You are on page 1of 7

‫أربعة أخالقيات إدارية حياتية مهمة‬

‫نشر في جريدة أخبار الخليج بتاريخ ‪ 8‬مايو ‪2022‬‬

‫بقلم‪ :‬الدكتور زكريا الخنجي‬

‫من العقالنية ومن الحكمة ومن المنطق كذلك أال نختلف على األصول‬
‫األخالقية‪ ،‬فاألخالق أمر عالمي تتفق عليها جميع األفكار واألطياف‪،‬‬
‫واألخالقيات الحياتية واإلدارية كثيرًا ما تتشابه‪ ،‬فأعمالنا وحياتنا كثيرًا‬
‫ما تكون كحركة رمال الصحراء الناعمة التي تغرقنا وتنسينا أننا نعيش‬
‫في خضم حياة صاخبة يمكن أن تتطاير منها الكثير من تلك األخالقيات‬
‫التي نحتاجها‪ ،‬وخاصة عندما نتعامل مع من نحب سواء في العمل‬
‫اإلداري أو في أسرنا ومع أوالدنا‪.‬‬

‫ودعونا هنا نتحدث عن أربعة أخالقيات‪ ،‬تنفعنا سواء كنا في العمل‪،‬‬


‫كمسؤول إداري أو موظف‪ ،‬وكذلك تنفعنا في حياتنا اليومية األسرية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬فهي تصنف من اآلداب واألخالقيات العامة‪ ،‬إال أنها في‬
‫الحقيقة من اآلداب واألخالقيات المهمة التي لو أننا استطعنا أن نلتزم‬
‫بها ونعيشها فإنها حتمًا ستجنبنا الكثير من المشاكل التي ال نحب‬
‫الخوض فيها‪ ،‬وهذه األخالقيات هي كالتالي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬ضبط لسانك؛ كنا في ندوة صغيرة ذات يوم في دول شقيقة‬
‫حضرها مجموعة منتقاة من األفراد‪ ،‬فاجأنا منظمو الندوة في أول يوم‬

‫‪1‬‬
‫بأن منحوا كل شخص حوالي ربع ساعة فقط لتحضير ورقة عمل صغيرة‬
‫بهدف إلقائها في زمن ال يتعدى ‪10‬دقائق‪ ،‬وذلك كنوع من التجربة‬
‫الجديدة في عمل الندوات والدورات التدريبية‪ ،‬وبعد الوقت الممنوح طُلب‬
‫من كل شخص أن يتحدث عن الموضوع الذي قام بتحضيره‪.‬‬

