You are on page 1of 23

‫دورة السير إلى هللا‬

‫إعداد‪ :‬بوارق الملكوت‬

‫مدخل الدورة‬
‫مقدمة ‪ -‬الهدف من الخلق‬
‫إعلم أيها اإلنسان أن هللا تعالى قد خلقك لهدف عظيم‪ ،‬وأنك لست كباقي الموج ودات‪،‬‬
‫فرصة واحدة فق ط وهي ه ذا العم ر ال ذي تمض يه‪ ..‬ولكن فلننظ ر في دف تر‬‫ً‬ ‫وأعطاك‬
‫حياتنا‪ ..‬بماذا مألناه؟؟ وبماذا نملؤه؟‬
‫‪1‬‬
‫وكم‬
‫الكثيرون يعيشون في هذه الدنيا وكأنه ا حي اة خال دة‪ ،‬ف تراهم يجمع ون المالبس‪ٍ ،‬‬
‫هائل من النق ود‪ ..‬ص حيح أن له ذه األم ور أهمي ة‪ ،‬ولكن لألهمي ة ح د‪ ،‬فال ينبغي أن‬
‫تصل لدرجة الهوس والجنون!‬
‫فحة ص فحة! ولكن م اذا يوج د فيه ا؟؟ ال ش يء س وى اآلالم‬‫وهكذا تمضي الحياة ص ً‬
‫واألماني التي قد نصل إليها وقد ال نصل لها‪ ...‬ثم ماذا؟! م اذا يجب أن نفع ل؟‪" ...‬ال‬
‫أعلم"‪..‬‬
‫فيتوجب إذاً شد الهمة للوصول لألم ور الحقيقي ة ال تي تبقى معن ا‪ ،‬ال للس راب الزائ ل‬
‫الذي نعيش فيه‪ ،‬فنحن ُخ لقنا للوصول إلى هللا عز وجل واإلرتباط به‪ ،‬ولكن كما نرى‬
‫فإن األيام تمضي وال يوجد شيء يستحق الذكر‪ ،‬وما أقسى م رور األي ام ب دون تغ ير‬
‫يُذكر‪ ،‬بل وما أشد الحسرة إذا وصلنا لس ن الش يخوخة حينه ا لن يبقى س وى اآله ات‬
‫والحسرات على إهدار العمر‪.‬‬
‫إن أفضل فترة في العمر لتزكية النفس هي س ن الش باب‪ ،‬فال تض يّع ه ذه الفرص ة إذ‬
‫أن الوصول يكون أصعب كلما تقدم العمر‪ ،‬بل وستجد نفسك عند باب القبر بال عمل؛‬
‫ال حبا ً هلل تعالى وال عمالً صالحا ُ يُذكر‪ ،‬وما أشد األوجاع النفسية حينها‪..‬‬
‫نشرع بإذن هللا ع ز وج ل بتعري ف النفس وموقعه ا في ه ذه الحي اة والمطل وب منه ا‬
‫ومراحل السير إلى هللا عز وجل‪...‬‬
‫ترقبوا المزيد‪...‬‬

‫الفصل األول‪ :‬حقيقة النفس‬


‫الروح اإلنس انية‪ ،‬ذل ك الج وهر الق ديم ال ذي خاطب ه هللا تع الى ق ائالً "أقب ل" ‪-‬وال تي‬
‫تسميها الروايات بالعقل‪ -‬أسيرة في البدن‪.‬‬
‫نحن غالبا ً ما ُنخطأ ونظن أننا هذا البدن‪ ،‬نحن عندما نش ير إلى الب دن ق ائلين "ب دني"‬
‫أو "يدي‪ ،‬رجلي‪ ،‬عيني‪ ....‬إلخ" من ال ذي يق ول ب دني؟ أه و الب دن نفس ه؟؟ ال يُعق ل!‬
‫السبب في ظننا هذا هو اننا نسينا كوننا موجود غير مادي‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫نقول باختصار‪ ،‬العقل أو الروح هو حقيقة اإلنسان فعندما تقول "أنا" فأنت تش ير إلى‬
‫روحك فهي إنيتك وحقيقتك ال بدنك‪ ،‬البدن مجرد جثة هامدة ال ح ول وال ق وة له ا إال‬
‫بالنفس‪.‬‬
‫بعد العقل ت أتي النفس وهي موج ود بين ال روح وبين الب دن وهي ال تي تتحكم بالب دن‬
‫مستمد ًة قوتها من الروح‪ ،‬ف الروح تتحكم بالب دن عن طري ق النفس‪ ،‬وال روح موج ود‬
‫طاهر ولكن الرتباطه بالدنيا ال يستطيع إبصار الكمال الحق ليصيبه‪.‬‬
‫ملخص اً‪ ،‬العق ل أو ال روح هي حقيق ة اإلنس ان وال تي تتحكم في النفس والنفس تتحكم‬
‫بالبدن‪..‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬في أصناف المؤمنين‬


‫قال سيدنا وموالن ا اإلم ام الص ادق علي ه الس الم‪" :‬إن الن اس يعب دون هللا ع ز‬
‫وجل على ثالثة أوجه‪ :‬فطبق ُة يعبدونه رغبة إلى ثواب ه فتل ك عب ادة الحرص اء‬
‫وهو الطمع‪ ،‬وآخرون يعبدونه خوفا ً من النار فتلك عبادة العبي د وهي الرهب ة‪،‬‬
‫ولك ّني أعبده حبا ً له فتلك عبادة الكرام وهو األمن‪ ،‬لقوله تعالى "وهم من ف زع‬
‫يومئذ آمنون" "قل إن كنتم تحبون هللا فاتبعوني يحببكم هللا ويغفر لكم ذنوبكم"‪،‬‬
‫فمن أحب هللا عز وجل أحبه هللا‪ ،‬ومن أحبه هللا عز وجل كان من اآلمنين"‪.‬‬
‫هذه الرواية وغيرها تبين مقام العاشقين‪ ،‬وهناك رواية أخ رى تع بر عن الفئ ة‬
‫الثالثة باألحرار‪ ،‬ولعل الوجه في هذه التسمية هو تحررهم من الدنيا واآلخرة‪،‬‬
‫وتحررهم من شهوات الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫اآلن ق د ع رفت م راتب النفس واله دف من تزكيته ا وأص ناف المؤم نين‪،‬‬
‫سنخوض في تحصيل العشق وكيفية الحفاظ عليه وتقويته‪...‬‬
‫تابعونا‪...‬‬

