاناة كنتجو نحو مصير‬
‫محتوـ ال نريده‬

‫ىدأ قليال ثم تكلم بصوت رقيق‪ :‬أرجو منكم‬


‫أف ال تقلقوا من كالمي!‪ ،‬أنا فقط أحاكؿ أجبر‬
‫خواطركم بالكلمات السوداء التي تتمنوف قولها‬
‫للناس كتختلج في نفوسكم رغما عنكم ‪،‬‬
‫أخرل فإف كالمي شيء جميل‬
‫فبطريقة أك ب‬
‫كرائع ‪،‬يشرح النفوس كيشعركم أنكم أغبياء‬
‫لدرجة ما‪...‬ثم يجعلكم تعرفوف العالم على‬
‫حقيقتو السوداء‬

‫‪224‬‬
‫توقف ثم عاد يقوؿ‪ :‬لقد بدا من الواضح إنني‬
‫متشائم ‪ ،‬نعم أنا متشائم ‪ ،‬إنني أرل بأف الحياة‬
‫ىنا صعبة كمعقدة كفيها كثير من الهراء ‪ ،‬نعاني‬
‫من أزمات السكن كالبطالة كالعنف اإلدارم‬
‫كنجد عراقيل كلما حاكلنا أخذ حقوقنا ‪،‬‬
‫كاألسوأ من ذلك أف الناس تعيش في جهل‬
‫كتتجرأ على الغش كالكذب بدكف ىوادة ‪ ،‬فأين‬
‫ىو المعتوه الذم يستطيع أف يقنعني أننا بخير؟‬

‫عاد إلى كرسيو مرة أخرل كاضعا يداه على رأسو‬


‫قائال‪ :‬لقد اعتاد المسكين ىنا أف يخفي أكراؽ‬
‫شخصيتو خشية من الناس كتجنبا ألم تحليل‬

‫‪225‬‬
‫بسيكولوجي من أحدىم‪...‬فعندما يتعلق األمر‬
‫بنفسيتك المحطمة تصبح أنت الوحيد المريض‬
‫في العالم ‪ ،‬بينما العالم من حولك كلو مختص‬
‫نفسي ‪...‬‬

‫ثم نزؿ بجسده ينظر إلى الجماىير كقاؿ‪ :‬ليس‬


‫لدم رغبة في أنافق من اجل إرضائكم‪...‬لست‬
‫أشبهكم أبدا‪ ،‬أنا متأكد أف الفقير يعيش على‬
‫الهامش‪ ،‬نقوده ال تكفي الف يعيش سعيدا‬
‫مثلما نرل في الصور المزيفة ‪ ،‬فحتى لو كاف‬
‫"توني مونتانا" يعيش معنا ستراه يفشل في‬
‫بقعتنا‬

‫‪226‬‬
‫‪...‬ىاىاىا ‪ ،‬لما كنت صغيرا في المدرسة ‪،‬كاف‬
‫لدم أصدقاء أغنياء ككانوا يخبركنني أنهم‬
‫يدخركف النقود لمستقبلهم ‪ ،‬فأحضرت علبة‬
‫طماطم فارغة ثم بدأت أضع فيها دراىمي ‪،‬‬
‫لم تمضي ساعة كاحدة حتى كجدت نفسي‬
‫أصرؼ كل نقودم ألشترم آلة حاسبة علمية ‪،‬‬
‫فعلت ذلك كي ال تضربني معلمة الرياضيات‬
‫للمرة الثالثة ‪ ،‬لهذا يقوؿ العلماء في الرياضيات‬
‫أف الخطأ إذا لم نصححو في العملية األكلى‬
‫سيشكل لنا أخطاء كثيرة في المسألة كمنو‬
‫يذىب العالم إلى الجحيم‪...‬كنحن بهذا‬

‫‪227‬‬
‫الشكل العشوائي الذم نعيش فيو يبدك كاضحا‬
‫أننا ذاىبوف إلى جحيم أسود‬

‫مد ذراعيو إلى األسفل نحو األرض ثم قاؿ‪:‬‬


‫ىل أخبركم بشيء آخر؟؟‬

‫أكبر كذبة عرفتها في حياتي ىي عندما قيل لي‬


‫انو من العادم جدا أف تعمل في المقاىي‬
‫أك بائعا بسيطا في محل للمالبس كالمواد‬
‫الغذائية ‪ ،‬كانوا يخبركنني أنها حالة مؤقتة كتزكؿ‬
‫‪ ،‬كىناؾ من يستحمر عقلك كيؤكد لك بأ نك‬
‫تتعلم خبرة في الحياة كأف كل العظماء تألموا‬
‫‪،‬لكن في حقيقة األمر ىي كلها أكاذيب تجعلنا‬

