Professional Documents
Culture Documents
2
األسود كالسترة الصفراء
ركاية سوسيونفسية
فراجي زكرياء
3
4
5
مقدمة
6
ليس ىناؾ أم مخرج من المأزؽ السياسي إال من
خالؿ التشبع بقوة الفكر كالثقافة كالتشبث بالمبادئ
الصادقة ،ؼرغم أف بعض العبارات قد توجو انتقادا
صريحا لبعض شرائح المجتمع لكن لم تتهاكف في أف
تمس الحقيقة المرة في اغلب جوانبها أمال في تغيير
المجتمع إلى األفضل ما يؤكد على أىمية التعمق في
مجريات الركاية كفهمها جيدا للوصوؿ إلى الفكرة
التي يريد الراكم بعثها للقارئ كالتي يلخصها في
سؤاؿ بسيط ،كيف تدكر أحواؿ الناس من كراء
الستار المزخرؼ بالوركد كاألكىاـ الكاذبة ؟
7
رسم باألل واف ال زيتية من تصميم الكاتب فراجي زكرياء
8
نقطة مهمة:
9
صدر ىذا الكتاب في شهر فيفرم 2019تزامنا مع
حركة السترات الصفراء بفرنسا كفي بعض دكؿ العالم
10
أىدم ىذا الكتاب إلى الذين مازلت
األحاسيس يقظة في قلوبهم
11
الفاتح من ديسمبر
12
تداعب القط بيديها كتتفرج على التلفاز ،كاف
في البيت دكما شعورا بالهدكء خاصة كأف أثاث
البيت من النوع القديم الذم يبعث شيء من
الحنين إلى القلب ،فبمجرد أف تدخل غرفة
الجلوس تستضيفك مركحة جمالية معلقة على
الحائط المقابل كألنها كبيرة يمكن للمرء أف
ينتبو إلى كل تفاصيلها ،تزينها سماء زرقاء
صافية تحمل معها غيوما كردية كأخرل بيضاء
يتوسطها طائراف عظيماف كأنهما يحوماف أماـ
شالؿ كبير ينبعث قربا من كوخ صغير يقع
بأسفل جباؿ ضخمة مغطاة بأكراؽ الشجر
المتدلية ىنا كىناؾ تترؾ المتأمل يتتبعها حتى
13
يلتفت مباشرة إلى زاكية الجدراف أين توجد
كركد عباد الشمس بلونها األصفر الزاىي
ال تبعد كثيرا عن ساعة قديمة بداخلها ميزاف
كتمثاؿ صغير لرجل يضرب الجرس ،أما على
الجانب األيمن يشرد الذىن مباشرة نحو تلك
المطرقة النحاسية المتدلية تحت لوحة آلية
الكرسي ،يقابلها يسارا رسما مؤثرا لطفل حزين
يذرؼ دمعة على خده كأنها قطرة ماء تحررت
من فم حنفية ،أما كسط الغرفة تعلو مائدة
مستطيلة من اللوح األحمر قريبة تماما من سرير
الجدة كال تبتعد عن األريكة السوداء كثيرا،
كأحيانا من ينظر إلى الجدة كىي جامدة
14
في مكانها يحسبها رسما جميال بتلك العيوف
الغائرة ملمع بريقها من بعيد ،يترسم سواد
الكحل تحت حاجبيها ،أنفها كركم جميل
كتجاعيدىا مخطوطة بإتقاف تضفي نوعا من
الهيبة على بياض كجهها المنير ،قامتها
القصيرة تتناسق جيدا مع جسدىا النحيف،
امتاز لباسها على الدكاـ بالبساطة ،يسترىا
فستاف أحمر غليظ كعليو معطف صوفي أبيض
كأنو مدفأة خاصة بالجدة في فصل الشتاء ،
ينتبو بوليفيا إلى كل ىذه التفاصيل عندما يدخل
إلى البيت مرىقا ،منظر إلى الجدة بحرقة كأف
شعر بالغيرة من القط األسود يتودد على عنقها
15
كىي تالطفو بيديها المليحتين ،تبتسم كىي
سعيدة لكونوا تملك حيوانا لطيفا أنيسا لها في
كحدتها...تسرد عليو ىمومها كأنو إنساف برمء
أك مختص نفسي خبير في شؤكف األسرة
كالمجتمع
16
تتحسر على تغير أحواؿ حفيدىا ،فمنذ تخرجو
من الجامعة كىو في حالة غير عادية في سلوكو
اليومي ،غرفتو مليئة بالفوضى ،أكقات نومو غير
منظمة ،كال يهتم بنفسو كالعادة ،شعره مجعد
غير ممشوط ،أسنانو صفراء كيلبس قميصا
غير مرتب جيدا ،متأكدة في نفسها أنو مبعثر
األعصاب ،يبدك حتما أنو غير مكترث ألم
شيء في ىذه األياـ األخيرة ،ؼمن يرل
التوترات المتصادمة في كجهو يشعر أف ىذا
الفتى يتقلب في الحياة مثل العجينة في يد
الطباخ ،كألنها عجوز مسنة تحب الكالـ لم
يعجبها بتاتا ىدكء بوليفيا الغير العادم ىذه
17
الليلة ،تنفست حيرتها كانتظرت بفارغ الصبر
أف ينطق المدلل بكلمة كاحدة ،فكل يوـ
تتمنى أف تجد الفرصة السانحة لتدخل في
أغواره الغامضة فتقبض على الوحش الساكن
بداخلو...
18
يتكاثر علينا يوميا كأنو جراد شارد ضل طريقو
19
،ىل تعتقدين أنني أكذب عليك؟
-الجدة :قلت ربما على األقل يمكن أف
يكوف ىناؾ شيء كاحد يسر القلب،
فرحمة اهلل لم ترفع بعد ،ثم ما بها
األحواؿ؟ ،ليس ىناؾ أزمات كثيرة ،
كل شيء بخير!
20
-الجدة :نعم! ،ربما ىناؾ بعض المشاكل
كلكن األمور تسير بخير ،ال أدرم أنت بالضبط
ما الذم يقلقك ؟
21
تساكيو قبل سنوات ،كاألسوأ من ذلك لقد
اكتشف الناس من حولي أمرا عظيما ،لقد
انتبهوا أنني لم ألبس معطفا في ىذا البرد...
إال أنا! ،نعم! إال أنا فقط! ،لم انتبو لنفسي ،
لقد تنبؤا جميعا بأنني سأسقط مريضا ،
يتفلسفوف في كل تفاصيل اإلنساف الشخصية ،
إال أنهم ال ينظركف أبدا إلى تلك مشاكل التي
يصنعونها بأنفسهم ،كال يشموف أبدا رائحة
الخبث من حولهم ،ينشغلوف فقط بأين اختفى
معطف بوليفيا؟ كإلى أين ذىبت الجارة سعاد؟؟
،ثم حين ال يجدكف حديثا يقتلوف بو أكقاتهم
يختلقوف شجارا في الحي فيهددكف كل
22
من ينصحهم أك يختلف معهم..ىل ىذا حاؿ
يسرنا؟ ىل نحن بخير؟
23
سكن بوليفيا قليال ثم قاؿ :أنا لست قلقا أبدا
من قضاء اهلل في المشاكل التي تخصني،
كلكنني استغرب دكما في ىؤالء البشر كيف
ضاقت عقولهم! ،يوميا ينشغلوف فقط باألمور
التافهة في حين أف أحوالنا االجتماعية ليست
على ما يراـ...لم أعد أطيق التكيف مع ىذا
اؿغباء الذم نعيش فيو...أشعر أننا متخلفوف
جدا...نتبادؿ نفس الهراء يوميا...كاألغلبية
على الدكاـ تنجر مع األفكار المنحطة...
ال أحد يبالي ،كقليل من يهتم بما يحدث من
فساد ،كفي الوقت نفسو يود الجميع أف تكوف
24
الحياة طيبة كجميلة....ىاىاىا! كأف السوبرماف
في خدمتهم....اللعنة!!
25
رد عليها بوليفيا بسرعة :ىاىاىا...ىاىا! ،
يا جدتي! أنا كل يوـ أخبرؾ أف اإلعالـ
ال يصور للجماىير سول األخبار الجميلة كي
يخدر النفوس كيتالعب على العقوؿ ليعتقد
العالم أننا نعيش في رفاىية مثل ىولندا كالنركيج
،من الواضح جيدا أننا في أزمة ،كليس ىناؾ
إصالحات كال أم شيء ،من غير المعقوؿ أف
تكافح ىذه الحكومة فسادا ينبع من الثقوب
التي فيها...الحياة ىنا تسير في االتجاه
المعاكس للمنطق ،القوم فينا يأكل الضعيف
كالعال لمن سهر في المالىي ،دائما ما أشعر
أف مقدمة األخبار تكذب علينا...فكل يوـ
26
تخبرنا أف ىناؾ مشركع توظيف آلالؼ الشباب
كإنجازات ضخمة بينما ال أرل في كاقعي أية
مشاريع حقيقية...لقد شبعنا من األكاذيب
...كفهمنا جيدا أف النجاح في ىذا الوطن
ال يكوف إال من نصيب الحثالة كالعقي
األحذية كذكم اإلعاقة الفكرية
27
كإنني أفسر لك كل شيء بموضوعية كبصراحة
تامة ،ىل تعلمين أف السكر الذم نشتريو بمئة
دينار يباع في السوؽ العالمية عشرين دينار؟؟ ،
كنيجريا التي نضحك عليها أنجزت أكبر
مستشفى في إفريقيا! ،كأخبرؾ أيضا أف القهوة
المحلية مغشوشة! ،نعم مغشوشة! ،كأنها
ممزكجة بتراب مطحوف ،كلو نقارنها بالقهوة
األكربية فقط سنكتشف أف قهوتنا غير صالحة
للشرب ،لكننا نشربها بكل صبر ألنو ليس
ىناؾ خيار آخر
28
كعي الجدة ككاف يتكلم كحده مثل الببغاء
أنو يتكلم ؿكحده...ضحك قائال:
،فلما انتبو ب
ىاىاىاىا ،لقد نامت! ،المسكينة! تعتقد أف
كل شيء بخير! ،ما زالت البراءة تلعب على
عتقدين دكما أف الحياة كما
قلبك يا أماه! ،ت
كانت في أياـ السبعينات كالثمانينات ،نحن
اآلف نعيش حياة أخرل صدقيني! ،ال يمكنني
أف أفسر لك كل شيء ىذه الليلة ،أحالمك
سعيدة!