‫الدرس األول‪ :‬العشق اإللهي‬


‫‪3‬‬
‫مقدمة‪ :‬فطرة النفس‬
‫لإلنسان فطرةٌ جُبل عليها‪ ،‬وهي حب الكمال المطلق‪ ،‬والهدف من إي داع ه ذه الفط رة‬
‫هو لتأمين الحوائج البدنية والروحية لإلنسان‪.‬‬
‫نالحظ أن كل شهوة تصل النفس لها تنغمس فيها وال تكف عنها إال إذا وجدت ما ه و‬
‫أفضل منه‪ ،‬وهكذا من ش هوة إلى أخ رى‪ ،‬حبيس ة في ه ذه ال دنيا‪ ،‬مض طربة الح ال‪،‬‬
‫حائرة تائهة ال تدري أين مستقرها وأين تنيخ برحلها‪ .‬إال بحبل من هللا!‬
‫هنا يتوجب توظيف العقل ليتصرف في هذه المملك ة العظيم ة المليئ ة بالفوض ى‪ ،‬وال‬
‫يتأتى للعقل أن يحكم إال باتباعه تعاليم الكتاب اإللهي وسنن األنبي اء وال تي تع د دلي ل‬
‫تشغيل ووسيلة إيقاظ ودستور عمل لتقويم هذه النفس‪.‬‬
‫فإذا اكتسبنا العلم وعلمن ا بم دى كم ال ال رب والك ون بج واره‪ ،‬حينه ا س يكون هن اك‬
‫تحرك ‪-‬ولو كان بسيطاً‪ -‬نحو هللا عز وجل‪ ،‬وال يزال اإلنس ان يتماي ل في ه ذه ال دنيا‬
‫مع ارتباط وعشق بسيط هلل عز وجل‪ ،‬فيتوجب في كل آن أن يُذ ّكر نفس ه ب أن الكم ال‬
‫هو هللا تعالى وليس الطعام أو السيارة والبيت‪.‬‬
‫تابعونا‪...‬‬

‫الفصل األول‪ :‬في العشق اإللهي‬


‫أهم عنصر وأساس السير والسلوك هو عشق هللا عز وجل‪ ،‬وه و داب ة الس ير‬
‫وبه يتحقق اللقاء‪ ،‬فإن أردت الوصول فعليك في البداية أن تنهل من عش ق هللا‬
‫تعالى ليبدأ بذلك مسير الوصال‪.‬‬
‫والزاد في هذا الطريق هو تهذيب النفس‪ ،‬فبقدر ص فاء النفس يك ون عش ق هللا‬
‫عز وجل أشد‪ ،‬وكلما اشتقت إلى هللا قصرت المسافة‪.‬‬
‫وليس محبذاً أن تسعى للقاء من ال تحب‪ ،‬يقول اإلمام علي عليه السالم‪" :‬ذك ر‬
‫هللا دواء أعالل النفوس" الذكر في الحديث يقصد به العشق هلل تعالى ومناجات ه‬
‫‪4‬‬
‫في القلب‪ ،‬والدليل على ذل ك؛ ق ال اإلم ام علي علي ه الس الم‪" :‬ال ذكر مجالس ة‬
‫المحبوب"‪.‬‬
‫تأم ل في ه ذا الكالم ق ال هللا ع ز وج ل “أيم ا عب د اطلعت على قلب ه فوج دت‬
‫الغالب عليه التمسك بذكري ت وليت سياس ته وكنت جليس ه ومحادث ه وأنيس ه"‪.‬‬
‫أنيس وصديق ليس كاآلخرين "والغريب من ليس له مثلي ح بيب‪– "...‬ح ديث‬
‫قدسي‪-‬‬
‫والعشق اإللهي فعالً س بب ل ترك المعاص ي و من مطه رات القلب‪ ،‬هن اك من‬
‫يقول "كيف لنا أن ُنحب هللا تعالى ونحن لم نره؟" نقول؛ هناك طريق ة بس يطة‬
‫ومض مونة النت ائج ومجرب ة‪ ،‬س نتحدث عنه ا في الفص ول القادم ة بص ورة‬
‫مبسطة إن شاء هللا‪.‬‬
‫تابعونا في تكملة الدرس األول‪.‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬كيفية إيجاد حب هللا في القلب‬


‫إعلم أن للعشق أساسيات يتقوم بها نختصرها بش كل مجم ل؛ أوله ا ال وقت‪ ،‬إذ‬
‫يتوجب أن تختار الوقت الذي تكون فيه وحدك ويكون قلب ك في ه مقبالً‪ ،‬مع نى‬
‫الوقت هن ا أعم من الزم ان ف الوقت هن ا يُع نى ب ه الحال ة النفس ية والم ؤثرات‬
‫البيئية التي تعرضت لها نفسك‪ ،‬فقد ال تكون مس تعداً نفس يا ً أن ت ذكر هللا ربم ا‬
‫بسبب النعاس أو غيره‪.‬‬
‫وثانيه ا المك ان؛ يجب أن يك ون المك ان ذو برك ة وجاذبي ة خاص ة‪ ،‬فمن‬
‫خصوصيات بعض األماكن جاذبيتها حيث تشد الروح نحو هللا تعالى كالمسجد‬
‫مثالً‪ ،‬ولكن يستحس ن ب ل ونؤك د على ك ون المك ان خالي اً‪ ،‬وإن لم يتيس ر في‬
‫المسجد فتحت السماء أعلى سطح المنزل وإال فليكن في غرفة خالية‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫بع د تحص ل العنص رين الم ذكورين إستحض ر بقلب ك وج ود هللا ع ز وج ل‬
‫المهيمن على كل مظاهر الوجود‪ ،‬وجه جميع حواسك إليه وخصوصا ً البصر‪،‬‬
‫الكل يعلم جيداً أن هللا ال يُدرك ب العين المادي ة‪ ..‬الس بب ه و أن اإلنس ان يتنب ه‬
‫للموجودات به ذه الح واس وهللا ‪-‬كم ا تعلم‪ -‬حاض ر في ك ل بقع ة ف النظر ألي‬
‫جهة هو توج ٌه للوجود األقدس "وأينما تولوا فثم وجه هللا"‪.‬‬
‫اآلن وبعد تحصيل كل هذه المقدمات‪ ،‬خاطبه ووجه كالمك إليه ق ائالً "ي ا هللا"‬
‫أو "يا رب" وإذا أردت نتائج أسرع فقل "أحبك يا هللا" عندما يرى هللا محاول ة‬
‫منك في الترقي إليه سينظر لك برحمة‪...‬كرر الذكر عدة مرات‪.‬‬
‫تنبيه هام؛ هذا العمل يُنجز مع الشروط التي ذكرناها في البداية وأهمها اإلقبال‬
‫وحصول النتيجة المطلوبة‪ ،‬إن مثل هذه األعمال قد تعطي نتائج عكس ية إذا لم‬
‫ت رغب النفس فيه ا‪ ،‬ويتس بب غالب ا ً بص دود النفس عن هللا تع الى‪ ،‬ال تض غط‬
‫ت تحصل فيه على نتيجة من هذا العمل‪.‬‬ ‫على نفسك‪ ،‬بل حاول في وق ٍ‬
‫نتوقع منكم التطبيق لتكونوا مهيئين للخطوة التالية‪ ،‬انتظرونا‪..‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬تثبيت العشق اإللهي‬