‫‪228‬‬
‫نتعود على تحمل الظركؼ اؿمزرية كذكؽ‬
‫المرارة بالثواني‪...‬تلك تجارب بائسة ال أتمناىا‬
‫أف تتكرر مع األجياؿ الالحقة ‪ ،‬بالعكس يجب‬
‫أف نرفض كل أشكاؿ االستغالؿ البشرم‬
‫كنحاكؿ أف نحارب كل أنواع اإلستغباء التي‬
‫تسلب كرامة اإلنساف‬

‫أنا متأكد أف الناس جميعا يمكن لهم أف يعيشوا‬


‫حياة عادية بدكف مشقة كبيرة ‪ ،‬يمكن ذلك‬
‫لو يرفضوف كل أنواع االستغالؿ كالظلم ‪،‬‬
‫لكنهم أغبياء يحبوف القيل كالقاؿ كالتشابك‬
‫كالهستيريا كالصعود كالنزكؿ كالتعب من اجل‬

‫‪229‬‬
‫الحصوؿ على لقمتهم ثم يشيبوف على البؤس‬
‫كيفتخركف بشقائهم كأنهم عاشوا أبطاؿ ‪،‬‬
‫كلو أنهم صبركا يوما كاحدا رافضين للمهانة‬
‫كانت ستتغير حياتهم إلى األفضل ‪،‬لكن‬
‫نفوسهم تخكفهم من المستقبل فيختاركف‬
‫العبودية منهج حياة كبطريقة معقدة لالستمرارية‬
‫بدكف مشاكل ‪ ،‬كفجأة كجدنا حياتنا مرىونة بين‬
‫قوسين ‪ ،‬نقف على صحيف ساخن ‪ ،‬إما أف‬
‫نصبر حتى الموت أك نطالب بالكرامة فتحدث‬
‫الفوضى في الوطن ‪ ،‬فلماذا؟‪..‬لماذا؟ لم نبني‬
‫مجتمعنا على أسس متحضرة بالمعرفة‬

‫‪230‬‬
‫كاالنسانية كالفكر ‪ ،‬ىل يجب دكما أف نأخذ‬
‫الطريق الخطأ العادة برمجة حياتنا؟‬

‫‪...‬نعم!‪ ،‬إنني أبدكا مجنونا! ‪ ،‬لكن ىذه‬


‫مهنتي ‪ ،‬انتم أيضا تضحكوف من داخل قلوبكم‬
‫ألنكم تعلموف أنها الحقيقة ‪ ،‬لكنكم تظهركف‬
‫االستغراب على كجوىكم ألنكم ال تفهموف‬
‫كيف تجرأت لقوؿ لذلك‪...‬لذلك يجب‬
‫أف تعلموا أمرا ‪ ،‬أنا لم يعد لدم شيء‬
‫اخسره‪...‬لهذا اخترت أف أصارحكم اليوـ ‪،‬‬
‫ىاىا‪...‬ىاىاىا! األمر صعب صدقوني! ‪ ،‬أبدك‬
‫كأنني مجنوف حقيقي في ىذه السهرة! ىاىاىا‬
‫‪...‬ىاىااىا‪..‬ىاىا !‬

‫‪231‬‬
‫رفع عينيو مباشرة اتجاه الجماىير فقاؿ‪:‬‬
‫ىناؾ مرحلة من المعرفة يصل إليها العقل‬
‫ال يفهمها سول صاحبها فيتفوؽ عليكم بعلمو‬
‫كإدراكو ‪ ،‬كلكنو قد يجد صعوبة في تفسير‬
‫األمر لكم فيعتبركم جميعا أغبياء كجاىلين ‪،‬‬
‫أما أنتم أيضا فمن زاكية أخرل ستعتقدكف أنو‬
‫زنديق يهلوس عليكم كتعتبركنو مجنونا ‪ ،‬كىكذا‬
‫يتضح أننا زامبيوف ضائعوف في العالم الثالث‬
‫كمازلنا ضحايا في حلقة الصراع بين الجهل‬
‫كالجنوف كلم نصل بعد إلى مستول العقل‬
‫المتقدـ ‪ ،‬إننا نحتاج لكثير من الوقت كي‬
‫نخرج من ىذه األزمة التي تؤرؽ إفريقيا‬

