Professional Documents
Culture Documents
في صندوق جدي المعدني هناك كثير من األوراق الصفراء ،وكثير منها
األصمعي وسارق الرمان ،ترى ماذا تقول الحكاية ؟ ولكن قبل ذلك من هو
األصمعي ؟
العرب ،وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان .وهو من مواليد البصرة
أخبارها ،ويتحف بها الخلفاء ،فيكافأ عليها بالعطايا الوافرة .أخباره كثيرة
جدًا ،ويقال إن الرشيد كان يطلق عليه (شيطان الشعر) .قال األخفش" :ما
رأينا أحدًا أعلم بالشعر من األصمعي" ،وباإلضافة إلى ذلك فقد كان
واآلن لنعود إلى أوراق جدي الصفراء وحكاية األصمعي وسارق الرمان.
1
تقول الحكاية أن األصمعي شاهد ذات يوم وهو يسير في شوارع البصرة
جارية تحمل رمانًا فوق رأسها في وعاء .فتسلل اليها رجل فأخذ رمانة
فظننتك جائعًا ،أما أن تسرقها وتتصدق بها على مسكين ،فهذا أعجب.
فقال الرجل :سرقتها فكتبت عليّ سيئة واحدة ،وتصدقت بها فكتبت لي
عشر حسنات ،فبقي لي عند ربي تسع حسنات ،فإذن أنا أتاجر مع ربي.
يقبلها اهلل منك ،ألن اهلل طيب ال يقبل إال طيبًا ،فأنت كمن يغسل الثوب
النجس بالبول.
ثم يفتي لنفسه أو لغيره دون علم ،ويجادل بالباطل ،وهو يظن أنه على
الحق ،ويبرر ،ويدافع ليحلل لنفسه الحرام أو يوهمها أنه على صواب من
أمره".
فذهبت أفكر في تلك المالحظة األخيرة كثيرًا ،هل فعالً نحن نعيش
ويعيش حولنا الكثير من البشر ممن يجادلون بالباطل ليحوله إلى الحق ؟
2
أو الذين يحللون المواقف لتتوافق مع رغباتهم ومتطلباتهم ؟ دعونا
تفسير الدين بما يريد :وجدنا أن كثيرًا من الناس يقوم بكل ما يخطر على
من آيات أو أحادث نبوية لتبرير ما يفعل ،وكأنه من تلك الفئة التي
تستقطع جزءًا من اآلية التي يقول فيها عز وجل (يا أيها الذين آمنوا ال
بطريقته الخاصة ،ويجادل الناس بحسب ما يرتاح إليه هو ،فمثالً :ذات
فقام أحدهم وأنكر ذلك وأتى بقصة حصلت أيام رسول اهلل صلى اهلل
يتحدث فيه.
في الجمعيات األهلية والتآمر على الناس :عندما تبدأ فئة من الناس في
3
الصفوف األمامية ،مبررين ذلك أن األفراد في الصفوف األمامية غير
تطوير الجمعية وتحديثها وما إلى ذلك من أمور ،ربما تكون بعيدة عن
أرض الواقع ،ولن ترتاح تلك المجموعة إال بالتخلص من الرئيس أو نائبة
أو غير ذلك ،المهم أنهم يتآمرون على موضوع غير جدي.
فهذا يقول "أني أعتقد" وذلك يقول "ال ،أعتقد أن األمر هكذا" ،ثم يتطور
النقاش إلى أن يصل إلى أن يتمسك كل فرد بوجهة نظرة ويضع كل
وجهات نظر ليس لها عالقة بالحقيقة أو الواقع ألن أحاديثهم مبنية على
والغريب في هذا الموضوع كله ،إن هناك بعض القروبات ما زالت تناقش
4
الدين والتسليف :يأتيك شخص تعرفه ،ويطلب منك مبلغًا من المال
فتعطيه مبلغًا من المال على اتفاق أنه يرجعه بين فترة من الزمن،
وينقضي الوقت وأنت تنتظر أن يأتيك بمالك ،إال أنه يتصدد عنك
حتى ال تلتقيان ،وتمر األشهر وتنقضي فترة فوق الفترة المقرر ،وتحاول
أن تجد له منفذًا إال أنه يتهرب منك ،ولكنك تتصل به بالهاتف ،فتجده
أنه قد غير رقم هاتفه ،فتحتار ،ولكنك تصر ،وفي لحظة ما تجده أمامك
ال مفر من التحدث إليك ،فتعاتبه ألنه أخلف موعده ،فيماطلك ويبرر أنه
ال يملك المبلغ اآلن ،فيطلب مدة أطول ،فيماطل ويماطل ،فتوسط
صديق من أجل التحدث إليه فيرد ببساطة "أنا ال أملك شيئًا ،وهو يملك
فلماذا يطالبني بالدين ؟" ،وهل هذا مبرر حتى تسرق مال اآلخرين.
الكم الكبير من األعمال التي تقدم على الشاشات العربية ،وسنويًا يتذمر
أو الحقيقة بشيء ،أو األعمال المنوعة التي ال يطيق مشاهدتها أحد ،وفي
5
المشاهدين الذي قاموا بمتابعة برامجها عدد فاق التوقعات ،ومن يدري
أين الحقيقة ؟
شيء لم يحدث.
ويستمر سارق التفاح في تبرير أفعاله حتى وإن كانت غير مبررة،
يقوم به ،وعلى الرغم من ذلك فهو يعيش تلك الكذبة معتقدًا أن الجميع
كم من سارق التفاح يعيش بيننا اليوم ،وال نبرأ أنفسنا ،فحتى نحن نكون
مثل سارق التفاح في بعض األحيان ،فكر في األحداث التي تمر عليك
6
نذهب إلى البقالة أو السوبرماركت فنذهب إلى قسم المكسرات لنشتري
حتى وإن كانت الكمية صغيرة وفي النهاية نحن نعلم أنه لم تكن لدينا
نجلس معهم ال تكف أيدينا بالعبث بالهاتف ،وكأننا نرسل لهم رسالة
مبطنة أنه يمكننا نحن الذين نستطيع أن نبرر أفعالنا أن نفعل ما نريد،
لنعيد النظر في حياتنا وحياة من حولنا ،هل بيننا سارق رمان ؟ تأمل.
7