‫يُلحظ عندما يجالس اإلنسان شخصاً‪ ،‬فإنه ال يكف عن ت ذكره لف ترا ٍ‬
‫ت تط ول‪،‬‬
‫وال يقتصر األمر على تذكره بل التحدث معه في القلب وكأنه فعالً معه!‬
‫فليكن األمر كذلك مع هللا ولكن بشكل أفضل‪ ،‬والفرق بين هذا وذاك هو وجود‬
‫هللا بالفعل في القلب وأصقاع الوجود فضالً عن النفس‪ ،‬يبقى اآلن أن نستش عر‬
‫وجود هللا تعالى في كل مكان لكي نكتسب الرفقة اإللهية؛ يت وجب على المري د‬
‫هلل تعالى والسائر إليه أن يستشعر وجود هللا كما لو كان يرافق آدمي اً‪...‬وش تان‬
‫بين هللا وبين اآلدمي فالمقصود هو أن يسير في الطري ق وه و م ع هللا وي ذكر‬
‫هللا قبل النوم‪ ،‬وأن تغف و العين في تل ك الحال ة من استش عار وج ود هللا‪ ،‬فنحن‬
‫عاد ًة نمشي مع األصدقاء وننسى هللا‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫جرب حين التجول في الطرق استحض ار معي ة هللا تع الى‪ ،‬إذا دهم ك أم ر أو‬
‫ك إليه‪.‬‬
‫أزعجك شيء أو شخص فاش ُ‬
‫ب ل وح تى في خض م الفوض ى بين األص دقاء أو جم وع الن اس إذه ل عنهم‬
‫وتوجه إلى هللا في قلبك أو بلسانك قائالً "ي ا رب" وإذا اس تطعت أن تبقيه ا في‬
‫القلب فق ط فافع ل‪ ،‬ألن التوج ه إلى هللا ب القلب أفض ل وأث ره ‪-‬إذا ّأث ر‪ -‬يك ون‬
‫أقوى‪.‬‬
‫في الص الة‪ ،‬عن د ق راءة الق رآن أو دع اء‪ ،‬استحض ر أن ك تخ اطب هللا تع الى‬
‫بالدعاء‪ ،‬هذه العبادات روحها هو استحضار وجود هللا تعالى‪ ،‬فال تغفل‪.‬‬
‫قال الرس ول األك رم ص لى هللا عليهم وآل ه وس لم‪َ " :‬ي ا َأ َب ا َذرٍّ ‪ :‬اعْ ُب ِد هَّللا َ َكَأ َّن َ‬
‫ك‬
‫َت َراهُ‪َ ،‬فِإنْ ُك ْن َ‬
‫ت اَل َت َراهُ َفِإ َّن ُه َي َر َ‬
‫اك"‪.‬‬
‫"وهو معكم أينما كنتم وهللا بما تعملون محيط"‪.‬‬
‫ترقبوا‪...‬‬

‫الدرس الثاني‪ :‬نور النفس‬


‫مقدمة‪ :‬آثار األعمال‬
‫لإلنسان جانبين؛ روحي ودنيوي‪ ،‬وكالهما مرتبط ان ببعض هما كم ا أس لفنا‪ ،‬اإلنس ان‬
‫في حياته اليومية يتعامل مع أمور عدة تكون سببا ً في تبدل نواياه‪.‬‬
‫ب الرَّ ُج ُل َخ َر َج فِي‬ ‫ت َأ َبا َع ْب ِد هَّللا ِ عليه الس الم يقُ و ُل "ِإ َذا َأ ْذ َن َ‬ ‫َعنْ َأ ِبى بَصِ ٍ‬
‫ير َقا َل َسمِعْ ُ‬
‫ِب َعلَى َق ْل ِب ِه َفاَل ُي ْفلِ ُح َبعْ دَ َها‬ ‫َت َح َّتى َت ْغل َ‬
‫ت َوِإنْ َزا َد َزاد ْ‬ ‫َق ْل ِب ِه ُن ْك َت ٌة َس ْودَ ا ُء َفِإنْ َت َ‬
‫اب ا ْن َم َح ْ‬
‫َأ َبداً"‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫حواس اإلنسان لها دخل في نشاطه اليومي‪ ،‬كل ما نش اهده ونحس ب ه يبقى في النفس‬
‫ويكون له أثر يتفاعل مع النفس فيحصل من ذلك التفاع ل أم ر ملك وتي إم ا أن يك ون‬
‫مظلما ً أو نورانيا ً ويكون باطن النفس وهو الرين أو النكتة السوداء التي تغطي القلب‪.‬‬
‫والمعص ية هي تفاع ل نفس ي س واءاً ك ان التفاع ل من خ ارج النفس ‪-‬كس ماع الغيب ة‬
‫فيك ون التفاع ل ه و اإلغتي اب‪ -‬أو من داخ ل النفس ال تي هي آث ار المعاص ي ال تي‬
‫رسخت آثارها في النفس لتكرر مزاولتها‪ ،‬فتذكرها موجب للمعصية أحياناً‪ ،‬فينشأ من‬
‫هذا التفاعل صورة ملكوتية تتخذها النفس الملكوتية صور ًة لها إما سوداء لبع دها عن‬
‫هللا تعالى أو بيضاء لقربها من هللا والبياض يحصل في حال الطاعات‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬نور النفس‬


‫هن اك ط رفين؛ ن ور ُ‬
‫وظلم ة‪ ..‬الن ور ه و هللا تع الى "هللا ن ور الس ماوات واألرض"‬
‫والظلمة كما تعلمون هي غياب النور‪ ،‬فكلما ابتع دنا عن هللا تع الى حص لت الظلم ات‬
‫في قلوبن ا‪ ،‬وال دنيا هي أبع د النش آت عن هللا تع الى فهي "دار ُ‬
‫الظلُم ات" وبارتباطن ا‬
‫بالدنيا وزخارفها ال يتأتى لإلنس ان أن ي رى‪ ،‬فيض ل طريق ه وال يتمكن من تش خيص‬
‫الكمال بفطرته اإلنسانية‪.‬‬
‫النفس ال تدرك إال عن طريق البدن‪ ،‬وكل ما نتعامل معه في ال دنيا يُعت بر ش اغل عن‬
‫النور اإللهي‪ ،‬فالقلب له جانب واحد ومعشوق واحد "ماجعل هللا لرج ل من قل بين في‬
‫جوفه" فال يمكن أن يعشق أو ينشغل قلبه إال بأمر واحد‪.‬‬
‫يقول العالمة الطباطبائي قدس سره حول اآلية الشريفة " َف َأعْ ِرضْ َعن مَّن َت َولَّى َعن‬
‫ك َم ْبلَ ُغهُم م َِّن ْالع ِْل ِم" ب أن اإلنس ان بانش غاله بال دنيا ال‬
‫ِذ ْك ِر َنا َولَ ْم ي ُِر ْد ِإالَّ ْال َح َيا َة ال ُّد ْن َيا َذ ِل َ‬
‫يعلم غيرها ولكن عندما يُعرض عنها ويعشق هللا ع ز وج ل وينش غل ب ه يفتح هللا ل ه‬
‫علما ً ليس من الدنيا‪ ،‬وشيئا ً فش يئا ً يخ رج من ال دنيا ويهجره ا ألن ه بفعل ه ه ذا يرتف ع‬
‫فيتصرف كـ"الروح" ال كالبدن الذي يعشق الدنيويات‪.‬‬
‫فذكر هللا كما اسلفنا يخلق في ملكوت نفسك "نور" تراه المالئك ة‪ ،‬وبع دك عن ه يخل ق‬
‫"ظلمة" بل أقول بأن الشكل اإلنساني الملكوتي يتبدل مع كل فعل يفعله‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫لذلك على السالك أن يكون دائم الذكر هلل عز وجل في كل شؤون دنياه‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬معنى حديث "كنت لسانه ويده"‬