‫‪232‬‬
‫‪...‬ببساطة نحن نتخبط في الهراء‬
‫كالسمكة التي تحتضر على شاطئ البحر‬
‫كال أحد يتحسر عليها ألنها مجرد سمكة‬

‫‪....‬تخيلوا فقط لو لم يكن ىناؾ عالج‬


‫نفسي في طبيعة الحياة ‪ ،‬كلم يكن ىناؾ‬
‫بحر كغابات كآيات اهلل في األرض كالوركد‬
‫الجميلة كضحكات األطفاؿ ‪ ،‬ماذا لو لم‬
‫يكن ىناؾ تعابير كفنوف جميلة نطرد بها‬
‫مشاعرنا السوداء ‪ ،‬بالكاد كنا سنعيش‬
‫مجانين ‪ ،‬فهذا الواقع يصور جليا أننا نحن‬
‫البالغين أكبر األغبياء في األرض كنعتقد أف‬
‫الصغار أشد حمقا‪...‬جميعنا مضطربوف‬

‫‪233‬‬
‫كلكن ال نخبر أحد‪ ،‬ألف الشامتوف قي كل‬
‫مكاف‬

‫حك رأسو ثم كقف من مكانو قائال‪ :‬حسنا! ‪،‬‬


‫حسنا! ال أطيل عليكم دعونا نغير الموضوع !‬

‫‪...‬أكد إخباركم بأف الهنود الحمر لم يستعملوا‬


‫مزيل العرؽ طيلة حياتهم ألنو لم يكن لديهم‬
‫أم مشكلة مع العرؽ كالرائحة الكريهة‪...‬‬

‫سكت ثم قاؿ‪ :‬بما أنني كنت صاحب أعلى‬


‫معدؿ كطنيا اخترت تخصص طب األسناف في‬
‫الجامعة ‪ ،‬ىذا كي احرص على سالمة األفراد‬
‫في المجتمع كأقوـ بالقضاء على السواد‬

‫‪234‬‬
‫في أسنانهم ‪،‬تلك األسناف الجميلة التي‬
‫أصبحت ال تقاكـ في ظل ىذا البؤس‬
‫االجتماعي القذر‬

‫‪....‬ىاىاىا! ال أدرم كيف انتم تتناكلوف‬


‫"النوتيال" يوميا ‪ ،‬لقد صدمتني سكتة قلبية ىذا‬
‫الصباح فعندما دخلت إلى الحانوت كقرأت‬
‫سعر"نوتيال" ‪ ،‬قررت أف أشترم الزبدة فقط‬
‫كليذىب الحانوت إلى الجحيم ‪ ،‬سنأكل في‬
‫الجنة ما ىو أفضل من النوتيال‪ ،‬تبا لهم!‬
‫ىاىا‪...‬ىاىاىا‪!...‬‬

‫‪235‬‬
‫‪...‬اعرؼ أنني لست مهرج رائع! ‪ ،‬كأنتم كنتم‬
‫تنتظركف مني أف اقتل قلوبكم بالضحك‪،‬‬
‫كلكنني لألسف! أنا حزين جدا! كيف تريدكف‬
‫مني أف أضحككم؟؟‬

‫‪....‬منذ سنوات كأنا ابحث عن عمل مناسب‬


‫كمستقر لكنني لم أجد أم عمل‪...‬كأف العمل‬
‫يكرىني ‪،‬ليس األمر أبدا بتلك السهولة ‪،‬‬
‫لو أنكم تشاىدكف كيف يعامل الشاب عندما‬
‫يبحث عن العمل ستحسبوف انو متسوؿ‬
‫في الشركات ‪،‬كأنو يطلب من المدير معركفا‬
‫أك إكرامية ‪ ،‬لقد أصبحت البطالة شيئا مقززا‬

‫‪236‬‬
‫صدقوني! ‪،‬من السيئ جدا أف تعيش في الحياة‬
‫بدكف عمل ‪ ،‬لن تستطيع أف تتحرؾ بدكف ماؿ‬
‫في جيبك ‪ ،‬تبا! كيف سأفسر لكم ذلك؟؟‬