29
أنا أسيل عرقا ككذلك رائحة الدخاف في
المقهى تفوح مني...اللعنة! يجب أف آخذ
حماما سريعا
30
غلق الحنفية كفتحها مرة أخرل فساؿ قليل من
الماء كتوقف...أحس بالبؤس يجرم في
عركقو...فأخذ يلعن شركة المياه :
***
31
استرجاع الذك ريات
32
العالم كعليها قلم أسود متآكل الرأس كجملة
من الكتب مدفوعة إلى اآلخر كأنها عجوز
مسنة بأكراقها القديمة التي تبكي من النسياف،
بعضها يكاد يسقط لألسفل بمجرة ىزة كاحدة
،ككعادتو كضع بوليفيا ىاتفو على الطاكلة ثم
اخرج صرؼ النقود من جيبو كبعثرىا قرب
الفنجاف...خمسوف دينار كقطعتين من خمس
دنانير فقط ،حمل الخمسين دائرية الشكل
كأخذ يلعب بها فوؽ الطاكلة فال يتركها تبرح
يده حتى يجعلها ثابتة على القاعدة ،كبعد ذلك
يهبط برأسو يكتفي بالتأمل فيها بحثا عن
اؿسكينة للتركيز على شيء ما يدكر في رأسو
33
المكدس بالمشاغل ،تنفس ىنيهة ثم ضرب
القطعة على كجهها الغزالي ليتجو مباشرة نحو
النافذة بحثا عن متنفس كاسع ،تنصت قليال
لصراخ أبناء الجيراف كىم يجلسوف على حائط
عريض مقابل لوجو العمارة ،تصور نفسو بينهم
كىم يتسامركف على لعبة النرد في كقت متأخر
من الليل ،لم يلبث طويال حتى عاد إلى كهفو
ليعلق قميصو البني فوؽ الكرسي األبيض
المتسخ بآثار قهوة متدفقة كخربشة لكتابات
غير كاضحة بالقلم األزرؽ ،جلس على سريره
يتأمل في البلل على ظهر ذلك القميص فإذا بو
يسبح بحزف في مستنقع عرقو ما جعلو يشرد
34
بنفسو ليسترجع الذكريات السيئة التي مرت
عليو في ىذا اليوـ النحس ،لقد كاف يوما بائسا
مظلما ،إلى الحد الذم كصل فيو بوليفيا يفكر
في أف يناـ كال يستيقظ أبدا
∆∆∆∆
35
رحل الملعوف بذىنو إلى مجرل األحداث
كأنو يشاىد فيلما حقيقيا على قميصو القذر،
كبينما ىو جالس على سريره بتلك الهيئة كاضعا
يده على رأسو كجد نفسو يتذكر كيف شعر
بالملل صباحا عندما كاف جالسا في اإلدارة
استخراج شهادتو النهائية فعلى
الجامعية يحلم ب
الرغم من فوات شهور على تخرجو لم تقدـ لو
أكراقو الخاصة بكشف النقاط السابقة ،لقد
كاف غاضبا في تلك اللحظة كيسأؿ في نفسو
متى يجيء ىذا الموظف القذر إلى المكتب؟ ،
قلب صفحات ىاتفو على صفحة األخبار
كالشيء جديد في ىذه الساعة ،
36
تأفف كانشغل مرة أخرل بلعبة الكتركنية حتى
شعر باألرؽ ،كبعد مضي ربع ساعة دخل
الموظف إلى مكتبو متثاقال لو إذا ما أقبلت
على كجهو تظهر لك حبات العمش ملتصقة
برموش عينيو كأنو لم يشبع نوما منذ أف كاف
صغيرا ،كجهو متداخل بخدكد حمراء ذك أنف
منطوم على نفسو أكلتو البركدة ،كبمجرد أف
لمح الموظف كجود بوليفيا تظاىر أنو مشغوؿ
ببحث عن ملفات مفقودة ،من يراه يحسب
أنو يقلب على إبرة في كومة قش ،كفي الحقيقة
نعم! ،لقد نسي األبلو حقا أين كضع الملفات
ألنو ال يؤدم عملو بانتظاـ ،فاكتفى بالوقوؼ
37
يفكر كالذم يعصف عقلو في اختراع قنبلة
نوكية أك عالم ينوم صناعة دكاء للقضاء على
مرض السرطاف ،كحين لم يجد شيئا طلب من
بوليفيا أف يصبر عليو قليال ريثما يصعد إلى
الغرفة العليا كيعود فورا ،كفي الوقت نفسو
دخل شاب لم يسبق لبوليفيا رؤيتو في الجامعة
،كقف ذلك الشاب منتصبا بقامتو كسط غرفة
المكتب كيوجو نظرات حازمة نحو الموظف،
لم يشأ الشاب أف ينتظر كثيرا ثم قاؿ
للمتصرؼ :ىل عرفتني من أكوف؟
38
سحرم ،بحيث يظهر على الشاب من خالؿ
ىيئتو أنو شخص ىادئ ،جسمقمرتاح بقميص
برتقالي اللوف عليو معطف كالسيكي أزرؽ ،
كجو مشدكد بمالمح الثقة ..لحية مرتبة جيدا
كيحمل معو محفظة متناسقة مع قامتو المتوسطة
،أما السركاؿ فقد كاف يبدك المعا بلونو
الرمادم الفاتح كالذم يظهر كأف قد تم كيو قبل
دقائق ،كيرتدم أيضا حذاءا أسودا يثير صوتا
مهما على األرض كأنو تعبير عن مشكلة ما في
انتظار مناقشتها فورا ،ؼمن خالؿ ىذه
األكصاؼ تأكد للموظف بأف ىذا الشخص
39
ال يمكن إال أف يكوف رجل منضوم في إحدل
مؤسسات الدكلة..
40
كالذم سرؽ شيئا كتهرب دكف أف يحدث أم
انتباه
41
كقاؿ :أمازالت ىذه اإلدارة تعرقل الطلبة في
األكراؽ؟؟
42
اليوـ أك أضطر إلجراء اتصاؿ مع أحد أكابر
الحزب كبدكف شك لن يترددكا في التدخل
لحل ىذه الزبالة ،صدقني صديقي! ،ليس
ىناؾ خيار آخر سول االنضماـ ألحزاب
المواالة ،لقد رأيت أف اعتماد ىذه الطريقة
تساعدنا بشكل سحرم في قضاء أمورنا
باإلدارات كالبلديات...
43
صمت بوليفيا مستغربا في ما يسمعو من كالـ
غير عادم من قبل ىذا الشاب الصريح ،
إال أنو باؿرغم من ذلك لم يتردد في طرح
سؤالو :لكن ىل تعتقد أف ىذا األسلوب شيء
طبيعي بالنسبة لك؟؟ ...ثم إلى متى سنعيش
ىكذا بدكف مبادئ على الدكاـ؟ ،كىل تبدك
لك فكرة جيدة؟
44
مكاف...لهذا اضطررت اليوـ إلى سلوؾ ىذا
التصرؼ علما إنني اليوـ احل كل مشاكلي
بسهولة دكف أية عراقيل ،ال أكلف نفسي سول
اتصاؿ كاحد من األمين الوالئي كتسير األمور
كما تشتهي السفن
45
المدني كربما أنت تعرؼ جيدا بأف الشهادة
كحدىا ال تكفي أبدا لفرض كلمتنا ،كلكن!
بنفوذ السلطة سأضغط على الموظف كسترل
كيف تفك العقدة!
46
بوليفيا :ال ادرم! حتى كإف كنت أدرم فأنا لم
أعد ادرم شيئا! ..أرل بأف كل شيء أصبح
مقلوبا في ىذا الوطن كمن العادم جدا أف
تمشي مقلوبا أنت أيضا ،ثم إنني لست ىنا
ألحكم عليك...
47
...مسك بوليفيا تلك الورقة ثم قاؿ :تبا!
سأمضي حياتي انتقل باألكراؽ بين كريمة كخيرة
كخالتي الزىرة ،فقط من أجل الحصوؿ شهادة
كرتونية لعينة لم تعد أبدا مهمة في زمن الجهل
كالغباء
∆∆∆∆
48
...بعد أف أثبت بوليفيا كجوده الجامعي
بالمصلحة أخذ طريقو مباشرة إلى مكتب
التشغيل أمال منو في العثور على منصب عمل
ىناؾ...كما أف كصل إلى المقر الرئيسي كجد
شعبا غفيرا يطلع على العركض ،كأف تلك
العركض تحتوم على مناصب متوفرة بالجملة
في كل مكاف كزماف...فتسلل بين الجميع كي
يأخذ نظرة على اللوحة ،كلكن ما أف أدخل
المسكين رأسو كسط البطالين حتى كجد أغلب
خبرة تتجاكز
العركض تطلب منصبين فقط كب
ثالث سنوات...ضحك بوليفيا بصوت مرتفع
حتى التفت إليو الذين كانوا حولو ثم قاؿ:
49
يا للعجب! ،نفس الهراء على طوؿ
السنة...قاؿ تشغيل قاؿ...بحق الذم خلق
السموات كاألرض إنهم ليسخركف منا بهذه
الطريقة...ىل ىكذا يجب أف يعامل ذكم
الشهادات؟؟ ،إزدحاـ من اجل مناصب قليلة
كفوؽ ذلك راتب شهرم زىيد...كأننا نعود إلى
عهد االستعباد في زمن "كونتا كينتي" ...تبا! ،
كلدنا ثم أصبحنا رجاؿ فقط لنكدح من أجل
رفع ثركة البورجوازيين ،عليهم اللعنة جميعا ،
تبا لها!
50
الكاتب اإلدارم ،عاد إلى الوراء ينظر إليهم
ثم حدث نفسو :يا رب! ،متى تعود الحياة
إلى مجراىا؟؟ متى يا ترل؟
51
ؼذىب يسب في قلبو كل أشكاؿ االستغالؿ
التي تحدث في الواقع :سحقا!!
52
...كاصل طريقو إلى حيث ال يدرم ثم كقف
ىنيهة يتساءؿ :تبا!!! ،أين يجب أف أذىب
اآلف؟؟ ،فتذكر أف اليوـ يصادؼ الفاتح من
ديسمبر كىو آخر أجل لدفع فاتورة الكهرباء ،
لقد مر على الفاتورة شهرين كاملين كلم يدفع
المبلغ المطلوب حتى اآلف ،قد سبق كتركت
لو الجدة مبلغا مع الفاتورة يوـ أكصتو بالدفع ،
لكنو أسرؼ النقود في مشاغل أخرل كقد كجد
نفسو اليوـ في السوؽ الكبيرة كاقفا بحزف
شديد يحمل معطفو الثمين للبيع ،كاف السوؽ
مكتظا نوعا ما تزامنا مع يوـ السبت أين ينزؿ
الكثير من الرجاؿ للتسوؽ كمزاكلة البيع
53
كالشراء ،كما يميز ذلك السوؽ أنو يمكن للمرء
أف يجد فيو ما يريد من مالبس مستعملة
كأدكات إلكتركنية كحتى مواد التنظيف كأشياء
منزلية مختلفة بكل األنواع كاألثماف ،بدا
معطف بوليفيا ملفت لالنتباه بلونو األسود
كاألبيض ألماني الصنع كىو أغلى شيء جلبتو
لو العمة من الخارج ،لكن أغلبية من يتقدـ
إليو يكتفي بالنظر أك يقدـ مبلغا بخسا غير
مجدم كال يساعد بوليفيا البتة ،فاستمر كاقفا
قرابة ساعتين دكف أم أمل في بيعو بخمسة
أالؼ دينار ،شعر بالبرد يسرم بين عضالتو ،
فاختار أف يتحمل ساعة أخرل خير من أف يتم
54
قطع الكهرباء في المنزؿ علما أف الجدة
ال تحب ذلك أبدا ،دس الغضب في صدره ثم
شدد في نفسو قائال :ال يهم كم سأبيعو اآلف ،
المهم أف أبيعو بأم ثمن...