‫ينبغي على اإلنسان أن يعيش حقيقة التسبيح‪ ،‬والتسبيح هو التنزيه‪ ،‬والتنزيه ال‬
‫يحص ل إال باعتق اد الكم ال لمن ننزه ه‪ ،‬ف إذا اعتق دت الكم ال ص رت عاش قا ً‬
‫ومسبحا ً لما تعشق‪ ،‬فالنفس مفطورة على حب الكمال‪.‬‬
‫مبدأ العشق انعقاد القلب على كمال الشيء‪ ،‬اإلنهماك في لذة دنيوي ة أو غيره ا‬
‫تسبيح بحد ذاته‪ ،‬ألنك نسبت لشي ٍء كماالً‪ ،‬ولكنك بذلك ُتخطئ إذ انح رفت عن‬
‫الكمال األصل‪ ،‬لذا يتوجب ان تنظ ر بعي نين عين على هللا واألخ رى في آث ار‬
‫هللا ‪-‬أي مخلوقاته‪ -‬ال بعين على آثار هللا فقط‪ ،‬وذلك لكي تغترف من عشق هللا‬
‫في كل شيء‪.‬‬
‫عندما تأكل‪ ،‬تذ ّكر أن قوة اإلستذواق من هللا‪ ،‬والطعم المُس تذوق من هللا‪ ،‬وك ل‬
‫ه ذه الخ واص قبس آث ار جم ال هللا إذ "ال م ؤثر في الوج ود إال هللا" فاهلل ه و‬
‫الذي جعل خاصية اإلستذواق في اللسان‪ ،‬عن دها س تعرف مص در الكم ال في‬
‫الموج ودات‪ ،‬وس يمتزج العش ق اإللهي بك ل الموج ودات وس يتدكدك وج ودك‬
‫بأكمله ولن ترى لنفسك اثراً‪ ،‬بل كل اآلث ار من هللا تع الى مس تهلكة في قدرت ه‬
‫عز شأنه‪.‬‬
‫بهذا يمكنك التخلص من الشوائب السوداء التي تمن ع تجلى الجم ال األزلي في‬
‫النفس‪ ،‬فحينها تدرك أن كل أثر منه وال يوجد أثر منك‪ ،‬ومن هنا يتضح معنى‬
‫الحديث القدسي "كنت لسانه ويده"‪ ،‬وبهذا ينتهي الدرس الثاني‪ ،‬ويتلوه درجات‬
‫الجهاد مع النفس وآثار الجهاد وكيفيته وكيفية ترك المعاصي الستكمال ت وهج‬
‫العشق في القلب‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫انتظرونا‪...‬‬

‫الدرس الثالث‪ :‬درجات المراقبة‬


‫مقدمة‪ :‬المراقبة والمحاسبة والمشارطة‬
‫هناك ثالث أمور ينبغي على السالك أن يصحبها معه في مراح ل جه اد النفس‪ ،‬وهي‬
‫المشارطة والمراقبة والمحاسبة‪.‬‬
‫فالمشارطة هي أن ُتعيّن ع دة أم ور وتش ترط على نفس ك أن تل تزم به ا‪ ،‬ولكي تبعث‬
‫الروح في المشارطة يجب أن تقوم بـ"المراقبة" لنفسك فتراقبها طول الي وم لئال تزي غ‬
‫عما اشترطت به على نفسك‪.‬‬
‫وفي آخر اليوم تقوم بمحاسبة نفسك حول ما اشترطه على نفس ك‪ ،‬فت ذاكر م ا حص ل‬
‫في يومك؛ هل التزمت بما اشترطته أم ال؟ فإن كان نعم فاش ُكر هللا على ذلك وإن كان‬
‫ال فاستغفر هللا تعالى واطلب منه التوفيق ألداء الوظائف بالشكل المطلوب‪.‬‬
‫في ه ذا ال درس س نعين اإللتزام ات الخاص ة بك ل مرحل ة‪ ،‬وبه ذا يع بر اإلنس ان من‬
‫ظلمات الدنيا إلى نور الملكوت‪..‬‬
‫ترقبوا‪..‬‬

‫الفصل األول‪ :‬الدرجة األولى في المراقبات‬


‫اول مرحل ة من المراقب ة تكمن في اإلل تزام بالواجب ات وت رك المحرم ات‪،‬‬
‫ويكون العشق في هذه المرحلة متذبذبا ً فالمغريات الخارجية والدوافع النفسانية‬
‫كاألمواج المتالطمة التي تحيط بالقلب لتخرسه عن عشق هللا تعالى‪.‬‬
‫وننبه بشكل سريع على أهم الواجبات والتي تعتبر عماد هذه المرتبة‪:‬‬
‫إقامة الصالة في وقتها تماما ً وعدم تأخيرها ألي عذر تاف ه‪ .‬استحض ار عش ق‬
‫هللا تعالى بع د ك ل فريض ة بش كل ال يش ق على النفس وال تتنف ر من ه‪ ،‬به ذين‬
‫‪10‬‬
‫األمرين تستطيعون احكام األمر مع النفس فال تزيغ وهما األساس في الطاع ة‬
‫والمعص ية؛ الص الة‪ ،‬والتوج ه هلل؛ وهم ا كالجن احين في ه ذه المرتب ة ومن‬
‫شأنهما رفعكم للمرتبة الثانية‪.‬‬
‫وذكرنا سابقا ً الرواي ة عن أم ير المؤم نين علي ه الس الم "ذك ر هللا دواء أعالل‬
‫النفوس" فمن المعلوم أن القلب يعشق شيئا ً واحداً فقط‪ ،‬إذ يوجد صراع محت دم‬
‫بين الطرفين فكالهما يريد االستقرار في القلب‪ ،‬لذلك عليك أن تطبق م ا ُذك ر‬
‫في الدرس األول وتكرره ما لزم إلقرار العشق في القلب ويكون المُلك هلل عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫فكلما طبقت ما ُذكر هناك استقوى سلطان العشق‪ ،‬وال تنسى أن تشارط نفس ك‬
‫وتحاسبها يوميا ً كما ذكرنا سابقاً‪ ،‬ورك ز في المش ارطة على الص الة والعش ق‬
‫هلل تع الى ب أن ت ذكر نفس ك ‪-‬بع د ص الة الفج ر مثالً‪ -‬على أن تل تزم به ذين‬
‫األمرين وأن ال تترك شاغالً يشغلك عن الصالة‪ ،‬ال يشغلنك الطعام وال ت ترك‬
‫الصالة ألجل التلذذ بأي شيء دنيوي‪.‬‬
‫وحينها يصبح اإلنسان مؤهالً للمرحلة الثانية‪ ،‬تابعونا‪..‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬الدرجة الثانية من المراقبات‬