‫ال نريد أن نتحدث عن الضغط الشديد في عملية التحضير والتفكير‪،‬‬


‫وترتيب األفكار وما إلى ذلك‪ ،‬فهذا أمر يمكن التحدث فيه في أماكن وفي‬
‫أوقات أخرى‪ ،‬ولكن أثناء هذه المهلة تذكرت الحوار الجميل الذي تم ما‬
‫بين معاذ بن جبل رضي اهلل عنه وسيدنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫خلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِ ْدنِي‬
‫يدْ ِ‬
‫عمَلٍ ُ‬
‫قلْت يَا َرسُولَ اللَّهِ‪ ،‬أَخْ ِبرْنِي بِ َ‬
‫إذ قال معاذ‪ُ " :‬‬
‫مِنْ النَّارِ‪ ،"...‬فقمت في ورقتي بشرح الحديث من الجوانب المتعلقة‬
‫باإلدارة والتنمية البشرية‪ ،‬ولست أحاول هنا شرح الحديث النبوي‬
‫الشريف كله‪ ،‬ولكن الذي يهمني هنا في هذا المقال الموضوع المتعلق‬
‫بموضوع (اضبط لسانك)‪ ،‬إذ قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من‬
‫ه؟‬
‫ثمَّ قَالَ‪ :‬أَال أُخْبِرُك بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّ ِ‬
‫ضمن كالمه الرائع وكل كالمه رائع‪ُ " :‬‬
‫قلْت‪ :‬يَا نَبِيَّ‬
‫سولَ اهللِ‪ ،‬فَأَخَذَ بِلِسَا ِنهِ وَقَالَ‪ :‬كُفَّ عَلَيْك هَذَا‪ُ .‬‬
‫فقُلْت‪ :‬بَلَى يَا َر ُ‬
‫كلَتْك أُمُّك وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ‬
‫فقَالَ‪ :‬ثَ ِ‬
‫اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَ َّلمُ بِهِ ؟ َ‬
‫ههِمْ – أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ – إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟"رواة‬
‫عَلَى وُجُو ِ‬
‫الترمذي‪ ،‬وقال حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫يمكن المالحظة أن هذا الكالم خطير جدًا‪ ،‬فاللسان عضو مهم من أعضاء‬
‫اإلنسان‪ ،‬فمن خالله يمكن أن تكسب الناس ومن خالله أيضًا يمكن أن‬
‫يكرهك الناس‪ ،‬فأنت – في كثير من األحيان – تتحدث‪ ،‬وربما يضرب هذا‬
‫‪2‬‬
‫الحديث الذي تقوله من غير قصد في مكان جارح لإلنسان الذي أمامك‪،‬‬
‫ربما يكون كالمك مجرد فكاهة‪ ،‬أو مزحة‪ ،‬أو ربما يكون كالمك تعميمًا‬
‫لواقعة معينة‪ ،‬وربما أمور كثيرة أنت ال تدركها‪ ،‬فأنت ال تعلم ما المكنون‬
‫في نفوس البشر‪ ،‬ولكنها كلمة إن خرجت من فيك فإنها لن تعود‪.‬‬

‫منْ كَانَ يُؤْمِنُ بِال َّلهِ‬


‫وفي حديث نبوي آخر‪ ،‬قال صلى اهلل عليه وسلم‪ ..." :‬وَ َ‬
‫وَالْيَوْمِ اآلخِرِ‪ ،‬فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ"‪ ،‬رواة البخاري ومسلم‪.‬‬

‫فلو فعالً تأملنا هذه األحاديث النبوية الشريفة والعديد من اآليات‬


‫القرآنية الكريمة‪ ،‬لوجدنا أنها تعود بنا إلى العقالنية في التحدث أمام‬
‫الناس‪ ،‬فإن كنت مسؤوالً أو موظفًا فمن المفروض أال تسخر من بقية‬
‫الموظفين أو أن تكذب عليهم‪ ،‬أو تعدهم بوعود كاذبة‪ ،‬أو أن تنقل الكالم‬
‫وتفشي األسرار‪ ،‬أو تسب وتلعن‪ ،‬أو أن تغتاب زميالً غائبًا‪ ،‬أو تخاصم‬
‫ألجل الخصام‪ ،‬أو أن تخوض في حديث ليست لنا به حاجة‪ ،‬أو أن نحول‬
‫المكاتب إلى مجالس للحديث والتحدث فقط ونترك العمل الذي نمنح‬
‫عليه الراتب‪ ،‬كل هذه من آفات اللسان التي نحتاج أن نضبطها في العمل‪.‬‬

‫أما في حياتنا األسرية واالجتماعية؛ فهناك الكثير من األمور التي يمكن‬


‫التحدث فيها‪ ،‬فحديثنا مع أزواجنا يجب أن يكون صادقًا وواضحًا‬
‫وشفافًا‪ ،‬وكذلك مع أوالدنا وفي كل جزئيات وثنايا حياتنا‪ ،‬فاستقرار‬
‫حياتنا األسرية تعتمد على صدق الكالم‪ ،‬وضبط اللسان‪ ،‬فنحن في البيت‬
‫نعيش مع أعز الناس لنا وأقربهم لوجداننا وحياتنا‪ ،‬فهل من المنطق أن‬
‫نكذب عليهم وأال نحافظ عليهم وعلى أسرارنا معهم ؟‬