55
كبعد أف تأكد للكهل أنو معطف جيد قاؿ
لبوليفيا :أعطيك ألفاف في ىذا المعطف!
56
تبسم الرجل كقاؿ :أزيدؾ خمس مئة كدعني
أذىب بو إلى البيت!!
57
عقد بوليفيا حاجبيو يحاكي نفسو من الداخل
بألم :تبا! ،ال يستحق أبدا أف أبيع ىذا
المعطف بثالث آالؼ ،على األقل أربعة آلف
ستكوف مقنعة نوعا ما كمجدية
58
فتت قلبو في السوؽ كقد جمد البرد أطرافو
إال أنو تصور في خيالو أف يكوف المساء
جميال...سيمر على الحالؽ ثم يشترم فواكو
لذيذة للجدة...كلكن ما أف قطع الطريق حتى
تصادؼ فجأة بثالث من أصدقاءه المقربين
متجهوف نحو المقهى ،التفت إليهم دكف
يحدث أم انتباه ،فتأكد أنهم لمحوه من بعيد
،لم يجد أية طريقة يتهرب بها منهم ،تكمش
في كجهو اللحظة كىو يقوؿ في نفسو :تبا لهم!
،لقد رأكني !
59
..لم يشأ بوليفيا أف يظهر ضعيفا أماـ أصحابو
خاصة كأنو لم يلتقي بهم منذ مدة طويلة،
استجمع قوتو كتقدـ نحوىم ثم سلم عليهم:
أىال!...كيف حالكم أصدقائي؟
60
-ىا..ىاىاىا...ىاىا ! ،جميل جدا نحن
سعداء بلقائك!
61
ابتسم بوليفيا يخبأ ىمومو كاستغرؽ يحاكي
نفسو بغضب :اللعنة! لقد تهربت منهم كثيرا
...ال علينا سأجلس معهم ىذه المرة...ليس
ىناؾ أم عذر..ستحترؽ األلف في المقهى
بدكف شك...ليس ىناؾ خيار آخر
62
شاب جامعي ذك لحية كثيفة سمين الجسد
ناشط في جمعية اإلصالح أما أحمد فهو
متزكج كموظف تقني بشركة لالتصاالت يقارب
سن األربعين كفي ظاىره تحسبو مسنا بنظاراتو
كشاربيو الطويلين ،في حين أف خالد ثالثيني
كلكن يبدك صغيرا جدا بوجهو البشوش كصوتو
الرقيق ،كشاءت الصدفة أف يكوف ىؤالء
األصدقاء متشابهوف في حبهم للمعرفة
كتجاذب الحديث في الواقع كالسياسة كالتغيير
كالصراع الفكرم الدائر في المجتمع....
63
أحضر النادؿ الطلبات لألصدقاء فأخذ أحمد
السكرية لتحلية قهوتو ثم قاؿ :كيف تدكر
السياسة من حولك بوليفيا؟؟
64
-بوليفيا :ليس توتر بقدر ما ىو ضياع في
كسط مجتمع مدجج بالغباء كالالكعي ،ثم ماذا
تريدني أف أقوؿ لك بعد كل الذم نراه
كنسمعو؟ ،ال يمكننا سول التعليق على
األحداث ثم العودة إلى كهوفنا في الليل دكف
أف يتغير شيء...
65
ضحك احمد كعبد القادر ثم قاؿ ىذا األخير:
ليس ىناؾ حل يا صديقي سول أف نتأقلم مع
الوضع كنحاكؿ تغيير األمور على قدر طاقتنا
66
كنعيش كالضفادع نقفز في الحياة من كذبة إلى
أخرل كنجرم كراء أطياؼ الحظ كأننا جراد
ضل طريقو...إنو لوضع حقير جدا...كألننا
ضعفاء في قلوبنا عدنا نتعمد أف ال نرل
كال ننتبو كنقوؿ كل شيء بخير
67
-عبد القادر :ىل ىناؾ حل آخر غير النضاؿ
في الجمعيات كاألحزاب ؟؟ ليس ىناؾ سول
ىذا الحل السلمي الذم يمكننا من بعث
الوعي كالدفاع عن حقوؽ المواطن
68
-خالد :كىل يتركوننا نعمل بحريتنا في داخل
أحزابهم...إنهم ال يريدكف من المناضل سول
االنتماء ثم االنقياد بالطاعة الكاملة للقيادة
العليا في التنظيم الحزبي...ىل تعتقد أننا أغبياء
أك عاجزين لدرجة أننا ال نريد المشاركة في
التنظيمات المدنية ،ىا قد اقتربت الرئاسيات!
،ألم ترل أف جل األحزاب كانت غائبة عن
المشهد السياسي!؟ ال يظهركف إال حين تقترب
االنتخابات
69
كالالمباالة ...ال أدرم كم سنحتاج للوقت حتى
نخرج من ىذا المأزؽ
70
ضحك بوليفيا فقاؿ :ىاىا..ىاىاىا ،ىي في
الحقيقة معادلة صعبة فالجماىير تخذؿ النخبة
الراشدة لما يكوف ىناؾ معارضة حقيقية...ثم
ىذه الجماىير نفسها تلوـ النخبة حين تترؾ
السياسة ،كالىما يعيشاف أزمة سوء ظن ،إنها
حالة من الوسواس بين اؿجماىير كالمثقفين في
ىذا الفضاء السياسي
71
بمقارنة بين نسبة التفاؤؿ كالتشاؤـ
في المجتمع..ستجد أف التفاؤؿ غالب على
كثير من األفراد...يعتبركف ىذه الحالة السيئة
أفضل مما ىو أسوأ
72
...حسنا باهلل عليك أخبرني !..من ىم
الفاسدكف الذين نجدىم اليوـ في كل
مكاف؟...لم يسقطوا علينا من المريخ!!...إنهم
من الشعب ،في رأيك من يصفق للمستبد؟
من يبجل الفاسقين في الصحافة
كاإلعالـ؟...من يحب التذلل كيرضى بهذا
الشكل الدنيء من نمط الحياة..من أين جاء
االستغالليوف؟ ،من الذم يقزـ العلم؟ من الذم
ينهب من أمواؿ الدكلة؟
73
بكل صراحة لقد غلبت علينا اإلغراءات
كاألنانية ،كعندما يرتفع صوت الحق الكل
يحاكؿ التستر على نفسو بتبرير الخراب ،
لذلك نحن نستحق العيش في ىذا الهراء ألننا
نعرؼ جيدا كاجبنا اتجاه األرض كاإلنساف ،
إال أننا نحن من يتعمد التفكير بشكل معاكس
إال من رحم ربي ،كإف دنيا اليوـ ىي دنيا
المصالح كالطمع...ال مبادئ عند كثير من
البشر صدقوني! ،كما يقاؿ في المثل:
"الجميع يعرؼ الحقيقة كلكن نحب سماع
األكاذيب"
74
_ خالد :نعم بوليفيا محق!...نسبة كبيرة من
اؿجماىير تشارؾ في ىذه المهزلة بدرجة
كبيرة...لقد اندمج الكثير من األنذاؿ مع
سياسة الفساد كالجريمة المنظمة ،كلو أف أفراد
المجتمع التفوا جميعا حوؿ الرجل المناسب
كساندكه بجدية لخفت الهموـ كتيسرت األمور
،كلكن! األغلبية اتفقت على أف ال تبالي
بشؤكف المجتمع اعتقادا منهم أف الفساد أصبح
إلها ال يقدر عليو أحد
75
كأظنو الحل المناسب إلعادة العقوؿ إلى
صوابها من حالؿ توعيتها بالواقع السياسي
ترشيدىا نحو األخالؽ كالمبادئ ،ثم إف ىذا
كب
ما نعوؿ عليو في تنمية الفرد كإشراكو في بناء
الحياة السياسية بين معرفة حقوقو كتطبيق
كاجباتو دكف أم تعدم على حقوؽ اآلخر
76
األسرة كالعمل كالجامعة كالموضة الجديدة
ككذلك ترل اآلباء يتعذبوف من أجل الحصوؿ
على حليب "أكبي" ألكالدىم
77
الناس ،إال في حالة كاحدة ،عندما نتدرب
على القراءة بمنهجية موضوعية بعيدا عن
التعصب كاألدلجة
78
-خالد :مات كالسالـ!
79
-بوليفيا :المشكلة ليست في البؤس
كلكن لألسف عقولنا تصحرت فال نحن
نعرؼ من نحن كال ندرم حتى ماذا نريد
80
بدؿ األصدقاء حديثهم فذىبوا يتكلموف طويال
عن اللغات كخدمات جديدة في اإلنترنت كغير
ذلك من التقنيات المهمة في الكمبيوتر حتى
ساد الظالـ في المدينة ،ثم ارتفعت أصوات
الزبائن في المقهى كىم يهتفوف بهدؼ أكؿ
لفريق برشلونة ضد فريق مدريد في كالسيكو
الليغا االسبانية
81
فنهض الجميع ك قاؿ خالد :نعم ،نعم!
سننصرؼ جميعا!
∆∆∆∆
82
تفرؽ بوليفيا عن أصدقاءه في منتصف الشارع
،كما أف أخذ طريقو بمفرده ىب يلعن نفسو:
"اللعنة عليك بوليفيا! ىل كاف يجب أف تشرب
معهم قهوة أيها الغبي.؟ ،ىل كاف يجب أف
تدفع أنت؟ تبا لهم جميعا! انظر لنفسك أنت
اآلف! ال تحمل معك سول خمسمائة كعشر
دنانير ،ىل تدرؾ انك في حاؿ ال يحسد
عليها؟؟ ،سحقا سحقا! إنها اللعنة!"
83
-بوليفيا :بخير! ،بخير عمي العربي!
-العربي :أخبرنا أين كنت ؟؟ منذ مدة لما
نسمع لك حسا! ،لم تعد تظهر للعياف
أبدا!
-بوليفيا :آآآ فقط إنها الدراسة! ،
الدراسة تشغلني ،ال غير!
-العربي :ىاىاىا...ىاىاىا..ىاىا! ،ىذه
الدراسة ستأخذكم إلى جهنم...إف جيل
اليوـ ليتعذب في الجامعة ثم في النهاية
يتخرج من أجل الجلوس في البيت
84
تجنب بوليفيا الحديث في الموضوع ألف ىذا
األمر يثير أعصابو فقاؿ :نعم...نعم! ،أعطيني
كيس حليب ككيلو تفاح!