‫المرحلة الثانية هي ترك اللغ و والله و‪ ،‬وله ذه المرتب ة أهمي ة بالغ ة في تهيئ ة‬
‫النفس للعشق‪ ،‬إذ يراد أن يكون استيالء العش ق اإللهي بش كل ت ام على القلب‪،‬‬
‫ففي المرحلة السابقة العشق بمثاب ة حب ل نج اة فبمج رد تمس ك العب د ب ذكر هللا‬
‫تعالى واألنس به ينتقل تلقائيا ً للمرحلة الثانية‪.‬‬
‫يجد اإلنسان نفسه في المرحلة الثانية َت َن ّف ر وبُغض لك ل م ا يس مى له و ولعب‬
‫ولغو وضحك ‪ ...‬الخ‪ ،‬فيختار في ه ذه الح ال العزل ة لكي يب ني قلب ه ويعم ره‬
‫بذكر هللا تعالى فيكون مؤهالً حينها لسطوع بارقات العشق فيه‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫السبب في تنفر السالك من تلك األمور ه و أن لك ل منه ا أث ر معين في القلب‪،‬‬
‫فالسالك ألنه تفاعل مع غير هللا تعالى يحس بحجاب على قلبه‪ ،‬بل ح تى بعض‬
‫المباحات تصبح محرمة عليه ألنها تشغله عن هللا تعالى‪ ،‬فإذا لم يقطع اإلنسان‬
‫أواصر التعلق بغير هللا تعالى فيستحيل الصعود‪.‬‬
‫وفي هذه المرحلة ينبغي التركيز في المحاسبة والمشارطة‪ ،‬وأهم بنودها‪:‬‬
‫عدم التأثر بكالم المحيطين حزنا ً وغضبا ً وفرحا ً فيما إذا كانت لغير هللا تعالى‪.‬‬
‫ترك األكل الزائد عن الحد‪ ،‬وترك كل ما يشغل عن ذكر هللا تعالى‪.‬‬
‫البنود السابقة تختص بالمباحات‪ ،‬هذا فض الً عن المحرم ات والمطل وب من ك‬
‫اآلن أن تشارط نفسك على هذه الشروط‪ ،‬وهي أكثر مما ذكرن اه‪ ،‬والمش ارطة‬
‫يجب أن تكون كالتالي‪:‬‬
‫حينما تري د ال دخول في مجلس أو تري د ال دخول في الس وق أو أي ش يء في ه‬
‫معامل ة م ع الن اس علي ك أن تك ثر من ذك ر هللا تع الى وأن ال تتفاع ل معهم‬
‫باألمور المذكورة سابقا ً وإال فتوقع سقوطا ً مؤلماً‪ ،‬وقبل الدخول ذكر نفسك بما‬
‫اشترطته على نفسك فلن تنسى حينها واجباتك‪.‬‬
‫اآلن صرت مهيئا ً للولوج في أهم المدارج‪.‬‬
‫يتبع‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬الدرجة الثالثة من المراقبات‬


‫حينما يخلو القلب من التعلقات يُش ّع العش ق اإللهي في ه‪ ،‬على اإلنس ان في ه ذه‬
‫المرتبة أن يتوجه هلل بال ذكر ليحاف ظ على وج ود العش ق في قلب ه فالس الك في‬
‫هذه المرحلة يشعر باهلل في قلبه بتوجه ه ل ه وبمناجات ه وذك ره في القلب ولكن‬
‫شيئا ً فشيئا ً يحس بوجود هللا تعالى في كل مك ان فيعيش حال ة من الخض وع هلل‬
‫‪12‬‬
‫تعالى واألنس الشديد وكأن روحه منفص لة عن جس ده وال تك اد النفس ت رغب‬
‫بملذات الدنيا وكأنها غرقت في بحر العش ق اإللهي‪ ،‬وينبغي الحف اظ على ه ذه‬
‫الحالة في كل آن "ما جع ل هللا لرج ل من قل بين في جوف ه" فليكن القلب دائم ا ً‬
‫متوجها ً هلل تعالى‪.‬‬
‫يسهل على اإلنسان في مثل هذه الحال رفض أعلى لذات ال دنيا ألن ه في ح ال‬
‫تركه لكل شهوة تعرض أمامه يتضاعف العشق في قلب ه وال ذي ه و أعلى من‬
‫كل لذات الحياة‪ ،‬وحينها ستضمحل النفس الحيوانية فال يع ود له ا رغب ة وهن ا‬
‫يبدأ حبل الوصال مع هللا تعالى‪.‬‬
‫ولكن ليحذر السالك في هذه المرتبة‪ ،‬فقد تلفظ النفس الحيواني ة أنفاس ها وتع ود‬
‫ً‬
‫حية نسبيا ً فال تترك الذكر حينها لكي تميتها‪.‬‬
‫وال ينبغي ترك المشارطة‪ ،‬وهي في هذه المرتبة عدم اإللتفات لغير هللا تع الى‬
‫وعدم التلذذ بما يشغلك عن عشقك هلل تعالى‪ ،‬يجب عليك إحضار ذك ر هللا ع ز‬
‫أمر دنيوي‪ ،‬في معاشرة الناس واألكل وغ يره من األم ور‪ ،‬يجب‬ ‫وجل في كل ٍ‬
‫ان يكون ذكر هللا في كل هذه األمور واال فالسقوط!‬
‫وقد ذكرنا بعض التفاصيل سابقاً‪ ،‬فلكل شيء ح ول اإلنس ان أث ر وال ينبغي أن‬
‫يش تغل عن عش ق هللا تع الى في تل ك األح وال وإال سيس قط حتم اً‪ ،‬وس تعود‬
‫الظلمات لقلبه وستحجبه عن مراده‪ ..‬فليحذر!‬
‫انتظرونا للمزيد‪..‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬الدرجة الرابعة من المراقبات‬