‫‪3‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ترك الفضول؛ من المعروف أن الفضول جزء أساسي ومهم من حياة‬
‫اإلنسان‪ ،‬فإن لم يكن هذا السلوك موجودًا عند العديد من العلماء لما‬
‫نعمت البشرية بكل هذه االختراعات وهذه التكنولوجيا وهذه الحياة‪،‬‬
‫فالفضول – كما تشير الدراسات – عاطفة يمكن أن تتمثل في التعطش‬
‫للمعرفة‪ ،‬وهي القوة الدافعة الرئيسة وراء إجراء األبحاث العلمية‬
‫والدراسات اإلنسانية وما شابه ذلك‪ .‬والفضول نمط سلوكي ال يتمتع به‬
‫اإلنسان فحسب وإنما يُعد أمرًا شائعًا بالنسبة إلى كل الكائنات الحية‪،‬‬
‫منها القرود والقطط والقوارض وحتى األسماك والزواحف والحشرات‬
‫وغيرها‪.‬‬

‫إال إن الفضول المرفوض هو ما يعرف بالفضول (المرضي) وهو كنوع من‬


‫الفضول اإلدماني‪ ،‬هدفه كشف المستور وفضح الناس‪ ،‬فهذا الفضولي‬
‫يبحث لمعرفة المعلومات عن حياة اآلخرين وأسرارهم وما يحاولون أن‬
‫يخفوه لسبب أو آلخر‪ ،‬فهذه المعلومات – أيًا كانت – ال يحب اآلخرون‬
‫اإلفصاح عنها‪ ،‬ألنها من الممكن أن تسبب الحرج أو الضيق أو الحزن‬
‫للناس‪.‬‬

‫ومن المعروف أن كشف الستر عن حياة اآلخرين – ربما – يكون له تأثير‬


‫في حياة العديد من البشر‪ ،‬ويمكن – في بعض األحيان – أن يصل األمر‬
‫إلى إبعادهم عن وظائفهم أو حتى هدم حياتهم الشخصية‪ ،‬وانعدام‬
‫الثقة بهم‪ ،‬فيصبح من الصعب عليهم بعد ذلك االنخراط في المجتمع‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫فلنتصور كيف ستكون حياتنا لو كان يشاركنا في العمل مثل هذا‬
‫اإلنسان الفضولي‪ ،‬ترى كيف سنتصرف معه ؟ هل سنغلق األدراج كلما‬
‫غادرنا مكاتبنا ؟ هل يمكننا أن نتحدث معه ؟ وماذا سنقول ؟ هل سنترك‬
‫هاتفنا على المكتب عندما نذهب إلى الحمام أو لشرب الشاي والقهوة ؟‬

‫وربما يكون حالنا أسوأ لو كان هذا السلوك هو السائد في المنزل‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬ضبط النفس؛ وذلك بالتحكم في الغضب‪ ،‬وهذا موضوع كبير‪،‬‬


‫تحدثنا فيه سابقًا في العديد من المقاالت‪ ،‬سواء في العمل أو في‬
‫المنزل‪ ،‬ولكن نود هنا فقط أن نذكر بالحديث النبوي الشريف الذي رواه‬
‫أبو هريرة رضي اهلل عنه‪ ،‬قال‪ :‬إن رجلًا قال للنبي صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫أوصني‪ ،‬قال‪" :‬ال تغضب"‪ ،‬فردد مرارًا‪ ،‬قال‪" :‬ال تغضب"؛ رواه البخاري‪.‬‬

‫فالغضب عكس ضبط النفس‪ ،‬فإن تحكم الغضب منا‪ ،‬فإنه من‬
‫المستحيل أن نتحكم في التصرفات واللسان‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬سالمة القلب؛ طبعًا ال نقصد تلك المضغة اللحمية الموجودة في‬
‫جوف اإلنسان‪ ،‬وإنما يقصد بذلك السرائر والنوايا والحب ونقاوة القلب‬
‫من كل تلك المكنونات السوداء التي تعتمر القلب‪ ،‬فتؤدي إلى النوايا‬
‫السيئة وتفسير الحديث واإليماءات التي قد تكون ذات نوايا حسنة إلى‬
‫نوايا سيئة وتشاؤم وما إلى ذلك‪.‬‬