85
...كفي اللحظة نفسها دخل كهل إلى الحانوت
كقاؿ :نعم! ،نعم سيصاب بنوبة برد تبقيو في
الفراش كيندـ
86
من السيارات متوقفة على الطريق كأف ىناؾ
مشكلة ما ،ؼما الذم يحدث؟
87
أما المدعو "باجيو" ذك الشعر المشدكد
كالعينين النائمتين أخذتو العزة باإلثم فراح
يستعرض عضالتو بجسده القوم فيشتم السيد
عيسى بأشنع األلفاظ...
88
فقاؿ بوليفيا منفعال :عليك اللعنة إلى يوـ
الدين! ،تبا لك أيضا!!
89
فكر الشاب قليال فتراجع عن تهجمو ،كفي
الوقت نفسو تدخل بعض الشباب الذين كانوا
يلعبوف الكرة ،حيث نزلوا مسرعين إلى الشارع
من أجل فك الشجار كىكذا ساىموا في تفرقة
المشكلة بسالـ قبل أف يسوء األمر أكثر
90
ابتسم بوليفيا ثم قاؿ :ال عليك عمي! ،أنت
جار كريم! ،كيف ال أتحرؾ كاألمر يخصنا
جميعا في العمارة؟
91
-الحاج عيسى :أنا كبرت كلم أعد أقدر على
شيء ،سأككل أمرم هلل كإذا مكنني اهلل فإني
سأفكر في الرحيل قريبا ،ال أجد األماف في ىذا
الحي
92
سكت الحاج ىنيهة ثم قاؿ :دعنا منهم اآلف!
أستضيفك لتناكؿ العشاء معي ،الطعاـ جاىز
بدكف شك!
93
لكن عندما كصل إلى الطابق الثاني اشتعلت
األضواء مرة أخرل ليظهر فجأة أماـ بوليفيا
شخصا كاقفا مقابال لركن الجدراف ،فمن
خالؿ مظهره الخلفي يتبين أنو مجهوال
أك مجنوف نظرا ألنو ال يتحرؾ كال يتكلم ،يضع
رأسو أرضا تماما مثلما يفعل اللص حين تقبض
عليو الشرطة ،تساءؿ بوليفيا في رأسو من قد
يكوف ىذا الشخص ؟ ،كبمجرد أف اقترب منق
كلى إليو الرجل بوجهو األسود المريع كبأنياب
مكشرة مع عينين بيضاكيتين كالسكر ،تقابض
معو بوليفيا كاستطاع أف يدفعو بعيدا عنو ،إال أف
94
الرجل تشجع مجددا كتهجم على بوليفيا
فتلبسو كأصبح بوليفيا ىو ذلك الرجل
95
االستيقاظ من الحلم
96
نجاة سبعة من الشباب المهاجر في القوارب
كفقداف عشر آخركف)...
97
السواد منتشرا في كل مكاف بجسده...رفع كم
سركالو قليال فقاؿ :تبا!!
98
ارتدل معطفا أحمرا غليظ الجلدة كقديم اللوف
،أخذ أيضا قبعة سوداء جميلة لم يلبسها من
قبل ،ارتدل نظارات سوداء ،كرغم كل ىذا
التنكر إال أف البقع الداكنة ال تزاؿ بارزة على
خده األيسر كيديو
99
حاكؿ التأكد من أف جدتو منشغلة...فتح الباب
دكف أف يحدث أم ضجيج كلكن لسوء الحظ
لحقو القط األسود إلى الباب كأخذ يموء
عليو...ضربو بوليفيا برجلو كخرج مسرعا
100
...التفت كراءه فشاىد من بعيد رجال كاقفا
قرب شاحنتو ينادم على بوليفيا ،تظاىر ىذا
األخير انو لم يسمع شيء كأخذ يقوؿ في قلبو:
من الواضح أف شاحنتو توقفت كيريد مني
مساعدتو! ،تبا لو لماذا أساعده أنا بالضبط؟ ،
كىل سأساعده اآلف؟ ىاىاىا! ،ثم إنني في
حالة سيئة ،لست في مزاج جيد يسمح لي
بالعودة كراءا
101
فكر قليال ثم قاؿ :نعم !! يجب أف استجيب
لو! ،ال يجوز أف أتركو!
102
استعصت الحافلة على اإلقالع فاستجمع
بوليفيا كامل قواه كدفعها لألماـ فكانت
المعجزة أف تحركت كذىب الرجل سعيدا كىو
يشكر بوليفيا على المساعدة ،لقد شعر ىذا
األخير بسعادة كبيرة في قلبو لدرجة انو تصور
نفسو باتماف حقيقي ،لكنو لم يلبث حتى شعر
باضطراب في نبضات قلبو كسيطر عليو
اإلرىاؽ بشكل غير مسبوؽ فركع بجسمو إلى
األسفل يحاكؿ الصمود ،كبينما ىو ينظر
لألرض كقعت عيناه على مئتا دينار تلمع على
األرض ،فاختفى عليو األلم فجأة كعادت
مزقو ىذه القطعة
الركح لبدنو ،شاء القدر أف ر
103
ليستطيع دفع تذكرة العالج ،يا للعجب!
،استقول األسود من جديد كأخذ يدفع نفسو
خطوة بعد خطوة حتى كصل إلى المحطة
104
يوميا ككيف تغيرت أحواؿ األسرة بين قديم
الزماف كالوقت المعاصر ،لم يكن بوليفيا
مكترث أبدا لحديثها سول أنو كاف يهز رأسو
كيقوؿ لها نعم! ،نعم ..معك حق
105
بوليفيا كأنو قريب إليها في محاكلة للتهرب من
الدفع ،كالغريب أف السائق لم يشك في أم
شيء ،راحت المرأة بعدئذ تواصل توضيح
قصتها لبوليفيا ،فشرحت لو أسباب دخوؿ مياه
األمطار إلى بيتها ككيف استيقظت ليال فقامت
بتنظيف البيت ،كانت حكايتها محزنة إلى أف
قاطعها صوت المذياع بعدما شغلو السائق،
فاستفتحت مقدمة األخبار نشرتها بوفاة دكتورة
في المستشفى بسبب لسعة عقرب بعد ثالث
أياـ من المعاناة ،كفي خبر آخر تم القبض
على امرأة بحوزتها بندقية كمخدرات ،ثم تتابع
106
بعد ىذه األخبار تصريح للوزير األكؿ يقوؿ بأف
األياـ المقبلة ستكوف صعبة على المواطنين
107
فردت المرأة قائلة :سحقا لهذا الوزير! ،نحن
نعيش في أياـ أشد صعوبة فكيف يتحدث عن
صعوبة األياـ القادمة ،تبا لهم جميعا! ،أكلوا
كل شيء كيريدكف نهب ما تبقى للمواطن في
جيبو ،اللعنة!
108
مكاف جميل في جهنم ،الجحيم ـصير مناسب
لكل فاسد قذر!
109
∆∆∆
دفع بوليفيا مئة دينار أخرل عند الكشك
كاستلم تذكرة رقم 17في انتظار دكره
للعالج...ثم جلس يتأمل في أحواؿ المرضى
المساكين كيحسب في عقلو كم بقي لو من
النقود في جيبو...فسائق األجرة أخذ مئة
كتذكرة العالج مئة ...قلم يبقى معو سول
خمسوف دينار التي ردىا لو الحانوت ليلة
البارحة ،كبعدما انتهت الحسابات في رأسو
ذىب يتخيل كيحلم بتغير حياتو من السيئ إلى
األفضل في يوـ ما...لقد كاف الجميع يتبادلوف
الحديث حوؿ ىمومهم ،كيتذمركف من سوء
110
التعامل في المستشفيات ،إال بوليفيا لم يحرؾ
ساكنا كأنو حجرة سوداء ثابتة ما لها مع البشر
أية عالقة ،فبعد دقائق قليلة فقط نادت
الممرضة على الرقم 16فلم يجب عليها احد
..أعادت النداء :رقم ، 16كال احد يرد
111
غرفة الكشف ،كضع قبعتو جانبا ثم مد ذراعو
للطبيب كفتح أعلى قميصو ثم قاؿ:
أنا استيقظت ىذا الصباح فوجدت لوف جلدم
غير طبيعي كىو يتغير إلى سواد عجيب بملمس
غريب كرطب جدا ،لم أفهم شيئا!
112
الطبيب :يا للهوؿ! ،ىذه أكؿ مرة يزكرني مريض
بهذه لحالة ،كأنو كباء نادر يسبب تشققات!
113
نطق بوليفيا مرتبكا كأنو لم يعجبو تفسير
الطبيب ،فقاؿ :حسنا!...حسنا! ،سأزكر
عيادة أخرل
114
،التفت الناس ينظركف إليو لكنو لم ينتبو لهم
إلى غاية أف كجد نفسو يقف أماـ محطة
التراموام ،كألنو لم يشترم تذكرة الذىاب كقف
ينتظر كيفكر ،فما أف نزلت فتاة شابة تبدك
جامعية تتبعها بوليفيا بعينيو حتى رمت التذكرة
في السلة ىناؾ ،فأخذ تذكرتها كصعد مسرعا ،
ثم جلس في اقرب مكاف فارغ أمامو
115
تسونامي ،كىي ليست إال أمطار فقط !
116
كعندما اقترب المتشرد من بوليفيا صرخ ىذا
األخير بصوت شرس :اذىب إلى جهنم تبا
لك!
117
فقاؿ في نفسو :جيد! ،لست أسودا بالكامل
،علي التحكم في غضبي إلى غاية الوصوؿ
إلى البيت
118
كيهددكف بنقلو إلى الشرطة ،.فقاؿ لهم :أنتم
سافلين تمارسوف القوة دائما ضد الضعيف
فقط ،ىيا خذكني إلى الشرطة! ،كال تنسوا
أيضا أف تراقبوا االختالسات في البنوؾ كالتي
يدفعها المواطن من جيبو ،مالعين كمعتوىين
أنتم! !
119
∆∆∆
توترت أعصاب بوليفيا فضرب قاركرة مياه
معدنية كانت عن قرب من رجلو فاصطدمت مع
الجدار بقوة شديدة حتى ارتفع صوتها كأنها
قالت لبوليفيا" :ما ذنبي أنا أيها األسود
اللعين!"
120
بشكل مقزز ،لو يطلب مني نقودا ىذه المرة
سأغرس رأسو في النفايات!
121
-بوليفيا :نعم! ،نعم!! انظر أنا أضحك
معك! ىاىاىا...ىاىا...ىاىاىا!
-فريد :جميل! ،جميل ،أحب أف أراؾ
ىكذا
-بوليفيا :كأنا أيضا أحب أف أرل نفسي
أضحك ىاىاىا ،انظر تبا لك! ،أنا
ابتسم ما الذم يبتسم لي؟ أخبرني؟
122
أخرج بوليفيا شيئا من جيبو ثم قاؿ :خذ ىذه
خمسوف دينار! ىذا كل ما لدم اليوـ ،
ال تقلقني!