‫المرتبة الرابعة وهي آخر مراتب المراقبة‪ ،‬وتأتي بشكل تلقائي فحينم ا يحاف ظ‬
‫اإلنسان على المراتب الثالث المذكورة ف إن الرابع ة ت أتي بش كل تلق ائي وهي‬
‫المرتبة األخيرة قبل الفتح‪ ،‬وفيها يحس اإلنسان أن ك ل ش يء يس بّح هللا تع الى‬
‫‪13‬‬
‫ويعشقه ويعيش السالك هذا العشق مع كل الموجودات وكأن كل صوت يسمعه‬
‫وكل ما يحس به يقول "ال إله إال هللا" و"سبحان هللا" وكأن منادي ا ً ين ادي "ه و‬
‫األول واآلخر والظاهر والباطن" فتندك النفس األمارة بالسوء "الحيواني ة" وال‬
‫يبقى أثر أو ميل لما يسمى بـ"معصية"!‬
‫وهنا ُتحل القيود‪ ،‬كأن السالك يحوم حول العرش اإللهي مع الملكوت يين‪ ،‬ي رى‬
‫حينها هللا في كل شيء ويعايش قدرة هللا تع الى وظه ور أس ماءه في مخلوقات ه‬
‫فيكاد يخرج من بدنه شوقا ً هلل تعالى‪.‬‬
‫وال يرى حينها لنفس ه فض الً‪ ،‬والمراقب ة المطلوب ة في ه ذه الدرج ة أن يرك ز‬
‫على نفس ه وأعض ائها ويقتله ا ‪-‬قتالً معنوي اً‪ -‬واح داً تل و اآلخ ر‪ ،‬فه و يس مع‬
‫وبحول منه‪ ،‬وأن هللا المؤثر الوحيد وهذا هو‬
‫ٍ‬ ‫ويبصر ويمشي ويحس بقدرة هللا‬
‫المطلوب استحضاره في ذلك الوقت مع وجود العشق‪ ،‬وال يرى السالك حينه ا‬
‫لنفسه قو ًة إال من هللا تعالى‪ ،‬فباهلل قامت النفس وبه تستمر!‬
‫يقول اإلمام علي عليه السالم "ما رأيت شيئا ً إال ورأيت هللا قبله ومعه وبعده"‪.‬‬
‫إذا ثبتت قدماك في هذا الوادي فال يمكن أن تميل نفسك للحرام ابداً‪ ،‬فقد م اتت‬
‫ولم يبق وجود للنفس الحيوانية لتريد شيئا ً‪.‬‬
‫ومن بعد هذه المرتبة يدخل اإلنسان عالما ً آخر وقد حاز حينه ا على مرتب ة ال‬
‫توصف من الكمال‪ ،‬طوبى للواصلين!‬
‫"متى ما تلق من تهوى دع الدنيا واهملها"‬

‫الفصل الخامس‪ :‬كيفية تصفية‪ K‬الذهن وترك المعصية‬


‫ننبه األخوة أيضا ً لنقاط أخرى ينبغي التوجه له ا ألهميته ا ومحوريته ا في الس ير إلى‬
‫هللا‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫اإلنسان وكما ذكرنا سابقا ً يتفاعل مع ما حوله وي ترك التفاع ل أث راً في النفس‪ ،‬وه ذه‬
‫اآلثار من شأنها أن تقلب األحوال مع أدنى غفلة‪ ،‬فمن تل ذذ بمعص ية س ابقة وكرره ا‬
‫مرة وأخرى‪ ،‬سينطبع األثر في النفس وستكون لذة تلك المعصية ماثلة في النفس‪ ،‬فلو‬
‫غفل اإلنسان في هذه المعركة عن هللا تعالى سيأتي الش يطان وس يثير آث ار تل ك الل ذة‬
‫الموجودة في النفس ليسقط اإلنسان مجدداً في فخاخه‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬إذا أردت أن تمحو آث ار تل ك المعص ية‪ ،‬ع وّ د نفس ك على العش ق هلل تع الى كم ا‬
‫ذكرنا في الدرس األول‪ ،‬ليكون العشق هو الماثل في نفس ك‪ ،‬وكلم ا اق ترب الش يطان‬
‫تس تطيع بس هولة أن تس تذكر محب ة هللا ع ز وج ل فيخيب الش يطان والنفس وه و‬
‫المقصود من اآلية المذكورة في القرآن "إن الذين اتقوا إذا مسهم ط ائفٌ من الش يطان‬
‫تذكروا فإذا هم مبصرون"‪.‬‬
‫وبه ذا تس تطيع محارب ة الخ واطر واألفك ار الالإلهي ة واس تعمل ه ذه الطريق ة أيض ا ً‬
‫لتص فية نفس ك من األفك ار الس يئة وح ديث النفس وال تي يع د ك ل منهم ا ش اغالً عن‬
‫الوصول للمطلوب‪.‬‬
‫ث َل َس مِع ُتم‬
‫الحدي ِ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَي ِه َوآ ِلهِ‪" :‬لوال َت َم ُّز ُع ِ‬
‫قلوب ُكم و َت َز ُّي ُد ُكم في َ‬ ‫هللا َ‬
‫يقول رسو ُل ِ‬
‫ما أس َمعُ"‪.‬‬
‫بهذا ينتهي الدرس الثالث‪ ،‬ترقبوا الدرس الرابع‪...‬‬

‫الدرس الرابع‪ :‬سنن في السير والسلوك‬


‫مقدمة‪ :‬مسايسة النفس‬
‫يالحظ في بعض األوقات تنفر النفس عن أداء بعض الطاعات‪ ،‬ل ذلك يت وجب‬
‫اجتناب العمل في هذه األحيان‪ ،‬والمالك في ذلك هو هذا الحديث‪:‬‬

‫‪15‬‬
‫يقول اإلمام الرضا عليه السالم‪" :‬إن للقلوب إقب االً وإدب اراً‪ ،‬ونش اطا ً وفت وراً‪،‬‬
‫ف إذا أقبلت أبص رت وفهمت‪ ،‬وإذا أدب رت كلت وملت‪ ،‬فخ ذوها عن د إقباله ا‬
‫ونش اطها‪ ،‬واتركوه ا عن د إدباره ا وفتوره ا"‪ .‬واألم ر ينطب ق على األذك ار‬
‫المتعلقة بتحصيل العشق والتي سبق ذكرها في ال دروس الس ابقة فال ينبغي أن‬
‫يُغفل عنها‪ ،‬كما ينطبق على العبادات البدنية والقلبية كذلك‪.‬‬
‫وهناك قاعدة أخرى أيضا ً في هذا المجال ال ينبغي الغفلة عنها وهي من أقوال‬
‫السيد الطباطب ائي ق دس س ره الش ريف إذ ق ال م ا مض مونه؛ على الس الك أن‬
‫يشتغل بالعبادة طالما وجد في نفسه ميالً لها‪ ،‬ويقلع عنها م ع بق اء الش وق له ا‬
‫حفاظا ً على هذه الرغبة وهذا الميل‪ ،‬وبالتالي يرى نفسه دائم الظمأ للعبادة‪.‬‬
‫انطالقا ً من هذه القاعدة يتوجب التعبد بما تش تهيه النفس وت رغب ب ه‪ ،‬وبع دها‬
‫يتم تحديد مقدار العبادة بحيث يترك السالك تلك العبادة قب ل الش بع ليك ون دائم‬
‫الذكر والشوق هلل تعالى‪.‬‬
‫ويتوجب تط بيق ه ذه المقدم ة على م ا مض ى وم ا س يأتي‪ ،‬ونؤك د على ش دة‬
‫أهميتها‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬دوام الطهارة‬