‫فيمكن أن تشاهد بعض زمالء العمل يضحكون أثناء تناول القهوة‪،‬‬


‫فتعتقد أنهم يضحكون عليك‪ ،‬وربما يسير أمامك أحد الزمالء وهو سارح‬

‫‪5‬‬
‫في مشكلة شخصية تعتقد أنه لم يلق عليك التحية ألنه يستصغرك‪،‬‬
‫وما إلى ذلك من أمور وتصرفات ربما تكون تافهة‪ ،‬إال أنها ربما تنعكس‬
‫عليك وبالتالي تتصرف مع األشخاص نفس تلك السلوكيات غير‬
‫المقبولة‪ ،‬من مبدأ العين بالعين‪.‬‬

‫وهذا يذكرنا بالحديث النبوي الشريف‪ ،‬فعن أنس بن مالك رضي اهلل عنه؛‬
‫منُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ ألخِيِه مَا‬
‫أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال‪" :‬ال يُؤْ ِ‬
‫يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"‪ ،‬رواة البخاري ومسلم‪.‬‬

‫هذا الحديث العظيم‪ ،‬وكل األحاديث النبوية عظيمة‪ ،‬تحدد أمورًا كثيرة‬
‫يمكن لكل واحدة أن تُعد من األخالقيات المهمة إن كنا بالفعل نبحث عن‬
‫األخالقيات الراقية التي يجب أن نعيشها في مجتمعاتنا ومؤسساتنا‪،‬‬
‫منها‪ :‬كلنا سواء‪ ،‬فنحن أخوة وإن لم يربطنا الدم والنسب‪ ،‬ولكننا أخوة‪،‬‬
‫ومن المفترض أن األخ يحب أخاه وإن اختلفوا في بعض األمور‪ ،‬ليس ذلك‬
‫فحسب وإنما ال ولن يرضى عليه أي مكروه‪ ،‬ومن جانب آخر فال يحسده –‬
‫مثالً – ألنه في درجة إدارية أعلى منه‪ ،‬وال يكرهه ألنه مجتهد في عمله‪،‬‬
‫وال يكذب عليه‪ ،‬وال يخونه‪ ،‬وال يغتابه‪ ،‬وال ينقل الحديث عنه للمسؤول‬
‫أنه فاشل أو أنه ال يصلح ألداء األعمال‪ ،‬كل هذا يؤدي إلى صون اللسان‬
‫وترك الفضول فال يتتبع عورات أخيه‪ ،‬ومن الطبيعي أال يغضب عليه‬
‫ويهجره ويفعل به األفاعيل‪.‬‬

‫وكذلك في المنزل‪ ،‬فالتعاون األسري بين الزوجين يجب أن ينبع من هذا‬


‫المنبع‪ ،‬فال يمكن أن يكره المرء شريك حياته لمجرد خطأ عابر أو حتى‬

‫‪6‬‬
‫لحظة غضب‪ ،‬فسالمة النفوس والسرائر هي الدفة األولى التي تسّير بها‬
‫حياة األسرة‪ ،‬فمن غير سالمة القلب‪ ،‬فإن الحياة كلها ستنهار‪.‬‬

‫فحياتنا البشرية – كما يقال – هي بين منطوق لم يقصد ومقصود لم‬


‫ينطق‪ ،‬فعندما تختلط هذه األمور تضيع الكثير من معالم المحبة‪ ،‬ففكروا‬
‫في حروف المفردات التي تسمعونها من الناس الذين يحيطون بكم‪،‬‬
‫وأحسنوا الظن بهم‪ ،‬عندئذ حتمًا ستتغير حياتنا إلى األفضل‪.‬‬

‫هذه أخالقيات أربعة‪ ،‬يمكن أن نحفظها أو أن نكتبها على ورقة كبيرة‬


‫ونعلقها على الحائط أمامنا‪ ،‬ألنها يمكن أن تحفظ حياتنا في المؤسسة‬
‫العائلية أو المؤسسة المهنية من االنهيار‪.‬‬

‫‪7‬‬

You might also like