123
كذىب يشتم بوليفيا ثم قاؿ" :إنكم جميعا
ستذىبوف إلى الجحيم " عليكم اللعنة!!
ىاىاىا!
124
لكم! ،ال ادرم متى سأحضى بفرصة لشراء
الخبز معكم؟ ،إذىبوا إلى جهنم!
∆∆∆
125
استقر بوليفيا في غرفتو منظر كل دقيقة إلى
نفسو على المرآة يتأمل في ىذا السواد األملس
الذم يسيطر عليو كيحاكؿ في كل ثانية فهم
تلك التشققات التي تتفتح أكثر بعد كل ساعة
،لم يجد أم حل سول أنو يجلس من حين
آلخر ؿيلعن ىذه المصيبة التي حلت بو .
126
باألفكار المظلمة عن السياسة كالمجتمع ،
كل ىذه االحتماالت حاكؿ الحائر المسكين
تفسيرىا كىو متأكد أف األمر لم يحدث معو
صدفة كالبد أف يكوف ىناؾ شيء ما غامض،
شيء غريب يجب معرفتو
***
127
بعد ثالثة أياـ من الع زلة
128
الحظ أف التشققات يبست كلم تعد تؤلمو
كالساعات الفائتة ،كالمؤسف أف الشيء
كشف عن حالتو حتى اآلف ،شعر بدكار خفيف
في رأسو ،فذىب إلى المطبخ يحضر فنجاف
قهوة ،ؿحسن حظو أف جدتو ليست في البيت
ىذا األسبوع فقدل سمعها أمسية البارحة
تتحدث في الهاتف عن زيارتها ألختها بتونس
129
...بحث بوليفيا ؼم الثالجة عن جبن أك لحم
مقدد يعطيو للقط فلم يجد أم شيء ،ىناؾ
فقط حبة تفاح مائلة كحشيش..طماطم مصبرة
،زبدة كمربى ،كعلبة حليب كانت على
الجانب لم تفتحها الجدة
130
...بعدئذ أخذ بوليفيا فنجاف قهوتو كعاد
إلى الغرفة...كضع فنجانو على المكتب
كالعادة...إال أنو تذكر فجأة أنو قد الحظ شيئا
غريبا في المرآة كىو يمر بركاؽ
المنزؿ...اللعنة!
131
عاد بوليفيا إلى غرفتو كاستغرؽ يفكر في الشيء
الذم أعاد لوف بشرتو لحالتها الطبيعية :ـؿ
أتناكؿ شيئا حتى اآلف! ،لم أتذكؽ القهوة بعد!
132
قضى بوليفيا ساعات صباحو سعيدا إال أف ىذه
السعادة سرعاف ما اختفت عندما تبين لو أف
السواد لم يختفي نهائيا كىا ىو يعود مرة أخرل
إلى شكلو الرطب الغير عادم أبدا
∆∆∆∆
133
بعد الظهيرة صعد بوليفيا إلى الحافلة فجلس
بجانب كهل يضع قبعة على رأسو بشكل
مقلوب ،التفت الرجل إلى بوليفيا كأنو يريد أف
يتكلم معو
134
ضحك بوليفيا كلم يقل أم شيء لكونو اكتفى
ينظر إلى الطريق مغلقة ،فبسبب األمطار ككثرة
السيارات اتضح أف الحافلة ستستغرؽ كقتا
طويال للتحرؾ
135
فرد عليو سائق السيارة :أنت البغل عد إلى
الوراء قليال!
136
كأف لم يستحسن الكهل كالـ بوليفيا فقاؿ
لو :بل إف الحياة تعلمنا كيف نعيش أشداء على
البؤس كالتأقلم مع األزمات
137
المظلمة ،مللت البقاء في ىذا العالم البارد ،
بدأت أخشى الخركج إلى الشارع ،فاألحواؿ
ىنا قذرة كأنا جميل ،لقد اكتشفت في كقت
متأخر أنني أتخبط في كاقع ال يستحق أبدا أف
أكوف فيو!
تعجب الكهل من كالـ ىذا الشاب الغريب في
أمره ،كفي تلك األثناء الحظ بوليفيا خركج
شيء يشبو الدخاف من كم معطفو ،فاعتقد أف
ىناؾ سيجارة تحترؽ بداخلو ،أخذ يقلب نفسو
بهدكء تاـ حتى ال ينتبو لو أحد ،كالمدىش من
ذلك أنو لم يكن دخانا كإنما ىو بخار كثيف
يتشكل بفعل تلك التشققات في جسده
138
...لم يجد بوليفيا كيف يتصرؼ في ىذا
الموقف الحرج ،كمعضلة األمر أف الكهل
الحظ ذلك البخار يتصاعد في الهواء ،فقاؿ:
تبا ما ىذا الدخاف؟
139
كلكي يخرج بوليفيا من ىذا المأزؽ انتظر قليال
فبمجرد أف فتح السائق باب الحافلة نزؿ
مسرعا إلى الطريق ،كىناؾ كاصل مسيره على
األقداـ يكاد يصاب بالجنوف من ىذه المحنة
التي تمر بو كال يكاد يصدقها عقلو
∆∆∆∆∆
بعدما قطع المتشقق مسافات طويلة في المشي
تحت األمطار اختفى البخار بسرعة ،عندئذ
أخذ مكانا جانبيا بأحد الزقاؽ فأخرج من سترتو
مرآة صغيرة ليتابع بها التغيرات في كجهو
140
خاصة ،اطمػأف عندما لم يجد أم سواد في
ىذه اآلكنة مركزا على أف كمية الحليب التي
شربها مؤخرا تحفظ مظهره كما ىو على األقل
قرابة ساعة كاملة ،خبأ المرآة ثم أخرج من
جيبو محفظتو كثائق كبدأ يبحث عن شيء ما ،
بطاقة كطنية قلبها ثم قاؿ :اللعنة! كطنية بدكف
حقوؽ ىاىاىا! ،عثر أيضا على صور شمسية
فابتسم ثم قاؿ :كم كنت جميال فيما مضى! ،
فتح كرقة قديمة خاصة بدعوة لحضور محاضرة
في التنمية البشرية ،مزقها كتكلم بصوت
متحسر :الحقوؽ المدنية ىي التنمية تبا لهم
جميعا!!
141
كأخيرا اخرج كرقة ألف دينار ممزقة ،ثم قاؿ:
يجب أف ال أتأخر!
142
كبالفعل كصل بوليفيا إلى البنك كلكن لألسف
مرة أخرل اصطدـ بمشكلة مخيبة
عندما لمح من بعيد باب المصرؼ
مغلقا
143
-بوليفيا :ىل ترل أنو من اؿمنطقي كمن
العادم أف أعود غدا؟
144
الحارس يضحك مرة أخرل ثم قاؿ :ىل أنت
مختل؟؟!!
145
كرقة األلف دينار ،انصرؼ بوليفيا سعيدا ثم
قاؿ للحارس :اللهم ارزقو زكجة صالحة! ىاىاىا
∆∆∆
بعد أف اطلع بوليفيا على أنواع الحليب
كأفضلها للجسم اختار اقتناء حليب خاص
باألطفاؿ ألنو أقول من المنتوجات األخرل
146
قاؿ الرجل :تبا لكم! صيدلية بدكف دكاء؟؟
لماذا نحن موجودكف إذف؟
147
تقدـ بوليفيا إلى البائعة ؼقدـ لها األلف دينار
كطلب علبتين حليب أطفاؿ
148
مكز بوليفيا على العودة بسرعة
كبينما ر
إلى البيت ليجرب فعالية ىذا الحليب
،كإذا بكرة قدـ قوية تتجو نحوه كادت أف تأخذ
بوجهو لألبد فحملها كاقترب بها إلى األطفاؿ
لكي يردىا إليهم ،كلكن كانت المفاجأة أف
ىربوا منو كىم يقولوف :إنو الغوؿ األسود!!
إنو الغوؿ األسود! ثم دخلوا فارين إلى إحدل
العمارات المطلة على الشارع الطويل ،كاصل
طريقو كأف الشيء حدث كىو يقوؿ في قلبو:
تبا لهؤالء األطفاؿ المغفلين !
149
رمى األسود الكرة جانبا كانتبو إلى أف السواد
قد عاد مرة أخرل ،شعر بالغيظ كأخذ يوبخ
نفسو ألنو لم يرتدم نظاراتو ،لحسن حظو
كانت الثلوج تتساقط فلم يكن ىناؾ كثير
من الناس في الشارع ؼأكمل طريقو بهدكء
حتى كصل إلى غرفتو ،تناكؿ الحليب كانتظر
دقائق فلم يحدث أم تغير ىذه المرة
150
جلس على أريكتو فجاء القط إليو كأنو يواسيو
في محنتو ،تأثر بوليفيا كراح يمسح على رأس
القط كإذا بو يالحظ تحوؿ يده إلى لونها
العادم فقاؿ :إنو يعمل! ،إنو يعمل! نجحنا
صديقي نجحنا!!
151
يوـ األربعاء
152
بعد أف تم تهميشهم كلم محصلوا على الراتب
منذ شهرين ،ثم قرأ مستغربا في ثاني
خبر...ككالة الفضاء الدكلية تكتشف حجرا
أسودا بكوكب زمردة كيحمل بداخلو قوة
غامضة؟
153
في الوقت نفسو قابل المرآة ينظر إلى سواده
كيفكر في الخبر الجديد كأف لو عالقة مرتبطة
بهذا السواد الغريب الذم يعيشو ،حرؾ رأسو
مضطربا كعاد يقلب صفحات األخبار في ىاتفو
أنو قد سبق تجريب قوة الحجرة على
فقرأ ب
أحد المتطوعين في مخبر التجارب األمريكية ،
كلكن حدث أف مات ذلك المتطوع بعد
ساعتين من ربط جسمو بتلك الطاقة ،
كالعجيب أف ىناؾ حجرة أخرل من نفس النوع
سقطت بالجزائر كلكن لم يحدد مكانها بعد
154
كبينما ىو يتعمق في موضوع الخبر عاد بنفسو
إلى الذكريات السابقة (حانوت كشجار ،باجيو
،حاج عيسى ،خنجر ،حجرة سوداء)
155
..الحظ بعض الجيراف أف ىذا البوليفيا يبحث
عن شيء ما فراحوا يسألونو عن الذم ضاع منو
فيجيبهم بأنو يبحث عن كرقة خمسمائة دينار
ضاعت منو قريبا من ىنا...فأخذكا يبحثوف معو
كعندما لم يجدكا شيئا شعركا بالملل فانصرفوا،
إال ىو استقر كاقفا يشد نظره إلى حجرة معينة
ىناؾ ،حجرة سوداء على ظهرىا كرتوف كجريدة
،كأف احدىم كاف جالسا عليها قبل قليل كىو
يطالع تلك الجريدة ،حمل بوليفيا الصحيفة
كعلى عنوانها حجرة سوداء مفقودة ،التفت
يمينا كشماال ،استدار إلى الوراء ،ثم قاؿ
بصوت خافت :المكاف آمن!