‫من مهمات سنن هذا الطريق هو البقاء على وضوء‪ ،‬من مم يزات ه ذا العم ل‬
‫أنك تستطيع لمس القرآن دائماً‪ ،‬وتستطيع أن تستفتح ب القرآن وتس تخير هللا في‬
‫أي وقت تشاء‪.‬‬
‫أما في الروايات فقد روي عن الرسول صلى هللا عليه وآله أنه قال‪:‬‬
‫يا أنس‪ ،‬أكثر من الطهور يزيد هللا في عمرك‪ ،‬وإن اس تطعت أن تك ون باللي ل‬
‫مت على طهارة شهيداً"‪.‬‬
‫والنهار على طهارة فافعل‪ ،‬فإنك تكون إذا ّ‬

‫‪16‬‬
‫وال ينبغي اإلسراف في الوضوء وال ُغسل فقد روي عن ه ص لى هللا علي ه وآل ه‬
‫أنه قال‪:‬‬
‫" الوضوء بمد‪ ،‬والغسل بصاع‪ ،‬وسيأتي أقوام بعدي يستقلون ذلك‪ ،‬فأولئك على‬
‫خالف سنتي‪ ،‬والثابت معي على سنتي معي في حظيرة القدس"‪.‬‬
‫مساو لك أس م اء تقريب اً‪ ،‬والص اع م ا بين ‪ ٤.٣‬و‪ ٤.٩‬ل تر كم ا ه و عن د‬
‫ٍ‬ ‫المُد‬
‫الفقهاء اليوم‪.‬‬
‫ومن مميزات الكون على طهارة هو ما قاله استاذ السيد اإلم ام الخمي ني ق دس‬
‫سره وهو أن الكون على طهارة بمثابة لباس الجندي‪.‬‬
‫فالجندي حينه ا يك ون مس تعداً لمكافح ة األع داء‪ ،‬واألهم من ذل ك ان ه يجعل ك‬
‫قريبا ً من هللا تعالى‪ ،‬بل وله آثار وبركات في نزول النفح ات الغيبي ة واألن وار‬
‫اإللهية‪ ،‬فال ينبغي للسالك أن يفوت مثل هذه الفرصة‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬النوم وآدابه‬


‫قال رسول هللا ص لى هللا علي ه وآل ه "ق الت أم س ليمان بن داود لس ليمان علي ه‬
‫السالم‪ :‬يا بني‪ ،‬إياك وكثرة النوم باللي ل‪ ،‬ف إنّ ك ثرة الن وم باللي ل ت دع الرج ل‬
‫فقيراً يوم القيامة"‪.‬‬
‫من العادات السيئة الشائعة في زمننا كثرة الن وم بش كل غ ير ط بيعي وتق ديس‬
‫شديد للنوم‪ ،‬حتى أن البعض يصرحون بأن هوايتهم هي النوم!‬
‫قال الباقر عليه السالم "قال موسى عليه السالم‪ :‬أي عبادك أبغض إليك؟ ق ال‪:‬‬
‫جيفة بالليل‪ ،‬بطال بالنهار"‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫قبل النوم ال تنسى الوضوء وأذكار ما قبل النوم‪ ،‬واح رص أن يك ون آخ ر م ا‬
‫تغادر نفسك جسدك به هو عشق هللا تع الى‪ ،‬فتغ ادر ب دنك بطه ارتين "طه ارة‬
‫القلب وطهارة البدن"‪.‬‬
‫أفضل مقدار للنوم هو ست ساعات‪ ،‬وإن لم تعت د النفس على ذل ك فإنه ا حتم ا ً‬
‫مع األيام تعتاد وال يأتيها النعاس في أوقات النهار‪.‬‬
‫ترقبوا المزيد‪...‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬األكل وأحكامه‬


‫هناك روايات كثيرة تؤكد على دور التحكم بالبطن في شد الرحال إلى هللا ع ز‬
‫وج ل‪ ،‬وأن لتقلي ل الطع ام دور أساس ي في جه اد النفس‪ ،‬وال ذي ع ده اإلم ام‬
‫الصادق عليه السالم في رواية عنوان البصري من أسس السير إلى هللا فكانت‬
‫وصيته في رياضة النفس ُجلُّها عن الطعام كما صرح عليه السالم‪.‬‬
‫نص كالمه عليه السالم‪:‬‬
‫"أما اللواتي في الرياضة‪ :‬فإياك أن تأك ل م ا ال تش تهيه‪ ،‬فإن ه ي ورث الحماق ة‬
‫والبله‪ ،‬وال تأكل إال عند الجوع‪ ،‬وإذا أكلت فكل حالال وس ّم هللا‪ ،‬واذكر ح ديث‬
‫الرسول صلى هللا عليه وآله‪ :‬ما مأل آدميٌّ وعا ًء شرّ اً من بطن ه‪ ،‬ف إن ك ان وال‬
‫ٌ‬
‫وثلث ل َن َفسه"‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫وثلث لشرابه‬ ‫ٌ‬
‫فثلث لطعامه‬ ‫ب ّد‬
‫عندما تأكل وأنت لست جائعا ً بل فق ط من منطل ق الش هوة حتم ا ً سيس بب ذل ك‬
‫آثار سلبية وسيُظلم القلب‪ ،‬وسيحتجب القلب عن هللا تعالى‪.‬‬
‫باإلضافة لذلك‪ ،‬األكل من الماديات‪ ،‬فهو يُع د غ ذاء للب دن‪ ،‬وب ه يتق وى الب دن‬
‫فإذا زاد عن الح د طغى على ص فاء ال روح وعمي القلب عن معش وقه‪ ،‬وأنت‬
‫تأكل توقف عند ح ٍد ما‪ ،‬أي قبل الشبع وال تعمي قلبك بيدك‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫أم ا ح ول أك ل م ا تش تهيه النفس فليس المقص ود من ذل ك أن تأك ل أش هى‬
‫الوجبات‪ ،‬بل إن في كالم اإلمام عليه السالم إطالق فلم يحدد‪ ،‬فكل ما تش تهيه‪،‬‬
‫فهو لم يقل كل أشهى شيء‪.‬‬
‫يتبع‪.‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬ساعة مع هللا‬