‫في ىذه اللحظة سقطت دموع من بعض‬


‫المشاىدين ‪ ،‬كدكت تصفيقات حارة من‬
‫الجماىير‬

‫حط رأسو على عنقو كقاؿ ‪ :‬تأكدكا جيدا انو‬


‫من الظاىر قد يبدك لكم المرء صابرا لكنو‬
‫يتمزؽ من الداخل كأنو حذاء قديم‬

‫‪...‬كعن قريب ربما تجدكف الشباب يلبسوف‬


‫قش النساء لتكوف لهم حظوظ في المناصب‬

‫‪237‬‬
‫‪،‬انتم تعرفوف ذلك! ‪ ،‬ىاىاىا إف المدراء‬
‫ال يطلبوف في الشركات سول النساء ‪،‬ألف‬
‫النسوة يتحملن كل شيء في العمل ‪،‬إنهن‬
‫يصبرف كيقبلن براتب زىيد ‪ ،‬ليس أبدا مثل‬
‫ذلك الرجل ذك الشوارب‪ ،‬تراه دائما يرفض‬
‫المهانة كيطالب يوميا براتب أفضل لمستقبل‬
‫زاىر ‪ ،‬أنا ال استبعد أف تصبح النساء ربات‬
‫البيت كالرجل جليس أطفاؿ ‪ ،‬ىاىاىا! صعبة‬
‫ىي الحياة ىنا ‪ ،‬ىاىا‪..‬ىاىاىا إنها صعبة حقا!!‬

‫‪...‬كإنها لحقيقة مرة كاألغلبية تغطي الشمس‬


‫بالغرباؿ‪...‬لقد اعتدنا العيش بهذا الشكل القذر‬

‫‪238‬‬
‫كأننا في غابة زامبيا‪ ،‬لألسف! ‪ ،‬ؼحين ال يعرؼ‬
‫البشر ذ كاتهم اإلنسانية يتحولوف إلى كحوش‬
‫غبية‪...‬كحوش ال تعرؼ كيف تعيش ك ال تعرؼ‬
‫حتى كيف تموت‪...‬‬

‫جلس المهرج األسود على الكرسي مرة أخرل‬


‫يبدك عليو أنو شعر بالتعب‪...‬كضع يده على‬
‫ذقنو ‪ ،‬نزع القناع من كجهو كبدأ البخار يخرج‬
‫من قميصو كأنو رجل فحم مخيف‪..‬أغمض‬
‫عينيو كقاؿ‪ :‬أنظركا! ‪ ،‬أعترؼ أنني أسود‬
‫سوداكم مظلم لكني لم أكذب على نفسي‬
‫كلو في األحالـ‬

‫‪239‬‬
‫كشف بوليفيا نفسو أماـ الجماىير كاعتقدكا أف‬
‫ىذا الشكل المخيف جزء من المسرحية كلم‬
‫يصدقوا أبدا كالـ بوليفيا على أنو أسود ‪ ،‬لقد‬
‫بدا لهم األمر خياال كحتى البخار اعتقدكه‬
‫مجرد خدعة سحرية مجنونة‬

‫صمت ثم كاصل يقوؿ‪ :‬يبدك أنني تكلمت كثيرا‬


‫في مدينة مهجورة ‪...‬لم أعد أشبو اإلنساف‬
‫الطبيعي ‪ ،‬كأني مجلد ضخم ال حاجة للناس‬
‫بو‪...‬فأنا خرجت من الحياة كدخلت في‬
‫سكرات البؤس ‪ ،‬أشعر أنني لست أعيش‬
‫معكم‪...‬لقد فقدت كجودم على ىذه األرض‬
‫الحدباء ‪ ،‬أصبحت كائن مختلف كأكاد أجزـ‬

‫‪240‬‬
‫أف ال أحد يشبهني‪...‬كلماتي غريبة ‪ ،‬فمثلي‬
‫كمثل نمر متوحش يصرخ لوحده في مكاف‬
‫بعيد بأدغاؿ اآلمازكف‪..‬‬