156
تأمل في الحجرة ،حملها في القفة كانصرؼ
كأنو جن في سرعتو ،كضعها على مكتبو كأخذ
يقلبها من كل الجوانب قائال :إنها ىي ،أنا
متأكد من ذلك ،إنها رطبة الملمس كعلى
سطحها قطعة حديدية غير كاضحة ،أذكر
جيدا أفم تلمستها في تلك الليلة ،ؼما قصة
ىذه الحجرة يا ترل؟ إنها ليست سحرية
أك مختلفة كثيرا عن بقية األحجار المبعثرة في
الشارع ،خبأىا تحت السرير ثم كقف يفكر
في طبيعة الحجر ،يتساءؿ" :ما ىي القوة
الغامضة التي يتحدثوف عنها ؟ ،إنها لم تجلب
157
إلي سول الهم كالغم ،منظرم مظلم كال يمكن
أف أكاجو الناس بهذا المظهر أبدا
158
بعد تفكير طويل ألقى بوليفيا نظرة على رزنامة
األياـ ثم قاؿ :جيد! جيد! ،إنو يوـ األربعاء
كمن المفركض أف تصلني في الحساب منحة
الدراسة األخيرة ،ستمكنني ىذه المنحة من
شراء علب حليب كافية لألياـ القادمة
∆∆∆∆
159
توجو بوليفيا مسرعا إلى مركز البريد فالحظ أف
ليس ىناؾ طوابير كالعادة ،اقترب من كشك
االستالـ البريدم فلم يجد أم موظف في
الخدمة ،توتر فقاؿ :اللعنة! أين ىي الموظفة؟؟
،بدأ بوليفيا يبحث يمينا كشماال عن الموظفة
كيسأؿ عنها لكن ال أحد يجيبو
160
-بوليفيا :لقد مللنا من ىذه الحياة حقا
كأف لم يعد ىناؾ أم أمل في تغيير ىذا
الواقع المر
161
كىمية تجلب الكراىية ،يربطوف العمل بشركط
فوؽ القدرة لتعجز ... ،اللعنة!! لقد رضي
الناس بهذا الهراء عن قناعة ألنهم يعتقدكف أف
ىذا القدر حالة محتمة ال تتغير أبدا...
162
-العجوز :ىذا كاضح! ،يمكن ألم حكومة
في العالم أف توجو المجتمع نحو التقدـ
كاالزدىار...لكنها لألسف ال تفعل ذلك ،
ألنها في الحقيقة ىي موجودة كي تسيطر ،
تحكم لتنهب الثركات كال يخدمها أبدا بناء فرد
مثقف كفاىم ،كلما كاف الناس أغبياء كانت
ىي أقول في التسلط على األفراد
163
المرء جاىال في عقلو كأسلوب حياتو كىو
ال يدرؾ ذلك !
164
ضعفاء يتحملوف فوؽ طاقتهم فقط كي يبقوا
على قيد الحياة...كي ال يتألموا...كي
ال تشتعل الحركب...كي ال يغضب
النظاـ...كي ال ندخل في صدمات جديدة،
نتحمل كل شيء من أجل أف نعيش في بؤس
كسالـ
165
كقف بوليفيا حائرا في ما آؿ إليو حاؿ المجتمع
،ليخرج بعدئذ إلى حديقة األطفاؿ فجلس
ىناؾ ليرتاح قليال ،ثم رفع رأسو للسماء كقاؿ:
يا اهلل كيف السبيل؟
166
-العجوز :نعم يا كلدم بمجرد أف ىكذا
يلعبوف أمامك ينشرح صدرؾ بالرحمة ،كعليو
ينبغي للبشر جميعا أف يكونوا رحماء حتى يعود
الخير كالصالح للحياة ،ربما أنت ترل لألسف
كيف تفرقت ركابطنا كعاد الناس اليوـ
ال يشموف بعضهم ،حتى أنهم لم يعودكا يؤمنوا
أف العمل الصالح كدعوات الخير أمور ا مقدسة
ب
في العالقات اإلنسانية كتلعب دكرا مهما في
حياتنا.
167
لبشر يؤمنوف بالخير كما يؤمن أىل الشر بالشر
،كىذه ىي المفارقة العميقة التي ال نركز عليها
في أدائنا اليومي ،لألسف!
168
على كل رجل توفيرىا ،حتى المرأة لم تعد تغامر
بالزكاج مع رجل ؼقير
169
∆∆∆∆
حمل الشقي نفسو بعيدا حتى ال يحرج العجوز
،فذىب مسرعا كي ال تخاؼ منو أك تشكك
في أنو لص أك شيء من القبيل
170
كلوف بشرتو الملساء ،كأف اللعنة اختارتو ليكوف
ضحيتها الكبرل
171
..مشاكل متكاثرة كأزمات منتفخة...ظلم في
كل مكاف كحقوقنا مهضومة ،أشعر أف الحياة
التي نعيشها ليس فيها حياة...أنا متأكد!...
ال تدكر األشياء من حولنا كما ينبغي...منذ أف
أصبحت شابا عدت استيقظ مخنوقا ال أفهم
كيف سأعيش سعيدا في كسط الهموـ التي
تدكر بنا أماـ كل اتجاه...عندما أتفكر في
األحداث التي مرت علي ىذه السنوات األخيرة
يتصور لي كأنني زامبي ضائع في غابات
زامبيا...أما الذين حولي ال يختلفوف عني
أبدا...ىم كذلك زامبيوف غارقوف في المدينة
كلكن أغلبهم ال يشعركف .
172
كقف بوليفيا أماـ الطريق ليمر إلى شارع آخر
فإذا بسيارتين تصطدماف أمامو بعنف شديد ،
ظهرت على اليمين سيارة أجرة حمراء اللوف
طويلة بأربعة أبواب ،أما على اليسار سيارة
رباعية الدفع سوداء مثل صاحبها األسود أصلع
الرأس كخشين الجسد
173
احدىما اآلخر كذىبا يشتماف بعضهما فيوجهاف
اللكمات كأنهما في حلبة البوكس..
174
توقفوا كاستغربوا فيو لدرجة أنو بقي مستجمعا
لقوتو يمنع الثاني من التقدـ إلى أف جاء الناس
كفرقوا بينهم
∆∆∆∆
لم يمشي المنهك سول ثمانية أمتار حتى شعر
باإلرىاؽ يشق جسمو المتشقق ،لقد ضعفت
معنوياتو كخارت قواه بعد أف فشل في الحصوؿ
على فرنك كاحد من اجل شراء الحليب بتلك
الكمية ،لحسن حظو أف حليب األطفاؿ كانت
175
نتيجتو مبهرة تساعد بوليفيا على االستقرار في
حالتو العادية لمدة تتجاكز أربع ساعات ،كلكن
لم يبقى أكثر من ساعة كسيتحوؿ أسودا في
كامل كجهو كأطرافو ،كحين لم يجد أين
يستريح اضطر لالتكاء على شباؾ البلدية ليجد
نفسو أماـ باب الملعب مفتوحا فدخل إلى
المدرجات كأخذ مكانا في زاكية معزكلة عن
بقية الجماىير ،حاكؿ أف يشغل نفسو عن
المصيبة السوداء بالتأمل في الكرة تذىب يمينا
كشماال بين الالعبين ،ظل يترقب حارس
المرمى كيف يقفز لقبض الكرة كفي الوقت
نفسو يتخيل أنو العب مع الشباب ،استمتع
176
أيضا بالنظر إلى حكم المباراة كيف يخرج
البطاقة الحمراء من جيبو كيسحق بها الالعب
الذم يتصرؼ كأنو دبابة على األرضية...
177
...عاد الالعبوف إلى أرضية الميداف كلم يكن
ىنالك أم لقطات تجلب االنتباه ،كفي كرة
ثابتة خطيرة استقر بوليفيا ينتظر دخوؿ الكرة
في الشباؾ حتى قاطعو أحدىم :أخي!
178
تزعجك الرائحة أك قد تكوف أنت كاحدا من
أفراد الشرطة المدنية ،لذلك من كاجبي اخذ
حذرم فال تتعجب!
179
بالكانيباؿ المتوحشة في الغابات المهجورة،
لم أدرؾ ذلك إال في كقت متأخر ،كأنا اليوـ
نادـ جدا ،انظر إلي! أنا فقط أدخن سجائر
بالحشيشة ىذا كل شيء !!
180
في الظلمات دكف أف أدرؾ ذلك كأعجبتني
الحياة مع الخمر كالسهرات ،كنت أقبض ماال
كبيرا مقابل بعض الجرائم ،ثم لما دخلت
السجن استحييت من رؤية كجو أمي في الزيارة
،لقد عاىدتها أف ال أتورط في أم جريمة بعد
نهاية مدتي كراء القضباف ،سأحاكؿ مع مركر
الوقت التخلص من المخدرات ،فأنا ال أريد أية
مشاكل مع الدكلة
181
أف تحسسوا المكاف جيدا أخرجوا سجائرىم
ثم تقاسموا الحشيشة
182
عمت رائحة المخدرات في ذلك المكاف فلم
تمضي دقيقة حتى قاؿ احدىم :اللعنة! أنا أتألم
في معدتي من حين آلخر
183
-األشقر :لست أتوتر كثيرا ىذه األياـ...
ال ادرم! ،عندما ازكر الطبيب سيخبرني بما
يحدث
184
-النحيف :دعني أعطيك نصيحة! ،ال تشرب
الغازات كتوقف عن أؾؿ السالطة كالطمامم
كالجزر ألنها تحتوم على غازات تتهجم على
المعدة
185
ضحك بوليفيا كقاؿ :ال يهم على األقل أنتم
تنصحوف بعضكم البعض ،ىذا شيء جميل في
زمن لم يعد يهتم الناس لبعضهم البعض ،
ضحكاتكم تغير األجواء السوداكية قليال
186
-النحيف :نعم! ،نحن نأتي إلى ىنا يوميا
لتبادؿ ىمومنا ليس ىناؾ ما يلفت انتباىنا في
الشارع...كل شيء ممل! ،نحن ندفع أيامنا
كنأكل الوقت حتى ال تأكلنا األياـ بأزماتها
المندفعة علينا كالسيل ،لم يعد ىناؾ أمل
في ىذه البالد!
