Professional Documents
Culture Documents
من العقالنية ومن الحكمة ومن المنطق كذلك أال نختلف على األصول
األخالقية ،فاألخالق أمر عالمي تتفق عليها جميع األفكار واألطياف،
واألخالقيات الحياتية واإلدارية كثيرًا ما تتشابه ،فأعمالنا وحياتنا كثيرًا
ما تكون كحركة رمال الصحراء الناعمة التي تغرقنا وتنسينا أننا نعيش
في خضم حياة صاخبة يمكن أن تتطاير منها الكثير من تلك األخالقيات
التي نحتاجها ،وخاصة عندما نتعامل مع من نحب سواء في العمل
اإلداري أو في أسرنا ومع أوالدنا.
أوالً :ضبط لسانك؛ كنا في ندوة صغيرة ذات يوم في دول شقيقة
حضرها مجموعة منتقاة من األفراد ،فاجأنا منظمو الندوة في أول يوم
1
بأن منحوا كل شخص حوالي ربع ساعة فقط لتحضير ورقة عمل صغيرة
بهدف إلقائها في زمن ال يتعدى 10دقائق ،وذلك كنوع من التجربة
الجديدة في عمل الندوات والدورات التدريبية ،وبعد الوقت الممنوح طُلب
من كل شخص أن يتحدث عن الموضوع الذي قام بتحضيره.
يمكن المالحظة أن هذا الكالم خطير جدًا ،فاللسان عضو مهم من أعضاء
اإلنسان ،فمن خالله يمكن أن تكسب الناس ومن خالله أيضًا يمكن أن
يكرهك الناس ،فأنت – في كثير من األحيان – تتحدث ،وربما يضرب هذا
2
الحديث الذي تقوله من غير قصد في مكان جارح لإلنسان الذي أمامك،
ربما يكون كالمك مجرد فكاهة ،أو مزحة ،أو ربما يكون كالمك تعميمًا
لواقعة معينة ،وربما أمور كثيرة أنت ال تدركها ،فأنت ال تعلم ما المكنون
في نفوس البشر ،ولكنها كلمة إن خرجت من فيك فإنها لن تعود.
3
ثانيًا :ترك الفضول؛ من المعروف أن الفضول جزء أساسي ومهم من حياة
اإلنسان ،فإن لم يكن هذا السلوك موجودًا عند العديد من العلماء لما
نعمت البشرية بكل هذه االختراعات وهذه التكنولوجيا وهذه الحياة،
فالفضول – كما تشير الدراسات – عاطفة يمكن أن تتمثل في التعطش
للمعرفة ،وهي القوة الدافعة الرئيسة وراء إجراء األبحاث العلمية
والدراسات اإلنسانية وما شابه ذلك .والفضول نمط سلوكي ال يتمتع به
اإلنسان فحسب وإنما يُعد أمرًا شائعًا بالنسبة إلى كل الكائنات الحية،
منها القرود والقطط والقوارض وحتى األسماك والزواحف والحشرات
وغيرها.
4
فلنتصور كيف ستكون حياتنا لو كان يشاركنا في العمل مثل هذا
اإلنسان الفضولي ،ترى كيف سنتصرف معه ؟ هل سنغلق األدراج كلما
غادرنا مكاتبنا ؟ هل يمكننا أن نتحدث معه ؟ وماذا سنقول ؟ هل سنترك
هاتفنا على المكتب عندما نذهب إلى الحمام أو لشرب الشاي والقهوة ؟
فالغضب عكس ضبط النفس ،فإن تحكم الغضب منا ،فإنه من
المستحيل أن نتحكم في التصرفات واللسان.
رابعًا :سالمة القلب؛ طبعًا ال نقصد تلك المضغة اللحمية الموجودة في
جوف اإلنسان ،وإنما يقصد بذلك السرائر والنوايا والحب ونقاوة القلب
من كل تلك المكنونات السوداء التي تعتمر القلب ،فتؤدي إلى النوايا
السيئة وتفسير الحديث واإليماءات التي قد تكون ذات نوايا حسنة إلى
نوايا سيئة وتشاؤم وما إلى ذلك.
5
في مشكلة شخصية تعتقد أنه لم يلق عليك التحية ألنه يستصغرك،
وما إلى ذلك من أمور وتصرفات ربما تكون تافهة ،إال أنها ربما تنعكس
عليك وبالتالي تتصرف مع األشخاص نفس تلك السلوكيات غير
المقبولة ،من مبدأ العين بالعين.
وهذا يذكرنا بالحديث النبوي الشريف ،فعن أنس بن مالك رضي اهلل عنه؛
منُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ ألخِيِه مَا
أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال" :ال يُؤْ ِ
يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" ،رواة البخاري ومسلم.
هذا الحديث العظيم ،وكل األحاديث النبوية عظيمة ،تحدد أمورًا كثيرة
يمكن لكل واحدة أن تُعد من األخالقيات المهمة إن كنا بالفعل نبحث عن
األخالقيات الراقية التي يجب أن نعيشها في مجتمعاتنا ومؤسساتنا،
منها :كلنا سواء ،فنحن أخوة وإن لم يربطنا الدم والنسب ،ولكننا أخوة،
ومن المفترض أن األخ يحب أخاه وإن اختلفوا في بعض األمور ،ليس ذلك
فحسب وإنما ال ولن يرضى عليه أي مكروه ،ومن جانب آخر فال يحسده –
مثالً – ألنه في درجة إدارية أعلى منه ،وال يكرهه ألنه مجتهد في عمله،
وال يكذب عليه ،وال يخونه ،وال يغتابه ،وال ينقل الحديث عنه للمسؤول
أنه فاشل أو أنه ال يصلح ألداء األعمال ،كل هذا يؤدي إلى صون اللسان
وترك الفضول فال يتتبع عورات أخيه ،ومن الطبيعي أال يغضب عليه
ويهجره ويفعل به األفاعيل.
6
لحظة غضب ،فسالمة النفوس والسرائر هي الدفة األولى التي تسّير بها
حياة األسرة ،فمن غير سالمة القلب ،فإن الحياة كلها ستنهار.
7