‫‪....‬ك قبل أف أختم ‪ ،‬صدقوني إنني أشعر‬


‫بالذنب ألني ال أىتم كثيرا بكل أحبائي‬
‫كأصدقائي كأقاربي ‪ ،‬كأحيانا ال أىتم حتى‬
‫بنفسي ‪ ،‬أنا لم أعد أتحمل غباء البشر ‪،‬‬
‫أنا أبتعد عن الهراء الفكرم قدر المستطاع ‪،‬‬
‫متى سيفهمني العالم الزامبي؟‬

‫حرؾ أصبع سبابتو مضطربا ثم قاؿ‪ :‬أم إنساف‬


‫يفكر مثلي ينبغي لو أف يموت باكرا أك يحيا‬
‫حتى يشتاؽ الموت‪...‬أنتم تضحكوف بينما‬

‫‪241‬‬
‫أنا أتكلم بجدية! ‪،‬لكن! ال عليكم! إنها تبدك‬
‫نكتة مسلية‬

‫‪....‬ثم إني كلما كفرت بالهراء دفعت الثمن‬


‫مقابل ذلك ضعفين ‪ ،‬كأف الدنيا ىنا لن تترؾ‬
‫الرجل يعيش بخير حتى يقوؿ‪ :‬الهراء ربي كرب‬
‫الناس أجمعين!‬

‫‪....‬ككثير من المشاىير أعلنوا كفاتهم حتى‬


‫يرتاحوا من الضغط ‪ ،‬أنا غدا سأعلن كفاتي!‬

‫في األخير تنهد بصوت عاؿ فختم حديثو‬


‫بمقولة "فيكتور ىيغو" ‪:‬‬

‫‪242‬‬
‫"إف القلب البشرم ال يستطيع أف يحتوم إال‬
‫كمية محدكدة من اليأس "‬

‫∆∆∆∆∆‬
‫كانت كلمة ختامية مالمسة جدا على قلوب‬
‫الجماىير فانطلقت تصفيقات حارة ىزت‬
‫المدرجات بأكملها ما دفع الج ميع يقف‬
‫احتراما لهذا الرجل األسود الشجاع ‪ ،‬كأغلب‬
‫النساء سقطت دموعهن تأثرا بهذا األداء‬
‫المميز الفريد من نوعو‪...‬‬

‫أخذ كثير من الشباب كاألطفاؿ صور تذكارية‬


‫مع األسود ‪ ،‬غمرت السعادة قلوب الناس‬

‫‪243‬‬
‫كأحسوا بقلوبهم منشرحة ‪ ،‬ؼلقد سمعوا من‬
‫المهرج األسود بصدؽ ما كانوا يتمنوف قولو ‪،‬‬
‫كقبل إعالف الختاـ صعد المنشط على المنصة‬
‫من جديد متشوقا لتقديم الفائز بجائزة أحسن‬
‫فناف لهذه المناسبة ‪ ،‬فأخذ جميعهم يصرخ‬
‫كينادم‪ :‬بوليفيا!! ‪ ،‬بوليفيا!!! ‪ ،‬بوليفيا!!!‬

‫كطبعا‪ ،‬فاز رقم ‪ 17‬بخمسة مليوف دينار ألنو‬


‫كاف الفائز األكؿ بمشاعر الناس كاستحق‬
‫بمعنى الكلمة ىذا النجاح ‪ ،‬كىو استحقاؽ‬
‫لم يسعد بوليفيا بقدر ما جعلو يندىش في‬
‫نفسو كيف استطاع أف يقدـ ىذه المسرحية‬
‫ككيف كاجو المتابعين بشخصيتو الحقيقية‬

‫‪244‬‬
‫لم يدـ االحتفاؿ طويال حتى انتشر بالمكاف‬
‫ضباب كثيف‪ ،‬ثم اختفى سريعا ‪ ،‬فظهرت‬
‫المنصة سوداء كاإلزار أسودا كحتى األرض‬
‫سوداء بكراسيها‬

‫‪ ...‬لكن ال أحد شك في أف بوليفيا تسبب‬


‫في ذلك ‪ ،‬اعتقد الجميع أف ىذه التغيرات‬
‫السوداء في المسرح من عمل القائم مف على‬
‫اإلشراؼ الفني كالتي تشير إلى االختتاـ‬

‫∆∆∆‬
‫كضع بوليفيا الصك في جيب قميصو كخرج‬
‫من المسرح يضحك كأنو مجنوف أك مصاب‬

‫‪245‬‬
‫بهستيريا خيالية ‪ ،‬تقدـ قليال كنظر إلى السماء‬
‫قائال‪:‬يارب! ‪،‬أشكرؾ!! ثم أضاؼ‪ :‬غريب! ‪،‬‬
‫غريب جدا الذم يحدث معنا!‬