187
،أصبحنا نعيش كفقط ،نتألم ،نصبر كنبتسم
قليال ليستمر كجودنا بينما الكلب مازاؿ في
عادتو القديمة كيفعل ما يشاء في حديقتنا
الجميلة
188
-النحيف :لم نعد ندرم حتى كيف نتصرؼ
في حياتنا كأحوالنا؟ ،إنها الفوضى التي
أصبحت ترىق كاحلنا ،حتى المثقفوف لم يعد
لهم صوت في المجتمع
189
-األشقر :كىؤالء اؿسوسيولوجيوف المزيفوف
ال يعجبهم الحاؿ عندما نتحدث بكل صراحة
عن الخراب الذم يدكر في المجتمع ،
بل يريدكف منا ف نكتم أفكارنا كنستمر
في االرتباؾ من الداخل كنصمت حتى يعتقد
الناس أننا بخير كأقوياء ،كمن يتكلم يعايركنو
بالمجنوف كغريب األطوار ،اللعنة! على ىذا
الهراء إلى يوـ دين!
190
كنتهكم من بعضنا بأفكار متضاربة فقط لنظهر
علماء فيما بيننا ال أكثر!! ،ترانا ندخل في
مواضيع جدالية عميقة لنتهرب من الحقيقة ،
أكقعنا أنفسنا في خندؽ التعقيد كالقيل كالقاؿ،
كنحن ببساطة لسنا بحاجة إلى كثير من
التفلسف بقدر حاجتنا إلى ضمير حي ،ىذا
كل شيء! ،كلكن! ...حتى الضمير مات!
191
يمكن أف نعيش بخير مثل بقية األجناس في
العالم
192
-بوليفيا :ال تقلقوا ...ال تقلقوا! أنا مريض ،أنا
مريض! ،سأترككم اآلف!
193
لباتماف كاآلخر للجوكر ،يبدك أنها لألكالد
الذين كانا في الملعب قبل مدة ،حاكؿ بوليفيا
التفتيش عنهم كلكن لم يجد احد ،فقد اشرؼ
الظالـ كيبدك أف الجميع قد رحل ،حمل
األقنعة في يدمقكأخذ ينظر إليها ثم ذىب
يتذكر حلقات باتماف كالجوكر كيف كانت مثيرة
***
194
ليلة مثيرة
مشى بوليفيا خطوات ضائعة إلى حيث
ال يدرم ،مضى يفكر في العودة إلى المنزؿ
حتى اتجو سمعو إلى صوت ضحكات
كموسيقى من بعيد ،فما إف التفت رأسو إلى
الصوت علقت عيناه على لوحة معلقة بمنارة
كهربائية ،تشهد ىذه الليلة مهرجاف كبير بقاعة
الحفالت مقابل الملعب ،أما اإلعالف الثاني
مرحب بجميع الموىوبين للمشاركة في السهرة
حصل على جائزة
للعلم أف العرض األفضل سمت
خمس ماليين دينار
195
تفتحت أعين بوليفيا قائال :ماذا! خمسة
ماليين؟؟
∆∆∆∆∆
196
تقدـ األسود إلى غرفة االستقباؿ الملونة
باألصفر كاألحمر فشعر فجأة بالحنين إلى أياـ
طفولتو لما كاف يذىب إلى المسرح لمشاىده
المهرجين كاأللعاب السحرية ،لم يلبث دقيقة
حتى ناكلو أحد األعواف بطاقة دخوؿ ،كألنو
متأخر حصل على الرقم 17
197
،لكنها بمجرد أف رأت قناعو قالت :رقم 17
ستؤدم دكر المهرج أليس كذلك ؟ ،لقد
سجلتك! ،لحسن حظك لم أف عركض
عركض المسرح لم تنتهي بعد
198
المدرجات يبحث عن أم طفل يحمل بيده
حليب ،كلحسن حظو لفتت انتباىو رضيعة
لمح
بقرب كالدىا متدلية لألسفل كت
في الهتافات إلى الخلف فجلس الجوكر
األسود كراءىا ،اخذ الحليب كاختفى ،
كلما حاكؿ األب ترتيب رضيعتو على ذراعو لم
يجد قاركرة الحليب البنتو كلما بحث عنها
أسفل المدرج لكن لم يجد شيئا ...لقد كجد
بيدىا قناع باتماف بدال من رضاعتها!
199
ال يكفيو اضطر لشرب الحليب من مصاصة
القاركرة كاألطفاؿ كفجأة سمع صوت مرتفع:
رقم 17يتفضل معنا! ،رقم 17ليتفضل!!
∆∆∆∆∆
200
كقف الجوكر األسود على المنصة الخشبية
كاإلزار األحمر من كراءه ،لقد كاف يرتعد
في قلبو ،فهو اآلف يقابل شعبا غفيرا من
الحضور كال يملك أية فكرة عن ماذا سيقدمو
ىذه الليلة
201
على األرض ،كاف مظهره أكثر من رائع بسترتو
السوداء على قميصو األبيض ،حتى سركالو
األسود تناسق جيدا مع حذاءه الكالسيكي
الطويل ،شاءت الصدفة أف يلبس ىكذا في
ىذا اليوـ ،إنها مالبس مخصصة فقط
لمقابالت في العمل أك مناسبات مميزة ،
كىذه ربما أجمل مناسبة لبوليفيا على ما
يبدك...
202
قائال :اللعنة! لقد حل الصمت على المسرح
يجب أف أبدأ!...
203
السكاف األصليين ألمريكا كرعاة البقر
المستعمرين
204
لقد كانت بداية مرتبكة للمهرج الجديد ،
يبدك عليو أنو مشوش ،فضحكاتو توحي أنو في
أسوأ ساعات حياتو..
205
قناع للتسلية؟؟ ...ال ال! ،ىو ليس كذلك أبدا
،فوجو الجوكر يعبر عن الغموض النفسي في
شخصية اإلنساف الباطنية...لقد رأيت شخصيا
مالمحي في مرآة الجوكر ،ىذا الجوكر رجل
يدرؾ جيدا أنو على خطأ في كثير من أفكاره
كلكنو في الواقع ذكي جدا ...كاف يكافح على
طوؿ الزمن من أجل أف يتغلب على خصمو
كلو لمرة كاحدة فقط...ىذا حتى ال يعتقد
الناس دكما أف باتماف ىو كحده البطل الذم
يمثل الحق المطلق في األرض...
206
في حديثو المنقطع ،حاكؿ المقنع التحكم في
نفسو فواصل حديثو كىو يتسارع بعض الشيء
قائال :ؿك أنكم تشاىدكف كيف احرؽ الجوكر
كل تلك األمواؿ التي سرقها ستشعركف باأللم
بدكف شك ...نعم أحرقها! أحرقها كىو سعيد
جدا...لقد استمتع بذلك كثيرا...لم يفعل ذلك
لجنوف أك ىلوسة في رأسو كإنما ليخبر العالم
أف الماؿ الذم نكاد نعبده ال ينبغي لو أف
يسيطر على حياتنا إلى ىذه الدرجة
207
لقد دخل المهرج بالجميع في متاىة
جديدة فيها نوع من الغموض كالجدية
مع الواقع ،إلى أين سيذىب الجوكر
في كالمو بعد ذلك؟؟
208
...كثير من الناس يعملوف ليال نهارا ليتقاضوا
راتبا شهريا زىيدا ال يغير شيئا من حياتهم ،
إننا نعيش فقط لخدمة ىؤالء األغنياء
المتوحشين ،أما نحن الفقراء ترانا ندكر حوؿ
نفس نقودنا ،نعم! ،نعم! ،نقودنا تبقى كما ىي
أك تنقص ،تخرج كتدخل إلى جيوبنا ال تزيد
فينا شيئا ،يجب أف نعترؼ بأنها نقود قليلة
ال نستطيع بها تحقيق أحالمنا
209
سندكيتشات كرقائق البطاطا...كمن ىنالك
صافرات ساخرة تحتد على أذنيو بشدة ،فهل
سيواصل بوليفيا حديثو ىكذا أـ سيغير المقاؿ
كيستسلم؟
210
أخذ عضة منها ثم قاؿ :مممم لذيذة! ،شكرا
لكم ،ىل تريدكف مشاركتي؟
211
ىذا حتى ال يعايره الناس بالفقر ،نعم! عاد
المرء يقترض الماؿ كيسرؽ كيكذب فقط
كي يقوؿ الناس عنو فالف يلبس ماركة عالمية
كيأكل بيتزا بسمك التونة...اه خاصة! إذا كاف
معو فتيات كأصدقاء...سيصرؼ في المطعم كل
ما لديو...ثم! ،ثم عندما يمر بالقرب
من الحانوت يبدؿ طريقو حتى ال يتذكر الديوف
المكدسة في كناش التاجر...إننا جميعا نتظاىر
بأننا أغنياء لكوف الفقر أصبح عيبا بينما
االحتياؿ أصبح فطنة ،ربما أنا الفقير الوحيد
بينكم أليس كذلك ؟؟ ىاىاىا!
212
سكت قليال كتعبير عن حزف في قلبو ثم
أضاؼ :نعم ،نعم! ،الفقر عيب كبير !
213
...ىاىاىا ،نعم! ،يجب أف تكوف فاسدا
لتعيش في رفاىية...أغلب الذين اختاركا
الحالؿ منهجا يعيشوف في بؤس ،اسألوا
المعلمين كالموظفين العاديين كحتى الطلبة
الجامعيين في المحالت ،إنهم ال يعرفوف حتى
كيف يتصرفوف بأموالهم في يوـ حصولهم على
الػأجرة ،فالحياة مطالب كنحن الوسيلة البائسة
لتحقيق كل مطلوب ،كحياتنا لسوء الحظ
مبرمجة سياسيا على السير كراء مطالب
ال تنتهي ،نحن ركبوتات تعيسة! ،ال أرل أبدا
بأنو الوقت المناسب لنتفاءؿ!
214
جلس على أرضية الخشبة كأنو متشرد ثم قاؿ:
إنكم ال تعرفوف أبدا ما الذم حدث معي قبل
أياـ ،لقد بعت أجمل معطف حصلت عليو في
حياتي !
215
216
217
بجدارة نجح بوليفيا في احتواء الجماىير
كجذب قلوبهم إليو ،كىم أيضا بنظراتهم
المعجبة إليو أعطوه دافعا قويا لمواصلة عرضو
حتى تجمعت دمعة في عينيو كسقطت على
المنصة
218
بخير كأقوياء ،كمن يجرأ فيتكلم عن الواقع
المقلوب ننعتو بالجنوف كغريب األطوار،
إال أنني أنا أصر كل مرة على أف أقوؿ األشياء
التي تقلقني في قلبي ،كنت أكره كثيرا
أف يسكت المرء في الوقت الذم يجب فيو أف
يتكلم ،كلهذا أقوؿ دكما اللعنة على ىذا الهراء
الذم نحن فيو إلى يوـ دين !