‫ال بد من وجود ساعة يومية يجلس فيها اإلنسان ألجل إحياء قلبه‪.‬‬
‫كزيارة المعصومين عليهم السالم‪ ،‬وقراءة آيات من كتاب هللا‪ ،‬والمناجاة‪ ،‬ه ذه‬
‫المواد جديرة ببناء القلب وإحياءه‪.‬‬
‫ولكن قد ال يتسنى للبعض أن يجلس في خلوة م ع هللا تع الى لش غل م ا‪ ،‬إال أن‬
‫هناك محراب للعبادة داخل النفس؛ أال وهو القلب‪ ،‬جالس فيه ربك واذك ره في‬
‫نفس ك‪ ،‬ب ل إن ه ذه الطريق ة ‪-‬غالب اً‪ -‬أبل غ في الوص ول من الطريق ة األولى‬
‫ومناج قلبه سا ٍه!‬
‫ٍ‬ ‫داع‬
‫المذكورة‪ ،‬فكم من ٍ‬
‫وال يقتص ر إحي اء القلب على العب ادة فحس ب‪ ،‬ب ل إن طلب العل وم ال تي من‬
‫ش أنها إج راء ال دمع وإيج اد إقب ال على هللا لمن األم ور ال تي تح يي القل وب‪،‬‬
‫كق راءة س ير المعص ومين عليهم الس الم‪ ،‬أو كت اب اخالقي يُش عر اإلنس ان‬
‫بتقصيره نحو هللا تعالى‪ ...‬وغيره‪.‬‬
‫ومن أروع األوقات التي يجدر باإلنسان التخلي فيها مع هللا هي بعد الفرائض‪،‬‬
‫وخصوص ا ً ص التي المغ رب والعش اء‪ ،‬وخصوص ا ً إذا ك انت في المس جد أو‬
‫مك ان ل ه ج و روح اني خ اص ول ذلك ت أثير في ص قل القلب وحض وره في‬
‫العبادة‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫يتبع‪...‬‬

‫الفصل الخامس‪ :‬طلب العلم‬


‫ق ال الص ادق علیه الس الم ‪ :‬لس ت أحب أن أرى الش اب منكم إال غادي ا ً في‬
‫حالين‪ :‬إما عالما ً أو متعلماً‪ ،‬فإن لم يفعل فرّ ط‪ ،‬فإن ف ّرط ضيّع‪ ،‬فإن ض يّع أثم‪،‬‬
‫وإن أثم سكن النار والذي بعث محمداً بالحق!‬
‫رأس مال السير إلى هللا تعالى‪ ،‬ومنارة الطريق هلل عز وج ل ه و العلم‪ ،‬والعلم‬
‫ال ذي ال يُعم ل ب ه ليس ن وراً‪ ،‬ف العلم "ن و ٌر يق ع في قلب َمن يري د هللا تب ارك‬
‫وتع الى أن يهدي ه" و"ليس العلم ب التعلّم" ف إبليس ك ان من كب ار العلم اء بين‬
‫المالئك ة وال ي زال من العلم اء ولكن ه ك افر كم ا نعلم‪ ،‬فليس الفض ل في نفس‬
‫العلم بل العمل به‪.‬‬
‫ومن السخافات أن يظن اإلنسان أنه كلما قرأ كتابا ً عرفانيا ً اق ترب هلل ووص ل!‬
‫وما يدريه لعلها تضره حالياً‪ ،‬فالذي يريد هللا فعالً ينظ ر بعين العق ل م ا ال ذي‬
‫سينفعه‪ ،‬فإذا أراد تعلم شيء فلينتخبه بعقله ال بشهوته ورغبته‪.‬‬
‫وال بد من الحضور في المحافل العلمية أو ال أقل اإلستماع لها فهي كث يرة في‬
‫الش بكة‪ ،‬وال ب د من اإلنتخ اب كم ا تنتخب الطع ام‪ ،‬فالجس م ال يطلب إال م ا‬
‫يحتاجه‪.‬‬
‫يتبع‪....‬‬

‫ختام الدورة‬
‫في الخت ام نس تعرض قض ية مهم لطالم ا تط رق البعض للس ؤال عنه ا؛ وهي كي ف‬
‫نجاهد انفسنا ونحن في وسط الغافلين واألموات؟؟‪...‬‬

‫‪20‬‬
‫سيكون الجواب بأن هذه األعمال التي عرضناها في الدورة هل يصعب تطبيقه ا على‬
‫نفسك؟؟ طبعا ً ال‪ ،‬ولكن ال بد لإلنسان من خلوة وان لم يتمكن فليختل في قلب ه م ع هللا‬
‫كما اكدنا سابقاً‪...‬‬
‫ونؤكد بشدة على استحضار وج ود هللا تع الى وعش قه في ك ل األح وال واينم ا كنت‪،‬‬
‫حيث قال آي ة هللا بهجت ح ول ه ذا العم ل بأن ه ه و الموص ل ول ه اث ر ب الغ في طي‬
‫الطريق‪...‬‬
‫نسألكم الدعاء ونعتذر على اإلطالة‪..‬‬

‫وفقكم هللا‪...‬‬

‫‪21‬‬
‫المحتويات‬
‫مدخل الدورة_____________________________________‪2‬‬
‫مقدمة ‪ -‬الهدف من الخلق_______________________________‪2‬‬
‫الفصل األول‪ :‬حقيقة النفس______________________________‪3‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬في أصناف المؤمنين_________________________‪3‬‬
‫الدرس األول‪ :‬العشق اإللهي____________________________‪4‬‬
‫مقدمة‪ :‬فطرة النفس___________________________________‪4‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬كيفية إيجاد حب هللا في القلب____________________‪5‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬تثبيت العشق اإللهي__________________________‪7‬‬
‫الدرس الثاني‪ :‬نور النفس______________________________‪8‬‬
‫مقدمة‪ :‬آثار األعمال___________________________________‪8‬‬
‫الفصل األول‪ :‬نور النفس________________________________‪8‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬معنى حديث "كنت لسانه ويده"__________________‪9‬‬
‫الدرس الثالث‪ :‬درجات المراقبة_________________________‪10‬‬
‫مقدمة‪ :‬المراقبة والمحاسبة والمشارطة______________________‪10‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الدرجة األولى في المراقبات____________________‪11‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الدرجة الثانية من المراقبات____________________‪12‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الدرجة الثالثة من المراقبات____________________‪13‬‬
‫‪22‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬الدرجة الرابعة من المراقبات___________________‪14‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬كيفية تصفية الذهن وترك المعصية______________‪15‬‬
‫الدرس الرابع‪ :‬سنن في السير والسلوك_____________________‪16‬‬
‫مقدمة‪ :‬مسايسة النفس________________________________‪16‬‬
‫الفصل األول‪ :‬دوام الطهارة_____________________________‪17‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬النوم وآدابه______________________________‪18‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬األكل وأحكامه____________________________‪19‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬ساعة مع هللا_____________________________‪20‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬طلب العلم______________________________‪20‬‬
‫ختام الدورة_______________________________________‪21‬‬
‫المحتويات________________________________________‪23‬‬

‫‪23‬‬

You might also like