‫كجد حجرا كبيرا على شكل مقعد بقرب من‬


‫كشك في كسط الشارع‪ ،‬فجلس يتأمل في‬
‫الطريق خاكية كال أحد معو من األقارب ليتقاسم‬
‫معهم سعادتو أك يعانقو‬

‫ثم قاؿ‪ :‬ال يهم ‪،‬ال يهم! ‪،‬ىاىاىا ‪ ،‬ىاىا ‪ ،‬ىا!‬


‫‪ ،‬أنا سعيد جدا!‬

‫تأمل في كحدتو الساحرة كقاؿ‪ :‬ينبغي لنا كل‬


‫يوـ أف نأخذ ساعة معينة نجلس فيها لوحدنا‬

‫‪246‬‬
‫كنستغرب في ىذه الحياة التي نعيشها ‪ ،‬كأنو‬
‫مجرد حلم يسير بنا إلى المجهوؿ ‪ ،‬ذلك‬
‫المجهوؿ الذم ال يأتي على بالنا كال نريد أف‬
‫نتوقعو أبدا‬

‫‪...‬نعم! ‪ ،‬كاف جدم رحمو اهلل يقوؿ لي عندما‬


‫تكبر ستفهم يا كلدم! ‪ ،‬كحقا عندما كبرت‬
‫بدأت اكتشف أف جدم كاف محقا!‬

‫ىدأ ىنيهة كقاؿ‪ :‬نفسيتي اليوـ تشبو تلك‬


‫المرأة السعيدة بمولودىا األكؿ‪...‬أنا مليء‬
‫بالفرحة في قلبي ‪ ،‬كفي نفس الوقت أشعر أف‬
‫العالم إشكالية تافهة خاصة عندما أجد نفسي‬
‫العبا مجنونا في الدقيقة األخيرة‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫نزلت األمطار بغزارة كلم ينهض بوليفيا من‬
‫مكانو ‪ ،‬استمر يحدث نفسو كىو يسترؽ‬
‫من بعيد صوت يشبو رنين اؿطوارئ ‪ ،‬كأنها‬
‫سيارة شرطة تدكم من بعيد‬

‫ضحك بتهكم مقهقها ثم قاؿ في نفسو‪ :‬اللعنة!‬


‫‪ ،‬يبدك أنهم قادموف لالحتفاؿ معي بهذا‬
‫اإلنجاز‪ ،‬سحقا ىذا ممكن جدا!! ‪ ،‬فهناؾ‬
‫دكما سافل خبيث يفسد علينا السهرة ‪ ،‬بدكف‬
‫شك ىذا ال يكوف سول حقير ما قد أبلغهم‬
‫أف ىناؾ أسود غريب قد أيقظ إحساس‬
‫الجماىير في المدينة‬

‫‪248‬‬
‫لم يحرؾ بوليفيا ساكنا لكونو متأكد في نفسو‬
‫بأنو سيتصرؼ عن الشرطة بشكل أك بآخر ‪،‬‬
‫فلقد لمح من بعيد عجوزا يحمل مكنسة‬
‫كيرتدم سترة صفراء كقبعة ركسية ‪ ،‬يبدك من‬
‫المرىق عليو جدا تنظيف طريق الشارع في ىذا‬
‫الجو الممطر ‪ ،‬إنها فرصة األسود كي يعمل‬
‫صالحا كيريح السيد العجوز ىذه الليلة ‪.‬‬

‫***‬

‫‪249‬‬
‫المضموف‬

‫‪ - 1‬الفاتح من ديسمبر ‪12...................‬‬

‫‪ - 2‬استرجاع الذكريات ‪32.................‬‬

‫‪ - 3‬االستيقاظ من الحلم ‪96 ..................‬‬

‫‪128‬‬
‫‪ - 4‬بعد ثالثة أياـ من العزلة‪..............‬‬

‫‪ - 5‬يوـ األربعاء ‪152.........................‬‬

‫‪ - 6‬ليلة مثيرة ‪195 ..........................‬‬

‫‪ -‬الفهرس ‪250................................‬‬

‫‪250‬‬
251

You might also like