219
توقف ىنيهة كأكمل حديثو :كبسبب ذلك! ،
عندما لم يجد الناس مخرجا من ىذا البؤس
اختاركا أف يعيشوا بشكل مرقع ،فالمساكين
لما يتملكهم الضعف في أنفسهم يقوموف
بصناعة أكاذيب من حولهم يقولوف لبعضهم :
كن قويا! ،انهض بنفسك! ،اعتمد على
قدراتك!...أنت تستطيع! ،كفي الحقيقة يكوف
اإلنساف أمامهم مدمرا من كل الجوانب ،
لم يبقى لو سول نفس أخير يقف بو ،الشقي
يكوف حالو في تلك اللحظة كحاؿ المقتوؿ
الذم يطلبوف منو إحياء نفسو من جديد
220
ضحك بوليفيا بهستيريا شديدة فاتحا ذراعيو
كقاؿ :ىاىاىا...ىاىا! أبدك لكم مجنونا ؟؟
ىاىاىا...ىاىا! سحقا إنها الحقيقة !
221
كالتفكك االجتماعي ،إف األمر ليوحي لنا
أف ىناؾ مشاكل جمة تحدث في الواقع ،
كالمؤسف انو ليس ىناؾ منابر حقيقية ؿتحاكؿ
عالج ىذه األزمات الخطيرة ،فحتى بعض
األحزاب كالجمعيات خانت ثقة الناس ،
كالناس كذلك خانوا بعضهم ،إال أنا! ،نعم
إال أنا ،قررت أف أكوف مهرجا كجئت ىنا كي
اعرم كل شيء...
222
غلظ صوتو أكثر كأنو كحش ثم صرخ:
ال يبدك بتاتا أف الحياة جميلة في إفريقيا
كالشرؽ األكسط!...كال يمكن للتفاؤؿ أبدا أف
يحل مشاكلنا في زامبيا...فنحن نولد في كسط
متعفن مليء بالهراء...لهذا السبب نشهد
كراىية مستمرة على المدل الطويل...حتى
ذلك الحب األحمر المزخرؼ ليس بتلك
الصورة التي نحلم بها في خيالنا المتصوؼ
223
كلكنني أصبحت شابا كالشيء تغير حتى اآلف ،
إننا نعيش نفس المعاناة كنتجو نحو مصير
محتوـ ال نريده
224
توقف ثم عاد يقوؿ :لقد بدا من الواضح إنني
متشائم ،نعم أنا متشائم ،إنني أرل بأف الحياة
ىنا صعبة كمعقدة كفيها كثير من الهراء ،نعاني
من أزمات السكن كالبطالة كالعنف اإلدارم
كنجد عراقيل كلما حاكلنا أخذ حقوقنا ،
كاألسوأ من ذلك أف الناس تعيش في جهل
كتتجرأ على الغش كالكذب بدكف ىوادة ،فأين
ىو المعتوه الذم يستطيع أف يقنعني أننا بخير؟
225
بسيكولوجي من أحدىم...فعندما يتعلق األمر
بنفسيتك المحطمة تصبح أنت الوحيد المريض
في العالم ،بينما العالم من حولك كلو مختص
نفسي ...
226
...ىاىاىا ،لما كنت صغيرا في المدرسة ،كاف
لدم أصدقاء أغنياء ككانوا يخبركنني أنهم
يدخركف النقود لمستقبلهم ،فأحضرت علبة
طماطم فارغة ثم بدأت أضع فيها دراىمي ،
لم تمضي ساعة كاحدة حتى كجدت نفسي
أصرؼ كل نقودم ألشترم آلة حاسبة علمية ،
فعلت ذلك كي ال تضربني معلمة الرياضيات
للمرة الثالثة ،لهذا يقوؿ العلماء في الرياضيات
أف الخطأ إذا لم نصححو في العملية األكلى
سيشكل لنا أخطاء كثيرة في المسألة كمنو
يذىب العالم إلى الجحيم...كنحن بهذا
227
الشكل العشوائي الذم نعيش فيو يبدك كاضحا
أننا ذاىبوف إلى جحيم أسود
228
نتعود على تحمل الظركؼ اؿمزرية كذكؽ
المرارة بالثواني...تلك تجارب بائسة ال أتمناىا
أف تتكرر مع األجياؿ الالحقة ،بالعكس يجب
أف نرفض كل أشكاؿ االستغالؿ البشرم
كنحاكؿ أف نحارب كل أنواع اإلستغباء التي
تسلب كرامة اإلنساف
229
الحصوؿ على لقمتهم ثم يشيبوف على البؤس
كيفتخركف بشقائهم كأنهم عاشوا أبطاؿ ،
كلو أنهم صبركا يوما كاحدا رافضين للمهانة
كانت ستتغير حياتهم إلى األفضل ،لكن
نفوسهم تخكفهم من المستقبل فيختاركف
العبودية منهج حياة كبطريقة معقدة لالستمرارية
بدكف مشاكل ،كفجأة كجدنا حياتنا مرىونة بين
قوسين ،نقف على صحيف ساخن ،إما أف
نصبر حتى الموت أك نطالب بالكرامة فتحدث
الفوضى في الوطن ،فلماذا؟..لماذا؟ لم نبني
مجتمعنا على أسس متحضرة بالمعرفة
230
كاالنسانية كالفكر ،ىل يجب دكما أف نأخذ
الطريق الخطأ العادة برمجة حياتنا؟
231
رفع عينيو مباشرة اتجاه الجماىير فقاؿ:
ىناؾ مرحلة من المعرفة يصل إليها العقل
ال يفهمها سول صاحبها فيتفوؽ عليكم بعلمو
كإدراكو ،كلكنو قد يجد صعوبة في تفسير
األمر لكم فيعتبركم جميعا أغبياء كجاىلين ،
أما أنتم أيضا فمن زاكية أخرل ستعتقدكف أنو
زنديق يهلوس عليكم كتعتبركنو مجنونا ،كىكذا
يتضح أننا زامبيوف ضائعوف في العالم الثالث
كمازلنا ضحايا في حلقة الصراع بين الجهل
كالجنوف كلم نصل بعد إلى مستول العقل
المتقدـ ،إننا نحتاج لكثير من الوقت كي
نخرج من ىذه األزمة التي تؤرؽ إفريقيا
232
...ببساطة نحن نتخبط في الهراء
كالسمكة التي تحتضر على شاطئ البحر
كال أحد يتحسر عليها ألنها مجرد سمكة
233
كلكن ال نخبر أحد ،ألف الشامتوف قي كل
مكاف
234
في أسنانهم ،تلك األسناف الجميلة التي
أصبحت ال تقاكـ في ظل ىذا البؤس
االجتماعي القذر
235
...اعرؼ أنني لست مهرج رائع! ،كأنتم كنتم
تنتظركف مني أف اقتل قلوبكم بالضحك،
كلكنني لألسف! أنا حزين جدا! كيف تريدكف
مني أف أضحككم؟؟
236
صدقوني! ،من السيئ جدا أف تعيش في الحياة
بدكف عمل ،لن تستطيع أف تتحرؾ بدكف ماؿ
في جيبك ،تبا! كيف سأفسر لكم ذلك؟؟
237
،انتم تعرفوف ذلك! ،ىاىاىا إف المدراء
ال يطلبوف في الشركات سول النساء ،ألف
النسوة يتحملن كل شيء في العمل ،إنهن
يصبرف كيقبلن براتب زىيد ،ليس أبدا مثل
ذلك الرجل ذك الشوارب ،تراه دائما يرفض
المهانة كيطالب يوميا براتب أفضل لمستقبل
زاىر ،أنا ال استبعد أف تصبح النساء ربات
البيت كالرجل جليس أطفاؿ ،ىاىاىا! صعبة
ىي الحياة ىنا ،ىاىا..ىاىاىا إنها صعبة حقا!!
238
كأننا في غابة زامبيا ،لألسف! ،ؼحين ال يعرؼ
البشر ذ كاتهم اإلنسانية يتحولوف إلى كحوش
غبية...كحوش ال تعرؼ كيف تعيش ك ال تعرؼ
حتى كيف تموت...
239
كشف بوليفيا نفسو أماـ الجماىير كاعتقدكا أف
ىذا الشكل المخيف جزء من المسرحية كلم
يصدقوا أبدا كالـ بوليفيا على أنو أسود ،لقد
بدا لهم األمر خياال كحتى البخار اعتقدكه
مجرد خدعة سحرية مجنونة
240
أف ال أحد يشبهني...كلماتي غريبة ،فمثلي
كمثل نمر متوحش يصرخ لوحده في مكاف
بعيد بأدغاؿ اآلمازكف..
241
أنا أتكلم بجدية! ،لكن! ال عليكم! إنها تبدك
نكتة مسلية
242
"إف القلب البشرم ال يستطيع أف يحتوم إال
كمية محدكدة من اليأس "
∆∆∆∆∆
كانت كلمة ختامية مالمسة جدا على قلوب
الجماىير فانطلقت تصفيقات حارة ىزت
المدرجات بأكملها ما دفع الج ميع يقف
احتراما لهذا الرجل األسود الشجاع ،كأغلب
النساء سقطت دموعهن تأثرا بهذا األداء
المميز الفريد من نوعو...
243
كأحسوا بقلوبهم منشرحة ،ؼلقد سمعوا من
المهرج األسود بصدؽ ما كانوا يتمنوف قولو ،
كقبل إعالف الختاـ صعد المنشط على المنصة
من جديد متشوقا لتقديم الفائز بجائزة أحسن
فناف لهذه المناسبة ،فأخذ جميعهم يصرخ
كينادم :بوليفيا!! ،بوليفيا!!! ،بوليفيا!!!
244
لم يدـ االحتفاؿ طويال حتى انتشر بالمكاف
ضباب كثيف ،ثم اختفى سريعا ،فظهرت
المنصة سوداء كاإلزار أسودا كحتى األرض
سوداء بكراسيها
∆∆∆
كضع بوليفيا الصك في جيب قميصو كخرج
من المسرح يضحك كأنو مجنوف أك مصاب
245
بهستيريا خيالية ،تقدـ قليال كنظر إلى السماء
قائال:يارب! ،أشكرؾ!! ثم أضاؼ :غريب! ،
غريب جدا الذم يحدث معنا!
246
كنستغرب في ىذه الحياة التي نعيشها ،كأنو
مجرد حلم يسير بنا إلى المجهوؿ ،ذلك
المجهوؿ الذم ال يأتي على بالنا كال نريد أف
نتوقعو أبدا
247
نزلت األمطار بغزارة كلم ينهض بوليفيا من
مكانو ،استمر يحدث نفسو كىو يسترؽ
من بعيد صوت يشبو رنين اؿطوارئ ،كأنها
سيارة شرطة تدكم من بعيد
248
لم يحرؾ بوليفيا ساكنا لكونو متأكد في نفسو
بأنو سيتصرؼ عن الشرطة بشكل أك بآخر ،
فلقد لمح من بعيد عجوزا يحمل مكنسة
كيرتدم سترة صفراء كقبعة ركسية ،يبدك من
المرىق عليو جدا تنظيف طريق الشارع في ىذا
الجو الممطر ،إنها فرصة األسود كي يعمل
صالحا كيريح السيد العجوز ىذه الليلة .
***
249
المضموف
128
- 4بعد ثالثة أياـ من العزلة..............
-الفهرس 250................................
250
251